سياسة

تعويم النظام الأسدي: نظام عصابات القتل والإرهاب وتهريب المخدرات -مقالات مختارة- الجزء الثالث

يتم تحديث هذا الملف دوريا، الأحدث في البداية

للعودة إلى محتويات الجزء الأول والثاني  من هذا الملف على الرابط التالي:

تعويم النظام الأسدي: نظام عصابات القتل والإرهاب وتهريب المخدرات -مقالات مختارة- الجزء الأول

تعويم النظام الأسدي: نظام عصابات القتل والإرهاب وتهريب المخدرات -مقالات مختارة- الجزء الثاني

تحديث 14 تشرين الأول 2023

—————————

العرب والأسد فشل مضاعف/ رضوان زيادة

اجتمع عدد من وزراء الخارجية العرب وعلى رأسهم بالطبع وزيرا الخارجية السعودي والأردني في أيار/مايو الماضي في عمان الأردن مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، وذلك بهدف مناقشة سبل إعادة العلاقات مع النظام، لقد كانت تلك أولى محادثات تجمع الحكومة السورية ومجموعة من الدول العربية منذ قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 2011 مع بدء الثورة السورية ضد الرئيس السوري بشار الأسد.

حينها بدت الأردن والسعودية كأنهما تقودان عربيا الجهود الإقليمية لإعادة تأهيل الأسد، حيث زار وزير الخارجية السعودي العاصمة السورية دمشق والتقى الأسد لأول مرة هناك، كما دعت السعودية الرئيس السوري للمشاركة في القمة العربية التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض من الشهر ذاته.

كانت دعوة الأردن لإعادة تأهيل الأسد تقوم على ضرورة وضع خريطة طريق لإنهاء الصراع ومعالجة قضايا اللاجئين والمعتقلين وتهريب المخدرات والميليشيات المدعومة من إيران، وكلها قضايا تؤثر على الدول المجاورة وخاصة الأردن. وأطلق على هذه السياسة حينها مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، وتضمنت خريطة طريق للتعامل مع عدة ملفات، في مقدمتها محاربة صناعة وتجارة المخدرات.

وأضاف وزير الخارجية الأردني بعد نهاية الاجتماع أن العرب اتفقوا على سياسة تقوم على بحث قضايا اللاجئين والمياه ومسألة الأمن على الحدود التي تشمل مكافحة تهريب المخدرات، وهي القضية التي تحرك الرأي العام الأردني والسياسة الأردنية على مدى الأعوام الخمسة الماضية حيث يعمد نظام الأسد إلى إغراق الأردن بحبوب الكبتاغون المصنعة في سوريا وبدعم من شخصيات مقربة من النظام السوري حيث تقدم هذه الصناعة عائدا ضخما للنظام من العملة الصعبة.

لكن الوزير الأردني ذاته فاجأ الرأي العام في نهاية الشهر الماضي بالقول إنّ الأردن والدول العربية تنتظر رداً من دمشق بعدما قدّمت أوراقاً ومقترحات للتقدم باتجاه حل الأزمة السورية، مشيراً في مقابلة مع تلفزيون “المملكة”، إلى أنّ بلاده تريد حلاً يلبّي طموحات الشعب السوري في وطن آمن مستقر، وتتحرك لحل الأزمة السورية بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

وأضاف “أبلغنا الحكومة السورية بما هو مطلوب، وثمة حوار قائم، لكن في الوقت ذاته لن نتوقف عن القيام بكل ما يلزم لحماية أمننا واستقرارنا”، مشيراً إلى أنّ الأزمة في سوريا، وتهريب المخدرات يشكلان عبئاً كبيراً على بلاده.

وأضاف الصفدي: “سنقوم بما يلزم، لن نسمح بتهديد أمننا الوطني، ولن نسمح بإدخال المخدرات وكل ما تسببه من كوارث إلى الأردن”، مشيراً إلى أن “تهريب المخدرات عملية منظمة والمهربون يمتلكون قدرات كبيرة”. وأضاف في مقابلة أخرى أن ”  عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن زادت بعد محادثات التطبيع العربي التي حدثت في جدة وعمان”.

تصريحات وزير الخارجية الأردني أعلنت عمليا فشل المبادرة العربية في التطبيع مع نظام الأسد مقابل الحصول على تنازلات سياسية من النظام تضمن تطبيق القرار 2254 وتوقف تصنيع المخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية الأردنية وهو ما يفسر من جهة أخرى البرود السعودي في التعامل مع التطبيع مع الأسد.

تلفزيون سوريا

——————–

====================

تحديث 04 تشرين الأول 2023

————————-

النص الكامل لقانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد: عقوبات على أسماء وتمديد لقيصر

يفرض التشريع الجديد سياسة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية على نظام الأسد وداعميه – الكونغرس

طرحت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي نسخة من مشروع قانون مكافحة التطبيع مع نظام الأسد 2023 على المجلس، لتوسيع وتعزيز قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، بهدف إقراره ليصبح قانوناً نافذاً في الولايات المتحدة الأميركية.

وقال السيناتور الجمهوري جيم ريش، الذي قدم المشروع مع زميله السيناتور ماركو روبيو، إنه “على الرغم من تزايد الأدلة ضد بشار الأسد لارتكابه جرائم حرب، كانت هناك موجة مثيرة للقلق من الجهود الرامية إلى إعادة تأهيل وتبييض النظام وجرائمه”.

وأكد السيناتور ريش أن هذا التشريع “يفرض سياسة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية ضد نظام الأسد وداعميه، ويرسل إشارة قوية بأننا سنواصل السعي إلى المساءلة عن جميع الفظائع”.

وفيما يلي النص الكامل لمشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري وفق ما ترجم “تلفزيون سوريا”

من موقع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي.

مشروع القانون

حظر أي إجراء رسمي يقضي بالاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة في سوريا يترأسها بشار الأسد، في حال سنه من قبل مجلس الشيوخ ومجلس النواب في الولايات المتحدة الأميركية عند انعقاد الكونغرس.

القسم الأول: العنوان القصير

يمكن الإشارة إلى هذا القانون باسم: “قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023”

القسم الثاني: تعديلات على قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا

(أ‌) قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا

في القسم 7412 من قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 (جرى تعديل العنوان الرابع والعشرين من قانون ترخيص الدفاع الوطني للسنة المالية 2020، قانون الولايات المتحدة،  المذكرة 8791)

(1) في القسم الفرعي (أ)

(أ‌) في الفقرة (1) عبر إسقاط عبارة “يفرض الرئيس” وكل ما يليها حتى نهاية الفقرة وإضافة كلمة: “الرئيس” لتصبح: (أ) “يفرض الرئيس العقوبات الواردة في القسم الفرعي (ب) فيما يتصل بالشخص الأجنبي الذي يقرر الرئيس.

(ط) بأنه وبعلم منه شارك في نشاط مذكور في الفقرة (2)، سواء في اليوم الذي سن فيه هذا القانون أو بعده.

(ي) بأنه فرد راشد في أسرة تنتمي للشخصية الأجنبية الوارد ذكرها في الفقرة (ط)، ما لم يقرر الرئيس بأن هنالك أدلة واضحة ومقنعة بأن هذا الفرد الراشد من الأسرة قطع علاقاته مع الشخصية الأجنبية الوارد ذكرها في تلك الفقرة، ولا سجل لديه في مجال مساعدة تلك الشخصية الأجنبية بإخفاء أصولها

(ك) يخضع لملكية أو سيطرة الشخصية الأجنبية الوارد ذكرها في الفقرة (ط) أو (ي)

(ب) يمكنه فرض العقوبات الواردة في القسم الفرعي (ب) فيما يتصل بالشخصية الأجنبية التي يقرر الرئيس بأنها تقدم وهي على دراية بذلك بتاريخ سن القانون وبعده، دعماً مالياً، أو مادياً، أو تقنياً كبيراً للشخصية الأجنبية المتورطة في أي نشاط ورد ذكره في أي فقرة فرعية ضمن البند (ب) وحتى البند (هـ) من الفقرة (2)

(ب) في الفقرة (2)

(ط) في الفقرة الفرعية (أ)

(أولاً) عبر تعديل الفقرة (ط) لتصبح كالآتي:

(ط) إن الحكومة السورية (وتشمل أي كيان تملكه الحكومة السورية أو يخضع لسيطرتها)، أو أي شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية، وأي عضو من أعضاء مجلس الشعب السوري، أو أي شخصية سياسية أجنبية رفيعة (بما أن هذا المصطلح معرف في القسم 101.605 من العنوان 31، في قانون اللوائح الاتحادية) لدى حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، ويشمل ذلك أي شخصية سياسية أجنبية رفيعة يكون وضعها على النحو الآتي:

    (أولاً) عضو في القيادة المركزية، أو اللجنة المركزية، أو لجنة التدقيق ولجنة التفتيش في هذا الحزب.

    (ثانياً): رئيس فرع منطقة لحزب البعث

    (ثانياً) في الفقرة (ثانياً) وذلك عبر شطب كلمة (أو) بنهاية الجملة

    (ثالثاً) في الفقرة (ثالثاً)، عبر إضافة كلمة (أو) بعد الفاصلة المنقوطة

    (رابعاً) عبر إضافة التالي بنهاية الفقرة

    (رابعاً) الخطوط الجوية العربية السورية، أجنحة الشام، أو أي شخصية أجنبية مملوكة للخطوط الجوية العربية السورية أو لأجنحة الشام أو تخضع لسيطرتهما.

    (ثانياً) عبر تعديل الفقرة الفرعية (ج) لتصبح كالآتي:

(ج) يبيع أو يقدم طائرات أو قطع تبديل للطائرات وهو يعلم بذلك

“(أولاً) للحكومة السورية، أو (ثانياً) لصالح أو بالنيابة عن الحكومة السورية لأي شخصية أجنبية تعمل في هذا المجال سواء أكانت تخضع بشكل مباشر أم غير مباشر لسيطرة الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة بالحكومة السورية”

    (ثالثاً) في الفقرة الفرعية (د)، عبر شطب كلمة “أو” بالنهاية

    (رابعاً) في الفقرة الفرعية (هـ)

    (أولاً) عبر شطب “خدمات الإنشاء أو الهندسة” وإضافة عبارة: “خدمات الإنشاء أو الهندسة أو الخدمات المادية أو المالية”

    (ثانياً) عبر شطب الفاصلة بنهاية الجملة وإضافة فاصلة منقوطة

    (خامساً) عبر إضافة الآتي في النهاية

(ز) يشارك أو يوجه متعمداً

“(أولاً) عملية تحويل البضائع (ويشمل ذلك السلع الزراعية والأغذية والأدوية والأجهزة الطبية)، أو أي مساعدات إنسانية دولية مخصصة للشعب السوري، أو

(ثانياً) التعامل مع العوائد المترتبة على بيع أو إعادة بيع تلك البضائع المحولة أو المساعدات الإنسانية الدولية، بحسب ما تقتضيه الحالة.

“(ح) يشارك أو يحاول أن يشارك (بشكل مباشر أم غير مباشر) وهو يعلم في عمليات الاستيلاء أو المصادرة أو السرقة أو انتزاع الملكية لتحقيق مكسب شخصي أو لأغراض سياسية في الممتلكات، ويشمل ذلك العقارات الموجودة في سوريا أو التي يمتلكها مواطن سوري.

“(ط) يشارك أو يحاول أن يشارك (بشكل مباشر أم غير مباشر) وهو يعلم في صفقة أو صفقات تخص الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها أو مصادرتها أو سرقتها أو انتزاع ملكيتها والتي ورد وصفها في الفقرة الفرعية (ح)

” (أولاً) يقدم وهو يعلم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً كبيراً لشخصية أجنبية تشارك في أي نشاط ورد ذكره في الفقرة الفرعية (أ)،

(ج) عبر إضافة الآتي في النهاية:

“(4) تعاريف: في هذا القسم

(أ‌) لجان الكونغرس المناسبة: يشير مصطلح: “لجان الكونغرس المناسبة” للآتي:

    (أولاً) لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ

    (ثانياً) اللجنة المعنية بشؤون المصارف والإسكان والمدن وهي تابعة لمجلس الشيوخ

    (ثالثاً) لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب

    (رابعاً) اللجنة المعنية بالخدمات المالية التابعة لمجلس النواب

(ب‌) الخدمات التجارية والمالية: يشير هذا المصطلح لأي صفقة تجري بين الحكومة السورية وأي مصرف أجنبي أو مؤسسة مالية أجنبية تعمل في هذا المجال وتخضع لسيطرة الحكومة السورية ولديها رأسمال يفوق الخمسة ملايين دولار.

(ج) المؤسسة المالية: يشير هذا المصطلح لأي مؤسسة مالية ورد ذكرها في أي من الفقرات الفرعية التالية (أ) (ل) (م) (ن) (ع) (ف) (ق) (ظ) (غ) من القسم 5312 (أ) (2) من العنوان 31، قانون الولايات المتحدة.

(د) صفقة كبيرة: ويشمل هذا المصطلح الغاز الطبيعي أو الكهرباء أو أي صفقة أخرى لها علاقة بالطاقة

(هـ) الصفقة: في أثناء التوصل إلى قرار بموجب الفقرة الفرعية (أ) (2) (أ)، يشمل مصطلح “الصفقة” الصفقات العينية

(2) عبر إضافة الآتي في النهاية:

“(هـ) طلبات الكونغرس: خلال مدة لا تتجاوز 120 يوماً بعد استلام استمارة طلب من قبل رئيس المجلس وأحد الأعضاء البارزين في واحدة من لجان الكونغرس المناسبة وذلك فيما يتصل بمعرفة الشخصية الأجنبية بمشاركتها في أي نشاط ورد ذكره في القسم الفرعي (أ) (2)

يتعين على الرئيس:

“(1) التوصل إلى القرار المنصوص عليه في القسم الفرعي (أ) (1) فيما يتصل بتلك الشخصية الأجنبية

(2) أن يقدم لرئيس الكونغرس وللعضو البارز اللذين قدما الطلب، تقريراً يتصل بهذا القرار يشتمل على بيان يشرح ما إذا فرض الرئيس أو يعتزم أن يفرض العقوبات المذكورة في القسم الفرعي (ب) بحق الشخصية الأجنبية”

(ب) تمديد الانقضاء: تم تعديل القسم 7438 من قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 (22  قانون الولايات المتحدة، المذكرة 8791) عبر شطب “التاريخ المحدد بخمس سنوات بعد تاريخ سن هذا القانون” وإضافة عبارة “31 كانون الأول 2032”.

(ج) القرارات المتعلقة بالأمانة السورية للتنمية

(1) المصطلح المعرف: في هذا القسم الفرعي، يشير مصطلح “لجان الكونغرس المناسبة إلى:

    اللجنة المعنية بالخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ

    اللجنة المعنية بالعلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ

    (ج) اللجنة المعنية بشؤون المصارف والإسكان والمدن وهي تابعة لمجلس الشيوخ

    (د) اللجنة المعنية بالخدمات المسلحة التابعة لمجلس النواب

    (هـ) اللجنة المعنية بالشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب

    (ز) اللجنة المعنية بالخدمات المالية التابعة لمجلس النواب

(3) القرارات:  ينبغي على الرئيس، خلال مدة لا تتجاوز 120 يوماً بعد سن هذا القانون،

(أ‌) تقرير ما إذا كانت المنظمة غير الربحية التي تترأسها أسماء الأسد، السيدة الأولى لسوريا، والمعروفة باسم “الأمانة السورية للتنمية” تحقق المعايير اللازمة لفرض عقوبات عليها

    (أولاً) بموجب القسم 7412 (أ) من قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، كما جرى تعديله بموجب القسم الفرعي (أ)

    (ثانياً) بموجب القرار التنفيذي 13894 (84 من اللوائح الاتحادية 55851، فيما يتصل حظر تملك وتجميد دخول شخصيات معينة أسهمت في الوضع بسوريا، أو:

    (ثالثاً) بحسب طبيعتها لكونها مملوكة أو تخضع لسيطرة شخصية صنفت بموجب أمر تنفيذي أو لائحة صادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية

(ب‌) كل قرار من هذه القرارات يجب تقديمها للجان الكونغرس المناسبة، مع تبرير القرار.

(3) الشكل: يجب تقديم القرار الصادر بموجب الفقرة (2) (ب) بشكل غير سري، إلا أن التبرير الوارد ذكره في تلك الفقرة يمكن أن يرفق ضمن ملحق سري، على أن يتاح القرار غير السري للعموم عبر موقع الحكومة الفيدرالية المتوفر أمام عامة الناس.

(د) النتائج المتعلقة بإمكانية التطبيق على الخطوط الجوية العربية السورية وخطوط أجنحة الشام للطيران، والكيانات المتصلة بهما: توصل الكونغرس إلى النتائج التالية:

(1) في عام 2013 حدد الرئيس الخطوط الجوية العربية السورية على أنها وسيلة محظورة أو كيان يخضع لسيطرة الحكومة السورية وبالتزامن مع ذلك فرض عقوبات على الخطوط الجوية العربية السورية بموجب القرار التنفيذي 13224 وذلك لأنها تعمل لصالح أو بالنيابة عن قوات فيلق الحرس الثوري الإسلامي، وفيلق القدس الإيرانية.

(2) في عام 2016، فرض الرئيس عقوبات على شركة أجنحة الشام للطيران في سوريا بموجب القرار التنفيذي 13582 وذلك بسبب المساعدة المادية التي قدمتها، أو الرعاية التي وفرتها، أو الدعم المالي أو المادي أو التقني الذي وفرته، أو البضائع أو الخدمات التي قدمتها للحكومة السورية وللخطوط الجوية العربية السورية.

(3) القسم 7412 (أ) (2) (أ) (ثالثاً) من قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 (22 قانون الولايات المتحدة الملاحظة 8791) تستلزم تطبيق العقوبات على أي شخصية أجنبية تقدم وهي تعرف دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً كبيراً، أو تشارك وهي تعرف في صفقة كبيرة مع… شخصية أجنبية خاضعة للعقوبات بموجب قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية  (50 قانون الولايات المتحدة، 1701 وما يليها) فيما يتصل بسوريا أو أي بند آخر من القانون يفرض عقوبات تتصل بسوريا، وينطبق ذلك على مقدمي خدمات المطارات خارج سوريا.

(هـ) قابلية الفصل: في حال تبين أن أي بند من هذا القانون أو عند تطبيق هذا البند على أي شخص أو ظرف، بأنه مخالف للدستور فإن ذلك لن يضر ببقية القانون، أو تطبيق هذا البند على أشخاص آخرين أو ظروف أخرى.

القسم الثالث: حظر الاعتراف بنظام الأسد

(أ‌) بيان بالسياسة: وهي سياسة الولايات المتحدة التي تقوم على:

    عدم الاعتراف بحكومة الأسد التي يترأسها بشار الأسد أو تطبيع العلاقات معها، نظراً لاستمرار نظام الأسد بارتكاب جرائم بحق الشعب السوري، ويشمل ذلك عدم تحقيق المعايير المحددة في القسم 7431 (أ) من قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 (22 من قانون الولايات المتحدة، المذكرة 8791).

    المعارضة الفعلية لاعتراف بقية الحكومات بأي حكومة سورية يترأسها بشار الأسد أو التطبيع معها من قبلهم، ويشمل ذلك التطبيق الكامل للعقوبات الإلزامية الأساسية والفرعية الواردة في قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 (العنوان الرابع والعشرون من القانون العام 116-92) والقرار التنفيذي 13894

    استخدام كل السلطات ويشمل ذلك السلطات المنصوص عليها في قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 والقرار التنفيذي 13894 وذلك لمنع أنشطة إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة بشار الأسد.

(ب‌) الحظر: وفقاً للقسم الفرعي (أ)، لا يحق لأي مسؤول أو موظف في الحكومة الفيدرالية اتخاذ أي إجراء، كما لا يجوز إتاحة أي تمويل خاص بالحكومة الفيدرالية، للاعتراف أو التلميح بأي طريقة باعتراف الولايات المتحدة ببشار الأسد أو أي حكومة في سوريا يترأسها بشار الأسد.

اقرأ أيضاً

هجوم دوما

مشرعون أميركيون: إدارة بايدن لم تفعل الكثير لوقف التطبيع مع الأسد

القسم الرابع: استراتيجية الوكالات للوقوف ضد التطبيع مع نظام لأسد

(أ‌) تعاريف: في هذا القسم:

(1) لجان الكونغرس المناسبة: يشير هذا المصطلح إلى:

    (أ‌) اللجنة المعنية بالعلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ

    (ب‌) اللجنة المعنية بالنظام القضائي التابعة لمجلس الشيوخ

    (ج) اللجنة المعنية بشؤون المصارف والإسكان والمدن والتابعة لمجلس الشيوخ

    (د) لجنة الاعتمادات التابعة لمجلس الشيوخ

    (هـ) اللجنة المختارة المعنية بالاستخبارات والتابعة لمجلس الشيوخ

    (و) اللجنة المعنية بالشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب

    (ز) اللجنة المعنية بالنظام القضائي التابعة لمجلس النواب

    (ح) اللجنة المعنية بالخدمات المالية التابعة لمجلس النواب

    (ط) لجنة الاعتمادات التابعة لمجلس النواب

    (ي) اللجنة المختارة الدائمة المعنية بالاستخبارات والتابعة لمجلس النواب

(2) الصفقة المغطاة: يشير هذا المصطلح إلى صفقة تشمل استثماراً أو منحة أو عقداً أو تبرعاً (ويشمل ذلك أي قرض أو غيره من تمديد الديون) تكون على النحو الآتي:

    تقدمها شخصية أجنبية تعيش في تركيا أو الإمارات أو مصر أو الأردن أو العراق أو عُمان أو البحرين أو الكويت أو السعودية أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو ليبيا أو لبنان

    يحصل عليها شخص أو كيان موجود في أي منطقة بسوريا تخضع لنظام الأسد

(ب) التقرير والاستراتيجية المطلوبان

(1) التقديم: خلال فترة لا تزيد على 180 يوماً بعد تاريخ سن هذا القانون، ولمدة خمس سنوات بعد هذا التاريخ، يجب على وزير الخارجية، بالتشاور مع وزير الخزانة، ومدير إدارة مكافحة المخدرات، ورؤساء الأقسام والوزارات والوكالات الفيدرالية المناسبة، تقديم تقرير واستراتيجية للجان الكونغرس المناسبة، لوصف والوقوف ضد الإجراءات التي تم القيام بها أو التخطيط لها من قبل الحكومات الأجنبية بهدف التطبيع مع النظام الذي يترأسه بشار الأسد في سوريا (المشار له في هذا القسم باسم نظام الأسد) أو للتعامل معه أو لتطوير العلاقات السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية معه.

(2) العناصر: يجب أن تشتمل عناصر التقرير المنصوص عليه في الفقرة (1) على ما يلي:

    وصف لانتهاكات القانون الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها بشار الأسد، أو حكومة الاتحاد الروسي، أو الحكومة الإيرانية، مع السعي نحو العدالة والمحاسبة من أجل الشعب السوري.

    قائمة كاملة بالاجتماعات الدبلوماسية على مستوى السفراء فأعلى، بين النظام السوري وأي ممثل عن حكومة تركيا، أو الإمارات أو مصر أو الأردن أو العراق أو عُمان أو البحرين أو الكويت أو السعودية أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو ليبيا أو لبنان على التوالي.

    (ج) قائمة تشتمل على تحديد للآتي:

        (أولاً) أي صفقة مغطاة وحيدة تتجاوز قيمتها 500 ألف دولار

        (ثانياً) أي حالة جمع بين صفقات مغطاة من قبل المصدر نفسه، والتي تتجاوز قيمتها مجتمعة 500 ألف دولار، وتتم خلال سنة واحدة.

(د) بالنسبة لصفقة واحدة أو مجموع صفقات تم تحديدها، بحسب ما تقتضيه الحالة، والمدرجة في القائمة المنصوص عليها في الفقرة الفرعية (ج)، هنالك قرار بخصوص إخضاع تلك الصفقات لأي من أطراف الصفقة للعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، بحسب ما عدل عليه في القسم 2.

(هـ) وصف للخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة لتمنع بشكل فعلي أي اعتراف بنظام الأسد أو تطبيع للعلاقات معه من قبل الحكومات الأخرى، ويشمل ذلك مشاركات دبلوماسية معينة والاستعانة بالعقوبات الاقتصادية المرخصة بموجب القوانين أو المطبقة بحكم الأوامر التنفيذية وتشمل:

    (أولاً) قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 (22 قانون الولايات المتحدة، مذكرة 8791)

    (ثانياً) قانون محاسبة سوريا وإعادة السيادة للبنان (22 قانون الولايات المتحدة، مذكرة 2151)

    (ثالثاً) قانون العقوبات الشاملة على إيران ومحاسبتها وسحب الاستثمارات منها لعام 2010 (22 قانون الولايات المتحدة، 8501 وما يليها).

    (رابعاً) القرار التنفيذي 13894 (اللائحة الفيدرالية 84، مادة رقم 55851، فيما يتصل بحظر الملكية وتعليق دخول شخصيات محددة ساهمت في الوضع بسوريا).

    (خامساً) قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة حول حقوق الإنسان (22 قانون الولايات المتحدة، المادة 10101 وما يليها).

    (سادساً) قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (22 قانون الولايات المتحدة، المادة 9401 وما يليها).

    (سابعاً) قانون تحديد الشبكات الأجنبية للمخدرات (21 قانون الولايات المتحدة، المادة 1901 وما يليها)

(ز) تقييم حول مدى تأثير اعتراف حكومات أخرى بنظام الأسد أو تطبيع العلاقات معه على الأمن القومي للولايات المتحدة، والتوقعات حول تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والتطلع للعدالة والمحاسبة على جرائم الحرب في سوريا، والفوائد التي تجنيها حكومة الاتحاد الروسي أو الحكومة الإيرانية.

(ج) المجال: يجب أن يحدد التقرير الأولي المنصوص عليه في القسم الفرعي (ب) الفترة التي تبدأ بالأول من كانون الثاني من عام 2021 وتنتهي بتاريخ سن هذا القانون، وكل تقرير لاحق يجب أن يحدد فترة سنة واحدة عقب انتهاء مجال التقرير السابق.

(د) الصيغة: يجب تقديم كل تقرير منصوص عليه في القسم الفرعي (ب) بصيغة غير سرية، ولكن يمكن أن يحتوي على ملحق سري. ويجب إتاحة القسم غير السري من هذا التقرير للعموم عبر موقع إلكتروني تابع للحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً

في سيناريو ألمانيا الغربية: دُمّرت البلد بشكل شبه كامل بعد الحرب العالمية الثانية، ثم نهضت من جديد (من زيارة وفد الكونغرس إلى شمال غربي سوريا)

زيارة أميركية ومباحثات خلف الكواليس.. هل يُطبق سيناريو ألمانيا الغربية في سوريا؟

القسم الخامس: تقارير حول تلاعب نظام الأسد بالأمم المتحدة

خلال مدة لا تتجاوز 180 يوماً بعد تاريخ سن هذا القانون، وطوال السنوات الخمس التالية، ينبغي على وزير الخارجية رفع تقرير للجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس الشيوخ وإلى لجنة الشؤون الخارجية لدى مجلس النواب، يصف فيه تلاعب النظام الذي يترأسه بشار الأسد في سوريا (المشار إليه في هذا القسم باسم “نظام الأسد”) بهيئة الأمم المتحدة، ويشمل ذلك:

    وصفاً للشروط، سواء الصريحة أو الضمنية، التي وضعها نظام الأسد فيما يتصل بعمليات الأمم المتحدة في سوريا، والتي تشمل الشروط المتعلقة بالشركاء المنفذين، وممارسات التوظيف، وتخصيص المنح والعقود، وشراء البضائع والخدمات.

    وصفا لأي مدى رفضت الأمم المتحدة أو عارضت أي شرط من تلك الشروط الواردة في الفقرة (1).

    تحديداً لهوية المسؤولين أو الموظفين العاملين لدى الأمم المتحدة (ويشمل ذلك التمويل والبرامج والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة) الذين تربطهم علاقات بنظام الأسد، ويشمل ذلك العلاقات الأسرية، أو التي تربطهم بشخصيات خاضعة للعقوبات التي فرضتها دول مانحة لدى الأمم المتحدة.

    دراسة وافية للقيود التي يفرضها نظام الأسد على دخول الأمم المتحدة وأثرها الشامل على قدرة الأمم المتحدة على تسليم المساعدات الأممية للمستفيدين المستهدفين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

—————————————–

ماذا بعد سقوط أركان التطبيع العربي مع نظام الأسد؟/ سميرة المسالمة

تعامل السوريون مع التطبيع بين الدول العربية والنظام السوري بواقعية، من دون تحميله أي آمال على الصعيدين، السياسي والاقتصادي، فهو منذ الكشف عن أولى خطواته لم يكن يهدف إلى تحسين واقع السوريين داخل بلادهم أو خارجها. وبدا من الواضح أنه قرار سلطوي لبعض الأنظمة العربية، شأن التطبيع العربي مع إسرائيل، فكلتا “العمليتين” تمتا في معزل تام عن دراسة عائديتهما على الشعوب العربية عامة، والشعبين، السوري والفلسطيني، على وجه التحديد، وقضاياهم المصيرية. وبالتالي، البحث عن انعكاسات العودة العربية إلى النظام السوري على السوريين، في ظل الواقع الحالي، نوع من الفانتازيا الإعلامية ليس أكثر. وهو من جهة مقابلة، ليس له أي عوائد سياسية أو اقتصادية على الدول التي تسابقت في الإعلان عن التطبيع معه، فحيث لا يملك النظام ما يقدّمه لهذه الدول، فإن تلك الأنظمة الحاكمة أيضاً لا تملك قرارها في تقديم يد العون له في ظل العقوبات الغربية وغياب الإرادة أو الموافقة الأميركية. ما يعني أنه ليس هناك ما يمكن التعويل عليه سياسياً أو اقتصادياً في حركة التطبيع العربية الجديدة مع النظام السوري، حيث لا تمتلك هذه الدول القدرة على دفع النظام إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 في ظل استخدام روسيا وإيران النظام أداة “جكارة” بوجه الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، فقدت جامعة الدول العربية مصداقيتها أمام الشعوب، ما يخرجها من “إمكانية لعب دور قيادي في الحل السياسي للأزمة السورية” كما يأمل أمين عام الجامعة، أحمد أبو الغيط، وذلك لفقدانها أوراق قوة تمكّنها من التأثير السياسي على طرفي الصراع السوري، النظام من جهة، والشعب المعارض لبقائه من جهة مقابلة.

كان يمكن لجامعة الدول العربية، سابقا، أن تُحدث فارقاً حقيقياً في بداية الثورة، ليس من خلال قرارها تجميد عضوية سورية عام 2011، ولكن بتمسكها بدور عربي فاعل، يقود الحل كما طرحته في مبادرتها الأولى التي قدّمتها في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2011، وكانت المبادرة تحظى بقبول جمهور واسع من الشارع السوري، وحتى من بعض الفاعلين داخل النظام السوري، وكذلك تحظى بدعم دولي كبير، وخصوصا مبادرتها التي طرحتها بعد انتهاء تفويض البعثة العربية إلى سورية نهاية شهر يناير/ كانون الثاني عام 2012، والتي تقضي بتنحّي بشار الأسد وتفويض نائبه (فاروق الشرع) لتولي مهامه.

هكذا في ظل الواقع الحالي، يمكن التعاطي مع التطبيع (سواء مع الأنظمة الديكتاتورية أو مع حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة)، بأنه قرار أنظمة سلطوية، وهو خالٍ من أي قيم سياسية أو أخلاقية، هدفه تأكيد هذه الأنظمة على دعم سياسة تهميش إرادات الشعوب، وتفريغ مضامين ثورات الحرية، والتحرّر، والعدالة. وضمن هذا، يمكن قراءة استمرار محاولات الانفتاح العربي على النظام السوري، في وقتٍ يستمر فيه الأخير بتحدّي إرادة السوريين، وتجاهل معاناتهم، والاستمرار بقمعهم، ورفض السير نحو حل سياسي شامل كما تفرضه قرارات مجلس الأمن، ومنها 2254.

لم تستطع الدول التي سارعت إلى إنهاء قطيعتها مع نظام الأسد تحت شعار “عدم جدواها” تحقيق أهدافها، سواء لجهة الحفاظ على الأمن القومي الذي اتخذته الأردن، كأول أسباب التقارب مع الرئيس السوري، أو لجهة الحدّ من تهريب المخدّرات إليها، وعبرها، إلى الدول العربية، ناهيك عن أن الحديث العام للمطبّعين أو الساعين إلى ذلك، عن استعادة سورية إلى الحضن العربي لنزعها من بين يدي إيران، ذهب أدراج الرياح، حيث زاد النفوذ الإيراني العسكري في العام الأخير على امتداد المساحة التي تقع تحت نفوذ النظام، عبر تمدّد مليشياته جنوباً وشمالاً، كما تعمّق في تغلغله الاقتصادي والتجاري، عبر إضافة  15 اتفاقية وقعتها الحكومة السورية، بحضور الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في دمشق في مايو/ أيار الماضي، ما يمكن اعتباره ردّاً على أي تكهّنات بإمكانية زرع بذور الفرقة بين النظامين.

 وعلى صعيد ملف اللاجئين الأكثر سخونة، فإن تحقيق شرط توفير بيئة آمنة لعودتهم في ظل بقاء نظام الأسد الأمني، يعد معادلة مستحيلة التطبيق، حيث تؤكّد المنظمات الحقوقية، ومنها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تعرّض عديد من العائدين، ويقدر عددهم بـ112 مدنيا للاعتقال، بينهم أطفال وسيدات، ومنهم 24 تعرّضوا للإخفاء القسري، خلال العام الحالي (2023)، ما يعني أن أي وعود قدّمها النظام السوري في هذا الملف لا يمكن الركون إليها. هذا إضافة إلى تأكيد عدة جهات دولية استمرار عمليات انتهاك حقوق الإنسان المستمرّة منذ ما قبل بدء الثورة عام 2011. أي أن الأسباب التي دفعت السوريين إلى النزوح داخلياً، أو اللجوء إلى دول الجوار (الأردن ولبنان وتركيا)، أو عبور البحار بحثاً عن مكان آمن، لا تزال قائمة، ولم تقلّل من أسبابها عودة العرب عن قرار مقاطعة النظام السوري.

وعلى النحو الذي انهارت عليه كل أركان التطبيع التي عنونها العرب لأسباب عودته لاحتضان النظام السوري، انهار أيضاً جدار الحماية الذي حاولوا بناءه لمنع تهريب المخدّرات إلى دولهم، وارتفعت معدّلات التهريب التي تتهم المليشيات الطائفية أيضاً الموجودة في سورية، بأنها شريكة جهات داخل النظام السوري في عمليات تجارة المخدّرات وتصنيعها، وكذلك تطوير وسائل تهريبها من البرّ إلى الجو، عبر مسيّرات مبرمجة عن بعد، ما يؤكّد ضلوع جهات رسمية وأمنية فاعلة في هذه الجرائم.

بالمختصر، يمكن القول إن التطبيع مع نظام الأسد بواقعه الحالي يمثل بيان مساندة من رئيس نظام لرئيس نظام، وهو يشبه في مفعوله بيانات الإدانة التي اعتاد العرب عبر جامعة الدول العربية إصدارها في مواجهة جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، فكما كان حاصل تلك البيانات صفرا، فإن التطبيع مع النظام السوري، من دون القدرة على إجباره على تنفيذ القرار 2254، ليس أكثر من صفر يوضع في خانة السلوك الأخلاقي للأنظمة العربية تجاه قضية الحرية لسورية وللسوريين.

العربي الجديدة

——————————

عمّان “تغسل يديها” من دمشق.. هل تكثف المملكة ضرباتها الجوية؟/ هديل الروابدة

في أول نشاط رسمي بعد عودته من الولايات المتحدة وبزيّه العسكري قائداً أعلى للقوات المسلحة، أعلن الملك أمام شخصيات سياسية وعشائرية أن خطابه في نيويورك كان إنذاراً للعالم من تداعيات الأزمة السورية وانفلات خاصرتها الجنوبية. كما أكد أن الأردن لن يتوانى عن فعل “ما يلزم” بهدف حماية حدوده.

بعد أسابيع على تداعيات استياء “غير رسمي” عبر قنوات صحافية محلية تجاه الحكومة السورية، صعّد الأردن لهجة خطابِه السياسي علناً في نيويورك، تجاه دمشق بطريقة بدت وكأنها بداية انعطافة عن دبلوماسية ناعمة انتهجتها عمّان خلال العامين الماضيين. إذ كان الأردن “رأس حربة” دبلوماسية الاحتواء التي أفضت إلى كسر عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد عربياً بعد غياب 12 عاماً.

 لم يخفِ ملك الأردن عبد الله الثاني في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة “خيبة أمله” من وأد مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، التي أطلقتها بلاده كأساس للتعامل مع نظام الأسد على أمل تخطّي أزمة متناسلة  قوامها محاولات تسلل وتهريب “مخدرات وأسلحة”، فوق أزمة اللاجئين السوريين وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية في المملكة.

الأردن “صبر طويلاً”

تلقي أزمة تهريب المخدرات بظلالها على دول المنطقة بأسرها، لكن يتلقّى الأردن أكبر قدر من تبعاتها سواء كان الأمر يتعلق بالمسيرات التي تحمل مخدر “الكريستال”  أو الأسلحة التي تهرّب عبر الحدود.  التبعات الأمنية والاقتصادية تشغل الجانب الأردني، خصوصاً أنها  تتفاقم  بصورة شبه يوميّة، على رغم اللقاءات رفيعة المستوى بين مسؤولي عمّان و دمشق، في ظل تجدّد المظاهرات في السويداء المتاخمة لحدود المملكة الشمالية وازدياد عمليات التهريب، وهو ما انتقده صراحة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في نيويورك.

في أول نشاط رسمي بعد عودته من الولايات المتحدة وبزيّه العسكري قائداً أعلى للقوات المسلحة، أعلن الملك أمام شخصيات سياسية وعشائرية أن خطابه في نيويورك كان إنذاراً للعالم من تداعيات الأزمة السورية وانفلات خاصرتها الجنوبية. كما أكد أن الأردن لن يتوانى عن فعل “ما يلزم” بهدف حماية حدوده.

يرى وزير الدولة الأسبق محمود الخرابشة في حديث إلى “درج” أن الأردن “صبر طويلاً” قبل أن يرفع صوته حيال المخاطر التي تهدّد المنطقة بسبب “سلبية الحكومة السورية”. 

المشاهد السابقة تزامنت مع إعلان الجيش الأردني إسقاط طائرتين مسيّرتين محملتين بمخدر الكريستال من سوريا، ليرتفع إلى 14 عدد المسيرات المُسقطة منذ بداية العام الحالي منها 3 مسّيرات محملة بأسلحة ومتفجرات.

تلك الاختراقات والنبرة الدبلوماسية الصارمة، رفعتا منسوب الشعور من أن عمّان الرسمية “غسلت يديها” من جارتها الشمالية، وتتجه للاستدارة صوب حلول مختلفة وربما “قاسية”، كما يراها الوزير الخرابشة.

خلال سنوات الحرب، أدارت عمّان دفة علاقاتها مع سوريا  بتوازن مضبوط على إيقاع بوصلة حماية أمنها الوطني، دون أن تقطع “شعرة معاوية” بينها وبين أي من الأطراف،  لكنها اليوم مضطرة للبحث عن خيارات جديدة لحماية مصالحها الوطنية وصدّ التهديدات من بوابتها الشمالية.

“المنطقة العازلة” مستبعدة

لم  يحسم الأردن بعد خياراته المطروحة في “حربه على الكبتاجون”، بحسب محللين تحدثوا إلى “درج”؛ لكن وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة يستبعد ما تروج له وسائل إعلام سورية معارضة، بخصوص التحضير لإقامة منطقة عازلة على الحدود.

يجادل المعايطة بأن المنطقة العازلة تستلزم دخول الجيش الأردني إلى سوريا  والاستقرار فيها، مؤكدا أن الأردن تحاشى ذلك في ذروة الأزمة التي فرّخت تنظيمات إرهابية وميليشيات متطرفة وصلت “آثارها” صوب أراضيه. السبب الثاني، بحسب المعايطة، هو غياب أي أطماع لدى عمان حيال جارتها الشمالية “ولا حتى بالسيطرة على شبر من أراضيها”. كما يوضح أن الأردن لم يستنفذ جميع الوسائل لحماية حدوده لكي يتخذ مثل هذا القرار.

الأهم من ذلك، أن الأردن “لن يزج بجيشه في المستنقع السوري ليخوض معارك بالنيابة عن أحد”، كما يجزم الخبير العسكري جلال العبادي لـ”درج”.

لم يخفِ ملك الأردن عبد الله الثاني في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة “خيبة أمله” من وأد مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، التي أطلقتها بلاده كأساس للتعامل مع نظام الأسد على أمل تخطّي أزمة متناسلة  قوامها محاولات تسلل وتهريب “مخدرات وأسلحة”

صحيح أن عمان هي أول خطوط مواجهة التهريب والأكثر تضرراً وإنهاكاً، لكنها ليست الهدف الوحيد “لبعض عناصر الحكومة السورية وإيران ووكلائها”، كما حدّدها ملك الأردن خلال لقائه رئيس منصّة “المونيتور” في نيويورك. فعين إيران على السعودية أولاً تليها شقيقاتها من دول الخليج،  بحسب العبادي، فيما تراجع ترتيب أزمات الشرق على مؤشر الاهتمام الدولي لمصلحة الحرب الروسية-الأوكرانية.

وفي خلفية المشهد تتصاعد التسريبات حول استيقاظ خلايا داعش “بقدرة قادر” في بعض مناطق سوريا والعراق، بالتزامن مع قدح شرارة ربيع عربي جديد في السويداء ودير الزور والساحل.

تبدو سوريا  بحسب المعطيات والتحليلات وكأنها “قنبلة تُتَكتِك” في حضن العرب، فوق أنها أصبحت مسرحاً لـ “ثالوث أباطرة التهريب ورعاة الكبتاجون والكرِيستال ميث: إيران وحزب الله والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار”.

“مخلفات حرب” عصية على الحل

مؤشرات القلق السابقة المرتبطة كل خيوطها بسوريا،  كان من الممكن اعتبارها “مخلّفات حرب” ثقيلة. يمكن التعامل معها ولو ببطء بعد كسر عزلة بشار الأسد عربياً، لولا أن انقلب الأخير في أول ظهور تلفزيوني له بعد أقل من ثلاثة شهور من اجتماعات قمة جدة المنعقدة في أيار/مايو الماضي، ليحمّل مسؤولية التهريب لمن عدّها “دولاً أسهمت في خلق فوضى سوريا” دون أن يسمّيها.

ذلك التصريح لم يبدّد افتراضات حسن النية م فحسب، بل أوحى أيضا بوجود دوافع “ثأرية” لديه تجاه الأردن وسائر العرب، من منظور الخبير العسكري جلال العبادي، وسط تسريبات حول تراجع الرياض إلى جانب عمّان، خطوة للخلف، لإعادة النظر في الملف السوري، وهو على ما يبدو ما أجل افتتاح السفارة السعودية في دمشق، بحسب التحليلات.

هنا تحديداً تتجلّى حقيقة مُرّة “لكنها حقيقة”، كما يصفها الفريق المتقاعد قاصد محمود لـ “درج”. فسوريا اليوم في الواقع ليست سوريا السابقة الموجودة في أذهاننا. ذلك أنها استحالت جغرافْيا يطوّعها محتلّوها للضغط على الأردن وقراره السياسي وتهديد عمق أمنه الوطني، حسبما يشرح.

هذه الحقيقة قد تدفع عمّان لحرف مسار حوارها وتفاعلاتها مع نظام “لا يملك قراره” أصلاً، صوب دول إقليمية فاعلة مثل روسيا وتركيا، عدا عن الضغط لاستثمار الإحياء الحذر للعلاقاتِ السعودية-الإيرانية، وفق رأي الفريق. وكذلك اللجوء لضرب الأهداف المرصودة على الرادار الاستخباراتي “الدقيق” جوياً ودون تردد.

خيار أخير

الوزير الأسبق محمود الخرابشة يشاطر الفريق المتقاعد رأيه حول ضرورة تكثيف الغارات الجوية على الأهداف التي رصدتها عمّان وتجاهلتها دمشق، على رغم إطْلاع دمشق على هذه الأهداف في اجتماعات أمنية رفيعة المستوى بين الجانبين، لكن النتيجة كانت تكثيف التهريب وتطور مستواه، بل ذهب المسؤولان السابقان في رأيهما إلى ضرورة دعم الدول على المستويين العربي والإقليمي لقرارات عمّان مهما كانت، إذ تلاصق وحيدة خط النار، بينما ينهمك الجميع بإدارة مصالحه وتحالفاته.

على الضفة المقابلة لهذا الرأي، يعتبر الباحث الأميركي المتخصّص بمنطقة الشرق الأوسط، سام هيلر، أن الأردن لا يخوض حربه على المخدرات وحيداً.

 على الرغم من أنّ دول الخليج تفضل على ما يبدو الحلول الخاصة الأحادية لمكافحة المخدرات، من وجهة نظر هيلر، إلا أن الولايات المتحدة  تساند الأردن في جهوده لمكافحة المخدرات عبر تقديم دعم عيني واستشاري لدعم رقابة معابر رسمية وحدود برية مع سوريا، كما قدمت الحكومة الأميركية لشريكها الأردني، كما يصفها هيلر، الدعم لبرامج تهدف للحد من الاتجار بالمخدرات وتعاطيها في الداخل الأردني.

في هذا السياق يرى محللون أن الدعم الذي تحتاجه عمان اليوم يتجاوز الحاجة إلى تقديم المشورة وبرامج التوعوية، على أهميتها. ويعتقد الباحث الأمريكي في حديثه لـ “درج” بأن الشركاء الدوليين للأردن يدعمون ضمنياً أي ضربات أردنية على أهداف تتعلق بالمخدرات، تماماً كما فعلوا حين قتل المهرب البارز والخطير “مرعي الرمثان” رغم أن السلطات الأردنية لم تؤكد مسؤوليتها عن الضربة.

بكل الأحوال.. الأيام المقبلة ستكشف “ما الذي سيحدث على الحدود الشمالية في الأردن؟”.. وهو السؤال الذي يتردد في أذهان الجميع اليوم.

درج

———————————–

الأردن يرفع الصوت… فشلت “ديبلوماسية الكبتاغون”/ حازم الأمين

لن يكف النظام السوري وحلفاؤه عن إنتاج الكبتاغون ونشره في العالم. ليس هذا تحليلاً ولا استنتاجاً، إنه واقع بالدرجة الأولى، وهو منطقي في ظل الطبيعة المافياوية للنظام، لكنه أيضاً معطى اقتصادي سبق أن ألمح إليه بشار الأسد عندما أشار إلى أن مكافحة هذه الصناعة تقتضي تأمين بدائل لعائداتها.

تقع جمهورية الكبتاغون (سوريا) بين جمهورية “حزب الله” (لبنان) وجمهورية الحشد الشعبي (العراق)، وتحدّها جنوباً المملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة هي منفذ ثروتها المستجدة الوحيد! وبالأمس، قالها أيمن صفدي، وزير خارجية الأردن، والرجل الذي قاد مبادرة “خطوة خطوة” التي قضت بإعادة سوريا إلى “الحضن العربي” مقابل تعاونها في ملفَّي المخدرات واللاجئين. قال الصفدي إن تهريب الكبتاغون من سوريا إلى الأردن ومن الأخيرة إلى الخليج زاد منذ بدء “الحوار مع الحكومة السورية”، وكان الملك الأردني عبدالله الثاني قد سبق وزير خارجيته بأن قال إن بشار الأسد ليس بيده قرار وقف تصدير الكبتاغون، والأرجح أن ملك الأردن محق بما زعم.

أما بالنسبة الى قضية اللاجئين، وهي البند الثاني في مبادرة الـ”خطوة خطوة”، فقد قالها بشار الأسد من دون مواربة في مقابلته مع “سكاي نيوز” الظبيانية: “لا نستطيع تحمّل أعباء عودة اللاجئين”.

لكن بالعودة إلى الموقع السياسي والجغرافي لآلة صنع “الذهب القاتل” وتصديره، يمكن ملاحظة أن خطوط العبور معاكسة لخطوط الاشتباك. لا كبتاغون يعبر الحدود مع إسرائيل، ولا أثر له أيضاً على الحدود مع تركيا. هذه ملاحظة تقتصر على المفارقة التي تنطوي عليها، ذاك أن لزمن الكبتاغون مفارقاته، تماماً كما كانت لزمن “داعش” مفارقاته، وقبله لزمن “القاعدة”، وبعدهما لزمن “حزب الله” والميليشيات الشيعية العراقية.

كان بإمكان لبنان أن يكون منفذاً بحرياً للكبتاغون، كونه لعب هذا الدور سابقاً، مثلما حصل عندما “استُوردت”  نيترات الأمونيوم لمصلحة بشار الأسد، فـ”دُمِرت” العاصمة بيروت، لكن دُوَل الخليج العربي أوقفت الخط البحري مع لبنان، فتعطلت قدرة حلفاء النظام السوري في المرافئ اللبنانية على نجدة حليفهم في مافيا المخدرات.

تأخر وزير الخارجية الأردني ليكتشف أن النظام في سوريا لن يتخلى عن اقتصاد الكبتاغون مقابل التطبيع مع الأنظمة العربية. نحن نتحدث عن اقتصاد يصل إلى نحو 8 مليارات دولار، ويبدو الطموح إلى التنازل عنها ضرباً من الهبل الذي لطالما أصاب الديبلوماسية العربية، وهو هبل مواز لسذاجة راودت أنظمة الخليج عندما توهمت أنها بإعادتها بشار الأسد إلى الجامعة العربية إنما تنتزعه من أحضان طهران!

نعم إنه زمن الكبتاغون، فالمسؤول عن إنتاج هذا المخدر ليس مافيا تقيم في هامش دولة أو مجتمع أو نظام، إنه النظام نفسه، لا بل هو النظام المُعزز بتحالف إقليمي يرعى هذا الاقتصاد ويؤمن له طرقاً ومعابر وخبرات، ويساعده في الالتفاف على العقوبات، ويوفر له تصريفاً للسيولة والعائدات في أنظمة مصرفية بين بغداد وبيروت، وصولاً إلى دبي. نعم دبي التي تتخبط بين نعيم “الكاش” وجحيم الحبة القاتلة، والتي وصلت أخيراً إلى أحد مرافئها شحنة كبتاغون وصلت قيمتها إلى نحو ثلاثة مليارات دولار أميركي.

اللافت، أن الإمارات العربية المتحدة حين كشفت عن أنها ضبطت الشحنة الهائلة، لم تكشف عن هوية مرسلها، في محاولة للتستر على النظام السوري، صاحب الشحنة ومرسلها إلى دبي ومنها إلى بلاد الله الواسعة.

كشف الصفدي عن رقم جديد بما يتعلق بالكبتاغون، ويتمثل في أن تقديرات الأمن الأردني تقول بأنه مقابل كل شحنتي كبتاغون يتم ضبطهما ثمة شحنة تنجح بالعبور. وقياساً على هذه النسبة، وبالعودة إلى تقديرات موثقة عن كلفة إنتاج الحبة (دولار أميركي واحد) في مقابل متوسط سعرها في السوق الخليجي (20  دولاراً أميركياً)، فإن عمليات ضبط تهريب هذا المخدر لا تشكل عبئاً يذكر في ظل الأرباح الهائلة التي توفرها الشحنات التي تنجح بالعبور.

لن يكف النظام السوري وحلفاؤه عن إنتاج الكبتاغون ونشره في العالم. ليس هذا تحليلاً ولا استنتاجاً، إنه واقع بالدرجة الأولى، وهو منطقي في ظل الطبيعة المافياوية للنظام، لكنه أيضاً معطى اقتصادي سبق أن ألمح إليه بشار الأسد عندما أشار إلى أن مكافحة هذه الصناعة تقتضي تأمين بدائل لعائداتها. الرجل يريد 8 مليارات دولار سنوياً، وهو ثمن لا يشمل فك علاقته مع إيران، كما أنه لا يغطي انتقاله إلى “الحضن العربي”.

 8 مليارات دولار سنوياً له وحده، الرجل لا يفاوض باسم دولة أو نظام، إنما يفاوض كما تفاوض المافيات، لكن عبر قنوات “ديبلوماسية” تتولى الجامعة العربية تسليكها، وسبق أن أطلق عليها أحد المقربين من النظام اسم “ديبلوماسية الكبتاغون”.

 ————————————–

سوريا غارقة… في التفاصيل/ إبراهيم حميدي

مسار التطبيع مستمر رغم الخيبة والخيبة المضادة

هناك خيبة عربية من تعاطي دمشق مع مكافأة التطبيع العربي في الأشهر الماضية، ودمشق تقول إن لديها خيبتها لأنها لم تحصل على مكافآت على “التنازلات الكبيرة” التي قدمتها.

منذ إعادتها السريعة إلى الجامعة العربية في مايو/أيار الماضي، كان هناك رهان عربي على أن تسير دمشق خطوات صغيرة، مثل: تبادل معلومات، وتشكيل لجان أمنية للتعاون في محاربة تجارة المخدرات ووقف تهريبها عبر حدود الأردن وإلى الخليج، وتسهيل عودة عدد محدود من اللاجئين من الأردن ولبنان، وعقد اللجنة الدستورية في مكان توافق عليه دمشق، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.

خلال الأشهر الأخيرة، إما أنه لم يحصل أي تقدم في هذه الخطوات أو حصل تقدم جزئي جدا، مثل تشكيل لجنة أمنية سورية- أردنية لمحاربة الإرهاب، وتسلم وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ورقة عمل من نظيره الأردني أيمن الصفدي، وتسلم ممثلي دمشق وثيقة المبعوث الاممي غير بيدرسن، تضمنت عناصر “خطوة مقابل خطوة” مع اشتراط بألا تكون ملزمة.

لكن ما “فوجئ” به وزراء عرب بمن فيهم أولئك المتحمسون للتقارب، أن شحنات المخدرات زادت وغارات المسيرات تصاعدت بعد التطبيع. هذا عمليا، أما خطابيا، فحجم الصدمة العربية يعود الى “طريقة تعاطي المقداد في الاجتماعات الوزارية العربية، وتصرفه وكأن شيئا لم يحصل، وكأن سوريا في العام 2010 وما قبل”، حسب قول أحد المعنيين.

غير أن المفاجأة الأخرى، جاءت في موضوع مكان انعقاد اللجنة الدستورية. هنا، لا بأس من بعض التفصيل: بحث الدستور وتشكيل لجنة لبحث الدستور السوري، بين المقترحات الروسية، التي التقطها المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا، مدخلا لتنفيذ القرار الدولي 2254، وورثها لخلفه غير بيدرسون. تشكلت الوفود التي تمثل الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، وعقدت جلسات في مقر الأمم المتحدة في جنيف بتسهيل من فريق المبعوث الأممي، بطريقة أقرب إلى العصف الفكري والنقاش الثقافي على أن تكون تفاوضا سياسيا بين الحكومة والمعارضة.

هذا المسار البسيط والصغير الذي استعملته أطراف عدة ورقةَ توتٍ لقول إن هناك عملية سياسية برعاية أممية لحل الأزمة السورية، تعرض لعطب شديد جراء الحرب الأوكرانية. باختصار، موسكو قالت إنها ترفض عقد الاجتماعات في جنيف لأن سويسرا لم تعد محايدة في الحرب، وفرضت عقوبات على روسيا.

صار الهم هو البحث عن مكان يستضيف هذا “النقاش السوري”. بعد التطبيع العربي. عرضت القاهرة الاستضافة. دمشق أبلغت موسكو ثم أبلغت القاهرة شفويا وخطيا، أنها غير موافقة لأنها وعدت مسقط بالاستضافة. المعارضة السورية رفضت مسقط واقترحت الكويت. تقدم وسطاء باقتراح وسط، بعقدها بالتناوب بين مسقط والكويت.

اللجنة الوزارية العربية التي تشكلت بموجب قرار الجامعة إعادة دمشق، قررت في اجتماعها بالقاهرة منتصف أغسطس/آب توثيق موافقة دمشق، وتضمن البيان الختامي رغبة في عقد اللجنة الدستورية في سلطنة عمان قبل نهاية العام.

هذا العنصر، يفترض أنه تفصيل بسيط وعادي. توثيق ما أبلغته دمشق للعرب خطيا. واقع الحال ليس هكذا. تفصيل التفصيل ليس تفصيلا في دمشق. عندما سئل الجانب السوري عن عقد اجتماع اللجنة الدستورية في مسقط، نصح بضرورة التنسيق مع مسقط. وعندما سئلت مسقط، قالت إنها غير مستعدة لذلك. وحاليا، تبحث اللجنة الدستورية عن مكان جديد. تفصيل من التفاصيل السورية الكثيرة.

أما تفصيل مصير الورقة الأردنية، فلا يقل مأساوية عن “الدستورية”، ذلك أن الجانب السوري الذي تسلمها “فقط للاطلاع” لم يجد الوقت إلى الآن لقراءتها… والاطلاع عليها. ولاشك ان مصير الورقة التي قدمها المبعوث الاممي لمقاربة “خطوة مقابل خطوة”، لن يكون أحسن حالا.

سوريا الغارقة مدمنة إغراق المحاورين في التفاصيل، نهج سوري أصيل. الرغبة “في اغراقهم (المحاورين) بالتفاصيل”، أعلنها صراحة أكثر من مسؤول سوري.  دمشق لديها أسبابها، فهي تقول إنها قدمت الكثير من التنازلات للعرب، بينها تشكيل اللجان الأمنية الثنائية لمحاربة المخدرات، وإبلاغ الأمم المتحدة بفتح معابر لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود التركية إلى مناطق المعارضة بعد فشل أميركا وروسيا في التوافق على تمديد القرار الدولي الخاص بالمساعدات، لكنها لم تحصل على مقابل ولم يخفف العرب العقوبات الغربية ولم يقدموا مساعدات اقتصادية، بل إن أميركا رفضت في أغسطس/آب تمديد استثناءات العقوبات، ويتجه الكونغرس الأميركي لتشديد العقوبات.

ورغم الخيبة والخيبة المضادة، والغرق والإغراق في التفاصيل، كل المؤشرات تدل على أن مسار التطبيع مستمر وسيستمر  بمطباته وتحدياته وزياراته ومصافحاته. هناك من يراهن على تنفيذ خريطة الطريق العربية او تعديلها.

في الأصل هذا المسار، بدأ لأسباب غير سورية وسيستمر لأسباب غير سورية. مبرراته إما تخص أجندات وطنية لدول عربية وإما تفاهمات مع قوى إقليمية ودولية واما تعود للرهان على تغيير بطيء في سلوك دمشق.

وأمام المخاض الدولي ومسارات التطبيع الإقليمي، فإن الحاجة لإبقاء قطار التطبيع على السكة، أكثر من قبل.

المجلة

—————————–

تحالف دولي لمحاربة الكبتاغون/ عالية منصور

إذن لم يتبدل المشهد بل زاد سوءا، فعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وتطبيع بعض الدول العربية معه، وإعادة العلاقات، لم تجعله يغير من سياسته التخريبية حتى تجاه الدول التي دعمت عودته وحاولت إعادة تأهيله، عله يتوقف عن زعزعة استقرارها؛ فقبل أيام كشف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن زادت بعد محادثات التطبيع العربي التي حدثت في جدة وعمان مع النظام السوري. وإن كان الأمر يبدو غير متوقع، إلا أنه في حالة النظام السوري لا يبدو الأمر غريبا.

والمعلوم والمعلن عنه أن الدول العربية أعادت علاقتها مع النظام وفق رؤية محددة أرادت من خلالها الدفع بحل سياسي في سوريا، وحل بعض الملفات وأهمها ملفا تهريب المخدرات وتحديدا الكبتاغون من سوريا إلى دول عربية، والبدء بعودة اللاجئين وخصوصا من دول الجوار إلى سوريا. لكن كل ما أراده النظام السوري من العملية هو تصوير نفسه كمنتصر والحصول على الأموال، لا سيما وأن العقوبات المفروضة عليه وعلى عرابه الإيراني والانشغال الروسي، أمور فاقمت من سوء الأوضاع الاقتصادية والمالية في سوريا، ما دفع بحاضنة النظام الأقرب إلى التململ.

ولكن إصرار النظام على استمراره في إرسال المسيرات المحملة بالكبتاغون وحتى المتفجرات أحيانا ظنا منه أنه سينجح في ابتزاز الدول العربية لتغدق عليه الأموال، ولتضغط على الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عنه، يبدو وكأنه كمن يقامر بمعظم أوراقه، وخصوصا مع الانزعاج الأردني غير المسبوق والذي وصل أحيانا إلى التلويح باستخدام القوة لوقف عمليات التهريب عبر حدوده مع سوريا؛ فالجانب السوري الذي تراجع عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة منه بموجب المبادرة الأردنية (خطوة مقابل خطوة)، تركت تصريحات رئيسه التلفزيونية أثرا سلبيا وخصوصا ما يتعلق منها بملف تصنيع وتهريب المخدرات.

هذا كله دفع بمسؤولين أردنيين حاليين وسابقين، والإعلام الأردني، إلى الحديث عن الخيارات التي قد يلجأ إليها الأردن، حتى إن الملك الأردني عبدالله بن الحسين صرح بـ”إننا سنحمي بلدنا من أي تهديدات مستقبلية تمس أمننا الوطني جراء الأزمة السورية”، ما رأى فيه البعض إمكانية لتغير قواعد الاشتباك على الحدود الأردنية- السورية؛ فالأردن يرى أن ما يحدث على الحدود الأردنية- السورية هو عمليا بمثابة حرب على أمنه واستقراره، وبذلك يصبح الدفاع عن النفس أمرا مشروعا إن لم ينفع الضغط السياسي والدبلوماسي.

ولكن ما الذي بإمكان الأردن حقا فعله؟ يقول البعض إن منطقة عازلة داخل الأراضي السورية أمر بدأ يطرح للنقاش، وقد تعزز المظاهرات المستمرة منذ أكثر من 40 يوما في السويداء إلى جانب المظاهرات وفشل المصالحات في درعا من هذه الفرضية، وخصوصا أن المنطقة إن شملت درعا والسويداء فلن يكون لها أي طابع طائفي، عكس ما يروج له الإعلام الممول من إيران. لكن السؤال هنا، هل بإمكان الأردن فرض هذه المنطقة؟ طبعا لا، فهذا الأمر يحتاج إلى أموال طائلة وقدرات عسكرية لا يمكن للأردن منفردا أن يقدمها.

ولنذكر أن الأردن ليس وحده من يعاني من مخدرات النظام ومحاولات العبث بأمنه، فلماذا لا يتم تشكيل تحالف دولي لمحاربة هذه الجريمة التي لا تقل خطرا عن الإرهاب، كما سبق وتم تشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش؟

لا يبدو الأمر مستحيلا، وإن كان بحاجة إلى جهود جميع المتضررين من نظام الأسد ومن معه؛ ففي سبتمبر/أيلول من العام 2014 تم تشكيل التحالف الدولي ضد داعش، وأعلنت الدول المنضوية في التحالف التزامها بمحاربة التنظيم على مختلف الجبهات وتفكيك شبكاته ومجابهة طموحاته، وتدمير البنى التحتية الاقتصادية والمالية للتنظيم. فما الذي يمنع اليوم تشكيل تحالف دولي لمحاربة تجارة الكبتاغون؟ وهل يمكن الاستفادة من القانون الأميركي لمكافحة تجارة النظام السوري للمخدرات، وخصوصا أن القانون ذكر أن الكبتاغون السوري يشكل خطرا على الأمن القومي الأميركي؟

لقد تجاوزت الولايات المتحدة كل التحفظات عندما أدركت أن رئيس بنما إيمانويل نورييغا لن يكف عن إرسال المخدرات لأرضها فقامت باعتقاله وأخذته مكبلا ليحاكم في محاكمها، وهذه سابقة تدل على أن الاتفاقيات الدولية الكثيرة الموقعة بين دول العالم لمحاربة الجريمة المنظمة وتبادل المعلومات وملاحقة المجرمين وتسليمهم قد لا تكون كافية عندما يتورط نظام حكم في الجريمة ويصبح هو المجرم، لحظتها لا بد من عمل ما يقضي على الجريمة التي لم تعد مجرد مشروع يتم في الخفاء من قبل أفراد، بل بات يملك بنية تحتية لديها ميليشيا عسكرية ومصانع وخطوط نقل، لذلك ربما على العالم ولا سيما دول الجوار إعادة التفكير في إنشاء تحالف لمحاربة آفة المخدرات يكون قادرا على القضاء على هذه الصناعة بالكامل وتدمير بنيتها التحتية ومعاقبة المتورطين فيها.

————————–

سياسات الأردن حيال الأسد بواعثها ومآلاتها/ حسن النيفي

لم يخفِ الأردن ارتيابه الشديد من التوغّل الإيراني في سوريا منذ انخراط إيران وميليشياتها الطائفية في الحرب إلى جانب نظام الأسد عام 2012، إلّا أن المخاوف الأردنية بلغت ذروتها في العام 2019 عندما تمدّدت ميليشيات إيران في الجنوب السوري ونجحت روسيا حينذاك بإضفاء غطاء سياسي لهذا التموضع الإيراني من خلال قيامها بدور الوسيط بين إسرائيل وإيران، وقد أفضت تلك الوساطة في حينها إلى قبول إيران بالشرط الإسرائيلي الذي يؤكد على وجوب ابتعاد ميليشيات إيران عن الحدود الإسرائيلية مسافة (80 كم)، وجدير بالذكر أن المخاوف الأردنية آنذاك كانت تنحصر في الخشية من قدرة إيران على اختراق المجتمع الأردني – أمنياً واجتماعياً ومذهبياً – وصولاً إلى الاختراق السياسي، وذلك جرْياً على نهج إيران السابق في كلّ من العراق ولبنان وسوريا.

وبناء على تلك المخاطر المتخيّلة بنى الأردن سياساته التي اعتقد بأنها ستكون الرادع للخطر الطائفي العابر من إيران باتجاه الأردن عبر سوريا، وكان خيار الأردن قد تحدد بالاتجاه نحو احتواء نظام الأسد عبر الانفتاح عليه بإعادة العلاقات بين عمان ودمشق، وتجاوزاً للعوائق التي يمكن أن تحول دون ذلك، كالعقوبات الأميركية الأوروبية وقانون قيصر بادر الملك عبد الله الثاني بزيارة واشنطن في حزيران من العام 2021، وحينئذ التمس الملك عبد الله من بايدن أن يتيح له انفتاحاً ولو جزئياً على نظام الأسد، وقد تحقق له ذلك، وعلى أعقاب تلك الزيارة تقرر تزويد لبنان بالغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، تزامناً مع انفتاح تجاري وديبلوماسي أردني نحو دمشق، فضلاً عن فتح الحدود بين الطرفين وتفعيل حركة العبور والسفر والتبادل التجاري، في خطوة مستثناة من عقوبات قيصر التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على نظام دمشق.

ولم يكتف الأردن – آنذاك – بتلك الخطوة، بل أراد الخروج بها من إطارها المحلي الخاص، إلى فضاء إقليمي ودولي، أي أراد أن يجعل من انفتاحه على نظام دمشق مبادرةً تحظى بالتعميم، وربما رأى فيها مفتاحاً لبدايات حل سياسي للقضية السورية، ولتعزيز هذا المسعى قام الملك عبد الله بزيارة بوتين في شهر آب 2021، وقد تم الإعلان في أعقاب تلك الزيارة عما سُمّي آنذاك بمشروع (خطوة مقابل خطوة)، ولعله من الطبيعي أن يلقى هذا المسعى الأردني دعماً روسياً واضحاً، باعتبار أن المبادرة الأردنية تتيح لنظام الأسد الخروج من عزلته العربية والدولية، وكذلك تتيح له فرصة لاختراق العقوبات المفروضة عليه، فضلاً عن شرعنة استمراره في السلطة.

ولعله من الثابت أن الأردن كان مدفوعاً نحو هذا المسعى بجملة من الاعتقادات، لعل أولها اعتقاده بأن تحاشي خطر الميليشيات الإيرانية التي تتموضع في الجنوب السوري إنما يكون عن طريق دمشق، لظنه أن الروس ونظام الأسد قادران على ضبط تلك الميليشيات، وربما أدى هذا الانفتاح أيضاً إلى ترحيب إيراني من شأنه أن يجعل الأردن خارج دائرة الاستهداف الإيراني. لعل الإرهاصات الأولى لمشروع (خطوة مقابل خطوة) قد ضاعفت المخاوف الأردنية، ولم يعد الخطر الطائفي لميليشيات إيران وحده هاجساً أردنياً مخفياً، بل بات الأردن مهدّداً بجعله سوقاً للمخدرات التي باتت مُنتَجاً لملحقات إيران بامتياز، وكذلك لم تعد المخاوف تطول الأردن فحسب بل شملت دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وأصبح المنتج الأسدي الإيراني من المخدرات على رأس المخاطر التي تقض مضجع حكومتي الأردن والسعودية.

لم تكن الزيارة الثانية التي قام بها الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن في أيار 2022 قد أضافت إلى خيارات الأردن أي أفق جديد، نظراً للموقف الأميركي الذي جعل من القضية السورية ملفاً جانبياً ملحقاً بالملف الإيراني الذي حرصت حكومة أوباما وخلفه بايدن أن تكون المفاوضات حول الملف النووي الإيراني هي الناظم للسياسة الأميركية حيال سوريا، الأمر الذي جعل المنظار الأردني لا يحيد عن الرهان على تعاون نظام دمشق وقدرته على أن يكون مفتاحاً لنزع مخاوف عمان.

ربما أتاحت التداعيات المأساوية لزلزال السادس من شباط الماضي الذي ضرب تركيا وأجزاء واسعة من سوريا مناخاً جديداً للمسعى الأردني حيال الانفتاح على نظام الأسد، وخاصة في ظل الارتداد العربي العام باتجاه الأسد وفي مقدمته المملكة العربية السعودية على إثر تفاهمات بكين بين طهران والرياض، إذ تحوّل النزوع الأردني نحو التطبيع إلى نزوع جمعي عربي تجسّد بإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية وحضور رأس النظام قمة جدة في شهر أيار الماضي، وكذلك حضور فيصل المقداد لقاء عمان الوزاري، وبات المسعى الأردني يجسد نواة لمبادرة عربية لإعادة تعويم الأسد ضمن مشروع (خطوة مقابل خطوة)، إلّا أن المبادرة العربية تعثّرت منذ أول لقاء بين لجنة الاتصال المنبثقة عن الجامعة العربية وبين وزير خارجية نظام الأسد في القاهرة في شهر آب الماضي، ثم تُرجم هذا التعثر إلى خيبة أمل وإحباط عربي ممّا أسموه بعدم جدّية نظام دمشق في التفاعل الحقيقي مع المبادرة المطروحة، فهل أسهم هذا الإحباط في إثارة سخط الأردن؟ واقع الحال يؤكّد ذلك، على الأقل بحدود ما جاء على لسان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لقناة الشرق مطالباً نظام دمشق بمبادرة فعّالة لوقف تدفق الكبتاغون نحو الأردن، مؤكداً في الوقت ذاته أن إعادة الأسد إلى الجامعة لم تكن حلّاً للمعضلة، أضف إلى ذلك ما أكده الملك عبد الله ذاته بإشارته إلى عدم تمكّن رأس النظام من السيطرة الكاملة على الجغرافية السورية.

وفي ضوء ردّة الفعل العربية الناتجة عن الخذلان الأسدي لمبادرة عمّان، وكذلك في ضوء تنامي التذمر الأردني الذي ربما وصل درجة السخط، فإن نظام الأسد لا يبدو أنه معنيٌّ بما يسخطون، ولا يشعر بأي حرجٍ ممّا يعتبون، وربما حُقّ له ذلك، فهو لم يسبق أنْ وعدهم بأنه سيكون غير ذاته إذا صالحوه، ولم يتعهّد لهم بوقف تدفّق الكبتاغون إذا أعادوه إلى جامعتهم، بل ربما كان أكثر انسجاماً مع عدوانيته وشناعته، وقد قالها بملء الفم أثناء مقابلته مع قناة سكاي نيوز عربية في التاسع من آب الماضي: (إن الدول التي ساهمت في إيجاد الفوضى في سوريا عليها أن تجد حلّا لمشكلة المخدرات)، هو يقول لهم بصريح العبارة: أنا أعاقبكم، فالمشكلة إذاً لا تكمن في سوء تقدير للمواقف أو قلّة المعطيات أو حدوث مستجدات أرغمت الأسد على الانكفاء عما وعد به، بل تكمن في سياسات عمّان التي انبثقت من الوهم وانتهت إلى الخيبة، نتيجة خطل سياسي أردني، وليس نتيجة لغموض في شناعة نظام الإبادة الأسدي.

————————-

الأسد إذ يردّ على نفسه.. ويراكم خيبات العرب/ منير الربيع

ما كان متوقعاً حصل. وصول مسار “التطبيع” مع النظام السوري إلى حائط مسدود. لم تتأخر الدول العربية التي استعجلت فتح مسار التطبيع أو إعادة العلاقات لتكتشف أن خيبتها من دمشق ستتكرر مجدداً. عملياً، جمّد مسار التطبيع، تأجل تعيين سفير سعودي في دمشق، وربما ألغي. فيما الأردن لا يزال يعلن عن إحباط المزيد من عمليات تهريب المخدرات وغزو الأسواق العربية بالكبتاغون، وهو أسلوب يختبر النظام اعتماده في مساعيه الدائمة للابتزاز. جاء مسار التطبيع في ظل اعتماد سياسة سعودية تركز على تصفير المشاكل، والتحضير لقمة عربية يريد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لها أن تكون مكتملة. فأقدم على تلك الخطوة.

ما سبق التطبيع، كان تقديم مبادرة من عشر نقاط، أصبحت بنودها معروفة، لكن النظام لم يلتزم بأي بند منها، ما جرى على صعيد توقيف أو إعطاء إحداثيات تتصل بتجار المخدرات وكبار المهربين كانت عملية شكلية لا أكثر، أما ما بعدها فعادت الأمور إلى سوابقها. تزامن الانفتاح العربي على دمشق، بالتزامن مع مفاوضات أميركية سورية في سلطنة عمان للبحث عن إتمام صفقة إطلاق سراح رهائن أميركيين في سوريا، فيما طالبت دمشق بفتح مسار لرفع العقوبات. لم ينجح المسار، فعاد النظام السوري إلى ممارسة ابتزازه، وهو ما دفع العرب إلى الإحجام عن ترتيب العلاقات.

منذ العام 2000 يجهد بشار الأسد لتوجيه الطعنات إلى الدول العربية، علماً أن قرار تثبيته على رأس النظام كان قد تولاه الملك عبد الله بن عبد العزيز مع الأميركيين، وحصل ذلك في الزيارة الشهيرة إلى مطار دمشق واللقاء معه. في كل مرة كان يبادر العرب باتجاه النظام السوري، وبشار الأسد تحديداً، وفي كل مرة لا يكتفي بالكذب فقط، إنما يذهب بعيداً في الإمعان بطعنهم وغدرهم. بخلاف ما كان عليه حافظ الأسد القادر على الحفاظ على التوازن في علاقته الإيرانية والعربية، وكان الأسد الأب يقتصد في ممارسة الاستفزاز. انحاز بشار الأسد بشكل كامل لإيران، وأصبح أسيراً لها، حيث يمتاز الأسد الابن بالاستفزاز كما بممارسة العنف. الدول العربية التي تحاول في كل مرة تقديم عرض لبشار الأسد وإغراءات للتعديل في سياسته، فيما هو يمتهن لعبة جحا والذئب، وفي كل مرة يظن العرب أن هناك إمكانية للتفاهم معه، بينما لا يوقنون أن هذا الشخص والنظام ميؤوس منه.

بالعودة إلى أبرز ما قاله الأسد في القمة العربية هو جملته الشهيرة التي تتعلّق بالتنقل بين الأحضان في مقابل الحفاظ على الانتماء، إذ قال “إن عروبة سوريا هي عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان، لأنه بوسع المرء أن يتنقل من حضن إلى آخر ولكنه يحافظ على انتمائه”. فبذلك ردّ الأسد على كل الذين تحدثوا عن عودة سوريا إلى الحضن العربي، وبرر تحالفه مع إيران محملاً العرب مسؤولية هذا التحالف ودفعه إلى تعميقه، مع تأكيده بأنه لا يريد انفكاكه. وهذا ما استكمله في الحديث عن ترك الأمور الداخلية للدول لشعوبها، ما يعني إسقاطاً ورفضاً كاملاً لمبدأ خطوة مقابل خطوة أو البحث في حلّ سياسي.

أما الجملة الثانية وذات الخطر الأبعد، فتتجلى في ما قاله حول ضرورة ترسيخ ثقافة مواجهة الليبرالية الحديثة، التي تستهدف الانتماءات الفطرية للإنسان وتجرده من أخلاقه وهويته. ومما قاله الأسد: “هي فرصة لترسيخ ثقافتنا في مواجهة الذوبان القادم مع الليبرالية الحديثة التي تستهدف الانتماءات الفطرية للإنسان وتجرده من أخلاقه وهويته، ولتعريف هويتنا العربية ببعدها الحضاري، وهي تتهم زوراً بالعرقية والشوفينية، بهدف جعلها في حالة صراع مع المكونات الطبيعية القومية والعرقية والدينية، فتموت وتموت معها مجتمعاتنا بصراعها مع ذاتها لا مع غيرها”. أخطر ما ينطوي عليه الكلام، هو مناقضة الحديث القائل: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”. ما أراد الأسد قوله بوضوح هو الوقوف في وجه الطبيعة، تحدّي مسار التاريخ والذي يعتبر نفسه أنه نجح بكسره، بعدما كسرَ شعبه وأعلن انتصاره. وهو لم يغفل ذلك عندما ارتكز على ما أسماه الانتماءات الفطرية للإنسان. وهذا كلام لم يكتف الأسد بتبنيه في مواجهة الشعب السوري، إنما بمواجهة العالم بأسره ومسار التاريخ، الذي لا بد من خنقه في حال كان اتجاهه نحو تكريس الحرية للفرد والمجتمع.

غالباً ما يقع الرجل في تناقض مع أفعاله، والتي يتذكرها العالم أجمع في شعار “الأسد أو نحرق البلد” و”لا إله إلا بشار”، والتي طبّقت عملياً في أفظع عمليات التهجير العرقي والمذهبي التي شهدته سوريا. وهو الذي قال في محطات سابقة ما يزال يتردد صداه على مسامع العالم، وتجاوز حدود القول إلى الفعل، عندما أعلن عن استعادة سوريا “لتوازنها الطبيعي”. وهو التوازن المستمد من عمليات التهجير القسرية لملايين السوريين من انتماء طائفي معين. وهو الذي بفضل حربه رُسمت حدود مذهبية أو عرقية أو قومية في سوريا. لا حاجة للدخول في محاججات كثيرة حول انعدام الجدوى من التطبيع مع الأسد، بل الرجل يقوم بنفسه بالمهمة، فيردّ بأفعاله وأقواله على ادعاءاته.

————————

تصعيد أردني ومنطقة آمنة تلوح في الأفق/ غسان ياسين

منذ أن جرى أول اتصال بين ملك الأردن ورأس نظام الأسد وما تبعه من تطبيع وزيارات متبادلة بين الدولتين، وفتح للمعابر وعودة لرحلات الطيران، كان المسؤولون في الأردن حريصين في كل مرة ينتقدون فيها سلوكيات النظام على عدم ذكر الأسد بشكل مباشر، وكانوا يكتفون بالعموميات ويتحدثون عن وجود مشكلات في مسار التطبيع ويعلنون عن تذمرهم من عدم إيفاء النظام بالتزاماته، وخصوصا تلك المتعلقة بوقف تجارة الكبتاغون. لكن ما حدث في الأيام الماضية قلب المعادلة وباتت أسهم النقد الأردني تصوب تجاه الأسد شخصياً.

ملك الأردن هو من بدأ حفلة الرمي هذه حين شكك بسيطرة الأسد على الأمور ولمح إلى وجود شركاء كثر في القرار في إشارة لإيران وميليشياتها المتعددة الجنسيات، ثم واصل وزير الخارجية تصويب سهامه نحو الأسد حين تحدث بالتفصيل عن عدم سيطرة الأسد على الوضع الميداني، وعن أن تهريب المخدرات زاد في الفترة الأخيرة أي بعد عودة النظام للجامعة العربية، وعن استخدام المهربين لمعدات متطورة، بدورها الصحافة الأردنية واصلت هجومها المباشر على رأس النظام وحملته مسؤولية فشل الجهود العربية التي كانت تريد تعويماً مرحلياً للنظام بمبادرة سميت خطوة بخطوة.

هذا التحول في الخطاب الأردني الرسمي وشبه الرسمي جاء سريعاً ومباغتاً، لأن الأردن هو من قاد جهود تعويم الأسد، وهنا يجب أن نقرأ جيداً ما خلف هذا التصعيد خصوصاً أنه ترافق مع تصريحات سعودية شبه رسمية تحمل الأسد فشل المسار العربي، وكما هو معلوم في بلداننا العربية حين يتحدث مسؤول سابق فهو ينطق بلسان حال المسؤول الحالي، المفاجأة الأخرى جاءت من الإمارات والتي كانت أول دولة عربية تلتقي وتدعم الأسد سياسياً، واستقبلته وفتحت سفارتها في دمشق وفي مرحلة ما قدمت له الدعم المادي السخي بحجة دعم متضرري الزلزال، الإمارات وعلى لسان المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة حملت النظام فشل المساعي العربية وركز المستشار على قضية تهريب المخدرات للأردن، ومنها إلى دول الخليج واتهم النظام بعدم القيام بأي تحرك جدي لوقف تجارة الكبتاغون.

إذا نحن أمام إعلان عربي رسمي بفشل هذا المسار بعد توقف لجنة المتابعة العربية عن عملها، وهناك تركيز واضح من قبل كل الدول التي سعت لتعويم الأسد على قضية المخدرات والتي باتت تؤرق كل دول الإقليم وخصوصا الأردن والخليج، والسؤال المطروح الآن ماذا بعد هذا الإعلان وكل هذا التصعيد الذي يقوده الأردن؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب البحث بالخيارات المتاحة الآن أمام الأردن ومن خلفه الدول العربية لأجل وقف التهديد المتصاعد من قبل النظام وشركائه من الميليشيات الإيرانية، سنجد أن هناك خيارا واحدا ممكنا ومتاحا وهو إنشاء منطقة آمنة-عازلة في جنوب سوريا، الواقع السياسي والميداني يشي بأن هذه المنطقة باتت حاجة ملحة للعرب والسوريين معاً، ومع تواصل احتجاجات السويداء في الجنوب وقرب خروج المحافظة عن سيطرة النظام بالكامل ومع وجود جيوب كثيرة لفصائل المعارضة بالجنوب سيكون أمر إنشاء هذه المنطقة متاحاً في حال كان هناك قرار عربي واضح  لدعمها، طبعا لا يوجد ربط بين اتهام النظام لمتظاهري السويداء بأنهم يريدون الانفصال وبين الحاجة لهذه المنطقة، لأن من تسبب في احتجاجات السويداء هو النظام ومن أفشل المسار العربي وجعل العرب يبحثون عن بدائل جدية أيضا هو النظام، لا أحد يريد تقسيم سوريا ولا الانفصال عنها لكن سياسات النظام القمعية وتدميره البنى التحتية للدولة وفشله في إدارة الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها هو من جعل السوريين سابقاً في شمال سوريا يسعون للبحث عن ملاذات آمنة، ومناطق عازلة خارجة عن سيطرته، وهو من سيجعل السوريين في الجنوب يسعون لهذا الملاذ على أمل أن تكون هذه المناطق أداة لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية لاحقة على طريق خلاص السوريين من هذه الطغمة الحاكمة.

إنشاء منطقة عازلة أو آمنة بحاجة إلى قرار عربي وغطاء دولي، وبعد هذا التصعيد العربي يبدو أن العرب وجدوا ألا خيار آخر أمامهم والتطورات الأخيرة تدعم هذا التوجه، فحين يعلن الأردن عن أنه قصف بالطائرات الأراضي السورية أكثر من مرة لكنه لم يعلن عنها في وقتها، وحين نرى أن مسار العلاقات السعودية الإيرانية يواجه اختبارا صعبا قد يؤدي إلى انهياره بالكامل بعد أن قصف الحوثي قوات التحالف الذي تقوده السعودية وقتل ثلاثة جنود بحرينيين، وحين نرى كل هذا الزخم الأميركي في قاعدة التنف بعد كسر حصار مخيم الركبان وزيادة فاعلية حلفاء أميركا في التنف ومحيطها، هذا يعني أن حدود المنطقة الآمنة بدأت ترسم بهدوء عبر التصريحات ونيران الطائرات الأردنية.

————————–

الأسد يهرُب من السويداء إلى الصين بحثا عن “شراكة استراتيجية” ثالثة/ دلال البزري

لم يعُد بإمكان أهل محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، الاستمرار في تلقّي آثار انحلال الدولة السورية. من العطش إلى تجاوزات مكاتب “البعث” والمليشيات الإيرانية… ثم جاءت تلك الإجراءات الاقتصادية أخيرا لتضرب في صميم معيشتهم، وتجرّهم، كما غيرهم من أبناء المناطق والطوائف الأخرى، في فقر جديد مقيم.

تراهم اليوم نزلوا إلى الشارع، في ساحة الكرامة مرة أخرى. حوَّلوها إلى خلية نحل. يومياً وأسبوعياَ، ينزلون إليها، ومطالبهم واضحة: رواتب، ماء، كهرباء، خبز، وقود. جوازات سفر للراغبين بالرحيل، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، تحديد مدّة الخدمة العسكرية. والأهم من ذلك كله: تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، القاضي بحلٍّ سياسيٍّ نهائيٍّ للحرب السورية.

ولمحة سريعة على الهتافات التي أطلقها متظاهروها اليوميون، وإصرارهم على الربط بين هذه المطالب وسلطة بشّار الأسد تعيدنا عشر سنوات إلى الوراء، في عزّ الثورة الأولى، ما صار ممكناً اليوم تسميتها “الموجة الأولى”… شعارات مثل: سورية لينا، وما هي لبيت الأسد. وعاشت سورية، ويسقط بشار الأسد. سورية حرّة حرّة، وبشار يطلع برّا. الشعب يريد إسقاط النظام.

وهذا الربط بين هذه وتلك من النواحي، أي الاقتصادي بالسياسي، كفيلٌ وحده أن يحيي ما يتجلّى في قلوب السوريين القاطنين في مناطق أخرى، من طوائف أخرى. مثل سنّة دمشق وحلب، أو من تبقّوا منهم، وعلويي الساحل والجبل العلوي. وصدى صرخة السويداء في هذه المناطق، فردية معزولة وخافتة، لم تسعفها الجغرافيا في إطلاق العنان لدواخلها. يبقى المسيحيون، الذين لا يحسب لهم أحد حسابا، كونهم لا أصحاب مدن ولا مناطق. كيف يمكن رصد موقف المسيحيين؟

نقطة أخرى تضيفها انتفاضة السويداء، أنها خاليةٌ من سوسَة الأصولية الدينية. صحيحٌ أن قادتها البارزين اليوم من مشايخ عقل الطائفة الدرزية. ولكن هؤلاء، على الصعيد الفلسفي، إذا جاز التعبير، هم من الرجال المحافظين التقليديين. وهذه الأخيرة، مع كل تقليديّتها المحافظة، تسمح بنوافذ من الحرية والتفكير، تقيها من الإخوانية أو السلفية أو الداعشية.

يصف الكاتب السوري مازن عزّي التيارات الداخلية في انتفاضة السويداء، ولا أثر فيها لأي أصولية: يقول الأول إن “لا حلّ في السويداء إلا عبر القرارات الدولية السلمية”. والثاني من دعاة الإدارة الذاتية “على غرار الإدارة الذاتية الكردية لشمال شرقي سورية”. ويضيف عزّي أن بين هذين التيارين “مجموعة واسعة من الأفكار الوسطية، التوفيقية، البراغماتية”. وفي أطراف هذين التيارين، أو داخلهما، ثمّة تياران آخران بحسبه: واحد “راديكالي”، إيديولوجي، ذو أفكار يسارية قومية. والآخر “عسكري”، وفي صدارته “حزب اللواء”، الذي يراهن على “صراعٍ عسكري مع النظام”.

هذا كله مناخ شجّع نساء السويداء للنزول إلى الساحة سافرات، وبطريقة مختلفة عن “الجمهور” النسائي، المطلوب من أجل الصورة وحسب. إنه اليوم “الجمهور” النوعي، والكمّي. ليس هذا النزول إلى الشارع جديداً. ولكنه اليوم يتصدَّر المشهد. وتقوم النساء فيه بأدوار تختلف عن مجرّد “المناصرة” والحشد”، فهن يشتركن بصياغة الشعارات، ينظِّمن الاعتصامات في الساحة، يشاركن في يومياتها، وفي اجتماعات ناشطيها، وفي ابتداع أشكال التعبير بالكلمة أو الرسمة واللحن، وفي إشراك الأطفال بهذه الأنشطة، وكتابة ما سميّت “رسائل تشجيعية” للذين يتباطأون بالنزول إلى الساحة.

أما المعارضة المعروفة، بجمهورها وبعض كتّابها، فهي تشكِّك بالانتفاضة. وكلما اقتربت من الإسلام السياسي تعصبت لطائفتها، ارتفعت درجة هذا التشكيك. وهي ردّة فعل مذهبية، لا تستطيع أن تستفيد من كون هذه الانتفاضة تضرب نظرية الأسدية التي سمحت له بقتل السنّة، على قاعدة “حماية الأقليات”، من دروز ومسيحيين وعلويين.

وعرفت الطائفة الدرزية ولاء إجماليا للأسد قبل انتفاضتها. كانت من الطوائف التي يحميها الأسد، نظرا إلى بقائها “على الحياد”. حياد بمعنى قبول أو رضوخ للأسد. ومع انقلابها، حاليا، على الأسد أن يحمي نظرية “حماية” بقية الأقليات، بأن لا تتمدّد روح السويداء الجديدة إلى بقية الطوائف… كي لا ينهار عرشُه نهائياً، أو يتشوّه بمزيد من التقرّحات.

ماذا يفعل الأسد في هذه الحالة؟ يعزل السويداء، يحاول خنقها بالحصار، يلجأ إلى دروز محسوبين عليه، يؤلّبهم على الشيوخ والأهل والمنتفضين، ومنهم بعض دروز لبنان، يجنِّد جيشه الإلكتروني، يبطش بالأصوات الفردية التي خرجت من معقله الطائفي، وبأن هؤلاء المنْتفضين إنما هم انفصاليون، خوَنة، عملاء الإمبريالية والصهيونية، إرهابيون من جماعة “داعش”.

ولكن عبثاً، الانتفاضة مستمرّة، وبشّار الأسد في النتيجة يواجه معضلة حقيقية، تُبعده عن ردّة الفعل الدموية والساحقة التي اعتمدها في “الموجة” الأولى من الثورة عليه. إذ عليه أن يقرّر: إما أن يهمل هذه الانتفاضة، ويتركها تتعمّق وتتمدّد وتكتسب خبرة المواجهة السلمية، فتهدّد معقله وعرشه، أو أن يعتمد نهجه السابق، فيسحق أهلها ويقتلهم، ويفقد بالتالي صفة “الاستقرار” في مناطق سيطرته، والتي يتباهى بها. هو لا يستطيع أن يقرّر. لا هذا “الخيار” ولا ذاك. فماذا يفعل؟

يسافر إلى الصين، خمسة أيام. خمسة أيام… “رسميا” لحضور افتتاح دورة رياضية آسيوية، وعملياً، كما يتباهى هو والقادة الصينيون، لعقد “شراكة استراتيجية”، فهم منها أنها “اقتصادية” بالدرجة الأولى، تدخل في نطاق “طريق الحرير” الصيني، القائمة على بنى تحتية تحتاج إليها هذه الطريق، فضلاً عن تمويل وصداقة و”إعادة إعمار”… ولهذا “الكرم” الصيني سوابقه، من أيام الموجة الأولى للثورة السورية. الصين حليفٌ لطيفٌ وشبه صامت للأسد. في مجلس الأمن، تضع الفيتوات على قراراتٍ تتعلق بحماية الشعب السوري من جرائمه، مثل السلاح الكيميائي. والصين أيضا حليف روسيا وإيران. وبهذه الخطوة، تكمل الصين إحدى قطع “خط الحرير” البرّي والبحري. وهلّل معلقو الممانعة لهذا “التحوّل الصيني”. اعتبروه إنجازا متأخّرا، صفحة جديدة، منفعة مشتركة، قادر على الصمود، انتعاش، نهاية الحذر، لا بديل عنها. وكاد أحدهم أن يتكلم عن “انتصار جديد” للأسد.

ونحن إزاء اتفاقية “شراكة استراتيجية” ثالثة يعقدها الأسد مع منْقِذيه. في البداية، كانت الشراكة مع إيران التي استقدمت مليشياتها للقتال إلى جانبه، بناء على استغاثة منه. ثم عندما عجزت هذه المليشيات عن تحقيق ما جاءت من أجله، كانت “الشراكة الاستراتيجية” الثانية مع الروس، بقواعدها العسكرية ومليشيات فاغنر. والآن، مع السويداء، مع استفحال الفقر والترهّل المعيشي والإفلاس، يقيم الأسد “شراكة استراتيجية” ثالثة مع الصين، وسلاحها المال (المسمّاة “استثمارات”) والبنى التحتية الخاصة بطريق الحرير.

ومع هذه الشراكات الثلاث، سوف يحتاج بشّار إلى ضعف ذكاء أبيه وحظّه لينسِّق بينها: الصين وروسيا وإيران. كلهم “شركاء استراتيجيون”. نعم، ولكن إذا كان الإيرانيون يتنافسون مع الروس، رغم “تقسيم العمل” (أرض/ جو) القائم بينهم، فكيف سينافس الصينيون الاثنين؟ وكيف يتنافس الثلاثة؟ على أي حصة؟ أو قاعدة؟ وهل يكون هناك أصلاً تنافس مثل الذي يحصل بين الروس والإيرانيين، أم أن التنّين الصيني سيلتهم الاثنين، بقفّازات من الحرير الفاخر؟

إنها مرحلة جديدة في سورية، أضيف رقم صعبٌ إلى عدد محتلّي أراضيها، من خصوم و”شركاء”. رقم يحوّل سورية إلى “دولة” يقيم على أرضها العدد القياسي من الاحتلالات. ستة احتلالات، ناعمة وخشنة… ترتِّب على عقل السوريين التواقين إلى الخلاص تمارين جادّة على كيفية النظر إليها، والتعامل معها كلها.

العربي الجديد

——————————

شرعيةُ “الصنم المعبود” من السويداء إلى الصين/ عبير نصر

ليس من قبيل البكاء على الأطلال أن نقول إنّ من مكر التاريخ بسورية أنها ما زالت الاستثناء العجيب بين الدول، باعتبار الرصد المنطقي لواقع الأمم المتحضرة يثبت أنّ التجريد والرمز من أبلغ الطرق التي تستخدمها الشعوب لرسم ملامح زمنها وقِيمها، بينما لا قيمة مجسّدة في سورية سوى تماثيل العائلة الحاكمة، في حضرة مواقع أثرية كثيرة تحكي حكاية بلادٍ تُوّجت في زمنٍ مضى مهد الحضارات، لكن لن تُرى هذه الآثار في أحسن أحوالها ولا في أدناها، بل في عدمها، فهي بِلا أية روح تاريخية، وهي إشكالية لا تحتاج للتنبؤ والتحليل كثيراً، ولا إلى تنزيه هذه العدم التاريخي من كلّ شائبة، بينما نجد العلّة الحقيقية في سعي نظام الأسد إلى طلي تلك الآثار بالإسمنت الأبيض، وترميمها، كيفما اتفق، بالصخور البشعة والجافّة، لتغدو راهنية الواقع المرير المتمخض عن فعالية البروباغندا السامة والإلغائية في تضليل السوريين، وكأنّ ما تبقّى من الأزمنة الغابرة ليس سوى عالة على نظام يريد حكم أناسٍ بلا ثقافة ولا مرجعية. في المقابل، ليس مطلوباً من السوري الإحساس بالتماهي مع هيبة الرئيس أو محبّته، فيكفي أن يذوب في مملكة الرعب، ليغدو جزءاً أصيلاً من الآلة العنفية المجرّدة التي أنتجت رمزيات النظام المُعمّمة، والتي انتهت بالاستغلال الشرير للسطوة الثقيلة لرمزية (البوط العسكري). بالتالي، أصبح السوريون أمام “منزلق وطني” لا يخدم، في نهاية المطاف، سواء في مقاصده أو نتائجه، إلاّ أيديولوجيا الفكر الأوحد للنظام الحاكم والمآل المغلق المحتوم، بعدما غُرِزت رموزه في جسد البلاد كسكاكين لئيمة، لا بدّ أن تُدرج في قائمة الإرهاب الوطني يوماً ما.

وعليه، يذهبُ كثيرون إلى أنّ الثورة السورية، في بدايتها، كانت موجّهةً ضد تماثيل الأسد التي حولته إلى رمزٍ مقدّس للجمهورية الوراثية، باعتبار تحطيمها ضربة قاضية للاستبداد الذي تمثلُه العائلة الحاكمة، ذلك أنّ خيلاء الفوقية التي اتسمت بها هذه التماثيل جعلت أكثر الأيادي قداسة وطهراً تلك التي هدمتها، ليردَّ النظام آنذاك بشعار الإبادة الشهير “الأسد أو نحرق البلد”، وكأنّ تمثالاً واحداً للرئيس يُساوي مدناً وأريافاً بأكملها، وعلى السوريين أن يكونوا أقلّ قامةً منه، لذا كان وجودُ أحجار العائلة دلالة على تفجير الخوف في ناموس الثورات المستحقة، وتعميق شأوة الانشطارات في الكيان السوري لتعزيز حكم الطغاة ومضارب السياسة الفاسدة. هكذا استمرّت ظاهرة “تفريخ” التماثيل بوتيرة مطردة حتى وصلت إلى مظاهر العبادة الراهنة، ومع مرور الزمن باتت أصنام الأسد مكرورة بالأسلوب عينه إلى حدّ انتشار قوالب جاهزة لصناعتها، بينما لا يوجد أيُّ تمثالٍ لرئيس سوري آخر في أية ساحة على الإطلاق.

بالتساوق مع ما تقدّم، يقول الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه “ليست السلطة التي تستطيع إحضار الغائب، ولكنها دائماً السلطة التي تستطيع التحكّم في الإنسان الحي”. وفي الحقيقة، ليس حافظ الأسد وحده من مات، بل كلّ ما بني على سيطرته “الغامضة” ذهب إلى غير رجعة، وعندما خرج السوريون إلى الشارع بعد 2011 حطموا تماثيل الأب قبل نزع صور الابن، فالثورة كانت، في جوهرها، على الأصل لا على المستنسخ منه. وفي حادثة شهيرة إبّان الثورة السورية، عمد النظام إلى إزالة تمثال الأسد الأب من محافظة دير الزور لحمايته من غضب المتظاهرين، خصوصا بعدما أُطلق عليه اسم هُبَل (الصنم الجاهلي)، ليُعاد لاحقاً نصبه في المدينة تطوّقه مصابيح الكهرباء من كلّ جانب فيما “الظلام والدمار” يحيط بالمحافظة المنكوبة.

على التوازي ما من شيء يدعو إلى العجب بشأن ظاهرة تحطيم التماثيل في المدن السورية الثائرة، لكن المفارقة المدهشة تكمن في حماية فرقةٍ أمنية كاملة تمثال حافظ الأسد في مدينة اللاذقية “الموالية حتى النخاع”! هذا الهوس في حماية الرمز لم يأتِ من فراغ، بينما كان النظام يخسرُ تدريجياً واجهته الرمزية المقدّسة، وبلغ به الجنون حدّاً أنه في عيد الجيش، مثلاً، لم يعتبرها السوريون نكتة سمجة عندما رأوا كِبار مسؤولِي النظام يلتفون “متأثرين فرحاً” حول البوط العسكري وبجانبه تربّع مجسّمُ رصاصة!

واليوم، وبينما تبدو قيامة السويداء ثورة مركّبة في مواجهة أيديولوجية شمولية متطرّفة، ومن ثم فالمفاهيم الدالة عليها تتسم بالعمومية وتعدّد الأبعاد، إلا أنّ خصوصيتها المبشِّرة تكمن في تجرّؤ السوريين، وبعد عقدٍ مرير من الصمت القاتل، على تمزيق صور الأسد الأب وإسقاط تمثال له أخرجوه من مقرّ البلدية إلى ساحة الكرامة. وردّاً على هذه الجرأة الثورية الصادمة، يلجأ بشار الأسد نحو طقسٍ أهمله عقدين، عبر إعادة نشر تماثيله، وهو ما حدث أخيرا في قرية بلقسة الموالية، في ريف حمص الغربي، حيث نُصب تمثال عملاق له بلغت تكلفته حوالي 650 مليون ليرة سورية، بقصد التذكير بقدسية الحاكم وتلك المسافة الهائلة التي تفصله عن جموع العبيد، حيث ظهر عشراتٌ يلتفون حول التمثال وهم يرفعون أيديهم ويهلّلون ككفار قريش.

وهنا دعونا نتساءل بتجرّد تام: لو كان هذا “الصنم” مصنوعاً من تمر أو من خبز، هل سيهرع هؤلاء الموالون “الجائعون” لأكله ليلاً بعد التهليل له نهاراً؟ في السياق يقول عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر “الأمم قد تتسامح بالتفريط في مصالحها، ولكنها لن تتسامح أبداً بجرح شرفها وكبريائها”. وها هي ثورة السويداء تثبت أنّ مآل حكم نظام الأسد هو السقوط، لا محال، بعد استعادة السياسة من احتكار الأسد لها انطلاقاً من ساحة الكرامة، باعتبارها ساحة شعبية مقدّسة لخلوّها من التماثيل، وبوصفها شأناً يومياً طهرانياً بالغ الأهمية لصياغة الرؤى التي بدأت بفتح بابٍ مُحتمَلٍ لحلٍّ سياسي قد يقود في النهاية إلى إعادة تشكيل سورية الجديدة.

وفي هذا الوقت الحرج، كلّ ما يفعله بشار الأسد أنه يترأس وفداً رسمياً إلى الصين، وهنا سؤال عن مناسبة الزيارة، وهي افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، فلماذا يصطحب معه وزير الخارجية مثلاً؟ أو المستشارة السياسية أو المستشارة الخاصة به؟! ما يزيد طين الأسئلة بلّة أنه، وبعد خسارة الدعم العربي وانشغال الحليفتين بمشكلاتهما الداخلية، لا تبدو الزيارة سياسية، بالمطلق، رغم تصريح الرئيس شي جين بينغ خلال لقائه الأسد إنّ الصين وسورية ستعلنان عن شراكة “استراتيجية” جديدة ستصبح محطّة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية، إذ يبدو الأخير مشغولاً وعائلته في زيارة الأماكن السياحية، تسبقه ابتسامته الواسعة البلهاء التي لطالما تصدّرت الأزمات والكوارث، متسوّلاً النجومية من بلدٍ لا يقدّم شيئاً بالمجان، عمل بشكل حثيث على تثبيت شرعية رئيس جمهورية الكبتاغون الواهية على المستوى الدولي، ومن بين 16 مرّة استخدم فيها حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن كانت عشر منها لحماية نظام الأسد البائد.

نافل القول، مهما كانت مآلات الزيارة وثرثرات دهاليزها المعتمة، فالحقيقة الجلية هنا أنّ الأسد لن يغادر كرسيه حتى ولو باع سورية بالكامل، هو الذي لم يسمع الصرخة المدوّية للشاعر بدوي الجبل في قصيدته التي انتقد فيها حكم حافظ الأسد بعد هزيمة يونيو 1967: يسومنا الصنم الطاغي عبادته/ لن تعبُد الشام إلا الواحد الأحد.

العربي الجديد

————————–

الصين لن تنقذ الأسد/ عمار ديوب

أُغلقت كل النوافذ بوجه بشار الأسد. إيران وروسيا تبدوان متململتين منه كثيراً. تركيا لا تجده شريكاً في إحلال السلام في جنوبها، وليس قادرا على تفكيك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحزب الاتحادي الديمقراطي (الكردي). وفي كل الأحوال، هناك أميركا الداعمة للقوى الكردية هذه، وبالتالي، لن تتغيّر أوضاع ذلك الجنوب إلّا باتفاق مع الحكومة الأميركية. أحاديث وزير الخارجية الإيرانية، حسين عبد الأمير اللهيان، أخيرا، عن وساطة للتقارب بين تركيا ونظام دمشق تبدو أقرب إلى التحدّث للإعلام منها لأن تكون مبادرة، فكيف إن تذكّرنا أن طهران أعاقت بالأصل المبادرة التركية، ومنعت الأسد من الاستجابة لشروط المبادرة العربية.

حَلِم الأسد طويلاً بأن تنظر الصين إلى بلاده بعين العطف، رغم أن وعودها بالاستثمار في سورية من قبل لم تنفّذها. تُعتبر الصين حليفة له، فهي رفعت “الفيتو” ثماني مرّات، وفي قضايا محقّة بإدانته، ولكن الأمر كان يتم بتنسيق مع روسيا، وضمن تعزيز العلاقات مع الأخيرة أولاً. الصين التي حاصرها الأميركيون عبر الممرّ الهندي الخليجي الأوروبي، وأخرجوا سورية ولبنان منه، رأت أن تدعو الرئيس الأسد إلى دورة الألعاب الأسيوية، وهناك موضوع تايوان، والابتزاز الغربي ضدّها، فلماذا لا تلوّح بورقة سورية هي أيضاً؟

شعر الأسد بأهمية الحليف الصيني، أخيراً، فأرسل الأخير إليه طائرة لتقلّه، وأسرته وبعض من وزرائه ومستشاريه، للمشاركة ضيوفا في الدورة. تم هناك اللقاء مع الرئيس الصيني، ووقّع الرجلان اتفاقية سمّيت “الشراكة الاستراتيجية” وتتضمّن وعوداً جديدة بالمساهمة في إعمار سورية، وبالاستثمار في البنى التحتية. في كل الأحوال، انضمّت سورية إلى مبادرة الحزام والطريق في 2022، ولكن، كما لم تتحقّق وعود سابقة بالاستثمار في سورية، كذلك لم يكن للانضمام فائدة تُذكر. وأغلب التقارير الصحافية تؤكد أن الاتفاقية الموقعة أخيرا لن يكون لها أيّ عوائد اقتصادية. وبالتالي، الزيارة أقرب إلى الدبلوماسية؛ فبها، يقول الأسد إلى جامعة الدول العربية بأن لديه مخارج جديدة، وتستغلها الصين ورقة سياسية، كما أوضحنا.

مشكلة الأسد أنّه استنزف كل علاقاته و”باع” سورية لحليفتيه. رغم ذلك، تلاحقه إيران من أجل ايفاء ديونها، وروسيا تفعل الشيء ذاته، والاثنتان عقدتا معه اتفاقياتٍ اقتصادية كثيرة، وجميعها غير قابل للاستثمار. تعلم الصين ذلك جيداً. ولهذا، ليس بمقدوره أن “يضحك” عليها واستدانة بضع مليارات، ويشكّل رفضه المبادرات الإقليمية سبباً إضافية إلى تعقيد مستقبل بقائه في السلطة، وليس حل بعض مشكلات البلاد.

المصائب لا تأتي فرادى على نظام دمشق؛ فبعد أن توهّم الانتصار، وتوهّم معه الموالون أن الأزمة حُلّت وانفرجت، وفتحت أمامه المبادرات، واعتقد الأسد أنّه سيذهب إلى الرياض وأنقرة فاتحاً؛ انهار ذلك كله، وعاد إلى الداخل، ورفع الأسعار بشكل جنوني، سيما المحروقات، وكانت الحصيلة تذمّراً واسعاً، فنطقت الألسن الصامتة، وبدأ الانتقاد الشديد، وتحرّك المجتمع، وبرز ناشطون عديدون في الساحل، واعتقلهم، وخرجت محافظة السويداء بأكملها عن السيطرة، وشعر النظام بأن أجواء 2011 عادت تقضّ مضجعه.

بزيارته الصين، بدلاً من أن يذهب إلى السويداء، أو يتحدّث للشعب، وقد كانت هناك انتفاضة للعشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وباستمرار ارتفاع الأسعار، وطبعاً سيعود بخفّي حنين من الصين، يكون قد أجّج إمكانية توسّع الانتفاضة عليه من جديد. يشكّل شعور الخيبة الشديد لدى الموالين من أفعاله، في السنوات الأخيرة، وعدم تغيّر ممارسات نظامه من فساد ونهب وتجاهل الحقوق، الأرض الصالحة للتظاهر.

عرّت نبرة نشطاء الساحل الذين اعتقلوا النظام من كل مصداقية، واعتقالهم، وانتفاضة السويداء، “كمحافظة فيها أقلية درزية”، قد أعادت العقل إلى اعتداله، وتذمّره؛ فهذا النظام ليس طائفيّا ولا حاميا للأقليات، ولا تعنيه أحوال المتضرّرين من الموالين، وعائلاتهم، وقد فقدوا أولادهم، ومن ظلَّ حيّاً ركب البحر الى قبرص وأوروبا وأيّة دولة يمكن الذهاب إليها. هذا يعني افتقاد النظام أيّة سرديات عن ضرورة الالتفاف حوله من جديد. وهنا، ذكرت تقارير صحافية أن الرئيس الأسد التقى، منذ أكثر من شهر، بعض شيوخ الطائفة العلوية، وبدلاً من الإصغاء إلى شكواهم، ازدراهم، وهدّدهم، بأن يساهموا بدورهم في تكميم الأفواه عبر السردية القديمة، بأنّه حامٍ لهم. ولا يمكن للشيوخ الجوعى أن يعيدوا العقل إلى غبائه، وإلى الجهل.

لن تأتي الإغاثة من الصين، وليس من استثماراتٍ ممكنة، وروسيا وإيران سيطرتها على كل موارد البلاد، والانضمام لمبادرة الحرير والطريق لم تغيّر من المشهد أبداً. وواقعياً، هناك العقوبات الأميركية، والتي تمنع أية استثمارات في سورية، وقد كانت سبباً لمنع تمادي بعض الدول العربية في نسج علاقاتها مع نظام دمشق، والأسوأ للأخير تصريحات ملك الأردن عبدالله الثاني في الأمم المتحدة، حيث قال إن الأسد لا يفرض سيطرته الكاملة على المناطق الواقعة تحت نفوذه. وكان الملك من أشدّ المتحمّسين لإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، ورفع العقوبات عنه، ولكن سياسات النظام، وعدم استجابته لشروط الجامعة، واستمرار وصول الكبتاغون إلى الأردن والخليج، أشعر الملك بأن كل ما فعله لم يكن صائباً، ولا بد من السير خطواتٍ نحو الخلف.

لن تغامر الصين بالقدوم إلى سورية؛ فهي تريد تخفيف المشكلات مع أميركا وليس العكس، ولديها مشكلة كبرى هي تايوان، وتتشدّد فيها ضد أميركا أو كل من يقيم صلات معها؛ في منطقتنا. صحيح أن الممر الهندي موجّه ضد المبادرة الصينية، ولم تستفد منه تركيا وإيران وسورية ولبنان والعراق، ولكن ذلك لن يدفع الصين إلى المواجهة، في المنطقة، سيما أن مبادرتها للصلح بين السعودية وإيران تكاد تفشل، ووعودها لإيران بضخ 40 مليار لم تنفّذها. إذاً، لن يستفيد الأسد من زيارته، وسيُصاب الشعب بالخيبة من جديد، فقد انتهت أسطورة العمل بالأمل، بل، وعلى الأغلب ستتوسّع الانتفاضة ضدّه أكثر فأكثر؛ فهو لا يتوقّف عن إضاعة الفرصة تلو الأخرى، وبذلك تتفاقم أحوال الشعب، ويصبح المدخل لحل المشكلات هو التغيير السياسي، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وهو ما حاز إجماعاً في سورية، المعارضة و”الموالية” منذ منتصف أغسطس/ آب الماضي.

العربي الجديد

—————————–

لماذا تتجاهلون هذا الخطر الرهيب: هل أنتم متواطئون؟/ د. فيصل القاسم

تستأثر قضية المخدرات وترويجها والاتجار بها، وتعاطيها، وبسبب خطورتها الفائقة على الصحة العامة ومستقبل الأجيال والمجتمع بشكل عام، باهتمام كافة الوكالات والمنظمات الدولية المعنية وكل تلك الدول المتضررة منها مباشرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي أغرقتها «كارتلات» المخدرات الأمريكية الجنوبية بشحنات لها أول وما لها آخر، وتُعقد لذلك الجلسات والمشاورات والاجتماعات الأممية والإقليمية والبينية بين الدول لمناقشة سبل درء ذاك الخطر الداهم والقاتل والمدمـّر، وحين يصل «البل للذقن» كما يقال، تـُتخذ أحياناً تدابير صارمة ومتشددة، بلغت حدّ الغزو العسكري لبنما في العام 1989 من قبل قوات «المارينز» واحتلال الجزيرة واعتقال وجلب ديكتاتور بنما، يومها، «مانويل نورييغا 1934-2017 م» للعدالة الأمريكية وسجنه حتى الموت في إحدى زنزاناتها، فيما تم قتل بارون المخدرات الكولومبي الأشهر بابلو أسكوبار، متزعم «كارتل» ميدلين، من قبل السلطات الكولومبية في العام 1993، في عملية أمنية معقدة، بتواطؤ ودعم استخباراتي ولوجستي مباشر من الـC.I.A، لكن، وعلى ما يبدو، وبكل أسف فإن الأمر يختلف، كثيراً، ولسبب مريب وغريب، عندما يصل لـ«نورييغا» و«بابلو أسكوبار» الشام صاحب ومؤسس كارتل «الكبتاغون» الذي ينتج علناً في مصانع معروفة للجميع في الساحل السوري وسهل البقاع اللبناني و«باروناته» يصولون ويجولون علناً وبمواكب رسمية في شوارع دمشق واللاذقية والضاحية وبحماية ميليشيا «البارون» ماهر الأسد المعروفة باسم «الفرقة الرابعة» ويـُغرِقون أسواق المنطقة والعالم بالسم القاتل، في تحد صارخ لكل المنظومة والمجتمع الدولي، فحين يصل الأمر لملك «الكبتاغون» (المدلل) في قصر المهاجرين، تعطي الدول والمنظمات والوكالات الدولية الأذن «الطرشاء» لذلك، ولا تتخذ ضده أي إجراء، وهي ترى المخدرات تفتك بأجساد الأجيال الغضة والناشئة الصغار وتـُدمـّر مستقبلهم وحياتهم بمنهجية وإصرار وعلى عينك يا تاجر ويا مجتمع دولي، فيما بات الحديث علناً عن اقتصاد «الكبتاغون» الذي يجعل النظام واقفاً على قدميه، إذ يدر على العصابة الحاكمة أكثر من خمسين ملياراً من الدولارات سنوياً وفق تقدير الهيئات والمنظمات المختصة.

ولا يكاد لا يمر أسبوع، وربما يوم، إلا ونسمع عن ضبط شحنة مخدرات بالأطنان في هذا البلد العربي أو ذاك، ناهيك عن عشرات الشحنات الأخرى التي تصل إلى وجهتها بسلام، وكلها قادمة من سوريا التي تحولت إلى عاصمة المخدرات في العالم بامتياز. والكل يعرف أن من يقف وراء هذه الظاهرة غير المسبوقة تاريخياً في المنطقة هو النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون وميليشياتهم، وطبعاً بالتعاون مع أذرعهم الكثيرة خارج المنطقة في أنحاء متفرقة من العالم، فهم لا يعملون لوحدهم، بل مرتبطون بجهات أكبر وأخطر منهم، فهي تدعمهم وحتى تحميهم سياسياً.

وفي بداية الأحداث في سوريا قبل أكثر من عشر سنوات قرأت كلاماً لباحث عراقي مخضرم قال فيه «إن نظام الأسد في دمشق لن يسقط، لأنه محم من أعتى كارتيلات المخدرات في العالم». للأمانة لم أصدق هذا الكلام وقتها، لا بل سخرت من الباحث العراقي، لكنني اليوم وأنا أرى كيف طغى اسم وسمعة أسكوبار الشام في تجارة المخدرات على أسكوبار كولومبيا المقتول واحتل مكانه وتربع على عرش هذه «الممنوعات» صرت متأكداً أن النظام السوري يستمد بعضاً من قوته من حلفائه وشركائه صانعي ومروجي المخدرات في العالم. لاحظوا رغم إعادته إلى الجامعة العربية ورغم كل ما فعله بسوريا والسوريين، خرج علينا رأس النظام قبل مدة ليهاجم العرب ويتحداهم، ويرفض التنازل لهم، وخاصة في قضية المخدرات، وبدل أن يتراجع قليلاً عن إغراق المدن العربية بالكبتاغون، ضاعف شحناته إلى البلدان العربية، وقد اعترف وزير الخارجية الأردني قبل أيام بأن النظام السوري بدأ يرسل مزيداً من شحنات المخدرات إلى الأردن بعد التقارب بين البلدين وبعد عودته إلى الجامعة العربية. ولا ننسى أن الاستخبارات السورية كانت تهرب المخدرات إلى الأردن منذ عقود بكل الطرق الشيطانية بما فيها عبر ليّة الغنم.

وتشتكي الحكومة العراقية يومياً من وصول عشرات الأطنان من المخدرات إلى المدن العراقية، مع العلم أن النظام العراقي حليف للنظام السوري ويمده بالنفط والدولارات منذ سنوات وسنوات، ويدعمه سياسياً في كل المحافل العربية والدولية. وحدث ولا حرج عن البلدان الخليجية التي تصلها الشحنات بكل الأشكال والألوان، مرة عبر الرمان ومرة عبر الكابلات الكهربائية ومرة عبر البرتقال ومرة عبر البطيخ، مع العلم أن بعض العواصم الخليجية سارعت لدعم النظام ورفع الحصار عنه، لكنه كافأها بهجمة مرتدة، فمن أغرق الأسواق السورية بالمخدرات ونشرها حتى في المدارس الابتدائية بين الأطفال السوريين وباعها على أرصفة الشوارع لن يتوانى مطلقاً عن تدمير بقية الأطفال والشباب العربي في بلدان عربية أخرى.

لم تعد قضية المخدرات مجرد مناكفات سياسية بين النظام السوري وبعض الدول العربية، لا أبداً، بل صارت قضية حياة أو موت بالنسبة للكثير من الشعوب العربية، فنسبة الإدمان على المخدرات في بعض البلدان المجاورة وصلت إلى مستويات قياسية مرعبة، وبات الناس بالشوارع يرون العجب العجاب في تصرفات بعض المتعاطين. وأحياناً يتجنب المارة الاحتكاك بالآخرين في شوارع بعض المدن العربية، لأنهم يعرفون أن الغالبية باتت تتعاطى الكبتاغون السوري، ومن الأفضل الابتعاد عنها خوفاً من مخاطرها. وقبل أيام نشرت وكالات الأنباء خبراً يقول إن أحد الشباب قتل أمه بعد تعاطيه جرعة من الكبتاغون، وبعد أن صحا من تأثير المخدر سألوه: «لماذا قتلت أمك» فقال: «أنا لم أقتل أمي، بل قتلت شيطانة» فقالوا له: «لا بل قتلت أمك» فأغمي عليه وبدأ يجهش بالبكاء.

وهذا مجرد نموذج بسيط لآثار هذه الآفة الفتاكة التي تجتاح العالم العربي من المحيط إلى الخليج. ولا ننسى الآثار المستقبلية للمخدرات من الناحية الصحية، فهي تدمر الدماغ، ونحن هنا نتحدث عن تدمير أدمغة جيل كامل من البشر، وهي كارثة تاريخية بكل المقاييس، فهل هذا ما تريده الأنظمة العربية لشعوبها؟ لماذا تتعامل مع هذا الخطر بهذه الخفة واللامبالاة؟ لماذا لا نسمع منها سوى الشكوى الخجولة من طوفان المخدرات التي يأتيها من دمشق وطهران والضاحية الجنوبية في بيروت؟ أليس الحديث عن إسقاط طائرات مسيّرة تحمل مخدرات هو لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون؟ هل تستطيع المسيّرات أن تحمل أكثر من كيلويين من المخدرات أصلاً؟ ألا تصل الشحنات الكبرى إلى وجهاتها عبر أنفاق آمنة وطرق مفتوحة؟ هل بات العرب عاجزين وصاروا يتوسلون أسكوبار الشام كي يرأف بحالهم وحال شعوبهم، أم إن بعضهم متواطئ ومستفيد من هذه التجارة المليارية؟ عندما طرحت استفتاءً على الفيسبوك فيما إذا كانت بعض الأنظمة العربية متورطة في لعبة ترويج المخدرات، جاءت معظم الردود بالإيجاب، والبعض قال إنها مستفيدة بطريقتين، الأولى أنها تجني مرابح لا بأس بها من هذا التجارة مع عصابات الشام وطهران، والثانية أن بعضها لا تمانع في إلهاء شعوبها بالكبتاغون وسائر أنواع المخدرات الأخرى كي تبقى الشعوب «مسطولة» لتكتفي شرها وتبعدها عن المجال العام. لا بل إن البعض ذهب أبعد من ذلك متهماً الأنظمة بالتنسيق مع عصابات المخدرات السورية، أي أن هناك تواطؤاً أصبح واضحاً بين المنتج والمشتري والمستهلك. يا لها من جريمة تاريخية نكراء إذا تأكدت صحتها فعلاً! هل يعقل أن تضحي تلك الأنظمة اللاوطنية بشعوبها كي تبقى جاِثمة على كراسيها بأمان واطمئنان؟

في الماضي كانت بعض النساء تجد علاجاً ناجعاً جداً للمولود الجديد الذي يبكي كثيراً. كانت تشتري دواء فيه مادة منوّمة ومخدرة وتعطيه للطفل، فينام ساعات طويلة ويريحها من البكاء والصراخ. واليوم ونحن نرى حجم الانتشار الرهيب للمخدرات في بعض الدول العربية وارتفاع عدد المروجين والبائعين والمتعاطين إلى مستويات قياسية وسط لامبالاة حكومية صارخة، بدأت أتذكر ما كانت تفعله بعض النساء مع أطفالهن كي ترتاح من بكائهم!

كاتب واعلامي سوري

القدس العربي

————————————

هذا التحالف الصيني/ باسل طلوزي

لماذا لم تستضف الصين بشّار الأسد في دمشق بدلًا من جلبه مخفورًا إلى بكين؟ هذا السؤال مشروع، ما دامت الصين تجشّمت عناء إرسال طائرة تابعة لها إلى دمشق لنقل فخامته إليها، على اعتبار أنه لا يجرُؤ على مغادرة دمشق على متن الخطوط الجوية السورية. كان يكفي أن ترسل الصين عامل “البوفيه” في وزارة خارجيتها إلى دمشق، لإجراء المباحثات المقرّرة بين الطرفين، وتوقيع الاتفاقية “الاستراتيجية” التي هلّلت لها وسائل الإعلام في البلدين، من دون الحاجة إلى كلّ هذا العناء، وتحمّل تكاليف الطائرة ووقودها وإقلاق راحة الطيّار بهذه المسافة الطويلة والشاقة.

كان يمكن أن تستضيفه، فعلًا، في دمشق؛ لأنه ليس أزيد من عابر سبيل في بلده الذي لفظه، لكنه علق في حلقه كشوكة سمك بفضل من أعادوه عندما كان موشكًا على الهرب في أوج ثورة الربيع السورية، وأراهن أنه يحتفظ بحقيبة سفر جاهزة للفرار عند أول خطر يهدّد حياته.

السؤال الأهمّ: ماذا تريد الصين من رئيسٍ لا يسيطر على ربع دولة، ولا يجازف بالخروج من باب البيت بلا دعم خارجيّ، ولا يعترف بشرعيّته الرئاسية سوى حرسه، وأجهزة استخباراته، وبضعة تجار نهبوا البلاد والعباد؟ وما نوع التعاون “الاستراتيجي” الذي يمكن أن ينشأ بينهما؟

هل تسعى إلى إعادة إعمار سورية فعلًا كما ورد في بيان التعاون؟ إذا كان ذلك كذلك، فقد اختارت الشخص الخطأ للتوقيع على مثل هذه الاتفاقية؛ لأن من دمّر بلاده بيديه لا يعنيه الإعمار، ولو كان يستهويه ذلك لأبقى بلاده عامرة، ولبّى مطالب شعبه. لكن من الواضح أنه رجل خراب، وهدم، واستلاب حقوق، بدليل أنه، في أحد تصريحاته التلفزيونية أخيرا، قال إنه غير نادم على خياره العسكري ضدّ انتفاضة الشعب، وأنه لو عاد به الزمان إلى بدايات الأحداث لكرّر الخيار نفسه. ما يعني أنّ أي إعمار ستشهده سورية لاحقًا سيكون مصيره معلومًا؛ لأن الشعب السوري، هو الآخر، لن يتخلّى عن مطالبه، وذلك واضح من انتفاضة السويداء. أم لعلّ الصين ترنو إلى قبض ثمن مواقفها الداعمة نظام الأسد في المحافل الدولية، إبّان الأزمة، سيما وأنها عمدت إلى استخدام حقّ الفيتو 11 مرة في مجلس الأمن ضدّ أي قرار يدين بشّار الأسد ونظامه، وهو ما يثير الغرابة من دول عظمى لم تزل تدعم الدكتاتوريات والأنظمة الفردية، تستوي في ذلك الإمبراطوريات الرأسمالية والاشتراكية.

مقابل ذلك، نتساءل: ما الذي يريده الرئيس بشّار الأسد من الصين؟ ربّ قائل إن الإجابة بدهية ومعلومة من رئيس ما زال على حافّة هاوية الحكم. لكن، وللإنصاف أيضًا، حتى لا نظلم الرجل، وردت عبارة في أحد تصريحاته في بكين خلال توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي، عندما تحدّث للمرّة الأولى عن “الأخلاق”، فقد امتدح فخامته السياسة الصينية التي تقوم على الأخلاق في علاقاتها الدولية، قبل تحقيق المصالح والهيمنة. والحال أن الأسد لم يكن ينقصُه غير اعتمار العمامة وحمل المسبحة وهو يتحدّث، بكلّ هذه السماحة، عن المبادئ والأخلاق، فالرجل وجد ضالّته الأخلاقية في الصين، لكنه أسقط الحديث عن “أخلاقه” هو التي نسيها في أحد البراميل المتفجّرة على ما يبدو.

حقًّا، عن أيّ أخلاق تحدّث رئيسٌ تسبّب بمقتل نصف مليون شخص في بلده، وتشريد أزيد من ثلاثة ملايين سوري في المنافي؟ وما نوع الأخلاق التي تستهويه بعدما أباد نحو 15 ألف سجين سياسي في سجونه خلال حرب “التطهير” التي قادها على شعبه، لأنه جازف بطلب حريته؟

أما إن صدق الأسد، فينبغي عندها أن ندين المادح والممدوح، معًا، فإن كانت الصين تتحرّى الأخلاق فعلًا، في علاقاتها الخارجية، فلماذا حمت المجرمين الخارجين على إرادات شعوبهم، ودعمتهم بالمال والسلاح و”الفيتوهات”. أين ذابت مزاعمها “الأخلاقية”، وهي ترى شعبًا يباد بأكمله؛ على يد طاغيته.. هل يحقّ لها الحديث عن الأخلاق؟

————————–

زعماء العالم في نيويورك… والأسد في الصين… وقآني في سوريا/ عالية منصور

في زيارة هي الأولى له منذ عام 2004، زار الرئيس السوري بشار الأسد، ترافقه زوجته ووفد كبير، الصين. الزيارة التي يحاول إعلام النظام وحلفاؤه تصويرها على أنها انتصار جديد للأسد على “المؤامرة الكونية” التي تعرض لها، جاءت أساسا تلبية لدعوة الرئيس الصيني للأسد وغيره لحضور افتتاح الألعاب الآسيوية في هانغجو يوم 23 من الشهر الحالي.

وإن كان لا بد من القول إن الزيارة ليست فقط لحضور الألعاب الآسيوية، إلا أنه أيضا لا يمكن اعتبارها حدثا رئيسا سيغير من المعادلات في المنطقة والعالم.

فبينما كان زعماء العالم وممثلون عنهم يجتمعون في نيويورك بمناسبة انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين، كان إعلام الأسد يصور الزيارة إلى الصين على أنها تأتي ضمن سلسلة أحداث فك عزلة النظام، علما أن الأسد هو ثالث رئيس نظام معزول دوليا يزور الصين هذا العام بعد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والإيراني إبراهيم رئيسي.

ومنذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 وإعلان بشار الأسد حربه على السوريين المطالبين بالتغيير والديمقراطية، كانت مواقف الصين داعمة للنظام سياسيا واقتصاديا، ومارست حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن مع روسيا أكثر من مرة دعما لنظام الأسد. وفيما كانت الصين تقول إنه رفضا للتدخلات الغربية في سوريا، فإن بكين لم تفعل ما فعلته روسيا أو إيران بإرسال مقاتلين ومرتزقة ليقاتلوا إلى جانب قوات الأسد في حربهم ضد السوريين.

ومع ذلك، سبق للأسد قبل أعوام أن وصف كلا من الصين وروسيا وإيران بـ”الحكومات الصديقة”. كما أن الصين سبق لها وأن قدمت كثيرا من الوعود، ووقعت عددا من الاتفاقات الاقتصادية مع النظام السوري، إلا أن هذه المشاريع لم تر النور وبقيت وعودا بانتظار التنفيذ.

واليوم ومع انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا، يرى البعض أن الصين بدأت تبدي اهتماما أكبر بلعب دور سياسي كوسيط في حل أزمات المنطقة، وتوجت جهودها هذه بالاتفاق الذي تم بين السعودية وايران والذي بات يعرف بـ”اتفاق بكين”.

وفي بداية عام 2022 وقعت الحكومة السورية على اتفاقية الانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق” التي تعمل بكين من خلالها على توسيع نفوذها في المناطق النامية من خلال مشاريع البنية التحتية. الخطوة التي-كغيرها- لم تتحول إلى أي فعل عملي حقيقي وملموس، ولم يحصل الأسد من ورائها على ما ينتظره.

واليوم ومع التدهور غير المسبوق في الوضع المالي والاقتصادي في سوريا، ومع استمرار الاحتجاجات المطالبة برحيل الأسد في السويداء ودرعا وغيرهما من المناطق السورية، وبعدما فشل الأسد في التزاماته مع الدول العربية والتي عاد على أساسها إلى جامعة الدول العربية، يحتاج الأسد إلى مساعدات مالية عاجلة، وهو ما لن تقدمه له الصين حتى وإن تم توقيع اتفاقيات شراكة وغيرها، كما سبق وتم توقيع اتفاقيات سابقا بين البلدين.

تريد الصين من دعوة الأسد توجيه رسائل سياسية، أهمها أنها قادرة على استغلال الانشغال الروسي دون أن تدخل في حروب عسكرية، بينما يريد الأسد سياسيا القول إنه منتصر وغير معزول، وفعليا يريد الحصول على قروض ومشاريع تنقذ نظامه من الغرق.

ولكن يبقى أبرز ما في زيارة الأسد للصين، أنه وبينما كان يلتقط الصور هو وزوجته والوفد المرافق باسمين منتصرين، كان إسماعيل قآني قائد “فيلق القدس” الإيراني، يشرف على مناورات عسكرية مشتركة مع قوات النظام في سوريا، ويبحث وفقا لإعلام طهران سبل “المواجهة المشتركة والتحديات والانفلات العسكري والأمني في سوريا”.

وبين الصورتين، صورة قآني في سوريا، والأسد في الصين، يبقى مصير سوريا مرتبطا بمشاريع دول وحكومات معزولة ومعاقبة دوليا، بسبب انتهاكاتها، طالما أنه حتى اللحظة لا توجد إرادة حقيقية بتطبيق القرارات الدولية وإنهاء معاناة السوريين وتمزيق الخريطة السورية.

——————————-

هل من عودة للصين إلى سوق النفط السورية؟/ حايد حايد

احتلت أخبار زيارة الرئيس السوري بشار الأسد المرتقبة إلى الصين للحصول على دعمها من أجل التعافي الاقتصادي في سوريا مركز الاهتمام في عناوين الصحف الرئيسة. ومع ذلك، ليست هذه الزيارة هي التطور الوحيد الجدير بالملاحظة فيما يتعلق بنشاط الصين في سوريا في الأشهر الأخيرة؛ ففي 20 يونيو/حزيران، قامت شركة “سينوبك” الصينية العملاقة للطاقة والكيماويات التي تملكها الدولة بتعيين مدير جديد لفرعها في سوريا. وأثارت هذه الخطوة، التي جاءت بعد ما يقرب من عقد من تعليق الشركة أنشطتها في هذه الدولة التي مزقتها الحرب، تكهنات بأن بكين تستعد أخيرا لإعادة الانخراط في قطاع النفط السوري.

مع ذلك، لم تكن مناورة بكين مفاجئة تماما، على الرغم مما تنطوي عليه تلك الخطوة من مجازفة، والواقع أن كثيرا من شركات النفط العالمية تفكر في العودة إلى السوق السورية. ولكن حتى في ظل وجود إدارة جديدة لشركة “سينوبك”، فإن الطريق أمامها- مثلها في ذلك مثل الاستثمارات الصينية الأخرى- محفوفة بحالة من عدم اليقين.

وتعود خطوة “سينوبك” الأولى في مجال النفط في سوريا إلى عام 2009 عندما استحوذت الشركة على شركة “تانغانيكا” الكندية للنفط، وهو الأمر الذي أدى إلى تأسيس شركة “SIPC Syria LLC”. وكانت ممتلكات سينوبك، والتي تشمل حقول عودة، وتشرين، والشيخ منصور النفطية، تنتج مجتمعة 21 ألف برميل من النفط في اليوم. وفي الوقت الحاضر، تقع كل هذه الأصول داخل المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.

وكانت موجات الصراع المتغيرة أجبرت شركة سينوبك على إيقاف نشاطها في سوريا عام 2013. ولكن، يبدو أن الأعمال العدائية التي طال أمدها، ومواصلة سلطات الأمر الواقع الإنتاج في حقولها النفطية قد حملت الشركة التي تملكها الدولة الصينية على إعادة التفكير في موقفها. وفي عام 2016، ظهرت تقارير بأن شركة سينوبك أرسلت خبراء لتقييم حالة حقولها النفطية، وأجرت مناقشات مع الإدارة الذاتية حول مستقبل تلك الحقول. ولكن هذه الحوارات لم تُسفر عن أي نتائج.

وعلى الرغم من أن الصين داعم سياسي كبير للنظام السوري في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن مشاركتها الاقتصادية في هذه الدولة المحاصرة حافظت على قدر من ضبط النفس. ومع مرور الزمن، أبدت شركات صينية كثيرة اهتماما قويا بالاستثمار في سوريا. إلا أنَّ هذه المساعي لم تسفر عن أي نتائج ملموسة بسبب الظروف الاقتصادية غير المواتية السائدة في البلاد.

وخلافا للافتراضات، فإن تحرك سينوبك الأخير المتمثل في تعيين إدارة جديدة لأصولها في سوريا لا يشكل استجابة لتحسن الأوضاع داخل البلاد. وبدلا من ذلك، يبدو أن الدافع وراء ذلك هو محاولة الصين الاستباقية لمنع شركات النفط الأخرى من اكتساب ميزة تنافسيةٍ في السوق السورية. وتستعد هذه الشركات استراتيجيا للعودة المنظمة إلى السوق، ويهدف إجراء سينوبك على الأرجحِ إلى تأمين موقعها داخل هذا المشهد المتطور.

ومن بين هؤلاء اللاعبين، تبرز شركة غولف ساندز بتروليوم، ومقرها المملكة المتحدة، وهي أيضا تمتلك أصولا كبيرة في شمال شرق سوريا، باعتبارها الشركة الأكثر نشاطا. وقد قادت الشركة مبادرة لتسريع استئناف العمليات في سوريا، بهدف توجيه عائدات بيع النفط إلى مجموعة من المشاريع التي تقودها الأمم المتحدة في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، واجهت هذه المبادرة طريقا مسدودا، إذ إنها فشلت في حشد أصحاب المصلحة المحليين، والإقليميين، والدوليين الرئيسين لدعم قضيتها.

ورغم أن شركة سينوبك تتمتع بنفوذ أكبر من نفوذ شركة غولف ساندز، فإنه يظل من غير المؤكد ما إذا كان هذا كافيا لإحداث اختراق في الصعوبات التي تنتظرها؛ فوسط متاهة العقوبات التي تحيط بالنظام السوري، أصبح احتمال الاستثمار المرتبط بالنفط في البلاد بمنزلة متاهة أيضا. ومع ذلك، تُظهر الشركات الصينية ميلا واضحا إلى خوض المخاطر، وهي السمة التي كانت شديدة الوضوح في التدفق القوي للنفط من إيران إلى الصين، على الرغم من العقوبات الهائلة المفروضة على طهران. وبعيدا عن المكاسب المالية، فإن تحدي الصين الجريء للعقوبات يعمل بمنزلة ضربة قوية في سبيل تلميع صورتها كقوة عالمية.

وفي حين أن العقوبات ضد النظام السوري تلوح بكل تأكيد في الأفق باعتبارها عاملا، إلا أنها ليست العقبة الرئيسة التي تُعيق عودة الصين إلى مساعيها النفطية السورية؛ إذ حصلت حادثة مهمة عام 2019 عندما حذرت الولايات المتحدة الشركات من المشاركة في معرض تجاري سنوي أقيم في دمشق، وأكدت أن المشاركة قد تعرض تلك الشركات لاحتمال كالحٍ يتمثل في فرض عقوبات أميركية عليها. ولم تردع التحذيرات الأميركية فينج بياو، مبعوث الصين في دمشق، إذ أكد أن التهديدات بفرض عقوبات على الشركات الصينية لن تُثنيها عن المشاركة في معرض دمشق الدولي.

مع ذلك، فإن حساب المخاطر يجب أن يتوافق مع العطاء المحتمل، وهو توازن لم يتحقق على نحو مقنع حتى الآن في سوريا. وقبل كل اعتبار، تجد شركة سينوبك نفسها مضطرة إلى التوصل لاتفاق مع كل من النظام السوري و”الإدارة الذاتية”.

ورغم فشل جهد مماثل عام 2016، فقد تغير الكثير منذ ذلك الحين. وأهم التغيرات تمثّل في الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء سوريا، والذي، للمفارقة، يخلق حوافز لجميع الأطراف؛ فسوريا بحاجة إلى الاستثمار، والصين بحاجة إلى النفط.

ومع ذلك، هناك قضيتان شائكتان تتطلبان التفاوض بشأنهما. الأولى هي إيجاد ترتيب يسمح لـ”الإدارة الذاتية” بمواصلة إنتاج الإيرادات من حقول النفط المعنية، وذلك على أقل تقدير. والثاني هو تأمين تأييد الجهات الفاعلة الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، التي تحتفظ بقوات على الأرض. ونظرا للحالة الراهنة للعلاقات الصينية الأميركية، فإن هذا يبدو أمرا غير مرجح.

وقد تكون الصين عازمة على المضي قدما بالرغم من ذلك كله؛ فالتوصل إلى اتفاق لن يؤدي إلى تعزيز أرباح سينوبك وحسب، بل سيسهل عودة الشركات الصينية الأخرى. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تكون تلك العودة بمنزلة حافز لإغراء الشركات الصينية الأخرى باستكشاف الفرص داخل الحدود السورية.

وفي حين أن الإغراء بإعادة الانخراط في قطاع النفط السوري أمرٌ جليٌ، فالطريق الذي يُفضي إلى التقدم بالنسبة لشركة سينوبك، وغيرها من الاستثمارات الصينية، إنما هو طريق وعر. ويشير تعيين مدير جديد لأصولها في سوريا إلى أن الصين، على أقل تقدير، مهتمة بإبقاء خياراتها مفتوحة. ولكن في ظل وجود الكثير من الأمور العالقة، فإن بكين، حتى بعد زيارة الأسد الرسمية، قد تجد نفسها مضطرة إلى التحلي بالصبر حتى تتحسن الظروف.

———————————

بشار الأسد يحقق “انتصاراً رمزياً” في الصين.. لكن هل يتحول إلى منافع لاحقة على الأرض؟

عربي بوست

سجل رئيس النظام السوري بشار الأسد انتصاراً رمزياً -على أقل تقدير- بعد رحلته الأخيرة للصين، لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانت دمشق قادرة على تحقيق إنجازات أخرى مماثلة بدعم صيني. وبدا أنَّ الرئيس الصيني شي جين بينغ بذل قصارى جهده لتصوير الأسد على أنه “حليف موثوق ومُرحَّب به” خلال رحلته التي استمرت أسبوعاً، وأدى الإعلان المفاجئ عن “شراكة استراتيجية” إلى زيادة التوقعات بتوثيق العلاقات، كما تقول تقارير غربية.

هل ستُخرِج الصين سوريا من العزلة؟

يقول موقع Middle East Eye البريطاني إن دمشق لعبت دور “الضيف المهذب” في مدينة هانغتشو- موطن دورة الألعاب الآسيوية التي حضرها الأسد وزوجته أسماء- في حين أغدق شي بالثناء على نظيره السوري.

وقال شي: “أحيّي صمودكم، لقد دافعتم عن بلدكم بشجاعة، نحن في الصين نتابع عن كثب كل ما يحدث في سوريا، ونحن معكم”. وأضاف: “تدعم الصين معارضة سوريا للتدخل الأجنبي والبلطجة الأحادية الجانب… وستدعم إعادة إعمار سوريا”، حسب تعبيره.

وفي رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة، قال شي جين بينغ: “تحث الصين جميع الدول المعنية على رفع العقوبات الأحادية غير القانونية المفروضة على سوريا على الفور”، قبل انعقاد قمة مشتركة تحدد تشكيل “الشراكة الاستراتيجية”.

ومن الواضح أنَّ واشنطن كانت تنتبه لذلك، كما يقول الموقع البريطاني؛ إذ ردّ السيناتور مايكل ماكول: “أدين بشدة زيارة الأسد للصين؛ فاستعداد الصين للترحيب بمجرم حرب وحشي كهذا يسلط الضوء على التهديد الذي تُشكِّله الصين وأصدقاؤها في روسيا وإيران وسوريا”.

ولم تتوقف الرمزية عند هذا الحد، حيث شوهدت أسماء الأسد وهي ترتدي رداء دمشقياً حريرياً مزركشاً، في إشارة إلى أنَّ دولتي سوريا والصين لديهما تاريخ مشترك على طريق الحرير. إضافة إلى ذلك، سيعتبر المسؤولون السوريون صور مسؤولين صينيين وهم يهرعون لتحية عائلة الأسد في معبد خانجو “انتصاراً للعلاقات العامة”.

لا إجراءات ملموسة من زيارة الأسد للصين

يقول المحلل كميل أوتراكجي لموقع Middle East Eye إنَّ توقيت الزيارة كان له معنى سياسي كبير لعدة أسباب. وأضاف: “لقد راقب مؤيدو الأسد ومعارضوه تطورات الزيارة عن كثب، وفي نهاية المطاف يمكن للجانبين التأكيد على أنها تلبي توقعاتهم وتفضيلاتهم”.

وتابع أوتراكجي: “من ناحية، وقّع الجانبان العديد من الاتفاقيات، بما في ذلك الاتفاق الاستراتيجي، لكن من ناحية أخرى لم تكُن هناك إجراءات ملموسة يمكن ترجمتها إلى تحوّل ملموس في الوضع السوري”.

وفي حين تُوصَف الصين بأنها داعم اقتصادي محتمل رئيسي لسوريا، فإنَّ أية مساعدة فعلية ستواجه صعوبات وتعقيدات.

وأضاف أوتراكجي: “في هذه المرحلة، من غير المرجح أن تكون الحكومة الصينية مستعدة للذهاب إلى أبعد من ذلك، ومواجهة الأمريكيين وإطارهم المعقد للعقوبات على سوريا. الوقت وحده هو الذي سيكشف ما إذا كانت هذه الزيارة ستحفز رابطة أعمق بكثير في العلاقات الصينية السورية في المستقبل.

“بصيص أمل” لاقتصاد سوريا المتعثر

كانت أولوية الأسد في الصين اقتصادية على الأرجح، فعلى مدى عقد من الحرب تركت العقوبات الغربية الخانقة والأزمة الاقتصادية في لبنان المجاور الاقتصاد السوري في حالة يُرثَى لها.

وتأمل دمشق، منذ فترة طويلة، أن تتمكن الصين من دفع عملية إعادة الإعمار وتوفير الاستثمار الخارجي، رغم التزام الجانب الصيني الحذر، لأنَّ الأمن والعقوبات لا يزالان يمثلان مشكلة بالنسبة له.

ومع ذلك، أعرب ألكسندر لانغلوا، محلل شؤون الشرق الأوسط، لموقع Middle East Eye، عن اعتقاده أنَّ رحلة الأسد قد تكون ذات أهمية.

وقال: “رغم أنَّ دمشق شهدت تطورات دبلوماسية إقليمية كبيرة، فإنها لم تتلقَّ مساعدة اقتصادية كبيرة بعد عودتها إلى الجامعة العربية في مايو/أيار”.

ويرجّح لانغلوا “أنَّ الأسد كان يأمل في الحصول على أموال إعادة الإعمار من الخليج، لكن ذلك لم يتحقق أبداً، ربما بسبب عدم اهتمامه بالإعلان عن أية تنازلات جادة أو محددة”.

وأضاف لانغلوا: “تقع الرحلة إلى الصين ضمن هذا السياق، وتُمثل لحظة مهمة لدمشق لحشد الدعم الاقتصادي. إنَّ التجارة بين الصين وسوريا ليست كبيرة، لكننا رأينا شركات ومستثمرين صينيين أصغر حجماً على استعداد لتحمل مخاطر العقوبات والصراع، ينخرطون في تحركات تجارية في سوريا في السنوات الأخيرة”.

دمشق ومبادرة الحزام والطريق

انضمت سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في عام 2022، وخلال رحلة الأسد تحدثت مساعدته لونا الشبل عن آفاق الشراكة. وقالت الشبل: “سوريا تشكل جزءاً أساسياً من الرؤية الصينية للاستقرار في العالم، باعتبار أنَّ الصين أنشأت شكلاً جديداً في السياسة العالمية”.

ومع ذلك، فإنَّ المحنة الاقتصادية في سوريا تتطلب تواصلاً أكبر من أي وقت مضى، إذ يعيش أكثر من 90% من السكان الآن تحت خط الفقر العالمي، وتضطر الحكومة إلى إجراء سلسلة من التخفيضات الصعبة التي لا تحظى بشعبية.

في الوقت نفسه، لم تشهد دمشق بعد أية استثمارات أو أعمال بناء صينية كبيرة منذ انضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق. وقد تدهور سعر صرف العملة السورية إلى درجة أنَّ الضروريات الأساسية صارت نادرة. وبحسب نقيب الصيادلة السوريين في دمشق، حسن ديروان، قررت الحكومة زيادة أسعار الأدوية بنسبة 50%.

وقد طال انتظار زيارة الدولة إلى الصين بالتأكيد، وتُظهِر الرسائل والمظاهر التي تنعكس من هذه الزيارة اهتماماً بتنمية علاقات قوية، بعيداً عن روسيا وإيران، اللتين يمكن أن تكونا غير موثوقتين في بعض الأحيان وتفتقران إلى المبادرة الاقتصادية لمساعدة سوريا، كما يقول موقع MEE.

مع ذلك، فإنَّ الأولوية الرئيسية لسوريا هي الأموال. وإذا كانت أعين دمشق مُسلَّطة على بكين بشوق على أمل أن تأتي المساعدة، فإنَّ الصين سوف تحتاج بلا شك إلى عائد ملموس وكبير. وربما “الشراكة الاستراتيجية” ليست سوى البداية.

————————-

هل تستعد الصين لاستئناف العمل في قطاع النفط السوري؟/ محمد كساح

تثير التغييرات في إدارة الفرع السوري من شركة “سينوبك” الصينية تساؤلات حول استئناف الشركة عملها في سوريا، خصوصاً في ظل تزامن الخطوة مع الاتفاقيات التي وقعتها دمشق مع الصين، والتي ربما تعكس استعداد بكين للعودة إلى قطاع النفط السوري.

وكانت جريدة “سيريا ريبورت” أشارت في وقت سابق إلى أن شركة “سينوبك” الصينية للطاقة والكيماويات المملوكة للدولة عيّنت مديراً جديداً لفرعها في سوريا في 20 حزيران/ يونيو الماضي.

ويعرف الفرع السوري للشركة، بـ”شركة الكوكب” وتم تأسيسه في العام 2004 وباشرت الشركة أعمالها في التنقيب في العام 2009. ومن المفروض أن سيطرة الشركة تشمل حقولاً في شمال شرق سوريا مثل “عودة” و”تشرين” و”الشيخ منصور”. لكنها أنهت نشاطاتها منذ العام 2013 بسبب ظروف الحرب السورية.

دور متواضع

ويقلل الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر من انعكاسات تغيير مدير شركة “سينوبك” السورية، معتبراً أنه لا يؤشر بالضرورة إلى حدوث نشاط استثماري جديد للشركة الصينية، لاسيما وأن النظام لا يملك تلك الحقول الكبيرة التي تحتاج إلى شركات نفطية كبرى، فهي لا تكاد تنتج سوى 25 ألف برميل يومياً.

ويضيف السيد عمر لـ”المدن” أن “شركة الكوكب الصينية ما تزال موجودة في دمشق كإدارة فقط دون وجود عمل في الحقول نتيجة سيطرة قسد على حقولها”. لكن في ظل زيارة بشار الأسد إلى الصين وتوقيع بعض الاتفاقيات، يمكن ترجيح استئناف وإطلاق بعض الاستثمارات المحدودة.

ويستبعد السيد عمر أن يكون أثر ودور الاتفاقيات الموقعة بين بكين ودمشق كبيراً بما يخصّ مشروع إعادة إعمار البلاد، “فهذا الدور متواضع، خصوصاً في ظل العقوبات الغربية على النظام السوري، وهنا قد نشهد افتتاحاً لبعض الشركات والمشاريع لكنها لا ترقى لأن تكون على مستوى إعادة الإعمار”.

وخلال الفترة السابقة، أعلنت بكين عن مشاريع عديدة في مناطق سيطرة النظام، منها مشروع معمل إسمنت في ريف دمشق بطاقة 6500 طن يومياً، ومشروع محطة كهروضوئية بقدرة 300 ميغا وات، لكنها لا تزال غير مفعّلة، وفقاً للسيد عمر، الذي يضيف أن “الصين قدمت سابقاً وعوداً باستثمارات في مناطق سيطرة النظام بقيمة 2 مليار دولار، لم تنفذ حتى الآن”.

تهيئة الظروف

ويبدو أن زيارة الأسد إلى الصين حقّقت بعض النجاح الدبلوماسي كونها تظهر أن النظام ليس معزولاً عن العالم، وهي في الوقت نفسه قد تشكل فرصة للنظام للحصول على قرض صيني يساعده في التخلص من أزماته الاقتصادية المستعصية.

ويرى الباحث الاقتصادي رفعت عامر خلال حديث لـ”المدن” أن الصين تنظر إلى سوريا كموقع جيو استراتيجي مهم. وتكمن أهميتها في أنها ممر مستقبلي لخط الحرير عبر سوريا إلى لبنان ثم أوروبا، بالإضافة إلى أنها قد تلعب دوراً مهماً في إفشال الخط المعاكس لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية.

لكن في ما يتعلق باستئناف الشركات الصينية عملها، وفي مقدمها شركة سينوبك، والضلوع في مرحلة إعادة إعمار مناطق النظام، يستبعد عامر حصول أي نشاطات صينية “كون بكين تدرك مخاطر الاستثمار في دولة غير آمنة كسوريا”.

وفي المقابل، فإن براغماتية الحكومة الصينية لا ترى أي مانع من توقيع اتفاقيات غير محددة بجدول زمني حيث يمكن العودة إليها وتنفيذها في حال اتجهت التوافقات الدولية إلى تطبيق القرار 2254 أو إيجاد حل في سوريا.

وعليه، يرى عامر أنه لا يمكن التعاقد مع النظام على مشاريع الطاقة. فالصين تدرك أن النظام لايسيطر على أكثر من 20% من تلك الحقول المتواضعة أصلاً، عدا عن وقوعها في المجال الحيوي الأميركي.

———————————

أسماء الأسد من الصين.. محاولة يائسة للبحث عن صورة “وردة الصحراء” المفقودة/ خالد حمزة

“مرحبا أنتِ جميلة”.. جملة خرجت بإنجليزية متقنة من بين جموع الصينيين الملتفين حول أسماء الأسد في إحدى الزيارات التي أجرتها برفقة زوجها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الصين.

هي لقطة واحدة من عشرات اللقطات “العفوية” التي بثتها وسائل إعلام الصين لأسماء الأسد، خلال “تعثرها” بالمعجبين أينما حلت هناك، مع استقبال “مهيب” من مراهقين يمدون لها الأيادي كـ”فانز” يلتقي بمطربه المفضل.

تقول وسائل إعلام صينية إنّ الفتاة التي امتدحت أسماء الأسد في تلك اللحظة “سائحة”؛ فكيف استطاعت تلك السائحة الوصول إلى زوجة رئيس النظام واختراق الحماية لتمسك خديها وتخبرها عن “جمالها”؟

رافقت أسماء الأسد زوجها إلى الصين في زيارة اصطحبت فيها أولادها زين وحافظ وكريم، فكانت الزوجة الوحيدة بين الحاضرين الذي وصلوا إلى الصين بدعوة من الرئيس الصيني لحضور مراسم افتتاح الدورة الـ 19 للألعاب الآسيوية.

وفي جولاتها التي ظهرت تارة برفقة العائلة وتارة وحيدة، أحاطت أسماء الأسد نفسها منذ اليوم الأول للزيارة بهالة من المعجبين الصينيين الذين قابلوا كل حركة من حركاتها بالصراخ والتهليل، بطريقة مبالغ بها وتدعو للريبة حيث شكك مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي بأن يكون الجمهور قد استئجر لهذه الغاية.

انطلاقة على إنستغرام

واستهلت أسماء الزيارة بإنشاء حساب على إنستغرام وصل عدد متابعيه في الساعات الأولى إلى 300 ألف شخص وارتفع لاحقاً إلى 350 ألفاً.

اللافت أن أسماء لم تستخدم حسابا شخصياً معلناً طوال السنوات السابقة على أي منصة من منصات التواصل الاجتماعي، ولم تظهر من قبل تحمل هاتفاً بشكل علني لا في الزيارات الداخلية ولا الخارجية، الأمر الذي تبدل كلياً هناك في الصين، إذ واظبت على تصوير لقطات من كل مكان زارته لنشره.

وحافظ حساب أسماء بإنستغرام على نشاطه منذ اليوم الأول لهبوط الطائرة في الصين فكانت الصورة الأولى بعنوان “اللحظات الأولى في جمهورية الصين” استفتاحاً للنشاط “الإنستغرامي”.

ووثق الحساب المواقع التي زارتها أسماء الأسد طوال الأسبوع الماضي بدءاً من تسجيل مصور في معبد “لينج” بمدينة خانجو مروراً بمنشورات من مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس الصيني شي جين بينغ وانتهاء برسالة مصورة ظهرت فيها مع رئيس النظام باللغة الصينية.

تصدر المشهد

وعلى خشبة مسرح في كلية الدراسات الأجنبية بالعاصمة الصينية بكين وقفت أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري مغمورة “بمشاعر الفخر” كما قالت في كلمتها، مع “امتنان” للحفاوة التي غمرت بها من عشرات الصينيين الذين تجمعوا لتحيتها عند كل مدخل ومخرج منذ بدء الزيارة.

وألقت أسماء الأسد كلمة أمام عشرات الطلاب الصينيين وغيرهم من الضيوف تحدثت فيها عن اللغة العربية، مجتهدة في قراءة ما كتب لها عن “روابط تاريخية وأخرى ثقافية تعود إلى أيام قوافل طريق الحرير بين الصين والشام قبل آلاف السنين”.

ولم تلق كلمة أسماء في الجامعة الترحيب المرجو في بعض الأوساط المقربة من النظام إذ تطرق المنتقدون إلى وجود بثينة شعبان مستشارة بشار الأسد مع الوفد وهي الأحق بالوقوف على المسرح والحديث عن “اللغة والأدب والثقافة والروابط المشتركة”، بحسب تعبيرهم.

واعتبروا كلمة أسماء الأسد في الجامعة باباً لتلميع صورتها الخارجية ومحاولة لتصدر مشهد السياسة السورية الخارجية، مشيرين إلى أنّ وسائل الإعلام ركزت على حضورها أكثر من مخرجات الزيارة مثل صحيفة “الوطن” التي نشرت خبراً عن ختام الزيارة وعنونته بـ (الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء يختتمان زيارة استراتيجية إلى الصين) لكن صورة الخبر توسطها أسماء الأسد تلوّح للجمهور في حين غاب بشار الأسد عن المشهد.

كيف تناول الإعلام الصيني الزيارة

اللافت أن تركيز وسائل الإعلام الصينية انصب بشكل خاص على شخص أسماء الأسد فركزت كثير من المواقع الإخبارية المشهورة على حضور أسماء والفساتين المتنوعة التي ارتدتها في اللقاءات مثل صحيفة “يانج تشينج

” الصينية التي قالت إن “أسماء شوهدت في افتتاح دورة الألعاب بتسريحة ذيل حصان  وهي ترتدي فستاناً مطبوعاً بالأبيض والأسود، وتلوح للرياضيين، وقامت بحركة القلب بشكل جذب انتباه الجمهور ومستخدمي الإنترنت، وسرعان ما تم تداول اللقطة من قبل عدد لا يحصى من المعجبين”.

وسائل إعلام صينية أخرى ركزت في أدق تفاصيل أسماء الأسد فمثلاً سلّط موقع “sohu” الصيني الضوء على ما سماه “عادة الفريدة في شرب الماء” فقال: “إنها لا تشرب مباشرة من زجاجة المياه المعدنية، بل تصب الماء في كوب وتشربه.. هذه الخطوة التي تبدو بسيطة لها سبب عميق وراءها”.

ولم تغفل أسماء عن استغلال الأيام التي قضتها في الصين بإجراء المقابلات التلفزيونية فظهرت على شاشة تلفزيون فينيكس الصيني في مقابلة وصفها الإعلام بـ”المثيرة للاهتمام للغاية”، وهي أول مقابلة تجريها على وسيلة إعلام صينية.

وفي جوابها عن سؤال عن العقوبات الأميركية المفروضة عليها قالت أسماء الأسد في المقابلة

: “على المستوى الشخصي، لم تؤثر العقوبات عليّ حقاً.. مصالحي وحياتي موجودة في سوريا.. لذا فإن الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم معاقبتي هم في الواقع الشعب السوري الذي يعيش في سوريا”.

والواضح أن أسماء الأسد تحاول استثمار زيارتها برفقة العائلة إلى الصين لإعادة إحياء ما بدأته قبل أكثر من عشر سنوات عندما سعت عبر شبكة ضخمة من العلاقات للترويج عن نفسها فأوصلتها الجهود وقتئذ لتتصدر صورتها مجلة “فوغ” في عدد ربيع 2011 والتي وصفت أسماء بلقب “وردة الصحراء”.

لكن الانتقادات الواسعة التي طالت المجلة وقتئذ دفعتها للاعتراف لاحقاً بتعاونها مع شبكة علاقات عامة مرتبطة بالنظام السوري، وحذفت التقرير من منصتها.

وتدمرت الصورة نهائياً مع انخراط أسماء الأسد في الحرب الشعواء التي شنها النظام على السوريين عبر قصف المدن الثائرة طوال السنوات الماضية.

عقوبات أميركية على أسماء الأسد

وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية فرض عام 2020، عقوبات على أسماء الأسد بموجب الأمر التنفيذي رقم 13894 في 17 من حزيران من العام 2020.

ويشير تقرير للخزانة إلى أن أسماء الأسد أقامت شبكة تمارس نفوذاً متزايداً على الاقتصاد السوري، كما تمارس نفوذاً كبيراً على اللجنة الاقتصادية التي تدير الأزمة الاقتصادية المستمرة في سوريا، ووفقاً لتقارير مفتوحة المصدر، تتخذ اللجنة الاقتصادية قرارات بشأن دعم الغذاء والوقود والتجارة وقضايا العملة.

ووسّعت أسماء نفوذها على الأمانة السورية للتنمية، التي أسستها في العام 2001، وتوجّه التمويل إلى المبادرات الخيرية والإنسانية في مناطق سيطرة النظام.

في العام 2019، ورد أن أسماء استولت على “جمعية البستان الخيرية” من رامي مخلوف، وفي العام 2021 ورد أن مسؤولين في القصر الجمهوري مقربين من أسماء تم تعيينهم في مجلس إدارة شركة اتصالات “سيريتل”.

وفي العام نفسه، أسست أسماء الأسد أكبر شركة “إيماتيل” للاتصالات السلكية واللاسلكية مع رجل الأعمال خضر علي طاهر، والذي أدرجه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، مع شركة “إيماتيل”، في 30 من أيلول من العام 2020، بموجب الأمر التنفيذي 13582، على خلفية مساعدته المادية ورعايته وتقديمه الدعم المالي والتكنولوجي للنظام السوري.

——————————

إيران والعودة الدائمة إلى مشروع إحياء الأسد/ شادي علاء الدين

ينتشر تفاؤل واسع في فضاء المنطقة مع انطلاق موجات المفاوضات بين الدول المتخاصمة والشروع في إنجاز اتفاقات تدفع في اتجاه السلام وإنهاء النزاعات على غرار التفاوض السعودي الإيراني برعاية صينية، والتفاوض السعودي الإسرائيلي برعاية أميركية، وكذلك الانفتاح على الأسد كأثر جانبي لأجواء الميل نحو تصفير النزاعات.

إيران من جهتها ومع بدء نضوج مناخات التفاوض واشتداد حملات الضغط عليها من القوى الكبرى التي لا تستطيع مواجهتها مثل الصين من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى وكذلك روسيا، تلجأ إلى لعبتها المفضّلة. ليس الهجوم على القوة البحرينية في جنوب السعودية من قبيل الحوثيين، سوى إشارة واضحة على استمرار اعتناق استراتيجية التفاوض بالتصعيد.

استراتيجية الحرب الدائمة خلقت سابقا مجموعات من الاستثمارات المسلحة التي انتشرت في جسم المنطقة وتغلغلت في نسيجها وعملت على تهشيمه وتمزيقه وكان أبرزها حزب الله اللبناني وأقرانه في العراق واليمن وسوريا وكل المنطقة.

ولما كانت كل مرحلة تفرض تغييرا في شروط اللعب من داخل الاستراتيجية نفسها فإن ظروف المرحلة كما يبدو تدفع في اتجاه الدفاع المحموم عن نظام الأسد، بغض النظر عن التفاوتات في المصالح والتعارض بينها في الكثير من المحطات، وذلك لأنه يمثل النموذج الذي يشرعن الحضور الإيراني ويغذيه ويسمح باستمراره في لعب الدور المخرب الذي يلعبه.

وإذا كانت أجواء الانفتاح العربي على الأسد ومشاهد خروجه من عزلته الدبلوماسية وقيامه بزيارات خارجية إلى الخليج العربي ثم إلى الصين توحي بأنه قد استعاد زخمه وشرع بترميم شرعيته المتهالكة وتثبيت سطوته على مقاليد الأمور في سوريا، تبرز السياقات التي تواكب هذه المشهدية بأنها تعمل من داخل منطق مغاير يحرص الفاعلون فيه على تفعيله في إطار الحل السياسي ورعاية عملية الانتقال السلمي للسلطة.

يعني ذلك عمليا خروج الأسد من الواجهة والحفاظ على هيكل إداري للدولة السورية يمكن البناء عليه وتطويره ليكون قادرا على إدارة المرحلة القادمة التي من شأنها أن تضع سوريا في مرحلة جديدة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمنح فيها الحضور الأسدي في المنطق وفي الممارسة وفي الإدارة أي تأثير فعلي على مسار الأمور.

التقطت إيران الإشارات الانفتاحية على الأسد وفق قراءتها الخاصة وعملت على تفجير معناها والسعي إلى إعادة تركيبها بشكل يجعل الأسد آيلا للاستمرار بصيغته القائمة وبشخصه وبما يمثله.

إشارات لا تخطئ في هذا الصدد أطلقتها في المسار اللبناني، حيث سمع الموفد القطري إلى لبنان جاسم بن فهد آل ثاني من الثنائي الشيعي إصرارا على التمسك بالمرشح الأسدي لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية بعد أن كانت الإشارات التي برزت قبل فترة وجيزة توحي بالميل إلى قبول تسوية تأتي بقائد الجيش جوزيف عون إلى سدة الرئاسة مع ما يعنيه ذلك من انسجام مع جو تسويات عربي مرعي دوليا. تلك العودة إلى الإصرار على الإتيان بمرشح أسدي في هذه المرحلة تتناغم مع المساعي الإيرانية لتعويم الأسد من خارج مشاريع الحل السياسي بل بوصفه منتصرا، وقادرا على فرض شروطه والتأثير في تركيب السلطة في المنطقة ويحمل أوراق الرئاسة اللبنانية في جيبه.

رسالة ثانية شديدة الوضوح أطلقها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتصريحاته حول نهاية وجود داعش في العراق ما يستدعي ضرورة إنهاء وجود التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق، ما يعني بشكل واضح فتح المجال لإيران للتغلغل المباشر في العراق بشكل يتناغم مع عمليات التوأمة التي تحرص على إنشائها بينه وبين لبنان انطلاقا من مشروع إحياء الأسد، حيث عبر بوضوح عن الموقف الإيراني من الأسد قائلا: “وجود سوريا بنظامها السياسي وشعبها أفضل من بديل مجهول قد يدخل المنطقة في حرب ثانية مع داعش، وأي إرباك أمني في سوريا سيطلق وحوش الإرهابيين ويهدد الأمن في العراق والمنطقة”.

في الحديث عن سوريا يجعل السوداني من النظام السوري الحالي صيغة ضبط لا بديل عنها للحرب ضد الإرهاب ومنع عودته. هذا المنطق ليس جديدا فقد سبق استعماله في تبرير حرب النظام على شعبه وكذلك في تبرير تدخل حزب الله في سوريا، ولكن الجديد فيه والذي لا يمكن إهمال الرسائل المتفجرة التي يحملها هو رفض مسارات الحلول السياسية والإعلان عن دفن المبادرات العربية والسعي إلى إعادة تعويم النظام بوجهه الأصلي المتوحش والإجرامي، وتقديمه بوصفه ضمانة لمشاريع السلام والتسويات من ناحية وإعادة التهديد بإطلاق عفاريت داعش المحفوظة في الأقبية والمعدة في سبيل توظيفها لإعادة خلط الأوراق.

كل هذا المسار المتزامن بين بيروت وبغداد تحرك بغية الاستفادة من التهديد بالفوضى في سبيل ترسيخ بقاء الأسد والتغاضي، ليس عن ارتكاباته في الحرب السورية المندلعة منذ عام 2011 وإخراجها من التداول، ولكن منحه صك براءة مفتوحا يشمل المستقبل كذلك، والسماح له بإعادة إمساك الأمور في لبنان وتحويله إلى مستعمرة أسدية مقفلة تكون لإيران اليد العليا فيها.

ليس الأسد مجرد حليف لدود وضروري بالنسبة لإيران فما يمثله يسمو على الاختلافات الكثيرة، ويتجاوز حتى الصراعات المعلنة على النفوذ، وذلك لأنه يحمل رمزية الانحطاط الشامل التي تستطيع أن تلتهم كل شيء وتلغيه. إعادة الأسد إلى دائرة الحكم والسلطة فعل يعني إسقاطا تاما للسياسة ونهاية حاسمة لمنطق الثورات وروحها والتي لا زالت حية على الرغم من كل القمع الوحشي ولا تزال قادرة على المواجهة.

ولعل ما يدفع في اتجاه وصولها إلى طريقة اللاعودة أنها قد باتت بعد كل ما عاناه السوريون من فظائع لا تركن إلى الأمل ولا تطمح إلى الانتصار بل تنطلق من اليأس، ما يجعل القضاء عليها صعبا لأن أصحابها يثورون من أجل أن يحفروا ملامحهم ومعاناتهم في وجه العالم، وهم مستعدون للموت في سبيل ذلك.

لا يعني ذلك أن العالم سيستيقظ ضميره فجأة ولكن ذلك اليأس يغير معادلات القمع نفسها التي كانت قد استطاعت الانتصار على أصحاب الأمل بتحطيم سبله وإقفال مساربه الضيقة، ولكن اليأس في الأساس بلا مسارب ويمثل حالة الإغلاق الكاملة التي تصنع سلاحا فعالا.

هذا ما تريد إيران الاستثمار فيه في هذه المرحلة بغية تدمير ثورات يائسة تشتعل فوق السياسة والحسابات في سوريا وتهدد بالانتقال إلى لبنان ومنح مثيلاتها في إيران الزخم والمعنى. قيمة الأسد تتكثف في نظرها في هذا العنوان الذي يجعله مستحقا لبذل الجهود في سبيل ترسيخه بوصفه النظام الذي يراد له أن يحكم المنطقة إلى الأبد.

—————————–

لماذا تغيرت لهجة عمّان الرسمية تجاه دمشق؟/ طارق ديلواني

محللون اعتبروا أن بشار الأسد أدار ظهره للمبادرة العربية

لمس مراقبون ومحللون تغيراً واضحاً في لهجة الأردن الرسمية تجاه دمشق بعد استفحال عمليات تهريب المخدرات والسلاح من الجانب السوري، معتبرين أن رئيس النظام السوري بشار الأسد قد أدار ظهره للمبادرة العربية التي تعهد فيها بالعمل على وقف التهريب والبدء بخطوات عملية لضمان عودة اللاجئين السوريين.

جاء ذلك وسط معلومات عن لقاء جمع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بنظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، دار النقاش فيه حول استمرار أزمة تهريب المخدرات والسلاح من الجانب السوري.

 وبحسب المعلومات فإن طهران هي من طلبت هذا اللقاء وعرضت خلاله دور الوساطة في هذه الأزمة، في وقت يقول مراقبون إن إيران تسعى من خلال ذلك لامتلاك ورقة ضغط على الأردن.

تصريحات حادة

وأدلى الملك الأردني عبدالله الثاني بتصريحات حادة انتقد فيها النظام السوري، كما ألمح إلى دور إيران في مشكلة تهريب المخدرات والسلاح، وأعرب الملك الأردني خلال قمة الشرق الأوسط في نيويورك الأسبوع الماضي عن شكوكه إذا ما كان الأسد يسيطر على سوريا في ضوء المشكلة الكبرى بين البلدين المتمثلة في تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأراضي الأردنية، وقال إن “الأسد لا يريد أن تحدث عمليات التهريب، وأيضاً لا يريد صراعاً مع الأردن، لكنني لا أعرف مدى سيطرته”، متهماً إيران وعناصر داخل حكومة دمشق بالاستفادة من ذلك.

 وتطرق إلى الاحتجاجات المستمرة في جنوب سوريا وتحديداً في مدينة السويداء محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى تدفق جديد للاجئين إلى الأردن، مضيفاً “لا يمكننا أن نتحمل المزيد، نحن مثقلون بالفعل، لقد تضاءل الدعم الدولي بشكل كبير”.

أردن يحبط محاولة تهريب مخدرات وكبتاغون من سوريا

وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد أدلى أيضاً بتصريحات مماثلة ألمح فيها إلى عمل عسكري جديد، وأكد مواصلة بلاده العمل لحماية أمنها ومصالحها من تداعيات الأزمة في سوريا وتهريب المخدرات، وأضاف الصفدي “لن نسمح بإدخال المخدرات وكل ما تسببه من كوارث إلى الأردن”، واصفاً عملية تهريب المخدرات بأنها “عملية منظمة” وبأن المهربين يمتلكون قدرات كبيرة، كما تحدث الصفدي عن وجود مجموعات مرتبطة بجهات إقليمية مسؤولة عن التهريب.

زيادة عمليات التهريب

وأكد الخبير في الشأن السوري صلاح ملكاوي أن ثمة منحى متصاعداً لاستهداف الأردن عبر سوريا منذ أسابيع، عبر زيادة في عمليات التهريب للمخدرات فضلاً عن أسلحة نوعية ومتفجرات، خلافاً للتفاهمات التي تعهد بها النظام السوري، وهو ما يفسر تصعيد حدة اللهجة الأردنية. وأضاف ملكاوي أن النظام السوري تعهد بعيد القمة العربية في جدة بالتعاون مع الأردن وتقديم معلومات وإحداثيات وأسماء تتعلق بتهريب المخدرات والسلاح، لكن أياً من ذلك لم يحدث، وتابع ملكاوي أن الأردن مقبل على اتخاذ قرارات تصعيدية وتغيير قواعد الاشتباك وتنفيذ عمليات عسكرية جديدة قد تصل لاحقاً إلى تدخل عسكري في الجانب الحدودي مع سوريا، أو إنشاء منطقة آمنة إذا ما استمر التهديد الذي يمثله تهريب المخدرات والسلاح من الجانب السوري. وأشار إلى معلومات خاصة عن تورط ضباط كبار في النظام السوري في عمليات تهريب السلاح والمخدرات بشكل ممنهج لاستهداف الأردن، ما أوصل صانع القرار في الأردن إلى أن الأمر لم يعد مجرد عمليات تهريب تقوم بها ميليشيات أو تجار، وإنما استهداف مباشر للأردن وأمنه.

وتوقع ملكاوي أن يقوم الجيش الأردني بالرد على استمرار هذا الاستهداف عبر عمل عسكري نوعي أكثر من مجرد تنفيذ غارات جوية، بحيث يظهر جديته بعدما استنفذ كل الفرص الدبلوماسية والسياسية، وحذر من أن الأردن لن يقف متفرجاً إزاء ما يحدث في مدينة السويداء الحدودية مع الأردن، مؤكداً أن السلطات الأردنية لديها معلومات عن قرب تفجير الأوضاع في هذه المدينة، وبالتالي تهجير قاطنيها إلى الأردن، في وقت تحاول عمّان الضغط على دمشق للبدء بحملة إعادة طوعية للاجئين.

سيناريو المنطقة العازلة يقترب

بدوره قال المحلل السياسي والكاتب ماهر أبو طير إن شبكات التهريب في الجنوب السوري تديرها جهات منظمة تسعى إلى تهديد أمن الأردن وزعزعة استقراره عبر محاولات إغراقه بالأسلحة والمخدرات والمتفجرات ودعم الخلايا الإرهابية، وأكد وجود تلميحات رسمية أردنية حول اللجوء إلى مستويات أعلى من القوة تتجاوز العمليات الجوية، بخاصة في ظل سلبية السوريين وعدم تجاوبهم مع أي متطلبات تخص الأردن، ومن بين هذه المطالب وجود قوات عسكرية سورية على طول الحدود بين البلدين، وإلقاء القبض على رؤساء عصابات المخدرات وسحب كل الميليشيات الأجنبية من المنطقة الحدودية. ووصف أبو طير الملف السوري بأنه لم يعد مجرد صداع مزمن للأردن بل تحول إلى هاجس مع مخاوف من موجات هجرة جديدة من السويداء في حال تفجر الأوضاع فيها، لكنه استبعد أي تدخل عسكري أردني مرجحاً التدخل الدولي والإقليمي لإقامة منطقة عازلة.

 ورأى أبو طير في تصريحات الملك الأردني مؤشرات حيال طريقة التعامل مع الخطر الذي يستهدف الأردن من سوريا، وقد يكون الحل دولياً بفرض منطقة عازلة لدرء الخطر عن المنطقة ككل.

الأسد أدار ظهره للعرب

واعتبر وزير الإعلام السابق سميح المعايطة أن تعقيدات الملف السوري بالنسبة إلى الأردن تتزايد، مشيراً إلى أن النظام السوري أدار ظهره للمبادرة العربية لإعادة تأهيله عربياً ودولياً وأضاع الفرصة، ورأى أن بقاء الملف السوري بهذه الحالة لا يخدم الأردن لأن بقاء الأزمة بلا حل خطر، لافتاً إلى أن التمدد الإيراني في سوريا ليس فقط على صعيد الميليشيات بل ثقافي وعسكري واقتصادي.

 ووصف المعايطة حرب المخدرات من الجهة السورية بأنها حرب ممنهجة يستفيد منها النظام السوري بحوالى 6 إلى 8 مليارات دولار سنوياً، ولذلك لم يصدقوا مع الأردن ولم يفوا بوعودهم. وتابع، “ثمة عملية تهريب مسيسة وأمنية ضد الأردن يقابلها تعامل غير جاد وغير حازم من الجانب السوري، ولذلك فقد يكون هناك تحالف دولي ضد هذا الأمر قريباً”، مشيراً إلى أن نبرة الملك الأردني في خطابه كانت قوية جداً وتحذيرية، وفيها إشارة لإيران التي لديها عقدة سياسية وأمنية تجاه الأردن، فهي لم تنجح منذ الثمانينيات في اختراق المملكة على رغم أنها اليوم على بعد خطوات من الحدود المشتركة مع سوريا.

استهداف بكل الطرق

يشار إلى أنه ومنذ بداية العام الحالي تم تسجيل 88 حالة طيران مسيرة على واجهات المناطق العسكرية المختلفة، وفق بيانات القوات المسلحة الأردنية، إضافة إلى التصدي لما مجموعه 194 عملية موزعة بين 81 محاولة تهريب أو تسلل، و98 عملية تسلل مضبوطة، و15 عملية تهريب مضبوطة، ونتج من هذه العمليات ضبط كميات كبيرة من المخدرات.

وأشارت بيانات القوات المسلحة الأردنية إلى استخدام المهربين البالونات الطائرة مختلفة الأحجام لتهريب المواد المخدرة، وكذلك المقذوفات عبر تفريغ الحشوات الداخلية لتهريب المخدرات باهظة الثمن، إضافة إلى الطائرات المسيرة الآتية من الجنوب السوري.

————————-

 التايمز: تحويل سوريا إلى دولة مخدرات سيجعل الصين تفكر مرتين قبل دعم الأسد

ربى خدام الجامع

في أكاديمية الديكتاتورية التي تعج بالمستبدين، وقف بشار الجزار الأسد مُعَاقَباً عند الجدار طوال العقد الماضي، وذلك ليس بسبب الضحايا الذين قتلوا بأمر منه، والذين بلغ عددهم المليون قبل أن تتوقف المنظمات غير الحكومية عن العد، بل بسبب خروجه من كل حمام الدم هذا وهو مايزال يحكم دولة مقسمة وفاشلة.

انتزعت كل من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة مناطق نفوذ في سوريا ونشرت فيها جنودها وجواسيسها على الأرض، فما شكل هذا الديكتاتور الضعيف الذي يسمح لكل ذلك بأن يحدث؟ ثم يتيح لروسيا بأن تسيطر على أجواء البلد التي يحكمها؟ وبعدها يسمح لإسرائيل بتصعيد قصفها على مواقع إيرانية أقيمت على الأراضي السورية؟!

أصدقاء جدد للأسد

الآن، بعد مرور 12 عاماً على حمام الدم، بدأ نجم الأسد بالصعود من جديد في نادي الاستبداد، ولعله سيؤلف منهاجاً بعنوان: “كيف تحافظ على ديكتاتوريتك”، فقد سمحت الجامعة العربية بعودة الأسد إلى حظيرتها، أما رئيس الصين، فقد استقبله مؤخراً في بكين ووقع معه اتفاقية شراكة استراتيجية غير واضحة المعالم. وهنالك من يتحدث عن حجز مقعد للأسد في مؤتمر المناخ Cop28 الذي تستضيفه صديقته الجديدة، الإمارات، في شهر تشرين الثاني المقبل.

كان الزلزالان المدمران اللذان ضربا الشمال السوري والجنوب التركي أحد أسباب هذا التواصل مع الأسد، بما أن السوريين قتلوا بسبب هذين الزلزالين ليس فقط في سوريا، بل أيضاً في تركيا، بعدما نزح كثير منهم إلى هناك من مدينة حلب خلال حملة القصف التي استهدفتها. وهذا الكم المتواصل والتعيس بين ضحايا الحرب وضحايا الكارثة الطبيعية أيقظ ضمير 22 دولة عربية. غير أن الحسابات هنا أتت مثيرة للسخرية، إذ فضح الزلزالان مدى ضعف الدولة السورية وفشلها في تأمين احتياجات ملايين النازحين، كما أظهرا حجم الأرباح التي يمكن تحقيقها عبر برنامج ضخم لإعادة إعمار سوريا.

والأهم من كل ذلك هو أن جيران الأسد ومن يحمونه ومن خلقوا على شاكلته يقدرون أيما تقدير فكرة تمسكه بالسلطة بأظافره، في تحد واضح للعقوبات الغربية. أما المعارضة السورية فقد تعرض أفرادها للسجن والتعذيب والنفي في الوقت الذي أخذ فيه قصر الأسد ينشر بين الفينة والأخرى صوراً لعائلة الأسد وأفرادها مبتسمين جميعاً وتظهر بينهم زوجته أسماء المولودة في لندن، وأولاده الذين يحاولون إبداء تعابير جدية. إذ لا شيء يفوق البقاء في السلطة أهمية سوى استرجاع احترام بقية الزملاء من الديكتاتوريين والمستبدين.

طوال سنين خلت، كانت سوريا على استعداد لانقلاب موجه وفقاً لتوقعات المخابرات الغربية، أما منفذه فهو ماهر، شقيق الأسد الأعتى منه. إلا أن الأسد على الرغم من إدارته الضعيفة للاقتصاد، حافظ على النظام في محاكمه وداخل أجهزته الأمنية.

والأنكى من ذلك أنه صار يرى في نفسه مفكراً جيوسياسياً، إذ عندما أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس بايدن عن ممر للنقل بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا في قمة العشرين، ساور القلق بكين. فطريق سكك الحديد والشحن لا بد أن يشتمل على ألياف ضوئية وخطوط لأنابيب هيدروجين نظيف تمتد من الهند وتمر بالإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، لتصل إلى الاتحاد الأوروبي، أي أن هذا المشروع ينافس مبادرة الحزام والطريق الصينية التي انضمت سوريا إليها رسمياً خلال العام الماضي، لذا ألا يمكن لسوريا أن تكون جزءاً من الرد الذي تتزعمه الصين على تلك الدفعة الغربية القوية، بما أن سوريا من أهم حلفاء بكين في الشرق الأوسط وأكثرهم موثوقية؟

رأس الفساد

اعتاد الرئيس الصيني على وقوف الديكتاتوريين على بابه، إذ زاره خلال هذا العام رئيس فنزويلا وقادة إيران، وهم يطمحون لحصد الجوائز بعدما قدموا أنفسهم كضحايا لحرب مالية شنتها الولايات المتحدة. وخلال الأسبوع الماضي تحول الأسد إلى متوسل، من دون أن يتضح حتى الآن إن كان قد نجح في إقناع شي بتمويل نهضة سوريا.

تشير التقارير إلى تحلي شي بالحذر حيال فكرة الانحياز للأسد عن قرب، إذ على الرغم من انصراف الرئيس بوتين إلى حربه على أوكرانيا، ماتزال روسيا أهم حليف لسوريا. ولعل سوريا ترى في موسكو تلة من المال، بعدما تدمرت البنية التحتية في سوريا وأصبحت حاجتها لبناء مساكن جديدة لا تقف عند أي حد. لذا لا يمكن للأسد تحقيق معجزة التعافي التي وعد بها الرئيس الصيني والروسي إلا في حال تقديمه لعرض مغر لملايين المشردين من أبناء الشعب السوري، يقضي بعودتهم إلى بلدهم، وتحويلهم إلى قوة عاملة منتجة لا يعوزها التحفيز، وهذا بدوره يتوقف على برنامج منطقي للتحديث والإصلاحات السياسية، إلى جانب القضاء على الفساد الممنهج، لأن في ذلك مصلحة تهم المستثمرين، غير أن القضاء على الفساد يجب أن يبدأ من الرأس، أي من

لا بد أن يعلم شي بأنه سيندم أشد الندم على المساعدة التي يقدمها للأسد في الخروج من جحره، وذلك لأن التضامن بين معشر الديكتاتوريين باهظ للغاية، وخير دليل على ذلك صداقته التي لا تعرف أي حدود مع بوتين. ولكن ثمة حجة مفحمة تؤيد فكرة تجنب الأسد كما يتجنب المرء الطاعون، وذلك لأن الأسد عندما حافظ على تدفق الأموال إلى جيوب أهله وعلية القوم لديه، جعل بلده الذي كان عزيزاً في يوم من الأيام، يتحول إلى دولة مخدرات، والآن صار الكبتاغون ينتج بكميات هائلة في مناطق النظام بسوريا وفي لبنان، ويخبرنا باحثون مستقلون بأن الكبتاغون أصبح ينتج على شكل أقراص تصل للمستهلكين في السعودية والأردن، إلا أنه أغرق المنطقة برمتها أيضاً، وثمة من يقول بأن أفراداً من عشيرة الأسد يحصلون على نسبة من أرباح الكبتاغون السنوية التي تصل إلى ملياري دولار.

سبق أن عقدت السلطات الصينية صفقات كثيرة من حكومات فاسدة، ثم إن الصفقات التي أبرمت للخروج بمبادرة الحزام والطريق عبد الطريق أمامها من خلال العطايا والهبات. إلا أن الرئيس الصيني لن يقبل بشريك استراتيجي مثل النظام السوري اليوم، بما أنه يحقق أرباحاً من خلال تجارة المخدرات، وذلك لأن العقيدة السياسية للصين تقوم على إلقاء عباءة الذل عن نفسها والتي فرضتها عليها القوى الإمبريالية، وخاصة فيما يتعلق بتجارة الأفيون التي كانت تديرها الشركات البريطانية. أي أن سقوط الحصون والموانئ الصينية بيد بريطانيا، وحروب الأفيون خلال أربعينيات القرن التاسع عشر، وإدمان الشباب الصيني عليه، كل ذلك يجعل الرئيس الصيني حذراً من إقامة علاقات تجارية مع دول تعتمد على المخدرات.

إلا أن إعادة تأهيل آل الأسد تجري بسرعة كبيرة على قدم وساق، من دون أي محاسبة على جرائمهم، أو على البراميل المتفجرة التي رموها على طوابير الخبز، أو على الهجمات الكيماوية، أو على قصف المدارس وتسويتها بالأرض، لذا عليك يا عزيزي شي أن تفكر مرة أخرى، لأن الأسد ليس حالة بحاجة إلى جمعية خيرية.

————————————

مشروع أمريكي لمناهضة التطبيع مع الأسد: عقوبات على الحلفاء وتمديد لقيصر

يهدف اثنان من المشرعَين الأمريكيّين إلى مواجهة التطبيع مع حكومة ميليشيا أسد عبر تشريع قانون خاص لردع تلك المساعي وفرض قيود أكبر على محاولات تعويم النظام على الساحتين العربية والإقليمية.

وقال موقع middle east eye البريطاني إن مشروع قانون العقوبات الجديد يستهدف حلفاء الولايات المتحدة الذين يقومون بالتطبيع مع ميليشيا أسد، حيث يدعو مشروع القانون وزارة الخارجية إلى الإبلاغ عن جميع الاجتماعات رفيعة المستوى بين الميليشيا وجيرانها، بما في ذلك قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وتركيا.

مناهضة التطبيع مع أسد

وتقدّم بالمشروع كل من السيناتور الجمهوري “ماركو روبيو” و “جيمس ريش” الأربعاء وذلك بعد أقل من أسبوع من قيام الأسد بزيارته الأولى للصين منذ اندلاع الحرب في بلاده قبل 12 عاماً.

ومن شأن مشروع القانون، وهو نسخة لمجلس الشيوخ من مشروع تمّ تقديمه إلى مجلس النواب في وقت سابق من هذا العام، أن يمدد العقوبات الحالية على ميليشيا أسد، والمعروفة باسم عقوبات قيصر، حتى عام 2032 ويمنع الحكومة الأمريكية من تطبيع العلاقات مع الأسد.

ويدعو مشروع القانون إلى “وصف الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة لردع الاعتراف” بالأسد من قبل الحكومات الأخرى بما في ذلك “المشاركة الدبلوماسية المحددة والعقوبات الاقتصادية” ومع عدم قدرتهم حتى الآن على منع قرع طبول التطبيع المستمر، يريد المشرّعون مراقبة المزيد حول ما يفعله شركاؤهم الإقليميون في هذا الصدد.

كما يقضي المشروع بأن وزارة الخزانة الأمريكية تمنع إصدار أو تجديد أو تمديد أية رخص إضافية متعلقة بالزلزال.

مراقبة الاجتماعات والتبرعات

ويتضمن بنداً يدعو وزير الخارجية إلى تزويد الكونغرس بقائمة بجميع الاجتماعات – على مستوى السفراء وما فوق – بين سوريا وجيرانها، بما في ذلك قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وتركيا.

كما يتطلب المشروع مراجعة جميع المعاملات، بما في ذلك التبرعات التي تزيد عن 50 ألف دولار في المناطق السورية التي تسيطر عليها حكومة ميليشيا أسد والتي قدّمها أي شخص في البلدان المذكورة أعلاه.

وسيوضّح مشروع القانون أيضاً قابلية تطبيق العقوبات الأمريكية على الخطوط الجوية للنظام وشركات طيران خاصة أخرى كأجنحة الشام، وبموجب القانون المُقترح ستواجه الدول التي تسمح لشركات الطيران بالهبوط عقوبات ضدها.

وقال السيناتور الجمهوري جيم ريش: “على الرغم من تزايد الأدلة ضد الأسد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كانت هناك موجة مثيرة للقلق من الجهود لإعادة تأهيل وتبييض النظام وجرائمه” وأضاف أن “هذا التشريع يفرض سياسة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية ضد نظام الأسد”.

تشديد عقوبات قيصر

ينصّ أحد الاقسام الرئيسية على تعديل قانون قيصر بحيث تطال عقوباته أيّ جهة أجنبيّة تقدّمُ دعماً مالياً أو ماديّاً أو تقنياً لنظام أسد، بما ذلك أيّ عضو من أعضاء “مجلس الشعب” أو أيّ مسؤول كبير في “حزب البعث”، ويشمل ذلك الشخص المعني وأيّ فرد بالغ من أفراد عائلته. 

ويندرج تحت هذا القسم الطلب من رئيس الولايات المتّحدة عقب إقرار القانون أن يقدّم تقديراً بما إذا كانت المنظّمة المسمّاة بـ “الأمانة السّوريّة للتنمية” التي ترأسها أسماء الأسد مستحقّةً للعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر. 

التصدي للتلاعب بالأمم المتحدة

ويتصدّى أحد الأقسام الرئيسية لتلاعب حكومة أسد بمنظومة الأمم المتّحدة حيث يتوجب على وزير الخارجية الأمريكي سنوياً ولمدّة خمس سنين، أن يقدّم تقريراً للجانِ العلاقات الخارجيّة في مجلسَي الشّيوخ والنوّاب عن تلاعب نظام الأسد بالأمم المتّحدة في سوريا، بما في ذلك كشفاً بمسؤولي أو موظّفي الأمم المتّحدة الذين تربطهم صلات بنظام الأسد، ويشمل ذلك الروابط الأسرية (أي موظفي الأمم المتّحدة ممّن هم أقارب لمسؤولين في النظام)، أو الأشخاص المُدرجين في لوائح العقوبات الأمريكية.

كما يتضمن المشروع كشفاً بالجهات المرتبطة بنظام الأسد التي تلقّت تمويلاً أو حصلت على عقود أو منح أو دخلت في شراكات رسمية مع الأمم المتحدة، بما فيها الأمانة السّورية للتنمية، و”الهلال الأحمر”، والشركات الخاصّة التي يمتلكها النّظام أو يتحكّم بها بشكل مباشر أو غير مباشر، وجرداً كاملاً بكلّ القيود التي فرضها نظام الأسد على مهمّة الأمم المتّحدة في تقديم الخدمات والمساعدات في سوريا، وتقريراً بمدى تأثير ذلك في مقدرة المنظّمة على إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين في المناطق الخارجة عن سلطة الأسد.

وطُرح مشروع قانون مناهضة التطبيع في مجلس النواب في 11 أيار/مايو الماضي وأجازته لجنة العلاقات الخارجية واليوم يطرح في مجلس الشيوخ لإقراره.

—————————–

=====================

تحديث 14 أيلول 2023

——————————

سورية: نحو جبهة شعبية لإسقاط الفاشية ومقاومة الاحتلال/ برهان غليون

بالإضافة إلى أساليب القمع الوحشية والتآمر مع القوى الخارجية، راهن بشّار الأسد، في سعيه إلى مواجهة الثورة السورية منذ عام 2011، على تفجير النزاعات الطائفية، وتبنّي الدفاع عما أسماه الأقليات ضد الأكثرية “السنية” الطامحة إلى استبعادهم من السلطة. وجاءت محاولة بعض الجماعات السلفية والإسلاموية ركوب موجة الثورة الشعبية لتحقيق حلم بناء دولة أو سلطة لا يزالون يسعون وراءها منذ عقود طويلة لتقدّم ذريعة مادّية لدعايته السياسية التي صوّرت ثورة السوريين من أجل الحرية بأنها سلفية أو إسلامية. وقد استخدم تلك الدعاية أيضاً لتبرير إدخاله المليشيات الطائفية الإيرانية واللبنانية والعراقية على نطاق واسع في الصراع، من دون التخلّي عن ادّعائه المضحك بأنه النظام العلماني الذي وقف صامداً في وجه المدّ الإسلاموي، وأن بديله الوحيد الفوضى أو منظومة حكم إسلاموية معادية للغرب، ومهددة للاستقرار والأمن الإقليميين.

أولاً، لكن الشمس لا تُغطّى بغربال. والواقع أقوى من الادّعاءات لا تكفي لتغييره البراعة في الغشّ والكذب والخداع. وهذا ما جاءت انتفاضة السويداء لتؤكّده، وتذكّر بأن ما دفع ولا يزال يدفع السوريين إلى المطالبة بسقوط النظام هو مطالب سياسية واضحة وأساسية لم تتغيّر، ولن تتغير حتى تحقيقها: إسقاط نظام حكم قام على القهر والتمييز والعسف والقتل المباح، حوّل الدولة إلى جهاز عنف منفلت ضد المجتمع والشعب، لإحلال حكم يخضع لإرادة الناس ويعمل على خدمة مصالحهم، والتعبير عن تطلعّاتهم مكانه.

ولأنه نظام لا يُعنى بمصالح الناس، ولا يستمر إلا بتخليد مناخ الحرب وتقسيم المجتمع وتفكيكه، رفض ولا يزال يرفض، منذ عام 2011، جميع المبادرات العربية والدولية الساعية إلى إنهاء النزاع، ولا يكفّ عن مطالبة الجميع بالاعتراف بانتصاره، وتكريس مكاسبه الجديدة، ومنها عدم السماح لملايين اللاجئين ومهجّري القصف الأعمى بالعودة إلى بلادهم، أو حتى الإعلان عن مصير مئات آلاف المختطفين قسرياً. وللأسف، عندما يئس المجتمع الدولي من إمكانية التعاون مع الأسد للتوصل إلى حلّ، ترك الروس والإيرانيين يعيثون فساداً في البلاد، وجلس ينتظر ما يمكن أن يقدّمه مرور الوقت من حلول الأمر الواقع. هذا ما رسّخ الاعتقاد لدى الأسد وحلفائه بأن ما حصل بعد مجزرة حماة عام 1982 يمكن أن يحصل هذه المرّة أيضاً، فقد لقّنت الحرب الشعب السوري في نظره درساً لن تقوم له قائمة بعده، وأقنعته بأنه لا سند خارجياً له ولا مفرّ له من الخضوع. ولم يبق أمام الغرب الذي لا يزال يصرّ على التسوية السياسية، حسب قرار مجلس الأمن 2254، إلا أن يتعلم هو أيضاً الدرس، ويدرك أن انتصار الأسد على “الإرهاب الإسلامي” هو انتصار له ولقيمه، وعليه أن يعيد النظر في موقفه، ويسعى إلى إعادة تأهيل النظام، لا الوقوف ضده.

وقد اعتقد الأسد بالفعل أنه ربح هذا الرهان، عندما أعلنت الحكومة الأردنية مبادرتها في يونيو/ حزيران الماضي للتطبيع مع الأسد على قاعدة خطوة خطوة، والتي أعيد بموجبها مقعد سورية له في جامعة الدول العربية. لكنه أصيب بالإحباط عندما أدرك أن التطبيع العربي لم يكن مجّانياً، وأنه يشكّل مدخلاً لطرح موضوع تعديل النظام السياسي أو إصلاحه، لإدخال عنصر جديد فيه يقوّض، ولو بعد حين، الاستئثار الكلي للأسد بالقرار في جميع المجالات. ما جعل الأسد يرى فيه مؤامرة لتقويض سلطته وإسقاط نظامه. هكذا عوض أن يتجاوب مع المبادرة العربية التي قدّمت له خشبة الخلاص الوحيدة لتجنّب الانهيار الاقتصادي والسياسي القادم، اتهم العرب وشكّك بنواياهم، وقابلهم بمزيد من التماهي مع الحليف الإيراني، وتكثيف إنتاج المخدّرات وتهريبها داخل حدود بلادهم.

لم يدرك الأسد وهو يردّ بعنف على ما اعتبره محاولة من أنداده للانتقاص من سلطته وصلاحياته المطلقة، أنه برفضه المبادرة العربية قد قضى على جميع الآمال عند السوريين، وأغلق أي باب للفرج أمامهم، وفي مقدمة ذلك ما كان يعتبر الحاضنة الرئيسة له في الساحل التي بدأت تعيش على الكفاف، بانتظار أي حلّ يخفّف المعاناة عن الناس، ويحدّ من امتداد طوابير هجرة الشباب إلى الخارج. هكذا كان إجهاض المبادرة العربية القشّة التي قصمت ظهر البعير. وجاء انهيار سعر صرف العملة السورية التي فقدت 50% من قيمتها في أقل من شهرين، والذي كان أحد نتائج رفضه المبادرة أيضاً، ليؤكد القطيعة بين المجتمع والنظام. لم يصبح من البديهي عند السوريين، على مختلف انتماءاتهم، موالين ومعارضين، أن الأسد غير معني بمصيرهم، ولا يهمّه سوى استئثاره بالسلطة، ورفض أي مشاركة فيها، مهما كان الثمن، وإنما ترسّخ الشك في أهلية الأسد للحكم وقدرته السياسية، بل في سلامته العقلية. وترسّخت القناعة بأن استمراره في هذا الحكم لا يُبقي للشعب أي أمل في المستقبل، ولا يمكن إلا أن يقود البلاد إلى مزيد من البؤس والدمار.

بعكس ما أراده الأسد، بدل أن يؤكد هذا الرفض قوة النظام وصلابته، أصابه بمقتل، فحطّم وهم الأسد القائد والملهم، وقضى على مصداقيته وقدرته على إدارة شؤون البلاد، وإخراجها من أزمتها التي تعمل منذ 13 عاماً، بسبب تعنّته ورفضه التعاون مع جميع الأطراف العربية والدولية، وتماهيه مع الحليف الإيراني الذي تحوّل إلى وصي على الحكم، وصاحب الكلمة الأولى في توجيه النظام. منذ ذلك الوقت، انكشف النظام، وأصبح عارياً لا مقدرة له على اتخاذ أي قرارٍ ينقذه من الهلاك، بل ببساطة واجهة لاحتلال إيراني استعماري جديد.  لقد انتهى الأسد سياسياً في عيون الجميع، وأعاد توحيد السوريين حول شعار إسقاطه الذي لن يتأخر الوقت قبل أن يصدح به ثوار السويداء والمدن السورية الأخرى التي تبعتها.

ثانياً، من هنا، فجّر الصراع على التسوية والحل السياسي أزمة النظام كما لم يحصل من قبل، وحرّك توازناتٍ ساكنة وغيّر مواقف، وأطلق آمالاً بمقدار ما أحبط من توقّعات. وانتقلت الأزمة من معسكر المعارضة، التي فتتتها الهزيمة، ودمّرت معنوياتها التدخلات والتلاعبات الأجنبية، إلى معسكر النظام. ودبّ التفكّك في “حلف الأقليات” الذي كان الأسد قد دعا إليه علناً لإطلاق آلة الحرب الأهلية، وتقسيم السوريين، وكسب دعم الدول الغربية وتواطؤها.

افتتحت انتفاضة السويداء الحراك الجديد، وسرت في موازاتها في مناطق الساحل ثورة صامتة لا تزال لم تجد تعبيراتها الكبرى بعد، وجاءت في أعقابهما انتفاضة شعب الجزيرة السورية ضد سلطة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لا تختلف في أسلوب حكمها التسلطي القبلي عن أسلوب النظام. وهو في طريقه، أعني الحراك، للقضاء على الحواجز النفسية والأيديولوجية التي أقامها النظام لتشتيت إرادة التغيير التي أصبحت اليوم واحدة عند جميع السوريين. وهذا ما تعكسه استعادة شعار الثورة الرئيسي الذي خاض به السوريون مسيرات الاحتجاج الأولى: الشعب السوري واحد، وانفتح طريق المصالحة بمقدار ما اتّحدت كلمة السوريين، على أن المشكلة تكمن في نظام الاستبداد والقهر والفساد، وأن الحل لجميع مشكلات السوريين يبدأ من إسقاطه. وكان يكفي أن تخرج السويداء بشعار الشعب السوري واحد حتى تعيد إلى الذاكرة وإلى السوريين إرادة التحرّر التي سعى الأسد بكل الوسائل الوحشية لكسرها.

بل ليس من المبالغة القول إن الثورة هي منذ الآن بالدرجة الأولى ثورة “الأقليات” التي أدركت مدى ما تعرّضت له من خداع وكذب من النظام، مثلما سوف تدرك أنها لن تستطيع تحقيق شيء من مصالح أبنائها من دون التعاون والتفاعل مع الجماعات الأخرى، وتجاوز القطيعة التي عمل عليها النظام بين أكثرية “إسلامية” وأقلياتٍ مسالمة ضحية دائمة وحتمية لعدوانيّتها. ولا تستثني هذه الانتفاضة السياسية والفكرية العلويين الذين سعى النظام إلى تجييشهم ضد مواطنيهم، بل إنها تعنيهم بالدرجة الأولى، فهم اليوم الخاسر الأكبر من هذا الانهيار الوطني الذي يحتمي وراءه النظام، كما يحتمي المقاتل وراء الأنقاض التي تسبب هو ذاته في إنتاجها، فمن كان النظام يعدهم بقطف ثمار النصر في الحرب لقاء موالاتهم هم الذين أصبحوا الأكثر عرضة للفقر والجوع مع انهيار قيمة الرواتب الهزيلة التي يتقاضونها، وفيما وراء ذلك الأشد شعوراً بالخديعة والغدر من النظام. وهذا هو الشعور الذي يُشعل نار ثورة صامتة في تلك المناطق التي يكثر فيها تجنيد النظام جنوده ورجال أمنه وموظفيه، وهو ما يتجلّى عبر تسجيلات ومقالات شخصيات بصيرة وشجاعة أدركت نفاد حيل النظام، واقترابه من أجله المحتوم، ومصلحة مجتمعاتهم بالانفصال عنه قبل فوات الأوان.

هكذا لم تنطفئ شعلة ثورة آذار 2011، لكنها ولدت من جديد، وبشكل خاص، في الأوساط الاجتماعية التي عمل النظام المستحيل لإبعادها عنها وتقريبها منه منذ الأشهر الأولى بمقدار استعدائه لها على من أطلق عليهم اسم الأكثرية. ومن بين هذه الأوساط تلك الشرائح من المجتمع التي وجدت في سياسات الأسد، فيما وراء حدود الانتماءات المذهبية والطائفية والقومية، التعبير عن مصالحها الخاصة، وقاومت بشدة أي تغيير.

تشيع الانتفاضات الجديدة التي عبّرت عن الانهيار السياسي والمعنوي الحاصل لنظام الإبقاء على الوضع القائم الذي قام على أثر التدخل الروسي عام 2015، وانفجار أزمته مناخاً جديداً في المجتمع، ينحو به إلى تجاوز الشرخ الذي سعى النظام إلى تعميقه في السنوات السابقة بين الجماعات، وإلى التشجيع على الانفتاح المتبادل، والدعوة إلى التعدّد والتضامن والاتحاد، ما يذكّر بمناخ الأشهر الأولى من ثورة 2011. ويبدو ذلك كله التحاقاً متأخراً لبعض الجماعات الطائفية والقومية، بما فيها الموالون من الأكثرية السنّية، بالثورة الموقوفة أو المؤجّلة أكثر مما يشكل ثورة جديدة. إنها انتفاضات متأخّرة تكمل صورة الثورة وتستكملها بوصفها ثورة شعب ضد نظام دموي فاسد، وتنقض أطروحة النظام بكونها حرباً أهلية طائفية أو قومية، حتى لو أن حوادث كثيرة من هذا النوع قد رافقتها، كانت، في أكثر الأحيان، انعكاساً لسياسات النظام وخياراته الاستراتيجية المبنية على تعبئة الطوائف واحدتها ضد الأخرى.

ثالثاً، حقّقت هذه الانتفاضات إنجازين مهمّين: الأول، تعرية النظام سياسياً وجعله مكشوفاً للجميع على حقيقته بوصفه نظام عصابة، تعمل بالتواطؤ مع القوى الخارجية على ابتزاز شعبٍ جرّد من كل وسائل المقاومة المادية والسياسية والفكرية لتطويعه وقهره واستغلاله ونهب موارده. والثاني، إعادة توحيد هدف السوريين وتدشين حراكٍ يتجاوز حدود الطوائف والأقليات والأكثرية نحو إعادة بناء الوطنية والمواطنة الواحدة. وهي بهذا العمل أعادت الثورة إلى مجراها الطبيعي الأول: ثورة جميع السوريين ضد جميع الطفيليات من أمراء الحرب الكبار والصغار، بصرف النظر عن أصولهم ومذاهبهم وأجناسهم. هذا ما يفسّر خرس النظام، وتخبّط ردود أصحابه التي كادت تقتصر على تشبيح بعض أبواق النظام المخضرمين وسفاهاتهم.

ليس في جعبة نظام الأسد للردّ على التحدّيات الجديدة سوى خيارين: العودة إلى تقسيم الشعب من جديد باستخدام التفجيرات الطائفية المعهودة ذاتها، على أمل إعادة إيجاد مناخ الحرب الأهلية بأي ثمن، وهو خيار يمكن أن ينقلب عليه بسرعة اليوم. والثاني، ترك الأمور للزمن ومحاصرة بؤر الاحتجاج ومنع تواصلها حتى يمكن إنهاكها قبل أن تنجح في التواصل فيما بينها، وتشكيل تحدٍّ سياسي أو بديل سياسي موحد ومقنع للشعب السوري عموماً وللمجتمع الدولي. وعلى الأغلب، سيكون الرد بتفعيل الخيارين معاً: من جهة القيام بتفجيرات منتقاة لإعادة إشعال الحرب الطائفية، بما في ذلك إعادة تجنيد “داعش”، وشعار المؤامرة الكونية، مع التركيز على الخلافات والتباينات القومية والدينية والمناطقية، لخلط الأوراق. ومن جهة ثانية، حصار الانتفاضات في بؤرها في انتظار إنهاك المتظاهرين. لا يوجد شك في أننا نشهد الفصل الأخير من عهد الأسد الذي دخل نفقاً مظلماً، لن يستطيع الخروج سالماً منه.

ومع ذلك، لا ينبغي أن يغيب عن ذهننا أن ما نواجهه ليس الأسد وما يتّسم به من البؤس الأخلاقي والفكري والجهل السياسي، وإنما جهاز الحرس الثوري الإيراني الذي فرض وصايته على الأسد، وهو الذي يقود معركة استعمار أقطار ما أطلق عليه اسم الهلال الشيعي، والعمل على إدماجها في آلة الحرب والدبلوماسية الإيرانية، والمساومة عليها مع التحالفات الدولية الغربية والشرقية. وهذا الحرس هو الذي كان المنظّر والمخطط الرئيس للثورة المضادّة في سورية منذ 2011.

هذا يعني أن الانتصار على “الأسد/ طهران” ليس في الجيب، بالرغم من التحوّلات العميقة التي حصلت في الأشهر الماضية على مستوى تقارب أوضاع السوريين وتوحيد أهدافهم وسقوط أوهام كثيرة أضاعت بوصلتهم.

ما ينبغي تعزيزه والاستمرار في العمل عليه لاستباق سياسات التقويض المنهجي لمسار الانتفاضات الراهنة والقادمة هو تركيز النشطاء على محورين: داخلي يسعى إلى تعزيز التوجّهات المتنامية نحو التقارب والمصالحة الوطنية وتوسيع دائرة التواصل والحوار بين السوريين من كل الأطياف. ولا يوجد شك في أن انقلابا سياسيا في صفوف أبناء الساحل لملاقاة إخوتهم في جبل العرب وبقية المناطق هو وحده الذي يشكّل تحوّلا نوعيا يساعد على تجاوز العقبات الكبيرة أمام تحرّر السوريين، ويعبّد الطريق نحو ولادة النظام الوطني الجديد. وما يشجّع على هذا اللقاء ويستدعيه، في نظري، أن سلطة الأسد ونظامه لم يعودا يشكّلان سوى معولٍ في يد سلطات الاحتلال المتعدّدة، وأبرزها الاحتلال الإيراني المتعاظم الذي يسعى إلى تحويل سورية، كما حصل ولا يزال في العراق ولبنان، إلى مستعمرة بكل معنى الكلمة، بما يعنيه ذلك من انتزاع السيطرة على الأرض والدولة وموارد البلاد منهم، وتحويلهم جميعا إلى لاجئين داخل بلادهم وخارجها. وهذا يعني إن العمل في سبيل إسقاط نظام القهر والفساد هو اليوم في الجوهر، وبشكل أساسي، كفاح من أجل التحرّر من هذا الاحتلال الذي أصبح يستهدف تغيير معالم الدولة والمجتمع وتحطيم الهوية السورية. أما على المحور الخارجي، فإن المعركة المزدوجة والمريرة ضد نظام العبودية ونظام الاحتلال تستدعي من الحركة الوطنية السورية جهدا كبيرا واستثنائيا للخروج من العطالة والعزلة والبحث عن حلفاء جدد وإعادة التواصل والتفاعل مع الحكومات العربية الفاعلة ومع المجتمع الدولي، لدفعهما إلى التمسّك بالقرارات الدولية وتأكيد حق الشعب السوري في الاستقلال وتقرير مصيره، ليس تجاه نظامٍ أصبح أداة للاحتلالات الأجنبية فحسب، وإنما في مواجهة هذه الاحتلالات المتعدّدة ذاتها، وإلى التعاون مع هذه الدول والحكومات والحركات الصديقة لخلق الشروط الكفيلة بممارسة هذا الحقّ الذي يمكّن الدولة السورية من شغل مهامها بموازاة عودتها إلى أبنائها: دولة كل السوريين وعضوا فاعلا في جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي. هذه هي اليوم مهمّة جميع السوريين الوطنيين، بصرف النظر عن انتماءاتهم ومظلومياتهم وانقساماتهم السابقة والقائمة إذا أرادوا أن تكون لهم دولة ملكهم، سيدة وواحدة، وكي لا يتحوّلوا إلى لاجئين داخل وطنهم وخارجه. ولن يتحقّق ذلك ما لم يظهر السوريون على مختلف انتماءاتهم وولاءاتهم أنهم قادرون على العمل معا وفي سبيل هدف واحد يجمع بينهم، لا الجري، كما حصل في السنوات السابقة، كل على حده وراء أهدافهم الخاصّة والمتضاربة.

العربي الجديد

——————————–

هل يمهّد الأردن لخيارات جديدة في سورية؟/ غازي دحمان

“الأسد يتذاكى علينا”، هذه خلاصة الموقف الرسمي الأردني، الذي عبرت عنه صحيفة الغد بشفافيةٍ وواقعيةٍ، والواضح أن وزير الخارجية أيمن الصفدي أوصل هذه الخلاصة بصيغ وقوالب غير دبلوماسية إلى النظام السوري. وقد طفح الكيل في الأردن، ولم يعد ممكنا تزويق أفعال نظام الأسد، فعل الأردن ذلك في مرحلة سابقة على أمل دفع نظام الأسد إلى تغيير سلوكه الضارّ بالأردن، أمنيا واجتماعيا واقتصاديا، إلى درجة بات الأردن رأس حربة مشروع تأهيل الأسد عربيا، وتخفيف حدّة العقوبات الاقتصادية. واجه الملك عبد الله الثاني الإدارة الأميركية، وقال للرئيس بايدن شخصيا إن الأردن يتحرّك بواقعية، ولا بد من تغيير المقاربات السابقة التي لم تُنتج أي تقدّم على صعيد حل الأزمة السورية، ولا على صعيد درء المخاطر التي ينتجها نظام الأسد على دول الجوار، لكن يبدو أن سياسة “القفّازات الناعمة” التي حاول الأردن اتّباعها لم تثمر نتائج موازية على أرض الواقع.

المفارقة أن نظام الأسد الذي استفاد من الدور الأردني الذي ساهم في إقناع الأطراف العربية المتردّدة في قبول التطبيع معه يحاول تجاهل طلبات الأردن، والقفز على الدور الأردني، وترتيب علاقاته مع تلك الدول، بل ذهب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، أبعد من ذلك، في اجتماعات لجنة الاتصال العربية في القاهرة، في التحريض على الأردن واتهامه المملكة بأنها تضغط على نظام الأسد لإجباره على التسليم بشروط الخارج، وحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، اتهم المقداد أيضا مصر في إشاعة هذه المناخات المعادية لنظامه.

أدرك الأردن، بعد جولاتٍ معقّدة من التفاوض مع نظام الأسد، أن هذا النظام لا يرغب بالتفاعل الإيجابي مع كل القضايا المطروحة للنقاش مع عمّان، وهي قضايا ليست تفصيلية للأردن، بقدر ما هي في صلب الأمن الأردني، إلى درجة أن استمرارها بدون حلول تشكل مخاطر وجودية على الأردن، مثل قضايا المخدّرات والمياه واللاجئين. وبات الأردن بسببها على بعد خطوات قليلة من حصول أزمات داخلية، كل قضية من هذه القضايا قابلة لتفجير الأوضاع في البلد الذي يقف على تخوم ساحات متفجّرة من فلسطين إلى العراق فسورية.

دقّت صحافة الأردن، وخصوصا المستقلة، ناقوس الخطر، عبر رسائل غير مشفّرة مرسلة إلى نظام الأسد مباشرة، حاولت، في البداية، إيصال حجم الانزعاج الرسمي الأردني من سلوك نظام الأسد وإفهامه أن الكيل طفح، وعليه عدم المراهنة على استمرار قدرة عمّان بالتحمّل، ثم دعت إلى عسكرة الملف السوري، وإخراجه من يد السياسيين، في مؤشّر على أن الأسد لا يعطي أهمية للدبلوماسية، بدليل زيارات الصفدي الخائبة الى دمشق من حيث النتائج، الأمر الذي يوجِب تغيير المقاربة وأدوات التعاطي بما يتناسب والتحدّي الذي يفرضه نظام الأسد على الأردن.

اكتشف الأردن أن حرب نظام الأسد ضدّه تأخذ طابعا منهجيا تصعيديا، إذ وبعد أن عدّل الأردن قواعد الاشتباك، عبر التعامل مع مهربي المخدّرات بالنار، عمل نظام الأسد، في المقابل، على تطوير أدوات حربه باستخدام الطائرات المسيّرة لتهريب المخدرات في البداية، ثم الأسلحة والمتفجّرات، ما يعني وجود خطة لضرب الأمن والاستقرار في الأردن عبر أكثر من محور، ومن خلال دمج التهديدات الاجتماعية بالتهديدات الأمنية.

ويبدو أن لعبة الطائرات المسيّرة ليست حدثا عرضيا كما يمكن تصوّرها، ذلك أن النوع الذي يستخدمه النظام، ووفق خبراء عسكريين، لا يمكن أن تراه الرادارات ليلا، لأن بصمته صغيرة جدا، ثم أن حدودا طولها أكثر من 370 كيلومترا سيكون من الصعب على الأردن ضبطها، وقد يحتاج إلى جيوش رديفة من دول الإقليم والحلفاء للسيطرة عليها، أو أن يستنفد قوّة جيشه في استنفار لا يوجد أفق لنهايته، ذلك أن نظام الأسد يبدو أنه يخطّط لحرب طويلة في إطار سياسته عقاب الأردن والدول العربية خلفه التي يتّهمها بالوقوف ضده في الأعوام السابقة.

ما هي خيارات الأردن إزاء نظام الأسد الذي لم تنفع معه جميع الطرق الدبلوماسية التي ارتكزت على قاعدة إغرائه بالانفتاح لدفعه إلى تغيير سياساته والانخراط الإيجابي مع المحيط العربي؟ من الواضح أن الأردن بات يملك بنك أهداف في سورية، سواء لخريطة مصانع الكبتاغون أو التجار والقائمين على هذه التجارة، وحتى أماكن انطلاق الطائرات المسيّرة. وفي المرحلة المقبلة، سيعمد إلى التصرّف بنفسه داخل سورية، على قاعدة أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، إذ إن سياسة القبض على تجّار المخدرات وإسقاط الطائرات المسيّرة داخل الأردن، وإن حقّقت بعض النجاح، إلا أن نظام الأسد استطاع تجاوزها عبر تطوير أدواته، ومن غير المنطقي أن يبقى الأردن تحت رحمة ما تجود به مخيّلة طرفٍ صار محترفا بالإجرام والتخريب.

الخيار الآخر، قد يجد الأردن نفسه مضطرّا له، وقد سبق له أن رفضه، وهو خيار المنطقة العازلة، وقد تكون بمساعدة إقليمية ودولية، خصوصا بعد تغير المعطيات، نتيجة ثورة السويداء وعودة اشتعال مناطق الجنوب، وهو ما يوفّر للأردن بيئة مناسبة للتقدّم بطرح فكرة المنطقة العازلة والحصول على تأييد خارجي، خصوصا وأنه ينطوي على حماية مكوّنات سورية من خطر الإبادة، وحينها سيكون الأسد الذي تفاخر بأن سرّ بقائه في أنه لم يقع في “الفخاخ التي صنعها له الغرب”، في مقابلته مع “سكاي نيوز عربية” قد صنع فخّه بنفسه!

ثمّة تمهيد أردني واضح لتغيير المقاربة والأدوات في التعاطي مع النظام السوري، إذ لا نظام الأسد يريد أن يتعقلن ويكفّ يد الأذى عن جارته، ولا الأردن قادرٌ على الاستمرار في لعبة خطرة باتت تتطوّر بسرعة، وتضعه في قلب الاستنزاف وعلى شفا انهيار على مستويات عديدة.

————————-

التطبيع العربي مع دمشق وخطوة نحو الخلف/ أحمد رحّال

عندما يقول رئيس البرلمان الأردني، أحمد الصفدي، في مباحثات عقدها مع رئيس مجلس الشورى السعودي، عبد الله آل الشيخ، في عمّان، “ما زالت تصل إلينا رسائل سلبية من حدودنا الشمالية”، فتلك رسالة مزدوجة موجّهة إلى دمشق من عمّان والرياض التي باتت تشارك عمّان النظرة نفسها اتجاه السلبية الواضحة بتعاطي نظام بشّار الأسد مع المبادرة العربية وسياسة خطوة مقابل خطوة. الرياض التي اضطرّت أخيرا لرفع سقف شروطها، وطالبت نظام الأسد ليس بتخفيف الوجود الأجنبي على أراضيه كما قيل سابقاً، بل بخروج كل القوات الأجنبية من سورية، لأنها كانت وما زالت تشكّل تهديداً لأمن الدول المجاورة واستقرارها.

التطبيع العربي مع دمشق الذي بدأت ملامحه في اجتماع عمّان وترسخ في القمّة العربية في جدّة، وارتكز على عدة نقاط، أهمها وقف تصنيع المخدّرات وتهريبها عبر سورية إلى دول الجوار، وتخفيف الوجود المليشياوي على الأراضي السورية، والإفراج عن المعتقلين، وتأمين البيئة الآمنة لعودة اللاجئين السوريين، مقابل دعم مادي عربي لدمشق، وعلى مبدأ خطوة مقابل خطوة مع السعي إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254.

نظام دمشق الذي عبر أكثر من مرّة عن عدم ارتياحه للخطوات العربية والبطء في تنفيذ العرب وعودهم، بعد أن اعتبر على لسان وزير خارجيته، فيصل المقداد، أن حكومته طبقت كامل القرار 2254، وتنتظر ما وعدت به. وعلى أرض الواقع، لم تتوقف عمليات تهريب المخدرات، بل زادت، وتفنّن أرباب تلك التجارة بابتكار طرق جديدة لتهريبها إلى الأردن وعبرها إلى الخليج العربي، وحتى طائرات الدرون (المسيّرات) باتت إحدى وسائل تلك التجارة المدمّرة للشباب العربي. أما بقية شروط العرب، من حيث وجود المليشيات على الأرض السورية، فقد شهدت المرحلة الأخيرة زيادةً في جرعات قوافل الأسلحة الإيرانية والعناصر البشرية المنقولة إلى سورية، سواءً عبر سفن النفط الإيراني إلى مرفأ بانياس، أو عبر الكوريدور الإيراني البرّي في البوكمال على الحدود السورية العراقية، أو عبر الطيران المدني، حيث أفاد تقرير صادر عن معهد واشنطن بأن الحرس الثوري الإيراني أنشأ خطوطه الجوية التي تؤمن له نقل السلاح إلى سورية وعبرها إلى حزب الله من خلال شركات ماهان للطيران وطيران بويا وطيران بارس التابعة له، مع العلم أن شركتي “بارس للطيران” و”ياس للطيران”، وكلتاهما تتبعان الحرس الثوري الإيراني أيضاً، صنّفتهما الولايات المتحدة من الكيانات الإرهابية في عام 2012. وبالتالي، لم تلتزم دمشق بتاتاً بما تعهدت به، خصوصا إذا ما أضيف ملف عودة اللاجئين الذي تعاملت معه دمشق بعدم المسؤولية، ما دفع أحد حلفائها بلبنان (وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية) إلى كفّ يده عن الأمر والتراجع عن خطةٍ كان يعمل عليها لإعادة ألوف اللاجئين السوريين، بعد أن اعتقلت أجهزة استخبارات الأسد بعض العائدين وعرقلة عودة كثيرين ممن قدّمت أسماؤهم عبر وزارة المهجّرين في لبنان.

كان للأحداث الداخلية وعودة الحراك الثوري عبر المظاهرات أثر فعّال في فرملة الاندفاعة العربية نحو دمشق، فالتقارير التي قدّمها وزير الخارجية، فيصل المقداد، من خلال اجتماعاته، في عمّان وفي بعض العواصم العربية، تضمّنت تأكيداتٍ عن حسم النظام وسيطرته وانتهاء ما سمّي الربيع العربي في سورية، لكن انفجار الوضع في جبل العرب، وشبه فقدان سيطرة النظام على الجنوب السوري بعد عودة الحراك الثوري إلى سهل حوران. وتضاف أيضاً الصرخات القوية التي خرجت من الساحل السوري عبر ناشطين سياسيين، مثل أيمن فارس وماجد دواي وفراس غانم وأحمد إسماعيل، وإن اعتقلت استخبارات الأسد ثلاثة منهم، لكنها تبقى مؤشّرات تدلل على أن ثورة السوريين قد تكون خبت قليلاً، لكنها ما تزال جمراً تحت الرماد، وهي قابلة للاشتعال في أي لحظة، خصوصا أن انتفاضة جبل العرب (الدروز) وصرخات الناشطين السياسيين في الساحل السوري (العلويين) قد جرّدت نظام الأسد من أهم الأوراق التي تاجر بها 12 عاماً، وهي ورقة حماية الأقليات التي كانت في حقيقتها احتماء النظام بالأقليات، وليس حمايتها. ومع عجز النظام عن مواجهة جبل العرب بالسلاح والقوة العسكرية عبر جيشه ومليشيات حلفائه كما سبق وواجه الثوار في كل المحافظات السورية المنتفضة، واستخدم ضدّهم الصواريخ والدبابات والبراميل وغيرها، وحتى السلاح الكيميائي، استخدمه في عدة مواقع سورية، أبرزها في الغوطة الشرقية وخان شيخون، لكن عجزه عن تكرار هذا السيناريو دفعه إلى إرسال تحذيرات استخباراتية وتهديدات عبر أحد إعلامييه (حسين مرتضى) الذي خرج بتسجيل مصوّر، ليحذّر بأن الولايات المتحدة تحضّر لإرسال مفخّخات وانتحاريين من قاعدة التنف التي تسيطر عليها قوات التحالف على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، من أجل خلط الأوراق في جبل العرب وتأليب الدروز ضد النظام.

ولكن كل من استمع لتلك الرسالة فهم مغزاها أن هذا السيناريو قد تلجأ إليه استخبارات الأسد إذا ما استمر حراك السويداء، خصوصا بعد أن انتقلت هتافاتهم من شعارات مطلبية خدماتية إلى هتافاتٍ سياسية تطالب برحيل النظام، وحطمت تماثيل لحافظ الأسد في شوارع السويداء.

نظام الأسد الذي يعيش أوضاعاً اقتصادية غاية بالسوء بعد انخفاض سعر الليرة السورية، وضعف القدرة الشرائية للمواطن، مع غياب معظم خدمات الدولة عن السوريين، وزاد الطين بلة برفع الدولة للدعم عن بعض السلع الأساسية ورفع أسعار المشتقات النفطية، وخصوصا مادة المازوت التي رفعت الأسعار، بحيث أصبح راتب الموظّف السوري لا يكفي أكثر من يومين أو ثلاثة على أكبر تقدير. ويعكس هذا الأمر مدى استهتار نظام الأسد بالبحث عن أي حلولٍ تنهي مأساة السوريين وإصراره على تطبيق أجنداته الخاصة التي تُرضي دمشق وطهران والضاحية الجنوبية، من دون أي اكتراث لما تعهد به في لقاءاته مع العرب في جدّة أو عبر الرسائل التي حمَلها لوزير خارجيته المقداد بزياراته عمّان أو القاهرة أو الرياض.

من حقّ العرب التراجع خطواتٍ إلى الخلف، وليس خطوة واحدة، أمام الطريقة السلبية لتعاطي نظام الأسد مع المطالب العربية، وحمل بطّيختين بيد واحدة، أمر في غاية الصعوبة، فلا يمكن للأسد الاحتفاظ بإيران، وفي الوقت نفسه، كسب ود العرب ونيل ثقتهم والحصول على أموالهم. ويبدو أن تكتيك الهروب نحو الأمام هو آخر سهام النظام، حيث لوحظت، في المرحلة الأخيرة، زيادة في عملية تهريب شحنات المخدّرات نحو الأردن ودول الخليج كأنها نوع من الضغط على العرب. وفي الوقت نفسه، ازدادت قوافل السلاح الإيراني نحو سورية، مع منح إيران مزيدا من المزايا في الاقتصاد السوري وعمليات التشييع وشراء العقارات والسيطرة على مؤسّسات الدولة.

هي لعبة عضّ الأصابع بين العرب والأسد، ومن يصرخ أولاً يخسر المعركة. ولكن كل المؤشّرات تقول إن الصبر الاستراتيجي للعرب بعيد المدى، وإن لهم القدرة على الثبات على مواقفهم، وأن الأسد سيصرخ أولاً، عاجلاً أم آجلاً.

العربي الجديد

————————————-

الأردن والجنوب السوري: الصداع المزمن/ محمد أبو رمان

يعود الجنوب السوري ليشكّل مصدراً رئيساً من تحدّيات الأمن الوطني الأردني، ليس فقط من بوّابة تجارة المخدّرات وشبكاتها التي أصبحت هاجساً مؤرّقاً (لا يكاد يمرّ وقت قصير حتى نسمع بمسيّرات لتهريب المخدرات أُسقِطَت، أو حتى بضربات أردنية لعصابات التهريب خارج الحدود)، بل من زاوية التراجع الشديد في الحالة الأمنية في محافظة درعا، ولاحقاً، خلال الأسابيع الماضية، تتسارع الأحداث في محافظة السويداء، ذات الأكثرية الدُّرزية، لتشكّل انتفاضة شعبية تضم رجال دين وشرائح اجتماعية واسعة، وانتقلت من الاحتجاج على الأوضاع المعيشية – الاقتصادية المتدهورة، إلى مطالب سياسية شعبية علنية بإسقاط النظام السوري، في استعادة لشعارات انتفاضة 2011.

ثمّة قراءات متعدّدة لأسباب ما يحدُث في السويداء ودرعا (مع اختلاف الظروف بين المحافظتين) وأبعاده ونتائجه. وفي الوقت الذي تذهب الآلة الإعلامية للنظام السوري إلى مسار الشيطنة المعتاد لما يحدُث وربطه بالمؤامرة الكونية وبأطراف خارجية، تحرص القوى الاجتماعية والسياسية في السويداء على الانفكاك عن أي أجندة دولية وإقليمية، بينما لا يجد أهالي درعا أي اهتمام دولي وإقليمي، ويُتركون لمصير الصراع السلمي والتفاوض مع النظام والجنرالات الروس معاً.

وفقاً للمعطيات الراهنة، وبالرغم من حالة التعاطف ومحاولات التجاوب من مناطق متعدّدة في سورية، مثل ريف حلب، مع احتجاجات الجنوب السوري، إلّا أنّ النتائج المتوقعة تبدو محدودة، مقارنةً بما حدث سابقاً، جرّاء غياب أي دعم دولي وإقليمي (تحاول بعض الدعايات ربط ما يحدُث بالصراع الأميركي – الروسي)، ومن الصعب حتى مقارنته بتطوّر موازٍ للصراع بين “قوات سوريا الديمقراطية” والعشائر العربية في محافظة دير الزور.

إلى ماذا ستنتهي هذه الاحتجاجات؟ سؤال صعب، لأنّ الاحتمالات مفتوحة، فمن يتابع الحالة الشعبية في السويداء، يجد هناك استنفاراً وغضباً شديداً من النظام وأدواته، ما يؤشّر إلى أنّ انتهاء الحالة بصورة طبيعية، أو عبر تفاوض مع نظام عاجز اقتصادياً ومالياً، أمراً صعباً. وفي الوقت نفسه، تطوّر الاحتجاجات وصعودها في مناطق أخرى، وتشكيل نموذج جديد (مقارنةً بما حدث في السنوات السابقة في محافظات أخرى) أيضاً أمرٌ صعب، في ظل التحالف العميق بين النظام السوري والروس وشبكة علاقاته المتينة مع قوى لبنانية وعراقية.

في ضوء ذلك، تبدو المقاربة الأردنية معقّدة، إذ من الواضح من الحوار السياسي بين عمّان ودمشق، أنّ هنالك تدهوراً في المسار المقترح أردنياً (الخطوة – خطوة) نتيجة عجز الحل السياسي من جهة، واستمرار مصادر التهديد من تجارة المخدرات وعدم وجود نيات واضحة لدى النظام بإعادة اللاجئين السوريين في الأردن، وفقاً للخطّة المتدرّجة التي عمل عليها وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في الفترة الماضية، واستغرقت نقاشاته مع الرئيس بشّار الأسد شخصياً ووزير خارجيته فيصل المقداد، بل لم تُخف قوى مرتبطة بالنظام السوري تذمّرها وضيقها من مقاربات الصفدي، واعتباره حجر عثرة أمام عودة سورية إلى النظام العربي، مقارنةً بمقاربات السعودية والإمارات التي تجاوزت الحالة الداخلية السورية في إعادة ترسيم علاقتها بدمشق.

تتمثل المصلحة الاستراتيجية الأردنية في جوهر مقاربة الخطوة – خطوة، أي بسورية موحّدة، ولكن مع حلٍّ سياسي يضمن وحدة الدولة وتخفيف النفوذ الخارجي وتحجيم التهديدات الأمنية للأردن (عبر شبكات المخدّرات الإقليمية). لكن من الواضح أنّ الوضع اليوم في الجنوب، وحتى في الشرق (دير الزور)، أبعد ما يكون عن هذه المقاربة. وبالتالي، بدأت تكهّنات غير موثّقة تذهب نحو سيناريوهات “منطقة عازلة” في الجنوب، على غرار ما يحدُث في المناطق الشمالية (وهو نموذج لم ينجح أيضاً كما تبيّن لاحقاً)، أو إلى أبعد من ذلك، عندما تربط ما يحدُث بالصراع الروسي – الأميركي، وتتحدّث عن حزام سنّي في سورية، وهو أيضاً سيناريو بعيد عن آليات التفكير والقرار في عمّان.

على الأغلب، وعلى المدى القصير، ستركّز المقاربة الأردنية على الاستمرار في مواجهة شبكات التهريب عبر الضربات خارج الحدود ومواجهة المسيّرات (التي تحمل المخدّرات)، وتأمين الحدود الشمالية، لكنها ستتطوّر بحسب تطوّر الأحداث واقعياً، وهكذا اتسمت المقاربة الأردنية مع سورية منذ عام 2011.

العربي الجديد

—————————-

سوريا… منعاً لانزلاق جديد/ جمال الكشكي

لا تزال مناعة الدولة الوطنية السورية ضعيفة، انفجرت الأوضاع من جديد في شمال شرقي سوريا بين القبائل العربية، وما يسمى قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، ويمتد الخطر شمالاً في إدلب وريف حلب الشمالي وريف اللاذقية، وبالتزامن أيضاً تشتعل الأحداث في درعا والسويداء بالجنوب السوري، وبهذا يتضح مثلث التأزيم في بلاد الشام.

ما الذي يحدث في سوريا؟ ولماذا الآن؟ ولمصلحة من العودة مرة أخرى بعد أن لاحت في الأفق آمال وطموحات بالاستقرار والسلام وإعادة الدولة السورية لمفهومها الوطني؟

في الحقيقة ثمة علامات استفهام عديدة، باتت تطرح نفسها بقوة في هذا التوقيت، فالنتائج على الأرض السورية لا تتوافق مع المقدمات التي جرت خلال الأشهر الماضية، سوريا استعادت عضويتها الكاملة بجامعة الدول العربية، أثناء القمة العربية التي عقدت بمدينة جدة السعودية في مايو (أيار) الماضي، وشهدنا مصالحة عربية سورية، وتم الاتفاق على مبدأ الخطوة خطوة، ورافق ذلك جولات وزيارات متبادلة على مستوى الدبلوماسية العربية، أفضت إلى توافق عربي – سوري من خلال لجنة الاتصال العربية التي عقدت في جدة وعمان والقاهرة، وتستعد لانعقادها المقبل في بغداد، فضلاً عن استقرار التمثيل الدبلوماسي بين دمشق وسائر العواصم العربية، الأمر الذي فتح شهية بعض دول العالم إلى استعادة علاقاتها الرسمية مع العاصمة دمشق.

هذه المعطيات كانت تشير إلى أن سوريا عائدة بقوة، وأن الجرح كاد يلتئم، وأن اللاجئين سيعودون إلى ديارهم، يتنفسون هواء الوطن وعذوبة الشام، لكن ها هي النتائج جاءت مغايرة، لم يرق الحال لطباخي الفوضى، وسرعان ما عاد التأزيم يطرق أبواب سوريا من جديد، وكأن هناك اتفاقاً غير معلن بعدم استقرار هذا البلد الذي يمثل مكانة جيوسياسية مهمة في قلب العالم العربي، فلو قرأنا ملامح أحداث هذه المرة سنتوقف بالطبع أمام أحداث الجنوب في درعا، تلك المدينة التي اندلعت منها الشرارة الأولى لمظاهرات 15 مارس (آذار) عام 2011، والآن تشهد المدينة نفسها المظاهرات ذاتها، ربما تختلف الأزمنة، لكن الخوف كل الخوف أن تكون هذه المشاهد استعادت استنساخاً لتقارير المختبرات التي قادت إلى الفوضى والتخريب، وأصابت سوريا بعاهة مستديمة.

أما إذا انتقلنا إلى الأزمة في الشمال الشرقي بين «قسد» والقبائل العربية، فتتسع دائرة الرؤية وتزداد التدخلات ومحاولات فرض النفوذ الخارجي، والسيطرة على الموارد من النفط والغاز والمنتجات الزراعية، ففي هذه المنطقة تظهر بصمات اللاعب الأميركي من خلال دعمه المتواصل لما يسمى قوات سوريا الديمقراطية، فجدول أعمال واشنطن يتضمن بنداً ثابتاً بعنوان «التأزيم وعدم الاستقرار في سوريا»، حفاظاً على البقاء الأميركي أطول فترة ممكنة، ومن ثم، فإن الوصفات الأميركية الجاهزة تنطلق من دورها في محاربة تنظيم داعش، برغم أنها تبذل جهداً كبيراً في صناعته، ونلمس ذلك جيداً عبر عدم إنهاء مشكلة مخيم «الهول» الذي يلد جيلاً جديداً من الدواعش يتمدد يوماً بعد الآخر، مثلما شاهدنا الأيام الماضية الهجمات الداعشية المتكررة على قوات الجيش السوري، التي راح ضحيتها عشرات من الجنود السوريين.

لم تبتعد كثيراً ملامح الأزمة في إدلب، انفجرت الأوضاع بصورة متلاحقة، فالجماعات الإرهابية القادمة من آسيا الوسطى التي تنتمي إلى القاعدة والنصرة تسابق الزمن في إشعال فتيل المواجهة مع الدولة السورية، هؤلاء يعرفون جيداً الرمزية التي تمثلها مدينة إدلب، كبوابة إلى العالم الخارجي، فليس خافياً على مر التاريخ أن الجسد السوري لن يستقر وإدلب تتألم.

اللافت هنا وسط هذه الصورة القاتمة، أن منسوب التفاؤل بات يتراجع، وصدى الأزمات العالمية أصبحت تنعكس في الداخل السوري، إنه صراع النفوذ والإرادات والمصالح، واشنطن لن تحقق الاستدارة الكاملة بالاتجاه شرقاً مهما يكن انشغالها. حلمها بالبقاء في الشرق الأوسط جزء من لعبة الأمم الكبرى، على الشاطئ الآخر من نهر الفرات تقف موسكو يقظة من أجل اتساع نفوذها والحفاظ على مصالحها، وتحقيق حلم القياصرة بالإقامة في المياه الدافئة بشرق المتوسط.

إذن، ما بين الصراع التاريخي الروسي – الأميركي، وأحلام الجماعات الإرهابية عابرة الحدود، تظل سوريا مسرحاً للتجارب، وجس النبض لقلب المنطقة، وهدفاً لاستئناف نسخة جديدة من ربيع الفوضى والتخريب والقتل بما يهدم الهندسة السياسية الجديدة التي توافقت عليها الدول العربية خلال الأشهر الماضية، وهنا علينا أن ندرك جيداً أبعاد ما يحدث في سوريا، ونتوقف أمام رسائله المباشرة وغير المباشرة، ربما تكون إشارته الحقيقية أن ما يسمى بالربيع العربي لا يزال جمراً تحت الرماد، ربما هو قابل للاشتعال، لكن في انتظار الفرصة المواتية، حتى لو كانت مصطنعة، ومن ثم، علينا أن نستبق الأحداث، ونتعلم من دروس الماضي، ونتحرك بصورة جماعية وسريعة للحفاظ على الأمن القومي العربي، ولمنع انزلاق سوريا مرة أخرى نحو حرائق، ربما تتطاير شظاياها إلى سائر الجسد العربي.

الشرق الأوسط

————————–

============================

تحديث 17 آب 2023

—————————

الأسد بين العنجهية الكلامية و«الواقعية» السياسية/ بكر صدقي

مفاجأتان، لا واحدة فقط، صدرتا عن بشار الأسد فيما لا يتسق مع ما تفوه به على شاشة سكاي نيوز عربية الأسبوع الماضي. فأرسل وزير خارجيته إلى القاهرة للمشاركة في اجتماع لجنة الاتصال العربية المنبثقة عن اجتماع عمان، بعدما أوحى كلامه في المقابلة التلفزيونية المشار إليها بأنه قد أغلق الباب تماماً على «المبادرة العربية» التي تقودها الرياض. لا نعرف ما دار في اجتماع القاهرة، لكن تصريحات وزير الخارجية المصري، وكذلك البيان الختامي الصادر عن الاجتماع، لا يعطيان أي انطباع بأن المبادرة العربية قد انتهت بفعل تعنت رأس النظام، بل قالت التقارير الصحافية إنه تم تسليم فيصل المقداد قائمة بما هو مطلوب من النظام في الفترة القادمة قبل الاجتماع الثاني للجنة.

تمثلت المفاجأة الثانية في زيادة رواتب موظفي الدولة بنسبة مئة في المئة، بعد أسبوعين من حراك اجتماعي غاضب بسبب الأوضاع المتردية في مناطق سيطرة النظام إلى درجة أنذرت بتفكك القاعدة الاجتماعية المؤيدة. صحيح أن هذه الزيادة لن تحل أي مشكلة بالنظر إلى احتياجات الحد الأدنى لمتطلبات الحياة تفوق الرواتب، حتى بعد مضاعفتها، بعشرين أو ثلاثين ضعفاً، حتى إذا لم نحسب رفع الدعم عن المواد الأساسية ولا الزيادة الجديدة على أسعار المحروقات، ولا الهبوط الجديد لليرة أمام العملات الأجنبية في أعقاب مقابلة الأسد، بما يعني أن الزيادة الجديدة قد تبخرت سلفاً. كل هذا صحيح، ولكن اتخاذ القرار بزيادة الرواتب، بعدما امتلأت صفحات الموالين على مواقع التواصل الاجتماعي بالتذمر، وبعدما ظهر حراك معارض جديد، ذو طابع سري إلى الآن، في مناطق سيطرته، يعتبر بحد ذاته مفاجئاً في سلوك النظام الذي يتباهى الناطقون باسمه بأنه «لا يقدم تنازلات تحت الضغط!».

تتيح لنا هذه المقارنة بين التشدد الكلامي للأسد و«انقطاع صلته بالواقع» كما شاع القول، وبين «الواقعية» في الانجرار الطوعي إلى «الفخ» العربي على ما وصف المبادرة العربية في المقابلة، من خلال مشاركة وزير خارجيته في اجتماع القاهرة، كما في «الاستجابة لمطالب الشارع» فيما خص الأوضاع المعيشية الكارثية من خلال زيادة الرواتب، قراءة مختلفة لهذا السلوك المزدوج يمكن وصفه بالابتزاز وجرجرة الأقدام في الانصياع إلى المبادرة العربية. بكلمات أخرى: أراد النظام من خلال الكلام المتشدد على «سكاي نيوز عربية» أن يحاول ابتزاز الجانب العربي للحصول على مكاسب مقابل ما يعتبرها تنازلات منه. وإلا ما معنى مشاركة المقداد في اجتماع القاهرة بعدما اعتبر الأسد العلاقات العربية ـ العربية «شكلية» ولا تعمل على طرح حلول للمشكلات؟

حتى فيما خص تشدد الأسد في رفض اللقاء بالرئيس التركي أردوغان «بالشروط التركية» أي بدون انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، رأينا أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد قال، تعقيباً على هذه التصريحات إن تركيا «تتوقع سلوكاً واقعياً» من النظام! وهذا ما يعني أن احتمال «شرب المرطبات» في لقاء أسد وأردوغان المحتمل في فترة قادمة ما زال قائماً ويتم العمل على إنضاجه بإشراف الوسيط الروسي.

ومن مخرجات اجتماع لجنة الاتصال العربية في القاهرة، الاتفاق على مواصلة اجتماعات اللجنة الدستورية في العاصمة العمانية مسقط، بخلاف ما أوحت به تصريحات الأسد بإغلاق الباب أمام أي حل سياسي. صحيح أن اجتماعات اللجنة الدستورية لن تقدم ولن تؤخر في التقدم نحو حل سياسي حقيقي، كما كانت الحال دائماً منذ تشكيلها من قبل الراعي الروسي قبل خمس سنوات، لكن توقف اجتماعاتها تماماً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ثم إعلان كازاخستان عن انتهاء استضافتها لاجتماعات مسار آستانا، بعد الاجتماع رقم عشرين، كانا نوعاً من تخفف النظام تماماً من «عبء الحل السياسي» حتى لو اقتصر الأمر على التسمية بلا أي مضمون. أما الآن فهو أمام مبادرة عربية لا تكتفي بالحديث عن الحل السياسي كطريق وحيد لحل «الأزمة السورية» بل تحيله إلى القرار رقم 2254 لمجلس الأمن الذي يرى فيه النظام «كأس السم» الذي يراد له تجرعه. هذا ما أكدت عليه المبادرة العربية، وما شعر وزير الخارجية الأردني بالحاجة لتكراره أمام وسائل الإعلام في زيارته الأخيرة إلى دمشق الشهر الماضي.

مما يرجح فرضية أن التشدد اللفظي لبشار الأسد هو وسيلة للابتزاز قوله في المقابلة إياها إن العقوبات المفروضة على نظامه في إطار قانون قيصر «ليست مشكلة» في رسالة موجهة إلى الراعي السعودي للمبادرة مفادها: يمكنكم تقديم مساعدات مالية مباشرة من غير الخوف من شمولكم بالعقوبات الأمريكية. «فقد تغلبنا على هذه العقبة» كما تابع القول في السياق ذاته.

إضافة إلى الضغوط العربية عليه، في إطار المبادرة العربية، ثمة ضغوط أكثر «حسية» تستهدف الوجود الإيراني في سوريا من خلال ما تتناقله تقارير صحافية عن استعدادات أمريكية لوصل مناطق شرق الفرات بقاعدة التنف في الجنوب لقطع الطريق أمام خط الإمداد الإيراني عبر العراق وصولاً إلى لبنان. وإذا صح ما قاله المرصد السوري لحقوق الإنسان بصدد نقل مقاتلين من فصائل «الجيش الوطني» التابع لتركيا إلى قاعدة التنف لمواجهة الوجود الإيراني، فهذا يعني تفاهمات تركية ـ أمريكية، بعد قمة فيلينوس للحلف الأطلسي، تنهي تعارض الأجندات بين واشنطن وأنقرة الذي طبع السنوات السابقة بطابعه، وتشكل مزيداً من الحصار العسكري للنظام بما يعزز الضغوط العربية لإرغامه في السير على طريق الحل السياسي.

كل ذلك لا يعني تفاؤلاً بانتهاء قريب للمأساة السورية. فالنظام يملك وسائل عديدة للتلاعب والمماطلة لا يتوقع معها أن تثمر تلك الضغوط نتائج مرضية للسوريين ولو بالحد الأدنى. فما يمكن أن يتحقق بصورة جزئية بنتيجة الضغوط هو موضوعا اللاجئين والكبتاغون، أما «الانتقال السياسي» وفقاً للقرار 2254 فهو ما زال بعيد المنال في الشروط القائمة اليوم.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————

لا جديد لدى النظام السوري!/ موفق نيربية

في مقابلته مع قناة «سكاي نيوز» عربية، قال بشار الأسد في ردّه على سؤال حول الجديد في العلاقة مع الولايات المتحدة: «لا شيء، الحوارات عمرها سنوات بشكل متقطع ولم يكن لدينا أمل حتى للحظة واحدة بأن الأمريكي سوف يتغير لأن الأمريكي يطلب ويطلب، يأخذ ويأخذ ولا يعطي شيئاً هذه هي طبيعة العلاقة مع الأمريكيين منذ عام 1974، منذ خمسة عقود». أثار فضولي تحديد هذا التاريخ من قبل الأسد، وبالتفكّر والتذكّر والمراجعة توصلت إلى ما يلي، كاحتمال:

في 16 يونيو من العام المذكور، وصل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى دمشق في أول زيارة لرئيس أمريكي إلى سوريا. تم في بداية هذه الزيارة الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والولايات المتحدة، التي قطعت عام 1967، وجاءت الزيارة نتيجة تحسن العلاقات السورية – الأمريكية عقب جهود وزير الخارجية هنري كيسنجر، التي أفضت إلى توقيع اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل.

كانت تلك الزيارة تتويجاً لعملٍ شاقٍ انتهى بفكرة عبقرية، أو شيطانية، تصنع سلاماً مؤقتاً يمكن أن يكون أبدياً، الأمر الذي جعل الإسرائيليين، ومهما حصل من خلافات، يتمسكون باستمرار النظام السوري، الشريك الموثوق في تلك الاتفاقية.

كتلك الزيارة التاريخية؛ التي استقال الرئيس نيكسون – بالمناسبة- بعدها بثلاثة وخمسين يوماً إثر فضيحة «ووترغيت» الشهيرة؛ يبدو أن مقابلة الأسد هذه مؤشّر على متحوّلٍ تاريخي، يقطع فيها عدة خيوط تربطه بعوامل سابقة، الأمر الذي يقطع أيضاً مساراً ابتدأ مؤخراً.

حالياً يقول الأسد إنه لم يتلقَّ أي عروض لإقامة علاقة مع إسرائيل، لإن إسرائيل ليست مستعدة لإعادة الأرض، ولا داعي لإضاعة الوقت. وفي ما يخصّ الضربات الجوية الإسرائيلية التي تكاد تكون يومية، قال إنها تستهدف الجيش السوري تحت عنوان الوجود الإيراني، وهذا سوف يستمر طالما أن «إسرائيل عدو، وتقف مع الإرهابيين». لم يقل، ولا يمكن أن يقول، إنه سيستمر حتى تكون سوريا دولة بمواصفات غير مواصفاتها الحالية، متماسكة قانونياً واجتماعياً وعسكرياً؛ أو حتى تتوقّف إيران عن التدخّل في البلاد واستيطانها. كان لافتاً أيضاً وسمه لحماس بـ»الغدر والنفاق»، واستبعاده أي علاقة إيجابية معها. أكّد بحديثه أنه لم ينس يوم رفع خالد مشعل علم الثورة السورية في احتفال في غزة عام 2012، ووصف ذلك العلم بأنه علم الاحتلال الفرنسي، مصرّاً على إنكار حقيقة كونه علم الاستقلال، الذي استمرّ حتى انقلاب آذار/مارس البعثي عام 1963، الذي مهّد لحكم عائلته منذ عام 1970. كان التأثير الإيراني أيضاً واضحاً، ذلك الذي أخذ يحابي» الجهاد الإسلامي» على حساب حماس بالنسبة والتناسب التدريجي منذ زمن. لكن أهمّ الملاحظات، التي يبدو أن الموقف منها هو ما دفع إلى الاتفاق على المقابلة، هو الموقف من العرب والعلاقة معهم، ومن الجامعة العربية بعد العودة إليها مؤخراً، حين قال فيها إنها كانت وما زالت» شكلية» منذ تشكّل لديه «الوعي السياسي» قبل أربعة عقود، أي حين كان عمره سبعة عشر عاماً، وأن ذلك لم يتغيّر، فستبقى تلك العلاقات شكلية، والعودة إلى الجامعة العربية شكليّة. لعلّ ذلك يعكس خيبة الأمل كحصيلة حالية لذلك المسار: مسار التطبيع العربي مع النظام، لكنه في الغالب يعكس رفضاً تقليدياً من قبل النظام لأي خطوة باتجاه الحل السياسي للقضية السورية ومفرزاتها من جهة النظام، برذاذها السام.. لم يتطرّق إلى أسباب ذلك الانقطاع أو خفوت الصوت أو الامتناع، أكان بسبب تغيّر الموقف العربي كما هو الأمر غالباً، أم التغيّر في موقفه نفسه بعد حسابات على الضفة الإيرانية مثلاً، أم عجز خَلقي لطالما رأيناه في تاريخ النظام، أصبح وَرَماً بعد سنوات من انتفاضة 2011. ما يلفت هنا هو علاقة المنصة التي جرت المقابلة عليها، ومصلحة البلد الذي يقف وراءها. ربما تفيد قليلاً مراجعة «الفيلم» منذ الزيارات إلى دمشق والتحضير للقمة، وغياب أبرز دعاة التطبيع عن تلك القمة!

لعلّ ما يهمّ السوريين أكثر من هذا بقليل، تكرار الاعتراف بالمسؤولية عن كلّ ما حدث بشكلٍ غير مباشر. إنه يجمع العوامل الفاعلة في قوله مثلاً «هذه الصورة كنا واعين لها في سوريا بشكل عام، ليس أنا فقط، وإنما كدولة وكمواطنين». هناك مثلث إذن من تلك العناصر الثلاثة: «هو» والدولة والناس، ولا توجد حكومة ولا مؤسّسات ولا شيء. في عدّة أماكن أيضاً يكرّر استخدام مفهوم ومصطلح الدولة في مكان «الحكم» و»الحكومة» و»النظام»، ويُجري عملية إحلال متبادل بينه وبين الدولة.. تحضر عفوا الخاطر جملة لويس الرابع عشر» أنا الدولة والدولة أنا».. وبفشل الدولة واضمحلال عناصرها، لا يبقى إلا هو والناس، كالملك في مسرحية فيروز الشهيرة، يستطيع طرد الشعب حين يسأم مطالباته.

يتعلّق حلّ المسألة السورية بطرفين وما بينهما، النظام والمعارضة، لكن الأسد لا يرى المعارضة بوضوح، أو يراها بحيث ينفي وجودها في النتيجة. حين يسأله المذيع – الحصيف- عن المعارضة التي يعترف بوجودها يقول إنها «بالمختصر، هي المعارضة المصنّعة محلياً لا المصنعة خارجياً». ويستدرك حين يتدخّل المذيع ليقول (وربّما تذكّر علاقته بإيران وروسيا عندئذٍ): «كلمة خارج لا تعني السوء، قد يكون معارضاً داخلياً ومرتبطاً بالخارج، وقد يكون معارضاً بالخارج ولكنه مرتبط بالوطن، فالقضية لا علاقة لها بالخارج والداخل».. ولا يمكن من ثَمّ استخلاص إلّا نتيجة صفرية لتلك المعارضة المفترضة.

لم يتعرّض الأسد في هذه المقابلة للوضع الاقتصادي/الاجتماعي/المعيشي الكارثيّ للسوريين، الذين يعبّر عنه التضخّم الهائل انحدار سعر الليرة السورية وارتفاع الدولار- والأسعار- إلى ما يعادل 280 مرة منذ مارس 2011، إذا تغاضينا عن القفزة الإضافية باتجاه الهاوية التي حدثت إثر المقابلة موضوع هذه المقالة.

لكنه كان شجاعاً في مسألة عودة اللاجئين، التي لم يرَ عائقاً لها في خوفهم من الانتقام، وكلّ المخاطر الأمنية عائقاً دونها، واعتبر ذلك العائق «لوجستياً»، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مدارس للأبناء ولا صحة للعلاج. غياب «أساسيات الحياة، هذا هو السبب»… وهذا غريب أولاً. لكنّ سرَّه ينكشف ثانياً حين يستفسر المذيع عن سر عدم عودتهم ليقول «لوجستياً، البنى التحتية المدمرة التي دمرها الإرهاب وهذا ما يقوله معظم اللاجئين الذين نتواصل معهم، يرغبون بالعودة ولكن يقولون كيف نحيا.. كيف نعيش؟» وما ينكشف هنا أن النظام – في رأسه خصوصاً- لا يرغب بعودة اللاجئين، كما يزعم في مؤتمراته التي يعقدها أو يعقدها له الروس، بل ما زال يحلم بتحسين «التجانس» في تركيب الشعب، الذي تغنّى بفضائله منذ بضع سنوات. ما يرغب به وينسجم به مع نفسه وتاريخ النظام و»إنجازاته» هو إعادة إعمار البلد المدمّر عن طريقه، بكل أنهار الذهب التي تعنيها. حين يُسأل الأسد عن» كلمة السر في هذا الصمود إن صح التعبير خلال هذه السنوات، كيف يمكن أن تلخصها؟»، يجيب بسرعة لافتة، «إنها الوعي للمخطط، لم نسقط ولا في فخ من الفِخاخ التي رُسمت لنا في الخارج.. الوعي هو أساس النجاح والصمود عاجلاً أو آجلاً»، وكان طبيعياً أن يتجاهل أن ذلك التجانس نفسه يغلي الآن ويتململ منتفضاً، بعد أن وصلت النيران إليه.

حين سأله المذيع ملمّحاً إلى أنه ورث حكم البلاد عن والده، أجاب: «أولاً بالنسبة لي أنا شخصياً لم يكن للرئيس حافظ الأسد أي دور في أن أكون رئيساً، لأنه لم يُؤمّن لي أي منصب مدني أو عسكري كي أكون من خلاله رئيساً، أنا أتيت عبر الحزب بعد وفاته، ولم أناقش معه هذه النقطة حتى في الأسابيع الأخيرة من حياته، وهو كان مريضاً في ذلك الوقت، الشيء نفسه العلاقة بيني وبين ابني هي علاقة عائلة، لا أناقش معه هذه القضايا، خاصة أنه ما زال شاباً وأمامه مستقبل علمي، أمامه مسار علمي لم ينهه بعد، هذا يعود لرغباته. أما على مستوى العمل العام فهو يعود للقبول الوطني لأي شخص إن كان هو لديه رغبة بالعمل العام». وقد تدرّب بشار بالمسؤولية عن لبنان قبل أن يرث بعامين، ولا يوجد لبناني أو سوري لا يعرف ذلك، وحين سئل الديكتاتور الوالد قديماً من قبل الإعلام عن موضوع توريث ابنه أيضاً، قال شيئاً لا يختلف «بالصدفة» عمّا قاله ابنه اليوم عن حفيده!

على أية حالة بارانويا، يمكن استخلاص الكثير من تركيب المخاوف وتعبيراتها: الأسد يرى في كلّ ما يُعرض عليه فخّاً، عليه أن يرفضه قبل أن يسقط فيه، لذلك رأى في الجامعة العربية والمشروع الأردني وعودة اللاجئين وحتى في صرخات العَوز والفاقة بين السوريين فِخاخاً. لم ينتبه على كلّ حال إلى أن تلك المقابلة، وفي وجه آخر لها، قد تكون فخاً ينصبه القدر!

كاتب سوري

القدس العربي

—————————————–

الأسد في سرديّاته التاريخية/ حسين عبد العزيز

يحار المرء العاقل كثيرا عندما يستمع لزعماء مستبدّين، ويعجز عجزا تاما في إيجاد تفسير عقلاني لما يقولونه، هل هم يكذبون بشكل علني وفج، أم أنهم مقتنعون بما يقولونه، وبالتالي يعيشون حالة شيزوفرانيا مع الواقع القائم؟ ربما تكون الحالتان موجودتين في شخصية المستبدّ، وإن كانت الحالة الثانية أقرب إلى الواقع، كما بيّنت تجارب عالمية عديدة للمستبدّين.

مع طول عملية الحكم، وباعتباره الرجل الآمر والناهي، ومع كثرة المتملّقين، يعيش الرئيس أو الزعيم حالة البارانوايا التي تتفاقم إلى درجة أنه يصبح منفصلا عن الواقع، حتى في خطوطه العريضة، فلا يرى ويسمع إلا بعيون المحيطين به وألسنتهم والتقارير التي ترد إليه.

مفاد هذا القول كلام رئيس النظام السوري بشّار الأسد مع قناة “سكاي نيوز” الإخبارية، وتقديمه سردية تاريخية وحالية لما جرى ويجري في سورية منذ اندلاع الثورة عام 2011، لا علاقة لها بالحقيقة الموضوعية. لقد بلغت سرديته مستوىً عاليا من الميتافيزيقا السياسية إن صحّت العبارة، لجهة كسرها منظومة الحقائق القائمة. قال الأسد إنه لم يكن لوالده الرئيس حافظ الأسد أي دور في وصوله إلى منصب الرئاسة، فهو لم يتولّ أي منصب سياسي أو عسكري قبل وفاة والده، والسؤال الذي يطرح نفسه، من الذي اختار الأسد الابن إذا لمنصب الرئاسة؟ تقول الوقائع التاريخية، وفقا لما جرت في سورية، إن مجلس الشعب عقد، في يوم إعلان وفاة حافظ الأسد في 10 يونيو/ حزيران عام 2000، جلسة استثنائية برئاسة رئيس المجلس، عبد القادر قدورة، وبعد كلمات النعي، قال قدّورة أمام النواب “أيها الزملاء، وردني اقتراح من أكثر من ثلث أعضاء مجلس الشعب بتعديل المادة 83 من الدستور التي تنص: يشترط فيمن يرشّح لرئاسة الجمهورية أن يكون عربيا سورياً متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية متمما الأربعين عاما من عمره”. وفعلا تم تعديل المادة 83 من الدستور، فأصبحت “يشترط فيمن يرشّح لرئاسة الجمهورية أن يكون عربيا سورياً متمتّعا بحقوقه المدنية والسياسية، متمما الأربعة والثلاثين عاما من عمره”.

نحن هنا أمام فعل ديمقراطي قام به “مجلس الشعب” المنتخب مباشرة من الشعب. هكذا يقرأ الأسد الوقائع السياسية. وعلى النهج يفسر الأسد أحداث سورية منذ عام 2011، فالثورة السورية المزعومة ليست سوى مؤامرة لإخراج سورية من معادلة الصراع مع إسرائيل، وأن الشعب ملتف حول قائده، وكل الذين تظاهروا لا يتجاوز عددهم المئة ألف شخص مقابل ملايين البشر المؤيدين له. بيد أن حالة الانفصام عن الواقع تزداد حين يقول إن استمراره بالحكم ناجم عن إرادة شعبية هي التي وقفت في وجه الإرهاب والولايات المتحدة، وحالت دون تحقيق أهدافهما، وليس القمع العنيف والقتل العشوائي واستخدام الأسلحة الفتاكة السبب في بقائه.

أيضا، ليست “الدولة السورية” هي التي قامت بعمليات القتل والتهجير ضد فئاتٍ واسعة، وإنما الإرهاب هو الذي فعل ذلك، فلا توجد دولة، يتابع الأسد، تدمّر الوطن. وحتى توقف عودة اللاجئين إلى سورية ليس متعلقا بالواقع الأمني، وإنما بالواقع المعيشي السيئ وانهيار البنى التحتية، يقول الأسد. وفي هذا جانب من الحقيقة، فالوضع داخل سورية صعب، لكنه سبب غير كاف لعدم العودة، فواقع اللاجئين في لبنان والأردن وتركيا سيئ للغاية، وهؤلاء، كما أي لاجئين في العالم، يفضّلون العودة إلى ديارهم، إذا لم يوجد فيها ما يهدّد حياتهم وحياة عائلاتهم.

وفي ما يتعلق بالعلاقات العربية ـ العربية وموقع سورية منها، فقد ناقض الأسد ما قاله في القمة العربية في جدّة في مايو/ أيار الماضي، حين قال “أما سورية فماضيها وحاضرها ومستقبلها هو العروبة.. لكنها عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان.. فالأحضان عابرة أما الانتماء فدائم، وربما ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما، لكنه لا يغير انتماءه، أما من يغيّره فهو من دون انتماء من الأساس، ومن يقع في القلب لا يقبع في حضن، وسورية قلب العروبة وفي قلبها”.

في مقابلته مع “سكاي نيوز”، قال الأسد “إن العلاقات العربية العربية منذ أن تكوّن عندي الوعي السياسي قبل أربعة عقود، هي علاقات شكلية، لماذا؟ لسبب بسيط، لأننا بطريقة تفكيرنا ربما على مستوى الدول، أو هي ثقافة عامة لا أدري، لا نطرح حلولا عملية ولا نطرح أفكارا عملية لأي شيء، نحبّ الخطابات والبيانات واللقاءات الشكلية، هذه طبيعة العلاقة”. يشير هذا التغير في النبرة حيال العرب إلى أن قطار التطبيع الذي توج في قمّة جدة توقف أو تم إبطاؤه بشكل واضح، ليس بسبب الضغوط الأميركية فحسب، بل الأهم لإدراك بعض القادة العرب أن هذا الانفتاح على النظام السوري سيُلحق بهم ضررا استراتيجيا.

تنتهي سرديات الأسد في ملف المخدّرات، فيقول “إذا كنا نحن من يسعى كدولة لتشجيع هذه التجارة في سورية، فهذا يعني أننا نحن كدولة من شجعنا الإرهابيين ليأتوا إلى سورية، ويقوموا بالتدمير ويأتوا بالقتل، لأن النتيجة واحدة.. إذا وضعنا الشعب بين الإرهاب من جانب والمخدّرات من جانب فنحن نقوم بأيدينا بتدمير المجتمع والوطن، أين هي مصلحتنا؟”. ويتابع الأسد، وهذا هو الأهم، “تجارة المخدّرات كعبور وكاستيطان هي موجودة لم تتوقف، هذه حقيقة، ولكن عندما يكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة، هذا شيء طبيعي، ولكن من يتحمّل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سورية وليست الدولة السورية”.

ثمّة رسالتان أساسيتان موجهتان إلى الدول العربية: أن “الدولة” السورية لا علاقة لها بتجارة المخدّرات، فهي نشأت بسبب ضعف الدولة، وهذا يعني أن هذه التجارة ستستمرّ طالما أسبابها (ضعف الدولة) ما زالت قائمة. وأن الدول التي ساهمت في إشاعة الفوضى في سورية هي التي تتحمّل مسؤولية انتشار تجارة المخدرات في سورية، وبالتالي على هذه الدول أن تقوم بتغيير جذري في استراتيجياتها حيال سورية، وتقديم المساعدات لها للعودة إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.

تفيد تصريحات الأسد والمسؤولين السوريين طوال السنوات السابقة بأننا نتعامل مع منظومة حاكمة مُحكمة الإغلاق، لا مجال إلى إصلاحها أو إحداث تغيير طفيف في سلوكها. وفي حالة مثل الحالة السورية، لا يوجد سوى خيارين: بقاء النظام كما هو، أو إزالته وتدميره بالكامل عبر ثورة شعبية جارفة، لا تبدو البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مهيأة لهذا الفعل الثوري.

العربي الجديد

—————————-

تعالوا نفكر بين 15 آذار و10 آب/ عمر قدور

كارثة معيشية فظيعة كالتي يكابدها السوريون لا بدّ أن تكون مصدراً لصرخات التوجّع، وربما لا تفي كلمة كارثة المجاعةَ حقها من الوصف في حين يتهاوى الواقع المعيشي من قعر إلى قعر أعمق بلا أدنى أمل. استكمالاً لهذا الوضع الخانق، أتت تصريحات بشار الأسد ومسؤوليه متدرجةً من التحلل التام من الواجبات وصولاً إلى القول أن أحداً لم يطلب من الجوعى البقاء في البلد!

المسألة لم تعد في تجويع هؤلاء، بل أيضاً في أن أحداً في السلطة لم يكلّف خاطره أن يواسيهم نفاقاً وكذباً. ما حدث، ويحدث بصفاقة تامة، هو بين اللامبالاة إزاءهم وبين إهانة كراماتهم صراحةً. ليقفز إلى الأذهان السؤال الذي يبدو منطقياً جداً: إن لم يكن الآن، متى يثور أولئك الذين يكابد أطفالهم الجوع أمام أعينهم؟! وغير بعيد عنه السؤال: ما الذي يجعل بشار مطمئناً إلى أنهم لن يثوروا؟

لمعاندة ما يبدو منطقاً حتمياً لا تكفي الإشارة إلى العديد من تجارب البؤس في مختلف أنحاء العالم، والتي لم تشعل ثورات بهذا المعنى المباشر، بل يجدر التفكير انطلاقاً من الخصوصية المحلية، وأيضاً من دون التورط في أحكام قطعية بناء على هذه الخصوصية.

لدينا في الماضي القريب درس يتم تجاهل واحد من أهم أبعاده، هو درس المواجهة بين الأسد الأب والإخوان في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات. نخصّ من المواجهة مجزرة حماة، حيث تشير الأرقام إلى قتل ما بين 30 و40 ألفاً من أهالي المدينة، بعد تطويقها وحصارها بإحكام منعاً لهروبهم. كانت ميليشيات الأسد قد روّعت أهالي مدينة حلب قبل حماة، وداهمت وفتّشت بيوت المدينة بيتاً بيتاً بذريعة البحث عن مطلوبين أو منشورات مما كان يوزّعه الإخوان، فضلاً عن مجازر صغيرة متفرقة مثل مجزرة حي المشارقة. لم يكن على الإطلاق حجم العنف أو الوحشية المستخدمين متناسباً مع التهديد الذي يشكّله الإخوان على السلطة، حتى مع وجود شيء من التعاطف الشعبي معهم.

من المستحسن مغادرة التحليل الذي يقتصر على أن السلطة بالغت وتبالغ في استخدام العنف على سبيل الترهيب، أو لعجزٍ مخابراتي يمنعها من ممارسة عنف انتقائي أذكى. ما نراه ونؤكد عليه هو أن الإفراط في استخدام العنف يعني تلقائياً توريط المزيد من الموالين فيه، وجعلهم شركاء فعليين “لا مجازيين” في الدم. إن ما يظهر من ركاكة السلطة وفجاجتها ينبغي ألا يدفع إلى الظن أنها غير واعية سلفاً لما نعتقد أنه من أهم استثماراتها، حتى إذا أظهرت الكثير من “الغباء” في ميادين لا تمسّ مباشرةً وجودَها.

لقد رأينا بعد مجزرة حماة بثلاثة عقود كيف أفرط بشار “على خطا أبيه” في استخدام العنف ضد المظاهرات منذ اللحظة الأولى، وراح منسوب العنف يتصاعد كلما أصرّ المتظاهرون على سلمية حراكهم، والحديث عن شهور طوال من العنف والوحشية حين لم تكن فكرة “عسكرة الثورة” مطروحة إطلاقاً. ومن المستحسن هنا التفكير فيما يتجاوز تلك المقولة عن دهاء السلطة التي استدرجت الثورة إلى العنف، بوصفه ملعبها المفضَّل. إذ بغضّ النظر عن الموقف من العسكرة برمّتها، أو الموقف مما آلت إليه، سيكون من السذاجة الظنّ أن العنف والتنكيل بالمعارضين كان سيتوقف عند حدّ معين، أو حتى عند انتهاء الحراك، بما أن الأصل في عقيدة السلطة هو توريط المزيد من مواليها في العنف، ثم بالمزيد منه، كطريقة مجرَّبة ومضمونة، لاكتساب الولاء. هي أمثولة حماة ذاتها؛ أن ترتكب مجزرة، وأن تكسب ولاءً أشدّ من قبل؛ من المتورطين في القتل وحتى من الأبرياء الخائفين “بسبب المجزرة” من ثأر أعمى. الإكثار من المتورطين هو بمثابة احتياطي استباقي.

للتفكير في ظواهر اعتراضية لشبيحة أو منحبكية، أو لمن كانوا صامتين وأقرب إلى الموالاة حتى زمن قريب، سيكون من الأفضل الإحاطة قدر الإمكان بالواقع الحالي، وعدم تحميله رغبات أو أوهام إما أنه لا يحتملها، أو لأنها أصلاً خارج حسبان الكتلة المؤثرة فيه. وأول ما يجدر التفكير فيه ذلك العدد الضخم من الشبيحة والمخابرات والجيش الذين شاركوا في إبادة سوريين آخرين، وهؤلاء تلقائياً لن يكونوا مع أي تغيير يهددهم بالمحاسبة، حتى إذا استُثني من المحاسبة المجنّدون إلزامياً الذين لم يكن القتال خياراً طوعياً لهم. ولا يُستبعد أن تكون المجاعة الحالية قد أصابت حتى بعض الشبيحة أو المنحبكجية؛ ربما أصابت طياراً كان يتلذذ ويتباهى بإلقاء البراميل على المدنيين، ربما يكون واحداً من الذين تطوعوا للدعس على معتقلي بانياس والبيضا أو للبصاق “وما هو أسوأ” على معتقلين في جبلة؛ هؤلاء ليسوا قلة، وحتى إذا كانوا ناقمين وخائبي الرجاء فإن ماضيهم كفيل بلجمهم عن ما يتعدى التذمر الخفيف.

إن قراءة سطرين من كتاب الأسد تكفي للجزم بأنه لن يكتفي بذلك العدد الضخم من المتورطين السابقين، ومع أول تحرك جدي علني سلمي سيحاول تجنيد وتوريط قتلة جدد من أجل تمتين الجبهة “العريضة أصلاً” المعادية للتغيير. والفرق الذي لا ينبغي إهماله بين الأمس واليوم أن المرشّحين نظرياً للاحتجاج تربط نسبة كبيرة منهم صلات قربى بالشبيحة وعناصر المخابرات، وقد لا يندر ضمن هذه الشريحة وجود الذين استقووا يوماً “ربما لتحصيل حق مشروع” بتلك الصلات. ثمة قول سخر منه المعارضون فيما مضى مفاده أن العسكري في قوات الأسد ليس عدواً؛ “هو خيّك وابن عمك”. هذا القول يصحّ اليوم حسابياً أكثر بكثير من عام 2012.

يستبق المعترضون في مناطق سيطرة الأسد عنفَ الأخير بالتأكيد على سلمية تحركهم، وقد أتى آخر التحركات وراء اسم “حركة 10 آب” التي وضعت قبل عشرة أيام في بيانها الأول هذا التاريخ موعداً ليخرج بشار الأسد أو رئيس وزرائه، ويحدد التزاماً زمنياً “بصرف النظر عن مدته” لتحسين مستوى المعيشة ومحاربة المخدرات والإفراج عن المعتقلين ووقف بيع أملاك الدولة للأجنبي. في العاشر من آب نشرت الحركة بيانها الثاني، تدشّن به نشاطها بعد تجاهل الأسد بيانها الأول، ونشرت على صفحتها في فايسبوك تسجيلات لتوزيع قصاصات ورقية عليها شعارات، في جبلة والسويداء واللاذقية وحلب ومصياف وريف دمشق. مع إعادة تأكيد البيان الثاني على سلمية الحركة، حملت القصاصات الموزّعة شعارات يغلب عليها نبذ الطائفية مثل: “الشباب السوري بكل طوائفه يقول كفى للذل”، أو “الشعب السوري بكل طوائفه يقول كفى للذل”.

بين السطور هناك رغبة في تميز الحركة عن ثورة 2011، رغبة مشروعة في العديد من الجوانب، لكن التشابه يطل نظرياً على الأقل من جانبين، فثورة 2011 بدأت واستمرت لشهور مع الإصرار على سلميتها وعلى شعار “الشعب السوري واحد. بهذا المعنى، لا جديد سوى تحاشي الحركة أية إشارة يُفهم منها المناداة بإسقاط النظام، وهذه ملاحظة تصِف الواقع لا غير، مع التذكير بأن شعار إسقاط النظام لم يرفعه المتظاهرون في 2011 إلا عندما أوغل شبيحة الأسد في دمائهم. وفي أوجه التشابه، من الخطأ الظن أن تحركاً “علَوياً” في الساحل سيردع الأسد عن استخدام ورقة “الإرهاب السني”، فالتلويح بهذا الخطر أثبت جدواه الداخلية الطائفية قبل الحديث عن جدوى خارجية له، وهذا قابل للاستعادة بسهولة مع وجود حقيقي أقوى للتطرف السني، وجاهزية ما هو مخترق منه أو مقيم في ضيافة الحليف الإيراني لتأدية الوظيفة.

بين تاريخي 15 آذار و10 آب، على ما بينهما من اختلاف ليس بالقليل، سيكون من المؤسف عدم مراكمة معرفة أعمق بطبيعة سلطة الأسد، والتوقف عند مقولات أو شعارات يتم تداولها كأنها من البديهيات لكثرة تكرارها لا غير. يعلّمنا آذار 2011 أن الانفجار قد يحدث في أي وقت ومن حيث لا نحتسب، ومن السيء ملاقاته مع الافتقار إلى جديدٍ قد استوعب الدرس القديم بمختلف جوانبه.

المدن

———————————

التطبيع السوري… النكسة لن تكون الأخيرة/ إبراهيم حميدي

الواضح أن قطار التطبيع بين دمشق وعواصم عربية، توقف عند المحطة الحالية. انطلق بعد إعادة سوريا إلى الجامعة وحضورها القمة العربية في مايو/أيار الماضي. الآن، يخضع هذا القطار، لكثير من المراجعات والفحوصات لتحديد موعد تجدد حركته وسرعة سيره على السكة وتحديد وجهته النهائية وملامحها.

في ربيع العام الجاري، بدت الأمور وردية بالنسبة إلى دمشق. كان هناك موعدان في شهر مايو/أيار. القمة العربية في جدة يوم 19 مايو/أيار الماضي، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية يوم 14 و28 من الشهر نفسه. جرت سلسلة لقاءات وزارية عربية وضعت خريطة طريق للتقارب العربي– السوري بدءا من العودة إلى الجامعة ومرورا بالعمل معا على محاربة المخدرات وتفكيك شبكات “الكبتاغون” وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون لإعادة اللاجئين وانتهاء بتحريك العملية السياسية واجتماعات اللجنة الدستورية. كما جرت سلسلة لقاءات وزارية، سياسية وعسكرية، سورية– تركية، برعاية روسية، لوضع خريطة طريق للتقارب بين دمشق وأنقرة، تتناول الانسحاب التركي من سوريا والتعاون ضد “حزب العمال الكردستاني” وعودة اللاجئين.

وباتت التوقعات تتناول سيناريوهات للقاء محتمل بين الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان أو زيارات محتملة رسمية للأسد إلى عواصم عربية كبرى. كما باتت التوقعات في دمشق ومناطق الحكومة، تتناول سيناريوهات الازدهار الاقتصادي وأموال الإعمار ورفع العقوبات وقطف “ثمار الانتصار”.

مع مرور الوقت، خطوة بعد خطوة،  تبخرت الآمال وتبعثرت الطموحات. انهيار اقتصادي إضافي، تراجع في سعر صرف الليرة السورية، بوادر حركات احتجاجية في الساحل السوري، واختناق معيشي وظلمة في دمشق واخواتها، تجميد خطوات تطبيعية مع دمشق، بالتزامن مع تصريحات رسمية تركية برفض الانسحاب العسكري من سوريا، وحملة من مسؤولين سوريين على الجانب التركي. والأكثر تعبيرا عن هذه المرحلة، هي تصريحات الرئيس الأسد الأخيرة إزاء الجامعة العربية والعلاقات مع الدول العربية والمخدرات والعقوبات، إضافة إلى حملته ضد “حماس” وأنقرة.

هذه الوقفة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، سواء بالنسبة إلى التطبيع العربي أو التقارب التركي مع دمشق. لسببين: الأول، تعريف كل طرف لـ”النصر” و”الهزيمة”. الثاني، عدم امتلاك الاطراف المتفاوضة كامل أوراق اللعبة أو التفاوض.

واقع الحال، أن صناع القرار في دمشق، لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مهزومون، بل إن بعضهم يعتقد أن سوريا منتصرة في الحرب بعد 12 سنة. ويذهب آخرون، إلى أن روسيا وإيران “لم ينقذا النظام”، بل أنقذا مصالحهما في سوريا. هذا بالنسبة إلى الحلفاء، فما بالك بالمنافسين أو الخصوم. أكثر عبارة تختصر الصورة، هي القول إن “العرب عادوا إلى سوريا” وليس “سوريا عادت إلى الحضن العربي”. أي، ان المطلوب، هو تنازلات من الآخرين الخاسرين، وليس من دمشق “المنتصرة”.

لا خلاف أن سوريا المقسمة إلى ثلاث دويلات، وقد هجر نصف شعبها، وثلثه خارج البلاد، ودمر اقتصادها وبنيتها التحتية، تقيم فيها جيوش خمس دول أجنبية على الأقل، واقعها الحقيقي غير المشهد الذي يرسم في دمشق. لكن الخلاف في رسم المشهد وتعريف “المنتصر” و”المهزوم” سيبقى قائما كما كان موجودا خلال العقد الأخير.

هذه ليست المشكلة الوحيدة. هناك تعقيدات إضافية في مساري التطبيع العربي والتقارب التركي مع سوريا، أن الأطراف الثلاثة: سوريا، الدول العربية، تركيا، لا تملك جميع الأوراق التفاوضية. تفكيك شبكات المخدرات وإعادة انتشار الميليشيات بعيدا عن الحدود العربية وتوفير بيئة آمنة لإعادة اللاجئين وإضعاف الكيان الكردي والقوات الحليفة لأميركا شرقي سوريا، كلها أمور أوراقها وقراراتها ليست في دمشق. هي إما في طهران وإما في موسكو. أيضا، رفع العقوبات وتخفيفها وإعطاء استثناءاتها وفك العزلة الدبلوماسية على دمشق وفتح أبواب العواصم الغربية أمام الحكومة السورية والمؤسسات الدولية، قراراتها ليست في القاهرة والجامعة العربية، بل في واشنطن وعواصم الدول الغربية.

التفاوض الحقيقي، هو بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة بالسلاح والنار. الملف السوري واحد من ملفات كثيرة وكبيرة. لذلك، فإن فهم تشدد دمشق الأخير وجمود التطبيع والتقارب، قد يأتي انعكاسا للصدامات العسكرية الكثيرة بين أميركا وروسيا من جهة، والمكاسرة الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو في نيويورك وترجمتها بتعليق القرار الدولي للمساعدات الإنسانية من جهة ثانية. كما يفهم باستمرار الغارات الإسرائيلية والمحاولات الإيرانية للتموضع في سوريا.

بعد ساعات سيعقد اجتماع وزاري عربي ينضم إليه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، لمتابعة تنفيذ قرار عودة دمشق إلى الجامعة العربية ومبادرة “خطوة مقابل خطوة”. الاجتماع مناسبة لتقييم المسافة التي قطعها القطار في الأشهر الأخيرة، وما حمله من وعود وتوقعات وخيبات والعمل على إعادة وضعه على سكة أكثر صلابة.

المجلة

———————————-

الأسد إذ يعاقب العروبة/ رضوان زيادة

شن الأسد هجوما عنيفا على العرب والجامعة وتركيا، واعتبر أن العرب هم يعودون إلى سوريا وليست سوريا من عادت إلى الجامعة، وقال الأسد إن “العلاقة مع الدول العربية ستبقى شكلية، والجامعة العربية لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي، أما العلاقات العربية – العربية فهي علاقات شكلية، نحب الخطابات والبيانات واللقاءات الشكلية، مشكلة العرب أنهم لم يبنوا العلاقات على مؤسسات؛ لذلك لم يبنوا مؤسسات، وإذا تحدثنا عن العلاقات الثنائية فهي ضعيفة لهذا السبب والعلاقة الجماعية عبر الجامعة العربية لأن الجامعة العربية لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي هذا هو ما نراه وهذا ما نأمل من أن نتمكن من تجاوزه”.

كان متوقعا جداً ما قاله الأسد فهو لم يكن يوما جزءا من المجموعة العربية أو يفكر بوطنه سوريا حتى يفكر بالعروبة أو يؤمن بها، الأولوية الأولى والأخيرة له هي البقاء في الحكم مهما كان الثمن، ومهما كانت التكلفة على الشعب السوري أو على العرب، لا يهم، يصبح العرب جيدين إذا ساعدوه في تحقيق مهمته هذه، ولكنهم يصبحون سيئين ومتخلفين عندما لا يساعدونه في القيام بمهمته هذه التي هي غايته العليا.

في الحقيقة لم أستغرب أبدا هذا الخطاب فهو اعتاد على هذا النوع من الانتقادات الجوفاء التي تعكس دوما عدم الخبرة والنرجسية، أو بالأحرى المرض الشخصي الذي يعاني منه ويؤثر على طريقة حكمه واتخاذه القرار المناسب.

ليس لدي شك أن العواصم العربية التي طبعت معه ربما صدمت من هذا المستوى ولو أنها تعاملت معه وتعرف مستواه الفكري والعقلي، وتكوينه النفسي الذي يعكس إنسانا مريضا غير قابل أو قادر على التعلم رغم بقائه في الحكم أكثر من 23 عاما، الشيء ذاته يتكرر عند استماعنا لفلسفته عند حديثه عن المعارضة وفلسفته لفهم المعارضة “إن المعارضة التي يتم الاعتراف بها هي المعارضة المصنّعة محلياً لا المصنعة خارجياً، المصنعة محلياً يعني أن تمتلك قاعدة شعبية، وبرنامجاً وطنياً، ووعياً وطنياً”. “المعارضة هي شيء طبيعي نحن بشر ونختلف بالآراء في المنزل الواحد، فكيف لا نختلف على مستوى الوطن تجاه الكثير من القضايا”. “كلمة خارج لا تعني السوء، قد يكون معارضاً داخلياً ومرتبطاً بالخارج، وقد يكون معارضاً بالخارج ولكنه مرتبط بالوطن، فالقضية ليست لها علاقة بالخارج والداخل، لها علاقة بأين تكمن انطلاقتك من الشعب أم من المخابرات الأجنبية هذا هو السؤال فقط”.

هذه التعريفات الجوفاء ذاتها عندما تحدث عن “السيارة البيضاء والسيارة الحمراء” عام 2000 وكأنه لم يتعلم حرفا واحدا في طريقة تعبيره عن القضايا أو الأشياء، كلها فلسفة عدمية بدون قيمة أو معنى وكل ما يبحث عنه هو الكذب وعدم إعطاء أجوبة عن السياسات والقرارات التي أوصلت سوريا إلى ما هي عليه اليوم.

المشكلة أن شعب سوريا بأكمله دفع ويدفع ثمن وجود شخص بمثل هذا الإمكانيات على رأس الحكم، ليس ذلك فحسب وإنما يملك طاقة من الشر يندر الأشخاص التي يحملونها في هذا العالم، حتى استطاع أن يضع كل هذا الألم على الشعب السوري الذي هو ثلاث أنواع، متسول بالداخل ونازح في مناطق المعارضة ولاجئ خارج سوريا، هذا هو الشعب السوري اليوم الذي يعيش البؤس في أشقى أيامه بسبب بقاء عائلة الأسد في الحكم على مدى نصف قرن من الزمان، وأكثر من عقد من الزمان في حكم هذا الأسد الابن الذي دمر سوريا وشعبها ولم يتورع عن قصف أبناءها بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي أكثر من 38 مرة من أجل البقاء في الحكم.

هذا الحوار هو درس لكل القادة العرب الذي قرروا إعادة مجرم مثل الأسد إلى مقعد سوريا في الجامعة التي خسرت الكثير من قيمها وربما استحقت ما قاله الأسد عنها.

تلفزيون سوريا

—————————

———————————

التعالي الأسدي على أقرانه العرب منهج سلطوي قائم على الابتزاز/ حسن النيفي

لجميع السوريين كامل الحق في أن يجدوا في كلام حاكمهم ما يعزز قناعاتهم السابقة وما رسموه في مخيلتهم عن سلوكه ومنطقه وطريقة تخريجه وتبريره لممارساته كصاحب سطوة لم ينجُ من شرورها أي مواطن بمن فيهم الموالون والمقربون من العصبة الحاكمة، لكن من المؤكّد أيضاً أن جميع الذين استمعوا إلى حديثه يوم التاسع من آب الجاري على قناة سكاي نيوز عربية لم يكونوا ينتظرون مضامين جديدة تسوقها كلماته بقدر ما هم مشغولون بالتقاط أهم السمات التي باتت تَسمُ تفكيره وتؤكّد تبلور معالم الشر لديه ليس حيال الشعب السوري فحسب، بل تجاه الشعوب الأخرى وفي مقدمتها جيرانه العرب.

ولعل هذه النزعة العدائية لم تكن بدعة طارئة على شخص بشار الأسد – كحاكم – بقدر ما هي سمة راسخة في نهج الدولة الأسدية خلال شطري الأب والابن معاً. فحافظ الأسد لم يكن حاكماً ودوداً في يوم من الأيام، لا تجاه شعبه ولا تجاه جيرانه العرب، بل ربما اعتقد دائماً أن ممارسة الاستعلاء على الآخرين وإشعارهم بقدرته الدائمة على إذلالهم هي الوسيلة الأمثل للحيازة على احترامهم، والاحترام في هذه الحالة لا يعني بالضرورة شموله على معاني قيمية كالود والرضى مثلاً، بل يعني تحديداً الهيبة والخوف من سطوته، وهذا هو المدخل لفهم مجمل العلاقات التي كانت تربط الأسد الأب سواءٌ بشعبه أو بمحيطه العربي على السواء، ولا شك أن هذا الضرب من الممارسة يوجب على صاحبه أن يتمتع بالقدرة الكافية على احتمال العزلة والقطيعة، بل إن الصمود على تلك القطيعة والانعزال يمكن إحالته حينئذٍ إلى ضرب من البطولة حين تجعل منه الطغمة الحاكمة نمطاً من الصمود بوجه المؤامرة الكونية التي ما وُجِدت إلّا لاستهدافه دون غيره.

العلاقة المضطربة بين الأسد الابن وأقرانه العرب هي استمرار لنمط العلاقة التي وسمت علاقة أبيه بجيرانه منذ عقود طويلة، إذ لم يكن بمقدور الأسد الأب أن يستمر في علاقة متوازنة مع الدول العربية، قائمة على المصالح المتبادلة وبعيدة عن الابتزاز وليّ الأذرع، إذ يمكن في هذا السياق النظر في شطرين من حكم حافظ الأسد، يبدأ الشطر الأول من عام 1977 حين أبرم أنور السادات صلحاً منفرداً مع الكيان الصهيوني، وقد أتاح هذا التحول لنظام دمشق أن يقود حلفاً مقاوماً ومناهضاً أُطلق عليه (جبهة الصمود والتصدّي)، وقد استطاع حاكم دمشق طوال سنوات، وتحت شعار هذا الحلف أن يمارس جميع أشكال الابتزاز على الأنظمة العربية من خارج (جبهة الصمود والتصدي) وفي مقدمتها دول الخليج العربي، كما تمكّن طوال سنوات من أن يظهر بمظهر المقاوم الذي يدافع عن الجميع، وبالتالي على الآخرين أن يقدموا له ما يريد وفقاً لمبدأ (الخُوّة) القائمة على الزعرنة والابتزاز، وليس وفقاً لنواظم قيمية أخرى.

ويبدأ الشطر الثاني من عام 1980، حين تلاشت الهالة الإعلامية لجبهة الصمود، باندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وانحياز الأسد بكل ثقله إلى جانب إيران، ولكن في الوقت ذاته استطاع تعزيز القناعة لدى دول الخليج بأنه سيكون العاصم لهم ولأمن أنظمتهم من الخطر الإيراني، وهكذا ظل حافظ الأسد طوال ثماني سنوات يترجم انحيازه لإيران على أنه مبعث توازن بين إيران والعرب، كما أراد أن يظهر بأنه صمام الأمان لأمن الخليج حيال النزعة الخمينية الكاسحة آنذاك، وربما هذا ما جعل حافظ الأسد يرى أن أسوأ فترات حكمه ضيقاً وضنكاً هي السنوات التي تلت قبول الخميني بشرب (كأس السم) ووقف الحرب مع العراق، إذ شهدت تلك السنوات حصاراً سياسياً واقتصادياً سواء من جانب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية أو من جانب دول الخليج التي نكثت بمبدأ (الخوّة) بمجرد وقف الحرب مع إيران، وكان هذا الحصار هو الأشد ضراوة على نظام الأسد الأب، إذ يذكر السوريون في السنوات ( 1988 – 1991) انعدام أبسط المواد المعيشية التي يحتاجها المواطن بما في ذلك حليب الأطفال والدواء، كما يذكر السوريون جيداً أن الحليف الوحيد الذي تبقى لحافظ أسد من المنطقة العربية هو نظام القذافي فقط، إلّا أن تلك الفترة الخانقة انتهت بفرجٍ كبير بعد ضيق حين اندلعت حرب الكويت (كانون ثاني 1991) بانضمام قوات الأسد للتحالف الدولي، إذ أتاح له ذلك فرصةً للاندماج في المنظومة الدولية من جديد، ففضلاً عن إعادة بوش الأب الغطاء الشرعي من جديد على نفوذ الأسد بلبنان، أتاحت له دول الخليج من جهة أخرى مدخلاً جديداً لعلاقات ما تزال قائمة حتى الآن.

يمكن التأكيد على أن حرص الأسد الابن على علاقته العضوية بإيران وحرصه في الوقت ذاته على عدم هدم الجسور بينه وبين دول الخليج إنما يعود إلى التمسّك بالنهج الأسدي ذاته القائم على الابتزاز واللعب على التوازنات الإقليمية، وخاصة في ضوء تعدد وانتشار أذرع الشر الإيرانية التي باتت تهدد دول المنطقة برمتها، ففي الوقت الذي أظهرت فيه دول الخليج موقفاً مؤيداً لثورة السوريين إبان انطلاقها، يتأسس هذا الموقف في أحد جوانبه على رغبة دول الخليج بتجفيف نفوذ إيران من الدولة السورية، إلّا أن الردّ الأسدي كان واضحاً، إذ كلّما تعزّزت علاقة الأسد بإيران وباتت أكثر عضوية، دفع ذلك دول الخليج إلى استجداء الأسد باعتباره صمّام أمان أو كابحاً لسطوة الشر الإيرانية عن دول الخليج، وهو ما يدعوه بشار، كما أبيه من قبل، عامل توازن إقليمي.

السيناريو الذي أُعيد من خلاله الأسد إلى الجامعة العربية لم يكن بعيداً عن تصورات نظام دمشق واستراتيجيته القديمة الجديدة، إذ لم تكن تلك العودة منبثقة عن نموّ في تفاهمات جديدة بين الطرفين، وكذلك لم تكن نتيجة رغبة أسدية بتسوية سواء محلية سورية أو عربية شاملة، بل أعيد الأسد كما هو بكل علّاته، فحضر قمة جدّة في أيار الماضي وهو يحمل في كلامه كل نوازع الوقاحة والتنمّر، مع حرص شديد على تلقين أقرانه بعضاً من شذراته الفلسفية (فلسفة الحضن)، كما حضر وزير خارجيته المؤتمر الوزاري بعمان في الشهر أيار ذاته، ولم يكن أقل من رئيسه وقاحةً واستعلاءً، ولعل كل ذلك ما كان ليحدث لولا أن رجوع الأسد إلى الجامعة العربية كان تحت المظلة الإيرانية، بل مصحوباً بالسطوة الإيرانية التي أثبتت الأنظمة العربية أنها لا تحبها ولكن تخافها. ولعل هذا ما دفع بشار الأسد في لقائه التلفزيوني الأخير مع قناة سكاي نيوز إلى وصف العلاقات العربية العربية بكل ثقة ووضوح بأنها علاقات شكلية، ولعله ليس الوحيد المسؤول عن ديمومة هذه الشكلانية في العلاقة، طالما أن الأنظمة العربية ما تزال تفتقد الاستراتيجية الأمنية المنبثقة من مصالح شعوبها وليس من مصالح أنظمة حكمها فحسب.

——————————

كثير من الهراء.. كثير من الصلف والوقاحة/ غزوان قرنفل

هذه السطور ليست تحليلا لما تقيأه الأسد عبر شاشة “سكاي نيوز عربية” فأنا أصلا لست ممن يهدرون أوقاتهم في سماع الهراء والكذب البيّن.. وبصراحة أقول إني لم أسمع أو أشاهد أو أقرأ قطّ خطابات أو تصريحات الأسد الابن ومن قبله الأسد الأب الذي كان جهازه الإعلامي يفرضه فرضا على السوريين في وقت لم تكن هناك قنوات فضائية أو لم يكن ترف الوصول إليها متاحا لعموم السوريين، فكنت أضطر والحال كذلك لإغلاق التلفزيون نفسه كموقف احتجاجي على سياسة الفرض تلك، ورفضا لسماع الهراء والكلام المنمق الذي كنت مدركا أنه لا يسمن ولا يغني من جوع، وهو ليس إلا بضاعة بائرة لا قيمة لها في سوق السياسة التي يفترض أنها تبتغي تطوير وطن وبناء إنسان.

هذا الاعتراف قد يراه البعض غريبا – وربما هو محق في ذلك – باعتبار أن على من يخوض بالشأن العام وله، رأياً وموقفاً من سياسات سلطة بلده، بل ويكتب أو يعبر عن رأي في غالب الأحيان بالسياسة وشؤون الحكم أن يتابع ويطلع ويسمع ويقرأ كل أو معظم الآراء والمواقف والسياسات والتصريحات حتى يتمكن من تكوين رأيه والتعبير عن موقفه، وبالتالي ليس منطقيا في ضوء ذلك الزعم أنك لم تسمع قط خطابا أو تقرأ تصريحا أو مقابلة للأسدين الأب والابن، وهو قول صحيح من حيث المبدأ، لكن ما يجعل الأمر طبيعيا هو أنك وبعد بضع سنوات فقط وليس خمسين عاما من حكم العصابة ستكون قادرا على توقع كل ما يمكن قوله أو الادلاء به وبناء موقف منه.

ماذا قال الأسد في ردوده على أسئلة “سكاي نيوز عربية”؟.. هل قدم مراجعات لما حصل خلال العقد الأخير؟ وهل قال إن سلطته وحزبه الذي يتلطى خلفه والذي حكم البلد ستة عقود لم يستطع أن يقدم شيئا للمجتمع السوري سوى الدمار الاقتصادي والعفن السياسي والمتاجرة بالشعارات وتفكيك بنى المجتمع السوري، والمزيد من التخلف العلمي والتعليمي ورهن مقدرات البلد الأغنى في الشرق الأوسط بالموارد البشرية والاقتصادية لقوى ودول على حساب شعبه ومستقبل أجياله؟؟؟.

هل توقعت تلك المؤسسة الإعلامية مثلا أن يعترف الأسد بأن سياسته الاستحواذية الخرقاء دمرت الدولة وفتكت بحياة الناس؟.. هل سيعترف مثلا أنه قائد لعصابة سطت على السلطة بالقوة وابتلعت الدولة ومؤسساتها واستأثرت بموارد ومقدرات تلك الدولة لصالح هذي العصابة؟.. هل سيعترف أن مواجهته للمؤامرة المزعومة حققت الأهداف المفترضة لتلك المؤامرة؟!!.. هل سيقول إن جيشي قتل الناس بمختلف صنوف الأسلحة وإن ميليشياتي بقرت بطون حوامل واغتصبت حرائر، وإن أجهزة أمني اعتقلت مئات الآلاف وزجت بهم في الزنازين وتفننت بتعذيبهم حتى الموت؟؟ هل سيقول إني أقمت محارقا للجثث ودفنت مئات الآلاف بمقابر جماعية.. هل سيقول إن عصابة السلطة تنتج صنوفا مختلفة للمخدرات وتحارب بها جوارها العربي؟..

هل قدم الأسد (المنتصر) على شعبه رؤية لمستقبل هذا الشعب (المهزوم)، وكيف أن لديه خطة لإعادة إحياء الدولة بمختلف مسؤولياتها ووظائفها؟؟ وهل قدم رؤية لإعادة إحياء الاقتصاد وإخراجه من غيبوبته التي أدخل فيها إلى غرفة الإنعاش؟؟.. هل قال ماذا لديه لأجل أسر وعوائل ضحايا (المؤامرة الكونية) الأموات منهم والأحياء؟!!.

هل قال إنه سيعالج مشكلات الكهرباء والماء والبنى التحتية حتى؟.. وهل نتوقع منه أن يرفد شرايين اقتصاده بمليارات الدولارات التي نهبها مع عصابته من موارد وثروات البلد؟!!!.

ما قاله الأسد هو المتوقع تماما أن يقوله، فهو لا يملك سوى الهراء والتشدق بالكلام وتوزيع الاتهامات والمسؤوليات على من ناصبوه العداء وحاولوا النيل من (صموده) ومناعة نظامه، وكل من راهن ويراهن على غير ما تقيأه الأسد في تلك المقابلة لا يمكن وصفه إلا بالسذاجة السياسية إن أحسنّا الظن، وبالغباء والعته السياسي إن لم نفعل.

 أما أولئك المتهافتون الذين ما زالوا يعتقدون بإمكانية تجاوز ما حصل، وكنس القذارة ووضعها تحت السجادة السورية المهترئة للزعم بإمكانية تنظيف البيت السوري بوجود تلك العصابة الحاكمة، فهؤلاء يجب محاكمتهم تاريخيا وقيميا بجريمة الغباء السياسي، لأنهم يفترضون بإمكانية تحقيق استقرار في المنطقة إذا ما عقدوا صفقة مع الشيطان الذي أعطى كل سبل التمكين للنفوذ الفارسي الذي يهدد مصالحهم وكياناتهم.

تلفزيون سوريا

——————————–

المزرعة الجملوكية السورية/ رشا عمران

تندرج المقابلة الأخيرة لرأس النظام السوري بشار الأسد مع محطة سكاي نيوز ضمن المحاولات الإماراتية الحثيثة لتبييض صورة النظام السوري، بعد أن كانت دولة الإمارات هي السباقة لإعادة العلاقات الدبلوماسية معه، ولمحاولة إعادة تأهيله أمام المجتمع الدولي والعربي (بطبيعة الحال)، فعلى ما يبدو أن حضور بشار الأسد لمؤتمر القمة العربية الأخير في جدة لم يساعد على عودته، ولم يجعل جهود دولة الإمارات في هذا الشأن مثمرة، خصوصا بعد أن تراجعت المملكة العربية السعودية عن عزمها إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد (مع التقارير عن الخلاف الحاد بين المملكة ودولة الإمارات حول المحورية العربية)، وبالتالي سوف يزداد الشرخ العربي حول عودة النظام السوري الرسمية إلى الجامعة العربية، ما سيضيع مساعي وجهود دولة الإمارات في هذا الشأن، وبالتالي قد يضعف ذلك موقفها في خلافها مع المملكة العربية السعودية.

لكن ما حدث في المقابلة وما قاله (الرئيس بشار) كما يسمي هو نفسه (ذكر في المقابلة معمر القذافي وصدام حسين بأسمائهم المجردة بينما كانت كلمة الرئيس تسبق اسمه دائما حين يتحدث عن نفسه) بدا كافيا لتنهي دولة الإمارات سعيها في هذا الخصوص. ذلك أن بشار الأسد لم يتفوه بأي كلمة جديدة، ولم يقدم أي حل لأية مشكلة من المشكلات التي تؤرق المجتمع الدولي، أو لأي ملف من الملفات الأساسية في القضية السورية حاليا. خصوصا قضيتي المهجرين والمخدرات. وهما القضيتان اللتان عجلتا في محاولات إعادة التطبيع معه من قبل العرب ودول الجوار.

الإرهاب هو السبب في كل ما حصل ويحصل في سوريا، الإرهاب هي المفردة التي تعتمدها كل أنظمة الاستبداد في حروبها الداخلية والخارجية. وهي المفردة التي برر بها الأسد كل جرائمه بحق سوريا والسوريين، فبسبب الإرهاب تدمرت سوريا وتشرد شعبها كما قال لسكاي نيوز، أما مسؤوليته هو عن هذا الخراب الممتد فهي غير واردة، هو بذلك يؤكد مقولة قالها الأسد الأب ذات يوم (نحن لسنا هواة قتل وتدمير نحن ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير) تلك المقولة التي بررت وتبرر كل جرائم نظام الأسد في عهدي الأب والابن (لنأمل أن لا يكون هناك عهد الحفيد الأسد!).

بسبب الإرهاب إذاً تدمرت سوريا وتشرد شعبها وتهجر، وسكن الملايين منه في المخيمات، وبسببه تردت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا ما منع ملايين المهجرين من العودة إليها. لكم أن تتخيلوا الآتي: يعيش ملايين السوريين في مخيمات ليس فيها أدنى شرط من شروط الإنسانية ومع ذلك يرفضون العودة إلى سوريا بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية كما يقول “الرئيس بشار”! ربما لو كان محاوره جريئا ومحايدا لقال له إن حياة هؤلاء داخل سوريا مع كل أزماتها يفترض أنها أكثر رحمة وكرامة مما يعيشونه في المخيمات، لماذا إذاً لا يعودون؟ لم يسأل المحاور بشار الأسد هذا السؤال، ذلك أن إجابته واضحة: يفضل اللاجئون حياة الذل على العيش في ظل نظام الأسد، ذلك أن سقف ما يعيشونه في مخيماتهم هو ما هم فيه الآن، أما في سوريا فلا يوجد أي توقع لمصائرهم، فقد تكون التصفية أو الاعتقال أو الإخفاء في انتظارهم، يعرف الجميع ذلك بمن فيهم “الرئيس بشار” ذاته حتى وهو ينكر قيام سلطاته الأمنية باعتقال كثير من العائدين.

أما بما يخص المخدرات، فبحسب زعيم الكبتاغون تتحمل الدول التي دعمت الإرهاب أسباب وجودها وتجارتها “فالدولة الضعيفة” لا يمكنها مكافحة المخدرات. لم يعط أي وعد بتوقيف هذه التجارة ولا بمحاولة الحد من تهريب الكبتاغون ولا بمحاولة مكافحة صناعته، هو يقرّ أن دولته ضعيفة وبالتالي قد تستمر هذه التجارة حتى تقوى الدولة؛ وهو بهذا يعد دول الجوار والدول العربية بالمزيد طالما لا يدعمون نظامه بما يرضيه.

تحدث بشار الأسد عن كثير من الملفات الملحة في سوريا كما لو أنه يتحدث عن بلد لا علاقة له به، هو لا يستطيع أن يفعل شيئا بشأن الأزمة الاقتصادية والمعيشية ولا يستطيع أن يفعل شيئا بشأن الإعمار ولا بشأن المهجرين ولا بشأن الفساد ولا بشأن المخدرات، هو ليس قادرا على فعل أي شيء يخص البلد سوى “مواصلة المعارك” كما قال، ضد من يسميهم إرهابيين. منظرا عن مفهوم الخوف، كعادته في التنظير، ومتباهيا ببطولته في البقاء بوصفه “الرئيس بشار” ولم يهرب من المعركة، أما ملايين الضحايا ممن فقدتهم سوريا بسبب بطولته تلك فهم لا شيء، هم مجرد أرقام قد تجدون فيها بعض “الحالات الإنسانية كالعائلات التي فقدت ولدا أو أكثر وأرسلت من تبقى للموت في سبيل الوطن”. يتفاخر بشار الأسد بالموتى والقتلى من ضحاياه، يتفاخر بأحزان آبائهم وعجزهم عن رد مصائر أبنائهم، يتفاخر بأنه، وكما يقول المصريون (خربها وقعد على تلتها)، مستعدا لفعل ذلك ثانية لو الزمن عاد بأحداثه ذاتها. إذ ليس لديه ذرة ندم واحدة على ما فعل، ولا يرى نفسه مخطئا أصلا، بل العكس هو ببساطة يرى نفسه بطلا وفعل ما يجب عليه كرئيس (محبوب من شعبه) كما قال وتبجح معتبرا أن من طالبوا برحيله لا يتجاوزون المئة ألف. (لماذا لم يسأله المحاور لماذا اعتقلت السلطات السورية مئات الآلاف من السوريين معظمهم مختفون حاليا؟).

مسألتان مهمتان قالهما بشار الأسد في لقائه الأخير مع سكاي نيوز، الأولى هي عن الدعم الإيراني والروسي له، معتبرا أنهما صديقان وحليفان حقيقيان، وهو كان محقا في هذا، فلولا هاتان الدولتان لسقط نظامه منذ زمن طويل، وهنا لا يمكننا سوى أن نتذكر (أصدقاء الشعب السوري) والخذلانات المتتالية التي أصيب بها هذا الشعب منهم؛ طبعا دون أن ننسى الدور السيئ والسلبي لهيئات المعارضة ومؤسساتها التي كانت مثل الخناجر في جسد الثورة السورية. وعلى ذكر المعارضة هل انتبهتم إلى أن بشار الأسد يعتبر كل المعارضات مصنعة؟ حتى تلك التي تحت سقف الوطن “المصنعة داخليا”، وهذا ليس قولا مرسلا بل هو تَبَنٍّ واقتناعٌ كليٌّ وتامٌّ، ذلك أنه لا يمكنه استيعاب أن يكون هناك من يعارضه إلا لو تم هذا بفعل فاعل؛ هل ثمة هوس بالذات وبالسلطة أكثر من ذلك؟!

المسألة الثانية، وهي الأهم في الحوار كله، هي رفضه الكلام عن توريثه، هو مؤمن أن والده لم يكن ينوي ذلك بل كان ينوي توريث شقيقه الأكبر باسل لولا رحيله المفاجئ. وفي الأغلب أن بشار الأسد لم يستطع يوما تخطي هذا؛ وغالبا فإن كل ما فعله في سوريا هو محاولة لتجاوز هذه العقدة الكبيرة في حياته عبر إظهار أنه يصلح لأن يكون ديكتاتورا أكثر من أخيه وأبيه معا. لكن هل هذا يعني أنه لا يفكر بتوريث ابنه حافظ بشار حافظ الأسد؟ يقول (الرئيس بشار) إن والده لم يتحدث معه بهذا الشأن سابقا، كذلك هو لا يتحدث مع ابنه حافظ بهذا الشأن مطلقا؛ مسار الاثنين واحد كما يتضح من الكلام، قد يرى حزب البعث بعد عدة سنوات أن سوريا تحتاج لـ” أمل” جديد كما ارتأى نفس الحزب أن أمل سوريا بعد موت حافظ الأسد هو بشار، وبما أن سوريا لم تنجب في تاريخها من هو أصلح من هذه العائلة لحكمها فلِمَ لا يكون حافظ بشار الأسد هو أملها الجديد؟! لم ينفِ بشار الأسد فكرة توريث ابنه، هو فقط تركها لحزب البعث كما حدث معه. هكذا ستجد أجيال سورية جديدة قادمة أنها لن تعرف حاكما للجملوكية السورية خارج عائلة الأسد، هل من مصير أسوأ من هذا المصير لبلد مثل سوريا؟!

من البديهي أن محاور بشار الأسد كان بإمكانه طرح أسئلة أكثر إحراجا وأكثر قدرة على استفزازه وإخراج كل ما يفكر به، لو كان المحاور حرا طبعا أو لو كان القصد من المقابلة هو إحراج بشار الأسد، لكن، كما أسلفنا، فإن القصد غالبا هو محاولة جديدة لتبييض صفحة هذا النظام أمام العالم، لمحاولة جعله يعطي وعودا ما تبرر محاولات إعادة تأهيله، لكن لا يبدو أن هذه المحاولات قد آتت ثمارها، ذلك أن (الرئيس بشار) ظلَّ، كعادته، متعجرفا واستعلائيا ومتباهيا بدمويته، ويتصرف تماما كما لو أنه ورث مزرعة أبيه وله حق التصرف بها كما يشاء.

تلفزيون سوريا

——————————-

أهمية السياسة بوصفها كذبا/ رشيد الحاج صالح

على الرغم من تعود السوريين على كذب بشار الأسد في اللقاءات الصحفية التي يجريها من حين لآخر إلا أن ما يثير سخطهم في لقائه الأخير مع قناة سكاي نيوز العربية هو كمية الأكاذيب الواضحة وضوح الشمس، وحجم التناقضات التي يعرفها أولاد سوريا قبل كبارها. ولكن لماذا يكذب السيد الرئيس أكاذيب يعرف هو أنها أكاذيب وأن الغالبية العظمى من السوريين لن يصدقوا ما يقوله، وبالتالي لماذا يخاطر بهيبته ويحوّل نفسه إلى أضحوكة ومادة للتندر، وما هي غايته التي تجبره على الكذب المفضوح؟

قال بشار الأسد إنه يعترف “بالمعارضة المصنعة داخليا”، والكل يعرف أنه غيب أبرز وجوهها منذ نحو عشر سنوات، ونقصد عبد العزيز الخير، وأن الحرب في سوريا هي “صورة حرب” وليست حربا حقيقية، مع أن سوريا هي ساحة حرب طالت أوجاعها الجميع، وأنه لا يتدخل في الشؤون اللبنانية، ولا في أزمة الرئاسة هناك، والكل يعرف أن عكس ذلك هو الصحيح، وأنه “تمكن من تجاوز قانون قيصر” على الرغم من الانحدار المدوي الذي وصل إليه سعر صرف الليرة السورية هذا العام، وأن حافظ الأسد لم يكن له دور في وصوله للسلطة، وأنه أتى إلى السلطة عن طريق الحزب. والذي يتابع اللقاء سيلاحظ أن عداد الكذب يمكن أن يمتد من أول اللقاء إلى آخره.

يذكر أن بشار الأسد يلجأ إلى الكذب السياسي المفضوح على الرغم من أن تطور الحياة السياسية الحديثة يسير باتجاه التقليل من هذا الكذب بسبب ارتفاع وعي الناس السياسي، وثورة المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى حرية الوصول إلى الأخبار والمعطيات. وبالتالي لا يجدر بأي سياسي محترف أن يلجأ إلى هذا النوع من الكذب لأن إمكانية كشفه عالية جدا، بل تجعل من الزعيم السياسي الكذاب عرضة لقلة التقدير والشرف.

وعلى العموم يمكن تفسير ارتفاع وتيرة الكذب السياسي في لقاءات بشار الصحفية بأربع  قضايا:

الأولى، أنه ينطلق من مبدأ الكذب المشهور “اكذب على من لا يستطيع تكذيبك”. فبشار يكذب على السوريين بطريقة مكشوفة لأنه أقوى منهم، ولأنه يعرف جيدا أنه ليس هناك سوري واحد يستطيع أن يواجه كذبه ويقول له إن أباك هو من رتب لك منصب الرئيس وليس حزب البعث، وأن حزب البعث كله ليس له أي قيمة في الحياة السياسية السورية منذ عقود طويلة. وذلك بخلاف – مثلا – الرئيس الأميركي بيل كلينتون عندما أجبر على الاعتراف بأنه كذب على الشعب الأميركي، وهي كذبة واحدة كادت تودي به.

القضية الثانية، أن الخوف هو أكبر دافع للكذب السياسي المكشوف كما يقول علم النفس السياسي المعاصر. فالتوتر النفسي الذي يعانيه بشار الأسد خلال أكثر من عشر سنوات لا يمكن إلا أن يترك أثرا على نفسيته، لا سيما أن الكذب في النهاية هو حالة نفسية وليس أمرا متعلقا بالأخلاق أو السياسة بذاتها. والخوف هنا هو من أن الأمور، في المستقبل، قد لا تسير وفق ما يخطط. وإذا أخذنا مثالا على ذلك الخوف قوله إنه لا يخطط لتوريث ابنه حافظ وأنه لا يناقش معه أمور السياسة، ليس سوى خوف من أنه قد لا ينجح، إذا بقي على رأس السلطة خلال السنوات القادمة، من توريث منصب الرئاسة لابنه. مثلما أن تقليله من تأثير قانون قيصر يعود إلى خوفه من أن هذا القانون والعقوبات عموما قد تطيح به أو توقعه في أزمات صعبة قد لا يستطيع الخروج منها. لا سيما  أن التقارير تشير إلى أن الوضع في سوريا وصل إلى درجة غير مسبقة من التعقيد والصعوبة.  

القضية الثالثة، إن الطاغية يعتقد أن الموالين يصدقوّنه حتى لو كذب عيهم. فالولاء، بحسب ألكسندر كواري، من أهم الأمور التي يفكر الطاغية من خلالها بالسياسة. والفكرة هنا أن الموالي لا يشعر بالحرج إذا كذب زعيمه، بل على العكس قد يشعر بالفخر، لأنه استطاع خداع الآخرين، ونجح في الكذب من أجل مصلحة الوطن، أو أنه يضحي ويكذب من أجل حماية مصالحه. فالكذب بأن ليس في سوريا حرب هو مفيد لجلب الاستثمارات، والكذب بأنه لا يتدخل في الشؤون اللبنانية مفيد حتى لا يتهمه أحد أنه يهدد لبنان، كما حدث عام 2005.   

يضاف إلى ذلك أن الطاغية، في داخله، يستخف بالقدرات العقلية للموالين له، ولا يأخذ عقولهم على محمل الجد. ويعود مصدر احتقاره للناس إلى أن هؤلاء ليسوا مصدر سلطته في نهاية الأمر. هو يحكمهم على الرغم منهم وبقوة السلاح إذا شئت، وبالتالي لماذا يعطيهم قيمة أكثر مما يستحقون. ولا مانع من إسماعهم عددا من الأكاذيب الغبية من حين لآخر لتذكيرهم بمقامهم الحقيقي في عالم الطاغية السياسي.      

القضية الرابعة هي ما يسميه فرانسوا نودلمان “انتهاك حرمة الحقيقة” بحيث لا يعود هناك فرق بين الكذب والصدق، بين الباطل والحقيقة. ذلك أن الكذاب يعرف الحقيقة في داخله ولكنه يخفيها، أي يلغي الخطوط في النهاية بين الصدق والكذب. بحيث يمكن أن يتحول أي كلام إلى كذب أو صدق بحسب ما يريد الطاغية.

وأهم تجلٍ لانتهاك حرمة الحقيقة – بحسب جاك دريدا في كتابه تاريخ الكذب – هو الكذب عبر تحويل المشكلات الداخلية إلى مشكلات خارجية، وتحويل المشكلات الخارجية إلى مشكلات داخلية. فمشكلات سوريا الداخلية، كما يسردها بشار الأسد، كلها تعود إلى أسباب خارجية. مثلما أنه يحول مشكلات الخارج إلى عامل مؤثر على مشكلات الداخل؛ من حيث إن العالم، كل العالم، يتآمر علينا ويريد أن يحل مشكلاته على حسابنا، وفي أرضنا.  

وعلى العموم لا يخاف بشار الأسد من الكذب، لأن الكذاب إذا كان يخاف من شيء فهو يخاف من الفضيحة واكتشاف أمر كذبه، أما بشار الأسد فهو لا يخاف من الكذب لأنه ليس هناك ما يجبره على الاعتراف بكذبه. مثلما أن الشعور بالعار من اكتشاف الكذب أصبح شعورا معدما تماما عنده. لا يخاف لأنه وصل إلى درجة يسميها كانط “الانحطاط المطلق”، أي وصول الإنسان إلى درجة يعتقد فيها أنه لا شيء بدون كذبه. لا يخاف لأنه شخص يكذب ليس فقط لأنه يستطيع أن يكذب بل لأن الكذاب – بحسب أرسطو – لديه ميل شخصي/ وجودي للكذب بغض النظر عن الموقف الذي يجبر به على الكذب، أنه يعتقد أن الكذب أمر جدير بذاته، ولذلك تجد بشار الأسد يتعلق بالكذب كمسألة ملازمة لوجوده، ولا تنتهي إلا بانتهائه.

——————————-

من جديد.. علاقة الأسد وحماس/ محمد فواز

بعد عقد من الجفاء والخصومة المعلنة، طفا تقارب الأسد وحماس على السطح منذ نحو العام إلا أن المسار لم يكن مثل التوقعات، فعلى الرغم من زيارة وفد قيادي من حماس لسوريا ولقائها مع الأسد في مشهد ظهر وكأنه طي لصفحة الماضي بكل ما حملت. لكن ومنذ بضعة أيام خرج الأسد بتصريح لـ “سكاي نيوز عربية” هاجم فيه حماس قائلا بأن “موقف حماس منّا كان مزيجاً من الغدر والنفاق”.

منذ عام، لم يكن التقارب بين حماس والأسد خارج السياق، بل كان جزءا من مشاهد طي صفحة الربيع العربي الأخيرة وعودة عقارب الساعة الى الوراء، في لحظة تسارعت فيها عملية تقارب العرب مع النظام السوري. في حينها حسمت حماس خيارها وقرارها بالالتحام مع محور المقاومة الذي تتزعمه إيران.

بالنسبة لحماس، فهي ترى بأنها فصيل أصغر من دولة وأكبر من حزب أو جماعة، ويقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في فلسطين. تعتبر حماس بأنها المسؤول المباشر الأول عن الحفاظ على القضية الفلسطينية وتمثيل الشعب الفلسطيني المقاوم. هذه المسؤولية بنظر حماس تفرض عليها عدم الانكسار أو التراجع وتفرض عليها تأمين الدعم السياسي الدولي اللازم لقضيتها، وبالتالي نسج التحالفات المناسبة. يترتب كذلك على حماس تكاليف مادية وعسكرية باهظة تحتاج من يدعمها فيها وهذه لا تكون إلا عبر دول، في ظل التضييق على داعمي المقاومة في الوطن العربي والعالم.

من هذا المنطلق ومع تراجع الربيع العربي وتقارب غالبية دول الخليج مع إسرائيل، وتضييق إيران على حماس في جوانب عديدة نظرا لموقفها الداعم للثورة السورية، رأت حماس بأن المنطقة تتجه أكثر فأكثر للانفصال بين مشروعين، الأول تقوده إسرائيل والثاني إيران. ومن منطلق مصلحة فلسطين والقضية رأت حماس ضرورة رص الصف مع إيران ومحاولة الانصهار في المحور المعنون بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

هذا الانصهار في المحور والتنسيق تجلى في تكثيف زيارات قيادة حماس إلى لبنان، بل محاولة مساعدة الحزب على إنجاز بعض الملفات اللبنانية من خلال علاقة حماس مع بعض القوى اللبنانية. في الاتجاه نفسه انتشر مصطلح “وحدة الساحات” والذي تمت ترجمته إعلاميا في مجموعة فيديوهات مشتركة بين فصائل فلسطينية وإيرانية كانت حماس وحزب الله أعمدتها الأهم.

بقيت العثرة الوحيدة أمام حماس للاندماج الكلي في محور المقاومة هي علاقتها مع الأسد، فبعد شد وجذب داخلي ولمدة طويلة قررت حماس إعادة العلاقة مع الأسد خاصة أن التقارب العربي مع الأسد وإسرائيل في آن ظهر في أكثر من مكان. اعتبرت حماس عندها أن اللحظة ملائمة لإعادة العلاقة مع الأسد كون الخطر الإسرائيلي في تصاعد، ولتوقع حماس عدم تلقي اللوم لوجود أجواء عامة في اتجاه إعادة العلاقات مع الأسد من دول هي أكثر فاعلية وأهمية من حماس في المنطقة.

وقعت حماس هنا في مشكلتين أساسيتين، الأولى هي نظرة بشار الأسد للمسألة، والثانية هي عدم الاهتمام “بالتخريجة” الإعلامية للحدث. بالنسبة للأسد فإنه لا يقارب الموضوع الفلسطيني بالطريقة نفسها التي تقاربه فيها حماس بالتأكيد ولا حتى تلك التي تقاربه بها إيران. فاهتمام الأسد الرئيس هو سوريا وكيف يمكن تعزيز حكمه فيها. فالموضوع الفلسطيني لا يعتبر ضمن أولوياته وبالتالي فتقاربه مع حماس لا يعنيه كثيرا إلا من بوابة إرضاء إيران. ليس فقط لا يعني الأسد الموضوع الفلسطيني، بل أبعد من ذلك، فإن مصلحة الأسد مع إسرائيل أكبر من تلك التي تجمعه بحماس. في ظل النزاعات القائمة على الأراضي السورية وتسليم الأسد من سنوات لخسارة السيادة على البلد، يحاول الأسد كسب أكبر قدر من المصالح على الأراضي السورية من خلال تعزيز علاقاتها مع القوى الفاعلة في سوريا. لذلك وبناء عليه، يعتبر الأسد أن استخدام حماس كورقة للتقرب من إسرائيل أفيد من التقارب مع حماس نفسها وهو ما لم تحسب حسابه الحركة.

إضافة إلى ذلك، فإن حماس لم توفق في تقديم الخبر لجمهورها وخاصة للمتعاطفين معها ومع الثورة السورية في آن، فلم تجهز الأرضية بالطريقة اللازمة ولم تقدم تقاربها مع الأسد بحكمة بل بشيء من اللامبالاة بردود الفعل الشعبية. على المقلب الآخر، بعد أن تسرب الخبر وذاع وظهرت ردود الفعل الشعبية القاسية سارعت حماس لمحاولة معالجة ذيول الحادثة من خلال حملة كبيرة من اللقاءات الشعبية والرسمية وغير الرسمية لشرح وجهة نظرها لكل الأطراف المحبة. نجحت هذا اللقاءات في إطفاء جزء من آثار التقارب السلبية إلا أن التأخر وعمق جرح الجمهور مع الأسد أدى بطبيعة الحال لعدم تقبل شريحة أخرى منه لهذا التقارب.

اليوم وبعد تراجع التقارب الأسدي مع العرب وتركيا يعود الأسد لتقديم أوراق اعتماده لإسرائيل. بالنسبة لحماس وبعد هذه التصريحات من الأسد فقد وجدت نفسها في مأزق بين الرد وبالتالي تعميق الخلاف مع الأسد، وهو ما لا تريده وبين عدم الرد وبالتالي الظهور بمظهر الضعف. فضلت حماس القنوات الدبلوماسية فسارع حزب الله لمحاولة أخذ الأمر على عاتقه والتوسط مع الأسد لإيجاد مخرج للأزمة.

أحد عناصر القوة لحماس والتي لا يمكن التخلي عنها والتي تعتبر عامود المشروع استراتيجيا، هي الحاضنة الشعبية العالمية كحركة نضالية ضد الاحتلال. إن هذه الطهارة تلوثها الواقعية السياسية لذلك يقع على عاتق حماس أن تخطوا بحساسية عالية بين ألغام الضرورة والاستراتيجية والمصلحة إن من ناحية التصرفات أو الأقوال في ظروف لا تحسد عليها.

——————————–

بشار الأسد للمهجرين: “نصيحة من هالدقن لا حدا يرجع”/ غسان ياسين

من نكد الدنيا على الحُر أن يُضطر لسماع مقابلة تلفزيونية مع قاتل محترف ومجرم حرب وواحد من كبار مصنعي ومروجي المخدرات في العالم، بعد أن جرب وعلى مدار سنوات طويلة كل أنواع الأسلحة بحق المدنيين، بما فيها الأسلحة الكيميائية والقتل تحت التعذيب، وأنكدُ منه أن يضطر للكتابة عنه.

لكن ما حفزني للكتابة عن مقابلة رأس النظام مع القناة الإماراتية هو ما جاء فيها من هدايا للمعارضة، أول هدية كانت حين أقر واعترف بأن مناطق سيطرته -والتي يقتسمها معه الإيرانيون والروس وميليشيات أخرى- لا تصلح للعيش وتفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة، صحيح أنه يريد بتصريحه هذا أن يبتز المجتمع الدولي ودول الخليج لكي تدفع له تحت بند إعادة الإعمار أو مشاريع التعافي المبكر، لكنه دون أن يقصد أسدى لنا خدمة كبيرة لأن هذا الطرح من رأس النظام يؤكد على استحالة عودة المهجرين قسرياً من دول الجوار إلى سوريا في وقت تتصاعد فيه حملات تنادي بضرورة عودة السوريين إلي سوريا في أكثر من دولة، فكيف يمكن العودة إلى مدن لا ماء فيها ولا كهرباء ولا مدارس ولا مرافق صحية كما قال بشار الكيماوي حرفياً في المقابلة.

واحدة من الهدايا القيمة والتي وصلتنا منه هو أنه تحدث خلال المقابلة في معظم الملفات كأنه موظف دبلوماسي إيراني، هاجم العرب بشدة حين قال إن العلاقات شكلية وستبقى كذلك في وقت أكد فيه على رسوخ وصوابية تحالفه مع إيران، وخلال حديثه عن حماس وغدرها حسب وصفه ركز على بعض القيادات في حماس دون غيرهم بحجة أنه لا يعرف البقية وكان يقصد بكلامه خالد مشعل غير المرغوب به إيرانياً، وأيضا هاجم تركيا بشدة وعاد وأكد على رفضه لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل انسحاب الجيش التركي من سوريا أو وضع جدول زمني للانسحاب وكما هو معروف هذا مطلب إيراني بالدرجة الأولى لأن إيران ترى في النفوذ التركي داخل سوريا تهديدا لنفوذها أكثر من أي دولة أخرى موجودة على الساحة السورية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، وزاد في جرعة هجومه على تركيا حين قال “إن الإرهاب في سوريا صناعة تركية”.

في المقابلة كثير من الأكاذيب وقليل من الرسائل، وإذا أمعنا النظر في لغة جسده خلال حديثه مع الصحفي الذي كان يبدو كتلميذ مؤدب وأبله فسنجد أن رأس النظام كان مهزوزاً ومرتبكاً ومتوتراً، وهذا يعطينا مؤشرا على حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها النظام بعد أن انهارت الليرة مقابل العملات الصعبة، وبعد مؤشرات على انهيار قطاعات خدمية كثيرة ومنها الصناعات الدوائية والتي ستؤدي إلى إغلاق كثير من المعامل نتيجة أزمة سعر صرف الليرة مقابل الدولار. أكاذيب معروفة ومكررة منذ أول خطاب له بداية الثورة وحتى اليوم، منها حديثه عن حرصه على عودة المهجرين فالنظام وخلفه إيران لا يريدون عودة سوري واحد، لأن جزءا كبيرا ممن ترك سوريا هم من الشعب الثائر والمعارض وهؤلاء يعكرون صفو سوريا المفيدة والمتجانسة والتي سعى لها بشار الكيماوي كثيراً. وأصدق ما قاله في المقابلة هو أنه لو عاد به الزمن لفعل ذات الشيء، أي إنه يؤكد ما يعرفه وخبره السوريون جيدا من أن هذا النظام يتصرف كعصابة وعلى العرب ودول المنطقة والعالم أن يقبلوا به كما هو بكامل إجرامه وأنه لن يوقف إغراق المنطقة بالمخدرات والإرهاب، وفوق هذا يريد منهم أموالهم لأجل إعمار ما دمره بالبراميل والسكود، واحدة من الرسائل القليلة في المقابلة كانت تجاه الولايات المتحدة الأميركية طمعاً في التخفيف من العقوبات وأثرها، لأنه يعلم جيداً أن مفتاح خزائن الأموال التي قد تتدفق لشرايين اقتصاده المنهك موجود في واشنطن وليس في مكان آخر.

يجب على المعارضة انتهاز الفرصة والاستفادة من هدايا رأس النظام القيمة والتي تنسف كل الجهود العربية والدولية، والتي حاولت عبر انتهاج سياسة خطوة بخطوة تحصيل مكاسب من النظام، وأيضاً التأكيد على أن سوريا ليست آمنة ولا مستقرة حتى يعود المهجرون قسرياً إلى مدنهم وقراهم، على المعارضة أن تحمل هذه الهدايا وتطوف بها العالم وتطرق كل الأبواب مجدداً لتثبت فشل سياسة خطوة بخطوة والتي بدأها العرب قبل سنوات وكانت نتيجتها لا شيء، وأيضاً لتسكت الأصوات المرتفعة في دول الجوار والتي تتحدث عن أن سوريا باتت آمنة لعودة المهجرين بعد أن قال بشار الكيماوي في المقابلة مع القناة الإماراتية وبشكل غير مباشر وكرر ما قاله سابقاً واحد من كبار ضباطه وكبار مرتكبي جرائم الحرب في سوريا عصام زهر الدين قبل سنوات، حين خاطب المهجرين في فيديو شهير: “أرجوك لا تعود لأن إذا الدولة سامحتك نحن عهداً لن ننسى ولن نسامح.. نصيحة من هالدقن لا حدا يرجع منكم”.

——————————

(المؤتمر القومي العربي) حين يسقط على أبواب الاستبداد/ أحمد مظهر سعدو

لم يكن حج أهل (المؤتمر القومي العربي) إلى دمشق، من بوابة بشار الأسد، خارج التوقعات، ولا هو قد غرد خارج السرب، بل لعل المقدمات كانت ستؤدي إلى تلك النتائج التي حصلت. فمن سمح لشخوص من داخل النظام السوري ليكونوا أعضاء في هذا المؤتمر القومي الشعبي العربي المفترض، ومنذ دورته الثامنة سوف تكون المآلات ما شاهدناه جميعًا عبر استقبال (بهيج) وابتسامات فاقعة متبادلة بين رأس النظام السوري بشار الأسد، ورئيس ما يسمى (المؤتمر القومي العربي) والمرشح الرئاسي المصري السابق حمدين صباحي.

عندما يتحول مؤتمر كبير بحجم (المؤتمر القومي العربي) إلى أن يكون مجرد أداة من أدوات نظم الاستبداد الأشد قسوة ووحشية وانتهازية وفاشيستية، كنظام بشار الأسد، ثم ليكون هذا القومي العربي الذي ينتمي إليه من ينام في حضن المشروع الفارسي، الذي لم يكن همه يومًا سوى استهداف العرب والعروبة والإقليم المجاور، فكانت دولة إيران ومن ثم دولة الملالي في طهران الدولة التي لا سياسة لها ولا استراتيجيات ضمن مساراتها، إلا (تصدير الثورة) كما قال آية الله الخميني لتحقيق حلم الدولة الفارسية الطائفية، في السيطرة والهيمنة على المنطقة برمتها، وإعادة إحياء إمبراطورية (كسرى أنو شروان) فتكون الدولة الإيرانية محتلة لدولة الأحواز العربية، ومقتطعة ثلاث جزر من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومتغلغلة في سيرورة الدولة العراقية، التي أقيمت بعد سقوط بغداد عام ٢٠٠٣ وعلى أنقاض العراق الكبير، لتصبح مجرد ألعوبة بيد الغرب، والإيرانيين على حد سواء، إضافة لذلك تتغلغل إيران اليوم في كينونة الواقع السوري، وتسهم مع روسيا في إعادة قيامة دولة بشار الأسد الاستبدادية، ولتتم إهالة التراب على ما ينوف من مليون شهيد سوري، ومثلهم من المعتقلين والمغيبين قسرًا، وتهديم ما يزيد عن ٦٥ بالمئة من البنية التحتية السورية. ثم دعم ميليشيات الحوثيين في اليمن لتسيطر على باب المندب المعبر الدولي الحيوي، ثم تستنزف كل دول الخليج العربي، وتدخل الواقع اللبناني ضمن ارتدادات لبنان العربي ليكون الملعب الرئيسي الذي تمارس فيه إيران كل موبقاتها وأطماعها التوسعية في المنطقة العربية على مسمع ومرأى الأميركان والغرب عامة.

بالتوازي مع كل ذلك، كيف يمكن أن يأنس ويطمئن ممن يدَّعون العروبة والقومية العربية، إلى عدو كبير بأطماعه تلك، ومشروع فارسي خطير أصبح ينافس في خطورته وامتداداته المشروع الصهيوني في المنطقة، ليس على فلسطين فحسب، بل المنطقة في مجملها. كيف يمكن لحمدين صباحي (العروبي الناصري) كما يقول أن ينتمي إلى مشروع فارسي إيراني هذه بعض مستويات خطورته في المنطقة وما حولها؟ وهل نسي (حمدين صباحي) أن (جمال عبد الناصر) كان قد رفض التدخل العسكري في سوريا من أجل إعادة دولة الوحدة بعد الانفصال في 28 أيلول/ سبتمبر 1961، من منطلق قيمي أخلاقي أنه لا يقبل أبدًا أن تراق دماء الشعب السوري، حتى لو كان ذلك من أجل هدف كبير وأساسي في تلك المرحلة الزمنية هو هدف الوحدة العربية. بينما يزحف السيد حمدين صباحي اليوم مع ثلة منتقاة من أعضاء المؤتمر القومي العربي، وهم يدوسون على دماء وجثث السوريين الذين قام بقتلهم بشار الأسد وميليشياته وداعموه من مثل إيران والحشد الشعبي العراقي، وحزب الله اللبناني الذي يتحالف معه في المؤتمر القومي العربي، تحت ذريعة خطاب خشبي ما زالوا يلهجون به، ويكذبون عبره على الناس في الوطن العربي بكليته، هو (المقاومة والممانعة) التي لم يدرك حمدين صباحي بعد أن هذه المقاومة والممانعة حسب حسن نصر الله تمر أولًا من القصير وحلب وحمص وإدلب فوق جثث أطفال سوريا ونسائها وشيوخها وشرفائها.

ليس المؤتمر القومي العربي الذي يؤيد اليوم المجرم بشار الأسد إلا ألعوبة بيد إيران وحزب الله الأكثر عداء للعروبة والعرب والقومية العربية، بل وكل منتجات الدولة الوطنية في سوريا والعراق واليمن ولبنان. ولا يمكن اليوم القبول أو الصمت على كل ترهات الذين يتهافتون ذرافًا ووحدانًا نحو دمشق المحتلة من آل الأسد ومن إيران/ الملالي وروسيا / بوتين. وليس ناصريًا مطلقًا من يدَّعي العروبة والعمل العربي، ويعتقد أن قاتل أطفال سوريا وكل شعبها، يمكن التوافق معه أو احتضانه تحت ذريعة وحدة الأمة العربية أو وحدة الصف العربي. حيث لا يمكن أن يكون ضمن الصف العربي من يقتل ويعتقل خيرة أبناء سوريا، ولا أعتقد أن (حمدين صباحي) قد غاب عن مخياله ما فعله بشار الأسد بشعب (الإقليم الشمالي) الذي يتغنى به، وما ارتكب من جرائم ضد السوريين كاستخدام الكيماوي ضد المدنيين في سوريا، وما زج في سجونه من شباب وكهول ونساء هم خيرة أبناء سوريا، ومنهم بالضرورة من كانوا يومًا إخوة وأصدقاء وحلفاء (لحمدين صباحي وتياره العروبي)، من العروبيين السوريين أمثال رجاء الناصر وصبحي خبية وسامر الأحمر وصبحي قزموز ومحمد معتوق والكثير الكثير من الوطنيين السوريين والعروبيين في سوريا الذين أخفاهم النظام الأسدي قسرًا، ولا أحد يعلم أي شيء عن مصيرهم إلى الآن.

العروبة والقومية العربية ليست مصالح ومنافع ومكاسب، بل هي انتماء للوطن والأمة وقيم عليا يحملها من أمسك بها، وهي ثقافة وحضارة وإنسانية، لا يمكن المتاجرة بها، ولا القبول بفتات طواغيت الاستبداد، أو التحالف مع مشاريع فارسية مناقضة للعرب والعروبة والمشروع القومي العربي النهضوي، وتستهدف الأمة كل الأمة.

كان عارًا وخزيًا الجلوس إلى ملك الكبتاغون في سوريا والمنطقة، وبعد اليوم لن يقبل أحد ممن يعتنق العروبة الديمقراطية وينتمي إليها، أن يكون هؤلاء الذين داسوا على دماء السوريين ومسحوا كل تصريحاتهم السابقة في عام ٢٠١٢، عندما قالوا بأن هناك إجرامًا في سوريا يمارسه بشار الأسد ضد شعبه. ويبدو أنه لن يكون بالإمكان بعد هذه الارتماءات بأحضان الظلم القبول بأية شعارات خلبية وخشبية منافية لحقوق الشعوب ومخالفة للقيم الإنسانية.

———————————–

بشّار الأسد… عندما يعظ الشيطان/ أسامة أبو ارشيد

من الناحية المهنية والموضوعية البحتة، لم تكن مقابلة قناة سكاي نيوز عربية، أول من أمس الخميس، مع بشّار الأسد، أكثر من محاولة بائسة لتلميع (وإعادة تأهيل) زعيم مافيا إجرامية وسفاح لئيم، يقدّم نفسه رئيس نظام حكم في دولة. ومن ركّز في نبرة أسئلة مجري الحوار وطبيعتها لوجد أنها تحيل إلى اتهاماتٍ في حقّ الأسد وحقّ نظامه بطريقةٍ ودِّية وسطحية، بل وتبريرية كذلك، ثمِّ إعطائه، من دون تحدٍّ ولا متابعة، فسحة التلفيق وتزوير الحقائق والأحداث، تاريخاً وواقعاً ومسارات، وقد كان الرئيس الطاغية كان أشدّ بجاحةً وصلافة في  المقابلة.

لم يكتف الأسد بإنكار حقيقة الواقع الكئيب والكارثي في سورية ومسؤوليته فيه وعنه، بل إنه تولى كبره عبر محاولة إعادة كتابة تاريخٍ معاشٍ لا يزال في سيرورة، وموثق صوتاً وصورة. بعد قرابة 13 سنة على اندلاع الثورة السورية، لا يزال الأسد يصرّ أن جرائم نظامه الطائفي بحقّ شعبه إنما تندرج في سياق “الدفاع عن المصالح الوطنية السورية”. بالنسبة له، المستهدف هي سورية ومواقفها وليس هو بشخصه. بمعنى أن نزول السوريين إلى الشوارع ليس أكثر من مؤامرة تستهدف البلد وما يسمّى “محور الممانعة”. ومن ثمَّ لا عجب في أنه اعتبر من تظاهروا ضد حكمه لم يزيدوا على “مائة ألف ونيّف”. ولا عجب أن يماهي كل من يعارض طغيان نظامه واستبداده بـ”الإرهابيين”. وهكذا، يكون استمراره على رأس النظام انتصاراً لسورية وهزيمة لأعدائها. أما قتله مئات الآلاف من أبناء شعبه، وتدمير البلد، وتشريد الملايين من أهلها بين نازحين ولاجئين، وحالة البؤس والفقر والحرمان التي يعيشها السوريون، فهي أثمانٌ مستحقّة ومبرّرة في مخياله السقيم.

تمثّل المقابلة التلفزيونية محلّ الحديث هنا تعبيراً جليّاً عن تعاضد نظام القمع والتخلف الرسمي العربي. لا يتردّد هذا النظام الفوضوي والإجرامي في جوهره في تناسي خلافاته وتجاوزها في سبيل وأد أي بارقة أملٍ للحرية والديمقراطية والكرامة عربياً. يختلفون في كل شيء وعلى كل شيء، إلا عندما يتعلق الأمر بالدوْس على حقوق شعوبهم ورفض احترام إنسانيتهم. ولا يهم هنا إن اضطر هؤلاء إلى الاستعانة بالأجنبي من أجل سحق أي مطالب شعبية محقة ومشروعة. من ثمَّ، حسب مقاربة بشّار، الروس والإيرانيون الذين يفتكون بالشعب السوري حلفاء لا أعداء ما داموا يدعمون نظامه. وعلى الضفة الثانية، أنظمة عربية أخرى ترى في أميركا والغرب، وكذلك إسرائيل، حلفاء لهم، لا يعنيهم ما يرتكبونه من جرائم وفظائع بحق الأمة العربية. هم شعث ومحاور متضادّة في المبادئ والمواقف والمصالح والتحالفات، إلا أنهم يدٌ واحدةٌ ضد الإنسان العربي المنكوب بهم.

قدّم بشار بعض “الوعظ” عن عيوب التنسيق في جامعة الدول العربية، وكيف ينبغي مواجهة آفة المخدّرات، التي تؤكد تقارير دولية أن نظامه يرعى صناعتها وتوزيعها إقليمياً ودولياً، ولم ينس التلويح بفزّاعة “الإرهاب”، التي لا تستثني المطالبين بحريتهم واحترام آدميتهم بوصفهم بشرا. وهو، بكل تأكيد، وجد آذاناً صاغية لدى نظرائه في الأنظمة العربية القمعية، فما يوحّدهم في الحرب على شعوبهم أكبر من افتراق ولاءاتهم وحساباتهم. من أجل ذلك، تجد هؤلاء معنيين بإعادة بشّار إلى حظيرة ديكتاتورياتهم. ومن أجل ذلك أعطي تلك المساحة التلفزيونية ليبثّ سخافاته وأكاذيبه، فهي سخافاتٌ وأكاذيبُ هم جميعاً شركاء فيها.

العربي الجديد

—————————–

هل يبرز تيّار معارض في بيئة النظام السوري؟/ غازي دحمان

تلفت الانتباه الأصوات التي تنتقد الأوضاع الصعبة وغير المحتملة التي تشهدها مناطق سيطرة نظام الأسد. ولافتٌ أن بعض الأصوات بدا متجاوزا للسقوف المسموح بها، والتي لم تتجاوز في مرحلة سابقة الحكومة أو أحد أعضائها، وتتحدّث عن الفساد بشكل عام، وكانت في الغالب تناشد رأس النظام، باعتباره الجهة التي بإمكانها فصل المنازعات بين السلطة والشعب، وليس باعتباره رأسا للنظام الذي صنع السياسات التي أوصلت البلاد إلى هذا المستوى من الخراب.

لكن، ثمّة مستجد وطارئ في هذه الانتقادات يتمثل في ثلاث نقاط، الأولى: أن النقد بدأ يطاول مستوى القيادات، والذي يعني ضمنا رأس النظام مباشرة وزوجته أسماء التي بدأت بصناعة إمبراطورية اقتصادية تقودها، وتشرف على توجيهها تحت مسمى اللجنة الاقتصادية، في القصر الجمهوري، وكذلك شقيقه ماهر الأسد باعتباره شريكا في الغُنم والخراب الحاصل، والذي يتولى جمع الإتاوات عبر فرقته الرابعة، ولا تميز بين مُنتج (فلاح أو صناعي أو تاجر) موال أم من خارج البيئة الموالية.

والثانية، تحرّض هذه الانتقادات الناس العاديين، وربما بشكل أكثر دقّة، بيئة النظام، على عدم السكوت والاعتراض، انطلاقا من أن هؤلاء قدّموا ما هو أكبر من طاقتهم “أبناؤهم الذين ماتوا في الحرب” لصناعة المشهد السوري الحالي المتمثل في بقاء الأسد في السلطة، والمُراد من ذلك إيصال رسالة إلى الأسد بأن هؤلاء لا بد أن يحصلوا على مزايا، إن لم يكن بوصفهم شركاء فبوصفهم قدّموا خدمات حاسمة في بقاء الأسد في السلطة.

والثالثة: انطواء هذه الانتقادات على إنذار صريح بأن الباب مفتوح لاحتمال تصعيد، عبر وسائل التواصل على الأقل، فيما لو لم تتم الاستجابة الفورية للمطالب التي يرفعها هؤلاء، والمتمثلة غالبا في تحسين الأوضاع المعيشية، عبر رفع الرواتب وتخفيض الأسعار وتأمين الكهرباء والغاز المنزلي والوقود.

بيد أنه، في المقابل، يمكن تسجيل ثلاث ملاحظات بشأن ما يمكن أن تُطلق عليه مجازا تسمية حراك في بيئة الموالاة، تثير الشكوك بشأن مطلقيها والسياق الذي تجري فيه. الأولى: ينتمي أصحاب الأصوات التي بدأت تظهر في الأغلب لمنطقة جبلة، وهذه مركز ثقل الضباط الأمنيين والعسكريين في النظام، ومركز لما تسمّى القوات الرديفة (الشبّيحة)، حيث تأسّست في مرحلة قمع النظام السوري الثورة تشكيلاتٌ كثيرة ذات طابع مليشياوي. وبعد التدخّل الروسي وانتفاء الحاجة إليها جرى تفكيكها وتحويل عناصرها إلى متقاعدين بالإجبار، كذلك تم تسريح ضباطٍ كثيرين في الجيش والأجهزة الأمنية أو إحالتهم إلى التقاعد، وهؤلاء وإن حصلوا في مراحل معينة على غنائم الحرب، من التعفيش أو السرقة والإتاوات، إلا أن تراجع سعر الليرة والغلاء الحاصل أتى على مدّخراتهم من الحرب.

الثانية: تكرّر هذه الأصوات رفض الخروج إلى الشارع، بل تخوّن كل من يفكّر بالاعتراض بهذه الطريقة، ومعلوم أنه لا يمكن تحقيق أي مطلبٍ بدون استخدام أدوات الضغط عبر المظاهرات والاعتصامات، إذا لم يكن المُراد تحشيد الناس للشارع فما هو الهدف؟ هل يمكن الاكتفاء بإبداء التذمّر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أم هل المطلوب هو الاصطفاف خلف أسماء فيسبوكية محدّدة عبر اللايكات والمشاركات؟ ثم كيف يمكن رفع مستوى التصعيد إن بقي ضمن هذا النطاق، هل عبر رفع نبرة الخطاب النقدي، أم الانتقال إلى عرض وثائق تدين السلطة وتثبت فسادها، بدءا من رأس النظام؟

الثالثة: افتقار هذه الانتقادات لرؤية واضحة تؤطّرها، فهي ليست نقدا لسياسات النظام في إدارة شؤون سورية، وبالتالي ليس لديها تعريف واضح للأزمة، باستثناء نقص ساعات الحصول على الكهرباء وغلاء الأسعار مثلا، فهل رفع عدد ساعات التغذية الكهربائية وتخفيض محدّد للأسعار من شأنه إنهاء أزمة المنتقدين مع السلطة؟ وبخصوص الفساد، هل إذا أزيح بضعة فاسدين تتم الإشارة إليهم، من دون القضاء على نهج الفساد بوصفه أحد أدوات نظام الأسد في الحكم، يحلّ المسألة وينهي القضية من أساسها؟

تدلّ مؤشّرات عديدة على أن خلف المنتقدين مراكز قوى داخل بيئة النظام تدفعهم إلى هذا، وتعمل على حمايتهم من بطش النظام، وهذه المراكز متضرّرة بشكل مباشر من احتكار ماهر وأسماء، وبالتبعية بثينة شعبان ولونا الشبل، الموارد وإخراجهم من اللعبة بدون أدنى مكاسب، وبالتالي، يضغطون على الأسد لإعادة صياغة المعادلة بحيث يكونون لاعبا محسوبا حسابه بداخلها. وهؤلاء، أو من يمكن تسميتهم “التيار الجديد” داخل السلطة، سيطوّرون في المرحلة المقبلة أساليب ضغطهم، التي ربما تشمل اغتيالات لبعض من يعتبرونهم رموزا للفساد أو الأدوات التي يستخدمها ماهر وأسماء واجهات لتسيير أعمالهم، وقد يرتكبون أعمالا أمنية لإثبات أن البلاد ستدخل مرحلة فوضى كبيرة إذا لم يجر تصحيح المعادلة الداخلية لصالحهم.

يُخطئ من يعتقد أن بشار الأسد لن يكون قلقا ومتوتّرا في هذه المرحلة، في ظل عدم قدرته على منح هؤلاء أي شيءٍ يسكتهم، ورفضه التنازل عن أي شيءٍ من احتكاراته السورية، فهؤلاء هم حرّاسه وحاضنته والأكثر قدرة على الوصول إلى رأسه، ما يعني أن اللعبة دخلت مرحلة الخطر بالفعل.

العربي الجديد

——————————

بشّار الأسد الذي طمأننا/ أرنست خوري

من الضرائب الباهظة التي على الصحافي العامل في الأقسام السياسية أن يدفعها، لا أن يضطر إلى مقابلة ديكتاتور أو سياسي وضيع و/أو جاهل و/أو شعبوي، فتلك حالات قد تصنع “مجده” الإعلامي لو أدار الحوار بشكل نقدي وجريء وذكي يعرّي تهافت الضيف ويحرجه ويُخرج منه ما يجهد الأخير لإخفائه. من أفدح الضرائب أن يضطرّ إلى الاستماع لمقابلة مع صاحب الأوصاف أعلاه، أو قراءتها بحكم واجباته المهنية. عذاب تشعر معه أن الدقائق الـ29 للحوار التلفزيوني الأحدث مع بشّار الأسد تأبى أن تنتهي. فلنتجاوز التذاكي الممتد على مدى نصف ساعة بطريقة عكس كل سؤال بسؤال مقابل. فلنتغاضَ عن جوابه العبقري عندما طلب منه محاوره الدفاع عن نظامه في ما يتعلق بتهمة تورّطه في إغراق بلدان عربية بمخدّر الكبتاغون، فلاحظ بنباهة أن ذلك مستحيل بما أن “عصابات المخدرات تعمل بشكل سرّي ولا تتعامل مع دول، لأنه عندها تصبح تجارة معلنة وليست سرّية”، إذاً نحن أبرياء. حاوِل التغاضي عن أن الرجل يستحيل أن يركّب نكتة، وعندما يحاول، تخرج بصيغة: “لماذا ألتقي مع أردوغان؟ لنشرب المرطّبات؟”. لا تجهد نفسك في محاولة فهم نظرية “الخوف هو جزء من اللاوعي”. لا تعلّق على الإهانة التي تسكن كل كلمة يقولها الرجل بدءاً من “لم يكن هناك مطالبات داخلية برحيلي والمستهدف لم يكن الرئيس بشار بل سورية” (نعم عندما يريد تسمية نفسه، لا يقول بشّار الأسد، بل الرئيس بشار)، وصولاً إلى وعظه اللبنانيين بالتحلي بـ”إرادة حل مشاكلهم لأن سورية ليست لديها النية في التدخل بتفاصيل الشأن اللبناني في الوقت الحالي”. ضع خطوطا عريضة تحت “في الوقت الحالي”. إن تمكّنتََ من إنجاز الاستماع إلى الحوار حتى نهايته، فكِّر بالوجه الآخر من الميدالية، فكّر بـ”الإيجابي” فيها، وبكم أن المقابلة قدّمت خيوط أجوبة عن أسئلة كنتََ بحاجة لبذل جهد كبير غير مضمون النتائج للوصول إليها.

ببضع كلماتٍ طمأن الأسد من يهمّه الأمر إلى أن المصالحة العربية مع نظامه بلا قيمة سياسية، فعندما يقول المعني الأول بهذه المصالحة إن “العلاقات العربية ــ العربية شكلية وهي لم تتغيّر”، وبالتالي، يرجّح أن تكون “عودة سورية شكلية” إلى جامعة الدول العربية، فإنما في ذلك التصريح المهم تأكيدٌ لكل التخمينات التي تفيد بأن في مطابخ قرار الحكّام العرب الذين قرّروا العفو عن نظام الدم والإرهاب في دمشق، أي كل البلدان العربية ما عدا قطر والكويت، قناعة بأن مهلة السماح الممنوحة لحكّام الشام من أجل إعادة تعويم علاقات النظام الخارجية من خلالهم انتهت أو اقتربت من الانتهاء، نتيجة اليأس من إمكانية تعاونه معهم وتقديم بعض التنازلات. صادرات الكبتاغون من الجنوب السوري إلى الأردن ومنه إلى بلدان الخليج زادت منذ قمّة جدّة (مايو/ أيار الماضي). حالة الانفصال عن الواقع تتعمّق عند الأسد، وقراره نهائي بحصر علاقات نظامه الخارجية بروسيا وإيران. الرجل يعتبر أن لا شيء يقدّمه للاجئين لكي يعودوا من دون ضخّ عربي لم يحصل لأموال إعادة الإعمار. معارضة الخارج عميلة، وقد تكون معارضة الداخل كذلك، لأن الرجل واعٍ إلى أنه يمكن أن يكون هناك معارض مقيم في دمشق، بينما هو عميل للخارج، يقول. أي أن مصفوفة المطالب والتمنّيات العربية من الأسد مستغربة بالنسبة له، ففي المخدّرات هو مُعتدى عليه، وفي شأن اللاجئين وعودتهم أيضاً لأن ملايين المهجّرين لا يزحفون زرافات زرافات عائدين إلى البلد فقط لأن لا بنية تحتية جاهزة لاستقبالهم. لا سؤال ولا جواب عن حلّ سياسي في سورية. أما عن المصالحة مع تركيا، فأيضاً يمكن الاطمئنان، لأن “الإرهاب في سورية صناعة تركية”، وفق كلام الأسد، الذي لن يلتقي مع أردوغان من دون شروط، فذلك سيكون بمثابة لقاء من أجل شرب المرطّبات (النكتة إياها).

خاب أمل من انتظر سؤالاً نقدياً واحداً يطرحه الإعلامي الذي حاور بشار الأسد، بدل أن يتساءل مع “الشارع العربي” عن “سرّ صمود الدولة السورية في وجه الإرهاب”، وكيف أن ضيفه “نجح في الانتخابات”.

العربي الجديد

———————————

من يريد بشّار الأسد؟/ فاطمة ياسين

عقب لقاء القمّة العربية في مايو/ أيار الماضي في جدّة، حيث دعي بشار الأسد بشكل رسمي، شهدت الليرة السورية انخفاضاً كبيراً، وكان أمل النظام وشارعه الموالي أن تنعش دعوةُ سورية الاقتصادَ المنهار، أو تشكّل الخطوة الأولى في زحزحة الوضع المعيشي المزري المخيِّم على سكان المناطق التي تعيش في كنف النظام. ولكن يبدو أن الدعوة كانت مجرّد سبر سياسي، ولم يرافقها أي نشاط يتعلّق بتحريك اقتصاد البلد، وجرى الاقتصار على إعادة المقعد السوري إلى النظام وتمكين بشّار الأسد من الجلوس مع القادة العرب، ومنحه فرصةً للحديث.. لم يترُك ذلك الحدث وراءه إلا مزيداً من الانهيارات في حياة الناس. وقد يبدو اللقاء التلفزيوني الذي أجرته مع بشّار الأسد قناة سكاي نيوز عربية، وبثّته الأربعاء الماضي، فرصةً مشابهة للحديث، من دون أن يكون لذلك تأثير إيجابي على الأرض، ومن دون أن يعطي مؤشّراً على أن الجهات التي سمحت باللقاء معه وعرضه على شاشة التلفزيون مستعدّة لأن تقدّم ما يتجاوز هذه الخطوة. وباستقراء بسيط، يمكن أن نتوقع مزيداً من الانخفاض في سعر صرف الليرة، وهذا ما حصل بالفعل، ومزيداً من تحطيم الاقتصاد، خصوصاً أن الأسد ظهر في المقابلة كما نعرفه تماماً، من دون أية مفاجآت أو تغييرات تُذكر.

منذ السؤال الأول، حرص الأسد على أن يعكس صورة لنظامٍ يحمل تقاليد ديكتاتورية عريقة، لا ترى إلا نفسها في مرآةٍ ضخمة تغطّي الأفق. ومن بداية المقابلة، ذكر أن كل الذين خرجوا معارضين لنظامه منذ أيام الثورة الأولى لا يتجاوزون المائة ألف في كل المحافظات! تُذَكِّر هذه المائة ألف التي تحدّث عنها بنسبة تتجاوز الـ99% التي كان يفوز بها والده في أثناء تجديد البيعة، وورث عنه نسبةً مشابهة. لم يتساءل المذيع عن ماهية المنظار الذي كان يرتديه بشّار وهو يشاهد على الشاشات المظاهرات الحاشدة ضدّه في أرجاء سورية. وفي الجواب التالي، ردّ بثقة بأنه لو أتيح له أن يعيد شريط الأحداث بعد أن خبِرَها لكان تصرف بالطريقة ذاتها بالضبط، ولم يبدُ نادماً عن الأفعال التي قام بها طوال سنين الثورة النشطة، بل تحدّث باستفاضة عن مؤامرة، من دون أن نفهم غاية الاستهداف الخارجي لنظامٍ رديء كالذي يمثله. وقد اعترف بعدم وجود كهرباء وماء ومدارس وصحّة في سورية، قال هذا من دون أن يعي أنه المسؤول الرئيس عن تأمين ذلك كله، وتوّج حديثه في ردّه على سؤال التنحّي، من دون أن يهتزّ أو تتغيّر ملامحه، كي يبدو “صادقاً”، فقال إن التخلي عن المنصب في تلك الظروف يُعدّ هروباً من المسؤولية! وبذلك يَعتبر بشّار نفسه شجاعاً، لأنه بقي ولم يغادر حين طُلب منه الرحيل.

يمكن اتخاذ هذا الحديث صورةً عما تعانيه سورية، وما هو مسلط عليها منذ نصف قرن، حيث كان التطوّر يمضي سريعاً في العالم، فيما الركود الآسن يخيّم على هذه البقعة المنكوبة. تجاوزت البشرية عتبات مهمة في التطوّر، ونمت أمم على مسافاتٍ يسيرةٍ من حدود سورية، وما زال ساكن القصر الجمهوري في المهاجرين يتحدّث بهذه الطريقة، وتنقلها القنوات الفضائية على أنها مقابلة حصرية لرئيس سوري، ليس لديه فكرة عما تسمّى معارضة، ولا أحد سوري يمثل الوطنية إلا هو، وكل من على الكرة الأرضية يتآمر على هذه البلد، وهو رئيسها. بهذه الطريقة وهذا الطرح المتهالك، يمكن أن تمتدّ المأساة عقوداً مقبلة. ويمكن للمسألة أن تستعصي أكثر، فهذا الرجل وطريقته في التفكير والحكم ما زالا يستهويان من يُفسحون له المجال، ليتحدّث على التلفزيون، ويوسعون له المجالس، فيجلس على كرسي جامعة الدول العربية نائباً عن الشعب السوري، ويعتبر حالة البلاد المتردّية، ووجود نظام الأسد واستمراره أمران غير مرتبطين بعضهما ببعض.

العربي الجديد

——————————

التطبيع العربي: الحاصل سالب/ حسام كنفاني

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاق التطبيع العربي مع النظام السوري خلال القمة العربية في جدّة في مايو/ أيار الماضي، تشير كل المعطيات إلى أن هناك توجّهاً إلى مراجعة الانفتاح على نظام الأسد، بعدما ظهر أن حاصل كل ما جرى الحديث عنه والتفاهم عليه جاء “صفرياً”، بل سارت الأمور نحو الأسوأ منذ عودة نظام الأسد إلى “حضن الجامعة العربية” على مستوياتٍ كثيرة.

من المعلوم أن دولا عربية كثيرة، وفي مقدّمتها دول كانت متحمّسة للتطبيع مع النظام السوري، كانت تضع شروطاً على الأسد أن يطبقها من أجل المضي أكثر في مسار الانفتاح على دمشق لاستعادة دورها العربي. في مقدّمة هذه الشروط إعادة اللاجئين وإطلاق بعض المعتقلين من سجون النظام، والأهم العمل على وقف تهريب الكبتاغون من سورية إلى الأردن وبعض دول الخليج العربي. لكن النظام تجاهل كلّ هذه الشروط، حتى أنّ أياً من مسؤوليه لم يتحدّث صراحة عن مطالب عربية وُضعت على الطاولة السورية لتلبيتها، بل جرى اعتبار عودة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية تحصيل حاصل، ومساراً لا بد منه، وحتى أنه اعتراف متأخرٌ من الدول العربية بـ”خطيئة” عزل النظام بعد الثورة ضد الأسد.

في أحدث ظهور له على إحدى الشاشات العربية، وهي سابقة منذ اندلاع الثورة، وجّه رأس النظام السوري، بشار الأسد، مجموعة من الرسائل، يمكن أن تندرج ضمن خانة الابتزاز، وردّ بشكل غير مباشر على بعض المطالب العربية. ففي ما يخصّ مسألة إعادة اللاجئين إلى سورية، استنكر الأسد إمكان عودة المواطنين من دون تأمين البنية التحتية لهم، فبحسب تعبيره “كيف يمكن للاجئ أن يعود من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحّة للعلاج”. رسالة من الواضح أنها تشترط مساهمة عربية، ستكون كبيرة، في “إعادة الإعمار” لكي يتمكّن النظام من إعادة اللاجئين. إلا أن هذا لا يعني أنه سيقوم بذلك، حتى لو تم الإعمار، فالأسد ونظامه مرتاحان نسبياً إلى “الكتلة المتجانسة” التي تشكلت بعد قتل السوريين المعارضين وتهجيرهم، ولا ينويان “تشويه هذا التجانس”.

حتى في حديثه عن عودة علاقات النظام مع الدول العربية، بدا واضحاً أن الأسد غير متحمّس لها، وقال إن “العلاقة مع الدول العربية ستبقى شكلية، والجامعة العربية لم تتحوّل إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي”، فالنظام السوري لم يكون يوماً متعجّلاً في استعادة العلاقات مع الدول العربية، بل كان ينتظر هرولة هذه الدول نحوه، وهو ما حصل ومن دون سبب واضح أو مقابل يمكن أن يقدّمه النظام، بل على العكس، ها هو الأسد يتعامل بتعالٍ مع تطبيعٍ كهذا، ويريد أن يقبض ثمنه نقداً من دون أن يقدّم شيئاً في المقابل.

ولم يكتف النظام بعدم إبداء أي تعاون مع الانفتاح العربي، بل تمادى في الأشهر الثلاثة الأخيرة في المضي بعكس كل ما كان مطلوباً منه، فبحسب مجلة فورين بوليسي التي نشرت تقريراً قبل أسبوع عن نتائج التطبيع مع الأسد، بعنوان “التطبيع زاد الأمر سوءاً”، فإن النظام صعّد اعتداءاته، وقتل 150 شخصاً في مناطق متعدّدة في الفترة اللاحقة للتطبيع العربي، كما أن الأسد أبلغ الأمم المتحدة بأنه “لا ينوي إعادة التواصل مع اللجنة الدستورية التي تديرها الأمم المتحدة أو في أي خطوة من أجل عملية التفاوض، سواء بتنسيق من الأمم المتحدة أو دول المنطقة”. أما في ما يتعلق بتجارة الكبتاغون، وهي واحدة من الأحجار الأساسية في عملية التطبيع العربي مع الأسد، لم يبد النظام أي تحرك لوقفها أو ضبطها، وهي التي تدرّ عليه مليارات الدولارات، بل باتت دول الجوار، وفي مقدّمتها الأردن، مضطرة إلى التدخل عسكرياً في بعض الأحيان لوقف التهريب.

بناء عليه، ليس حاصل التطبيع العربي مجرّد “صفر” بل بات في “السالب”، وهو ما تلقفته الدول العربية. وبحسب المعلومات، فإن تجميداً للتطبيع حصل، وهو ما يفسّر توقف اجتماعات عمّان، وتجري الآن مراجعة الخطوات تجاه النظام، والقيام بخطوات في اتجاه آخر.

العربي الجديد

————————————

أن تُحاور الصحافة الطغاة… الأسد نموذجاً؟/ معن البياري

صحيحٌ أنها ليست “خبطةً” صحافيةً لقناة سكاي نيوز عربية المقابلة التي أجرتها مع بشّار الأسد، وبثّتها الأربعاء الماضي، ولكن هذا لا ينفي أنها كانت مهمّة، وأفادت ببعض الجديد الذي كان يلزَمنا أن نعرفه، رغم المعلوم المعهود في رئيس النظام في دمشق، مكابراتِه وأوهامِه عن نفسِه واختراعِه الأكاذيب التي يشاء ودجلِه عن إرادة الشعب السوري وعن محاربته الإرهاب. ومع درايتنا بأن الرجل لم يُبدِ يوما، منذ قطيعة الدول العربية معه في 2011، حرصا على عودة العلاقات العربية معه، وإنه لم يُبادر إلى أي خطوةٍ في هذا الاتجاه، صدورا عن قناعته بأن الذين قاطعوه هم الذين عليهم أن يعودوا إليه، مع درايتِنا بهذا، وبما هو موصولٌ به، جاء إلى أفهام بعضِنا أنه قد يعمَد إلى بعض المجاملة، فلا يوحي بأن عودة بعض العرب إليه ليست حدَثا، وليست أمرا يستحقّ احتفاءَه به. بل زاد على هذا بذمّ جامعة الدول العربية، وبأن دولا عربيةً ساندت الإرهاب في بلده. وكاد يجهر برفضِه عودة أي لاجئٍ سوريٍّ إلى منزله في بلده قبل “إعادة الإعمار” التي على هذه الدول وغيرها تأديتُه في سورية. وبهذا، وغيرِه، كانت المقابلة التلفزيونية ناجحةً مهنيا، بدلالة ما أحدثته من اهتمام سوري وعربي بالذي قاله الأسد فيها. وإذا قال قائل إن لا مفاجأة في الذي انكشف فيها، فذلك، إن كان صحيحا، لا يلغي أهمية أن الذي قيل فيها صدَع به رأس النظام في سورية، وليس غيرَه.

قد يكون ضروريا أن لا يُغفَل عن أن “سكاي نيوز عربية” تستضيفها أبوظبي، شديدة الحماس للتطبيع مع نظام الأسد، وكانت من أوائل المبادِرين في هذا المسار، وأن لا يجري التعامي عن السياسة التحريرية للمحطّة نفسها، لكن هذين الأمريْن نافلان عموما، فالمهمّ ماذا سأل الصحافي المحاوِر ضيفَه. وهنا يحسُن تثمين بعض أسئلة الزميل فيصل بن حريز (وإن ادّعى أن هذه المقابلة هي الأولى للأسد مع قناةٍ عربيةٍ منذ العام 2011، وهذا غير صحيح). وحدَث أن حاورت الأسد صحيفتا الصنداي تايمز ونيويورك تايمز وقناة سي إن إن وغيرها من صحف وقنوات غربية لا تمحضُه أيَّ ودّ، ولا تحيد، في مقالات الرأي والتعليقات الإخبارية فيها، عن نعته بالديكتاتور. وقياسا، لا يبدو في محلّه القول إن مقابلة “سكاي نيوز عربية” مع الأسد كانت لتلميعه، أو لتوفير منصّةٍ دعائيةٍ له، وإن أفاد منها بداهةً، كما المحطّة التلفزيونية عندما تناقلت وكالات الأنباء أبرز الذي قالَه لها الأسد في قصر المهاجرين في دمشق.

وهنا، بعيدا عن حيثيّات “سكاي نيوز عربية”، وعمّا لا نعرفه عن المذيع الذي حاور الأسد، يُسوَّغ سؤالٌ ما إذا كان من ضرورات المهنة الإعلامية أن نقابل، نحن الصحافيون، الذين نناهض الطغيان والاستبداد، الطغاة الذين نناوئ اغتصابَهم السلطة واستهتارَهم بحقوق شعوبهم بالخلاص منهم، في محاوراتٍ صحافيةٍ نسألهم فيجيبون؟ هل نناقضُ في هذا مواقفنا وخياراتنا؟ نخالف السياسات الأميركية في غير شأنٍ وأمر، غير أنني، إذا أجالس الرئيس بايدن، لا أكون غادرتُ مواقفي منه، وهو، في كل حالٍ، ليس في عداد الطغاة المستبدّين. والقول هنا، من قبلُ ومن بعد، إن أولى وظائف الإعلام، التقليدية والمؤكّدة والباقية ما بقي البشر، إبلاغ الجمهور العام بجديد الأخبار. وكل من هو في موقعٍ مسؤول مصدرٌ للأخبار والمعلومات، والبراعة المهنية تتبدّى في المقدرة على أن أجعلَه يجيبُ عن أسئلتي، المفترَض أن لا تُحابي ولا تُمالئ، بما يضيءُ على قديمٍ ويوضحُه، أو بما يأتي بجديدٍ غير معلوم، غير معلنٍ بعد، أو لم يتأكّد بعد. وبشّار الأسد (وغيرُه ممن تنعُم دولٌ عربيةٌ بظلالٍ وارفةٍ من عطاءاتهم!) ساقته نوائبُ التاريخ وأقدارٌ تعيسة في سورية إلى أن يصير في الموقع الذي يمكُث فيه منذ نيّفٍ وعشرين عاما إلى ما شاء الله. ولذلك، ثقيلٌ على النفس أن تُجالسه إن كنتَ من أهل الإعلام الذين ينتصرون للشعب السوري، غير أن للمهنة إكراهاتِها، وهذه مفردةٌ أستحسنُ هنا استعارتَها من أصدقائنا المغاربة، وهي بالغة الدلالة في المقام المتحدَّث عنه، ويسّرت “سكاي نيوز عربية” مناسبة السطور أعلاه عنه وعن حواشيه.

العربي الجديد

——————————-

ثقافة «الربيع العربي»… أو كيف بات صباحي في ضيافة الأسد/ محمد سامي الكيال

تبدو الصور، التي تناقلتها وسائل الإعلام العربية، عن لقاء السياسي المصري «المعارض» حمدين صباحي بالرئيس السوري بشار الأسد، أكثر من مجرد ظاهرة، يمكن وضعها في سياق محاولات «الانفتاح» أو «التطبيع» العربي مع النظام السوري، لأن صباحي كان في يوم من الأيام أحد رموز القوى السياسية المؤيدة للثورة المصرية، ومن مرشحي «يناير» لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، أي أنه وجه أساسي من وجوه «الربيع العربي» وبالتالي فإن لقاءه مع أحد الرؤساء، الذين خرجت ضدهم احتجاجات ذلك «الربيع» يبدو أمراً شديد العبثية، ومآلاً حزيناً لكل طموحات التغيير.

إلا أن صباحي لم يخن مبادئ سياسية أو أيديولوجية معلومة، متعلّقة بـ»الربيع» أو يرتدّ عنها، فميادين الثورة المصرية عام 2011، لم تعط تصوّراً واضحاً عمّا ثارت ضده، وكان يمكن فيها رؤية صور جمال عبد الناصر وأنور السادات، وهما من أهم مؤسسي «دولة يوليو» التي يُعتبر الرئيس حسني مبارك، امتداداً لها، ولهذا فلا يمكن أن نجد مانعاً نظرياً، للقاء سياسي مصري ناصري، حتى لو كان محسوباً على تلك الميادين، بأحد «المستبدين العرب» إذ أن مفهوم «الاستبداد» الذي ركّزت عليه ثورات «الربيع» كان مفتقراً بشدة للمعنى والتعيين.

صباحي لم يجر مراجعة نظرية لأفكاره مثلاً قبل أن يلتقي الأسد، بل بدا شديد الاتساق مع نفسه، وأسلوبه المعروف في التفكير السياسي، وربما في إمكانه صياغة خطب كثيرة، للدفاع عن موقفه هذا، وتأكيد «ثباته على المبدأ» ما يجعل السؤال الأهم هنا ليس دوافع قراره، وإنما كيف أمكن في يوم من الأيام التعويل على سياسيين من هذا النوع، في ثورات تطالب بتغيير فعلي؟

تتطلب الإجابة على هذا السؤال التفكير بما يمكن تسميته، تجاوزاً، «الثقافة السياسية للربيع العربي» التي ربما آن الأوان لتجاوزها نقدياً بأقسى طريقة ممكنة، إذ أنها لم تخلّف، بعد ما يزيد عن عقد من الزمن، أكثر من معارضين على نمط صباحي؛ وكثير من «شباب الثورة» الذين تشتتوا بين إبداء المواقف الأخلاقية المجانية، أو البحث عن تمويل «المنظمات غير الحكومية». اليوم ينشأ جيل جديد، تفتّحت أعينه على خراب اجتماعي واسع، ومن حقه بالتأكيد أن يفهم كيف وصلنا إلى هنا. يصعب أن نناقش كل هذا في حيّز محدود، لكن يمكننا التساؤل: مَنْ هو حمدين صباحي، بوصفه ظاهرة سياسية/أيديولوجية؟ وكيف بات جانب من «الربيع العربي» في ضيافة بشار الأسد؟

سؤال السيادة

عندما انفجر الصراع الاجتماعي في عدة دول، تحت مسمى «الربيع العربي» لم تكن هنالك قوى سياسية منظّمة باستثناء الإسلاميين، لعوامل معقدة، ليس من بينها جوهر الهوية العربية، أو الإسلامية، فقد عرف العالم العربي في ما مضى أحزاباً «علمانية» يُعدّ أعضاؤها وأنصارها بمئات الآلاف، وطبعت بعمق ثقافة بلدانها، مثل الحزب الشيوعي العراقي. ادعى ما سُمى إبان الثورات بـ»القوى المدنية» أي غير الدينية وغير المرتبطة نظرياً بـ»الدولة العميقة» أن الفرصة لم تُتح لها لممارسة العمل السياسي وبناء تنظيمات جماهيرية، بسبب إغلاق الحيّز العام لسنوات طوال، ورغم ذلك، ومع أول انتخابات ديمقراطية في أكبر بلدان الربيع العربي، نال حمدين صبّاحي، المرشح الأبرز لتلك القوى، ما يقارب خمسة ملايين صوت، أي حوالي عشرين في المئة من أصوات المصريين، وحلّ في المركز الثالث وراء مرشح النظام السابق ومرشح الإسلاميين.

يمكن القول إن سياسياً يحوز عشرين في المئة من أصوات مواطنيه، وينشط في بلد شهد أكبر ثورة في قرننا الحالي حتى الآن، التي حطّمت أحد أضخم الأجهزة الأمنية في العالم، وأشدها شراسة، كان يملك كل الفرص لبناء قاعدة جماهيرية صلبة لمشروعه، خاصة في ظل حكومة الإخوان المسلمين الضعيفة، التي وصلت للحكم بعد الانتخابات، لكن ماذا كانت خيارات صباحي؟

لم تحقق «القوى المدنية» أي إنجاز يذكر على مستوى بناء المؤسسات القاعدية الكلاسيكية، مثل الشبكات الاجتماعية، أو التنظيم النقابي، أو الاتحادات المهنية؛ ولم تبتكر أي شكل من أشكال السلطة الاجتماعية الموازية أو البديلة، مثل المجالس الشعبية أو الثورية، رغم أن مدناً مصرية عديدة شهدت، قبل فترة قصيرة، تشكيل «لجان شعبية» لسد الفراغ الأمني؛ كما أنها لم تقدّم تصورات جدّية عن شكل النظام السياسي وجهاز الدولة الذي تطمح إليه؛ أو برامج اقتصادية واجتماعية للإجابة عن التحديات التي يواجها البلد؛ بل يصعب حتى رصد إنتاج نظري مهم لها على أي صعيد، اكتفت بترديد بلاغة، باتت مكررة، عن «الحرية» و«الشعب يريد..». أسباب هذا الفشل والعجز الشامل لا يمكن ردّها إلى الظرف العام، الذي كان مؤاتياً للغاية، وإنما إلى ثقافة سياسية بين «المدنيين» لم تشغل نفسها كثيراً بسؤال السيادة، وبناء القوة الاجتماعية صاحبة السيادة، وهو السؤال المركزي في السياسة. تعوّدت تلك القوى لعقود على لعب دور هامشي، ولم تبلغ مخيّلتها السياسية يوماً حد التفكير بالاستيلاء على السلطة، إذ رأى قادتها ورموزها أنفسهم دوماً بصورة «الشرفاء» الذين يحاولون أن يقنعوا قوة أكبر، مثل الدولة الوطنية أو المستبد العادل، بالاستعانة بهم، نظراً لإخلاصهم للمبادئ، وحبهم الصادق للوطن والشعب.

هذه المخيّلة الفقيرة، لم تنشأ على الأغلب بسبب القمع السياسي وحده، وضعف التنظيمات «المدنية» وإنما أيضاً لأن تلك القوى لم تر نفسها خارج الإطار السياسي والنظري للدول القائمة، وأساطيرها المؤسِّسة، بما في ذلك مقولة «الشعب» التي اعتبرها معظم المدنيين مُسلّمة غير قابلة للنقاش والتفكير والتفكيك، وكأن المصريين أو التونسيين أو السوريين جماعة «طبيعية» موجودة عفوياً، ولا داعي لبنائها سياسياً، عبر فعل سياسي/أيديولوجي شديد التعقيد، يتضمّن بالتأكيد عمليات إقصاء، وفي المقابل تشكيل ائتلافات بين مجموعات بشرية مختلفة المواقع والمصالح والثقافات. هكذا هتف «المدنيون»: «الشعب يريد..» دون أن يعرف أحد من ذلك الشعب، وماذا يريد بالضبط، وكيف يمكنه أن يريد، ويحقق إرادته.

روايات غير مؤسِّسة

بقاء «المدنيين» عند حدود المقولة السحرية عن «الشعب الذي يريد» يشير إلى ميل محافظ سياسياً إلى أبعد حد. فمهما اعتبر هؤلاء أنفسهم «تقدميين» فهم واقعياً يعملون ضمن الخطابات المؤسِّسة للدولة العربية الحديثة، وهي مزيج من القومية العربية والإسلام السياسي، تتضمنه الدساتير والقوانين والتعليم العام والثقافة الجماهيرية، التي تحدد هوية قومية، ومصدراً مقدّساً للتشريع، وآداباً عامة موحّدة لـ«الشعب» بأكمله، كما تعيّن «العدو» الخارجي والداخلي. يصبح السؤال هنا: لماذا الثورة أصلاً؟ كل شيء معروف ومحدّد سلفاً، ولا أحد يسعى للمساس به.

اعتمدت «القوى المدنية» على روايات غير مؤسِّسة لأي أفق تغييري فعلي، وبالتالي فمن المتوقّع أن لا تسعى جديّاً لبناء قوة قادرة على تبديل شيء في الواقع، واكتفت بالتأكيد على «نظافة» مواقفها، باعتبارها الجهة الأكثر أمانة للقيم الأساسية للدولة. أما الثورة نفسها، فقد كانت فعلاً لا علاقة له بـ»نظافة» تلك الروايات، قام بها بشر متنوّعون، عانوا طويلاً من الفقر والتفاوت الطبقي والإذلال الأمني، فدمروا مقرّات الشرطة بعنف شديد، وفي ليلة واحدة، ليجدوا، في اليوم التالي، أن الخيارات التي يقدمها لهم «الشرفاء» تنحصر بين الإخوان المسلمين و«الدولة العميقة» و«المدنيين» وليس أمامهم إلا البلاغة العتيقة ذاتها، بنكهات متشابهة؛ فيما يقتصر الفعل السياسي والثقافي في الحيز العام على «مليونيات» في الميادين، بات لا تأثير لها تدريجيّاً سوى عرقلة حركة المرور.

نحو الأسد

انحسر «الربيع العربي» وأعادت الدول المتهالكة سيطرتها، في البلدان التي لم تغرق بحروب أهلية، ولم يعد بالإمكان إجراء انتخابات نزيهة، لمعرفة الميول السياسية والاجتماعية للناس، كما أُغلق الحيّز العام بشدة، وهكذا أُعيد البشر إلى «قيم الأسرة» التي تحددها الدولة وأجهزتها. وفي هذا الظرف يبدو أن «القوى المدنية» عادت إلى «منطقة الراحة» الخاصة بها، متخلّصةً من إحراج السياسة الحقيقية ومتطلبات التغيير الجدي؛ كما رجع رموزها إلى دورهم المألوف، المتسق مع مخيّلتهم: شرفاء يبحثون عن حاكم وطني، يقبل أن يستعين بهم. ومن أكثر «وطنية» ضمن هذه المخيلة، من بشار الأسد، الذي يحاصره «أعداء الأمّة» في الصراع «الجيوستراتيجي» على المنطقة؟

يُنتقد حمدين صباحي اليوم بشدة من حلفائه ورفاق دربه السابقين، لكن ربما لا تقتصر المشكلة عليه، فهو قد يكون أحد أكثر «المدنيين» اتساقاً مع النفس، فيما يبدو خطاب نقّاده مزيجاً مضطرباً من عناصر متنافرة: «وطنية» مختلطة مع سياسات الهوية، ذات الجذر الأمريكي؛ رفض للإسلام السياسي مع التشبّث بالموقف الاجتماعي المحافظ؛ طموح بالتغيير مع التأكيد على الفردانية والموقف «بعد الأيديولوجي» وضد التنظيمي؛ وغالباً تفسير الهزيمة بقوة وشراسة «الخصوم» وكأن على الخصم السياسي أن يتيح لهم الانتصار، لمجرد أنهم «شرفاء».

كاتب سوري

القدس العربي

———————————–

رسالة مفتوحة إلى حمدين صباحي/ جلبير الأشقر

صديقي حمدين. لن يفاجئك كثيراً توجيهي هذه الرسالة المفتوحة لك، وإن كان من غير المألوف أن يتوجه أحد برسالة مفتوحة إلى صديق. لكنك سوف تدرك بلا شك، حتى قبل قراءة رسالتي، أنها تتعلق بالزيارة التي قمتَ بها قبل أيام لمقرّ الرئاسة في دمشق، حيث التقيت بالحاكم العربي الذي فاق حجم المجازر التي أشرف عليها، وبكثير، كل ما اقترفه زملاؤه الراهنون والسابقون في منطقة لا نُدرة فيها من السفّاحين، ماضياً وحاضراً، والحمد للنفط.

أظنّك أدركتَ موضوع هذه الرسالة حتى قبل قراءتها لأننا تناقشنا شفهياً أكثر من مرة في موضوع النظام السوري والموقف منه خلال لقاءاتنا. ولا أتذكرك مرة واحدة مدافعاً عن ذلك النظام، بل كنتَ في كل حين سائلاً ومستمعاً بلا إبداء أدنى ميل إلى الدفاع عنه. لذا لن تتعجب لو صارحتُك بأنني أسفتُ جداً من خبر زيارتك، ولو لم أتعجب كثيراً لعلمي أنك شديد التأثر بالضغوطات سياسية. والحال أنك انتُخبتَ في العام الماضي أميناً عاماً لما يسمى «المؤتمر القومي العربي» الذي يضم الكثيرين من الذين يعاملون النظام السوري وكأن دمشق ما زالت «قلب العروبة النابض» وأن المجرمَ بشّار الأسد حاميٌ للأمة في وجه إسرائيل، وذلك بالتغافل عن كون المذكور لم يقم بأي عمل ضد الاحتلال الصهيوني للجولان السوري، قد آثر فسح المجال أمام استباحة إيران وروسيا لوطنه على إجراء الانتخابات الحرّة التي طالبت بها المعارضة والانتفاضة الشعبية.

لا بل تجاهلتَ بزيارتك لدمشق زملاءك القوميين العرب الذين قبعوا أو لا يزالون قابعين في السجون السورية، كما تعاميتَ عن أن الحكم الاستبدادي الدموي القائم في سوريا إنما هو أبعد بكثير عن الحرية والديمقراطية اللتين تطالب أنت بهما النظام الذي تعارضه في مصر. ويكفي أن تسأل نفسك بصدق سؤالاً واحداً: هل تُفضّل حقاً نظام آل الأسد على نظام السيسي وتتمنى أن يحكم مصر رديفٌ للأول؟ طبعاً لا، ولا يجوز لأحد ادّعاء العكس سوى نفاقاً، إلا إذا كان من المستفيدين من النظام السوري أو من نظام الملالي الإيراني، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبما أنك لستَ من أحد هذين الصنفين، اللهمّ إلا لو أصابك الانحطاط وقبلتَ بتلقي التمويل من إحدى الجهتين المذكورتين (معاذ الله) فسوف يتبيّن لك مدى تعارض الزيارة التي قمتَ بها مع المبادئ التي تنادي بها، وقد تسببت لك بتعليقات صحافية بعناوين مثل «القومي العربي المستبد» و«قومية عربية مغموسة بالدم».

وكي لا أجحف بحقك، يا حمدين، فإن ما ارتكبتَه إنما يندرج في تقليد طويل من مغازلة قوى عربية محسوبة على اليسار للأنظمة الاستبدادية، التي تبرّر سحقها العنيف لأبسط الحريات السياسية بحجة وقوفها موقفاً «قومياً» مناهضاً لإسرائيل. وقد ذهبت منظمات المقاومة الفلسطينية نفسها إلى أبعد حد في هذا السلوك، بما فيها يسارها الذي لم يتورّع عن نسج العلاقات مع أنظمة مجرمة كالنظامين البعثيين المتخاصمين في بغداد ودمشق، اللذين تلطخت أياديهما بدماء اليساريين العراقيين والسوريين، فضلاً عن سائر المعارضين.

وقد تبعت «الحركة الوطنية اللبنانية» التقليد ذاته، هي التي ضمّت في صفوفها أتباعاً للنظامين البعثيين السوري والعراقي إلى جانب قوى ادّعت انتهاج فكر كارل ماركس، ألدّ أعداء الاستبداد في عصره، وذلك في حالة قصوى من التعارض بين المبادئ والأفعال. والحقيقة أن التعارض هذا لم يكن سوى إحدى ثمار التعارض الأكبر الذي كان قائماً بين الحكم البيروقراطي البوليسي الذي ساد في الاتحاد السوفييتي، ومبادئ ماركس التي انتحلها.

وما دام هذا التقليد المشؤوم سارياً، ستبقى القوى المحسوبة على اليسار في منطقتنا فاقدة للمصداقية في دفاعها عن الديمقراطية. فلا سبيل إلى بناء بديل تقدمي اجتماعياً، وطني سيادياً وديمقراطي سياسياً يستقطب الجماهير، لاسيما الشابة منها، سوى بإثبات الوفاء الكامل للمنطلقات الثلاث. وهذا ما خبرتَه أنت بالذات، يا حمدين، في تجربة كانت وتبقى الأكثر سطوعاً في الاقتراب من تجسيد البديل الموصوف. كان ذلك في خوضك للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية في عام 2012، عندما بلغ نجمك الذروة وقد بدوتَ حاملاً للتراث الذي جسّده جمال عبد الناصر في الحقلين الاجتماعي والوطني، لكن مع انتصارك للديمقراطية والحريات السياسية وتنصّلك من دكتاتورية النظام الناصري، مُعزياً إياها إلى المرحلة التاريخية التي نشأت فيها.

في ذلك الحين، بدوتَ، يا حمدين، وكأنك تجسّد «الربيع العربي» خير تجسيد، والحال أنك نصبتَ نفسك ناطقاً باسم جماهير الانتفاضات التي عمّت المنطقة العربية، مندداً بكافة الأنظمة التي واجهَتها، بما فيها بالطبع النظام السوري ذاته الذي صافحتَ رئيسه قبل أيام. وفي مايو/أيار 2012، فاجأت مصر والعالم ببلوغك المرتبة الثالثة بعد محمد مرسي وأحمد شفيق، بفارق محدود في الأصوات بينما لم تكن لديك سوى إمكانات تنظيمية ومالية هزيلة للغاية مقارنة بمكنتي «الفلول» والإخوان. فقد صوّت لك ما يناهز خمسة ملايين، أي خُمس الناخبين والناخبات، لا بل حصلتَ على النسبة الأكبر من الأصوات في كل من القاهرة (٪28) والإسكندرية (٪32) وبور سعيد (٪40) وكفر الشيخ (٪62).

وقد أضعتَ هذا الكنز من التعاطف الجماهيري بوقوفك خلف الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، فاقداً بذلك القسط الأكبر من المصداقية التي كنتَ قد حزتَ عليها في العام السابق. بل ساهمتَ، يا للأسف، في زرع الأوهام حول السيسي وإضفاء الشرعية على انقلابه. أما جرأتك اللاحقة بالوقوف ضده، فجاءت بعد فوات الأوان وبعد أن فقدتَ معظم رصيدك الشعبي. وأخشى، يا حمدين، أن زيارتك لدمشق لن يكون مفعولها سوى تكريس تلك الصورة من الارتداد على ما جسّدتَه في العام الأول من «الربيع العربي».

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

————————————-

عندما يناصر قوميون عرب جرائم الأسد/ عصام شعبان

رفع بشّار الأسد سقف العنف السياسي إلى أقصى درجة، مارس حربا ضد شعبه، ومعها أصبح السوريون ضحايا الشتات والقتل والقمع، وتعرّض من تبقوا داخل البلاد لمخاطر متزايدة من الإفقار والتمييز الطبقي والطائفي. وقد وصفت الأمم المتحدة سورية بأكبر حالة طوارئ إنسانية، جاوز عدد اللاجئين والنازحين 13 مليونا (نزح في الداخل 6.7 ملايين وخارجيا 5.5 ملايين). هذا غير حالة الجوع، في بلدٍ كان يكفيه إنتاجه من القمح (هبط إلى الربع حاليا)، ولديه فائض للتصدير، فيما يشهد انهيارا اقتصاديا وخرابا شاملا وحربا أهلية جعلت سورية ضمن أكثر مناطق العالم افتقادا للأمن الغذائي بجانب اليمن والسودان. كان نصف السكان في العام 2014 يحتاجون مساعدات إنسانية ضرورية، وارتفعت نسبتهم في 2022 إلى 70%.

وتزيد أزمة اللاجئين مع تضييقات وإجراءات اتخذتها دول الجوار، لبنان والأردن وتركيا (تستضيف نصف اللاجئين تقريبا). يخشى السوريون العودة طوعا أو إرغاما، خوفا من قمع النظام واحتمالات الانتقام. وقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في يونيو/ حزيران الماضي، لصالح إنشاء مؤسّسة مستقلة لبحث مصائر عشرات الآلاف، صاغت مشروع القرار بلجيكا ومقدونيا، لكن مندوب سورية اعتبره مسيسا وتدخلا في شؤون بلاده، وكل حديث عن السجناء والقتلى والمفقودين يمسّ سيادة النظم السلطوية!.

هذا جزء من حصاد ثقيل من الفظائع، تعذيب وسجون وقتل وجرائم حرب، وندرة في فرص كسب العيش، ستجعل أزمة اللاجئين مستمرّة لسنوات، فاقدين الأمل في العودة إلى بلادهم، 65 منهم بيوتهم مهدّمة، وآخرون يخافون الانتقام، والذي يتكرّر في شكل عمليات احتجاز تضاعف أعداد السجناء، مع احتمال زيادة عدد القتلى الذي تجاوز، حسب التقديرات، نصف مليون. يكذّب النظام الواقع، وكثيرا ما أظهر أن ما يجري مكافحة مؤامرة كونية، معتبرا نفسه يقاوم، لذا فالقتل مبرّر من أجل انتصار سورية على مواطنيها!

باختصار، نحن أمام بلد يجسّد نموذجا للدولة الفاشلة، منهار اقتصاديا، مقسّم ومفسخ اجتماعيا، وبخريطة جديدة على مستويين، جغرافي وديمغرافي، ساهمت فيها عمليات إحلال وإبدال، مارسها النظام أولا ثم المليشيات في حربٍ أهلية، وتنوّع رايات المسيطرين على الأرض، في مواجهة الانتفاضة منذ البداية، وشكّلت جرائم النظام، بما فيها أعمال الحصار والتمييز والتجويع، مستقبل سورية.

اما عن الوعود بحلول سياسية مع بقاء النظام فهي متكرّرة منذ 2013، ومع زيارات عربية لوفود من قومين عرب، بما فيها إطلاق سراح المعتقلين، إعادة النازحين، عشر سنوات، والمأساة في ازدياد، والتقسيم أصبح واقعا. يعلم بالتأكيد، هذا وأكثر، المرشّح الرئاسي المصري السابق حمدين صبّاحي، والحائز ثلث أصوات المصريين المقترعين (في أول انتخابات ديمقراطية) الذين وثقوا في خطابه وتاريخه السياسي، منحوه أصواتهم، ثقةً ورغبةً في التغيير، وتقديرا لامتلاكه حسّا سياسيا وانحيازا إنسانيا. وللحقيقة، حاول حمدين، وتعرّض للضغوط والهجوم الذي لم ينقطع، حين واجه سنوات أخيرة من حكم عبد الفتاح السيسي، واصفا إياه بالنسخة الأكثر بؤسا ورداءة، قوبل باتهاماتٍ كالتي توجّهها المعارضة السورية، الارتباط بأجندات خارجية، ودعم قوى الإرهاب، وغيرها من قاموسٍ طويل ومكرّر، طاول وجوها معارضة، منها من صمت ومنها من يدفع الضريبة سجنا وقهرا وهجرة واستبعادا.

لم تكن زيارة بشّار الأسد ممكنةً من دون غطاء توصيف الثورة المضادّة الانتفاضات العربية بأنها مؤامرة صهيونية أميركية، لم يعد التفسير للحقيقة خاصّا بالثورة المضادّة، فقد اتسع مع عامل الإحباط، وربما مع مصائر الثورات والانتفاضات المؤسفة، فأصبحت المشكلة في الثورة لا المستبدّين، وانعكست الهزائم على النخب، لتسلّم بالأمر الواقع رغم بؤسه، وتجعل الترحيب بتنصيب رؤساء الضرورة والممانعة ومناهضة قوى الهيمنة، ومنهم بشّار الأسد، ممكنا ومبرّرا، ذلك مهما كانت التكلفة باهظة، والنتائج المحتملة سوداوية، أو هكذا اتّضحت بعد سنوات.

حكمت عائلة الأسد في سورية نصف قرن بتوريث بشّار الحكم، التوريث ذاته الذي كان يقلق المصريين في العقد الأخير من رئاسة حسني مبارك، وحاربه طيف من نخب مصرية، تمسّكا بالكرامة، وكان حمدين صبّاحي في مقدّمة الصفوف، مع طيف وطني، للتمثيل والتنوع. في المشهد، كان يقف في تظاهرة ضد التوريث محمد عبد القدوس وكمال خليل وعبد الجليل مصطفى وآخرون، حينها هتف حمدين الذي يوصَف زعيما للمعارضة: “لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، ولن نورث بعد اليوم”… في استدعاء مقولة عرابي ورفاقه. المشهد أمام قصر عابدين في القاهرة حاضر في الأذهان وكأنه الأمس، وسط حصار أمني مشدد. وقبل ثورة يناير (2011) بأشهر قليلة، كان حمدين مبشّرا بالثورة متجاوزا المنظور الحقوقي إلى تغيير طبقي ينحاز للناس ويغيّر أوضاعهم الاجتماعية، لكنه في زيارته قبل أيام دمشق، ردّا منه على انتقاداتٍ بمقابلة الاسد، رأى أن الأصدقاء ناقدي موقفه وقيادته، وفد المؤتمر القومي العربي، في زيارة نظام الأسد، أصحاب منظور حقوقي، بمعنى أنه قاصر، لا يرى الصورة كاملة (الوضع المركّب والمعقّد الذي أشار إليه سابقا). ورغم أنه لا مساحة كافية للنقاش هنا، والمقارنة بين منظور الثورة والمنظور الحقوقي، في جوانب الارتباط والاختلافات، إلا أن عدة حقائق تظلّ باقية، منها أن الثورة سعيٌ إلى تغيير جذري، حتى ولو كانت الخطوات إصلاحية، وبين قواعدها المستقرّة والمبدئية، الانحياز المطلق للحقّ والعدل، ودعم كل الثوريين، عربيا من المحيط إلى الخليج، وأيضا وحدة مواقف الثوريين، دعنا نقول، بلغة القوميين، تحرير الإنسان العربي من قوى القهر والاستغلال والاستبداد، لا الوقوف بجانب من يقهره. ولكن الاصطفاف مع الثورة المضادّة بدعم نظم ديكتاتورية ليس موقفا عروبيا، وإذا أصبحت المسألة كذلك، في الخطاب والكليشيه، أو القياس الشكلي، فإن أبوظبي تصبح من الثوريين العروبيين المناهضين لقوى الهيمنة الإسرائيلية والأميركية، لأنها أول من فتح باب تطبيع الحكومات العربية مع سورية الأسد، ودعمته وساهمت في إعادة العلاقات العربية معه. وهي، في الوقت نفسه، صاحبة الدعاية الأكثر فجاجةً للتطبيع مع إسرائيل، بل والتحالف معها من دون إنكار.

استقبل بشّار ضيوفه “القوميين” العرب، وهو الذي أنجز مهمّة تدمير البلاد، وأجرم في حق شعبٍ دفع ثمنا غاليا للحرية وتكالب عليه الجميع، وخلّف بلدا أصبح مقطّعا ومقسّما يواجه مأساةً كبرى، بينما يسوّقه أولئك رمزا للانتصار والمقاومة. وهذا الإجرام سابق على عسكرة الثورة، ومنذ أشهرها الأولى، فبراير/ شباط – إبريل/ نيسان 2011، حيث كان جنون النظام واضحا يستهدف الأطفال والنساء لإخافة المجتمع ككل.

عموما، يمكن الاختلاف على توصيف مراحل الثورة السورية، ولكن غير المختلف عليه أن بشّار الأسد مجرم حرب، والجرائم لا تسقُط بالتقادم، والمظالم لا لها نهاية إلا بجبر الضرر، أما مساندته فهي تشكّل نقيضا للثورة وإهدارا للحقوق، ويتجاوز تبريرُها سوء التقدير أو الضغوط المحيطة، بما فيها وضع الثورات ونتائجها، أو حالة التشتّت والتفسّخ في بلدانٍ عربية، يسعى المؤتمر القومي، بحسن نيّة، إلى تشجيع الحوار بين السلطات والمعارضة فيها. وبين نتائج متوقّعة في المشهد أن الوقوف بجانب بشّار الأسد يخدم آليات القمع. وهذا ليس رأيا منفردا، سبق وقاله سوريون وقوميون عرفوا السجون رغم خطابهم ورؤيتهم للصراع العربي الإسرائيلي، الذى يتقاطع مع رؤية الصفّ نفسه الذي يرى مساندة بشّار ضرورية حاليا.

ليس هناك أسعد من تلك اللحظات لدى المستبدّين أن يجدوا المساندة من ثوريين حاليين أو سابقين أو محللين متحذلقين يحاولون عقلنة الموقف، ويطرحون أسئلة عن البدائل، غير مساندة بشار لوقف تقسيم سورية، ويرهبون المختلفين معهم قائلين: هل تجب مخاصمة نظام الأسد والوقوف بجانب مليشيات إرهابية واحتلال صهيوأميركي، وكأن هؤلاء طُلبت منهم مساندة الإرهابيين، بعد أن أنهوا أعمالهم الثورية والإصلاحية، وتأملاتهم في مصائر شعوب العالم وسورية. يعيد هؤلاء مزاعم الطاغية، إنه ليس للديكتاتور بديل غير الاستمرار في بناء الوطن وحماية الأمة من الغزو الفكري والثقافي، كما يفتعل بشار الأسد التفلسف في لقائه مع ضيوفه من وفد المؤتمر القومي، وهم ينتصرون بمقاومته الغزو الأميركي الصهيوني وصموده الذى أفضى إلى الانتصار!

يقول مشهد اللقاء أيضا إن المستبدّين كانوا على حق، والقتل والسجن والقمع وسياسات الإفقار مبرّرة، كانت ضروريةً أيضا في رواية أخرى لحماية الوطن. إذن، لم يكن للثورات التي انتهت أساس منطقي حين تفجرت، لأنها ببساطة كانت مؤامرة، يجب وقفها، والتصدّي لها مستقبلا. ما حدث لن يتكرّر، وهذا لسان كل ديكتاتور، ولا أفق للثورة طريقا للتغيير.

تصبح سورية هي الأسد، بمنطق الشبّيحة الذين رفعوا شعار “الأسد أو نحرق البلد” وبمنطق ثوريين وإصلاحيين يصطفّون مع الأسد احتفالا بالانتصار على مخطّطات تستهدف السيادة وتعمل على التقسيم، وكأن ليست هناك خمس دول تتقاسم سورية فعليا، وحتى نظام الأسد ذاته رهين وتابع، وأبعد ما يكون عن مزاولة السيادة في بلده.

ليست القصة مستحدثة، كل الطغاة يجلبون الغزاة، يكمل بشّار الأسد ممارسات سابقيه ومصائرهم، صدّام حسين وحافظ الأسد ومعمّر القذافي (مثلا)، وبدرجة أكثر رعونة. ويعطي الفرصة لطغاة آخرين فاشلين لكي يبدوا أقلّ في الدرجة رحماء، عندما يقولون “أحسن ما نكون زي سورية والعراق”. لم نقتلكم بالقنابل والطائرات والأسلحة الكيماوية، ما زلنا نحاكمكم بالقانون . وقد استُخدمت سورية عربيا، من أجل إخافة الناس من الثورة، ومخاطر تقسيم البلدان. هدفت الشعارات، أولا، إلى التخويف، وبلغة قومية، إلى تعطيل تحرير الإنسان العربي من الطغاة والفقر والاستبداد، لتنتج البلاد ما يكفيها وتتّخذ الشعوب خيارات عادلة ومنصفة وحرّة أيضا”.

درس سورية، الذي يتحاشاه إعلام المستبدّين وتدعمه زيارة بشّار الأسد، هو كيف نقتل ثورة، ونقسّم بلدا ونجذب قوى خارجية، لأن الديكتاتور الذي يقود جيشا بعد أن انقسم وتقلص عددُه، وأصبح أقرب إلى مجموعات حماية مسلّحة طائفية الطابع، يريد أن يستمرّ في الحكم. أخيرا، تأتي زيارة وفد المؤتمر القومي العربي بقيادة حمدين صبّاحي في سياق أزمات شعوب عربية، ليس الخلاص فيها مساندة الديكتاتور ولا العشم في أمثاله، وليس لدى الشعوب سوى أن تتحرّر فعليا، وتنتصر على قوى الاستغلال والإفقار والقمع، وتستعيد زمام المبادرة بمعزلٍ عن وجوه سلطوية، بل وبنفي وجودها هي وسياسات طبقتها. ليس هناك بديل عن ذلك سوى الفوضى من تراكم مأساةٍ أحدثتها سيطرة عشر سنوات من ثورة مضادّة شديدة الشراسة والقسوة.

——————————-

مئة يوم على التطبيع العربي مع النظام السوري… ما الحصيلة؟/ رياض معسعس

في التاسع عشر من أيار/مايو الماضي قام ولي عهد المملكة العربية السعودية بفك عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد بعد 12 سنة من تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية بسبب القمع الوحشي للشعب السوري بعد انطلاقة ثورته بدعوته لحضور قمة جدة، وجاء قرار عودة النظام السوري إلى الجامعة في 7 أيار/ مايو بعد مشاورات عدة بين مصر، والأردن، والإمارات، والعراق على أعقاب زيارة الملك عبد الله إلى واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بضرورة الانفتاح على نظام الأسد، التي لم تعارض شريطة أن لا يتم خرق العقوبات المفروضة عليه حسب قانون «قيصر».

حجج الدول العربية التي دفعت بعجلة التطبيع استندت على أمنيات في تحقيق الاستقرار في سوريا، والحد من صنع وتهريب المخدرات وخاصة مادة كبتاغون التي أصبحت سوريا أول مصنع ومصدر لهذه المادة إلى دول الجوار، وخاصة إلى دول الخليج العربي الغنية حيث أشارت إحصائيات جمركية حول العالم أن منذ العام 2016 تم مصادرة أكثر من مليار حبة كبتاغون، وما لم يصادر يفوق هذا الرقم بكثير، إذ ذكرت أكثر من وسيلة إعلامية غربية وخبراء اقتصاد أن هذه التجارة تدر على ميزانية النظام السوري بمعدل 6 مليارات دولار سنويا، وربما أكثر، دون أن يعبأ نظام الأسد بتدمير مجتمعات بأكملها من جراء إدمان بعض مكوناتها على المخدرات. أمنية المطبعين الأخرى تكمن في تطلع الدول المستقبلة للاجئين السوريين وخاصة لبنان والأردن، وتركيا بأن يفتح التطبيع الباب أمام عودتهم إلى سوريا، فوجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في دول الجوار- 3.5 مليون في تركيا، و1.5 مليون في لبنان، و700 ألف في الأردن أصبح عبئا من الصعب تحمله حسب ما ترى هذه الدول لأسباب مختلفة وخاصة بعد انخفاض كمية المساعدات التي خصصتها بعض الدول والمنظمات الإنسانية لدعم الدول المستضيفة. والأمنية التي دفعت الإدارة الأمريكية لقبول التطبيع مع نظام تمارس عليه عقوباتها، هو إمكانية إبعاد النظام السوري عن إيران ومطالبته بسحب ميليشياته من سوريا. كما أن الدول المطبعة تمنت انخراط النظام السوري في عملية سياسية حسب خطة «خطوة مقابل خطوة « استنادا إلى القرار الدولي رقم 2254 التي قدمها المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون واعتمدها الأردن وأيدها وأقنع نظراءه العرب بها. لكن هل هذه الأمنيات تحقق ولو جزء بسيط منها بعد أشهر ثلاثة من سير بشار الأسد على السجادة الحمراء لدى استقباله في جدة لحضور القمة العربية؟

لا يمكن للدول المطبعة وعلى رأسها دول الخليج إخفاء امتعاضها من انتظار الإرهاصات الأولى لنية تغيير نظام الأسد نهجه التي لا بوادر لها في أفق السياسة الأسدية تتجاوب مع ما قدم له من حضور على المستوى العربي على أقل تقدير.

ولا النظام نفسه الذي عبر عن خيبته وكان يمني النفس بعد عملية التطبيع والوعود المقطوعة من بعض الدول بتدفق المليارات الخليجية لدعم الاقتصاد السوري المنهار، وإعادة الإعمار. ففيما يتعلق بتحقيق الاستقرار في سوريا فإن الأحداث الجارية على الساحة السورية تؤكد عكس ذلك، فما أن تم الاتفاق ولم يجف حبره بعد عادت الطائرات الروسية وقوات النظام وميليشيات إيران لقصف مناطق المعارضة وقتل المدنيين وتدمير منازلهم، واعتقال المئات وقتل العشرات تحت التعذيب، وفي منطقة حوران قُتل حوالي 15 شخصاً في محافظة درعا الجنوبية. وفي منتصف تموز/يوليو، حاصرت قوات النظام قرى في طفس، التي اتُهمت بمنح معارضي النظام ملجأ، قبل هدم 18 منزلاً كعقاب (على الطريقة الإسرائيلية بالتعامل مع الفلسطينيين) بل وتصاعد التوتر العالي بين روسيا وأمريكا في الأجواء السورية بما ينذر للأسوأ، وتشير بعض التقارير إلى أن واشنطن قد زودت قاعدتها في منطقة التنف السورية بطائرة «إف 35» تحسبا لأي طارئ، أو تحضيرا لمخطط ما في المنطقة. ومن الطرف الآخر قامت موسكو بمناورات عسكرية ليلية مشتركة مع قوات الأسد كرسالة موجهة إلى واشنطن عن الجاهزية لمواجهة أي مخطط تنوي القيام به. من جانب آخر كشفت بيانات المصادرات لحبوب الكبتاغون المخدرة في المنطقة أن سيل التهريب لم ينقطع أبدا، بل ربما زاد تدفقه فخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وصلت قيمة الصادرات الموقوفة إلى مليار دولار. بل إن التصنيع وصل إلى أوروبا حيث اكتشفت ألمانيا مصنعا لإنتاج الكبتاغون وكميات من الحبوب تصل قيمتها إلى 20 مليون دولار، وحوالي 3 طن من المواد الكيميائية التي تدخل في تركيب المواد المخدرة. وتشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن الاقتصاد السوري سجل تراجعا كبيرا بعد أن هبط سعر الليرة السورية مقابل الدولار إلى مستويات غير مسبوقة (وصل سعر الدولار إلى 13 ألف ليرة سورية أي أنها فقد 77 بالمئة من قيمتها وتراجع دخل الفرد العادي إلى 8 دولارات شهريا) مع أنه من المفروض أن يكون عكس ذلك مع الإعفاءات الأمريكية والأوروبية من العقوبات بعد الزلازل الذي هز تركيا وشمال سوريا، لكن الفساد المستشري، وسوء الإدارة المالية، وعدم استثمار النظام هذه الظروف التحسينية بالطريق الصحيح أدى إلى مفعول عكسي.

وحول إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، أو حتى التخفيف منه، فقد ضرب النظام عرض الحائط أمنيات المطبعين وقام بتمتين علاقاته مع نظام الملالي أكثر من ذي قبل، إذ قام وزير خارجية النظام فيصل المقداد بزيارة إلى طهران مؤخرا يرفقه وفد اقتصادي كبير حيث شهدت هذه الزيارة توقيع اتفاقيات جديدة بين الطرفين، إضافة إلى الاتفاقيات التي وقعها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالزيارة التي قام بها إلى دمشق (تم التوقيع على ثماني مذكرات تفاهم، شملت التعاون في مجالات الزراعة والسكك الحديدية والطيران إضافة إلى التعاون في مجال الاتصالات وتقانة المعلومات والقطاع النفطي، فضلا عن الاعتراف المتبادل بالشهادات البحرية، واتفاق تصفير التعرفة الجمركية بين البلدين). وعلى المستوى الميداني فإن إيران تصاعد من تسليح ميليشياتها في سوريا، وقد قام قائد الحرس الثوري إسماعيل قاآني بزيارة غير معلنة لسوريا حيث تفقد قواته في مناطق مختلفة من سوريا، ونقل موقع المنار عن قاآني قوله إن: «أعداء إيران وسوريا يعرفون جيدا أن المبادرة في المنطقة بيد محور المقاومة» لكنه لم ينته من كلامه حتى قصفت إسرائيل مجددا مكان تواجد قواته في محيط دمشق، وتشير المطارات والمعابر على الحدود العراقية السورية إلى حركة مستمرة للطائرات والشاحنات الإيرانية وهذا ما يدفع دولة الاحتلال إلى القيام بغاراتها الصاروخية والجوية لضرب قواعد ومخازن الأسلحة الإيرانية.

وأكد مراقبون أن سبب جمود التطبيع العربي يعود لعدم تنفيذ دمشق بنود المبادرة العربية التي قادتها السعودية والأردن بشكل خاص، ولم يف الأسد بوعده فيما يخص تهريب المخدرات وتوقيف تصنيعها، ولم يلتزم بالحل السياسي واعتبر نفسه منتصرا وعلى المعارضة أن تنصاع له.

فضلا عن وجود انقسام عربي حول الالتزام بتطبيق القرار الأممي الخاص في الحل بسوريا – 2254 – من عدمه. وتفيد بعض الأنباء الواردة من سوريا أن السعودية أوقفت ترميم سفارتها في دمشق. وهذا دليل قاطع على أن الأنظمة المطبعة قدمت هدية مجانية لنظام يأخذ ولا يعطي.

كاتب سوري

القدس العربي

————————–

مكابرة الأسد… ورهان تطبيع العرب الخاسر!/ د. عبد الله خليفة الشايجي

علّقت في مقالين في «القدس العربي» في شهر مايو/أيار الماضي، مستغرباً ومشككاً بتأهيل النظام العربي نظام بشار الأسد وإعادته إلى الحضن العربي وتعويمه برغم جرائمه وتحويل سوريا لخرابة كاملة تقترب من حافة الإفلاس والمجاعة اليوم مع تراجع قيمة الليرة لمستويات دنيا حتى صار راتب الموظف السوري بضعة دولارات في الشهر الواحد.

ومع ذلك كله، منح النظام العربي بقيادة المملكة العربية السعودية التي استضافت القمة العربية فائدة الشك، وقادت إعادة الأسد للحضن العربي، على خلفية التقارب والتطبيع وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران. ولكن دون وضع مرحلة انتقالية لاختبار التزام واخضاع نظام الأسد للالتزام بالشروط العربية. وبعد ثلاثة أشهر من عودة نظام الأسد لم يلتزم بتطبيق أي منها!

علقت حينها، بالتأكيد «أن عودة نظام الأسد المثيرة للجدل والتي افتقدت للإجماع العربي، بسبب تحفظ قطر، تدشن لحقبة جديدة بانحياز النظام العربي للأنظمة والإعلان الرسمي عن نهاية موجات تغيير الربيع العربي».

افتقدت بدعة خطوة إيجابية من النظام تقابلها خطوة إيجابية من الجامعة العربية بإعادة النظام السوري إلى الحضن العربي، لآلية تعاقب النظام السوري في حال فشل في الالتزام بتلبية المطالب والتنازلات، بتعهدات عودة اللاجئين الآمنة إلى مناطقهم، والانخراط بحوار وطني ومخرجات جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، ووقف تصدير شحنات المخدرات والكبتاغون التي يغرق بها الدول الخليجية، وإنهاء وجود ودور الميليشيات والجماعات المسلحة، والأهم فك ارتباط تحالفه مع إيران وهيمنتها على القرار السياسي والأمني مع روسيا على سوريا.

لكن الأسد كعادته يريد عودة مجانية. وكان صادماً خطابه الفوقي الشوفيني أمام القادة والشعوب العربية في القمة العربية، وتأكيده أن سوريا قلب العروبة وفي قلبها. «وتغيير الأحضان لكن لا تغير الانتماء»!

خرج الأسد الأسبوع الماضي في مقابلة حصرية مع فضائية «سكاي نيوز» عربية الإماراتية، بعد حوالي ثلاثة أشهر من القمة العربية وإعادة نظام الأسد إلى حضن الجامعة العربية في القمة العربية في السعودية ليبرر بأسباب واهية عدم الإيفاء بوعوده وتعهداته وفشله في تنفيذها، دون أي تلويح بعقوبات عربية!

وكان مؤسفاً خطاب الأسد المتحدي، ولم يظهر أي موقف عقلاني ـ مهادن في المقابلة، ولم يقدر دور الدول العربية التي دفعت لعودة نظامه للجامعة العربية، بل على العكس بدا أكثر تشدداً وصلفاً. وذلك قبل اجتماع اللجنة السداسية لمراجعة التزامه بما تعهد بتنفيذه في 15 أغسطس الجاري. خاصة أن نظامه لم ينفذ أيا من الشروط التي وضعت مقابل استعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية ضمن بدعة خطوة إيجابية من النظام تقابله خطوة من طرف العرب. أبرز المطالب:

1 ـ تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

2 ـ إطلاق عملية سياسية تشمل حوار مع المعارضة السورية.

3 ـ تعديل الدستور لضمان مشاركة المعارضة في عملية سياسية.

4 ـ تهيئة الظروف لضمان عودة آمنة لملايين السوريين النازحين واللاجئين إلى مناطقهم من لبنان والأردن وتركيا والغرب.

5 ـ مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله.

6 ـ الحفاظ على سيادة سوريا وإنهاء التدخلات الخارجية ووجود الميليشيات المسلحة الموالية لإيران على الأراضي السورية. (كيف يمكن للأسد أن يوافق على ذلك وإيران وميلشياتها وعلى رأسها حزب الله هي ضمان بقاء النظام).

7 ـ ضرورة وقف تصدير والاتجار بالمخدرات وخاصة حبوب الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج. حيث تدر التجارة بالمخدرات حوالي 6 مليارات دولار سنوياً للنظام.

وبجرأة صادمة حمّل الأسد في مقابلة «سكاي نيوز» عربية الدول الداعمة للمعارضة السورية التي أعادت الأسد للجامعة العربية مسؤولية «خلق الفوضى في سوريا ومسؤولية تجارة المخدرات».

لذلك لم ينفذ النظام أيا من مطالب القمة العربية لأنها باختصار غير قابلة للتطبيق. ومن هذا المنطلق بدا رئيس النظام السوري في المقابلة غير تائب ومبرراً، بل متحدياً ومصعداً.

وأكد الرئيس السوري في مقابلته أنه لم يكن مطروحاً تنحيه عن السلطة في بداية الانتفاضة (التي كانت سلمية ومليونية) ـ عند اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011. لأن ذلك كان سيعد هروبًا بسبب الحرب» ولو تفادينا الحرب كنا سندفع ثمنا أكبر بكثير لاحقا». وذلك برغم تظاهر الملايين في معظم المدن السورية ومطالبتهم برحليه، قبل أن يعسكرها النظام باستخدام القوة المفرطة والصواريخ والبراميل المتفجرة وسلاح السيرين والسلاح الكيميائي لقمع الاحتجاجات والمنتفضين ضد نظامه، ودخول إيران وميليشياتها وروسيا والتنظيمات الإرهابية!

وأكد الأسد وجود مؤامرة بسيناريوهات لخلق حالة من الرعب في سوريا مثل ما حدث للقذافي وصدام حسين. وبرغم عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، إلا أنه انتقد مؤسسة الجامعة لأنها «لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي»!

وبرر الأسد بشكل فج سبب عدم عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم لصعوبة تهيئة الظروف ـ «لدمار البنى التحتية التي تسبب بها «الإرهاب»! وكيف يعود اللاجئون إلى بلادهم دون وجود الماء والكهرباء والمدارس والرعاية الصحية». وكأنه يستجدي من الدول الخليجية تحمل كلفة وفاتورة إعادة إعمار الدمار الذي تسبب به مع إيران وميليشياتها وروسيا والميليشيات الإرهابية!

ووصف الأسد موقف حركة حماس كان مزيجًا من الغدر والنفاق. ورفض فكرة الاجتماع مع الرئيس أردوغان، لعدم شرعنة الاحتلال التركي.

وزعم الأسد أن هناك حوارا متقطعا يجري مع الولايات المتحدة منذ سنوات. وتمكنت سوريا تجاوز (قانون قيصر) الأمريكي (الذي يفرض عقوبات واسعة على الأفراد والشركات والحكومات والأنشطة الاقتصادية التي تساعد نظامه عسكرياً) بطرق متعددة ولم يعد «العقبة الأكبر»!

واضح، برغم تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار الدولة وانهماك روسيا بحربها في أوكرانيا، ومواجهة إيران مع الولايات المتحدة والتصعيد والإنفراجة بما يشمل سوريا، وصفقة المقايضات مع إيران، لم يغير سلوك الأسد ليعيد حساباته ويفي بتعهداته. يعني أن التطبيع العربي مع نظام الأسد كان رهانا خاسرا!

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

القدس العربي

————————————

جهنّم في سورية وذاك جحيمٌ لا ينقصه شيء/ أيمن الشوفي

في التسجيل المصوّر القصير، يظهر خمسة رجالٍ وقد أخفوا ملامحهم بعناية داخل أقنعة سوداء، اثنان من بينهم يحملان بندقيتي كلاشينكوف، يجاورهما اثنان آخران غير مسلّحَين، بينما بدا الخامس منهمكاً في قراءة البيان المقتضب، والذي أعلنوا فيه أنهم في السويداء (جنوب دمشق بنحو مائة كيلومتر)، باتوا “جزءاً من حركة التحرّر الوطني السوري، بهدف استكمال مسيرة الثورة السورية العظيمة، ومواصلة النضال لتحرير البلاد من سطوة الطغيان والاستبداد”.

ذاك البيان جرى تناقله مع قسطٍ وافرٍ من الحفاوة على منصّات التواصل الاجتماعي في مطلع شهر أغسطس/ آب، من دون أن يتبنّاه أيُّ طرفٍ مسلّح في السويداء ذات الغالبية الدرزية. لكن من المرجّح أن يكون أولئك الأشخاص منتسبين إلى حزب اللواء السوري، أو قوّة مكافحة الإرهاب المتحالفةِ معه. ثُمَّ إنه جاء متزامناً مع كل الخلاصات النظرية التي طافت حول بيان حركة التحرّر الوطني السوري، حين استمعنا إليه من مدينة عفرين التابعة لريف حلب الشمالي، وذات الغالبية الكردية، وعلى لسان المقدّم أحمد القناطري الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري السوري، وقد توسّطَ أربعةَ ضباط برُتبٍ مختلفة، وأمامهم جلسَ جمهورٌ بدا أنّ أغلبهُ جاء من منابتَ مختلفة. أما مضامين البيان، فكادت تستأنسَ بما هو خارجٌ عن ملّةِ الأدبيات العامة للثورة السورية، ومطالبها في إنهاء حكم آل الأسد ومن يحالفهم من مليشياتٍ ودول داعمة، وجدولة انسحابها بما يتناسب مع سياسة سورية المستقبليّة، من دون إنكار إمكانية التعاون مع قوًى إقليمية ودولية تدعم تلك المطالب. ولعلّ ذاك التعاون هو المتغيّر الوحيد الذي كان بإمكانه استخراج “حركة التحرّر الوطني السوري” من بين أركان إفلاس المعارضة السياسية السوريّة، وتحويلها إلى مبادرةٍ قابلةٍ للإدراك والانبعاث، وترك مهمّة الإعلان عنها إلى قائد المجلس العسكري السوري، العميد مناف طلاس، بحيث تبقى مكوّناتها ومنهاج حركتها مرتبطين بالسردية الجديدة للمنطقة، وفق معايير مطبخ البنتاغون، وتفضيلاته لتلك الوصفة الصيفيّة.

وحين وقعت سورية تحت سلطة القبّة الحرارية أخيرا، أدرك سكّانها، ولا سيما القاطنين منهم تحت سلطة قبّة النظام، بأنهم باتوا ملتصقين بقاع الجحيم، مثبّتين هناك بأوتاد محكمة يصعب الانفكاك منها، ولكنْ يسهُل هجاؤها فقط. وجحيمهم ذاك مكتمل الأركان، لا ينقصُه شيء، وفيه تزورهم كهرباءُ النظام ساعة، ثم تغيب عنهم خمسا، فتقترح إنْ جاءتهم تداوياً عاجلاً بهواء بارد، أو ربما بماءٍ أقلّ برودة، يشبه المسكّنات الصيدلانية لتخفيف آلام الحرّ المبرحة، وآثاره الجانبية.

تلك القبّة الحرارية ليست أسوأ عليهم حالاً من قبّة النظام الاستبدادية، إذ وتحتها ارتفعت حرارة الليرة السورية إلى معدّلاتٍ غير مسبوقة، وانهار سعر صرفها أمام الدولار، رافعةً معها درجة حرارة أسعار السلع إلى نحوٍ لا تُطيقه الدخول الهزيلة، بحيث صار من الصعب لمسُها، لا شراؤها. وبذلك تخجل حركة الناس من ارتياد الشوارع في مناطق سيطرة النظام، أو تكاد تكون طفيفةً إن وُجدت، وكأنها تتدارى بمكر يسهُل استنتاجه، لعلّها تتفادى مزيداً من نزق حرارة القبّة المناخية، ونزق كدمات السياسة التي يتناوبون على استقبالها من تحت قبّة عصابةٍ تحكم.

لكن القلق والترقّب يتناوبان أيضاً على احتلال أجواء الفضاء الاجتماعي ليس فقط في دير الزور ذات الامتداد المترامي، بل وعلى امتداد ذاك القوس الفسيح الذي يبدأ من الشمال الشرقي، وينتهي عند الجنوب الغربي للبلاد، وقد ابتزَّ الحياةَ الراكدةَ في تلك المساحة الملتوية، الأشبه بالهلال، عدا عن الحرّ المشترك سوريّاً، النيات الأميركية المتسارعة صوبها، بعدما أرسلت الولايات المتحدة في منتصف شهر يوليو/ تموز الفرقةَ الجبلية العاشرة، والتي كانت متمركزة في قاعدة “فورت درم” في نيويورك، باتجاه كلّ من العراق وسورية، وهي إحدى أهم فرق المشاة الخاصة لديها.

ذاك الارتياب من التحرّك الأميركي اشتراهُ الإيرانيون المنتشرون في دير الزور بثمنٍ باهظٍ من التوجّس والريبة، ربما لأنه تدفّق إليهم بوفرةٍ وعلى عجالة، فيما ارتداه “جيش سوريا الحرّة” المنتشر على مدارات قاعدة التنف العسكرية بزهو من عادت إليه الحياة بعد انقطاعها، كما وينتظرُ اكتمالَ نصابه ذاك حزبُ اللواء السوري، وقوّة مكافحة الإرهاب التابعة له في السويداء، جنوب سورية، فالفرقة الأميركية تلك كانت قد انتشرت في السابق أكثر من 20 مرّةً في العراق وأفغانستان، أيّ أنّها تعرف المنطقة جيداً، ومعتادة على مناخها الاجتماعي والسياسي، وسينتشر منها نحو 2500 عنصر في كل من العراق وسورية عشرة أشهر.

وغالباً لا تفصح الولايات المتحدة عمّا تبيّته من نوايا للجميع، إذ تجعل تصريحاتها الرسميّة تمكثُ في وادٍ، ومخططاتها الفعلية تمكث في وادٍ آخر، فحتى لو صرّحت علانيّةً بأن قدوم تلك الفرقة هو مجرّد نشاط عسكريّ طبيعيّ وإجراء اعتيادي، إلا أن استقدام الفرقة العاشرة الجبلية ربما يكون لغاياتٍ أخرى تماماً، وهذا اتضح أكثر حين سجّلت حرارة القلق الإيراني رقماً عالياً بالتزامن أيضاً مع نشر الولايات المتحدة لطائرات أف 16 وأخرى من طراز أف 32 في منطقة الشرق الأوسط. كلّ ذلك أوقدَ حساباتٍ إيرانية جديدة في دير الزور، كما في سواها من مناطق القوس الممتدة من الشمال الشرقي، إلى الجنوب الغربي، فالقوات الأميركية الموجودة في سورية لم تعد تقتصر على قوامِ 900 جندي فقط، الأمر الذي جرَّ إيران إلى استنفار مليشياتها المنتشرة هناك، وفي مقدمتها فصيل فاطميون الأفغاني.

تخشى إيران والعناصر المحلية المتحالفة معها من وقوع مواجهات مباشرة على الأرض ربما تكون مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) أو قوّات “الصناديد” أو أخرى من مكوّنات عشائرية محلية يجري حشدُها وتصنيعها لهذا الغرض، وسيكون هذا مرتدياً غطاءً جوّياً تؤمّنه قوات التحالف الدولي تحت قيادة الولايات المتحدة بطبيعة الحال، وهذه قبّةٌ ثالثة نسجها الارتياب الإيراني من مستجدّات الوجود العسكري الأميركي في سورية.

وإن عُدنا إلى نهاية فبراير/ شباط من هذا العام سنجد كيف استثمرت ما تُسمّى “المقاومة الشعبية” المدعومة من إيران رصيداً لا بأس به للنيْل من هيبة التحالف الدولي، ومن هيبة الولايات المتحدة بصورةٍ خاصة في شمال وشرق سورية، حين هاجمت بعضاً من تلك القواعد في مناطق رميلان وخراب الجير والعمر، وقتلت جندياً وجرحت ستة جنود، وكان ذلك سبباً منهجياً وكافياً لأن تزجَّ الولايات المتحدة بمنظومتي صواريخ من طراز هيمارس في الخدمة داخل قاعدتي العمر والرميلان، حيث الحقول الأكثر ازدهاراً لاستخراج النفط الخام السوري.

أيضاً، ومع نماء الخراب داخل جسد دولة النظام السوري، وتملّك الهزال الحاد من منظومة مدخلات الخزينة العامة، وتنعّم السلطة بالانهيار الاقتصادي العام، وهو البعيد تماماً عن تأثير القبّة الحرارية، تصيرُ الأجواء العامة مواتيةً أكثر من أي وقتٍ مضى لاستكمال ذاك الطوق الأميركي من الشمال نزولاً إلى الشرق ثم انعطافاً منه باتجاه الجنوب، وسيكون التسويق الرسميّ المرتقب لهذا الطوق قطعُ الطريق الدولي الذي تمتطيه قوافل كبتاغون الأسد حين تغادر مصانعها في الداخل السوري، وتقصد معبر البوكمال شرقاً باتجاه العراق، أو معبر نصيب الحدودي في جهة الجنوب باتجاه الأردن، وما سيترّتب على ذلك من احتمال وقوع معاركَ واسعة الطيف تستدعي إليها المليشيات الإيرانية، وتختبر مدى نفوذها وتغلغلها في شرق سورية وجنوبها. جاء هذا مع إعلان النظام السوري بدء مناوراتٍ تخوضها قواته البريّة بالذخيرة الحيّة في البادية السورية، كما عادت روسيا، أخيرا، إلى تسيير دوريات شرطتها العسكرية في القرى الدرزية المتاخمة للحدود الأردنية، للإيحاء بأنهم لم ينكفئوا لحظةً عن مراقبة الحدود، ولجم عمليات تهريب المخدّرات من خلال منافذها المتاحة.

لكن صيف الشرق الأوسط يظلُّ يتمطّى بلا خجل أو استحياء، وكأنه مناورةٌ مناخيةٌ سياسيةٌ لا تهدأ، ومع انطلاق فعاليات شهر أغسطس/ آب منه، تنبّه مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان بأنهم جزءٌ من ذاك الاستدرار المناخي الأميركي، فاشتبكت فصائلهم هناك، وطلبت السعودية من رعاياها مغادرة لبنان، ومنعت السفر إليه، وأوقفت أعمال ترميم سفارتها بدمشق، وطلبت من نظام بشّار عدم إرسال سفيره إلى الرياض، لتنتهي المبادرة العربية بالخيبة، وهذا منتظر ومتوقع للغاية، لكنه ضروري لرفع الحرج عن العرب، وتحميل بشّار الأسد وزر الكوارث التي تنتظر سورية، والمنطقةَ برمّتها، ثم يعبر الأسطول الخامس الأميركي قناة السويس، يحمل إلى المنطقة أكثر من ثلاثة آلافٍ من نخبة قوات البحرية الأميركية، وعليهم أن يصدّقوا فقط أن سورية جحيمٌ لا ينقصه شيء.

العربي الجديد

——————————–

مسارات الحل السياسي السوري معطلة/ عماد كركص

أصاب الشلل مسار الحل السياسي السوري، بفعل التطورات الأخيرة، أبرزها التقارب العربي مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية، وتشكيل لجنة وزارية عربية مهمتها التواصل مع دمشق، لتسوية الملفات المطلوب حلها والواردة في بيان عمان الوزاري وقرار الجامعة العربية. وأبرز تلك الملفات، اللاجئين، الكبتاغون، الحل السياسي.

كما باشرت بعض الدول فتح خطوط إقليمية مع النظام، مع بدء أنقرة التفاوض مع دمشق على إنجاز عملية تطبيع، وإن كان من غير الواضح أنها ستفضي إلى نتائج حقيقية، غير أنها خلقت طاولة سياسية جديدة للملف السوري تتمثل في الآلية الرباعية (النظام، تركيا، روسيا، إيران)، إذ تتفاوض دمشق مع أنقرة تحت رعاية وضغط روسي، فيما دخلت إيران على خط المسار لقربها من النظام وتركيا في آن.

توقف اجتماعات اللجنة الدستورية

وأمام كل ذلك، تجمدت مسارات عدة، ومنها اللجنة الدستورية، التي توقفت اجتماعاتها عند أعتاب الجولة التاسعة، المجمّدة منذ يوليو/تموز 2022، بسبب اعتراض موسكو على استمرار انعقادها في جنيف السويسرية. ولم تفضِ اجتماعات اللجنة على مدار حوالي أربع سنوات وثمان جولات إلى نتائج حقيقية، ولا كتابة بند واحد من الدستور الجديد “المفترض” للبلاد.

وأتى التعنت الروسي بعدم الموافقة على تجديد آلية دخول المساعدات إلى سورية في يوليو الماضي، في ظلّ غياب أي مؤشرات واضحة على الموافقة وفقاً لمفاوضات في هذا الصدد، كما كان في المرات السابقة، ليعطي انطباعا بأن الجانب الروسي قد يطلب من الغرب، حامل لواء استمرار دخول المساعدات إلى سورية، تنازلات بشأن الملف السوري.

ومن التنازلات التي قد يطلبها الروس، تخفيف العقوبات على دمشق، بالإضافة إلى تخصيص حصص كبيرة من المساعدات تحت إطار “التعافي المبكر” لتذهب إلى مناطق سيطرة النظام. وفي السياق، تشير منظمات دولية إلى أن النظام يستخدم التعافي المبكر في عمليات “إعادة إعمار” يرفضها الغرب في ظل استمرار الحرب، وأن تلك العمليات صورية يطاولها الكثير من الفساد.

وفي آخر إحاطة دولية له في مجلس الأمن الشهر الماضي، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون، أن الجهود الدبلوماسية لم تترجم إلى نتائج “ملموسة” للسوريين، داعياً إلى استئناف العملية السياسية. وأشار إلى أن من مصلحة السوريين أن تتواصل أعمال اللجنة الدستورية، لكن الخلافات حول مكان عقد الاجتماعات (سويسرا) ما زالت قائمة، ولم يتم التوصل إلى اتفاق حولها.

وأوضح بيدرسون أن “أشهراً من الدبلوماسية لم تؤد إلى نتائج ملموسة على الأرض، في الداخل أو في الخارج، ولا إلى أي خطوات حقيقية في العملية السياسية”، أملاً في أن يتغير ذلك قريباً. وأضاف: “نحن بحاجة إلى إرادة سياسية للتغلب على القضايا التي تمنع اللجنة من الانعقاد مرة أخرى في جنيف، ولضمان استئناف أعمالها وتحقيق تقدم حقيقي”.

ورأى بيدرسون أن “سلة الدستور هي جوهر القرار 2254 الذي ينص ضمن أمور أخرى على عملية صياغة دستور جديد”، معترفاً بأن هذه اللجنة التي تضم ممثلي النظام والمعارضة والمجتمع المدني لم تحقق تقدماً خلال ثماني جولات عقدتها.

من جهته، هاجم نائب السفير الروسي للأمم المتحدة دميتري بوليانسكي في الجلسة ذاتها، ما وصفها بالمحالات الغربية لعرقلة التطبيع، و”تسييس القضايا الإنسانية البحتة كالتعافي المبكر وتيسير عودة اللاجئين”، مشيراً إلى أن عمل اللجنة الدستورية “سيستأنف بعد تحديد الأطراف لسياق أو مكان للاجتماع أنسب من سويسرا، وهذه عملية أوشكت على الاكتمال”.

أما عضو “هيئة التفاوض” السورية المعارضة، طارق الكردي، فرأى أنه “منذ اليوم الأول في الثورة السورية (بدأت في مارس/آذار 2011) ونظام الأسد وحلفاؤه يجنحون للحل العسكري ويرفضون الحل السياسي، ابتداء من المبادرة العربية وصولاً إلى قرار مجلس الأمن 2254، لذلك ليس غريباً ما قام ويقوم به نظام الأسد لعرقلة أعمال اللجنة الدستورية بل العملية السياسية برمتها”.

وأضاف الكردي في حديث مع “العربي الجديد” أن “موقف هيئة التفاوض السورية واضح وثابت، بأن مكان انعقاد أعمال اللجنة الدستورية هو في مدينة جنيف السويسرية، ولكن هناك سؤال يطرح هل المشكلة حقيقة في مكان انعقاد اللجنة؟ اللجنة عقدت ثماني جولات خلال الفترات الماضية في جنيف ولم تكن هناك مشكلة تثار حول المكان، ومحصلة هذه الجولات هي صفر، والسبب كما تحدثنا ابتداء رفض النظام للحل السياسي، ولذلك هو سيرفض كل شيء وإن كان لا يستطيع الرفض فإنه يلجأ إلى تكتيكات التعطيل”.

وكشف الكردي أن المعارضة “تعتبر أنه من المجدي أكثر أن تركز الأمم المتحدة على استكمال منهجية عمل اللجنة، التي من المفترض أنها تمنع أي طرف من ممارسة التعطيل، وتسمح للجنة بتنفيذ مهمتها لكتابة دستور جديد لسورية”.

لا طائل من الرهان على الأسد

وفي معرض تعليقه على تأثير التقارب العربي مع النظام على مسار الحل السياسي، قال الكردي إن “النظام تم تجربته أكثر من مرة قبل وبعد الثورة من قبل الأشقاء العرب والمجتمع الدولي، وكان دائماً يمارس الكذب والتحايل للتهرب من تنفيذ الاستحقاقات الملقاة على عاتقه، ولذلك كان حديثنا مع الأشقاء العرب أنه لا طائل من الرهان على أن نظام الأسد سيكون صادقاً هذه المرة، وأعتقد بدأنا نرى ونسمع عن بوادر فشل هذا المسار (المبادرة العربية) بسبب عدم جدية نظام الأسد والكذب الممارس من قبله”.

وذكّر الكردي بموقف هيئة التفاوض السياسي، الداعي إلى التنفيذ الكامل والصارم للقرار 2254 والإفراج عن المعتقلين وتحقيق العدالة وإعادة اللاجئين. وأضاف: “طبعاً لن نغلق باب الحوار مع الأشقاء العرب لما فيه خير سورية والشعب السوري، ووفق المحددات السياسية لثورة الحرية والكرامة”.

من جهته رأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن مسار الحل السياسي أخيراً كان مقتصراً فقط على اللجنة الدستورية، وهذا المسار متوقف منذ بداية الحرب الأوكرانية، إذ لم تعقد أي جولة والحديث هنا عن حوالي عام ونصف العام.

ولفت إلى أن “المسارات أو الملفات الأخرى لم تشهد أي تقدم، مثل قضايا المعتقلين أو اللاجئين أو المساعدات الإنسانية، وإجراءات بناء ثقة، وذلك يرتبط بأكثر من مسألة ومنها عدم وجود مناخ دولي يهيئ للحل”.

ولا يربط القربي بين التقارب العربي مع النظام وتوقف مسار الحل السياسي، مشيراً إلى أنه “على العكس فالتقارب الذي يقوم على مبدأ خطوة بخطوة يتماشى مع ما طرحه المبعوث الأممي في السابق، رغم أنه لم يحرز أي تقدم لا حالياً ولا في السابق”.

——————————

من تدمير سوريا إلى بيعها/ عدنان علي

خلال السنوات الماضية، لطالما تعالت أصوات من المعارضة السورية، تحذر من خطط إيران وشركاء محليين مرتبطين بنظام الأسد، للاستيلاء على أراض وممتلكات في مناطق بعينها من سوريا، نظرا لأهميتها “العقائدية” أو الاستراتيجية أو الاقتصادية والتجارية بالنسبة إليهم، وخاصة في العاصمة دمشق ومحيطها، إضافة إلى حلب ومناطق في شرقي البلاد قرب الحدود مع العراق.

ومع تجدد اندلاع الحرائق في الساحل السوري خلال الأعوام الأخيرة، برزت أيضا شكوك بأنها متعمدة ومن فعل فاعل، ونذكر أن النظام السوري اعتقل العام الماضي مجموعة من الأشخاص، وأعلن عن إعدام 24 منهم بتهمة افتعال الحرائق في تلك المنطقة عام 2020، بتوجيه من “جهات خارجية” دون أن يوضح ماهية تلك الجهات ودوافعها. واتضح لاحقا أن غالبية هؤلاء الأشخاص، والذين ظهر بعضهم في فيلم مسجل بثته وسائل إعلام النظام، هم من قرية واحدة في منطقة جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي استعادها النظام عام 2016، وأغلبهم كانوا في عداد المفقودين، أي جرى اعتقالهم بعد سيطرة النظام على قريتهم، وهو ما يؤكد أن الأمر لا يعدو أن يكون تمثيلية من النظام هدفها امتصاص الغضب الشعبي، من جراء عجزه عن إخماد الحرائق، وعدم قدرته على تعويض الأهالي، إضافة إلى صرف الأنظار عن مفتعلي الحرائق الحقيقيين.

وبرز الأمر مجددا هذا العام بعد حريق سوق ساروجة في دمشق القديمة، ومن ثم بدء موجة الحرائق في الساحل السوري، والتي أكدت جهات عدة، بما فيها مسؤولون من النظام، أنها مفتعلة، دون أن يجرؤوا على توجيه الاتهام إلى جهة محددة، ودون أن يحاولوا حتى تكرار سيناريو العام الذي سبق عبر اتهام أشخاص مجهولين بافتعالها، لأن هذا السيناريو لم يكن مقنعا لدى معظم الحاضنة الشعبية للنظام، والتي باتت تربط بين مفتعلي الحرائق، ومن يقوم بشراء الأراضي بعد حرقها، معتبرين أنهما جهة واحدة لا يمكن أن تكون منفصلة.

وعبرت عن هذا الرأي الناشطة الموالية لمى عباس في أكثر من بث وتعليق على صفحتها في “فيس بوك”، وكذلك العديد من المعلقين لديها، من أبناء الساحل، وسط توجيه اتهامات مبطنة من جانبها، وصريحة من جانب المعلقين، بوقوف جهات أجنبية (إيران) ومحلية (أسماء الأسد) بالوقوف خلف هذه الحرائق، بهدف دفع الأهالي لبيع أراضيهم المحروقة، وصولا إلى تغيير هوية المنطقة، عبر إحلال سكان آخرين مكان السكان الحاليين.

والواقع أن ثمة معطيات عدة تشير إلى أن الأشخاص الذين يعرضون شراء الأراضي المحروقة في كل مرة هم على صلة بمنظمة “الأمانة السورية للتنمية” التي تديرها أسماء الأسد، وخاصة رجلي الأعمال يسار إبراهيم وأبو علي خضر، إضافة إلى آخرين ممن لهم تواصل غير مباشر مع هذه الشبكة أو مع إيران. ومن المفهوم أن أسماء الأسد، ومنظمتها، لا تعملان لحسابهما الخاص، بل لحساب “القصر الجمهوري” وتحديدا عائلة بشار الأسد وشقيقه ماهر، ويتلخص نشاطها في محاولة الاستيلاء على الأنشطة المدرة للأموال، بكل الطرق “القانونية” إن أمكن، (ويسهل عليها إصدار وسن القوانين المطلوبة)، أو الوسائل الأخرى، مثل افتعال الحرائق، خاصة في منطقتي دمشق القديمة والساحل السوري، حيث يصعب تمرير قوانين ملزمة ببيع الأراضي والممتلكات دون موجبات أمنية أو “اقتصادية وطنية” مقبولة.

ولا يقتصر عمل هذه المنظمة بطبيعة الحال على مثل هذه الأنشطة، فهي تتولى تشبيك كادر التكنوقراط في مختلف قطاعات “الدولة” الحيوية بحيث يكونون مجندين لصالح “القصر” مباشرة، فضلا عن استبدال طبقة رجال الأعمال القديمة، بأشخاص جدد من أثرياء الحرب، وممن ليس لديهم سجل مهني قد يدفعهم الحرص عليه وعلى تاريخ عائلاتهم، للتحفظ على ما يطلب منهم من مهام “قذرة” في بعض الأحيان.

وأضف إلى ذلك تدخلات أسماء الأسد ومنظمتها في أعمال الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها الهلال الأحمر السوري، إضافة إلى صلاتها مع منظمات دولية مانحة، باعتبار “الأمانة السورية للتنمية” هي إحدى أهم شركاء تلك المنظمات في الساحة السورية. وباختصار، فإن نشاط المنظمة يتصل بكل ما يصب في تحصيل الأموال من أنشطة اقتصادية وخدمية وإنسانية، وتكديسها لصالح القصر الجمهوري، وعائلة الأسد. ويكمل ذلك ما تقوم به جهات أخرى من أنشطة “مشبوهة” أو غير نظامية مثل “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد، عبر تجارة المخدرات، وإتاوات الحواجز.. الخ.

وبهذا المعنى، فإن “حكومة الظل” التي تديرها أسماء الأسد تسعى للاستحواذ على “القطاعات المفيدة” أو المدرة للأموال، وتترك للحكومة الرسمية “المهام القذرة” في تأمين الحد الأدنى من مستلزمات دوران الحياة من كهرباء ومياه وخدمات بأقل الموارد الممكنة، بحيث تكون تلك الحكومة في مرمى الانتقادات الشعبية، ويتم تحميلها وزر التردي الاقتصادي والمعيشي.

وفي ضوء هذا الشح في الموارد، سوف “تضطر” الحكومة الرسمية إلى بيع قطاعات حيوية لـ”القطاع الخاص” أو جهات خارجية، مثل ميناءي طرطوس واللاذقية، لإيران وروسيا، ثم مطار دمشق الدولي وشركة الطيران السورية وبعض المدارس الحكومية، وليتضح أن المستثمرين الجدد هم أيضا مجرد واجهة لأسماء الأسد، وشبكتها الاقتصادية.

وخلاصة القول، فإن عائلة الأسد، تنقل اليوم بعد 10 سنوات من تدمير سوريا، إلى بيع ما تبقى منها أو ضمه عنوة إلى ممتلكات آل الأسد، دون أدنى اكتراث بمحنة الشعب السوري، بما فيه فئات الموالين، والتي تتعاظم كل يوم، حتى وصلت إلى درجات غير مسبوقة في التردي المعيشي والإنساني.

———————————–

=========================

تحديث 31 تموز 2023

————————–

عاقبوا نظام الأسد بدل التطبيع معه”/ ريبيكا ريكسهاوزن

انصدم سوريو العالم بقرار للجامعة العربية أعاد نظام الأسد إليها بعد 12 عاما من العزلة. الباحثة ريبيكا ريكسهاوزن ترى أن على الغرب فرض عقوبات عليه لأن من شأن غير ذلك تقوية السلطوية في كل المنطقة.

حين أعلنت جامعة الدول العربية في 7 أيار/مايو 2023 أنها أعادت ضم دمشق إلى صفوفها، منهية بذلك ما يقارب من 12 عاماً من العزلة، شعر السوريون في جميع أنحاء العالم بالخيانة والصدمة. كما أضرّ هذا القرار كثيراً بالثقة في قدرة المجتمع الدولي على ضمان المساءلة أو المساهمة في التوصّل إلى حلٍّ سياسي.

لكن هذا التطبيع للعلاقات مع نظام الأسد ليس مفاجئاً. إذ كان القرار في طور الإعداد منذ فترة من الزمن. فخلال السنوات القليلة الماضية، كان أعضاء جامعة الدول العربية يستكشفون بالتدريج إلى أي مدى يمكنهم المضي في إعادة العلاقات مع سوريا متجاوزين الحدود الموضوعة، وذلك بمقاومة قليلة أو معدومة من الولايات المتحدة.

إذ بدأ الأردن، الذي يُعدُّ إضافة إلى مصر من القوى الدافعة خلف جهود التطبيع، إعادة علاقاته ببطء مع نظام الأسد، مباشرة بعد زيارة الملك عبد الله الثاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بالتأكيد ليس من قبيل المصادفة.

وحين تم التوصّل -بعد ذلك بوقت قصير- إلى اتفاق ثلاثي لبناء خط أنابيب عبر سوريا -للتخفيف من مشاكل الطاقة في لبنان من خلال تزويدها بالغاز المصري- وفّرت إدارة بايدن للأطراف المعنية ثغرة في عقوباتها ضد سوريا.

ضعف تطبيق الولايات المتحدة للعقوبات

يتماشى مثل هذا السلوك مع ضعف تطبيق إدارة بايدن عموماً للعقوبات المعمول بها. وفي حين أنها من الناحية النظرية واحدة من أقوى أنظمة العقوبات الموجودة -خاصة مع آلية قانون قيص الذي تتضمن أحكامه عقوبات ثانوية مكثّفة شاملة دخلت حيّز التطبيق في حزيران/يونيو من عام 2020- بيد أنّ تنفيذها يفتقر إلى الفعالية بشدة.

وبينما تتمسّك إدارة بايدن رسمياً بهذا القانون، تبدو متردّدة في تحديث قوائم العقوبات ومراجعتها باستمرار. الأمر الذي يشكّل أهمية كبيرة في ضوء تكتيكات الإفلات من العقوبات التي يتّبعها نظام الأسد. إذ تحوي القوائم الحالية نقصاً إضافة إلى افتقارها للتنسيق مع الأطراف الأخرى التي تفرض عقوبات مثل الاتحاد الأوروبي، مما يقلّل من فعالية العقوبات بصورة أكبر.

ويمكن تتبّع تاريخ سلبية الولايات المتحدة تجاه سوريا إلى بدايات الانتفاضة الشعبية عام 2011 خلال إدارة أوباما. إذ بينما كانت واشنطن من أوائل الدول في تشديد العقوبات القائمة بالفعل بعد فترة وجيزة من بدء القمع الوحشي للمتظاهرين، إلا أنّها فشلت في متابعة موقفها بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية.

وبسبب تأثرها بصدمة حرب العراق والتدخّل الفاشل في ليبيا وتحت ضغط داخلي سببه مشاعر “أمريكا أولاً” القوية التي سبقت عهد ترامب، اختارت الولايات المتحدة التعامل مع الأسد في القضية الكيمائية، بوساطة من روسيا، المهيمنة في سوريا. وقد حدث هذا حتى بعد تجاوز “الخط الأحمر” الذي أعلنه أوباما، مما مهّد الطريق ليس لظهور الدولة الإسلامية فحسب، ولكن أيضاً لتدخّل موسكو، الذي ساعد الأسد في نهاية المطاف على تجنّب الهزيمة العسكرية.

تأثير نهج واشنطن السلبي المتزايد

شجّع نهج واشنطن السلبي بصورة متزايدة على مدار السنين، ليس في سوريا فحسب، بل في المنطقة بأسرها، دخول روسيا (عسكريا واقتصادياً على سبيل المثال عبر استثماراتها في صناعة الفوسفات في سوريا)، كما شجّع تعاون الصين مع سوريا، بما في ذلك التوقيع مؤخراً على صفقة مع دمشق لتصبح جزءاً من مبادرة الحزام والطريق الخاصة ببكين. حتى أن بعض المراقبين يلومون بشكل مباشر تردّد الولايات المتحدة على تمكين سياسات بوتين الإمبريالية، و”تشجيعه” وتمهيد الطريق في نهاية المطاف لأكثر المواجهات مباشرة حتى الآن، أي الحرب على أوكرانيا.

كما يمكن اعتبار التوقيع الأخير على الصفقة الإيرانية السعودية التي تمت بواسطة من الصين نتيجة لسياسة الولايات المتحدة هذه، وإضافةً طموحات الرياض الخاصة كانت الصفقة الإيرانية السعودية بمثابة عامل نقطة تحوّل في عملية التطبيع التي تكلّلت بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وفي حين انتقدت واشنطن الخطوة هذه يبدو أنّ إدارة بايدن تعتبر نفسها غير قادرة على ثني شركائها الإقليميين عن إعادة الإدماج هذا، وبالتالي فهي تعطي على الأقل ضوءاً برتقالياً -إن لم يكن أخضر- لهذه العملية. في الواقع اقترح مسؤولو وزارة الخارجية نهج مقايضة لإعادة التعامل مع نظام الأسد، على سبيل المثال فيما يتعلق بقضية العودة الآمنة للاجئين، ووجود القوات الإيرانية في سوريا أو خطوات باتجاه حل سياسي. وعلى الرغم من أنّ أعضاء في جامعة الدول العربية يشدّدون كذلك على هذه الشروط من أجل إعادة الإدماج الكاملة، بيد أنها قد تكون مجرد مسألة وقت قبل أن تدفع المصالحُ المحلية والاقتصادية الدولَ العربية إلى إعطاء الأولوية لاستقرارها المتصوّر وإلقاء هذه الشروط جانباً.

النظام السوري: ما أشبه الليلة بالبارحة

في الحقيقة من المرجح حدوث مثل هذا التطوّر بما أنّ نظام الأسد يستمر في عدم إبداء أي اهتمام بأي جهود مصالحة جادّة. دار خطاب الأسد في القمة العربية حول سرديات القومية العربية ومناهضة الإمبريالية (على الأقل فيما يتعلق بالقوى الغربية)، لكنه شدّد أيضاً على أنّ الدول ينبغي أن تتعامل مع شؤونها الداخلية بنفسها.

وتراجع مؤخراً وزير خارجيته، فيصل المقداد، عن بيان مشترك صدر بعد اجتماع مع وزراء خارجية عرب آخرين في عمان حول حلٍّ للنزاع السوري، زاعماً عدم وجود خطط ملموسة. كما استبعد المقداد صراحة تقديم تنازلات حول نقاط رئيسية في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، مثل المطالبة بحكومة انتقالية وتغييرات دستورية، بينما دعا إلى تنفيذ إجراءات مختارة مثل إنهاء العقوبات الغربية ضد سوريا.

وهذا يوضح تماماً عدم جدوى أمل واشنطن في تغيير سلوك نظام الأسد مقابل التطبيع، ويوضّح لماذا نهج الموافقة الضمنية الحالي مآله الفشل، إن كانت الولايات المتحدة تهتمّ حقاً بحل سياسي مستدام في سوريا بدلاً من مجرد تهدئة ظاهرية.

الحاجة إلى استراتيجية غربية شاملة

وبدلاً من تعزيز السلطوية بشكل أكبر، وربما تشويه سمعة الولايات المتحدة والغرب بشكل يتعذّر إصلاحه من خلال مشاهدة أكثر من نصف مليون حالة وفاة، وأكثر من 13 مليون نازح وعدد لا يُحصى من ضحايا التعذيب تُخفى “تحت السجادة” التي “مُدّت لاستقبال” الأسد، هناك حاجة إلى استراتيجية شاملة عبر الأطلسي تراعي الديناميكيات الإقليمية وتجمع بين حوافز للحلفاء الإقليميين وضغط شديد على نظام الأسد.

أولاً، ينبغي أن يكون إنفاذ العقوبات الحالية أولوية. فالموافقة على قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023 (Bill H.R. 3202)، الذي يُلزِم إدارة بايدن بتنفيذ قانون قيصر وبتقديم استراتيجية شاملة لمواجهة جهود التطبيع التي تبذلها الدول الأخرى، ستكون خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.

ثانياً، تعزيز التنسيق عبر الأطلسي فيما يتعلق بقوائم العقوبات وإنفاذها -إضافة إلى التنسيق لإنشاء آليات رقابة أفضل واستراتيجية مشتركة لمكافحة التطبيع- يُعدُّ أمراً بالغ الأهمية.

ثالثاً، ينبغي تقديم المزيد من الدعم لدول الجوار التي تستضيف اللاجئين السوريين، والتعاون مع الجهات الفاعلة الإقليمية أمر ضروري للسيطرة على تجارة الكبتاغون، ومعالجة مسألتين رئيسيتين تثيران قلق الحلفاء الرئيسيين في المنطقة.

رابعاً، يمكن أن يؤدي اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران، بهدف إضعاف نفوذها، إلى تقليل التوتّرات الإقليمية.

حان الأوان لكي تعود إدارة بايدن وحلفاؤها عبر الأطلسي إلى لعب دور أكثر فعالية ويتبع السياسة الخارجية التي تركز على حقوق الإنسان التي أعلنوا عنها بحماس، بدلاً من الوقوف مكتوفي الأيدي والمشاهدة بصمت بينما يتجلّى فجر جديد من السلطوية أمام أعينهم.

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: غلوبال بوليسي جورنال / موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de

ريبيكا ريكسهاوزن مساعدة مدير وزميلة في مركز الشرق الأوسط والنظام العالمي (CMEG). تتركز اهتماماتها البحثية الرئيسية على سوريا والشرق الأوسط والسياسة الخارجية تجاه المنطقة والعقوبات.

—————————–

توقف قطار التطبيع بانتظار الإجابة عن سؤال محرج/ مصطفى إبراهيم المصطفى

يشتكي كثير من الدبلوماسيين حول العالم من صعوبة التعامل مع نظرائهم الإيرانيين لما عرف عن هؤلاء من صلف وعنجهية ونظرة فوقية تجاه الآخرين، ويقال إن حلفاءهم الروس يشعرون بالامتعاض من هذه الحالة، فالإيرانيون ينظرون إليهم نظرة الند للند دونما أي اعتبار لفارق القوة والمكانة الدولية، بل هم أخضعوا الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لذلك البروتوكول المقيت الذي يتجلى في استقبال المرشد لضيوفه حيث يظهر العلم الإيراني خلفه بينما يجلس الضيف جانبا وليس جانبه دونما علم.

استحوذت إيران على موقع استراتيجي مميز وحساس أكسبها مزيدا من الأهمية، وبالإضافة إلى ما تمتلكه من موارد بشرية وموارد طبيعية وموارد ثقافية ذات نزعة إمبراطورية، جاءت الظروف الدولية والإقليمية لتجعل من إيران رقما صعبا في كل المعادلات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، وهذا ما دفع ساستها للمبالغة في تقدير الذات لدرجة تثير الاشمئزاز.

إذن، هي ظروف استثنائية وموارد قوة لا يستهان بها جعلت من إيران دولة غير قانعة بمكانتها الدولية، وبالتالي هي دولة ساعية إلى التغيير في بنية النظام الدولي إلى جانب كل من روسيا والصين بالدرجة الأولى، هذه الدول الثلاث التي مازال قادتها بالكاد بدؤوا يتلمسون خطاهم على مسرح التاريخ؛ متخذين من “البلطجة” وسيلة للتعبير عن الرفض للنظام الدولي القائم.

وسلوك “البلطجة” الذي يعتبر السمة المميزة للسياسة الإيرانية، على وجه الخصوص، كان مصدر قلق وذعر لدول الجوار، وخاصة دول الخليج العربي التي كانت ومازالت ترى في النظام الإيراني كابوسا يقض مضجعها، وهي ما فتئت تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل تقليم أظافر هذا المارد المتعجرف بالقوة، لكن هذه الدول عندما وصلت لمرحلة اليأس من إمكانية إقناع الولايات المتحدة بتنفيذ رغباتها قررت أن تعبر عن احتجاجها بأساليب مختلفة، لجأ السعوديون إلى التقارب مع النظام الإيراني تحت رعاية صينية، واعتقدوا أن هذه الرعاية تحقق لهم هدفين: أولهما استفزاز الولايات المتحدة وإغاظتها، وثانيهما ضمانة أن تلتزم إيران بما سوف تتعهد به. وفيما يبدو أن الهدف الأول تحقق – إلى حد ما – وجلب للسعوديين مزيدا من الضغوط الأميركية؛ مازال الوقت مبكرا للحكم على جدوى الهدف الثاني.

في مجمل الأحوال، بقيت الأمور ضبابية ولم يعلم أحد بتفاصيل ما اتفق عليه الجانبان السعودي والإيراني، وكل ما خرج للعلن لم يكن سوى عبارات إطراء متبادلة وفضفاضة، ولكن لوحظ تراجعا لحدة الصراع في اليمن فيما يمكن تسميته بلجم الحوثيين من قبل إيران في مقابل سباق مع الزمن من قبل السعوديين لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية فيما بدا أنه تعهد سعودي يجب الالتزام به في الموعد المحدد، ويمكن القول إن هذا هو التفسير الوحيد لهذا السلوك السعودي رغم كل ما قيل ويقال من كلام خلاف ذلك.

إن محاولة إخفاء السبب الحقيقي وراء التطبيع المتسرع من قبل السعوديين مع النظام السوري ومحاولة دمج هذه الخطوة بالمبادرة العربية التي يقودها الأردن ليست سوى محاولة للتهرب من الإجابة عن سؤال من هرول نحو الآخر؟ ومن انكسر أمام الآخر؟

بالعودة إلى الغرور الإيراني ونظرتهم الفوقية التي تجعل دبلوماسييهم يتصرفون وكأنهم يمثلون دولة عظمى؛ نتذكر أنه مع بداية التقارب السعودي الإيراني خرج علينا أحد المحللين الإيرانيين ليقول: على الإخوة في المملكة العربية السعودية ألا يخافوا من الولايات المتحدة الأميركية؛ فإن إيران قادرة على حمايتهم وحماية كل دول الخليج من أي خطر.

في المقابل، تجاهل المتحدثون السعوديون الحديث عن أي التزام سعودي تجاه إيران، وتناول هؤلاء قضية تعويم النظام السوري وإعادته إلى جامعة الدول العربية على أنها تأتي ضمن سياق المبادرة العربية دون التطرق لأي دور إيراني فيما يحصل.

وبناء على المنظور الإيراني ذهب رأس النظام السوري إلى قمة جدة يخطو خطوة المنتصر وهو يعتقد أنه ذاهب لجمع الإتاوات، في حين تصرف السعوديون بتماهٍ تام مع الخطاب الذي صدّروه. أي، أفهموا النظام السوري أن تطبيع العلاقات معه مشروط ببعض الالتزامات، وهكذا ظن السعوديون أنهم التزموا بتعهدهم أمام إيران بإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية دونما الاعتراف الواضح بالهزيمة أمام إيران من خلال تصوير ما يحصل أنه يندرج في سياق المبادرة العربية.

لأن ذلك لم يعجب النظام السوري ولم يعجب النظام الإيراني دخلت المبادرة العربية مرحلة من الركود بانتظار أن تتضح بعض الأمور، أو لنقل بانتظار الإجابة عن سؤال من هرول نحو الآخر؟ ومن انكسر أمام الآخر؟ ولأن إيران لن تقبل أن يبقى هذا السؤال من غير إجابة عادت إلى البلطجة من جديد، ولكن هذه المرة من خلال التعدي على الثروات العربية في حقل الدرة البحري للغاز.

إن إيران هذه المرة (في قضية حقل الدرة) تلعب ما يعرف في حقل العلاقات الدولية بلعبة “الجبان” أو “الدجاجة” بتسمية أخرى، وهي – باختصار شديد – تعني أن يندفع أحد الأطراف نحو هدف محدد دونما اكتراث بالطرف الآخر واضعا إياه أمام خيارين: إما المواجهة والصدام، وإما التنحي جانبا. وبالتالي، فهو جبان ولا بد أن يتحمل تبعات كونه جبانا. وفي هذا السياق صرح مصدر في شركة النفط الإيرانية: إن طهران ستقوم بخطوات استباقية لتثبيت أقدامها في الحقل قبل السعودية والكويت.

بكل تأكيد لن تؤدي المماحكات حول حقل الدرة إلى اندلاع حرب بين السعودية والكويت من جهة وإيران من جهة أخرى، إلا أن النتائج النهائية لهذه المماحكات سوف تكون جزءا من الإجابة عن سؤال من انكسر أمام الآخر؟ خصوصا وأن الرد السعودي والكويتي على الادعاءات الإيرانية كان حازما وجازما بأن ملكية الحقل تعود للسعودية والكويت فقط.

بانتظار الإجابة عن ذلك السؤال المحرج ستبقى مسألة التطبيع مع النظام السوري معلقة، ولن تقبل إيران أن يبقى هذا السؤال من غير إجابة واضحة، وهي تقول لدول الخليج: إما الاستسلام وإما العودة إلى حلبة الصراع من جديد.

تلفزيون سوريا

——————————-

نتائج عكسية” بعد 3 أشهر من التطبيع العربي مع الأسد

نشرت مجلة “فورن بوليسي” مقالاً تحليلاً وثّقت فيه “نتائجاً عكسية” شهدتها سورية رغم مرور 3 أشهر من التطبيع العربي مع نظام الأسد.

وكانت المملكة العربية السعودية قد قادت جهود التطبيع مؤخراً ودعت بشار الأسد لحضور القمة العربية في جدة، فيما سبقتها الإمارات بسلسلة خطوات منذ 2018، وتبعتهما الأردن ومصر.

ومن المقرر أن تعقد الدول العربية “قمة متابعة” في أغسطس/آب المقبل، لمناقشة التقدم والخطوات التالية المتعلقة بمسار التطبيع مع نظام الأسد.

لكن ووفقاً لمسؤولين من ثلاث دول إقليمية نقلت عنهم المجلة الأمريكية، اليوم الاثنين، “لن يحقق الاجتماع المقبل أي تقدم يذكر”، لأن “كل مشكلة في سورية تفاقمت بشكل ملحوظ منذ شهر أبريل الماضي”.

واستعرضت “فورن بوليسي” تفاقم المشكلات في سورية رغم “التطبيع” كما في التالي:

“المساعدات”

وكان الهدف الأساسي الذي قام عليه تطبيع المنطقة العربية مع الأسد هو الرغبة في رؤية سورية “مستقرة”.

ولأكثر من عقد من الزمان، دعم المجتمع الدولي جهود المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، لتلبية احتياجات ملايين الأشخاص.

ويعيش 4.5 مليون الأكثر ضعفاً في زاوية صغيرة من شمال غرب سورية، والتي تعد موطناً لأشد أزمة إنسانية في العالم.

في 11 يوليو/تموز استخدمت روسيا حق النقض ضد تمديد آلية الأمم المتحدة التي مضى عليها 9 سنوات لتقديم المساعدات عبر الحدود إلى الشمال الغربي، مما أدى إلى قطع شريان الحياة الحيوي، ودفع المنطقة إلى حالة من عدم اليقين عميقة وغير مسبوقة.

وبعد أيام من حق النقض الروسي، أعلن نظام الأسد عرضاً لفتح وصول المساعدات إلى المنطقة، لكنه أضاف مجموعة من الشروط التي جعلت هذا العرض مستحيل التنفيذ عملياً.

وحتى لو تم تنفيذ مخطط النظام بطريقة ما، فإن تدفق المساعدات سيكون جزءاً صغيراً مما كان ممكناً بموجب الترتيب السابق، وفق المجلة الأمريكية.

وفي ظل الوضع الحالي، لا توجد الآن آلية لتقديم المساعدة دون عوائق إلى شمال غرب سورية، ولا توجد جهود جادة لإنشاء واحدة.

“الكبتاغون”

إحدى القضايا التي كانت المملكة العربية السعودية والأردن أكثر قلقاً بشأن انبعاثها من سورية هي التجارة في “الكبتاغون“، وهو عقار أمفيتامين غير قانوني ينتج على نطاق صناعي من قبل شخصيات بارزة في نظام الأسد.

بين عامي 2016 و 2022، تم ضبط أكثر من مليار حبة كبتاغون سورية الصنع في جميع أنحاء العالم، معظمها في الخليج العربي.

وسعت دول المنطقة في تعاملها مع النظام السوري إلى إقناع الأسد بوضع حد للتجارة.

وبالنظر إلى الدور المركزي للنظام فضلاً عن هوامش الربح المذهلة التي ينطوي عليها ذلك – يمكن أن تكلف حبة واحدة عدة سنتات لإنتاجها، ولكنها تباع في الخليج مقابل 20 دولاراً.

وكان وعد دمشق في مايو / أيار للحكومات الإقليمية بأنها ستكبح تجارة الكبتاغون في أحسن الأحوال “ادعاءً مثيراً للضحك”، بحسب تعبير كاتب المقال التحليلي، تشارلز ليستر.

ومع ذلك، وبينما استقبل الأردن للتو اثنين من أكثر مسؤولي النظام شهرة وعقوبات دولية – وزير دفاع الأسد ورئيس المخابرات في عمان- اضطر لإسقاط طائرة بدون طيار تحمل مخدرات من سورية بعد يوم واحد فقط.

في غضون ذلك، تُظهر بيانات أنه تمت مصادرة ما قيمته مليار دولار من الكبتاغون السوري الصنع في جميع أنحاء المنطقة في الأشهر الثلاثة الماضية، في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والكويت والعراق وتركيا و الأردن.

والأهم من ذلك، اكتشفت السلطات الألمانية للتو منشأة لإنتاج الكبتاغون يديرها سوريون في جنوب ألمانيا، إلى جانب ما يقرب من 20 مليون دولار من الحبوب و 2.5 طن من السلائف الكيميائية.

“اللاجئون”

تأمل الدول الإقليمية أيضاً في أن تؤدي إعادة الارتباط بنظام الأسد إلى فتح طريق لعودة اللاجئين إلى سورية.

بعد كل شيء، فإن وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة – 3.6 مليون في تركيا، و 1.5 مليون في لبنان ، و 700000 في الأردن – يفرض ضغوطاً لا يمكن تحملها على نحو متزايد على البلدان المضيفة.

ومع ذلك، فإن المنطق وراء الآمال الإقليمية لا يمكن تفسيره، إذ ترتبط جميع الأسباب الأكثر أهمية لرفض اللاجئين السوريين العودة بحكم النظام السوري.

وأظهر استطلاع جديد للأمم المتحدة بشأن اللاجئين السوريين صدر بعد أيام قليلة من مشاركة الأسد في قمة جامعة الدول العربية في جدة أن 1 بالمئة فقط يفكرون في العودة في العام المقبل.

“الانهيار الاقتصادي”

في الأشهر الثلاثة الماضية، انهار الاقتصاد السوري بشكل سريع، حيث فقدت الليرة السورية 77 في المئة من قيمتها.

وعندما زار وزير الخارجية السعودي دمشق في نيسان (أبريل) الماضي، كانت قيمة الليرة السورية تساوي 7500 دولار إلى دولار واحد، أما اليوم، فقد بلغ هذا الرقم 13300.

وبعد أن تم الترحيب بالعودة إلى الحظيرة الإقليمية مع الاستفادة في نفس الوقت من إعفاءات العقوبات الأمريكية والأوروبية في أعقاب زلزال فبراير، لا ينبغي أن يبدو اقتصاد الأسد على هذا النحو.

وجاء في المقال: “يكمن الخطأ هنا في النظام نفسه، الذي ثبت أنه فاسد بشكل منهجي، وغير كفء، ومدفوعاً بالجشع بدلاً من الصالح العام”.

وأضاف: “لقد أدى سوء الإدارة المالية وإعطاء الأولوية لتجارة المخدرات غير المشروعة إلى قتل الاقتصاد السوري، وربما إلى الأبد”.

“التصعيد”

وبينما تتوق المنطقة إلى سورية مستقرة، يحكمها نظام قوي لكنه مُصلح ويرحب باللاجئين في الوطن، فإن الأشهر الثلاثة الماضية أعطت صورة مختلفة تماماً، وعنوانها “التصعيد”.

إذ قُتل ما يقرب من 150 شخصاً في محافظة درعا الجنوبية منذ أبريل، مما يعزز مكانة المنطقة باعتبارها أكثر المناطق غير المستقرة في البلاد منذ عام 2020.

وفي أواسط تموز / يوليو، حاصرت قوات النظام قرى جنوب بلدة طفس واتهمتها بإيواء المعارضين، قبل أن تهدم 18 منزلاً عقاباً لها.

ومنذ خضوعها العنيف للنظام قبل خمس سنوات، كان من المفترض أن تجسد درعا خطط الأسد التي يصفها بنفسه لـ “المصالحة” في المناطق التي كان يسيطر عليها خصومه سابقاً.

لكن المصالحة في درعا لم تكن كذلك، والمنطقة الآن تعج بالتمرد والإرهاب والجريمة المنظمة والفوضى الفوضوية من الاقتتال السياسي الداخلي، بحسب ليستر.

في غضون ذلك، صعد النظام أيضاً من هجماته على الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة.

ولم يمض وقت طويل على مشي الأسد على البساط الأحمر في قمة جامعة الدول العربية في جدة، حتى استأنفت روسيا الضربات الجوية، لأول مرة منذ نوفمبر 2022.

وإلى جانب الطائرات الروسية، تصاعدت نيران المدفعية الموالية للنظام أيضاً من مايو إلى يونيو، مما أدى إلى زيادة عدد القتلى بنسبة 560 في المائة في الشمال الغربي في يونيو، من خمسة في أبريل إلى ثلاثة في مايو إلى 33 في يونيو.

وشمل هذا التصعيد الملحوظ استئناف قصف النظام لإصابات جماعية لأهداف مدنية، بما في ذلك هجوم دمر سوقاً في 25 يونيو / حزيران، وخلف 13 قتيلاً على الأقل.

“الإرهاب”

كما وجه التطبيع الإقليمي لنظام الأسد ضربة عميقة، ومن المحتمل أن لا رجعة فيها لما يقرب من عقد من الجهود الدولية لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

لسنوات، اعتمدت الولايات المتحدة على الغطاء الذي يوفره الشركاء الإقليميون مثل الأردن والمملكة العربية السعودية للحفاظ على الانتشار العسكري الأمريكي الحيوي في شمال شرق سورية.

لكن هؤلاء الشركاء يعلنون الآن دعمهم لتوسيع حكم الأسد على الصعيد الوطني، بما في ذلك عبر طرد القوات الأجنبية.

والأسوأ من ذلك، بعد أن كانت منذ فترة طويلة من بين أكثر المانحين سخاء لعمليات مكافحة تنظيم “الدولة”، فشلت المملكة العربية السعودية في التبرع بأي شيء في المؤتمر الوزاري السنوي الأخير، الذي استضافته الرياض نفسها.

كما أدى تطبيع الأسد إلى تقويض نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” الشريكة للولايات المتحدة لتحديد أو التفاوض على بقائها على المدى الطويل.

في المقابل تم تمكين روسيا وإيران، مع تقارير عن التخطيط لهجوم إيراني وانتهاكات روسية يومية لترتيب تفادي التضارب طويل الأمد من أجل تحدي الطائرات الأمريكية وتهديدها.

وبين 1 أبريل و1 يوليو نفذ التنظيم 61 هجوماً وقتل 159 شخصاً في وسط سورية الذي يديره النظام، وهو ما يمثل 50 في المائة من جميع الهجمات و 90 في المائة من القتلى المحققين في عام 2022.

وفي أواخر يوليو، وسع التنظيم نفوذه إلى دمشق، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة 23 آخرين في هجوم بقنبلة في حي السيدة زينب.

“فيتو الأسد الدبلوماسي”

أخيراً، يبدو أن التطبيع الإقليمي للأسد – الذي قالت جامعة الدول العربية إنه كان من المفترض أن يكون “مشروطاً” بتأمين تنازلات النظام – قد حطم أي أمل في دبلوماسية ذات مغزى تهدف إلى حل حقيقي للأزمة السورية.

ووفقاً لمسؤولين كبار في الأمم المتحدة تحدثوا لـ”فورن بوليسي” فقد أبلغ الأسد قادة الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة أنه لا ينوي إعادة التواصل مع اللجنة الدستورية التي تديرها الأمم المتحدة أو في أي خطوة من أجل عملية التفاوض، سواء بتنسيق من قبل الأمم المتحدة أو دول المنطقة.

و”ربما بدت احتمالية التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية قاتمة قبل ستة أشهر، لكن يبدو أن العلاقات الإقليمية مع النظام منذ أبريل قد قتلت الأشياء تماماً”، حسب المجلة.

وتضيف: “يجب أن يكون موقف النظام تجاه المساعدات عبر الحدود بمثابة مؤشر واضح على المدى الذي يشعر فيه الأسد بالتمكين بشكل لا رجعة فيه، منذ أن رحب به الكثير من المنطقة”.

ويتابع المقال التحليلي: “الصورة باتت لا تقبل للجدل. تم تجاهل جوقة التحذيرات من أن إعادة الارتباط بالأسد ستأتي بنتائج عكسية، وأصبحت العواقب الآن واضحة ليراها الجميع”.

———————————

الانفجار الداخلي السوري في “دولة القانون”/ سميرة المسالمة

تزداد انقسامات النظام السوري وأزماته على مختلف المستويات الداخلية والخارجية، العسكرية والمدنية، لعل أخطرها أن النظام لم يعد يمكنه أن يعتمد على أنه محصّن داخلياً من مؤيديه، وهم أحد مكوّنات دفاعاته الداخلية (كما يدّعي) بعد قوات جيشه وأمنه، وهي كتلة المؤيدين “المتجانسين” لحربه المستمرة منذ ما يزيد على 12 عاماً ضد معارضيه، مضافاً إليها تشكيلات الدولة من حكومة ومجلس الشعب ومجالس محلية، التي جرى تركيبها بالصيغة المطلوبة لاستمرار التأييد المطلق لكل سياساته وآثارها على الشعب السوري. ذلك أن الأوضاع المتدهورة تباعاً، فكّكت، على ما يبدو، عُرى التحالف الداخلي السابق، وأطلقت العنان لصرخات الوجع أن يعلو صوتها، سواء عبر منصّات شخصية، أو عبر منصّات حكومية (مجلس الشعب)، وصولاً إلى تململ تلك المساحة الطائفية الضيقة التي تحرّك النظام “لحمايتها” في سياق تبريره حربَه على الشعب السوري، التي أخذ موقفها المؤيد بالانحسار تدريجياً باستثناءاتٍ تطاول المنتفعين شخصياً، والمنخرطين بالعمل العسكري المباشر، ومنتجي المخدّرات ومصنّعيها ومروّجيها وعابري الحدود، أي الذين يجلسون مع النظام تحت “مظلّة الكبتاغون”.

لم تقدّم الوقائع الجديدة التي رافقت مسيرة التطبيع العربي مع النظام السوري، والتي كان يعوّل عليها في أن تكون رافعة للاقتصاد السوري في مناطق النظام، للسوريين أي بارقة أمل. على العكس، تدهورت معيشتهم وازداد انهيار العملة من ثمانية آلاف ليرة سورية سعر الدولار الواحد من نحو أربعة أشهر إلى ما يزيد على 13 ألفاً مع فقدان معظم المنتجات السورية من الأسواق، ما زاد في المعاناة، بديلاً من حلحلة الوضع على كل المستويات، ومنها السياسية والاجتماعية، إضافة إلى الاقتصادية. حيث منح تطبيع بعض الدول العربية، من دون أن يكون لها أي تأثير سياسي في النظام يدفعه نحو الحلّ السياسي، الرئيس بشّار الأسد “نصراً مزيفاً”، غير قابلٍ للصرف اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، بل أدّى الاستعجال غير المدروس عربياً لهذا التقارب مع نظام معاقب دولياً إلى تفعيل الرقابة على تنفيذ العقوبات الغربية وتشديدها، والانحياز إلى تطويقه بعقوباتٍ جديدة. أي إن السوريين دفعوا ثمن صورة الأسد داخل أروقة اجتماع جامعة الدول العربية في جدّة، مزيداً من المعاناة والفقر، فيما لم يقدّم طرفا التطبيع (النظام والدول العربية) أي خطواتٍ للاستثمار الجدّي في تغاضي المجتمع الدولي عن هذه الخطوة، بل جرى التعامل معها في نطاق “المجاكرة” بين الدول، ما جعلها عبئاً إضافياً يُضاف على كاهل الأزمة السورية ومعيشة السوريين.

صحيح أن الجلسة الاستثنائية لمجلس الشعب السوري ردة فعل طبيعية يمكن لأي متابعٍ للشأن السوري قبل ثورة 2011 أن يجد مثيلاتها في محاضر جلساته، وأنها في كل المرّات لم تنصر السوريين في أيّ استحقاق، أي كانت مجرّد جلسات للتداول الإعلامي والتعويض المالي للمجتمعين، بيد أنه، هذه المرّة، يمكن تناول الجلسة التي عُقدت تحت مسمّى جلسة استثنائية، في 24 يوليو/ تموز الحالي، من كونها جلسة إخلاء مسؤولية من بعض الأعضاء أمام عائلاتهم، قبل أن تكون أمام الشعب السوري عموماً، حيث لم تعُد العائدات المأمولة من مثل هذه المناصب تكفي لحياة رغيدة لأسرهم، كما كان الوضع سابقاً، فلم تعُد الجهات التشريعية قادرةً على ممارسة دور الوساطة في الشؤون الإدارية والتنفيذية ذات العوائد الربحية “على بعضهم”، كما كان سائداً وقتاً كثيراً، حيث صارت تلك الأدوار منوطةً فقط بحاملي البطاقات العسكرية والأمنية، ما أفقد أعضاءً كثيرين الميزة الربحية لمنصبه، إلا أن هذا لا يقلّل من أنها كانت حاجة لشرعنة عمل المؤسّسة أمام مناصريها من السوريين.

ولكن ضمن معرفتي بواقع سير الأمور في سورية من خلال عملي الإعلامي سنوات طويلة، فإن مثل هذه الجلسات لا تفاجئ الحكومة التنفيذية، ما يعني أن رد رئيس الحكومة، حسين عرنوس، لمجلس الشعب في جلسته الاستثنائية، موجّه إلى الداخل السوري، وإلى دول الجوار العربية، والإقليمية المضيفة للاجئين السوريين، والمجتمع الدولي، مفاده بأن سورية لا تزال في خضم الحرب، لم تنزع بعد إلى السلام الذي يخوّلها أن تلتفت إلى مشكلاتها الصغيرة من فقر وجوع وفقدان للأمن وفساد على كل المستويات، والأهم تأمين مستلزمات الجيش لمتابعة حربه، وهو ما يلزم الناس أن يقنعوا بما يقدم لهم، من دون أي توقّعات بالأحسن، وهذه تحديداً الرسالة التي تريد سورية أن تقولها للذين يتحدّثون عن عودة اللاجئين، أنه ضمن الإمكانات التي لا تفي بخدمات الموجودين في سورية، لا يمكن فتح الأبواب للعائدين من اللاجئين، من دون أن تتحمّل الدول أعباء هذه العودة، على مقولة “من يفتح خزائنه نرحّب برفع الأعباء عنه”.

صراحة، خطاب عرنوس تُحسب له وليس عليه، لأنه لا يعتمد أسلوب الحكومات السابقة في أن يأمل الناس أن القادم أحسن، بل يضعهم أمام واقع خياراتهم السابقة، هذا هو واقع حكم الرئيس الأسد، وأن هدف سياسات الحكومة المحافظة على إدارة الصراع بما يمدّ عمر النظام السوري، وهو الواجب الذي يجب أن يكون نصب عيني كل مواطن، منظماً في هيئاتها الحكومية أو في خارجها. وضمن ذلك التبرير لهذه الحكومة، أو أي حكومة تنفيذية قادمة، كما شدد عليه في خطابه، الإيمان بانتفاء الفائدة من أي حكومةٍ لمصلحة السوريين. ومع ذلك، كان يمكن للحكومة السورية أن تقدّم ما يرفع بعض المعاناة عن الشعب من إصلاح نظامها الضريبي إلى تشجيع الاستثمار الوطني التي عملت عقوداً على وضع المنغّصات أمامه، على تغيير في سياساتها الاقراضية، والاستثمار في أراضيها الزراعية بديلاً من حرقها وتحويلها إلى كتل إسمنتية، إلا أن ذلك كله يتطلب عبارة بسيطة مستحيلة التحقق: محاربة الفساد بديلاً من مشاركة الفاسدين.

ضمن سياق الهروب مما تفرضه حالة السلم، وللتأكيد أن سورية لا تزال تعيش حالة الحرب، وضمنها حالة فوضى واختلال أمني، تسعى الجهات الأمنية لتسخين بعض المناطق السورية المكتظة بتنوعها الطائفي، جرمانا أو السيدة زينب مثالاً، أو التي أبرمت معها اتفاقيات تسوية (درعا)، لتعيد ترتيب أولويات السوريين إلى أن أمنهم يأتي في المرتبة الأولى، وأن الحديث عن أولويات اقتصادية لا معنى له، ضمن الواقع الأمني المتردّي، وهو الأمر الذي لم يعد يقنع عموم السوريين، بما فيهم الحلقة المقرّبة من النظام، التي تبتدع سيناريوهاتٍ حقيقيةً للتعبير عن غضبها، وهذا لا يأتي ضمن محاولات النظام السوري لخلط ما هو نفور حقيقي من سياساته، والتبعات الأمنية لذلك التعبير على السوريين، وبين محاولة دسّ بعض المرتزقة لنقد النظام لإقناع الناس بأن حرية الرأي “المصادَرة” لأعضاء مجلس الشعب، “متاحة” لعموم الشعب، وهي “الكذبة” التي يريدنا بعض “مثقفي” النظام تصديقها، من خلال انتقادهم الأوضاع، ومجابهتهم تغوّل أجهزته الأمنية بعبارة مضحكة “نحن في دولة قانون”.

العربي الجديد

———————————

===================

تحديث 30 تموز 2023

————————–

سورية بين إفراط التسلط وأوهام الحسم وصراع الكرامة/ لؤي صافي

في حوار أجراه معي “تلفزيون سوريا” في خريف عام 2019 ضمن حوارات برنامج “المنعطف”، سألني محاوري أنس أزرق عن مستقبل الصراع في سورية، فأجبته أنّ النظام أمام خيارين: استيعاب مطالب الشعب السوري والقيام بإصلاحات حقيقية في البلاد أو الاستمرار في نهج القبضة الحديدية واعتماد القوة المفرطة وجعل عملية ترميم الدولة السورية وإنعاشها مستحيلة. وأوضحت في إجابتي أن استمرار النظام في النهج الذي أدّى إلى انتفاضة الشعب سيؤدّي إلى أزماتٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ خانقة. وسيؤدّي ذلك إلى تغريب (وتهميش) قوى سياسية وشعبية كانت داعمة للنظام، وصولاً إلى انهيار المجتمع والدولة. لم يكن ذلك تنبؤاً، بل استنتاج يصل إليه كل من درس المجتمع والتاريخ، وأدرك الخطوط العامة لأنساق الحياة التي تؤدّي إلى ارتقاء المجتمعات وسقوطها، فالمجتمعات الإنسانية تنهض باقتراب أبنائها من قيم العدل والتعاون والتكافل وتنهار باستشراء الظلم والفساد والاستبداد. هذه الأنساق من الوضوح بحيث يدركها الإنسان السوي بفطرته من دون الحاجة إلى الاستغراق في الدراسات التاريخية. نجد إشارات إليها في قصائد الشعراء قديماً وحديثاً، قبل أن نجد تفاصيلها في أبحاث المفكرين والباحثين.

وكما كان متوقعا، اختار نظام الأسد الاستمرار في نهج القمع والضرب بيد من حديد، ورفض الحل السياسي، واعتقد أن الحسم العسكري الذي تحقق بتدخل خارجي مباشر من حلفائه الإقليميين والدوليين يمثل نصرا عسكريا، فكانت النتيجة المتوقّعة استمرار تدهور مستوى الحياة ودخول البلاد في مرحلة خطيرة من الصراع من أجل البقاء. فبعد مرور عقد ونيف على رفض نظام الأسد كل المحاولات التي بذلها السوريون من أجل تغيير ممارسات النظام الغارقة في العنصرية والفساد وسياساته المُجحفة تجاه الأغلبية السورية، يعيش السوريون في البلاد حياةً تشبه تماما التي تعيشها الكائنات الحية في البراري والغابات. تقوم الحياة في سورية اليوم على السعي إلى تحصيل قوت اليوم والهروب من الأخطار التي تواجه من تخضع حياتُه إلى قانون الغاب ومبدأ القوة العارية التي يتيح للقوي أكل الضعيف. يمكن أن تستمرّ مثل هذه الحياة في عالم الحيوان، لأن هذا العالم يخضع لمبدأ الضرورة لا مبدأ الحرية، فالحيوانات تتحرّك وفق منطق الضرورات أو منطق الغرائز، وهذا يعني أن الحيوان القوي لا يأكل أو يستهلك إلا وفق مبدأ الضرورة، أي أنه لا يستهلك إلا ما يحتاجه من غذاء للبقاء على قيد الحياة. أما الإنسان الذي يمتلك القدرة على التفكير والتقدير والحساب، فهو يخضع إلى مبدأ الحرية ويتحرّك وفق منطق الخيارات. هذا يعني أن الإنسان الذي يمتلك السلطة والنفوذ يمكن أن يستهلك أضعافاً مضاعفة تزيد عن حاجته آلاف المرّات، وهو قادر لذلك، عند غياب الوازع الأخلاقي، من هدر الثروات الوطنية، بحيث يجعل استمرار الحياة الاجتماعية لمن يخضع لسلطته مستحيلا، وصولا إلى دمار المجتمع وهلاك الناس.

بعد عقود من الظلم والفساد والعدوان على الحقوق والممتلكات ممن يملك السلطة والقرار في سورية، انهارت الدولة بعد ثلاث سنوات من انطلاق الثورة السورية. وبعد عقد من القتل والتشريد والتدمير بدأ المجتمع السوري بالانهيار نتيجة فشل النظام في استيعاب دورس الماضي وإصراره على البقاء على حساب الإنسان والوطن. التضخّم في أسعار المواد الأساسية بلغ خلال الأشهر الماضية مبلغا لا يمكن لأحد تحمّله، بعدما تجاوز سعر الصرف الدولار الواحد حد 13 ألف ليرة سورية. يمكن فهم حجم الكارثة عندما ندرك أن دخل الأستاذ الجامعي الذي يتقاضى مرتبا شهريا مرتفعا نسبيا بالمقارنة بدخول المهن العامة الأخرى، والذي يصل إلى 220 ألف ليرة شهريا أو 16 دولارا، وهو يزيد قليلا عن الدخل الرسمي للوزراء. هذا يعني أن أجور كبار موظّفي الدولة السورية لا تصل إلى ثلث مستوى خط الفقر العالمي والمقدّر بحدود دولارين في اليوم للأسرة المتوسطة (60 دولارا شهريا). يعود السبب الرئيسي في تراجع دخل السوريين إلى ضعف الإنتاج الصناعي والتجاري والزراعي، بسبب تهجير أكثر من نصف السكان منذ بدء الانتفاضات الشعبية في مارس/ أذار 2011، بسبب تدمير النظام المدن والقرى السورية في محاولاته إعادة الشعب السوري إلى بيت الطاعة وتجاهله كل الدعوات إلى الإصلاح والتغيير الضروري لمحاربة الفساد المالي والإداري المستشري في البلاد.

النظام السوري الذي عوّل طويلا على دعم خارجي من حليفيه، الروسي والإيراني، واعتقد أن قادة الدول العربية الذي وصف بشار الأسد بعضهم بأنصاف الرجال سيسارعون إلى تقديم المال الكافي لإخراجه من أزمته الداخلية، بدأ يدرك متأخّرا أن المخرج الوحيد للبلاد يكمن في الإصلاح الداخلي. الكلام الذي صدر أخيرا عن مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون السوري، ثم عن وزير الإدارة المحلية، عن توسيع المشاركة في القرارات السياسية بإعطاء المزيد من المشاركة للمواطنين من خلال المجالس المحلية يأتي من هذا الباب. لكنني أعتقد أن هذا الحديث الذي يلوكه بعض وجهاء النظام هو من باب تهدئة النفوس وتخدير المشاعر وذرّ الرماد في العيون، كما جرت العادة في كل الحلول السابقة التي تقدّم بها النظام، فنظام الأسد الذي يتحدّث بعض ممثليه عن مشاركة شعبية هو الذي فوّت الفرصة الذهبية في الدخول في حل سياسي من خلال مفاوضات جنيف، واختار تحويل هذه المفاوضات إلى ملهاة ومسرح للعب على الكلمات، وهو النظام نفسه الذي حوّل المصالحات التي قادتها روسيا وإيران لإنهاء الصراع العسكري في درعا وريف دمشق وحمص إلى فرصة لإذلال منتقديه والانتقام من دعاة الإصلاح والتغيير، بل حتى من المواطن العادي الذي اضطرّ إلى الهرب من نار الحرب بالنزوح إلى دول الجوار، فنظام الاستبداد في سورية يجيد فن اللعب على الحبال والتلاعب بالكلمات لكنه يفتقد إدارة الإصلاح والتغيير وتحقيق حلول منصفة، ففاقد الشيء لا يعطيه. الأمل اليوم ليس في النظام، بل في أن تفرز الآلام السورية روحا جديدة بين المخلصين والصادقين من أبناء الشعب السوري تدفعهم إلى اختيار مسار الكرامة والتعاون والبناء. حديث بعض المتنفذين داخل النظام عن مشاركة شعبية في القرار السياسي جهدٌ يرمي إلى تفويض المسؤولية لا تفويض السلطة والمشاركة في المسؤولية. يسعى النظام فقط إلى تحميل الناس مسؤولية الانهيار الاقتصادي من دون مشاركتهم بالسلطة والقرار، وهي مشاركة ضرورية لإيقاف التدهور والانهيار.

إخراج سورية من أزماتها الخانقة التي وصلت، أخيرا، إلى عمق حاضنة النظام يتطلب تغييرا حقيقيا يبدأ بتحرير الوطنيين المعتقلين في سجون النظام، وإعادة المهجّرين، ومنهم الصناعيون وأصحاب التجارة والأعمال، للمساهمة في بناء الحياة وتعمير الأوطان. وهؤلاء لن يعودوا طالما بقيت سورية تحت وصاية طغمةٍ حاكمة لا عهد لها ولا أمان، طغمة تدير البلاد وكأنها مزرعة خاصة بها وتتعامل مع الشعب وكأنه قطيع من الخدم الذين خُلقوا لخدمة ذواتهم المتورّمة. خروج سورية من أزمتها يتطلب جهود كل السوريين داخل البلاد وخارجها، لكن المهجّرين والمغتربين منهم، وهم الأغلبية المستباحة، لن يساهموا في إعادة البناء والعودة لإخراج الدولة مما هي عليه ما لم تتغير السياسات العامة، وينفتح النظام السوري على المشاركة الوطنية الحقيقية، وما لم يخضع الحاكم والمحكوم إلى قانون عادل يحترم حقوق الجميع. نظام الأسد غير قادر على الإصلاح، ما يعني أن الألم مستمرّ سنوات عديدة، وأن المتضرّر الأكبر هذه المرّة ستكون حاضنة النظام التي لم يجبر الأسد أبناءها على الهجرة، ولم يسع إلى التضييق عليهم وتدمير إحيائهم وقراهم خلال العقود الماضية. المفارقة اليوم أن حاضنة النظام هي الشريحة الوحيدة التي ليس لديها أبناء في المهجر يمدّونها بالمعونات والتحويلات الشهرية الضرورية للاستمرار والبقاء. ولعلّ المخرج من هذه الكارثة في أن تدرك حاضنة النظام أخيرا أن الحلّ يكمن في مد الجسور وتعاون السوريين وبناء الثقة بين أبناء الوطن الواحد، وأن يدرك السوريون جميعا أن معاناتهم مستمرّة ما استمر النظام، وأن الصراع من أجل البقاء لن ينتهي إلا مع تحوّله إلى صراع لتحقيق الكرامة للجميع، والتحرّر من تسلط من قاد البلاد إلى الهاوية، فلا خلاص للسوريين إلا في تلاحمهم وتعاونهم وتراحمهم والتزامهم بالقيم العليا التي ترفع الإنسان وتمنع الظلم والفساد والعدوان.

العربي الجديد

—————————-

التقارب العربي مع النظام السوري بلا نتائج/ عماد كركص

لا تبدو النتائج واضحة لعملية التقارب العربي مع النظام السوري، سواء على مستوى الوضع الداخلي للنظام أو علاقاته الدولية، وحتى على مستوى تحقيق أي تقدّم في إطار الملفات التي حملتها المبادرة العربية التي أطلقها الأردن وتبنتها الجامعة العربية، وفي مقدمتها مكافحة تهريب الكبتاغون وصناعته، وعودة اللاجئين، وتحقيق “مصالحة” أو حلّ سياسي بما ينسجم مع القرار الأممي 2254.

ويؤشر الانهيار السريع والقياسي لليرة السورية، التي تخطت حاجز 12 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، إلى أن الوضع بات أسوأ على النظام بعد التقارب. وربما تفسر ذلك زيادة الضغوط الغربية على النظام، وعدم القبول الغربي لعمليات التطبيع العربي معه، في ظل تعنّت النظام في عدم إبداء جدية لحلحلة جميع الملفات التي يطلبها منه العرب: اللاجئون، الكبتاغون والحل السياسي.

وعقب عودة النظام إلى الجامعة العربية، مدّد الرئيس الأميركي جو بايدن حالة الطوارئ الخاصة بسورية، الأمر الذي يعني أن النظام لا يزال يشكل تهديداً للأمن القومي في الولايات المتحدة بدعمه للإرهاب، ونظراً لعدم الاستقرار الذي تعيشه البلاد.

    يؤشر الانهيار السريع لليرة السورية، إلى أن الوضع بات أسوأ على النظام بعد التقارب

وفضلاً عن ذلك، عبّرت واشنطن للعرب وعمّان التي تحمل لواء المبادرة العربية، عن عدم اقتناعها بخطوة التقارب لقناعتها بعدم استعداد النظام والأسد للتجاوب. تضاف إلى ذلك مساعٍ تشريعية في الكونغرس الأميركي لإصدار قانون مناهضة التطبيع، إذ يحاول المشرعون في الولايات المتحدة تثبيت عزلة النظام، وتضمين ذلك بقوانين لا يمكن للإدارة الحالية أو الإدارات اللاحقة التساهل معها.

مطالب عربية لم تنفذ

بالعودة إلى المبادرة العربية، لا يبدو النظام مستجيباً لأي من الملفات التي تحملها، وبدا ذلك واضحاً من زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق بداية شهر يوليو/تموز الحالي ولقائه رأس النظام بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، لبحث التطبيع مع ما خلص إليه اجتماع عمّان الوزاري وبيان الجامعة العربية الذي أفرز لجنة وزراية عربية لبحث الملفات المتفق عليها مع النظام. وتلك اللجنة لم تعقد أول اجتماعاتها حتى الآن.

ونقل الدبلوماسي السوري السابق، المقيم في واشنطن، بسام بربندي، أن الصفدي حمل إلى دمشق مطالب الدول العربية للنظام لتنفيذ ما تم الاتفاق والإعلان عنه في اجتماع عمّان، والمتمثلة ببدء عودة 4 آلاف لاجئ سوري من الأردن إلى سورية بالتنسيق مع الأمم المتحدة. وأشار إلى أن الصفدي أخبر الأسد بأن مؤسسات الأمم المتحدة ترفض تقديم أي دعم مالي لعودة العدد المتفق عليه، بسبب عدم قيام النظام بأي خطوة تجاه دعم عودة هؤلاء اللاجئين واعتبار الأمم المتحدة أن عودة هؤلاء السوريين ستهدد حياتهم.

وأضاف بربندي، في اتصال مع “العربي الجديد”، أن الصفدي طلب من النظام اتخاذ خطوات قانونية لحل مشاكل عدة معرقلة للتقدم في المبادرة، وهي: منع الملاحقات الأمنية، عدم إرسال الشبان للخدمة العسكرية، وتأمين عودة الممتلكات لأصحابها وإلغاء أي استملاك أو مصادرة للأملاك، وإطلاق سراح أي معتقل جرى اعتقاله أخيراً أو تبيان وضعه (حياً أو ميتاً)، بالإضافة للطلب من روسيا عدم عرقلة قرار تمديد المساعدات عبر الحدود.

وقال بربندي إنه حصل على هذه المعلومات من مصدر دبلوماسي أردني، معلقاً بأنه من الواضح أن النظام وافق على تلك الشروط شكلياً، ورفضها أو يرفض تطبيقها بشكل عملي.

شروط غير متوفرة لعودة اللاجئين

بالنسبة لملف عودة اللاجئين، برز تصريح المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون أول من أمس الاثنين، بأن الظروف لعودة اللاجئين إلى سورية ما زالت غير مهيأة، منوهاً كذلك إلى استعصاء يطاول ملف الحل السياسي مع عدم التوافق على مكان جديد لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية، بعد تحفظات روسية على عقدها في مدينة جنيف السويسرية.

وحول عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، قال بيدرسون: “في الوقت الحاضر فإن الظروف لعودة اللاجئين الآمنة والكريمة والطوعية غير متوفرة. ويجب حمايتهم، بما في ذلك من العودة القسرية، تماماً كما يجب حماية جميع المدنيين داخل سورية، بمن في ذلك النازحون داخلياً. نحن بحاجة إلى أن تبذل الحكومة السورية المزيد من الجهد لمعالجة مخاوف (عدم توفر) الحماية الحقيقية والمستمرة”.

وحول إحراز تقدم في المفاوضات السياسية، قال المبعوث الأممي إن “أشهراً من الدبلوماسية لم تؤد إلى نتائج ملموسة على الأرض، في الداخل أو في الخارج، ولا إلى أي خطوات حقيقية في العملية السياسية”، آملاً أن يتغير ذلك قريباً. ونبّه بيدرسون كذلك إلى استمرار “الاحتجاز التعسفي، والتعذيب والإخفاء القسري، والقتل، وسط اشتباكات عنيفة، وتبادل منتظم لقذائف الهاون والصواريخ والمدفعية عبر شمال شرقي وشمال غربي سورية”.

وتعقيباً على ذلك، رأى الباحث السياسي طه عبد الواحد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “أي متابع لسياسات النظام السوري، ولديه أدنى درجة من المعرفة بطبيعة هذا النظام، يدرك أنه لا يسعى لأي تسوية سياسية حقيقية، حتى لو كانت بالحدود الدنيا، ومقابل ثمن تدفعه هذه الدول أو تلك”.

واعتبر عبد الواحد أن “النظام مقتنع أنه خرج منتصراً في “الحرب الكونية” ضده، ويعتبر تطبيع بعض الدول العربية معه ثمرة من ثمار هذا النصر”. وتابع: “لفهم عدم وجود تقدّم في المبادرة العربية، يكفي أن نعود إلى تصريحات وزير خارجية النظام، خلال زيارته في شهر يونيو/حزيران الماضي إلى الرياض، حين قال إن سورية سارت مئات الخطوات من دون أن تلقى أي مقابل من الدول الأخرى”.

وأضاف: “فضلاً عن ذلك رفض المقداد التسوية السياسية وفق الصيغة التي توافق عليها المجتمع الدولي، حين قال بشأن القرار الدولي 2254، إن النظام سينفذ ما يهمّه من مضامين القرار 2254، وبما يستلزم القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية وإزالة العقوبات غير الأخلاقية وغير المبررة المفروضة من الدول الغربية”.

وعقّب عبد الواحد على ذلك بالقول: “إذاً النظام السوري لا يريد في الواقع أي تسوية، لا وفق المبادرة العربية ولا وفق القرارات الدولية، ويواصل التلاعب على التناقضات في المنطقة، وتصدير الأزمات والمخدرات من سورية ليزيد من مصادر التهديد للدول العربية، لاسيما المجاورة، حتى يرغم الجميع على الخضوع لرغباته وتمويل مشاريعه بحجج كثيرة منها على سبيل المثال إعادة الإعمار لتهيئة ظروف تسمح بعودة اللاجئين”. وتوقع أن “الدول العربية والمجتمع الدولي لن يحصلوا على أي تنازلات حقيقية من النظام بشأن التسوية السياسية، لأنه يدرك تماماً أن أي تنازل ولو كان شكلياً، سيعني أنه يضع نفسه بنفسه على طريق نهايته”.

ضغط غربي مستمر على نظام دمشق

وحول الموقف الغربي من عملية التقارب، رأى عبد الواحد أن الأوروبيين والولايات المتحدة “لم يكونوا حازمين في رفضهم تطبيع بعض الدول العربية مع النظام، ربما لأنهم رأوا في هذا التحرك العربي فرصة لاستكشاف حقيقة استعداد النظام السوري للمضي في الحل السياسي في حال الانفتاح عليه وتخفيف العقوبات ضده ومسايرته بشأن توفير تمويل لإنعاش اقتصاده”. واعتبر أن كلمة رئيس النظام “خلال القمة العربية في جدة وضعت النقاط على الحروف بهذا الصدد، وأكدت أن الأسد لا يسعى ولا بأي شكل للتسوية السياسية، ولهذا زادوا من ضغوطهم عليه”.

ونوه الباحث السياسي إلى أنه “لا يمكن تجاهل التأثير المباشر والواضح الذي تركته الحملات المناهضة للتطبيع التي نظمتها مجموعات سورية في الولايات المتحدة وأوروبا، على مواقف الدول الغربية في هذا الشأن، وهذه العوامل مجتمعة، حالت دون تعويم الأسد دولياً”. كما أثّر، برأيه، “تصاعد حدة التوتر بين روسيا والغرب بسبب الحرب في أوكرانيا بشكل غير مباشر على موقف الغرب من النظام السوري”. ورأى أنه “من الواضح حتى الآن، أن الضغط الغربي سيستمر على النظام السوري وسيتشدد برفض تعويمه دولياً، وسيعمل بفعالية أكثر ليُبقي التطبيع العربي ضمن حدود لا يستفيد معها النظام من هذا التطبيع”.

العربي الجديد

———————–

صفقة كبرى في الشرق الأوسط..ماذا عن سوريا؟/ عبدالناصر العايد

منح توماس فريدمان في مقاله الأخير دفعاً للشائعات التي تتحدث منذ أشهر عن صفقة كبرى في الشرق الأوسط موضوعها الرئيس هو تطبيع السعودية لعلاقاتها مع إسرائيل بمقابل منح الرياض اتفاقية أمنية دائمة.

وكحالنا منذ ما يزيد على عقد من الزمان، نتقرى كسوريين أي تغير في الأجواء على أمل أن يجلب في طياته إشارة أو علامة على نهاية مأساتنا المتفاقمة، فما الذي تحمله لنا هذه الصفقة فيما لو حدثت؟

في المستوى الأعلى، ترسم الصفقة التي يحاول المحللون الغربيون تحديدها، خطوط فصل بين معسكرين كبيرين، الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والشرق اوسطيين من جهة، والصين وحلفائها من دول الاتحاد السوفياتي السابق وعلى رأسها روسيا، وشريكهم الشرق أوسطي ايران، والدول والقوى التي تدور في فلك الولي الفقيه، وقد ينتج عنه ما يمكن وصفه بـ”ناتو شرق اوسطي مصغر” يضم في عضويته عدداً من دول المنطقة بقيادة إسرائيل والمملكة العربية السعودية مع دور حاسم لمصر، وربما يحلّ هذا الكيان تدريجياً محل تركيا كحليف استراتيجي للغرب في هذه المنطقة مع تصاعد النزعة الاستقلالية لأنقرة وانخراطها أكثر في الشراكة الاوراسية.

لقد كان منح اتفاقية أمنية مع السعودية، مثار جدل طويل في الإدارة الأميركية طوال السنوات الماضية، وكانت حجة المعارضين لها، من الحزب الديمقراطي تحديداً، هو رفض إعطاء ضمانات أمنية لدولة قمعية، لكن تحرك ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان نحو الصين وروسيا، وتمرده على واشنطن اثناء ازمة خفض الإنتاج النفطي بعيد غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، غيّر قناعات الكثير من هؤلاء الرافضين المتشددين. ويجري الحديث اليوم عن التحديثات الاجتماعية المفاجئة التي تشهدها السعودية، وعن الرجل الذي قد يحكم اغنى دولة في المنطقة لنصف قرن من الزمان، وعن ضرورة التعامل معه بعقلانية وبعد نظر.

من جانبها، تلقت القيادة السعودية تحذيرات من التأخر في عقد صفقة، فالديمقراطيون يمكن أن يوافقوا على منح الالتزامات الأمنية فيما إذا كانت على شكل شراكة مع إسرائيل، وذلك ما دام من سيرعاها هو الرئيس الديمقراطي جو بايدن، لكنهم سيعودون إلى نغمة “الدولة القمعية” فيما لو كانت الصفقة برعاية رئيس جمهوري، وهكذا فإن الوقت المتاح للرياض لتتخذ قرارها ليس أبعد من نهاية السنة الحالية.

من الواضح أن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان هو مهندس هذه الصفقة، التي ستكون إذا أنجزت إحدى أهم المحطات في مسار صعوده الصاروخي، وقد وصل المنطقة مؤخراً بالتزامن مع اعلان مقتضب لأول مرة من طرف الرئيس بايدن بأن تطبيعاً سعودياً اسرائيلياً قد يكون في الطريق، وهذا يعني فيما يعني أن جولات سوليفان السابقة قد تمحورت حول هذه الصفقة، ومن بينها جولات سبقت ولحقت القمة العربية التي عقدت في الرياض، والتي أعيد خلالها نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وقد كتبت هنا في ذلك الحين أن التطبيع المزمع مع بشار الأسد هدفه النهائي هو جره إلى قطار التطبيع مع إسرائيل.

واللافت للانتباه أن وسائل الاعلام الرسمية السعودية قد نعت مسار التطبيع مع النظام بالتزامن ايضاً مع ما يبدو أنه تبلور نهائي للصفقة المحتملة وبدء الحديث العلني عنها، وهذا إشارة واضحة إلى رفض نظام الأسد أو عجزه عن الانخراط في هذه الصفقة بسبب الإرادة الإيرانية قبل أي شيء آخر.

إذا كانت هذه الصفقة المحتملة نوع جديد من القسمة الجيو سياسية الحادة بين حلفاء واشنطن وحلفاء بكين، فإن سوريا المسيطر عليها ايرانياً ستبقى في حلف الصين وإيران وروسيا، ولن تعود لا إلى الحضن العربي ولا الإقليمي ممثلاً بتركيا. وبدورها فإن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لن يسمح بسقوطها مجدداً في يده، وستصبح قواعد انطلاق للتحالف الأميركي الاوسطي ضد الحلف المناهض.

بعبارة موجزة، فإن سوريا التي يسيطر عليها النظام وتلك الخارجة عن سيطرته، ستكون فيما لو نجحت صفقة الشرق الأوسط الكبرى، ارض القلاع الحدودية المتواجهة التي لا يتوقف الصراع عليها وحولها، ولن يكون بالإمكان إعادة توحيدها إلا بانتصار أحد الحلفين على الآخر، وربما سيكون على السوريين أن ينتظروا زمناً مثل الذي اقتضاه إعادة توحيد ألمانيا الغربية وألمانيا الغربية، وربما كان انتظارهم مفتوحاً مثل الكائن بين كوريا الجنوبية والأخرى الشمالية.

المدن

—————————–

لماذا تراجع زخم التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟/ فراس فحام

في 19 تموز/ يوليو 2023 أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن اشتراط بشار الأسد انسحاب القوات التركية من سوريا مقابل التطبيع “غير مقبول”، لتأتي بعدها تصريحات مدير الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون وتؤكد استنكار أنقرة لمطلب سحب قواتها من سوريا، إذ اعتبر ألطون هذه المطالبة بأنها “لا معنى لها”.

التصريح التي أعطى المؤشر الأهم على تراجع زخم التطبيع بين أنقرة ودمشق، هو الذي صدر في 29 أيار/ مايو الماضي عن إبراهيم كالين المستشار السابق للرئيس أردوغان، بعد يوم واحد فقط من حسم الأخير للانتخابات الرئاسية لصالحه، حيث نفى كالين فيها وجود أي خطة لعقد لقاء قريب بين الرئيس التركي وبشار الأسد.

من جهة أخرى، توقفت اللقاءات الأمنية والمفاوضات بين الوفود التقنية المكلفة بتحديد خارطة طريق من أجل تطبيع العلاقات، حيث يعود تاريخ انعقاد آخر لقاء بين اللجان التقنية إلى شهر حزيران/ يونيو الماضي على هامش الجولة 20 من مسار أستانا، والذي انتهى دون تحقيق أي اختراق يُذكر.

لقد لعب تمسك النظام السوري ومن خلفه إيران بمطلب انسحاب القوات التركية من سوريا دوراً مهماً في تراجع حماس أنقرة لتطبيع العلاقات، لكن ما سبق ليس السبب الوحيد في تراجع زخم المسار، بل ثمة عوامل أخرى ساهمت في جموده.

بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة في تركيا، حدثت هزات كبيرة في أوساط المعارضة التركية وخاصة أكبر أحزاب المعارضة المتمثل بحزب الشعب الجمهوري، حيث يعيش الأخير منذ شهرين على صدى الخلافات بين رئيسه كمال كليتشدار أوغلو ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، إذ يسعى الأخير للضغط من أجل استبدال كليتشدار أوغلو برئيس آخر للحزب، وهو يعتبر التغيير ضرورياً لاستعادة التوازن أمام الحزب الحاكم، لذا فإن حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان يشعران بارتياح كبير لأن الخلافات داخل أكبر أحزاب المعارضة تصاعدت قبيل الانتخابات البلدية، وبالتالي تراجع تركيزه في السياسة الخارجية لصالح الانشغال بالشأن الداخلي، وهو حالياً ليس بوارد الضغط على حزب العدالة والتنمية فيما يخص السياسة الخارجية التي ينتهجها، على عكس مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة التي ركزت فيها المعارضة وخاصة حزب الشعب الجمهوري بشكل كبير على انتقاد الرئيس وسياساته  الخارجية ومنها استمرار قطيعته مع النظام السوري وعدم التفاوض معه من أجل إعادة اللاجئين.

أيضاً، بادرت الحكومة التركية مؤخراً لإطلاق حملة ضد الهجرة غير الشرعية، تهدف بالدرجة الأولى إلى تخفيف وجود المهاجرين غير المسجلين في عموم البلاد وخاصة إسطنبول، ويبدو أن أحد أهداف الحملة هو قطع الطريق على أي محاولة من طرف المعارضة لاستثمار ملف اللاجئين مجدداً، وبالتالي لم يعد هناك حاجة ملحة لإحراز تقدم بالمباحثات مع النظام السوري من أجل توظيف الأمر داخلياً، وإظهار جدية في العمل على حل ملف اللاجئين عبر الاتصال مع النظام.

على الصعيد الخارجي، دخلت تركيا منذ أسابيع في مباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، مضامينها مرتبطة بموافقة أنقرة على توسيع حلف شمال الأطلسي، لكن هذه الموافقة تقترن بالكثير من المطالب التي تريدها تركيا أبرزها موافقة الولايات المتحدة الأميركية على بيع طائرات متطورة إلى تركيا، بالإضافة إلى رفع بعض الدول الغربية الحظر على بيع الأسلحة إلى تركيا، وإزالة العقوبات المفروضة على الصناعات الدفاعية التركية، ونجاح هذه المباحثات يستلزم عدم توتير الأجواء باتخاذ تركيا خطوات تبعدها عن موقف واشنطن والدول الأوروبية من النظام السوري المدعوم من روسيا.

أخيراً، لا تبدو العلاقات بين روسيا وتركيا في أفضل أحوالها، حيث لعبت روسيا في السابق دوراً محورياً في إقناع أنقرة بتطوير علاقاتها مع النظام السوري.

فتور العلاقات بين أنقرة وموسكو يظهر جلياً في التقارير والتحليلات التي تنشرها الصحافة الروسية بشكل مستمر، بالإضافة إلى تصريحات سياسيين روس تتحدث عن “طعنات في الظهر تلقتها روسيا من تركيا”، ومرد هذا كله إلى سلسلة من المواقف التي اتخذتها أنقرة، منها الموافقة على إحالة طلب السويد بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي للبرلمان التركي للتصويت عليه، بالإضافة إلى تجديد مباحثاتها مع واشنطن من أجل صفقات السلاح، ومحاولة التفاوض معها على آليات حل مرضية للجانب التركي بخصوص شمال شرق سوريا. كما من المهم الإشارة إلى تبدل موازين القوى وتنامي حاجة روسيا لتركيا في ظل العقوبات المفروضة على روسيا من جراء غزوها لأوكرانيا، وهذا يعني أن موسكو ليست في موقف يتيح لها ممارسة الضغوط لإنجاز عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.

ما سبق ذكره لا يعني إغلاق الباب بشكل كامل أمام تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، ولكن إحراز تقدم في الملف مرتبط بالاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية، والتي طرأ عليها متغيرات واضحة خلال الأشهر الماضية.

تلفزيون سوريا

————————

دوافع زيارة المبعوث الإيطالي إلى دمشق/ حايد حايد

أثارت الزيارة الأخيرة التي قام بها المبعوث الإيطالي الخاص إلى العاصمة السورية دمشق، ستيفانو رافاغان، اهتماما وتكهنات كبيرة؛ فهي هي أول زيارة رسمية لمسؤول إيطالي إلى سوريا منذ القطيعة الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد عام 2012.

أهمية هذه الخطوة في كونها انزياحا عن موقف الاتحاد الأوروبي الثابت من نظام الأسد، فلم يمرّ شهر على تصريح جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، بأنّ أي احتمال لاستعادة العلاقات مع سوريا يتوقف على تحقيق تقدم كبير في العملية السياسية. ونظرا لعدم إحراز مثل هذا التقدم، فقد أثارت زيارة رافاغان أسئلة حول وجود انقسامات محتملة داخل الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا، بل إنها أثارت أسئلة حول حدوث تحول في سياسة روما تجاه الأسد.

ومع انقشاع الغبار، فإن من الأهمية بمكان الكشف بعناية عما تنطوي عليه هذه الزيارة قبل استخلاص استنتاجات نهائية حول الدوافع الحقيقية والآثار المترتبة على هذا الحدث الهام. ولكن يظل من الحكمة في الوقت الحالي اعتبار هذا تطورا عضويا لموقف إيطاليا تجاه النظام السوري، أكثر منه انقلابا جذريا في السياسة. ولربما سعت الزيارة إلى تعزيز التعاون بين روما والنظام في قضايا محددة، بالإضافة إلى تعزيز دورها كوسيط بين دمشق وأوروبا.

وعلى الرغم من التزام إيطاليا بمعايير السياسة الخاصة بالاتحاد الأوروبي تجاه سوريا، إلا أنّ روما لم تكن على الدوام على وفاق تام مع شركائها الأوروبيين؛ فعلى غرار شركائها الأوروبيين، استدعت روما سفيرها لدى سوريا في عام 2012، وامتثلت للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الأسد، سوى أن موقف إيطاليا من دمشق أبدى على الدوام بعضا من عدم الانسجام على مر السنين.

ويبدو أن البلدين يحافظان على درجة معينة من التعاون، ولا سيما في المسائل الاستخبارية؛ إذ وردت أنباء عن اجتماعات جرت في 2016 بين محمد ديب زيتون، الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن في سوريا، وألبرتو مانينتي، الرئيس السابق لوكالة الأمن الخارجي الإيطالية. بالإضافة إلى زيارات مثيرة للجدل، مثل زيارة علي مملوك المزعومة إلى روما بداية عام 2018، التي أثارت سخطا في الأوساط الأوروبية، خاصة أن كلا من زيتون ومملوك يخضعان للعقوبات الأوروبية منذ مايو/أيار 2011.

لقد أصبح موقف إيطاليا المتردد تجاه سوريا أكثر وضوحا بعد عام 2017، نظرا للتقدم العسكري الذي أحرزه النظام في سوريا، وللديناميات السياسية الداخلية الأخرى داخل إيطاليا. فبين عامي 2017 و2019، سافر وفدان إيطاليان على الأقل بقيادة باولو روماني– وهو عضو بارز في حزب يمين الوسط، والرئيس السابق لمجموعة “فورزا إيطاليا” في مجلس الشيوخ- إلى دمشق للقاء المسؤولين السوريين. وأعلنت إيطاليا على نحو مفاجئ عن إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2019، وهو الأمر الذي يتعارض مع موقفها الرسمي بالامتناع عن التقارب مع النظام السوري. ولكن روما لم تعين سفيرا بل اكتفت بتعيين قائم بالأعمال، الأمر الذي أدى إلى التأخير في استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة.

وعندما تولت حكومة جورجيا ميلوني السلطة في روما أكتوبر/تشرين الأول 2022، أصبح من الواضح أنّ إيطاليا مستعدة لتغيير نهجها الدبلوماسي. وقد أعدت ميلوني- التي أشادت بالدور الذي لعبه حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد في حماية المسيحيين السوريين- المسرح لروما من أجل اتخاذ خطوات أكثر جرأة تجاه دمشق، على غرار كثير من الدول الأخرى في المنطقة.

وفي فبراير/شباط 2023، تصدرت وكالة التعاون الإنمائي الإيطالية عناوين الصحف بتوقيعها على اتفاقية مثيرة للجدل مع الهلال الأحمر العربي السوري، وكانت تلك أول اتفاقية من نوعها تُعقد بين وكالة عامة لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي ومنظمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنظام السوري ودائرته الداخلية.

وبناء على هذه الخلفية، أصبحت زيارة ستيفانو رافاغان الأخيرة إلى دمشق أقل إثارة للدهشة؛ فمثلها كمثل التحركات الاستراتيجية السابقة لإيطاليا تجاه دمشق، من غير المرجح أن تؤدي رحلة مبعوثها الخاص إلى سوريا إلى مصالحة فورية وكاملة مع الأسد. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تخاطر بتوتير العلاقات مع الحلفاء الغربيين والولايات المتحدة، خاصة في غياب مكاسب مالية واضحة في ظل العقوبات الاقتصادية.

بدلا من ذلك، يبدو أن إيطاليا توجه اهتمامها نحو تعزيز علاقاتها مع الأسد من أجل تحقيق أهداف محددة. وعلى غرار بعض الدول العربية، قد تسعى روما للحد من تدفق تهريب الكبتاغون من سوريا، خاصة وأن إيطاليا قد أصبحت بلد عبور لهذا المخدر. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون دافع إيطاليا خلق فرصة لمكافحة الإتجار بالبشر، بالنظر إلى الاتهامات الموجهة إلى شركة “أجنحة الشام” للطيران السورية بنقلها مهاجرين إلى ليبيا، قبل أن يشقّوا طريقهم متوجهين إلى إيطاليا. ومن خلال إعادة بناء قنوات اتصال مباشرة مع دمشق، يمكن لإيطاليا أيضا أن تجعل من نفسها وسيطا أوروبيا محتملا في الصراع السوري.

وعلى الرغم من رغبتها في جني هذه المكاسب، يبدو أن روما مترددة في متابعة هذا الهدف على حساب شركائها الأوروبيين. وقد يكون ذلك بسبب عدم ثقتها بأن إعادة الاتصال مع النظام السوري كافية لإقناع الأسد بتقديم تنازلات، كما يتضح من جهود المصالحة الأردنية، التي فشلت حتى الآن في إحراز أي تقدم حقيقي مع دمشق.

المجلة

——————————

سياقات التطبيع مع الأسد ومآلاتها الراهنة/ العقيد عبد الجبار عكيدي

ثمة سياقان سياسيان متوازيان يحاول كل منهما أن يكون الحامل الحقيقي لمبادرات التطبيع مع نظام الأسد، يتمثل الأول بالمبادرة التركية التي أعلنت عنها خارجية أنقرة في شهر آب من العام الفائت، وكان واضحاً ان تلك الاندفاعة التركية تجاه الأسد لم تكن بعيدة التأثّر بالدفع الروسي الذي جعل من سوريا إحدى أوراق مصالحه التي يفاوض عليها، وعلى الرغم من الزخم الإعلامي الذي واكب تلك الاندفاعة التركية، إلا أن النتائج المتوخاة من جانب موسكو لم تكن توازي التطلعات، كما كان واضحاً أيضاً أن الحماس التركي لمصالحة الأسد قبل الانتخابات التركية التي جرت في أيار الماضي، لم يعد كما هو من ذي قبل، ذلك أن حاجة حزب العدالة والتنمية في انتزاع ورقة اللاجئين السوريين من أيدي أحزاب المعارضة بدأت تسير في منحى مختلف، بعد فوز الرئيس أردوغان في انتخابات الرئاسة، مع التأكيد على أن مسألة اللاجئين السوريين ما تزال تزداد سخونةً لكونها لم تعد ورقة سياسية بيد الأحزاب فحسب، بل تحوّلت – بفعل التعبئة الشعبوية – إلى قضية رأي عام تركي، ولكن مع ذلك ما تزال أنقرة ملتزمة بخطابها التصالحي مع الأسد، على المستوى الإعلامي على الأقل ، ليس لأنها على يقين بثمار يمكن جنْيها قريباً من هكذا مصالحة، بل التزاماً بالتفاهمات التي أنجزتها منذ انطلاق مسار أستانا في مطلع العام 2017، مع الشريك الروسي الذي تربطه بأنقرة مجموعة من المصالح تتجاوز الشأن السوري، بل يمكن الذهاب إلى أن أنقرة لديها حرص واضح على الاستمرار في حوار الأسد حتى لو أبدى الأخير بعض الاستفزازات الكلامية تجاه تركيا، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى التصعيد الذي بدا واضحا في حديث رأس النظام في دمشق خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق، إذ اتهم الأسد تركيا بالمطامع في سوريا نتيجة دوافع توسعية وكذلك دوافع دينية متخلفة بحسب تعبير الأسد، إلّا أن الردّ التركي في اليوم التالي جاء على لسان الرئيس أردوغان في تصريحاته للصحافة التركية قبيل انطلاقه لجولة خليجية، مؤكّداً أن تركيا لم تغلق أبوابها أمام الأسد ولكنه يتقدم بطلبات غير واقعية، كمطالبة تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية، في حين أنه لا يطالب دولاً أخرى بذلك، كما أكد السيد أردوغان أنه إذا تراجع الأسد عن هذه المطالب فيمكن استمرار الحوار أو اللقاء، وواضح أن كلام الرئيس التركي ينطوي على نبرة يُراد منها احتواء نزق الأسد أكثر من كونها موقفاً تركياً استراتيجياً.

ويتجسد السياق الثاني بمجمل الحراك العربي الذي أعقب زلزال السادس من شباط الماضي، إذ وجد هذا الحراك في تداعيات الزلزال الكارثية مدخلاً ظن الكثيرون أنه لن يتجاوز إطاره الإنساني، لكن الأحداث المتلاحقة أثبتت أن الفحوى الإنساني لم يكن سوى شعار يخفي تحته نزوعاً براغماتياً بعيداً عن أي مضمون قيمي، لعل هذا ما أفصحت عنه تداعيات المصالحة الإيرانية السعودية التي أشرعت أبواب دمشق أمام العرب، وقد أثبتت مجريات قمة جدة وكذلك لقاء عمان الوزاري أن الارتداد العربي نحو كيان الأسد إنما كان مدفوعاً بحاجات أمنية ومصالح سلطوية لعدد من الدول العربية، ولم تكن قضية الشعب السوري تحتل من حيّز اهتماماته سوى ما يمكن تصديره للإعلام ليكون غطاء سياسياً آنياً لعملية التطبيع لا أكثر.

المعنى الرياضي لمفهوم التوازي يؤكد عدم تلاقي السياقين المتوازيين، فهل بمقدور السياسة والمصالح اختراق المنطق الرياضي الصارم؟ ربما الجواب الأقرب للمنطق هو النفي، ولكن ليس نتيجة لصرامة المنطق فحسب، بل لسطوة المصالح أيضاً، ذلك أن إيران التي لم تكن بعيدة التأثير على السياقين معاً، ما تزال ترى أن لها الأحقية العظمى بالتحكم ليس بمصير الأسد فحسب، بل بهندسة وتوجيه علاقاته الإقليمية والدولية أيضاً، إذ لم تقبل طهران أن تكون بعيدة عن المفاوضات الوزارية بين دمشق وأنقرة وموسكو، بل استطاعت فرض ذاتها كطرف رابع لكي لا تتيح لموسكو وأنقرة معاً أن يستهلكا الورقة السورية لمصلحتيهما فقط، وربما هذا ما جعل الأسد يظهر نبرةً استعلائية وعدم اكتراث حيال اندفاعة أنقرة، مؤكداً تمسّكه بانسحاب تركيا من جميع الأراضي السورية كشرط سابق لأية خطوة تطبيعية بين الطرفين، وهكذا تؤكد إيران أنها قادرة على عرقلة الإيقاع التركي – الروسي إن لم تكن هي المُمسك الأساسي لزمام المبادرة، في حين أنها تجد في المبادرة العربية تجاه الأسد أكثر جدوى لعدة أسباب، لعل أبرزها أن التطبيع العربي مع الأسد كان مجانياً ولم يكن يُلزم حكومة دمشق بأية مستحقات فعلية، وحقاً لقد عاد الأسد إلى الجامعة العربية، كما تمت عملية تفعيل عمل السفارات بينه وبين المطبعين معه وانتهى الأمر، وثاني الأسباب يعود إلى رغبة إيران بإبلاغ العرب أن رهانهم على إبعاد الأسد عن طهران هو مجرد نكتة، إذ ها هي إيران تعيد العرب إلى الأسد وليس العكس. ولعل السبب الثالث يكمن في نزوع إيران نحو استدرار الضرع الخليجي لإنعاش الأسد بمزيد من الأموال التي ستدفعها دول الخليج تقيّةً من استمرار تدفق الكبتاغون، ودعماً للحفاظ على وحدة البلاد السورية، ومساهمةً في إعادة إعمار البلاد كمكافأة للأسد في حربه على السوريين.

في مقابل السياقين التطبيعيين –  العربي والتركي – مع الأسد، ثمة موقف أميركي وأوروبي ما يزال رافضاً لمفهوم إعادة تعويم الأسد أو تسويقه من جديد، ولكنه موقف لم يخرج بعد من الحيّز الإعلامي، ولا توجد أي إرهاصات توحي بإمكانية ترجمته إلى مواقف عملية حيال سلطة دمشق، ولئن كان هذا الرفض الأميركي الأوروبي ما يزال كابحاً لعملية انتعاش حقيقي للأسد، إلّا أنه من جهة أخرى لا يعدو كونه جزءًا من عملية إدارة الأزمة السورية وليس سعياً فعلياً نحو إيجاد حلول جذرية لها. 

تلفزيون سوريا

—————————-

الحل العربي للأزمة السورية يتعثر/ رامي الخليفة العلي

ألقت الدول العربية في اجتماع القمة العربية الذي استضافته المملكة العربية السعودية في شهر أيار/ ‏مايو الماضي حجراً كبيراً في المياه الراكدة في ما يتعلق بالملف السوري وتفاعل الأزمة في هذا البلد العربي. الرؤية العربية التي قادتها المملكة العربية السعودية تقوم على أساس أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه لا يخدم أي طرف من الأطراف، وبالتالي يجب إنهاء معاناة الشعب السوري وإيجاد حل سلمي للأزمة، ومن هنا جرى استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية ومشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في اجتماعات القمة. لقد قادت المملكة العربية السعودية وبجهد كبير من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دبلوماسية نشطة لصياغة رؤية عربية وتكرّس ذلك في اجتماع جدة واجتماع عمان، وأفرز ذلك إستراتيجية الخطوة خطوة، والتي تقوم على بناء حل يفصل معضلات الأزمة بعضها عن بعض وتقديم رؤى مباشرة لحلها. وفي كل خطوة يجب أن تقدم الحكومة السورية على إجراءات تؤدي إلى حل لهذه المعضلة أو على الأقل خطة من أجل حلها. وحتى لا يبقى الكلام عمومياً فإن هناك ملفات أساسية في الأزمة السورية، فأساس الحل كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الأردني السيد أيمن الصفدي ومن قلب العاصمة السورية دمشق هو قرار مجلس الأمن رقم 2254، وهذه مسألة جوهرية؛ لأن الدول العربية تدرك جيداً أنها لا تعمل في الفراغ وبالتالي لا بد أن يكون هناك إطار يسمح بتكوين رؤية للحل تكون مقبولة من المجتمع الدولي، والحقيقة أن الحكومة السورية لم تبدِ موافقتها على أفق الحل المقترح عربياً بشكل صريح وواضح مما دفع المجتمع الدولي إلى حالة من الشك بإمكانية نجاح الدول العربية بإقناع القيادة السورية بهذا الإطار الجامع. المسألة الأخرى وهي استعادة السيادة السورية على أراضيها، وهذه مسألة معقدة بسبب حالة التقسيم الموجودة بحكم الأمر الواقع ووجود جيوش ومليشيات أجنبية، ولكن كان يفترض بالحكومة السورية أن توحد البندقية في مناطق سيطرتها أو على الأقل وضع خطة قابلة للتنفيذ وهذا ما لم يتم حتى الآن. مسألة المليشيات هي مسألة مثيرة للقلق بالنسبة لدول الجوار وهي تجر المنطقة برمتها إلى الفوضى، وبالتالي هي ليست مسألة سورية صرفة. هناك مسألة أخرى وتحظى بأهمية وعناية فائقة من قبل الدول العربية كافة وخصوصاً دول الخليج والأردن وهي تهريب المخدرات، وحتى الآن لم تقم الحكومة السورية بالكثير في هذا الصدد، وشحنات المخدرات المتجهة إلى الدول العربية تزداد، ولولا سهر قوات الأمن في المملكة العربية السعودية وحرس الحدود في المملكة الأردنية لكان الأوضع أكثر كارثية مما هو عليه اليوم. ويمكن أن نضيف إلى كل ذلك الجمود الذي يعتري مسائل بناء الثقة والتي تهيئ الأجواء لحل الأزمة عبر الإفراج عن المعتقلين وعودة النازحين في المرحلة الأولى ثم اللاجئين في مرحلة لاحقة إلى ديارهم ووضع خطط وإستراتيجيات لذلك.

المملكة العربية السعودية كما الدول العربية التي رسمت أفقاً لحل الأزمة السورية بذلت جهوداً جبارة وعملت على إقناع المجتمع الدولي بضرورة هذا الحل وفوائده من الناحية السياسية والأمنية والإنسانية، ولكن إذا لم تساعد نفسك فلا أحد يستطيع مساعدتك، وربما الحالة السورية تتطلب من الحكومة السورية مقاربة مختلفة تسمح بالخروج من عنق الزجاجة.

—————————-

في جدوى العقوبات الأميركية على نظام الأسد/ عمر كوش

تعددت القوانين التي سنّها مشرعون أميركيون لمعاقبة نظام الأسد على جرائم وفظائع، اقترفها – ولا يزال – بحق ملايين السوريين منذ انطلاق الثورة السورية منتصف آذار مارس 2011، وطالت الإجراءات العقابية التي نصّ عليها النظام وحلفاؤه وداعموه، أفراداً ومؤسسات وكيانات مرتبطة به وبداعميه. وكان أهم تلك القوانين “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا”، و”قانون مكافحة الكبتاغون”، إضافة إلى مشروع “قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد”، الذي طرح بداية في مجلس النوّاب في 11 مايو/ أيار الماضي، وأجازته بسرعة لافتة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بالإجماع، ثم وصل إلى مجلس الشيوخ في 14 يوليو/ تموز الجاري.

يُعد هذا المشروع من أقوى التشريعات المتعلقة بسوريا، منذ إقرار قانون قيصر عام 2019، فهو يمتلك أهمية خاصة في حال إقراره، كونه يمنع بشكل قاطع الحكومة الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يترأسها بشار الأسد، ويمنع تطبيع العلاقات معه، إلى جانب فرضه عقوبات على المتعاملين مع النظام وأنصاره وداعميه.

لم يتوقف المشرعون الأميركيون عند هذا الحدّ، بل طرح نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مؤخراً مشروع قانون الكبتاغون 2، الذي يحث الحكومة الأميركية على اتخاذ إجراءات عقابية على نظام الأسد والميليشيات الإيرانية، وخاصة حزب الله اللبناني، لدورهم في تصنيع وتهريب المخدرات، ويطالب بفرض عقوبات على شبكات مرتبطة بالنظام وبحزب الله، تعمل في تصنيع وتهريب المخدرات، وعلى جميع من ينشط في الاتّجار بمخدرات الكبتاغون أو بتصنيعها أو بتهريبها أو بتحويل الأرباح الناجمة عنها. كما طرحت النائبتان الديمقراطيتان في الكونغرس الأميركي، رشيدة طليب وإلهان عمر، مشروع قانون يحثّ الولايات المتحدة على دعم الجهود الدولية لمحاسبة النظام السوري على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها في سوريا، ويؤكد أن “نظام الأسد ارتكب بعضاً من أسوأ الفظائع في القرن الحادي والعشرين”. وذهبت رشيدة طليب إلى القول إن “وجود قوانين دولية لحماية المدنيين في أوقات الحرب، وتأكيد حقوق الإنسان العالمية أمر جيد، لكن هذه القوانين والاتفاقيات لا معنى لها إذا لم يتم تطبيقها”.

تعبّر هذه القوانين عن مواقف الولايات المتحدة الرافضة لإعادة تأهيل نظام الأسد والتطبيع معه، وساهم في إصدار معظمها منظمات أميركية، أسسها ناشطون من الجالية السورية في الولايات المتحدة، وذلك بعد أن تمكنوا من تنظيم أنفسهم في مؤسسات مناصرة للقضية السورية، وبناء علاقات مهمة مع عدد من أعضاء في الإدارة الأميركية، وفي مجلس النواب الأميركي. ويبرز بينها “التحالف الأميركي من أجل سوريا”، المشكل من تسع منظمات في عام 2021، و”المجلس السوري الأميركي” الذي تشكل عام 2006.

يجادل المسؤولون الأميركيون، ومعهم معارضون سوريون، بأن العقوبات الأميركية المفروضة، تهدف إلى إضعاف النظام، والحدّ من قدراته عسكرياً واقتصادياً، من خلال استهداف هيئاته وكياناته وأفراده الرئيسيين، وكذلك الأفراد والجهات والكيانات الأجنبية، التي لديها علاقات تجاريّة مع النظام، بما يشكل تهديداً مباشراً لحلفاء النظام وداعميه، ومن بينهم روسيا وإيران، وتلوّح بفرض عقوبات على بعض دول الخليج المطبعة مع النظام، والبلدان الأخرى التي قد تُقدم على تطبيع علاقاتها مع النظام، وخاصة في حال إبرامها عقوداً تجارية معه أو عقود إعادة الإعمار.

يعود تاريخ العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على نظام الأسد إلى ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، حيث فرضت عليه حزمة من العقوبات، على خلفية تصنيفها له ضمن فئة الدول الراعية للإرهاب، ثم تجددت العقوبات عليه بأشكال أخرى خلال عهد إدارتي جورج بوش الأب (1989-1993)، وبيل كلينتون (1993-2001)، وشملت تخفيض الصادرات الأميركية إلى سوريا، وكذلك جددت الإدارة الأميركية عقوباتها في فترة إدارة جورج بوش الابن في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2003، من إقرار “قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان”، الذي تضمن منع التعامل الاقتصادي والتجاري معه، ومنع الشركات الأميركية من الاستثمار، ومن دخول السوق السورية، وسوى ذلك. ومع انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد في منتصف مارس/ آذار 2011 أصدر، باراك أوباما، في 29 أبريل/ نيسان 2011، أمراً تنفيذياً، يقضي بفرض عقوبات جديدة على النظام، وسّع فيه العقوبات المفروضة عليها بموجب القرارات المتخذة في سنوات 2004، و2006، و2008.

المشكلة ليست في مدى تأثير العقوبات على نظام الأسد وجدواها، فهي مجدية وتؤثر عليه بقوة، بل في أنه نظام مارق، مثله مثل رصيفيه الإيراني والروسي، اعتاد على العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليه منذ سنوات عديدة، وبات يمتلك خبرة واسعة في الالتفاف والتحايل عليها بوسائل عديدة، من خلال إنشاء بعض أزلامه شركات ظلّ وحسابات متعددة في دول مختلفة وعديدة، بغية التستر على الأنشطة التجارية لصالحه.

لم يتوقف نظام الأسد عن سعيه من أجل الإفلات من المسؤولية عن الكارثة التي سببها للسوريين، من خلال تحميله العقوبات مسؤوليّة جميع مظاهر الفشل والانهيار الاقتصاديين في مناطق سيطرته، بل عمد هذا النظام إلى اتخاذ تدابير وآليّات لتخفيف أثر العقوبات عليه، في حين اتخذ، بالمقابل، تدابير تُحيل معظم آثارها السلبية لتُصيب غالبية السوريين الخاضعين له في مناطق سيطرته، من خلال التضييق على أحوالهم المعيشية، وجعلهم يلهثون وراء تأمين أساسيات وضروريات حياتهم اليومية، فضلاً عن تحمّلهم تأثير العقوبات على قطاعي الطاقة والمال. كما أن النظام حاول تخفيف وطأة العقوبات عليه من خلال استدرار الدعم الخارجي، القادم من روسيا وإيران، وتنشيط السوق السوداء، واقتصاد الحرب والعقوبات، وكل النشاطات والفعاليات التي يستفيد منها أزلامه ومناصريه، وتشجيع الفساد والنهب، ورعاية عمليات التهريب، وخاصة المخدرات، التي بات يبتزّ بها دول الخليج والعالم.

حاصل القول، ليست الغاية من العقوبات الأميركية تغيير النظام أو إسقاطه، كما يحاول بعضهم إشاعة ذلك، إنما التضييق عليه، والضغط باتجاه ثنيه عن ارتكاب مزيد من الجرائم بحق السوريين، وإرغامه على الدخول في مسار الحل السياسي وفق القرار 2254، وهو أمر لم يتحقق بعد، بالنظر إلى عوامل عديدة، أهمها الدعم غير المحدود له، وعلى كل الأصعدة، من طرف النظامين الروسي والإيراني وسواهما، لذلك من الضروري إجراء تقييم للدور الذي تلعبه العقوبات في التأثير على النهج الذي يتبنّاه النظام في التعامل مع القرارات الأممية، وأن يشمل التقييم تبيان أثر العقوبات على سلوك داعميه. والأهم من ذلك أن تدرج العقوبات ضمن استراتيجية أميركية وأوروبية شاملة، تهدف إلى إجبار النظام على الدخول في الحل السياسي، وتكييف استخدام العقوبات في إطارها.

——————————

عمّان ــ دمشق … الطريق الوعر/ محمد أبو رمان

بدت الاختلافات واضحةً في الخطابين اللذين استخدمهما وزيرا الخارجية، الأردني أيمن الصفدي، والسوري فيصل المقداد، في مؤتمرهما الصحافي في زيارة الصفدي دمشق بداية شهر يوليو/ تموز الحالي، إذ سعى الصفدي إلى التأكيد على نقاط رئيسية، تمثّل الأجندة الأردنية تجاه سورية، فيما تجنّب المقداد التعليق عليها، مع الحرص على التأكيد على الرواية السورية، بخاصة تجاه اللاجئين السوريين في الأردن، وفي ما يتعلّق بالمسألة السورية.

أجندة الأردن تجاه سورية، كما قدّمها الصفدي، واضحة: التمسّك باستراتيجية الخطوة بخطوة، في التعامل مع النظام السوري، والدفع نحو حلول سياسية توافقية داخلية تؤدّي إلى تحسين الأوضاع السياسية، بما يسمح بعودة نسبة كبيرة من اللاجئين والتخفيف من الموقف الدولي تجاه دمشق، والتأكيد على الموقف الأردني بضرورة وقف تجارة المخدّرات عبر الحدود الأردنية – السورية، وإلا فإنّ الأردن سيستخدم حق الدفاع عن النفس، بالطرق المختلفة، ومنها العسكرية، كما حدث عندما وجّه ضرباتٍ عسكريةًً جويةً داخل الحدود السورية لمصنع لتجارة المخدّرات (لم تعلن عمّان مسؤوليتها عن الحادثة).

يرى السوريون أنّ الصفدي يريد إعادة عقارب الساعة إلى وراء، وكأنّ الرئيس الأسد لم يُدع إلى القمّة العربية في جدّة ولم يتم تطبيع العلاقات السعودية الإماراتية مع سورية، لذلك يريدون تجاوز الاستراتيجية (التي يتمسّك بها الصفدي) بربط الحل السياسي بتطبيع العلاقات ويرون أنّ الأمور بعد اتفاق طهران – الرياض تغيّرت. وبالتالي، فإنّ المطالب الأردنية تعرقل عملية التطبيع المنشودة لديهم مع الدول العربية، بخاصة الإمارات والسعودية، فيما مصر لم تأخذ، منذ بدء مرحلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أي موقف سلبي حاد من النظام السوري.

في مقابل المواقف العربية التي باتت تميل إلى التطبيع مع النظام السوري، لا تزال المواقف الدولية ترفض التعامل معه، وقد دخل قانون الكبتاغون حيّز التطبيق ليتكامل مع قانون قيصر في تشديد العقوبات على النظام السوري، وتضييق الخناق على تجارة المخدّرات التي أصبحت، وفق تقارير أممية ودولية، من أكبر مناطق تجارة المخدّرات في العالم، وتقف وراءها شبكة إقليمية، وتحظى بدعم أطراف فاعلة من النظام السوري، وتوفر للأخير مئات الملايين من العملة الصعبة سنوياً.

بالنسبة للأردن، أكثر مسألتين ملحتين اليوم هما اللاجئون والمخدّرات. على صعيد الأولى، هنالك ما يقارب 200 ألف طفل سوري ولدوا في الأردن للاجئين سوريين منذ اندلاع الأزمة السورية. وهذا يعني أنّ المشكلة تتجذّر بالنسبة للأردن مع محدودية الموارد المالية والطبيعية وتخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاههم، ما يعني أنّ العدد مرشّح للازدياد والمتطلّبات الخدماتية كذلك، وسوف (إن لم يكن حدث ذلك فعلاً) سيتحولون إلى واقع سكاني جديد على الأردن أن يتعامل معه.

كان الصفدي قد طرح في لقائه السابق (قبل خمسة شهور) في دمشق مع الرئيس بشار الأسد هذا الموضوع، ودعا إلى استراتيجية متكاملة بين الأردن وسورية لما أطلق عليه عودة طوعية لهم، لكن الصفدي يدرك تماماً انّ هنالك شروطاً مسبقة قوية متطلبة لإقناع، ولو نسبة منهم، بالعودة، وهي الأمور التي لم تتحقق، وهنالك تفاصيل مهمّة، مثل البنية التحتية والضمانات الأمنية وموضوع خدمة العلم والمليشيات الطائفية، وجميعها مسائل ليس من السهولة بمكان حلّها.

وبالنسبة للمخدرات، تزداد الأمور سوءاً مع مرور الوقت، وقد أصبحت وسائل التهريب أكثر خطورة، إذ دخلت طائرات الدرونز على خط العمليات، وليس متوقّعاً أن تكون هنالك استجابة من النظام السوري، طالما أن هنالك معلومات أكيدة بتورّط قادة في النظام مع أطراف عراقية ولبنانية في العمليات، وطالما أنّ هذه الشبكة توفّر دخلاً كبيراً أمام العقوبات الدولية التي أرهقت النظام. وبالتالي، تصبح المسألة أكثر تعقيداً، وربما هذا يفسّر ابتكار خطّة الخطوة بخطوة، بمعنى قيام النظام السوري بخطوات تقابَل بخطوات من المجتمع الدولي. وفي المقابل، تأخذ متطلبات المجتمع الدولي طابعاً سياسياً وهو أمر يعقّد المسائل بالنسبة للاستراتيجية الأردنية.

في الخلاصة، لا يزال ظلّ المأساة السورية ثقيلاً على الأردن، وإن كانت التحدّيات ومصادر التهديد اليوم قد تغيّرت. ويبدو أنّ على الأردن أن يفكّر بخيارات وسيناريوهات عديدة للتعامل مع التداعيات الجديدة.

العربي الجديد

—————————-

أنفا بوتين والأسد الطويلان/ علي سفر

يتذكر متابعو الأخبار كيف لجأت السلطات الأوكرانية في الأيام الأولى للعدوان الروسي ضد أراضيها إلى تضخيم أعداد القتلى الروس نحو أرقام غير منطقية، أثارت حفيظة وسائل الإعلام العالمية، التي كان مراسلوها على الأرض يخبرون الجمهور بالتقدم السريع للقوات المهاجمة في غير منطقة أوكرانية!

من المفهوم أن يمارس الإعلام الحربي للدولة التي تتعرض للاعتداء مثل هذه الممارسات في ظل الواقع المضطرب لمجريات المعارك، ومن المتوقع أيضاً ألا نصدق أخباره وتقاريره حتى وإن كنا نتعاطف مع بلاده، وفي لحظة ما يصبح من الواجب نفي المبالغات الفاقعة، ومطالبة الصحافة الالتزام بالقواعد المهنية، والتي تأتي المصداقية على رأسها.

ولكن، لماذا لا نشعر بضرورة أن نطبق القواعد ذاتها في المقابل على الإعلام الحربي الروسي؟

هنا يجب أن نحيّد مشاعرنا، ونحن نفكر بالأسباب التي تجعلنا نلغي من مسارات تفكيرنا الجانب الآخر، ففي المسائل المهنية لا مجال للتعاطف أو التحامل، لكن ماذا نفعل إن كانت الصورة السائدة عن الصحفيين الروس الذين يؤدون واجبهم في المؤسسات الرسمية تميل إلى وصمهم جميعاً بالكذب والتفنن بصناعة البروباغاندا؟

شهدنا في سوريا ومنذ بداية الثورة السورية أفانين للصحافة الروسية التي جاءت لتنقل أخبار ما يجري في البداية، لكنها صارت ظهيراً إضافياً لإعلام النظام والممانعة، وفي مرحلة لاحقة بدأت مع التدخل العسكري الروسي رسمياً تطابقت الأدوات الإعلامية للجهتين حتى صارتا كتلة واحدة لا يفرق بينهما أي شيء.

وكالة سانا التابعة للنظام على سبيل المثال، باتت تنسخ أخبار وكالة سبوتنيك، وكأنها أخبارها! لا بل إنها تزيد فيها وتطنب! وعلى سبيل المثال، يمكن للقارئ أن يرى الصور المرفقة والتي تم جمعها خلال الفترة الماضية من سياق العواجل التي تبثها الوكالة للجمهور السوري، والتي تبلغه بأن الجيش الأوكراني يتكبد مئات القتلى يومياً!

هل سيقوم أحد ما من الجمهور بجمع الأعداد التي تذكرها وكالة سانا في مزاوداتها ليعرف محصلة حجم الخسائر البشرية التي تتحدث عنها لدى الأوكرانيين؟!

يمكن فعل ذلك من باب الطرافة لا أقل ولا أكثر، لكن ماذا سنفعل إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقوم بالعمليات الحسابية كالجمع والطرح ليخرج بعد ذلك إلى الجمهور الروسي بأخبار ينقلها بنفسه، كما فعل قبل أيام في المؤتمر الصحفي المشترك بينه وبين عميله الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو في سان بطرسبوغ حيث ادعى بأن الأوكرانيين فقدوا في هجومهم المضاد 26 ألف قتيل؟!

تبعاً لهذا، يمكن استدعاء صورة كوميدية للرئيس الروسي بأنف طويل، استطال مع تراكم أخباره الكاذبة حتى بات من الصعب جداً استعادة هيئته الأولى.

عميل بوتين السوري أي بشار الأسد لديه أنف طويل أيضاً تعرّف عليه السوريون قبل ثورتهم ضده، وصار مع تتالي الكوارث وصولاً إلى يومنا هذا أشد غلظة وقباحة، يكتب عنه الصحفيون السوريون والعرب دائماً.

ولعل ما يشترك به الرئيسان في الحقيقة أكبر من امتلاكهما أنف الكذب، إذ يمكن دون تردد إضافة سماكة الجلد، وقلة الحياء، حيث لا يمكن لخصلة الكذب أن تتوفر لدى أحد ما دون أن ترافقها هذه المزايا!

جاءت قصة الأنف الطويل من شخصية “بينوكيو” في القصة التي كتبها الإيطالي كارلو كولدي عام 1883، تحت نفس الاسم، وترجمت إلى أغلب اللغات الحية تقريباً، لجاذبيتها، ولتأثيرها الكبير على القراء صغاراً كانوا أم بالغين، سيما وأن الشخصية الرئيسة فيها أي اللعبة الخشبية ذات أنف غريب، فهو يطول كلما قام صاحبه بالكذب المتعمد!

وقد كتب الكثير عن هذه الحكاية وجرى نقلها مراراً إلى الدراما والسينما والمسرح، لكن حضورها الأهم جاء من خلال اعتماد النقاد على ثيمتها للتعبير عن الكذب الذي يمارسه أحد، أو جهة، أو دولة!

ومن خلال التعمق في الواقع يرصد البشر شخصيات كثيرة تسد بأنوفها الطويلة الطريق أمامها، ليكتشف هؤلاء أن حبل الكذب ليس قصيراً كما يقول المثل العربي، بل إن أنف الكذب طويل طويل!

أنموذج بوتين/ الأسد لا يتوقف عند هاتين الشخصيتين، بل هو قابل للتعميم عند جحفل الممانعين العرب والإيرانيين ومن يشبههم على المستوى العالمي، لكن السخرية منهما يجب ألا تنسينا أنهما مجرمان، يقومان بالترويج لانتصاراتهما الحربية وكأنها مجرد لعبة إلكترونية يربحان فيها النقاط والنجوم الذهبية.

لقد تسبب هذا النموذج بموت مئات الآلاف من البشر في المناطق التي حكمها أو وصلت سلطته إليها، ولهذا يكون من الواجب رؤية الشخصية الطفلية المحببة في مثل هذه الحالة بطريقة مختلفة، حتى وإن كانت تجعلنا نضحك أولاً قبل أن نتذكر مآسيها ونبكي.

—————————–

9 وعود روج لها النظام السوري بعد التطبيع العربي.. لماذا لم تفتح طاقة الفرج؟/ عبد الناصر القادري

لم يشعر السوريون في مناطق سيطرة النظام بأي تحسن معيشي منذ الإعلان عن عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية، وما سبقها من ترويج إعلامي واسع لصحف النظام ومؤسساته الإعلامية من أن “طاقة الفرج” ستفتح مع تطبيع العلاقات بين “سوريا” والدول العربية، وستبدأ الاستثمارات العربية بالقدوم إلى دمشق.

وبدأت حالات التململ وحدة الانتقادات تزداد من قبل السوريين، خصوصاً في الساحل السوري، حيث وصلت إلى درجة غير مسبوقة، ما قد ينبئ بتغيرات كثيرة في تعاطي النظام مع القاعدة الاجتماعية التي أيدته طوال سنوات الحرب التي قادها على السوريين.

أزمات متزايدة

مر أكثر من شهرين على قمة جدة، والتقاط بشار الأسد الصور مع الزعماء العرب المشاركين بالقمة وتوزيعه الابتسامات يميناً وشمالاً، إلا أن تدهوراً اقتصادياً دراماتيكياً شهدته مناطق سيطرته مع تراجع قيمة الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها ووصولها إلى أكثر من 13 ألف ليرة لكل دولار، بعد أن كانت 8850 ليرة يوم عقد القمة في 19 أيار الماضي.

روج النظام منذ وقوع الزلزال المدمر في شمالي سوريا وجنوبي تركيا، بأن الوضع سيتغير كلياً للأفضل، خصوصاً مع عودة العلاقات مع عدة دول عربية وفي مقدمتها السعودية والزيارات الدبلوماسية التي شهدتها الأشهر الخمسة الماضية، بما فيها الزيارة البارزة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، محاولاً إبراز قوة طهران ونفوذها في سوريا.

بدأ التراجع الاقتصادي بشكل فعلي بعد تراجع حدة المعارك والعمليات العسكرية التي يقودها النظام السوري مدعوماً من روسيا وإيران منذ عام 2018، حيث فقد النظام الكتلة المالية للقطع الأجنبي الذي كان يأتي من الحرب وبيع الأسلحة، مع فشله في تحسين الوضع المعيشي للناس في ظل تفشي الفساد في كل مفاصل الدولة.

ورغم أن النظام السوري يختلق الأزمات الاقتصادية منذ تأسيسه وهو معروف لدى غالبية السوريين يتجسد في طوابير على الغاز أو الوقود أو الخبز أو الجمعيات التعاونية.

ويبدو أن حجم الأزمات تجاوزت قدرة النظام على التحكم بها، فقد وصلت إلى فقدان البصل من الأسواق وارتفاع أسعاره بشكل غير معقول، والترويج لقروض شهرية لشراء المواد الغذائية أو شراء الأساسيات اليومية بالتقسيط، ما يظهر حجم الكارثة الاقتصادية التي يعيش فيها الناس مع راتب شهري لا يتجاوز الـ 100 ألف ليرة (أقل من 8 دولارات)، ووجود 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر وفق أرقام الأمم المتحدة.

وعود ما قبل التطبيع

وعد النظام السوريين، بأن “طاقة القدر” ستفتح بعد تطبيع العلاقات مع دول الخليج الغنية بالنفط والمال، وركز في وعوده على عدة نقاط أبرزها:

    تحسن الليرة السورية

    زيادة الرواتب والمعاشات

    انخفاض الأسعار أو ثباتها عند حدود معينة

    توفر المنتجات في الأسواق

    تحسن وضع الكهرباء عبر ساعات تقنين أقل

    توفر الوقود بما في ذلك الغاز ومحروقات وسائل النقل

    البدء في إعادة الإعمار

    التطبيع السياسي وعودة العلاقات مع كثير من دول العالم

    بدء رفع العقوبات الأميركية والأوروبية

تطبيع بلا جدوى

وبعد تلك الوعود الكثيرة والمتعددة والمتشعبة أيضاً، ما الذي تمكن النظام من تحقيقه منها؟ لم يحقق أي نقطة أو وعد، حيث انخفضت قيمة الليرة إلى مستويات هي الأدنى في تاريخها، وتحولت الأسعار في سوريا إلى بورصة تتغير على مدار الساعة، وزادت ساعات قطع الكهرباء رغم الصيف وموجات الحر الجديدة إلى أقل من ساعة في اليوم بمعظم المحافظات.

ولم يتحسن وضع غاز المنازل أو تتوفر محروقات النقل المدعوم بشكل أكبر، ولم تبدأ أي مدينة دمرها النظام السوري وطائرات روسيا وميليشيات إيران بإعادة الإعمار.

من الناحية السياسية لم يتمكن النظام من توسيع دائرة التطبيع، رغم عودته إلى مقعده في الجامعة العربية، سوى بعض الزيارات على مستوى الوزراء إلى دول لديها علاقات سابقة مع النظام، مثل العراق وسلطنة عُمان والإمارات.

علاقات مقطوعة وعقوبات مستمرة

وعلى العكس من ذلك جددت الكثير من الدول مواقفها الرافضة للتطبيع مع النظام السوري بدون تنفيذ قرارات مجلس الأمن 2254 وما تم التوصل إليه في محادثات جنيف 1، بما فيها قطر ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة.

ورفعت دول الاتحاد الأوروبي لاءاتها الثلاث أمام النظام السوري، مؤكدة أنه “لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات عن النظام، ما لم يسر بشكل فعّال في الحل السياسي”.

وفي بيانات متعددة منذ بدء تطبيع دول عربية علاقاتها مع النظام السوري، أكّدت وزارة الخارجية الأميركية، أن عقوبات واشنطن بحق النظام السوري تشكل أداة ضغط للمساءلة، بشأن ما يرتكبه من انتهاكات، مستبعدة رفعها من دون إحراز تقدم نحو حل سياسي في سوريا.

وصدق مجلس النواب الأميركي على مشروع قرار لمناهضة التطبيع مع النظام السوري قبل 3 أيام من حضور بشار الأسد قمة الجامعة العربية في جدة،  وفي 14 من تموز، أعلن “التحالف الأميركي لأجل سوريا”، عن طرح نسخة موازية بدون أي تغيير للنص من مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري ضمن مجلس الشيوخ الأميركي.

وقال التحالف في بيانه إن “السرعة الفائقة لطرح نسخة مجلس الشيوخ الأميركي تعكس جدية الكونغرس في مناهضة التطبيع والمطبعين، وحظر الاعتراف بأية حكومة سورية يرأسها بشار الأسد”.

وهذا التحرك السياسي المهم، متصل بالضرورة بالعقوبات الغربية التي جاءت عبر “قانون قيصر” وما يتعلق بمكافحة المخدرات، ومشروع قانون قمع الاتجار غير المشروع بـ”الكبتاغون” أو ما يعرف بـ (كبتاجون 2) أمام مجلس النواب الأميركي.

ولا بد من الإشارة إلى أن تجارة الكبتاغون التي يقودها النظام السوري بالشراكة مع إيران وحزب الله وميليشيا خليفة حفتر في ليبيا، عبر توريدها إلى الأردن ودول الخليج ودول أوروبية، ما زالت مستمرة، وتضبط سلطات تلك الدول شحنات تهريب مخدرات، يرجح بشكل دائم أنها قادمة من سوريا أو لبنان.

ورغم الأموال الهائلة التي تعود على النظام من تجارة المخدرات، والتي تقدر وفق أرقام أوروبية بـ 50 مليار دولار سنوياً، إلا أن النظام السوري لا ينفق أي شيء منها على تحسين الوضع المعيشي لحاضنته وبالطبع على بقية السوريين القاطنين في مناطق سيطرته.

النقد من داخل المنظومة

الوضع المعيشي المتردي والذي يستمر في التدهور يوماً بعد يوم، دفع سوريين للخروج عبر مقاطع فيديو أو عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي منتقدين الحالة الصعبة التي تعيشها البلاد، عبر سقف نقد يرتفع شيئاً فشيئاً إلى ما كانت محرمات لا يجوز الاقتراب منها.

وعلى سبيل المثال هاجمت الناشطة المؤيدة للنظام السوري لمى عباس في بث مباشر على “فيس بوك” النظام ودعت جميع أبناء الشعب السوري للقيام بثورة ضده، وذلك احتجاجاً على الوضع الاقتصادي والمعيشي المزري الذي وصلت إليه البلاد.

واستغربت “عباس” من صمت وعدم تحرك السوريين الموجودين في مناطق سيطرة النظام لمحاسبة المسؤولين ومساءلتهم عن الوضع المزري الذي آلت إليه البلاد وسط تجاهل وتغافل النظام وحكومته.

وذكرت أن أكثر ما يغضبها هو أن الشعب السوري وصل إلى مرحلة يرثى لها وبات من دون أكل ولا شرب ولا دواء ولا تدفئة ومع ذلك مازال صامتاً ولا يحرك ساكناً ضد النظام ومؤسساته.

وأكدت عباس أنه ليس هناك حلفاء للنظام، بل هم مستعمرون، موضحةً أن حلفاء النظام دمّروا سوريا.. وأن جبال الساحل يتم حرقها، وبعد ذلك يتم بيع الأراضي.

وتساءلت لماذا حلفاء النظام لا يساعدون في إطفاء الحرائق على غرار ما قاموا به مع تركيا وإسرائيل، مؤكدةً أن الحرائق بالساحل تتم بفعل فاعل.

ووفق عباس فإن النظام ينتقم من السوريين من خلال عدم تأمين الخدمات (مياه، كهرباء..)، معتبرةً أن هذا الانتقام ليس له إلا تفسير واحد، وهو أن النظام ينفذ مخططاً خارجياً لإبادة الشعب السوري وطمس ومحو الهوية السورية

وبعد البث المباشر لـ “لمى عباس” بيوم واحد، شاركت مقطع فيديو، قالت إنه لقوات الأمن التابعة للنظام السوري وهي تحاول اقتحام منزلها واعتقالها، معلقة بالقول: “تم اقتحام منزلي ومحاولة اعتقالي.. الساعة الثانية بعد منتصف الليل من دون إذن قضائي أو أي مذكرة إحضار.. سنبقى صوت الشعب.. تحيا سوريا”.

ويظهر صوت لمى عباس وعائلتها يتحدثون مع عناصر من أجهزة المخابرات، حيث طلبت من قائد الدورية أن يأتي “العقيد لؤي” لكي يعتقلها، فيما قالت ابنتها إن هناك “مليار لمى عباس”، في حين هدد ابنها الدورية بأنه يتمالك أعصابه مقابل التعليمات التي تتوجه له في بيته.

من جانبه دعم الناشط المؤيد للنظام بشار برهوم لمى عباس، قائلاً إن “زمن التشبيح انتهى”، موجهاً الشتائم لحزب البعث ووصف “قوى الأمن” بالأذلاء.

والحال نفسه ينطبق على الصحفية الموالية للنظام فاطمة سلمان، التي تنتقد بمنشورات كثيرة على “فيس بوك” الواقع الذي وصلت إليه البلد في ظل حكم النظام السوري، قائلة في أحد منشوراتها “أول شي منفقر الشعب ومنعلن أبوه ومنكره بالبلد بعدها منحرقله أراضيه وشجره (ليمون-زيتون)، بعدها منشتري الأراضي بتراب المصاري يلي بالأصل سرقناها من الشعب عن طريق أتوات الحواجز”.

وأضافت أن ذلك يشمل أيضاً “الأرصفة المأجورة (كلبجة) والجمركة وتكامل والأسواق الحرة ووفاتل ونص سيريتل وام تي ان  وشركة ايما تل..  الخ …. مشروعكم مكشوف يا خونة جبالنا الخضراء تحترق”.

ويبدو أن النظام لا يستخدم العصا الغليظة (التي يستخدمها مع عموم الشعب السوري) مع قاعدته الاجتماعية “الصلبة” تاركاً لهم مساحة الانتقاد، طالما أنهم لا يتوجهون بالنقد لعائلة رئيس النظام بشار الأسد بشكل مباشر.

———————————-

قطر والأردن:لتنفيذ بيان عمّان حول سوريا

ناقش رئيس الوزراء وزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي الدور العربي في جهود التوصل لحل سياسي للأزمة السورية “وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254”.

وأكد الطرفان خلال محادثات في العاصمة القطرية الدوحة، “ضرورة تنفيذ بيان عمّان، واتخاذ خطوات عملية ملموسة لمعالجة تبعات الأزمة الإنسانية والأمنية والسياسية من أجل إنهاء هذه الأزمة وما سببته من معاناة للشعب السوري، وتهديدات لأمن المنطقة، وبما في ذلك تهريب المخدرات”، بحسب وكالة الأنباء الأردنية (بترا).

    رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية @MBA_AlThani_ يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني

    🔗لقراءة المزيد: https://t.co/xHp2Ac66BH#الخارجية_القطرية pic.twitter.com/1KXoGWO33F

    — الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) July 16, 2023

وبحث الوزيران العلاقات الثنائية بين البلدين، وآخر المستجدات العربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وخاصة جهود حل الأزمات السورية واليمنية والليبية، ودعم الاستقرار في لبنان، بالإضافة إلى التوترات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفق “بترا”.

وأثنى الطرفان على النمو الذي يشهده بين قطر والأردن، وأكدا الاستمرار بالعمل على تنميته بما يحقق المصلحة المشتركة للبلدين.

—————————————-

=======================

تحديث 15 تموز 2023

—————————

“المبادرة الأردنية”.. غير قابلة للتطبيق

خبراء يشككون برغبة وقدرة النظام على الاستجابة

حسام المحمود| يامن مغربي| جنى العيسى| حسن الإبراهيم

نشرت مجلة “المجلة”، في 25 من حزيران الماضي، نصًا مفصلًا لـ”المبادرة الأردنية” التي تقدمها عمان للحل السياسي في سوريا، بما فيها من مطالب ومقترحات وتفاصيل تطالب النظام بكثير من الإجراءات على الأرض من جهة، وما يصبو النظام لتحقيقه عبر بوابة هذه “المبادرة” من جهة أخرى.

النشاط الأردني في الملف السوري الذي برز مع الحديث عن “مبادرة” في 2021 حملت اسم “لاورقة”، عاد بقوة خلال العام الحالي، بالترافق مع لقاءات سياسية بالجملة بعد زلزال 6 من شباط الماضي، وما تبعه من “اتفاق” عربي على ضرورة عدم بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه، إلى جانب تراجع المسارات السياسية السابقة، من “جنيف” وصولًا إلى “أستانة”.

وبعد مقدمة تمهيدية تشرح واقع الحال في سوريا، على مستوى الاحتياجات الإنسانية، والحالة العسكرية والسياسية، جاءت “المبادرة” مقسمة وفق ثلاثة مسارات زمنية (على المدى القريب والمتوسط والبعيد)، دون تحديد زمن كل منها، مع كثير من البنود المقترح تحقيقها في كل مرحلة.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف، بالاستعانة بمجموعة من المتخصصين المتابعين للملف، أبرز الخطوط العريضة لـ”المبادرة” ومدى قابلية تطبيقها، والعراقيل التي تواجهها، بالإضافة إلى النقاط غير الواضحة منها.

ما “المبادرة”؟

بعد مشاورات ونقاشات مع دول عربية وغربية، تأتي “المبادرة” حاملة تعديلات عن “اللاورقة”، وجرى فيها استعمال مصطلح “الحكومة السورية”، بعد استعمال “النظام السوري” في “اللاورقة”، والمطلوب حاليًا التوصل إلى حل سياسي مبني على قرار مجلس الأمن “2254”، مع اتفاق الأطراف الخارجية المعنية على أنه لا حل عسكري لإنهاء “الأزمة” في سوريا، وأن تغيير النظام ليس “هدفًا فعالًا”، والقرار “2254” أفضل السبل للمضي قدمًا، والوضع الراهن يزيد معاناة السوريين ويقوي الخصوم، وتراجع أو تأخير التدخل يقود إلى نتائج ربما يتعذر تغييرها.

تسير “المبادرة” المدعومة من العرب وفق نهج “العرض والطلب”، وتنطلق من الحالة الإنسانية، وتطالب بأن تمنح دمشق الهيئات والمنظمات الأممية حق الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتسهيل وصول المساعدات بشتى السبل (عبر الحدود وعبر الخطوط)، والتوصل إلى آلية تتيح التأكد من أن مساعدات المانحين تصل إلى مستهدفيها النهائيين.

في الوقت نفسه، تعرض على النظام الاستثمار في مشاريع التعافي المبكر، ضمن قطاعات المياه والصحة والتعليم والسكن والصرف الصحي، بمختلف مناطق سوريا.

وتناولت “المبادرة” آلية معالجة ملف المعتقلين على المدى القريب، من خلال تقديم النظام معلومات تفصيلية لمكاتب الأمم المتحدة عن المستفيدين من العفو الرئاسي الذي أصدره النظام (نيسان 2022)، إلى جانب الإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي، والاتفاق على إطلاق سراح المعتقلين بشكل تدريجي، والتعاون مع “الصليب الأحمر” لتحديد أماكن ومصاير المفقودين والمخطوفين، مع وجوب حث كل الأطراف السورية وتركيا (قريبة من المعارضة وتفاوض النظام لتطبيع العلاقات السياسية معه) على التعاون للإفراج عن معتقلين منهم عسكريون وأمنيون عاملون في “الجيش السوري” و”الحكومة السورية”.

وتركز “المبادرة” في مرحلتها الأولى (المدى القريب) على ملف عودة اللاجئين، الذي يشكّل هاجسًا لدول الجوار المضيفة لهم (الأردن وتركيا ولبنان)، إذ تطالب بتسهيل رسمي من النظام لعودتهم إلى أراضيهم وممتلكاتهم، مقابل الاستثمار في مناطق يتوقع أن يعود إليها اللاجئون، وفق “مشروع تجريبي” يبدأ من الجنوب السوري.

وتطالب في مرحلتها الثانية بإخراج القوات الإيرانية من سوريا، وتخفيض الحضور العسكري الإيراني فيها سلاحًا وجغرافيا، واستعادة ممتلكات استحوذت عليها إيران في سوريا، وانسحاب الميليشيات الشيعية و”حزب الله” اللبناني، ومعالجة مخاوف دول الجوار بشأن تهريب المخدرات من سوريا.

المرحلة الثالثة تتضمن الحديث عن “خطوات متوقعة من دمشق”، تشمل إصلاحات لضمان حكومة جيدة ومنع الاضطهاد، والانخراط في المصالحة مع المعارضة السابقة (داخل سوريا)، والاتفاق على صيغة حكم أكثر شمولًا، وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.

وضمن هذه المرحلة أيضًا، وعلى المدى البعيد، وهو الأكثر تعقيدًا، فالمطلوب من النظام إعلان إنهاء العمليات العسكرية في سوريا المتعلقة بـ”النزاع المسلح”، باستثناء التدريب القتالي ضد جهات تحددها الأمم المتحدة، بينما تعرض على النظام “حوافز” تتضمن تمويل إعادة الإعمار، ورفع العقوبات، وانسحاب القوات الأجنبية، بما فيها الموجودة في شمال شرقي سوريا ومنطقة التنف، مع الإشارة إلى أن تنفيذ مثل هذه البنود يمكن أن يحدث على المدى البعيد، تحت عنوان “الانسحاب والاندماج”.

في هذا الوقت

نُشرت تفاصيل “المبادرة” قبل نحو أسبوع من زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلى دمشق، ولقائه نظيره، فيصل المقداد، ورئيس النظام، بشار الأسد، في 3 من تموز الحالي.

زيارة الصفدي الثانية بعد الزلزال (الأولى في 15 من شباط)، جاءت للتباحث مع الأسد والمقداد حول الجهود المبذولة لحل “الأزمة السورية”، وعدد من القضايا الثنائية.

وخلال لقائه بالوزير الأردني، ربط الأسد عودة اللاجئين بالظروف المتردية في مناطق سيطرته، مشددًا على أن العودة الآمنة للاجئين أولوية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات إعادة الإعمار والتأهيل بجميع أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية.

الباحث في معهد “الشرق الأوسط”، تشارلز ليستر، اعتبر أن الزيارة الأردنية “محرجة” للنظام، فبعد عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، استمرت عمليات القتل والاعتقال التعسفي والخطف، في تصاعد لأعمال العنف في الوقت الذي يتوقع به عودة اللاجئين.

كما أن قيمة العملة السورية واصلت تراجعها بعد العودة إلى الجامعة العربية، بالإضافة إلى سلب عقارات وممتلكات مواطنين سوريين، وتصعيد الاستهدافات العسكرية لشمال غربي سوريا، ومقتل وإصابة العشرات باستهداف سوق خضراوات في إدلب.

وقال ليستر عبر “تويتر”، إن هذا يعني أن “خطة الأردن للإعادة المشروطة لإشراك النظام (في إشارة إلى العملية السياسية) لم تعد واعدة”.

وفي 19 من أيار الماضي، شارك بشار الأسد بالقمة العربية التي انعقدت في مدينة جدة السعودية، بعد إلغاء تجميد عضويته في الجامعة، وتبادل زيارات وزيري خارجية الطرفين (دمشق والرياض)، والقناعة السعودية التي تشجع على الحوار كبوابة للحل، وفق تصريحات سابقة في هذا السياق لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان.

وكانت عمان استضافت، مطلع الشهر نفسه، لقاء على مستوى وزراء الخارجية لكل من السعودية والعراق والأردن ومصر والنظام السوري، حمل اسم “اجتماع عمان التشاوري”، وأنتج بيانًا يتقاطع إلى حد بعيد مع بنود “المبادرة الأردنية” التي جرى الكشف عنها.

المشكلة في التنفيذ

الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء السعودي المتقاعد عبد الله غانم القحطاني، أوضح لعنب بلدي أن الخطة أو “المبادرة” جيدة في المظهر، لكن المشكلة في التنفيذ، ففيها حشو وتفرعات كثيرة وبنود غير منطقية أو غير قابلة للتنفيذ، مشيرًا إلى مطالبة النظام السوري بإخراج القوات الإيرانية من سوريا، مقابل إعادة الإعمار ورفع العقوبات.

يتساءل اللواء القحطاني، هل نظام بشار الأسد قادر على إخراج القوات الروسية والإيرانية والجيوش الموجودة على الأرض، وهل يضمن خروج الروس والأمريكيين، ومن سيتولى مخيم “الهول” ويعيد من فيه إلى دولهم، وهل يصدّق عاقل بأن إيران يمكن أن تقبل بهذه “المبادرة”، ومَن أقوى على الأرض، النظام أم الميليشيات الإيرانية أم الروس أم الأمريكيون أم المعارضة المسلحة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ويضيف، “الموضوع بشكله رومانسي، والخطة جيدة لو كانت قابلة للتنفيذ”.

الباحث لفت إلى عدم قدرة النظام على الإيفاء بهذه “المبادرة” وإخراج إيران، مشيرًا إلى التجربة العراقية، وبقاء الميليشيات الإيرانية في العراق رغم النفوذ الأمريكي هناك، ما يجعل المسألة معقدة أكثر في سوريا، في ظل وجود “الحرس الثوري” والألوية والمجموعات التابعة لإيران.

“لا أعتقد أن إيران ستخرج من سوريا تحت أي ظرف، والنظام لا يمتلك أدوات لإخراج القوات العسكرية غير السورية من سوريا، ولا أحد يمكنه إجبار القوات الأمريكية والروسية على الخروج من سوريا، فمصالح هذين الطرفين خارج سوريا تتحكم بكل شيء”، قال القحطاني.

كما لفت الباحث إلى مسألة التشاور الأردني مع الولايات المتحدة وروسيا حول الخطة، مبينًا أن الموافقة الأمريكية والروسية على “المبادرة”، تتطلب (إن كان ذلك صحيحًا) صدور قرار من مجلس الأمن لإقرارها أو إقرار تعديلاتها، بما يلزم الأطراف الأخرى بتنفيذها.

الباحث في العلاقات الدولية بلال السلايمة، أوضح لعنب بلدي أن “المبادرة” محاولة أردنية لأخذ زمام المبادرة بتقديم رؤية تستجيب بالدرجة الأولى لاحتياجات الأردن، ويتضح ذلك من خلال المطالب أو الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، إذ تأتي استجابة للمحاذير والمخاوف لدى دول الجوار وفي مقدمتها الأردن، سواء فيما يتعلق بالمخدرات أو عودة اللاجئين، وحتى خروج الميليشيات الإيرانية من سوريا.

وتأتي “المبادرة” بالتوازي مع حالة التعثر التي وصلت إليها العملية السياسية، فمسار “جنيف” معطل، و”أستانة” وصل إلى حده فيما يمكن أن يقدمه على الأرض، ما أفسح المجال أمام “المبادرة” لتأخذ زخمها بالتزامن مع حالة تصفير المشكلات على المستوى الإقليمي، ما دفع بـ”المبادرة” إلى الأمام.

وما دفع بهذا الاتجاه أيضًا وفق السلايمة، مبدأ “خطوة مقابل خطوة” الذي طرحه المبعوث الأممي، غير بيدرسون، كجزء من إجراءات “بناء الثقة”، وكمسار تفاوضي، الأمر الذي ساعد على تبني بعض الدول مفهومها الخاص حول هذا المبدأ، والانخراط بمسارات ثنائية مع النظام بعيدًا عن العملية السياسية الشاملة.

“من المستبعد أن تحقق المبادرة اختراقًا في العملية السياسية، لأنها تهدف إلى خطوات بسيطة تتعلق بتحسين سلوك النظام في بعض الملفات، ولا توجد رؤية حول الحل الجذري في سوريا، كم أن النظام غير معنيّ بتقديم أي خطوة من طرفه، وعلى رأسها ملف اللاجئين، فهو غير معنيّ بعودتهم من دول الجوار، إضافة إلى عدم قدرته على الاستجابة لبعض المطالب، ومنها الوجود الإيراني”، أضاف الباحث.

ويمكن القول إن “المبادرة” تحصر كل العملية السياسية في فكرة خطوات “بناء الثقة” من طرف النظام، والدول الأخرى، وهو أمر لم يتبعه النظام حتى حين كان يواجه خطرًا عسكريًا وتهديدًا سياسيًا، وبعد عودته الجزئية إلى المشهد السياسي، وتحقيق بعض الاستقرار الأمني في مناطق سيطرته على الأقل، فلا دافع لديه (النظام السوري) للانخراط في خطوات تبادل “بناء الثقة”، وفق الباحث بلال السلايمة.

    رسائل متعارضة

    جاءت “المبادرة” محمّلة بكثير من التفاصيل والمحاور المرتبطة بالملف السوري مع وجود بعض النقاط التي لم تبدُ منسجمة مع بعضها، إذ لا ترى في تغيير النظام “هدفًا فعالًا”، لكنها تشير ضمن مرحلتها الثالثة إلى ضرورة الموافقة على إجراء انتخابات تحت إشراف أممي، وتتحدث في الوقت نفسه عن أهمية الاتفاق على صيغة أصيلة لحكم أكثر شمولًا.

    وجاء ذكر المعارضة باسمها الصريح لمرتين فقط في “المبادرة” التي تتحدث عن الحل، مستعيضة عنها بذكر “الأطراف السورية”، لكن الإشارة الأولى إليها كانت تدل على المعارضة الخارجية، عبر دعوة جميع الدول لاستعمال نفوذها لدى “الحكومة السورية” والمعارضة السورية، للتقدم في عملية السلم وخطوات بناء الثقة، لكن المرحلة الثالثة من “المبادرة” حصرت مسألة الانخراط بالمصالحة بين النظام و”المعارضة السابقة” التي دلت عليها بـ”المعارضة داخل سوريا”، دون أن تأتي على ذكر هيئات وأجسام المعارضة السورية التي يلتقيها النظام نفسه ضمن مسار عمل اللجنة الدستورية المتوقف منذ حزيران 2022.

    كما يغيب عن “المبادرة” أي جدول زمني واضح للتنفيذ، يوضح موعد بدء التطبيق، والوقت المحدد لكل مرحلة، والمهلة الأخيرة لإنهاء تنفيذها، مع الاكتفاء بـ”مدى قريب ومتوسط وبعيد”، وهو ما اعتبره الباحث عبد الله غانم القحطاني مؤشرًا على عدم التوصل إلى تطبيق ملموس وواقعي لهذه الرؤية.

اللاجئون والمخدرات.. ملفات شائكة

سجل ملف المخدرات حضورًا في “المبادرة الأردنية”، باعتباره إحدى القضايا التي تشغل اهتمام الأردن ودول الخليج العربي أيضًا، لكن دون تركيز على هذا الملف أو منحة مساحة واسعة في “المبادرة”، رغم الربط بين عدم الاستقرار وتصاعد تهريب المخدرات عبر الحدود مع سوريا.

اجتماع عمان التشاوري، واللقاء الوزاري العربي بجدة في 14 من نيسان الماضي، والبيانان الختاميان للقاءين، وتصريحات متواصلة لمسؤولي دول الجوار حول تهريب المخدرات من سوريا، وصولًا إلى الحديث عن عرض قدمه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، للأسد، في 18 من الشهر نفسه، خلال زيارته إلى دمشق، وفحواه تعويض النظام السوري خسارة تجارة “الكبتاجون” في حال توقفها، كل ذلك ومحاولات التهريب لم تتوقف.

وبالتزامن مع الإعلانات المتكررة وشبه اليومية للأردن والسعودية حول توقيف شحنات مخدرات تضم كميات متفاوتة من أقراص “الكبتاجون” المخدرة، شهدت مدينة درعا، جنوبي سوريا، قصفًا جويًا في أيار الماضي، استهدف مرعي الرمثان، أحد أشهر تجار المخدرات المرتبطين بالنظام السوري.

وجاءت الضربة الجوية قبل يوم واحد من مشاركة النظام في مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات في 9 من أيار الماضي.

كما سبقها، في 4 من الشهر نفسه، تلويح أردني بعملية عسكرية في سوريا للقضاء على تهريب المخدرات، وفق تصريحات لوزير الخارجية، أيمن الصفدي، خلال مقابلة مع شبكة “CNN” الأمريكية.

وكانت السلطات الأردنية أحبطت، في 1 من أيار الماضي، محاولة تهريب 133 ألف قرص “كبتاجون” مخدر من الأراضي السورية، بالتزامن مع وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى عمان، للمشاركة في اجتماعها التشاوري.

وفي 13 من نيسان، قبل يوم واحد من اجتماع جدة الوزاري لبحث التقارب مع النظام السوري حينها، أعلنت السلطات السعودية ضبط شحنة من الحبوب المخدرة، وعددها أكثر من 3.6 مليون حبة من مادة “الإمفيتامين”، مخبأة في شحنة بطاطا، وقُبض على مستقبليها في الرياض، وهم ثلاثة مقيمين ووافدان بتأشيرة زيارة، وفق ما نقتله وكالة الأنباء السعودية (واس).

وفي مؤشر آخر على جدّية وخطورة الملف، فإن الملك الأردني طلب، مطلع آذار الماضي، من وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، المساعدة في خوض “حرب المخدرات” المتنامية على طول الحدود البرية الأردنية- السورية.

كما حمّل الملك الأردني الميليشيات المدعومة من إيران المسؤولية عن تهريب المخدرات على الحدود، وناقش مع الوزير الأمريكي تصاعد ترسيخ الميليشيات المدعومة من إيران جنوبي سوريا، التي قال مسؤولون إنها كثفت عمليات تهريب المخدرات عبر حدودها، للوصول إلى أسواق الخليج العربي.

باب “زرق” للنظام

وفق كثير من التقارير والتصريحات الأمريكية، بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية- البريطانية، الصادرة في 28 من آذار الماضي، فإن لملف المخدرات صلات بعائلة الأسد، و”الفرقة الرابعة” من “الجيش السوري” التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام.

وشملت العقوبات أشخاصًا وكيانات مسؤولة عن إنتاج وتصدير “الكبتاجون” في سوريا، وأُدرج على لوائحها سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد، ابنا عم بشار الأسد.

ويشرف سامر الأسد، وفق بيان لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأمريكية، على منشآت إنتاج “الكبتاجون” الرئيسة في محافظة اللاذقية، بالتنسيق مع “الفرقة الرابعة” وبعض أعضاء “حزب الله”.

الخبير الأردني بالأمن الاستراتيجي عمر الرداد، يرى أن ملف “الكبتاجون” يرتبط بسطوة الميليشيات المتعددة وأدوارها، وبكونه مصدر دخل للنظام، مشككًا في الوقت نفسه بقدرة النظام على تقديم تنازلات في هذا الإطار تتعدى ما هو شكلي.

الرداد أوضح لعنب بلدي أن جدّية النظام تتراوح بين إرسال الرسائل إلى الدول المعنية بالملف وبين المساومة، لا سيما أن قرار إنهاء تصنيع وتهريب المخدرات بيد ميليشيات وشخصيات داخل النظام تختلف عن تلك التي تبحث الملف مع الأردن والسعودية.

جاء ملف المخدرات في “المبادرة” إلى جانب الشقين الأمني والعسكري، اللذين يشكّلان ثاني مراحل المبادرة، في إشارة إلى “خطوات لمعالجة الوجود الإيراني في سوريا”، ما يعني ارتباط ملف المخدرات بإيران، كما أشارت “المبادرة” إلى ارتباطه بملفات وقضايا أخرى، فهو ليس معزولًا عن الملفات الأخرى التي أشارت إليها قرارات القمة العربية (19 من أيار الماضي) بخصوص عودة اللاجئين والتسوية السياسية، وفق عمر الرداد الذي لفت إلى صعوبة نجاح مسار دون آخر ضمن “المبادرة”.

بحسب تحقيق مشترك لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وشبكة الصحافة الاستقصائية (OCCRP)، صدر في 27 من حزيران الماضي، فإن هناك صلات مباشرة بين تجارة “الكبتاجون” وضابط رفيع بـ”الفرقة الرابعة” هو اللواء غسان بلال، الرجل الثاني بعد ماهر الأسد في “الفرقة”.

كما يظهر التحقيق ضلوع “حزب الله” بملف الصناعة والتهريب.

في السياق نفسه، نقلت “BBC” عن المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، أن “حجم الإيرادات يفوق كثيرًا ميزانية الدولة السورية، وإذا توقفت عائدات (الكبتاجون) أو تعطلت، لا أعتقد أن نظام الأسد يمكن أن ينجو”.

لا تنازلات أمام اللاجئين

إلى جانب حضوره التفصيلي في “المبادرة”، والحديث عن “مشروع تجريبي” لإعادة نحو ألف لاجئ سوري، فمنذ مشاركة النظام السوري في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية، ركّزت تصريحات مسؤوليه على التعافي المبكر، والاستثمار في سوريا للمساعدة بعودة اللاجئين.

ملف اللاجئين الذي يحتل صدارة حديث المسؤولين العرب ومباحثاتهم مع النظام، ربطته “المبادرة” بـ”خطوات بناء الثقة” التي أشارت إلى أن هدفها تحقيق تبدل تدريجي في سلوك النظام مقابل حوافز تحدد لمصلحة الشعب السوري، وتمكين بيئة مواتية لعودة اللاجئين.

وخلال لقائه وزير الخارجية الأردني، ربط الأسد مسألة عودة اللاجئين بالظروف المتردية في مناطق سيطرته، مشددًا على أن العودة الآمنة للاجئين أولوية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بجميع أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية.

يرى رئيس منظمة “السلام والعدالة والتوثيق”، أنور مجني، أن موضوع العودة يجب بحثه باتجاهين، رغبة النظام ورغبة المهجرين، فالنظام لا يريد عودة مجانية دون مقابل، وقبوله جدلًا تقديم تنازلات في هذا الملف لا يعني قبوله للمهجرين، مستبعدًا تقديم تنازلات تتعلق بتغيير آلية تعامله مع السوريين وإيقاف الانتهاكات.

كما أن الدول العربية لا ترغب بتكريس تغيير ديموغرافي، وتسعى لإبعاد الوجود الإيراني، إلى جانب السعي لتخفيف الحضور السوري على أراضيها، وفي الوقت نفسه، التوصل إلى حل سياسي يبدد المخاوف والمخاطر الأمنية الحدودية، ويعالج ملف المخدرات.

كيف يتعامل النظام مع ملف عودتهم؟

يرى مدير مركز “الشرق الأوسط للدراسات”، صفوان الموقت، أن الملف يشكّل بنظر النظام أقوى ملفات التفاوض مع الدول الإقليمية والاتحاد الأوروبي، كما اعتبر الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، أن النظام لا يملك إمكانيات اقتصادية أو مادية على صعيد البنية التحتية لاستقبال ملايين اللاجئين.

وأشار أنور مجني، في حديثه لعنب بلدي، إلى أن النظام يتعامل مع الملف باعتباره ملفًا سياسيًا لا إنسانيًا، وينشد مكاسب سياسية واقتصادية لقاء عودتهم.

الواقع العسكري حجر عثرة

الخطوة التي اعتبرتها “المبادرة” الأكثر تعقيدًا، تتلخص بمسألة إنهاء الوجود العسكري لإيران، بما في ذلك الميليشيات الشيعية المقربة منها كـ”حزب الله”، وإعلان انتهاء العمليات العسكرية المتعلقة بـ”النزاع” في سوريا، وهو طرح متزامن مع زيادة تعقيد المشهد العسكري، وتنامي نفوذ قوى عسكرية وسطوتها وانتشارها الميداني في سوريا.

ووفق تحليل بحثي أجراه مركز “جسور للدراسات” بالتعاون مع مؤسسة “إنفورماجين لتحليل البيانات”، بلغ عدد المواقع العسكرية للقوى الخارجية في سوريا 830 موقعًا حتى تموز 2023، تتوزع تحت هيمنة الدول والجهات المؤثرة على الأرض (التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وروسيا وتركيا وإيران).

العقيد الطيار السابق في قوات النظام مصطفى بكور، شكّك بقدرة النظام على دفع إيران للانسحاب من سوريا، باعتباره مدعومًا أصلًا على الأرض من إيران، وفي الجو من روسيا.

وقال بكور لعنب بلدي، إن النظام يدرك أن أي انسحاب لإيران من سوريا يعني إضعافه، وهو ليس بصدد استبدال العرب بإيران.

وخلال استقباله الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في دمشق، مطلع أيار الماضي، وصف رئيس النظام السوري العلاقة مع إيران بأنها “غنية عن التعريف، غنية بالمضمون، غنية بالتجارب، وغنية بالرؤية التي كونتها”.

وأشار في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، منتصف آذار الماضي، إلى أن الساحة السورية لم تعد مكان صراع إيراني- سعودي، كما كانت في بعض المراحل ومن قبل بعض الجهات.

“الحديث عن علاقة سورية- إيرانية يجب أن تنقطع لم يعد مُثارًا مع سوريا منذ سنوات طويلة، أعتقد أن هناك تفهمًا لطبيعة هذه العلاقة”، أضاف الأسد.

في السياق نفسه، شدد العقيد السابق في قوات النظام على أنه عند الحديث عن إيران، فهذا يعني أيضًا الميليشيات الطائفية الإيرانية و”حزب الله” اللبناني، وكل القوى التي تعمل بدعم وتوجيه من إيران.

تعود “المبادرة الأردنية” إلى عام 2021، عندما أعدّت عمان ورقة رسمية، تضمنت تصورها للحل في سوريا، جرت مشاركتها ومناقشتها من قبل الملك الأردني في اجتماعات منفصلة مع الرئيسين الأمريكي والروسي.

وجاء في نص “المبادرة”، أن الورقة جرى تعديلها بعد مشاورات مع دول عربية وغربية (دون أن يتم ذكرها تفصيلًا)، وصولًا إلى نسختها الأخيرة، التي تضمنت بدقة الخطوات المطلوبة من دمشق والعواصم الأخرى.

وتضمن نص “المبادرة” حرفيًا موافقة الأطراف الخارجية المعنية (دون تحديدها أيضًا) على النقاط الخمس الأساسية ضمن “المبادرة”.

واشنطن.. موافقة ضمنية

في 7 من حزيران الماضي، تضمّن البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري المشترك بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية، تجديد الالتزام بالتوصل إلى حل سياسي في سوريا، يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، وعلى النحو المتفق عليه خلال “اجتماع عمان التشاوري” في 1 من أيار الماضي، وهو الاجتماع الذي تم الاتفاق من خلاله على إطلاق دور عربي لحل “الأزمة السورية” على أساس “المبادرة الأردنية”.

بحسب تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات”، تبدو الولايات المتحدة الأمريكية أكثر استعدادًا للتعبير عن موقف واضح تجاه “المبادرة الأردنية”، عقب اجتماع وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، مع وزراء خارجية مجلس التعاون، الموقف الذي قد يظهر دعمًا مشروطًا لهذه “المبادرة”، ويتعامل معها كواحدة من سياسات الاحتواء تجاه النظام الهادفة إلى تعديل سلوكه.

ورغم ما يجري الحديث عنه إعلاميًا حول موافقة ضمنية لأمريكا على التحركات العربية مؤخرًا، لم تعبر التصريحات المعلَنة لمسؤوليها عن أي تغيير في المضمون المتمثل بمواصلة دعم الجهود الرامية لحل سياسي وفق “2254”.

طرحت عنب بلدي على الخارجية الأمريكية، عبر موقعها الرسمي، أسئلة واستفسارات حول الموقف الأمريكي من “المبادرة” وتعليقها عليها، أو انخراطها فيها، وما إذا كانت لدى البيت الأبيض تحفظات على أي من بنود “المبادرة”، لكن الرد الرسمي الأمريكي لم يقدم إجابات مباشرة على الأسئلة.

وجاء في الرد المقدم على لسان مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية (لم يذكر اسمه)، أن الولايات المتحدة تدعم العملية السورية التي تيسرها الأمم المتحدة، والتي جرى وضعها ضمن معايير قرار مجلس الأمن “2254”، كما تواصل إعادة التأكيد للمجتمع الدولي على إيمانها بأن الاستقرار الأكبر في سوريا والمنطقة، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثّل إرادة جميع السوريين.

وحول مدى انخراط واشنطن في المشاورات التي سبقت “المبادرة”، قال المسؤول في الوزارة، إن أمريكا متسقة في رسالتها إلى جميع الأطراف مع أن الحل السياسي بقيادة سورية والذي يمثّل إرادة جميع السوريين على النحو المبيّن في القرار “2254” يبقى الحل الوحيد القابل للتطبيق، إذ تواصل حث جميع الأطراف على المشاركة الكاملة في هذه العملية، ودعم جهود المبعوث الأممي لتسهيل التوصل إلى حل سياسي.

وأكد المسؤول أن بلاده تظل منخرطة مع الأمم المتحدة وحلفائها وشركائها الدوليين لتشجيع كل الجهود الممكنة لدفع المسار السياسي.

الاتحاد الأوروبي حاضر أيضًا

مطلع نيسان الماضي، التقى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، مع الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، لبحث عدد من القضايا، منها “المبادرة الأردنية”، في زيارة التقى بها عدد من المسؤولين الأوروبيين.

وشهدت العاصمة الأردنية عمان منذ مطلع العام الحالي عدة اجتماعات محورها الملف السوري، أحدها جرى في آذار الماضي، بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية و11 دولة فاعلة، وتضمّن مباحثات حول الوضع في سوريا بحضور المبعوث الأممي، غير بيدرسون.

لم يصدر عن الاتحاد الأوروبي تعليق رسمي حول موقفه من “المبادرة”، وللحصول على معلومات أكثر في هذا السياق، تواصلت عنب بلدي مع مكتب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، عبر مراسلة إلكترونية، دون أن تلقى ردًا حتى إعداد هذا الملف.

الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال خلال لقائه أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في 18 من حزيران الماضي، إن الاتحاد الأوروبي يقف حازمًا بموقفه من سوريا، كما أظهر في مؤتمر “بروكسل”.

ومن مقر الجامعة في القاهرة، تطرق بوريل إلى إلغاء تجميد عضوية النظام في جامعة الدول العربية، مشددًا على أن موقف الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا لن يتغير حتى تحقيق التقدم المطلوب في تنفيذ قرار مجلس الأمن “2254”.

في تصريحات منفصلة، أشارت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، في أثناء زيارة أجرتها إلى قطر، في حزيران الماضي، إلى ضرورة تنفيذ النظام السوري جميع التزاماته كشرط للقبول بحضوره دوليًا وإقليميًا.

من جهتها، حذرت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، حين زارت السعودية، في أيار الماضي، مما وصفته بـ”التطبيع غير المشروط” للعلاقات مع الأسد.

وقالت عقب لقائها نظيرها السعودي، فيصل بن فرحان، إن “كل خطوة باتجاه الأسد يجب أن تعتمد على تنازلات ملموسة”.

عنب بلدي

———————————–

الانعطافة التركية نحو الغرب..سوريا وديعة تتقاذفها الدول/ العقيد عبد الجبار العكيدي

في ضوء المعلومات الأولية التي رشحت عن لقاء الرئيسين الأميركي جو بايدن والتركي رجب طيب أردوغان، الذي جرى على هامش قمة حلف الناتو التي عقدت في العاصمة الليتوانية فيلنيوس الثلاثاء، يبدو أن هناك مساراً جديداً للعلاقات الأميركية-التركية، يقوم على التوافق حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية وتجاوز القضايا الخلافية العالقة بينهما.

لقد كان الرئيس التركي واضحاً في مطالبه بخصوص الثمن المقابل لموافقته على انضمام السويد الى حلف الناتو، ومن هذه المطالب انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، وأخذ ضمانات أمريكية بتسريع إجراءات الانضمام خلافاً للمحاولات التركية السابقة التي وصلت الى طريق مسدود مع دول الاتحاد من قبل، بالإضافة الى صفقة طائرات “إف-16″، وبرنامج طائرة الشبح “إف-35”.

أما بخصوص الدور التركي في المرحلة القادمة التي تتعلق بالحسابات الأميركية في مجريات الصراع الروسي-الأوكراني، يبدو أن ثمة تفاهمات ذات أبعاد استراتيجية تمت بين الطرفين بخصوص هذا الملف، فلدى الجانب الأميركي حرص واضح على كسب الموقف التركي الحازم لجهة حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها والحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، بما يعني تخلي تركيا عن تعزيز علاقاتها مع روسيا في المرحلة المستقبلية، ويرتبط بهذا المسار إعادة تموضع تركيا من الصراع الأميركي-الغربي مع الصين كحليف موثوق له تأثير كبير في منع التمدد الصيني-الروسي باتجاه الشرق الأوسط ووسط افريقيا.

قد يرى بعض المحللين أن العلاقات الأميركية-التركية لم تنقطع وبقيت قنواتها مفتوحة حتى في ذروة الخلاف المتعلق بدعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تمثل التهديد الأكبر على الأمن القومي التركي، وتهدد حدودها الجنوبية، وحمايتها ومنع قيام أي عملية عسكرية تركية لإبعادها عن تلك الحدود، ولكن من الواضح أن المرحلة التي نشهدها حالياً توحي بإعادة صياغة شاملة للعلاقات بين البلدين بعد نجاح أردوغان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، وبقائه في السلطة لخمس سنوات قادمة، ومن هنا تدرك واشنطن أهمية بناء تفاهمات قوية مع أنقرة بعد اتضاح نفوذها الإقليمي في المنطقة، وهذا ما يجعل حتى الملف الخلافي المتعلق بقسد هو موضوع تفاوض ساخن بين الجانبين التركي والأميركي كي لا يظل عقبة أمام تفاهمات أكثر أهمية يمكن أن تصل إليها أنقرة وواشنطن.

واشير متابعة التصريحات التركية والأميركية في الأيام الأخيرة، إلى حاجتهما المتبادلة لإرساء استراتيجية جديدة سيكون لها تداعيات وتأثيرات كبيرة على العديد من الصراعات والقضايا الساخنة ومن أبرزها هو الصراع الروسي-الأوكراني، وتحفيز تركيا لتقوية دورها في دول آسيا الوسطى لقطع الطريق على ازدياد النفوذ الروسي في تلك الدول.

ومن المؤكد أن القضية السورية سيكون لها حيز مهم ضمن هذه الاستراتيجية وسيكون لها نصيب في تلك التفاهمات بما يخص مستقبل سوريا القريب والمتوسط المدى، لاسيما لجهة إيجاد صيغة أمنية تطمئن تركيا إلى إنهاء الخطر الذي يمثله حزب العمال الكردستاني على أمنها القومي، وتقليص دور فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، بناءً على رؤية جديدة قد تبرز وفق سيناريوهات ترضي الطرفين كإيجاد إدارة حكم مركزية تجمع شرق الفرات بغربه، أو إشراك المكون العربي بصورة فعلية في قيادة قوات سوريا الديمقراطية لدرجة الحد من نفوذ قادة العمال الكردستاني إلى درجة إضعاف التوجه الانفصالي للأحزاب الكردية الشمولية في سوريا، بالإضافة الى حل مشكلة اللاجئين التي تشكل عامل أرق دائم للقيادة التركية، وموضوع التطبيع مع نظام الأسد قبل تحقيق أي تقدم في العملية السياسية وفق القرارات الدولة.

ومن المؤكد أيضا أنه لن يغيب عن تلك التفاهمات دور تركيا في احتواء وضبط هجرة اللاجئين غير الشرعية كممر رئيسي الى دول الاتحاد الأوروبي، وليس من باب الصدفة تصريح الرئيس التركي الأخير حول إجراءات شديدة سيقوم بها الجانب التركي لضبط قوافل الهجرة غير الشرعية التي تتخذ من تركيا مركزاً رئيسياً لها في المنطقة، وهي رسالة تطمين للاتحاد الأوروبي لا تحتاج للمزيد من الشرح.

يعتقد كثيرون أن حجم المقايضات المتبادلة التي ستنشأ عن التوافق الأميركي-التركي في حال اكتماله، سيغير الكثير في المشهد السياسي للمنطقة، إذا أخذنا بعين الاعتبار إمكانية ذهاب الولايات المتحدة وإسرائيل نحو تقليم أظافر إيران والحد من نشاط أذرعها في الدول العربية، وهو مطلب لطالما سعى له الإسرائيليون لدى إدارة بايدن من أجل انتهاج سياسة صارمة تجاه ايران. وفي حال وضوح هذا التوجه في المرحلة القادمة، فإن كسب الموقف التركي هو ايضاً ضمانة كبيرة على طريق إضعاف النفوذ الإيراني ومنافسته من دولة إقليمية قوية بحجم تركيا.

وما من شك أيضاً أن الكثير من السوريين ينظر بحماس شديد إلى هذا التقارب بين أنقرة والغرب عموماً، وأنقرة وواشنطن على وجه التحديد، ولا شك أيضاً أن هذا الحماس يستند إلى فرضية أن توطيد العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة إنما يتقوّم بداهةً على تباعد في العلاقات بين أنقرة وموسكو، وربما هذا ما أكدته تصريحات أردوغان الأخيرة أثناء لقاءه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، وذلك فيما يخص رفض تركيا الاحتلال الروسي لجزيرة القرم، وكذلك دعم تركيا لمطلب أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو.

حماس السوريين لابتعاد أنقرة عن موسكو يستند إلى الاعتقاد بأن الشراكة بين أردوغان وبوتين طيلة السنوات السابقة كانت في كثير من جوانبها تتقوّم على حساب المصلحة الوطنية السورية، ووفقاً لهذا الرأي، فإن تصدّع هذه العلاقة سيهيىء أرضية لتعاطٍ تركي جديد مع المسألة السورية في ظل تنامي العلاقة مع واشنطن التي ما تزال تتحفظ –ولو إعلامياً– على إعادة تعويم الأسد وتسويقه.

وعلى الرغم من مشروعية هذا الافتراض ووجاهته، إلّا أنه يعكس من جهة أخرى استمرار الاعتقاد من جانب كبير من السوريين بأن قضيتهم هي مجرّد وديعة تتناقلها أيدي الدول النافذة، وهم ينتظرون عودة هذه الوديعة بسلام دون أن يكون لأصحابها الأصليين أي دور يُذكر، في حين أنه كان من المفترض ألا يكتفي السوريون بالترقب والانتظار حول ما سيفضي إليه التباعد الروسي-التركي، بل كان من المفترض أيضاً أن يتوجه الاهتمام والعمل نحو كيفية استثمار هذه الانعطافة التركية نحو الغرب من أجل استعادة دورهم المفقود أو المُصادر، ليكونوا أصحاب دور فاعل في تحديد مصير قضيتهم وليسوا مجرّد مراقبين.

المدن

——————————

 الكبتاغون شرقا وغربا/ خالد اليماني

 في كل عام تقوم سلطات الجمارك في دول الشرق الأوسط بضبط شحنات من تلك الحبوب المخدرة مخبأة داخل صناديق الخضراوات والفواكه

الحروب ضد عصابات تهريب المخدرات والدول التي تقف وراءها تظل هاجساً يومياً للدول سواء كان الأمر في منطقة الشرق الأوسط التي كانت وما زالت هدفاً للإغراق بالمخدرات، أو في أوروبا وأميركا. وقد يبدو للوهلة الأولى أن اهتمام شبكات العصابات في إيصال سمومها إلى الناس مرده البحث عن أرباح مليارية سهلة في دول تمتاز بطلب وقدرة شرائية أوسع، على أن للأمر وجهة أعمق تتجاوز ذلك بكثير حينما تحركه أجندات سياسية وأمنية خفية بهدف تركيع بعض الدول وإجهاض مساعيها لتحقيق التقدم الشامل.

وتحارب قوى إنفاذ القانون في السعودية وبقية دول الخليج في جبهة واسعة لضرب الأدوات العملياتية لشبكات المخدرات، وهي تدرك أن الأمر أوسع من مجرد إيقاف ملايين حبوب الكبتاغون التي تتقاطر من كل حدب وصوب، وأن حقيقتها تتلخص في محاولات يائسة لضرب رؤية التحديث في المنطقة المستهدفة في الأصل، كما كمنت أهدافها وما زالت في الغرب، في نخر أسس المجتمع الأميركي المبدع وإجهاض مكامن القوة فيه.

وفي الولايات المتحدة وبمناسبة بدء حمى انتخابات 2024 الرئاسية، تتبارز خطابات المرشحين لعكس رؤاهم لمواجهة هذه الآفة التي أودت خلال عام 2021 بحياة أكثر من 70 ألف نسمة في الولايات الأميركية كافة، وذلك بسبب الانتشار غير المسبوق لمخدر الكبتاغون، المعروف أيضاً بـ”الفينتانيل”، الذي تصنعه كارتيلات المخدرات في المكسيك المجاورة، وتنقله ضمن شبكة معقدة وبوسائل شتى إلى الداخل الأميركي. وفي مؤشر لخطورة أبعاد الكبتاغون ضمن الصراع الدولي، نشرت صحيفة “الغارديان”، اتهام المشرعين الأميركيين الصين بتصنيع وبيع سلائف الفينتانيل لعصابات المخدرات الدولية، ومن بينها عصابات المكسيك.

وفي كل عام تقوم سلطات الجمارك في دول الشرق الأوسط بضبط شحنات من حبوب الكبتاغون مخبأة داخل صناديق الخضراوات والفواكه ومعلبات المواد الغذائية وحتى في بطون الماشية، وفي شهر مارس (آذار) الماضي ضبطت السعودية 8 ملايين حبة كبتاغون ونشرت صوراً للمهربين. وخلال الفترة الممتدة من عام 2015 وحتى نهاية العام الماضي، تكون السعودية ضبطت ما مجموعه 700 مليون حبة من المخدر القاتل الذي يستهدف شريحة الشباب دون سن الـ30 الذين هم عماد التقدم وأدواته في دول المنطقة.

في الحقيقة إنها معركة لا تنتهي، فأمام هذه الهجمة الشرسة لتجار المخدرات، وقدرة الأجهزة المعنية على ضبطها، تقف بعض الدول عاجزة أمام حبة الكبتاغون التي يكلف إنتاجها بضعة سنتات فيما تباع بما يتجاوز 20 دولاراً في دول الخليج، وتعود بأرباح خيالية على تجار المخدرات لأن ما يضبط لا توازي نسبته 20 في المئة من المستهدف تهريبه، إذ يجني النظام السوري الذي قدر معهد “نيولاينز” الأميركي أن عوائده من تصنيع المخدرات وتهريبها بلغت 5,7 مليار دولار خلال عام 2021، فيما قال السيناتور الجمهوري فرنش هيل عقب إقرار الكونغرس قانون مكافحة الكبتاغون في ديسمبر (كانون الأول) 2021 إن النظام السوري جمع 57 مليار دولار من تجارة الموت هذه.

حروب دونكيشوت ضد طواحين الهواء

معارك أميركا ضد المخدرات تمتد منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي تنشط إعلامياً خلال الحملات الانتخابية، إذ تشهد المنافسات بين المرشحين لانتخابات الرئاسية في العام المقبل تعهدات متعددة من بينها رؤى مختلفة لمحاربة المخدرات. إذ أعلن الرئيس السابق دونالد ترمب استعداده لشن حرب، وفرض حظر بحري شامل على كارتيلات المخدرات في المكسيك، فيما قال المرشح الجمهوري المنافس تيم سكوت، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية، إنه بصدد “استخدام أقوى جيش في العالم لحل المشكلة”، وفي استفتاء للرأي أجري حديثاً تبين أن الناخبين الجمهوريين يتطلعون إلى مثل هذه المواقف القوية لمواجهة آفة المخدرات.

وأكد عديد من رجال الفكر والإعلام في أميركا خطورة الخطاب الإعلامي الذي يتبنى شن الجيش الأميركي حرباً داخل دولة المكسيك المجاورة ضد أكبر عصابتين لتصنيع وتهريب مخدر الفينتانيل وهي “سينالو” و”خاليسكو”، كان آخرهم الإعلامي فريد زكريا في برامجه “جي بي أس” GPS، على قناة “سي أن أن” الإخبارية، من حيث أنه يصب في صالح النبرة الشعبوية للرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، ويغذي الروح المعادية لأميركا لدى جارتها الجنوبية. كما أنه لم يكن بمقدور الجيش الأميركي القضاء على تجارة المخدرات في أفغانستان التي احتلها لـ20 عاماً، ولكن الحال مع المكسيك ستكون أكثر تعقيداً، نظراً إلى وجود مساحات شاسعة من أراضي الجارة الجنوبية تحت سيطرة عصابات الجريمة المنظمة، وتجار المخدرات والميليشيات المسلحة، بما يهدد الأمن القومي لدول المنطقة.

ودليلي على ذلك ما حدث قبل أيام حينما تمكنت أجهزة مكافحة الجريمة المنظمة في المكسيك من القبض على اثنين من عصابة “لوس آرديوس”، وهي واحدة من بين 16 عصابة للجريمة المنظمة والمخدرات المنتشرة في المكسيك. وتسبب استهداف قيادة هذه العصابة التي تعمل في ولاية غيريرو الجنوبية، في عنف اجتماعي في عاصمة الولاية حيث خرج آلاف من السكان المسلحين لمواجهة الشرطة والحرس الوطني، واحتجزوا موظفين حكوميين رهائن، ودمروا المنشآت العامة مطالبين بإطلاق سراح رجال العصابات بسرعة.

قد تكون المعركة التي تخوضها أميركا ضد عصابات المخدرات مستحيلة نظراً إلى القاعدة التحتية المعقدة والواسعة لعصابات المخدرات المكسيكية المنتشرة داخل الأراضي الأميركية، ولا يمكن للدولة المكسيكية التورط في حرب عصابات المخدرات، من منطلق أن مجرد القبض على عنصر من عناصر مافيا المخدرات مثلما حدث في يناير (كانون الثاني) الماضي مع حال القبض على ابن بارون المخدرات “إل تشابو” في ولاية ساينولا، قد يؤدي إلى حرب محلية واسعة، ولكن الأمر يختلف في منطقة الشرق الأوسط فعلى رغم حجم التحدي، إلا أن كارتيلات المخدرات معروفة، وكذلك الدول التي تعمل على انتشارها، وشبكات إيصالها، وعناصر الفساد التي تتغذى منها.

إيران والفرقة الرابعة و”حزب الله”

تقول لورين لانييل المسؤولة في المركز الأوروبي لمراقبة المخدرات والإدمان إن الفينتالين الذي بدأ تصنيعه في ثمانينيات القرن الماضي في أوروبا الشرقية دمر معظمه خلال عمليات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في التسعينيات، فيما نقلت تلك البنية التحتية من بلغاريا إلى الشرق الأوسط عبر تركيا. وخلال السنوات اللاحقة عملت تركيا على تقييد مجال نشاط تجارة المخدرات على أراضيها، مما دفع مختبرات التصنيع للانتقال إلى الشرق الأوسط، إذ تعمل اليوم في سوريا بإشراف الفرقة الرابعة في جيش النظام بقيادة ماهر الأسد، وقيادات “حزب الله” التي تعمل في مناطق الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا. وتضم قائمة المتورطين موظفين مدنيين كباراً ورجال أعمال وقادة ميليشيات وأفراداً مقربين من رئيس النظام بشار الأسد، إضافة إلى قيادات “حزب الله” المتهمين بتوفير الحماية العسكرية واللوجستية لمعامل الكبتاغون وتوزيع الحبوب المخدرة.

ومما يعمق الاعتقاد بوجود مؤامرة أوسع ضد دول المنطقة تؤشر إلى تورط نظام الملالي في إيران أو دول أخرى، ما تعتقده السيدة لانييل من المركز الأوروبي لمراقبة المخدرات بأن شبكة تصنيع وتوزيع الكبتاغون تتجاوز حدود وقدرات النظام السوري، وهي تجد صعوبة في تصديق أن الحكومة السورية بإمكانها توفير أطنان من الكبتاغون من دون أية مساعدة خارجية. وتواجه السلطات الخليجية تدفقات غير مسبوقة من حبوب الكبتاغون، فخلال عامي 2020 و2022 ارتفعت عدد الشحنات المضبوطة في المنطقة من 80 إلى 513 في السنة بزيادة بنسبة 541 في المئة، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة.

ولم تعد حبوب الكبتاغون تعتمد طريقاً مباشراً من لبنان إلى دول الخليج، بل صارت أكثر ابتكاراً حيث تسافر إلى دول بعيدة آسيوية وأفريقية وأوروبية قبل أن تصل إلى دول المنطقة، إذ ضبطت شحنات حبوب الكبتاغون في اليونان وإيطاليا وهي في طريقها لإعادة التصدير إلى دول المنطقة، أو تلك الشحنات التي كانت متوجهة من ميناء طرابلس اللبناني إلى السعودية عبر السنغال، قبل أن تصادرها أجهزة الأمن اللبنانية.

إن الحرب ضد الكبتاغون هي حرب سياسية بامتياز تتطلب ضرب بنيتها التحتية وشبكاتها المعقدة وبنى الفساد التي تساعد في انتشارها وتعزيز التعاون الدولي، ففي وقت صارت معه حروب مكافحة المخدرات أكثر تعقيداً وأقرب إلى الاستحالة في أميركا، نظراً لتغولها في بنية دول أميركا الوسطى والجنوبية، بما في ذلك الداخل الأميركي، إلا أنها تظل حرباً يمكن الانتصار فيها في منطقتنا التي تشهد عنفواناً، ونهوضاً يأبى أن تكسره حبة كبتاغون.

اندبندنت عربية

———————————-

سيرة حسن دقو ومحضر اعترافاته : من طفلٍ يبيع الساعات إلى “ملك الكبتاغون” في لبنان/ كارمن كريم

حسن دقو، المواطن السوري- اللبناني، خرج من قاع الفقر كبائع ساعات ليتربع على عرش تجارة الكبتاغون في لبنان، مدعوماً بعلاقات زبائنية مع نظام الأسد وحلفائه

خلال التحقيق مع حسن دقو، “ملك الكبتاغون” اللبناني، في شهر نيسان/ أبريل 2021، من قبل شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي، انتابته نوبة عصبية، وراح يلطم وجهه ويصرخ قائلاً: “إنتو دمرتوني”، ما اضطر أحد المحققين إلى التدخل لمحاولة تهدئته.

في تلك اللحظة، لم يعلم أحد من يقصد دقو “بأنتم دمرتوني”، فهل كان يقصد محققي شعبة المعلومات أم شركاءه في تجارة المخدرات أم الفرقة الرابعة السورية التي عمل لديها كمخبر، أم “حزب الله” الذي كان يتجسّس لمصلحته على أبناء منطقته؟!

حصل “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود”، على تسريبات لمحضر التحقيق مع المدعو حسن دقو، الواقع في 651 صفحة كُتبت بخط اليد، وشاركها مع موقع “درج”.

اعترافات دقو تبني صورة عن شبكة علاقات متقاطعة مع النظام السوري و”حزب الله” وتجارة المخدرات. كما أنها تحوي قصة حياة دقو التي تستحق أن تُروى.

حسن دقو، المواطن السوري- اللبناني (36 سنة)، خرج من قاع الفقر كبائع ساعات ليتربع على عرش تجارة الكبتاغون في لبنان، مدعوماً بعلاقات زبائنية مع نظام الأسد وحلفائه.

بائع المكسرات والمخدرات

في محضر التحقيق، يُعرّف حسن دقو عن نفسه بأربع صفات: أولاً هو رجل أعمال، ثانياً يعمل لمصلحة مكتب أمن الفرقة الرابعة في الجيش السوري، الذي يديره غسان بلال، اليد اليمنى لماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، ثالثاً كان يعمل لمصلحة “حزب الله” في فترات الحرب في سوريا، ورابعاً يعمل في مكافحة المخدرات من سوريا وإليها.

عمل حسن دقو في طفولته، في الزراعة في بلدته الطفيل اللبنانية المواجهة لقرية عسال الورد السورية، كما ساعد والده في تجارة مواد البناء. وحين بلغ الـ15 من عمره، أرسله والده إلى بيروت، حيث عمل في منطقة جسر الكولا في الصرافة وبيع الساعات ونقل الركاب.

القصة التي رواها دقّو عن مراهقته، تختلف عن القصة المتعارف عليها محلياً، والتي تفيد بأنه ابن تاجر مخدرات كبير. وأقواله للمحققين تروي قصة رجل أعمال بدأ من الصفر.

عندما بلغ دقو 18 سنة، انتقل إلى دمشق وتابع دراسته ليتركها بعد رسوبه في البكالوريا. استمر في مساعدة والده في بيع المكسرات لمحلات الحلويات لمدة سبع سنوات. بعد تراجع عمل والده، انتقل إلى تجارة المحروقات في سوريا واستيرادها من العراق.

توفي والده عام  2010، انتقل بعدها دقّو إلى أعمال أخرى مثل بيع العقارات والسيارات وشرائها، وبيع المحروقات وتوزيعها، إذ امتلك 40 صهريجاً لنقل المحروقات سيّرها لصالح شركة “القاطرجي” المعروفة في سوريا. ظهرت “القاطرجي” مع الأزمة السورية، ونقلت النفط ومشتقاته إلى العراق وإيران، ومن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية إلى مناطق سيطرة النظام، وتدور حولها أسئلة كثيرة، إذ أدرجت رئاسة أمن الدولة السعودية “القاطرجي” ومؤسسيها على قوائم الإرهاب عام 2022، لارتباطهم بتنظيم “داعش”.

امتدت أعمال دقو إلى الأردن. فعام 2010، اشترى معمل العزاوي في عمان- طريق المطار المختص بإنتاج المبيدات الحشرية والزراعية ومواد التنظيف، وصدّر إنتاجه إلى العراق الذي كان حينها سوقاً رائجاً للمصنوعات الأردنية، واستمر المعمل بالعمل حتى عام 2015.

عام 2013، ومع اشتداد الحرب في سوريا، عاد دقو إلى لبنان، لكن تنقلاته بين البلدين لم تتوقف، ليستقر بشكل نهائي في لبنان عام 2017.

حسن دقّو هو الشقيق الأكبر لكل من حسين وحسان وغزوان، وجميعهم متّهمون بتجارة المخدرات وصناعتها. يملك دقو عقارات وأراضيَ في بلدته الطفيل في البقاع اللبناني، بالإضافة إلى شقق في الرملة البيضاء في بيروت، وفيلا في منطقة المشرف، ولديه أيضاً شركة باسم “سيزر”، مقرها في “سينترو مول”،  ومسجّلة باسم زوجته الثانية ومحاميته في الوقت ذاته اللبنانية سمر محسن، إضافة الى فيلا في منطقة الدامور- المشرف، حيث تقيم زوجته الأولى السوريّة إثراء ريّا. ويتردد على بلدته الطفيل من وقت الى آخر عبر موكب من سيارات الدفع الرباعي.

 يُذكر أن بعض سكان بلدته لا يملكون ذكريات طيبة معه، إذ أكّد أهالٍ لـ”درج”، قبل عامين، أنهم يتعرضون لضغوط شديدة لبيع أراضيهم، ولعملية تهجير قسري ممنهج تشبه ما عاشوه خلال الحرب السورية، إذ يخيّرهم رجال دقو، بين إخلاء منازلهم بالقوّة أو تحت التهديد بتسليمهم للأمن السوري، وبين البقاء فيها ودفع الخوّات.

الفرقة الرابعة تدين لدقّو بالكثير

اعتقلت السلطات اللبنانية حسن دقو في 6 نيسان/ أبريل 2021، كما اعتقلت اثنين من تجار المخدرات، وهما ممدوح أحمد الحجة وخالد نزار الحجة. وُجِدَت مع دقو بطاقة عمل صادرة عن السلطات السورية، مكتب أمن الفرقة الرابعة، منتهية الصلاحية، وبطاقة عمل صادرة عن مكتب أمن الفرقة الرابعة تنتهي بتاريخ 1 أيار/ مايو 2021.

 روى دقو في محضر التحقيق، تفاصيل عمله مع الفرقة الرابعة، التي قال إنها تسيطر على ميناء اللاذقية حيث تخرج وتدخل شحنات كثيرة مهربة، كما قال في اعترافاته، إنه يتبع مباشرة لأمن الفرقة الرابعة ويعمل على جمع معلومات عن المتهربين من دفع الرسوم الجمركية لقاء استحصاله على نسب معينة من الرسوم المحصّلة.

يقول دقو في محضر التحقيق: “الفرقة الرابعة تعمل في جميع الأمور المتعلقة بتجارة مواد البناء والترفيق والحديد والخردة والدخان والمواد الغذائية والاستيراد والتصدير والمحروقات”.

تدين الفرقة الرابعة التابعة لماهر، شقيق بشار الأسد، لحسن دقّو بـ 900 ألف دولار أميركي، بسبب عدم تلقّيه أجوره عن عدد من العمليات والخدمات التي قدمها لهم، بحسب ما قال دقّو في محضر التحقيق.

بدأت علاقة دقو مع الفرقة الرابعة، بخدمة الترفيق عام 2014، وبات يتبع مباشرة لمكتب أمن الفرقة الرابعة، برئاسة غسان بلال الموضوع على لائحة العقوبات الأوروبية والبريطانية والكندية، نظراً الى الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحق السوريين.

والترفيق هي خدمة مربحة أوجدها النظام السوري بحجة حماية قوافل السيارات والشاحنات من النهب، خلال الحرب، مقابل مبالغ ورسوم تذهب إلى خزينة الدولة السورية وما يسمى بـ”صندوق الشهداء”، هذا ما ادعاه دقو. لكن الحقيقة، هي أن الجيش السوري والفرقة الرابعة تحديداً، عملت على أخذ الأتاوات من السيارات والشاحنات التي مرت من نقاط تفتيشها حتى في المناطق الآمنة، وهو تقليد تمارسه حتى اليوم، إذ يمتلك السوريون ذكريات سيئة لنهب عناصر الجيش سياراتهم وجيوبهم.

أحد مصادر دقو الرئيسية في مسألة التهريب، هو شخص يُدعى “أبو علي معلم جديد” بحسب المحادثات التي وُجدت على هاتفه، لديه شركة استيراد وتصدير خارجي داخل مرفأ اللاذقية ولهجته ساحلية، بحسب وصف دقو الذي لم يذكر الاسم الكامل لأبو علي معلم جديد. لكن يبدو أن الرجل صاحب نفوذ قوي وله علاقات مع ضباط كبار في الفرقة الرابعة، ما ساعده على الاطلاع على 90 في المئة من أوراق المرفأ.

نفى دقو معرفته بجميع أصحاب الأرقام، الذين تواصل معهم في الأردن وسوريا ولبنان وتركيا، بحسب رصد الهواتف التي ضُبطت في حوزته، وعندما واجهه المحققون بحقيقة أن الهواتف تابعة له، رمى بالمسؤولية على أقاربه ممن سكنوا أو ترددوا على منزله، مدعياً أنهم هم من استعملوا هواتفه للحديث حول قضايا حساسة، ولا يعرف شيئاً حول ذلك.

يقول دقو إنه بنى شبكة من المخبرين والأشخاص، الذين ساهموا في حصوله على معلومات عن العمليات المشبوهة، بمن فيهم شخص سوري يُدعى أحمد الصالح، يعمل في مجال تأمين النساء (تجارة الجنس)، وآخر يعمل في مجال تأمين النساء لحفلات خاصة، وشخص ثالث يُدعى أبو فاعور مقيم في تركيا، وأبو داني، وجميعهم يعملون بالتهريب لكن بشكل غير مباشر. وبينما لم تكن لدى دقو مشكلة ذكر أسماء من ساعدوه، رفض الإفصاح عن أسماء أيّ من المهربين أو التجار الذين يعرفهم أو من ساهم في إلقاء القبض عليهم بذريعة الخوف على حياته وأولاده، وقال للمحققين: “نعم أخاف على مصيري ومصير أولادي كون هؤلاء التجار مجرمين وقد يلحقون الأذى بي وبعائلتي، وعندما كنت أبلغ أمورهم، كنت أبلغها بشكل سري ولا أتجرأ على الإبلاغ عنهم علناً”.

الطريق إلى سوريا يمرّ عبر “حزب الله”

قدّم حسن دقو خدمات لسوريين ملاحقين أمنياً من الفرقة الرابعة أو مسجونين في الفروع الأمنية السورية. ويتقاضى مقابل كل خدمة، مبلغاً يتراوح ما بين 50 إلى 300 ألف دولار أميركي منذ عام 2014.

يقول دقو عن أحد المطلوبين للسلطة السورية، والذي عمل لاحقاً معه: “كان مطلوباً بجرم حيازة أسلحة، وتدخلتُ لدى مكتب أمن الفرقة الرابعة وألغيت القضية العالقة”. يدرك المطلع على طبيعة السلطة الأمنية في سوريا، أنه ليس من السهل إخراج شخص من السجن أو معرفة خبر عنه أو إيقاف مذكرة بحث بحقه، وأن عكس ذلك يعني علاقات مع شخصيات نافذة في السلطة.

ليست المرة الأولى التي يُحقَّق فيها مع دقو. إذ صدرت بحقه مذكرة توقيف عام 2020 بجرم تشكيل عصابة، بالإضافة إلى خلاصة حكم عن محكمة جنايات جبل لبنان 2020 بجرم مخدرات وغرامة بقيمة مئة مليون ليرة لبنانية، ومذكرة إلقاء قبض من الهيئة الاتهامية في جبل لبنان عام 2017 بجرم مخدرات.

علاقات دقو تمتد إلى “حزب الله”، والتي لم يرغب في التطرق إليها لولا مسار التحقيق. وبسبب عدم مطابقة سجلات دخول دقو الى سوريا لدى السلطات اللبنانية مع الفترات الزمنية التي ادعى فيها أنه كان في سوريا، اعترف للمحققين بأن غالبية رحلاته إلى سوريا كانت تتم عبر مواكب عسكرية لـ”حزب الله” من المصنع أو الطفيل، بخاصة أنه من خلال الطفيل يمكن الخروج من سوريا والدخول إليها من دون ختم دخول. استمر عمل دقو المخابراتي لصالح “حزب الله” لسنوات، ويقول إن مهامه تضمنت التنسيق مع عناصر “حزب الله” في المناطق الحدودية خلال الأحداث في سوريا، كعسال الورد حتى الطفيل والزبداني، ومنحهم معلومات حول جغرافية الأرض، وعن المسلحين وتجنيد بعض أبناء المنطقة. وتراجعت علاقاته بـ”حزب الله” مع هدوء الأوضاع الأمنية في البلاد، وصار يدخل سوريا كأي مواطن عادي، يقول دقو!

أدلّة في هاتف دقّو تدينه

 يستخدم حسن دقو أرقام هواتف محمولة عدة، لفترات محددة، ويقوم بتبديل الأرقام باستمرار، والقاسم المشترك بين هذه الأرقام والهواتف، بعد تحليل بياناتها وأماكنها الجغرافية من قبل السلطات اللبنانية، هو تواصلها مع أسماء كبيرة متّهمة بتجارة المخدرات وصناعتها، مثل المطلوبين أحمد الديراني وجلال الشريف وعماد نوفل المقداد، إضافة إلى السوريين عامر الشيخ وابراهيم عليكو اللذين حصل خلاف كبير بينهما وبين حسن دقّو على تصفية الحقوق والأموال بعد فضّ شراكتهم. منذ ذلك الحين، سعى دقو جاهداً الى ضبط كميات من حبوب الكبتاغون عائدة الى عامر وابراهيم، من خلال تواصله مع عدد من الأجهزة الأمنية، بحسب محضر التحقيق. وهذا يُبرز وجهاً من الحقيقة، وهو محاولة دقو بسط نفوذه على عصابات تهريب المخدرات.

يحوي هاتف دقّو عشرات المصطلحات الخاصة بالمخدرات كالمكبس والصبابات والسكة التي تعني طريق التهريب، وخلطات عجنة الكبتاغون التي كان يسميها “العسل”. في رسائل متبادلة مع أحد الأشخاص، “كان حاطط عالألف 4.5″، “لأ طلع 1.5″، “شفلي شو بقولو مشان العسل، إذا مو زابط منشان رجعو يغربلو ويشيلو”. إضافة الى الرسائل، يحتوي هاتفه على بوالص شحن، إحداها من دولة تشيكيا إلى هونغ كونغ، حيث استورد الإطارات الصناعية التي تشبه الإطارات التي ضُبطت في ماليزيا عام 2021. ناهيك برسائل يتواصل فيها مع أبو علي معلم جديد، ويتابعان خلالها إحدى الشحنات.

وفي إفادة سائقه الخاص، وهو سوري الجنسية، يقول إن دقو كان يطلب منه أموراً “مشبوهة”، فحين كان يكلفه بالذهاب إلى محلات OMT لاستلام الأموال أو إرسالها، كان يطلب منه إقفال هاتفه، كما طلب منه في مرة نقل مال موضّب داخل كيس بلاستيكي أسود من منزله إلى الشركة، وأمره بإقفال هاتفه الخليوي. حتى خلال نومه في غرفته، كان يطلب منه إقفاله، كما استخدم هاتف سائقه داخل الشركة أكثر من مرة، ومسح الرقم بعد استخدامه.

معمل مشبوه في الأردن

اختلفت أوضاع دقو التجارية بعد الحرب في سوريا، إذ كان يملك شركة “الحسن” للسيارات، “بيع وشراء”، على طريق النبك يبرود في سوريا، كما أنه عمل في تجارة الدخان والعقارات في سوريا. كما امتلك أسطول صهاريج لنقل المشتقات النفطية من مصفاتي حمص وبانياس ومركز عدرا، وتوزيعها على المحطات ومراكز الجيش السوري في سوريا، لكنه بدأ بتصفيتها وبيعها شيئاً فشيئاً مع احتدام المعارك.

واجه دقو صعوبة في السفر إلى الأردن بعد الأحداث السورية، وبحسب قوله، وضع بعض الأشخاص يدهم على المعمل وسرقوا محتوياته ولم يستطع الذهاب لإدارة معمله، لأن السلطات الأردنية استدعته مراراً لسؤاله عن علاقته بالنظام السوري.

لكنه لم يقل كامل الحقيقة، وهي أن محكمة التمييز الأردنية صادقت على قرار سجنه 20 عاماً بتهمة المخدرات، ولذلك لم يعد يذهب إلى الأردن. وبحسب وثائق حصل عليها occrp و”درج”، فإن دقو هو مالك صوري لمعمل العزاوي والمفوض بالتوقيع، أما المالك الحقيقي فكان الأردني معتصم الطيان.

المصنع استورد من الصين مادة p2p (فينيل أسيتون)، وهي من السلائف الكيميائية التي تدخل حصراً في تصنيع زيت مادة الأمفيتامين المخدر، ونادراً ما تستخدم في صناعة المطهرات. وبلغت نسبة استيراد مصنع العزاوي لهذه المادة ما نسبته 89 في المئة من الفينيل أسيتون الموجود في العالم، بحسب القضية التي رُفعت في الأردن.

قضية دقو في الأردن تثير الكثير من التساؤلات، بخاصة بسبب المواد الكيميائية الداخلة في تصنيع منتجاته، لكن دقو يدعي أنه لا يعرف المواد الداخلة في تصنيع مواد التنظيف والمبيدات الزراعية، إذ قال في محضر التحقيق في لبنان: “إن لغتي الإنكليزية هي صفر، أي أني لا أقرأ ولا أكتب اللغة الإنكليزية، لذلك لم أحفظ أسماء أي من هذه المواد، حتى أدويتي التي أتناولها يومياً لا أحفظ أسماءها”. ادعى دقو طوال التحقيق، أنه لا يتقن اللغة الإنكليزية رغم وجود عدد من الفواتير والمعاملات بهذه اللغة على هاتفه، والتي تحتاج إلى لغة جيدة.

وفي ردّ محامي حسن دقو، علي الموسوي، على “بي بي سي”، شريك occrp، حول التحقيق الأخير، “جمهورية الكبتاغون: كيف ترتبط شبكة تهريب المخدرات الواسعة بالقصر الرئاسي في سوريا”، قال إن ما يحصل مع دقو هو حملة إعلامية وسياسية ملفّقة. كما دافع الموسوي عن العقيد غسان بلال، رجل الفرقة الرابعة الثاني بعد ماهر الأسد، وهو ما يبدو محاولة لتحييد اسم الفرقة الرابعة عن القضية بأكمله.

في نهاية التحقيق، وحين وصل المحققون إلى جزء شحنات المخدرات التي صودرت في ماليزيا في آذار/ مارس 2021، لم يرغب دقو في متابعة التحقيق، وقرر مقاطعته، بحجة تعرّض زوجته للإهانة. لكن زوجته المحامية سمر محسن تدخلت وقالت، إنها وزوجها لم يتعرضا للإهانة إنما للضغط المعنوي، وتمكن متابعة التحقيق. احتوى هاتف دقو على  بوالص ومحادثات ورسائل، تكشف تورّطه في شحنات ماليزيا، لكن دقو استمر في مقاطعة التحقيق وترديد الإجابة ذاتها: “لا جواب… لا جواب”.

 يُذكر أن السلطات اللبنانية حكمت على دقو بالأشغال الشاقة الموقتة لمدة 7 سنوات بجناية المخدرات.

 درج

————————————-

حسن دقّو “ملك الكبتاغون” والحاكم بأمر السلطة والحزب/ نور سليمان

بالنسبة إلى أهالي الطفيل، كل شيء وارد في لبنان. وهم يترقبون، كما بقية اللبنانيين، أن يختتم هذا المسلسل على خير، بإنهاء ظاهرة “ملك الكبتاغون” مرة أخيرة وإلى الأبد.

في بلدة الطفيل على الحدود اللبنانية- السورية، دأب حسن دقّو، أو “ملك الكبتاغون” كما بات معروفاً في لبنان، والمتهم بتهريب المخدّرات إلى السعودية، على إنشاء إمبراطورية للمال والممنوعات، تمتدّ إلى داخل العمق السوري وصولاً إلى الدول العربية المجاورة.

الحكاية التي يرويها أهالٍ من المنطقة لـ”درج”، تشبه حكايات المسلسلات التي تتناول قضايا التهريب. يكاد يكون حسن دقو أشبه بشخصية نمر السعيد في الجزء الأخير من مسلسل “الهيبة” الذي عرض الموسم الماضي والذي لعب دوره عادل كرم. مهرّب كبير، يظهر فجأة في البلدة، ويصير بغمضة عين واحداً من وجهائها، عبر شراء الأراضي والذمم، وعبر ترهيب من لا يقبلون الطاعة له، بالسلاح والبلطجة وبالعلاقات النافذة بأطراف في الدولة، في الأمن والقضاء والسياسة. وعلى غرار بلدة “الهيبة” التي تقع على الحدود اللبنانية- السورية، وتجرى من خلال أراضيها عمليات التهريب، تبدو الطفيل كأنها البلدة التي استوحى منها منتجو المسلسل وكتّابه أجواء الانفلات الأمني فيها، وخروجها تماماً عن أي سلطة للدولة اللبنانية فيها، فضلاً عن هذا التداخل في شخصيات المسلسل بين البلدين السوري واللبناني والذي يتحقق في شخص دقّو الذي تدور حول جنسيته وأصله وفصله أخبار لا تنتهي.

والطفيل تقع في قبضة النظام السوري و”حزب الله” منذ عام 2014، ونظراً إلى غياب الدولة عنها أمنياً وخدماتياً وإنمائياً، اتخذ دقو من البلدة معقلاً له و”تصرّف على أنه يملكها بالكامل وأرهب أهلها مراراً بأسلوب ميليشياوي”، فهو لا يجوب البلدة إلّا بمواكبة من عشرات السيارات وبرفقة مسلّحين، كما يروي أحد أبناء البلدة.

دقّو سوري الأصل، وهو ابن أحد المهرّبين الكبار، وتتداول أخبار عن أنه حصل على الجنسية اللبنانية عام 2018، لكن هذه المعلومة لا يستطيع أحد من أهل البلدة تأكيدها، على رغم أن الأربعيني الذي حضر إلى البلدة كعامل بسيط، بات يعرّف عن نفسه كأحد وجهاء البلدة الأكثر ثراءً في المنطقة فيما هو رجل المخدّرات الأوّل لبنانياً ومكلّف بتنفيذ أجندات سياسية وأمنية تتعدّى حدود البلدة، وفق رواية حصلنا عليها من مقابلات أجريناها مع عدد أهالي الطفيل.

مساعي دقّو في إحكام قبضته على البلدة كشفت حيثياتها أواخر العام الماضي، حين ادّعى أنه يمتلك 600 سهم من أصل 2400 سهم يشكّلون 27 عقاراً بشكل قانوني بحجّة بناء معامل ترابة ومزارع، في حين يملك مصرف لبنان 1800 سهم منها. وتعود ملكية أسهم دقو إلى شركة “سيزر” المسجّلة باسم زوجته، المحامية سحر محسن وهي، بحسب ما أبناء البلدة، قريبة وفيق صفا، المسؤول ذائع الصيت في “حزب الله”.

متسلّحة بوثائق وسندات ملكية وبإفادة من مختار الطفيل علي الشوم ادّعت المحامية بأن 17 عقاراً من أراضي البلدة هي أراض بور خالية من الإنشاءات، لتعمد الشركة، إلى القيام بعمليات جرف واسعة طاولت أراضي زراعية وعشرات آلاف الأشجار المثمرة بمواكبة مسلّحين، وقضت بالكامل على المحاصيل التي تعود لمزارعي الطفيل.

وعلى إثر ذلك، تقدّم شبان من البلدة، ومنهم منصور شاهين، بشكوى ضد الشركة، وعلى رغم استحصالهم على قرارات قضائية تمنع استكمال أعمال الشركة في البلدة، إلا أن الشركة لم تمتثل لها وفوجئ الأهالي باستئناف عمليات الجرف على الطرق المؤدية إلى قصر دقو في المنطقة. وتعرّض شاهين للضرب وخطف من منزله واقتيد إلى الداخل السوري إلى أن ظهر لاحقاً متّهماً دقو ورجاله بخطفه لترهيبه وثنيه عن متابعة شكواه ضدهم لدى القضاء، ليكون الاعتداء على شاهين بمثابة تهديد مباشر لكل من يسجّل اعتراضاً أو يتحدّث إلى الإعلام عن ممارسات دقو المافياوية.

 أوقف دقّو مع عدد من أقاربه بتهمة خطف شاهين، وأثبتت الإفادات ضلوعهم في ذلك، إلّا أن دقو أخلي سبيله بعد أيام منفرداً.

يؤكّد أهال لـ”درج”، أنهم يتعرضون منذ فترة، لعملية تهجير قسري ممنهج تشبه تلك التي عاشوها خلال الحرب السورية، فرجال دقو يخيّرونهم، إمّا بإخلاء منازلهم بالقوّة أو تحت التهديد بتسليمهم للأمن السوري أو بالبقاء فيها ودفع الخوّات، ويعتبر هؤلاء الأهالي أن في ذلك محاولة لضمان سيطرة دقو الكاملة على المنطقة للاستفادة من موقعها الإستراتيجي المتداخل مع الأراضي السورية والبعيد جدّاً من أعين الدولة واحتوائها على أنفاق للتهريب تصل الجانب اللبناني بالسوري. 

 علاقات واسعة مع سياسيين لتغطية نشاطه

استطاع دقّو التسويق لنفسه في لبنان وسوريا منذ عام 2011 على أنه رجل أعمال ثري له معامل ومؤسسات منها شركات للإنشاءات في لبنان، ومعامل لتصنيع أدوات التنظيف ومعارض للسيارات في سوريا ومصانع للأمصال في الأردن، وأسس على خلفية ذلك شبكة واسعة جداً من العلاقات مع رؤساء ووزراء ونواب وسياسيين وإعلاميين وأمنيين وقضاة جعلته ذو نفوذ كبير في لبنان وسوريا، حيث يمتلك أراضي وعقارات وشققاً سكنية وقصوراً بملايين الدولارات. ليتبيّن لاحقاً أنه وظّف ذلك، إلى جانب بعض أعماله التجارية الوهمية، للتغطية على نشاطه الأهم وهو تصنيع وتجارة المخدّرات.

نفوذ دقّو وأمواله الطائلة سمحت له بإنشاء علاقات عابرة للانتماءات والتوجهات السياسية، فله علاقات مع جهات سياسية لبنانية وسورية نافذة، وهو ما قد تستثمره تلك الجهات لتقاذف الاتهامات حول حقيقة الجهة التي منحت دقّو الغطاء الكامل لبناء إمبراطوريته.

واثر إلقاء القبض على دقو من قبل فرع المعلومات بعد العثور بحوزته على أوراق مزوّرة تعود إلى شحنة الكبتاغون، سارعت شخصيات سياسية لبنانية إلى نفي معرفتها به، على رغم إثبات عكس ذلك بالوقائع والوثائق والصور. ففي تغريدة، قال نائب “حزب الله” ابراهيم الموسوي إنه التقى دقو فقط خلال جلسة مصالحة في الطفيل برعاية “حزب الله” وغيره من القوى السياسية في كانون الثاني/ يناير من العام الحالي. الموسوي، الذي لم ينف صراحةً وجود علاقة مباشرة تجمعه برجل الأعمال، ظهر في مقطع فيديو وهو يتوجه إلى دقو بالقول إنه لا يشكّك بصدق نياته.

وعلى خلفية مصالحة أخرى أيضاً، التقى دقو رئيس الحكومة المكلّف ورئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري وبأمين عام التيار أحمد الحريري، وانتشرت صور له مع الرجلين اللذين طالبا بحذفها، قائلين إنهما لا يعرفان دقو، وإنهما علما بالشبهات التي تدور حوله، بحسب ما أفادت أوساط التيار.

دقّو الذي يتجوّل دائماً في موكب كبير من السيارات “المفيّمة”، اشترى سيارتين من الوزير السابق نهاد المشنوق، إحداهما مصفّحة. المشنوق، وعلى منوال السياسيين الآخرين الذين بدأوا “نفض ايديهم” من دقو، أكد أنه باعه السيارتين من دون أن يعرف طبيعة عمله.

كما حصل دقّو على تصاريح استثنائية لإنشاء هنغارات ضخمة في الطفيل من وزير الداخلية محمد فهمي، الذي أكّد في حديث صحافي أنه ولدى مراجعة سجلات دقّو تبيّن أن “لا شيء عليه”، إلّا أن دقو كان أوقف مرّات عدة في ملفّات تجارة المخدّرات، وعلى خلفية عمليات خطف، لكنه كان دائمّاً يخرج بمنع محاكمة، بعد تدخّل سياسي مع القضاء لمصلحته، الأمر الذي أكّدته زوجة دقو، التي عملت لسنوات لشرعنة عمل زوجها، في تسجيل صوتي سرّب لها وهي تتحّدث إلى محامين في محاولة لإيجاد طريقة للتحايل على القضاء وتقديم الرشاوى للقضاة لإخراج زوجها من السجن. ولا يدري الأهالي الذين تحدثوا إلينا، كيف سينتهي مسلسل دقّو، وهذا ما يجعلهم خائفين من التصريح عن أنفسهم، لأنهم يخشون أن تنتهي الحكاية، كما دائماً، بخروجه من السجن بعد تدخلات سياسية، ولو أن معظم الأطراف السياسية التي كانت تحمي دقّو تنصّلت منه. لكن، بالنسبة إلى أهالي الطفيل، كل شيء وارد في لبنان. وهم يترقبون، كما بقية اللبنانيين، أن يختتم هذا المسلسل على خير، بإنهاء ظاهرة “ملك الكبتاغون” مرة أخيرة وإلى الأبد.

—————————-

“ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ ” ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ .. ﻣﺸﺮﻭﻉ ﻗﺮﺍﺭ ﻹﻧﺸﺎﺀ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ

ﻗﺪﻡ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﻓﻲ “ ﺍﻟﻜﻮﻧﺠﺮﺱ ” ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ، ﻣﺸﺮﻭﻉ ﻗﺮﺍﺭ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ، ﻳﺪﻋﻮ ﻹﻧﺸﺎﺀ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ .

ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﻗﺪﻣﺘﻪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺭﺷﻴﺪﺓ ﻃﻠﻴﺐ، ﻭﺇﻟﻬﺎﻥ ﻋﻤﺮ، ﻭﻫﻤﺎ ﻋﻀﻮﺗﺎﻥ ﻓﻲ “ ﺍﻟﻜﻮﻧﺠﺮﺱ ” ، ﻭﻳﺪﻋﻮ ﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻻﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺗﺼﻮﻳﺖ ﻭﻧﻔﻮﺫ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻹﻧﺸﺎﺀ ﺁﻟﻴﺔ ﻋﺪﺍﻟﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ “ ﺍﻟﺪﻛﺘﺎﺗﻮﺭ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ” ﺑﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﺪ، ﻋﻦ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﺿﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ .

ﻭﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﻧﺸﺮﺗﻪ ﻃﻠﻴﺐ، ﺃﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﻘﺪ ﻣﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺪﻻﻉ “ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ” ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ، ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺿﺤﺎﻳﺎ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﻤﺮﻭﻋﺔ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻜﺒﺖ ﺧﻼﻝ “ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ” ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺃﻱ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻗﻮﻯ ﺇﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺩﻳﻜﺘﺎﺗﻮﺭﻳﺎﺕ ﺳﻌﺖ ﻓﻲ ﺍﻷﺷﻬﺮ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﺍﻷﺳﺪ، ﻭﺍﻟﺘﺮﺣﻴﺐ ﺑﻪ ﻣﺮﻯ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ .

ﻭﻣﻦ ﺃﺳﻮﺃ ﺍﻟﻔﻈﺎﺋﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻜﺒﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻏﺎﺯ ﺍﻟﺴﺎﺭﻳﻦ، ﻭﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﻜﻴﻤﺎﻭﻳﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ، ﻭﺍﻻﻧﺘﺸﺎﺭ ﻭﺍﺳﻊ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﻟﻠﺘﻌﺬﻳﺐ، ﻭﺗﻌﻤﺪ ﺍﺳﺘﻬﺪﺍﻑ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﺑﺎﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﻭﻓﻖ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ .

ﺁﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ

ﺟﺮﺕ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺎﻛﻢ ﺧﺎﺻﺔ ﻭﺁﻟﻴﺎﺕ ﻋﺪﺍﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺍﻥ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﺣﻴﺚ ﺍﺭﺗﻜﺒﺖ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﺣﺮﺏ، ﻭﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﻬﺎﺋﻞ ﻟﻠﻔﻈﺎﺋﻊ ﺧﻼﻝ “ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ” ﻭﺣﺠﻤﻬﺎ، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻥ ﺁﻟﻴﺔ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﺿﺮﻭﺭﻳﺔ .

ﻭﺻﺎﺩﻕ “ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ” ﻭ ” ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺳﻮﺭﻳﺎ ” ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀﻟﺔ ﻋﻦ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ ﺿﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻜﺒﻬﺎ “ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﺪ ” ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺇﺑﺎﺩﺓ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، ﻭﻓﻖ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ .

ﻭﺗﻀﻤﻦ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺩﻋﻮﺓ ﻹﻧﺸﺎﺀ ﺁﻟﻴﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺃﻣﻤﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺮﻭﺳﻴﺎ ﻭﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ “ ﺣﻖ ﺍﻟﻨﻘﺺ ” ﺿﺪﻫﺎ، ﻛﻤﺎ ﺣﺚ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﻌﺐ ﺩﻭﺭ ﻗﻴﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻹﻧﺸﺎﺀ ﺁﻟﻴﺔ ﻣﺴﺎﺀﻟﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ .

ﻭﻧﻘﻞ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻋﻦ ﺭﺋﻴﺲ “ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ” ، ﻓﺎﺭﻭﻕ ﺑﻼﻝ، ﺃﻥ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻈﺎﺋﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻜﺒﺘﻬﺎ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺍﻷﺳﺪ ﺿﺪ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺳﺘﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺣﻞ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، ﻭﻟﻴﺲ ﻋﺒﺮ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﺄﻫﻴﻞ “ ﻣﺠﺮﻡ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺑﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﺪ .”

ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻘﺮﺭًﺍ ﻃﺮﺡ ﻣﺸﺮﻉ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﻓﻲ 20 ﻣﻦ ﺣﺰﻳﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻟﻜﻦ ﺗﺄﺧﻴﺮًﺍ ﻃﺮﺃ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻈﺮﻭﻑ ﻋﻤﻞ ﻭﺭﻏﺒﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺑﺈﻃﻼﻉ ﺃﻛﺒﺮ ﻗﺪﺭ ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ “ ﺍﻟﻜﻮﻧﺠﺮﺱ ” ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﻗﺒﻞ ﻃﺮﺣﻪ، ﻭﻓﻖ ﺗﺼﺮﻳﺤﺎﺕ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻌﻨﺐ ﺑﻠﺪﻱ ﻣﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻏﺎﻧﻢ، ﺭﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ “ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ .”

ﺇﻟﻰ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻌﺪﻝ

ﺗﺄﺗﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﺪﺩﺕ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻣﻮﻋﺪ ﺃﻭﻟﻰ ﺟﻠﺴﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﻤﺮﻓﻮﻋﺔ ﺿﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، ﻟﺪﻳﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﻬﻢ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻴﻦ .

ﻭﺫﻛﺮﺕ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﺳﺎﺑﻖ، ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻼﺳﺘﻤﺎﻉ ﺳﺘﻌﻘﺪ ﻓﻲ 19 ﻣﻦ ﺗﻤﻮﺯ ﺍﻟﻤﻘﺒﻞ، ﻭﺳﻴﺠﺮﻱ ﺑﺜﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻹﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻸﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻣﻮﺿﺤﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻠﺴﺔ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻄﻠﺐ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ “ ﺍﻟﺘﺪﺍﺑﻴﺮ ﺍﻟﻄﺎﺭﺋﺔ ” ، ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪﻣﺘﻪ ﻛﻨﺪﺍ ﻭﻫﻮﻟﻨﺪﺍ ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ .

ﻭﻓﻲ 12 ﻣﻦ ﺣﺰﻳﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺭﻓﻌﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻫﻮﻟﻨﺪﺍ ﻭﻛﻨﺪﺍ ﺩﻋﻮﻯ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺿﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، ﺗﺴﻌﻰ ﺣﻜﻮﻣﺘﺎ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻟﺘﺤﻤﻴﻞ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺕ ﺍﻟﺠﺴﻴﻤﺔ ﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻟﻤﻨﺎﻫﻀﺔ ﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ، ﺍﻟﺘﻲ ﺻﺎﺩﻗﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺩﻣﺸﻖ ﻋﺎﻡ .

عنب بلدي

————————-

=======================

تحديث 06 تموز 2023

————————–

على ماذا يراهن وزير الخارجية الأردني؟/ زياد بركات

يعلن الأردن عن جديد وقائع حربه الضروس ومستجدّاتها، فخلال الشهر الماضي أُلقي القبض على ما يقارب ألف ومائة من تجّار المخدّرات ومروّجيها. جاء هذا الإعلان بعد يوم من زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق، حيث التقى بشّار الأسد (ووزير خارجيته فيصل المقداد).

وتُظهر الصور الرجلين على ودٍّ متبادل، ربما يكون من مقتضيات الدبلوماسية، أو لشعورٍ غامض لدى الأسد بالامتنان للأردن، وللوزير الصفدي شخصياً، الذي سبق أن زار دمشق في 15 فبراير/ شباط الماضي، وكان وراء اجتماع عمّان التشاوري الذي شهد أول مشاركة لوزير الخارجية السوري في اجتماع وزاري عربي، وكان مفتتحاً لخطوات تطبيعٍ واسعة النطاق بين المنظومة العربية ودمشق.

أياً يكن الأمر، فسياسات الدول لا يُمليها الودّ، بل المصالح، فالأردن الذي تحوّل إلى معبر للمخدّرات، وأغلبها قادم من سورية، والذي يستضيف نحو 1.3 مليون سوري، نحو نصفهم مسجّلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يسعى إلى تجنّب النار التي قد تنتشر على نحو يتعذّر وقفه داخل أراضيه، جرّاء استهدافه بالمخدرات، فخلال الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، أسقطت قواته المسلحة ثلاث طائرات مسيّرة محملة بما يعتقد أنه الكبتاغون والأسلحة، وهي قادمة من سورية، ولا يُعتقد أنها حُمّلت بالمخدّرات وحلّقت من دون ضوء أخضر رسمي.

تعرف عمّان ذلك، أو تُرجّحه، ولكن لديها أسبابها للمحاولة والسعي، فهي تريد وقف أنشطة التهريب من المصدر وبقراره، إضافة إلى تفكيك ممانعة النظام السوري العودة الآمنة للاجئين، وإنْ على مراحل قد تطول. وقد يتساءل بعضهم: لمَ لا يكون وقف التهريب شرطاً لتقدّم العلاقات مع دمشق، أو ثمناً كان يفترض أن تقبضه عمّان مسبقاً لدورها الحيوي في فكّ العزلة عن النظام السوري؟ يظل سؤال كهذا مشروعاً، لكنه يغفل طبيعة النظام السوري المتغطرس والعنيد، والتي تجعله ميّالاً إلى تعميم الخراب لا احتواءه. إضافة إلى مستجدّ أميركي حرصت عمّان على التساوق معه، وهو قانون الكبتاغون الذي من شأنه منح الأردن دوراً جديداً وكبيراً في عمليات مكافحة التهريب في المنطقة.

هذا يعني أن مقاربة الأردن هذا الملف تتحرّك على محورين: الأسد إذا رغب أو القوة بغطاء أميركي، وهو ما تفعله عمّان فعلياً التي غيّرت قواتها المسلحة قواعد الاشتباك مع المهرّبين بما يسمح لها باستخدام أي سلاح ممكن ومدمر لملاحقتهم، حتى داخل الأراضي السورية إذا اقتضى الأمر، فما يُعنى به الأردن هو تأمين حدوده، وحدث هذا في السابق بضماناتٍ روسيةٍ غير معلنة على الأغلب بإبعاد المليشيات المسلحة عن الحدود. وما يسعى إليه حالياً هو ألا تكون هذ الحدود معبراً للمخدّرات، بينما الهم الأكبر هو اللاجئون.

قبل وصوله إلى دمشق، بسط الوزير الصفدي مقاربة بلاده للمسألة السورية أمام عدد محدود من الصحافيين، بالقول إن المجتمع الدولي يدير الأزمة السورية مع إبقاء الوضع على حاله، وهذا يضرّ الأردن الذي يريد تغييراً جذرياً إذا أمكن، وإذا تعذّر فبالتدريج، فأعباء اللجوء تزداد والمساعدات الدولية تتراجع، والحال هذه لمَ لا تتصدّر عمّان الجهود لإقناع الأسد بعودة طوعية متدرّجة للاجئين مقابل انفتاح غربي متدرّج قد يحدث. لكن رهاناً كهذا يظل خاسراً في كل الأحوال، نظراً إلى طبيعة النظام نفسه الذي يرى أي انفتاح تجاهه نصراً له وهزيمة لمن يقوم به، ما يعني تشدّداً أكبر تجاه معارضيه ومواطنيه ما لم يكونوا “متجانسين”. وأظن أن تصريحات فيصل المقداد بعد لقاء الصفدي مؤشّر إلى طريقة تفكير نظام الأسد إزاء مواطنيه ممن اضطرّوا للهرب من بلادهم للنجاة بحيواتهم، فالمقداد، وهو ليس من الصقور في المناسبة، لخّص مقاربة نظامه لعودة اللاجئين على هذا النحو: لكل سوري الحق بالعودة، لكن لا يوجد واحد منهم “دُفع دفعاً من الدولة” ليترك وطنه، والحال هذه فإنه ليس بحاجة إلى “بطاقة دعوة” للعودة. ماذا يعني هذا؟ العودة الطوعية قد تتحوّل إلى حبلٍ يلتفّ على أعناق الآلاف ممن يفكرون بها. أما رهان الصفدي على خطط متدرجة لتأمين هذه العودة، مثل إيعاز من الأسد بإلغاء قرارات، والقيام بخطواتٍ مثل العفو وتجديد وثائق السوريين في الخارج بدون تعقيدات، وعدم استجواب اللاجئين وذويهم في حال عودتهم، فدونها على الأغلب خرط القتاد.

العربي الجديد

——————————–

لا تنازلات من الأسد.. هل تُضطر دول التطبيع إلى القبول برؤيته؟

رجحت كارولين دي روز، وهي محللة مختصة بالشؤون السياسية والدفاعية في الشرق الأوسط وأوروبا، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد لن يقدم أي تنازلات بشأن معالجة الأوضاع بعد 12 عاما من الحرب الأهلية في بلاده، وستُضطر الدول التي تطبع العلاقات مع دمشق إلى القبول برؤيته.

كارولين قالت، في تحليل بمركز “جيوبوليتيكال فيوتشرز” الأمريكي (Geopolitical Futures) ترجمه “الخليج الجديد”، إن “دول الجوار، التي دعمت المعارضة السورية في البداية وقطعت العلاقات مع دمشق واستنكرت الفظائع الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام وفرضت إجراءات اقتصادية، بدأت في مايو/ أيار الماضي بسط البساط الأحمر للأسد وعائلته وكبار المسؤولين السوريين”.

وفي 19 من ذلك الشهر، شارك الأسد في القمة الأخير لقادة جامعة الدول العربية بالسعودية، للمرة الأولى منذ أن جمدت الجامعة في 2011 مقعد سوريا؛ ردا على قمع الأسد عسكريا لاحتجاجات شعبية مناهضة له طالبت بتداول سلمي للسلطة، مما زج بالبلاد في حرب أهلية مدمرة.

وتابعت كارولين: “منذ ذلك الحين، عقدت دمشق والحكومات الإقليمية اجتماعات رفيعة المستوى وصاغت اتفاقيات أولية، وأعادت الجامعة العربية قبول سوريا رسميا، وأطلق نظام الأسد مجموعات عمل ثنائية مع جيران مثل العراق والأردن للتعاون في قضايا بينها أمن الحدود ومكافحة المخدرات”.

وأردفت: “عرض المسؤولون الإقليميون هذه المبادرات على أنها محاولة للتطبيع مع النظام السوري. لكن من غير الواضح كيف ستبدو إعادة ضبط الوضع السياسي والدبلوماسي والاقتصادي مع دمشق، عندما يسعى نظام بشار الأسد (الذي يحكم خلفا لوالده منذ 2000) إلى الحفاظ على الوضع الراهن”.

تلاعب بالتطبيع

“في السنوات الأخيرة، تلاعبت العديد من دول الشرق الأوسط بفكرة التطبيع مع سوريا لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد (والاضطرابات الإقليمية المصاحبة لها)”، وفقا لكارولين.

واعتبرت أن “الإمارات شجعت هذا النهج ابتداءً من 2015، لتصبح واحدة من أولى الجيران الإقليميين الذين جلبوا مسؤولين سوريين، بينهم الأسد نفسه، إلى طاولة المفاوضات حول أجندة لإعادة سوريا إلى الحظيرة الإقليمية”.

واستطردت: “فيما خرج المسؤولون المصريون بفكرة السماح لسوريا بالعودة إلى الجامعة، وكانت دول مثل الأردن أكثر حذرا مع حرص على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة واختبار ردود فعل النظام، فمثلا أعاد الأردن فتح معبر جابر- نصيب الحدودي ودعا دبلوماسيين سوريين إلى عمان لإجراء مناقشات”.

وقالت كارولين إن “هذه الجهود اكتسبت زخما بعد الزلزال الكارثي الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا في فبراير (شباط الماضي)، إذ قدمت المأساة مبررا لدول عديدة تفكر في التطبيع لفتح اتصال مباشر مع دمشق لتنسيق السياسات الإنسانية وتقديم المساعدات الفورية للسوريين عبر الأراضي التي يسيطر عليها النظام”.

وزادت بأنه “منذ ذلك الحين، وضعت الدول أنظارها على التطبيع الكامل، عبر إعادة فتح السفارات وتعيين سفراء واستكشاف طرق للتنسيق مع سوريا بشأن قضايا منها أمن الحدود والتجارة وتغير المناخ”.

ووفقا لكارولين، “يعتقد العديد من اللاعبين الإقليميين أن الانخراط في القضايا الهامشية يمكن أن يؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام السوري، وربما موقفه من عدد من القضايا الجوهرية الأكثر إثارة للجدل والمتعلقة بالحرب الأهلية في سوريا”.

وأوضحت أن تلك القضايا هي: “العودة الآمنة للاجئين ومكافحة الإرهاب ضد تنظيم الدولة وإيران، والوجود (العسكري) الروسي في سوريا (منذ 2015)، وتسوية سياسية شاملة يمكن أن تقضي على قبضة عائلة الأسد على السلطة وتؤدي إلى نظام سياسي أكثر شمولا يمثل المزيد من الجماعات العرقية والسياسية. لكن من الصعب تخيل مسار للمضي قدما عندما يكون من الواضح أن موقف النظام المتطرف يظل إلى حد كبير دون تغيير”.

ما تريده العائلة

والمتغير الرئيسي في مستقبل سوريا، بحسب كارولين، هو مصير عائلة الأسد، فقد صعد حافظ الأسد الأب إلى السلطة في سبعينيات القرن الماضي مع صعود حزب البعث، وعززت العائلة قبضتها على البلاد.

واستدركت: “لكن تاريخ سوريا من الخصومات الطائفية والقبائل المتنافسة وشبكات المحسوبية المعقدة تشكل تهديدا دائما لاستمرار حكم عائلة الأسد، ورغم تجاوزها المعارضة المدعومة من الخارج واستعادة نحو 70% من الأراضي التي خسرتها في وقت سابق من الحرب، إلا أن العائلة لا تزال تشعر بهشاشة وضعها”.

وتابعت أنه “عبر الانتخابات المزورة وعمليات التطهير المتكررة لحلفاء مقربين (بينهم أقارب بالدم) والاعتقالات المتكررة للمعارضين المتصورين، حافظت عائلة الأسد على موقفهما وخلقت سردية للشرعية”.

و”هذا بدوره أدى إلى نزيف في السياسة الخارجية لسوريا وانخراطها مع جيرانها، ففي حين أن النظام السوري أراد دائما من نظرائه الإقليميين رفع القيود الاقتصادية وإنهاء عزلته الدبلوماسية، فإنه يرفض تقديم أي نوع من التنازلات التي قد تقوض مصداقيته السياسية”، وفقا لكارولين.

واعتبرت أن “رؤية النظام السوري للتطبيع تختلف بشكل كبير عن رؤية جيرانه، فبالنسبة لسوريا، التطبيع سيحافظ على الوضع الراهن داخل البلاد، أي استبعاد المعارضة من مبادرات الحكم والحفاظ على سيطرة النظام على غالبية البلاد (وتمكينه من تعزيز مناطق إضافية) والحفاظ على مقاليد السلطة السياسية في أيدي عائلة الأسد، مع جني فوائد العلاقات التجارية المتجددة والاستثمار الأجنبي من الدول المجاورة”.

وشددت كارولين على أنه “على الرغم من أن دول الشرق الأوسط متفائلة بشأن التطبيع مع سوريا، إلا أنه من المرجح أنها ستضطر إلى قبول رؤية الأسد، في ظل هذه الحوافز المتباينة بين دول المنطقة، فلا يمكنهم ببساطة الضغط على زر لإلعادة ضبط العلاقات الثنائية مع سوريا إلى 2011، قبل بدء الحرب”.

الخليج الجديد

——————————–

أوريان 21: هل يمكن لسوريا المدمرة أن تنهض من تحت الركام؟

في الوقت الذي يعزز فيه الرئيس السوري بشار الأسد قبضته على السلطة ويبدأ عودته إلى الساحة الإقليمية، تبقى عودة الحياة إلى الدولة أمرا غير مؤكد بسبب مديونيتها الكبيرة والمساعدات الغذائية المنخفضة، كما تبقى التحديات كبيرة أمام ما تقوم به المعارضة في المنفى والجمعيات المختلفة من إجراءات باعثة للأمل.

بهذا الملخص افتتح موقع “أوريان 21” (Orient XXI) الفرنسي مقالا للكاتب الصحفي هنري معمر باشي رأى فيه أن الدولة التي تسمى سوريا أصبحت من الناحية الجغرافية والبشرية سرابا، ويمكن أن تغرق في مزبلة التاريخ إذا لم يحدث أي شيء، رغم الانتصار الشخصي الذي حققه زعيمها الأسد بعودته إلى أحضان أقرانه العرب في انتظار إعادة تأهيله المحتملة من قبل الدول الغربية التي ما زالت تقاطعه إلى حد ما.

وتساءل الكاتب: ماذا بقي من دولة حدودها لم تعد واضحة، وبعض أراضيها محتلة أو مغتصبة أو منتهكة، إن لم نقل إنها أصبحت مستقلة عنها، وجزء كبير من سكانها يعيشون مشتتين في المنافي، وهي تخضع لعقوبات دولية، وزعيمها منبوذ رغم ما يتلقاه من الرعاية من قبل حلفائه الروس والإيرانيين، وهل يمكن أن نقول إنها لا تزال دولة، وهي محطمة ومستنزفة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا؟

ديون فلكية ومساعدات مخفضة

ومع كل هذه العلل، تصل ديون سوريا تجاه إيران إلى قرابة 50 مليار دولار، وهو رقم فلكي، حسب ما أشار موقع سوريا ريبورت الاقتصادي في شهر مايو/أيار المنصرم، نقلا عن مصادر إيرانية رسمية مسربة، إضافة إلى أن برنامج الغذاء العالمي أعلن الشهر الماضي أنه اضطر إلى قطع مساعداته بنحو النصف عن السوريين المحتاجين إلى مساعدات غذائية أساسية، بسبب نقص الإمكانات المالية.

وفي هذا السياق -كما يقول الكاتب- دعا جزء من المعارضة السورية إلى استئناف المحادثات مع الحكومة برعاية الأمم المتحدة، معتبرا أن السياقات الدولية والإقليمية والوضع في سوريا مواتيان لاستئناف المفاوضات المباشرة، مع أن هؤلاء حاولوا في الماضي الوصول إلى تسوية سياسية تنص على دستور جديد وسلطة تنفيذية جديدة وانتخابات وإصلاحات مختلفة، لكن من دون جدوى.

غير أنه لا يمكن لحوار مفيد أن يجلب الأمل بين نظام متصلب ومعارضة شديدة الانقسام، وفي المنتصف بينها شعب منهك ومسحوق وفقير جدا أُجبر أكثر من 6 ملايين من أفراده على مغادرة بلادهم منذ ثورة 2011، ويواجه البعض خطرا شديدا، وهم يخشون جميعا ألا تتسنّى لهم العودة إلى ديارهم.

المجتمع المدني للإنقاذ

وفي ظل غياب الحل السياسي -حسب الكاتب- قد يجلب المجتمع المدني القليل من الأمل، حيث أطلق أكثر من 150 ممثلا عن جمعيات ومنظمات سورية منصة مشتركة في باريس تسمى “مدنية” بعد أيام من اجتماع المعارضة الشهر الماضي في جنيف، وتضم هذه المنصة محامين وأطباء ورجال إنقاذ وإعلاميين، يريدون الاستقلال عن الأحزاب السياسية والمطالبة بسوريا ديمقراطية رغم 12 عامًا من الحرب ومئات الآلاف من القتلى والمفقودين.

ويعمل هؤلاء، حسب قولهم، لضمان سماع صوت السوريين، وهم يمثلون طرفا ثالثا غير النظام والمعارضة، ويشبهون أنفسهم بالنقابات العمالية البريطانية التي تؤثر على الخيارات السياسية لحزب العمال. يقول أيمن أصفري، رجل الأعمال السوري البريطاني الذي يترأس منصة “مدنية”، “يمكن أن يكون لدى المرء انطباع بأن هناك النظام من جهة، ومن جهة أخرى معارضة، ولكن هذا لا يعني أن ننسى مئات المنظمات التي قامت وما زالت تقوم بعمل رائع”.

وخلص الكاتب إلى أن هناك قوى وإرادة حيوية في المجتمع يمكن أن تعيد سوريا إلى الحياة، ولكن البلد وسكانه بمن فيهم قادة المستقبل لا يزالون بعيدين من نهاية كفاحهم من أجل هذه الغاية.

المصدر : أوريان 21

———————————

انضمام سوريا إلى “بريكس”… بين الحقيقة والأحلام/ أنجل جرجس

لا عقبة تقف أمام دولة نامية للانضمام الى تكتل بريكس، لكن تعد شروط الانضمام إليه صعبة نسبياً، فسوريا لا تمتلك في الوضع الراهن أي مقومات تعطيها أفضلية منافسة دولة متقدمة إلى “بريكس” كالبحرين مثلاً أو الجزائر…

أعلن وزير مالية النظام السوري كنان ياغي، في حديث مع الوكالة  الإعلامية الروسية “سبوتنك”، عن عزم حكومته التقدم بطلب للانضمام إلى تكتل “بريكس” ومنظمة شنغهاي، وذلك على هامش مشاركته ممثلاً لسوريا في منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي الذي انعقد في روسيا.

لن نتطرق إلى “بريكس” وتحركاته نحو تغيير في الأقطاب الاقتصادية العالمية، بل سنكتفي بمناقشة تصريح ياغي. لا غبار على هذا التصريح عملياً في حال كان يصدر عن دولة مستقرة سياسياً الى حد ما، وتسعى الى تنمية قوتها الاقتصادية في الساحة الدولية. لكن، وفي حين أن ما يقرب من 13 دولة تمتلك اقتصادات رائدة على مستوى المنطقة، تنتظر في الطابور للانضمام الى هذا التكتل، أي جرأة تلك التي يمتلكها النظام للإدلاء بتصريح كهذا علناً، في ظل محادثات دولية حول شرعية هذا النظام من الأساس، واختلال التوازن السياسي على أراضيه، وبعد حرب هشّمت الاقتصاد وأعادته 100 عام الى الوراء؟

شرعيّة طلب الانضمام الى بريكس

لا عقبة تقف أمام دولة نامية للانضمام الى تكتل بريكس، لكن تعد شروط الانضمام إليه صعبة نسبياً، فسوريا لا تمتلك في الوضع الراهن أي مقومات تعطيها أفضلية منافسة دولة متقدمة إلى “بريكس” كالبحرين مثلاً أو الجزائر، إذ إنها تعاني من عجز اقتصادي هائل يضعها اليوم تحت وزر ديون هائلة لحكومات تستغل هذا العجز في سياق بسط سيطرتها في سوريا. أما صادرات سوريا فتقبع في حدودها الدنيا، والدخل القومي منخفض بشكل واضح، وناتجها المحلي  ضعيف جداً لا يتماشى والمعايير التي تنص عليها بنود الانضمام الى بريكس. وتعتزم سوريا أيضاً، وفق تصريحات وزير ماليتها، أن تنضم الى بنك التنمية الجديد الذي يديره بريكس، وبحسب محللين اقتصاديين في حديث مع وكالة “أثر برس” (الموالية للنظام)، فإن الخطوة الأمثل لها قد تكون بتقديم طلب انضمام الى البنك أولاً، الأمر الذي يزيد من فرصها لاحقاً ربما في عضوية بريكس، من خلال القروض التي يقدمها هذا البنك للدول النامية للمساهمة في إعادة إعمار بنيتها التحتية.

وبالعودة الى بريكس، يجدر بنا ذكر أن التنافس الأميركي-الصيني على منطقة الشرق الأوسط، يتضمن السعي الى السيطرة على حزام طريق الحرير، لكن الصين تحصل عادة على قبول أكبر مما تحصل عليه الولايات المتحدة الأميركية، لأن الصين لا تضمّن أي بنود متعلقة بحقوق الإنسان في مواثيقها واتفاقياتها، على عكس الولايات المتحدة الأميركية، التي تضغط وبشدة على بنود كهذه، بحسب صحيفة “إندبندنت العربية”.

لطالما امتلكت سوريا موقعاً جيوسياسياً يجعلها حليفاً مثالياً وصلة وصل بين القارات، وقد يكون تكتل بريكس مهتماً بموقع سوريا ضمن سياق طموحات الصين لإنعاش حزام التجارة (طريق الحرير) كما ذكرنا سابقاً.

ولكن إن افترضنا جدلاً أن سوريا قدمت هذا الطلب، فتشير التوقعات الى أن دول البريكس قد تقع فعلاً في حيرة شديدة، فعلى الكفة الأولى موقع سوريا الذي يخدم مصالح هذه الدول كونها تسعى الى الصعود كقطب اقتصادي جديد ينافس هيمنة الدولار، ولكن على الكفة الأخرى فإن أوضاع سوريا حالياً لا تُخفى عن أحد، فهي واضحة وضوح الشمس، إذ يواجه النظام السوري سلسلة من العمليات السياسية التي تسعى الى تحجيمه وإخضاعه للمساءلة التي يستحقها، بدءاً من تورّطه في إدارة شبكة تجارة كبتاغون ضخمة وغير مشروعة تهدد الأمن القومي، وهذا الأمر اقتصادياً ليس مطمعاً إطلاقاً، والعقوبات المفروضة عليه تعرّض الدول التي قد تطبّع علاقاتها معه لعقوبات مماثلة، رغم أنه وبحسب التقارير لا يكترث البنك الجديد بالعقوبات الأميركية، ولا تشكل عائقاً بالنسبة إليه، ولا ننسى الحديث عن الوضع العسكري على الحدود السورية، وتحديداً منطقة شرق الفرات، فبحسب محللين سياسيين، هناك سعي أميركي مكثف الى قطع الطريق على القوات الإيرانية، من خلال إقامة تحالفات مع “قوات سوريا الديمقراطية” و”قوات الصناديد” والفصائل الموجودة في منطقة التنف شرق الفرات، لبسط السيطرة على الخط الحدودي مع العراق، لما له من علاقة بمشروع حزام الطريق الصيني الذي آنفنا ذكره سابقاً.

من وجهات نظر تحليلية، قد تسعى دول “بريكس” في حال رغبت فعلاً في سوريا كعضو فاعل، إلى الاتجاه للضغط على جميع الأطراف لتطبيق الحل السياسي من خلال القرار 2254 والوثيقة العربية المتمثلة بمبدأ خطوة بخطوة، وبالتالي السير بسوريا نحو الحل السياسي الذي سيهدئ النزاعات إلى حين تسليم السلطة بشكل كامل، وهذا ما سيؤدي بالضرورة الى تخفيف حدة الوجود الإيراني وتدخلاته، وما له علاقة بتصنيع وتجارة الكبتاغون.

ولكن لا يخفى عن أي مراقب للشأن السوري، أن الأسد لا يسعى الى تسليم السلطة ولا يقوم بأي مبادرة حقيقية نحو حل سياسي.

أحلام وردية أم ألاعيب؟

تصريح الوزير ياغي جاء في مؤتمر صحافي بمشاركة دولية، فلا يمكننا التعامل مع تصريح كهذا كما نتعامل مع الطبول الإعلامية والكليشيهات التي تبدع أذرع النظام في تأليفها لتخدير الشعب حيناً والاستهزاء به أحياناً، ورغم أن عدداً من الشعب السوري لا يزال يتأثر بهذه الخطابات المعسولة التي تبشر بالإصلاح والتنمية وغيرهما، إلا أنه علينا اليوم النظر بعدسة تحليلية الى السياق الذي تطرح فيه هذه الإفادات وما تعكسه حقيقة في الواقع السوري دولياً.

هذه الحركة وهذا التصريح ليسا سوى مماطلة ومحاولة هروب من الواقع ومن قرارات القمة العربية والأمم المتحدة، وتزيين صورة النظام كالعادة أمام أنصاره وأمام العرب. ففي تصريح سابق لفيصل المقداد، وزير خارجية سوريا، خاطب العرب بادعائه أن سوريا اتخذت بدل الخطوة مئة، ولكننا لا نرى سوى شذرات من التدابير يقوم بها النظام للتملص من تنفيذ جميع بنود هذه الوثيقة، فهو يلهو ويختار من البنود ما يحلو له، وينفذها ببطء ليكسب الوقت الى حين الانتخابات المقبلة، التي من المفترض أنها ستُجرى بمراقبة عربية ودولية، فيختار الخطوات التي تصبّ في سياق مصالحه، وقد سرت بين السوريين إشاعات عن بدء تصفية ضباط مرموقين من جهات أمنية مهمة، بحسب شبكة “نورس” nors التي نشرت على قناتها أسماء ضباط توفوا في ظروف غير واضحة.

 فإذا صحّت هذه الإشاعات، فهي تؤكد احتيال النظام بالفعل على البنود، وذبح كبش فداء بدل وضع رأس النظام على المقصلة.

الواقع السوري وإبرة مخدّر الأمل

لا يمتلك النظام السوري رفاهية تقرير مصيره الاقتصادي على أقل مستوى، فإيران تحكم قبضتها على عنقه بسبب الاتفاقيات والديون المترتبة عليه، وقواتها المتناثرة في مناطق سيطرته، ولروسيا سيطرة كبيرة على الساحل الذي يعد نقطة قوة مهمة في موقع سوريا، الذي يعد العامل الوحيد لجعلها مطمعاً وحليفاً قوياً. الواقع يشير الى أن النظام اليوم لا يقوى على الانضمام الى أي تكتل اقتصادي، ولا يمتلك أي مقومات تنموية ما لم يبدأ تطبيق حل سياسي إداري مؤسساتي. وهذا الحديث اليوم لا يُخفى عن النظام، ولكنه يُخفى عن الكثير من السوريين الذين يبحثون عن الضوء في آخر النفق، من دون أن يبحثوا فعلاً بشكل موضوعي في الوقائع والمؤشرات. ولا يوجد أمام سوريا مستقبلاً خيار سوى السعي نحو الحل السياسي الحقيقي ومحاسبة كل المسؤولين عن عجزهم الاقتصادي، وإعادة هيكلة منظومتها بما ينصب في سياق السعي نحو اللامركزية والانتخابات الديمقراطية وتقرير الشعب السوري مصيره من خلال اختياره ممثليه، والمشاركة الفاعلة في تنمية سوريا وترميم مؤسساتها، ومن ثم النهوض باقتصادها بما تمتلكه من موارد. لكن للأسف، هذه أحلام يوتوبية تقف في وجه تحقيقها عصابة مافيا متجذّرة في العمق وتحتاج سوريا الى عقود من المحاولات والعمل الجاد لعلها يوماً تصل الى أن تكون دولة مستقرة سياسياً وتسعى نحو رفاهية اقتصادية وتحالفات مع دول عظمى.

درج

———————————

الخطط الأميركية للقضاء على مخدرات الأسد: شكوك بجدواها/ عدنان أحمد

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن الاستراتيجية التنفيذية لقانون “مكافحة كبتاغون الأسد”، الذي صادق عليه الرئيس الأميركي جو بايدن نهاية العام الماضي، وهي الخطوة الأخيرة لتفعيل المشروع الذي مرره في وقت سابق الكونغرس الأميركي بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، والذي يقضي بوضع استراتيجية أميركية لمكافحة إنتاج المخدرات والاتجار بها في سورية، وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام رئيس النظام السوري بشار الأسد.

4 محاور رئيسية

وأفادت الوزارة في بيان في 29 يونيو/ حزيران الماضي، بأن الاستراتيجية تستند إلى 4 محاور رئيسية شاركت بوضعها وزارتا الدفاع والخزانة، إضافة إلى إدارة مكافحة المخدرات وتحقيقات الأمن الداخلي ومكتب مدير المخابرات الوطنية ومكتب السياسة الوطنية لمكافحة المخدرات، وذلك بهدف تعطيل وإضعاف الشبكات التي تدعم البنية التحتية للمخدرات في نظام الأسد.

كما “ستساهم في بناء قدرات مكافحة المخدرات في البلدان الشريكة، وذلك عبر تدريب أجهزة إنفاذ القانون في البلدان التي تستهدفها أو تمر عبرها كميات كبيرة من المخدرات”، وفق البيان.

وأوضح البيان أن شبكات تهريب الكبتاغون تعمل عبر 17 دولة من إيطاليا إلى ماليزيا، مضيفاً أن الكيانات المرتبطة بنظام الأسد، مثل حزب الله اللبناني، تنتج أقراص الكبتاغون في سورية ولبنان، كما تنتج أقراصاً مزيفة بزعم أنها كبتاغون. وأشار إلى أن الأراضي اللبنانية تُستخدم في الإنتاج والتصدير عبر موانئ البلاد، حيث تعد الوجهة الرئيسة لها هي الأسواق في منطقة الخليج، وذلك على الرغم من أن كميات متزايدة تستهلك الآن في بلدان كانت في السابق دول عبور خالصة، مثل الأردن والعراق.

وأوضح البيان أن معظم ما تنتجه المجموعات السورية المرتبطة بنظام الأسد وحزب الله من الكبتاغون يتم شحنه من الموانئ السورية مثل اللاذقية، أو تهريبه عبر الحدود الأردنية والعراقية بواسطة تجّار المخدرات الذين تدعمهم الجماعات المسلحة والشبكات المحلية.

وشرح البيان المحاور الرئيسية في الاستراتيجية الأميركية، وتشمل الدعم الدبلوماسي والاستخباري من خلال تحديد الجهات الفاعلة الرئيسية وشبكات توزيع الكبتاغون وكذلك التدفقات المالية، من أجل تقويض وتعطيل هذه الشبكات، واستخدام العقوبات الاقتصادية والأدوات المالية الأخرى لاستهداف شبكة التهريب التابعة لنظام الأسد، ومنعه والمنظمات الإرهابية المصنفة مثل حزب الله من استخدام النظام المالي الأميركي لغسل عائدات المخدرات.

ويتضمن المحور الثالث تقديم المساعدة والتدريب للبلدان الشريكة، إضافة إلى التعاون داخل المؤسسات متعددة الأطراف، من أجل بناء القدرة على مكافحة المخدرات وتعطيل سلسلة توريد العقاقير الاصطناعية غير المشروعة المستخدمة في صناعة الكبتاغون.

ويركز المحور الرابع على التنسيق مع الشركاء البريطانيين والأوروبيين وكذلك مع مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية وشركاء في المنطقة، من أجل الضغط على نظام الأسد للحد من إنتاج الكبتاغون والاتجار به.

وباتت المخدرات ركيزة اقتصاد نظام الأسد، ورصدت تقارير إعلامية ومراكز أبحاث خلال السنوات الماضية العديد من أماكن إنتاج المخدرات في سورية خصوصاً الكبتاغون، والجهات التي تقف خلفها، وحجم الإنتاج وآليات تصريفه محلياً وخارجياً، ومدى اعتماد نظام الأسد على عوائد المخدرات، بعد أكثر من عقد من الحرب تخلله انهيارات أساسية في بنيته الاقتصادية.

تقارير عربية

الكبتاغون… الاختبار الأصعب في خطة التقارب العربي مع النظام السوري

ووفق تحقيق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في نهاية عام 2021، فإن “الفرقة الرابعة” التابعة للنظام بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، هي المسؤولة عن تصنيع الكبتاغون وتصديره، فيما يتولى المتاجرة به رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالنظام، وحزب الله وأعضاء آخرون من عائلة الأسد.

وتشير دراسات أخرى، منها تلك الصادرة عن مركز “كوار” (COAR) للتحليل والدراسات في نهاية إبريل/ نيسان 2021، إلى أن سورية باتت مركزاً عالمياً لإنتاج الكبتاغون، فيما قدّر تقرير لمؤسسة “المجلس الأطلسي” البحثية الأميركية القيمة السوقية للكبتاغون المنتج في مناطق سيطرة النظام عام 2020 بنحو 3.5 مليارات دولار.

وقدرت تقارير نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية نهاية العام الماضي وصحيفة “دير شبيغل” الألمانية أن عوائد المخدرات على نظام الأسد وصلت إلى 5.7 مليارات دولار عام 2021 وحده.

الإجراءات الأميركية لا تبدو كافية

وفي تقييمه للخطط الأميركية الخاصة بمكافحة إنتاج المخدرات من جانب نظام الأسد، رأى الصحافي الاقتصادي المتابع لهذا الملف محمد العيد، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الإجراءات الأميركية المعلنة بهذا الصدد لا تبدو كافية أو رادعة لهؤلاء، لأنها لا تتضمّن تدخلاً عسكرياً أو إمكانية ضرب مراكز الإنتاج المعروف بعضها في العديد من المناطق السورية واللبنانية، خصوصاً في ريف دمشق والجنوب السوري، وحمص والساحل السوري.

وأضاف أن هذه الإجراءات قد تفيد في تضييق الخناق السياسي والدبلوماسي، وربما المالي، على النظام وشبكاته، لكن النظام اعتاد على مثل هذه الضغوط خلال السنوات الماضية، وقد يلجأ فقط إلى اتخاذ مزيد من التدابير الاحترازية لإبعاد نفسه عن الإدانة، مع مواصلة تظهير جهوده المزعومة لمكافحة تجارة المخدرات وتصنيعها.

وأوضح أن النظام إذ يبرز جهوده في مكافحة المخدرات من خلال الإعلان بين الفينة والأخرى عن ضبط شحنات هنا وهناك، فهو إما يسعى لامتصاص الضغوط الخارجية عليه وإظهار نفسه بمظهر المتعاون، أو أنه يستهدف بعث رسائل للمعنيين في الخارج بقدرته على ضبط هذه العملية إذا أراد ذلك، لكنه يريد الثمن في المقابل، وهو تعويضه عن عائدات تجارة المخدرات.

من جهته، لفت الناشط في الجنوب السوري سامر الصمادي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن حركة المخدرات تصنيعاً وتهريباً تعرضت لارتباك شديد بعد الضربة الجوية الأردنية في مايو/ أيار الماضي والتي استهدفت موقعين لإنتاج المخدرات وتهريبها. وطاولت الضربة الأولى أحد أبرز المتهمين بهذه التجارة، المدعوم من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وهو مرعي الرمثان الذي قُتل مع عائلته في منطقة الشعاب.

أما الضربة الثانية فاستهدفت مركزاً لتصنيع الكبتاغون في ريف درعا. وأوضح الصمادي أن مثل هذه الضربات، أو من خلال دعم مجموعات محلية معارضة للنظام ومنزعجة من استباحة مناطق الجنوب السوري لتجارة المخدرات، يمكن أن تكون مجدية أكثر من الإجراءات الأميركية الفضفاضة والتي قد لا تؤثر كثيراً على رموز النظام بسبب انفصالهم أساساً عن النظام المالي الدولي.

——————————

في مواجهة زعيم مملكة الكبتاغون السلطانية/ عبير نصر

أخيراً يتصالح المتشابهون من طغاة العرب، وتبدو إعادة صوغ صورهم الممزقة لمحو بؤسهم السياسي مستحيلاً، بعدما دمروا روح الشرق ببساطة من يغيّر الماء في إناء زهور: بيروت ماتت روحها ودمشق ابتلعها الخراب، القاهرة في يد العسكر وبغداد عاجزة عن تضميد الجراح. على صعيد موازٍ تسلّم المعطيات الحالية السوريين للبؤس المطلق، بعدما قام نظام الأسد بإعادة تدوير اليأس وتعميمه إثر ردّهم إلى مزرعة الطاعة، يتقلب مصيرهم العالق في حاضر عدمي مؤبَّد بين سندان القهر ومطرقة التبعية، ما يدفع نحو تقديرات أقلّ تفاؤلاً من حيث فرص التعافي الوطني.

في هذا الوقت تبدو التطورات الأخيرة مرضيةً بشدة للأسد بعد عودته للجامعة العربية واستقباله على أنه “فخامة الرئيس السوري” بعدما كان “مجرماً عصابياً وقاتلاً!”، ويبدو هذا الحدث شديد الرمزية انتصاراً شخصياً لطاغية دمشق، وصفعة مؤلمة لملايين اللاجئين والمعتقلين والشهداء، إذ وبينما تدّعي العديد من الدول العربية بأنّ تطبيع العلاقات مع الأسد سيسهل حلّ القضية السورية المستعصية، تبدو عودة الأخير النتيجة المنطقية لتسويات غير أخلاقية في أروقة السياسة المعتمة، أكدت أوهاماً ونفت أوهاماً أخرى، وهي فعلياً ليست ذات فائدة عظيمة تذكر، فماذا سيضيف “ديكتاتور فاشي عنيد” يعود بابتسامته الصفراء وقلبه الأسود إلى حظيرة البائسين سياسياً والمنكوبين أخلاقياً غير مزيد من التعقيد والإفلاس القيَمي؟!.

ثمة فريق يؤكد أنّ عودة الأسد إلى مكانه إلى جانب أقرانه من المستبدين العرب وإلى الكرسي المخصص له على مائدة التردي العربي مسألة طبيعية، لأنّ طرده كان نتيجة الصراع بين أصوليتين: الأصولية الوهابية وأصولية نظام الملالي، ومع المصالحة السعودية-الإيرانية اليوم ينتهي فصل شديد الضبابية من اللعبة. وثمة فريق آخر يجزم يقيناً أنّ خروج بشار الأسد من الجامعة العربية كان، ومنذ البداية، بروتوكولياً فقط، لهذا لم نرَه يتحمس كثيراً عندما أعلنت الجامعة عن عودته رسمياً، هي التي تنظر إلى المحرقة السورية على أنها أمر عادي وروتيني، لذا لا تضع حداً لهذه المأساة المفتوحة على الجحيم، وكأنها من طبيعة الأشياء في مملكة استفتاءات 99.9% حيث لا أحد في مواجهة الأسد غير اللا أحد.

لنكن واقعيين إذاً.. عائلة الأسد لن تتنازل عن السلطة مطلقاً، لا بمرحلة انتقالية ولا بانتخابات ديمقراطية، ولا حتى بتأثير البكائيات التي تتضمنها بيانات الأمم المتحدة وتقارير منظمات حقوق الإنسان. والحقيقة الخافية أعظم بحضور ملف الكبتاغون وتصاعد صناعته إلى حدّ دقّ أجراس الخطر، حيث قدمت الولايات المتحدة قانون الكبتاغون الأميركي والذي ربط هذه التجارة بالنظام السوري ووصفها بأنها تهديد أمني عالمي. في السياق كانت شحنة الكبتاغون الواصلة إلى اليونان منتصف ديسمبر/كانون الأول عام 2018 بداية النشاط العلني لنظام الأسد في تهريب سمومه إلى العالم، وفي صيف عام 2020، أحبطت الشرطة الإيطالية صفقة مخدرات ضخمة كانت في طريقها إلى الموانئ الأوروبية، بعدما تمكَّنت من ضبط ثلاث سفن قادمة من ميناء اللاذقية. منذ ذلك الوقت، فُتحت أعين العالم جيدا على كلّ شيء يأتي من سوريا براً أو بحراً. وتشير تقديرات الحكومة البريطانية أنّ 80% من إمدادات العالم من هذا المخدر تُنتَج في سوريا، وقالت إنّ “قيمته تعادل ثلاثة أضعاف التجارة المشتركة للكارتلات المكسيكية مجتمعة”.

على إثر هذه الوقائع الكارثية دخل العرب في محادثات ودية ملتهبة من أجل إعادة زعيم الكبتاغون إلى “الحضن العربي الحنون”، لتغدو تجارة الكبتاغون ورقة مساومة قيّمة يسعى من خلالها الأسد لإنهاء وضعه المنبوذ وذات قيمة استراتيجية في مسرحية التطبيع الهزلية، بل يُعتقد أنها العامل الرئيسي الذي دفع السعودية إلى كسر حالة الجمود مع دمشق وهي، بطبيعة الحال، ألد أعداء نظام الأسد وأكبر أسواقه للمخدرات، أملاً منها أن يُخفض تهريب الكبتاغون للمملكة، إذ كثيراً ما اعترضت سلطاتها شحنات كبيرة من أقراص الكبتاغون المخبأة في صناديق برتقال بلاستيكي وفي عبوات رمان مجوفة، وتمّ حتى سحق الأقراص وتشكيلها لتبدو وكأنها أوعية فخارية!. في المقابل تؤكد حوادث موثقة جداً من قبيل أنّ نظام الأسد الذي مهد الطريق بخبث منقطع النظير للهجمات الجهادية في العراق ولبنان لتحقيق مطالبه، وإجبار الدول المتنافسة على التراجع عن دعم خصومه، أنّ مثل هذه التكتيكات ليست غريبة عليه على الإطلاق.

من الجليّ أنّ الوصول بالكبتاغون إلى صناعة تُقدّر بمليارات الدولارات يتطلب ديكتاتوراً يائساً ومستعداً لفعل أي شيء للصمود، ومن غير المحتمل أن يستبدل ببساطة تحالفه مع “شريكته” إيران مقابل التماهي مع سياسة تبويس “شوارب” القادة العرب. وعليه فإنّ أقوى أدوات نظام الأسد حالياً، ليست نفسه الطويل ومهاراته الزئبقية في استثمار الوقت حتى استنزاف العدو، كما عُرف عنه، ولا ورقة اللاجئين أو موقع سوريا الاستراتيجي، ولا حتى تحالفه مع روسيا وإيران، بل هو ذاك المخدر الذي يُذهب العقل ولم تستطع الأجهزة العربية والعالمية، بكامل عظمتها، وقف انتشاره. حيث أكدت صحيفة ذا تايمز البريطانية أنّ العديد من سكان الخليج العربي يتعالجون في لندن بسبب الإدمان على كبتاغون الأسد. بالتالي منحت حبةٌ بيضاء صغيرة الأسد نفوذاً قوياً فرض مشهداً جديداً في علاقته مع المحيط من زاوية “ماهية الملفات” التي قد تشكّل أساساً لـطيّ صفحة العشرية السورية السوداء، بينما يحقّ التساؤل هنا فيما إذا كان نظام الأسد نفسه كتلة متجانسة قادرة بقرار من رأس الهرم على وضع حدّ نهائي لتجارة وتصنيع الكبتاغون؟

إنّ مصافحة الأسد بدلاً عن محاسبته لا تشكل خيانة لدماء ضحاياه فقط، بل إنها إشارة مباشرة لكلّ المستبدين حول العالم بأنهم قادرون على انتهاك جميع القواعد الدولية من دون مواجهة أيّ عواقب حقيقية. على التوازي يصحّ القول: إذا كان الأمل مُنطلَق السوريين، فإنّ سوريا المأمولة لا يمكن أن تكون سوريا البعثية أو الأسدية أو حتى “الكبتاغونية”، إنما هي كيان سياسي يتعين إعادة هندسته مجدداً عبر التركيز على فكرة الجمهورية بمضمون مُعادٍ للتوريث أو السلالية. بمعنى تكوين ذاتيات جديدة، تخوض معارك تحرّر تزداد جذرية ولا تقبل التبعية لأحد.

وفي مثل شروطنا الحالية، وقد خسرنا معركة التغيُّر السياسي، يمكن أن نعمل على تغيير تفكيرنا وحساسيتنا وتخيّلنا، على نحو يُغالب مملكة الكبتاغون السلطانية بكفاءة أكبر. فلا شك ربيع الشعب السوري في مكان آخر، ومن الخطأ قراءة حكايته المأساوية في سياق الحفاوة بالانتصار الوهمي لنظامٍ مهزوم تاريخياً وأخلاقياً وسلوكياً، يعيش على حقن المقويات الوحشية من أسلحة الموت الشامل في ظل تلكؤ الدول التي تنافق بشعارات حقّ الإنسان في تقرير مصيره!، والتي قد توفر تقدماً مرحلياً مؤقتاً للأسد ولكنها لن توفر له الأزلية، وستكون، يوماً ما، هزيمة الطغاة المتحالفين مع زعيم الكبتاغون السوري هي مركز الحدث وأصل القضية!

لنتذكر.. رحل كثير من طغاة العرب والعالم وكلّ ما تبقى من ذكراهم صورةُ وجه عابس مستكين، وعينان غائرتان تخفيان نظرة هائمة منكسرة انطفأ نورها، وفم شبه فاغر من شدة الدهشة سيحمل معه كلماته الأخيرة إلى العدم، إلى العدم ولا شيء سواه.

————————————

عن التبرّم من المقارنة المشروعة بين واقع إسرائيل وواقعنا العربي البائس/ ماجد كيالي

ما يثير الاستغراب، والتساؤل، أن البعض كان يتبرّم من أي مقارنة بين الواقع البائس الذي فرضته الأنظمة علينا، في السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة، وضمنه مصادرة حقوق المواطنة، والواقع الإسرائيلي، وبدل إلقاء اللائمة على الأنظمة بات يتنكر لذلك الواقع، أو يبرره، بدعوى مقاومة إسرائيل، في حين أن ذلك أكثر ما يريحها.

“حاول أن تتخيّل! مئات البلطجية الحقراء عند باب منزلك، يحرقون ويدمرون كل شيء… أي خطوة للدفاع عن النفس تعتبر إرهاباً! عندما يحاول المقاتلون الشجعان في مخيم جنين الأكثر جرأة من “جنود الجيش الإسرائيلي” المحميين، وأيضاً الأكثر صلاحاً منهم، إيقاف توغلات الجيش في المخيم بأسلحتهم البسيطة، يُعتبرون بالطبع إرهابيين! الغازي شرعي ومن يحاول الدفاع عن نفسه وممتلكاته هو الإرهابي! أخلاق وقواعد قانون لا تصدق!”

الكلام أعلاه عن المستوطنين بوصفهم بلطجية وارهابيين، وعن الفلسطينيين في جنين بوصفهم مقاتلين شجعاناً وأصحاب حق، والشك بشرعية إسرائيل، ليس لي، ولا لكاتب فلسطيني، وإنما للكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي (“هآرتس”، 25/6). وثمة إسرائيليون آخرون يكتبون مثله، أيضاً، كايلان بابيه، وشلومو ساند وعميرة هس وأفي شلايم وباروخ كيمرلينغ وسيمحا فلابان وأوري رام وجرشون شافير ونورمان فينكلشتاين، كما ثمة منظمة “بتسيليم” التي تصف بتقاريرها إسرائيل كنظام أبارتهايد ضد الفلسطينيين، من النهر إلى البحر، وليس في الضفة الغربية حصراً.

في الإطار ذاته، اعتبر روغل الفر أن “المستوطنين الذين يحرقون البيوت ويخربون السيارات والمحلات والحقول في القرى الفلسطينية، وصمة عار على جبين المجتمع الإسرائيلي… عنف متوحش بصورته الحيوانية والقبلية… إسرائيل تدهورت إلى حالة فوضى. نصف مليون من مواطنيها يعيشون في مستوطنات مسورة وغير قانونية بحسب القانون الدولي… لا يوجد في إسرائيل قانون واحد أو أخلاق واحدة. وفي ظل غيابها، سيتم حسم الصراعات الداخلية الوطنية على الأغلب بحرب أهلية”. (“هآرتس”، 26/6/2023)

أما صحيفة “هآرتس” فأكدت أن “رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، هو المسؤول عمّا يحصل في المناطق، بما في ذلك العمليات الإرهابية اليهودية. ففي ظل زعامته، هُدر دم الشعب الفلسطيني”. (27/6)، أي إنها وصفت يهوداً في إسرائيل بأنهم إرهابيون، وحملت نتنياهو، الذي حكم إسرائيل أكثر من أي رئيس حكومة قبله، المسؤولية عن ذلك.

 أنشر مثل تلك الكلمات لإسرائيليين، ولو إنهم قلة، مع شعور بالحزن والقلق والألم لأحوالنا، مع تساؤل يلحّ دائماً عن عدم خروج أحد من موالي نظام الأسد، مثلاً، يعبّر عن ألمه لما فعله بمواطنيه السوريين من أهوال (قتل وسجن وتعذيب وتشريد)، طوال السنوات الماضية، وعن سبب غياب الحسّ الأخلاقي والقيم النبيلة لدى المتصارعين والمتخاصمين في البلدان العربية، لا سيما في سوريا، مع تأكيد أن ذلك لا يفسر بالخوف، فقط، وهو مفهوم، فليس من المطلوب من كل فرد إبداء معارضته للنظام، بالنظر لأثمان ذلك، لكن مطلوب على الأقل إبداء بعض مشاعر او تعبيرات عن احساس بالألم، بدل الإنكار، والتعاطف بدل الخذلان.

أكيد أن الإسرائيليين القلائل الذين ذكرناهم، ليسوا فلسطينيين، ولا يمكن أن يتبنوا كامل الرواية الفلسطينية، لكنهم تحدثوا كبشر، يرفضون الظلم، سواء وفق رؤية تُبنى على مصالح مستقبلية، لإمكان عيش مشترك على الأرض ذاتها، في نظام ديمقراطي- ليبرالي، ينصف الفلسطينيين من النهر إلى البحر، وبينهم اللاجئون، أو وفق قيم أخلاقية، وإنسانية، بمعزل عن أي عصبيات سياسية أو أيدلوجية أو دينية أو اثنية؛ وهو الأمر المفتقد، أو النادر، والذي نحتاجه في منظوماتنا السياسية والثقافية، ليس إزاء العدو، فقط، وإنما إزاء بعضنا على الأقل.

السؤال، لماذا يفعل اٌسرائيليون ذلك إزاء شعب آخر هو الشعب الفلسطيني، يفترض أنه في حالة عداء وجودي مع شعبهم، ولا يحصل مع سوريين ازاء جزء من شعبهم، أو إزاء مواطنيهم السوريين الأخرين، برغم أن الخلاف ذات طبيعة سياسية؟!

وكنت، منذ بداية الثورة السورية، دأبت على عقد مقارنات بين كيفية تعامل إسرائيل مع مواطنيها اليهود، وتعامل الأنظمة عندنا مع مواطنيها، وعن إدارة المجتمع والنظام السياسي عندهم وعندنا، وبين عدد الضحايا السوريين، الذين قضوا بيد النظام، بالرصاص والبراميل المتفجرة والمعتقلات الرهيبة، وعدد الضحايا الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل، فالهوة شاسعة ومهولة، كماً ونوعاً، علماً أن القتل جريمة، مهما كان حجمه، ولا تستطيع جريمة أن تغطي أخرى، لكن الفكرة الأساسية، والفارق الأهم، أن إسرائيل لا تقتل شعبها، بل هي تضن بكل نقطة دم فيه، في حين أن النظام يقتل ويسجن ويشرد في شعبه.

ما أريد قوله، هو أنني اتعمد عقد مقارنات كهذه، بين فترة وأخرى، بغرض توضيح مسؤولية الأنظمة السائدة عن تردي أحوالنا، وتوضيح العوامل التي تميّز إسرائيل، وتمنحها قوة مضافة، علما إنها دولة صغيرة، ونشأت قبل 75 عاما فقط، من نقطة الصفر في علاقة مواطنيها ببعضهم، وأيضا في علاقة مواطنيها بالأرض وبالدولة، وأيضا، برغم الفارق الهائل بينها وبين البلدان العربية، في المساحة وعدد السكان والثروات الطبيعية، لغير صالحها.

لكن ما يثير الاستغراب، والتساؤل، أن البعض كان يتبرّم من أي مقارنة بين الواقع البائس الذي فرضته الأنظمة علينا، في السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة، وضمنه مصادرة حقوق المواطنة، والواقع الإسرائيلي، وبدل إلقاء اللائمة على الأنظمة بات يتنكر لذلك الواقع، أو يبرره، بدعوى مقاومة إسرائيل، في حين أن ذلك أكثر ما يريحها.

أيضاً، بدل أن تكون المقارنة دليلاً وضرورة لمعرفة العوامل التي مكّنت إسرائيل من الاستقرار والتطور، بالقياس للاضطراب والتخلف في أحوالنا، تصبح لدى هذا البعض بمثابة تورية مؤامراتية للتقليل من شأننا، مقابل الإشادة بشأن عدونا، أو كناية عن اعتراف به.

المشكلة في تلك العقلية، عدا سذاجتها، وفصامها عن الواقع، تكمن في اتسامها بعقدتي الإنكار والمكابرة، في سعيها إلى تغطية ما تعتبره عوراتنا ونواقصنا، وفي محاولتها رفض أي مقارنة مع الآخر، كأن ذلك يحطّ من شأنه، أو يلغيه، قولاً وفعلاً.

 وللتذكير، فإن إسرائيل صغيرة جداً، وعدد سكانها اليهود قرابة 7 ملايين نسمة، في منطقة تفتقر للموارد، بيد أن ناتجها الإجمالي السنوي (وفق البنك الدولي) يقدر بـ 500 مليار دولار (في 2010 كان 238)، ومتوسط دخل الفرد فيها 52 ألف دولار، وقوتها التصديرية 80 مليار دولار، بينما الناتج الإجمالي لمصر 404، والجزائر 163 مليار دولار، وحجم التصدير في الجزائر 65 ملياراً، ومصر 36 مليار دولار (تخيل وضع السودان أو العراق أو سوريا)، برغم الفارق الهائل بين إسرائيل وهاتين الدولتين في المساحة والسكان والموارد.

هكذا فإن إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية والمصطنعة تبدو كجزء من العالم المتقدم، والفاعل، بالاستناد إلى مكانتها العلمية والتكنولوجية، بدليل ارتباط الدول الكبرى معها بعلاقات متميزة، كالصين وروسيا والهند، وليس فقط الدول الغربية، ولطبيعة نظامها الديمقراطي (لمواطنيها اليهود)، وتطور مواردها البشرية (مستوى التعليم والجامعات والإنفاق على البحث العلمي)، وأيضاً تعدديتها الحزبية، والطريقة السلمية للتداول على السلطة، برغم كل الخلافات والتناقضات، فهذا ما يميز إسرائيل عن واقعنا العربي، وليس قوة جيشها أو علاقتها بالولايات المتحدة، وحسب، على أهمية هذا وذاك، كما يحلو لبعض الأنظمة الترويج.

المغزى أنه بدلاً من التشكيك بنص أو بمعطيات مقارنة ما، الأجدى التمعن بالمعاني والعبر، وإدانة المتسببين في هذا الواقع العربي البائس، مع تأكيد أن أي صراع سياسي يفترض أن يضبط بقيم أخلاقية، تحترم الاختلاف، كما تحترم قيم الحرية والكرامة والعدالة، هذا إذا كنا نود أن نعيش في مجتمعات سليمة حقاً.

درج

——————————

المسار العربي لحل الأزمة السورية… مؤشرات مماطلة وعرقلة/ محمد أمين

تشي تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة السورية دمشق، أول من أمس، بأن المسار العربي المرتكز على منهجية “خطوة مقابل خطوة” لحل الأزمة السورية تعترض طريقه العديد من العقبات، ما قد يعني أن مصيره لن يختلف عما سبقه من مبادرات إقليمية ودولية.

وقال الصفدي، عقب لقائه، الإثنين الماضي، في دمشق رئيس النظام السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، إن صعوبات كبيرة تواجه جهود التوصل لحل سياسي للأزمة “لكننا ندرك حتمية هذا الجهد، لأن في حل الأزمة السورية مصلحة أساسية لسورية وللشعب السوري الشقيق، ومصلحة لنا في المنطقة ومصلحة للعالم أيضاً، لأن تبعات هذه الأزمة انعكست ليس فقط على منطقتنا ولكن خارجها” أيضاً.

كما قال الصفدي، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة، أمس الثلاثاء: “نتفق مع تركيا على ضرورة العمل بشكل مكثف من أجل حل الأزمة السورية والتقدم في ملف اللجوء”.

وجاءت زيارة الوزير الأردني إلى دمشق في إطار محاولات بلاده الدفع بالتسوية السياسية للأزمة السورية إلى الأمام، في سياق مبادرة عربية تقودها عمان تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، للتوصل لحل سياسي ينسجم مع القرار الدولي 2254، الذي يرفض النظام التعاطي معه بإيجابية، وأفشل كل الجهود الأممية لتطبيق بنوده التي تدعو إلى انتقال سياسي وكتابة دستور وإجراء انتخابات.

وتحاول المبادرة العربية مقاربة العديد من القضايا التي يتطلب التعامل معها تعاوناً مع النظام، أبرزها ملف اللاجئين، والمعتقلين، وإيقاف تدفق المخدرات إلى دول الجوار العربي من سورية، فضلاً عن الملف الأهم، وهو الوجود العسكري الإيراني المتعاظم في سورية.

ربط ملف عودة اللاجئين برفع العقوبات

ويربط النظام ملف اللاجئين وعودتهم برفع العقوبات المفروضة عليه ودعم مشروعات “التعافي المبكر”، وهو ما أشار إليه الأسد خلال لقائه الصفدي، وفق وكالة “سانا” التابعة للنظام. ونقلت عن الأسد قوله إن “تأمين البنية الأساسية، ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكل أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر، تمكّن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية”.

وكان مجلس جامعة الدول العربية قد شكل لجنة اتصال وزارية، مكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام للجامعة، لمتابعة تنفيذ بيان عمّان الذي صدر في مطلع مايو/ أيار الماضي، والذي دعا إلى “خطوات تبادلية”، بحيث تُخفف العقوبات والعزلة عن النظام مقابل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كل المناطق.

ومهمة اللجنة الاستمرار في الحوار المباشر مع النظام، للتوصل إلى حل شامل للأزمة السورية يعالج جميع تبعاتها، وفق منهجية “خطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254. وتقدم اللجنة تقارير دورية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري.

النظام سيغرق اللجنة بـ”التفاصيل” لإفشال جهودها

ومن المتوقع أن يطبّق النظام سياسته المعهودة، وهي إغراق أي لجنة بـ”التفاصيل” لإفشال أي جهود لحل الأزمة السورية لا تلبي شروطه، لعل أبرزها عدم التطرق للانتقال السياسي، أو نسف الدستور الذي وضعه في 2012، أو إجراء مقاربة لملف المعتقلين في سجونه، ورفع العقوبات عنه قبل السماح بعودة ملايين اللاجئين إلى سورية.

وكانت الأمم المتحدة قد بدأت بمسار الحل في سورية منذ منتصف العام 2012، وحتى اللحظة ما زال يراوح مكانه بسبب رفض النظام التعاطي معه بجدية.

حوراني: المسار العربي ولد ميتاً

وأعرب رشيد حوراني، وهو باحث سياسي في مركز “جسور” للدراسات، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن “المسار العربي بالأساس ولد ميتاً”، مضيفاً أن العرب يريدون من النظام وقف تهريب المخدرات إلى بلدانهم، وخاصة الأردن ودول الخليج.

وتابع: بعدما رأى النظام تنازلاً من قبل الدول العربية فإنه سيتعامل مع الأمر بشكل إعلامي، من خلال تعاون محدود في الكشف عن خط سير بعض الشحنات، إلا أنه سيواصل الضغط على الدول العربية من خلال هذا الملف لإجبارها على الرضوخ لمطالبه، ما يعني فشل المبادرة العربية برمتها.

ورأى حوراني أن “ما يدفع النظام إلى عدم الجدية مع المبادرة العربية هو الموقف الأميركي الذي أعطى الضوء الأخضر للعرب للتطبيع مع الأسد لقاء تنازلات منه”، مضيفاً أن النظام يدرك أن أي تنازل يعني بداية النهاية بالنسبة إليه، لذا لن يمضي بالمبادرة، فهو لن يقدم أي تنازل لقاء التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.

النظام السوري يمارس سياسة التسويف

من جانبه، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “النظام السوري يمارس كعادته سياسة التسويف والابتزاز لمختلف الأطراف الإقليمية بأقصى درجة ممكنة”.

وأضاف: يريد النظام الآن مقابل عودة اللاجئين دعم الدول العربية له مادياً في مشاريع التعافي المبكر وبناء البنية التحتية، ويطلب منها الضغط لرفع العقوبات عنه.

وأعرب سالم عن اعتقاده بأن المقاربة العربية للحل في سورية “مصيرها الفشل منذ البداية، لأنها لم تُعر الاهتمام لمصالح الشعب السوري، وتحاول حل القضية بشكل سطحي دون مراعاة حلها جذرياً”.

واعتبر “أنها مجرد حلول مؤقتة قد تنقلب إلى تأثيرات سلبية، وأكثر تعقيداً. منذ سيطرة النظام على الجنوب السوري قرب الحدود مع الأردن، منذ منتصف 2018، ازدادت تجارة وتهريب المخدرات، كما ازدادت معدلات الهجرة بدلاً من عودة اللاجئين السوريين الموجودين في الأردن”.

العربي الجديد

——————————-

الخطة الأردنية “ب” واليوم التالي لنهاية التسوية/ محمد أبو رمان

لم يعد هنالك شكّ، ولو بأدنى درجة، أنّ إسرائيل لن تقبل بإقامة دولة فلسطينية وفق القرارات الأممية، وهو الأمر الذي صرّح به نتنياهو أخيراً، وبات كالشمس التي لا تغطّى بغربال. وبالتالي، أصبح التمسّك الأردني بالتسوية السلمية في الخطاب الديبلوماسي خارج السياق والزمن تماماً، ما يطرح سؤال اليوم التالي لانهيار العملية السلمية ونهاية الرهان على نتائجها؟

هذا السؤال هو الذي هيمن على نقاشات مهمة ومغلقة، عقدها معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع مركز مسارات الفلسطيني (عمّان 27 – 28 مايو/ أيار 2023)، وشاركت في الورشة (خضعت لقواعد الكتمان والسرية) نخبة من فلسطينيي 1948 و1967 ونخبة سياسية أردنية، تباحثوا جميعاً في سؤال ما بعد العملية السلمية أولاً، وثانياً في الخيارات الفلسطينية، وثالثاً في انعكاسات ذلك على الأمن الوطني الأردني والسيناريوهات المتوقعة.

ثم عقد المعهد ورشة خاصة لنخبة سياسية أردنية (عمّان، يونيو/ حزيران 2023)، لمناقشة الأسئلة نفسها وخلاصات الورشة الأولى. وكان واضحاً من خلال الورشتين معاً أنّ هنالك خلاصات واقعية خطيرة، ليس فقط على صعيد نهاية مشروع التسوية وغياب الشريك الإسرائيلي، بل هيمنة مقاربة “صفقة القرن” على سياسات الإدارة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية (حتى ولو لم تتبنّ إدارة الرئيس بايدن رسمياً ما قدّمته إدارة ترامب)، والتشاؤم الشديد لدى النخب الفلسطينية من إمكانية المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، وشعور فلسطينيي الـ48 أن هنالك مخططاً إسرائيلياً استراتيجياً للتخلص منهم، لحماية “يهودية الدولة”، وأخيراً حالة البؤس التي باتت عليها السلطة الفلسطينية والانفصال بينها وبين المشروع الكفاحي الوطني الفلسطيني.

في المحصلة، لم تبد هنالك خيارات استراتيجية فلسطينية توافقية واقعية قدّمها المشاركون؛ فحلّ الدولتين انتهى، ومقاربة الحقوق وحل الدولة الواحدة وإن كان يساعد في تعزيز الخطاب السياسي الفلسطيني، بخاصة في الأوساط الأوروبية والغربية، وهو السيناريو الذي يلعب على الأرض نفسها مع المشروع الإسرائيلي، ما يجعله أكثر تأثيراً (وفقاً لمن ينادون به من نخب فلسطينية وعربية وأردنية)، إلّا أنّ من يطالبون به يعترفون بأنّه حل تاريخي وليس سياسياً آنياً (بمعنى أن مآلات الأمور ستذهب نحو هذه الشروط الواقعية تحت إصرار إسرائيل على عدم إقامة دولة فلسطينية)، ويصفه بعضهم بـ”حال الدولة الواحدة”. أما المقاومة، بأشكالها السلمية والمسلحة، فلها شروط وديناميكيات وروافع سياسية غير متوفرة مع الوضع الفلسطيني الراهن.

لعلّ الحدّ الأدنى من التوافق الذي دافعت عنه النخب الفلسطينية والأردنية العمل على دعم الصمود الفلسطيني على الأرض، وبناء حصانات للفلسطينيين من خطر الترانسفير (التهجير)، الذي يشكّل تهديداً للأمن الوطني الأردني على أكثر من صعيد، فالتحدّي الحقيقي، وفقاً لأغلب المشاركين، هو القدرة على الصمود والتمسّك في الأرض، سواء الـ48 أو الـ67، لأنّ الخيار الإسرائيلي الاستراتيجي يتمثّل في “الترانسفير” والكانتونات المعزولة.

ثمّة تحليل آخر بالمناسبة قدّمه أحمد جميل عزم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر (في ندوة سابقة له في معهد السياسة والمجتمع)، يتمثل بتوالد ديناميكيات اقتصادية جديدة على الأرض، جوهرها اقتصادي، لكن تداعياتها سياسية واجتماعية وثقافية، وهو ما أطلق عليه عزم خصخصة الاحتلال وأتمتته، من خلال الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين التي باتت تعمل ليس فقط في إسرائيل، بل حتى لصالح شركات إسرائيلية، بخاصة في قطاع التكنولوجيا، وهي الديناميكيات التي تخدم ضمنياً صفقة القرن والتطبيع الإقليمي الذي أتت به إدارة ترامب، وما زالت هذه المفاهيم هي التي تحكم سياسات الإدارة الجديدة.

في ضوء ذلك، ما هي الخيارات الاستراتيجية الأردنية؟ المقاربة الراهنة التي تهتم بالفعل الديبلوماسي والتركيز على حلّ الدولتين، ورعاية الأماكن المقدسة في القدس الشريف، على قاعدة أنّ الدور الأردني ثانوي، ويتمثل بدعم السلطة الفلسطينية فقط، أم الانكفاء وأخذ مسافة فاصلة عن الملف الفلسطيني لما له من كلفة كبيرة وعالية، سواء في الدخول بصدام مع الإسرائيليين ومع النفوذ الصهيوني، أو السير في ركاب “المشروع الإقليمي” والتطبيع الاقتصادي؟ أم الانتقال إلى مقاربة جديدة مختلفة والاشتباك بدرجة أكبر مع المسألة الفلسطينية، وهو ما نطلق عليه Paradigm Shifting؟ والخيارات الثلاثة تحملها نخب سياسية أردنية، وتتموضع حول خطاب سياسي له حجّيته ومفاهيمه ومنطلقاته في ترسيم العلاقات الأردنية الفلسطينية، وفي تعريف (أو إعادة تعريف) الأمن الوطني الأردني تجاه المسألة الفلسطينية ومدى تداخلها وانفصالها عن الاعتبارات الاستراتيجية الأردنية.

لو تجاوزنا مناقشة الخيارات الثلاثة الأولى، واتجهنا نحو المقاربة الجديدة، وهي التي تمثّل مدخلا استراتيجيا لما يطلق عليه بعضهم الخطة “ب” أردنياً لليوم التالي لنهاية العملية السلمية. وتقوم هذه المقاربة على نظرية رئيسية، أنّ الجيوبولتيك والوقائع التاريخية والحقائق الاجتماعية والسياسية والثقافية تفرض جميعاً على الأردن دوراً رئيسياً ومحورياً في الملف الفلسطيني، بخاصة في الضفة الغربية، وهو دور خارج السياق أو الإطار الذي يخيف أردنيين كثيرين، ويدفع نحوه اليمين الإسرائيلي، والمقصود هنا الخيار الأردني (عودة لتدخل أردني في الضفة الغربية في الديمغرافيا وليس الجغرافيا)، وهو أمر مرفوض فلسطينياً وأردنياً، شعبياً ورسمياً. بل يتمثل الدور المقصود في الاشتباك بدرجة أكبر مع المعادلة الفلسطينية والتخلي عن التحفّظ الأردني في التعامل مع القوى الفلسطينية والشخصيات المتعدّدة.

المطلوب أردنياً أن نتحرّر من فكرة أننا نتعامل مع السلطة الفلسطينية فقط، لأنّ السلطة في أضعف أوضاعها الشرعية والقانونية، ولا يجوز أن يبقى الأردن مصرّاً على النأي بنفسه عن فتح ملف العلاقة مع القوى الفلسطينية الأخرى والمصالحة الفلسطينية تحت بند أنّه شأن فلسطيني داخلي أو ملفّ مصري، فكل هذه الفرضيات اختُرعت سابقاً لتتعامل مع إحداثياتٍ لم تعد موجودة سياسياً، فمسائل الضفة الغربية والقدس والحدود والوضع الفلسطيني تمسّ صميم الأمن الوطني الأردني، وعلى الأردن أن يتحرّك لحماية أمنة وتعزيز مصالحه الاستراتيجية والحيوية مع الفلسطينيين.

من هذا المنطلق، دفع اتجاه في أوساط النخب الأردنية إلى تقديم مقاربةٍ تقوم على الإقرار والاعتراف بعجز التسوية السلمية وباستمرار الوضع الراهن، وإدراك مرامي المشروع الإسرائيلي وأعراضه، من عزل الفلسطينيين داخل كانتونات وسلطة فاشلة، والتخلّص التدريجي وربما استثمار أزمات خطيرة للقيام بعملية الترانسفير، وهذا وذاك يدفع مطبخ القرار الأردني إلى العودة إلى مقاربات “إدارة الصراع” بدلاً من “حلّه” غير الموجود أصلاً!

ماذا تعني إدارة الصراع؟ تعني أنّ الرهان الاستراتيجي الأردني على العملية السلمية لم يعد قائماً واقعياً (ذلك لا يتناقض مع تمسّك الأردن ديبلوماسياً بالخيار السلمي وبقرارات الأمم المتحدة). ويعني ثانياً الانتقال نحو التوغل الإيجابي في المعادلة الفلسطينية والانفتاح على القوى المختلفة، سياسياً واجتماعياً، التي تقبل العملية السلمية والتي ترفضها، وعلى الشخصيات وعلى فتح قنوات أكثر جدّية وواقعية مع القوى المتعدّدة، والاقتراب أكثر من ملفّ السلطة وخلافة محمود عبّاس، لما له علاقة قوية مع الملف الأردني، والتخلي عن الدعوة الدائمة غير المقنعة إلى التهدئة (تلك التي أدّت إلى اجتماعات العقبة وشرم الشيخ)، لأنّها لا تخدم إلّا الإسرائيليين.

العودة إلى مفاهيم إدارة الصراع هي انتقال إلى المقاربة الواقعية الحقيقية في ضوء فشل التسوية السلمية وعدم الاستمرار في بيع الأوهام المتعلقة بها أو شرائها، بمعنى الاعتراف أولاً بالواقع، ثم البحث عن خيارات استراتيجية عملية لا تذهب نحو السيناريوهات الراديكالية، ولا تقبل أيضاً بخيارات ستؤدّي، في نهاية اليوم، إلى حلّ القضية على حساب الأردنيين والفلسطينيين.

————————————-

ملف اللاجئين السوريين محور لقاء الصفدي بالأسد

الرئيس السوري يشدد على أن العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى قراهم وبلداتهم، أولوية بالنسبة للدولة السورية مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكافة أشكالها.

دمشق – بحث الرئيس السوري بشار الأسد، مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال استقباله له اليوم الاثنين، ملف عودة اللاجئين السوريين، والعلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا.

وقال بيان رئاسي سوري إن “الأسد شدد، على أن العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى قراهم وبلداتهم، أولوية بالنسبة للدولة السورية مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكافة أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكّن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية”.

وأشار إلى أن “كل الإجراءات التي اتخذتها الدولة السورية، سواء على المستوى التشريعي أو القانوني أو على مستوى المصالحات تسهم في توفير البيئة الأفضل لعودة اللاجئين، مجددا التأكيد على أن ملف اللاجئين مسألة إنسانية وأخلاقية بحتة لا يجوز تسييسها بأي شكل من الأشكال “.

بدوره عرض الوزير الصفدي آخر الجهود التي يبذلها الأردن في مسألة عودة اللاجئين السوريين والأفكار الجديدة التي تبلورت في هذا الشأن بالتنسيق مع مجموعة الاتصال العربية والأمم المتحدة، مؤكدا دعم الأردن للاستقرار في سوريا، واستعداد بلاده للعمل مع الحكومة السورية، في المجالات الثنائية التي تعزز التعاون بين البلدين، وتسهم في عودة اللاجئين السوريين، مشيرا إلى أن التدرج في معالجة آثار الأزمة السورية هو الخيار الأكثر واقعية وفائدة.

ووصل الوزير الصفدي إلى دمشق، ظهر اليوم الاثنين وقالت مصادر دبلوماسية سورية إن “زيارة الوزير الأردني تأتي في إطار التحضير لبدء جولات واجتماعات اللجان المختصة، التي انبثقت عن اللقاءات التي عقدت في عمان وجدة ومخرجات عودة سوريا إلى الجامعة العربية وتنفيذا لقرار قمة جدة العربية “.

وكان وزير الخارجية والمغتربين السوري الدكتور فيصل المقداد، قد بحث مع نظيره الأردني أيمن الصفدي اليوم الإثنين الجهود المبذولة لحل الأزمة السورية وعدد من القضايا الثنائية.

وتعد زيارة الوزير الصفدي إلى سوريا هي الثانية خلال العام الحالي حيث سبق وزار دمشق في شهر فبراير الماضي عقب الزلزال الذي ضرب سوريا في السادس من فبراير الماضي .

وكان الصفدي قد اثار جدلا بعد ان اكد في لقاء مع مفوّض الأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في عمّان الشهر الماضي أنّ مستقبل اللاجئين السوريين هو في بلدهم.

وقالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان حينها إنّ الصفدي بحث مع المسؤول الأممي موضوع تهيئة الظروف والبيئة اللازمة لعودة اللاجئين السوريين طوعاً إلى بلدهم.

ويعيش في الاردن حوالي 1.3 مليون شخص سوري، نصفهم مسجلين لاجئين، تعمل عمان على إعادتهم إلى بلادهم، ويعيش أغلب هؤلاء في مخيمات أكبرها مخيم الزعتري .

ووفقاً للأمم المتّحدة، يعيش نحو 5.5 مليون لاجئ سوري مسجّل في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر.

وأودت الحرب في سوريا بحياة أكثر من نصف مليون شخص بحسب الأمم المتحدة وخلّفت سبعة ملايين لاجئ ومئات آلاف المفقودين أو المعتقلين وأفضت إلى دولة مفكّكة.

وأفضت جهود دبلوماسية عربية إلى فك عزلة نظام الرئيس بشار الأسد مع إعادته إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار بعد عزلة استمرّت أكثر من عقد على خلفية النزاع في بلده.

——————————

الأسد يشدد على أن العودة الآمنة للاجئين أولوية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكافة أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر… خلال لقائه الصفدي.. الأسد يربط عودة اللاجئين ب تأمين البنية الأساسية

التقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اليوم، الاثنين 3 من تموز، وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خلال زيارة الأخير إلى دمشق، للمرة الثانية منذ شباط الماضي

وخلال اللقاء ربط الأسد مسألة عودة اللاجئين بالظروف المتردية في مناطق سيطرته، إذ نقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، أن الأسد بحث مع الصفدي ملف عودة اللاجئين السوريين

وشدد على أن العودة الآمنة للاجئين أولوية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكافة أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية

ونقلت سانا عن الأسد اعتباره، أن الإجراءات التي اتخذها نظامه، على المستوى التشريعي أو القانوني والمصالحات تسهم في توفير البيئة الأفضل لعودة اللاجئين، مضيفًا، أن ملف اللاجئين مسألة إنسانية وأخلاقية لا يجوز تسييسها

من جانبه، تطرّق الوزير الأردني إلى الجهود الأردنية في مسألة عودة اللاجئين، والأفكار التي نتجت بالتنسيق مع مجموعة الاتصال العربية والأمم المتحدة، مؤكدًا دعم عمّان للاستقرار في سوريا، واستعدادها للعمل مع النظام في المجالات التي تعزز التعاون بين الجانبين، وتسهم في عودة اللاجئين

واعتبر الصفدي أن التدرج في معالجة آثار الأزمة في سوريا، هو الخيار الأكثر واقعية وفائدة، وفق ما نقلته قناة المملكة الأردنية

في إطار القانون والسيادة سبق اللقاء مع الأسد، لقاء الصفدي مع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الذي قال بعد اللقاء، إن لكل سوري الحق في العودة إلى بلده، وسيجري التعامل معه في إطار القانون والسيادة

وبحسب المقداد، فلا يوجد هناك من دفع دفعًا من قبل الدولة ليترك وطنه، معتبرًا أن من غادر سوريا ليس بحاجة إلى بطاقة دعوة، لكن بحاجة لتأمين المستلزمات الأساسية لتسهيل هذه العودة، على حد قوله

تأتي زيارة الصفدي في ظل تحركات عربية متواصلة لإعادة النظام السوري إلى الحضن العربي ، أسفرت في 19 من أيار الماضي عن مشاركة الأسد في القمة العربية التي انعقدت في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية

يقود الأردن مبادرة للحل في سوريا، منذ عام 2021، عادت إلى الواجهة بعد حدوث زلزال 6 من شباط، وجرى في إطارها لقاء ضم وزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية وسوريا، في العاصمة عمّان، في 1 من أيار، وانتهى اللقاء ببيان ختامي تضمن الاتفاق على وضع أجندة محادثات ستتواصل وفق جدول زمني يجري الاتفاق عليه

الباحث في معهد الشرق الأوسط ، تشارلز ليستر، اعتبر أن الزيارة الأردنية محرجة للنظام، فبعد عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، استمرت عمليات القتل والاعتقال التعسفي والخطف، في تصاعد لأعمال العنف في الوقت الذي يتوقع به عودة اللاجئين

كما أن قيمة العملة السوري واصلت تراجعها بعد العودة إلى الجامعة العربية، بالإضافة إلى سلب عقارات وممتلكات مواطنين سوريين، وتصعيد الاستهدافات العسكرية لشمال غربي سوريا، ومقتل وإصابة العشرات باستهداف سوق خضروات في إدلب

وقال ليستر عبر تويتر ، إن هذا يعني أن خطة الأردن للإعادة المشروطة لإشراك النظام (في إشارة إلى العملية السياسية) لم تعد واعدة

——————————

استضافة أستانا والترانزيت.. ماذا قدم وزير الخارجية الأردني لتركيا بشأن سوريا؟

كشفت مصادر دبلوماسية لموقع تلفزيون سوريا الملفات التي طرحها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على تركيا في زيارته الأخيرة التي جاءت بعد يوم واحد من اللقاء الذي جمعه مع بشار الأسد في دمشق، حيث يسعى الأردن منذ مدة لزيادة فاعليته في الملف السوري، وفي هذا السياق جاءت استضافته للقاء عمان التشاوري في أيار 2023، الذي شكل أرضية انطلاق للتطبيع العربي مع النظام السوري.

واستطاعت عمان تضمين مطالبها للمسار والمتمثلة بإنهاء تهريب المخدرات، ووضع بند يخص تسهيل عودة اللاجئين بإشراف الأمم المتحدة، بعد أن بدأت المملكة العربية السعودية التطبيع ضمن اجتماع جدة الذي استضافت فيه وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد من دون أي تطرق للملفات الحساسة بالنسبة للأردن.

الأردن يعرض استضافة مباحثات على غرار أستانا

وفي سياق متصل، أفاد مصدر دبلوماسي مطلع لموقع تلفزيون سوريا بأن وزير الخارجية الأردني عرض خلال زيارته إلى أنقرة استضافة عمان لمباحثات تتعلق بالملف السوري، على غرار جولات أستانا التي أعلنت كازاخستان مؤخراً وفي عقب الجولة 20 من المسار أنه حقق غاياته، وبناء عليه لا تخطط لاستضافة جولات جديدة، قبل أن تعود وتبدي استعدادها للاستضافة لكن بشرط توافق جميع الأطراف على ذلك.

وأشار المصدر إلى أن الأردن يطمح لمزيدٍ من الحضور في الملف السوري، ويريد تقديم نفسه كوسيط موثوق في حل الأزمة السورية أمام الأطراف الدولية، ويعمل على أن يكون من الرعاة الأساسيين للإشراف على تطبيق مقاربة خطوة بخطوة، ولذلك يرحب دائماً باستضافة المباحثات الخاصة في سوريا سواء الأمنية أو السياسية.

وتتمسك تركيا باستكمال صيغة أستانا حتى وإن تم تحويل الجولات إلى بلد آخر غير كازاخستان، إذ ترى أن المسار حقق إنجازات مهمة على صعيد خفض حدة القتال، وتطمح لتحويله لنظام وقف إطلاق نار كامل، وتنظر إليه كآلية مناسبة لمعالجة مخاوفها الأمنية المتعلقة بانتشار التنظيمات الإرهابية على حدودها.

في المقابل تتمسك بعض الدول الضامنة مثل إيران باستبدال أستانا باللقاءات الرباعية التي تجمع كلاً من تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري.

تفعيل الترانزيت.. الطرق الدولية شرايين للاقتصاد الأردني

وأكدت المصادر لموقع “تلفزيون سوريا” أن الأردن طرح على الجانب التركي مناقشة تشكيل آليات لفتح الطرقات الدولية في سوريا الممتدة من شمال وشرق البلاد إلى غربها وصولاً للأردن.

ويحاول الأردن لعب دور الوساطة في هذا السياق بحكم علاقته الجيدة مع أنقرة، وتطور علاقاته بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة مع النظام السوري.

وحول أهداف الأردن من هذه الخطوة قال المصدر: الأردن له مصلحة باستعادة دوره في تجارة الترانزيت والاستفادة من عبور القوافل التجارية القادمة من تركيا إلى الخليج العربي، لكن يبدو أن الأمر مرتبط أيضاً برغبة عمان في تقديم مكتسبات اقتصادية للنظام السوري، تساعدها على إقناعه بالتعاون بشكل أكبر في مسألة الحد من التهريب عبر الحدود، والتجاوب مع مطالب الأردن المتعلقة بتسهيل عودة اللاجئين، إذ إن النظام دائماً ما يقابل الدول المطالبة بتسهيل عودة اللاجئين باشتراطات متعلقة برفع العقوبات الاقتصادية والعمل على زيادة عمليات إعادة التعافي المبكر وتسهيل إعادة الإعمار.

اتفاق أردني مع النظام السوري على تشكيل لجنة مشتركة لمكافحة تهريب المخدرات

البحث عن أي قناة تنسيق

وتأتي زيارة الصفدي إلى كل من دمشق وتركيا بالتوازي مع تحركات عمان من أجل تجهيز الأجواء لعقد اجتماع للجنة الاتصال العربية المنبثقة عن الجامعة العربية، والمعنية بمتابعة تقدم نهج خطوة مقابل خطوة الخاص بحل الأزمة السورية.

ويبدو أن الأردن يبحث عن توفير أي قناة تنسيق بين مختلف الدول المنخرطة في الملف السوري، خاصة الساعية منها لزيادة الاتصال مع النظام السوري ومفاوضته لحل الأزمة، مما سيضمن لعمان فاعلية دبلوماسية وسياسية أكبر تزيد من ثقلها في الملف السوري.

تلفزيون سوريا

———————————————

====================

تحديث 01 تموز 2023

———————————-

المجلة” تنشر “المبادرة الأردنية” لسوريا… ثلاث مراحل تنتهي بخروج إيران و”حزب الله”/ إبراهيم حميدي

تضمنت تفكيك قاعدة “التنف” الاميركية والاعمار ورفع العقوبات… دون جدول زمني

تكشف “المبادرة الأردنية”، التي حصلت “المجلة” على نصها الجديد، أن عمّان والعواصم العربية الداعمة لها بشكل مباشر، والغربية المؤيدة بشكل صامت، لا تزال تضع خروج إيران من سوريا هدفا نهائيا لها مقابل رفع العقوبات وإعمار سوريا وخروج أميركا.

وتتضمن “المبادرة” دعما لمقاربة “خطوة مقابل خطوة” وفق جدول تبادلي محدد يتضمن تنفيذ “الحكومة السورية” طلبات محددة مقابل تقديم الدول العربية والغربية عروضا أو حوافز ملموسة، بحيث تشمل ثلاث مراحل بدءا من الجانب الإنساني، ثم العسكري- الأمني، وانتهاء بالبعد السياسي- النهائي.

لا تتضمن الجداول في “المبادرة الأردنية”، برنامجا زمنيا محددا للتنفيذ، لكنها تنتهي إلى أن الخطوات المتوقعة من دمشق وحلفائها هي “سحب جميع الممتلكات الإيرانية العسكرية والأمنية من سوريا، وانسحاب حزب الله والميليشيات الشيعية”، مقابل “انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من جميع الأراضي السورية التي دخلوها بعد 2011 بما في ذلك مناطق شمال شرقي سوريا وقاعدة التنف الأميركية، ورفع العقوبات، و تمويل المانحين لإعمار سوريا”.

تعود هذه المبادرة إلى عام 2021، عندما أعدت الحكومة الأردنية ورقة رسمية، نشرت “المجلة” نسختها الانكليزية، وتضمنت تصورها للحل السوري، جرت مشاركتها ومناقشتها من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في اجتماعات منفصلة مع الرئيسين الأميركي بايدن، والروسي فلاديمير بوتين.

وتضمنت الورقة قراءة للواقع السوري وتقديم مقاربة “خطوة مقابل خطوة” في تلك المرحلة.

ومع تسارع خطوات التطبيع العربي الأخيرة وتغيير الواقع في سوريا والإقليم، عدلت عمّان ورقتها بعد مشاورات مع دول عربية وغربية، وصولا إلى نسخة جديدة استعملت فيها عبارة “الحكومة السورية” بدل “النظام السوري”، وحددت بدقة الخطوات المطلوبة من دمشق والعواصم الأخرى.

وتعود بعض عناصر “المبادرة” إلى مرحلة ما قبل عودة سوريا إلى الجامعة العربية في 7 مايو/أيار الماضي، وحضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية في جدة يوم 19 من الشهر نفسه، لكن “المبادرة”، التي جاءت بعد مشاورات أردنية مع أطراف عربية ودولية وغربية، تعكس التفكير إزاء كيفية الخروج من الوضع الراهن.

في الوضع الراهن، سوريا مقسمة لثلاث “دويلات” فيها خمسة جيوش أجنبية على الأقل وميليشيات وقواعد أجنبية. لا تسيطر دمشق على معظم أجوائها وحدودها، ولا يزال أكثر من نصف السوريين خارج منازلهم وثلثهم خارج البلاد. مقابل دعم طهران وموسكو لدمشق ووجود قواتهما العسكرية في سوريا، هناك وجود عسكري غربي بقيادة أميركية وعقوبات وعزلة على دمشق وقرار بعدم المساهمة في الإعمار قبل تحقيق حل سياسي وفق القرار الدولي 2254.

تربط هذه “المبادرة” بين جميع عناصر الأزمة السورية التي تمسك بها دمشق وحلفاؤها وخصومها، وتعرض تصورا للحل وفق مقاربة “خطوة مقابل خطوة” للخروج من النفق المستمر منذ 12 سنة، والمكلف للسوريين والدول المجاورة.

وهذه “المبادرة”، التي تنشر “المجلة” نصها الكامل اليوم، أقرب إلى أطروحه مفصلة تتضمن عناصر الحل في حالة مثالية:

لا تتضمن الجداول في “المبادرة الأردنية”، برنامجا زمنيا محددا للتنفيذ، لكنها تنتهي إلى أن الخطوات المتوقعة من دمشق وحلفائها هي “سحب جميع الممتلكات الإيرانية العسكرية والأمنية من سوريا، وانسحاب حزب الله والميليشيات الشيعية

أين نحن؟ وما المطلوب؟

تبدأ “المبادرة الأردنية”، وهو الاسم الجديد بدل “اللاورقة”، بعرض نقاط محددة للوضع الراهن. وتقول إنه “بعد 12 سنة، لا أفق لحل الأزمة، ولا استراتيجية متكاملة للتوصل إلى حل سياسي، مع تفاقم معاناة الشعب السوري”، حيث إن هناك “6.7 مليون لاجئ و6.8 مليون نازح داخل سوريا و15.3 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية، و90 في المئة تحت خط الفقر”.

وتشير “المبادرة” إلى أن سنوات من “عدم الاستقرار أدت إلى تزايد تهريب المخدرات عبر حدود سوريا وعودة تنظيمات إرهابية إلى الظهور وتزايد النفوذ الإيراني وعودة عدد قليل جدا من اللاجئين والنازحين وتضاؤل الدعم العالمي للاجئين والدول المضيفة”.

خمسة مبادئ

تقول “المبادرة” إن “المطلوب”، هو “إيجاد حل شامل، إنساني وسياسي، بناء على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254″، و”كلنا متفقون”، أي الأطراف الخارجية المعنية، على خمس نقاط، هي “لا حل عسكريا لإنهاء الأزمة. تغيير النظام ليس هدفا فعالا. قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 هو أفضل السبل للمضي قدما. الوضع الراهن يتسبب في معاناة إضافية للسوريين ويقوي الخصوم. تراجع التدخل أو تأخيره سيؤدي إلى نتائج قد يتعذر تغييرها”.

بداية يقترح معدو “المبادرة” دعم مبادرة “خطوة مقابل خطوة، التي اقترحها المبعوث الأممي غير بيدرسون، للتوصل إلى حل سياسي بناء على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 وحشد الدعم لمبادرة جديدة بين شركاء عرب وإقليميين ودوليين لديهم طرق تفكير متشابهة، والتوافق على آلية لانخراط الحكومة السورية على أساس “طلبات”، و”عروض”، والسعي للحصول على موافقة روسيا على هذه المقاربة.

مع تسارع خطوات التطبيع العربي الأخيرة وتغيير الواقع في سوريا والإقليم، عدلت عمّان ورقتها بعد مشاورات مع دول عربية وغربية، وصولا إلى نسخة جديدة استعملت فيها عبارة “الحكومة السورية” بدل “النظام السوري”

ثلاثة مستويات

تسرد “المبادرة” ثلاثة مستويات للعمل، ضمن “الطلبات” و”العروض”؛ سياسيا، “الهدف الشامل هو الوصول إلى حل سياسي يحفظ وحدة وسلامة وسيادة سوريا، ويعالج تدريجيا جميع عواقب الأزمة، ويعيد إلى سوريا أمنها واستقرارها ومكانتها الإقليمية”، ووضع تصور لانخراط مباشر لعدد من الدول العربية مع الحكومة السورية، مع تأكيد أن “هذه المقاربة التي يقودها العرب يجب أن تكون تدريجية، تركز أولا على التخفيف من معاناة السوريين. وعليها أيضا أن تحدد الخطوات التي ستدعم جهود مكافحة الإرهاب، وتحد من تزايد التأثير الإيراني وتوقف التدهور الذي يؤذي مصالحنا المشتركة”.

أمنيا وعسكريا، تطلب “المبادرة”، تطبيق وقف لإطلاق النار على جميع الأراضي السورية و”معالجة مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ومعالجة مسألة الوجود الإيراني ومخاوف الدول المجاورة (بما في ذلك تهريب المخدرات)”.

إنسانيا، تستهدف المبادرة “تبدلا تدريجيا في سلوك الحكومة السورية مقابل حوافز تُحدَّد بتأنٍ لمصلحة الشعب السوري ولتمكين بيئة مواتية لعودة طوعية للنازحين واللاجئين”، بحيث تكون الأمم المتحدة مسؤولة عن إيصال كل الدعم الإنساني”. هنا، يمكن التداول لاحقا في إمكانية إدراج الاتفاقية ضمن قرار صادر عن للأمم المتحدة.

ثلاث مراحل

تحدد “المبادرة” ثلاث مراحل للعمل دون ذكر جدول زمني عام أو لكل مرحلة من المراحل الثلاث، التي تشمل المدى “القريب”، و”المتوسط”، و”البعيد”.

يتم التمهيد للمرحلة الأولى بـ”خطوات بناء الثقة”، بما يتوافق مع الفقرة رقم 10 من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 التي “تؤكد على ضرورة أن تقوم جميع الأطراف في سوريا بخطوات بناء الثقة للمساهمة في إنماء العملية السياسية وفي وقف دائم لإطلاق النار، وتدعو جميع الدول لاستعمال نفوذها لدى الحكومة السورية والمعارضة السورية للتقدم في عملية السلم وخطوات بناء الثقة ولوقف إطلاق النار”. وتقول “المبادرة” إن “خطوات بناء الثقة يجب أن تردم الفجوة في الثقة وتشجع على سلوك إيجابي تدريجي من قبل الحكومة السورية، لقاء حوافز من المجتمع الدولي على شكل خطوات مقابلة”، مع ضرورة قيام الأمم المتحدة بلعب دور في هذه المرحلة.

سوريا مقسمة لثلاث “دويلات” فيها خمسة جيوش أجنبية على الأقل وميليشيات وقواعد أجنبية. لا تسيطر دمشق على معظم أجوائها وحدودها، ولا يزال أكثر من نصف السوريين خارج منازلهم وثلثهم خارج البلاد

المطلوب… إنسانيا

تفصّل “المبادرة”، الأمور الخاصة بالملف الإنساني، إذ “تطلب” من دمشق أن تمنح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات المعنية في الأمم المتحدة حق الوصول إلى جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وتسهيل المساعدات الإنسانية عبر كل الأشكال، أي عبر الحدود وعبر الخطوط ومشاريع التعافي المبكر مع مشاريع تجريبية في الجنوب السوري (قرب حدود الأردن)، وتسهيل وصول الهيئات الإنسانية والتنموية الدولية والمحلية والشركاء المنفذين للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. والتوصل إلى اتفاق مع الهيئات التابعة للأمم المتحدة حول آلية تسمح للمانحين بالتأكد من أن المساعدات تصل إلى المستفيدين النهائيين المستهدَفين، وتسهيل حصول المقيمين في مخيمات النازحين على المساعدات الإنسانية عبر هيئات الأمم المتحدة الموجودة في سوريا.

وفي المقابل، فإن المعروض من أصحاب “المبادرة”، الاستثمار في مشاريع التعافي المبكر في المناطق المحتاجة في سوريا، بما يشمل قطاعات المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والسكن كما هو مبين في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2642، وزيادة المساعدات الإنسانية لسوريا، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، ومناطق الجنوب السوري ضمنا، وتنسق الهيئات التابعة للأمم المتحدة مع الحكومة السورية بشأن المشاريع وإيصال المساعدات داخل سوريا، إضافة إلى استحداث قناة آمنة تسمح للهيئات الإنسانية والمدنيين بتحويل الأموال إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية لتسهيل المساعدات الإنسانية ومعاملات التحويلات، وابتكار آلية إنسانية محددة تسمح بتصدير أشياء إلى سوريا للاستخدام المدني مثل أدوية معينة ومعدات للمستشفيات وإمدادات زراعية ولوازم صيدلانية (ممنوعة حاليا لأنها تُعتبر متعددة الاستخدام).

مواكبة عملية للمبادرة

تعكس هذه “المبادرة” التفكير العربي إلى حد كبير، الذي يركز حاليا على الملف الإنساني وخصوصاً عودة اللاجئين. وتواكب المبادرة تحركات غير معلنة يشارك فيها كثيرون بينهم المفوض الأممي للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث ولقاءاته مع الرئيس السوري بشار الأسد ومسؤولين أردنيين وعرب، بهدف تشكيل صندوق تابع للأمم المتحدة يساهم في تمول مشاريع أبعد من التفويض السابق لتصل إلى “التعافي” للسوريين بعيداً عن العقوبات الغربية، مع استمرار سماح دمشق بفتح معبرين للمساعدات الإنسانية عبر تركيا، وتمديد قرار واشنطن إعطاء استثناءات من العقوبات بعد انتهاء مدتهما (فتح المعبرين واستثناءات العقوبات) في أغسطس/آب المقبل.

من الناحية العملية، تعطي دول عربية أولوية لموضوع إعادة اللاجئين، والبدء بمشروع “رائد” لإعادة ألف لاجئ سوري من الأردن بدعم أممي وتمويل، استثناء من العقوبات مقابل ضمانات من دمشق وحلفائها

المعتقلون والمفقودون

يتضمن الجدول، الذي يقع ضمن المرحلة الأولى قريبة الأمد، تقديم دمشق معلومات مفصلة إلى مكتب الأمم المتحدة عن المستفيدين من العفو الرئاسي الذي أصدره الأسد العام الماضي، أي أعداد الذين أفرج عنهم وعملية الإفادة من العفو، إضافة إلى الإفراج عن “الأفراد المعتقلين بشكل تعسفي” على نطاق واسع كجزء من العفو الرئاسي، والى الاتفاق على إطلاق سراح المعتقلين بشكل تدريجي، بما في ذلك وضع جدول لإطلاق مجموعات من بضع مئات من المحتجزين والتعاون مع “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” لمعرفة أماكن ومصائر المفقودين والمخطوفين.

ما “المعروض” لدمشق؟

تقول “المبادرة” إنه يجب “حضّ جميع الأطراف السورية وتركيا على التعاون للإفراج عن المعتقلين، بمن فيهم المعتقلون من العسكريين والأمنيين العاملين في الجيش السوري والحكومة السورية”، وأن تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات التابعة للأمم المتحدة ذات العلاقة الدعم والمساعدة للمفرج عنهم لتسهيل إعادة دمجهم ضمن مجتمعاتهم، وأن تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهيئات الأمم المتحدة المعنية بالتعاون مع الحكومة السورية فيما يتعلق بنشر معلومات حول المفقودين وأولئك الذين يستفيدون من العفو الرئاسي.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أصدر تقريرا يوصي بتأليف هيئة دولية جديدة، عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعنى بتوضيح مصائر وأماكن الأشخاص الذين يعتبرون مفقودين في سوريا وتقديم الدعم المناسب لهم ولأسرهم ولأسر الضحايا.

عودة اللاجئين والنازحين

من الناحية العملية، تعطي دول عربية أولوية لموضوع إعادة اللاجئين، والبدء بمشروع “رائد” لإعادة ألف لاجئ سوري من الأردن بدعم أممي وتمويل، استثناء من العقوبات مقابل ضمانات من دمشق وحلفائها.

نظريا، تقول “المبادرة” إن المطلوب من الحكومة السورية أن تضع خطة تفصيلية لتسهيل العودة الطوعية للاجئين تحت إشراف الأمم المتحدة ومنح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وهيئات الأمم المتحدة المعنية إمكانية الوصول إلى العائلات والإقرار بتفويض المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “المراقبة بعد العودة، وإصدار الرئيس الأسد مرسوما يضمن سلامة وأمن العائدين والإقرار بحق العائدين، من اللاجئين والنازحين، إلى أراضيهم وأملاكهم وتسهيل إصدار بطاقات هوية لهم وسائر المستندات المدنية وتسهيل عملية المطالبات الإدارية للعائدين  وتسهيل عودة النازحين إلى بيوتهم.

وفي المقابل، يقوم المانحون وهيئات الأمم المتحدة المعنية وبالتنسيق مع الحكومة السورية بالاستثمار في المناطق التي يتوقع أن يعود إليها اللاجئون لتحسين صمود المجتمعات وسبل العيش، وتصميم مشروع تجريبي لعودة اللاجئين والنازحين بدءا من الجنوب السوري. (يجري الحديث عن ألف شخص ضمن فئة عمرية لا تشمل التجنيد الإجباري ومن غير الملاحقين أمنيا).

ومن “الحوافز” الأخرى أن تدعم الدول العربية الحكومة السورية في المحافظة على المرافق والخدمات العامة في المناطق التي يتوقع أن يعود إليها اللاجئون والنازحون، وأن تنسق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات الإنسانية مع السلطات السورية حول عودة اللاجئين.

كما ستسهل الدول التي لديها قنصليات وسفارات سورية، عمل العلاقات القنصلية مع سوريا والسماح بفتح قنصليات جديدة لخدمة السوريين في الخارج، وتقديم آليات لـ”مشاريع صيانة المرافق” للأغراض الإنسانية مثل محطات الكهرباء والسدود، التي تقع حاليا تحت بند العقوبات الغربية.

تفصّل “المبادرة”، الأمور الخاصة بالملف الإنساني، إذ “تطلب” من دمشق أن تمنح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات المعنية في الأمم المتحدة حق الوصول إلى جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وتسهيل المساعدات الإنسانية عبر كل الأشكال

المرحلة الثانية: إيران والمخدرات

عند اتمام المرحلة الأولى بـ”نجاح”، يبدأ تطبيق المرحلة الثانية، المتعلقة بالبعدين الأمني والعسكري، وتشمل الخطوات التي يجب أن يتم الاتفاق عليها بين الدول المعنية، إقدام دمشق على أمور تشمل “الموافقة على وقف شامل لإطلاق النار في كافة الأراضي السورية، ووقف جميع العمليات العسكرية التي لها علاقة بالصراع المسلح، باستثناء عمليات التدريب القتالي، وإعلان تجميد التجنيد العسكري لمدة سنة على الأقل وتخفيض عدد الحواجز الأمنية في مناطق مدنية يتفق عليها”.

كما تشمل هذه المرحلة “خطوات لمعالجة الوجود الإيراني في سوريا بما في ذلك:

إخراج قادة الحرس الثوري الإيراني وقواتهم.

انسحاب جميع العناصر العسكرية والأمنية غير السورية من المناطق الحدودية مع الدول المجاورة.

منع الميليشيات الموالية لإيران من استخدام سوريا مركزا لإطلاق هجمات عبر طائرات من دون طيار (درون) ولهجمات عابرة للحدود.

تخفيض العتاد العسكري الإيراني في سوريا من حيث المواقع الجغرافية ونوعية الأسلحة”.

كما تشمل: “معالجة المخاوف الأمنية للدول المجاورة فيما يتعلق بأمن الحدود، بالإضافة إلى تفكيك شبكات تهريب المخدرات”، و”التعاون للتغلب على الإرهاب ومعالجة مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر مشاركة المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية وصلاتهم بشبكات التجنيد الدولية وشبكات التمويل”.

في المقابل، يتعهد معدو “المبادرة الأردنية” والشركاء فيها، بدعوة جميع الأطراف السورية، بمن فيها تلك المسيطرة على شمال شرقي سوريا، إلى الالتزام بوقف إطلاق النار المعلن على كامل الأراضي السورية.

ووقف إطلاق النار هذا يمكن إعلانه عبر قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإعادة إحياء عمل المنظمات العامة السورية والخدمة المدنية شمالي سوريا، على أن تتّبع المدارس في شمال سوريا المناهج السورية، و”وضع قنوات للتنسيق بين الجيش السوري والهيئات الأمنية ونظرائها في الدول المجاورة لضمان أمن الحدود والتغلب على التهديدات العابرة للحدود (أي الإرهاب وتهريب المخدرات)”.

على عكس ما كان متوقعا، فإن بند المخدرات بدا أقل أهمية هنا مما يطرح إعلاميا وفي وسائل التواصل الاجتماعي.

وتقول “المبادرة”: “على كل الأطراف المعنية، خصوصا تلك التي لديها وجود عسكري في سوريا، احترام وقف إطلاق النار المعلن، بما في ذلك وقف التحركات الجوية فوق سوريا، باستثناء عمليات التدريب القتالي، والتنسيق مع الحكومة السورية لمعالجة مسألة احتجاز مقاتلي داعش وأسرهم في مخيم الهول وفي مخيمات اعتقال أخرى في سوريا، وتمويل مشاريع لاستقرار المناطق المحررة من داعش الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، والعمل على المحافظة على سلطة الحكومة السورية في المناطق الخارجة عن سيطرتها داخل سوريا”.

المرحلة الثالثة: مصالحة وإصلاح

تشمل هذه المرحلة بعدين، يتعلق الأول بالوضع الداخلي؛ إذ تسرد “المبادرة” الخطوات المتوقعة من دمشق، وتشمل “اعتماد إصلاحات منظمة لضمان حوكمة جيدة ولمنع الاضطهاد، والانخراط في المصالحة مع المعارضة السابقة (داخل سوريا) ومختلف مكونات المجتمع السوري، والاتفاق على صيغة أصيلة للحكم (الحوكمة) التي تؤدي إلى حكم أكثر شمولا في سوريا، والتعاون في تحرّي انتهاكات حقوق الإنسان ووضع تدابير للمساءلة، والموافقة على إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، وإيفاء سوريا بالتزاماتها ضمن معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية عبر التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية”.

في المقابل، تتضمن “الحوافز” تطبيق “تخفيف تدريجي للعقوبات على سوريا، بدءا بتسهيل تجارة السلع عبر أطراف ثالثة، ورفع العقوبات عن المرافق العامة السورية بما فيها المصرف المركزي والهيئات الحكومية والمسؤولين”، وأن “تجذب مجموعة الدول العربية سوريا إلى مستوى سياسي مشترك عبر دعوة مسؤولين رسميين في قطاعات سورية إلى اجتماعات ومناقشات إقليمية”.

وقد يكون البند الأخير تجاوزه الزمن، لأن الجامعة العربية قررت في 7 مايو/أيار الماضي إعادة سوريا إلى الجامعة، كما حضر الأسد القمة العربية في جدة في 19 مايو.

وتتضمن “المبادرة” أن تسهل مجموعة الدول العربية التجارة مع سوريا للسلع المعفاة من العقوبات التي فرضتها أميركا والاتحاد الأوروبي، وتحديدا الغذاء والدواء، إضافة إلى تسهيل حوار بين الأطراف السورية في شمال شرقي سوريا والحكومة السورية، ودرس إمكانية رفع بند سوريا من أجندة المحافل والهيئات الدولية في حال تعاونت الحكومة السورية للإيفاء بالتزاماتها تجاه تلك الهيئات والمجتمع الدولي.

تشير “المبادرة” إلى أن سنوات من “عدم الاستقرار أدت إلى تزايد تهريب المخدرات عبر حدود سوريا وعودة تنظيمات إرهابية إلى الظهور وتزايد النفوذ الإيراني

المدى البعيد: انسحاب واندماج

في المرحلة الثالثة، فإن “المدى البعيد”، هو الأكثر تعقيدا لأنه يخص دور القوى الأجنبية. من دمشق وحلفائها، إذ إن “المطلوب” عسكريا وأمنيا، هو إعلان انتهاء جميع العمليات العسكرية المتعلقة بالنزاع المسلح في سوريا، باستثناء عمليات التدريب القتالي ضد جهات تحددها الأمم المتحدة، إضافة إلى “سحب جميعالممتلكات الإيرانية العسكرية والأمنية من سوريا، وانسحاب حزب الله والميليشيات الشيعية من سوريا والتزام المساهمة الإيجابية والفعالة في الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي”.

وفي المقابل، تضع “المبادرة” “حافزا” لدمشق وحلفائها يتضمن “انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من جميع الأراضي السورية التي دخلوها بعد 2011 بما في ذلك مناطق شمال شرقي سوريا وقاعدة التنف الأميركية، ورفع العقوبات عن سوريا بما يتوافق مع القوانين واللوائح الوطنية لكل دولة، وأن يموّل المانحون إعادة إعمار سوريا”.

وبعد “انتهاء العمليات العسكرية”، تقترح “المبادرة” أن تكون المرحلة الأخيرة هي “إعادة الاندماج السياسي”، حيث “تلتزم الحكومة السورية المساهمة الإيجابية والفعالة في الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي”، مقابل استئناف جميع الدول العلاقات الدبلوماسية مع سوريا والترحيب بعودة سوريا إلى المحافل الدولية بعد الجامعة العربية.

المجلة

———————————

صحيفة تركية تكشف عن 4 شروط تضعها أنقرة للتطبيع مع النظام السوري.. ما هي؟

كشفت صحيفة تركية عن أن أنقرة وضعت أربعة شروط للسير في عملية التطبيع مع النظام السوري، وهي إنشاء دستور جديد، وإجراء انتخابات عادلة تفضي إلى تشكيل حكومة شرعية، والتعاون المشترك في مكافحة قوات سوريا الديمقراطية، وعودة اللاجئين السوريين بكرامة وأمان إلى بلادهم.

جاءت تلك المطالب خلال الاجتماع الرباعي الأخير الذي عقد في العاصمة الكازاخستانية أستانا، بحضور نواب وزراء الخارجية عن تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري.

وأفاد مسؤول تركي رفيع المستوى في حديثه إلى صحيفة “Yeni Şafak

” المقربة من الحكومة التركية، بأن الشروط التي وضعتها أنقرة للسير في عملية التطبيع مع النظام، تشمل تعديل الدستور السوري، وذلك بهدف تحقيق إصلاحات ديمقراطية في البلاد، وإجراء انتخابات عادلة في سوريا، تشمل جميع الأطياف السورية، بهدف تشكيل حكومة شرعية وممثلة لجميع السوريين.

كما اشترطت تركيا على النظام السوري عودة اللاجئين السوريين بكرامة وأمان إلى بلادهم، وضمان ذلك وفق مذكرة خطية، إذ تعتبر أنقرة أن حل قضية اللاجئين هو أحد أهم المسائل المرتبطة بتطبيع العلاقات مع النظام السوري.

“لن ننسحب قبل حل مشكلة الإرهاب”

وقال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته إلى الصحيفة حول مطالب النظام بانسحاب القوات التركية من الشمال السوري: “عندما تنسحب القوات التركية، من سيضمن أمن المنطقة؟ هل سيكون (النظام) قادراً على السيطرة على هؤلاء الأشخاص(قسد)؟ عندما نسألهم هذا السؤال، لا يستطيعون الرد. الأمر الهام بالنسبة لنا هو أمن حدودنا”.

وأكد المصدر أن تركيا وروسيا والنظام السوري يشعرون بالاستياء من قوات سوريا الديمقراطية بشكل كبير بسبب سرقتها للنفط والحبوب وهما مصدران رئيسيان للثروة الطبيعية في سوريا.

“مركز تنسيق عسكري”

وتكشف الصحيفة عن أن الاجتماع الرباعي ناقش إنشاء مركز تنسيق عسكري يضم تركيا والنظام السوري وروسيا وإيران، وأكد المصدر أن الدول الأربع  تعتبر هذا الاقتراح إيجابياً، وأن العمل ما زال قائماً في هذا الصدد.

ووفقاً للمعلومات التي قدمها المصدر، سيعمل هذا المركز على مكافحة قوات سوريا الديمقراطية بشكل مشترك، على أن يعين كل طرف ممثلاً عنه لإدارته، ومن المرجح أن يتم التوصل إلى مزيد من التفاصيل حول هذا المركز في الاجتماعات المقبلة.

ما مضمون خارطة الطريق الروسية لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري؟

تقدم في العملية السياسية

وكشف المصدر عن رغبة أنقرة في تحقيق تقدم بالعملية السياسية في سوريا، حيث ترسل بانتظام رسائل إلى الأطراف المعنية بضرورة وضع دستور جديد، وتطالب بإجراء انتخابات عامة تشمل جميع السوريين لتشكيل حكومة شرعية وفقاً لهذه الانتخابات، مع التأكيد على عودة اللاجئين إلى بلادهم بأمان.

“ضمان خطي لضمان عودة اللاجئين”

وأشار المصدر إلى أن الأطراف الأربعة بحثت خلال الاجتماعات الماضية، صيغاً تتضمن ارسال اللاجئين العائدين إلى بلادهم ضمن مناطق أمنة، ومن ثم السماح للراغبين في العودة إلى المناطق التي ينحدرون منها بأن يذهبوا إليها، وتطالب أنقرة بتأكيد كتابي من النظام السوري يشمل هذه الصيغ ويضمن عودة اللاجئين بأمان وكرامة.

تلفزيون سوريا

———————————-

=======================

تحديث 25 حزيران 2023

———————-

أمريكا:لكم الكبتاغون ولي شرق الفرات/ عمر قدور

أصابت واشنطن مجموعة من الأهداف بإعلانها قبل ثلاثة أيام أنها نشرت سرباً من طائرات الشبح إف22 رابتور في الشرق الأوسط، وأن تلك الطائرات ستندمج في مهام قواتها الجوية والأرضية ضمن التحالف الدولي ضد داعش، أي في منطقة شرق الفرات في سوريا. الهدف الأول المعلن لتعزيز القوات الأمريكية هو تحليق الطائرات الروسية “على نحو غير احترافي” في القرب من الطائرات الأمريكية، وكانت القيادة المركزية الأمريكية قد نشرت قبل شهرين “على سبيل المثال” تسجيلين يُظهران اقتراب طائرتَي سوخوي إلى مسافة تُعدّ غير آمنة جداً من طائرات أمريكية في السماء السورية، وبما اعتبرته خرقاً للتفاهمات العسكرية المبرمة بين الجانبين منذ عام 2015.

هناك ملاحظتان متصلتان بالشكوى الأمريكية من “الرعونة” الروسية؛ الأولى أن الشكوى قديمة ولم يستجد “في سوريا تحديداً” ما يجعل التصدي لها ملحّاً، والثانية منهما أن الطائرات الروسية لم تقترب “ولا يُتوقع ذلك” من نظيراتها الأمريكية على نحو ينذر بالتصادم أو الاشتباك. ينزع هذا عن الإجراء الأمريكي صفة الضرورة أو الاستعجال، ويجعل موسكو مستهدَفة به أسوة بلاعبين آخرين في الساحة السورية، سواء كانوا من الخصوم أو الأصدقاء.

سيكون من المغالاة بلا شك إذا ربطنا بين نشر طائرات الشبح وزيارة ولي العهد السعودي باريس، أما خارج الربط المباشر فلن يكون مستبعداً وصول الرسالة الأمريكية إلى ساكن الإليزيه وضيفه السعودي. فالثاني منهما كما صار معروفاً ومتداولاً يقود قاطرة التطبيع مع الأسد، ولم يقتصر مسعاه على إعادته إلى الجامعة العربية بل ثمة تسريبات أمريكية عن “سعي عربي” تجاه أوروبا كي تساهم في إعادة تدوير الأسد، وربما أتت الاستجابة المحدودة باستئناف الرحلات الجوية بين دمشق وبعض المطارات الأوروبية. ومن المعلوم أن باريس لعبت مراراً دور عرابة التطبيع بين الغرب والأسد، ومن شبه المؤكد أن ملف الأسد حاضر بقوة في المباحثات بين ماكرون وضيفه رفقةَ الملف اللبناني ومنفصلاً عنه، مثلما من شبه المؤكد أن ما يرمي إليه شبحُ الطائرات الأمريكية لن يكون بعيداً عن المداولات.

بالتزامن مع الخبر الأمريكي أتى الإعلان الروسي، بتأكيدٍ من بوغدانوف نائب وزير الخارجية، عن أن مسودة خريطة التطبيع بين أنقرة والأسد صارت جاهزة، وأن نواب وزراء “المسار الرباعي” سيجتمعون في 21 الشهر الجاري على هامش مفاوضات أستانة. أيضاَ سيكون من المغالاة الربط بين الخبرين على نحو مباشر، إلا أن تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في سوريا لا بدّ أن يكون مزعجاً لثلاثي أستانة+الأسد، ومن بين هذه الأطراف دأب أردوغان على انتقاد الوجود الأمريكي بذريعة حماية “الإرهاب الكردي”. الأهم في هذا السياق أن تعزيز الوجود الأمريكي شرق الفرات يضع حدوداً للتطبيع بين أنقرة والأسد، من حيث أن الأخير غير قادر على التعهد بضبط الورقة الكردية مقابل انسحاب تركي من سوريا، والتقدّم الملموس في ملف إعادة اللاجئين لن يكون متاحاً من دون اتفاق في الجانب الأمني.

ومع أن الأخبار، القادمة من عُمان خاصة، تشير إلى إنجاز تفاهم غير مكتوب بين واشنطن وطهران، يتضمن كبح النشاط النووي الإيراني مقابل الإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة في مصارف أسيوية، إلا أن الانفراج بين الجانبين لا تظهر آثار له في الساحة السورية على غرار ما كان الحال عليه أيامَ استضافت مسقط المفاوضات السرية في عهد أوباما. تشير الأخبار ذاتها إلى تحفّظ إسرائيلي على التفاهم مع إيران، ومن المحتمل جداً أن تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يلحظ المخاوف والتحفظات الإسرائيلية، فيُطمئن تل أبيب إلى أن طهران لن تحظى بمكافأة سوريّة وأن القوات الأمريكية ستحول دون انفراد الميليشيات الإيرانية بالمنطقة. جدير بالذكر أن تهديدات الميليشيات بهجمات على القواعد الأمريكية شرق الفرات كانت هي الأبرز في الشهور الماضية، ومن غير المستبعد “حتى بمعزل عن طمأنة تل أبيب” أن يكون تعزيز القوات الأمريكية رداً على تلك التهديدات.

تصلح، فقط كمفارقة لا تتعدى الهزل الخفيف، الإشارة إلى أن واشنطن ترسل طائرات الشبح إلى سوريا، بينما الأسد يُرسل إلى جيرانه طائرات مسيَّرة محمَّلة بالكبتاغون، حيث أعلن الجيش الأردني قبل أيام عن إسقاط إحداهن. استطراداً، لا بأس بالإشادة بذكاء عصابة الكبتاغون التي استخدمت المسيَّرات لأغراض غير قتالية كما هو الحال في الساحة الأوكرانية؛ العصابة التي تؤكّد بمختلف السبل على استحالة تغيير نهجها تجاه المطبِّعين معها. وتجوز الشماتة في هذا المقام، حيث ينكشف التطبيع المأمول ويظهر هزيلاً وهزلياً جداً بين مسيّرات الكبتاغون وطائرات الشبح الأمريكية.

عن حدود التطبيع وفرملته بإشارات أمريكية، أشار نوّاب وكتّاب أمريكيون مؤخراً بلهجة لا تخلو من التقريع، ولا تخلو أحياناً من الوعيد والتشفّي، إلى سعي حكام عرب لتطبيع أوروبي مع الأسد، مع القول أن مصيره الفشل. الأصوات نفسها ذكّرت أولئك الحكام بفشلهم في وقف تدفق الكبتاغون، والحديث هنا عن أصوات غير بعيدة عن دوائر صنع القرار في واشنطن، ولا نستبعد أنها تسدّ فراغ الصمت والغموض الرسميين.

ولعل الأقرب إلى تأويل صمت المسؤوليين في إدارة بايدن هو ما يمكن ترجمته بالقول: لكم الكبتاغون ولي شرق الفرات. فالإدارة التي تساهلت في ملف العقوبات الاقتصادية على الأسد، عطفاً على آثار الزلزال، مستمرةٌ حتى إشعار آخر في إبداء التساهل، لكنها إذ تعزز وجودها العسكري في شرق الفرات تنذر الآخرين بحدود التحرك الممنوحة لهم، خاصة مع محاولات البعض منهم اللعب على الحبال الصينية والروسية واستمالة الأوروبيين. بعبارة أخرى، تقيم إدارة بايدن توازناً بين تساهلها الاقتصادي وتشددها ميدانياً بإرسال طائرات من الجيل الأكثر تطوراً، ولا يُعرف مصير التساهل حتى تنتهي بعد شهرين إعفاءاتُ الشهور الستة المتعلقة بالزلزال.

لن تنتشر طائرات الشبح في المنطقة لأهداف قتالية، والإعلان عنها يستهدف في المستوى المباشر ردعَ الطائرات الروسية عن استعراضات القوة الفائضة عن حجمها الحقيقي، أما في المستوى السياسي فهذه أقوى رسالة عن نية واشنطن البقاء في شرق الفرات إلى أجل غير مسمّى. كان البيان المشترك لوزراء “التحالف الدولي لهزيمة داعش”، الذي صدر في الثامن من الشهر الجاري عن اجتماع الرياض، قد ربط ضمناً بين بقاء “قوات التحالف” في سوريا والتسوية النهائية تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2254؛ طائرات الشبح القادمة تنبئ بجدية واشنطن، بخلاف شركاء في التحالف لا يُستبعد أنهم وقعوا وهم يقولون لأنفسهم: إنه مجرد بيان لا أكثر.

المدن

—————————-

عُنف دول الربيع العربي أنتج بدائل أعنف منه/ شفان ابراهيم

يُشير العنف المنتشر بكثرة في حواضن البلاد العربية، المبتلية بكل أشكال العسف والفقر والتجهيل، لحالة الفزع والرعب والهول؛ فهو يقود المخيلة دوماً لأقصى درجات وأشكال وصور الرعب المتمثلة بالاعتقال والتعذيب والقتل على الهويّة. وهو ما يخلق فظاعة في التفكير الحداثي بغض النظر عن المعتقدات والانتماءات والهويّات. وتقاطعت نتائج الكثير من النظريات والأبحاث حول أسباب انتشار العنف وجذوره، في دور التربية والتعليم والفقر والحاجة واللأدلجة الدينية والسياسية…إلخ، لكن أعظم سببٍ للبلاء الأكبر -العنف- إنما هو عنف الدولة الذي لم يأتِ لحصار العنف الساحق لحيوات الناس، بل لتمكينها أكثر، خاصة أن من أهم وظائف أيّ دولة، أن تحمي مواطنيها من العنف، لا أن تأتي هي بالعنف. والسبب أن بنية الدولة العربية المعاصرة فاقدة لمفهوم دولة القانون، ولا داعي حينها من الحديث عن الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة والهويّة الجامعة، ومستويات التعليم والجامعات، فيكفي القول إن العنف هو أحد أهم الركائز البنيوية لاستمرار حيازة السلطة، والحديث هنا ليس عن تخصيص دولة عن سواها، إنما كمفهوم أكدته ثورات الربيع العربي، وما شهدته من عنفٍ ممنهج.

عنف جديد لم يختلف عن عنف السلطة

الواضح أن كل حالات الحكم الطارئة/ سلطات الأمر الواقع في دول الربيع العربي، إنما نحت منحى السلطة نفسها؛ فالدولة تدّعي أو تقدّم نفسها كقوة إصلاح وتطوير وحماية في وجه التخلف والفساد والظلم، لكن مشكلة تلك الدولة أنها تحتوي على فائض كبير من العنف والظلم وغياب العدالة والعسف السياسي. كل ذلك ساهم في تمدد “داعش” وقبله تنظيم القاعدة، والجماعات التكفيرية كما حصل في أغلب الدول العربية وتحولت لفاعل ومحرك قوي في محاولة منها لرسم معالم مستقبل الدولة، ولولا حملات التصدي الشعبي والنخبوي لتلك المحاولات، لكانت حواضن هذه البلاد اليوم غارقة في أقسى درجات العنف والخروج من التاريخ. والمعضلة أنَّ هياكل الحكم التي ظهرت للعلن في مناطق تقلصت فيها سيطرة الدولة في مختلف بلدان الربيع العربي، هي الأخرى لم تكن أكيس حالاً من الدولة نفسها، بل لم تنظر لنفسها كسلطة تقوم بواجبات الرعاية والحماية. وما جني الإتاوات عنوة إلا واحد من أشكال العنف الناعم والتسلط الهادف لفرض السطوة والسيطرة، وهي أوجه مشابهة لممارسات الدولة نفسها، وبل يُمكن القول إنها إعادة المجتمعات لحالات العصبيات والبداوة، فيما لو أخذنا بالاعتبار أن الدولة العربية المعاصرة أخذت نفساً طويلاً وعقوداً من السلطة والشرعية عبر الانتخابات، والنظم السياسية، والسلك الدبلوماسي والعلاقات الدولية والإقليمية…إلخ، لتأتي الجماعات المسلحة، سلطات الأمر الواقع، هياكل حكم عسكرية أو مدنية، بإنتاج عنف بنيوي جديد يُطيح بالمجتمعات، ويخلق ثقافة مجتمعية جديدة قائمة على تبيئة العنف. خاصة أن العنف تحول لظاهرة تبحث عن أيّ حامل يساعده في التمرد على عنف السلطة نفسها ومواجهتها، بغض النظر عن الوسيلة، بما فيها لو كانت تأويلات نصية دينية خاطئة تحولت لإطار إيديولوجي، المهم بالنسبة لتلك الشعوب هو الخلاص من الظلم، ولو جاءت بظلم جديد.

هياكل حكم جديدة وفكر قديم في التعامل الاجتماعي

الغريب أن هياكل الحكم “البديلة” على طول البلاد في ظل ثورات الربيع العربي، لم تأخذ على عاتقها أن تطل على مسببات الانهيار السريع لتلك الدول، خاصة طريقة تعاملها مع الحركات الاحتجاجية والقمع الوحشي، والذي لعب دور المدماك والمحرض على إخراج والتسبب بتنامي الحركات المضادة والراديكالية في بعض الدول. والأكثر غرابة أن تلك “السلطات البديلة” لا تكترث أبداً بدور وأهمية الحركات الاجتماعية في تغذية العنف والاحتجاجات أو الحد منها. خاصة أن الحركة الاجتماعية والثقافية، يُمكن أن تتحول إلى عنفية ومواجهات مستمرة؛ لما تلقاه من قمع وعنف وضرب واعتقالات، وهي ما يُعرف في الأوساط الاكاديمية بمصطلح “التصعيد التنافسي”، أي احتدام المنافسة بين المحتجين لكسب الرأي العام ضد الخصوم السياسيين المتمثلين بالسلطة وأذرعها. وأثبتت المشاهدات والوقائع تطابق ممارسات الدولة ومن يدّعي أنه البديل الجديد، حول سرعة استخدام الشرطة والأمن للعنف، بسرعة تفوق استجابة الحكومات/هياكل الحكم، لأيّ أزمة تعصف بالبلاد فيما يتعلق بالتعليم، الصحة، وفرص العمل. وهذه كفيلة بخلق تفاعلات وردّات فعل تقود الجماهير والنُّخب إلى العنف المضاد لعنف السلطة، وبل تنطلق-القواعد الاجتماعية- من قناعة ثابتة راسخة لا بوادر لتغييرها، قناعة أنهم يعيشون في إطار عام من الظلم والمظلومية على مستوى الدولة ككل، وأنهم يعانون من الممارسات ذاتها من الحكم البديل للدولة، وأنهم يعيشون تكرار تجربة فقدان العدالة.

قديم ذكي وجديد غبي

وإذا كانت الأنظمة العربية ذكية، وخلقت تباعداً وتمييزاً بين المكونات، وفضّلت إحداها على الأخرى، ومنحت بعضها مزايا وأحجمتها عن بعضها الآخر، فإن “الغباء” المطلق لأنظمة “الحكم البديلة” قائم على شمول الجميع بالفقر والحرمان وفقدان العدالة، فتصبح أي معارضة لتلك الهياكل شكلاً من أشكال الدفاع عن الجماعة كلها، فالعنف يوّلد المزيد من العنف، خاصة أن الحركات الاجتماعية حين تتيقن من انسداد الأفق السياسي، تشارك بكثافة في استخدام القوة، كرد فعل، بعد أن كانت تشارك كمحركة اجتماعية ثقافية ترغب بفرض أو طرح شيء جديد بطرق سلمية، وهي بداهة واضحة من تلك الحركات. فالدول التي شهدت التظاهرات كانت تتابع غيرها من الدول التي لم يقبل شعبها وشبابها العودة للمنازل قبل ضمان حريتهم وحقهم في الحياة، لكنها لم تستفد ولم تكرر سوى استخدام العنف المفرط، لدرجة أن أصبحت تلك الممارسات من سمات وأدوات وثقافة وتأريخ الدولة. وجذر رفض الحركات الاجتماعية للعنف هو ثقافي-نفسي، ورد فعل أو عنف/قوة ضد العنف العالي المستوى للدولة، والصراع بين منسوبي العنف هدفه من قبل السلطة/هياكل الحكم الجديدة المزيد من الدماء والقتل، ومن قبل تلك الحركات طريقة لإنهاء العنف وتقويض أيّ شرعية للدولة القائمة أساساً على العنف.

الأصل والبديل وجهان لعملة واحدة

وجه الشبه الآخر بين الدولة العربية وهياكل الحكم التي قالت إنها مغايرة وجديدة، هو عشق الطرفين لممارسة العنف في مناطق سيطرتهما؛ لسببين مركبين أولهما: فائض العنف الموجود لديها ولا بد من استخراجه بغية ضمان الخضوع، والثاني: الفراغ الرهيب الحاصل في أروقة الحكم؛ بسبب غياب منظومة الحوكمة والحكم الرشيد والرفاهية. وتالياً تصبح القوة والعنف والقانون أوجهاً لعملة واحدة تستخدمها السلطة وفق مزاجها وتُحكم السيطرة عليه، وتمنح نفسها الحق الكلي في ذلك، وتخلق جيشاً من المبررين لذلك العنف، وتسويغه وشرعنته، ولا بد للمواطن أن يكون تحت الرقابة والخضوع.

والمقاربة الأكثر رواجاً أو تبريراً للعنف البنيوي المركز من قبل السلطة وبدائلها، والتي يُمكن أن تكون مفتاحاً لتفسير كل هذا العنف والضغط والحصار، هي مقاربة أن المواطن مجرد تابع وكائن ضمن سلطة يحق لها التحكم بالأجساد وفق مقتضاها. هذه المقاربة تمنح السيادة والسلطة المطلقة للحاكم كي يكون خارج إطار القانون، ويخلق حالة الاستثناء له ولحاشيته، ليجد المواطن نفسه عارياً ورهناً لجبروت تلك المزايا، والمشكلة الأكبر أن تلك الاستثناءات تصبح قاعدة تُبنى عليها العلاقة بين الحاكم والمواطن، وتصبح العلاقة بينهما أشبه بعلاقة الصياد مع طريدته، لا يعرف لها وجوداً إلا لاصطيادها، والشرط الوحيد في مخيلة تلك السلطة أن بقاءها مرهون باستمرار هذا النموذج من العلاقة، وهو نوع خاص من الحرب غير المعلنة أو الواجب السكوت عنها. كل ذلك للهروب من أزماتها الداخلية، والخوف من انهيارها.

قصارى القول: لم تشهد المجتمعات العربية سلاماً حقيقياً، والترويج الرسمي للسِّلم ليس سوى كذبة كبيرة، فالشعوب تخرج من دوامة لتدخل في غيرها، وليس من كلمة تعلو على الحرب سوى العنف، وإذا كانت السلطة منذ بواكير سيطرتها على البلاد وهي تخوض الحروب الكثيرة ضد ما تسميه بالأخطار الداخلية/الخارجية وتقمع شعوبها، وهي في صلبها هرباً من أزماتها الداخلية، فلماذا تحذو هياكل الحكم التي تقول إنها بديلة عن السلطة المسلك ذاته، وتؤسس مؤسسات لضبط سلوك وانتماءات الناس، وتشدد الرقابة، عوضاً من خلق أرضية مهيئة للدولة الوطنية والهويّة الجامعة؟.

ماذا يستفيد المواطن من استبدال الظلم والاستبداد والملاحقات بأخرى تُشبهها أو تزيد عليها في الكثير من الأحيان؟

العربي الجديد

—————————–

بداية مرحلة جديدة من المأساة السورية/ بكر صدقي

عاد قرار مجلس الأمن 2254 بتواتر إلى التداولات السياسية بشأن سوريا في الآونة الأخيرة، سواء في البيانات الصادرة عن الاجتماعات العربية في جدة وعمّان في سياق التطبيع مع نظام الأسد، أو التصريحات الأمريكية والأوروبية بشأن رفض هذا التطبيع قبل المضي في الحل السياسي أو إحراز تقدم ملموس فيه. وذلك بعدما كاد يغيب عن المشهد في السنوات الأخيرة التي أفلس فيها مسار المفاوضات في جنيف لمصلحة مسارات بديلة في أستانا وسوتشي بقيادة روسية ومشاركة إيرانية وتركية وغياب أمريكي وأوروبي.

روسيا والنظام السوري وإيران تصرفوا وكأن القرار المذكور قد تم طيه تحت وطأة ما ظنوا أنه انتصار ميداني تحقق للنظام بفضل الخطة الروسية بشأن «مناطق خفض التصعيد» التي استعاد النظام وحلفاؤه بموجبها مساحات واسعة من المناطق التي خرجت عن سيطرته، وفسروا الانكفاء الأمريكي عن المسارات السياسية على أنه موافقة على نتائجها، أي تثبيت نظام الأسد وإنهاء «الأزمة» بهذه الطريقة. غير أن الفشل الذريع في قطف ثمار «النصر» المزعوم وضع روسيا وإيران وتابعهما السوري في ورطة عدم القدرة على المضي قدماً، في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى تصديق دولي على مشروعهم من خلال إنهاء الوجود العسكري الأمريكي والتركي والقضاء على بقايا التمرد العسكري في إدلب وريف حلب وشرقي الفرات، والبدء بإعادة إعمار ما دمروه خلال الحرب وضخ الاستثمارات في الاقتصاد المنهار. حتى الهدف المتمثل في القضاء على هيئة تحرير الشام المصنفة على قوائم الإرهاب لدى جميع الأطراف، عجزوا عن تحقيقه بسبب الرفض التركي والأمريكي، كما عجز النظام عن احتواء قوات سوريا الديمقراطية المحمية أمريكياً لسحب الذرائع من يد تركيا وإجبارها على إخراج قواتها من الأراضي السورية.

وتصرف النظام مرة أخرى بعنجهية المنتصر حين بادرت السعودية ودول عربية أخرى للتطبيع معه وتمت إعادته إلى الجامعة العربية ودعوة رأس النظام لحضور اجتماع القمة في جدة، معتبراً ذلك رضوخاً من تلك الدول أمام «صموده» بل معتبراً قبوله بهذا الحضور تنازلاً قدمه لتلك الدول في إطار سياسة خطوة مقابل خطوة، وعاد إلى دمشق بانتظار الخطوة المقابلة، بعدما لقّن المشاركين في القمة درساً في «عدم التدخل في شؤونه الداخلية»!

من جهة أخرى ثمة في الرأي العام السوري المعارض أصوات متفائلة تقرأ في مسارات التطبيع العربية والتركية مع النظام خطوة إيجابية على الطريق نحو طي صفحة نظام الأسد والبدء بمرحلة انتقالية في إطار قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على «الانتقال السياسي» أو بعبارة أخرى «جراً» للنظام إلى فخ القبول بهذا الانتقال من خلال إغرائه بالمساعدة على حل أزمته الاقتصادية. في حين يتوجس النظام من أي ذكر للحل السياسي ناهيكم عن الانتقال السياسي.

أدى تغير موازين القوى منذ عودة النظام إلى حلب الشرقية إلى تغيّر موازٍ في موقف البيئة المعارضة من قرار مجلس الأمن المشار إليه، من الرفض بدعوى أنه لا يحقق أهداف الثورة التي يأتي في مقدمتها هدف إسقاط النظام، إلى التعايش معه في إطار مفاوضات جنيف، وصولاً إلى اعتباره طوق النجاة الأخير من الهزيمة الشاملة.

والحال أنه الحاجة تدعو اليوم إلى إعادة قراءة القرار المذكور للتذكير بغموض محتواه وقابليته لأكثر من تفسير وفق حاجة مختلف الأطراف، الأمر الذي شكّل السبب الأساسي لخيبة أمل المعارضين بشأنه. فالقرار الذي يحيل إلى بيان جنيف الأممي الصادر في العام 2012 ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بالتوافق بين النظام والمعارضة. كان ذلك البيان قد صدر في لحظة توافق نادرة بين القوى الدولية لن تتكرر إلا مرة واحدة في أواخر العام 2015 حين تم الاتفاق على قرار مجلس الأمن. في اللحظة الأولى كانت المعارضة تنظر إلى سقوط النظام على أنه مسألة وقت لن يطول، فكان مفهوماً أن ترفض بيان جنيف الذي يبقي على النظام مع إدخال المعارضة شريكة له في الحكم. أما في اللحظة الثانية فلم يكن قد مضى على التدخل العسكري الروسي إلا أقل من ثلاثة أشهر، ذلك التدخل الذي جاء إنقاذاً للنظام من سقوط محتم على ما ساد الاعتقاد في الدوائر الدولية، وهو ما جعل واشنطن توافق ضمناً على التدخل الروسي لأنها لا تريد سقوطاً للنظام تحت هجمات المنظمات المسلحة الإسلامية، بعدما أقامت داعش دولتها على مساحات واسعة شمال شرق سوريا وأخرى في العراق، وسيطرت فصائل أخرى، بينها فصائل سلفية جهادية على محافظة إدلب بالكامل أواخر صيف ذلك العام، في الوقت الذي كانت قذائف جيش الإسلام وفصائل إسلامية أخرى تسقط على قلب العاصمة دمشق.

الآن وقد عاد الحديث مجدداً عن ضرورة الوصول إلى حل سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، لنفترض جدلاً أن النظام أرغم على الموافقة على الانخراط في التسوية السياسية وفقاً للقرار المذكور، فما الذي سيحدث؟

سيكون على النظام والمعارضة الدخول في مفاوضات مباشرة لتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بالتوافق بين الطرفين. فهل هذا ممكن؟ لقد رأينا تمريناً معبراً على ما يمكن أن يحدث في هذا الإطار، في اجتماعات اللجنة الدستورية التي كانت بالأصل التفافاً روسياً على بند تشكيل هيئة الحكم الانتقالية لإبعاده وإضاعة الوقت بمماحكات النظام وتعطيله لتلك الاجتماعات التي مضت سنوات على إطلاقها من غير أن تؤدي إلى أي تقدم، وتوقفت أخيراً بعد بداية الحرب الروسية على أوكرانيا. يحق لنا الافتراض بأن النظام قد يتلاعب باجتماعات تشكيل هيئة الحكم سنوات إضافية بلا طائل. وفي غضون ذلك يستطيع، مع ظهيره الروسي، أن يشكّل «معارضة» على مقاسه «مقبولة» من طرفه للمشاركة في الحكم على أمل أن تستسلم القوى الدولية المناوئة له وتقبل بأي تسوية من هذا النوع.

الخلاصة أنه حتى القبول المفترض للنظام وحلفائه بـ«الانتقال السياسي» وفقاً للقرار 2254، لا يعني انتهاء النظام بصورة أوتوماتيكية كما يفترض المتفائلون بالمبادرة العربية، بل بداية مرحلة جديدة من المأساة السورية، وإن كان مجرد إخراج بشار الأسد شخصياً من السلطة إنجازاً لا بأس به… إذا تحقق.

كاتب سوري

القدس العربي

———————–

لاءات دولية وجديد المعارضة السورية/ عمار ديوب

طغى التقارب العربي مع النظام السوري في الأشهر الأخيرة، ولكن حصاده كان “زيواناً”، أي أنّه لم يُحدِث أيّ تغيير يُذكر. هذا التقارب، الذي جاء على خلفية اتفاق بكين بين السعودية وإيران، والزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، واجهته لاءاتٌ دولية، لطالما كرّرتها الدول الغربية: لا تطبيع ولا إعمار ولا رفع للعقوبات. بل وزارت وفود دبلوماسية أميركية الرياض، وأكّدت عدم جدوى ذلك التقارب، حيث لا يستند فعلياً إلى قرار مجلس الأمن 2254.

فاجأتنا المعارضات السورية، أخيرا، باجتماعات جديدة “لجنة التفاوض” في جنيف، وبيان جديد لمناف طلاس عن ضرورة المجلس العسكري، واجتماعات “مدنية” في باريس. تتحرّك هذه الاجتماعات بإيحاءات دولية، ولا سيما أنّ التقارب، أعلاه، وبين تركيا والنظام يجري بدعمٍ من روسيا، وقد تجاهل المعارضة السورية كلّيٍا. وإذا كانت تركيا مدفوعة للتقارب بسبب انتخاباتها “المصيرية” في الشهر الماضي (مايو/ أيار)، فإنّها عادت، بفوز أردوغان رئيسا، إلى التوازن في مواقفها تجاه القضية السورية. اللاءات الغربية، والموقف الإيراني الحَذِر من تطبيع النظام السوري مع تركيا، أوجدت له روسيا حلاً وسطاً، وهو العودة إلى مسار أستانة، وانعقد اجتماع له أمس (20 يونيو/ حزيران الحالي). ملفت جدّاً قول السفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف، لصحيفة الوطن، إن النظام السوري طلب قرضاً من روسيا، والأخيرة تدرسه، والقصد من ذلك أن النظام خاب ظنه تجاه الدول العربية بأنّها ستعطيه مالاً وستساعده في رفع العقوبات الغربية.

اجتماعات المعارضة أعلاه “سياسية، عسكرية، مدنية” هي رسالة داعمة للمواقف الغربية، أنَّ هناك بديلاً عن النظام؛ وهي موجّهة إلى روسيا وللدول العربية أن مسار التطبيع “خطوة خطوة” لن يفهمه النظام إلّا باعتباره اعترافاً به، وبأن الدول العربية كانت على خطأ بمواقفها ضدّه، وعليها التكفير عن ذنوبها ورفده بالمال وتعويمه دولياً.

دولياً، انتهى أمر النظام؛ فالقرارات الدولية حاسمة تجاهه، وكذلك القوانين الأميركية الخاصة به، والمقصد أنّه لم يعد ممكناً تعويمه. قبل أيامٍ، تقدّمت كل من كندا وهولندا بدعوى ضده أمام محكمة العدل الدولية، وبضرورة محاسبته على جرائمه منذ 2011. وبغض النظر عن إمكانية ذلك، فهو تقدّم خطير في فقدان النظام أيّ مصداقية له في تلك الدول، ويدعم ذلك، وبغض النظر عن دوره الكارثي في سورية، تموضعه إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، في الوقت الذي تدعم فيه الدول الغربية أوكرانيا.

عادة، لا يعلن مناف طلاس عن تحرّكاته علانية. للرجل وزن داخل مؤسسة الجيش في سورية، وهو مقبول لدى أطراف كثيرة في المعارضة ودولياً. لا يختلف موقفه مع المسارات التي تقدّمت في سورية، وبقصد إنهاء فوضى السلاح، وإعادة المناطق الخارجة عن النظام إليه، وقد ساعدت كل من أميركا وتركيا بتسليم درعا وأرياف دمشق وحمص ومناطق كثيرة. مشكلة النظام أنه لم يفهم أن هذه التطوّرات، ومنذ تسليم حلب 2016، كان القصد منها فتح الطريق أمامه لينفتح بدوره على المعارضة، وليس تعطيل مسارات جنيف وأستانة واللجنة الدستورية وسواها.

توهّم النظام أنّه انتصر، وطرح على المناطق المستعادة فكرة التسويات والمصالحات، وفعلاً، ورغبة من الناس بالتخلّص من عدوانيّته وقمعه، وافقوا عليها، ولكنه لم يتعامل مع السكان إلّا كمجرمين وإرهابيين. وبالتالي، لم تتغيّر أوضاع الناس، وظلّت حالة عدم الاستقرار هي السائدة، وهي الحالة الحقيقية لتوصيف المناطق الواقعة تحت سلطته بما فيها اللاذقية والسويداء وحمص وأرياف دمشق؛ وهذا بالضبط ما سيستفيد منه مناف طلاس الذي يرتبط بيانه عن ضرورة المجلس العسكري بالمرحلة الانتقالية والحل السياسي والقرارات الدولية ومنعاً للفوضى. إذاً يتحرّك الرجل وفقاً لإيحاءات دولية بأن الوضع السوري لم يعد قابلاً للاستدامة في التعفّن، ولا يبدو أن التقسيم مقبول إقليمياً ودولياً.

يأتي ذلك كله مع تحركات أميركية جديدة في شمال سورية وشرقها، حيث استقدمت معدّات عسكرية (صواريخ هيمارس) وسواها، ووسّعت من قواعدٍ عسكرية سابقة، وعملت على دعم فصائل عسكرية عربية، وتحاول التواصل مع العشائر، وإيجاد التنسيق بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية. وبالتالي، لم تعد الإدارة الأميركية تفكر بالانسحاب من سورية في الوقت الراهن، وهذا سيُفشِل أيَّ قراراتٍ ستتخذها روسيا أو تركيا أو إيران ضد “قسد”، أو ضد القوات الأميركية لتدفعها إلى الانسحاب، وهناك تقارير تؤكد أن القوات الأميركية ستغلق الحدود العراقية السورية أمام إيران في الأشهر المقبلة. وبالتالي، ستضيّق الخناق على الوجود الإيراني في سورية ولبنان. يشار إلى الفكرة الأخيرة إعلامياً بأن صيفاً ساخناً سيكون في شرق سورية؛ فإيران تتجهز لمناوشة القوات الأميركية، والأخيرة تتحوّط من ذلك، وتنسّق بين الفصائل وتضاعف قواها العسكرية.

اجتماع الدول الداعمة (دعم مستقبل سوريا والمنطقة)، هذه الأيام، في بروكسل، كرّر فيه منسّق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حوزيب بوريل اللاءات أعلاه، وشكّك بأن الآلية التي تقوم بها الدول العربية أو تركيا بالتطبيع مع النظام السوري ستُفضي إلى حلٍّ للوضع السوري.

تأتي اللاءات المكرّرة ضد تعويم النظام السوري، وتحرّكات بعض مؤسّسات المعارضة السورية، في إطار رفض التطبيع معه؛ وتأتي بالضد من إعلان بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، عن “خريطة طريق” بين سورية وتركيا، وسيُعلن عنها في اجتماع أستانة اليوم. تركيا التي تحتضن ملايين اللاجئين، وتوجد داخل الأراضي السورية بقواتها أو عبر دعمها للفصائل السورية، ليست على وفاقٍ مع الولايات المتحدة بسبب دعم “قسد”، وهما تختلفان في تقييم الحرب الروسية على أوكرانيا، وهناك موضوع التحاق السويد بحلف الناتو، وتوقيف أميركا صفقات عسكرية معها. وأيضاً لا تتفق تركيا مع إيران في قضايا كثيرة في المنطقة، وحول وجودها الكثيف في سورية، وإذا كانت هناك أسباب متعدّدة للعلاقات القوية مع روسيا، ولا تقتصر على سورية، فإنها، وبعد فوزه بالرئاسة خمس سنوات مقبلة، وورطة روسيا في أوكرانيا، لن يتخلّى أردوغان عن شروطه من أجل إعادة اللاجئين، وإحداث تغيير في بنية النظام السوري، وهو ما يرفضه النظام، ويطالب تركيا بالانسحاب الكامل من سورية.

تأتي تحرّكات المعارضة السورية ضمن هذه التطوّرات الكثيرة في العالم بخصوص الوضع السوري. وإذا كانت التطوّرات لا تحمل مشروعاً محدّداً لتغيير النظام السوري، ربما تكون فقط توسعة لمناطق سيطرة الولايات المتحدة في شرق سورية. وقد تعاود التمدّد إلى الجنوب السوري، فهي قاطعةٌ في مسألة رفض تعويمه. الوضع الداخلي لدى النظام في غاية التأزم، وأغلب الظن أن روسيا لن تقبل إقراضه مليارات الدولارات؛ فحربها في أوكرانيا أوْلى بها، والتي لا يبدو أنّها ستنتهي قريباً، وبالتالي، والأقرب إلى الصواب، أن الوضع السوري سيزداد تأزّماً، وهو مفتوحٌ على كل الاحتمالات، والأخيرة لا تتضمّن خروج النظام من أزمته وعزلته، والتقارب العربي يلفظ أنفاسه، ولنقل إنه لن يتجاوز الجانب الأمني وشيئا من العلاقات الدبلوماسية.

هناك تقارب أميركي خليجي مستجد، وتعود أميركا إلى المنطقة متنبهة إلى أن مواجهة الصين لا تتم في المحيطين الهندي والهادئ فقط، بل وفي منطقتنا أيضاً، وفي سورية بالتحديد؛ فهل ستتمكّن المعارضة السورية، وليس فقط القوى الثلاث أعلاه، من تبنّي مشروعٍ جديدٍ للتغيّر؟ لا تبدو أنّها قادرة على ذلك، ولكنّها تتحرّك ضمن الرؤيتين الأميركية والأوروبية، وهذا هام.

العربي الجديد

——————————-

ماذا إذا لم يحدث شيء في سوريا؟/ عمر قدور

قبل ما لا يتجاوز سبعة شهور ارتفع على نحو دراماتيكي سقفُ التوقعات الخاص بسوريا. البعض مثلاً رأى أن رحلة التطبيع بين أنقرة والأسد شارفت على الوصول إلى خاتمتها “الإيجابية”، وأن حكومة أردوغان ستقدّم للأسد كل الأوراق التي في حوزتها، ما لم يكن له مطالب إضافية! أما واشنطن فهي تستعد لسحب قواتها من سوريا، وعلى الأكراد تدبّر مصيرهم بين أنقرة والأسد، وفي الحالتين يتوجب على قسد “مثلما هو حال المعارضة” الإقرارُ بالهزيمة النهائية.

بشار الأسد نفسه بدا كأنه استقوى بذلك المناخ، فراح يشترط للتطبيع مع أنقرة انسحاباً تركياً كاملاً، ويشترط في المفاوضات مع الإدارة الذاتية الكردية ما يُترجم رضوخاً تاماً. وفي كلمته أمام نظرائه في اجتماع الجامعة العربية في الرياض، لم يفوّت الفرصة لرفض تقديم أي تنازل تحت ذريعة عدم السماح بالتدخل في الشؤون الداخلية، كما لم يفوّت فيها بلا مناسبة مهاجمة أردوغان، ليعود بعد أقل من شهر للقبول بمبدأ الانسحاب التركي على مراحل مقابل التطبيع.

اليوم صار متاحاً لطائرة بشار الأسد أن تحطّ في الرياض وأبو ظبي ومسقط… إلخ، وأن يُستقبل في معظم العواصم العربية بالمراسم الرئاسية، لا على منوال زياراتٍ خارجية سابقة أُعلن عنها بعد انتهائها، وأتت صورها لتشي ببعدها عن الحد الأدنى من البروتوكولات الرسمية المعهودة. وبلا تقليل من شأن هذا التطور، خاصةً على صعيد كسر الحاجز الأخلاقي بالتعامل مع مرتكب أكبر جرائم هذا القرن، فإن ما حدث لا يرقى إلى التكهنات السابقة. وإذا سألنا أي سوري “تحت سيطرة الأسد” عن التغيّر في أحواله فلن ينبئنا بجديد سوى على صعيد المزيد من التدهور الاقتصادي والمعيشي، المزيد من ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة والدخل المحليين، وحتى تدفق حقائب الأموال من بلد خليجي بعينه انتهى إلى العصابة الضيقة إياها.

لكننا، إذا أردنا الإشارة إلى مجريات ذات تأثير فعلي، لن نجد ما يُذكَر منذ الانتهاء من كذبة “مناطق خفض التصعيد” وحصول أنقرة على عفرين لقاء ذلك بداية عام 2018، باستثناء السماح لتركيا مجدداً بالتمدد في تل أبيض ورأس العين في تشرين الأول من العام التالي، ثم إقرار مجلسي الكونغرس قانون قيصر وتوقيع ترامب عليه أواخر العام 2019. أي أننا فعلياً على مشارف نهاية العام الخامس من عدم حدوث شيء مؤثّر سورياً، والحدث الوحيد المنتَظر حالياً هو إقرار القانون الأمريكي لمكافحة التطبيع مع الأسد، وهو في جزء منه استئناف وتمديد لعقوبات قيصر، وفي الجزء الآخر تشديد لمبدأ العقوبات على الذين يسعون إلى التطبيع مع الأسد.

لم تخلً السنوات ذاتها من مناوشات خفيفة هنا أو هناك، وكانت كلها بين قوات الأسد وحلفائه من جهة والفصائل المدعومة تركيّاً من الجهة المقابلة، وتبيّن مع كل اشتباك أن الظروف غير مهيّأة للتعديل في مناطق النفوذ التي تقسم سوريا إلى ثلاث مناطق. بل صارجليّاً أن إدلب “الخاضعة لهيئة تحرير الشام/النصرة سابقاً” مشمولة بنفس الدرجة من الحصانة، رغم الاتفاق النظري بين القوى النافذة على اعتبار الهيئة تنظيماً إرهابياً، والحجة الوجيهة وجود عدد ضخم من اللاجئين في إدلب ما يُنذر بكارثة إنسانية في حال مهاجمتها.

والأكيد أن الغزو الروسي لأوكرانيا، منذ 15 شهراً، قد أضاف عامل استقرار آخر للساحة السورية التي تراجعت ضمن أولويات موسكو. ومن نتائج الغزو تعزيز التواصل والتفاهم بين أردوغان وبوتين، ما انعكس بتبريد الجبهة السورية إلى أقصى حد، وبتمديد قرار مجلس الأمن إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود إلى مناطق الشمال السوري الخاضعة لنفوذ أنقرة. وما لم تكن هناك تطورات غير متوقعة، سيبقى العامل الأوكراني ماثلاً حتى إشعار آخر، والمواجهة الشديدة مستمرة مع تطور في أدواتها القتالية. على سبيل المثال فحسب، يلزم شهور لتدريب الطيارين الأوكران على الطائرات الغربية قبل توريدها ليس قبل سنة، أي أن الاتفاق على ذلك الآن ينطوي على الإقرار بأن الحرب مستمرة حتى إشعار آخر.

على العموم، تنفرد واشنطن من بين اللاعبين بقدرتها على التوسع في سوريا لو شاءت، وبقدرتها على إحياء عملية سياسية ذات وزن ومصداقية، إلا أنها لا تريد التوسع ولا الانخراط في جهود سياسية. بتعبير دبلوماسي أمريكي تقليدي؛ لا ترى واشنطن الأطراف المعنية بالتسوية جاهزةً للشروع في مفاوضات حقيقية، وتنتظر أن تنضج الظروف التي تجعلهم جاهزين لتقديم التنازلات “الضرورية” وطلب التفاوض مع واشنطن وبإشرافها ومباركتها.

أما القوى الثلاث الأخرى فهي على دراية بـ”الجمود” الأمريكي، وليس لدى موسكو وأنقرة وطهران ما يحفّزها على السعي من أجل أي تغيير. وإذا كانت لكل منهما مطامع تفوق المتحقق على الأرض فإنها تفتقد إمكانية تعزيز نفوذها خلافاً لمشيئة المايسترو الأمريكي، ورغم ائتلافها في مسار أستانة فهي لم تراكم مجتمعةً قوة إضافية أو إنجازاً يُعتدّ به، يدفع واشنطن إلى تغيير سياستها الخاصة بالملف السوري. ما يقوله استقرار الميدان السوري في السنوات الخمس الأخيرة هو أن هذه القوى أيضاً قانعة بما هو متحقق لها، ولا ترغب في مغامرات غير مضمونة النتائج أو العواقب.

مع الانخفاض المعتاد في حجم المعلومات عن الكارثة السورية، تقدّم لنا أوكرانيا نموذجاً للمقارنة، فالبنك الدولي “في دراسة مشتركة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وكييف” قدّر مؤخراً كلفة إنعاش الاقتصاد الأوكراني بـ441 مليار دولار، ولنا أن نتخيّل هول المبالغ اللازمة والضرورية لبدء التعافي من الخراب السوري. بموجب حساب التكاليف، سيكون من الأوفر تجميد الحالة السورية على ما هي عليه، بدل الانخراط في تسوية نهائية تتطلب مبالغ طائلة لإعادة الإعمار وتدوير عجلة الاقتصاد المنهار. أيضاً لن يكون شبح أوكرانيا بعيداً، فالحرب فيها تعزز فرضية تجميد الوضع السوري، وانتهاء الحرب هناك من المرجح بشدة أن يضعها في رأس أولوية إعادة الإعمار والإنعاش، مع التذكير بتراجع المؤشرات الاقتصادية عالمياً بما لا يسمح بالعناية بأوكرانيا وسوريا معاً.       

غالباً ما يضع السوريون أنفسهم أمام المجهول بالسؤال عمّا سيحدث، عمّا تخبّئه قوى الخارج التي تتقاسم القدرة على تقرير مصيرهم. لكن السيناريو الأقرب إلى الواقعية في الأمد المنظور هو ألا يكون هناك حدث سوري مؤثّر، وأن تركن قوى الخارج إلى الوضع الحالي، بما أنه لا يضغط عليها، ويعفيها من مسؤولياتها عمّا يليه. لقد أمضى السوريون خمس سنوات تقريباً ضمن هذا الثبات، ورأوه أرأف بهم من معارك استنزفت حيواتهم ومعيشتهم بلا طائل، فهل تكفي “نعمة” الأمان وحدها لعشر سنوات مقبلة، أو ربما لعشرين…؟

المدن

————————

ولادة سورية متأخرة!/ فايز سارة

وسط حمى الاجتماعات السورية الجارية هذا الصيف، جاء اجتماع باريس الذي عقده مؤخراً في باريس فاعلون سوريون في المجتمع المدني، يمثلون نحو مائة وخمسين من منظمات مدنية سورية، تنشط في الداخل وفي بلدان الانتشار السوري، والهدف الرئيسي للاجتماع إطلاق حاضنة للعمل المدني في سوريا، وتم اختيار اسم «مدنية» لها تعبيراً عن اهتمامها الأساسي وهدفها، وطبقاً لما هو معلن، فإن سوريين وسوريات، اشتغلوا في عام مضى لإنجاح المبادرة، ووفروا سبل إنجاحها، وتمويلها من قدراتهم الذاتية.

وحسب تأكيدات وردت في أوراق «مدنية» وفي تصريحات لمشاركين فيها، فإن «مدنية» ليست جسماً سياسياً جديداً أو منافساً لما هو قائم في الفضاء السوري. إنما تتبنى مقاربة سياسية، تدعم من خلالها «المبادئ التي تجمع الطيف الأوسع من السوريين، متمثلة بوحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية على أساس المواطنة المتساوية»، وتلتزم «الحل السياسي وفق القرارات الدولية»، و«إطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسرياً عند النظام وباقي أطراف الصراع»، و«وصول المساعدات إلى جميع السوريين من دون تمييز أو عوائق، أو قيود، وحماية اللاجئين من التمييز والترحيل القسري حتى تحقيق حل سياسي يوفر الظروف المناسبة لعودة طوعية آمنة وكريمة».

وتؤكد «مدنية» من الجهة الأخرى، أنها ليست قيادة للعمل المدني، إنما هي قوة مساندة ودعم له عبر مساعدة منظماته، وتوفير سبل نجاحها في أداء مهماتها، وتحقيق أهدافها المعلنة في خدمة السوريين؛ ما يجعل إدارتها مكونة من ممثلي وقادة المنظمات المدنية المتشاركة فيها، والتي سينضم إليهم لاحقاً منظمات وأشخاص من الفاعلين المدنيين، وسوف يتشارك الجميع في اختيار هيئات «مدنية» وأجهزتها التنفيذية وفق معايير عالية من الشفافية. ومن شأن تحقيق ذلك، أن يجعل من «مدنية» مثالاً وقوة تأثير في مستقبل سوريا، «تعمل من أجل دولة تدعم حقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون».

ولا يحتاج إلى تأكيد، أن الوصول إلى تحديد موقع «مدنية» في المجالين السياسي والمدني، متصل بالواقع السياسي والاجتماعي للتجربة السورية في سنوات العقد الماضي، وما تمخض عنه من مشكلات وإشكالات، وصل بعضها إلى الكارثة، ومنها فشل أغلب الجهود والمبادرات في الوصول إلى إنتاج تجارب مشتركة وبخاصة في المجال السياسي، وهذا بين أسباب دفعت العمل المدني باتجاه توليد التجربة الجديدة، علّها تكسر حدة الفشل في المجالات الأخرى، بخاصة أن ثمة ضرورات سورية وخارجية أخرى تدفع بهذا الاتجاه.

أولى الضرورات في المستوى السوري، تكمن في الحاجة إلى تنشيط المجتمع بعد كل ما أصابه من رضوض وتكسير، ودفع قواه المنظمة نحو تلبية الاحتياجات السورية، لا سيما في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأبرز أولوياتها، تبني مسار الحل السياسي والعمل عليه في ظل التراخي الدولي والإقليمي، ووسط إصرار سلطات الأمر الواقع على تواصل الحل العسكري علناً، وضمناً على نحو ما يظهر موقف جناحي الشمال السوري في السعي إلى تثبيت حضورهما بالقوة، وتصعيد العداء في ما بينهما.

وثانية الضرورات، تحرك المجتمع المدني عبر منظماته والناشطين فيه بصورة فاعلة من أجل تبريد ما تصاعد من صراعات وخلافات متعددة ومتداخلة، تهدد النسيج الوطني الواحد ووحدة الكيان السوري، والعمل على لمّ شمل السوريين في بُعدَيه الاجتماعي والثقافي بعيداً عن المواجهات السياسية والعسكرية.

وثالثة الأولويات وأكثرها أهمية، قيام المجتمع المدني عبر منظماته وجماعاته بالتعاون مع المجتمع الأهلي في الداخل ومع المجتمع الدولي بدوله ومنظماته في الخارج للمساعدة في مواجهة ما خلّفته سنوات الصراع والدمار من فقر وعوز ومشاكل عميقة، وقلة في تلبية الاحتياجات الضرورية للحياة، وتوفير سبل أفضل لحياة السوريين الذين يعانون حتى في أغلب أماكن انتشارهم.

أما في المستوى الخارجي، فهناك ضرورات أخرى، أهمها ضرورة إطلاق طرف سوري فاعل ومنظم، ينتظره دور معروف ومعلن في مساعدة السوريين على الخروج من انسدادات الوضع القائم، والدفع نحو حل سياسي، وتلبية احتياجات السوريين، وهذا ما يحوز اهتمام الرأي العام العالمي، دولاً وهيئات ومنظمات، وتتجسد أبرز تعبيراته في أمرين، أولها دعم متعدد الأوجه لأنشطة منظمات المجتمع المدني المستمر منذ سنوات، والثاني سعي الأمم المتحدة لتمثيل المجتمع المدني في النشاطات المتعلقة بالوضع السوري ومنها مفاوضات الحل السياسي.

خلاصة الأمر في ما أحاط بإطلاق «مدنية»، وما رشح عنها، أنها محاولة للخروج من نفق التهميش السوري، والدفع بتعبيرات المجتمع المدني لإنشاء حاضنة تفاعل في ثلاثة حدود، أولها داخلي يشمل العلاقات البينية بين المنظمات وفي إطار «مدنية»، والثاني علاقات في المستوى السوري وفعالياته المختلفة، والثالث علاقات مع المحيط الخارجي من دول ومؤسسات، ما يترك تأثيرات في الواقع وفي مسار القضية السورية.

المهم في المبادرة، أنها جاءت مبادرة سورية مستقلة بعد دراسة وتدقيق، وأنها تمت في ظل أمرين، أولهما تهافت سلطات الأمر الواقع والتمثيلات السياسية والعسكرية السورية، وتبعية أغلبها لقوى خارجية، والآخر حصول تطورات إقليمية ودولية، أعادت وضع الملف السوري على طاولة البحث والتدقيق.

وإذا كان من الصحيح، أن المبادرة تأخرت كثيراً، فإن المهم أنها حصلت، ومهم أن تنجح، والأهم مما سبق، أن تكون درساً للمعارضة في المسار ذاته وصولاً إلى شكل من العمل المشترك مع الأطراف الأخرى، يؤدي إلى معالجة شاملة للقضية السورية عبر مسار الحل السياسي وفق القرارات الدولية.

الشرق الأوسط

———————

هل يبدأ “الانفجار الكبير” من سورية؟/ ممدوح الشيخ

حربٌ مشتعلة في أوكرانيا، وفي البلقان حربٌ مرشّحة للاشتعال في أي لحظة، وفي أقصى شرق آسيا حروبٌ محتملةٌ في الأجل المنظور، لكن سورية قد تصبح شرارة “الانفجار العالمي الكبير”!

لقد نجح الغرب، وسط تعقيدات كبيرة، أن يمنع الحرب الروسية الأوكرانية من التمدّد خارج حدود أوكرانيا، وما يزال بالإمكان إبقاء أزمة تايوان تحت سقف الاحتواء والمساومة. لكن سورية المُتنَازَع عليها بين حلم كردي مستحيل وخروقات عسكرية إسرائيلية لا تكاد تتوقّف، نفوذ إيراني ذي أنياب ومخالب، وتدخّلات وقائية تركية، فضلًا عن حضور غامض لبقايا داعش… إلخ، أصبحت ساحة استعراض عضلاتٍ وإرسال رسائل واصطفاف إقليمي ودولي.

والمواجهة حول سورية (وفيها) تستكمل كل يوم أسباب حتميّتها، فهي الساحة الوحيدة في العالم التي تتقاطع فيها من دون مواربة مصالح ذات أهمية استثنائية لروسيا وأميركا وإيران وتركيا وإسرائيل، فضلًا عن أهميتها الكبيرة لأمن شرق المتوسط واستقرار دول جوار أخرى، كلبنان والعراق والأردن، وهي منذ سنوات “صخرة على منحدر” لا تستقرّ ولا تنهار. وخلال أقلّ من عامين، تحولت سورية إلى نقطة صدام في العلاقات الدولية مؤهلة لأن تستدرج عدّة دول في مواجهة متعدّدة الأطراف، ولا يُستبَعد أن يفلت زمامها من الجميع. وفي تاريخ العلاقات الدولية دروس مشابهة لعل أهمها “تدحرج” واقعة اغتيال ولي عهد النمسا في صربيا، لتشعل تداعياتها الحرب العالمية الأولى. وسورية جزء من نطاقٍ جغرافيّ، يمتدّ من القاهرة إلى أنقرة، تكرّر وصفه بأنه قلب العالم الجيوستراتيجي. ومنذ بدأت الثورة السورية وكرة الثلج تكبر، ثم إن عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية تجاوزت كثيرًا قيمتها الرمزية، لتصبح مؤشّرًا على افتراق عربي/ أميركي حول قضية الديمقراطية بوصفها نقطة تقاطع ازدادت أهميتها منذ الغزو الروسي أوكرانيا، وما تلاه من نشوء جبهة اصطفاف غربي أطلسي من كندا إلى أستراليا، مقابل تقارب لم يصل إلى درجة التحالف يقوده الثنائي الروسي/ الصيني.

والتغير النوعي في الموقف الغربي من الملف السوري كله يعود إلى يناير/ كانون الثاني 2022 عندما صدر في كوبلنز الألمانية، حكم قضائي في قضية عُرفت باسم “فرع الخطيب”، تتعلق بنظام القمع السوري ككل. وأحد الاستنتاجات السياسية/ الحقوقية من الحكم أن القضاء الألماني، للمرة الأولى، مدّ نطاق ولايته لتشمل “التعذيب الذي تمارسه دولة ما في أماكن أخرى (خارج ألمانيا)”، حتى لو لم يكن الجاني أو الضحية ألمانيًا. وبحسب تعبيرٍ غنيٍّ بالدلالات، ورد في تقرير تحليلي نشره موقع الإذاعة الألمانية دويتشه فيلله: “مع الاحتجاجات… لم يعد التعذيب يستخدم فقط لاستخراج المعلومات، وإنما أصبح الأمر يتعلّق بالردع والانتقام والإبادة الجسدية للمعارضين”. وفي خطوة أبعد، قال بيان أصدرته محكمة العدل الدولية (8 يونيو/ حزيران 2023)، إن كندا وهولندا قدّمتا طلبًا مشتركًا لإقامة دعوى ضد سورية بشأن انتهاك نظام الأسد الاتفاقية ضد التعذيب وضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

والمواجهة القانونية/ السياسية وجه واحد للحفرة السورية التي تستدرج مزيدا من الفرقاء داخل دولة ممزّقة على كل المستويات وتعتمل في داخلها، وفي جوارها الجغرافي، أسباب انفجار عديدة، وفي شرق المتوسط الذي يتقدّم ليحتلّ مكانًا مهمًا بين مورّدي الغاز إلى أوروبا، من المتوقع أن تكتسب المنطقة أهمية في مجال إنتاج الغاز، شبيهة، إلى حدّ ما، بأهمية دول الخليج بوصفها منتجا عالميا رئيسا للنفط. وفي حال استمرّ التدخل الإيراني والاستهداف الإسرائيلي والتمدّد التركي والطموح الكردي والتزاحم الأميركي/ الروسي في هذه الدولة الهشّة المهشّمة، فلا يُستبعد أبدًا أن تبدأ منها دراما انفجار دولي كبير.

وبين كل الدول التي أشعلت فيها “الثورة المضادّة” حرائق لتذويب “الربيع العربي” في الأسيد، تنفرد سورية بوضع لا نظير له، ما يرشّحها، احتمالًا، لأن تكون النقطة التي يبدأ منها انفجار كبيرٌ متعدّد الأطراف. وقد لعبت العقوبات الغربية بحقّ نظام الأسد دورًا حاسمًا في إبقاء سورية خارج الترتيبات الإقليمية الاقتصادية الكثيرة التي جمعت دول الخليج والعراق وتركيا وغيرها، والتصعيد الأميركي/ الأوروبي، وبخاصة حديث وزيرة خارجية فرنسا، أخيرا، عن محاكمة الأسد، يشير إلى أن رمزية المواجهة حول سورية تتخذ أبعادًا أوسع نطاقًا.

أما شرارة الانفجار فلا يعلم إلا الله أين تشتعل.

العربي الجديد

—————————

“هل نعلن هزيمة الربيع العربي؟”: مأزق الديمقراطيين العرب في ظلّ مصالحات الأنظمة/ ديانا مقلد

ضمن ملف “هل نعلن هزيمة الربيع العربي؟”، تناقش ديانا مقلّد المتغيرات التي شهدتها المنطقة على المستوى السياسيّ، التي “توّجت” بوقوف الأسد في القمة العربيّة، أمام فشل أميركي وأوروبي في ردعه، وتغير خطاب أنظمة الخليج التي دعمت الثورات بداية، ثم رحبت بمن وأدها.

نطرح في “درج” سؤال الهزيمة والربيع العربي، بعد 13 عاماً على شرارة الثورات في الساحات والميادين، المتغيرات الجديدة من التطبيع العربيّ مع رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى ديكتاتورية عبد الفتاح السيسي وقيس سعيد، وقائع دفعتنا إلى التأمل، ماذا تبقى لنا من الربيع العربي؟

نجرؤ على السؤال، بعد انهيار العواصم العربية التقليديّة، بغداد، دمشق، بيروت، القاهرة، والملاحقات التي يتعرض لها فنانون وصحافيون ونشطاء في عالم عربي يعلن أن السلطة لا يمكن التنازل عنها، وأن السجن هو مصير كل من يطرح سؤالاً.

“شو بعدنا عم نعمل هون…شو الفايدة؟”

لا أستطيع إحصاء عدد المرّات التي طرح فيها هذا السؤال أو ما يعادله. نثيره دون انتظار جواب بالضرورة، فالخيارات تكاد تكون معدومة. البقاء والعيش في بلاد منهارة وفي ظل الديكتاتوريات، بات قدراً حتى حين نحاول تجميل الواقع في فضاءاتنا الصغيرة بنقاش طموح حول عدالة اجتماعية وسياسية ونظم اقتصادية، إذ نجد أنفسنا في النهاية أمام أفق مسدود.

استُهدفت بيروت بانهيارات اقتصادية وبتفجير مرفأها، ودمشق استردها الظلام الأسدي، والقاهرة في قبضة العسكر فيما الخرطوم تنازع، وبغداد تتعثر أما تونس فتحثّ الخطى نحو العودة إلى ما قبل الثورة.

هذا الواقع جعل الخذلان وفقدان الرغبة في فعل أي شيء يطغيان على جموع عربية واسعة، لم تعد تحركها انتهاكات أو فضائح فساد. لم يعد الاحتجاج خياراً تلقائياً، وكأننا بتنا حيال مجتمعات لا مبالية، تم تسليح يأسها وخيبة أملها الذي تحول إلى قدرة هائلة على ابتلاع القمع والظلم بوصفهما الوضع الراهن الجديد.

هل نعلن هزيمتنا؟

مع تمدد الطور المعتم والمسدود الذي تمرّ به المنطقة، وهو طور مُقلق بالمعنى الوجوديّ، يبرز سؤال حول ما إذا كانت أكلاف الثورات، بعد سحقها وتدميرها أكبر من أن تتحملها أجيال هتفت وحشدت وهُجّرت وسُجنت وقُتلت وحلمت وتحطمت في السنوات الماضية.

كانت الهموم مشتركة بين محتجي الموجة الأولى من الثورات من مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، ولاحقاً بين محتجي الموجة الثانية في العراق والسودان ولبنان. ثورات بدأت سلمية تطرح أفكاراً تغييرية من حرية وعدالة اجتماعية، كانت النساء فيها ضمن موقع متقدم، قبل أن تنقلب القوى الحاكمة والمتشددة عليها.

هزيمة مطالب التغيير والحرية أمام الاستبداد ووحشية الأنظمة والميليشيات، تردنا إلى الأسئلة الكبرى المؤجلة: كيف نخرج من الانحطاط الذي تراكم حتى بات بنى سياسية طائفية وثقافية واقتصادية استحوذت على الفضاء العربي!

لا شك في أن المسمار الأخير في جثمان الثورات العربية التي تقدمها شبان وشابات عام 2011 شهد صفحة النهاية، مرحلياً على الأقل.  ذروة تلك المشهدية تجلت في قمة جدة لزعماء الدول العربية، حيث كان ذاك الاستقبال الاحتفائي بديكتاتور سوريا بشار الأسد،  بمثابة ستار النهاية.

تهدف العودة الرسمية للأسد إلى جامعة الدول العربية إلى الاحتفاء بانتصار الاستبداد، وهذه الحقيقة يحاول مؤيدوها عقلنتها بأنها براغماتية، لكنها ليست سوى تلخيص للتضامن بين ديكتاتوريي المنطقة وتقديمهم الجماعي للاستبداد على أي إصلاحات وتطوير.

يحصل ذلك برضا غربي ضمني مهما تباينت الرسائل. صحيح أن عواصم غربية بينها واشنطن لاتزال ترفض التطبيع مع نظام الأسد لكن  مد السجادة الحمراء للأسد والاحتفاء به هو انعكاس مباشر لعيوب السياسة الخارجية الأمريكية والغربية عموماً في المنطقة. فالدعم الانتقائي لـ “المبادئ الديمقراطية” يشبه عدم الوقوف إلى جانب أي شيء. الفشل في ردع الأسد وحلفائه عن ارتكاب جرائمه هو نتيجة التضعضع الأميركي والغربي وضيق الأفق والخطوط الحمراء غير القسرية.

شاهد العالم مجرم حرب يقف لالتقاط الصور في قمة إقليمية بعد تشريد نصف شعبه. هذا الحضور هو مسمار في نعش التزام عالمي يتم تجاهله وهو حماية السكان.

منذ بدء الاحتجاجات عام 2011، قُتل أكثر من 30 ألف طفل في هجمات شنتها قوات النظام السوري في جميع أنحاء البلاد. علاوة على ذلك، فإن أكثر من 47 في المئة من 5.5 مليون لاجئ يقيمون في البلدان المجاورة هم دون الخامسة والعشرين، وأكثر من ثلثهم لا يحصلون على التعليم. آمالهم في مستقبل أكثر أماناً وديمقراطية – الآمال ذاتها التي أشعلت ثورة 2011 في البداية – لم تعد ممكنة في سوريا الأسد.

صحيح أن الخيبة السورية ليست الخيبة الوحيدة في المنطقة لكنها الأكثر قسوة بلا منازع. ولا تزال ذكرى الثورات العربية التي انطلقت عام 2011 حاضرة دائما في أذهان قادة المنطقة، خوفًا من اندلاع موجة أخرى من الانتفاضات بسبب الإحباطات الاقتصادية المتصاعدة.

سلطت القمة العربية، التي عقدت في 19 أيار/ مايو الماضي في جدة بحضور بشار الأسد للمرة الأولى منذ 12 عاماً، الضوء على مشروع إعادة تموضع إقليمي بقيادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

تقف خلف هذا التموضع شخصية بن سلمان الذكية والمتهورة والقاسية، إذ شرع الأمير البالغ من العمر 37 سنة، في جهود دبلوماسية كبيرة تهدف إلى إعادة تموضع الشرق الأوسط على الخريطة العالميّة.

وفعلاً نجح بن سلمان، كما بات معروفاً، في تغيير الأوضاع من خلال ثورة اجتماعية اقتصادية في بلاده، بالتزامن مع قمع سياسي وسيل من الإعدامات، فيما اعتمد إقليميا مبدأ الخلط بين الانتهازية والبراغماتية، في تجديد علاقات بلاده مع كل من تركيا وقطر، ما أدى إلى تقدم السعودية على الإمارات العربية المتحدة، بعدما كانت الأخيرة قد سبقته إلى التطبيع مع الأسد، لكنها أيضاً سبقته الى اتفاقات إبراهام مع إسرائيل.

ربما الأجدى اعتبار أن عودة بشار الأسد في القمة وما سبقها وتبعها من “حرارة” لقاءات متبادلة بين دمشق وعواصم خليجية وعربية، بمثابة عودة الديكتاتور السوري إلى موقعه الطبيعي بجانب أشباهه من المستبدين.

زمن ادعاء بعض الزعماء، الذين لا يقيمون وزناً لحرية شعبهم، وقوفهم الى جانب حرية السوريين او حرية أي شعب آخر انتهى، والجيد راهناً هو أن هذه الخديعة التي استمرت لسنوات قد انتهت تماماً.

نحن في زمن المصالحات…

قناة “الجزيرة” لم تعد تلاحق قتلة جمال خاشقجي ولا سجاني الناشطات السعوديات، تماماً كما لم تعد قناة “العربية” مهتمة بكشف اللثام عن تمويل قطر للجماعات الإسلامية المتشددة.

الآن مع المصالحة السعودية- الإيرانية ينطوي فصل آخر من اللعبة، وكأنما عودة بشار الأسد أنهت أوهاماً حاول كثيرون تصديقها.

ماذا نفعل؟

عاد المستبدون إلى نصابهم وانتهت الخطابات الفارغة التي هدفت للإيحاء بأن أنظمة الاستبداد النفطية تدعم ثورات محقة! أو أن الخلاف بين مستبد مُطبّع ومستبد مُمانع هو على مقاومة إسرائيل؟ همد جنون الصراع العربي- الإيراني، وعاد الجميع إلى حظيرة البؤس والقمع.

صارت مصالحات المستبدين ممكنة بعدما زال خطر التغيير، وساد اليأس والفقر والمهانة. وهذا أكثر ما يؤلم، أي أن أسباب اندلاع الثورات تضاعفت وتفاقمت فيما السجن والنفي باتا يستهدفان كتلاً هائلة تتكبد أثمان هزيمة حريتها.

الثورات اشتعلت في وجه أنظمة عسكرية وانقلابية وفاسدة تحمل ملامح طائفية وقبلية. المجموعات التي حملت شعارات التغيير ودافعت عنه، فهي تعيش ضياعاً وتصدعاً ليس واضحاً بعد كيف ستقوم منه، وكأنما صار المطلوب، فيما نحن نرفض هذا الواقع، أن نفكّر أكثر ونحشد بشكل مختلف ربما.

لا أحد يملك وصفة جاهزة، لكن الأكيد أننا لا نملك ترف الاستكانة واليأس مع استمرار هذه الزمر في التحكم في مصائرنا، وهذا يعني حتماً المثابرة في تطوير دورنا الذاتي كأفراد ومجموعات تحاول أن تكون متحررة من القيود الطائفية والعائلية والاثنية، وتؤمن بقيم ديمقراطية عادلة ولا تردعها تهم من هنا وهناك.

الانهيار الذي نحن فيه، والتعثر الذي نواصل الاصطدام به، لا يعنيان النهاية، مهما بدا التسليم والإحباط مسيطرين، والوهم بأن التغيير يمكن أن يحصل في لحظة احتجاج أو خلال فترة قصيرة، دفعنا أثماناً باهظة بسببه، ومن يحمل وهم الثورة التي ستقلب كل شيء، يفوته أن حجم الخراب الذي أحدثته هذه الانظمة جوهري وعميق، ورأبه هو عملية بناء طويلة المدى.

الثورة أو الاحتجاج الشعبي هي خطوة من خطوات كثيرة مطلوبة لرأب الصدع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي تسببت به أنظمة عسكرية وشمولية وأتوقراطية، لكنه ليس كافياً وليس محكوماً بالنجاح بحسب ما علمتنا السنوات الماضية، لكننا في المقابل لا نملك ترف اليأس والاستكانة لأننا محكومون بمزيد من الأزمات إن فعلنا ذلك.

إن كان من حاجة للاستفادة من عثرات الثورات العربية فهي أن التغيير مسار طويل ومراكمة لخبرات وتعلم من الفشل والخيبة وليس استسلاماً للأخيرة..

درج

————————

هل تنقل اجتماعات اللجنة الدستورية السورية من جنيف إلى مسقط؟

محمد أمين

أكد أحد أعضاء اللجنة الدستورية السورية من جانب المعارضة، اليوم الخميس، أنه “لم يُحدد حتى اللحظة المكان الذي ستعقد فيه اللجنة جولتها التاسعة”، مشيرا إلى أن الجانب الروسي والنظام يصرّان على نقل أعمالها من جنيف، وأنهما رفضا مقترحات المعارضة السورية لعقد الاجتماعات في القاهرة أو الرياض تحت المظلة الأممية.

وذكر المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث في هذا الأمر، أن الجانب الروسي ما يزال مصرا على نقل اجتماعات اللجنة من مدينة جنيف السويسرية إلى مسقط عاصمة سلطنة عمان.

وأوضح المصدر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية اقترحت العاصمة المصرية القاهرة مكانا لاجتماعات اللجنة “إلا أن النظام رفض”، مضيفا: “اقترحنا العاصمة السعودية الرياض، ثم اقترحنا الكويت ورفض أيضا. هناك إصرار من الروس والإيرانيين والنظام على نقل الاجتماعات إلى سلطنة عمان”. وأكد أنه “حتى اللحظة لم يتحدد المكان”، مشددا: “لم يحدث أي توافق. هناك اقتراحات من الجانبين”.

وحول موقف الأمم المتحدة من نقل مكان الاجتماعات من جنيف، أوضح المصدر أن المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون “لا يمانع في عقد الاجتماعات في أي دولة ما دامت هذه الاجتماعات تبقى تحت مظلة الأمم المتحدة”.

وكانت أعمال اللجنة الدستورية توقفت منتصف العام الفائت، بسبب الإصرار الروسي على نقل الاجتماعات من أوروبا إلى الشرق الأوسط، في سياق محاولات موسكو إضعاف الدور الغربي في تطبيق القرار 2254.

وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف زعم، منتصف يونيو/حزيران الماضي، أن استمرار العمل في جنيف بالنسبة لروسيا أصبح صعباً، بسبب الموقف “غير الودّي والعدائي لسويسرا تجاه روسيا”، وفق قوله.

وأشار لافرنتييف إلى أن بلاده اقترحت نقل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف إلى مسقط أو أبوظبي أو الجزائر، إلا أن الأمم المتحدة رفضت في حينه نقل الاجتماعات إلى مدن لا تضم مقرات أممية.

كما كانت المعارضة رفضت هذه الخطوة، واعتبرتها محاولة روسية لـ”سحب مرجعية العملية السياسية التفاوضية بملفاتها الأربعة (الحكم، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب)، من الأمم المتحدة ومنحها لجهة مجهولة”.

ويرتبط النظام السوري بعلاقات تُوصف بـ”المتميزة” مع سلطنة عمان، التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري منذ بدء الصراع في ربيع عام 2011.

وعُقدت 8 جولات من اجتماعات اللجنة الدستورية المشكّلة من الأمم المتحدة، وتضم ممثلين عن المعارضة والنظام والمجتمع المدني من كلا الطرفين، في مدينة جنيف تحت غطاء أممي، إلا أنها لم تنجح في تحقيق أي تقدم، إذ يحرص النظام على حرْف اللجنة عن مسارها لإفراغ التفاوض من مضامينه.

وتتكون اللجنة الدستورية من مجموعتين؛ واحدة موسعة تضم 50 شخصاً من النظام و50 من المعارضة، و50 آخرين يمثلون المجتمع المدني، وأخرى مصغرة تضم 15 من كل طرف.

وكانت اللجنة ناقشت في الجولة الأخيرة قبل نحو عام العديد من المبادئ الخاصة بالدستور، إلا أنها لم تكتب مادة واحدة من مشروع الدستور، بسبب رفض النظام التعاطي الإيجابي مع هذا الاستحقاق الذي حدده القرار الدولي 2254، حيث يصرّ على تعديل مواد في دستور وضعه في عام 2012 منح الرئيس سلطة مطلقة، ويرفض مبدأ كتابة دستور جديد تجري على أساسه انتخابات.

في المقابل، تصرّ المعارضة على وضع دستور جديد يقلّل من صلاحيات الرئيس، ويحدّد الجهات المخولة بالسيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية التي هي اليوم أدوات قمع بيد رئيس النظام، في ظلّ غياب أي صلاحية للحكومة والبرلمان في ذلك.

————————————

نهاية أستانا:روسيا تريد مشاركة عربية..وكازاخستان تنشد الحياد/ مصطفى محمد

ثمة تفسيران لإعلان كازاخستان عن انتهاء المحادثات بصيغة “أستانا” للسلام في سوريا، الأول أن مصلحة روسيا تقتضي إغلاق هذا المسار والاستعاضة عنه بمسار يحظى بمشاركة أوسع ربما عربية، في ظل التغييرات السياسية الناجمة عن الانفتاح العربي على النظام السوري، ولذلك دفعت كازاخستان للإعلان عن توقف هذا المسار بعد 20 جولة تجنباً للحرج أمام تركيا الضامنة عن المعارضة.

أما التفسير الثاني الذي جاء على لسان مصادر روسية خاصة ل”المدن”، يعود إلى رغبة كازاخستان بتجنب الانخراط في مسارات أطرافها ليست على علاقة جيدة بالولايات المتحدة الأميركية، في الوقت الذي تطمح فيه نور سلطان إلى تحسين علاقاتها مع واشنطن.

ويبدو من خلال التصريحات الصادرة عن المسؤولين الروس التي أعقبت الإعلان الكازاخستاني “المفاجئ” أن التفسير الثاني أقرب إلى الدقة، حيث أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف خلال ختام الجولة ال20 أن “صيغة أستانا أثبتت فعاليتها وستتواصل”.

وأضاف أن “الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) هي التي أسست اللجنة الدستورية السورية، وصيغة أستانا ليست مرتبطة بمكان معين وأنه سيتم لاحقاً تحديد مكان جديد لمواصلة الاجتماعات حول سوريا”.

وكان نائب وزير الخارجية الكازاخستاني كانات توميش قد أرجع دعوة بلاده إلى إغلاق هذا المسار إلى تغير الوضع حول سوريا بشكل جذري، مضيفاً: “من سمات هذا التغيير سعي الدول العربية لإعادة العلاقات معها وعودتها للجامعة العربية”.

وأضاف أن “عودة سوريا للجامعة العربية وعودة العلاقات العربية مع دمشق يعتبر أحد منجزات العمل الحثيث الذي قامت به وفود الدول في مسار أستانا، وخروج سوريا من الأزمة يمكن أن نعتبره أحد منجزات مسار أستانا وعلى خلفية التطورات الإيجابية في سوريا مؤخراً ندعو لأن يكون هذا الاجتماع هو الأخير في مسار أستانا”.

ويصف المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف الإعلان الكازاخستاني ب”الخطوة الأحادية”، مضيفاً ل”المدن” أن كازاخستان تبحث عن الحياد الذي يساعدها بشكل أو بآخر على التقارب مع الولايات المتحدة.

واعتبر أنه من المنطقي في ظل الظروف الحالية أن تبتعد كازاخستان عن الملفات الدولية الخلافية ومنها الأزمة السورية، مشيراً إلى العلاقة “السيئة” بين أميركا والثلاثي الضامن لمسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران).

ورغم الإعلان الكازاخستاني أكد أونتيكوف على استمرار المحادثات، مستدركاً: “لكن للآن من غير المعلوم كيفية استمرار المباحثات، وقد تجري المحادثات بين عواصم هذه الدول بالتناوب، وربما ستجد الدول الأربع بما في ذلك سوريا (النظام السوري) دولة مستضيفة، وعلى أي حال نحن أمام واقع جديد”.

وربما يُقرأ من حديث أونتيكوف أن روسيا تريد دمج مسار أستانا بالمسار الرباعي (الروسي، التركي، الإيراني، النظام السوري)، ما يحقق لها استبعاد المعارضة وفرض النظام السوري كطرف سوري وحيد في هذه المحادثات.

من جهته، لا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي أن تكون كازاخستان قد أعلنت عن نهاية مسار أستانا من دون تنسيق مع الروس، لكنه يبدو ميالاً أكثر للتفسير الذي يذهب إلى وجود مصلحة روسية في الانتهاء من مسار أستانا والاستعاضة عنه بمسار أوسع تنخرط فيه العديد من الدول الإقليمية.

كذلك يرجح ل”المدن” أن تكون هناك مفاوضات مباشرة بين النظام والمعارضة أو جسم جديد يمثلها برعاية إقليمية وعربية وبتوافق روسي وربما إيراني، مشيراً إلى حالة من الاستعجال بين الدول الاقليمية والعربية في الملف السوري استباقاً لمرحلة الجمود التي تسبق الانتخابات الأميركية.

وانطلق مسار “أستانا” في كانون الثاني/ يناير 2017، بهدف إيجاد حل سياسي وإنهاء الصراع بين المعارضة السورية والنظام بضمانة كل من تركيا وروسيا وإيران، ولم ينجم عنه خلال 20 جولة استضافت العاصمة الكازاخستانية 18 جولة منها، أي نتائج باستثناء اتفاق “خفض التصعيد”.

المدن

——————————-

وقف الكبتاغون/ سوسن الشاعر

واحدة من أهم القضايا والملفات التي تتطلب جدية في تنفيذ الاتفاقية الإيرانية السعودية هي ضبط عمليات تهريب المخدرات.

ومن المفارقة أن من أهم القضايا التي تتطلب معالجة جدية من سوريا إثر عودتها للحضن العربي وإنهاء قطيعتها هي أيضاً قضية ضبط عمليات تهريب المخدرات من أراضيها للدول المجاورة خصوصاً الأردن.

وقد أطلق شعار «خطوة مقابل خطوة» لمشروع العودة السورية إلى الجامعة العربية، وهو شعار تبنته الدول التي خطت تجاه المصالحة ومنهم المملكة العربية السعودية والإمارات.

فهل «خطوة مقابل خطوة» ستكون كافية لوقف عمليات التهريب؟ أم أن تغلغل هذه (الصناعة) ونفوذها في الكواليس أصعب وأكبر من أن تسهم تلك المحاولات المتواضعة في وقفها وكف شرها عن دول الجوار السوري؟

آخر هذه العمليات التي ما زالت مستمرة إلى الآن كانت الأسبوع الماضي بعد أن أعلن الجيش الأردني إسقاط طائرة مسيرة تحمل 500 غرام من مادة الكريستال المخدرة قادمة من الأراضي السورية.

ودفعت الزيادة المطردة في عمليات تهريب المخدرات الجيش الأردني إلى تعديل قواعد الاشتباك، فأمرت منذ فترة بدخول الأراضي السورية واغتيال أحد أشهر المهربين السوريين وهو مرعي الرميثان، بعد أن حمّل الجيش الأردني ميليشيات إيرانية تلقى الحماية تلك العمليات، ومن المعروف أن الأردن يشترك مع سوريا في حدود يبلغ طولها 375 كيلومتراً.

ففي 13 يناير (كانون الثاني) 2022؛ تحدث بيان للجيش الأردني عن إحباط 361 محاولة تسلل وتهريب مخدرات من سوريا إلى المملكة، وضبط قرابة 15.5 مليون حبة مخدر من أنواع مختلفة، بما في ذلك «كبتاغون» و«تراماداول»، وأكثر من 16 ألف عبوة «حشيش مخدر» تزن 760 كيلوغراماً، و2 كيلوغرام من مادة «الهيروين» (المرصد الاستراتيجي)،

ويقول مسئولون معنيون بمكافحة الـمخدرات في دول الغرب وكذلك تقول واشنطن إن سوريا التي أنهكتها الحرب صارت الموقع الرئيسي في المنطقة لتجارة مخدرات تقدر بمليارات الدولارات، كما يعدون الأردن نقطة عبور رئيسية لدول الخليج بالنسبة إلى مخدرات الأمفيتامين المصنعة في سوريا، المعروفة باسم الكبتاغون. «رويترز عمان»

هذا بالنسبة للأردن، أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية حيث أعلنت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في المملكة العربية السعودية (11 مايو (أيار) 2023) إحباط محاولة تهريب 461.164 حبة كبتاغون عبر معبر «الحديثة» كانت قادمة من الأراضي السورية، فيما كشفت مصادر إعلامية سعودية (10 مايو 2023) عن ضبط مديرية مكافحة المخدرات 8 ملايين حبة مخدرة، وأعلن المتحدث الرسمي للمديرية العامة لمكافحة المخدرات، مروان الحازمي، العثور على 828.0078 حبة مخدرة من مادة «الأمفيتامين» مخبأة في شحنة مبيض قهوة، والقبض على ثلاثة أشخاص سوريين واثنين من الجنسية الباكستانية، وجرى إيقافهم واتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم، وإحالتهم إلى النيابة العامة، وذلك بعد أيام من إعلان السلطات السعودية إحباط تهريب شحنة مخدرات تضم أكثر من خمسة ملايين حبة كبتاغون، في ميناء جدة.

وكشف السفير السعودي في لبنان وليد بخاري (20 أغسطس (آب) 2022) عن ضبط السلطات السعودية 700 مليون من الحبوب المخدرة قادمة من لبنان، معتبراً أن سوريا هي المصدر الأساسي للحبوب التي يجري تهريبها عبر منطقة البقاع قرب الحدود السورية – اللبنانية.

ولتقدير حجم هذه التجارة وما تدره على القائمين عليها لك أن تتصور أن دولة الكويت صادرت في شهر يونيو (حزيران) العام الماضي فقط ما قيمته 21 مليون دينار كويتي أي ما يقارب 66 مليون دولار.

إذ قدرت السفارة البريطانية في بيروت بتاريخ 29 مارس (آذار) 2023 على موقعها الرسمي أن النظام في سوريا يستفيد من تجارة الكبتاغون بـ57 مليار دولار سنوياً. «الموقع الرسمي للسفارة البريطانية»

المشكلة تكمن في أن كل التنظيمات الموالية لإيران في المنطقة، ويبلغ عددها 200 في كل من سوريا والعراق ولبنان سواء كانت قوى متنفذة في النظام السوري، أو كانت ميليشيات لبنانية كـ«حزب الله» تعتمد اعتماداً كلياً في تمويلها ومعيشتها على تجارة الكبتاغون، بل إن تمويل برامج الصواريخ الباليستية يأتي من هذه التجارة، أي أن معالجة هذه المشكلة – إن حدثت – ستكون نقطة تحول كبيرة في الاتفاقية السعودية الإيرانية، وفي عودة سوريا والبدء في إعادة إعمارها، فهل سيتمكن النظامان الإيراني والسوري من الضغط على أمراء الكبتاغون وزعماء الميليشيات المستفيدة من هذه التجارة كمؤشر على الجدية في التعامل مع أمن المنطقة؟ أما السؤال الأهم فهو: هل هناك نية أصلاً لتوقف هذه التجارة المربحة؟ هذا هو السؤال الأهم في المرحلة القادمة.

الشرق الأوسط

—————————–

الجولة «الأخيرة» من «مفاوضات أستانا» تدفع التطبيع السوري – التركي

كازاخستان تنسحب من المسار وروسيا تتمسك بنقله إلى «منصة أخرى»

موسكو: رائد جبر

سيطر الارتباك لبعض الوقت، الأربعاء، مع اختتام أعمال جولة المفاوضات السورية في العاصمة الكازاخية أستانا، وبالتزامن مع الإعلان عن بيان ختامي «أكد على ثوابت روسيا وإيران وتركيا حيال الملفات المطروحة، وضم مسار تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة إلى أولويات المجموعة»، عكس إعلان الخارجية الكازاخية عن «انتهاء نشاط المسار» واعتبار الجولة الحالية «الأخيرة» التي تجمع الأطراف على الأراضي الكازاخية، تطوراً لافتاً ومفاجئاً سعت موسكو سريعاً إلى تجاوزه، بتأكيد تمسك الأطراف بالمسار الذي «سوف ينتقل إلى منصة جديدة لاستكمال جولاته».

ولم يتم الإعلان بشكل واضح عن تفاصيل الموقف الكازاخي، وما إذا كانت الأطراف على اطلاع مسبق عليه، لكن بيان وزارة الخارجية الكازاخية بدا مفاجئاً لكل الأطراف.

إذ اقترحت وزارة الخارجية الكازاخية جعل الاجتماع الحالي لمحادثات أستانا حول سوريا «الجولة الأخيرة من اللقاءات بهذه الصيغة».

اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي شهد استعادة سوريا مقعدها بالجامعة العربية (رويترز)

التطبيع مع سوريا

وقال كانات توميش، نائب وزير الخارجية الكازاخي، في اختتام الجولة الـ20 للمباحثات بصيغة أستانا: «نوجه الشكر لكل جهود الوفود المشاركة في عملية تسوية الأزمة. الوضع حول سوريا يتغير جذرياً، ومن سماته سعي الدول العربية لإعادة العلاقات معها وعودة دمشق للجامعة العربية».

ورأى أن تلك التطورات تعد «أحد منجزات العمل الحثيث الذي قامت به وفود الدول في مسار أستانا».

وأضاف: «خروج سوريا من الأزمة، يمكن أن نعدّه أحد الإنجازات، وعلى خلفية التطورات الإيجابية في سوريا مؤخراً، ندعو إلى أن يكون هذا الاجتماع هو الأخير في (مسار أستانا)».

وتلا المسؤول الكازاخي البيان الختامي لـ«الجولة الأخيرة»، الذي اشتمل على 17 بنداً، ركزت في غالبها على ثوابت روسيا وتركيا وإيران حيال الملفات المطروحة.

وشددت الأطراف على الدور الرائد لـ«عملية أستانا» في تعزيز حل مستدام للأزمة السورية. وأكدت الالتزام المستمر بـ«سيادة الجمهورية العربية السورية، واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وفق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة».

وللمرة الأولى، تمت الإشارة في البيان إلى «الطبيعة البنّاءة لمشاورات نواب وزراء خارجية (روسيا – تركيا – سوريا – إيران) والتي تم خلالها إعداد خريطة طريق لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا، بالتنسيق مع عمل وزارات الدفاع والخدمات الخاصة للدول الأربع». مؤكداً على النهوض بهذه العملية «على أساس حسن النية وحسن الجوار من أجل مكافحة الإرهاب، وتهيئة الظروف المناسبة للعودة الآمنة والطوعية وبكرامة للسوريين بمشاركة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».

وفي بنوده الأخرى، تناول البيان الوضع حول مكافحة الإرهاب، والنزعات الانفصالية، وقال إنه تم الاتفاق على بذل المزيد من الجهود لضمان التطبيع المستدام للوضع حول إدلب، من خلال «التنفيذ الكامل» لجميع الاتفاقات المبرمة سابقاً. وحول الوضع في الشمال الشرقي، اتفقت الأطراف على أن تحقيق الأمن والاستقرار الدائمين في هذه المنطقة، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحفاظ على سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية.

وتم رفض جميع المحاولات لخلق حقائق جديدة «على أرض الواقع»، بما في ذلك «المبادرات غير القانونية للحكم الذاتي» بذريعة مكافحة الإرهاب. وكرر المشاركون معارضتهم للاستيلاء غير القانوني ونقل عائدات النفط التي يجب أن تنتمي إلى سوريا.

وتلبية لطلب إيراني، تضمن البيان «إدانة الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في سوريا، بما في ذلك على أهداف مدنية». كما تطرق في جانب إدانة التصرفات الإسرائيلية، إلى رفض استمرار احتلال الجولان السوري.

في الشق السياسي، أكد البيان أن الصراع السوري ليس له حل عسكري، وشدد المشاركون مجدداً على التزامهم «النهوض بعملية سياسية قابلة للحياة وطويلة الأجل، يقودها وينفذها السوريون أنفسهم بمساعدة الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254».

كما شددوا على أهمية عمل اللجنة الدستورية السورية، ودعوا إلى تسريع وتيرة عقد جولة جديدة للمفاوضات في إطارها. وتطرق البيان إلى أهمية زيادة المساعدة الدولية الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، والحاجة إلى «تسهيل العودة الآمنة والكريمة الطوعية للاجئين والنازحين».

أرشيفية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا غير بيدرسون في اجتماع اللجنة الدستورية مع هيئة التفاوض

بعد صدور البيان مباشرة، سعى المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف، إلى تخفيف أهمية الإعلان الكازاخي عن «انتهاء مسار أستانا»، وشدد على أن هذه الصيغة «أثبتت فاعليتها وسوف تتواصل». وقال: إن آراء روسيا وتركيا وإيران بشأن التسوية في سوريا «تتوافق إلى حد كبير».

وزاد، إن المشاركين في الاجتماع أكدوا ضرورة مواصلة العمل الدؤوب على تعزيز الاستقرار في سوريا، وأشار إلى أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية في غاية الأهمية، وتساعد على تعزيز الاستقرار في المنطقة، معرباً عن قلق أطراف «صيغة أستانا إزاء ردود الفعل الأميركية والأوروبية على عودة سوريا إلى الصف العربي».

وجدد الدعوة إلى رفع العقوبات التي يفرضها الغرب على سوريا لتلبية الاحتياجات الإنسانية لشعبها. وأكد لافرنتييف سعي الأطراف لدفع مسار إعادة العلاقات بين سوريا وتركيا، مشيراً إلى أن «لقاء اليوم كان مهماً جداً من حيث استمرار العمل على وضع خريطة طريق لذلك».

وقال: إن «صيغة أستانا» ناجحة وستستمر وأكدت حيويتها ونجاعتها، مذكراً بأن «صيغة أستانا» والدول الضامنة هي التي أسست اللجنة الدستورية السورية. مشدداً على أن «صيغة أستانا» «ليست مرتبط بمكان معين وسوف يتم لاحقاً تحديد مكان جديد لمواصلة الاجتماعات حول سوريا»، معرباً عن شكره وامتنانه لسلطات كازاخستان على استضافتها 18 من أصل 20 جولة من المحادثات على مدى أكثر 6 سنوات. وذكر أن الاجتماع المقبل بشأن سوريا سيعقد في النصف الثاني من عام 2023.

إلى ذلك، بدا أن الأطراف اتفقت على تسريع وتيرة التقارب السوري التركي، وأعلن نائب وزير الخارجية الإيراني علي أصغر حاجي، رئيس الوفد الإيراني، أن «الدول الأربع اتفقت على عقد اجتماع آخر على مستوى نواب وزراء الخارجية».

وقال لوكالة أنباء «نوفوستي»: «ليس هناك وقت محدد لاجتماع وزراء خارجية الدول الأربع، إلا أن اجتماعاً آخر لنواب وزراء الخارجية على جدول الأعمال».

اجتماعات في دمشق

وتعليقاً على التباين الذي ظهر حول مصير «مسار أستانا»، قال لـ«الشرق الأوسط» دبلوماسي روسي: إن كازاخستان لعبت دور الوسيط «عندما كانت الظروف معقدة للغاية على صعيد العلاقات الروسية – التركية والروسية – الإيرانية، وكذلك العلاقات بين دمشق وأنقرة». وإنه بفضل الوساطة الكازاخية تمت دعوة كل الأطراف، بما في ذلك في إطار الحكومة والفصائل المسلحة السورية؛ لذلك نجحت الأطراف في التوصل إلى صياغات لوقف الاقتتال والانطلاق نحو معالجة القضايا المطروحة بشكل جماعي.

وزاد أنه «حالياً بعد التطورات الكثيرة التي جرت، وبينها تحسن الوضع السياسي والعسكري وانطلاق عمليات التطبيع بين دمشق وأنقرة، سيتم قريباً اعتماد خريطة الطريق والتحضير لاجتماع رباعي على المستوى الرئاسي، يمكن بعد ذلك اعتبار أن العلاقات السورية – التركية قد عادت».

بيدرسن خلال اجتماعات اللجنة الدستورية السورية بجنيف يونيو الماضي (الأمم المتحدة)

وخلص الدبلوماسي الروسي، إلى أنه تبعاً لذلك «لن تكون هناك ضرورة لعقد اجتماعات جديدة في أستانا»، وأضاف أنه «من الطبيعي أن تجري اللقاءات بعد ذلك، إما في أنقرة أو في دمشق، لمعالجة كل القضايا الخاصة بالأزمة السورية». وقال إن هذه الصيغة تسهم في حل مشكلة اللاجئين والوضع على الحدود وكل الملفات الأخرى العالقة، بما في ذلك على صعيد وضع جدول زمني لمغادرة القوات التركي الأراضي السورية».

وأيضاً سيدخل في النقاشات بين أنقرة ودمشق، وفقاً للدبلوماسي الروسي، ملفات «استكمال القضاء على الإرهاب ومعالجة قضايا الفصائل المسلحة وطبيعة مشاركتها في عملية الانتقال السياسي حسب القرار 2254».

لذلك؛ رأى أنه من الطبيعي أن تتغير تسمية «مسار أستانا» لتصبح مثلاً «مسار التعافي في سوريا». وقال إن اجتماع اللجنة الدستورية في مسقط قريباً، أيضاً سيكون الأخير لهذه اللجنة خارج الأراضي السورية؛ لأن «الطبيعي أن يتم إعداد الدستور السوري في سوريا وليس في مكان آخر».

الشرق الأوسط

—————————-

“هدية” سورية… و”خريطة” روسية/ إبراهيم حميدي

وصلت إلى القاهرة “هدية” من دمشق، بعد جهود الأولى في دفع مسيرة التطبيع العربي مع الثانية، في وقت بعثت فيه موسكو إلى دمشق وأنقرة “خريطة” ترسم ملامح التطبيع التركي مع العاصمة السورية. ما “الهدية” وما “الخريطة”؟

مسار التطبيع العربي مع دمشق بات معروفا. لقاءات وزيارات واتصالات تبلورت بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية بمدينة جدة يوم 19 مايو/أيار الماضي، بعد قرار مجلس الجامعة العربية استئناف الحكومة السورية لنشاطاتها المجمدة منذ نهاية 2011.

وقد بني هذا المسار العربي على “بيان عمّان”، العاصمة الأردنية، وقرار مجلس الجامعة في القاهرة، وتضمن عناصر كثيرة، بينها التعاون في مكافحة المخدرات والإرهاب وعودة اللاجئين والنازحين والمساعدات الإنسانية والعمل على حل سياسي بموجب القرار الدولي 2254 وعقد اجتماعات اللجنة الدستورية، التي تضم الأطياف السورية، برعاية أممية.

وصل القطار إلى بند سياسي في “الخريطة العربية”، يتعلق بعقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية المجمدة منذ أشهر بسبب رفض موسكو استضافة جنيف لهذه الاجتماعات على خلفية موقف سويسرا من حرب أوكرانيا، بالتوازي مع جهود عربية لعقد اجتماع اللجنة الوزارية المختصة بمتابعة تنفيذ بنود “بيان عمّان” وقرار الجامعة العربية.

هنا، طرح خيار استضافة القاهرة اجتماعات اللجنة الدستورية. المفاجأة الأولى، كانت بتبلغ موسكو عبر السفير السوري بشار الجعفري عدم موافقة دمشق على عقد اللجنة في العاصمة المصرية. المفاجأة الثانية المعززة، كانت بتأكيد وزارة الخارجية السورية هذا القرار للجانب المصري. السبب هو “وعد” سوري لسلطنة عُمان بعقد اللجنة عندها.

هذه “الهدية” تحمل الكثير من المعاني إزاء نظرة دمشق إلى التطبيع العربي وأولوياته و”خريطة الطريق” المرجعية المولودة في عمّان، وتمسك الجانب السوري بدعم روسي، برفع الغطاء الأممي عن المسار الدستوري الذي انطلق بالأصل ليكون مدخلا لتنفيذ القرار الدولي 2254.

يضاف إلى ذلك، تزامن هذا مع مسار ثان تتجدد الدماء فيه يوم الاثنين. هو “المسار الرباعي” للتطبيع بين سوريا وتركيا بحضور روسي وإيراني؛ إذ تعقد اجتماعات آستانة اليوم جولة جديدة من اللقاءات بعد استراحة طويلة، على أن يعقد نواب وزراء خارجية الدول الأربع لقاء سياسيا يبحث “خريطة طريق” روسية بدعم إيراني، للتطبيع السوري– التركي.

معروف أن دمشق تعطي أولوية للانسحاب التركي من الأراضي السورية، أو وضع جدول زمني أو إعلان بيان إزاء ذلك، إضافة إلى توقف أنقرة عن دعم الفصائل السورية المعارضة. ومعلوم أن الأسد رفض لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية التركية في مايو/أيار كي يترك ضغط ملفي اللاجئين والأكراد السوريين عليه في صندوق الاقتراع. لكن الأسد وافق على تلبية طلب الرئيس فلاديمير بوتين عقد لقاء بين وزيري الخارجية السوري والتركي بحضور نظيريهما الروسي والإيراني في موسكو.

معلوم أيضا، أن أنقرة أعلنت بوضوح رفضها الانسحاب العسكري من سوريا قبل حصول “تسوية شاملة” وزوال تهديدات الأمن القومي التركي من شمال سوريا سواء من الإرهاب أو من “حزب العمال الكردستاني”، بل إن مسؤولين في أنقرة قالوا إن قواتهم لن تنسحب حتى لو انسحب الأميركيون والقوات الأجنبية الأخرى. ومعروف أن أردوغان لم يعد في عجلة للقاء الأسد بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية.

وبين حسابات الأسد وأردوغان، هناك حسابات بوتين المتمسك بدفع التطبيع مع دمشق، سواء كان تركياً أو عربياً. وفي هذا السياق، وضع الجانب الروسي “خريطة طريق” للتطبيع سلمت إلى العواصم المعنية عشية اجتماعات آستانة، الاثنين والثلاثاء، تتضمن عناصر كثيرة تخص التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وترتيبات فتح شرايين وطرق اقتصادية حيوية شمالي سوريا، إضافة إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية وعمل السفارة التركية في دمشق المجمّد منذ 2012 (القنصلية السورية في إسطنبول لم تتوقف عن العمل).

بين “الهدية” السورية للقاهرة، و”الخريطة الروسية” لدمشق وأنقرة، يستمر التداخل والتسابق بين مساري التطبيع العربي والتركي، في سياق رياح تصالحية تهب على منطقتنا بالمعنى الواسع، بأمصارها وحساباتها، عنوانها الرئيس: تطبيع إقليمي في عالم متغير وخطر، فتح النوافذ في خرائط تُرسم فيها حدود جديدة وجدران متحركة.

المجلة

—————————

أستانا في مصب رباعية موسكو.. نهاية مسار كارثي وغياب المبرر التركي للتطبيع/ عبدالله الموسى

شارف مسار أستانا على الانتهاء بعد 6 سنوات ونصف من انطلاقه، عقد خلالها 20 اجتماعاً، ظهر في آخرها اليوم الأربعاء مؤشرات على التحول إلى مسار موسكو لتطبيع العلاقات بين النظام وأنقرة بحضور روسي وإيراني، وهذا ما يعني انتهاء الدور الوظيفي للمعارضة السورية وانقضاء الحاجة حتى لوجودها الشكلي، واندماج مسار أستانا مع رباعية التطبيع في موسكو.

حملت تصريحات نائب وزير خارجية كازاخستان كانات توميش اليوم بشريات زائفة للسوريين عندما تناقلت وسائل إعلام عنه أن “مسار أستانا انتهى”، ليتضح أن تصريح توميش كان عبارة عن مقترح، وأن بلاده أبلغت الأطراف بأنها لن تستضيف لقاءات أخرى.

وقال مبعوث بوتين الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف: اجتماع أستانا الـ 20 هو الأخير الذي تستضيفه كازاخستان، حيث سيعقد الاجتماع المقبل في النصف الثاني من العام الجاري، في مكان يحدد لاحقاً.

اختتام الجولة 20 من أستانا من دون أي جديد.. هل تم الاتفاق على إنهاء المسار؟

مسار أستانا الذي انطلق بداية العام 2017 بكونه مساراً عسكرياً لتأمين وقف إطلاق نار في سوريا بين فصائل المعارضة وقوات النظام إثر سقوط مدينة حلب؛ تحوّل إلى منافسة مسار جنيف الدولي لمناقشة العملية السياسية في سوريا، ثم إلى مسار تفاوضي أمني بين أنقرة وموسكو بشأن “مكافحة الإرهاب”، إلا أن 20 جولة لم تدفع العملية السياسية السورية بل جرتها للخلف وزادت من تعقيداتها، وخلال هذه السنوات الـ 6 ونصف لم يبق للمعارضة سوى منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تجمعت فيها 3 أخريات على مرأى الضامن التركي، دون أي حراك، حتى بلغ السيل زبى جبل الزاوية وتجمع ملايين المهجرين والنازحين على الحدود التركية.

لم يجتمع ضامنو أستانا الثلاثة حتى في أشد الأوقات اشتباكاً وعنفاً، عندما أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وعندما وصلت قوات النظام وروسيا وإيران إلى مشارف مدينة إدلب. في الحالتين خفّضت تركيا وروسيا التصعيد عبر لقاءات بين رئيسي الدولتين.

وجاءت الجولة الـ 20 من أستانا بعد موجة تطبيع عربي، وبعد اجتماعين في موسكو لتطبيع العلاقات بين النظام وأنقرة بحضور روسي وإيراني، و كان المسار آلية لضبط أزمات الدول الثلاث الضامنة، ومساحة لمناكفة اللاعبين الآخرين في الملف السوري وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، Gكونها من نقاط التلاقي القليلة لموسكو وأنقرة وطهران، في حين تتباعد المصالح كثيراً في النقاط الأخرى.

انتهاء الدور الوظيفي للمعارضة السورية

أما فاعلية المعارضة السياسية السورية فتتلاشى مع مرور الزمن بعد انكفاء المعارضة القديمة وظهور شخصيات جديدة في الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وانزياح الملف السوري عن أولويات الولايات المتحدة وأوروبا، وتأثر الملف السوري بتداعيات الأزمات الإقليمية والدولية والتي كان آخرها الحرب الأوكرانية، وتورط المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون في تحريف الحل السياسي في سوريا عبر طرح آلية “خطوة مقابل خطوة”، بعد أن تبعثرت أوراق الحل السياسي في سلل سلفه دي مستورا الأربع.

يخبو اهتمام السوريين بجولات أستانا واجتماعات اللجنة الدستورية، وينظرون إلى هذه المسارات على أنها تحقق غايات الضامنين الثلاثة لشراء الوقت وتمييع الحل السياسي، بمشاركة معارضة سورية بوصفها دمى تحركها تركيا.

وشهدت الفترة بعد التطبيع العربي وانطلاق المسار التطبيعي التفاوضي بين أنقرة والنظام، جولة لافتة لرئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس، حيث زار الرياض ومنها إلى الدوحة ثم الولايات المتحدة، واختتمت الجولة في لم شمل مكونات الهيئة في جنيف للمرة الأولى منذ 3 سنوات.

وقال مصدر في المعارضة السورية لتلفزيون سوريا بعد اختتام أعمال الجولة الـ 20 من أستانا اليوم الأربعاء: ستعقد الجولة التاسعة للجنة الدستورية خلال شهرين، ولن تكون في جنيف بل في سلطنة عمان أو الكويت أو كليهما بالتناوب، على شرط إبقائها تحت مظلة الأمم المتحدة والعودة إلى جنيف عند تغير الظروف.

انقضاء الغاية المفترضة من رباعية موسكو

منذ انطلاق المسار التفاوضي بين النظام السوري وأنقرة في موسكو نهاية العام 2022، اتجهت التحليلات إلى أن الدوافع وراء ذلك انتخابية بحتة، مع وجود آمال خافتة لأنقرة بأن تصل المفاوضات إلى مرحلة تعديل اتفاق أضنة وضمان وجود طويل الأمد للجيش التركي في سوريا، إلا أن النظام السوري ومنذ اللقاء الأول لم يتزحزح عن شرطه بانسحاب الجيش التركي وإيقاف دعم فصائل المعارضة لبدء عملية تطبيع للعلاقات، وهذا ما يؤدي إلى صفرية جدوى المسار على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.

بعد الانتخابات التركية وفوز رجب طيب أردوغان، وتسليم حقيبة الخارجية لرئيس المخابرات السابق حقان فيدان، وهو الرجل الذي أسس لمسار التطبيع بحكم اللقاءات الأمنية التي جمعته مع مخابرات النظام سابقا، حتى الآن لم يعقد اجتماع في موسكو لاستكمال مفاوضات التطبيع.

مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري بات في مرحلة لاختبار التحليلات بأنه مسار بدوافع وغايات انتخابية، فبعد انتهاء الانتخابات وتمسك النظام بشرط انسحاب تركيا، وتلاشي مسار أستانا، لم يعد هنالك مبررات تركية للسوريين بالاستمرار في المسار التطبيعي. في حين من المرجح أن ينتقل مسار أستانا إلى رباعية التطبيع في موسكو، لكن هذا يعني انتهاء الدور الوظيفي للمعارضة السورية، فتركيا تتفاوض الآن مع النظام السوري مباشرة بتيسير من موسكو وطهران.

ومن الأجدى لتركيا أن تنظر إلى ما آل إليه مسار التطبيع العربي الذي كان في جزء كبير منه محاولة لاستباق أي تطبيع تركي مع النظام. الآن العرب منقسمون إلى 3 تيارات لا تلتقي، فقطر تتمسك بموقف الحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254 ضمن آليات يقودها السوريون بإشراف أممي، وتشدد على أن التطبيع مع النظام يعني زوال أي أفق لطموحات السوريين، في حين طبعت السعودية ومن قبلها الإمارات وسلطنة عمان علاقاتها مع النظام مجاناً دون تحقيق مكتسبات لها أو للسوريين، أما الأردن فيتذبذب بين التيارين في محاولة لتحقيق مطالبه المتعلقة بالجنوب السوري وعلى رأسها إيقاف تهريب المخدرات والضبط الأمني وضمانات لإعادة اللاجئين السوريين في الأردن، ويشعر بالغدر بعد أن أسس لبيان عمّان ثم نسخته السعودية ببيان جدة.

ما انتهى إليه مسار أستانا الذي أفقد تركيا الكثير من الأوراق التفاوضية وفاقم كارثة السوريين، وما آل إليه مسار التطبيع العربي؛ يجب أن يكون كافياً لتعدل تركيا عن عملية التطبيع مع النظام السوري، وتتدارك أخطاء الماضي، والاستثمار في منطقة سيطرة المعارضة مع الدول المهتمة والراغبة، والاقتناع بأن معادلة الرعب القائمة في شمال غربي سوريا بحكم الوجود العسكري التركي منذ اتفاق آذار 2020، هي الأجدى والأكثر نفعاً مع التعامل مع النظام وحلفائه، وأمنت استقراراً للمنطقة على مدار 3 سنوات، انعكس على الحالة المعيشية والاقتصادية.

أما شمال شرقي سوريا، فقواعد الاشتباك القائمة منذ عام والتي تستند إلى استراتيجية الضربات الجوية على أهداف محددة، فقد آتت أكلها أكثر مما فعلته عملية نبع السلام، فحزب العمال الكردستاني يتعرض لخسائر حقيقية عندما تصطاد المسيرات التركية كوادره دون توقف. وهنالك فرصة لأنقرة مع الولايات المتحدة لتقدّم الأخيرة ضمانات حقيقية لأمن تركيا القومي، حيث تسعى أنقرة لذلك ضمن مفاوضات انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

—————————-

جدوى القرارات الأممية في الحالة السورية/ حسن النيفي

لا يتردّد نظام الأسد في الرضوخ والتنازل عن أي شيء، ولأيّ جهة أو طرف كان، إن كان ذلك يخدم بقاءه واستمراره في السلطة، وبالمقابل فإن لديه كامل القناعة والاستعداد للوقوف أمام العالم أجمع ومحاربة الجميع حتى آخر رمق في كيانه إن كانت هذه المواجهة من أجل البقاء في السلطة.

لا يجري هذا الكلام في سياق التأويل أو التكهّن أو الاستنباطات، بل هذه حقائق وإن لم تكن تحمل السمات العامة للحقائق العلمية، إلّا أن شدّة نصوعها الواقعي وحسّية التجربة كفيلة أن تجعل منها حقيقة لا تقل مصداقية عن الحقائق العلمية الأخرى. ولعل الناظر لما جرى ويجري في سوريا منذ عام 2011 وحتى الآن يدرك أن روسيا أصبحت هي الممسك الأقوى بمقدرات البلاد الاقتصادية وكذلك هي المتحكم الفعلي بالثروات السورية عامة، ولن يكون هذا الاستملاك الروسي لسورية حالة مؤقتة فرضتها حاجة النظام وسوف تنتهي بانقضاء هذه الحاجة فحسب، بل ستمتد إلى عقود زمنية مقبلة، ذلك أن معظم العقود التي أبرمها نظام الأسد مع روسيا، كمنح الروس امتياز التنقيب عن الفوسفات أو منح الروس حق استثمار الموانئ، هي تفاهمات تمتد إلى خمسين سنة مقبلة وفقاً لما هو مثبت في الوثائق التي وقعها الطرفان.

ولا شكّ في أن هذا السخاء الأسدي يقابله تعهّد روسي بالحفاظ على رأس بشار الأسد واستمراره حاكماً على البلاد السورية، وبالفعل فقد أخلص بوتين لمصالحه حين أخلص بالدفاع عن الأسد والوقوف أمام المجتمع الدولي بكل صلف ووقاحة للدفاع عن حاكم قاتل، سواء كان هذا الإخلاص في الجانب العسكري الميداني أو الجانب السياسي أو في الاستبسال بالدفاع عن النظام في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

بالطبع كان يمكن لبشار الأسد أن يبقى حاكماً من دون أن يُرهن البلاد السورية لروسيا أو لسواها، ومن دون أن يقدم على تقديم تنازلات بهذه الفداحة، لو أنه فقط قبل بتقديم بعض التنازلات اليسيرة للشعب السوري، وهي بالأحرى ليست تنازلات بل حقوق مشروعة للمواطنين السوريين، ولكن لم يفعل، ولم يكن بمقدوره أن يفعل بحكم ماهية النهج الذي يحكم به البلاد، وتلك إحدى المفارقات الكارثية التي فتكت تداعياتها بالشعب السوري وأورثته هذا الخراب الهائل. وما قيل عن ارتهان الأسد للروس يمكن أن يقال عن ارتهانه لإيران، ولو بأشكال أخرى ربما بات يدركها معظم السوريين.

ما استدعى الكلام السابق هو النزوع الشديد لمجمل الفعاليات السياسية السورية والإقليمية نحو تعزيز الوهم بجدوى القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية، ليس لأن تلك القرارات ليست ذات قيمة في ذاتها، بل لأنها تحمل عوامل إعدامها في داخلها، أي أنها لا تحمل في طياتها أي عامل من عوامل تجسيدها أو تحقيقها على الواقع الفعلي، وذلك من جهة أن السبيل الوحيد الذي يضمن تنفيذها هو قناعة نظام الأسد وحلفائه بالانصياع لتلك القرارات والالتزام بما تقره المرجعيات الأممية، وإنْ تعذّر ذلك فمن الممكن اللجوء إلى الوصي الرسمي على النظام، أعني روسيا، للضغط على الأسد أو إجباره على الالتزام بالمسار التفاوضي والقبول بمضامين القرارات الأممية، وهذا الوهم الذي تجرّع السوريون تبعاته الموجعة سواء من خلال مسار أستانا أو من خلال اللقاءات العبثية لمسار اللجنة الدستورية، بل ربما كانت درجة الوهم أكثر كارثيةً حين يمضي البعض بالاعتقاد أن رأس النظام في سوريا يساير الروس أو ينصاع لهم بكل ما يريدون، إذ يمكن أن يكون أشدّ طواعية في أي شأن آخر من شؤون البلاد باستثناء التخلّي عن السلطة.

وبالفعل هو لم يقصّر في الطاعة في أي شان، حتى بكرامته الشخصية وأمام الملأ جميعاً حين تعرّض للإهانة المباشرة في أكثر من موقف، ولكن سوف يتحول هذا الخنوع والاستزلام إلى نقيضه من الصلف والاستكبار حين يطول الأمر وجوده على رأس السلطة، فبشار الأسد يرى في نفسه صاحب حق على الروس وعليهم أن يفوا بوعدهم طالما أنهم قبضوا مستحقاتهم كاملةً، وعند هذا الحدّ لن يبقى أي مجال للمساومة، ويبقى أمام بوتين إنْ شاء التخلص من الأسد هو قتله المباشر أو اغتياله فحسب، ولن يفعل ذلك بالطبع، على الأقل في المدى المنظور، طالما أن المصالح الروسية ما تزال توجب الحفاظ على الأسد.

يبقى التساؤل قائماً عن جدوى تكريس الجهود السورية والإقليمية للمطالبة بتنفيذ القرار 2254، علماً أن الجميع يدرك في قرارة ذاته أن المطالبة بتنفيذ القرار المذكور كالنفخ في قربة مثقوبة، ولئن كنا قادرين على تفهم العزف الذي تمارسه الدول العربية الساعية للتطبيع مع الأسد على وتر القرار الدولي 2254 باعتبار هذا العزف غطاء سياسياً لسلوك غير أخلاقي وخاذل لتضحيات وكرامة السوريين، فما هي الدوافع الكامنة وراء مشاركة المعارضات الرسمية السورية بالعزف على الوتر ذاته؟ بل لماذا ترى في المطالبة بتطبيق القرار الأممي سقفاً نهائياً لسيرورة نضالها مع إدراكها ويقينها الضمني بأن مشاركتها هذا العزف لن تؤدي إلّا إلى اتساع ثقب القربة كما يقال؟ هل ارتباطاتها أو ارتهانها للإرادات الإقليمية توجب عليها ذلك؟

المفترض أن الائتلاف وهيئة التفاوض كيانان يتصدران قيادة الثورة السورية، والمنطق يؤكّد أن قيادة الثورات تفكر وتعمل باستمرار على إيجاد وسائل وآليات نضالية جديدة كما تعمل على ابتكار خطط وبرامج متجددة موازية لقدرة الثورات على الابتكار والإبداع، فلماذا تُحجم المعارضة الرسمية السورية عن ذلك وتُؤثر الركون إلى الوصفات الجاهزة؟ هل إيثاراً للراحة والاستنقاع وإعفاء الذات من تبعات أي محاولة للتفكير والعمل، أم حفاظاً على مصالح أخرى؟ هذه التكهنّات لا تحمل في طياتها أي شتيمة أو تشكيك أو اتهام، ولكن من حق السوريين تكرار طرحها حتى تجيب المعارضة ذاتها عن تلك الأسئلة بوضوح يقنع الآخرين، وخارج أُطر التبرير المستهلكة والتقليدية، لتقطع الظن باليقين.

—————————-

التطبيع بين النظام وتركيا يقتحم مسار أستانة/ عماد كركص

لطالما عمد النظام السوري إلى توجيه الرسائل بالنار، قبيل انعقاد معظم جولات مسار أستانة، التي بدأت الجولة الـ 20 منها أمس الثلاثاء، وتنتهي اليوم في العاصمة الكازاخستانية.

وتأتي هذه الجولة بطابع مختلف، إذ يُفرض على المسار، المخصص للتفاوض بين المعارضة والنظام، برعاية روسية وتركية وإيرانية، ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، إذ عقد نواب وزراء النظام وتركيا وروسيا وإيران اجتماعاً، يعد امتداداً للاجتماعات التقنية بين نواب الوزراء في إطار السعي الروسي لتكريس تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام.

وستعقد الجلسة العامة اليوم بين وفدي المعارضة والنظام، بحضور ممثلي الدول الثلاث الضامنة، بالإضافة لحضور المبعوث الأممي غير بيدرسن، وممثلين عن دول جوار سورية، وهي لبنان والعراق والأردن.

قصف روسي على إدلب

وقبل ساعات من بدء اليوم الأول من الجولة الحالية، قصف الطيران الحربي الروسي مناطق في إدلب شمال غربي سورية. وشنت طائرتان ثماني غارات باستخدام صواريخ شديدة الانفجار غربي مدينة إدلب (مركز المحافظة)، التي تخضع لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، وتضم مخيمات للنازحين أيضاً، ما أدى إلى أضرار مادية جسيمة في ممتلكات المدنيين.

بالتزامن قصفت قوات النظام صباح أمس بالمدفعية والصواريخ الأراضي الزراعية القريبة من خطوط التماس في جبل الزاوية جنوبي إدلب، ومحاور الأتارب وكفرعمة غربي حلب، موقعة أضراراً مادية في ممتلكات المدنيين.

ويأتي التصعيد بالتزامن مع إعلان النظام إرساله تعزيزات عسكرية إلى ريف حلب الشمالي. ونقلت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام عن مصدر ميداني “وصول تعزيزات ضخمة” لقوات النظام إلى مناطق ريف حلب الشمالي، مرجحاً أن “تشهد مناطق الشمال السوري سيناريو ميدانياً مشابهاً لسيناريو استعادة الجيش لطريق أم 5، إذ إن استعادة الجيش العربي السوري لزمام المبادرة باتت حتمية في تلك المنطقة”.

وحول الأجندة الرسمية للاجتماعات، أكدت وزارة الخارجية الكازاخستانية أن جدول الأعمال سيشمل قضايا تغيير الأوضاع الإقليمية حول سورية والوضع على الأرض والجهود المبذولة للتسوية الشاملة فيها، فضلاً عن قضايا مكافحة الإرهاب وإجراءات بناء الثقة والإفراج عن الرهائن. كما سيتم بحث مواضيع المفقودين والوضع الإنساني وحشد جهود المجتمع الدولي لتعزيز إعادة إعمار سورية بعد انتهاء النزاع، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.

خريطة طريق للتطبيع بين النظام وتركيا

وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في أستانة أمس الثلاثاء، إن “موسكو تأمل إحراز تقدم في العمل على خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق”.

وأضاف: “للمرة الاولى ينظم هنا حدث ثانٍ وبشكل متواز، هو اجتماع لأربع دول، هي تركيا وسورية وروسيا وإيران، على مستوى نواب وزراء الخارجية، نعمل خلاله على قضايا تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة”. وأشار إلى أن تلك عملية مهمة يجب أن تستند إلى مبادئ متفق عليها هي الاحترام المتبادل لسلامة الأراضي والوحدة والسيادة.

وقبيل الاجتماع الرباعي، عقد وفدا روسيا والنظام اجتماعاً ثنائياً حضره عن بوغدانوف ومبعوث الكرملين إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، ورئيس وفد النظام معاون وزير الخارجية أيمن سوسان، الذي التقى كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، ووفد الأمم المتحدة برئاسة المبعوث الخاص إلى سورية غير بيدرسن.

وتوقع المحلل السياسي والباحث المختص في الشأن الروسي طه عبد الواحد، المقيم في موسكو، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “يدعو النظام السوري، مدعوماً بالموقف الروسي، إلى نقل اجتماعات اللجنة الدستورية إلى مدينة بديلة، وسيزعم في طرحه هذا أنه حريص على الاستجابة للرغبة العربية بتفعيل الدور العربي في تسوية الأزمة السورية”.

وأضاف: “أما روسيا فإنها سبق وأن دعت إلى نقل الاجتماعات من جنيف، وتقول إن دبلوماسييها لم يعودوا قادرين على المشاركة في الاجتماعات هناك بسبب العقوبات الغربية. وما يجري ليس سوى خطوة إضافية لتحجيم الدور الدولي، ومنح مساحات أكبر لدول عربية باتت مواقفها شبه متطابقة مع موقف موسكو ودمشق”.

التركيز على التطبيع بين دمشق وأنقرة

وأضاف عبد الواحد أن “الملف الثاني الذي سيتم التركيز عليه هو التطبيع بين دمشق وأنقرة، وخريطة الطريق للتطبيع التي أعلن الروس أنها أصبحت جاهزة، إلا أنه لم يصدر أي تصريح تركي عن هذه الخريطة. وأغلب الظن أننا لن نشهد الكثير من التطورات في هذا الملف، وربما ينتهي الأمر بتوافق على دراسة الخريطة المقترحة، و(وضع رؤية للتطبيع) مناسبة لجميع الأطراف، يتم بحثها في الاجتماعات المقبلة وعبر الاتصالات الثنائية”.

وقال عبد الواحد: “من غير المتوقع أن يطرأ أي تغيير جذري خلال الاجتماع على الموقف التركي بشأن الوضع في شمال شرق سورية أو في إدلب وريف حلب، كما لا توجد أي إشارات تدعو للتفاؤل بشأن أي تقدم حقيقي في ملف المعتقلين في سجون النظام السوري. وقد نسمع عن (تطورات) يؤكدها رئيس وفد النظام، إلا أنه في الواقع لن يتجاوز الأمر إطلاق سراح عشرات من أصل مئات آلاف المعتقلين، حتى يستغل النظام هذه الخطوة في (إرضاء) دول التطبيع”.

وحول تلويح النظام بإمكانية التقدم العسكري شمال غربي سورية، بالتزامن مع التطورات الحالية، رأى القيادي في المعارضة العسكرية السورية العقيد مصطفى بكور أنه “في ظل الظروف الدولية السائدة، حيث تعد روسيا ضعيفة، وإيران مشغولة بمشكلاتها الداخلية وتربكها الهجمات الإسرائيلية على مواقع قواتها داخل الأراضي السورية، والنظام السوري يعاني من انعدام الموارد وتغول الفساد ومهدد بالمحاكم الدولية، لا أجد إمكانية حقيقية لتكرار تجربة الوصول إلى طريق أم 5، مع رغبة النظام بالوصول إلى طريق أم 4، الواصل بين حلب واللاذقية مروراً بإدلب”.

وأضاف: “ما نراه من حشود للنظام في مناطق مختلفة، لا أعتقد أنها تتعدى محاولات ضغط على الأتراك والمعارضة خلال جولة أستانة الحالية”. وتابع: “بالنسبة للأتراك، أعتقد أنه بعد الانتخابات واستقرار الوضع بالنسبة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية أصبح الموقف التركي أقوى، ولا يمكن لتركيا أن تتنازل أكثر أمام النظام وروسيا. أعتقد أننا سنرى تشدداً تركياً في التعامل مع نظام (بشار) الأسد خلال الفترة المقبلة

العربي الجديد

————————

أستانة السوري”.. مفاجأة في البيان الختامي و”ساحة جديدة”/ ضياء عودة

شهدت كازاخستان على مدى يومين جولة من المحادثات الخاصة بمسار “أستانة السوري”، ورغم أن هذه الخطوة العشرين سبقتها 19 جولة منذ عام 2017، إلا أنها تميزت من جهة بظلال “الاجتماعات الرباعية” الهادفة إلى تقريب العلاقة بين أنقرة ودمشق، ومن جهة أخرى بـ”المفاجأة والساحة الجديدة” التي تكشف الحديث عنها بعد نشر البيان الختامي.

ويعتبر “أستانة السوري” الأطول قياسا بباقي المسارات، ومنذ انطلاقته قبل 6 سنوات تميز بآليته الممزوجة بين “السياسة والتطبيق على الميدان”.

وبينما كانت نتائجه متفاوتة وانعكست بداية على تقسيم الأراضي السورية إلى “مناطق خفض تصعيد” تشي جملة من التصريحات والمواقف في الوقت الحالي إلى “تغيّر طرأ في الجولة العشرين منه”.

وكان لافتا منذ الثلاثاء استحواذ “اجتماعات بناء الحوار بين أنقرة ودمشق” على اليوم الأول من “أستانة 20″، فيما أثار موقف كازاخستان في ختام المحادثات وما تبعها من تصريحات لمسؤولين روس تكهنات وأطلق تساؤلات عن الشكل الذي سيكون عليه المسار بين “الضامنين” (تركيا، روسيا، إيران) في المرحلة المقبلة.

ودعا نائب وزير الخارجية الكازاخستاني كانات توميش، الأربعاء بشكل غير متوقع إلى اختتام المحادثات الثلاثية، بقوله إن “هدفها قد تحقق”.

وأضاف للصحفيين: “خروج سوريا التدريجي من العزلة في المنطقة يمكن اعتباره علامة على أن عملية أستانة قد تكون أكملت مهمتها”. وتابع: “مع الأخذ في الاعتبار عودة سوريا إلى الجامعة العربية نقترح الإعلان رسميا عن الاجتماع العشرين في إطار أستانة باعتباره الاجتماع الأخير”.

ومن الواضح أن الموقف المذكور لم يكن ضمن خطة الأطراف الثلاثة المفاوضة، التي قالت في بيان مشترك بعد المحادثات إن الاجتماع المقبل سيعقد في وقت لاحق من هذا العام، وفق وكالة “رويترز”.

بدوره أشار مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف إلى أن “قرار كازاخستان بتأجيل الاجتماعات بشأن سوريا من أستانا جاء كمفاجأة لروسيا وإيران وتركيا”.

لكنه قال إن “صيغة أستانة ليست مرتبطة بمكان معين”، وإنه “سيتم تحديد ساحة جديدة لمواصلة الاجتماعات حول سوريا”، مضيفا: “المسار أكدت فاعليته ونشكر كازاخستان على استضافتها لأكثر من 6 سنوات”.

“مفاجأة في التوقيت”

ومن غير الواضح حتى الآن الأسباب التي دفعت كازاخستان إلى “الإعلان عن ضرورة إنهاء مسار المحادثات في أستانة”، وكذلك الأمر بالنسبة للموقف الروسي الذي اختصره لافرنتيف بعبارة “المفاجأة”.

في غضون ذلك لم يصدر أي تعليق من الجانب التركي والإيراني ومن جانب النظام السوري بشأن تغيير مكان انعقاد الاجتماع. وإن تم سيكون تغيرا جذريا لم يسبق وأن تم التطرق له خلال السنوات الست الماضية.

وأكد رئيس وفد المعارضة في محادثات “أستانة”، أحمد طعمة لموقع “الحرة” أن جدول المسار وآليته لم يطرأ عليها أي تغيير في الجولة العشرين، وأن “التغيير فقط يكمن في المكان” الذي دعت إليه كازاخستان”.

ولا تعرف الأسباب التي دفعت الدولة المضيفة للمحادثات إلى هذه الخطوة، ويضيف طعمة: “يبدو لي أنهم غير مرتاحين ويريدون التخلص من هذا الأمر، فيما بدا الانزعاج على الجانب الروسي”.

“المفاجأة كانت في التوقيت أيضا”، واعتبر رئيس وفد المعارضة أن الدول الضامنة للمسار أكدوا أنهم سيعقدون اجتماعا قريبا في النصف الثاني من العام الحالي، على أن يتم تحديد المكان لاحقا.

وجاء في البيان الختامي لـ “أستانة 20″، التأكيد على مواصلة المباحثات المتعلقة بتطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، كما أكد “على أهمية دفع هذه العملية على أساس حسن النية وحسن الجوار من أجل مكافحة الإرهاب”.

وهاتان العبارتان لم تكونا حاضرتين في البيانات الختامية للجولات الـ19 السابقة، كون مسار الحوار بين أنقرة والنظام السوري بدأ في أواخر العام الماضي.

وبحسب بيان “أستانة 20″ كانت المشاورات الرباعية بنّاءة و”تمت مناقشة التقدم المحرز في إعداد خارطة الطريق لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا”.

كما تحدث عن “أهمية التنسيق مع عمل وزارات الدفاع والخدمات الخاصة في سوريا وروسيا وإيران وتركيا ومواصلة الجهود بهذا الاتجاه”.

لكن وفي أعقاب الانتهاء من المحادثات التي استمرت ليومين صرّح نائب وزير خارجية النظام السوري، أيمن سوسان أن “الانسحاب التركي الكامل غير المشروط من سوريا هو المدخل الأساس لأي علاقات عادية مع تركيا، وغير ذلك فهو أوهام”.

وأضاف أن “خارطة الطريق قابلة للتحقيق، لكن لها متطلبات في مقدمتها إقرار واضح بالانسحاب”، مشيرا إلى أن “اجتماعات أستانة حققت إنجازات مهمة على صعيد تقليص مساحة الإرهاب في سوريا وبشكل أساسي في مناطق خفض التصعيد الثلاث (ريف دمشق، درعا، حمص)”.

لكن “في المنطقة الرابعة (إدلب) كان من الممكن أن يكون هناك نصيب من النجاح لولا مواقف تركيا”، حسب تعبير المسؤول السوري.

ماذا وراء “الساحة الجديدة”؟

وجاء انعقاد “أستانة 20” بعدما خرجت تركيا من انتخاباتها التاريخية، وما تبع ذلك من التعيينات الجديدة التي أعلنها الرئيس رجب طيب إردوغان على مستوى الاستخبارات والدفاع والخارجية.

وتركيا هي أحد الدول الضامنة والفاعلة في المسار منذ 2017، وجاءت الجولة أيضا في وقت تواصل أنقرة عملية بناء الحوار مع النظام السوري، والتي بدأت أولى محطاتها برعاية روسية أواخر العام الماضي.

وفي غضون ذلك وما بين الجولة 19 و20 من “أستانة” كان الملف السوري قد شهد سلسلة من التطورات المتعلقة بعلاقة الأسد بالإقليم والمحيط العربي، بعدما فتحت عواصم عربية أبوابها أمام العلاقة المستجدة مع دمشق.

ويوضح الباحث والكاتب السوري، عمر كوش أن “توسعة مسار أستانة من ثلاثي إلى رباعي بإشراك النظام السوري يعني أن هناك تغيرات طرأت على طبيعة المناقشات”.

و”يستدعي ذلك تغيير المكان، أي إيجاد ساحة جديدة تتسع للمشاورات القادمة بين أنقرة ونظام الأسد”، ولاسيما في ظل الإصرار الروسي على مواصلة المفاوضات حول “خارطة الطريق”.

ويعتقد كوش في حديثه لموقع “الحرة” أن تصريحات لافرنتيف بأن “موقف كازاخستان مفاجئا” لا يعكس الواقع، وأن “تغيير المكان متوقع ومتفق عليه لأن تكون الجولة 20 الأخيرة في مدينة أستانة”.

“بالتأكيد سينتقل المسار لساحة جديدة إما في انقرة أو دمشق أو بالتناوب، وموسكو بلاشك ستكون وحاضرة وطهران أيضا”.

ويتابع الباحث السوري أن “المبادرة ليست من جانب كازاخستان كما هو معلن، بل تمت باتفاق رباعي بين الأطراف الأربعة الجديدة للمسار السوري”.

“انتهى دور الوساطة”

من جانبه يرى المحلل السياسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر أن “كازاخستان لعبت دور الوسيط في الملف السوري والأزمة السورية عندما كانت الأوضاع والظروف المحيطة بسوريا جدا معقدة”.

لكن وبعد أن توصلت دول مجموعة مسار “أستانة” – أي تركيا وإيران وروسيا بالإضافة إلى ممثلي الحكومة في دمشق وممثلي المعارضة المسلحة – إلى اتفاق “نظام التهدئة في كافة الأراضي السورية ووقف إطلاق النار” انعكست جملة من التطورات “الهامة”.

وتمثلت هذه التطورات باللقاءات الرباعية على مستوى نواب الخارجية والأجهزة الأمنية ومن ثم على مستوى وزراء الخارجية، بين أنقرة ودمشق.

ويقول الشاعر لموقع “الحرة”: “بعد وضع خارطة الطريق لعملية الحوار بين أنقرة ودمشق سيتم اللقاء على مستوى القادة لاعتمادها”، و”لذلك لم يعد هناك أي لزوم لإجراء لقاءات في أستانة”.

“اللقاءات ستنتقل تلقائيا إلى دمشق أو أنقرة لمعالجة كل القضايا التي تخص الملف السوري والعلاقات السورية التركية، وخاصة قضية اللاجئين ووضع المعارضة بما في ذلك المسلحة”.

ومن خلالها أيضا “سيتم مناقشة الاتفاق على جدول زمني لمغادرة الجيش التركي من سوريا والقضايا الأمنية الأخرى”، وفق ذات المتحدث.

“هندسة التسوية”

ومنذ سنوات لا توجد أي بوادر على صعيد الحل السياسي في سوريا، خاصة بعد فشل الجولات التسع لمسار اللجنة الدستورية السورية، على خلفية العراقيل التي وضعها نظام الأسد، وفق اتهامات وجهتها المعارضة السورية في وقت سابق.

وكذلك العراقيل التي وضعتها موسكو مؤخرا، مصرّة على تعديل مكان عقد اجتماعات “اللجنة الدستورية” من جنيف إلى دولة “محايدة” أخرى، وفق تعبير مسؤوليها.

وكان مسار “أستانة” الذي اقترحه الروس قد بدأ على شكل مسار عسكري، وحقق نتائج على الأرض، أتاحت للنظام السوري “قضم معظم المناطق السورية تقريبا”، والتي كانت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة.

بعد ذلك انتقل إلى المفاوضات السياسية على مدى 19 اجتماعا، والآن تكلل باللقاءات الرباعية لتقريب العلاقة بين أنقرة ودمشق.

ويقول الكاتب كوش: “مسار أستانة سياسي بين روسيا وتركيا وإيران من أجل سحب كل الذرائع أمام المجتمع الدولي”.

ويضيف أنه “أنهى جنيف تماما، بموافقة أو بغض نظر الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بينما اضطرت الأمم المتحدة للاعتراف به وأن تكون شاهد زور لا أكثر ولا أقل”.

ويشير كوش إلى أن “الحديث الروسي عن عملية التسوية السورية بعيد كل البعد عن الاكتمال”، وأن “روسيا تريد الآن هندسة التسوية بين النظام السوري وتركيا، وفيما بعد إلى ساحة أخرى إن جاز التعبير”.

ويعتقد المحلل السياسي الشاعر أن “اللجنة الدستورية سيكون اجتماعها الأخير خارج الأراضي السورية في سلطنة عمان”.

ويعتبر الشاعر أن “الأوضاع في سوريا بدأت في التعافي فعليا، وبالشكل الذي يضمن حقوق جميع السوريين، وعودة السيادة السورية على جميع الأراضي ووحدتها”.

وما تزال سوريا مقسمة بين 3 أطراف نفوذ، الأول تحت سيطرة النظام السوري والثانية خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة إلى جانب منطقة ثالثة في شمال شرق البلاد تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

ولا يقتصر الانقسام على قوى محلية، بل تجوب على معظم الأراضي السورية قوات ودوريات لقوى عالمية، من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية.

ولا يعرف بالتحديد كيف ستسير العلاقة بين أنقرة والنظام السوري في المرحلة المقبلة، ولاسيما أن الأخير يصر على شرط “الانسحاب”، بينما ترهن الأولى ذلك بالقضاء على كامل التهديدات الإرهابية التي تتعرض لها على طول حدودها الجنوبية.

الحرة

————————–

الجولة 20 من مسار أستانا.. والبحث عن مسار حلٍ سياسي/ أسامة آغي

انعقدت الجولة 20 من مسار أستانا في عاصمة دولة كازاخستان بحضور نواب وزراء خارجية الدول الضامنة الثلاث (تركيا روسيا إيران) إضافة إلى وفد نظام أسد، وعلى جدول أعمال يحاول إيجاد مربع يبنى عليه تطبيع العلاقات التركية مع نظام أسد.

كذلك أدرج على جدول الأعمال موضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم وبيوتهم، ومسألة إعادة إعمار سورية، إضافة إلى التوصل إلى صيغة حلٍ سياسي للملف السوري.

الجولة العشرون الحالية من مسار مفاوضات أستانا، انعقدت في ظروف مختلفة، عما كان يحيط بالجولة 19 من هذا المسار، فالجولة السابقة، كانت جولة ترقب لنتائج الانتخابات التركية، في حين استطاع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أن يحسم مع حلفائه هذه الانتخابات لصالحهم، مما جعل القيادة التركية في موقع أقوى بدون ضغوط ورقة اللاجئين السوريين، هذه الورقة حاولت المعارضة التركية استثمارها إلى أقصى، مما دفع بالحكومة التركية آنذاك إلى الدفع بمحادثات ترعاها موسكو بين أنقرة ودمشق، والغاية هي سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة، وهذا ما حدث.

شروط تطبيع العلاقات التركية مع نظام أسد في الفترة الحالية محكومة بما تجنيه تركيا من هذا التطبيع، بما يخص مسألتين جوهريتين، الأولى، تتعلق بالجانب الأمني (أي إبعاد تهديد ما يسمّى ميليشيات سوريا الديمقراطية “قسد” عن الحدود التركية مع سورية)، والثانية الضغط تركياً للدفع بالحل السياسي مقاربة مع القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254، والذي يشمل عودةً آمنةً للسوريين إلى مدنهم وقراهم دون أي خوف من اعتقال وقتل.

هذان الشرطان التركيان لا يمكن عزلهما عن المسعى الدولي لتنفيذ القرار الدولي المذكور، فلا أحد من الدول الضامنة بقادر على تأهيل نظام أسد دولياً، رغم إعادته إلى الجامعة العربية، فالغرب بقيادة الولايات المتحدة يرفض تطبيع العلاقات مع أسد، لا بل يرفض تمويل إعادة إعمار سورية، أو السماح بتمويل هذه العملية، قبل تنفيذ القرار الدولي المذكور.

نظام اسد يُدرك أن موافقته على تنفيذ هذا القرار يعني ببساطة سحب هيمنته على السلطة في سورية، مما يعني رحيله عن نظام الحكم ولو مع نهاية فترته الرئاسية الحالية، وهو أمر يرعبه، سيما وأن حراكاً أوربياً وأمريكياً يتمّ على قاعدة فتح ملفات جرائم هذا النظام الإنسانية. فالدعوى التي تقدمت بها كلٌ من هولندا وكندا أمام محكمة العدل الدولية هي دعوى لمحاكمة هذا النظام على جرائم ارتكبتها حكومته، وهذا يمنع التطبيع بصورة ما مع نظام متهمٍ بصورة مثبتة بارتكاب جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية.

الأتراك ليسوا في وارد تطبيع مجاني مع نظام أسد، فهذا النظام، ليس لديه مقدرة على تقديم أي شيء لتركيا دون موافقة من حليفيه الروسي والإيراني، وبما أن الروس يحتاجون لموقف تركيٍ غير متطابقٍ مع موقف دول منظمة الناتو العسكرية في صراعهم مع الغرب حول أوكرانيا، يمكنهم الضغط على نظام أسد، ليقبل بتوسيع المنطقة الآمنة لتصبح بعمق ثلاثين كيلو متراً، التي أقرت باتفاقية أضنة عام 1998، حيث تنصّ على حق الجيش التركي بالتوغل بعمق خمسة كيلو متراً داخل الحدود السورية مع تركيا.

إذا قبل نظام أسد بهذه المطالب التركية، فهذا يفتح الباب على إحراز تقدم مقنع بخصوص فتح الطريقين الدوليين (m4 وm5)، هذان الطريقان يمكنهما تخفيف ضغط العقوبات الغربية على نظام أسد من جهة الاقتصاد، وفي الآن ذاته يُنعش حركة التجارة التركية عبر هذين الطريقين باتجاه العراق والأردن ودول الخليج العربية.

أما أن يُقدم النظام على عودة أكثر من ستة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار، فهذا بالنسبة له تهديد لنظام حكمه من جديد، فعودة اللاجئين، ستكون برعاية وضمانٍ دوليين، ولهذا فهو يسوّف ويضع شروطاً حيال هذه المسألة.

النظام يريد أن يحصل على أموال تحت مسمّى إعادة الإعمار، وهو لن يحصل عليها بعد عودته للجامعة العربية، ولن تتحسن ظروفه الخانقة اقتصادياً، مادام هناك قوانين أمريكية وغربية تفرض عقوبات شديدة على من يتعامل مع هذا النظام، سواءً كان التعامل من قبل دولٍ، أو شركاتٍ، أو أفراد.

وفق هذه الرؤية، يمكننا القول، إن أستانا 20 ليست أكثر من مسار مؤقت، يحاول ضامنوه تثبيت مصالح دولهم، فالإيرانيون الذين أصروا على الالتحاق بما سُمي وساطة روسية لتطبيع العلاقات بين تركيا ونظام أسد، إنما أرادوا أن يثبّتوا مصالحهم في هذا البلد، نتيجة استثمارهم الكبير مالياً واقتصادياً وإيديولوجياً فيه، فهم خائفون أن يتبخر عائد هذا الاستثمار.

الإيرانيون، يدركون أن انتصار حزب العدالة والتنمية وحلف الشعب في الانتخابات الأخيرة، ستُطلق يد أردوغان أكثر في مطاردة ميليشيات PKK / PYD في سورية، وستمنحهم وضعاً فاعلاً وقوياً في مفاوضات الحل السياسي وفق القرار 2254.

دول أستانا الضامنة، تعرف حق المعرفة أنها لا تستطيع فرص صيغة حل سياسي توافقي فيما بينها، خارج موافقة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوربي، الذين يحتفظون بقوات عسكرية تحت مسمّى قوات التحالف الدولية في شمال شرق سورية، وفي منطقة التنف السورية المحاذية لمثلث سورية الأردن السعودية.

أستانا (لن تُخرج الزير من البير)، أي لن تستطيع تمرير حل سياسي بدون ضوء أخضر من الولايات المتحدة وحلفها الغربية، سيما أن صراعاً عسكرياً شديد الخطورة لا يزال مستمراً في أوكرانيا بين الحلف الغربي وروسيا.

أستانا قد تتوصل إلى سقف توافق حول أمرين، إطلاق يد تركيا ضد قسد في منبج وتل رفعت، وهي (الحرب المؤجلة تركياً)، مع موافقة لتوسيع عمق العمليات التركية ضد الميليشيات العدوة لها ( ميليشيات PKK وميليشيات PYD) إلى عمق أكبر مما ورد في اتفاقية أضنة عام 1998، مقابل تنشيط للطريقين الدوليين m4 و m5، أما الحل السياسي فلا يزال يحتاج إلى تغيرات في موازين القوى بين الدول المنخرطة في الصراع السوري.

كاتب وصحافي سوري

السورية.نت

————————–

========================

تحديث 16 حزيران 2023

—————————

تعويم الأسد بين حسابات آنية ومقتضيات استراتيجية/ عبد الباسط سيدا

السرعة العجيبة التي اتسمت بها الجهود الدبلوماسية العربية لإعادة سلطة بشّار الأسد إلى الجامعة العربية، التي تعاني هي الأخرى من شجونها، وتعيش أزمة بنيوية عميقة، تتمثل في ضعف دورها على المستويين الإقليمي والدولي، إلا في الإطار المناسباتي الوظيفي، أثارت انتباها وتساؤلأ كثيريْن، فهذه السرعة التي قاربت ميزة الـ”الفرط صوتية” التي تروّجها أجهزة الدعاية الروسية والإيرانية في سياق التهويل بمواصفات صواريخ بلديْها القادرة على الوصول إلى أبعد المناطق وفق الأجهزة المعنية. واللافت أن هذا التسارع في وتيرة جهود الانفتاح على السلطة المعنية جاء في أعقاب الإعلان عن التوافق السعودي الإيراني في بكين، برعاية وتشجيع مباشرين من الصين وعلى أعلى المستويات.

ومن الواضح أن الرغبة في تهدئة الأمور في اليمن مع الجانب الإيراني كانت الدافع الأكثر تأثيراً إلى استقبال بشّار الأسد في القمّة العربية بالشكل الذي تم. ويبدو أن دولاً عربية أخرى، العراق مثلا، لها حسابات مختلفة، كانت هي أيضاً في وارد تجاهل محنة السوريين لصالح ترتيب الأوراق مع إيران عبر بوابة الانفتاح على سلطة آل الأسد. وقد سبقت عملية التطبيع العربي الرسمي مع السلطة المعنية جهود تعويمية لها عبر البوابة الإنسانية بعد زلزال 6 فبراير/ شباط 2023.

 وبالتزامن مع الانفتاح العربي الرسمي على سلطة بشّار الأسد، رغم كل الجرائم التي اقترفتها ضد السوريين، ارتفعت وتيرة الحملات العنصرية الموجّهة التي استهدفت اللاجئين السوريين في كل من لبنان وتركيا؛ وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي حملات الشماتة بالسوريين المناهضين لاستبداد سلطة آل الأسد وفسادها؛ وكأن السوريين هم الذين ارتكبوا المجازر بحقّ أنفسهم، ودمّروا بلادهم، وهجّروا الملايين من أنفسهم، وفتحوا البلاد أمام الحرس الثوري الإيراني، والقوات الروسية، والمليشيات المرتبطة بالنظام الإيراني عضويا، بالتسليح والتمويل والتنظيم والتوجيه وتحديد ميادين العمليات والمهام.

والأنكى خروج جملة من المحللين الوظيفيين على الملأ ليبشّروا بالعصر الروسي الصيني، وليعطوا انطباعا زائفا مفاده أن السياسة الحكيمة هي التي تكتفي بوضع قدمٍ هنا وأخرى هناك، ومن دون توفير المقدّمات والموجبات التي تهيئ أرضية مادية صلبة لتلك السياسات، عوضاً عن الاكتفاء ببنياتٍ هشّة، والاكتفاء بالتمنيات الرغبوية والتخريجات الشعبوية. فروسيا تعاني اليوم من وضع صعب في أوكرانيا يتمثل في إخفاقاتها المستمرّة، ونجاحاتها المحدودة. وستكون لهذا الأمر تبعاته التي ربما تكون أخطر من التي واجهت الاتحاد السوفييتي بعد الهزيمة في أفغانستان. ومع ذلك، هناك من يوحي بأنه ستكون قوة عظمى، ومن أقطاب العالم الجديد الذي يتحدّثون عنه بحماسة كبيرة هذه الأيام هنا وهناك، من دون الاستناد إلى البيانات الأكيدة، والوقائع الملموسة التي تقدّم المعلومات الموثقة عن حجم الإمكانات الراهنة والمستقبلية لدى الروس والأميركان على سبيل المثال. والمأزق الكبير الذي يواجهه الرئيس الروسي بوتين حاليا في أوكرانيا، خصوصا بعد توارد أنباء الهجوم الأوكراني المعاكس الذي جرى الحديث عنه كثيراً وطويلاً، يذكّر بالمأزق الذي وضع الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين نفسه بنفسه فيه، ولم يتمكّن من الخروج منه رغم  حملته الإعلامية، وتوعّده بسحق كل المتآمرين والأعداء، أما النتيجة فقد كانت كما هي معروفة للجميع.

أما الصين، فالملاحظ أنها تتصرّف بعقلانية محسوبة، لإدركها التام بأن نهضتها الحالية ما كان لها أن تكون، وليس لها أن تستمرّ من دون التكنولوجيا الغربية والأسواق الغربية، والنظام المالي الغربي؛ لذلك هي تبذل جهودا كبيرة في ميدان تحسين شروط الصفقة مع الغرب وسقفها، أما أن تتحوّل إلى البديل المنتظر، فهذا ما تشكّك فيه كل القرائن والمعطيات المتوفرة حالياً.

والآن، وبعد نحو شهر على إعادة بشّار الأسد إلى جامعة الدول العربية، ما الذي تغيّر؟ الوضع الاقتصادي في جميع المناطق السورية الخاضعة لسلطات الأمر الواقع، بما فيها الخاضعة لسلطة الأسد، من سيئ إلى أسوا. لا توجد في الأفق أي بوادر توحي بقرب التوصل إلى حل سياسي يرتقي إلى مستوى تضحيات السوريين وتطلعاتهم. توحي الأجواء الإقليمية باصطفافات وتموضعات جديدة، ولا سيما بعد ظهور نتائج الانتخابات التركية، واحتمالات التوصّل إلى تفاهمات بين الولايات المتحدة والغرب عموما من ناحية، وتركيا من جهة أخرى، بخصوص ملفاتٍ عديدة، في مقدمتها ملف انضمام السويد إلى حلف الناتو، فتركيا، رغم علاقاتها الوثيقة ظاهريا مع روسيا، تدرك أنها في مواجهة معضلة إذا ما استمرّت في توجهاتها الحالية، فالروس إن فازوا في حربهم على الأوكرانيين سيشكلون خطرا على تركيا نفسها يضغطون عليها من الشمال في البحر الأسود، ومن الجنوب عبر سورية؛ وإن خسروا فهذا معناه أن تركيا ستفتقر إلى الحليف المفروض الداعم لها في تحدّياتها المدروسة للغرب والأميركان. ومن هنا، إعادة مد الجسور مع الغرب، أو ربما بكلامٍ أدقّ، تعزيز هذه الجسور، لأنها لم تنقطع في يومٍ ما، ستكون من بين أولويات الاستراتيجية التركية للمرحلة المقبلة، بعد التحرّر من عبء حسابات العملية الانتخابية. وسيكون مستقبل العلاقة مع سلطة بشّار من بين الموضوعات التي ستتمحور حولها المباحثات والتفاهمات التركية الغربية في المرحلة المقبلة، خصوصا بعد القرار الألماني الذي قضى بإلغاء اجتماع أوروربي عربي، كان من المفترض أن يعقد في برلين في 20 يونيو/ حزيران الحالي. وجاءت عملية الإلغاء بعدما تبيّن للجانب الأوروبي أن وزير خارجية بشّار الأسد سيشارك مع الجانب العربي في الاجتماع، لتكون بمثابة إشارة واضحة تبيّن عدم رضا الأوروبيين عن موضوع التطبيع مع بشّار الأسد وسلطته قبل الوصول إلى حل سياسي بناء على قرار مجلس الأمن 2254، الذي يدعو إلى عملية انتقال سياسي حقيقية وفق مرجعية بيان جنيف 1 عام 2012. وقد أكّد رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن هذا التوجّه من بلاده مجدّداً في مؤتمره الصحافي مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في الدوحة في 17 من الشهر الماضي (مايو/ أيار)، وكذلك في المؤتمر الصحافي مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في 8 يونيو/ حزيران الحالي، وبين أن مشكة قطر ليست مع سورية، وإنما مع النظام السوري، وأن أساس المشكلة يكمن في العلاقة بين هذا النظام والشعب السوري. وهذا الموقف هو استمرار للموقف المستدام الذي يعبّر عنه أمير قطر دائما في المحافل الدولية والعربية، ويقوم على أن الحل يكون باحترام تضحيات السوريين وتطلعاتهم والالتزام بمرجعية جنيف 1 وقرارات مجلس الأمن، ولا سيما 2254.

وبالتكامل مع الموقف الأوروبي، جاء تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في زيارته للسعودية (6-8 يونيو/ حزيران الجاري)، التي التقى خلالها ولي العهد ووزير الخارجية، ووزارء خارجية مجلس التعاون الخليجي، والتحالف الدولي  لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). أكد بلينكن بوضوح تعاطفه مع الشعب السوري، وبيّن أن ما قام به بشّار الأسد ضد السوريين مأساة، وعبر عن أسفه لإخفاقهم في إيقاف المذابح والإساءات التي تعرّض لها السوريون. أما الحل، وفق ما ذهب إليه بلينكن، فيتمثل في تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، واحترام تطلعات الشعب السوري. كما تحدّث عن ضرورة محاسبة المسؤولين عن حالات الاعتقال والتغييب، وطالب بإنهاء تجارة المخدّرات. وهذا يؤكّد مجدّدا أن موضوع الحل الذي روّجته دول عربية، انطلاقا من أولوياتها وحساباتها ومصالحها، ما زال بعيد المنال. والجميع يعلم أن الموقف الأميركي في الملف السوري هو الذي ستكون له الكلمة الفصل، وأن الأطراف الأخرى معنيّة بالدرجة الأولى بعملية جمع النقاط استعدادا لصرفها عند الجانب الأميركي الذي يبدو أنه ليس في عجلة من أمره؛ فهو، رغم انشغاله بالحرب الروسية على أوكرانيا وتبعاتها ومسوؤلياتها، ورغم حرصه على مواكبة المتغيّرات والتطورات في الشرق الأقصى ومستقبل العلاقة مع الصين، فما جاء على  لسان بلينكن وغيره من المسؤولين الأميركيين، إلى جانب ما يُستشفّ من الوقائع الملموسة على الأرض، يؤكّد أن الولايات المتحدة ليست في وارد الانسحاب من الشرق الأوسط، لأن فحوى ذلك، في نهاية المطاف، وبصريح العبارة، تسليم الأمور في كل من العراق وسورية ولبنان إلى النظام الإيراني الذي لا يُخفي توجهاته الإمبراطورية على المستوى الإقليمي، الموشّاة بخيط إسلاموي مذهبي. ويتكامل هذا التوجه مع نزوع  بوتين الإمبراطوري تحت شعار الأوراسية الذي يستهدف إضفاء المشروعية على الجهود الروسية الرامية إلى استعادة أمجاد القوة العظمى على المستوى العالمي.

هل ستستمر الدول العربية التي طبّعت مع سلطة بشّار الأسد في مراهنتها الخاسرة على سلطةٍ معروفةٍ بعدم الالتزام بالعهود والمواثيق، بعدما ربطت مصيرها مع مصير نظام ولي الفقيه الإيراني؟ أم أنها ستستدرك الموقف، وتقرّ بأن الحجر الأساس في علاقة بنّاءة مستدامة مع سورية يتمثّل في المراهنة على الشعب السوري، بكل مكوّناته وتوجهاته وجهاته، ومن دون أي استثناء؟ مع العلم أن هذه الخطوة الأخيرة هي التي ستوفّر، من دون غيرها، المقدّمات الموضوعية لتفاهمات وتوافقات إقليمية، تحتاج إليها منطقتنا اليوم أكثر من أي وقت مضى. أما الاستعجال، والخضوع للابتزاز مقابل وعودٍ معسولةٍ ضبابية، فلن يؤدّيا إلى توازن واستقرار إقليميين منشوديْن اليوم أكثر من أي وقت مضى، حرصاً على مستقبل شبابنا وأجيالنا المقبلة.

العربي الجديد

—————————-

ما وراء النظام والمعارضة/ ماهر مسعود

يحيل العنوان المستخدم في هذا المقال إلى عنوان أحد كتب نيتشه المعروفة وهو “ما وراء الخير والشر”، وليس مهماً في تلك الإحالة المعنى الأخلاقي لمن يمثّل الخير ومن يمثّل الشر في ثنائية النظام/المعارضة، طالما أن المبدأ السياسي الحاكم لتلك الثنائية واحد. فإن كان النظام بالنسبة للمعارضة هو تمثيل للشر، فإن المعارضة بالنسبة للنظام هي تمثيل للشر بالمقابل، وكل طرف في تلك الثنائية هو تمثيل للخير في عين ذاته، وبالتالي يصبح المبدأ الحاكم للرؤية واحداً، ويصبح وجود إحدى حدّي الثنائية هو بديهياً نفي للأخرى.

لكن ما وراء كل من النظام والمعارضة هناك بلد اسمه سوريا، بالأحرى هناك كيان سوري فارغ شكلاً اسمه “الدولة السورية” لكنه كيان مليء أو معبأ مضموناً ويتعيّن “بالشعب” أو الناس السوريين الذين لم يعد أحد يعرف تعدادهم، لكن الجميع يعلم أنهم إما منفيين في الخارج أو جائعين في الداخل، يتقاسمون المنافي والهجرة والنزوح والجوع والصمت، لكنهم يتشاركون الهوية السورية كلعنة سحرية في زمن نُزِع عنه السحر.

ما يجمع أولئك السوريين في الداخل والخارج هو أنهم منقوصي التمثيل السياسي، فلا النظام يمثّل مصلحة من يحكمهم، ولا المعارضة قادرة على تمثيل مصالح من خرجوا ضد النظام. وعندما نتحدث عن تمثيل المصلحة، فنحن لا نقصد من هو مُعترف به سياسياً أو شرعياً، ولا نقصد أيضاً أي معنى أخلاقي مجرد، فالمصلحة هي مسألة مشخّصة ويمكن تحديدها، والجميع بات يعلم اليوم أن نظام الأسد على هذا المستوى لم يعد إلا سرطاناً يأكل في الجسد السوري، ولا يعنيه على الإطلاق إن مات السوريون جوعاً أو إن احتلّت أرض سوريا جميع الدول، وليس من مصلحة السوريين أياً كانوا بقاؤه، بل لن يمثّل بقاؤه بالقوة إلا زيادة في فقر السوريين وعزلتهم وموتهم قهراً وجوعاً حتى لو انتصر أو بقي لمئة سنة أخرى.

أما المعارضة التي تنطّعت لتمثيل كل من يعارض الأسد في الهيئات السياسية والمحافل الدولية فقد كانت وما زالت على العكس تماماً مما مثّله النظام، فإذا كان النظام قد مثّل القوة الوحشية فهي قد مثلت الضعف المحض، وإذا كان النظام هو صاحب السلطة المطلقة على أتباعه، فهي لم تملك سلطة على أحد، حتى لو كان “أبو عمشة” أو أي فصيل محلي صغير. وإذا كان النظام قد فرض الاحترام القائم على الخوف والإرعاب، فهي قد فرضت قلّة الاحترام القائم على التبعية وانعدام الشخصية، وإذا كان النظام قد مثّل قراراً مركزياً سلطوياً واحداً، فالمعارضة مثّلت انعدام القرار على الإطلاق والخلاف على أصغر قرار تفصيلي إلى درجة من الشرذمة التي تمنع أي قرار موحّد. ولذلك فالمعارضة الحالية هي أقل من أن تمثّل مصلحة السوريين، فلا لديها المؤهلات الذاتية لتفرض وجودها بقوة تفاهماتها، ولا لديها القيمة الموضوعية لتفرض أجندتها “غير الموجودة” على أحد.

لكن على الرغم من ذلك، هناك واقع يفقأ العين ويفرض نفسه على كل من يرى، وهو أنه لا يمكن لوم المعارضة وتحميلها المسؤولية بالطريقة ذاتها كما النظام، ولا يمكن الحديث على طرفين متساويين بأي شكل وأي معنى (كما يفعل الحياديون ومن يسري في عروقهم دم بارد وسميك)، وذلك لا لأن المعارضة “شريفة” أو لأنها لا تستحق اللوم، بل لأنها ليست هي من يملك الدولة، فالواقع هو أن هناك مقدّرات دولة كاملة تم بناؤها بأجساد السوريين وأعمالهم وأموالهم، وهذه الدولة يملكها النظام منذ خمسين عاماً، لديه مفاتيحها ومستنداتها، يبيعها أو يؤجرها أو يتخلى عن بعض أراضيها دون مشورة أحد، (وهذا ما فعله فعلاً بأكثر من مناسبة)، ولديه صك شرعي من الأمم المتحدة بملكيتها وأحقيته بالملكية، وحتى بطلب التدخل الخارجي “شرعياً” لحماية ملكيته. وهذا الواقع هو ما يمنع وضع المعارضة مع النظام في الخانة ذاتها من حيث المسؤولية، ولا في أنها العائق الأساسي أمام تغيير حال السوريين وإخراجهم من بؤسهم الشامل لجميع السكان، فلم يبق شيء مشترك بين السوريين اليوم أكثر من بؤسهم.

ما وراء النظام والمعارضة إذاً، هناك السوريون المنفيون عن العالم في الداخل، والسوريون المنفيون على العالم في الخارج، وأولئك السوريون هم من لا تراهم على الإطلاق أنظمة التطبيع العربي، وهم من لا يعنيها مصلحتهم أبداً كشعب بلا دولة (لا لأنه ليس هناك دولة، بل لأن وجود الدولة الحالي قائم على إلغاء الشعب)، فالتطبيع العربي لن يجلب أي منفعة طويلة أو قصيرة الأمد للسوريين، لأن أي مساعدة مالية ستأتي على سبيل المثال، إن كان لإعادة الإعمار أو لإيقاف الكبتاغون، لن يذهب منها قرش واحد للسوريين، فالنظام الذي كان يسرق مساعدات الأمم المتحدة من أفواه السوريين العاديين موالاة ومعارضة، لن يوفر مالاً مقدماً له مباشرة ودون حتى وصل استلام. وأما بالمعنى السياسي، فالتطبيع العربي لا يستهدف مساعدة السوريين، بل التخلّص منهم، إعادتهم وحشرهم في سوريا حتى لو في السجون أو المخيمات، كما أن الاعتراف السياسي العربي بالنظام لن يجلب له أي قيمة سياسية مضافة على المستوى الدولي، فطالما أن عقوبات قيصر شغالة بوصفها قانوناً، وطالما أن الاعتراف السياسي الأميركي والأوروبي ملزم بالقرارات الدولية، فإن الاعتراف العربي لا قيمة فعلية له بالنسبة للسوريين، ولا انفراجاً لأزمتهم الاقتصادية والسياسية والوجودية سيأتي عبره.

إن قيمة التطبيع العربي هي أولاً وقبل كل شيء بطاقة شكر وامتنان للنظام السوري الذي أوقف الربيع العربي من الامتداد لبلدان التطبيع ذاتها، وأعطى؛ عبر ما فعله بالسوريين، درساً دموياً مثالياً لكل من يفكر بالخروج على الأنظمة أو المطالبة بإصلاحات سياسية، لكن الدرس الأفضل كان للأنظمة المُطبّعة ذاتها عبر إعطائها نموذجاً فعّالاً عن كيف تهدد الآخرين بقتل شعبك ذاته وتهجيره إليه، وكيف يمكن أن تجد حلفاء حتى في أكثر من تشهر عداوتهم على مر الزمان. والتطبيع العربي هو ثانياً ليس تطبيعاً مع الشعوب بل تطبيعاً للشعوب، هو تطبيع مع الحليف الحقيقي لتلك الأنظمة، تطبيع مع الشبيه والأخ القاصر، فعند تلك الحدود تلتغي الفوارق والحواجز والأحلاف الدينية والطائفية السابقة ويصبح لا فرق بين نظام سنّي وآخر شيعي حتى بالتقوى، ويصبح المُهدد الوجودي سبباً للوجود.

ما وراء النظام والمعارضة، هناك “شعب” سوري لن يستطيع العالم تجاوز مأساته ببساطة وكأنها لم تكن، ولن يتمكن أحد من فرض التطبيع عليه وإعادة الملايين قسراً إلى قاتلهم، لكن بالمقابل، لا يبدو أن أحداً قادر على إنقاذ هذا “الشعب” إن لم يبدأ من مصالحه الكامنة ما وراء النظام والمعارضة.

تلفزيون سوريا

——————————–

وحدة سوريا.. ثمن بقاء النظام/ منير الربيع

يمكن لخبر طلب النظام السوري من روسيا قرضاً مالياً من روسيا، أن يشكل صاعقة بالنسبة لكل مترقبي مسار الانفتاح العربي على دمشق، والحديث عن إعادتها إلى الجامعة العربية. فيما الصاعقة الأكبر تبقى في أن يتم تسريب هذا الخبر بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق وتوقيع الكثير من الاتفاقيات، وعلى أعتاب مفاوضات إيرانية أميركية هدفها إعادة إحياء المسار النووي والإفراج عن أموال إيرانية مجمدة في العراق وغيره. يؤشر الطلب السوري للقرض الروسي إلى أن كل الوعود التي منّى النظام السوري نفسه بها ما هي إلا وعود عرقوبية، خصوصاً أن لا أحد قادر على الاستثمار في سوريا في ظل عدم تغير الوقائع السياسية من جهة، وطالما أن العقوبات مستمرة وقابلة للاشتداد.

كل هذا المسار، عطفاً على إعادة رئيس النظام السوري بالمطالبة بجدولة الانسحاب التركي من سوريا وليس الانسحاب الفوري والكامل، بالإضافة إلى مطالبة الدول العربية بالتقدم خطوات باتجاه سوريا بعدما تقدمت هي سلفاً في خطواتها كما ورد على لسان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، فكل ذلك يعني أن الساحة السورية لا تزال مفتوحة أمام حروب الاستنزاف الطويل، عطفاً على الاستمرار الإسرائيلي في شنّ الغارات على مواقع تابعة للإيرانيين أو لحزب الله على الأراضي السورية.

لم يكن من الصدفة أيضاً أن ترد معلومات وأخبار عن سعي قوى المعارضة لإعادة تجميع نفسها سياسياً أو تشكيل مجلس عسكري بعد الانفتاح العربي على دمشق. تلك الخطوات كانت مطلوبة منذ زمن طويل، وربما لا بد من العودة بالذاكرة إلى اقتراح جمال سليمان في تشكيل مجلس عسكري في مرحلة سابقة يكون قادراً على تثبيت حضوره. تبقى الحاجة أساسية في إعادة تكوين أجسام المعارضة السياسية والعسكرية، في إطار برنامج واضح وموحد، وهذا لا يمكن أن يحصل بدون توفر عناصر خارجية دافعة باتجاهه، خصوصاً أن قوى دولية وإقليمية عديدة تسعى في سبيل ذلك، طالما أن بعض الدول التي لجأت إلى تطبيع العلاقات مع النظام اعتبرت أنها لم تجد نافذة تدخل من خلالها إلى الملف السوري، إلا من خلال النظام. فيما هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق المعارضة في إعادة فرض نفسها على أي طاولة تفاوض، والاستفادة من وقائع المواقف الدولية المعارضة للتطبيع مع النظام، ربطاً باتخاذ المزيد من الضغوط أو الإجراءات العقابية بحق النظام.

كل ما يجري يشير إلى أن الحلول السياسية لا تزال مستبعدة ومتأخرة. فيما يسعى كل طرف من أطراف الانقسام إلى تحصين وجوده وأوراق قوته. وهو ما تهوى قوى الممانعة إلى وسمه بـ “وحدة الجبهات”. من خلال إعادة تحريكها ولو بشكل رمزي، كما حصل في جنوب لبنان بالأيام الماضية من قبل حزب الله سواء عبر المناورة العسكرية الضخمة التي أجراها، أو من خلال تحركات مدنية وتظاهرات شعبية كان هدفها إزالة الشريط الشائك والعبور إلى الأراضي المحتلة للمطالبة بتحريكها. هذا سيكون له صدى آخر في سوريا بالأيام المقبلة، من خلال تنظيم الإيرانيين وحلفائهم لتظاهرات في مناطق شرقي سوريا للمطالبة بانسحاب القوات الأميركية من هناك. وهذا سيكون شكل من أشكال التصعيد الميداني في سبيل استدراج التفاوض الإيراني الأميركي الذي يتجدد بشكل غير مباشر في سبيل الوصول إلى اتفاق نووي.

كل ذلك يشير إلى تصاعد مقومات الانقسام في سوريا ولبنان، حول وجهة البلاد وهويتها، ربطاً بكل التطورات الإقليمية والدولية. لا سيما أن المنطقة تمرّ في مرحلة لا يمكن فيها لأي طرف أن يرضي جميع التوجهات الإقليمية والدولية، بمعنى أوضح أنه لن يكون بإمكان النظام السوري أن يحافظ على علاقته بروسيا والصين، ويرضي إيران في مطالبها، مقابل إرضاء دول الخليج العربي والسعودية، وتطبيع واقعه مع الولايات المتحدة الأميركية. سيكون النظام أمام استحقاق الاختيار بين كل هذه القوى وحسم موقفه فيما بينها، دون ذلك ستبقى هذه الساحات ميادين للانقسام والتجاذب والتوتير والاستنزاف. وهو أيضاً ما ينطبق على لبنان الذي يعيش صراعاً حول هويته ووجهته وكيانيته في ظل تصاعد أصوات كثيرة داعية إلى التقسيم أو الطلاق أو الفيدرالية. مثل هذه الطروحات النظرية في لبنان، كانت قد طبّقت بشكل عملاني في العراق وسوريا واليمن، ولا يزال الصراع مستعراً حولها. هذا كله يقود إلى نتيجة واحدة أن بقاء النظام السوري بشكله الحالي ثمنه فقط وحدة سوريا والتي لا يمكنه أن يحافظ عليها.

—————————

هل يملك الأسد مفتاح تفكيك الكبتاغون؟/ كارولين روز

تقديرات بنمو التجارة غير المشروعة إلى 10 مليارات دولار أميركي

لقد اجتاحت التجارة غير المشروعة في الكبتاغون- وهو منشط من نوع الأمفيتامين- الشرق الأوسط في السنوات الخمس الماضية. في حين انتشر الطلب على المخدرات في الخليج العربي، حيث بنى المنتجون في سوريا تحت سلطة نظام دمشق، وعلى طول الحدود اللبنانية السورية، قدرات وشبكات متطورة لإنتاج الكبتاغون والإتجار فيه على نطاق صناعي. وتشير التقديرات إلى أن التجارة غير المشروعة نمت من 3.47 مليار دولار أميركي عام 2020 إلى نحو 10 مليارات دولار أميركي عام 2022، وهي مصدر دخل بديل رئيس للجهات الفاعلة وراء التجارة.

كما ازدهرت تجارة الكبتاغون لتصبح بندا رئيسا في جدول الأعمال لمناقشات التطبيع مع النظام السوري، الذي يُعتبر جهة فاعلة محورية مع وكالة واسعة النطاق على الإنتاج والاتجار. وفي الأسابيع القليلة الماضية، أبرمت الحكومات الإقليمية سلسلة من الاتفاقيات التي تقترح تعاونا مباشرا في مكافحة المخدرات وتدابير أمنية على الحدود مع دمشق، كل ذلك بينما لا تحبذ الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي التعاون المباشر، وفرضت عقوبات على المتاجرين السوريين واللبنانيين الرئيسين في الكبتاغون.

ومع ذلك، لا يُعرف الكثير عن تاريخ تجارة الكبتاغون ولا عن دورها في بلاد الشام، وتأثيرها على الجغرافيا السياسية الإقليمية.

من أوروبا إلى الشرق الأوسط

منذ عقود، كان الكبتاغون أول مخدر مشروع متوفر في سوق الأدوية. وتم إعداد المخدر من قبل شركة أدوية ألمانية، شركة “ديغوسا فارما غروب”، لعلاج اضطرابات نقص الانتباه، وفرط النشاط، وعجز الإرادة، وإصابات الدماغ واضطرابات النوم، على الرغم من وجود تقارير عن سعي البعض لاستخدام الكبتاغون كعلاج فقدان الوزن من بين أسباب أخرى.

كانت تركيبة الكبتاغون عبارة عن فينيثايلين، وتحتوي على أقل من 15 في المئة من الثيوفيلين و25 في المئة من الأمفيتامين في جرعة فموية. ومع ذلك، فإن العواقب الصحية للكبتاغون والبدائل الأحدث والأكثر أمانا في السوق المشروعة دفعت إلى التخلص التدريجي من المخدر. وفي عام 1981، أُدرج المخدر كمادة خاضعة للرقابة، ثم في عام 1986 وضع ضمن جدول المواد المحظورة من قبل منظمة الصحة العالمية بموجب اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971 للأمم المتحدة. ومع ذلك، بينما بدأت الدول في التخلص التدريجي من مخزوناتها من الفينيثايلين طوال الثمانينيات وأوائل التسعينيات، نشأت ظاهرة جديدة عندما بدأ المخدر في التحول إلى السوق السوداء.

وفي حين أن الكبتاغون لم يعد متاحا دون وصفة طبية، فإن الجهات الفاعلة ما زالت تسعى إلى إنتاج المخدر، لا سيما في البلقان، حيث جهزت مصانع الحقبة السوفياتية لتصنيع الكبتاغون بكميات كبيرة. وعلى مدى أعوام ظل أول مركز لإنتاج المخدر كمواد غير مشروعة في البلقان، ولا سيما بلغاريا، حيث سهلت جماعات الجريمة المنظمة العمليات وحددت الأسواق الرئيسة للاستهلاك في الشرق الأوسط. في هذا الوقت تقريبا، بدأت تركيبة الكبتاغون في التغيير والتنويع، مبتعدة عن تركيبة الفينيثايلين الأصلية. وبدأت أقراص الكبتاغون في دمج تركيبة من الأمفيتامين وعوامل التقطيع الأخرى، مثل الكينين، والباراسيتامول، والكافيين، والزنك، والنحاس، والإيفيدرين، والبروكائين، وتريميثوبريم، والكلوروكين ومواد أخرى. ولذلك فإنه عند الإشارة إلى التركيبة الأصلية “القديمة” للمخدر، يستخدم الباحثون والخبراء حرف “C” كبيرا لـ”الكبتاغون”، وعند الإشارة إلى المكونات الكيميائية الأحدث المخترقة التي تباعدت عن تركيبة الفينيثايلين، فإنهم يستخدمون حرف “c” صغيرا.

الآثار الصحية

تسببت الآثار الصحية لتركيبة الكبتاغون الجديدة المخترقة في القلق بين قطاعات الصحة العامة. وفي حين أن التحليل المختبري المتسق لأقراص الكبتاغون أمر نادر، إلا أن هناك أدلة محدودة على أن نقص المكونات الأولية اللازمة لإنتاج التركيبة الأصلية للمواد المخدرة قد حفز الجهات الفاعلة على استخدام بدائل يُحتمل أن تكون خطرة مع مستويات سامة من النيكل، والزنك، والمواد الأخرى، التي يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات القلب والأوعية الدموية، والرئة ومضاعفات صحية أخرى على المدى الطويل.

وخلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان إنتاج الكبتاغون موجودا على نطاق صغير. وكانت المختبرات في الأساس مؤقتة ومتحركة للغاية، حيث يستخدم المنتجون المساكن، أو البيوت الزراعية أو حتى الأقبية لتصنيع المخدر. وعندما كان خطر الاعتراض عاليا، كان المنتجون ينقلون مواقع الإنتاج في كثير من الأحيان لتفادي تطبيق القانون، وذلك باستخدام الشبكات العائلية، والقبلية والأمنية لتحديد المناطق المؤقتة للإنتاج.

كان هذا هو الحال بشكل خاص على طول الحدود اللبنانية والسورية، حيث تعاون كثير من منتجي الكبتاغون الصغار مع الجماعات المسلحة المحلية مثل “حزب الله” لتسهيل الإنتاج المختبري، والحركة المؤقتة على طول الحدود اللبنانية السورية، واستخدام طرق التهريب الراسخة المستخدمة في عمليات تهريب وقود الديزل، والحشيش، والأسلحة الصغيرة، وغيرها من السلع غير المشروعة في السوق السوداء والرمادية في المنطقة.

الكبتاغون في زمن الحرب

على النقيض من الجهات الفاعلة غير الحكومية، وقادة الحرب والمنظمات المتطرفة التي هيمنت في البداية على اقتصادات المخدرات في بلاد الشام، فإن مشاركة الحكومة السورية و”حزب اللّه” المكثفة في إنتاج الكبتاغون والحشيش قد أدخلت نطاقا جديدا من قدرات التهريب، باستخدام مرافق إنتاج واسعة النطاق، وعمليات التعبئة على نطاق واسع والموانئ المملوكة للدولة والسفن التي ترفع علم الدولة لنقل الشحنات.

وكشفت الأدلة الأخيرة أن الحكومة السورية قد شاركت بشكل كبير في إنتاج الكبتاغون على نطاق واسع، وذلك باستخدام مرافق تصنيع الأدوية واسعة النطاق وقوات الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للنظام لنقل الكبتاغون من سوريا إلى طرق الإتجار.

لقد نسجت مشاركة أعضاء رئيسين في مجتمع الأعمال السوري- أفراد مثل خضر طاهر وكيانات تجارية مثل نبتون أوفرسيز ليمتد- بالإضافة إلى مسؤولين من الفرقة الرابعة المدرعة وحتى الأقارب المباشرين لبشار الأسد- سامر الأسد، ووسيم بديع الأسد، وماهر الأسد- نسجوا شبكة محكمة من شبكات الإنتاج والإتجار حول الرئيس السوري، حسب اعتقاد مسؤولين غربيين.

وفي جنوب سوريا، لعب مقربون من النظام دورا في زيادة إنشاء مواقع إنتاج الكبتاغون صغيرة الحجم في المناطق الرئيسة المتنازع عليها مثل درعا والسويداء، المتمركزة على طول نقاط رئيسة عبر الحدود للتهريب إلى الأردن ثم إلى أسواق الوجهة في الخليج. من خلال وضع مختبرات الكبتاغون في المناطق الجنوبية، حيث يسعى النظام إلى تعزيز مزيد من السيطرة الإقليمية والسياسية، تمكنت أجهزة المخابرات والأمن التابعة للنظام من ترسيخ وجود مادي أكبر ووكالة في المشهد الأمني المحلي.

وفي لبنان، على طول الحدود اللبنانية- السورية، وفي جنوب سوريا، انخرط “حزب الله” في تجارة الكبتاغون، وكان يخدم في المقام الأول دورا داعما للكبتاغون. قدم “حزب الله” الحماية لمراكز تصنيع الكبتاغون الأصغر حجما، ومستودعات التخزين وشبكات الاتجار التي تعمل في سهل البقاع وعلى طول سلسلة جبال القلمون، بينما أرسل مقاتليه لمساعدة الفرقة الرابعة وقوات المخابرات العسكرية السورية جنوبي سوريا في عمليات التهريب، وحراسة مواقع الإنتاج، وتسهيل حركة المختبرات المتنقلة عبر الحدود اللبنانية السورية، عندما يكون هناك خطر كبير للاعتراض أو الاعتقال.

كما سهّل “حزب الله” وحلفاؤه في مجال الأعمال والسياسة اللبنانية استخدام الموانئ البحرية، والمطارات ونقاط التفتيش الحدودية اللبنانية الرسمية وغير الرسمية لإرسال شحنات كبتاغون واسعة النطاق. لقد كان أفراد مثل حسن محمد دقو، ونوح زعيتر، متورطين بشدة في عمليات الإتجار في الكبتاغون، وبعضها ذو نطاق صناعي حافل مثل شحنة مارس/آذار 2022 من 94.5 مليون حبة إلى ميناء كلاغ في ماليزيا.

وقد انخرطت هذه الجهات الفاعلة نفسها أيضا في علاقات وطيدة مع النظام السوري، لا سيما التحالفات مع الفرقة الرابعة المدرعة السورية، حسب بيانات رسمية غربية.

لقد أصبحت تجارة الكبتاغون سمة شبه دائمة للأنشطة غير المشروعة للدولة في لبنان وسوريا، خاصة وأن عناصر من الحكومتين قد تعاونت للبحث عن تدفقات مالية بديلة وسط عدم الاستقرار الداخلي، والعزلة الاقتصادية الإقليمية والعقوبات الدولية. وبدأت تجارة الكبتاغون أيضا في التداخل مع التجارات الإقليمية غير المشروعة مثل الحشيش، والقات، والعملة المزيفة، وتهريب الوقود والأسلحة الصغيرة، لا سيما مع استمرار المنتجين والمهربين في توسيع شبكاتهم في المنطقة بين الجماعات المسلحة وعلى طول طرق التجارة غير المشروعة القائمة.

شبكة عالمية متنامية

مع نمو تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط، سعت الجهات الراعية للتجارة أيضا إلى تحديد طرق عبور جديدة يمكنها تفادي الشك، فضلا عن زرع بذور لأسواق الاستهلاك المحتملة خارج المنطقة.

منذ عام 2018 عندما بدأ الكبتاغون في النمو ليصبح تجارة على نطاق صناعي، كانت هناك حالات أكبر لشحنات الكبتاغون من الموانئ الرسمية وغير الرسمية السورية واللبنانية التي تم إرسالها عبر البحر الأبيض المتوسط إلى الموانئ التجارية الأوروبية والأفريقية.

وكانت غالبية هذه الشحنات متجهة إلى الأسواق الاستهلاكية في الخليج، حيث كان المتاجرون يستخدمون موانئ إقليمية إضافية لتقليل شكوك جهات إنفاذ القانون نظرا إلى أن الشحنات جاءت من مراكز إنتاج الكبتاغون.

وتمكن المشاركون في أسواق المخدرات في لبنان وسوريا من إنشاء شبكات موثوقة مع الجماعات الإجرامية الأوروبية الحالية. على سبيل المثال، كشفت شحنة مخدرات تم اعتراضها في ميناء ساليرنو الإيطالي عن وجود صلات بين مهربي المخدرات السوريين وجماعات المافيا الإيطالية مثل كامورا.

وقد حدد تحقيق مشترك بين أنظمة إنفاذ القانون النمساوية، والهولندية، والبلجيكية، والأميركية، حلقة مخدرات جيدة التنظيم تعمل في سالزبورغ قامت بتهريب عشرة ملايين حبة كبتاغون و100-200 كيلوغرام من الكوكايين بين يوليو/تموز 2017 ومارس/آذار 2021.

وفي ألمانيا، حددت السلطات مستودعات التخزين الرئيسة التي أقامها متاجرو الكبتاغون في بافاريا لإعادة نقل الشحنات إلى أسواق الوجهة. وبينما أقامت شبكات الكبتاغون نقاطا عبر الدول الأوروبية لإرسال الشحنات مرة أخرى إلى أسواق الشرق الأوسط، كانت هناك أيضا موجة ملحوظة من المُصادرات على طول الحدود السورية التركية، حيث أشار مسؤولو إنفاذ القانون الأتراك إلى أن الشحنات كانت متجهة إلى دول أوروبية من خلال طرق التهريب البرية. وقد شكلت زيادة شحنات الكبتاغون والحشيش تحديا خطيرا لأنظمة إنفاذ القانون في الشرق الأوسط وأوروبا، بسبب نقص المعلومات، والتنسيق الإقليمي وتبادل المعلومات الاستخباراتية اللازمة، لرصد وتعقب واعتراض شحنات المخدرات الرئيسة من سوريا ولبنان.

وكانت هناك أيضا زيادة في الإتجار بالكبتاغون داخل الموانئ الأفريقية ونقاط التفتيش الحدودية، حيث يسعى المتاجرون إلى إعادة نقل الشحنات مرة أخرى إلى أسواق الوجهة الخليجية أو إنشاء مراكز استهلاك محلية. على سبيل المثال، في السنوات الثلاث الماضية، سجلت المغرب، ومصر، ونيجيريا، والسودان، وليبيا، مُصادرات للكبتاغون داخل حدودها. ومع ذلك، دون بيانات كبيرة حول معدلات الاستهلاك، من الصعب التأكد مما إذا كانت أفريقيا هي سوق عبور ناشئة أم سوق مقصد محتملة لتجارة الكبتاغون.

دور الكبتاغون في مناقشات التطبيع

بعد دفعة إقليمية كبيرة نحو التطبيع مع سوريا منذ فبراير/شباط 2023، أصبحت تجارة الكبتاغون بندا رفيع المستوى على جدول الأعمال في المفاوضات بين حكومات الشرق الأوسط ونظام الأسد. لقد أصيبت الحكومات الإقليمية بالإحباط من تدفق ملايين حبوب الكبتاغون إلى موانئها ونقاط التفتيش الحدودية، مع قلق بعض الدول مثل الأردن بشكل خاص من الاشتباكات العنيفة- المميتة في بعض الأحيان- مع مهربي الكبتاغون على طول حدودها مع سوريا. مع وجود أدلة كبيرة على الدور المركزي للنظام السوري في عمليات إنتاج الكبتاغون والإتجار فيه، وقامت الحكومات الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، بإثارة التعاون في مكافحة المخدرات كوسيلة تنسيق رئيسة مع دمشق، اعتقادا منها أن نظام الأسد “يمتلك المفاتيح” لحل مشكلة الكبتاغون في المنطقة، وإذا ما تم تحفيزه، يمكن استخدام وكالته على التجارة لتقليل تدفق المخدرات في المنطقة.

شبكات وتحديات

نظرا إلى أن النظام كان قادرا على جني ملايين الدولارات، والسلطة السياسية والوكالة الأمنية، من خلال وكالته الواسعة بشأن تجارة مخدر الكبتاغون، فسوف يتطلب الأمر الكثير لتشجيع دمشق على تقليص دورها، ناهيك عن وقف تدفق حبوب الكبتاغون بشكل كبير في أسواق العبور والوجهة.

بالإضافة إلى ذلك، من دون آليات إنفاذ صارمة أو قياسات للفعالية بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية لاستخدامها في الجهود التعاونية لمكافحة الكبتاغون مع سوريا، فمن المحتمل أن ينفذ النظام عمليات مُصادرة شكلية ويقدم معلومات استخباراتية بين الحين والآخر إلى الجيران الإقليميين للمتاجرين الأقل شهرة، مع الحفاظ على دور كبير في الإنتاج والإتجار، مما يسمح للنظام بـ”الحصول على كعكته وأكلها أيضا”.

ومهما كان تأثير التطبيع على تجارة الكبتاغون، فمن الواضح أن هذا الاقتصاد غير المشروع لا يمكن القضاء عليه بسهولة في الشرق الأوسط. ومع وجود شبكات عميقة الجذور وواسعة النطاق لتصنيع المخدر، واللوجستيات، والإتجار والتوزيع بين مراكز الاستهلاك- سواء كانت متوافقة مع الجهات الفاعلة غير الحكومية والجهات الفاعلة الحكومية- ستستمر تجارة الكبتاغون في تشكيل تحدٍ للصحة العامة الإقليمية، والجغرافيا السياسية، والأمن.

المجلة

—————————

برهان غليون: تطبيع السعودية هدية مجانية للنظام والمعارضة تتسابق إلى تصدر المنصات

غسان ياسين

في كانون الأول 2022، حدث أول لقاء علني ورسمي بين وزير الدفاع التركي (السابق) خلوصي أكار، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، وبدأ ما يمكن تسميته بمسار جديد قائم على التعامل مع بقاء بشار الأسد في حكم سوريا من قبل دول الإقليم، هذا التطبيع التركي كان بوابة لتسريع تطبيع عربي انتهى بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.

في مقابل موجة التطبيع تلك، كانت هناك محاولات سورية لتحريك المياه الراكدة وحدثت عدة لقاءات بين أقطاب المعارضة في العاصمة القطرية الدوحة، وفي فرنسا أطلق رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري مشروعاً جديداً باسم “مدنية”.

وبعد انقطاع لسنوات عقدت هيئة التفاوض اجتماعاً في جنيف، وأصدر العميد المنشق مناف طلاس بياناً عاود فيه الحديث عن مشروع المجلس العسكري، وبناء على هذه المعطيات نود في موقع “تلفزيون سوريا” معرفة موقف المفكر والسياسي السوري برهان غليون من النشاطات السياسية الجارية مؤخراً:

حدثنا عن اجتماعات الدوحة الأخيرة ما هو الهدف منها وهل توصلتم إلى شيء أم أن المباحثات واللقاءات مستمرة؟

صحيح. اجتمعت منذ فترة بعض الشخصيات السياسية والثقافية فيما يشبه حلقة نقاش للتداول في وضع القضية السورية وما يمكن عمله لانتشالها من التجاهل الذي آلت إليه، في محاولة لكسر حلقة الاستعصاء الذي تشهده مسألة تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 منذ سنوات. وهذا النقاش مستمر بطرق مختلفة. وما تزال هناك صعوبات في التوصل إلى الاستنتاجات النهائية بسبب تباين توجهات الأفراد ونقاط تركيزهم وزوايا نظرهم وربما عدم تحرر بعضنا من الأوهام القديمة حول دور الدول الأجنبية ونيّاتها. والغاية من كل ذلك بلورة استراتيجية عمل سورية مستقلة تقوم على توحيد القوى وتعبئة الجهود لتشكيل قوة سورية سياسية قادرة على نيل ثقة الجمهور السوري والعالمي معاً. مما يستدعي تجاوز التجاذبات الشخصية والفئوية التي عطلت جهود المعارضة السورية خلال السنوات الماضية.

وللأسف لم ننجح بعد في التغلب على عقلية المنصة التي يتبارى في إنشائها بعض الأفراد لتعظيم قدرتهم التفاوضية داخل المعارضة نفسها مقابل المجموعات الأخرى. ولم نتمكن من القضاء على التعلق العنيد بوهم الحل الدولي والرهان على التفاهم الروسي الأميركي لفرض تطبيق قرار 2254 وعلى عدم الثقة بكل ما عدا ذلك، أي بقدرة السوريين على العمل بأنفسهم وتطوير مبادراتهم الخاصة.

كيف ترى عودة رجل الأعمال أيمن الأصفري من بوابة المجتمع المدني وكيف تقيم “مدنية”؟

أنا أفضل أن أرى في هذا اللقاء الذي حصل في باريس بداية هذا الشهر (حزيران 2023) تجمعاً مفيداً لمنظمات المجتمع المدني السورية وتعزيزاً لدورها وارتقاء بمستوى تعاونها والتنسيق فيما بينها لتحسين أدائها وتعزيز قدرتها على الاستجابة للأوضاع المأساوية التي يعيشها المجتمع السوري. ولا أرى في عودة أيمن الأصفري رجل الأعمال السوري المعروف إلى الساحة السياسية أي بأس. بالعكس نحن نريد من كل الشخصيات التي تمتلك رصيداً ونفوذاً من أي نوع، مالي أو سياسي أو ثقافي أو اجتماعي، الانخراط ما أمكن في العمل العام وتحمل مسؤولياتهم أمام شعبهم ومساعدته على الخلاص من الوضع الكارثي الذي تعيشه بلادنا اليوم.

ليت رجال الاعمال الآخرين يحذون حذوه. أخذ بعض النقاد على السيد الأصفري ترؤسه للشبكة المدنية الجديدة وهو رجل أعمال، وتمنى بعضهم عليه أن يبقى حراً ويترك الرئاسة لمجلس منتخب من قبل المنظمات المدنية، ولو فعل ذلك لوفر على نفسه هذا النقد. لكنه قبل المخاطرة بوضع نفسه في الواجهة وهذا خياره وينبغي أن نتمنى له النجاح.

ما هو تقييمك للخطوة السعودية بإعادة علاقات الرياض مع النظام بشكل كامل وأيضاً ومساهمتها بإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام؟

من وجهة نظرنا هذه هدية مجانية لنظام مجرم ما يزال يرفض حتى الآن الاعتراف بأخطائه وتصحيح سياساته الكارثية. لكني لا أعتقد أن المملكة العربية السعودية تجهل طبيعة النظام والجرائم التي تكبله والتي غالباً ما وصفت من المنظمات الحقوقية الدولية بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية.

لا أعتقد أن تطبيع الرياض مع نظام الأسد لمساعدته على مسح جرائمه وتمكينه من الاستمرار في عدوانه على الشعب السوري. حسب ما تفيد التصريحات السعودية والعربية أيضاً، بل يتعلق الأمر باعتراف بالأمر الواقع لاستئناف علاقات مع نظام مارق وفي تحالف ضد العرب أنفسهم، في سبيل دفعه إلى التحرك على طريق تطبيق القرار الدولي 2254 على مبدأ خطوة مقابل خطوة.

ليس لدى السوريين أية أوهام بأن الدافع إلى هذا الاعتراف هو الحفاظ على مصالح الرياض الأمنية والاستراتيجية. ونحن لا يمكننا، مهما بلغ عمق جراحنا، أن نحدد للدول حتى الشقيقة مصالحها. كل ما يمكننا عمله هو أن نسعى مع هذه الدول إلى أن لا يكون ذلك على حساب مصالح الشعب السوري الذي لا يزال نصفه في المنافي ومخيمات اللاجئين والنصف الآخر يعيش تحت حد الفقر وفي ظروف لا إنسانية. ومن أجل أن يكون لمسعانا أثرٌ ينبغي أن نظهر أيضاً أننا قوة وأننا قادرون على التصرف كشعب والتدخل المنظم في قضيتنا وما يجري من حولنا، في السياسة والإعلام والعمل المدني والعمل العسكري أيضاً. وهذا يستدعي أن نخرج من سباتنا السياسي ونتحرك في اتجاه بناء قوة سياسية قادرة على تحريك الرأي العام وشحذ إرادة السوريين وإعادتهم إلى ساحة معركة التغيير التي لم تنته ولن تنتهيَ قبل أن يتحقق رحيل نظام القهر والعنف والجريمة. وبالرغم من أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجامعة العربية ودمشق جرعة من الأوكسجين السياسي لنظام في حالة نفوق واحتضار طويل إلا أنها لم ولن تستطيع أن تعيد إليه الحياة. ولا أعتقد أن هذا هو القصد من ورائها أيضاً.

هل من نتائج مرجوة من هذا التقارب العربي مع النظام بعد بيان لقاء عمان الوزاري وبيان القمة العربية؟

أنا أعتقد بالعكس أن عزلة النظام وانسداد الطرق والخيارات أمامه لم يبرزا في أي حقبة سابقة كما يبرزان بعد عودة الاعتراف العربي به. والسبب أن الوهم الذي كان يسوقه النظام للسوريين بقرب الانفراج وتطوع الخليج بإعادة الإعمار قد سقط. ولم يخف وزير خارجيته ذلك في تصريحه الأخير بأن النظام قام بمئة خطوة (هكذا) ولم ير في مقابل ذلك أي خطوة عربية. باختصار سقطت ورقة الرهان على “التطبيع العربي” ومعها وهم الانتصار الذي لم يكف أنصار الأسد عن ادعائه والتغني به وانتظار عوائده. وما من شك في أن النظام كان يعتقد أن الاعتراف سوف يعيده إلى الحياة ويقدم لها خشبة الخلاص بتمويل إعادة الإعمار وتوفير الأموال للحاشية الملتحقة به من الشبيحة ورجال المافيا. فعاد الآن يطلب قروضاً جديدة على وجه السرعة من روسيا وإيران تحفظ الحد الأدنى من حاجاته.

مناف طلاس يصمت طويلاً ثم يذكرنا كل فترة بمجلسه العسكري، ما هو تعليقك على بيانه الأخير وعلى فكرة وجود مجلس عسكري؟

لا يوجد سوري معارض لنظام الأسد لا يرحب بوجود مجلس عسكري يقدم يد العون للشعب السوري وللمعارضة السياسية ويعزز موقفهما في مفاوضات تحاول الأمم المتحدة منذ 12 عاماً إطلاقها من دون جدوى للتوصل إلى حل سياسي ومخرج من المحنة الدائمة التي وضعت فيها البلاد.

كما لا يوجد معارض مخلص لم يكن يتمنى أن يلعب العميد مناف طلاس، ابن المؤسسة العسكرية القائمة، دوراً مركزياً في تعبئة الضباط المنشقين وتنظيمهم وزجهم في الصراع الدائر منذ سنوات طويلة مع إخوتهم الثائرين للخلاص من نظام الإبادة والإجرام. ولو حصل ذلك لجعل من العميد إضافة كبيرة لقيادة المعارضة. المشكلة أن السياسة قبل أن تكون فكرا هي ممارسة عملية على الأرض وفي كل الميادين اليومية. ولا تغني الفكرة في السياسة عن الفعل. ولا يمكنها أن تولد جسماً عسكرياً ولا سياسياً. ومع ذلك ما يزال الشعب السوري يتمنى وينتظر أن يجد العميد طلاس وضباطه طريقهم العملي للانخراط في معركة ما تزال بالرغم من مرور أعوام طويلة عليها عصية على الحسم.

بعد أكثر من ثلاث سنوات على تجميد-تعطيل هيئة التفاوض اجتمعت مؤخراً في جنيف، كيف ترى هذه الخطوة؟

يعبر ذلك عن رغبة بعض مسؤوليها ومسؤولي الدول المستثمرة فيها في إثبات الوجود بعد أزمة داخلية عميقة وهجوع طويلين، وليس نتيجة انفتاح أي أفق جديد لمفاوضات تستخدم لتمرير الوقت وتمديد الوضع القائم.

بعد فوز حزب العدالة والتنمية وحلفائه بالبرلمان والرئاسة كيف ترى مسار العلاقة بين تركيا والنظام؟

لا أعتقد ان هناك تغييراً سريعاً منتظراً في السياسة التركية تجاه سوريا من هذا الفوز. فالأهداف التركية لن تتغير سواء ما تعلق منها بتقييد حركة قسد وميليشياتها أو بترحيل اللاجئين السوريين أو القسم الأكبر منهم، ولو أن ذلك سوف يكون بأقل ما يمكن من الضجيج الذي استثمرت فيه المعارضة التركية.

وفي المقابل سوف تستمر المساعي الروسية لدفع الطرفين إلى التعاون والتفاهم لكن من المستبعد أن يتم التوصل إلى اتفاق سريع يقف ضده الأميركيون ويخشاه الإيرانيون ولا يرحب به النظام.

بالعكس يريد هذا الأخير استغلال حالة النزاع مع أنقرة للتغطية على أوضاعه الداخلية وحرف الأنظار عن التوسع والتمدد المستمر لإيران في سوريا في جميع الميادين وبسط وصايتها على سوريا وسيطرتها على مقاليد الأمر في البلاد وعلى أهم المواقع الاستراتيجية فيها.

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا لم ينعكس هذا العداء الغربي لروسيا على وضعنا كمعارضة سورية في مواجهة الروس. هل من الممكن أن نستفيد لاحقاً من هذه الحرب؟

الذين توقعوا أن تخدم الحرب الأوكرانية القضية السورية هم من كان يراهن دائماً على التدخلات الغربية لحسمها. فسودوا الاعتقاد بأن انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية سوف يدفعها إلى التقليل من اهتمامها بسيطرتها الجيوستراتيجية على سوريا.

وقد منّى البعض أنفسهم أيضاً بسحب موسكو بعض جنودها لزجهم في المسرح الأوكراني. والحال أن الكتلة الغربية اعترفت منذ بداية الأحداث السورية الكبرى بوصاية روسيا على الدولة السورية ونفوذها فيها، وتفاهمت مع موسكو لدفعها للتدخل لوضع حد للثورة وما تمخض عنها من صراعات داخلية وخارجية.

بالعكس أعتقد أن هذه الحرب همشت كلياً الاهتمام بالقضية السورية دولياً. ولا ينبغي لنا أن نغش أنفسنا بالمواقف السياسية العلنية من هنا وهناك. تحولت سورية لقضية إنسانية فحسب وثانوية سياسياً . وحتى في هذا المجال سنشهد انحساراً كبيراً للدعم الإنساني مع تراكم مآسٍ أخرى جديدة في بلدان مأزومة جديدة. وفي اجتماع بروكسل الأخير للمانحين قلصت المعونات المقدمة للسوريين إلى نصف حجمها في العام الماضي.

وحتى في حال دخول الغرب وروسيا في مفاوضات لإنهاء الحرب الأوكرانية، وهذا ما يزال بعيد الاحتمال، ليس من المؤكد أن ينعكس ذلك إيجابياً على سوريا. فليس هناك ما يمكن للغرب أن يقدمه مجاناً لروسيا أفضل من الاعتراف بنفوذه وأسبقية مصالحه في سوريا المنكوبة.

سوريا اليوم هي كرة النار التي لا يريد أحد أن يمسك بها أو ينتزعها، وإنما أن يحمي نفسه من مخاطر تطوراتها ويستخدمها مسرحاً لحروبه ومواجهاته الخارجية. وما لم ينجح السوريون في الوقوف على أقدامهم وإعادة توحيد صفوفهم وبناء قوتهم الذاتية، أي ما لم يصبحوا فاعلين في واقعهم وعلى أرضهم سوف تبقى سوريا كما هي اليوم مزرعة لميليشيات ممولة وموجهة من الخارج، وفي مقدمها ميليشيا نظام الأسد، وساحة لحروب الوكالة الإقليمية والدولية. 

وهذا ما ينبغي أن يكون هدف أي نشاط سياسي سوري في الأشهر وربما السنوات المقبلة. من دون ذلك لن تنجح أي مفاوضات سورية ليست في واقع الحال اليوم سوى مفاوضات إقليمية ودولية تجري في ثياب وعبر دمى القش السورية.

ما مستقبل العملية السياسية بعد أن عطلت روسيا مسار اللجنة الدستورية وبعد أن صار اللقاء الرباعي (تركيا وروسيا والنظام مع ايران) بما يشبه بديلاً لكل المسارات الأخرى؟

كما ذكرت سابقاً ليس هناك بعد أي أفق لمفاوضات جدية حول سوريا. بالعكس الأجواء حاملة أكثر بالمواجهات المحتملة بين العديد من الأطراف وعلى محاور مختلفة. وهي تبدو لجميع المتنازعين على أنقاض الدولة السورية فريسة مستسلمة من دون صاحب ولا مقدرة على المقاومة ورد الفعل. ولا توجد قوة في العالم تضيع وقتها في إنقاذ فريسة خائرة ينهش فيها حكامها وأحياناً معارضاتها قبل أعدائها ويتسابقون إلى فتات ما يلقيه لهم هؤلاء وأولئك. فالسياسة هي السياسة والحرب هي الحرب، وليس في السياسة، وأقل من ذلك في الحرب، مكان للعاطفة وعمل الخير والمعروف أو كما نقول بالعامية السورية “يا أمي ارحميني”. لم يبق أمام السوريين من خيار سوى أن يعضوا على الجرح والتقدم إلى الأمام بكل ما تبقى لديهم من قوة والتضامن فيما بينهم للحفاظ على البقاء الذي ينازعهم عليه أكثر من طرف إقليمي ودولي.

تلفزيون سوريا

—————————-

دان ستوينيسكو منصبَ رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا: لا تطبيع مع النظام دون تنازلات حقيقية

يَشغلُ دان ستوينيسكو منصبَ رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا منذ الأول من شهر أيلول (سبتمبر) عام 2021، وذلك بعد أربع سنوات كان خلالها سفير بلده رومانيا في تونس. تَدرَّجَ ستوينيسكو قبل ذلك في وزارة الخارجية الرومانية، مُتنقلاً بين أقسام مختصّة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أميركا اللاتينية، والشتات الروماني، وشغل منصب مبعوث الحكومة الرومانية إلى رومانيي الخارج برُتبة وزير، بين 2015 و2016. يحمل ستوينسكو شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوخارست، حيث قدَّمَ أطروحة بعنوان «القومية العربية والهوية الإسلامية بعد عام 1987».

تندرجُ المقابلة ضمن مجموعة من المواد التي تعمل عليها الجمهورية لمواكبة تَطوُّر المسار السياسي والدبلوماسي المرتبط بالمسألة السورية بعد زلزال 6 شباط (فبراير) وعودة سوريا مُمثَّلة بنظام الأسد إلى جامعة الدول العربية. علماً أننا تَلقّينا أجوبة السفير ستوينسكو بشكل مكتوب في الثاني من هذا الشهر، حزيران (يونيو) 2023.

الجمهورية.نت

لنبدأ بآخر التطورات. ما هو موقف الاتحاد الأوروبي من قرار جامعة الدول العربية الأخير بإعادة سوريا إلى عضويتها وإنهاء عُزلة بشار الأسد الدبلوماسية؟ هل فوجئتَ بهذه الخطوة؟ هل تتفهّمُ هدفها النهائي كما ذكرَت الإدارة الأميركية؟

يأخذُ الاتحاد الأوروبي علماً بقرار جامعة الدول العربية بإعادة سوريا إلى عضويتها، وإنهاء عزلتها الدبلوماسية. كما نتفهّم أن جامعة الدول العربية تتألف من دول مستقلة وذات سيادة، تتخذ قراراتها بشكل مستقلّ.

وفي حين أننا نعترُف بقرار الجامعة العربية، فإننا نؤكد مجدداً على موقفنا. يرى الاتحاد الأوروبي أنّ على دمشق أن تُقدِّم تنازلات جوهرية قبل تطبيع العلاقات معها. ورغم أن إعادة الدمج في الجامعة هي بالفعل خطوة ذات دلالة رمزية مهمة، نتّفقُ مع تصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بأن هذه الخطوة يجب أن يُنظر لها كبداية لعملية طويلة، وليست تطبيعاً كاملاً. ما يزال الطريق طويلاً، ونحن لا ندعو دمشق إلى الوفاء بالتزاماتها مع الدول العربية فحسب، وعلى النحو المنصوص عليه في إعلان عمّان، وإنما لاتخاذ خطوات حقيقية أيضاً في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، والسيرِ بأمانة مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، في الاتجاه ذاته وعلى مبدأ خطوة بخطوة. لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي إنجازه؛ مثل تطبيق مرسوم العفو العام رقم 7 بشكل أكثر شمولاً ومصداقية، والعديد من الخطوات الأخرى.

يواصل الاتحاد الأوروبي دعوته للتوصُّل إلى حلٍّ سياسيٍّ للصراع في سوريا بقيادة مبعوث الأمم المتحدة الخاص، ويؤكد على أهمية قِيَم العدالة والمساءلة. لقد عانى الشعب السوري كثيراً برأينا، ويجبُ محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

تحرَّكَ الكونغرس الأميركي بسرعة لمنع الحكومة الأميركية من تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وقال وزير الخارجية الفرنسي إنه يجب محاكمة الأسد. هل تعتقد أن مثل هذه التحركات والتصريحات تساعد جهود الحل السياسي في سوريا أم تُعرقلها؟

يتوقّفُ الحلُّ العادل والمُستدام للصراع السوري على تحصيل تنازلات من النظام السوري، وإيجاد تدابير ذات مصداقية لبناء الثقة، تتجاوز مجرّد الوعود. بدون خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، يبقى التطبيع أمراً غير وارد بالنسبة لنا. إن الخطوة الأخيرة التي اتخذها الكونغرس الأميركي لمنع الحكومة من تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وتأكيدُ وزير الخارجية الفرنسي أنّ بشار الأسد يجب أن تتم محاكمته، يعكسان إجماعاً لدى العديد من الجهات الفاعلة الدولية، على أن العدالة والمساءلة أمران حاسمان لأيّ حلٍّ للصراع.

يقف الاتحاد الأوروبي بحزم في دعمه للجهود المبذولة لتحقيق العدالة والمساءلة. لا يمكن فصل الحلّ السياسي الحقيقي عن هذه العناصر. وبالتالي، فإن الاتحاد الأوروبي يؤيّد بشدة مبادرات رصد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا والإبلاغ عنها، بما في ذلك جمع الأدلة لتعزيز عمليات العدالة الدولية.

علاوة على ذلك، يَشيدُ الاتحاد الأوروبي بالإجراءات الاستباقية التي اتخذتها دولُهُ الأعضاء في محاسبة مجرمي الحرب السوريين من جميع الأطراف، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، اللتَين قدَّمتا مجرمي حرب سوريين أمام المحاكم، الأمرُ الذي يؤكد التزامنا بتحقيق العدالة.

بالتوازي مع هذه الجهود، يُقدّم الاتحاد الأوروبي الدعمَ المباشر لعائلات المفقودين وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

ما هي أولويات الاتحاد الأوروبي الحالية في التعامل مع الصراع السوري؟ كيف تضمنون معالجة هذه الأولويات؟ هل تَغيَّر نهجكم مؤخراً نتيجةً للزلزال، وكيف؟

منذ اندلاع الصراع عام 2011 والاتحاد الأوروبي ثابتٌ في التزامه بتقديم الدعم للشعب السوري. نحن فخورون بكوننا أكبر جهة مانحة للمساعدات الإنسانية لسوريا، حيث ساهمت دولُنا الأعضاء بأكثر من 27 مليار يورو حتى الآن.

يشملُ الدّعم الذي نقدّمه مختلفَ القطاعات والمجالات داخل سوريا، بما فيها التعليم والرعاية الصحية والتدريب المهني وإشراك المرأة في المحادثات السياسية ودعم المجتمع المدني، من بين مجالات أخرى. لا تقتصر جهودنا على الإغاثة الفورية، بل تهدف إلى تعزيز التعافي المُبكر والقدرة على الصمود لدى المجتمع السوري.

بالتوازي مع هذه المساعي، فإن الاتحاد الأوروبي ما يزال ثابتاً في دعوته للتوصّل إلى حلّ سياسي للصراع، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

بعد وقوع الزلزال الأخير في تركيا وسوريا، نظّم الاتحاد الأوروبي مؤتمراً للمانحين نجحَ في تأمين مبلغ 911 مليون يورو كمِنَح مباشرة لمساعدة سوريا.

يهدف التمويل المخصّص لسوريا إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وتعزيز جهود التعافي المُبكر والصمود. يديرُ هذه المساعدات وينظّم توزيعَها شركاؤنا الموثوقون على الأرض، بما فيهم منظمات الأمم المتحدة المختلفة، وطيفٌ واسع من المنظمات غير الحكومية العاملة في جميع أنحاء سوريا، لا سيّما في المناطق المتضررة بشكل مباشر من الزلزال. يواصل الاتحاد الأوروبي التكيُّفَ مع الظروف المتغيّرة في سوريا والاستجابة لها، ما يؤكّد التزامنا بالوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المحنة.

لا توجد علاقات دبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي والحكومة السورية، لكنك تزورُ دمشقَ بانتظام على حدّ فهمنا، وقد عُدتَ للتو من هناك. ما هي طبيعة هذه الزيارات، وضمن أيّ إطار قانوني وسياسي تحدُث؟ من تُقابل من المسؤولين السوريين؟ وهل تتناولُ محادثاتك القضايا السياسية وحقوق الإنسان أم القضايا الإنسانية فقط؟

في حين قطعَ الاتحاد الأوروبي علاقاته الدبلوماسية مع النظام السوري بشكل رسمي منذ بداية الصراع، إلا أنني، وبصفتي رئيس وفد الاتحاد الأوروبي، أقوم بزيارات منتظمة إلى دمشق مع أعضاء فريقي. خلال هذه الزيارات، نقوم بلقاء ممثلين فنّيين لوزارة الخارجية، عادةً ما يضمّون أفراداً مثل رئيس قسم المنظمات الدولية ومدير المراسم.

مناقشاتنا شاملة، لا تُغطي المسائل الإنسانية فحسب، رغم ما تتطلّبه تلك من حوار مستمر لضمان الوصول والدعم الضروريين، ولكنها تشملُ أيضاً القضايا السياسية وقضايا حقوق الإنسان. إنها توفِّر فرصةً للتعبير عن مواقف الاتحاد الأوروبي ومخاوفه بشأن مجموعة كبيرة من القضايا. هذه الزيارات مستمرة منذ بداية الصراع وهي ليست بالأمر الجديد.

هل تقابلُ خلال زياراتك سوريين لا يخدمون بأي صفة رسمية؟ هل لديك القدرة على زيارة أماكن وبلدات غير وسط دمشق؟ ما الذي يلفتُ انتباهك في هذه الزيارات، مما تراه وتسمعه؟

أجل، عند الذهاب في بعثة إلى دمشق، لا يكتفي وفدُ الاتحاد الأوروبي إلى سوريا بمقابلة مسؤولي وزارة الخارجية، بل إن الاجتماعات الفنية التي نُجريها مع وزارة الخارجية تمثِّل جزءاً بالغ الضآلة من مشاركاتنا في دمشق. إننا نولي أهمية قصوى للتواصل مع أعضاء المجتمع المدني والشركاء الذين ينفذّون المشاريع على الأرض، وهؤلاء يشملون معظم وكالات الأمم المتحدة. هذه المشاركة الواسعة ضرورية لاكتساب فهم شامل للوضع في سوريا، ولضمان تحقيق أهدافنا بشكل جيد وفعّال.

في العام الماضي، قُمنا بزيارة إلى حلب وحماة وحمص مع المنسق المُقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، حيث تفقّدنا المشاريع التي يموِّل الاتحاد الأوروبي بعضها، وأجرَينا تقييماً للوضع الإنساني العام. نأملُ أن نُجري زيارات إضافية من هذا النوع؛ لرصد الوضع وتقييم الاحتياجات بشكل مباشر. أكثر ما يلفتُ انتباهنا خلال هذه الزيارات هو مدى وعمقُ الاحتياجات اللازمة على كافة المستويات وعبر مختلف القطاعات. لقد عانت سوريا كثيراً خلال العقد الماضي، بحيث أصبحت درجةُ الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية والهيكلية عميقة حقاً. 

مع ذلك، إلى جانب الاحتياجات والتحديات، يوجد جانبٌ آخر لافتٌ للانتباه؛ هو إمكانيات المجتمع المدني في سوريا. فعلى الرغم من الصعوبات، يعمل العديد من الأفراد والجماعات بلا كلل لإحداث تغيير إيجابي ضمن مجتمعاتهم. إنّ صمودهم والتزامهم وإبداعهم خيرُ دليلٍ على إمكانات التعافي، وبادرةٌ لمستقبل أكثر إشراقاً في سوريا.

هل يمكنك أن تُشارك قُرّاءَنا العملية الشاملة التي قُمتم من خلالها بوضع جدول أعمال مؤتمر بروكسل؟ إلى أي مدى تتشاورون مع الأطراف السورية في صياغة البرنامج؟

مؤتمر بروكسل فرصةٌ للمجتمع الدولي لإعادة تأكيد دعمه للشعب السوري. ليس المؤتمر مجرّد منصّة للنقاش وتقديم التعهدات لدعم الشعب السوري والمجتمعات المُضيفة للاجئين، وإنما هو وسيلة لإعلاء صوت المجتمع المدني السوري وأفكاره واهتماماته وتطلُّعاته للمستقبل. علاوةً على ذلك، فإنه يُمثِّل مناسبة مهمة لتجديد الزخم من أجل الوصول إلى حلّ سياسي للصراع.

يلعب المجتمع المدني السوري دوراً رئيسياً في وضع جدول أعمال مؤتمر بروكسل. وقد تمكّنا من خلال منصّتنا الافتراضية من الوصول إلى أكثر من 700 فرد ومنظمة ناشطين داخل سوريا وخارجها. أثَّرَ هذا الكمُّ من المشاركات على تحسين جودة الحوار وفهمِنا لآمال ورغبات الشعب السوري في مستقبل بلدهم.

عادة، يتم تنظيم المؤتمر على مدى يومين، يُخصّص الأول للحوار بين المجتمع المدني والدول المستضيفة للاجئين، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، حول مجموعة محددة من المواضيع نتفقُ عليها من خلال المشاورات التي نُجريها مع المجتمع المدني وشركائنا؛ أما اليوم الثاني فيُخصَّص للحدث الوزاري، الذي تُقدّم من خلاله التوصيات والرسائل الرئيسية المُستخلصة من حوار اليوم السابق. يمثّل هذا اليوم فرصة للدول للإعلان عن تعهداتها. ومن خلال دمج النتائج، والإشراك النشط للمجتمع المدني السوري، نسعى لأن تعكس أجندة المؤتمر بدقة احتياجات ومخاوف وتطلّعات الشعب السوري.

نحن نُدرك أنكم تدعمون المبادرات الإنسانية ومبادرات المجتمع المدني في جميع أنحاء سوريا. هل لديكم القدرة على فرض آليات المراقبة والتقييم نفسها على البرامج الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء البلد؟

يُقدِّمُ الاتحاد الأوروبي دعمه للمساعدات في جميع أنحاء سوريا من خلال شركائنا، بما فيهم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية. تسترشد عملياتنا باحتياجات الناس، والمبادئ الإنسانية، وحقّ السكان المتضررين بالمُساءلة، والشفافية والكفاءة والفعّالية.

ويُراقب موظفو المساعدات الإنسانية في المفوضية الأوروبية المشاريع الإنسانية الممولة من الاتحاد الأوروبي بانتظام، ويُجرون عمليات تدقيق وتقييم لضمان المُساءلة والالتزام بالمعايير المعتمدة. ونبقى ملتزمين بأعلى درجات الشفافية والفعّالية في جميع جهودنا الإنسانية.

كما تُشارك مفوضية الاتحاد الأوروبي بشكل نشط في آلية الحوار الإقليمي والنقاشات المتعلقة بعمليات الشراء لدى الأمم المتحدة.

من المهم تَذكُّر أنّ العمليات الإنسانية الخاصة بالاتحاد الأوروبي تتم وفقًا لمعايير تشغيلية صارمة، تستبعد التدخل من النظام أو من أيّ سلطة أخرى. أخيراً، يتحمل الشركاء الدوليون لمفوضية الاتحاد الأوروبي مسؤولية أداء الشُركاء المنفذين وامتثالهم للمبادئ الإنسانية.

تعهّدَ الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم سخي للشعب السوري في أعقاب زلزال 6 شباط (فبراير) المدمّر. هل بدأ الدعم يصل إلى المستفيدين المُستهدَفين؟ كيف تُقيّم التقدُّم المحرَز في هذه المسألة سواءً فيما يخصّ مشاريع الاتحاد الأوروبي الخاصة أو بشكل عام؟

كما أسلفتُ الذكر، قدّمَ الاتحاد الأوروبي في أعقاب زلزال 6 شباط المدمّر تعهدات كبيرة لدعم الشعب السوري خلال مؤتمر المانحين الدولي الأخير. ومن إجمالي الالتزامات البالغة 7 مليارات يورو، خُصصت 6.05 مليار يورو كمِنَح وقروض لتركيا، و911 مليون يورو كمِنَح مباشرة لمساعدة سوريا.

إننا نعمل بالشراكة مع العديد من منظمات الأمم المتحدة، وطيف واسع من المنظمات غير الحكومية الناشطة في جميع أنحاء سوريا، لإدارة وتوزيع هذه المساعدات، مع التركيز بشكل خاص على المناطق المتضررة بشكل مباشر من الزلزال.

لقد أحرزنا تقدماً كبيراً في جمع المساعدات التي تعهّدنا بتقديمها، ونحن متفائلون بأنها سوف تصل إلى المستفيدين المستهدَفين. هذا جزءٌ من التزامنا بتقديم مساعدة سريعة وفعَّالة ومُوجَّهة استجابةً للزلزال المدمّر، وللوضع الإنساني الأوسع في سوريا.

لمزيد من المعلومات التفصيلية حول توزيع التعهدات من فريق أوروبا والدول الثالثة والمنظمات الدولية، نرجو من جميع المهتمّين والمهتمّات أن يزوروا الموقع الرسمي لمؤتمر المانحين.

ما زلنا ملتزمين برصد تنفيذ وتوزيع هذا الدعم عن كثب، لضمان فعاليته في تلبية احتياجات الشعب السوري خلال هذه الفترة العصيبة.

هل أحرزتُم أي تقدّم فيما يخص الأعضاء الأوروبيين من تنظيم داعش الذين ما يزالون في سجون قوات سوريا الديمقراطية؟ هل ستتم إعادتهم إلى أوطانهم في أي وقت قريب؟

تبقى قضيةُ المعتقلين من تنظيم داعش مسألة شائكة. في الحسكة، يوجد قرابة 4000 فرد يُشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش، ونحو 700 قاصر رهن الاحتجاز في الوقت الحالي. شاغلُ الاتحاد الأوروبي بخصوص هؤلاء المعتقلين المزعومين ذو طبيعة إنسانية، والتحدّيات التي يواجهها شركاؤنا على الأرض تثير قلقنا، فهي تعيق تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية، لا سيما للسجناء الشباب والمرضى أو المصابين.

أما فيما يخص جهود المُساءلة، فقد صنّفَ الاتحاد الأوروبي داعش على أنها منظمة إرهابية، واعتمدَ التوجيهَ الخاص بمكافحة الإرهاب المتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب. صُمِّمَ هذا التوجيه من أجل تسهيل التعاون عبر الحدود، وتحسين عمليات جمع الأدلة واعتمادها. في تموز الماضي، تولّى إيلكا سالمي منصب منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، ووصَف الوضع في شمال شرق سوريا بأنه قضية ملحّة.

عادة ما تُوجَّهُ تهمة المشاركة في نشاطات جماعة إرهابية أو تقديم الدعم لها إلى المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتقعُ مسؤولية إعادتهم إلى أوطانهم ضمن اختصاص فرادى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. في العام الماضي، مثلاً، قامت الحكومة الهولندية بإعادة خمس نساء يُزعم انتماؤهن لعائلة من تنظيم داعش، و11 طفلاً من مخيم الروج للاجئين في شمال شرق سوريا. كما أدانَت السلطات الألمانية، تطبيقاً لمبدأ الولاية القضائية الدولية، مواطناً عراقياً وعضواً في تنظيم داعش، لارتكابه جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب أسفرَت عن مقتل فتاة إيزيدية عمرها 5 سنوات، كان قد اشتراها كعَبدةٍ في سوريا. المزيد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يحذون حذوهم.

كيف يتعامل الاتحاد الأوروبي مع المعارضة السورية في الوقت الحالي، هل هناك أي شكل من أشكال التنسيق؟ هل تستمرون في اعتبار الائتلاف الوطني ممثلاً شرعياً للشعب السوري؟

يُحافظ الاتحاد الأوروبي على تواصل نشط مع المعارضة السورية، من خلال اجتماعات منتظمة يعقدُها في اسطنبول وجنيف وبروكسل. تسمح هذه الاجتماعات بتبادل الأفكار، ومناقشة آخر المستجدات، وضمان الحوار المستمر حول الوضع في سوريا.

علاوة على ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي الاعتراف بالائتلاف الوطني كممثل شرعي للشعب السوري. ما نزال ملتزمين بدعم سعي الائتلاف نحو سوريا يعمّها السلام والاستقرار، وما نزال نؤمن بأهمية الحكم التمثيلي والشامل.

لا حلّ مستدام للأزمة السورية دون إشراك جميع عناصر المجتمع السوري داخل وخارج البلاد، الممثلين الشرعيين للشعب السوري، بمن فيهم المعارضة.

أخيراً، أنت مواطن روماني عايشتَ التحول الديمقراطي في بلدك. هل هناك ما تودُّ أن تشاركه مع الديمقراطيين السوريين، وكل السوريين والسوريات الذين يتطلعون إلى سوريا جديدة، سلمية ومزدهرة وحرة؟

كمواطن روماني عايشتُ تحوّل بلدي نحو الديمقراطية، يمكنني أن أخبركم أن الرحلة نحو الديمقراطية قد تكون صعبة وطويلة، وقد تبدو في كثير من الأحيان ساحقة. مع ذلك أؤكد لكم أنها مسعىً يستحق العناء. إن إحدى أهمّ الدروس المستفادة من تاريخ رومانيا الحديث هي أنّ التغيير ممكن بالفعل، حتى في أصعب الظروف.

أحثُّ جميع السوريين والسوريات الذين يتطلّعون إلى سوريا جديدة، سلمية ومزدهرة وحرة، ألّا يفقدوا الأمل أبداً. حافظوا على تفاعلكم ونشاطكم، واستمروا في السعي لبلدكم الذي تريدون. الاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب الشعب السوري في هذه الرحلة، وسيواصل دعم جهودكم لتحقيق السلام والمستقبل الأفضل.

موقع الجمهورية

—————————-

700 مليار دولار خسائر سوريا… والإعمار مهمة مستحيلة/ ربيع نصر

تمزق الاقتصاد السوري وتحول إلى أداة لإخضاع المجتمع

تعرّض الاقتصاد السوري إلى خسائر مرعبة خلال فترة النزاع، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 أقل من ثلث قيمته في عام 2010، وتجاوز إجمالي الخسائر الاقتصادية، بما فيها الفرص الضائعة، خلال الاثني عشر عاما 700 مليار دولار أميركي أي أكثر من 35 ضعف الناتج المحلي لعام 2022 (التقديرات في هذا المقال تستند إلى المركز السوري لبحوث السياسات).

وتشمل هذه الخسائر التدهور في القيمة المضافة المنتجة سنويا، بالإضافة إلى الخسائر المرتبطة بالثروة المتراكمة أو رأس المال التراكمي. هي خسائر دمرت عقودا من العمل والثروة وتحتاج لعدة أجيال لإعادة البناء، آخذين بعين الاعتبار أن هذه التقديرات محافظة؛ حيث استندت إلى القيمة الحقيقية التاريخية وليس القيمة الاستبدالية لرأس المال وفق الأسعار والشروط التقنية الراهنة، كما أنها لا تشمل الخسائر المستقبلية المقدرة نتيجة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد أو الأضرار التي لحقت بالبيئة نتيجة الحرب.

ترافق تدهور الناتج الاقتصادي ودمار أو تعطل رأس المال التراكمي بما في ذلك البنية التحتية والتجهيزات مع اختلالات اقتصادية كبرى أبرزها تراجع المشاركة في النشاط الاقتصادي ووصول معدلات البطالة إلى أكثر من 40 في المئة حيث خسر الملايين فرص عملهم بالإضافة إلى غياب شروط العمل اللائق، كما قارب عجز الميزانية العامة 50 في المئة من الناتج المحلي مع اضمحلال الإيرادات العامة وتدهور الإنفاق العام باستثناء الإنفاق العسكري مما راكم دينا عاما غير مسبوق يفوق 250 في المئة من الناتج المحلي لعام 2022، هذا العبء سيلتزم الأجيال المستقبلية بسداده لعقود قادمة.

ومع تلاشي الصادرات وزيادة الاعتماد على الاستيراد تجاوز العجز التجاري 40 في المئة من الناتج وانعكس ذلك في سقوط حر لقيمة الليرة السورية لتصل إلى 8500 ليرة للدولار حاليا مقابل 47 ليرة للدولار عام 2010. وترافق ذلك مع معدلات تضخم جامح حيث تضاعفت الأسعار بأكثر من 100 مرة في نهاية 2022 مقارنة بعام 2010 وترتب على ذلك تآكل حاد للقوة الشرائية لدخول السوريين ومعاناة غالبيتهم من الفقر واعتماد الكثيرين على المساعدات الإنسانية.

مقومات الحرب مستمرة

هذه المؤشرات الكارثية والتي تدل على انهيار اقتصادي غير مسبوق ليست إلا أعراضا هامشية مقارنة بالخسائر الحقيقية للاقتصاد السوري، فالأكثر خطورة هو تحول مقومات الاقتصاد السوري إلى مقومات للحرب والتدمير والظلم. حيث تم تحويل ما تبقى من ناتج اقتصادي وثروة متراكمة إلى خدمة النزاع، فتضاعف الإنفاق العسكري الأمني عشرات المرات وغدت العسكرة العمود الفقري للنشاط الاقتصادي، أي إن ما نسميه الآن قيمة مضافة في الاقتصاد هو في الواقع محرك للتدمير الاقتصادي والتنموي. ويشمل ذلك استغلال الثروات الطبيعية والإيرادات العامة والثروات الخاصة والأنشطة الاقتصادية في سبيل تسعير الحرب واستغلال المجتمع. وتفاقمت الأنشطة المرافقة للنزاع من الإتجار بالبشر والمخدرات والتهريب والنهب وفرض الإتاوات والاحتكار واستغلال الفرص الاقتصادية.

الظلم والتفاوت

شكلت الحرب في سوريا أضخم تدمير للبنى الاقتصادية في التاريخ المعاصر، كما أنها أعادت توزيع الثروة والفرص والموارد لصالح نخبة الحرب، مما فاقم من عمق وشدة الظلم، ورسخ توازنا جديدا للقوة الاقتصادية كان الخاسر الرئيس فيه الغالبية الساحقة من السوريين الذين خسروا ثرواتهم وأعمالهم وفرصهم. إن هذه البنية الجديدة للثروة والنشاط الاقتصادي ستهيمن على المستقبل المنظور للاقتصاد لصالح قوى الاستبداد والهيمنة. وعلى الرغم من معاناة كافة المناطق والمجتمعات من الانهيار الاقتصادي فإن تدمير مقومات الاقتصاد اتسم بالتفاوت الحاد حيث تعرضت مناطق ومجتمعات إلى تدمير شامل وحصار ونهب مثل حلب وإدلب وحمص ودير الزور والرقة ودرعا، بما لا يقارن مع مناطق ومجتمعات أخرى مثل اللاذقية وطرطوس وحماة والحسكة، وهو ما عمق المظلوميات والتفاوت الاقتصادي بين السوريين.

لقد تعرض الإنسان- جوهر المقومات الاقتصادية- في سوريا إلى استباحة وحشية لإنسانيته وكرامته وحقوقه وحرياته، فقد تجاوزت أعداد القتلى نتيجة النزاع 700 ألف ضحية، وملايين الجرحى والمعاقين، وتعرض السوريون إلى كل أشكال الانتهاكات من استهداف للمدنيين بالأسلحة التقليدية والمحرمة دوليا والحصار والتعذيب والاغتصاب والتهجير، ضمن سياسة العقوبات الجماعية الممنهجة. بالإضافة إلى الخسائر الفادحة المباشرة لرأس المال البشري، حرم ملايين السوريين من الحق في الصحة والتعليم والأمن الغذائي، وتعرض السوري للتفقير، حيث وصلت معدلات الفقر إلى 90 في المئة من السكان وأصبح الفقر المدقع سمة ترافق نصف السكان المقيمين في سوريا.

وكانت معاناة النازحين واللاجئين مضاعفة حيث خسروا بيئتهم الاجتماعية الاقتصادية وتشظت العائلات وتعرضت النساء إلى مختلف الانتهاكات وعاش معظم المهجرين في ظروف غير إنسانية مما ساهم في هدر قدراتهم وحقوقهم. ويضاف إلى ذلك حرمان ملايين الأسر من مصادر الدخل والعمل، كما اضطر كثيرون للعمل في ظروف غير إنسانية أو الانخراط في أنشطة مرتبطة باقتصاديات النزاع بشكل مباشر مثل المقاتلين أو غير مباشر مثل العمل في أنشطة غير شرعية مثل التهريب وتجارة السلاح والمخدرات. لقد خسر الاقتصاد معظم إمكانات أفراده وقدراتهم، وستستمر هذه الخسائر، فالحرمان من التعليم أو السكن اللائق أو الغذاء، أو التعرض للانتهاكات الفادحة أو الانخراط في النزاع هو خسارة طويلة المدى لإمكانات التنمية.

وتعرض رأس المال الاجتماعي، المقوم الآخر للاقتصاد، إلى تصدع خطير؛ حيث تراجعت الثقة بين الأفراد وتلاشى الإحساس بالأمان، وتدهورت القيم المشتركة، مثل التضامن والتعاون والتطوع العابر للمناطق والإثنيات والأديان، وانتشر العنف ضد النساء والسرقة والتخريب وتفاقمت مظاهر التعصب والتمييز وغيرها من المظاهر الاجتماعية السلبية. تعمق هذا على الرغم من الجهود الهائلة التي بذلتها منظمات ومبادرات المجتمع المدني لرأب الصدع وتخفيف معاناة السوريين إلا أن الكارثة كانت أكبر من قدرات هذه المنظمات والمبادرات. ويؤثر تدهور رأس المال الاجتماعي في الاقتصاد من خلال تدهور العلاقة بين المجتمع والاقتصاد، حيث تتراجع الثقة وإمكانيات التنقل والعمل المشترك والتضامن.

يعد الاستبداد السياسي الجذر الرئيس للنزاع في سوريا، وخلال النزاع حولت السلطة السياسية في سوريا الدولة إلى قوة طغيان سياسي تستهدف المجتمع وتدمر مقومات الاقتصاد، وتمحورت أولويات السلطة إلى تحويل كافة الموارد لصالح النزاع وتضمن ذلك تمويل العمليات العسكرية والأمنية وبناء نظام حوافز للمنخرطين في النزاع بما في ذلك مأسسة عمليات النهب والإتاوات والتهريب واستغلال المساعدات واحتكار فرص الاستيراد أو الاستثمار المستقبلية.

وفي المقابل تم تدمير المقومات الاقتصادية للمناطق والمجتمعات والقوى المعارضة من خلال تدمير البنية التحتية أو الممتلكات أو المنشآت والتجهيزات وحصار مجتمعات لسنوات مع الحرمان من الوصول للخدمات العامة والطاقة والغذاء.

ومع غياب سلطة القانون وانتشار الفساد تدهورت الخدمات العامة في مناطق سيطرة النظام ولم تتغير السياسات الاقتصادية بعد تراجع العمليات العسكرية بل استمرت عمليات مأسسة استيلاء النخبة على مشاريع إعادة الإعمار وترسيخ دور نخبة الحرب الاقتصادية وتقليص الدعم على السلع الرئيسة، والتحصيل الجائر للضرائب ممن تبقى من المستثمرين في الأنشطة الاقتصادية.

لقد تم تحويل النظام الاقتصادي إلى أداة لإخضاع المجتمع ومكافأة المنتهكين. وقد تمزق الاقتصاد السوري بين النظام والقوى غير الدولاتية وترسخت الانقسامات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وفشلت القوى غير الدولاتية في تأسيس بنى ديمقراطية حيث اتسمت بهيمنة القوى الأمنية والعسكرية ومارست انتهاكات واسعة النطاق من خلال العمليات العسكرية أو الاستثمار في تسييس الهويات أو الممارسات المشوهة للبنية الإدارية والتنظيمية.

وتمركزت حول اقتصاديات النزاع من خلال إعطاء الأولوية للإنفاق العسكري واستغلال الموارد الطبيعية أو فرض الإتاوات واحتكار السلع والفرص الاستثمارية، بالإضافة إلى الاتكال على المساعدات الإنسانية وأدوار منظمات المجتمع المدني.

وقد ازدادت تبعية القوى السياسية المحلية إلى القوى الداعمة إقليميا ودوليا، وتحول إمداد القوى الخارجية العسكري والدعم السياسي مثل روسيا وإيران للنظام، والتركي والخليجي للمعارضة، والأميركي للإدارة الذاتية، تحول إلى تدخل مباشر في بنية اتخاذ القرارات السياسية وتحديد الأولويات بما فيها الاقتصادية، وبدأت القوى الأجنبية باحتكار قطاعات أو موارد اقتصادية لتقبض ثمن الدعم السياسي والعسكري من جهة ولتحتفظ بنفوذها طويل المدى في سوريا.

 لقد تناسـب تزايد النفوذ الأجنبي في الاقتصـاد طردا مع تراجع القوى الـسياسية عن اسـتهداف الدعم المجتمـعي في المناطق التي تســيطر عليها، مما زاد من هــشاشتها الـسياسية من جهة أولى وحرمان المجتمعات من أبســط مقومات الحياة من جهة أخرى. ولم تقتصر التبعية على القوى الخارجية المساهمة عسكريا في النزاع، بل تضخم الاعتماد على المساعدات الإنسانية الأممية والأهلية من الخارج حيث شكلت هذه المساعدات نحو ثلث الناتج المحلي عام 2022.

وأثرت طبيعة تصميم وتنفيذ المساعدات الإنسانية من قبل المنظمات الدولية على منظمات المجتمع المدني، حيث اقتصرت معظمها على الجانب الإغاثي والخدمي مع شبه غياب للجانب التنموي أو المشاريع المؤسسة لتضامن مجتمعي أو بنى ديمقراطية، مما جعل الاتكال على المساعدات يزداد سنة بعد أخرى، دون وجود استراتيجيات لبناء مقومات اقتصادية تنموية مستدامة.

وفي إطار العلاقة مع القوى الخارجية ساهمت العقوبات المفروضة من قبل الدول الغربية بشكل رئيس في زيادة التحديات الاقتصادية على المستثمرين والعاملين والأسر في سوريا، حيث لعبت دورا في ارتفاع التكاليف وتعقيد عمليات النقل والعمليات المالية غير المرتبطة بنخبة النزاع، كما أعاقت عمليات الصيانة والترميم لبعض المنشآت العامة والخاصة. وسخرت نخبة النزاع قضايا العقوبات للاستغلال السياسي والاقتصادي فأصبحت تحتكر عمليات التحويل المالي أو الاستيراد غير النظامية.

عبثية إعادة الإعمار

في ظل مأسسة الهدر الإنساني والاقتصادي وما ينتجه النزاع من بنى مؤسسية وأنظمة قمعية وفاسدة، ومع ما استباحته القوى السياسية الخارجية والمحلية من الثروة والسلطة، ومع الظلم غير المسبوق الذي تعرض ويتعرض له السوريون، رسخت قوى التسلط اليأس من عملية تحول سياسي واجتماعي واقتصادي تتجاوز مقومات النزاع وتؤسس لمسار يعيد إنتاج بنى ديمقراطية وتشاركية وتضامنية وعادلة. ويأتي الانفتاح العربي والتركي على النظام السوري وعودته إلى الجامعة العربية كأحد نماذج التغيير في سياسات الدول الإقليمية تجاه الحروب والقوى السياسية وصولا إلى التطبيع مع النظام.

وفي ظل استمرار مقومات النزاع لا ثقة يمكن أن تبنى في حوكمة الاقتصاد أو سلطة القانون أو تحقيق العدالة، أو في الإحصاءات والبيانات الرسمية، أو في الخطط والسياسات. فالتحدي لا يكمن فقط في حجم الخسائر المادية وغير المادية بل في استمرار قوى النزاع في استراتيجية التنمية العكسية والانتقال من الاستغلال خلال النزاع المسلح إلى استغلال نتائجه. هذا النهج الذي يستهوي الكثيرين مما يدعون “الواقعية السياسية” هو خيار غير واقعي لأنه لا يضمن الاستقرار أو الاستدامة أو السلم بل يؤسس لأشكال أكثر رعبا من النزاعات.

إن تقدير كلفة إعادة الإعمار يحتاج إلى سياق أو مسار مفترض للنزاع، ففي ظل السيناريو الذي يتم الترويج له حاليا، قد يكون مصير المليارات التي ستوجه لإعادة الإعمار المفترضة الهدر والتدهور الاقتصادي وتعزيز التفاوت واللامساواة وترسيخ سياسات اقتصادية قائمة على الاستغلال والتهميش، مما يجعل آفاق تغيير المسار الاقتصادي في سوريا أكثر قتامة.

المجلة

————————-

الملفّ السوري في العلاقات التركية الخليجية/ مهنا الحبيل

سؤال مهم: هل علاقة الدول الخليجية بتركيا متساوية؟ الجواب كلا، غير أن هناك تقاربا كبيرا ومركزيا في علاقات الدولة التركية في النسخة الجديدة من حزب العدالة والتنمية التي خرجت من فكرة التحالف مع الشعوب العربية، في موسم الربيع العربي، والعودة إلى البراغماتية الواسعة التي لا حدود لها، في ثنائية الإنقاذ الاقتصادي بكل مساحةٍ ممكنة، ودائرة واسعة تشمل طهران وتل أبيب والمحيط الرسمي العربي بقضّه وقضيضه، ولذلك تأتي مبادرة رئيس الإمارات محمد بن زايد بأن يكون أول من اتصل لتهنئة أردوغان بفوزه بالرئاسة ضمن هذا السياق.

يُطرح هنا موقف حكومات الدول العربية من بقاء شخصياتٍ إسلامية في تركيا لغرضٍ إنساني، أو مباشرة متابعتهم واقع دولهم وصراعها السياسي من خلال ما تمثله إسطنبول بالذات من حراك شعبي وحضور عربي، يتواصل وجدانياً، وبات اليوم في قرار الدولة التركية منحصراً في الاستمرار المشروط، في حدود المعيشة الإنسانية والاستثمار الإيجابي لصالح الاقتصاد التركي، والذي يتعرّض أيضاً لحالات مراجعة، من الأمن والهجرة التركية، بحسب وضع المفاوضات الدورية بين أنقرة والعواصم ذات العلاقة. ولا يترتب على هذا الموقف أي غطاء سياسي من الدولة التركية في حال تعرّض واحد من هذه الشخصيات خارج تركيا لاعتقالٍ تعسّفي، أو مطاردة غير عادلة ورُحل إلى النظام السياسي الذي يتعقبه، أما داخل تركيا فإن بقاءه مشروطٌ بوقف أي نشاط سياسي من داخل حدود تركيا.

حرّرنا هذا الملف لكونه يُطرح في سياق توتر العلاقات بين أنقرة ودول عربية وبالخصوص الخليجية، وقد أضحى اليوم تحت المعالجة المشتركة، باستثناء النظام الإرهابي في دمشق الذي يرفض الاتفاق المشترك مع تركيا تحت مظلة موسكو وطهران، ولكن أنقرة تواصل تسوية ملف اللاجئين والارتدادات التي عاشتها منذ الثورة السورية، فالملفّ، في كل الأحوال، رهن التصفية دولياً وعربياً وإقليمياً، وحين تكتمل مقاربات الحل، يُرتّب الانسحاب التركي من الشمال السوري، بعد ضمان ما يهم تركيا، وهو حصار أي مساحة ممكنة لإقليم كردي فيدرالي، ذي استقلال ثقافي داخل الحدود السورية.

ورغم أن ملف الحدود يخصّ الدولة التركية، وأزمتها مع اللاجئين العرب، والتي انفجرت فيه الروح القومية العنصرية، أو اليمينية المنحازة في أعلى مستوياتها منذ قيام حركة الآباء المؤسسين للقومية التركية الحديثة في عهد الدولة العثمانية، إلا أنهُ مشتبكٌ بعلاقات أنقرة وبعض الدول الخليجية، فالرياض اتّخذت مساراً منفصلاً عن المعالجة التركية، عبر تأهيل النظام في دمشق وإشراكه عربياً، وعودة النظام إلى بسط سيطرته ليست مشكلة لدى أنقرة. فهي تسعى، في نهاية الأمر، إلى تطبيق هذا البند من ملف سوتشي حتى تخفّف مسؤوليتها عن مناطق اللاجئين، وضمان ترحيل أكبر عدد ممكن منهم، وهو مشروعٌ لم يكن مرتبطاً بالدعاية الانتخابية، ولكن جرى العمل عليه وتنفيذه عملياً قبل الانتخابات، وأعلن الرئيس أردوغان أنه سيصل إلى مليون إنسان في مرحلته الأولى في الشمال السوري. في حين يطرح مشروع جامعة الدول العربية الذي قادته الرياض تأهيل النظام أولاً، أي تمكينه سياسياً وجغرافياً. والغريب أن نظام الأسد ليس حريصاً لا على هذا المسار ولا ذاك، فهو زاهدٌ في عودة اللاجئين، ولا يرغب في الدخول إلى مساحة ضغط وتحمّل مسؤولية، فهو يفشل اجتماعياً واقتصادياً في تأمين أقلّ ما يمكن من احتياجات الإنسان السوري. وفي الوقت نفسه، كانت تجربة النظام مع ترحيل أزماته ما بعد الثورة لصالحه، وخصوصاً أن الثورة بعدما تبعثر ميدانها العسكري، وارتدّ على الأهالي والناس، وخضع لمصالح الجيوبولتيك الإقليمي، فإن المدار اكتمل أيضاً على الهياكل السياسية، وهي بقية هياكل لا يُبالي بها النظام في ظل عودته العربية، ودعمه الدولي المزدوج، فضلاً عن حلفه التاريخي الأيديولوجي مع ايران. وهو هنا أمرٌ مهم للملف الخليجي، وخصوصاً السعودية، في اعتقادها الخاطئ بأن الضخّ في اقتصاد النظام سوف يُحقق لها مساحة اختراقٍ عربية، فتحالف الأسد وطهران وبنيته العقائدية الطائفية، وحتى حبل موسكو معهما، أقوى بمراحل من رهان الرياض.

سيبقى هنا تدخّل المركز الغربي، وخصوصا الأميركي، في جمع المسارين التركي والسعودي لصالح تسويةٍ تضمن بقاء مساحة مستقلة لنفوذها وحضورها، مقابل القطب الروسي الصيني المشترك، الذي بات حاضراً في الهلال الخصيب، وفي دفء العلاقات السعودية الروسية الجديدة، ورغم الخلاف بين الرياض وواشنطن في سلة الإنتاج، وفي ملفاتٍ لوجستية أخرى، إلا أن واشنطن لا تزال الحليف التاريخي، كما أن الرياض تريد في رسائل الاقتراب من موسكو تعديل موقف واشنطن لصالحها بعد الفتور والتوتر اللذين سبقا تصفية ملف الشهيد جمال خاشقجي، وغادره الجميع في تركيا والغرب.

وهذه المساحة في تسوية الملف عبر التدخل الأميركي تعبر في مضيقٍ صعب لسيطرة الروس على ميدان سورية، وإن نجح إشغال الغرب لهم في حرب أوكرانيا، وبالتالي، جمع واشنطن قبل انصراف بايدن من فترته الأولى، لحليفيها أنقرة والرياض، ممكن نظرياً وحتى سياسياً، لكنه يحتاج إلى قبول عام من موسكو، نحو خروجٍ آمن لما تبقى من سورية، وبالذات شعب الثورة. فهل ستنجح هذه المهمة رغم الشكوك الطبيعية، في سقف واشنطن الذي غدر بالسوريين، في اتفاق أوباما/ بوتين، وكم هو مؤلم أن يكون المشهد الأخير لملف الثورة السورية تائهاً بين هذه الخطوط.

وباستثناء الصوت العاطفي، ومبادئ الثورة الباقية في وجدان الشباب، لم يعد للثورة أي مقعد لا في مفاوضات سلام ولا مدافعة ميدان، وتحوّلت إلى بطاقة هزيلة تتقاذفها الأطراف، وإنما المدار الإنساني هنا هو أمل النجاح لمخرج غوثٍ للمعذّبين في الأرض، ثم العودة، بعد الدرس المروّع، إلى قصة الطريق الأخير للحرية السورية، وكيف تُحمى إرادة النضال قبل اقتحام المسرح وانهياره.

العربي الجديد

————————

نحو مرحلة عربية موحشة/ غازي دحمان

الشائع أن الأنظمة العربية أعلنت انتصارها، في القمّة العربية أخيرا في جدة، على الربيع العربي، أبّنته الى غير رجعة، واحتفلت بصخب، بحضور أحد رموز تلك المرحلة، الذي حقّق أعلى الدرجات في القتل والتنكيل بواحدةٍ من أكثر الثورات زخما وتأثيرا في الوجدان العربي.

ليس الربيع العربي ما جرى تأبينه، فالشعوب، ورغم ما حلّ بها من كوارث جرّاء الثورات المضادّة، لم تعلن بعد هزيمتها واستسلامها، ويبدو أن نخب الحكم العربي أرادت الاستعجال للخروج من المنطقة الرمادية، حيث سكنت الثورات بسبب ظروف موضوعية وذاتية، توقّفت ماكيناتها، بدواعي الصيانة ربما، وتجديد خطوط سيرها، لكن التوقّف الفيزيائي لا يعني تعطّل المجتمعات العربية عن إنتاج الثورات، لأن الدوافع والمحفّزات ما زالت حيّة.

ما جرى تأبينُه، ولكن بشكل مؤقتٍ ومرحلي، التحاق العرب بعصر الإنسانية، من خلال كسر مسار الحرية وإجهاض حلم الديمقراطية، بأسلوب الصدمات القاتلة والوحشية إلى أبعد الحدود، وصناعة سردياتٍ جديدة عن النمو والتطوّر التي لا بد أن ترتكز على الاستقرار، وهذه يجب أن تسندها “دول” قوية تضرب بيدٍ من حديد، لذا فإن مقدّمات هذه السردية وفرضياتها الأساسية تقوم على أن كل ما جرى في المرحلة السابقة كان خارج سياقات ذلك التطوّر، بل ومعطّلا لآلياته ومخرّبا لقيمه، لكن وبدون فحص مدى صدقية هذه التوجّهات، فإن ذلك اعتراف بأن هذه الخلاصات أحد مخرجات ثورات الشعوب، وحالة اضطرارية ستلجأ لها النخب لتطمين الشعوب.

لكن هل حقّا هذه هي البدائل التي تتقدّم بها النخب الحاكمة بالفعل؟ الواضح أن نخب الحكم العربي، وبعد انكشافها المريع في نظر شعوبها، تسعى إلى صناعة معادلات جديدة تستطيع من خلالها إيجاد توازن قوى، بعد أن مالت الكفّة خلال العقد الماضي لصالح الشعوب، والتي صنعت بنضالاتها ودمائها خرائط طرق للخلاص من أنظمةٍ أثبتت الوقائع أنها باتت مجرّد عبء ثقيل على كاهل الشعوب التي تسعى إلى التغيير، في مواجهة تحدّياتٍ لا ترحم، ليس أقلّها الفقر ونقص الغذاء والماء، والقضية في الغالب لم تعد قضية حبّ هذا النظام أو كرهه، بقدر ما أصبحت جزءا من تحوّطات الشعوب لمستقبلٍ قريبٍ جدا، لا بل لمواجهة واقع متخم بالأزمات، لجوع زاحفٍ وعطشٍ متحقّق، وثرواتٍ يجري تدميرها، إن لم يكن بالقصف فبالتبذير والهدر والسياسات غير الرشيدة، باختصار، يمكن إدراج اعتراضات الشعوب العربية وثوراتها وانتفاضاتها، في خانة محاولة “تدبير” شؤون المستقبل.

ليس هناك سرّ مخبأ، الأنظمة العربية أعلنت برامجها وخططها للمرحلة المقبلة، وتحت عنوان فضفاض” التنمية والتطوّر” يتم التأسيس لمرحلة تفاهة، تغطّي على مطالب الشعوب بالحرية والديمقراطية، مرحلة يجهزون عبرها ملابس الكركوزات للشعوب، حيث الإقامة في هذه المرحلة، وبحسب المخطّطات، ستكون مديدة، لذا يتوجب الاستعانة بمصمّمين بارعين لحياكة موديلات كثيرة وبألوان مبهرجة، حتى لا تُصاب الشعوب بالملل” ألستم تريدون حرية ورفاهية” خذوا ما شئتم، ولا تقلقوا حتى حبوب الكيف سيتم تنظيم تسويقها وترويجها بعد أن بتنا مكتفين ذاتيا في إنتاجها وبنوعياتٍ تناسب المزاج العربي.

جرى تجهيز عُدّة هذه المرحلة بكثير من التخطيط والتفكير، بما يليق بصناعة مسار جديد ينقلب على مسار الثورات والحريات، فالفقيد “الربيع العربي” كان له وزن مهم في أوساط الشعوب العربية، والمذابح التي جرت في خضمه، وخصوصا في محطته السورية، كان لها تأثير عميق في وجدان الشعوب العربية، لذا لا بد من بديلٍ مناسب يستطيع محو كل ما سبق.

في هذه المرحلة، لن تبقى هناك مكانة للثقافة والقيم، بالأصل هذه البضائع متهمة بالوقوف خلف أحداث العقد الماضي، بل هي جزءٌ من عناصر المؤامرة على استقرار النخب الحاكمة وديمومتها، وبالتالي، لا بد من إحلال عناصر بديلة عنها، فبدل صناعة الكتاب سيكون هناك صناعة المهرجانات الغنائية، وبدل المثقف يجب زراعة نجوم الأكشن في الوعي العربي ونجمات التفاهة، عبر احتلالهم المشهد العام وتحويلهم إلى أيقونات وأفيون لتخدير الشعوب وإلهائها.

يتدثّر سياق التفاهة الذي يُراد صناعته باستبداد الصين وروسيا اللتين تحلمان بعالمٍ لا مطالب للحرية فيه ولا للفردية، فلا فرد سوى الحاكم الذي هو صانع الحياة والازدهار وحتى الأحلام. لا تزعج نفسك. نحن نصنع لك كل شيء، بما فيه أحلام اليقظة التي سنوجّهها إلى مسارات غير مؤذية، بعد أن فشلتَ أيها العربي في إدارة أحلامك. المقصود من ذلك إعادة صياغة الوعي الجمعي عبر تشويهه، حتى لا ينتج فعاليات كالربيع العربي، وقد صار المجال السياسي محرّما على الشعوب، بحجّة تقوية الدولة في وجه الفوضى. أصبحت السياسة في مطابخ السلطة، ولن تكون سوى أوامر ومراسم وقرارات، جهة صانعة وجهة مطلوب منها التنفيذ، ومن يطالب بغير ذلك يعني أنه يريد استعادة الفوضى والخراب.

مطلوبٌ منا أن نفرح لزمن التفاهة القادم، وإلا فإننا رجعيون تكفيريون من خارج سياق التطوّر والعصرنة، وأول ركائز هذه العالم موت الوطنيات، فقد قتلت الثورات المضادّة الروح الوطنية، وصاغت بدلا منها الولاء للحاكم المستبدّ، بوصفه الخلاص، ليس الخلاص المستقبلي، بقدر ما هو الخلاص من براثن الموت.

ما يعزّي النفس أن الشعوب العربية ولّادة، وأنها لم تمت بعكس ما يعتقد الحاكم، وما حصل أن الأنظمة نفسها باتت مكشوفة، لم يعد إعلامها ينطوي على أحد. باتت منعزلة خائفة، حتى وهي تبطش. ورغم تراجع الشعوب، فإنها باتت تملك خرائط للوصول إلى قصور الحكم حينما يحين الأوان.

العربي الجديد

———————–

تطبيع عربي مع نظام الأسد وممانعة غربية/ بكر صدقي

تسارعت خطوات التطبيع العربية، بقيادة السعودية، مع نظام الأسد منذ هز الزلزال المزدوج جنوب تركيا وشمال سوريا في شهر شباط الماضي. سوريا المفككة والمنهكة أصلاً بسبب الحروب الدموية التي جرت على أراضيها طوال اثني عشر عاماً، أضاف ما خلّفه الزلزالان دماراً على الدمار الذي تسببت به براميل بشار الأسد المتفجرة وصواريخه وقذائف دباباته ومدافعه، ووصلت معاناة الناس تحت سلطة الأسد والسلطات الأخرى في المناطق غير الخاضعة لسيطرته درجات مهولة من الفقر والجوع والبطالة وانتشار الأوبئة وتفكك المجتمع وانتشار الجريمة وتجارة المخدرات التي تجاوزت آثارها الحدود فباتت مشكلة أمن قومي لدول الإقليم وللعالم.

هذه اللوحة الكالحة، مع جمود الجهود الأممية والدولية لإيجاد حل سياسي يكون مدخلاً لمعالجة الجرح السوري المفتوح، أتاح فرصة لبعض الدول العربية للتقدم بمبادرات سياسية على أمل التخلص من الصداع السوري. وارتأت تلك الدول، بقيادة السعودية، أن المدخل المتاح لعمل شيء ما إنما هو تطبيع العلاقات مع نظام بشار بوصفه ما زال يحتفظ بالشرعية الأممية في تمثيل سوريا، على رغم كل الجرائم الفظيعة التي ارتكبها خلال السنوات الماضية، وعلى رغم العزلة السياسية الخانقة التي تطوق عنقه.

وهكذا توالت الاجتماعات العربية في جدة وعمّان مجلس الجامعة العربية الذي قرر إعادة مقعد سوريا الشاغر منذ اثني عشر عاماً للنظام، وتلا ذلك دعوة رأس النظام لحضور اجتماع القمة في جدة. اجتماعا جدة وعمان أصدرا بياناً أكد على ضرورة بذل الجهود لإيجاد حل سياسي في سوريا في إطار قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على انتقال سياسي وإنشاء هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحيات، إلى آخر ما هنالك من بنوده المعروفة. وأن الجهود المذكورة ستبذل في إطار سياسة الخطوة مقابل خطوة التي كان اقترحها الملك الأردني قبل بضع سنوات ولم تؤدّ إلى أي تقدم ملموس بسبب تمسك النظام بتصوره لـ«الحل السياسي» الذي يقوم على تمكينه من إعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية وإخضاعه لجميع السوريين واستمراره في الحكم إلى الأبد بالطريقة الأسدية التقليدية.

وفي ذلك الإطار كان عدد من الدول العربية قد أعاد اتصالاته بالنظام وأعيدت العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات والزيارات المتبادلة. ثم توقف ذلك الزخم لأن النظام لم يبادل تلك الدول بأي خطوة مما هو مطلوب منه لإنهاء الصراع. إعادته إلى «الحضن العربي» إذن هي محاولة جديدة من كامل المنظومة العربية لحلحلة «العقدة السورية» العصية، فهل ثمة احتمال أن تثمر هذه المحاولة عن شيء مهما كان ضئيلاً؟

الواقع أن وزير خارجية الأسد فيصل المقداد قد أجاب بصفاقة على سؤال ما هي الخطوة المقابلة التي سيتقدم بها النظام لملاقاة الخطوة العربية التي تمثلت في إعادته إلى الحضن العربي، فقال إن «سوريا قد تقدمت بمئة خطوة، لكن الآخرين لم يتقدموا بخطوة واحدة!» علينا لفهم هذا الكلام أن نعرف كيف تبدو الأمور من وجهة نظر النظام، فالصورة مختلفة تماماً من هذه الزاوية عما يفهمها الآخرون. لسان حال النظام هو أنه قدم تنازلاً كبيراً بقبوله إعادة مقعده في الجامعة العربية، وفي تشريفه القمة العربية بحضوره. وهو ينتظر أن تفي الدول الأخرى بتعهداتها فترد الجميل بخطوات كثيرة مطلوبة منها إذا كانت حسنة النوايا، مثلاً أن تنهي الاحتلالين الأمريكي والتركي وتعيد سيطرته على كامل الأراضي السورية، وأن تقضي له على المجموعات المسلحة، وأن تساعده في إعادة إعمار ما دمرته براميله ودباباته وطائراته بتمويل كاف، وأن تمارس الضغوط على الدول الغربية لاستعادة شرعيته معها وتطبيع علاقاته، وأن تساعده على إسكات الأصوات السورية المعارضة خارج الحدود، والأفضل إلقاء القبض على المعارضين في الدول الأخرى وتسليمهم للمخابرات السورية لتقوم بالتعامل «المناسب» معهم… مقابل ذلك سيساعدهم النظام في الحد من تدفق المخدرات التي ينتجها نحو بلدانهم، وقد قام فعلاً بإفشاء معلومات عن عدد من الشحنات أثناء انعقاد اجتماعي جدة وعمّان مما أدى إلى إجهاضها على الحدود السعودية والأردنية. ولكن على الدول العربية المستفيدة من هذه «المكرمات» أن تعوّضه عن الخسائر المالية التي سيتكبدها بهذه الخطوة، «أم أنكم تريدونني أن أموت من الجوع؟»

مقابل ها الاندفاع العربي نحو التطبيع مع النظام، تبدو الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي متحفظة ورافضة لأي تطبيع معه ما لم يستجب بخطوات ملموسة لتلك المبادرات، بل إن بعض تلك الدول صعّدت من لهجتها تجاه النظام وتكرر تأكيدها على الانتقال السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن المذكور. بل شجعت أطرافاً سورية معارضة على القيام بمبادرات تعيد الصوت المعارض إلى المشهد بعدما غيّبته تماماً التطورات الأخيرة، فعقد اجتماع لهيئة التفاوض في جنيف كان أبرز ما جاء فيه هو استعداد الهيئة للعودة إلى طاولة المفاوضات مع إضافة صفة «المباشرة» عليها، في نوع من نزع أي ذرائع من النظام للتهرب من متطلبات الحل السياسي. من جهة أخرى عقد في باريس اجتماع لمنظمات مجتمع مدني سورية بمبادرة من رجل الأعمال المعارض أيمن أصفري، وآخر للمجلس العسكري بقيادة مناف طلاس، نجل وزير دفاع النظام الراحل مصطفى طلاس. وكان متوقعاً أن يحضر الرئيس الفرنسي ماكرون اجتماع باريس مما يضفي زخماً دولياً عليه، إضافة إلى حضور جميع ممثلي الدول الغربية فعلاً.

مجموع هذه التطورات يشير إلى حدود المبادرة العربية التي لا يمكنها تجاوز إطار قرار مجلس الأمن المشار إليه، وهو ما يرفضه النظام رفضاً مطلقاً.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

تحفظ أميركي على تعويم النظام السوري… وشروط للانخراط/ عماد كركص.

تصرّ الولايات المتحدة، والغرب عموماً، على عدم “هضم” الخطوات العربية للتقارب مع النظام السوري، لا سيما بعد إعادته للجامعة العربية، وتفعيل العلاقات الثنائية مع دمشق من قبل بعض الدول العربية، وإن كان بشكل حذر. وعبّرت واشنطن عن رفضها للتقارب مع النظام بالتزامن مع الخطوات العربية في اتجاهه، أي بالتزامن مع اجتماعي جدة (15 إبريل/ نيسان الماضي) وعمّان (الأول من مايو/ أيار الماضي) الوزاريين، ثم الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية الذي أفضى إلى صدور القرار 8914 القاضي بعودة سورية إلى شغل مقعدها في الجامعة العربية، ثم مشاركة رأس النظام السوري بشار الأسد في قمة الجامعة على مستوى القادة في 19 مايو.

وجددت واشنطن تحفّظها على هذه الخطوات، بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية الأسبوع الماضي، ومشاركته اجتماعاً مع نظرائه في مجلس التعاون الخليجي، وفي اجتماع التحالف الدولي لمحاربة “داعش” الذي استضافته الرياض.

واشنطن تشكّك في التزام النظام شروط التقارب

التحفّظ الأميركي ربطه بلينكن من الرياض بالنتائج التي يمكن أن تخرج عن هذا التقارب. ففي حين شدّدت الدول العربية التي شاركت في اجتماعات جدة وعمّان على ضرورة التواصل المباشر مع النظام لإيجاد حلّ للقضية السورية التي طالت وطاولت تداعياتها الخطيرة المنطقة عبر تهديد أمنها (زيادة التوغل الإيراني، صناعة وتجارة المخدرات، أزمة اللاجئين)، فإن الولايات المتحدة لا تنظر بجدية إلى كون النظام سيستجيب للمبادرة القائمة على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” للحل، لكنها عبّرت من خلال بلينكن عن إمكانية التماشي مع رغبة “الحلفاء” وانتظار النتائج.

وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، في ما يتعلق بالتطبيع مع النظام السوري، إن كلّاً من واشنطن والرياض “لديهما نفس الأهداف عندما يتعلق الأمر بما نحاول تحقيقه”. لكنه ركّز على موقف بلاده بالقول: “موقفنا واضح جداً، لن نكون جزءاً من عملية تطبيع العلاقات مع الأسد، مع هذا النظام، لأنه لم يستحق بعد الحصول على خطوة نحو الاعتراف به أو نحو القبول به”، وأضاف: “ولكن لأن الأهداف متشابهة بشكل كبير، سنرى ما إذا كان بإمكاننا تحقيق تقدّم”.

وأشار الوزير الأميركي إلى أننا “كلنا نريد التوصل إلى حلّ في سورية ينسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″، مشيراً إلى أن “من ضمن الأهداف أيضاً توسيع نطاق المساعدات الإنسانية والتأكد من عدم قدرة تنظيم داعش على استعادة نشاطه وتهيئة الظروف للسماح بعودة اللاجئين السوريين ومكافحة تجارة الكبتاغون التي تسبب ضرراً كبيراً للمنطقة والحدّ من النفوذ الإيراني”.

وحول نقاشه مع نظره السعودي، أوضح بلينكن: “ما سمعناه وما سمعته للتوّ مرة أخرى من وزير الخارجية، هو نية شركائنا استخدام التواصل المباشر مع نظام الأسد للمطالبة بمزيد من التقدم في هذه المجالات وغيرها من المجالات خلال الأشهر المقبلة”. غير أنه شكّك في نوايا النظام قائلاً: “يجب أن أعترف أننا نشكك في استعداد الأسد لأخذ الخطوات الضرورية، لكننا نتفق مع شركائنا على تحديد هذه الخطوات وعلى الأهداف الكبرى”.

وكان البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الوزاري المشترك بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة في الرياض قد أكّد “الالتزام بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدة سورية وسيادتها، ويلبّي تطلعات شعبها، ويتوافق مع القانون الإنساني الدولي، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015)”.

ورحّب البيان “بالجهود العربية لحل الأزمة بشكل (خطوة مقابل خطوة) بما يتوافق مع القرار 2254، على النحو المتفق عليه خلال اجتماع عمّان التشاوري لفريق الاتصال الوزاري العربي المعني بسورية في 1 مايو 2023”.

وشدّد بيان الوزراء “على ضرورة تهيئة الظروف الآمنة لعودة آمنة وكريمة وطوعية للاجئين والنازحين داخلياً، بما يتفق مع معايير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأهمية تقديم الدعم اللازم للاجئين السوريين والدول التي تستضيفهم”.

كذلك أكّد الجانبان الأميركي والخليجي مجدداً دعوتهما لوقف إطلاق النار، ورحّبا بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لتجديد تفويض مجلس الأمن لمدة 12 شهراً لتشغيل الآلية العابرة للحدود، وأعربا عن دعمهما إدراج جميع المعابر الحدودية المفتوحة حالياً (باب الهوى وباب السلام والراعي) في قرار لمجلس الأمن سيصدر في يوليو/ تموز المقبل”.

وناقش الوزراء بحسب البيان مسألة المعتقلين تعسفياً والمفقودين، على النحو الوارد في بيان عمّان وقرار مجلس الأمن 2254، وبالتنسيق مع الأطراف المعنية كافة.

شروط أميركية للانخراط مع نظام الأسد

من جهتها، علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، إليزابيث ستيكني، في حديث مع “العربي الجديد”، على موقف بلادها الذي عبّر عنه الوزير بلينكن من الرياض، بالقول إن الولايات المتحدة “لن تقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد ما لم يحدث تقدم حقيقي نحو حل سياسي للصراع الأساسي”. وأضافت ستيكني: “لقد أكدنا للشركاء الإقليميين المنخرطين مع النظام السوري أن الخطوات الموثوقة لتحسين الوضع الإنساني وحقوق الإنسان والأمن للسوريين يجب أن تكون محور ذلك الانخراط”.

وأضافت: “ما زلنا نعتقد أن الحل السياسي على النحو المبين في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 يظلّ السبيل الوحيد القابل للتطبيق لحل النزاع، ونحن نعمل مع حلفائنا وشركائنا الذين يشاطرونا هذا الرأي، ومع الأمم المتحدة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

وتابعت: “نحن نتفهم أن شركاءنا يعتزمون استخدام التواصل المباشر مع نظام الأسد للضغط والمطالبة بإحراز تقدم في هذه المجالات، لكن نحن متشككون في استعداد الأسد لاتخاذ الخطوات اللازمة لحل الأزمة السورية، لكننا نتفق مع شركائنا العرب في الأهداف النهائية”.

من جهته، رأى المحلل السياسي، باسل معراوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “واشنطن لم تعارض جدياً التقارب العربي مع الأسد طالما أنه تحت رقابتها، ولن يتعدّى حدوداً أو سقوفاً وضعتها، ولكنها كانت تصرّ على أخذ شيء من الأسد مقابل ذلك، كما قالتها بصراحة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف”. ومن هذه الأشياء، برأيه، “الإفراج عن معتقلين وقبوله بالقرارات الدولية”، لافتاً إلى أنه “كان واضحاً حجم التحدي السعودي للإدارة الأميركية بدعوة الأسد شخصياً، إذ كانت واشنطن تفضّل تمثيلاً أدنى للنظام بشخص وزير الخارجية أو سفير”.

ولفت معراوي إلى “كلام بلينكن الناعم تجاه الوزير بن فرحان بخصوص الملف السوري وتوجيه اللوم بلغة دبلوماسية كون الوزير الأميركي جاء إلى السعودية حاملاً ملفات أهم، ولا يريد تعكير الأجواء، لكنه أشار في ثنايا كلامه إلى أن التطبيع العربي مع الاسد أتى مجاناً، ولم يقدم النظام أي خطوة مما طلبه العرب منه، بل كان خطاب بشار الأسد في القمة مخيباً لكل الآمال”.

وأشار المحلل السياسي إلى أن الوزير بلينكن “تحدّث بالعموميات بإشارته إلى الاتفاق مع الجانب السعودي بالأهداف الكبرى تجاه الملف السوري”، مذكراً بأن “الدول العربية كانت قد حصلت على تنازل أميركي (كما يقال) لغضّ الطرف الأميركي عن مساعدات إنسانية بعينها تقدم للنظام وأيضاً تقديم أموال لمنع تهريب الكبتاغون“. وبرأيه، فإنه “عدا ذلك فإن العين الأميركية تراقب تدفق الأموال ولن تسمح بالتجاوز على قانون قيصر أو العقوبات الأخرى”.

وأشار معراوي إلى أن “بلينكن نال في المقابل بالبيان الختامي موقفاً خليجياً جيداً، حيث عبّر الوزراء الستة عن دعمهم الجهود الأميركية بمحاربة الإرهاب في سورية وأثنوا على القوات الأميركية وطالبوا بعدم التحرش بها لحرفها عن إتمام أهدافها”. واعتبر أنه “بذلك فقد تم إزعاج الأسد وإيران، اللذين يطالبان باعتبار القوات الأميركية قوات احتلال، وبالتالي وجودها غير شرعي”. وبرأيه، فإن “النظام كان يأمل بموقف عربي مساند له، استغلالاً للعلاقات المتردية بين بعض دول الخليج والولايات المتحدة”.

العربي الجديد

—————————–

الأردن في مرمى «المخدرات السورية» دوماً: المرسل «عنيد» والمرسل إليه «غامض»

بسام البدارين

إسقاط طائرة صغيرة مسيرة مجدداً عبرت من الاتجاه السوري نحو الأردن للمرة الثانية بعد ظهر الثلاثاء الماضي، يعني الكثير من الدلالات السياسية والأمنية حيث تتطور معطيات قواعد الاشتباك الأردنية بالتوازي مع معطيات تطور تقنيات محاولات تهريب المخدرات. وكان حرس الحدود الأردني أسقط حتى الآن طائرتين مسيرتين، الأولى قبل عدة أسابيع والأخرى منتصف الأسبوع الحالي.

وتلك إشارة واضحة الملامح إلى أن من يصفهم الأردن رسمياً بتجار الموت ليسوا منظمين جداً فقط بخصوص تهريب المخدرات إلى المملكة، ولكن لديهم تقنيات مستحدثة وإمكانات لإرسال طائرات مسيرة صغيرة تحمل أغلى وأنفس أصناف المخدرات، لا بل أشدها فتكاً، مثل الكريستال.

المسألة قد لا تقف عند هذه الحدود، والأكثر خطورة تلك الرسالة السياسية التي يقول فيها تجار المخدرات السورية إنهم “مصرون” على الاستمرار في محاولات التسلل ببضاعتهم ومنتجاتهم بالرغم من إحباط عشرات المحاولات، والأهم بالرغم من تزايد كيمياء التفاعل بين الأردن والنظام السوري من جهة، والأردن وأطراف عراقية وإيرانية من جهة أخرى، وعدت بأن تلعب دوراً في ترتيبات أمنية الطابع تحد من مخاطر المخدرات ومحاولات تهريبها.

في جلسة غير مخصصة للنشر حضرتها “القدس العربي”، قال وزير الخارجية أيمن الصفدي، الشهر الماضي، إن الجانب السوري على علم بأولوية الأردن المطلقة، وهي حماية حدوده مع جنوب سوريا.

طلب الأردن رسمياً من أصدقاء في موسكو وبغداد التدخل في الجنوب السوري لمواجهة مخاطر تهريب المخدرات، وقيل في أروقة القرار الأردني إن وعوداً أطلقت من العاصمتين بأن يتدخل الحرس الثوري الإيراني في هذه المساحة الغامضة، الأمر الذي يشكل قناعة لدى أوساط القرار الأردني غير معلنة أصلاً بأن العصابات التي تحترف تهريب المخدرات والتسلل إما أن تكون مدعومة أو مسكوتاً عنها من قبل الحرس الثوري الإيراني أو المسلحين الموالين لـ”حزب الله” اللبناني. تلك قناعة تحاول عمان عدم التطرق لها، وتراهن على موقف إيجابي من الحرس الإيراني بعد الليونة التي حصلت دبلوماسياً مؤخراً على صعيد العلاقة الأردنية الإيرانية.

لكن في المقابل، الإعلان عن مسيرة جديدة أسقطت وضبط فيها نحو نصف كيلوغرام من مادة الكريستال، وهي الأغلى سعراً بالمخدرات في العالم وتوصف بأنها فتاكة، يؤشر سياسياً إلى أن وساطة بعض أركان النظام السوري والأطراف الروسية وقيادات شيعية عراقية لم تفلح بعد في ضبط الإيقاع، الأمر الذي يتحول إلى لغز سياسي ودبلوماسي وأمني للأردنيين؛ لأن حجم العناد والإصرار غريب للغاية.

ومقابل هذا العناد، من المبكر القول إن الجهود الاستثنائية التي تبذلها فرق مكافحة المخدرات في التصدي للحاضنة المحلية واضحة النهايات والملامح، فالجهات السورية التي تصر على إرسال أخطر أنواع المخدرات دوماً ودائماً وتنفق مالاً كثيراً في السياق، لا بد من وجود وكيل محلي لا ترغب سلطات الحكومة الأردنية بالتحدث عنه كثيراً.

بين المرسل الواضح اليوم للمخدرات والمرسل إليه الغامض شبكة إقليمية الطابع على الأغلب. ورغم كل البيانات والجهود الفنية التي تتصدى وتصدت لمشروع إغراق الأردن بالمخدرات، ثمة تساؤلات بإجابات عالقة، من بينها وأبرزها موقف بقايا الدولة العميقة في النظام السوري الحقيقي على الأرض وفي الميدان، حيث إن أوساط عمان على علم مسبق بأن منطقة الجنوب السوري خارج نفوذ مركز القرار في دمشق، لكن بعض الانطباعات متشكلة بأن سلطات المركز تماطل أحياناً أو لا تقوم بالالتزام المطلوب منها بالمسألة.

ورغم طراوة التعبيرات التي تصل عبر أوساط عراقية من مسؤولين إيرانيين ما زال إرسال المخدرات وضخها يتواصل وبمختلف الطرق الخبيثة، وفيما سمع رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي من شخصيات عراقية شيعية بارزة كما أبلغ “القدس العربي” كلاماً طيباً ومتزناً حول الحرص على الأمن الداخلي الأردني، لا تبرز معطيات تشير أو تؤشر إلى أن الوساطة العراقي منتجة.

وترفض السلطات الأردنية من حيث المبدأ وفي الشكل والمضمون تسييس ملف المخدرات، لكن الأبعاد السياسية تحيط بكل تفاصيل هذا الملف في المحصلة، مما يؤسس لقواعد غموض تنطوي على كثير من الاعتبارات ولمساحة أوسع من الألغاز التي تحيط بالتفاصيل، لا بل تجعل الموضوع مثيراً وغريباً في آن معاً. وتكتم السلطات الأردنية انطباعاتها السياسية لغرض قد يكون الحرص على الجانب الجنائي والإرهابي في المسألة، لكن لا تفسير بعد لمسارات الإصرار والعناد؛ فلا يخلو أسبوع من اشتباك ما على نقاط التماس الحدودي.

وفي الوقت الذي يرفض فيه حرس الحدود مدعوماً بالقوة الأخلاقية أي مرونة تجاه محاولات تهريب المخدرات، يظهر الطرف الآخر النشط ميلاً غريباً على الاستمرار في المحاولة وتكرارها رغم كلفة ملايين الدولارات وكلفة الدم أيضاً، لأن المستوى السيادي الأردني قالها علناً وبوضوح لمن وصفتهم بيانات عسكرية بتجار الموت.. “لن تمروا”.

القدس العربي

————————–

لوموند: إعادة إعمار سوريا موضوع ابتزاز جديد لبشار الأسد

تحت عنوان “إعادة إعمار سوريا موضوع ابتزاز جديد لبشار الأسد”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن “الديكتاتور” السوري، العائد إلى اللعبة الدبلوماسية الإقليمية، يحاول استغلال رغبة جيرانه في إعادة إعمار البلاد لصالحه، لا سيما من خلال استغلال مسألة عودة اللاجئين.

وأضافت الصحيفة القول إن الرئيس بشار الأسد يسعى الآن، بعد خروجه من عزلته الإقليمية بفضل إعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية في مايو، إلى جني ثمار إعادة تأهيله، موضحة أن الأخير يمتلك مصدرين رئيسيين: تهريب الكبتاغون، الأمفيتامين الذي تغرق سوريا به المنطقة؛ وعودة اللاجئين، الأمر الذي يؤثر سلباً على اقتصاد جيران سوريا. ويعد الأسد ببادرة بشأن هذه الملفات، التي تعد أولويات القادة العرب، مقابل دعم ممالك النفط في الخليج لإعادة إعمار سوريا، الذي شدد رئيس الدبلوماسية فيصل المقداد عشية قمة جدة في 18 مايو على أنه بدونه فإن عودة اللاجئين غير ممكنة.

واعتبرت “لوموند” أن تبادل الأخذ والعطاء هذا من نظام هو المهندس الرئيسي للدمار الذي خلفته اثني عشر عامًا من الحرب – حوالي واحد من كل خمسة منازل دمّرت، والنقل والصناعة والكهرباء والصحة اهتزت، أكثر من 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر، وفقًا للأمم المتحدة، يبدو مثل الابتزاز.

تراهن دمشق على مصلحة السعودية في استقرار سوريا في خطتها لإعادة رسم التوازن الإقليمي. لكن العراب السعودي مقيّد بالعقوبات الغربية، لا سيما تلك التي فرضتها الولايات المتحدة منذ عام 2020 وفقًا لقانون “سيزار” الذي يمنع تمويل إعادة الإعمار، مقابل سماحه فقط بالمساعدات الإنسانية و”مشاريع الإنعاش المبكر”. أشار رئيس الدبلوماسية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، في جدة يوم 19 من شهر مايو الماضي، إلى أن الرياض تريد الدخول في حوار مع شركائها الغربيين بشأن خفض العقوبات أو حتى رفعها.

وأوضحت “لوموند” أنه في واشنطن كما في بروكسل، لم يتغير الموقف: لن يكون هناك تطبيع مع دمشق ولا رفع للعقوبات ولا إعادة إعمار بدون حل سياسي للصراع، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254. يبدو أن الكونغرس الأمريكي ملتزم بتجديد قانون “سيزار” في عام 2024. تم تقديم مشروع قانون من الحزبين في مايو لتعزيز نظام العقوبات هذا. يريد الموقعون عليها التأكد من أن إدارة بايدن، التي تبدو راضية عن الشروط التي وضعتها جامعة الدول العربية على دمشق مقابل التطبيع، لا تقدم أي تنازلات بشأن هذه النقطة لحلفائها الخليجيين، مقابل ضمانات بشأن ملفات إقليمية أخرى.

القلق من “التعافي المبكر”

وتابعت “لوموند” القول إنه في المستقبل القريب، وبدون رفع العقوبات، سيتعين على السعوديين أن يفعلوا مثل الإماراتيين: إحضار حقائب نقدية. كما سنشهد تدفقاً للمساعدات الإنسانية و”مشاريع الإنعاش المبكر”.

وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي، قوله: “إنهم يريدون أن يأخذوا المفهوم إلى أقصى حد ممكن”. وأكد رئيس الدبلوماسية السعودية عزم الرياض دعم هذا النوع من المشاريع. تمت الموافقة على هذه البرامج بقرار من الأمم المتحدة في يوليو عام 2021 بعد ضغوط مكثفة من قبل روسيا، حليف النظام السوري.

في هذا السياق، مولت الإمارات، التي أعادت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق عام 2018، إعادة إعمار المستشفيات في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وتخطط لبناء محطة للطاقة الكهروضوئية بالقرب من العاصمة.

هذه المشاريع، إذا تجاوزت نطاق الطوارئ، فهي بعيدة كل البعد عن تلبية احتياجات إعادة الإعمار في سوريا، والتي قد تصل إلى أكثر من 400 مليار دولار، بحسب الخبير الاقتصادي السوري المقيم في تركيا سمير سيفان، نقلاً عن صحيفة “الغارديان” البريطانية ووكالة الأنباء الأمريكية “أسوشيتد برس”. لكن هناك مخاوف من أن يتحول “التعافي المبكر” إلى صيغة لإعادة الإعمار بشكل مقنع لصالح دمشق.

يتنامى حماس المانحين الدوليين الغربيين لهذه المشاريع، مما يؤجج القلق من استغلالها من قبل النظام السوري. وهم يحتلون مكانة جيدة في المناقشات التي تجري على هامش مؤتمر المانحين في بروكسل يوم الخميس 15 يونيو. منذ زلزال 6 فبراير، أبدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي استعدادًا أكبر للتدخل في المشاريع الإنسانية ومشاريع “التعافي المبكر”. وما يزال مجال عملهم محدودًا بسبب العقوبات التي تمنع أي تعاون مع الوزارات السورية.

إحجام الأمم المتحدة

ومضت “لوموند” موضحة أنه منذ ربيع عام 2022، أثار برنامج طورته الأمم المتحدة في دمشق، تحت اسم دعم العودة على أساس المناطق، الجدل. ووعد بتمويل هذا النوع من المشاريع مقابل إجراءات تشجع على عودة اللاجئين. وبصرف النظر عن البرنامج الذي تموله إيطاليا، فقد لاقى نجاحًا ضئيلًا. وقد تعرقل تنفيذ المشاريع بسبب بعض التردد من الأمم المتحدة، وكذلك من جانب المانحين الغربيين القلقين من القمع ضد الأشخاص الذين عادوا إلى سوريا والإملاءات التي يفرضها النظام في اختيار المناطق التجريبية. ويمكن للضغط الذي تمارسه الدول العربية من أجل عودة اللاجئين أن يزيل هذا التردد تدريجياً.

ومع ذلك، بين “التعافي المبكر” وإعادة الإعمار الهائل، هناك فجوة قد لا تكون حتى الرياض مستعدة لتجاوزها. السعوديون حذرون ويبحثون عن عائد على الاستثمار. حتى في الدول الحليفة مثل مصر لا يستثمرون بشكل كبير، فلماذا يفعلون ذلك في سوريا؟ يسأل جهاد يازجي، مدير النشرة الاقتصادية سيريا ريبورت.

فبين العقوبات والوجود الإيراني والبيروقراطية والفساد ونقص البنية التحتية والعمالة الماهرة: ما تزال العديد من العقبات أمام الاستثمار في سوريا الأسد، تختتم “لوموند”.

—————————–

محكمة دولية ومجلس عسكري.. صفعتان تعكران حلم الأسد/ عبد القادر المنلا

استفاق النظام السوري من حلم الانتصار على وقع كابوسين سيشكلان لأول مرة تهديداً عميقاً وحقيقياً لنشوته التي لم تطل كثيراً بعد إعادة عضويته في الجامعة العربية وحضور رئيسه قمة جدة..

يتمثل الكابوس الأول في الدعوى التي تقدمت بها كل من كندا وهولندا لمحكمة العدل الدولية، والمتضمنة ضرورة محاسبته على الجرائم المرتكبة منذ العام ٢٠١١ بحق السوريين، وهو تحرك اعتقد النظام أن الزمن قد تجاوزه، وأنه لن يكون مضطراً لمواجهة ذلك الاستحقاق بعد إعادة تدويره من قبل معظم الدول العربية، وأن جرائمه ماتت بالتقادم، أو أنه استطاع طمس الأدلة وإقناع العالم بروايته وبراءته ولا سيما بعد أن خفت الصوت الغربي المضاد لروايته لسنوات طويلة..

لم يكن الأسد مخطئاً تماماً حينما شعر أنه بدأ يتخلص من الضغط الأوروبي، فقد اعتقدت أوروبا أن بديل الديكتاتور سيكون الإرهاب المتمثل بداعش، وبالفعل، بدأت الدول الأوروبية في السنوات السابقة تخفف من حدة خطابها تجاه الأسد بل وراحت تبدي مرونة في مسألة إعادة تدويره من منطلق ميزته الوحيدة بالنسبة لها والمتجسدة في أنه أفضل من البديل الداعشي كما اعتقدت، غير أن حرب روسيا على أوكرانيا غيرت الموقف الأوروبي بشكل كامل وأعادته إلى منشئه الأول، حيث أدركت أوروبا أن خطر الإرهاب الداعشي هو امتداد لخطر إرهاب الدولة المتمثل في روسيا ورئيسها بوتين والرؤساء المتحالفين معه وعلى رأسهم لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا غرباً، ورأس النظام السوري شرقاً.

ولربما كان حضور الأسد للقمة العربية الأخيرة في جدة وخطابه المستفز القشة التي قصمت ظهر ذلك الحلم، ولا سيما حينما استثمر الوقت المخصص لخطابه في القمة العربية للنيل من أوروبا، وتحديداً ما يتعلق بالجانب الأخلاقي والقيم حينما اتهم الغرب بأنه بلا أخلاق، ورغم كل الابتذال والرخص الذي تضمنته الكلمة بمجملها، إلا أن مهاجمته للغرب كانت الجزء الأكثر كاريكاتورية، وكان من الواضح تماماً أنه استغل منبر الجامعة العربية لتأكيد عهد الولاء والوفاء للرئيس الروسي، والحصول على رضاه من خلال مهاجمة الغرب، الأمر الذي أكد لأوروبا أن حالة التساهل مع الأسد كانت خطأً لا بد من إصلاحه..

انقلبت لغة الغرب تجاه الأسد رأساً على عقب، فبعد أن اعتمد خطاب الإعلام الأوروبي -على مدار سنوات ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا- لغة أقرب للحياد في توصيفه للنظام، من خلال وصف الأسد بالرئيس، واستخدام مسمى “الحكومة السورية”، بدلاً من “النظام”، عاد دفعة واحدة لاعتماد اللغة التي خاطبه بها في بدايات الثورة، حيث كان يتحدث عن جرائم الأسد ويصفه بالديكتاتور ومجرم الحرب، ولكن ذلك كله تراجع بعد ظهور داعش إلى أن أعادت الحرب الروسية على أوكرانيا اللغة القديمة فيما يتعلق بتوصيف الأسد ونظامه..

على مستوى الإعلام الهولندي، فقد رصدت القنوات التلفزيونية والكثير من الصحف خبر إعادة الأسد للجامعة العربية وتناولته بانتقاد لاذع مستعيدة السيرة الأولى للغة القديمة، كما انتقدت الجامعة العربية بشكل صريح في قرارها إعادة من سمته صراحة “الديكتاتور ومجرم الحرب”، وأعاد الإعلام الهولندي في هذا السياق سرد الحكاية السورية وسرد جرائم الأسد كما كان يفعل في بدايات الثورة، ومن يتابع ذلك الإعلام سيعرف أن سياسة هولندا تجاه الأسد -وهي جزء لا يتجزأ من سياسة أوروبا بالكامل- عادت للتعامل مع الأسد بصفته الحقيقية كمجرم حرب ومرتكب لا بد من جرّه إلى محكمة العدل الدولية.

وباشتراك كندا مع هولندا في الدعوى المقدمة لمحكمة العدل الدولية ضد النظام، نصبح أمام التزام يقطع الطريق على أي فرصة لإعادة الاعتراف بالأسد من قبل الغرب، ويشكل تهديداً وكابوساً حقيقياً يحول دون حلم الأسد الذي كاد أن يتحقق، أو هكذا ظن الأسد على الأقل، فضلاً عن كابوس المتابعة القضائية التي لم ينج منها أحد من مجرمي الحرب حول العالم ولا سيما حينما تتخذ المبادرة من دول ذات ثقل نوعي..

الكابوس الثاني والأخطر الذي يقض مضاجع الأسد، هو التحرك الجديد باتجاه مجلس عسكري يتولى الإشراف على الفترة الانتقالية في حال قرر المجتمع الدولي دعم ذلك المشروع، صحيح أن طبيعة التحالفات الحالية لا توحي بسهولة تحقيق ذلك، ولكن الحالة المزرية التي وصلت إليها سوريا، والمخاطر التي تترتب على دول الجوار والعالم أيضاً، قد تفرض على المجتمع الدولي التعاون في ذلك المشروع، إن لم يكن من أجل السوريين، ولا من أجل العدالة، فعلى الأقل من أجل ضرب حليف بوتين، والتخفيف من مخاطر إرهاب المخدرات العابر للحدود والقادم من سوريا الأسد.

ما يخيف الأسد في هذا السياق أيضاً هو اسم مناف طلاس، فبصرف النظر عن مواقفنا المتضاربة كسوريين من الرجل، إلا أن مكمن الخطر بالنسبة للأسد هو أنه لا يستطيع اتهام طلاس بالإرهاب، ولا بالأسلمة ولا بالطائفية، ورغم كل الاغتيالات التي قام بها النظام لقتل البدائل المحتملة، إلا أن مناف طلاس استطاع الخروج من سوريا وإعلان انشقاقه، غير أن انشغال العالم بلعبة محاربة داعش أخرج طلاس من دائرة الحدث لسنوات طويلة وها هو اليوم يعود إلى الواجهة محملاً بأوراق ضغط ثقيلة اعتقد الأسد أنه تجاوزها تماماً كاعتقاده بتجاوز كل الجرائم ودفنها مع جثث ضحايا الكيماوي والبراميل وضحايا التعذيب في المعتقلات.

ومهما كانت فكرة المجلس العسكري غير واقعية في ظل الواقع الحالي، وفي ظل التوازنات المعقدة في الداخل السوري، إلا أن مجرد وجود بديل محتمل ومقنع هو أمر مقلق وموجع للنظام، ولا سيما بعد أن طوى الزمن فكرة البديل كما طوى فكرة الرحيل أو السقوط، كما يعتقد الأسد.

وبإعادة كشف النقاب عن جرائمه من قبل الغرب، واحتمالية قبول المجتمع الدولي ببديل للأسد، فإن قلق الأسد سيعود إلى نقطة البداية، معززاً بواقع اقتصادي لا قبَلَ للنظام به، ولا قدرة له على معالجته حتى لو أراد، وبواقع اجتماعي مفتت، وواقع سياسي لا يضمن استمراره إلا القوة، وواقع عسكري يمكن أن يعود للانفجار في أية لحظة في ظل فوضى انتشار السلاح والميليشيات والفصائل والجيوش المتعددة المتناحرة على الأرض السورية، والأهم في ظل علاقة ميئوس من إصلاحها بين النظام والشعب، وفي ظل استهتار وسخرية النظام المستمرة من المواطن الذي يقبع تحت سيطرته على الأقل من خلال حديثه عن السيادة في واقع متناقض تماماً مع الحدود الدنيا للسيادة.

لقد توهم النظام أنه تجاوز أزماته، وراح يكثف الحديث عن إعادة الإعمار وإعادة بناء الدولة، بل وراح يخطط من جديد للأبدية والتوريث معتقداً أنه استطاع تصفية كل الأشخاص وكل الأفكار التي قد تعرقل مشروعه في البقاء، ولكن المتغيرات العميقة في الجغرافيا السياسية التي أدت إلى بقاء الأسد خلال اثني عشر عاماً تشهد اليوم تصدعات جديدة، وثمة إعادة بناء لخريطة العلاقات في ضوء المتغيرات المتسارعة في السياسة الدولية، وقد تكون تقاطعاتها الجديدة لصالح السوريين وقضيتهم.

ربما كنا أمام آخر اختبار للمجتمع الدولي وللعدالة الدولية التي تشوهت صورتها بشكل عميق من جراء سكوتها وتواطئها أحياناً مع الأسد وجرائمه لدرجة أوصلت السوريين إلى حالة يأس كاملة من تلك العدالة وإمكانيات تحقيقها، غير أن التحولات السياسية كثيراً ما تكون مفاجئة وحادة، فهل ستكون التحولات القادمة لصالح السوريين؟ هل سيضطر المجتمع الدولي لتحقيق العدالة ليس من أجل العدالة بحد ذاتها كما حدث في حالات كثيرة بل لأنها تتقاطع مع مصالحه؟

الصورة السطحية للمشهد الدولي وتوازناته توحي بأن الواقع السوري مستمر في الغموض، وأن النفق لا يزال طويلاً دون أن تلوح له نهاية، ولكن الواقع العميق يشي بانفجارات قد تقلب الطاولة على حسابات الأسد، ولا سيما بعد التورط الروسي في المستنقع الأوكراني وملامح عرقلة مشروع المصالحة التركية مع الأسد، وفتور الحماس للأسد من قبل الدول العربية التي دعت إلى التطبيع معه..

هل ستشكل المرحلة المقبلة الحبلى بالمفاجآت منعطفاً حاداً يعيد وضع حبل المشنقة فوق كرسي الرئاسة؟ أم سيسهل على النظام الإفلات مرة أخرى من المصير الذي ينتظره ملايين السوريين؟  سؤال قد تجيب عنه الأيام القادمة، وقد يبقى مفتوحاً لفترة طويلة ويعيد معه فتح الجرح السوري المستمر في النزيف.

تلفزيون سوريا

——————————–

هل سيغير التطبيع العربي حال النظام السوري؟/ زكريا ملاحفجي

انتقل مسار القضية السورية بعد دعوة النظام للجامعة العربية والتطبيع معه، إلى صورة جديدة من عمر القضية السورية، التي أخذت منذ 2011 وحتى نهاية 2016 وسقوط حلب مساراً تصاعدياً، ثم مسار الهدن وخفض التصعيد من 2017 إلى 2023 حيث التطبيع العربي اليوم.

ومسار اليوم عنوانه التواصل واللقاء مع النظام والجلوس على الطاولة عقب القطيعة الكبيرة، وأصبح هذا الحال واقعاً لكنه لن يغير الحقيقة ولن يحل جذر المشكلة مهما تمت معالجة الأوراق والأغصان فحقيقة جذر المشكلة موجود والتهديد الأمني عبر المساحة المفتوحة للقوى الطائفية الإرهابية وصناعة وتصدير المخدرات وأزمة اللاجئين ما زالت موجودة، وأن هذا النظام مرتكب جرائم ضد الإنسانية، ومُدان دولياً لن يتغير من حقيقته شيء، وأضف لذلك هو الملتصق بالروس التصاقاً لا يمكن فكاكه في ظل تصاعد الموقف الدولي والعقوبات على الروس وكذلك التصاقه بالإيراني.

فما ارتكبه نظام الأسد من جرائم يجعل استعادته للشرعية وحل الإشكالات التي أغرقت المنطقة وهو سببها أمراً شبه مستحيل.

وقد تمّ توثيق تلك الجرائم دولياً وبالذات أميركياً اتجاه نظام الأسد بدءاً من قانون قيصر والذي لا يدع مجالاً لأي إدارة أميركية بالتراجع عنه.

أيضاً العديد من التقارير الأممية الموثّقة التي تُشير إلى مسؤولية نظام الأسد عن ارتكابه لعشرات الهجمات الكيميائية ضد المدنيين، إضافةً لرفع دعاوى قضائية ضد رموز نظامه أمام عدد من المحاكم الدولية.

وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا لا شيء سيؤدي إلى إقناع الحكومات والشعوب الغربية أنه يمكن التطبيع مع النظام السوري الذي فتح بلاده أمام بوتين ومتهم بإرسال مرتزقة إلى أوكرانيا للقتال مع الروس.

كما يدرك الجميع أن الرئيس الروسي منذ 30 سبتمبر عام 2015، أصبح هو صاحب القرار العسكري الأول في الحرب السورية، ولا يمكن أن تتساهل المجموعة الغربية والدول السبع الكبار مع النظام من خلال التطبيع وتضييع مبدأ محاسبة المجرمين في سوريا، لأنّ ذلك يُشكّل سابقة تتكرر في أماكن أخرى في العالم، وتعتبر دعماً مباشراً لحليف بوتين وأحد أذرعته في الشرق الأوسط.

ونعلم مدى رهبة قانون قيصر بالنسبة للدول والخوف من اختراقه علناً بشكل مباشر وواضح، حيث لم تجرؤ أيّ دولة على تحديه علناً، وكان منها فشل مشروع نقل الغاز الإسرائيلي بالخط العربي من مصر إلى الأردن ومنها عبوره عبر الأراضي التي يُسيطر عليها نظام الأسد وصولاً إلى لبنان.

فلم تعطِ إدارة بايدن الحكومة المصرية أيّ تعهّد خطي باستثناء مشروع الغاز من العقوبات.

وبما أنه كان لقانون قيصر بُعداً سورياً فقط، فقد اتبعه الكونغرس الأميركي بسَنّ قانون جديد، وهو قانون كبتاغون الأسد، الذي وافقت عليه الإدارة، وتجري دراسة تنفيذ الإجراءات على الأرض التي ستكون خلال أيام وتبدأ المرحلة التنفيذية بمشاركة كل الأجهزة الأميركية الأمنية والعسكرية والمالية المختصة، وهو قانون للدولة الأميركية وعَرّف بمقدمته أنّ قيام نظام الأسد بتصنيع وتهريب حبوب الكبتاغون ذو أبعاد خطيرة على الأمن القومي الإقليمي والدولي.

وحديثاً يتم العمل على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد وقطع أولى مراحله بمجلس النواب والمتوقع صدوره رسمياً قريباً، وذلك لفرض عقوبات صارمة بحق الدول المطبعة، ويتضمن في ثناياه فقرة تُتيح تمديد قانون قيصر لعام 2033، حيث ينتهي القانون رسمياً بعام 2025.

ولا تزال اللاءات الغربية لدول المركز في العالم لا لإعادة التطبيع.. لا لرفع العقوبات.. لا لإعادة الإعمار في ظل وجود الأسد، عناوين ثابتة دولية لا يمكن تغييرها، ولهذا وغيره لن يفيد النظام أو يغير من حقيقته التطبيع العربي، وسيبقى التطبيع أجوف وفارغاً من أي محتوى حقيقي، فلا تجارة المخدرات توقفت ولن تتوقف، والنظام يطلب من العرب مليارات لأجل إيقاف المخدرات وكذلك موضوع اللاجئين، فلا يمكن حله بوجود النظام ومؤسساته القمعية الأمنية المُسببة لملايين اللاجئين والنازحين.

ولن تتمكّن الدول العربية من مساعدة الأسد مالياً وهذا خرق لقانون قيصر، والنظام بأول خطاب له قدم صفعة للجامعة فقد طُلب منه التأسف على الضحايا والاستعداد للتسوية والحلول السلمية فذهب النظام لأسلوب آخر من التقريع ودروس الفذلكة.!

وأضف لذلك تدهور العملة بعد التطبيع، فالأسد في أزمات تلو أزمات يلقيها على الشعب السوري، لكن لا يمكن أن يبرئ نفسه من حجم ملفات جنائية حقوقية مهما حاولوا تسويقه سياسياً أو فرضه ببطش القوة العسكرية، فهو ملفوظ شعبياً سورياً ودولياً، ولا يمكن حل أي ملف دون تغيير طال الزمن أم قصر فاللاجئون والنازحون مضى على ابتداء تهجيرهم اثنتا عشرة سنة، وبلغ عددهم قرابة نصف الشعب السوري بين من هم خارج سيطرة النظام داخل سوريا، وبين اللاجئين في أصقاع الدنيا، فلن يغير التطبيع العربي حقيقة النظام وحقيقة المشكلة.

————————

هل تستطيع “قوى الثورة والمعارضة” التأثير بمعادلات القضية السورية دون تغيير بنيتها وأساليبها/ اسامة اغي

القرار الدولي رقم 2254 ولد عاجزاً غير قابل للتنفيذ عبر مفاوضات بين قوى الثورة والمعارضة من جهة، وبين نظام الأسد من جهة أخرى.

هذا العجز أساسه محتوى القرار المذكور، الذي جعل التوافق عليه يعود للطرفين المتفاوضين، وكذلك يعود لعدم وجود البند السابع فيه (إلزام التنفيذ)، وعدم وجود جدول زمني للتفاوض والتوافق.

وباعتبار أن نظام أسد كبنيةٍ سياسيةٍ أمنيةٍ عسكريةٍ مغلقة، فهو لا يمكنه تقديم أي تنازلات حقيقية على مستوى الحكم وصلاحياته، لأنه يدرك أن هذه التنازلات ستذيب قدرته على بقاء هيمنته المطلقة في حكم سورية، ولذلك كان يسوّف في التفاوض، ويضع العراقيل الكثيرة كي ينسف إمكانية الحل السياسي.

نظام أسد الذي شرّع أبواب الامتيازات أمام حليفيه (الروسي والإيراني)، لم يعد يملك القرار السياسي بمفرده.

فهذان الحليفان اللذان دافعا عن بقائه في الحكم بالقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، هما من يفاوض خلف الستار قوى الثورة والمعارضة، وبالتالي، لن يوافقا على أي حلٍ سياسي  دون ضمان مصالحهما، عبر اتفاق تقبل به الأمم المتحدة من جهة، ويقبله الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.

هذا التوافق غير ممكن في المرحلة الحالية، بسبب الصراعات المتعددة المختلفة بين الغرب والحلف الروسي الإيراني المؤقت، ولذلك، لا يمكن حدوث هذا التوافق في ظل صراعات الطرفين الدوليين، هذا التوافق يحتاج ظروفاً أخرى لم يحن زمنها، كأن ينتصر أحدهما على الآخر في صراع أوكرانيا، أو في حل مسألة الطاقة عالمياً، إضافة إلى مربع حل البرنامجين الإيرانيين (النووي والبالستي).

إن مسار جنيف كما أشرنا والذي يستند لجوهر القرار ،2254 لا يزال في مربع عجزه، كذلك الحال بالنسبة لمسار أستانا، فالدول الضامنة لهذا المسار لا تملك الحل النهائي لمسارها، والسبب بسيط وواضح، فهناك على الأرض السورية قوات عسكرية لما يسمى التحالف الدولي ضد الإرهاب، هذه القوات حقيقة واقعية، وبالتالي فأهداف مسار أستانا لا يلبي مصالح هذا التحالف، ولذلك سيفشل الرهان عليه.

هناك من يقول إن طريقاً ثالثة للحل السياسي للصراع في سورية، يمكن الاعتماد عليها من خلال ما يسمى “المبادرة العربية”، هذه المبادرة، تسعى لإيجاد مربع تقاطع بين مساري جنيف وأستانا، وتحاول الاستفادة من مقترح “غير بيدرسون” الذي يتلخص بمبدأ “خطوة مقابل خطوة”.

إن اعتماد هذه المبادرة التي تتقاطع بمساري جنيف وأستانا لا يمكن الركون إليه، أو قبوله كحالة تجريب سياسية وديبلوماسية، فالأمر يتعلق ببساطة أن لا حلّ سياسي في ظل إعادة تأهيل نظام أسد.

فهذا التأهيل، لا يمكنه أن يغيّر من بنية هذا النظام وانغلاقها، وأن الأخير يدرك أن تقديم تنازلات جوهرية في بنية الحكم في سورية، عبر إقرار وثيقة دستورية، تُشرف الأمم المتحدة على التفاوض حولها، وتيسير جلسات التفاوض عليها، يعني ببساطة رحيل الاستبداد السياسية عن بنية الحكم الجديدة في البلاد، وهو أمرٌ لن يقبل به النظام إلا في حالة اليأس المطلق لديه، من أن حليفيه الروسي والإيراني سيتخليان عنه ضماناً لمصالحهما، وهذا يعني أنه سيبحث في اللحظة الأخيرة عن ضمانات حقيقية تحميه وعائلته وبعض أركان حكمه من الملاحقة القانونية بسبب ارتكابهم لجرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية.

فهل وصل الإيرانيون إلى قناعة أن الأسد صار عبئاً عليهم؟ وهل رحلات مسؤوليهم إلى دمشق التي تشبه حركة (مكوك الحايك) إنما هي لوضع اليد على منشآت اقتصادية سورية ثمناً لدعمهم وحمايتهم لهذا النظام من السقوط، وهل التسهيلات التي يقدمها نظام أسد لهم لافتتاح مشاريع اقتصادية ودينية إنما هي فرصة اللحظات الأخيرة في حياة هذا النظام؟

كذلك هل اقتنع الروس أن النظام لن يستطيع العيش في ظل حجم الجرائم التي ارتكبها؟ ولذلك، أقنعوا بعض العرب بطرح المبادرة العربية، التي تبنّت المملكة العربية السعودية قيادتها، والمبنية على مبدأ خطوة مقابل خطوة.

وهل إغلاق باب الخلافات الرؤيوية بين مكونات هيئة التفاوض السورية، سيما بعد عودة منصة موسكو إلى مكانها في الهيئة، يدلّ على توافق أولي أنهم يقبلون بالمبادرة العربية؟، سيما بعد لقاء دول الخليج بوزير الخارجية الأمريكية “بلينكن”، وصدور بيان مشترك حول هذه المبادرة، وأن سقفها هو تنفيذ القرار الدولي 2254؟

إن المضي بالمبادرة العربية لا يجد رضىً لدى قوى الثورة السورية وحاضنتها الشعبية، فهذه المبادرة برأي نشطاء الثورة هي قفز فوق حقوق السوريين، الذين دفعوا مئات آلاف الشهداء وفق إحصاءات منظمات حقوق الإنسان، وخسروا ممتلكاتهم أيضاً بسبب تدمير النظام لها، وهذا الرفض عبّرت عنه التظاهرات الواسعة التي شملت الداخل السوري خارج سلطة أسد، وكل أماكن اللجوء السوري في العالم.

إن الطريق الجديدة لحل الصراع في سورية، والذي يحاول الاستفادة من مساري جنيف وأستانا هي طريق مسدودة بدون رحيل نظام أسد عن الحكم، وبدون تنفيذ صريح وشفاف للقرار الدولي 2254.

إن السوريين لا يقبلون كما تقول أطرهم الثورية بأقل من تنفيذ تام وكامل للقرار الدولي المذكور، والذي يعني سحب كل السلطات من يد رأس النظام بشار الأسد، ووضع هذه السلطات بيد هيئة حكم انتقالية يتم تشكيلها من قوى الثورة والمعارضة ومن أشخاص من النظام الأسدي غير متورطين بالدم السوري ونهب المال العام والخاص.

هيئة التفاوض السورية من جهتها قالت على لسان رئيسها الدكتور بدر جاموس من جنيف: “هيئة التفاوض السورية على قناعة بأن الحل السياسي هو الأساس، وأن القرار 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار والتسوية السياسية هو البوصلة”.

فهل الطريق الثالثة ممكنة؟ أم على السوريين انتظار تغيرات تجري على صعيد موازين القوى الدولية لصالح قضيتهم؟ أم أن الأمر يحتاج ببساطة وشفافية للقول: أن قوى الثورة والمعارضة لن تستطيع التأثير بمعادلات القضية السورية، بدون إعادة النظر بأدواتها وأساليب عملها وببنيتها الحالية.

فأي الطرق ستسير عليها قوى الثورة والمعارضة؟

————————–

======================

مآلات عودة سوريا… إقليمياً ودولياً/ رمزي عز الدين رمزي

مراحل تطور الموقف العربي وأسبابه منذ بدء الاحتجاجات في العام 2011 وصولا إلى قرار الجامعة العربية إعادة دمشق لعضويتها

كانت مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية في الرياض، تأكيدا لعودة سوريا إلى محيطها العربي الطبيعي. والآن يبدأ العمل الجاد لتحقيق الاستقرار في سوريا، وهي مسألة معقدة بسبب المصالح الإقليمية والدولية المتعارضة.

استغرقت رحلة خروج سوريا وعودتها إلى الجامعة العربية اثني عشر عاما، وهي فترة تمثل– للأسف– فشل جامعة الدول العربية في التعامل مع أزمة يواجهها أحد أعضائها. لذلك قد يكون من المناسب البحث في ملابسات وأسباب تعليق عضوية سوريا ثم إعادتها فيما بعد. ومن المهم أيضا خلال ذلك تسليط الضوء على كيفية تطور الموقف العربي.

ثلاث مراحل للموقف العربي

في المرحلة الأولى (مارس/آذار2011- فبراير/شباط 2012)، قادت الدول العربية الجهود الرامية إلى إنهاء الاقتتال والتوصل إلى تسوية سياسية.

بدأت المرحلة الثانية (مارس/آذار 2012- 2018) بتعيين الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبعوثا مشتركا لكل من الأمم المتحدة والجامعة العربية في مارس/آذار 2012. وتجلّت هذه المرحلة بتخلّي العرب عن المبادرة وتركها إلى الأمم المتحدة و”مجموعة أصدقاء سوريا” (FSG)، و”المجموعة الدولية لدعم سوريا” (ISSG)، ومنصة آستانة.

أما المرحلة الثالثة، فقد بدأت ظاهريا عام 2018، عندما قام وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم بزيارة سلطنة عُمان. ولكن كان قد سبق ذلك مؤشرات على أن إعادة تقييم العلاقات مع الحكومة السورية كانت تجري بالفعل في عواصم عربية بدءا من العام 2015.

خلال المرحلة الأولى، التي تزامنت مع ذروة “الربيع العربي”، بادرت الدول العربية بالدفع في اتجاه وقف إطلاق النار والتسوية السياسية. وجاء التدخل الأول لجامعة الدول العربية في أغسطس/آب 2011، أي بعد ستة أشهر تقريبا من اندلاع الأزمة، عندما تبنت “المبادرة العربية” ووضعت خطة عمل لتنفيذها. ودعت المبادرة، من بين أمور أخرى، إلى إيفاد الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى دمشق، ووقف إطلاق النار، وإجراء اتصالات بين الحكومة والمعارضة، ومطالبة حزب البعث بالتخلي عن دوره القيادي وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية للتحضير للانتخابات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، زار وفد وزاري دمشق لمتابعة تنفيذ خطة العمل. مع عدم وجود رد فعل إيجابي من الحكومة السورية تجاه جهود جامعة الدول العربية، تم اعتماد قرار “تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة” في 12 نوفمبر/تشرين الثاني. ورغم قرار التعليق، استمرت الاتصالات بين مختلف العواصم العربية ودمشق، وتمخضت عن النجاح في إقناع الأخيرة بقبول مراقبين عرب لمتابعة تنفيذ خطة العمل.

 وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، طلب مجلس جامعة الدول العربية من الأمين العام للجامعة “نشر بعثة المراقبة في سوريا من أجل تنفيذ ولايتها بموجب بروتوكول إنشاء ونشر بعثة في سوريا تضم خبراء مدنيين وعسكريين من الدول العربية ومنظمات حقوق الإنسان العربية غير الحكومية فور التوقيع عليها”. ثم بعد بضعة أيام في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، فرضت الجامعة عقوبات على سوريا. وعلى الرغم من هذا القرار، فقد وقعت الحكومة السورية على البروتوكول يوم 19 ديسمبر/كانون الأول. وفي 20 ديسمبر، تم تعيين اللواء محمد الدابي من السودان رئيسا لبعثة المراقبة، الذي وصل دمشق في 24 ديسمبر وانضم إليه باقي أعضاء البعثة بعد أيام قليلة. غير أن المراقبين لم يوجدوا في سوريا سوى مدة لم تتجاوز الخمسة أسابيع وتم سحبهم بشكلٍ مفاجئ، الأمر الذي أكده لاحقا قرار مجلس الجامعة العربية في 12 فبراير/شباط 2012. وبذلك انتهى أى دور مستقل للجامعة وتم نقل إدارة الأزمة السورية إلى الأمم المتحدة. ولا شك أن التسلسل والإيقاع السريع للتطورات، لا سيما الدوافع والظروف المحيطة بقرار الانسحاب المفاجئ للمراقبين، مسألة مثيرة للجدل وما زالت تخضع لتفسيرات متباينة ولذلك تحتاج إلى مراجعة وتمحيص للتوصل إلى حقيقة الأمر. ولكن مما لا شك فيه أن اللواء الدابي لم يوصِ بإنهاء مهمة المراقبين.

وخلال هذه الفترة، اتخذت الدول العربية مواقف متباينة تجاه التطورات في سوريا، فمنها من كانت ترغب في ركوب تيار “الربيع العربي” من أجل التغيير السياسي، ومنها من كانت ترى في سوريا ساحة معركة أساسية لمواجهة طموحات الهيمنة الإيرانية في العالم العربي، ولكن كانت هناك دول أخرى ترى أن إطالة الصراع ستؤدي إلى نتيجة معاكسة، أي زيادة ترسيخ النفوذ الإيراني في سوريا. ولا شكّ أن الرأي الأخير ظلّ الأضعف حتى عام 2018، حين بدأ يكتسب ثقلا، إلى أن أصبح يمثل الاتجاه الغالب.

باختصار، على الرغم من أن قرارات الجامعة العربية من المفترض أنها تعكس موقف الدول العربية، إلا أنه في الحقيقة لم يكن هناك موقف عربي موحد بشأن سوريا. تمثلت مظاهر هذا الالتباس في الأشكال المختلفة للتمثيل الدبلوماسي العربي في دمشق. فلم تغلق بعض الدول سفاراتها وحافظت على مستوى متباين من التمثيل؛ فالجزائر والعراق والسودان وفلسطين استمرت في الحفاظ على تمثيلها على مستوى السفراء. أما مصر فخفضت التمثيل إلى مستوى القائم بالأعمال، وذلك في الوقت الذي أغلقت سفاراتها كل من دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب وتونس. وقد أدى عدم وجود موقف عربي مشترك إلى شلل في الجهود العربية في العملية السياسية في سوريا.

مبعوث مشترك

في المرحلة الثانية (2012-2018)، والتي بدأت في مارس/آذار 2012 عندما أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة منصب المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسوريا، الذي أدى عمليا إلى إنهاء الدور العربي المستقل في سوريا، واكتفت الدول العربية بممارسة نشاطها من خلال مشاركتها في جهود الأمم المتحدة و”مجموعة أصدقاء سوريا”، و”المجموعة الدولية لدعم سوريا”، وكانت النتيجة امتناعها عن تقديم أي مقترحات بشكل فردي أو جماعي من أجل تسوية سياسية.

وخلال هذه المرحلة، ركز العرب على تقديم المساعدات الإنسانية، سواء بشكل ثنائي أو من خلال الأمم المتحدة، ودعم المعارضة السياسية في أشكالها المختلفة (المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وهيئة التفاوض السورية)، ومباشرة انتقال سياسي على النحو الذي دعا إليه بيان جنيف لعام 2012 وقرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015. وذلك في الوقت الذي قامت فيه بعض الدول العربية بدعم بعض الجماعات المسلحة المعارضة، والتي قام مجلس الأمن فيما بعد بتصنيف بعض منها على أنها جماعات إرهابية.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنه عندما عيّن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبعوثا مشتركا، عُيّن معه- بناء على ترشيح من جامعة الدول العربية- نائبه وزير خارجية فلسطين الأسبق ناصر القدوة. ولكن مع تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، لم تكن دمشق مستعدة للعمل مع القدوة، كما أن كون القدوة عضوا في حركة “فتح” وابن شقيقة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وكلاهما لم يكن لديه علاقات مع دمشق، زاد من رفض دمشق التعامل مع القدوة. ومما يؤسف له أن عدم استقبال القدوة من قبل الحكومة السورية طوال فترة عمله التي انتهت في فبراير/شباط 2014، كان من شأنه المزيد من انحسار دور الجامعة.

ومع استقالة كل من القدوة في فبراير/شباط 2014 والأخضر الإبراهيمي (الذي خلف عنان) بعد بضعة أشهر، أصرت دمشق على أنها لن تقبل مبعوثا مشتركا للأمم المتحدة والجامعة العربية، وأصرّت على أن يكون اسم منصب المبعوث “مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا”، ولكن على أن يكون نائبه مرشحا من جامعة الدول العربية ويحظى بقبول دمشق. وبناء على هذا الترتيب، تم تعييني نائبا للمبعوث الخاص في سبتمبر/أيلول 2014.

خلال شغلي لمنصبي الذي استمرّ حتى مارس/آذار 2019، فتحت لي الأبواب بشكل جيد في دمشق، حيث كان لي عدة لقاءات ثنائية مع وزير الخارجية وليد المعلم، غير أن محاوري الرئيس آنذاك كان نائب وزير الخارجية فيصل المقداد (وزير الخارجية الحالي)، كما تمكنت من إقامة شبكة واسعة من العلاقات على المستوى الحكومي وغير الحكومي.

وكان من الممكن أن يكون هذا بمثابة فرصة للبلدان العربية المهتمة بإعادة التواصل مع دمشق، ولكن للأسف لم تبدِ الأخيرة اهتماما. وكذلك لم تُبدِ دمشق اهتماما حقيقيا بمساعدة عملية الوساطة الأممية، لاقتناعها بأن هدف العملية كان تغيير النظام. ولو أن الدول العربية استفادت من الترحيب الذي تلقيته والعلاقات التي تمكنت من نسجها في دمشق لتأكيد الطابع المشترك للوساطة، لكان بإمكانها تقديم أفكار حول التسوية السياسية إلى مكتب المبعوث، ولكنها– مرة أخرى- اختارت أن لا تقوم بذلك.

مع مغادرتي في مارس/آذار 2019، وبسبب قلة الاهتمام من قبل الدول العربية بالوساطة الأممية، لم تتقدم الجامعة العربية بمرشح يخلفني ومن ثم قامت الأمم المتحدة بتعيين أعضاء من الأمانة العامة يحملون جنسيات عربية في منصب نائب المبعوث، الأمر الذي ألغى أية صبغة سياسية عن المنصب ومن ثم فقد مكتب المبعوث الخاص أي ارتباط مباشر مع الجامعة العربية.

أما خلال المرحلة الثالثة، فقد تم تمهيد الطريق لعودة سوريا إلى الساحة العربية، من خلال عملية تدريجية تأثرت بالتطورات الدولية والإقليمية وبدرجة أقل بتطور الوضع الميداني. ففي خلال هذه الفترة بدأت الحكومة السورية تدريجيا في السيطرة على معظم الأراضي. وفي نفس الوقت كانت تتم على قدم وساق عملية إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية، فانتهت مقاطعة قطر، وبدأ التقارب بين إيران وتركيا من جهة، والإمارات والسعودية من جهة أخرى، وذلك على خلفية تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة.

عملية تدريجية

في يناير/كانون الثاني 2015، بدأ الموقف السعودي يتغير. وبينما ظلت مواجهة إيران هدفا رئيسا، فإن قضية تغيير النظام في دمشق بدأت تتراجع. فتواترت أنباء عن أن موسكو نجحت في ترتيب زيارة لمدير مجلس الأمن الوطني السوري علي مملوك إلى السعودية في يوليو/تموز 2015، كما تردد أن مملوك قام بزيارة القاهرة عدة مرات.

كما بدأت السعودية في إبداء اهتمام متزايد بالمعارضة السياسية السورية، التي كانت- حتى ذلك الحين- ممثلة بالمجلس الوطني السوري ثم بائتلاف قوى الثورة والمعارضة، خاضعة لنفوذ كل من قطر وتركيا. وكانت الخطوة الأولى التي اتخذتها الرياض في هذا الصدد، استضافة مؤتمر للمعارضة في ديسمبر/كانون الأول 2015 بهدف تشكيل وفد موحد للمشاركة في المحادثات السياسية السورية التي دعا إليها القرار 2254، وبالفعل وافق المؤتمر على تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات ومقرها الرياض لتمثيل المعارضة في محادثات جنيف. غير أنه بتراجع فاعلية المعارضة مع الوقت، بدأت الرياض تفقد الاهتمام بدعمها.

في عام 2018 بدأت تتسارع وتيرة الاتصالات مع الدول العربية، حيث قام وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم بزيارة سلطنة عمان في مارس/آذار، وهى الأولى إلى دولة عربية منذ عام 2011.

وأعقب ذلك زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد إلى دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وخلال تلك الفترة، شاركت وفود سورية رسمية وغير رسمية في لقاءات عربية في دول عربية مختلفة. كذلك لم تنقطع الاتصالات بين الأجهزة الأمنية السورية والعربية. كما حاولت الجزائر، بصفتها الدولة المضيفة للقمة العربية عام 2022، إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، إلا أن جهودها لم تنجح.

وفي غضون ذلك، قام الرئيس الأسد بزيارة أبوظبي في مارس/آذار 2022، في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ عام 2011، أعقبتها بعد عام زيارة رسمية.

لكن يبدو أن نقطة التحول في الموقف العربي حدثت في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير/شباط 2023. فكان وزير الخارجية الإماراتي أول مسؤول عربي يزور دمشق، ثم تبعه وزيرا خارجية الأردن أيمن الصفدي ومصر سامح شكري. كما قام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في وقت لاحق بزيارة كل من القاهرة وعمان وجدة.

علاوة على ذلك، عُقدت ثلاثة اجتماعات في تتابع سريع، اثنان في جدة في أبريل/نيسان، وواحد في مايو/أيار في عمّان، جمعت وزير الخارجية السوري مع عدد من وزراء الخارجية العرب، ونتج عن الاجتماع الذي عُقد بين وزيري الخارجية السوري والسعودي في جدة يوم 12 أبريل/نيسان بيان سعودي- سوري مشترك حدد الأولويات المتفق عليها، وهي عودة اللاجئين والنازحين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين، ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وضمان وحدة وسلامة الأراضي السورية، وذلك بالإضافة إلى إعادة العلاقات القنصلية بين البلدين.

وسرعان ما تبع ذلك اجتماع عُقد في عمّان يوم 1 مايو/أيار، اعتمد إعلانا يتضمن خارطة طريق لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، مع تحديد الأولوية للشؤون الإنسانية، ولا سيما في ما يتعلق باللاجئين والنازحين، وأمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، ومساعدة الحكومة السورية على ممارسة سيادتها على كامل أراضيها، وبدء عملية إعادة الإعمار والعملية السياسية بناء على الاقتراح الأردني “خطوة مقابل خطوة”، نحو تنفيذ القرار 2254.

ما بعد إلغاء التجميد

ومتابعةً للاجتماع، عقد اجتماع وزاري طارئ لجامعة الدول العربية في جدة يوم 7 مايو/أيار الماضي، اعتمد قرارا يؤكد إعلان عمّان ويلغي تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات جامعة الدول العربية، الأمر الذي يعني عمليا عودة سوريا إلى الجامعة والحضن العربي. وتوجت الجهود العربية في قمة جدة التي اعتمدت قرارا بتأكيد تفعيل الدور العربي في تحقيق التسوية في سوريا.

كما دعا القرار إلى اتخاذ خطوات عملية ومتدرجة نحو حل الأزمة بما يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها ويلبي طموحات شعبها ويخلصها من الإرهاب ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين ويفضي إلى خروج القوات الأجنبية غير الشرعية منها ومواصلة الخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية، ودعم استئناف أعمال اللجنة الدستورية في سياق الخطوات السياسية الهادفة إلى تحقيق المصالحة الوطنية. كما دعا القرار لجنة الاتصال العربية لمتابعة تنفيذ بيان عمان وفق منهجية “خطوة مقبل خطوة” وبما ينسجم مع القرار 2254.

والآن، بعد أن عادت سوريا إلى الحضن العربي، وتم تفعيل الدور العربي واتخاذ زمام المبادرة لإيجاد التسوية السياسية، فإن التحدي الذي سيواجهه العرب هو كيفية إقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى المسار الذي اختاروه لإيجاد التسوية السياسية في سوريا. ولكن العقبة الرئيسة ستكون، كيفية التعجيل ببدء عملية إعادة الإعمار، الأمر الذي يمكن البدء فيه من خلال تحديد وتعريف مروحة الأنشطة لإعادة الإعمار بدءا من تعزيز الاستقرار والتعافي المبكر وإعادة التأهيل، وربط ذلك بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التي ستقوم بها الحكومة السورية.

ودون إعادة الإعمار، لن تكون هناك إمكانية للاستقرار في سوريا ولا فرصة لإنهاء التدخل العسكري الأجنبي. فالدول العربية، ولا سيما الخليجية، ستحتاج إلى إدارة هذا الوضع في ظل العقوبات المفروضة من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة أن من بين هذه العقوبات “قانون قيصر” الذي أقره الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات مباشرة على الحكومة السورية وعقوبات ثانوية ضد أولئك الذين يتعاملون معها. ولكن حقيقة الأمر أن هناك بعض الدول العربية لديها قدر لا بأس به من النفوذ في واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى لإقناعها بإبداء المرونة اللازمة لبدء عملية إعادة إعمار سوريا.

أخيرا، ونظرا لطبيعة الأزمة السورية التي تتقاطع فيها مظالم الشعب مع التدخلات الخارجية وتتجاذب فيها المصالح الإقليمية والدولية، فمن الأهمية الإسراع في تفعيل دور عربي نشط بإيجاد تسوية سياسية لتكون نقطة انطلاق نحو بلورة رؤية عربية مشتركة لنظام أمني إقليمي شامل ومتكامل يقوم على توازن مصالح جميع الأطراف الإقليمية، وهي عملية معقدة وطويلة الأمد، الأمر الذي يتطلب أن تبدأ الحكومات العربية في مشاورات حول تحديد التهديدات المشتركة ونوع البنية الأمنية التي من شأنها حماية مصالحها، بالإضافة إلى الاتفاق على كيفية التعاون في وضع آليات من شأنها تعزيز موقفهم التفاوضي تجاه الدول الإقليمية الأخرى لتكون في نهاية المطاف جزءا من هيكل الأمن الإقليمي.

المجلة

———————————-

القضية السورية: غول تحت السجادة/ ياسين الحاج صالح

يصدم الحس التعارض الكبير بين الخفة الغافلة لدفن القضية السورية، على نحو ما رأيناها في القمة العربية قبل حين، وبين الثقل المأساوي للقضية على نحو ما انبسطت أمام الأعين خلال أزيد من اثني عشر عاماً. وفي هذا التعارض ما يسوغ الاعتقاد بأن يعود المدفون في صور كابوسية في وقت لاحق. تكنيس صراع مهول، فاجع ومديد، متعدد الأعماق التاريخية، محلي وإقليمي ودولي، تحت السجادة على ذلك النحو المبتذل مهين لملايين السوريين، لكنه قبل ذلك غبي وقصير النظر. هناك غول تحت السجادة، غول كبير جداً، أكبر ممن اجتمعوا وتصوروا في جدة. لقد أُنكرت أي قيمة لتضحيات وآلام ملايين السوريين بلا عوض، ومنح شخص تافه انتصاراً كبيراً بلا مقابل. ليست العدالة وحدها ما تقضي بأن لا يعطى التافه الدموي نصراً، بل السياسة. ذلك أن هذا الواقع القائم على نصف مليون جثة وسبعة ملايين مهجر وفوق 130 ألف من مجهولي المصير، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، هو واقع مقلقل، متحرك وزلزالي، مثل غول كبير تحت سجادة صغيرة.

يستحسن بغرض فهم الحاضر وتقدير الآتي أن ندرج موجة الصراع هذه التي في سبيلها إلى أن تطوى في سياق تاريخي أطول، تاريخ الحكم الأسدي. في موجة أولى من الصراع بين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، سقط عشرات ألوف السوريين في مذابح معلومة توجت بمذبحة حماه في شباط 1982، أو إعداماً في سجن تدمر بخاصة، أو بالتعذيب في المقرات الأمنية التي هي المعابد الحقيقية للديانة الأسدية. كانت تلك أول أزمة وطنية واجتماعية كبرى تواجهها سوريا بعد الحكم الأسدي، ودفعت قطاعات واسعة من السوريين إلى التدخل في شأنهم الجامع، تنظيمات سياسية ونقابات مهنية وطلبة جامعات، لكنها أخذت بسرعة شكلاً دينياً – سياسياً وعسكرياً مسلحاً يتصل بالبنية السياسية في عهد حافظ الأسد، وخاصة بتطييف الوظيفة الأمنية، الكلية الانتشار والحضور. لم تكن الأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية ذات الوظيفة الأمنية مؤسسات وطنية، بل أجهزة طائفية بقدر كبير، إن لم يكن من حيث التكوين البشري، فمن حيث القيادة والتوظيف السياسي. على أن الصراع في موجته الأولى تلك ظل في الإطار السوري، لم يفض خارجه.

طابت الحياة للنظام بعد سحق جميع معارضيه، الدينيين واليساريين، وصار يجري الكلام على «الأبد» وأخذت تنصب التماثيل لحافظ الأسد، وأخذ هو يعد ابنه لوراثته. وهو ما تحقق بالفعل عام 2000، وما لم يكن تحققه ممكناً لولا مذبحة حماه وسجن تدمر.

الموجة الثانية من الصراع التي يراد طيها اليوم كلفت كما هو معلوم مئات الألوف، نصف مليون في أدنى تقدير (كان السوريون نحو 23 مليون في بداية الثورة). بدأت هي الأخرى أعرض قاعدة، لكن إكراهات البنية السياسية الأشد بما لا يقاس مما كانت قبلها بثلاثين عاماً قادت من جديد إلى تنشيط سياسي وعسكري للديني (ليس الإسلامي السني وحده، بل الجميع، بمن فيهم المسيحيون).

المختلف هذه المرة هو تورط المجتمعات والدول العربية وما بينهما من منظمات ما دون الدولة وفوق المجتمع على نطاق واسع في الصراع. المجتمعات عبر شبكاتها السلفية، والدول بصور سياسية ومالية وإعلامية، ومنظمات ما دون الدولة من البلدان المجاورة العربية وغير العربية، وبهمة إيرانية قوية. كان بشار الأسد قبل الصراع وحتى بداياته وريث أبيه، صار بعد نصف مليون من الضحايا وما لا يحصى من المجازر أباً ثانياً، وربما تنصب له التماثيل قريباً. والأكيد أنه يحضر ابنه حافظ لوراثته. هذا هو الدستور الباطن، الحقيقي، للنظام غير القابل للدسترة بأي دلالة أخرى أو الانضباط بأي قانون.

بين موجتي الصراع حدث شيء مهم يستحسن تذكره هو الآخر: «ربيع دمشق». وهو فسحة زمنية قصيرة، عبرت بوضوح عما تتطلع إليه القطاعات الأوسع اهتماماً بالشأن العام في سوريا: الاجتماع والكلام، على ما تجسد في ابتكار «ربيع دمشق» المميز: المنتديات، حيث يتجمع العشرات أو المئات القليلة من الأشخاص في منازل خاصة، يتداولون في الشأن العام، وبروح نقدية معارضة لكيفية سير الأمور في البلد خلال العهد السابق. «ربيع دمشق» خنق في مهده كما هو معلوم. والغرض من استذكاره القول إن المطالبات السياسية والحقوقية في سوريا لم تكن غائبة، وأنه لم يستجب لها على الإطلاق، بل اعتقل أبرز الناشطين فيها وجرى تخوين الجميع، وهذا رغم الصفة السلمية بالمطلق لأنشطة تلك الفترة وللعقد السابق للثورة كله.

كانت الثورة السورية ثأراً لـ«ربيع دمشق» وإعلاناً بأن السلم الأسدي خلال العقود الثلاثة التي تفصلها عن حماه 1982 كان تكنيساً تحت سجادة القمع لقضية حرمت من الكلام، فلجأت إلى صمت اللاشعور أو المكبوت. الغول كناية عن هذا اللاشعور، القضية التي منعت من أن تكون شعوراً وذاتاً.

الغول اليوم أكبر بما لا يقاس. والاعتراف ببشار الأسد كالذات السياسية السورية المتكلمة، يكبت ملايين السوريين، يحرمهم الكلام والفعل، ويحيلهم إلى لا شعور جمعي. هؤلاء الملايين هم الغول الذي وضعته القمة العربية تحت السجادة.

لقد أخذ الغول يجوس آفاقنا منذ ثمانينيات القرن العشرين الباكرة، عبر هذا التحول القسري نحو سياسة اللاشعور. كان الضحايا في ذلك التحول الأول بعشرات الألوف، وفي الثانية بمئاتها، فربما يكون بالملايين في المرة القادمة. وإذا كان النطاق محلياً سورياً أول مرة، ثم عربياً وإقليمياً ودولياً في سوريا المنكودة ثاني مرة، فقد يكون إقليمياً وعالمياً، لكن في مجال عربي أوسع في مرة قادمة، وبانخراط لا يقتصر على الدول، بل كذلك المجتمعات والأديان، وحشود المرتزقة الجدد من المتبطلين الدوليين المرشحين للزيادة في كل مكان بفضل تغيرات التكنولوجيا وتدهور المسؤوليات الاجتماعية للدول.

لا يمكن أن نعرف كيف سيحدث الانفجار وكيف تتسع دوائره، مثلما لم نستطع تقدير سير الأمور قبل 12 عاماً ونيف، وإن تنبأ بعضنا بأن الهول ممكن ومرجح، استناداً إلى ذاكرة موجة الصراع الأولى. لكننا نعرف أن ضمانة الانفجار قائمة ومستمرة، اسمها الحالي بشار الأسد، أو ربما ابنه حافظ الثاني الذي سيكون «رئيس» سوريا المقبل، وفق حتمية طبيعية يقضي بها منطق حكم السلالة. وللتوضيح، هذا مختلف عن النظم السلالية الأخرى في المجال العربي بأنه طرأ على جمهورية، دولة لم تكن سلالية، فكان مُنازعاً فيه على الدوام، خلافاً لما هو الحال في بلدن الخليج، وفي الأردن والمغرب، حيث نشأت السلالات والكيانات السياسية المحكومة بها معاً، فحازت السلالات ضرباً من شرعية كيانية. سوريا ستبقى دولة نزاع يتفجر دورياً لأنه لا النظام يستطيع الإقرار بطابعه السلالي (ما يضطره إلى تنظيم استفتاءات مهرجانية دورية، بل وحتى تمثيلية انتخابية تعددية مع مرشحين كومبارس لا ينتخبون هم بالذات أنفسهم) ولا ملايين السوريين يستطيعون التسليم بالتبعية لسلالة جانحة موغلة في الدم، ولا بنية سوريا التي نشأت كدولة مواطنين وكجمهورية تتحمله.

وإنما لذلك يجازف النظام العربي الجديد، نظام ما بعد الثورات والربيع العربي، مجازفة قاتلة، ربما تجعله مسرح الانفجار القادم. المسألة ببساطة هي أنه بجعل القاتل طبيعياً يصير الطبيعي قاتلاً، بما يمهد لـ«حالة الطبيعة» حرب الجميع ضد الجميع، مثلما نعرف من الخبرة السورية قبل غيرها.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

نقاش في لا جدوى الانفتاح على نظام الأسد/ ماجد كيالي

بسبب هذا النظام، باتت سوريا فاقدة السيادة، منذ سنوات عدة، مع وجود مناطق كثيرة منفصلة عن بعضها نظرياً وعملياً، من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية.

أثارت مساعي الانفتاح على نظام الأسد مشاعر المرارة والغضب عند سوريين كثر،  لا سيما أن الأسباب الأساسية التي أدت إلى القطيعة معه، وتالياً تجميد عضويته في جامعة الدول العربية، لا تزال قائمة، وأهمها لا عقلانيته، أو تطرفه في استخدام القوة الغاشمة، في تعامله مع الحراكات الشعبية، قبل 12 عاماً، ما أدى إلى مصرع مئات الآلاف من شعبه، وتشريد الملايين منه.

الأسد مسؤول عن تحويل سوريا إلى دولة فاقدة السيادة، بجعلها قاعدة مفتوحة لإيران وميليشياتها الطائفية المسلّحة، وللجيش الروسي (منذ أيلول/ سبتمبر 2015)، والذي تبعه وجود قوات لدول أخرى كتركيا والولايات المتحدة الأميركية (مع فصائل عسكرية مسلحة للمعارضة السورية، وقوات “قسد”).

وبغض النظر عن الموقف من النظام، فإن مبررات التطبيع تبدو غير مقنعة سياسياً، وغير منصفة أخلاقياً، بعد كل الأهوال التي اختبرها السوريون منذ 13 عاماً تقريباً، بيد أن ذلك لا يقتصر على الماضي، أو على علاقة النظام بشعبه فقط، بل يشمل المخاطر المستقبلية التي يمثلها بقاء هذا النظام بالنسبة الى الشعب السوري، ومحيطه العربي، بنمط تحالفاته أو توظيفاته وخياراته الإقليمية والدولية.

سيادة مفقودة ومناطق منفصلة

وبسبب هذا النظام، باتت سوريا فاقدة السيادة، منذ سنوات عدة، مع وجود مناطق كثيرة منفصلة عن بعضها نظرياً وعملياً، من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية. ففي الشمال، تسيطر تركيا والفصائل الموالية لها، وفي الشرق تسيطر القوات الأميركية وقوات “قسد”، وثمة وضع خاص في الجنوب حيث نفوذ الأردن (مع مداخلات إسرائيلية تؤكدها مداخلاتها العسكرية في الخريطة السورية)، وطبعاً ثمة سيطرة النظام في الوسط والساحل مع وجود قوات روسية ووجود عسكري لإيران والميليشيات الطائفية التابعة لها.

 وفي ما يخص الوضع الاقتصادي، بات النظام في أضعف حالاته، مع انهيار قيمة العملة، والنسبة العالية من البطالة، وتفشي الفقر، يفاقم من ذلك رهنه معظم مرافقه، وثرواته الباطنية للحليفين ـ الشريكين، روسيا وإيران، ما يجعله في هذه الحالة غير مؤهل لإعادة الإعمار، ولا لإعادة اللاجئين، ما يعني أنه ينظر إلى الأموال التي قد ترصدها دول عدة للتعويض عما فقده، أو بدّده، ولإعادة تسمينه، وأيضاً، لتمويل أجهزة سلطته الأمنية.

 النظام السوري… عبء على النظام العربي

ثمة أسباب كثيرة، معظمها يتعلق بطبيعة النظام السوري القائم منذ أكثر من نصف قرن، تفيد بأنه بات عبئاً، من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، وحتى الأخلاقية، على النظام العربي، على علاته، تماماً مثلما هو عبء أيضاً على النظام الدولي، في ذاته، وفي تحالفاته أو تبعيته لروسيا وإيران، ما يضفي مشروعية على نقاشات السوريين حول جدوى تبييض صفحة النظام، أو الصفح عن ارتكاباته ضد شعبه، رغم كل الأهوال التي عانت منها ولا تزال، غالبية السوريين.

قد يجوز للسوريين أن يفهموا، مما جرى، أن النظام العربي يلملم أطرافه، بعد التصدعات، أو الاهتزازات التي تعرض لها، إثر ثورات الربيع العربي، والتي انعكست خوفاً لدى بعض الأنظمة على ذاتها، ومسارعة أنظمة أخرى لركوب الموجة واستيعابها ثم السيطرة عليها، وهي الحالة التي انتهت اليوم، باستعادة الأنظمة عافيتها، الأمر الذي يستوجب إعادة لملمة النظام العربي أيضاً، وضمنه إعادة تأهيل نظام الأسد، بوصفه جزءاً من ذلك النظام.

ولعل تلك الحيثية تفيد بأن الوضع السابق لم يكن طبيعياً، إذ إن تلك الأنظمة متماهية مع بعضها، في طبيعتها التسلطية، وفي نمط علاقتها مع مجتمعاتها، وإن اختلفت الدرجة، وتبعاً لذلك فإن الانفتاح على النظام يعيد الأمور إلى طبيعتها، ما يبين ضيق أفق “المعارضة” السورية التي تصدرت المشهد، وبنت سياساتها وخياراتها ورهاناتها على هذا النظام أو ذاك، على الصعيد العربي أو الإقليمي أو الدولي.

مع ذلك، لا يبدو ظاهراً أن أطراف النظام العربي، في مسارها الانفتاحي على نظام الأسد، تدرك أن ذلك النظام لم يعد لديه ما يقدمه لها، على الأصعدة كافة، وأن ذلك لن يغير في وضعهاً شيئاً، بقدر ما سيضعها تحت طائلة العقوبات الأميركية.

عودة الى الانفجار!

القصد، فإن الأطراف المعنية مطالبة بإدراك حقيقة مفادها أن نظاماً كنظام الأسد سيظل عامل تصدع في النظام العربي، لكل نظام على حدة، لا سيما في الجوار، وللنظام الإقليمي العربي إجمالاً، أولاً، بإبقائه طنجرة الضغط السورية على حالها، من دون القيام بأية تغييرات، أو إصلاحات، ما يعني عودتها الى الانفجار لاحقاً. ثانياً، لأن الأرض السورية باتت خارج سيطرة النظام، بكل معنى الكلمة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، إذ إن روسيا وإيران تتحكمان بالقرارات السيادية، السياسية والاقتصادية والأمنية، وبحكم وجود القوى الأخرى (الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل). ثالثاً، لأن ذلك النظام يشغّل شبكات التهريب في المنطقة، وضمنها شبكات تهريب “الكبتاغون”، ما يشكل ابتزازاً للأنظمة المجاورة، وتهديداً لها، وما يُستجر مواجهة من نوع ما مع الولايات المتحدة. ورابعاً، بسبب الارتباط الوثيق بين النظامين السوري والإيراني (وميليشياته)، وأيضاً لارتباط ذلك بمخاطر انفجار الصراع بين الطرف الإيراني (وامتداداته، بخاصة في لبنان)، وبين إسرائيل، وهي مواجهة لا تبدو بعيدة، أو غير متوقعة، لا سيما بحكم سياسة الزراع الطويلة التي باتت إسرائيل تنتهجها شهرياً مرات عدة في الأونة الأخيرة، من دون أن تقدم إيران على أي رد عليها، حتى الآن.

وفقاً لذلك، يُفترض بالأنظمة أن تكون حذرة، وواعية لطبيعة النظام السوري وارتهاناته، والتي أكدها صراحة في مؤتمر قمة جدة، إذ إن الأمر لم يعد يقتصر على الخطر الذي يمثله على شعبه، وإنما سيمتدّ أيضاً إلى البلدان والمجتمعات العربية الأخرى.

طبعاً، ليس المطلوب من الأنظمة العربية خوض معركة الشعب السوري، في مواجهة النظام الذي جثم على صدره أكثر من نصف قرن، فلا أحد يتوقع ذلك، وإنما المطلوب منها عدم النأي بنفسها عن مآسي السوريين، أو التنكر للعذابات التي أحاقت بهم، وأن تبقي ضغطها عليه لإجباره، إن لم يكن على الرحيل، فعلى الأقل على كفّ يده عن البطش بالسوريين، قتلاً واعتقالاً وتشريداً. كما مطلوب منها إبداء الضغط عليه، بالوسائل الممكنة، لفك ارتباطه (أقله الأمني) بشريكه الإيراني، وضمنها التركيز على إخراج كل القوات الأجنبية من سوريا (الإيرانية والروسية والتركية والأميركية)، إذ لا يمكن الانفتاح عليه من دون أي مقابل، فهذه رسالة لن يفهمها، كما ليس بإمكان السوريين، في غالبيتهم، فهمها أو تقبّلها.

درج

————————–

سوريا تعود بجروحها… وتطلعاتها: صفحة عربية قد طويت في العلاقة مع دمشق/ إبراهيم حميدي

قرار الجامعة العربية إعادة سوريا إلى مقعدها ومؤسساتها بعد أكثر من عقد، وحضور الرئيس بشار الأسد القمة العربية في جدة يوم 19 مايو/أيار، ولقاؤه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، خطوات كافية للتدليل على أن صفحة عربية قد طويت في العلاقة مع دمشق.

ليست الصفحة الأخيرة في الأزمة، بل إنها محطة مهمة ونقطة انعطاف. سوريا عادت إلى الاهتمام بعدما كانت في “الثلاجة” لعقد، وكان أهلها منسيين لسنوات. عادت بماضيها وآلامها وجروحها، بطموحاتها وتطلعاتها وأسئلتها الكثيرة. مخاوفها ومخاوف أهلها والآخرين منها.

طبيعي أن تكون سوريا قصة غلاف عدد يونيو/حزيران. هذا الشهر الذي شهد أحداثا سورية كثيرة، بينها “نكسة حزيران” في الخامس من يونيو/حزيران العام 1967، عندما احتلت إسرائيل الجولان السوري، أيضا وفاة الرئيس حافظ الأسد في العاشر منه، وانتقال الحكم إلى الرئيس بشار قبل 23 سنة.

سوريا لم تفارق اهتمامات وسائل الإعلام العربية والأجنبية منذ 2011، لكن مع عودتها العربية تستحق أن تكون قصة غلاف لمجلتنا. نقلب القضية من جوانبها. نجري مراجعة للدور العربي في العقد الأخير. محاولاته وخيباته وعثراته الماضية ورهاناته الحالية والآتية.

كان لا بد من التوقف عند ثلاثة أمور: قصة “الخط الأحمر” الذي وضعه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ثم تراجعه عن الخيار العسكري بعد هجوم “الكيماوي” في 2013. قصة صعود “داعش” في السنة اللاحقة وانتشاره على جانبي الحدود السورية- العربية، وانحساره، والمخاطر التي يشكلها. الدور التركي بدءا من “الخريطة” التي قدمها وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو للأسد صيف العام 2011، وانتهاء بالوجود العسكري في الشمال السوري، ومحاولات التقارب بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخارج من جولة انتخابية رابحة.

هذا عن الماضي. المستقبل أسئلته مختلفة. تعالج مجلتنا مآلاته. أولا، عودة اللاجئين من دول الجوار. وجودهم بات عبئا على الدول المضيفة. عودتهم مقلقة. ثانيا، الكبتاغون. ملف جديد ومرعب. بات أولوية لدول قريبة وبعيدة. ثالثا، وحدة سوريا ومصير القوات الأجنبية في شمالها الشرقي والغربي وقلبها… وحضنها. رابعا، العقوبات الأميركية والأوروبية تضع سقفا للتطبيع العربي. سيكون سياسيا ورمزيا دون رافعات اقتصادية. العنصر الأخير، كان مناسبة لتسليط الضوء على خسائر الخراب. ما كلفة الإعمار، هل إمكاناته متوفرة سورياً، هل الأموال موجودة عربياً؟

لم تكن هذه هي الأسئلة الوحيدة. هناك سؤال كبير، يتعلق بالحل السياسي ومصير القرار الدولي 2254. حملتُ هذه الهواجس إلى المبعوث الأممي غير بيدرسون داخل مكتبه في جنيف. بين ما قاله، إن المبادرة العربية، و”مسار موسكو” الذي يضم روسيا وإيران وتركيا وسوريا، والجهود الأوروبية والأميركية، مسارات تشكل فرصة يجب عدم إضاعتها كما حصل مع المبادرات السابقة، وقد يكون مفتاح الحل في تفعيل مقاربة “خطوة مقابل خطوة”. تبدأ ببناء الثقة وتنتهي بحل يرضي السوريين ويلبي مصالح الفاعلين الخارجيين. ومع تجدد الدور العربي، ننشر استعادة تاريخية لـ”الخيار السعودي” لدى آباء الاستقلال السوري بداية القرن الماضي.

تحديات عودة سوريا، على كثرتها وأهميتها، ليست الأسئلة الوحيدة التي تحاول مجلتنا الإجابة عنها. هناك أخرى ساخنة حاولنا الغوص فيها. ومع اقتراب الذكرى السنوية للانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان، أجريت مقابلة مع أحمد مسعود نجل القيادي البارز أحمد شاه مسعود وخليفته. لديه عتب على الدول التي تخلت عن “دعم” جبهته، تحذير من أن “طالبان” تبتز الغرب بـ”تنظيمات إرهابية”، وأمل بالاستماع إلى “صوت العقل” قبل فوات الأوان.

في العدد أيضا، إطلالة دولية على بريطانيا التي باتت أنظارها تتجه إلى الانتخابات المقبلة، ووراثة “حزب العمال” لـ”حزب المحافظين”، فكانت مناسبة لرسم بروفايل رئيس الوزراء المقبل “العمالي” كير ستارمر، بالإضافة إلى استعراض المشروع المغربي لـ”إضاءة” بريطانيا عبر مياه المحيط.

في الثقافة، هناك منارات مضيئة. أول مغنية أوبرا سعودية سوسن البخيتي تتحدث لنا عن مشروعها ورؤيتها في كون الأوبرا مكونا أساسيا من “مشروع التحديث السعودي”. ونعرض سيرة محزنة لمدينة طرابلس في التيه اللبناني، ونغوص في الرواية المغربية وننهل من الأدب العالمي ومخاوف الأديب المكسيكي خوان فيلورو من “اضطراب” التاريخ… والرواية.

في الصفحة الأخيرة، يقارن محمد الديري بين تجربته “الإنسانية” في الأمم المتحدة، و”السياسية” وزيرا لخارجية ليبيا في سنوات مضطربة.

المجلة

—————————–

جنبلاط والنظام السوري/ بشير البكر

قرّر رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن يتقاعد من العمل السياسي، الذي انخرط فيه على نحو مباشر منذ مقتل والده الزعيم كمال جنبلاط على يد جهاز الأمن السوري في عام 1977 بأمر من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد. وقد بدأ السياسي المخضرم انسحابا تدريجيا منذ خمسة أعوام، ونقل مهامه إلى نجله تيمور، في ظروفٍ لا تختلف كثيرا عن الظروف التي تسلّم فيها الزعامة من والده، في أوج اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية، حينما كان الأسد حاسما في التحكّم بها، وتوجيهها نحو ما يناسب مصالحه، ويحقّق مشروعه السياسي الخاص لحكمٍ مديد في سورية، يصبح فيه لبنان تحت الوصاية. ولم يكن سهلا على ابن الثامنة والعشرين أن يخلف والده، الذي تجاوز حضوره ودوره ومكانته وعلاقاته لبنان ليبلغ العالم العربي، ويتخطّاه نحو الشرق والغرب، من الصين والهند حتى الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وأوروبا، ليس رجل سياسة فحسب، بل مثقفا، وفيلسوفا، وشاعرا.

كان على الشاب وليد، الذي لم يسبق له أن اقترب من العمل العام قبل اغتيال والده، أن يتصرّف بسرعة، ويجد حلا للمعادلة الصعبة قبل أن يتجاوزه الحدث. توجب عليه، في الوقت نفسه، ألا يقف في وجه الأسد فيلقى مصير والده، ولا ينحني أمامه كليا، ويفكّ التحالف بين المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، الذي بناه الأب مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وقادة الحركة الوطنية اللبنانية، ومنهم بالخصوص الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم، والأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي. ومن دون شك ساعده كل من عرفات ومحسن إبراهيم على مواجهة الامتحان الصعب بحكمةٍ وشجاعة، ولذا سرعان ما غيّر الشاب، خرّيج الجامعة الأميركية، الصورة التي كانت مُتداوله عنه، وهي أنه بعيد عن عالم الأب السياسي والثقافي، ومنصرفٌ إلى شؤونه الذاتية أكثر من اهتمامه بالعمل العام. وبدلا من أن تتحقّق التوقعات بفشله، نجح في الظهور بمظهر اللاعب المحترف، الذي يتحلّى ببراغماتيةٍ وقدرةٍ على المناورة، والتعامل مع التطورات المتسارعة، في ما يخصّ الحرب اللبنانية والعلاقة مع الأسد والمقاومة الفلسطينية، فلم يُعاد الأسد ولم يكسر التحالف مع عرفات.

عوامل محلية وإقليمية ودولية ساعدت جنبلاط على أن يبرز زعيما متميّزا، يتسلح بالجمع بين تراث والده والزعامة الدرزية التقليدية، والثقافة الغربية الحديثة، ولكن ما جعله يعيش حياة سياسية مديدة وسط محيطٍ ملتهب، وصراع مصالح دموي، قدرته على المرور بخفّة بين الألغام، رافعا راية لبنان التقدّمي وعلم فلسطين، ومهارة خاصة في المناورة مع النظام السوري، الذي صادقه حينا، وعاداه حينا آخر، وكانت علاقته مع الأسد الأب تختلف عنها مع نجله بشّار الأسد، الذي ناهضه على نحو مفتوح منذ اغتيال حليفه وصديقه رفيق الحريري في عام 2005، ولا يزال على موقفه منه. وكان في وسعه أن يقدّم دعما للثورة السورية بوسائل مختلفة، إلا أنّه لم يتجاوز الخط الأحمر في حساباته مع النظام وحزب الله، الذي تحالف معه أكثر من مرّة في السابق، ضمن معادلاتٍ محكومةٍ بالقوة والجغرافيا والمصالح.

يغادر جنبلاط مسرح العمل السياسي في لحظةٍ مهمّة، تتمثل في التطبيع العربي مع النظام السوري، ويظهر بوضوح أنه التقط رسائل صريحة إلى أن هذا التطوّر لا بد أن يلقي بآثاره على الوضع في لبنان، على نحوٍ لا يناسبه أو يمكنه التعامل معه سلبا أو إيجابا. ولذا فهو يترك هذه المهمة لنجله الشاب، كي يتعاطى معها بطريقةٍ قد لا تختلف عن تلك التي اتّبعها عندما كان عليه أن يغلق صفحة اغتيال والده، لصالح فتح صفحةٍ جديدةٍ مع الرئيس السوري حينذاك.

العربي الجديد

—————————

الأسد ونظام الميليشيات/ رياض معسعس

اتهم المندوب الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على إنشاء “جيش سوريا الحرة” في محافظة الرقة بمشاركة عناصر من تنظيم الدولة “داعش” لاستخدامهم ضد النظام السوري.

وقال خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي: “نود الإشارة من جديد إلى النهج الهدام للولايات المتحدة، التي لم يعد كافيا بالنسبة لها، على ما يبدو، توريد الأسلحة للتشكيلات المسلحة غير الشرعية التي أنشأتها في منطقة شرقي الفرات والتنف” وتابع: “حسب معطياتنا، بدأت الولايات المتحدة بإنشاء “جيش سوريا الحرة” بالقرب من الرقة السورية بمشاركة عناصر القبائل العربية المحلية ومسلحي “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية.

اتهامات السفير الروسي

وأشار المندوب الروسي إلى أن هدف ذلك استخدام المسلحين ضد النظام السوري لزعزعة الاستقرار في البلاد”. إلى الآن لا توجد أدلة دامغة لاتهامات السفير الروسي نيبينزيا. لكن هل يقذف الناس بالحجارة من كان بيته من زجاج؟

لقد تناسى سعادة السفير أن روسيا استعانت بطباخ الرئيس فلاديمير بوتين زعيم ميليشيا “فاغنر” سيئة السمعة لتقوم هذه الميليشيا بالأعمال “القذرة” في سوريا، وقد قامت بارتكاب العديد من المجازر البشعة بالسوريين على أرضهم.

ونسي أن روسيا قامت أيضا بتشكيل ميليشيا الفيلق الخامس لمواجهة المعارضة السورية. وتغاضى عن كل الميليشيات التي استقدمتها حليفة روسيا إيران من أفغانستان وباكستان وإيران والعراق ولبنان لقتال السوريين، وأن نظام الأسد نفسه ومنذ بداياته كان نظاما “ميليشياويا”.

ميليشيات الأب

منذ بداية انقلاب حافظ الأسد تم تشكيل سرايا الدفاع بقيادة شقيقه رفعت، ثم سرايا الصراع بقيادة عدنان الأسد، وجميع عناصرهما من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، وهذه السرايا هي في واقع الأمر ميليشيات مسلحة تم اختيار عناصرهما بإغراءات مالية للقيام بالمهمات القذرة.

وقد أثبتت الميليشيات المسلحة جدارتها في ارتكاب المجازر الرهيبة في سجن تدمر في العام 1980، ومجزرة حماة الكبرى في العام 1982 التي راح ضحيتهما أكثر من 40 ألف شخص، في 1984 وبعد أن كاد الأخ رفعت أن يغدر بأخيه حافظ ليستولي على الحكم خلال مرض هذا الأخير تم حلهما ودمجهما في الحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة التي يترأسها اليوم ماهر الأسد شقيق بشار، والتي تسيطر على تصنيع وتصدير مخدرات حبوب الكبتاغون.

وطرد رفعت الأسد إلى خارج سوريا. وعاد إليها مؤخرا بعد ثلاثة عقود ونيف بعد صدور حكم بحقه في فرنسا بالسجن أربع سنوات بتهم تبييض أموال، وحيازة ممتلكات بأموال مهربة من سوريا. ودعم حافظ الأسد إبان الحرب الأهلية اللبنانية ميليشيا أمل التي يتزعمها نبيه بري، وحزب الله الذي يتزعمه حسن نصرالله باتفاق ضمني مع دولة ولاية الفقيه إيران.

ميليشيات الابن

لم يختلف بشار الأسد عن أبيه حافظ في الاعتماد على ميليشيات إلى جانب الجيش وأجهزة المخابرات لترويع الشعب السوري، فقد ورث النظام بكل نواقصه ومثالبه بجيشه ومخابراته وميليشيا الشبيحة التي تم تأسيسها في ثمانينيات القرن الماضي بعد حل سرايا الصراع، وسرايا الدفاع وطرد رفعت الأسد من سوريا من قبل نمير الأسد (ابن عم حافظ الأسد)الذي كان يستخدمها في عمليات التهريب عبر الموانئ السورية للسلع والسجائر والمخدرات، وشكل كل فرد قريب لعائلة الأسد ميليشيا ـ عصابة لترويع الناس وابتزازهم وخاصة (هلال الأسد، محمد توفيق الأسد، فواز الأسد، هارون الأسد..)، وتضخمت ميليشيات “الشبيحة” وصارت تجوب كل المدن السورية وخصص لها رواتب ومناطق سكنية خاصة، وتقوم بالمهام التي يطلب منها.

ومع انطلاقة الثورة السورية انتشر عناصرها في الشوارع لاعتقال الشباب بطريقة عشوائية إلى جانب عناصر المخابرات، لكن جيش النظام ومخابراته وشبيحته لم يتمكنوا من الوقوف في وجه المعارضة التي سيطرت على مناطق واسعة من الأراضي السورية، فاستنجد النظام بداية بإيران (وكانت تنتظر مثل هذه الفرصة لتهيمن على سوريا)، فأوعز ولاية الفقيه علي خامنئي بداية لحزب الله اللبناني بالتدخل (نفى حسن نصر الله بداية بالتدخل وادعى أنه تدخل لحماية القرى اللبنانية المتنازع عليها)، ثم بدأت جحافل الميليشيات الطائفية تغزو سوريا لوأد الثورة (تحت مزاعم أنها جاءت لحماية الأماكن المقدسة كضريح السيدة زينت الذي لم يتعرض له أحد منذ 1400 سنة وزواره السنة في سوريا أكثر من الشيعة)، وكان هدف إيران الأول هو السيطرة على محافظة دير الزور لأنها صلة الوصل بين العراق وسوريا، وعلى بعض المناطق في محيط دمشق، ومناطق القلمون والقصير والزبداني بوابات الوصول إلى لبنان، ولتحقيق ذلك أرسلت مجموعة كبيرة من فيلق القدس برئاسة قاسم سليماني (الذي قتل بأمر من الرئيس دونالد ترامب في العراق)، وجندت ميليشيات من مناطق مختلفة وصل عددها إلى أكثر من مئة ميليشيا أهمها: (لواء الباقر، لواء الإمام الحسين، لواء ذو الفقار، فاطميون ـ ميليشيا أفغانيةـ زينبيون ـ ميليشيا باكستانية، حزب الله العراقي، حركة نجباء العراق، ميليشيات الإمام الحسين، كتائب الإمام علي، اتحاد أصحاب الحق، عصائب أهل الحق، كتائب أبو فضل العباس، قوات فيلق بدر، لواء صعدة من اليمن)، كل هذه الميليشيات ارتكبت مجازر مروعة بالسوريين، واحتلت بيوتهم. وإضافة إلى هذه الميليشيات، هناك ميليشيات الأحزاب المعتمدة على الحشد “الأيديولوجي”، الوطني أو القومي، والذي تشاركه به كل من مليشيات “كتائب البعث”، المشكلة من المنتسبين لحزب البعث، و”الحرس القومي العربي”، ذات الفكر الناصري القومي، و”المقاومة السورية– كتائب تحرير إسكندرون”، التي قادها التركي معراج أورال، وميليشيا الحزب السوري القومي الاجتماعي، وعشر ميليشيات من فلسطينيي سوريا: أهمها “لواء القدس” و”حركة فلسطين حرة”، “فتح الانتفاضة”– القيادة العامة”. يضاف إلى كل هذه الميليشيات، تشكيلات أخرى مولها رجال أعمال موالون للنظام، أو تشكيلات دينية من طوائف مختلفة متحالفة مع النظام. كل هذه الميليشيات ارتكبت جرائم ومجازر لا تعد في مناطق مختلفة من سوريا بحق المدنيين.

وهكذا حول نظام الأسد سوريا إلى دولة ميليشيات وشبيحة، وإذا قامت أمريكا بزيادة هذه الميليشيات بميليشيا أخرى فلن يتغير بالأمر شيء فالغربال لا يعيقه ثقب إضافي.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

مفاجأة الأسد في القمّة/ كمال عبد اللطيف

سبق أن عاينت مفاجأة حصلت في سورية، بعد سنواتٍ من حصول حراكها السياسي تحت شعار الحرية والكرامة. كتبت عنها في “العربي الجديد” يوم 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وكان الصراع إذ ذاك محتدماً بين النظام والمعارضة. كانت المفاجأة تتمثَّل في الخطاب الذي تصوَّرت أن الرئيس بشّار الأسد أعلن فيه الترتيبات التي ستسمح بنقل السلطة السياسية في سورية إلى هيئة وطنية تُكَلَّف بتسيير مرحلة انتقالية تُعِيدُ الاستقرار والأمن إلى سورية، وتخلّص السوريين من نظام سياسي لم يتمكّن من القطع مع الاستبداد والفساد، نظام لا يتردّد ولا يجد أي حرج في التّغني المتواصل بالممانعة، رغم كل الخراب الذي يشمل الحواضر والأرياف السورية.

لم تكن المفاجأة أكثر من حُلم، حصل في إغفاءةٍ نقلتني من جحيم أوضاع الشعب السوري الفعلية، وأوضاع معارضته الممزّقة، حيث تتواصل عمليات ترتيب الأوضاع في سورية، وِفْق أَجَندات وبرامج القِوَى الإقليمية والدولية. الأمر الذي تحولت فيه سورية اليوم إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية، في انتظار الفرصة المواتية لتقسيمها. وتحوَّلت المسألة من قضيةٍ، يُفْتَرَض أن توصل إلى خياراتٍ معيّنة بين سلطةٍ مستبدَّة ومعارضة إلى قضية عرفت وتعرف آلاف الضحايا والمُهَجَّرِين والهاربين والمختطفين، من دون أن نتحدّث عن أوضاع الذين يعيشون وسط التراب والخراب.

حصلت مفاجأة الرئيس الأسد الثانية في قمّة جَدَّة يوم 19 مايو/ أيار الماضي، لكنها لم تكن بمواصفات الحلم المنقذ التي وُصفت في الأولى، بل كانت مفاجأةً بملامح أخرى، كانت صوتاً يقترح ويوصي ولا يتردّد في الابتسام ونقل صور الغبطة التي تملأ العيون والحركات … تَتمثَّل مفاجأة القمّة العربية رقم 32، في حضور بشار الأسد إلى كراسي جامعة الدول العربية، بعد انقطاع عنها دام أزيد من 12 سنة. كما تَتمثَّل في الكلمة القصيرة التي قدّم بكثير من الرِّقة والأناقة. وتمثلت أيضا في الكلمة الأخرى التي كانت تتخلّل الأولى وتتقاطع معها، وكانت مليئة بالشجن وقد صنعت المفاجأة.

جاءت المفاجأة الجديدة في صيغة مُركَّبة، واستخدمت في تركيبها بعض التقنيات المستخدمة اليوم في الفضاءات الافتراضية .. وقبل تقديم عناصر المفاجأة، نشير أولا إلى أن جامعة الدول العربية قرّرت تَجميدَ عضوية النظام السوري في الجامعة وأنشطتها سنة 2011، بسبب اعتماده الخيار العسكري في مواجهة الاحتجاجات الشعبية. والسؤال هنا، لماذا تعود اليوم لاستقباله والترحيب بقدومه، في قمّة جدّة التي تحمل شعار “التوافق والاستيعاب”؟ ماذا تَغَيَّر في الوضع السوري والإقليمي والدولي، في موضوع الصراع السياسي المتواصل داخل سورية؟

لا نجد في البيان الختامي للقمّة ما يوضح ما حصل، والعبارة الواردة في البيان الختامي للقمّة في هذا الشأن، لا تفكر في أوضاع الشعب السوري، ولا في القرارات الدولية المتعلقة بالملفّ السوري والمصالحة السياسية. حضر الرئيس وتَمّ السكوت على أوضاع الشعب العربي السوري، أوضاع المُهَجَّرين وأوضاع النظام والمعارضة، وصُوَر الحضورين، الروسي والإيراني، وكذا أنماط الحضور الأميركي والتركي في قلب الأراضي السورية … وطرق الهيمنة التي يواصل النظام استخدامها من أجل مزيد من الخراب. لكن لماذا تَمّ رفع حالة التجميد عن سورية، وتَمّ استدعاء الرئيس لحضور القمّة العربية في جدّة؟

ترتبط هذه الأسئلة مباشرة بالمفاجأة غير المتوقعة، فإذا كانت المفاجأة الأولى مجرّد حلم جميل ومريح، حُلم جرى في إغفاءة مُثقلة بِغُمَّة الشعب السوري وأخطاء معارضته، فإن المفاجأة الثانية حصلت منذ أيام على أرض السعودية، داخل القاعة الملوّنة. ورغم صعوبة إدراجها في عِداد الممكن التاريخي، فإننا لا نتردّد في النظر إليها شكلا من أشكال الهروب المُسْتَحَب والمُسَلِّي، الهروب من وقائع غريبة تجري أمامنا، ولا نملك القدرة على الاقتراب منها، ومن كل ما ترسمه من معطيات في الحاضر العربي..

تتمثَّل قوة المفاجأة في اللعبة التقنية التي حولت الرئيس داخل المؤتمر إلى اثنين، يحضر في الأول بالصورة التي شُوهِد بها في قنوات الإعلام الرسمية، رغم أنه لم يكن، في تصوُّرِنا، أكثر من وجه أول في مشهد تَمّ تَركِيبه بهدف إصابة أهداف مرسومة سلفاً … أما الثاني، فقد تحدّث فيه الرئيس بلغةٍ تختلف عن اللغة التي يتحدّث بها في العادة، في مؤتمرات القمّة التي حضرها منذ خلافته والده في 17 يوليو/ تموز سنة 2000. كان الثاني يتحدّث بلغة الحزن والأسى على أوضاع الشعب السوري، وعلى الحروب التي نشبت داخل سورية، والانقسامات الإثنية والطائفية التي تتهددها. وكان يُدرك جيداً ثِقل الحضور الروسي والإيراني والأميركي والتركي في بلاده. لم يكن يقرأ في ورقة أمامه، كان يحاول التفكير في مآلات الثورة السورية، وكانت صورتُه مليئة بالشجن، وقد انتبه المشاركون في القمّة إلى اللغة غير المتوقعة التي كان ينطق بها، وبدأ بعضهم يشكّ في سلامة المشهد والمناسبة.

أعلن الرئيس في صورته الثانية، الناطقة بلسان المفاجأة، أنه يحضُر القمة ليُخبر القادة العرب، الذين رحبوا بعودته، أنه تعلم كثيراً من سنوات حكمه وحكم والده، وقد تعدّت اليوم خمسة عقود، تحدّث الرئيس بكثير من الشجاعة عن قراره التنحي اليوم وليس غداً، عن مقاليد الحكم في سورية. ولم يتردّد في القول إنه أول حاكم عربي يُشهِد الحاضرين في مؤتمر للقمّة العربية عن تنازله عن السلطة لتَدارك ما حصل ويحصل اليوم داخل المجتمع السوري. وقد أنشأ لهذا هيئة وطنية أَوْكَلَ إليها مهمة الإشراف على تهيئة انتخابات جديدة، تشارك فيها مختلف القِوَى الشعبية، من أجل عهد جديد في سورية.

استمع الحاضرون إلى كلمته الثانية وكانت تتقاطع مع الأولى، وأعلنت القمّة ما جاء في كلمته الأولى التي تشبه كلامه المعتاد في باقي مؤتمرات القمّة، التي شارك فيها منذ تقلّده زمام الأمور في سورية. أدركتُ وأنا أستمع إلى كلمته في المؤتمر أن الرئيس كان يتحدّث لغتين، وأن الحاضرين في المؤتمر انقسموا إلى قسمين، قسم استمع إلى كلامه المعتاد، وقسم عَايَنَ مثلي المفاجأة. أما الرئيس فقد غادر قاعة المؤتمر مُسرعا بعد انتهائه من إلقاء كلمته.

العربي الجديد

——————————-

سورية وصراع على الحقوق/ سميرة المسالمة

حسمت جامعة الدول العربية موقفها من الصراع في سورية، بين النظام والمعارضة، بالوقوف إلى جانب سلطة الأسد، بعد 12 عاماً من ادّعاء مساندتها ثورة الشعب السوري، ما يتضمن ذلك تبنّيها دعم قواته الأمنية والعسكرية، لاستعادة سيطرتها على كامل الأراضي السورية، مُسقطة بذلك مواقفها السابقة وشروطها لإعادة مقعد الجامعة إلى الرئيس السوري بشار الأسد. ما يعني أن المعارضة فقدت “إعلاميا على الأقل” داعما في مسار الحل السياسي الذي يُساوي بين أطراف النزاع بمرجعية القرارات الأممية من بيان جنيف إلى قرار مجلس الأمن 2254، كما فقدت الدول المطبّعة في الآن ذاته قدرتها على أن تكون الضامن العربي الموثوق من هيئات المعارضة المفترضة في الحضور الدولي.

السوريون الآن أمام حقائق غير ملتبسة. زالت أوهام الدعم العربي، كما زال وهم حبل النجاة التركي، وسابقا سقطت الادّعاءات الغربية والأميركية، عن انتهاء أيام حكم الأسد “وأيامه المعدودة”، ما يعني العودة إلى نقطة البداية، أي ما قبل الانفتاح العربي على الثورة، وما قبل التعويل على التصريحات الأميركية، واستنهاض جامعة الدول العربية لإرسال موفديها وتنسيق مبادرتها والوصول إلى الصراع المسلح سيّئ الذكر، والتدخّل الأممي عبر القرارات التي تناسخت من دون قدرة أو إرادة على تنفيذها.

ضمن الحقائق التي لا مفرّ منها، أن إسقاط النظام السوري صار مشروعاً سورياً محاصَراً غربياً وعربياً وتركياً، ما يعني أن الأساس الذي قام عليه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية حسب نظامه الداخلي، وبدعم من كل الجهات الدولية، سقط بسقوط هذه الجزئية، وبقاؤه تحت عباءة الدول المطبّعة مع النظام يضعه في صفّ أحدهما، النظام أو المطبّعين معه، ما يحوّله إلى أداةٍ لتمرير مشروعٍ استسلامي، وهذا ينطبق على أي جزئيةٍ تتفرّع عنه، ما لم تتمكّن من التحرّر من تبعيته، أو على أقل تقدير إسقاط ثقله داخلها، ومنها اللجنة الدستورية التي يترأسّها، لتتمكّن من الدخول في المفاوضات خارج سلطة الدول ومصالحها، وصياغة مشروع تفاوضي ينطلق من وقائع الحاضر، ولا يستسلم لفروض الطاعة الخارجة عن الإرادة السورية في التغيير الذي طالبت به الثورة ما قبل المداخلات الدولية، أي العودة إلى حقيقة الصراع مع النظام السوري الذي يتمثل بأنه صراعٌ على حقوق المواطنة، وليس على السلطة فقط.

في ظل واقع دولي متهالك أخلاقياً، وحرب المحاور القائمة بين روسيا والولايات المتحدة، والصين بينهما، لم يعد التعويل على إدانات نظام الأسد باستخدامه العنف المفرط أو الأسلحة الكيميائية أو حتى العقوبات الغربية، تكفي للتعويل على أن مسارات التطبيع يمكن لجمها، أو الحدّ من نشوة النصر التي تتملّك النظام السوري من خلالها، أو العودة إلى تنفيذ كامل بنود القرارات الأممية، ومنها 2254، بما يتضمّنه من “إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوّل سلطات تنفيذية كاملة وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة”، حيث فقدت كيانات المعارضة، “إن صحّ إلصاق التهمة بها”، أي عناصر قوة تتحصّن بها من الدعم الشعبي إلى الاحتضان العربي، إلى الداعم التركي الموالي لها، وحتى إلى القبول الأميركي بها. ومع هذا كله أيضاً، لا تعني هذه الانحدارات أن على السوريين أن ييأسوا من فرص التغيير التي تعيد ترتيب البيت السوري من حجر الأساس حتى رأس النظام، فالصراع على الحقوق شأنٌ سوري، لا تستطيع الأنظمة الديكتاتورية أن تحدّه أو تلزم السوريين بالامتناع عن السعي من أجله.

ربما من هنا يجب أن تناقش اللجنة الدستورية، بمعزلٍ عن تبعياتها السابقة للدول التي أنشأتها أو حدّدت أسماء أعضائها، دورها الجديد في الصراع على الحقوق لانتزاع حقّ المواطنة والعيش الآمن والكريم لكل السوريين على اختلاف انتماءاتهم وتنوّعهم القومي، ما يفرض على اللجنة توسيع دائرة التمثيل السوري داخلها، على حساب تنقيتها من الإملاءات الخارجية، والارتهان لمصالح المتصارعين على تقنين السيادة السورية، وصولاً إلى ابتلاعها.

لا ينفي التطبيع العربي الذي جاء خلافاً لأي تسلسل منطقي لتطور الأحداث، والمسارات والالتزامات الاخلاقية التي يمكن بها تبرير قرار مقاطعتها له خلال السنوات الماضية، وجود كارثة سورية على كل المستويات الخارجية والداخلية، حيث التعامل مع سورية بواقع سيادتها الناقصة، وبواقع أنها دولة فاشلة، لم يتبق من كينونتها المؤسساتية إلا أسماء واهية، سواء على صعيد الاقتصاد أو الخدمات أو المجتمع، وفِي ظل قواها الأمنية الممزّقة التي تريد هذه الدول منحها مهمة استعادة الاستقرار في سورية، تحتاج هي إلى قوى خارجية لرتق تشعّباتها، ولجم فسادها، أكثر مما تحتاجه فصائل المسلحين الخارجين عن سلطة النظام، ما يعني أن التسليم العربي بقدرة نظام الأسد على تنفيذ أي مطلب مقابل خطوته “الواسعة” تحتاج خطوات، وخططا، سيغرقهم النظام السوري بتفاصيلها، ولن ينجو منها الجميع، ما يهدر حسن نيات خطوات التطبيع غير المدروسة على أحسن تقدير، أو “يفضحها”، بأنها نزاع بين محاور كبرى، لا يمكن استثناء المداخلات الإسرائيلية في توجيه دفتها، أو اصطفافات مع أوهام صانع حروب العالم الجديد الرئيس الروسي بوتين، بأنه يعيد صياغة العالم متعدّد الأقطاب عبر الحروب، بالنار والأسلحة النووية، ودعم بقاء الأنظمة الديكتاتورية، أو أنها مجرّد خطوات كيدية، تستهدف الدول التي لا تزال تراعي موقفها الأخلاقي تجاه دم السوريين، المهدور على مذبح مطامع السلطة، وأدوارها المشبوهة في المنطقة.

العربي الجديد

————————–

هل تُرفع العقوبات عن سورية؟/ سمير سعيفان

تستمرّ العقوبات الاقتصادية ثقيلة على صدور الشعب السوري، لتُضاف إلى صعوبات الوضع المتدهور، نتيجة 12 عاما من الحرب المدمّرة التي أطلقها الحل الأمني للنظام الذي واجه به الاحتجاجات الشعبية. ورغم أن العقوبات لا تشمل عمليًا مناطق سورية الواقعة خارج سيطرة النظام، فإن أوضاع السوريين فيها ليست أفضل حالًا. وخارج أوساط السياسيين، فإن السؤال الملح هو: إلى متى؟ إلى متى ستستمرّ معاناة السوريين، فقد مضى عقد ونيف، ولا يبدو ثمّة ضوء في نهاية النفق.

يؤدّي هذا الوضع المغلق إلى إثارة الجدل بشأن جدوى العقوبات المفروضة على النظام، وبخاصة العقوبات الاقتصادية، ويصل الجدل إلى الأوساط المعارضة، وترى تلك الأصوات أنّ العقوبات، التي مضى على فرضها أكثر من عَقد لم تُؤدّ إلى إسقاط النظام، أو إلى إرغامه على قبول أي قرار أممي أو أيّ حلّ وسط، وأنها لم تردع النظام عن القمع والاعتقال والقتل تحت التعذيب، في حين أنها تؤدّي إلى اتساع نطاق الفقر وإفقار مزيد من السوريين. أما النخبة الحاكمة ومن يلوذ بها، فتعيش في بذخ وترفٍ غير مبالية بما يصيب الشعب، بل اندفع لنقل داء صناعة المخدّرات إلى سورية لتوليد مداخيل لها، فأصبحت سورية أكبر مصنع ومصدّر للمخدرات في العالم. وهو داءٌ عضال سيصعب اجتثاثه ولو بعد عقود. وبالتالي تصيب هذه العقوبات فعليًا الشعب السوري وليس النظام السوري. وقد قال المعارض عارف دليلة: “كل تجارب الحصار والعقوبات في العالم خلال حوالي قرن لم تُسقط نظامًا واحدًا، ولو استمرّت عشرات السنين، وإنما تسبّبت فقط بإفقار عامّة الشعب والتضييق على المواطنين في كل شؤونهم الحياتية، وبإعطاء الحجج لحكّامهم بالتشديد عليهم … وبعد العقوبات، تصبح الأنظمة المحاصرة آمنةً من أي ردّ فعل شعبي ضدها”. .. نعم، العقوبات يمكن أن تُسقط حكومات في أنظمة ديمقراطية، لأنّ المواطن فيها يُعبّر عن موقفه في صناديق الاقتراع، ولكنها لا تُسقط أنظمةً مستبدّة، حيث تكون عقوبة التعبير عن الرأي الاعتقال، إن لم تكن القتل المباشر.

تاريخ العقوبات الأميركية ضد النظام السوري مديد وحافل، فالعلاقات السورية الأميركية معقدة، بين العداء الظاهر والتعاون غير المعلن، وقد كانت واشنطن تعتبر النظام “مخربط ألعاب”، ويقف دومًا في موقف المواجه للسياسة الأميركية، ويميل نحو السوفييت بالمجمل. وقد بدأ فرض العقوبات الأميركية على سورية سنة 1979، وتصاعدت في سنة 2003 مع صدور قانون محاسبة سورية في ديسمبر/ كانون الأول 2003 المتعلق بسيادة لبنان، وتزايدت العقوبات الأميركية بعد غزو العراق، ثم بعد مقتل رفيق الحريري، ولكن العقوبات الأشد قسوة فُرضت بعد انطلاق الحراك السوري في مارس/ آذار 2011، بعدما رفض النظام الاستجابة لأبسط مطالب الشارع المنتفض، وقرّر مواجهته بالحلّ الأمنيّ، فتم فرض عقوباتٍ عديدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وتجارية ومالية على مدى السنوات 2011 و2018. وفي أواخر 2019، صدر قانون قيصر الذي تضمّن عقوبات شديدة على النظام، وفي أواخر 2022، صدر قانون المخدّرات الذي سيوضع في حيّز التنفيذ خلال 180 يومًا من تاريخ صدوره، وستُوضع استراتيجية “لتعطيل إنتاج المخدّرات وتفكيكها والاتّجار بها، والشبكات التابعة للنظام السوري”. ويتوقع أن يكون له أثرٌ أشدّ على النظام؛ فالعقوبات السابقة كانت على أفعال النظام ضدّ الشعب، أما هذا القانون، مع أنه أميركي، فهو ذو سِمة دولية تتجاوز الحدود السورية، لأن تنفيذه سيستند إلى اتفاقات دولية لمكافحة الجريمة، بحكم تهديده أمن الدول الأخرى، وسيضع الدول المحيطة بسورية في حالة استنفار لضبط شحنات المخدّرات، وسيشدّد الرقابة المالية على تجارتها.

حقّق نظام الأسد نجاحًا نسبيًا في الالتفاف على العقوبات، وذلك بعلاقاته الاقتصادية مع دولٍ لا تلتزم بالعقوبات، مثل لبنان والعراق ومصر والجزائر وعُمان وإيران وروسيا والصين، وبتلقّي الدعم المادّي الإيراني، فضلًا عن الدعم العسكري والمليشياوي، وهو الأهمّ بالنسبة إلى النظام، إضافة إلى بعض الدعم الروسي. ولكن المسعى الأهمّ بالنسبة إلى النظام، لزيادة موارده التي غدت شحيحة، هو التوجّه نحو إنتاج المخدّرات وتهريبها إلى دول قريبة وبعيدة، إلى حدّ أن سورية تحوّلت إلى مصنع مفتوح للمخدّرات، برعاية النظام ومؤسّساته العسكرية والأمنية، وبالشراكة مع حزب الله اللبناني. وإضافة إلى الإيراد المالي الكبير للنظام، فقد أراد الأسد أن يقول للعالم: سأبقى أخلق لكم المشكلات وأتسبّب بصداع رؤوسكم، حتى تعيدوا الاعتراف بي وتأهيلي. .. ولكن الردّ الأميركي جاء قاسيًا، بإصدار قانون المخدّرات.

أدّت العقوبات الاقتصادية، بالتضافر مع تأثيرات الحرب السورية المدمّرة، مع استمرار الفشل المزمن في إدارة البلاد وإدارة الاقتصاد والفساد والنهب المستمر، أدّت مجتمعة إلى التدهور المريع في الوضع الاقتصادي، ونتجت عن ذلك ظروف حياتية صعبة جدًا لعموم السوريين، عدا قلة من النخب الفاسدة، فأصبح دخل معظم الأسر السورية أقلَّ من 50 دولارًا في الشهر، مع بطالة واسعة، وتزايَدَ عجز الحكومة في مناطق سيطرة النظام عن تقديم رعاية صحّية وتعليم مجانيين، فزادت معدّلات الفقر والفقر الشديد بشكل كبير، وأصبحت أسرٌ كثيرة تعتمد على تحويلات أقاربها في الخارج، وزادت صعوبات الحياة، مع البطالة وشحّ مصادر الطاقة وخدمات النقل وتراجع فرص العمل والتضخّم (ارتفع سعر صرف الدولار من 47 ليرة سورية في بداية 2011 إلى نحو 9000 ليرة سورية اليوم). وتصيب العقوبات جميع السوريين في العالم أيضًا، وقد أصبح جواز السفر السوري منبوذًا، وبسبب العقوبات أيضًا، أصبح فتح حساب في بنوك العالم، وإجراء تحويلات لأيّ سوري، يواجَه بتعقيداتٍ إضافية. وقد بيّنَت دراسة حديثة لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، عن أثر شحّ الطاقة على الأسرة السورية، أنّ قلّة الوقود ومصادر الطاقة مع الفقر تركا آثارًا مدمّرة على العائلة السورية في مناطق سيطرة النظام، حيث تغيّر إيقاع حياتها وتبدّلت عاداتها وتقاليدها وقيمها، وخلّف ذلك آثارًا سلبية عظيمة. وبيّنت دراسة أخرى للمركز، عن الهجرة من مناطق النظام في السنوات الأخيرة منذ 2019 بخاصة، أن نسبة كبيرة جدًا من القاطنين في تلك المناطق يبحثون عن سبيل للهجرة إلى خارج سورية، رغم أن القتال قد توقف؛ لأن الحياة غدت لا تطاق، ولا يوجد أي بصيص أمل بانفراج قريب. ويدفع هذا الوضع المأساوي معارضين كثر إلى المطالبة برفع العقوبات، لأنها تصيب الشعب ولا تصيب الحاكم. وبالرغم من الوضع المأساوي الذي ساهمت به العقوبات، عاد كلٌّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى التأكيد على اللاءات الثلاث في وجه النظام، وفي وجه من يسعون للتطبيع معه: لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات. ولكنهم ربطوها بشرط: “ما دام النظام لا يشارك بشكل فعّال في الحلّ السياسي”.

في الصراعات، ينظر المتصارعون إلى العقوبات الاقتصادية كإحدى أدوات الصراع، فكما أن الحرب أداة عنيفة لخدمة أهداف سياسية، فكذلك العقوبات الاقتصادية تُفرض لخدمة أهداف سياسية أيضًا، وإن كانت ليست غاية بحد ذاتها، وخلال حسابات الصراع، لا يُنظر إلى العقوبات من الزاوية الإنسانية، بل من زاوية الربح والخسارة ومدى خدمتها للغايات السياسية، وإذا كانت العقوبات لا تُسقط السلطة التي فُرضت عليها، فإنها تخلق أمامَها صعوبات تُضعف قدراتها، وتنال من شرعيتها ومن تحشيد الشعب حولها، وتُساهم في إسقاطها على المدى الطويل، في حال توفرت شروط أخرى، أو فُرضت سياسات معينة عليها.

وقد حدَّت العقوبات من قدرة النظام الاقتصادية والمالية وبالتالي العسكرية، وجعلته عاجزًا عن القيام بواجباته كإدارة لمنطقة واسعة من سورية يقطنها عدد يراوح حول قرابة 12 مليون نسمة، حيث يقع عليه تأمين مستلزمات حياتهم كي يكسب الشرعية، وقد جعلته العقوبات عاجزًا عن ذلك؛ ففقَدَ احترامه، وأصبحت الصعوبات الحياتية للمواطنين مرتبطةً ببقاء النظام، وانقلبت قطاعاتٌ واسعةٌ من مؤيدي النظام إلى معارضين صامتين مرحّبين بذهابه وزواله، وتشققت القاعدة الاجتماعية للنظام، غير أن التعبير عن ذلك غيرُ ممكن، بسبب القمع الشديد، بواسطة أجهزة أمن النظام والمليشيات الإيرانية التي أحضرتها إيران من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان لتقاتل فصائل المعارضة، فتحوّلت، مع بقايا جيشه، إلى مليشيات لحمايته من مؤيديه السابقين.

لا يُنْظَر إلى تأثير العقوبات الاقتصادية على السوريين في مناطق النظام بمعزلٍ عن مجمل الصراع الدائر في سورية وعليها، وعن نتائج هذا الصراع ومواقف الأطراف؛ وصحيحٌ أن العقوبات جعلت حياة السوريين القابعين تحت سيطرة النظام صعبة، لكنّ حياة السوريين اللاجئين في دول الجوار أو النازحين إلى الشمال السوري أيضًا صعبة، بل هي أصعب في بعض جوانبها، وخصوصا المقيمين في مخيمات اللجوء ومخيمات النزوح. وبالتالي، إن كان ثمّة دعوة إلى تخفيف معاناة السوريين، فيجب أن تشمل جميع السوريين، أينما كانوا، في حين يرفض النظام أيّ حلّ سياسي، ويصرّ على معادلة صفرية: “كل شيء أو لا شيء”، ويمنع اللاجئين والنازحين السوريين من العودة إلى بيوتهم. وقد فشلت كلّ ضغوط حكومتي لبنان والأردن في إجبار الأسد على السماح بعودة اللاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم، وهناك جزء كبير منهم يرغب في ذلك، وباتوا يُفضّلون العودة إلى بيوتهم وأراضيهم وأعمالهم، رغم الظروف السيئة جدًا في مناطق سيطرة النظام، على البقاء في تلك الظروف حيث هم. ولكن نظام الأسد لم يقبل عودتهم، ورفض عودة أيّ منهم.

في السياسة الدولية المحيطة بسورية، يرى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أنّ إلغاء العقوبات المفروضة على النظام، بدون حلّ سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، أو تطبيع العلاقات معه، أو المساهمة في إعادة الإعمار، إنّما يوجه رسالة سياسية خاطئة إلى النظام وداعميه، فهي تُعدّ مكافأة للنظام، وتخليًا عن المطالبة بمحاسبته، وستُشجّع الآخرين على إعادة التطبيع معه، وستزيد قوّتَه وتعنته ورفضه هو ورفض داعميه أيّ حلّ للأزمة السورية. وبالنظر إلى تجربة إيران ورفع العقوبات عنها، بعد إبرام الرئيس الأميركي الأسبق أوباما الاتفاق النووي معها، نجد أن سياسات إيران ضد جيرانها العرب لم تصبح أكثر اعتدالًا، بل أصبحت أكثر عدوانية وأكثر قدرة، بعدما حقّق لها رفع العقوبات إيرادات مالية إضافية، من السماح بتصدير النفط على نحو نظامي، بينما أضعفت العقوبات التي فُرضت عليها قدراتها، وحدّت نسبيًا من تأثيراتها. وضمن ظروف الصراع الدولي، والغزو الروسي لأوكرانيا، لا يُتوقع أن تُرفع أو تخفّف العقوبات عن النظام السوري، وقد وجّهت كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسائل واضحة إلى الراغبين في التطبيع مع النظام، شدّدت فيها على اللاءات الثلاث.

يبقى السؤال المشروع: إلى متى؟ فإذا كانت العقوبات الاقتصادية ليست غايةً بحدّ ذاتها، فإنّ أيّ عقوبات، من دون تحديد أفق واضح وأهداف محدّدة ومدًى زمني وإجراءات للوصول إلى حلّ سياسي، فإنها تتحوّل إلى عقاب للشعب السوري بالدرجة الرئيسة. والأهداف السياسية من العقوبات الأوروبية والأميركية لا تُحدّد على نحو واضح، إذ لم يذكر منها سوى الضغط على نظامٍ لا يكترث بأيّ ضغط، وقد أصبحت لغة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مطّاطة، فالاتحاد الأوروبي يربط اللاءات الثلاث بالوصول إلى حلّ سياسي وفق القرار 2254، ولم يحدّد الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة المقصودَ فعلًا بهذه العبارة، وليست لديهم أي استراتيجية للوصول إلى حلّ سياسي في سورية، والولايات المتحدة تربط تلك اللاءات “بتغيير سلوك النظام”، من دون أن تحدّد المقصودَ بتغيير سلوك النظام. غير أن تحليل السياسات والأفعال الأميركية والأوروبية يقول إن القرار الفعلي هو تجميد الوضع السوري على حاله حتى إشعار آخر غير محدّد. وعلى السوريين أن يتحمّلوا ما تعجز الجبال عن تحمّله، فقد باتت سورية اليوم مقسّمة إلى أربع مناطق، فيها أربع حكومات غير شرعية، ويتفاوت سوء الأوضاع بين منطقة وأخرى، ولكن أوضاع السوريين في المناطق الأربع سيئة إلى حد الكارثة، وأوضاع معظم اللاجئين السوريين، في دول الجوار، لبنان والأردن وتركيا، لا تقلّ عنها سوءًا، ويتسبب الوضع الحالي في إفراغ سورية من سكانها. لذا يتساءل السوريون دائمًا: إلى متى؟

العربي الجديد

——————————-

الوجود الروسي في سوريا: صلاحيات مطلقة حتى إشعار آخر/ يزن الشامي

الوجود الروسي في سوريا لن ينتهي قريباً، وليس مرتبطاً حقيقةً بوضع سوريا الإقليمي أو العربي، هذا ما تشير إليه الدلائل وتصريحات المسؤولين من كلا الجانبين.

ما بعد عودة سوريا إلى القمة العربية بالنسبة الى روسيا لا تختلف عما قبلها، فهي موجودة في سوريا في جميع الظروف وقبل الثورة حتى. وقد احتفت وسائل الإعلام الروسية بالعودة السورية إلى الحضن العربي، وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قالت: “ترحب موسكو بقرار استئناف مشاركة سوريا في أنشطة جامعة الدول العربية”. وفي كل الأحوال، أي خطوة يقدم عليها النظام السوري تكون بموافقة روسيّة أولاً وأخيراً.

احتفاء بالأسد ومهاجمة زيلينسكي

تستغلّ روسيا علاقتها بالنظام السوري إلى الحد الأقصى، إذ استخدم الإعلام الروسي عودة الأسد لتبرير دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غير المتوقعة إلى الجامعة العربية، فقال المحلل السياسي فلاديمير كورنيلوف لصحيفة “فزغلياد” الروسية، أنه وعندما هاجمت الولايات المتحدة والغرب كله بالإجماع جامعة الدول العربية لدعوتها بشار الأسد، وُلدت حينها فكرة “نوازن الوضع” بدعوة شخص يحبه الغرب كثيراً، وكان الشخص هو الرئيس الأوكراني. في الأحوال كافة، كان الاحتفاء ببشار الأسد في الصحافة الروسية موازياً لتفسير حضور زيلينسكي، فقالت الصحيفة ذاتها محتفية بالأسد: “يوم الجمعة هو يوم انتصار بشار الأسد، عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية، واضطرت الدول التي استبعدتها من هناك إلى الاعتراف بالهزيمة، لكن عطلة الأسد أفسدها فلاديمير زيلينسكي، الذي سافر إلى قمة جامعة الدول العربية وتحدث هناك”.

تُعتبرعودة سوريا إلى الجامعة العربية بمثابة تعزيز لقدرات روسيا الدبلوماسية، من خلال اعتراف المجتمع العربي والدولي بأن روسيا كانت على حق، والتي دعمت الأسد منذ البداية، وبالتالي انحازت إلى الجانب الصحيح. من جهة أخرى، تدحض هذه العودة نظرية معارضي بوتين، التي تقول إن مساعدة روسيا للأسد تعني بشكل أتوماتيكي مساعدة إيران في معارضة المملكة العربية السعودية، و بعد تطبيع العلاقات السعودية – السورية وبدء تطبيع العلاقات التركية – السورية، تختفي نقطة الضعف هذه، والنقطة الأهم أنه باتت لدى روسيا فرص اقتصادية جديدة، بعد تطبيع العلاقات بين دمشق والدول العربية الأخرى. وتبرز هنا مسألة إعمار سوريا، وهنا بإمكان دول الخليج التبرع بالمال، ولكن من الذي سيبني ويعيد الصناعة والبنية التحتية؟ ورغم وجود الصينين والإيرانيين للقيام بهذه المهمة، لكن الفرص الأكبر هي لروسيا، المحرومة الآن من الوصول إلى الأسواق العالمية بسبب العقوبات.

روسيا المحتفية ببشار كانت قد خسرت في 25 آيار/ مايو العقيد  أوليغ فيكتوروفيتش بيتشفيستي (49 عاماً)، وهو قائد القوات الخاصة الجوية الروسية في سوريا، والذي توفي إثر قصف نفذته “هيئة تحرير الشام” استهدف موقعاً عسكرياً بريف اللاذقية. وفي كل الأحوال، بيتشفيستي ليس أول ضابط رفيع المستوى يُقتل في سوريا، ففي عام 2017 قتل اللواء فاليري أسابوف، أحد كبار مجموعة المستشارين العسكريين الروس في سوريا، وفي عام 2016، قتل الملازم أول ألكسندر بروخورينكو بمنطقة تدمر. ويعيدنا موت أوليغ مجدداً إلى قضية الوجود العسكري الروسي في سوريا، الذي لم ينتهِ ولن ينتهي قريباً في ما يبدو.

ما بعد عودة سوريا إلى القمة العربية بالنسبة الى روسيا لا تختلف عما قبلها، فهي موجودة في سوريا في جميع الظروف وقبل الثورة حتى.

الخريطة الزمنيّة للوجود الروسي في سوريا

منذ بداية الثورة، حاولت روسيا الحفاظ على نظام الأسد في الحكم، ولهذا الهدف استخدمت الفيتو مراراً ضد قرارات تدين هذا النظام، وانحصر دعمها في البداية في تقديم الدعم اللوجيستي وتحسين المنظومة العسكرية للجيش السوري، ولم تتدخل فعلياً إلا حين فشل النظام في القضاء على المعارضة ومن بعده “حزب الله” وإيران. فيما نفى المسؤولون الروس تدخل بلادهم العسكري في سوريا، مصرّين على أن الوجود الروسي هو مجرد وجود سياسي. رغم ذلك، كانت روسيا تمتلك في سوريا في عام 2012، أكبر مركز تنصّت إلكتروني لها خارج أراضيها. استمر المسؤولون في نفي تدخل روسيا العسكري في سوريا حتى عام 2015، في ذلك العام كانت المعارضة تسيطر على نحو ثلثي مساحة سوريا بعد فشل النظام وحليفه الإيراني في إحراز أي تقدم، ما استوجب تدخل الدب الروسي، إذ بدأت روسيا عملياتها الجوية من الريف الشمالي لمدينة حماة، من منطقة كفر نبودة تحديداً.

 بعد أول ضربة نفذتها روسيا في سوريا، بات وجودها العسكري علنياً لا بل شرعنته، إذ ذكرت في مناسبات عدة أن وجودها شرعي لأن النظام السوري هو من طلب منها التدخل. وبحلول عام 2020، امتلكت روسيا في سوريا 75 موقعاً، منها 23 قاعدة عسكرية، و42 نقطة وجود، و10 نقاط مراقبة، وانتشرت نقاط المراقبة في محافظتي إدلب وحماة، أمّا القواعد العسكرية فتنتشر في محافظات دير الزور، الحسكة، الرقّة، حلب، اللاذقية، طرطوس، حماة، حمص ودمشق. بينما تتوزّع نقاط الوجود في محافظات دير الزور الحسكة، حلب، السويداء والقنيطرة. وتمثّل روسيا القوة العسكرية الأكبر في سورية حاليّاً، من حيث سيطرتها على معظم الأجواء في غالبية المناطق التي لا تشهد وجوداً أميركياً. واعتمدت روسيا في البداية على قاعدتين جويتين وهما قاعدة ميناء طرطوس البحري، وقاعدة حميميم التي أُنشئت على عجل.

الوجود الروسي طويل الأمد

الوجود الروسي في سوريا لن ينتهي قريباً، وليس مرتبطاً حقيقةً بوضع سوريا الإقليمي أو العربي، هذا ما تشير إليه الدلائل وتصريحات المسؤولين من كلا الجانبين، إذ وقّع الرئيس  بوتين، في 31 تموز/ يوليو 2022، وثيقةً تتضمّن “العقيدة البحرية الروسية” الجديدة، وفيها تحدّد روسيا المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية لها أو تعدّها ذات صلة بأمنها القومي حول العالم، وأعادت وثيقة العقيدة البحرية الروسية الجديدة تأكيد أهمية وجود روسي دائم في البحر المتوسط، وتحديداً في الشرق منه، وهذا يعني أن الوجود الروسي في سوريا ذو أولوية على المدى البعيد.

في الأحوال كافة، أُعلن خطاب البقاء الروسي في سوريا على لسان الأسد نفسه أيضاً، ويبدو أنه سيكون طويل الأمد في ظل مكاسب وتنازلات جديدة سيقدمها النظام السوري، إذ قال الأسد: “إذا كانت لدى روسيا رغبة في توسيع قواعدها أو زيادة عددها في سوريا، فهذه مسألة فنية أو لوجستية، ونحن نعتقد أن توسيع الوجود الروسي في سوريا أمر جيد”.

ويقدَّر عدد عناصر روسيا في سوريا حوالى 20 ألف فرد بين القوات البحرية والجوية والبرية من دون حساب الشرطة العسكرية. وبحسب وزارة الدفاع الروسية، خاض أكثر من 63000 عسكري روسي “تجربة قتالية” في البلاد  بين أيلول/ سبتمبر 2015 حتى عام 2018. وخلال تلك الفترة، شنت القوات الجوية الروسية 39000 طلعة، ودمرت 121466 “هدفاً إرهابياً” بحسب ما تدّعي روسيا، وقتلت أكثر من 86000 “متشدد”، ولم تأتِ وزارة الدفاع على ذكر حصيلة الضحايا من المدنيين.

تكلفة الوجود السوري

 تكلفة الوجود الروسي كانت ثقيلة على السوريين، إذ إن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت مقتل 6239 مدنياً على يد القوات الروسية، بينهم 1804 أطفال، منذ تدخلها العسكري في سوريا وحتى نهاية عام 2018. ووثق التقرير ما لا يقل عن 321 مجزرة نفذتها القوات الروسية، منذ تدخلها، وما لا يقل عن 954 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، من بينها 176 اعتداء على مدارس و166 اعتداء على منشآت طبية، بالإضافة إلى 55 اعتداء على أسواق، وبحسب التقرير نفذت روسيا ما لا يقل عن 232 هجوماً بالقنابل والذخائر العنقودية، إضافة إلى 125 هجوماً بأسلحة حارقة.

وتعدّ القاعدة البحرية في مدينة طرطوس السورية، القاعدة الوحيدة لروسيا على شواطئ البحر المتوسط، وعلى رغم أنها موجودة، عملاً باتفاقية قديمة بين البلدين تعود الى عام 1971، فإن استمرارها كلّف روسيا إعفاء سوريا من ديون بلغت 9.8 مليار دولار عام 2006. من جهة أخرى، تشكل سوريا إحدى الدول المهمة في سوق السلاح الروسي، إذ شكّل نصيبها من تجارة روسيا العسكرية نحو 7 في المئة عام 2010، فضلًا عن صفقات عسكرية بقيمة أربعة مليارات دولار حتى عام 2013، بالإضافة إلى أهمية سوريا في بسط روسيا قوتها السياسية، فسوريا هي أحد أهم شركاء الروس التجاريين في العالم العربي، إذ تشكل التجارة الروسية – السورية ما نسبته 20 في المئة من إجمالي التجارة العربية – الروسية، وبطبيعة الحال سوريا هي سوق ممتاز للأسلحة الروسية.

وفي لقاء سابق مع صحيفة “راينشيه بوست” الألمانية، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن روسيا وقعت اتفاقيات عسكرية مع النظام السوري، من دون تحديد مدة زمنية لانتهائها، مشيراً إلى أن الحكومتين السورية والروسية تملكان صلاحية إجراء تغييرات على تلك الاتفاقيات، ما يعني أن روسيا تمتلك صلاحيات مطلقة على الساحة السورية لن تنتهي قريباً.

درج

———————————–

سوريا… سنوات من الحرب والعزلة

تسلسل زمني للصراع في سوريا

حضر الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية في جدة يوم 19 مايو/أيار 2023، بعد قرار المجلس الوزاري في الجامعة العربية بإعادة عضوية سوريا المجمدة منذ نهاية 2011. وهذا تسلسل زمني للأزمة:

2011

في مارس/آذار، انطلقت الاحتجاجات من درعا جنوبي البلاد، لكنها سرعان ما عمّت معظم مناطق سوريا، وتحولت إلى حرب، شاركت فيها ميليشيات ودول. مع تطور الأزمة أخذت الانشقاقات في الجيش السوري تتزايد. وفي مطلع شهر أغسطس/آب، أعلن عن تأسيس “الجيش السوري الحر”.

ودبلوماسياً، قطعت دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق، وأبعدتها عن جامعة الدول العربية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وقدمت دول عدّة، خصوصا خلال سنوات النزاع الأولى، دعما للمعارضة السياسية والمسلحة.

2012

اتفقت مجموعة عمل، مؤلفة من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وتركيا وجامعة الدول العربية، في مدينة جنيف، في يونيو/حزيران، على مبادئ مرحلة انتقالية، لكن الأطراف المعنية بالنزاع- من السوريين وغيرهم- اختلفوا على تفسير هذه المبادئ التي لم تشر بوضوح إلى مصير الرئيس بشار الأسد الذي تطالب المعارضة برحيله. واعتبرت واشنطن أن الاتفاق يفسح المجال أمام مرحلة “ما بعد الأسد”، في حين أكدت موسكو وبكين أن تقرير مصير الأسد يعود للسوريين.

2013

منحت القمة الـ24 للجامعة العربية التي عقدت في الدوحة، مارس/آذار، مقعد سوريا في الجامعة لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”. وشغل المقعد رئيس “الائتلاف” أحمد معاذ الخطيب. ودعا الخطيب إلى منح مقعد سوريا في الأمم المتحدة والمجالس الدولية إلى المعارضة، لكن بقيت الحكومة تمثل البلاد أممياً.

وفي أغسطس/آب، دخل الصراع السوري مرحلة جديدة، بعد مجزرة القصف بالسلاح الكيماوي في غوطتَي دمشق، التي راح ضحيتها أكثر من 1000 شخص.

صدر قرار من مجلس الأمن الدولي 2118 إزاء السلاح الكيماوي السوري. واتهمت تقارير أممية ودول غربية دمشق بالمسؤولية عن هجوم الغوطة، في وقت نفت فيه دمشق ذلك. وهدد الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ”الرد على استعمال الكيماوي”، لكنه لم ينفذ تهديداته بـ”عدم تجاوز الخطوط الحمراء”.

2014

سيطرت تنظيمات منبثقة عن تنظيم القاعدة الإرهابي على مدينة الرقة، شمال شرقي سوريا، ثم انطلقت لتسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق، وتعلن قيام تنظيم “داعش”، ما استدعى تشكيل التحالف الدولي ضد التنظيم في سبتمبر/أيلول من هذا العام.

2015

ميدانياً، توالت مكاسب المعارضة السورية وتراجعت مساحة مناطق الحكومة في سوريا إلى حوالي 10 في المئة. إلا أن تدخل الجيش الروسي والميليشيات التابعة لإيران أسفر عن فرض أمر واقع جديد صبّ في مصلحة النظام.

وبدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية في سبتمبر/أيلول، بعد طلب الرئيس الأسد دعما عسكريا من موسكو من أجل كبح القوات المعارضة له، ووافق مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين في استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد.

في أكتوبر/تشرين الأول، أُعلن عن تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتتألف من مجموعة من الفصائل المسلحة، معظمها تابع للأكراد، بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركا، وتتمركز سيطرتها على مناطق شمال شرقي سوريا.

وفي نهاية 2015، عقدت اجتماعات دولية– إقليمية– عربية في فيينا، مهدت لإصدار مجلس الأمن الدولي القرار 2254 الذي شكل مرجعية لعملية السلام برعاية أممية.

2016

في أغسطس/آب من هذا العام، انطلقت أولى العمليات التركية العسكرية في الأراضي السورية تحت اسم “درع الفرات”، وهي عملية عسكرية أطلقتها تركيا لدعم فصائل معارضة سورية، من أجل طرد مقاتلي تنظيم داعش من ريفي حلب الشمالي والشرقي.

وفي هذا العام، تقدم الجيش السوري وحلفاؤه على مقاتلي المعارضة في حلب، أكبر قاعدة لهم، بعد أشهر من الحصار والقصف، في خطوة أبرزت حجم الزخم الذي اكتسبه نظام الأسد.

2017

الولايات المتحدة تشن أول هجوم بصواريخ كروز على قاعدة جوية تابعة للحكومة السورية بالقرب من حمص بعد هجوم بالغاز السام على مدينة خان شيخون التي تسيطر عليها قوات المعارضة.

 وفي نوفمبر/تشرين الثاني، تهزم قوات، يقودها الأكراد، مدعومة من الولايات المتحدة، تنظيم داعش في الرقة. ويؤدي هذا وهجوم آخر من الجيش السوري إلى خروج الإرهابيين من معظم الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها.

 وفي هذا العام، دعت روسيا إلى عقد مفاوضات في آستانة، عاصمة كازاخستان، تجمع بين النظام السوري وجماعات المعارضة السورية برعايتها ورعاية كلٍّ من إيران وتركيا.

2018

أعلنت دولة الإمارات أنها أعادت فتح سفارتها في دمشق، في ديسمبر/كانون الأول، بعد أكثر من 6 سنوات من إغلاقها.

وكانت أميركا وروسيا والأردن قد وقّعت اتفاقا للهدنة جنوبي البلاد، أسفر عن التخلي عن المعارضة وتسليم المناطق إلى قوات الحكومة وفتح الحدود السورية- الأردنية.

2019

انعقدت قمة روسية تركية إيرانية في أكتوبر/تشرين الأول، أدت إلى انحسار القتال، لكن موسكو استأنفتأهجوما كبيراً في ديسمبر/كانون الأول أفضي إلى توغل أكبر في معقل المعارضة الأخير.

وتسبب الهجوم الذي قادته روسيا في شمال غربي سوريا في نزوح نحو مليون مدني وحدوث أسوأ أزمة إنسانية منذ بدء الصراع. كما أرسلت تركيا آلافاً من جنودها عبر الحدود لمحاولة صد الهجوم، وقالت إنها لن تمنع اللاجئين السوريين من محاولة الوصول لأوروبا، وتفتح حدودها، ويفر الآلاف إلى اليونان.

2020

نقص حاد في الوقود، والسوريون يصطفون لساعات للحصول على الخبز المدعم، في علامات على تهاوي الاقتصاد. والحكومة تضطر لترشيد توزيع الإمدادات وتطبيق زيادات كبيرة في الأسعار. كما أعلنت الولايات المتحدة عن أشد عقوبات أميركية على سوريا ضمن “قانون قيصر”، وهي عقوبات توسع من سلطة مصادرة أرصدة كل من يتعامل مع سوريا بغض النظر عن جنسيته، وتشمل قطاعات كثيرة، من التشييد والبناء إلى الطاقة.

2021

إسرائيل تصعّد من ضرباتها الجوية في أجزاء كثيرة من سوريا، وخاصة في الشرق، وتضرب أهدافاً لمنع توسع النفوذ الإيراني. وكانت الغارات الإسرائيلية قد بدأت في 2017.

كما نفذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضربة جوية شرقي سوريا على طول الحدود العراقية، مستهدفة هيكلاً تابعاً لما وصفته بميليشيات مدعومة من إيران.

2022

قام الأسد بأول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل 11 عاماً، حيث وصل إلى الإمارات العربية المتحدة في زيارة تمثل تحسناً محتملاً في علاقات سوريا مع جيرانها العرب، الذين كانوا قد فرضوا عزلة على نظام الأسد في السابق.

2023

في هذا العام، شهدت العلاقة بين سوريا والسعودية تحولاً جذرياً، كما شهد هذا العام اتصالاً بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والأسد، للمرة الأولى منذ بدء الصراع.

تمهيدا لمشاركة الأسد في القمة العربية بمدينة جدة في 19 مايو/أيار، التي ترأسها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد جدة، في أول زيارة رسمية له إلى السعودية منذ انقطاع العلاقات بين الدولتين. كما قام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بزيارة إلى دمشق، التقى خلالها الأسد، ثم عقدت دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، اجتماعا تشاوريا في جدة حول سوريا، أعقبه اجتماع مماثل في العاصمة الأردنية عمان، مطلع شهر مايو/أيار.

وفي الأثناء، عقد اجتماع وزاري سوري– تركي– روسي– إيراني في موسكو، بعد اجتماعات بين وزراء الدفاع السوري والروسي والتركي، في إطار مساعي موسكو لدفع التقارب بين دمشق وأنقرة.

وفي 7 مايو/أيار، أعلنت جامعة الدول العربية أنها اتخذت قراراً باستعادة سوريا عضويتها في الجامعة. وقالت الجامعة العربية، في بيان، إن مجلس الجامعة على المستوى الوزاري قرر “استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتباراً من 7 مايو/أيار 2023”.

—————————–

النظام العربي ونظام الأسد الذي لا يشبه إلا ذاته/ فايز القنطار

بعد عودة الأسد إلى الجامعة العربية، واستقباله مزهوا على السجاد الأحمر، وأخذ الصور التذكارية وتبادل القبلات الحارة أمام كاميرات العالم، طرح المعلقون الكثير من الأسئلة حول التعارض الكبير بين “الخفة الغافلة لدفن القضية السورية”[1]، وبين الثقل المأساوي لهذه القضية. إن القفز فوق صراع طويل متعدد الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية، يعبر عن خفة واستخفاف وقصر نظر، أنكرت قمة جدة تضحيات السوريين وآلامهم، ومنحت شخصا تافها انتصارا مجانيا كبيرا بلا مقابل. لا يمكن لهذا الواقع أن يستقيم، الواقع القائم على مليون جثة ومليونين مصاب وجرائم حرب ضد الإنسانية، هو واقع زلزالي قابل للانفجار.

نظام الأسد، بالرغم من المشتركات التي تجمعه بأقرانه، مشتركات في الاستبداد وقمع الحريات وإخضاع الشعوب، إلا أنه يتميز بالكثير الكثير، فهو لا يشبه إلا ذاته من حيث العنف والقتل والتنكيل وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم حرب بحق الإنسانية، هذه فرادة خاصة قل مثيلها. نظام لم يبرع إلا في القمع وقهر شعبه وتوظيف إمكانات الدولة التي اغتصبها لتعزيز آلته القمعية والعسكرية، بعد أن أوهم السوريين وغيرهم، أنها مخصصة للدفاع عن الوطن، واسترداد الحقوق الوطنية المنتهكة منذ أكثر من نصف قرن، وإذ به يخون الأمانة ويوجهها إلى صدور الشعب.

أن يعطى الفرصة ليحاضر ويطالب العرب بالخروج من قيود التبعية، في حين وضع بلده في حالة من التقسيم والتشظي، بعد أن طلب تدخل الأجانب من روس وإيرانيين واستقدم ميليشيات طائفية حاقدة، لحماية عرشه من السقوط، يحاضر برفض التدخل الأجنبي في حين وضع سوريا تحت الاحتلالات متعددة الجنسيات. لم ير في بلده سوى “الاحتلال العثماني بنكهة إخوانية”. عبر هذه المحاضرة يستخف بشار الأسد بعقول مستمعيه، فهم يعرفون جيدا من دفع 4 ملايين سوري إلى طلب اللجوء في تركيا؟ ومن الذي هجر 4 ملايين غيرهم إلى الشمال يعيشون تحت الحماية التركية؟ ثلث الشعب السوري الآن يعيش في ظل “السيادة التركية”. من وضع سوريا على طريق التلاشي والاختفاء؟ نصف شعبها مهجر والنصف الآخر جائع، لا تتوفر له الحدود الدنيا من مقومات العيش، من أوصل سوريا وشعبها إلى هذا القاع؟ هو “الرئيس” الوريث بشار الأسد. هل كرسي سيادته يستحق كل هذه الأثمان؟ دمار وطن وقهر شعب وتحويله إلى مشردين ومهجرين وجائعين ومتسولين يعيشون على المساعدات الإنسانية. وهل تصدقون أن من فعل كل هذا الخراب، سيكون مؤتمنا لحل مشكلات اللاجئين ومشكلات إغراق مجتمعاتكم بالمخدرات، وسيعمل على إخراج سوريا من محنتها، بعد أن عمل كل ما يستطيع لإغراقها في هذا المستنقع وتحويلها إلى ولاية إيرانية، في خدمة مشروع التمدد الفارسي، في ظل غياب النظام العربي عن الفعل.

يضع النظام الأسدي الخطط ويشكل الجمعيات “الخيرية” لنهب وتعفيش حتى المساعدات الإنسانية المخصصة لشعب جائع، لقد ضجت المنظمات الدولية بفضائح سرقة المساعدات من قبل النظام منذ بداية حربه على الشعب السوري، عمل على نهب هذه المساعدات وتوظيفها في تغذية آلته الحربية لقتل السوريين، بدلا من تضميد جراحهم، وتلبية بعض حاجاتهم، ضجت لدرجة أن بعض البلدان أصدرت تشريعات خاصة في محاولة حماية المساعدات الإنسانية لتضمن وصولها إلى مستحقيها.

تميز النظام الأسدي، منذ التأسيس، بفرادة فهو لا يشبه إلا ذاته، تميز بوحشية استثنائية. منذ ثمانينيات القرن الماضي أطلق الباحث الفرنسي ميشيل سورا تسمية “الدولة البربرية” أو المتوحشة، في محاولة لوصف الدولة الأسدية التي تتميز بفرادتها في التوحش والبربرية. في السياق التاريخي، في الموجة الأولى من المواجهة بين الدولة المتوحشة والشعب السوري، في أواخر السبعينيات، سقط عشرات الألوف في مذابح متعددة توجت بمذبحة حماة في شباط 1982، وسقط الكثير من السوريين إعداما في سجن تدمر أو تحت التعذيب في المقرات الأمنية التي تعتبر “المعابد الحقيقية” في الدولة البربرية. تحولت الأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية إلى تشكيلات طائفية، بعيدا عن الطابع الوطني.

“30 ألف قتيل” تضمن خضوع السوريين 30 سنة قادمة، بعد سحق جميع معارضيه من اليمين ومن اليسار، بدأ الحديث عن “الأبد” إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد، وأقام التماثيل وبدأ التحضير لتوريث “الجمهورية”. بعد التوريث، عرف السوريون ربيعهم مبكرا في عام 2000، حيث انتشرت المنتديات في المضافات والبيوت الخاصة، وطالبت النخب السورية بالتغيير التدريجي والانفتاح لأن النظام الأسدي ضاق كثيرا على السوريين وطموحهم بالتقدم والتنمية والمشاركة في تقرير مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، تم غض النظر عن هذه الظاهرة، ريثما استقرت الأمور للوريث، لم تتأخر سلطة الاستبداد عن إغلاق هذه المنتديات والقيام بحملة اعتقالات واسعة. تكرر هذا السيناريو في عام 2005 مع إعلان دمشق بعد اغتيال الحريري والانسحاب المذل للجيش الأسدي من لبنان. لم تكن المطالبات السياسية والحقوقية غائبة، لكن لم يستجب لها إطلاقا، بل اعتقل أبرز الناشطين فيها وتم تخوين الجميع، رغم الصفة السلمية لتلك الأنشطة.

موجة الربيع السوري الثانية التي انطلقت عام 2011 والمستمرة منذ عقد ونيف، يراد طيها اليوم، دون النظر إلى ما كابده الشعب السوري وما قدمه من تضحيات في مواجهة الفاشية الأسدية، تضحيات أكبر بكثير من أن تكون موضع مساومة، ومقايضة. الانفجار الثاني قادم وضمانة انفجاره قائمة ومستمرة أي بقاء السلالة الفاشية الأسدية جاثمة، بدعم روسي إيراني، على صدور السوريين.

هذه هي الدولة الأسدية البربرية، نهج وحشي قديم حديث، من هذه الزاوية كانت مبادرة الجامعة العربية إلى عزل نظام آل الأسد أواخر العام 2011. فالقمع الدموي الذي مارسه هذا النظام، بدا وكأنه أسرف وتمادى في إظهار طبيعة متوحشة، وهذا مرذول لدى الأنظمة الأخرى، ولا مصلحة لديها في أن تحمل وزر نظام بفاتورة دموية مروعة. هذا هو النظام الأسدي لا يتردد في نسف المجتمع الذي تتكئ الدولة عليه، بل نسف الدولة التي يستند النظام إليها إذا ما استشعر خطراً وجوديّاً.

في محاولة إعادة احتضان الأسد عربيا، في تبرير فاقع يعني الانتصار “للدولة الوطنية” ووحدة أراضيها واستقرارها، في مواجهة الفوضى، مما يعني اعترافا بشرعية آلة القمع باعتبارها مؤسسة “شرعية” من مؤسسات الدولة. كما يجري الحديث عن خطأ المجتمعات العربية في المسارات التي سلكتها لتحقيق مطالبها في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحياة الحرة الكريمة.

تصوير هذه العودة إلى الحضن العربي في محاولة لتفكيك الأزمات التي صنعها “الربيع العربي” ومنها اللاجئون والمخدرات، وكأن إعادة الاعتبار لدولة الأسد كفيلة بإنهاء هذه النتائج. وهكذا يجرى التغاضي، في الحالة السورية المضرّجة بالدماء، عن المرتكب لجرائم الإبادة الجماعية، والتهجير بهدف التغيير الديمغرافي، والاغتصاب واستخدام السلاح الكيماوي وكل أشكال جرائم الحرب التي ارتكبتها مؤسسات الأسد الطائفية التي لا تشبه مؤسسات “الدولة” لا من قريب ولا من بعيد.

ما الذي سيقدمه الأسد للنظام العربي؟ فما هو وزن هذا النظام في المعادلات الإقليمية والدولية؟ وأي إضافة يمكن أن يشكلها للنظام العربي؟ نظام منبوذ دوليا، محاصر اقتصاديا وسياسيا بقوانين صارمة، لا يستطيع التخلص من الهيمنة الروسية والإيرانية، رهن سوريا وثرواتها، حاضرا ومستقبلا، لتمديد البقاء في السلطة على أنقاض خرائب وطن، دمره بنفسه، وعلى حساب شعب هجره وأذله وحوله إلى شعب جائع، يعيش على المساعدات الدولية. بهذا الموقف، يجازف النظام العربي، نظام ما بعد الثورات، مجازفة خطرة، ربما تجعله مسرح الانفجار القادم.

 حضور الأسد يعني، أن القمة تبارك إجهاض تطلعات الشعوب العربية في دخول العصر وبناء دولة المواطنة، دولة القانون والحريات، دولة تقرر شعوبها مصيرها ومستقبلها، لا تكون رهينة التعسف والاستبداد. هذا الحضور والاحتضان لأحد كبار مجرمي العصر لا يشرف الجامعة، بل على العكس سيبقى بقعة سوداء تذكر أحرار العرب بما فعله هذا المجرم بسوريا البلد العظيم وبشعبها الصابر المعطاء.

 تلفزيون سوريا

 ————————–

تحوّلات حيال دمشق: استفاقة المعارضة!/ محمد قواص

شيءٌ ما أيقظ هيئة التفاوض السورية المعارضة بعد غياب دام سنوات. عادت الهيئة للاجتماع بكل مكوّناتها في جنيف في 2 حزيران (يونيو) الجاري، بعد آخر اجتماع لها في الرياض في كانون الأول (ديسمبر) 2019. وإذا ما غيّبت ظروف لوجستية وموضوعية وسياسية الهيئة عن الفعل، فإنّ ما استجدّ داخل الملف السوري، لاسيما في الأشهر الأخيرة، استدعى، ونكاد نقول أخيراً، تحرّكاً للمعارضة السورية.

تبدّل المزاج الإقليمي على نحو جذري في علاقة عواصم المنطقة مع دمشق. وساهم الزلزال الذي ضرب سوريا في تقدّم ما هو إنساني لحلحلة عِقَد سياسية قادت لاحقاً إلى واجهات تطبيع عربي مع النظام السوري. اجتمع وزراء خارجية دول الخليج مع نظرائهم من مصر والأردن والعراق في جدة في 15 نيسان (أبريل) الماضي للتشاور في مسألة العلاقة مع دمشق، تلاه اجتماع آخر في عمّان شارك فيه وزراء خارجية السعودية ومصر والعراق والأردن في الأول من أيار (مايو) الماضي في حضور وزير الخارجية السوري.

مداولاتٌ كثيرة جرت في الاجتماعين، بعضها سُرّب إلى الإعلام، مهّدت لقرار جامعة الدول العربية في 7 أيار (مايو) الماضي بإعادة سوريا إلى مقعدها داخل الجامعة. بات بعد ذلك منطقياً دعوة الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في القمّة العربية في جدة في 19 أيار (مايو) الماضي. ألقى الأسد كلمة هناك، لم تستنتج منها المعارضة أي تبدّل في قراءة دمشق للمسألة السورية.

وفي كل البيانات التي مهّدت لعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، حتى تلك التي صدرت لمناسبة زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدة في 12 نيسان (أبريل) الماضي ثم زيارة نظيره السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق في 18 من الشهر نفسه، جرى التطرّق إلى مسألة “التسوية السياسية” من دون الاستغراق كثيراً في خريطة الطريق التي نظمّها قرار مجلس الأمن الدولي في القرار 2254، ومن دون أن تُظهر دمشق ومنابرها الإعلامية أي اهتمام بأي مسار سياسي. عملت دمشق على الترحيب بـ “العودة العربية”، مشدّدة على دعم العرب لإعادة الإعمار وانتشال الاقتصاد السوري، وكأنّها قواعد وشروط لعودة اللاجئين أو بعضهم.

يحقّ للمعارضة السورية أن تعبّر عن ذهول من تطوّرات داخل النطاق العربي، أعاد تعويم المسألة السورية من بوابة دمشق وحدها. بعض هذه المعارضة انتقد متفرّقاً الخطوات العربية، فأصدر العتب واللوم والتبرّم، وبدا بعيداً من تطوّر لم يكن في صورته ولم يوضع في سياق احتمالاته. ولأنّ التحوّلات الدولية تفرض وقائع وموازين قوى جديدة، بدت المعارضة مشلولة عاجزة عن التعاطي بنضج وبراغماتية مع ما استجدّ.

جرت التحوّلات العربية حيال دمشق لاحقة على تحوّلات “صاعقة” في موقف تركيا من المسألة السورية. كثر الحديث عن مصير اللاجئين السوريين في تركيا، واستُخدمت ورقة اللجوء السوري داخل السجال الحاد الذي شهدته حملات الانتخابات الأخيرة في شقّيها، التشريعي والرئاسي. فحتى مسار التقارب بين أنقرة ودمشق وما تحقّق من لقاءات على مستوى أجهزة المخابرات ثم وزراء الدفاع ثم الخارجية برعاية روسيا، جرى وفق منطق انتخابي لم يكن خافياً في حسابات الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته.

بدت المعارضة السورية مهمّشة خارج الفعل. بدا أيضاً أنّ علاقات مكوّناتها مع عواصم المنطقة، وخصوصاً أنقرة، فاقم صمتها وذهولها. ولأن تفهّمت المعارصة السياق الانتخابي التركي وأخذت بالاعتبار المصير المقلق لثلاثة ملايين لاجئ في تركيا، فإنّ الأداء التركي-العربي مجتمعاً استدعى قراءة متأنية لاستحقاق وجب الاعتراف بحدوثه ووجبت الاستفاقة للتعامل مع مفاعيله.

وفق ذلك، يمكن قراءة اجتماع هيئة التفاوض السورية المعارضة، وفي جنيف بالذات. وكأنّ المطلوب أن تُسمع المعارضة صوتها داخل ورش تعالت فيها أصوات كثيرة، وأن تدلي الهيئة بدلو تُقارب به الدول الإقليمية التي انخرطت في سياق التطبيع مع دمشق. فإذا ما كانت البيانات العربية تتحدث كلها عن “حلّ سياسي” للأزمة السورية، وإذا ما كان السياق التركي في هذا الصدد يكرّر لازمة “الحلّ السياسي” السوري، فإنّ في الأمر استدراجاً للمعارضة بأن تؤكّد مواقفها وتكرّر ثوابتها لاستخدام أوراقها داخل معادلة الـ”خطوة مقابل خطوة” التي أوحت بها بيانات جدّة وعمّان الوزارية والبيانات العربية الأخرى ذات الصلة.

ولأن طغت ضبابية في مقاربة الحديث الإقليمي عن “حل سياسي” في سوريا، ولأن أعادت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا التذكير في بيان مشترك في 16 آذار (مارس) الماضي بشروط وموقف المجتمع الدولي للتعامل مع دمشق قبل أي تطبيع مع النظام السوري، فإنّ بيان هيئة التفاوض أعاد وضع نقاط على حروف تلك التسوية السياسية المتوخاة. تكرّرت في كل مقطع من بيان الاجتماع لازمة الالتزام بالقرار الأممي 2254، الذي يرسم قيام حكم انتقالي تكون المعارضة جزءاً منه، وفق دستور جديد يتمّ التفاوض عليه في جنيف (وليس في دمشق وفق ما طالبت منصّة موسكو).

وإذا ما ارتأت جامعة الدول العربية تطبيع علاقاتها مع دمشق وفق نصوص تسووية، وإذا ما تجنّبت عواصم المنطقة تناول “الحلّ السياسي” في صيغ ومفردات لا يستسيغها النظام في سوريا (وإيران وروسيا من خلفه)، فإنّ من حقّ المعارضة أن ترفع السقف من دون لبس، وتدخل حلبة أوسع بشأن المعتقلين ومسائل المحاسبة والمساءلة، وكأنّها توحي بها لأصحاب الشأن لأخذها في الاعتبار في تمارين الـ”خطوة مقابل خطوة”. وطالما أنّ المنطقة تنخرط في حقبة تسويات، تستنتج الهيئة المعارضة “أنّ الظروف الدولية والإقليمية تُعدّ مناسبة لاستئناف المفاوضات المباشرة مع النظام”، ودائماً وفق القرار 2254.

حضر اجتماع هيئة التفاوض المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون. حضر أيضاً عدد من ممثلي الدول المعنية بالشأن السوري، وبدا أنّ للاجتماع بيئة أممية دولية حاضنة (لاسيما في لقاء نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي غولدريتش مع الهيئة)، وأنّ الحدث من عدّة شغل لاحق. في المقابل، يسيل حبر سوري كثير بشأن شرعية المعارضة وتمثيلية هيئاتها والحاجة إلى تحديث وترشيق مؤسساتها، بما في ذلك هيئة التفاوض. لكن الواقع يقول إنّ تحرّك الهيئة هو في الاتجاه الموضوعي الذي لا يسمح بكسل واستقالة وحرد.

وإذا ما يجري الاختلاف تحت سقف الهيئة، فإنّ خروج بيان موحّد يعبّر عن “إنجاز” داخل مشهد دولي إقليمي شديد التشرذم والتعقيد قد لا تجدّ المعارضة حيّزاً لها داخله. ولأن يعبرّ الحدث عن دينامية قابلة للنقاش، غير أنّ ما صدر عن الهيئة في جنيف، وما قد يلي ذلك من تحرّك أوسع، داخل صفوف المعارضة نفسها أو مع كل العواصم المعنية، قد يصبح ضرورة من لوازم تسوية ما زالت تفتش بصعوبة عن معادلات جديدة.

النهار العربي

—————————–

سورية… مبادرات في الفراغ السياسي/ محمد أمين

طُرحت مبادرات عدة في الآونة الأخيرة من قبل هيئات وشخصيات سورية معارضة في محاولة لتحريك مياه العملية السياسية الراكدة، للتوصل لحل سياسي للقضية السورية.

إلا أن النظام ماضٍ في تجاهل وإهمال أي مبادرة تستند إلى القرار الدولي 2254 يمكن أن تشكل خطراً عليه. ويستند النظام إلى عدم توافر الإرادة الدولية الكافية لتطبيق الحل السياسي، وإلى الخطوات التي تتخذها الدول العربية والإقليمية باتجاه تطبيع العلاقات معه.

وكررت هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، خلال اجتماعها في جنيف الأسبوع الماضي مع ممثلي الدول المعنية بالملف السوري، الاستعداد لـ”تطبيق العملية السياسية، وفق القرارات الدولية”.

وأكد بدر جاموس، رئيس هذه الهيئة التي تضم منصات سورية معارضة في مؤتمر صحافي في جنيف قبل أسبوع، أن “المعارضة مستعدة لمفاوضات ديناميكية في إطار القرار 2254″، محمّلاً النظام مسؤولية أي عرقلة للعملية السياسية، مضيفاً: “نحن مستعدون للتفاوض من أجل حل عادل”.

كما دعت الهيئة، عقب اجتماع لمكوناتها في جنيف الأسبوع الماضي، “الدول الشقيقة والصديقة لدعم جهود الأمم المتحدة، لاتخاذ كل ما يلزم من قرارات لتطبيق الحل السياسي الشامل وفق منطوق قرار مجلس الأمن الدولي 2254” الصادر في 2015، “الذي يحدد خريطة طريق دولية للتوصل إلى حل سياسي”.

وكانت المعارضة السورية نسفت تراتبية القرار 2254، ووافقت على البدء في التفاوض على كتابة دستور قبل تحقيق الانتقال السياسي، إلا أن هذه الخطوة لم تثمر عن نتائج، حيث استغل النظام اجتماعات اللجنة الدستورية، التي شكلتها الأمم المتحدة، لشراء الوقت وتمييع القضية السورية.

إطلاق منصة “مدنية”

ولم تتوقف المبادرات السياسية عند قوى الثورة والمعارضة الممثلة في هيئة التفاوض، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، حيث أطلق ممثلون عن أكثر من 150 منظمة مدنية سورية، منصة سياسية جديدة حملت اسم “مدنية” أكدت على “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”. إلا أنها أكدت أنها “ليست بديلاً عن أي جسم سياسي”، مشيرة إلى “أنها ستكمل جهود كل المنصات السياسية الموجودة والمعترف بها دولياً وفق القرار 2254”.

وأكد أعضاء هذه المنصة، في بيان في باريس الثلاثاء الماضي، التزامهم “حلاً سياسياً وفق القرارات الدولية، وفي مقدمتها 2118 و2254، بما يضمن إطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسرياً عند النظام وباقي أطراف الصراع”.

كما أكدوا رفضهم التطبيع مع نظام بشار الأسد وإعادة تأهيله، داعين إلى استمرار محاسبته ومحاسبة حلفائه على جرائمهم.

وتعوّل الأمم المتحدة على دور فاعل للمجتمع المدني في التوصل لحل سياسي، حيث منحته حيّزاً كبيراً في اللجنة الدستورية، مع تشكيل ممثلي هذا المجتمع ثلث أعضاء اللجنة، اختارتهم الأمم المتحدة من الطرفين (النظام والمعارضة).

محاولة لتفعيل القوى المشتركة

وبيّن عضو “مدنية” فادي ديوب، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “ليس من أهداف مدنية طرح رؤية لحل سياسي في سورية”، مضيفاً: نحاول الآن تفعيل أدوارنا لاستخدام قوانا المشتركة للتأثير بما يضمن حماية مصالح السوريين وتطلعاتهم، ببلد ديمقراطي حر ذي سيادة متبني لحقوق الإنسان.

في غضون ذلك، طرح العميد المنشق عن قوات النظام مناف طلاس (وهو ابن وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس) مبادرة، أول من أمس الجمعة، تهدف إلى “جمع السلاح والمحافظة على السلم الأهلي بهدف الوصول إلى حل سياسي”.

ويرأس طلاس مجلساً عسكرياً محدود التأثير، يضم العديد من الضباط المنشقين، “يعمل حالياً على ترتيب آلية العمل الخاصة به، للمرحلة المقبلة وفق الإمكانات الدولية”، وفق تصريحات صحافية لطلاس نشرت الجمعة الماضي.

ولطالما طُرح اسم فراس طلاس لقيادة مجلس عسكري يضم ضباطاً من النظام والمعارضة، يشرف على مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات تضع البلاد على طريق الديمقراطية، في استنساخ للتجربة المصرية عقب ثورة يناير/كانون الثاني العام 2011.

ولا يحظى طلاس بقبول واسع في الأوساط السورية المعارضة رغم انشقاقه في العام 2012 عن “الحرس الجمهوري”، القوة الأكثر أهمية في قوات النظام، باعتبار أن والده كان جزءا من مرحلة الأسد الأب، وأسهم في توريث السلطة للأسد الابن منتصف العام 2000.

ولم تنقطع المبادرات التي تطرحها مختلف قوى المعارضة السورية طيلة السنوات الماضية، إلا أن النظام لطالما قابلها بالإهمال، وخصوصاً إذا كانت تستند إلى القرار الدولي 2254، مستفيداً من دعم روسي وإيراني واسع وتراخٍ من قبل أميركا، التي اكتفت بفرض عقوبات اقتصادية لم تدفع النظام لطاولة تفاوض جدي، ما يرسخ حالة الفراغ السياسي في القضية السورية.

قلق المعارضة من الانفتاح العربي والتركي على النظام

وتعكس المبادرات التي طُرحت أخيراً قلق المعارضة السورية من الانفتاح العربي والتركي على النظام السوري، الذي يسعى إلى تجاوز القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية، والتي تنص على إنشاء هيئة حكم كاملة الصلاحيات تشرف على مرحلة انتقالية وتضع دستوراً جديداً تُجرى على أساسه انتخابات.

وفقدت المعارضة السورية أغلب أوراق القوة التي كانت تمتلكها بدءاً من أواخر العام 2015، مع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر لصالح النظام، حيث خسرت أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها في عموم البلاد، وانحصر وجودها في حيّز جغرافي ضيّق في الشمال السوري.

ولم تقتصر المبادرات على قوى الثورة والمعارضة السورية، فقد عادت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية، وطرحت في إبريل/نيسان الماضي، مبادرة قالت إنها تهدف إلى وضع حل “سلمي وديمقراطي” للأزمة السورية. وأبدت الاستعداد لـ”الحوار” مع النظام، الذي رفض سابقاً عدة مبادرات من هذه “الإدارة”، حيث يطالب باستعادة الشمال الشرقي من البلاد دون شروط.

النظام السوري لا يعبأ للمبادرات

وتعليقاً على المبادرات الأخيرة من قبل قوى سورية معارضة، بيّن مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “نظام الأسد لم يعبأ قط، ولا يعبأ حالياً، ولا أعتقد أبداً أنه سوف يعبأ أو يهتم مستقبلاً بمثل هذه المبادرات على الإطلاق”.

وبرأيه فإنه من الواضح أنه لا توجد إرادة حقيقية لدى المجتمع الدولي لفرض أي شيء على النظام السوري حالياً، لكن المعارضة تحاول تحريك المياه الراكدة، وربما تنتظر تغير الرياح الإقليمية والدولية لتحسين وضعها.

وأعرب عن اعتقاده أن “الأولى بالمعارضة السورية، أن تعمل على رأب الصدع الداخلي، وتحسين العلاقات البينية، واستعادة تمثيل الشارع السوري بالدرجة الأولى، بدلاً من طرح استعدادها للتفاوض مع النظام، من دون رصيد شعبي ودولي”.

العربي الجديد

———————————-

النظام السوري العائد الى لبنان/ ساطع نور الدين

لم يعد السؤال اللبناني الأهم سابقاً لأوانه: ليس المطروح هو ما اذا كان النظام السوري سيعود مجدداً، بل متى وكيف ستكون تلك العودة المظفرة، الثالثة او الرابعة منذ منتصف السبعينات، والتي لن ينفيها القول الشائع في بيروت، عن أنه لم يغادر أصلاً لكي يعود، بدليل وجود حلفائه الاقوياء الكثر الذين لن يغادروا الى مكان في المستقبل المنظور.

جلسة الاربعاء النيابية المقررة لانتخاب رئيس للجمهورية، يمكن ان تسهم في الاجابة على هذا السؤال الحرج، والمسكوت عنه حتى الآن، مهما كانت نتيجة التصويت، وكيفما كانت طريقة تعطيل الجلسة البرلمانية، التي لم تصمم أصلاً لهذا الغرض، لكنها معنية حتماً بقياس قوة حلفاء النظام السوري، وكشف الكثير من توجهاتهم في المرحلة المقبلة.. في ضوء العلاقات الثنائية التي شهدت في السنوات القليلة الماضية عمقاً لم يسبق له مثيل، على المستويين الرسمي والشعبي، وتلقت في اعقاب موجة التطبيع العربي الاخيرة مع دمشق دفعاً استثنائياً لا يمكن إنكاره، يضع أي مسؤول لبناني يتعاطى مع هذا الملف في موقع حساس، على الرغم من أن أيا من العواصم العربية لم تضغط على لبنان لكي يحذو حذو ها، ويزيل آخر الحواجز النفسية والحدودية اللبنانية السورية. لكن مثل هذا الضغط آت لا محالة، ولن يلقى مقاومة تذكر، بل هو سيزيد حلفاء دمشق قوة ومصداقية، تحت عنوان “حقائق التاريخ والجغرافيا”، ووقائع الديموغرافيا أخيراً.

لا يمكن لأي لبناني ان يجادل في أن لبنان كان متنفسا حيوياً للنظام السوري طوال السنوات ال12 الماضية، وما زال. والمؤكد ان دور الرئة اللبنانية في حماية النظام، تضخم مع وجود نحو مليوني لاجىء سوري على الاراضي اللبنانية، ثلثاهم من الموالين للنظام او من مموليه، الذين استهدفتهم العقوبات الاميركية والغربية تحديداً، لكنها لم تعطل حركتهم. يضاف الى ذلك ان تلك الرئة تتنفس ايضا بهواء لبناني يفترض ان من حق رجال الاعمال اللبنانيين ان يكونوا شركاء في عملية بناء سوريا، ومن حق بيروت ان تكون، ممراً إلزامياً لمثل هذه العملية أكثر من باريس مثلا التي بنت ولا تزال تبني سياساتها وخياراتها اللبنانية على هذا الاساس، وكأنها في سباق محموم مع الكثير من العواصم العربية والاجنبية الطامحة للعودة الى السوق السورية.

دور بيروت جوهري في هذا السياق. والتقدير اللبناني-الفرنسي المشترك يتوقع أن تصبح العاصمة اللبنانية قاعدة متقدمة لأي عملية إعادة بناء لسوريا، ويغفل حقيقة ان الجمع بين الخراب اللبناني والخراب السوري، من دون أفق سياسي واقعي وسليم لاستقرار البلدين لن ينتج سوى سراب مخيب، يزيد من صعوبة العثور على حلول وتسويات للازمات البنيوية التي تعاني منها الدولتان اللبنانية والسورية في هذه المرحلة، ويبعد أي استثمار سياسي عربي او دولي في لبنان وسوريا معا، حتى ولو تقدم الاصلاح السياسي والاقتصادي في أحد البلدين على الآخر. وهذا أمر مستبعد أصلاً.

لا يعترف أحد بذلك الربط، الآن على الاقل، لكن الوقائع السياسية يمكن ان تجعله أمراً واقعاً، كما يمكن ان تعطي زخماً جديداً لمقولة الشعب الواحد في دولتين، التي تكاد تصبح حقيقية، وتجد من يدعمها في لبنان، من دون الاخذ في الاعتبار ان التوجه اللبناني الى سوريا يمكن ان يجرف لبنان في دوامة خطرة أكثر من دوامة التورط اللبناني المباشر في الحرب الاهلية السورية.

لن يتوجه كثيرون من اللبنانيين الى الجار السوري، لكن سوريا هي التي ستوسع حضورها اللبناني، على قاعدة تطوير إستثمارها الناجح في اللاجئين، والعمل على محو الحدود المصطنعة بين البلدين والشعبين، تمهيداً لتحديث الدور السوري، السياسي والاقتصادي والمالي في الداخل اللبناني، من دون الحاجة الى “ردع” عسكري او أمني، بل بالاعتماد فقط على حلفاء لبنانيين يحصون بدقة عدد الاصوات السورية الحاسمة في أي انتخابات لبنانية، ويمثلون ما يقرب من نصف الشعب اللبناني، حسب تقديرات النصاب في جلسة الاربعاء البرلمانية.

لن يعود الجيش السوري بالضرورة الى الاراضي اللبنانية، قبل اعادة بنائه مجدداً، لكن النظام عائد بلا شك، بقوة الامر الواقع السوري الذي أرسله الى لبنان في السبعينات ثم الثمانينات ثم التسعينات…

المدن

———————————

عون والأسد: عجوز الممانعة وفتاها غير المدلل/ عمر قدور

ينتمي إلى الماضي ذهابُ الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، يوم الثلاثاء الفائت، للقاء “نظيره” بشار الأسد. ولو تحرّينا مزيداً من الدقة، لربما توجّب القول أن لقاءهما يحاول الانتماء إلى ذلك الماضي، إلى زمنهما الجميل. وربما، أثناء الحديث بينهما، طافت في ذهن كلّ منهما ذكريات “المجد الغابر”.

للعجوز التسعيني ذكريات مختلفة مع محور الممانعة، فهو انضم إليه متأخراً جداً بعد خصومة وقتال، بموجب تفاهم مار مخايل عام 2006. أمام مضيفه فقد ورث الممانعة من أبيه الذي كان شريكاً أكبر في صناعتها، بل لم يكن محور طهران-الضاحية ليرى النور لولا مساهمته فيه. الطريق نفسه سالك اليوم، بلا مساهمة من الوريث تتعدى موافقته الأكيدة، والمضمونة من دون مقايضة أو ثمن يفوق ما حصل عليه فعلاً؛ فها هو باقٍ في قصره ويستقبل ضيوفاً أيضاً.

في السياق نفسه، بعد يومين من اللقاء بعون، استقبل بشار الأسد محمد المهذبي وتقبّل أوراق اعتماده بوصفه سفيراً “فوق العادة” ومفوّضاً للجمهورية التونسية لديه! في هذا الخبر أيضاً سيكون بلا طائل البحث عن مبررات حقيقية للتفخيم من مكانة السفير، إلا إذا ربطناه بنزوع الرئيس التونسي إلى التفخيم، وملاقاته من قبل نظير له قاسى عزلة تامة لأكثر من عقد. أيضاً، ثمة في هذه المبالغة التونسية محاولة انتساب بائسة وكاريكاتورية إلى مصاف الدول والحكومات التي تفرّق بين ما هو عادي وما هو فوق العادة.

كذلك كان حال لقاء عون-الأسد، إذ وُجِدت الرغبة للإيحاء بأنه يأتي في ظروف غير عادية، لجهة استحقاق انتخاب رئيس في لبنان. وعليه فإن زيارة عون تستدعي تلقائياً الأيام التي كان يجري فيها تداول أسماء المرشحين للرئاسة في مكتب الأسد، ليفوز الأقرب إليه والأشد طوعاً له. يعزز من الإيحاء مجردُ حدوث الزيارة الذي يَفترض أنه ينطوي على استعدادات لها وجدوى من حدوثها، والأهم عدم تلقّي واحد من طرفيها “نصيحة” بعدم عقد اللقاء مع دلالاته.

لكن غير العادي صار مخالفاً لذلك كله، تدلّ عليه التكهنات حول ذهاب عون إلى بشار ليتوسط له عند حزب الله، ما يُفهم منه أن خطوطه المباشرة مع الحزب غير سالكة حالياً. والحق أن انقطاع الخطوط، مع ترسيمة موازين القوى الحالية، يغريان بالاعتقاد أن عون لم يذهب فقط ليشكو همومه إلى الأسد، ويطلب المساعدة من أجل صهره المدلل جبران باسيل الذي لم ينل موافقة الحزب على ترشيحه للرئاسة. ثمة ما يغري بالاعتقاد أن من الأسباب الرئيسية للموافقة على انعقاد لقاء عون-الأسد أن يسمع الأول من الثاني رسالة لا تسمح خطوطه المقطوعة مع الحزب بتبلّغها مباشرة.

لا يمنع هذا الافتراض، بل يدعمه بقوة، أن يُضطر عون من أجل تبلّغها إلى الذهاب إلى مكان غير مستحبّ لدى كثيرين من اللبنانيين. هكذا يُذلّ باضطراره إلى وسيط، وبكون اللقاء مع هذا الوسيط غير مشرّف، حتى إذا كان الزائر عديم الحساسية إزاء الجرائم التي ارتكبها المضيف في حق السوريين، وفي حق اللبنانيين. الانتباه إلى هذا المغزى من الزيارة قد يكون ضرورياً لفهم آليات تقسيم الأدوار، خاصة أن ما اضطر إليه عون لا يُستبعد أن يُكره عليه لبنانيون آخرون.

من المرجح أن فئة قليلة من اللبنانيين بقي تفكيرها عند مرحلة وصاية الأسد، ولديها حساسية وتوجس دائمين من أي تواصل لبناني معه، وكأن عودة الوصاية ممكنة بعد كل ما حدث في لبنان وفي سوريا. باستثناء هذه الفئة، بات هناك فهم أوسع لانقضاء عهد الوصاية مع كافة مفاعيله، إلا أن استعارة الأسد ما تزال حاضرة لدى البعض، وضرورية لدى البعض الآخر. هي حاضرة وكأنها جزء من الفلكلور الخاص بالعلاقة مع “الشقيقة الأكبر”، وضرورة لدى الذين يودون تحميل الأسد شطراً من المسؤولية عن كوارث لبنان؛ بهدف عدم إغضاب الحزب بتحميله كامل المسؤولية، أو للتملص من اتخاذ المواقف المبنية على اتهام الحزب بتحمل المسؤولية الأولى والأكبر منذ انسحاب قوات الأسد.

من جهته، لا يُستغرب من الحزب التواطؤ أحياناً مع الذين يودّون رمي جزء من المسؤولية على الأسد، ما دام هو وهؤلاء مدركين للخفايا. أبعد من التواطؤ اللفظي، قد يستخدم الحزب الفكرة ذاتها لتمرير خصوم له إلزامياً عبر الأسد، وبهذا لا يثبت تمكنه من السلطة فحسب، وإنما يثبت أيضاً قدرته على الحطّ من قدر اللاعبين الآخرين الذين لن يتنازل للتفاوض معهم مباشرةً. إجبار الخصوم “وربما بعض الأصدقاء” على خيار مكروه هو اليوم أنفع من أي وقت مضى، أي بمقدار ما أصبح الأسد ضعيفاً، إذا نحّينا من الحسبان جميع ارتكاباته التي تتضاءل الحساسية إزاءها.

خلال أكثر من عقد أنجز الحزب “مهمته” السورية على أكمل وجه، وكان في مقدمة القوى التي منعت سقوط الأسد. وبفضل الصراع في سوريا وعليها صارت واضحة “لمن لم يكن يراها” التراتبيةُ ضمن محور الممانعة، ولا يشغل فيها الأسد موقعاً مقرَّباً من الصدارة. بل يمكن القول أنه خسر من موقعه كـ”فتى الممانعة المدلل” بقدر ما نال من مساعدة على البقاء، ليبقى محروماً من الدلال السابق  ومطالَباً باستحقاقات الإبقاء عليه.

أقل هذه الاستحقاقات هو في وظيفته اللبنانية، والتي يسهل شكلياً النظرُ إليها كاستئناف لدور سابق، في حين أن تباشيرها الأولى ظهرت منذ اضطراره إلى سحب قواته من لبنان. وتمثيل هذا الدور يرضي صاحبه من جهة، وذريعة تسويقه متوفرة دائماً عطفاً على العلاقة غير المستقرة تاريخياً بين طرفي الحدود. عطفاً على التاريخ نفسه، من المستبعد الوصول إلى إقرار عام معلن بأن القوة الفعلية صارت في لبنان، حتى إذا أُعطي ظاهرياً جزءٌ منها للأسد.

إذا أردنا الاستئناس بالتاريخ القريب، لا شك في أن عنجر “بتعبير مجازي” صارت في سوريا، منذ انسحاب قوات الأسد ومخابراته وفشله في العودة عبر أزلام صغار وأعمال ترهيب. ولعل من الفطنة قراءة ديناميكية هذا المجاز وعدم التوقف عند مستواه الأول؛ بالتأكيد كان أرأف بحال اللبنانيين لو أنه توقّف عند المعنى المباشر؛ لو لم يكن هناك مَن يستثمر في عنجر التي وراء الحدود.

المدن

————————

العقوبات الاميركية على نظام الأسد: فجوة كبيرة تحيد كبار الضباط

سلط “المجلس الأطلسي” الضوء على فجوة كبيرة في نظام العقوبات الأميركية والأوروبية التي تستهدف النظام السوري، موضحاً أنها لا تواكب التغييرات لضباط الأمن والجيش، فضلاً عن انتظار الدول الغربية لسنوات قبل فرض عقوبات على مرتكبي الجرائم في النظام.

وقالت المؤسسة البحثية ومقرها الولايات المتحدة في تقرير، إن العقوبات الغربية لم توقف انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام وكذلك لم تدفع رئيسه بشار الأسد إلى الالتزام الجاد بالحل السياسي، مضيفةً أن عدم فعالية نهج العقوبات شجّع الدول العربية على التطبيع مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية.

ولفتت إلى أن نظام الأسد يريد الهروب من “جرائمه”، بالاعتماد على قانون التقادم، وذلك عبر إدخال شخصيات أمنية وعسكرية تتعهد له بالولاء المطلق، كما يحاول استغلال الزلزال الذي أودى بحياة 56 ألف شخص، بزعمه أن العقوبات تعرقل وصول المساعدات الإنسانية.

وقال التقرير إن المؤسسة حصلت على وثيقة سرية عن التعيينات والترقيات في بداية 2023، والتي يصدرها الأسد مع بداية ومنتصف كل عام، موضحةً أن الوثيقة تضم أسماء 30 ضابطاً من الجيش والمخابرات في مناصب قيادية، لكن اثنين فقط من هذه الأسماء وهما اللواءان سهيل الحسن وصالح العبد الله، مدرجان على قوائم عقوبات الدول الغربية.

واعتبرت أن ذلك يشير إلى وجود “فجوة” في نظام العقوبات، حيث إنه “لا يواكب الواقع المتغير للأفراد في النظام”، مؤكدةً وجود أمثلة كثيرة منها تعيين الأسد اللواء علي عبد الكريم إبراهيم رئيساً للأركان العامة، وهو منصب ظل شاغراً منذ بداية عام 2018، واللواء علي محمود عباس وزيراً للدفاع، بينما لم يتم إدراج أي منهما في أي قوائم عقوبات غربية.

ولفتت إلى أنه حتى مع إصدار عقوبات ضد بعض الشخصيات والأفراد، فإن الأمر يستغرق سنوات بعد ارتكاب جرائهم، إذ انتظرت الولايات المتحدة حتى 2022، لإدراج 3 شخصيات متورطة في هجوم الغوطة الكيماوي عام 2013، وكذلك انتظرت حتى 2023، حتى تفرض عقوبات على مرتكب مجزرة التضامن أمجد اليوسف في 2013.

واعتبرت أن الردود المتأخرة من قبل واشنطن إشارة إلى “عدم وجود دافع من جانب الولايات المتحدة وشركائها الغربيين لمعاقبة ضباط النظام بنفس الوتيرة والحماس كما كان عليه الأمر في السابق”.

وبحسب كبير محامي الخزانة الأميركية السابق ماثيو توشباند، فإن العقوبات الأميركية لا تستغرق أكثر من 24 ساعة لفرضها، لكنه أكد أن هناك ضرورة لتلبية بعض العوامل قبل اتخاذ إي إجراء، وفي مقدمتها توفّر الإرادة السياسية، إضافة إلى جمع الأدلة التي تدين الفرد أو الكيان، لضمان استهدافه بالشكل المناسب، وعدم قدرته على الفوز بأي استئناف ضد الوكالات الأميركية.

واعتبر التقرير أنه مع دخول العقوبات حيز التنفيذ، فإنها “أثبتت بأنها لا تساعد الشعب السوري كثيراً”، إذ إن الولايات المتحدة تغلق حدودها في وجه هؤلاء وتجمد حساباتهم المصرفية، بينما في الحقيقة لا يمتلك هؤلاء حسابات مصرفية سواء في الداخل أو الخارج، كما أن قليلين منهم من يفكر بالسفر إلى لبنان، فكيف إلى أميركا.

إضافة إلى ذلك، فإن ضباط النظام يتلقون المال بالدولار والذهب وليس بالليرة السورية التي فقدت قيمتها، وذلك من خلال “ابتزاز المعتقلين وعائلاتهم، عبر شبكات مرتبطة بضباط في أجهزة الأمن والقضاء العسكري”.

—————————-

 السياسات العربية تجاه النظام السوري: الدوافع والمآلات/ عبد الوهاب عاصي

عودة الدول العربية لتفعيل دورها في سوريا قد يقود إلى إبطال مفعول قرارات الجامعة العربية عام 2011، وسيرتب تداعيات على طرفي الأزمة. إذا لم تستطع هذه العودة دفع دمشق نحو تسوية سياسية مع المعارضة لاسيما الشعبية منها، فإن المشهد سيزداد تعقيدًا بدل حله.

اتخذت جامعة الدول العربية، في 7 مايو/أيار 2023، قرارًا بإعادة مقعد سوريا للنظام السوري -بعد تجميد دام 12 عامًا- وهي التي منحت هذا المقعد للمعارضة السورية، عام 2013، قبل أن تتوقف عن تقديم الدعوة إليها في الدورات اللاحقة بسبب الانقسام العربي حولها، والذي بدا واضحًا في قمة نواكشوط، عام 2016. ولأول مرة منذ قمة سرت التي عُقدت، عام 2010، في ليبيا شارك الرئيس، بشار الأسد، نظراءه العرب في القمة العربية بدورتها 32، التي استضافتها المملكة العربية السعودية في جدة.

وقرار فك العزلة العربية عن النظام جاء نتيجة جهود خليجية متفاوتة؛ مثلما قادت دول الخليج تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، عام 2011، قادت أيضًا إعادتها عام 2023؛ فقد عقد مجلس التعاون الخليجي اجتماعًا تشاوريًّا في جدة بطلب من الرياض وبحضور مصر والأردن والعراق، لكن الاجتماع تعثر في التوصل لصيغة مشتركة حول التطبيع مع النظام؛ ما دعا إلى عقد اجتماع تشاوري آخر في عمَّان، في 1 مايو/أيار، حضره إلى جانب الأردن، مصر والعراق والسعودية ووزير خارجية النظام السوري. خلص الاجتماع إلى مجموعة من الالتزامات والتوافقات مع النظام تشمل اعتماد آلية لتفعيل الدور العربي في سوريا؛ وهو ما نصَّ عليه بوضوح قرار الجامعة العربية على المستوى الوزاري بشأن سوريا(1)، إضافة إلى قرار تشكيل لجنة اتصال وزارية عربية لمتابعة التنفيذ.

المحاولات الجدية والحثيثة لرفع التجميد عن مشاركة النظام في دورات القمة العربية بدأت منذ قمة “لم الشمل” في الجزائر عام 2022، لكن تلك الجهود لم تنجح إلا بعد تطبيع العلاقات رسميًّا بين دمشق والرياض، في 23 مارس/آذار 2023. كان هذا التغير في سياسة المملكة بمنزلة إعلان لإنهاء العزلة العربية المفروضة على النظام منذ نهاية عام 2011؛ نتيجة رفضه آنذاك الالتزام بالمبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا(2).

رغم شغل النظام مقعد سوريا مجددًا في الجامعة العربية لا تزال المواقف العربية مختلفة تجاه العلاقة معه؛ باستثناء الدول التي أعادت أو حافظت على التواصل الدبلوماسي معه مثل الإمارات وسلطنة عمان، هناك دول ترفض التطبيع الثنائي، مثل قطر والمغرب والكويت، في حين تتحفظ دول أخرى على آلية ووتيرة إنهاء العزلة عنه، مثل الأردن ومصر.

تهدف هذه الورقة إلى دراسة التغير في السياسات العربية تجاه النظام السوري ودوافعه والظروف التي أدت إلى ذلك، إضافة إلى مناقشة مصير الأزمة السورية بعد التطبيع العربي، وكذلك مستقبل الدور العربي في سوريا.

أولًا: دوافع تغير السياسات العربية تجاه النظام السوري

بدأت السياسات العربية تجاه سوريا بالتغير نهاية عام 2018، عندما أعادت الإمارات -وهي أول دولة تفعل ذلك- العلاقات الدبلوماسية مع النظام بعد انقطاع دام ست سنوات، مع العلم أن الدولتين حافظتا على قنوات التواصل الخلفية بينهما طيلة الوقت. كانت هذه الخطوة إيذانًا لإعلان دول أخرى إعادة التنسيق الدبلوماسي والاقتصادي مع النظام، مثلما فعلت الأردن، أو لكشف استمرار العلاقات كما فعلت البحرين.

تباعًا، عملت بعض الدول العربية على تبادل البعثات الدبلوماسية والبرقيات الرسمية والزيارات رفيعة المستوى مع النظام ورئيسه، وبقي مسار التطبيع بطيئًا نسبيًّا، إلى أن وقعت كارثة الزلزال في تركيا وسوريا، مطلع فبراير/شباط 2023، فقد فتحت نافذة إنسانية أسهمت في تسريع وتيرة فك العزلة العربية عن النظام السوري، ولم يبقَ سوى عدد محدود من الدول العربية لم يستأنف العلاقات القنصلية والدبلوماسية مع النظام، مثل قطر وليبيا والكويت والمغرب واليمن.

يأتي التطبيع مع النظام السوري في سياق محاولة عربية جديدة للانخراط في الأزمة السورية بعد انكفاء كبير بدأت ملامحه عقب فشل الخطة العربية للحل عام 2012؛ فقد تراجعت الجامعة العربية تدريجيًّا عن دورها المستقل في رعاية العملية السياسية لصالح الأمم المتحدة، ثم تحول الدور العربي بعد محادثات فيينا للسلام في سوريا، أواخر عام 2015، إلى رعاية المعارضة السورية سياسيًّا قبل أن تُشاركها تركيا هذه المهمة بعد تشكيل مسار أستانا، عام 2017(3).

عكست الجهود العربية الجديدة في سوريا تباينًا واختلافًا في دوافع وسياسات كل دولة، رغم اتفاقها جميعًا على ضرورة إعادة الاستقرار والتوصل لحل ينهي النزاع المستمر منذ عام 2011. على سبيل المثال، شكلت القضايا الأمنية ثم الاقتصادية دافعًا رئيسيًّا للأردن من أجل التطبيع مع النظام، بعدما باتت عمان تواجه تهديدًا متزايدًا من أنشطة “الميليشيات الإيرانية” على الحدود المشتركة مع سوريا، ومن عمليات تهريب المخدرات بشكل شبَّهته بالحرب ضدها. هناك أيضًا الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الأردن؛ حيث كان لإغلاق معبر نصيب وتوقف حركة التجارة والنقل مع سوريا خلال العقد الماضي سببًا في مفاقمتها، إضافة لأزمة اللاجئين التي لم تستطع عمَّان التأقلم معها أو تحملها في ظل ضعف موارد الدولة، وعدم كفاية الدعم المقدم من المانحين.

عملت عمَّان على التنسيق مع النظام السوري في ملفات عدة، بما يساعدها على معالجة الشواغل الأمنية والمشاكل الاقتصادية وبما “يقود لتعديل سلوكه”. ويبدو أنها عولت على دعم أميركي؛ حيث قدم الملك عبد الله الثاني عام 2021، مبادرة للحل إلى الرئيس جو بايدن. كما أنها عولت على دعم عربي عام 2023 بتقديم ذات المبادرة إلى الدول العربية في اجتماع عمان التشاوري مطلع مايو/أيار، من أجل تبنيها رسميًّا من قبل الجامعة العربية، لكن ذلك لم يحدث. تقوم المقاربة الأردنية على دفع النظام لتقديم تنازلات لابد منها والاستجابة للشروط العربية؛ بسبب حاجته للدعم الاقتصادي في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يواجهه وعجز حلفائه على تقديم المساعدة له؛ فإيران تعاني من حصار وعقوبات نتيجة أزمة برنامجها النووي وروسيا تمر بأوضاع اقتصادية متأزمة بعد حرب أوكرانيا والعقوبات الناشئة عنها.

أما تطبيع الإمارات لعلاقاتها مع النظام، فلم يكن نتيجة تحديات أمنية واقتصادية تواجهها في سوريا إنما بدافع تحقيق مصالح عدة؛ حيث تتطلع أبو ظبي على المدى القريب والمتوسط -بالتنسيق مع موسكو- لتنفيذ مشاريع إقليمية في مجال الطاقة والنقل البحري عبر الوصول إلى الموانئ السورية والاستثمار فيها، إضافة إلى الانخراط في القطاع المصرفي السوري وعمليات التمويل. وعلى المدى البعيد قد ترغب الإمارات بالحصول على عقود تنفيذ البنية التحتية وإعادة إعمار المدن السورية المدمرة، إلا أن أي استثمار حالي فيها يحمل مخاطر عالية وتكاليف مالية كبيرة لا تستطيع استردادها إلا بعد فترة زمنية بعيدة جدًّا. ولا يبدو أن الإمارات تسعى للاستفادة من عمليات التجارة والتوريد في سوريا لأن الاشتغال فيها مشروط حصرًا برفع العقوبات الغربية عن النظام(4).

بلا شك تدفع الإمارات نحو تسوية الوضع في سوريا “لصالح” النظام، الذي خلصت إلى أنه سيكون الفاعل الرئيسي في مستقبل البلاد، وبالتالي تعزيز حضورها في دمشق، وتصدير جهودها في التسوية بوصفها نجاحًا لسياستها الخارجية ولدورها المؤثر في تسوية الأزمات الدولية والإقليمية. هذا الدور لطالما شجَّعت عليه روسيا منذ مطلع عام 2017؛ من خلال إقناع أبو ظبي وبقية العواصم العربية بضرورة المساهمة في الحل عبر التطبيع مع دمشق. من جانب آخر، ربما تأمل الإمارات أن يُسهم حضورها في سوريا وبدعم من روسيا في تعزيز تأثيرها كوسيط دولي موثوق، فهي مثلًا قد توفر مساحة اتصال بين النظام وإسرائيل لاستئناف المفاوضات بين الطرفين، لاسيما أنها تمتلك علاقة متقدمة مع كليهما(5).

استأنفت السعودية أيضًا علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، وتجاوزت الشروط السابقة التي كانت وضعتها لقبول التطبيع معه، مثل تطبيق القرار 2254 (2015) وتحديد موعد لرحيل بشار الأسد ومحاسبة مجرمي الحرب. في الواقع، إن إعادة المملكة لصياغة سياستها الخارجية في سوريا كان نتيجة تبني سياسة أكثر واقعية في علاقاتها الإقليمية تقوم على تصفير المشاكل لاسيما مع إيران؛ أي بإدارة حالة التنافس معها في الإقليم بأقل الخسائر بما يشمل قضايا عديدة في مقدمتها الأزمتان، اليمنية والسورية(6)، وهو ما تجلى بالاتفاق الذي عقدته الرياض مع طهران في أبريل/نيسان 2023 برعاية بكين وموسكو أكبر منافسي واشنطن. بالتالي، عكس الاتفاق تفاقم أزمة الثقة في العلاقات الأميركية-السعودية؛ حيث بدا للأخيرة أن هناك تخليًا من الولايات المتحدة عن التزاماتها في حماية حلفائها في المنطقة، بدأ مع إدارة أوباما واستمر مع إدارة ترامب وبلغ ذروته مع إدارة بايدن(7). يخضع التطبيع السعودي مع النظام غالبًا لاعتبارات أمنية، أبرزها ضمان النأي بنفسها عن أي خطر محتمل؛ بتحول المواجهة المستمرة بين إسرائيل وإيران من شكلها غير المباشر إلى المباشر نتيجة سوء حسابات أو ردود عسكرية غير مدروسة أو مفرطة، لاسيما مع زيادة حجم ونوعية الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا منذ مطلع عام 2023(8).

إن عدم وضع الرياض شروطًا على دمشق تضمن تبديد أو تقليص نشاط وخطر “الميليشيات الإيرانية” في سوريا وتدفق المخدرات من الأخيرة إلى أراضيها، لا يعكس بالضرورة عدم أهمية تلك القضايا الأمنية بالنسبة للمملكة؛ كون تركيزها انصب على إظهار ثقلها السياسي عربيًّا بوصفها دولة قادرة على قيادة المبادرات وحل الأزمات، إضافة إلى أنها تبحث عن استقرار إقليمي يُساعدها على النمو الاقتصادي عبر عدم إبداء أي خطوة تؤثر على نجاح الاتفاق مع إيران(9).

خليجيًّا، سلطنة عُمان هي ثاني دولة عربية بعد الإمارات تعلن إعادة علاقتها مع سوريا، وتُعتبر السلطنة أيضًا الدولة الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، واكتفت بالتقليل من التواصل الثنائي غير المعلن عنه. استؤنفت العلاقة، نهاية عام 2015، بزيارة وزير الخارجية، يوسف بن علوي، إلى دمشق، وصولًا إلى اتخاذ مسقط خطوة متقدمة بعد كارثة الزلزال باستقبال بشار الأسد على أراضيها. ويبدو أن الزيارة مهدت لتطبيع العلاقات بين السعودية والنظام، بما يُفسر طبيعة سياسات السلطنة تجاه الأخير؛ أي بالحفاظ على دورها وسيطًا بين النظام ودول مجلس التعاون. وتتطلع عمان غالبًا لتعزيز هذا الدور على المستوى الإقليمي والدولي؛ عبر توفير مساحة اتصال جديدة بين الولايات المتحدة والنظام السوري لحل قضية المعتقلين الأجانب لدى الأخير، وهي مساعٍ قائمة منذ نهاية عام 2022(10).

أما سياسة مصر تجاه النظام عمومًا فلم تتغير كثيرًا، رغم أنها بدت بعد كارثة الزلزال أقل حذرًا إزاء خطوات التطبيع(11)، فهي لا تزال تصر على تطبيق القرار 2254 (2015) كآلية للحل(12)، باعتبار أن إشراك المعارضة في الحكم سيُعزز فرص الاستقرار والأمن. بمعنى أن علاقة القاهرة مع دمشق مدفوعة بحسابات أمنية أكثر منها سياسية؛ فهي تحرص على الحفاظ على مؤسسات الدولة في سوريا وتحديدًا الجيش والقوات المسلحة، لتكون مسؤولة عن تشكيل أو حماية النظام السياسي في البلاد، والوقوف في مواجهة “التدخل الخارجي” لاسيما التركي والإيراني(13).

في الواقع، لم يكن للدول العربية التي انخرطت مجددًا في سوريا بمقاربة جديدة قائمة على التطبيع مع النظام أن تتخذ هذا القرار لولا الدعم المستمر والكبير لدمشق من قبل روسيا منذ عام 2017، إضافة إلى أن موقف الولايات المتحدة تجاه التطبيع يبدو كأنه مناورة؛ فهي رفضت التطبيع من جهة، لكنها لم تتخذ خطوات دبلوماسية وقانونية تعيق تقدمه أو الانخراط العربي فيه من جهة أخرى. بل كان هناك تراخ من قبلها في تطبيق قانون قيصر بما أحدث في النهاية فجوة فيه، بعد إصدار رخصة المساعدة في جهود الإغاثة من كارثة الزلزال(14).

لم يُؤد الاختلاف أو التباين في سياسات الدول العربية بشأن العلاقة مع النظام السوري إلى تعطيل مسار التطبيع معه، ولم تتغير أيضًا مواقف كل من قطر والكويت والمغرب، وهي الدول التي لا تزال تقاطع أي توجه ثنائي لاستئناف التواصل الرسمي معه لأسباب مختلفة؛ فالدوحة مثلًا لا تزال ترفض التطبيع مع النظام السوري، وتربط تغير موقفها “بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري”(15).

ثانيًا: تداعيات الدور العربي المستجد على أطراف النزاع

إن عودة الدول العربية للانخراط في سوريا ترتب تداعيات على طرفي النزاع والأزمة؛ فالدور العربي المستجد قد يقود إلى إبطال مفعول قرارات الجامعة العربية، عام 2011، وبالفعل بدأ ذلك بإعادة مقعد سوريا للنظام، وسيكون لذلك تداعيات عدة وعلى أكثر من صعيد.

دبلوماسيًّا، كسر التطبيع العربي مع النظام العزلة العربية التي كانت مفروضة عليه؛ فحظر الطيران على المسؤولين لم يعد قائمًا والاتصالات والبرقيات والزيارات المتبادلة معه عادت من جديد، وربما يُسهم الدور العربي في مزيد من فك العزلة الدولية عليه، وهو ما يطمح النظام إليه، كإعادة العضوية له في منظمة التعاون الإسلامي، وحضوره في المؤتمرات الدولية، مثل دعوة الإمارات “الرئيس بشار الأسد” لحضور مؤتمر المناخ الذي تستضيفه نهاية عام 2023.

اقتصاديًّا، قد يؤدي التطبيع العربي مع النظام إلى مزيد من عدم التزام بعض الدول العربية بالعقوبات المفروضة عليه، بمعنى السماح له بإجراء الأنشطة التجارية على الأراضي العربية بما في ذلك للأشخاص المدرجين على القوائم الغربية، مثلما فعلت الإمارات مع رامي مخلوف ونزار الأسعد وغيرهم. لكن، في حال أقرت الولايات المتحدة قانونًا لمواجهة التطبيع أو عادت للتشديد في تطبيق قانون قيصر فإن ذلك سيحد من الآثار الاقتصادية المتوقعة للدور العربي المستجد في سوريا، إلا إن تم ربط العقوبات بتحقيق تقدم بالعملية السياسية سواءً كان عبر نهج الخطوة مقابل خطوة أو غيره، لأن ذلك يمنح الجهود العربية فرصة لاحتواء النظام وتعديل سلوكه.

عسكريًّا، رغم تأكيد البيانات العربية التشاورية والرسمية على ضرورة “مكافحة الإرهاب” وإنهاء وجود الميليشيات وخروج القوات الأجنبية غير الشرعية من سوريا، إلا أن معظم الدول العربية غير قادرة على تحقيق ذلك لأنه سيضعها في مواجهة عدة قوى إقليمية ودولية، وهي غير مستعدة لأي تصعيد إقليمي، خاصة في هذا الوقت الذي تتجه فيه نحو التهدئة. وعدم قدرة الدور العربي على معالجة القضايا الأمنية في سوريا لا يمنع أن بعض الدول وتحديدًا الأردن، قد تتخذ خطوات عسكرية منفردة في سوريا لمواجهة تهديد المخدرات و”الميليشيات” التي ترعى عمليات التهريب عبر الحدود، لاسيما أن المملكة قامت في مايو/أيار 2023، ولأول مرة منذ عام 2011 باستخدام الطيران الحربي لقصف أهداف داخل سوريا في سياق مكافحة المخدرات.

من جانب آخر، إن بطء أو تعثر الدور العربي في ضبط الدور الأمني للنظام السوري سيشجع هذا الأخير على تعزيز سلطته تحت غطاء عمليات التسوية المحلية؛ مستفيدًا من الشرعية التي اكتسبها من التطبيع، و”بدعوى السيادة” ستتم ملاحقة المطلوبين والفارين عن الخدمة العسكرية ومصادرة الأسلحة التي لا تزال بحوزة المجتمع المحلي. وتُعتبر أرياف حماة وحمص ودرعا وجهة رئيسية بالنسبة للنظام لإجراء مثل هذه العمليات فيها، والتي من شأن تنفيذها أن يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والاضطراب(16).

سياسيًّا، إن أي دعم عربي للجهود المبذولة في “استئناف أعمال اللجنة الدستورية في سياق المصالحة الوطنية الشاملة في سوريا”، مثلما جاء في بيان قمة جدة، يثير أسئلة وربما شكوكًا لدى المعارضة، وقد ترى في ذلك “اختزالًا للعملية السياسية”. لأن القرارات الأممية تتعلق بتسوية لها شروط وثيقة الصلة “بحقوق أساسية” للشعب السوري، تطالب بها المعارضة. أما “المصالحة الوطنية” فلها سياق ومضمون لطالما دعا وعمل النظام وحلفاؤه لتحقيقه منذ عام 2011، ويعني العودة إلى كنف النظام مع بقاء الحكم على ما هو عليه ومنح النظام فرصة لتحقيق النصر. لذا فأي دعم عربي سياسي للمصالحة في سوريا وفق هذا المعنى ولا يأخذ مطالب المعارضة السورية بالاعتبار، سيزيد من تعقيد المشهد السياسي السوري بدل حله. بالمقابل، إن استناد الدور العربي إلى قرار مجلس الأمن 2254 في تطبيق الحل السياسي سيحول دون اختزال العملية السياسية بـ”مصالحة وطنية”؛ لأنه يجعل من استئناف أعمال اللجنة الدستورية موافقًا للولاية المنصوص عليها في الأمم المتحدة، والغاية التي من أجلها أنشئت اللجنة، أي إجراء تعديل دستوري أو صياغة دستور جديد(17).

ثالثًا: مستقبل الدور العربي المستجد في سوريا

بموجب ما انتهت إليه اجتماعات عمَّان وجدة التشاورية، وما نصت عليه قرارات الجامعة العربية، يُفترض أن يشمل الدور العربي الجديد في سوريا عبر الانخراط مع النظام معالجة القضايا الأمنية مثل “مكافحة الإرهاب” وتهريب المخدرات، والقضايا الإنسانية كتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وعودة اللاجئين، والقضايا السياسية مثل مباحثات اللجنة الدستورية.

ولمعالجة تلك القضايا، يواجه الدور العربي في سوريا العديد من الصعوبات والتحديات، بعضها مرتبط بالاختلاف العربي-العربي حول آلية الانخراط مع النظام، وبعضها الآخر مرتبط بالموقف الغربي، إضافة إلى مدى تأثير موقف واستجابة النظام لهذا الدور الجديد.

عربيًّا، هناك تفاوت في الأولويات بين كل من السعودية والإمارات ودول أخرى من طرف، والأردن ومصر وغيرهما من طرف آخر؛ حيث يعتبر الطرف الثاني أن نهج الخطوة مقابل خطوة والقرار 2254 (2015) هما الآلية التي تضمن تحقيق جدوى وقيادة للجهود العربية في الحل، مثلما يُشير إلى ذلك بيان عمان ونص المبادرة الأردنية. في حين يبدو أن الطرف الأول يتعامل مع تلك الآلية باهتمام أقل في الفترة الحالية على الأقل؛ مع العلم أنه قد خلا منها بيان جدة.

إن تطبيق الأردن لمبادرته في سوريا؛ يساعد الرياض على الحد من مخاطر المخدرات والإرهاب هناك، والاستمرار في تعزيز العلاقة مع عمان وواشنطن، فضلًا عن تحقيق السعودية لأهدافها الرئيسية من التطبيع. أما استمرار المبادرة العربية تجاه سوريا دون تفعيل مبادرة عمان، فمن شأنه توسعة شُقَّة الخلاف في المواقف العربية وبالتالي سيحد من فاعلية الدور العربي الجديد في سوريا. إن استمرار الخلافات العربية بشأن سوريا حتمًا سينعكس سلبًا على إمكانية تنسيق الجهود العربية ضمن مبادرة واحدة بخطة عمل واضحة، فضلًا عن احتمال تعطيل أو تأجيل قرار تشكيل لجنة الاتصال الوزارية التي أوصى قرار الجامعة العربية، في 7 مايو/أيار 2023 بها، والمنوط بها التواصل مع النظام وتطبيق نهج الخطوة مقابل خطوة بما ينسجم مع القرار 2254.

غربيًّا، لا يوجد أي تغيير في شروط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول قضايا التطبيع والعقوبات وإعادة الإعمار؛ حيث ترفض تلك الدول الانخراط فيها ما لم يُشارك النظام بشكل حقيقي في الحل السياسي. بالمقابل، هناك دعم لنهج الخطوة مقابل خطوة، وقد يُساعد ذلك دولًا مثل الأردن ومصر على تنسيق الجهود العربية ثم تسويقها لدى الغرب الذي قد يوافق على هذا الدور، لاسيما إذا ما وُضعت خريطة طريق واضحة تقود إلى إحراز تقدم في عملية بناء الثقة -التي لطالما دعت إليها الأمم المتحدة- واستئناف العملية السياسية على أن تتضمن موافقة حقيقية من النظام على المشاركة في البحث عن تسوية.

وسوريًّا، يبقى أمام الجهود العربية عائق كبير متعلق بجدية أو قدرة النظام على الاستجابة لأي خطة أو مبادرة أو دور محتمل. فهو مقيد بنفوذ وسياسات حلفائه -روسيا وإيران- بما يجعله غير قادر أو مستعد لتطبيق القرار 2254، بل يرى -أي النظام- أنه أساسًا التزم بالقرار إياه منذ إجراء الانتخابات السورية عام 2021(18). وبما يخص نهج الخطوة مقابل خطوة يحاول النظام غالبًا الالتفاف عليه بإجراءات شكلية لا تقود إلى معالجة القضايا الإنسانية، مثل إصدار مراسيم عفو جديدة لا يكون لها أثر قانوني ولا تُسهم في خلق بيئة ملائمة لعودة اللاجئين(19)، ولا تسهم في إطلاق سراح المعتقلين أو الكشف عن مصير المفقودين(20).

إن أمام الدور العربي في سوريا تحديات وصعوبات بالغة، والتعويل على إحراز أي تقدم مرهون بتحقيق اختراقات سواء في علاقة النظام مع العرب عمومًا، أو في علاقاته الثنائية (دولة مع دولة) وعلى المدى المتوسط والبعيد. وقد تقتصر الجهود العربية في المرحلة الأولى على محاولة تنسيق مبادرة موحدة أو خطة عمل مشتركة إضافة لإقناع الغرب بها وحث روسيا على الضغط على النظام من أجل الامتثال لها. وأي موافقة لدمشق على أي مبادرة ليس بالضرورة أن تعني إحراز تقدم حقيقي، بل قد تعني المزيد من السعي لكسب الوقت بهدف تحقيق المزيد من المكاسب السياسية.

عمومًا، إن أي تراجع محتمل للدور العربي في سوريا؛ بفعل أي عوائق يواجهها، لن يؤثر سلبًا على استمرار وتعزيز مسار العلاقات الثنائية العربية والمبادرات متعددة الأطراف مع النظام، وهو ما قد يُعول عليه الأخير من ناحية الجدوى أكثر من مسار التقارب الجماعي الذي يفرض عليه قيودًا وضغوطًا قد لا يكون قادرًا أو مستعدًا للخضوع لها؛ حيث سيلجأ النظام لاستعمال النجاحات المحققة على مستوى العلاقات الثنائية والمبادرات متعددة الأطراف، لاسيما مع دول الخليج، لتعزيز وضعه في مسارات أخرى، مثل مسار أستانا وغيره، والذي يتم التعامل معه فيها كطرف مثل بقية أطراف الأزمة ويشترط للاعتراف به أن يقبل بتقاسم السلطة مع المعارضة وتقديم تنازلات داخلية وخارجية(21).

خلاصة

لا شك أن التراجع التدريجي للدور العربي في سوريا بعد عام 2011 كان لصالح تقدم أدوار فاعلين آخرين مثل روسيا وإيران وتركيا. ومثلما كان ذلك التراجع نتيجة الظروف الدولية والإقليمية أكثر من الذاتية فإن عودة الانخراط العربي في سوريا بعد عام 2018 هو أيضًا لذات الأسباب، ويهدف لاستدراك مصالح وتبديد مخاوف الدول العربية الأمنية والاقتصادية. وبخلاف الدور السابق يبدو الدور المستجد مفتقدًا إلى خطة عمل ومبادرة مشتركة بسبب التفاوت في السياسات والأهداف، ومن شأن ذلك أن يُضعف فرص وجود قيادة عربية مساهمة في الحل السياسي، إلا في حال تبلور الدور العربي تباعًا وانسجامه مع دور الأمم المتحدة في سوريا.

بالنتيجة، لن تؤدي السياسات العربية تجاه النظام إلى تغيير حالة الجمود في سورية سياسيًّا أو عسكريًّا على المدى القريب، ومن غير الواضح إن كانت هناك فرصة لتحول الجهود العربية إلى سياسة احتواء للنظام منسقة مع الولايات المتحدة بما يقود إلى تعديل سلوكه. وانشغال روسيا في حرب أوكرانيا قد لا يدفعها للحرص على تحقيق الجدوى من التطبيع التي تهدف إليها دول عربية، إنما قد تترك المجال مفتوحًا أمام الفاعلين في هذا المسار لإدارة الخلافات والتناقضات دون الوصول إلى تسوية.

نبذة عن الكاتب

عبد الوهاب عاصي

باحث رئيسي في مركز جسور للدراسات، مختص في الشأن السوري، تُغطي اهتماماته البحثية سياسات وتفاعلات القوى المحلية والدولية في سوريا. له مساهمات وبحوث عدة، منها: “تنظيم داعش في سوريا: عودة الظهور والمستقبل المتوقع”، و”تحولات المواقف العربية والإقليمية إزاء النزاع في سوريا”، و”مُستقبَل القوات الأجنبية في سوريا”، و”نماذج اندماج فصائل المعارضة المسلحة مع القوات الرسمية في سوريا”.

مراجع

    القرار رقم 8914 الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بشأن تطورات الوضع في سوريا، القاهرة، 7 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/oJTR2

    “المبادرة العربية لحل الأزمة السورية”، الجزيرة نت، 6 سبتمبر/أيلول 2011، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/gn4P4

    مقابلة خاصة عبر الهاتف مع رياض الحسن. باحث في مركز جسور للدراسات محلل في الشؤون السياسية، (20 مايو/أيار 2023).

    مقابلة خاصة مع خالد تركاوي، باحث في مركز جسور للدراسات مختص في الشؤون الاقتصادية، (12 أبريل/نيسان 2023).

    مقابلة عبر الهاتف مع طه عبد الواحد، صحفي سوري مختص في الشؤون العربية-الروسية، (18 مايو/أيار 2023).

    فاطمة الصمادي، “بين طهران والرياض: حلحلة وحلول أم إدارة للتنافس والصراع؟”، مركز الجزيرة للدراسات، 14 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/UH7jP

    “خلفيات عودة سوريا إلى الجامعة العربية وانعكاساتها الإقليمية”، مركز الجزيرة للدراسات، 25 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/vTBd2

    محمود البازي، “سوريا: ساحة صراع ومساحة ردع متقدم بين إيران وإسرائيل”، مركز الجزيرة للدراسات، 3 مايو/ أيار 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/v99a0

    مقابلة عبر الهاتف مع بسام بربندي، دبلوماسي سوري سابق وأحد المعارضين البارزين للنظام السوري، (20 مايو/أيار 2023).

    Washington turns to Oman to mediate in US hostage talks in Syria, Intelligence Online, 25 Nov 2022: https://cutt.us/OflGk

    “خبراء يعلقون لـRT على اتصال السيسي ببشار الأسد لأول مرة منذ توليه رئاسة مصر”، روسيا اليوم، 7 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/eL3fi

    “شكري يؤكد للمبعوث الأممي لدى سوريا ضرورة حل الأزمة السورية وفق القرار 2254″، اليوم السابع، 14 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/7h2Nz

    عبـد الحليـم قنديـل، “دور مصـر في سـورية”. القـدس العربي، 22 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/S7e3s

     “12 Years of Terror: Assad’s War Crimes and U.S. Policy for Seeking Accountability in Syria”, foreign affairs committee, 18 April 2023: https://cutt.us/OOC9B

    المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية: موقف دولة قطر من التطبيع مع النظام السوري لم يتغير، الشرق القطرية، 7 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/AJRZ5

    حايد حايد، “النظام السوري يستغل مطالب الإصلاح الإقليمي لتوسيع سلطته”، المجلة، 25 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/e3pfe

    مقابلة خاصة عبر الهاتف مع رياض الحسن، (26 مايو/أيار 2023).

    “المقداد: الوضع العربي واعد على صعيد تعميق العلاقات العربية، ولقاءات جدة كانت على مستوى الطموحات”، سانا، 21 مايو/أيار، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/4EW3n

    “النظام السوري يُصدر مرسوم عفو ثالثًا عن الجرائم عام 2022.. لماذا؟”، مركز جسور للدراسات، 21 ديسمبر/كانون الأول 2022، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/exhuO

    فراس فحام، “نهج وسلوك النظام السوري إزاء قضية المعتقلين”، مركز جسور للدراسات، 18 مايو/أيار 2022، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/pJHz8

    شفيق شقير والحواس تقية، “البوابة الخليجية: مدخل الأسد لفك العزلة الخارجية”، مركز الجزيرة للدراسات، 2 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2023): https://cutt.us/tBdd9

مسار إفلاس الدول: ربع دول العالم مهدد بالإفلاس (2 من 2)

————————————

أسئلة السّياسة التّركية في المسألة السّورية/ ماجد كيالي

هيمن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على السياسة التركية وطبعها بطابعه في حقبة مديدة (منذ عام 2002)، كرئيس للوزراء وكرئيس للدولة، وهي حقبة شهدت عدداً من التحولات، إن على الصعيد الداخلي في السياسات التي انتهجها، وضمنها التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، أو على الصعيد الخارجي، الإقليمي والدولي، في ما يخص تموضع تركيا، وخياراتها المتقلبة، إزاء مختلف الأطراف والقضايا.

وبغضّ النظر عن الموقف من السياسات التي انتهجها أردوغان، تأييداً أو رفضاً، فإن من الصعب تحديد منظور الخيارات التي اتخذها، في عدد من القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما منها المسألة السورية، فهل يتم التعاطي معها من منظور مثالي، أم متخيّل، يتعلق بطموحاته، أم خلفيته الفكرية، أم نظرته إلى دور تركيا في التاريخ، وفي العالم؟ أم من منظور سعيه إلى الحفاظ على استقرار تركيا ومصالحها الخاصة؟ أم من منظور محاولته تعزيز مكانة تركيا الإقليمية، وتموضعها على الصعيد الدولي، بين الأقطاب الفاعلين، أو المؤثرين الآخرين؟

ولعل أكثر ما يهمنا هنا هو السؤال عن تموضع تركيا، في الحقبة الأردوغانية، إزاء الصراع السوري، أو إزاء المسألة السورية (منذ عام 2011)، بكل تحولاته، من العلاقة الخاصة مع النظام، إلى الدعم المطلق للمعارضة، مروراً بالانخراط في تحالف أستانة مع شريكي النظام (إيران وروسيا)، وصولاً إلى المرحلة الحالية المتمثلة باستعداده لإيجاد مقاربات سياسية للانفتاح على النظام، بالتساوق مع سعيه إلى “تصفير المشكلات”، مع كل الأطراف.

من جانب آخر، وبغض النظر عن رأينا في السياسات التركية، فإن تركيا، مع أردوغان أو مع غيره، هي أهم وأقوى دولة، في الشرق الأوسط، من حيث المساحة والقوة البشرية والاقتصادية والعسكرية. وهي بالنسبة إلى سوريا، أهم دولة جوار، مع حدود طويلة جداً، ومع تأثير كبير من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، وهي منبع نهر الفرات أطول وأكبر مجرى مائي في سوريا، ثم بحكم ثقل العلاقات التاريخية.

هكذا، فقد اتسمت العلاقة التركية ـ السورية، في بداية عهد أردوغان، في عشريته الأولى (2002 ـ 2011)، بروح الصداقة والتعاون وتبادل المنافع، في كل المجالات. لكن في العشرية الثانية، أي منذ 2011، تم الانقلاب على السياسات السابقة، بالانتقال إلى مرحلة العداء المتبادل، نتيجة دعم تركيا للمعارضة السورية، بمكوّناتها السياسية والعسكرية والخدمية، بعدما باتت بمثابة الحاضنة الأساسية للمعارضة “الرسمية”، ولفصائلها المسلحة، وتالياً الدولة المتحكّمة في مساراتهما، ويأتي ضمن ذلك احتضانها، أو دعمها، لمساري العسكرة والأسلمة، على كل الصعد: أي الخطابات والكيانات وأشكال العمل، إلى الحد الذي يمكن التساؤل معه عن حدود أو عن مصير المسارين المذكورين من دون دعم تركيا.

في تلك المرحلة، لم يكن تأثير تركيا نابعاً فقط من ثقل تأثيرها في المعارضة السورية، لأسباب مختلفة، إذ إن ذلك التأثير ازداد كثيراً بسبب احتضان تركيا ملايين اللاجئين السوريين، أيضاً، ثم من هيمنتها، مع فصائل المعارضة الموالية لها، على الشمال السوري.

قد يرى البعض أن تركيا تصرّفت في سياساتها إزاء الصراع السوري، آنذاك، بوصفها دولة إقليمية كبيرة في المنطقة، ووفقاً لمصالحها، السياسية والاقتصادية والأمنية، الآنية والمستقبلية، وبحسب رؤية الحزب الحاكم لتلك المصالح، إلا أن تلك الرؤية، يفترض أن تأخذ في حساباتها أيضاً أن الدول لا تتصرف بوصفها جمعيات خيرية، أو منظمات حقوق إنسان، وأن مصالح الدول تختلف عن مصالح الثورات، وأن مصلحة نظام معين تتعلق بإقليمه وشعبه أساساً، وليس بشعب آخر، بل إن من مصلحة أي دولة استثمار أي أوراق خارجية لتعظيم دورها، وتعزيز مكانتها، قبل أي شيء آخر، وهذا هو المدخل الطبيعي لفهم السياسة التركية، بعيداً من التقديس والمبالغات المضرة التي لا تفيد تركيا، ولا شعبها، ولا سوريا ولا شعبها.

في مرحلة ثالثة، أي بعد الانتقال من الصداقة إلى العداء، شهدت السياسة التركية إزاء الصراع السوري تحولاً سياسياً، أو نقلة جديدة في تموضعها، بإقامة تحالف أستانا (مع إيران وروسيا، 2017)، وباتت سياستها في سوريا تتركز في التخفف من تدفقات اللاجئين السوريين، وإيجاد منطقة حدودية أمنية عازلة في شمال سوريا على امتداد حدودها، بعمق 15 كم، وأيضاً تبرير ذلك بحماية أمنها القومي ضد قوات الـ”بـي كي كي” (حزب العمال الكردستاني في تركيا)، وامتداداته السورية المتمثلة بقوات “قسد” (التابعة لحزب بي واي دي أو حزب الاتحاد الوطني الكردي في سوريا)، اللذين تصنفهما كجماعات إرهابية، مع عملها على تهدئة الصراع في مختلف مناطق سوريا، وفق مبدأ “المناطق المنخفضة التصعيد”، الذي تم التوافق عليه بين دول تحالف أستانا.

والمؤسف، سياسياً وأخلاقياً، أن هذه المرحلة اتسمت أيضاً بتوظيف تركيا للاجئين السوريين في سعيها إلى الضغط على أوروبا، لأسباب سياسية واقتصادية.

الآن، وفي عهد أردوغان الجديد، نحن إزاء مرحلة رابعة، وهي بدأت منذ أكثر من عام، وأتت ضمنها استعادة علاقة تركيا مع إسرائيل، ومع عديد من الدول العربية، وضمن ذلك أتت محاولة الانفتاح على سوريا، بعقد اجتماعات على مستوى وزيري الخارجية، ومسؤولين أمنيين، ولكنها لم تتوج حتى الآن بلقاء بين الرئيسين التركي والسوري.

تأسيساً على ما تقدم، ثمة أسئلة كثيرة تستحقها السياسة التركية، في الحقبة الأردوغانية، في تحولاتها، أو تقلباتها، إزاء الصراع السوري، لعل أهمها:

أولاً، ما هو الصحيح لتركيا، وللشعب السوري، هل الموقف الذي اتخذته تركيا في دعمها المعارضة السورية هو الصحيح، أم الموقف الحالي؟

ثانياً، هل دعم تركيا للمعارضة السورية، بالشكل الذي تم فيه، وضمنه التشجيع على عسكرتها، وأسلمتها، أفاد الحراكات الشعبية المطالبة بالتغيير أم أضر به؟

ثالثاً، ما المغزى من إقامة تحالف أستانة، ومساره التفاوضي (2017)، مع إيران وروسيا؟ وهل كان ذلك لمصلحة الشعب السوري؟ أو هل كان ذلك لمصلحة تركيا؟

رابعاً، ألم تسهم الطريقة التركية في التعامل مع الشعب الكردي بتعميق الجرح الكردي ـ العربي، بما أضر بوحدة الشعب السوري، وحتى بعلاقة تركيا بالأكراد في تركيا؟

على أي حال، من الصعب التكهن بطبيعة السياسات التي سينتهجها الرئيس أردوغان مستقبلاً، بناءً على ما شهدناه في التجربة الماضية، في تحولاتها وتقلباتها، سواء في ما يتعلق بسوريا، أو بغيرها، إقليمياً ودولياً، لا سيما في عالم بات يعج بالاضطرابات.

نقلا عن النهار

————————–

تنازلات سورية-إيرانية أمنية لا سياسية/ محمد فواز

خرج الأستاذ مشاري المطيري العامل في الخطوط الجوية السعودية من أحد مطاعم “البيال” في بيروت بشكل طبيعي قبل أن يفقد التواصل معه بشكل كامل. تسارعت التحقيقات لتكشف ملابسات الحادثة بوقت قياسي. تبين أن الخاطف هو علي زعيتر، تاجر المخدرات المعروف بـ “أبي سلة”، ويعاونه في العملية 7 أفراد من عصابته. أما خلفيات الحادثة بحسب الأجهزة الأمنية فمالية. فقد تواصلت هذه المجموعة مع ذوي المطيري وطلبوا منهم فدية 400 ألف دولار لإطلاق سراحه.

مع الأسف فإن مثل هذه الأحداث اعتيادية في لبنان على إثر الانفلات الأمني والمعيشي الحاصل، ولكن المفارقة هذه المرة أن المخطوف سعودي الجنسية، واللحظة لحظة تقارب على صعيد مختلف قوى المنطقة ولبنان يسعى جاهدا لتحسين العلاقة المتذبذبة مع القيادة السعودية، وهو ما جعل الدولة اللبنانية تستنفر بشكل كامل تقريبا وتكشف ملابسات الحادثة وتحرر المخطوف بشكل سريع.

التعاون في وجه العبث الأمني

تعاطي الدولة اللبنانية لم يكن وحده البارز في الملف بل كان تعاطي حزب الله والنظام السوري لافتاً كذلك، فعصابة “أبي سلة” تتمركز بين سوريا ولبنان وسرعان ما تم نقل المطيري إلى سوريا على اعتبار أنه سيكون من الأسهل إخفاؤه هناك.

تدخل حزب الله بقوة دبلوماسية، كما ظهرت اندفاعة سورية وتنسيق عالي المستوى مع النظام والأجهزة الأمنية المختلفة لتحرير المخطوف. تبنى الجانب السوري القضية وتحرك لحلها وطي الصفحة وهو ما كان مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخاطفين محسوبون على محور المقاومة وتربطهم علاقات تجارية مع النظام السوري.

في وقت سابق كذلك شنت قوات الأسد حملات متعددة على تجار المخدرات والمهربين بعيد التقارب السعودي-السوري لكون تهريب المخدرات من سوريا ولبنان إلى السعودية يشكل أحد أبرز التحديات للمملكة.

التمييز بين الأمني والسياسي

يعتقد البعض أن هذه التصرفات تظهر انصياعاً من قبل سوريا وحزب الله لرغبات المملكة وأن المملكة حققت ما تريد بشكل كامل من خلال التقارب مع الأسد. لكن وعلى المقلب الآخر، لم يقدم الأسد تنازلات سياسية مسبقة للتفاوض معه بل إن إيران نفسها رحبت واندفعت للتقارب بينه وبين العرب. فكيف نفهم مختلف التصرفات السورية الإيرانية وهل هي متناقضة؟

من الضروري التمييز بين ملفات النظام السوري السياسية والاقتصادية المعيشية. فالنظام السوري يدرك جيدا أن إيران وقفت معه في أشد أزماته وقبل غيرها وبموقفها هذا ثبتته ولولا إيران وحزب الله لما دخلت من بعدهما روسيا على الخط وأنقذت آل الأسد ودعّمت حكمهم. في كل تلك الفترة كانت السعودية وغالبية الدول العربية مواجهة للأسد واليوم تتقارب معه لمصالح سياسية معروفة تختلف جذريا عن الترابط العضوي الذي تشكل بين الأسد وإيران. عليه، لا يمكن للأسد أن يفضل سياسيا السعودية على إيران مهما قدمت له فما لم يقدمه الأسد تحت القصف لن يقدمه بالتأكيد في الرخاء.

على المقلب الآخر، فإن الأسد بحاجة ماسة للعودة للحضن العربي ومنه لساحة الدولة كما يحتاج لاستثمارات إعادة الإعمار.

استراتيجية الأسد

كما في كل ملفات السياسة فإن المكاسب تحتاج لتقديم تنازلات، فالمساحة التي يمكن أن يقدم فيها الأسد ولا تضر مصلحة إيران لها عنوانان وهما التعاون الأمني-المالي ومحاولة التشارك في مهاجمة منافس مشترك. أما بالنسبة للثانية فتوضحت من خلال مهاجمة الأسد لتركيا بشدة في القمة العربية الأخيرة وهي رسالة للمملكة بأنه من الممكن التعاون في وجه أردوغان ولو أن المملكة تحاول تهدئة كل الجبهات مؤخراً وتصفير المشكلات فإن عدم تفضيلها للقيادة التركية الحالية لن يتغير.

أما العنوان الأول وهو الأمني-المالي فلا يخفى على أحد حاجة سوريا للدعم المالي الكبير وهي التي تستفيد اليوم بشكل أكبر من تجارة المخدرات التي تحولت لمورد مالي أساسي للدولة نفسها. هذه التجارة الرابحة أزعجت الخليج العربي وأصبح من أولى أولوياته وضع حد لها كونه المستهدف الأبرز للتصدير.

بالنسبة للنظام السوري فهو منفتح على تقويض تجارة المخدرات إذا تأمن له مورد مالي موازن وهي صفقة لا تؤثر على النفوذ الإيراني وتهم السعودية في الوقت نفسه، وبالتالي لا مانع من الغوص فيها بعمق. لذلك رأينا ضرب عدد من تجار المخدرات في سوريا مقابل دعم سعودي للمجال الزراعي السوري.

على الرغم من أن ملف المخدرات أحد الملفات المهمة للمملكة إلا أن الطموح السعودي الأول يمكن في فصل الأسد عن إيران وهو ما يبدو بعيد المنال أو مستحيلاً إذا صح التعبير. لذلك تحاول سوريا وإيران إرضاء السعودية بعمليات ضرب تجارة المخدرات وبتصفير المشكلات الأمنية معها وهو ما بدا واضحا في كيفية التعاطي مع عملية الخطف الأخيرة حيث سارعت الأجهزة الأمنية في سوريا وحزب الله لإنهاء الموضوع سريعا كون المجال هذا من المجالات القليلة التي تستطيع فيها سوريا التهدئة مع السعودية.

ماذا بعد؟

استشرافا للمستقبل فإن التعاون السعودي-السوري سيتركز في الفترة المقبلة على الجانب الأمني وسيكون هناك محاولات لنقله للجانب السياسي ليفتح المجال نحو حل لسوريا والمنطقة. إلا أن هذه المهمة ستكون أصعب بكثير من الأولى لأن اللاعبين سيكونون كثراً والمصالح ستكون متضاربة خاصة أن الجانب الأميركي حتى اللحظة لا يبدو متشجعا لإعادة تأهيل الأسد، وملف اللاجئين، ونفوذ مختلف القوى في سوريا ورفض أي منها التخلي عن موقعها ومكتسباتها لن يكون من السهل التعامل معها. كذلك تبرز أسئلة إضافية وهي هل ستنتظر ملفات المنطقة، كالأزمة اللبنانية التي تعتبر أقل أهمية من سوريا، هل ستنتظر لما بعد التوافقات الإقليمية والدولية وانعكاساتها في سوريا مع العلم بأنها لا تتحمل مثل هذا التأخر؟ حتى ذلك الوقت ستحاول المملكة تحقيق قدر من المكتسبات من العلاقة مع إيران وسوريا والتي لن تصل للمأمول على الأرجح.

—————————-

هل هناك أي دور لجامعة الدول العربية في سوريا؟/ رضوان زيادة

بدعوة الأسد لحضور القمة العربية في جدة وإعادة تأهيل الأسد تكون الجامعة قد اعتقدت أنها طوت آخر صفحة في الربيع العربي، حيث انتهت تونس إلى دكتاتورية مع قيس سعيد ودخلت السودان في نفق مظلم من الحرب الأهلية المتصارعة التي لا تعرف لها نهاية.

أما عند الحديث عن دور جامعة الدول العربية في سوريا، فلا نجد دورها مختلفا عن دورها في كثير من الأزمات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، فمع بداية الثورة السورية وتصاعد حجم العنف من قبل النظام السوري ضد المتظاهرين السلميين تحركت الجامعة في سبتمبر 2011 وقررت إرسال بعثة تقصي حقائق إلى سوريا بقيادة الجنرال السوداني الدابي، تعرضت البعثة لكثير من الانتقادات بسبب غياب مهنيتها وضعف التقرير النهائي الذي قدمته مما زاد انقسام الجامعة حول الدور الذي يجب أن تلعبه حينها في الأزمة السورية، ويمكن القول حينها إن الجامعة لعبت دورا نشطا سيخمد نهائيا بعد فترة مع استمرار الأزمة وتصاعد حدتها.

حيث استمر نظام الأسد باستخدام العنف ضد المتظاهرين العزل فقررت الجامعة تجميد نشاط النظام السوري ضمن مؤسسات الجامعة وذلك تحت ضغط تأثير دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت حينها تعمل تحت تأثير صوت موحد من أجل الدفع بدور أكبر للجامعة في الأزمة السورية، وبفعالية كبيرة حينها من رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية حمد بن جاسم.

ثم قررت الجامعة تسمية المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي كمبعوث مشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة، ومع استقالته في عام 2012 انتهى دور الجامعة تقريبا، حيث تصاعد الدور الدولي مع استخدام روسيا لحق النقض الفيتو وعدم فعالية الولايات المتحدة في إدارة الأزمة مما حيد وهمش دور جامعة الدول العربية نهائيا، قبل أن تنكفئ كليا وتقرر الانسحاب تماما من الملف السوري حيث لا بيانات تصدر ولا دبلوماسية سياسية أو مواقف معلنة رغم تصاعد الأزمة الإنسانية والسياسية في سوريا لمستويات غير مسبوقة في عام 2015.

باختصار، بالرغم من الحركة الدبلوماسية النشطة التي لعبتها الجامعة في بداية الأزمة السورية، فإنها صمتت وماتت نهائيا ولم يعد لها أي تأثير، ومع انقسام الجامعة بشكل كبير مع انقسام مجلس التعاون الخليجي بعد فرض الحصار على قطر في عام 2017 يمكن القول إن الجامعة أصيبت بالشلل المطلق، ولم تصحُ من سباتها إلا في عام 2019 بعد تعيين أمين عام جديد هو وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط الذي ربط مسار الجامعة كليا بموقف وزارة الخارجية المصرية، ولذلك بدأت الجامعة بإصدار بيانات تدين التدخل التركي في سوريا وتتناسى التدخلات الإيرانية والروسية ووجود قواتهما على الأراضي السوري فضلا عن وجود القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا.

وهو ما دفع المعارضة السورية لانتقاد بياناتها باستمرار وبنفس الوقت وصلت الجامعة إلى خلاصة أن دورها في الأزمة السورية سيبقى محدودا إن لم نقل أنه معدوم بالمطلق فقررت الصمت وهو ما كتب فصلا جديدا من فصول موت المؤسسة الإقليمية العربية الأقدم في العالم.

لكن ومع جهود الإمارات في التطبيع مع نظام الأسد ودعوة الأسد إلى أبو ظبي وسفر وزير الخارجية الإماراتي أكثر من مرة إلى دمشق للقاء الأسد بدأت الإمارات حملة علنية من أجل إعادة تأهيل الأسد على المستوى العربي، على أن تقوم روسيا بهذه الجهود على المستوى الدولي، وقامت الإمارات بالتنسيق مع دول من مثل الجزائر ومصر والأردن والعراق ثم السعودية التي قررت فجأة أن إعادة تأهيل الأسد يدخل ضمن أجندتها العربية والدولية، وبدأت السعودية بدور مفاجئ حيث ضغطت على الدول العربية التي عارضت عودة الأسد للجامعة من مثل الكويت وقطر وقررت دعوة الأسد إلى القمة العربية في جدة حيث ألقى الأسد خطابا عن العروبة والانتماء.

لن تغير دعوة الأسد إلى الجامعة من حقيقة الأسد المجرم ولن يسهم في حل الأزمة السورية أو يعيد اللاجئين السوريين أو ينعش الاقتصاد السوري، إنها مجرد محاولة للدول التسلطية التي تسيطر على الجامعة اليوم إنهاء الربيع العربي وإعلان موت الحلم العربي في الدولة الديمقراطية.

—————————–

فهم التقارب العربي مع النظام السوري من منظور النظرية البنائية في العلاقات الدولية

وسام الدين العكلة

ملخص

تتناول هذه الورقة فهم العوامل التي دفعت بعض الدول العربية في المرحلة الأخيرة إلى التقارب مع النظام السوري ومحاولة إعادة دمجه ضمن المنظومة العربية بعد العزلة التي فُرضت عليه طوال السنوات الماضية. جرت الاستعانة بنظرية البنائية بوصفها إحدى نظريات العلاقات الدولية لتفسير سلوك الدول العربية والتحول في سياستها تجاه النظام السوري والمسألة السورية عمومًا.

خلصت الورقة إلى أن التحول في سياسة الدول العربية تجاه سورية يمكن تفسيره بتغيير في الهوية الإقليمية لهذه الدول التي ابتعدت عن التركيز على تغيير النظام نحو الاستقرار والمحافظة على التوازن الإقليمي واحتواء الجماعات المتطرفة. ويقصد بتغيّر الهوية الإقليمية لدولة ما في هذا السياق على أنه عملية تحول في الأولويات والمصالح السياسية والاقتصادية والأمنية التي توجّه اهتمامات هذه الدولة.

تجادل الورقة أيضًا أن هذا التحول تأثر بجهات خارجية، ولا سيما روسيا وإيران اللتين لعبتا دورًا رئيسيًا في تشكيل التصورات العربية عن النظام السوري. إضافة إلى السياسات الأميركية المترددة تجاه الصراع في سورية وفشل الإدارة الأميركية في اتخاذ موقف حاسم تجاه النظام السوري، ما ساهم في إطالة أمد الصراع، الأمر الذي دفع بعض الدول العربية إلى إعادة تقييم نهجها، بعد أن أدركت هذه الدول أن التعامل مع النظام السوري يمكن أن يؤدي إلى منطقة أكثر استقرارًا وأن العزلة لم تكن حلاً فاعلاً للصراع. تُسهم هذه الورقة في تقديم رؤية حول الديناميات المتغيرة للصراع السوري، بما يتيح فهمًا أعمق وأدق للوضع الراهن، وتسلط الضوء من خلال عدسة النظرية البنائية على أهمية فهم دور الهوية والمعايير والأفكار في تشكيل سلوك الدول في مجال العلاقات الدولية.

مقدمة

البنائية هي نظرية للعلاقات الدولية تؤكد دور الأفكار والمعايير والهويات في تشكيل سلوك الدول والجهات الفاعلة الدولية الأخرى، بدلاً من المصالح المادية وديناميات القوة فقط. وفقاً لما يعتقده البنائيون، فإن الهويات والمعايير والقيم والمواقف التي تمثل الدول ليست ثابتة، بل تتطور باستمرار عن طريق التفاعل والخطاب. تنطلق النظرية البنائية من فرضية أساسية بأن الدولة فاعل أساسي في العلاقات الدولية تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية. وفي الوقت نفسه، تسعى البنائية إلى تسليط الضوء على دور الهوية والثقافة في تحديد المصلحة الوطنية للدولة وبذلك يتحدد سلوكها [[1]].

ظهرت البنائية كنهج نظري متميز في العلاقات الدولية في تسعينيات القرن الماضي. تطورت كردة فعل على النماذج المهيمنة للواقعية والليبرالية التي انتُقدت لتركيزها على القوة المادية والافتراضات المتمركزة حول الدولة. يمكن إرجاع أصول البنائية إلى أعمال العلماء مثل إرنست بي هاس، وايمانويل أدلر، ومايكل ن. بارنت، ومارثا فينمور، وكاثرين سيكينك، وفريدريش كراتوتشويل الذين أكدوا أهمية الأفكار والهوية والمعايير والممارسات الاجتماعية والمنظمات الدولية في تشكيل سلوك الدولة، إضافة إلى أهمية اللغة والتواصل في العلاقات الدولية[[2]]. وعلى الرغم من أن أول من قدم البنائية لتخصص العلاقات الدولية هو نيكولاس أونوف، فإنها غالبًا ما ترتبط بمقالة ألكسندر وندت عام 1992 بعنوان “الفوضى هي ما تصنعه الدول من الفوضى”[[3]] التي تعد نقطة انطلاق للنهج البنائي في العلاقات الدولية[[4]]. ومنذ ذلك الحين، أصبحت البنائية منظورًا نظريًا مؤثرًا في العلاقات الدولية، واستُخدمت لتحليل مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك الأمن الدولي، وحقوق الإنسان، والحوكمة العالمية. ما ذهب إليه وندت لا يعني أن الدول في الفوضى تغير سلوكها بناء على أهوائها، وإنما يعني أن العلاقات تتطور مع الوقت، هناك كثير من الدول في الاتحاد الأوروبي كانت تربطها علاقات عداوة في السابق، ومن ثم تعلمت هذه الدول التعاون في ما بينها. فالعلاقات هي نتاج للعمليات التاريخية والتفاعلات التي تحدث عبر الزمن[[5]].

ستحاول هذه الورقة من خلال استخدام عدسة النظرية البنائية تشكيل نظرة شاملة حول العوامل التي حفزت التحول والتغيير في الموقف العربي تجاه النظام السوري، من مرحلة المقاطعة إلى مرحلة التطبيع.

لسنوات عدة، قاطع العالم العربي إلى حد كبير النظام السوري. كان هذا بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك انتهاكات النظام حقوق الإنسان واللجوء إلى الحل الأمني لقمع التظاهرات السلمية وتشريد ملايين من الشعب السوري وقتلهم، وعدم تجاوبه مع المبادرات التي قدمتها الجامعة العربية لحل الأزمة منذ بدايتها[[6]]، إضافة إلى دعمه الجماعات المتطرفة، واستخدامه الأسلحة الكيمياوية، وتحالفه مع إيران التي يراها عدد من الدول العربية منافسًا إقليميًا لها.

علقت جامعة الدول العربية عضوية سورية في 2011[[7]]، وقطع عدد من الدول العربية العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. لكن في السنوات الأخيرة، حدث تحول في الموقف العربي تجاه النظام السوري، حيث طبعت دول عدة علاقاتها معه. على سبيل المثال، في 28 كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق[[8]]، وفي اليوم نفسه أيضًا أعلنت وزارة الخارجية في مملكة البحرين عن استمرار العمل بسفارتها بدمشق[[9]]. وتجري الآن محادثات بين المملكة العربية السعودية وتونس من جهة والنظام السوري من جهة أخرى، حول استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. وقد استضافت جدة بتاريخ 14 نيسان/ أبريل 2023 لقاءً تشاوريًا لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ونظرائهم في الأردن ومصر والعراق لبحث إمكانية عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وحضور القمة العربية الثانية والثلاثين بالمملكة العربية السعودية المقررة في 19 أيار/ مايو 2023[[10]].

تفسيرات محتملة لتحول الموقف العربي

يمكن تفسير التغيير في السياسة العربية تجاه النظام السوري بأن الأخير نجح بمهارة في التعامل مع جيرانه العرب وإظهار نفسه كحصن ضد الجماعات المتطرفة، على الرغم من دوره المشبوه في نشأتها، ودوره الرئيس في تمكينها. وقد استعاد النظام السوري الأراضي معظمها التي سيطرت عليها المعارضة، ما جعله يتمتع بموقع قوي في مواجهة جيرانه العرب.

يمكن أيضًا تفسير التحول في الموقف العربي تجاه النظام السوري بنتيجة تحول ميزان القوى الإقليمية لمصلحة إيران، إذ تعد إيران حليفًا رئيسيًا للنظام السوري في الصراع. ومع تزايد نفوذ إيران في المنطقة، يمكن أن ترى بعض الدول العربية في التعامل مع النظام السوري طريقة لموازنة نفوذ طهران في منطقة ذات أهمية جيوسياسية.

إلى جانب ذلك، من الممكن أن يعكس التحول في الموقف العربي تجاه النظام السوري اتجاهًا أوسع نحو التطبيع في المنطقة. في السنوات الأخيرة، كان هناك عدد من الاختراقات الدبلوماسية بين الدول العربية وإسرائيل، وكذلك بين الدول العربية نفسها بعد قمة “العُلا” في السعودية في بداية عام 2021. يُنظر إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، على سبيل المثال، على أنه تحول كبير في المنطقة. من الممكن أن يكون تطبيع العلاقات مع النظام السوري جزءًا من هذا الاتجاه الأوسع نحو التعاون والتكامل الإقليمي.

من خلال عدسة النظرية البنائية، يمكن القول إن الأفكار والمواقف والهويات المتغيرة للدول العربية، فضلاً عن التحولات في ميزان القوى الإقليمي، ساهمت في تغيير الموقف العربي تجاه التطبيع مع النظام السوري. يبقى أن نرى كيف سيستمر هذا التطبيع على المدى الطويل، وما إذا كان سيؤدي إلى حل للصراع السوري. ومع ذلك، ما هو واضح هو أن ديناميات المنطقة تتطور باستمرار، وأن البنائية توفر إطارًا قيمًا لفهم هذه التغييرات.

للتعمق في المنظور البنائي لهذه القضية، من المهم النظر في دور الأفكار والخطاب والهوية في تشكيل الموقف العربي من النظام السوري. يرى البنائيون أن الأفكار والخطاب أدوات قوية لتشكيل سلوك الدول والجهات الفاعلة الأخرى في النظام الدولي. في حالة الموقف العربي من النظام السوري، من الممكن أن تكون التغييرات في الخطاب والأفكار والهوية الإقليمية لبعض الدول العربية قد لعبت دورًا رئيسيًا في التحول نحو التطبيع.

يمكن القول إن أحد العوامل التي ساهمت في التحول في موقف الدول العربية من النظام السوري هي استخدامه القوة الناعمة. وتُعنى القوة الناعمة بقدرة الدول على التأثير في سلوك الآخرين من خلال الجذب وليس الإكراه. فقد حرص النظام السوري في السنوات الأخيرة على تحسين صورته في العالم العربي، عبر دعوة البرلمانيين والسياسيين والصحافيين العرب لزيارة دمشق[[11]]، وإبراز دوره في مكافحة التطرف في المنطقة. وبفضل هذا الجهد، تمكن النظام السوري من إقناع بعض الدول العربية بضرورة التعامل معه بطريقة أكثر إيجابية، في ظل تزايد نفوذ إيران في المنطقة وحرص بعض الدول العربية على موازنة نفوذها.

هناك طريقة أخرى يمكن أن تلعب بها الأفكار والخطاب دورًا في التحول نحو التطبيع من خلال تأثير المنظمات والمؤسسات الإقليمية. وفقًا للبنائيين، يمكن للمؤسسات والمنظمات تشكيل معايير وهويات الدول، ويمكن أن توفر إطارًا للتعاون والتكامل. في العالم العربي، لعبت جامعة الدول العربية دورًا مهمًا في تشكيل الخطاب حول الصراع السوري من خلال عدد من الدول المؤثرة فيها. في السنوات الأولى من الصراع، اتخذت جامعة الدول العربية موقفًا قويًا ضد النظام السوري، حيث علقت عضوية سورية وفرضت عقوبات اقتصادية على عدد من المسؤولين البارزين. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، شهدنا تحولًا في موقف جامعة الدول العربية، حيث دعا بعض الأعضاء إلى نهج أكثر تصالحية تجاه دمشق، وربما يكون هذا التحول في موقف جامعة الدول العربية قد ساهم في التحول الأوسع في الموقف العربي تجاه النظام السوري. وهذا لا يعني أن الجامعة العربية كيان مستقل تمتلك إرادة مستقلة عن الدول الأعضاء فيها، بل هي تنظيم جماعي، يعكس إرادات الدول المشاركة فيها ومن ثم خطابها ومواقفها هما انعكاس لخطاب هذه الدول ومواقفها.

إلى جانب ذلك، يمكن تفسير التحول في الموقف العربي تجاه النظام السوري إلى تغييرات طرأت على الهوية الإقليمية لبعض الدول العربية تجاه الصراع السوري. يمكن فهم تغيّر الهوية الإقليمية للدولة على أنه عملية تحول في الأولويات والمصالح السياسية والاقتصادية والأمنية التي توجّه اهتمامات هذه الدولة. على سبيل المثال، تبنت بعض الدول العربية سابقًا سياسة التدخّل النشط في الأزمة السورية، وتحديداً في مسألة تغيير النظام فيها، بهدف الحد من النفوذ الإيراني ونشاط حزب الله في المنطقة وتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية الخاصة بها. لكن في السنوات الأخيرة، شهدت بعض الدول العربية تحولاً في مواقفها، حيث بدأت تركّز على المحافظة على استقرار المنطقة والتوازن الإقليمي، ومحاربة الجماعات المتطرفة التي تشكّل تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة. لذلك فإن تغيّر الهوية الإقليمية للدولة يتمثل في تحول المصالح الاستراتيجية والسياسية العامة، وتوجّه الاهتمامات نحو المحافظة على الاستقرار والأمن ومحاربة التطرف، بدلاً من التركيز على تحقيق المصالح الخاصة لكل دولة. بمعنى آخر، يمكن تفسير تغيير الهوية الإقليمية لبعض الدول العربية بأنه تغير في النظرة الإستراتيجية والمنهجية التي تتبعها هذه الدول تجاه القضايا الإقليمية والدولية بما فيها الأزمة السورية. ويمكن أن يكون هذا التغيير نتيجة عوامل عدة، منها التغيرات في التحديات والتهديدات الأمنية، وتغيرات في العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في السياسة الخارجية لهذه الدول.

الاتفاق السعودي الإيراني

إن الطبيعة المعقدة والمتطورة للصراع السوري، ومصالح وأولويات مختلف الجهات الفاعلة المعنية، تجعل من الصعب رسم روابط سببية واضحة بين قضايا محددة وأنماط أوسع للسلوك في المنطقة. على سبيل المثال، لا يوجد دليل ملموس يشير إلى أن الاتفاق بين السعودية وإيران، بوساطة الصين، قد تضمن بنودًا خاصة حول إعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري. لكن الاتفاق نص على “تعزيز التعاون في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”[[12]]. ومع ذلك، من الممكن أن يكون هذا الاتفاق قد خلق مناخًا أكثر إيجابية للدبلوماسية والتعاون في المنطقة، ما قد يساهم مساهمة غير مباشرة في نهج أكثر تصالحية تجاه النظام السوري وعدد من الملفات الخلافية بين الرياض وطهران.

تمثل الاتفاقية بين المملكة العربية السعودية وإيران التي سهلتها الصين، تطورًا مهمًا في السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط. السعودية وإيران دولتان من أقوى الدول وأكثرها نفوذاً في المنطقة، وكان التنافس بينهما منذ مدة طويلة مصدر توتر وعدم استقرار. يُنظر إلى الاتفاقية التي ورد أنها تتضمن التزامات بتهدئة التوترات والدخول في حوار، على أنها خطوة قد تفضي إلى حل بعض النزاعات والانقسامات التي طال أمدها في المنطقة بما فيها الصراع السوري والحرب في اليمن. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون هناك تفاهمات صينية سعودية إيرانية لإعادة رسم السياسة في الشرق الأوسط بعيدًا عن تأثير الولايات المتحدة، من خلال العمل على تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة في عدد من الملفات الشائكة بما يساعد في تعزيز التعاون والاستقرار في المنطقة.

تهريب المخدرات

يجب ملاحظة أن المنظور البنائي لقضية التقارب العربي مع النظام السوري لا يستثني دور العوامل المادية، مثل المصالح الاقتصادية والحسابات الاستراتيجية والأمنية، في تشكيل سلوك الدول. ومن المقبول أن الأفكار والخطاب يكملان العوامل المادية بشكل مهم، ويمكن أن يكونا العامل الحاسم في تشكيل سلوك الدول والجهات الفاعلة الأخرى في النظام الدولي.

ربما كانت قضية تهريب المخدرات ودور النظام السوري في تسهيلها عاملًا مؤثرًا في تشكيل موقف الدول العربية تجاه النظام السوري. ومع ذلك، من الصعب تحديد مدى تأثير هذه المشكلة على التحول الأوسع في الاتجاه نحو التطبيع، وقد تكون هناك عوامل أخرى تلعب دورًا أيضًا. يُتهم النظام السوري بشكل متكرر بتسهيل تهريب المخدرات، وبخاصة عبر الحدود مع الأردن وسهل البقاع في لبنان. واتُهمت الحكومة السورية بالمشاركة النشطة في إنتاج الكبتاغون وتصنيعه وتجارته لتوليد الإيرادات والمحافظة على التأثير في المنطقة. شكلت هذه القضية مصدرًا للتوتر بين النظام السوري وعدد من الدول العربية، وفي 2021، سحبت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى سفراءها من لبنان وأوقفت كافة الواردات اللبنانية[[13]] لحماية أمنها وشعوبها من خطر تهريب المخدرات، إذ يشتبه في أن حزب الله اللبناني حليف النظام السوري وشريكه في صناعة الكبتاغون والحشيش. ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد على هذه القضية فقط لتفسير التغييرات في موقف الدول العربية تجاه النظام السوري.

دوافع وعوامل أخرى

يمثل تحرك الدول العربية نحو التطبيع مع النظام السوري خروجًا مهمًا عن موقفها السابق المتمثل في مقاطعة النظام وعزله. من منظور بنائي، يمكن أن يُعزى هذا التحول إلى ظهور معايير وهويات جديدة تعطي الأولوية للاستقرار والتعاون في المنطقة.

    ضرورة الحل السياسي

أحد العوامل التي ربما تكون قد ساهمت في هذا التغيير الاعتراف المتزايد بين الجهات الإقليمية الفاعلة بأن الصراع السوري لا يمكن حله بالوسائل العسكرية وحدها. لقد تسبب الصراع في معاناة هائلة وعدم استقرار في المنطقة، وهناك شعور متزايد بأن الحل السياسي ضروري لمعالجة الأسباب الكامنة وراءه. مع ذلك تختلف رؤية كل طرف لهذا الحل والقضايا الرئيسة التي يجب أن يتضمنها. لذلك تركز الدول الراغبة في التطبيع مع النظام السوري على القضايا غير الخلافية مثل السماح بدخول المساعدات الإنسانية، وعودة اللاجئين، ووحدة الأراضي السورية، واتخاذ إجراءات من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية، من دون الخوض في تفاصيل القضايا الإشكالية مثل الانتقال السياسي.

مع ذلك أشار البيان الختامي للقاء جدة التشاوري إلى أن وزراء خارجية الدول المشاركة في اللقاء تبادلوا وجهات النظر حول الجهد المبذول من أجل التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية ينهي تداعياتها كافة ويحافظ على وحدة سورية، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي. وشدد الوزراء على أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهد الرامي إلى إنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذا الجهد[[14]]. في حين نص قرار جامعة الدول العربية رقم (8914) تاريخ 7 أيار/ مايو 2023 الصادر من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية في المستوى الوزاري في دورته غير العادية بشأن تطورات الأوضاع في سورية على “التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254″[[15]].

    دور الجهات الفاعلة الخارجية

تشير النظرية البنائية أيضًا إلى أنّ ظهور معايير وهويات جديدة للدول يتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك الجهات الفاعلة الخارجية، في القضية السورية تبرز دول عدة فاعلة مثل روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة. يمكن لتأثير هذه الجهات الخارجية تشكيل المعايير والهويات التي تظهر، كما يمكن أن يساعد في تفسير سبب تحول الدول العربية نحو التطبيع مع النظام السوري، على الرغم من جرائمه السابقة. فقد أدى انخراط روسيا وإيران في دعم النظام السوري إلى خلق دينامية جديدة في المنطقة حفَّزت الجهات الفاعلة الأخرى على إعادة تقييم نهجها. لقد أبدت هذه الدول استعدادًا لاستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها، ما خلق إحساسًا بالإلحاح بين الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى لإيجاد طريقة للتعامل مع النظام السوري وتجنب مزيد من التصعيد.

بالمقابل كان فشل الإدارة الأميركية في اتخاذ موقف حاسم تجاه النظام السوري عاملاً مهمًا ساهم في إطالة أمد الصراع في سورية. كانت استجابة إدارة أوباما الأولية للانتفاضة مترددة وحذرة، وركزت على الضغط على بشار الأسد للتنحي من خلال القنوات الدبلوماسية والعقوبات. لكنها لم تقدم دعمًا كبيرًا لمجموعات المعارضة، ما سمح للنظام السوري باستعادة زمام المبادرة بدعم من حلفائه روسيا وإيران وحزب الله. علاوة على ذلك، كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية غالبًا غير متسقة وتفاعلية، وتفتقر إلى استراتيجية واضحة لإنهاء الصراع. سمح هذا التردد للنظام السوري باستخدام تكتيكات وحشية، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين، لسحق المعارضة واستعادة سيطرته على المناطق التي خسرها. وسمح عدم وجود سياسة أميركية واضحة ومتسقة تجاه سورية للأطراف الخارجية الأخرى، مثل روسيا وإيران، بملء الفراغ والانخراط بشكل أعمق في الصراع، ما زاد من تعقيد الموقف.

ونتيجة لذلك، بدأت بعض الدول العربية بإعادة تقييم نهجها، وأدركت أن النظام السوري، على الرغم من عيوبه، يمكن أن يكون شريكًا في تحقيق الاستقرار الإقليمي. كان هذا التحول في التصور مدفوعًا أيضًا بظهور معيار إقليمي جديد يعطي الأولوية للاستقرار والقضاء على الميليشيات والجماعات المتطرفة. ربما جاء تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والنظام السوري نتيجة لهذا النهج الجديد. أدركت هذه الدول أن التعامل مع النظام السوري يمكن أن يؤدي إلى منطقة أكثر استقرارًا وأن العزلة لم تكن حلاً فاعلاً للصراع.

    الأولوية للاستقرار واحتواء الميليشيات والجماعات المتطرفة

من منظور بنائي، يمكن فهم التحول الأخير من جهة الدول العربية وحتى تركيا نحو التطبيع مع النظام السوري على أنه نتاج تغيير في معايير الدول. على وجه التحديد، يلعب ظهور معيار إقليمي جديد يعطي الأولوية للاستقرار واحتواء الجماعات المتطرفة والميليشيات دورًا رئيسيًا في تشكيل هذا التحول. تدرك بعض الدول العربية بشكل متزايد أن النظام السوري، على الرغم من نقاط الضعف التي يعانيها وتاريخه في تأسيس الجماعات المسلحة وتمويلها، قد يكون شريكًا مهمًا في تحقيق الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي يفوق قدرات الأطراف البديلة في الصراع. يجري ذلك بإعادة تعريف هوية الدول العربية، حيث يحدث التحول من موقف سابق كان يرى النظام السوري عدوًا، إلى موقف يركز على دعم الاستقرار الإقليمي بوصفها أولوية أساسية.

معوقات التطبيع مع النظام السوري

يوجد عدد من المعوقات التي تحول دون التطبيع الكامل مع النظام السوري، بما في ذلك العقوبات الأوروبية والقوانين الأميركية “قيصر” و”الكبتاغون” التي فرضت عقوبات وقيود على الحكومة السورية، ما يجعل التعامل معها صعبًا. إضافة إلى ذلك، يتمتع النظام السوري بسجل مشين في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، ما يعني أن التطبيع معه يمكن أن يتسبب في تعرض الدول لانتقادات دولية وانتقادات منظمات المجتمع المدني. إضافة إلى ذلك، تعاني سورية من صراعات داخلية وأزمة إنسانية خانقة، ما يجعل تطبيع العلاقات مع النظام السوري يواجه مقاومة شديدة من بعض الأطراف السياسية والمدنية، وبخاصة إذا لم تتمكن الدول المعنية من تحقيق تحسن ملموس في وضع حقوق الإنسان والوضع الإنساني في سورية. إلى جانب ذلك ما تزال بعض الدول العربية مثل قطر والكويت والمغرب، ترفض تطبيع العلاقات مع النظام السوري وترى أن الأسباب التي دعت إلى تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية ما تزال موجودة[[16]].

    قانوني قيصر و”الكبتاغون”

على الرغم من وجود عراقيل بسبب قانوني “قيصر” و”الكبتاغون” الصادرين من الكونغرس الأميركي، إلا أنَّ التقارب بين الدول العربية والنظام السوري يمكن أن يؤدي إلى التطبيع الكامل، حيث يؤمن البنائيون بأن الأفكار والمعايير والهويات هي العوامل التي تشكل سلوك الدول والجهات الفاعلة الدولية، وليست المصالح المادية والقوة فقط. وتهدف قوانين “قيصر” و”الكبتاغون” إلى زيادة الضغط على النظام السوري، وذلك من خلال فرض عقوبات وقيود على نشاطه الاقتصادي والسياسي، بهدف ثني الدول والجهات الفاعلة الدولية عن التعامل مع النظام السوري وتشجيعها على دعم الجهد المبذول لإيجاد حل سياسي للقضية السورية وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.

من وجهة نظر بنائية، لا يمكن تحديد تأثير هذين القانونين في سلوك الدول والجهات الفاعلة الدولية بشكل مسبق. لكن يتوقف التأثير على كيفية تفسير هذه القوانين واستجابة الجهات المختلفة لها في النظام الدولي. إذا كانت الدول العربية والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى قادرة على بناء معايير وهويات جديدة تضع الأولوية للاستقرار والتعاون والتعامل مع النظام السوري، فربما تتمكن من التغلب على القيود المفروضة عليها من هذين القانونين والانتقال إلى التطبيع الكامل. مع ذلك، تعد المسألة معقدة من الناحية العملية، خصوصًا إذا نظرنا إلى الآثار الضارة التي تنجم عن العقوبات الأميركية في الدول والشركات والجهات التي تخالف القوانين التي تسنها الإدارة الأميركية.

إلى جانب ذلك، فإن المعايير والهويات قابلة للتغيير مع الزمن والتطورات المختلفة، وقد يظهر نهج جديد يتحدى السلطات الحالية ويؤثر في السياسات الدولية وبخاصة مع التقارب العربي – الصيني وعدم الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة ومحاولة إيجاد عالم متعدد الأقطاب. ولذلك، يمكن أن يؤدي التقارب بين الدول العربية والنظام السوري إلى ظهور معايير جديدة تعزز التعاون والانخراط، حتى في ظل الضغوط الخارجية، ولكن هذا لا يعني إهمال أهمية قانوني قيصر والكبتاغون وتأثيرهما في اللاعبين الإقليميين. بل يؤكد ذلك دور الأفكار والمعايير في تشكيل السياسة الدولية بشكل أكثر دقة وإيجابية.

    جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان

من منظور النظرية البنائية، لا يمكن تجاهل الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، فهي جزء أساسي من الهوية والمعايير التي شكّلت سلوك الدول العربية تجاه النظام في بداية الأزمة السورية. على سبيل المثال، أدان المجتمع الدولي في مناسبات عدة، بما في ذلك العديد من الدول العربية، استخدام النظام السوري للأسلحة الكيمياوية واعدها جريمة شنعاء. إن مثل هذه الأعمال لا تشكل انتهاكًا للقانون الدولي فحسب، بل إنها تنتهك أيضًا حقوق الإنسان الأساسية للمدنيين السوريين. إن التطبيع مع نظام ارتكب مثل هذه الفظائع يبعث برسالة خاطئة ويقوض الجهد الدولي لدعم العدالة وحقوق الإنسان ويشكل تذكيرًا دائمًا بأفعاله الوحشية واللاإنسانية ضد شعبه.

لذلك، فإن أي محاولة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري يجب أن تتوقف على التزامه بوقف استخدام الأسلحة الكيمياوية، ومحاسبة المسؤولين عنها وتعويض الضحايا. من دون هذه الشروط، لن يكون التطبيع مع النظام السوري ممكنًا، ومن شأنه أن يقوض جهد المجتمع الدولي لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، تشير البنائية إلى أن المعايير يمكن أن تتغير بمرور الوقت، ما قد يؤدي إلى تحولات في السلوك والسياسات. هذا التحول ليس تأييدًا لأفعال النظام السوري السابقة، بل اعترافًا بأن النظام شريك أكثر موثوقية في تحقيق الاستقرار الإقليمي من بعض الجهات الفاعلة البديلة في الصراع.

    استمرار الأزمات الإنسانية

تسبب النظام السوري في حربه ضد الشعب السوري بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إذ دمرت الحرب عددًا من المدن والقرى والمنشآت الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمنشآت الحكومية، ما أدى إلى نزوح جماعي لملايين الأشخاص إلى مناطق أخرى أو إلى الدول المجاورة وأوروبا هربًا من العمليات العسكرية والملاحقات الأمنية. إضافة إلى ذلك، فإن الملايين من السوريين يعيشون في ظروف صعبة جدًا، حيث يفتقرون إلى الغذاء والماء النظيف والرعاية الصحية والمأوى، إضافة إلى تعرضهم لانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة التي يرتكبها النظام السوري، مثل التعذيب والاعتقال التعسفي والتصفية الجماعية واستخدام الأسلحة الكيمياوية والهجمات العشوائية ضد المدنيين. وتشير التقارير الدولية إلى أن المنظمات الإنسانية تواجه صعوبة في توفير الحاجات الأساسية للسكان المحليين، بسبب العقبات التي تواجهها في الوصول إلى المناطق المتضررة. إضافة إلى ذلك، يعيش كثيرون من اللاجئين السوريين في الدول المجاورة في ظروف غير إنسانية، حيث يفتقرون إلى الإمكانات والخدمات الأساسية.

يعد النظام السوري المسؤول الأول عن الأزمة الإنسانية في سورية، إذ يواصل ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، ويستخدم القوة العسكرية ضد المدنيين ويعتقل اللاجئين الذين يعودون إلى بلدهم. لذلك، يحذر عدد من التقارير الدولية من عودة اللاجئين قبل إنشاء بيئة آمنة لهم[[17]]. يجب أن يُربط تطبيع العلاقات مع النظام السوري بإيجاد حل سياسي يحقق السلام والعدالة والاستقرار في سورية، ومحاسبة المسؤولين عن جرائمهم وتحقيق العدالة للضحايا، إلى جانب تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للمدنيين المتضررين. فالتطبيع مع النظام السوري قبل حل الأزمة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، سيعد إشارة سلبية للدول الأخرى التي تشارك في أعمال مماثلة وقد تؤدي إلى استمرار الاعتداءات على المدنيين في سورية وفي دول أخرى.

الخاتمة

يعكس تحول موقف الدول العربية تجاه النظام السوري، وفقًا للنظرية البنائية في العلاقات الدولية، تحولًا في هويتها الإقليمية وفي المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، إضافة إلى دور الجهات الخارجية، مثل روسيا وإيران، في تشكيل تصورات الدول العربية عن النظام السوري. يعزز هذا التحول أهمية فهم دور الهوية والمعايير والأفكار في تشكيل سلوك الدول في مجال العلاقات الدولية، حيث يجري تطوير هذه العناصر باستمرار عن طريق التفاعل والخطاب.

ويمثل تحليل المصالح والديناميات الداخلية والخارجية للدول عنصرًا أساسيًا لفهم سياساتها واتجاهاتها في مختلف المجالات. ومن خلال النظرية البنائية، نجد أن الهوية والمعايير والقيم والمواقف التي تمثل الدول ليست ثابتة، بل تتطور باستمرار بفعل عوامل عدة. ويساعد هذا في فهم تحول الموقف العربي تجاه النظام السوري، من المقاطعة إلى مرحلة التقارب والتطبيع، وإعادة النظام لشغل مقعد سورية في الجامعة العربية والمشاركة في اجتماعاتها جميعها. فعدم وجود بدائل أو خيارات بديلة لحل الأزمة السورية بعيدًا عن النظام، وعدم قدرة السوريين وحلفائهم على إيجاد حل وسط يمكن أن يكون بديلاً مقنعًا عن النظام، قد يكون واحدًا من الأسباب التي دفعت بالدول العربية إلى تغيير مواقفها واتخاذ خطوات التقارب والتطبيع مع النظام السوري.

مع ذلك، فإن التطورات الإقليمية والدولية التي ساهمت في تغيير مواقف الدول العربية، لم تفتح الباب بشكل كامل أمام التطبيع الشامل مع النظام السوري، فما يزال هناك عدد من العقبات مثل العقوبات الأوروبية والقوانين الأميركية والأزمة الإنسانية. إضافة إلى ذلك هناك عامل مهم قد يعرقل التطبيع بين الدول العربية والنظام السوري وهو النفوذ والهيمنة الإيرانية المتزايدة في سورية. يعتقد الإيرانيون بأن سيطرتهم على سورية هي جزء لا يتجزأ من نفوذهم الإقليمي، وأن المحافظة على هذه السيطرة تُعد أمرًا حيويًا لمصالحهم. ويهدفون إلى منع أي تدخل يعرض هذه السيطرة للتقويض من المنافسين لهم. بالمقابل تعتقد بعض الدول العربية أن التطبيع مع النظام السوري قد يساهم في إعادة سورية إلى محيطها العربي ويحد من النفوذ الإيراني، إلا أن هذا غير دقيق، وبخاصة أن إيران تعمل على ضمان استمرار وجودها في سورية إلى أجل طويل من خلال تعزيز سيطرتها على مفاصل الدولة والجيش والأجهزة الأمنية وهيمنتها على قطاعات حيوية أخرى مثل الاقتصاد والاتصالات.

إن القرار الأخير الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية والمتضمن استئناف مشاركة وفود النظام السوري في اجتماعات مجلس الجامعة، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها ابتداء من 7 أيار/ مايو 2023، لا يعني بالضرورة التطبيع الكامل مع النظام السوري، فما تزال هناك بعض الدول العربية غير المقتنعة بهذه الخطوة. إلى جانب ذلك ما يزال هناك عدد من العقبات التي تحول دون الوصول إلى التطبيع الكامل ما لم يقترن بحل سياسي شامل بناء على قرارات الأمم المتحدة ولا سيما قراري مجلس الأمن 2118/2013، و2254/2015. وإذا استطاعت الدول العربية صياغة استراتيجية موحدة للمساعدة في إنهاء الأزمة وتحقيق طموحات الشعب السوري، فلا يوجد مانع لذلك، وبخاصة أن المسارات الدولية والإقليمية لم تحقق النجاح المطلوب طوال السنوات الماضية. ولنجاح هذه الاستراتيجية لا بد أن تتضمن محاور عدة تركز على الحل السياسي بالدرجة الأولى، وتخفيف الأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة الأمنة والملائمة لعودة اللاجئين، والإفراج عن المعتقلين لأسباب سياسية كلهم، وإنهاء وجود الميليشيات الأجنبية، وإجراء إصلاحات حقيقية في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية تضمن احترام حقوق الإنسان، ومحاسبة الأشخاص جميعهم الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري.

[1] . خالد المصري. النظرية البنائية في العلاقات الدولية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، دمشق، المجلد (۳)، العدد (۲)، ٢٠١٤، ص 316.

[2] . Martha Finnemore, and Kathryn Sikkink. Taking Stock: The Constructivist Research Program in International Relations and Comparative Politics. Annual Review of Political Science. Vol. 4:391-416 (Volume publication date June 2001). https://doi.org/10.1146/annurev.polisci.4.1.391.

[3] . Alexander Wendt. Anarchy is what States Make of it: The Social Construction of Power Politics. International Organization. Vol. 46, No. 2 (Spring, 1992), pp. 391-425.

[4] . تيم دان، ميليا كوركي، ستيف سميت، نظريات العلاقات الدولية، التخصص والتنوع، دينا الخضرا (مترجمة)، بشير محمد الخضرا (مراجعًا)، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، 2016)، ص 449.

[5] . المرجع نفسه، ص 439.

[6] . الجزيرة نت. المبادرة العربية الجديدة بشأن سوريا. 23/1/2012. متوفر على الرابط: https://2u.pw/yxWVMI  تاريخ الوصول 26/4/2023.

[7] . علقت جامعة الدول العربية بموجب القرار 7438 الصادر من مجلس جامعة الدول العربية في المستوى الوزاري في جلسته المستأنفة للدورة غير العادية بتاريخ 12/11/2011، مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها ابتداء من يوم 16/11/2011 وإلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية التي اعتمدها المجلس في اجتماعه بتاريخ 2/11/2011. القرار متوفر على موقع الجامعة على الرابط: https://2u.pw/sJzmhX . تاريخ الوصول 26/4م2023.

[8] . صحيفة البيان الإماراتية، إعادة افتتاح سفارة الإمارات في دمشق. تاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر 2018. متوفر على الرابط: https://2u.pw/FZ8ZGs . تاريخ الوصول 25/4/2023.

[9] . بيان لوزارة الخارجية في مملكة البحرين، تاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر 2018. متوفر على الرابط: https://2u.pw/mFY3cH تاريخ الوصول 25/4/2023.

[10] . الجزيرة نت. اجتماع وزاري عربي بجدة يدعو لحل سياسي بسوريا ويندد بالاعتداءات على الأقصى. تاريخ 15/4/2023. متوفر على الرابط: https://2u.pw/gFk14z . تاريخ الوصول 24/4/2023.

[11] . آخر الوفود التي زارت دمشق وفد من “الاتحاد البرلماني العربي”. وضم الوفد رئيس الاتحاد محمد الحلبوسي ورؤساء مجالس النواب في الإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر، إضافة إلى رؤساء وفدي سلطنة عُمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي”. تلفزيون سوريا، تاريخ 26/2/2023. متوفر على الرابط: https://2u.pw/mdTAKn . تاريخ الوصول 25/4/2023.

[12] . وكالة الأناضول، أبرز بنود اتفاق السعودية وإيران في ثاني اجتماع ببكين، تاريخ 6/4/2023. متوفر على الرابط: https://2u.pw/YKOLfk . تاريخ الوصول 23/4/2023.

[13] . وكالة الأنباء السعودية. حكومة المملكة تستدعي السفير في لبنان للتشاور، ومغادرة سفير لبنان لدى المملكة خلال الـ (48) ساعة القادمة، وتقرر وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة. تاريخ 29/10/2021. متوفر على الرابط: https://2u.pw/U2NEg0 . تاريخ الوصول 27/4/2023.

[14] . القدس العربي، البيان الختامي لاجتماع جدة يؤكد على الحل السياسي للأزمة السورية. تاريخ 15/4/2023. متوفر على الرابط: https://2u.pw/0bhnQf . تاريخ الوصول 9/5/2023.

[15] .  قرار جامعة الدول العربية رقم (8914) تاريخ 7 أيار/ مايو 2023. متوفر على الرابط:  https://2u.pw/liDcZs. تاريخ الوصول 9/5/2023.

[16] . الجزيرة نت، رئيس وزراء قطر: أسباب موقفنا من تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية ما زالت قائمة. تاريخ 14/4/2023. متوفر على الرابط: https://2u.pw/RWZr3S . تاريخ الوصول 26/4/2023.

[17] . منظمة العفو الدولية، تقرير بعنوان: أنت ذاهب إلى الموت” الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا”. رقم الوثيقة: MDE 24/4583/2021. تاريخ 7/9/2021. متوفر على الرابط: https://2u.pw/3NGO5O . تاريخ الوصول 27/4/2023. انظر أيضًا التقرير السادس والعشرون الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية بتاريخ 14/9/2022، الذي أكد أن سورية بلد غير آمن لعودة اللاجئين. متوفر على الرابط: https://bit.ly/4568efG. تاريخ الوصول 26/4/2023.

——————————-

في الاندفاعة الأردنية للتطبيع مع النظام السوري

مركز حرمون للدراسات المعاصرة

أولًا: مقدمة

يثور التساؤل حول الحماس الأردني للتطبيع مع النظام السوري، الذي وصل إلى حد تبني تسويق مبادرة إعادة دمج النظام السوري لدى الإدارة الأميركية، في قطيعة واضحة مع نهج الأردن السابق من النزاع في سورية، الذي بلغ ذات يوم مرحلة توجيه الملك الأردني نصيحة إلى رئيس النظام السوري بالتنحّي، وتهيئة الظروف لانتقال سياسي آمن، وذلك في مقابلة له مع محطة BBC في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.

الاندفاعة الأردنية لاحت بوادرها علنًا في مقابلة للعاهل الأردني مع محطة CNN الأميركية، بتاريخ 25 تموز/ يوليو 2021، حيث صرح بأنه حمل إلى الإدارة الأميركية مقترحًا لحلٍّ في سورية، يرتكز إلى التخلي عن مطلب رحيل الأسد، وإعادة سورية إلى الجامعة العربية وتجميد العقوبات، والسماح بإعادة الإعمار، مؤكدًا أن إسرائيل والأردن وروسيا متفقون على العمل سويًا على إنجاح هذه المبادرة، ويطلب من الولايات المتحدة المشاركة فيها، إذ ستتولى الأردن التحرك نحو الدول العربية وروسيا نحو إيران.

وقد شهدت سنوات الصراع في سورية منذ 2011، تأرجحًا في مستوى العلاقات الأردنية السورية، بين التوتر والاسترخاء النسبيين، وإذا كان مفهومًا أن الأردن كيان وظيفي -وهو في الوقت ذاته كيان هشّ بصفته أحد المفرزات العرضية لاتفاقية سايكس بيكو، ومحكوم بتوازن قلق لوقوعه بين جيران أقوياء له هي العراق وسورية و”إسرائيل- فإن مما يلفت النظر هذا الحماس الأردني لتسويق التطبيع مع النظام السوري، والتصريح بأن إسرائيل جزءٌ من هذا المسعى.

لا شك في أن الأردن كان أكبر المتضررين من الصراع الدائر منذ اثني عشر عامًا في سورية وعليها، ولديه كثير من الدوافع الذاتية، للبحث عن مخارج تخفف من همومه الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يرزح تحت وطأتها، وقد شكّلت حادثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية، في 6 شباط/ فبراير 2023، مدخلًا لتعاطف دولي وعربي واسعين مع مآسي الشعب السوري، ثم جاء تخفيف عقوبات قيصر لمدة ستة أشهر تبعًا لذلك، ثم جاء الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية بتاريخ 10 آذار/ مارس 2023 لينعش التوجهات الأردنية للتداخل مع القضية السورية، فجاء اجتماع جدة التشاوري 14 نيسان/ أبريل 2023 واجتماع عمان الخماسي التشاوري 1أيار/ مايو 2023، ثم الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول العربية، الذي أقر بالتوافق وقف تعليق عضوية سورية بجامعة الدول العربية، وعودتها لممارسة دورها في منظمات الجامعة ابتداءً من 7 أيار/ مايو 2023 ، ثم كان حضور رئيس النظام السوري قمة جامعة الدول العربية في جدة 19 أيار/ مايو 2023.

ثانيًا: واقع العلاقات الأردنية في الفترة 2011-2023

مع اندلاع الثورة السورية آذار/ مارس 2011، وجد الأردن نفسه أمام حالة لم يكن يريدها، لكنها ضريبة الجغرافيا، حيث ازدادت هواجسه ومخاوفه من توسع الصراع وتداعياته، ولا سيما أن عشرات ألوف اللاجئين الفارين من القتل راحت تتدفق عبر الحدود، حتى بلغ عديد المسجلين منهم في لوائح الأمم المتحدة للاجئين 640 ألفًا، ويردد الأردنيون أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وقد أظهر الأردن قدرة كبيرة على تنظيم وجود اللاجئين السوريين؛ إذ ضبط أغلبهم ضمن مخيّمَين كبيرين في شمال الأردن، في حين انتشر الباقي في أنحاء المملكة وتكفلوا بتدبير أمورهم اعتمادًا على الذات.

بداية، اتّسم الموقف الأردني بالحذر تحت ضغط هواجسه الأمنية، لكنه خضع للضغوط الخارجية التي وجهت له، فصوّت لصالح تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، بعد أن رفض النظام السوري مبادرة الجامعة الثانية 22 كانون الثاني/ يناير 2012 ، التي رسمت خريطة طريق للحل، لكن الأردن لم يقطع علاقاته، بل خفض تمثيله الدبلوماسي إلى مستوى قائم بالأعمال، وبقيت أبواب السفارة السورية في عمان مشرعة، وقد وافق الأردن على أن يكون مكان إقامة غرفة (الموك)، التي أنشئت لضبط إمداد وعمليات تسليح المعارضة المسلحة السورية في القسم الجنوبي من سورية، مقابل نظيرتها غرفة (الموم) في تركيا للغرض ذاته في شمال سورية، وضمّت الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات والأردن.

وقد بدأت نظرة الأردن إلى الصراع الدائر في سورية تتغير، مع ظهور تنظيم (داعش) وسرعة تمدده في الجغرافيا السورية والعراقية عام 2014، وتشكيل الولايات المتحدة للتحالف الدولي، الذي ضمّ قرابة سبعين دولة، كانت الأردن واحدة منها، ثم جاء التدخل الروسي بتاريخ 30  أيلول/ سبتمبر 2015، ليزيد في قناعة الأردن بأن الصراع في سورية ذاهبٌ نحو مزيد من التدويل والديمومة، ما سيزيد في عمر النظام السوري، وبما أن الأردن محكوم إلى حدٍ بعيد بخيارات حلفائه، فقد انتظر الفرصة الملائمة، التي أتته عندما تفاهمت روسيا وإسرائيل وتركيا والأردن، مع عدم اعتراض أميركي في الحد الأدنى، على صيغة مناطق خفض التصعيد الأربعة، أولها في المنطقة الجنوبية المعنية فيها الأردن وإسرائيل، وما تلاها من ترحيل مسلحي فصائل المعارضة المسلحة، الذين رفضوا إجراء تسويات مع النظام بضمانة روسية، لم يتم الوفاء بها من قبل الضامن الروسي، وإغلاق غرفتي (الموك) و(الموم)، ووقف الدعم التسليحي لفصائل المعارضة، فكانت أولى خطوات التقارب الأردنية السورية، فتح معبر نصيب جابر 2018، فاتحة الطريق أمام خطوات التطبيع مع النظام، أقله في الجانب الاقتصادي خدمة لمصالح الأردن، الذي تضرر اقتصاديًا بشكل كبير.

يمكن تتبع خطوات التطبيع ما بين الأردن وسورية على مجالات متفاوتة الحضور ووتيرة التسارع، ويمكن تحديد عدة دوافع وراء التحرك الأردني.

الدوافع الاقتصادية والتجارية:

خلق الصراع الدائر في سورية، وعلى حدود الأردن الشمالية، جملةً من المشكلات على المستويات كافة، كان أبرزها إغلاق المعابر وحرمان الأردن من العوائد، التي كانت تدرّها حركة التجارة عبر حدوده مع سورية، سواء لجهة صادراته ووارداته، أو لجهة كونه طريق عبور للتجارة ما بين أوروبا وتركيا باتجاه الخليج أو بالعكس، ولعل المشكلة الأكثر عبئًا تمثلت باضطرار الأردن، وهو بلد شحيح الموارد، إلى استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، في وقت لا تغطي فيه مساعدات الأمم المتحدة نصف حاجة اللاجئين السوريين، حسب التصريحات الأردنية، وليس في ما وصل إليه الوضع السوري ما يشير إلى عودة قريبة لهم.

لقد وجد الأردن نفسه مع تقدّم الصراع، في وضعٍ أصبحت فيه حدوده ساحة مواجهة إقليمية وحرب بالوكالة، ما بين النظام وداعميه من جهة، ودول الخليج الداعمة للمعارضة من الجهة الأخرى، وبناءً على هذا التوصيف، فإن حلّ مشاكل الأردن بات مرتبطًا بحلٍّ إقليمي وغطاء دولي فاعل، ولا يعود البت فيه للأردن بمفرده، والوضع ذاته بات عليه الجانب السوري، إذ أصبح هو الآخر رهينة الوجود العسكري الإيراني والروسي الكثيف، ما يعني أن الجهتين السورية والأردنية محكومتان موضوعيًا بحلفائهما، يضاف إلى ذلك أن “انخراط الأردن، وهو دولة صغيرة، في علاقات ثنائية مع سورية، لن يشكل حافزًا مغريًا لسورية لتغيير سلوكها حيال القضايا الإقليمية الخلافية”[1]، الأمر الذي دفع الأردن للبحث عن دعمٍ لتوجهاته على المستويين الإقليمي والدولي بهذا الخصوص، مركزًا على الجانب الاقتصادي.

إن اتفاقات خفض التصعيد عام 2018، التي أبعدت فصائل المعارضة السورية المسلحة بأغلبها نحو الشمال السوري، لم تخلق حالة استقرار أمني واجتماعي في الجنوب السوري، بل على العكس من ذلك فقد ملأت الفراغَ الأمني ميليشيات إيرانية، وحزب الله وميليشيات محلية مموّلة من إيران، في ظل وجود ضعيف لقوى النظام، وهو ما أدخل إسرائيل على خط الصراع بشكل علني، فصعدت من قصفها المتواتر على الأراضي السورية، لمنع تموضع إيران عسكريًا قريبًا من حدودها، كذلك بات الجنوب السوري مرتعًا ومصدرًا للجريمة المنظمة، كتهريب المخدرات والأسلحة والبشر، بفعل الميليشيات الإيرانية والجهات السورية المتعاونة معها، وهنا يتهم الأردن الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد.

فُتح معبر نصيب بين البلدين جزئيًا بين شهري تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وآذار/ مارس 2020، عندما دفعت جائحة كورونا لإعادة إغلاقه ثانية، وسجلت إحصاءات التبادل التجاري بين سورية والأردن قفزة ما بين تموز/ يوليو 2021 وحزيران/ يونيو 2022، إذ ارتفعت الواردات الأردنية من 21 مليون دولار، إلى 75 مليون دولار، والصادرات من 62 مليون دولار إلى87 مليون دولار، والسلع المعاد تصديرها من 22.5 مليون دولار إلى 46.5 دولار”[2]، وكون الاقتصاد السوري يسير في سورية إلى مزيد من السلع يجعل الميزان التجاري يميل لصالح الأردن، وبحسب قاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاء تجارة السلع الأساسية، فقد بلغ حجم التبادلات التجارية الإجمالية -باستثناء السلع المعاد تصديرها- 190 مليون دولار في 2021، في حين بلغت 108دولار عام 2020، وهو ما يشكل ما نسبته 30% فقط ممّا كان عليه عام 2007، حيث بلغ حينذاك 670 مليون دولار”[3].

يذهب البعض إلى محاولة تفسير التوجهات الأردنية، بأن الأردن تلقّى وعودًا من روسيا بأن تفتح له مجالًا للإفادة من عمليات إعادة الإعمار مستقبلًا، وهذا الافتراض لا يجد له في الواقع سندًا، عند الأردن الذي له علاقة تحالفية استراتيجية مع الولايات المتحدة، وهناك مراعاة إسرائيلية لمصالحه، وجواره الجغرافي لسورية وبوابة الخليج إليها، ويستبعد أن يركن لوعود من دولةٍ ليست صاحبة القرار بمفردها.

لا شكّ أنّ لسورية مصلحةً في فتح حدودها أمام حركة التجارة، وربّما تكون قد قدّمت تسهيلات على هذا الصعيد، على مستوى الإجراءات أو القوانين الجمركية التي تحكم مثل هذه الحالة، والسؤال الذي يحضر هنا يتمحور حول مدى اكتفاء الأردن بالجانب الاقتصادي في علاقته مع سورية، لتخفيف التداعيات التي تركها الصراع في سورية على اقتصاد يعاني من ضعف بنيوي مزمن. والجواب المرجّح هنا هو لا، ذلك أن هموم الأردن أبعد، بما لا يقاس، من الاقتصاد.

الدوافع الأمنية:

 خلق الصراع الذي شهدته سورية منذ العام 2011، وما زال، للأردن جملة من المشاكل، وإذا كان الأردن قد استطاع وقف تدفق اللاجئين نحو أراضيه، منذ العام 2018 بعد توقيع اتفاقات خفض التصعيد، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا في 22 شباط/ فبراير 2022، واضطرار روسيا إلى سحب جزء من قواتها البرية على قلتها من سورية للقتال هناك، أوجد للأردن مشكلة أبعد أثرًا وخطورةً على أمن المملكة، تتمثل بالفراغ الأمني الذي نشأ بعدها، وملأته قوى أمر واقع، وميليشيات تتبع إيران لتعبث به، حيث تحوّلت إلى ممارسة الجريمة المنظمة، كعمليات تهريب السلاح والمخدرات، وقد شكّل هذا التموضع لأذرع إيران العسكرية، على مقربة من الحدود الأردنية، هاجسًا أمنيًا للأردن حذّر منه العاهل الأردني، ففي برنامج حواري مع الجنرال الأميركي المتقاعد هربرت ما كماستر، ضمن البرنامج العسكري المتخصص “ساحات القتالBttle grands”، رأى الملك أن “الوجود العسكري الروسي في جنوب سورية كان يشكّل مصدرًا للتهدئة، وأن فراغ انسحاب الروس سيملؤُه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل لحل المشكلات على حدودنا”[4]،فهذا التموضع العسكري عبر الميليشيات التي تتبع إيران، بخاصة تلك التي شكلها الإيرانيون من أبناء المنطقة وجرى تدريبها وتسليحها وتحضيرها، سوف يضيف للأردن أعباءً أمنية وعسكرية، وإذا ما عمدت إيران إلى تشكيل خلايا مسلحة في الداخل الأردني، بغية استخدامها في المستقبل لزعزعة استقرار المملكة، وهذا ليس مستبعدًا ما دامت إيران مستمرة في مشروعها التوسعي في المنطقة؛ فإن هذا الخطر يصبح أكثر حضورًا، عندما ينجدل على العامل الديموغرافي الذي يربط سكان محافظة درعا بسكان شمال الأردن.

تهريب وتجارة الكبتاغون:

كثيرة هي التقارير الدولية التي تؤكد بأن سورية باتت أكبر منتج ومهرب للكبتاغون في العالم، الأمر الذي بات يشكل مصدر قلق للأردن ولدول الخليج بل للعالم كلّه، وعندما يلجأ النظام السوري عامدًا لتسيس قضية المخدرات، لابتزاز دول الخليج ومعاقبتها على مواقفها منه أو لدفعها مكرهة للتطبيع معه وفق شروطه، تأخذ المشكلة أبعادًا أكثر خطورة وإلحاحًا في البحث عن حلول لتلك المشكلة المتفاقمة، التي تهدد أمنها المجتمعي، حيث يفيد تقرير لمعهد نيولانيز بأن “تجارة الكبتاغون المخدرة قد توسّعت في الشرق الأوسط إلى حدٍ كبير خلال العام 2021، لتتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار، وأن النظام السوري يستخدم هذه التجارة كوسيلة للبقاء سياسيًا واقتصاديًا بسبب العقوبات المفروضة عليه، ليصنف كأبرز منتج ومصدر لهذه الحبوب”[5]. ويتوافق هذا التقرير إلى حدٍ كبير مع تقديرات جمعتها وكالة (فرانس برس) الفرنسية، تؤكد أن “صادرات الكبتاغون تفوق في قيمتها صادرات البلاد الشرعية، وأن 80 % من هذه التجارة مركزها سورية”[6]، عدا أن هذه الصناعة والتجارة في حالة ازدهار، وليس لدى النظام ما يدفعه للحد من عمليات التصنيع والتهريب القائمة على أراضيه، وربما لا يستطيع محاصرتها، وإن رغب في ذلك افتراضًا، بحكم ثقل القرار الإيراني في سورية، ولا يبدو النظام السوري مكترثًا بانعكاس تصنيع المخدرات واستيطانها كاقتصاد غير شرعي على المجتمع السوري ومستقبل أجياله، ومما يدعو للغرابة أيضًا أن تنخرط في هذه الصناعة بعض شركات تصنيع الأدوية الخاصة، نظرًا لإمكانية استيرادها للمواد الأولية الداخلة في صناعة الكبتاغون.

 لقد باتت صناعة وتجارة الكبتاغون خطرًا داهمًا، لفت نظر العالم ودعاه إلى ضرورة مواجهة هذا الخطر المتنامي، ومن ذلك صدور قانون الكبتاغون عن الإدارة الأميركية نهاية العام 2022، الذي سوف يدخل حيز التطبيق أوائل حزيران/ يونيو 2023، ويقضي بملاحقة شبكات تهريب الكبتاغون السوري في كل دول العالم، وضرب أماكن تصنيعها وملاحقة مسهليها، لكن القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة لن يكون بتلك السهولة، ذلك أن هذه الصناعة لا تحتاج إلى إمكانات مالية ضخمة، ولا إلى منشآت كبيرة (آلة خلط، مكبس للحبوب، آلة تجفيف)، كما أن القابلية لتعديل تركيبة المنتج الكيميائية باستمرار تُصعب من عمليات كشفه بالطرق المعتمدة، يضاف إلى ذلك أن الدول المعنية لا تثق بما يذيعه النظام، بين الحين والآخر، من أنه ألقى القبض على شبكة ترويج أو اتجار بالمخدرات، الأمر الذي يلقي على الأردن والدول المتضررة الأخرى أعباءً جمة، كما أن شبكات التهريب تتلقى دعمًا لوجستيًا وحمايةً من ميليشيات مسلحة، لديها طيران مسير، وربما تحظى بتغطية من قوات عسكرية وأمنية سورية في المنطقة، وقد لاحقت القوات الأردنية تلك الشبكات واشتبكت معها، بعد أن زادت عمليات التهريب في السنوات الثلاثة الأخيرة، ما أدى إلى مقتل أكثر من أربعين مهربًا، وضبط 20 مليون حبة مخدرة وحشيش وقطع سلاح وذخيرة، حسب المعلومات الأردنية”[7]، لكن الرسالة ذات الدلالة في مستقبل المواجهة في حرب المخدرات المتصاعدة، كانت في قصف الطيران الأردني معملًا لتصنيع المخدرات يتبع “حزب الله”، في محطة المياه جنوب درعا، وقتل أكبر تاجر ومدير لشبكات التهريب، مرعي الرمثان وعائلته، في قرية الشعاب جنوب شرق السويداء، قريبًا من الحدود الأردنية، بعد يوم من قرار إعادة سورية لشغل مقعدها في الجامعة، فهل يمكن توقع أن يكون الأردن رأسَ حربة في ملاحقة وضرب شبكات التهريب داخل سورية وعلى طرق التهريب في المنطقة، كجزء من تفعيل قانون الكبتاغون الأميركي، وأن يكون درع مواجهة نيابة عن دول الخليج في حرب الكبتاغون؟ ويرجح أنه دافع ليتصدى مضطرًا لهذه المهمة.

دافع مشكلة اللاجئين:

كانت درعا نقطة انطلاق شرارة الثورة، في 18آذار/ مارس 2011، حيث شهد ذلك اليوم الدموي انفلات العنف، بشكل أراد منه النظام تعميم رسالة تحذير لكل السوريين، بما ينتظرهم إذا لم يتعظوا ممّا مارسته قواته في درعا خاصة، مع مواصلة أهل درعا مواجهتهم السلمية للنظام، قبل أن تبدأ ظاهرة الانشقاق داخل عناصر الجيش، وانحياز بعضهم للثورة، الأمر الذي دفع بكتل بشرية ضخمة لعبور الحدود باتجاه الأردن، الذي يشكل شماله امتدادًا جغرافيًا وقبليًا لسكان درعا، وقد جمع الأردن اللاجئين السوريين إليه في مخيّمَين كبيرين، هما (الأزرق) قرب عمان، و(الزعتري) القريب من الحدود السورية في منطقة جغرافية قاحلة، وضمّ 120 ألف لاجئ يعانون قسوة الطبيعة ومشاكل اللجوء. وتشير التقديرات الأردنية إلى وجود 1.3مليون لاجئ، لكن المسجل منهم لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، كلاجئين أو طالبي لجوء، بلغ 677 ألفًا حتى تاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وتوزع الباقون، بغض النظر عن دقة الأرقام، على المجتمعات المضيفة في محافظات الأردن.

حاول الأردن ضبط وجود العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في مخيمات، ليسهل من خلالها عمليات الإغاثة وضبط التداعيات التي قد تنجم عن مشكلة اللجوء، من أناس فقدوا أموالهم وبيوتهم وأمانهم وعلاقاتهم وفروا بأولادهم من الموت، ويعاني كثير من أطفالهم صدمة الحرب التي تؤثر في صحتهم النفسية والعقلية، كالقلق والاكتئاب والخوف وتعاطي المخدرات، الأمر الذي أدى إلى امتناع كثير من الأولاد في سنّ المدرسة من الذهاب إليها، نتيجة الخوف من مغادرة أهليهم، أو اضطرارهم إلى تلبية الخدمات البيتية.

في دراسة استطلاعية أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالتعاون مع مركز نماء للاستشارات الاستراتيجية، ورد أن “92% من الأردنيين يقولون إنهم متعاطفون مع اللاجئين السوريين”[8]، وهذا جيّد، قياسًا بنظرة المجتمعات في دول اللجوء الأخرى ولبنان أكثرها سوءًا، لكن منظمة العفو الدولية (أمنستي) تقول إنه منذ شهر أيار/ مايو 2013 بدأت تظهر مؤشرات على وجود سياسة إغلاق غير معلنة للحدود، مما أدى إلى تفاقم مشكلات الدخول إلى الأردن، وتقلص عدد الداخلين بشكل كبير، ما عدا بعض حالات المرضى والجرحى، ما أدى إلى تزايد عدد العالقين على الحدود في نصيب وتل شهاب”[9]، وتبرر السلطات الأردنية قراراتها هذه بأن من لم يملك وثائق ثبوتية لا يحقّ له الدخول، ومن يدخل من معابر غير رسمية، كمركز تسجيل اللاجئين “مركز رباع السرحان”، فإنه يتم حجز ثبوتيات الداخلين وتزويدهم ببطاقات تعريف حمراء، وعدم حمل بطاقات ثبوتية يحرم اللاجئ من تسجيل واقعات الزواج والولادات وتصاريح العمل، مما يجعلهم عرضة للاستغلال الاقتصادي.

يشكو الأردن من تراجع التمويل الدولي لخطة الاستجابة بالسنوات الثماني 2012-2020، وفق أرقام وزارة التخطيط الأردنية، التي قالت إن هناك “تراجعًا بنسبة 58%، ذلك أن الأردن كان قدّر احتياجاته لمواجهة أعباء اللجوء، للفترة المذكورة بـ 2.4 مليار دولار، لم يقدّم منها سوى 1.015 مليار دولار، أي ما نسبته 42%”[10]، أما خطة الاستجابة فقد تضمنت أربعة محاور: (تأمين تمويل كاف للخطة، تأمين مِنح كافية لدعم المؤسسات الوطنية ورفع كفاءة العاملين فيها، تعزيز الأنظمة الصحية والتعليمية والبنية التحتية، وتمويل المشاريع ذات الطابع الرأسمالي)، وعليه، فإن الأردن يكرر تحذيراته بأن نقص التمويل الدولي سوف ينعكس سلبًا ويؤدي إلى تقليص الخدمات والبرامج الإغاثية التي يقدّمها للاجئين.

الدوافع السياسية:

على أهمية الدوافع الاقتصادية، وخطورة الأبعاد الأمنية، في محاولة تفسير الدوافع الأردنية في حماسها وحراكها المحموم، للتطبيع مع النظام السوري وفكّ عزلته الدولية، فإن الدوافع السياسية ربما تكون مقدمة على الدافعَين السابقين، حيث من المستبعد أن يساعد النظام السوري الأردن على الصعيد الاقتصادي، في الوقت الذي يعاني فيه أزمات اقتصادية ومالية ومعيشية لم يتمكن من حل أي منها، بل تزداد مظاهرها تعقيدًا بفعل عدة عوامل، منها العقوبات المفروضة على النظام ومؤسساته المالية والاقتصادية ومعظم مسؤوليه، إلى جانب سوء الإدارة وتفشي الفساد في أجهزة الدولة.

وقد كان الأردن أوّل من نبّه، منذ مطلع الألفية، إلى خطر الهلال الشيعي، الذي بات حاليًا بعد الغزو الأميركي للعراق 2003، والصراع المفتوح في سورية منذ العام 2011، يطوّقه من خاصرتيه الشرقية والشمالية، بحكم المحاولات الإيرانية المستميتة، للتموضع العسكري في سورية، وهو يتعرض لضغوط من روسيا والعراق والإمارات، للسير في محاولات إعادة تأهيل النظام، بالقدر الذي لا ينكر فيه الدفع الإسرائيلي بهذا الاتجاه.

يمكن الافتراض بداهة أن الأردن، ككثير من الدول العربية، لم يكن مرتاحًا لثورات الربيع العربي، فوضعه لا يحتمل انتقال شرارتها إليه، لكنه خضع لتداعياتها المباشرة كأمر واقع، وبات أحد الدول الداعمة للمعارضة السورية في الجنوب، لكن التدخل العسكري الروسي، في أيلول/ سبتمبر 2015، غيّر من معادلات الصراع لصالح النظام، والتفاهمات الروسية الإسرائيلية والأردنية، على اتفاقات خفض التصعيد الأربعة عام 2018 وما نجم عنها من مصالحات وتسويات لأوضاع أفراد عناصر الفصائل المسلحة بضمانة روسية وترحيل من لم يقبل بالتسويات منهم إلى الشمال، فتحت أمام الأردن فرصة التفكير ببدء مسار التطبيع، مع النظام من المدخل الاقتصادي وفتح المعبر الحدودي، ثم تتابعت الخطوات الأردنية على هذا الطريق.

    بدايات التحرك الأردني: لعلّ أبرز تلك الإشارات والخطوات ما صرّح به العاهل الأردني، في مقابلة له مع CNN الأميركية، بتاريخ 25 تموز/ يوليو 2021، إذ قال إنه “قدم إلى الإدارة مقترحًا لحل الأزمة في سورية، يرتكز على التخلي عن فكرة رحيل الأسد، وإعادة سورية إلى الجامعة، وتجميد العقوبات (قيصر)، والسماح بإعادة الإعمار، وأن الأردن وروسيا وإسرائيل على إنجاح هذه المبادرة، وأنه طلب من الولايات المتحدة المشاركة بها، إذ ستتولى الأردن التوجه نحو الدول العربية وروسيا تجاه إيران”، وأنه “ما دام بقاء الأسد بات حقيقة، فلم لا نتعامل مع الواقع، أليس هذا أفضل من ترك الأمور معلقة!”[11]، هذه الواقعية السياسة ما كان للعاهل الأردني أن يعلنها صراحة، مفتتحًا بذلك مسارًا للتطبيع مع النظام السوري وإعادة تأهيله عربيًا ودوليًا، لولا تفاهم الأردن مع روسيا وإشارات إسرائيلية وضغط إماراتي، على الرغم من تصاعد الهواجس الأردنية الأمنية ودواعيه الاقتصادية.

    المبادرة الأردنية: لم ينشر شيء رسمي عن بنود ما عرف بالمبادرة الأردنية تجاه سورية، سوى ما صرح به وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، في آذار/ مارس 2023، بقوله: “هناك عمليات تنسيق مع الأمم المتحدة، من أجل إطلاعها على مضمون المبادرة العربية، لإيجاد حل للملف السوري، وذلك بإطلاق جهود عربية، للانخراط مع الحكومة السورية في حل سياسي، يستهدف حلّ الأزمة ومعالجة تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية”، ويتابع الصفدي: “نحن كعرب أولى بتَصدر طاولة الحوار، لأن سورية بلد عربي، وتبعات الأزمة تؤثر علينا أكثر من غيرنا”[12].

إن توجه الأردن يبدو تسليمًا بوقائع على الأرض أفرزتها استعادة النظام السوري، بدعم روسي وإيراني، السيطرة على معظم المناطق التي اضطرت المعارضة إلى الانسحاب منها، وتراجع فرص الإطاحة بالنظام، ما يقتضي قبول التعامل مع النظام السوري، وليس حلًا سياسيًا، وإذا كان كل ما يُصرّح به حول المبادرة الأردنية يقوم على ما قدّمه الأردن عام 2021، أو ما عُرف باللا ورقة، التي تضمنت أربعة بنود: (1-صياغة نهج تدريجي نحو حل سياسي على أساس القرار الأممي رقم 2254/2015، 2-بناء الدعم للنهج بين الشركاء الإقليميين والدوليين،3- السعي لاتفاق مع روسيا على هذا النهج والاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري،4- مرحلة التنفيذ). وهي تقوم على مبدأ الخطوة مقابل خطوة، وتقديم مساعدات اقتصادية وتخفيف تدريجي للعقوبات وحلحلة المسائل الإنسانية كاللاجئين والمعتقلين، كمقدمة لمسار سياسي حدده القرار الأممي 2254، فالأمر على هذا لا يعني حلًا سياسيًا مستدامًا[13].

    دبلوماسية الزلزال والاتفاق السعودي الإيراني: تسارعت الحركات الدبلوماسية في اتجاه التطبيع مع النظام السوري، بدفع كارثة الزلزال الذي تعرضت له سورية بتاريخ 6 شباط/ فبراير 2023، الذي شكل مدخلًا للتحرك العربي تجاهها من البوابة الإنسانية، مستفيدًا من القرار الأميركي لتعليق بعض عقوبات قيصر لمدة ستة أشهر، لكن الأهم من هذا كان الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، الذي أُعلنَ في 10 آذار/ مارس 2023، وفتح المجال أمام تحرك سعودي تجاه الملف السوري، ربما لم تكن بوارد الانخراط النشط فيه في هذه المرحلة ، لكن كون إيران هي خيط الربط بأربعة ملفات تهمّ السعودية، وأبرزها الملف اليمني، أسهم مع هاجس غزو الكبتاغون بتناغم الخطى بين الرياض وعمان، فكان اجتماع جدّة بتاريخ 14 نيسان/ أبريل 2023، بحضور العراق والأردن ومصر وسورية والإمارات، وحضور السعودية كدولة داعية ومضيفة، وحدد البيان الذي صدر عن اللقاء الخطوط العامة لما يهم الدول المجتمعة وأولوياتها في هذه المرحلة، فقد أكد أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة في سورية، وشدد على أهمية أن يكون هناك دور عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف الجهود بين الدول العربية، بما يكفل نجاح هذا الدور.

    الاجتماع الخماسي التشاوري: بتاريخ 1 أيار/ مايو 2023، دعت الأردن للاجتماع الخماسي في عمّان، بحضور السعودية ومصر والعراق وسورية، استكمالًا لاجتماع جدّة ومخرجاته، ومع دخول المجتمعين بشكل تفصيلي بالأبعاد التقنية لخطة العمل، شدّد البيان على أهمية تجاوز تداعيات الأزمة السورية وانعكاساتها الإقليمية والدولية، عبر حل سياسي يحفظ وحدة سورية وتماسكها وسيادتها، ويفضي إلى خروج جميع القوات “غير الشرعية” منها، بما يحقق المصلحة الوطنية. واتفق الوزراء على تشكيل فريق فني على مستوى الخبراء، لمتابعة مخرجات هذا الاجتماع، وتحديد الخطوات القادمة في سياق هذا المسار الذي يستهدف معالجة الأزمة السورية وحلها، ومعالجة جميع تداعياتها، كما اتفق الوزراء على أجندة المحادثات، وأنها ستتواصل وفق جدول زمني سيتم الاتفاق عليه، بما يتكامل مع الجهود الأممية وغيرها ذات الصلة. وتابع البيان أن الوزراء اعتبروا عودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى بلدهم أولويةً، ويجب اتخاذ الخطوات للبدء بتنفيذها فورًا، وتعزيز التعاون بين سورية والدول المضيفة للاجئين، والتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة، لتنظيم عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح، وكذلك التنسيق مع هيئات الأمم المتحدة، لتحديد الاحتياجات اللازمة لتحسين البنية التحية وتنفيذ مشاريع التعافي المبكر[14].

نقطتان ذات دلالة تجاوز فيهما اجتماع عمان لقاء جدة، أولاهما تضمنتها العبارة الملتبسة، حين طالب بإخراج القوات غير الشرعية، أي أنه هنا ترك للنظام السوري حرية تحديد من هي القوات الشرعية، والقوات غير الشرعية، وهذا تراجع لم يكن متوقعًا في ظلّ تشديد الأردن على خطر الميليشيات الإيرانية المتموضعة جنوب سورية، فهل تم قبول ذلك لتجاوز احتمال انهيار المباحثات، أمام تصميم النظام السوري على عدم مناقشة علاقته بإيران على طاولة البحث؟ وثانيتهما أن مشاريع التعافي المبكر للمناطق، التي سيعود إليها اللاجئون وتكاليفها، سوف تُحدد بالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة، الأمر الذي عنى عدم ترك تقدير ذلك للنظام السوري، ولا منحه فرصة استجرار أموال أكثر، مما يتحمله مصطلح التعافي المبكر، والأهم جعل العملية بغطاء ومشاركة المجتمع الدولي.

    قمة جدة: بما أن موعد مؤتمر القمة العربية في دورته العادية 32 كان محددًا بتاريخ 19 أيار/ مايو 2023، وأن قرارًا على إعادة سورية، لشغل مقعدها في مؤسسات الجامعة، قد تم اتخاذه، كما اتضح لاحقًا، فقد تكفلت السعودية بإقناع الدول الثلاثة، التي بقيت على اعتراضها على العودة، وقد نجحت في مهمتها مع الكويت والمغرب، في حين بقيت قطر على اعتراضها، لكنها امتنعت عن طلب التصويت، كما تكفلت مصر بالإجراءات البروتوكولية، ومنها دعوة وزراء خارجية الدول العربية بتاريخ 7 أيار/ مايو 2023، لإقرار إلغاء قرار الجامعة بتجميد عضوية سورية، القرار الذي فتح المجال لحضور سورية مؤتمر القمة في جدة، والذي تبين من بيانه الختامي أن الوضع السوري لم يشغل حيزًا فيه، وكأن حضور رئيس النظام السوري جلسات المؤتمر أغنى، من وجهة المؤتمرين، عن أي قرارات ذات معنى حيال الوضع السوري، إلا إذا اعتبر المؤتمرين أن مخرجات اجتماع عمان الخماسي، التي أعلنت في بيانه الختامي، أو ما ترك من قضايا معلقة، لعمل دبلوماسي لاحق لم يعلن عنه، كان كافيًا عند هذه المرحلة.

ثالثًا: عقبات على طريق المساعي الأردنية

    استطاع الأردن نتيجة جهوده الحثيثة منذ عام 2021، بمساعدة المملكة العربية السعودية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، أن يمرر عودة النظام لشغل مقعد سورية في جامعة الدول العربية، تجميدها لعقد من الزمن، وحضر رئيس النظام السوري مؤتمر القمة الدورية رقم 22، الذي عقد في جدة بتاريخ 19 أيار/ مايو 2023، وبما أن بيان اجتماع عمان التشاوري الذي عقد بتاريخ 18أيار/ مايو 2023، يعتبر ركيزة لمسار التطبيع، وقد كان واضحًا في أهدافه وخطواته المتبادلة لإنجاز تلك الأهداف وصولًا إلى الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254/2015، فإن عودة سورية إلى الجامعة لا تعني نهاية مسار التطبيع، بل بداية له تقف أمامه جملة من العقبات، التي يصعب على العرب حلحلتها، ولذلك كانت دول اجتماع عمان الخمس حريصة في البيانات الثلاثة الأخيرة، وهي الأهم في هذا المسار، أن تؤكد أن خطواتها -حتى تلك التي تخص الوضع الإنساني- تجري في سياق القرارات الأممية، وليس بالقفز فوقها.

    يعدّ الوجود الإيراني والروسي العسكري بشكل أساسي واحدًا من العقبات التي ستمهّد لعرقلة المسار، ما لم يصب في قبول العرب بالوجود الإيراني، كأمر واقع عليهم التعايش معه، وهذا مما لا يمكن للسعودية والأردن على وجه الخصوص التسليم به، فهو يشكل أكبر خطر على أمنهما الوطني، وعندما يضاف إلى ذلك أن روسيا، التي كانت تتفهم بعض الهواجس العربية، وكان يمكن لها أن تضغط على النظام وإيران، بما يسهل مساعيها لإعادة تأهيل النظام، لم تعد تملك ذلك التأثير في الملف السوري، بعد تورطها في الحرب الأوكرانية، كما أن إيران التي لا يساورها ذلك القلق الكبير من التحركات العربية، بحكم وجودها العسكري الكثيف ميدانيًا، وربما تحكمها إلى حدِ كبير بالقرار السياسي للنظام السوري، فإنها مع ذلك تحركت بالتزامن مع الحراك العربي في الفترة الأخيرة، بشكل أساسي على الصعيد الاقتصادي، حيث سعت من ضمن محاولتها استرداد ديونها التي بلغت 32 مليار دولار، حسب تصريح لمسؤول إيراني، و50 مليار حسب تسريبات غير رسمية، من خلال اجتماع اللجنة الاقتصادية السورية الإيرانية المشتركة الذي عقد في دمشق بتاريخ 26 نيسان/ أبريل 2023، واتفقا على تطوير التعاون بينهما في مجالات الطاقة والنفط والكهرباء والنقل والثقافة وكذلك مجالات التأمين والمصارف والجمارك، كما تدشين ميناء الحميدية على الساحل السوري، كما جرى الحديث عن شراء أراضٍ زراعية، كذلك جاءت زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق بتاريخ 3 أيار/ مايو 2023، لتأكيد الرسالة التي أرادت طهران إيصالها للدول العربية المعنية، بأن إيران باتت مقررة بالصراع السوري، وعليهم أخذ ذلك بعين الاعتبار، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الإيرانية حسين عبد اللهيان، في تغريده له على (تويتر) قبيل مغادرته طهران: “إن أهمية الزيارة تدلّ على انتصار الإرادة السياسية للمقاومة علاوة على أبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية[15].

    لعل العقبة الأكبر تقبع في العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري، كقانون قيصر وقانون الكبتاغون، والقانون الجديد الذي أقرته لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي وينتظر التصويت عليه في غرفتي البرلمان الأميركي، وفي حال إقراره سيمنع الإدارات الأميركية من الاعتراف ببشار الأسد رئيسًا لسورية، ويمنع الاعتراف بأي حكومة يرأسها، إضافة إلى عقوبات أخرى.

من الواضح أن الولايات المتحدة، التي لا تني تؤكد في بيانات وزارة خارجيتها أو الناطقين باسمها أنها لن تطبع مع النظام، ولا تشجع الآخرين على ذلك، لا تتبع سياسة نشطة لمنع حركة التطبيع، إلا أنه لا يمكن للأطراف العربية تجاوز العقوبات الأميركية، فالولايات المتحدة منشغلة في الملف الأوكراني، ولا ضير لديها إن استطاع حلفاؤها تحقيق اختراق ما، ما دامت هي من يتحكم في الحل النهائي، كذلك مواقف الاتحاد الأوروبي، والعقوبات التي فرضها على مسؤولين وهيئات سورية، وقد عنونها الاتحاد مطلع العام الجاري بلاءاته الثلاثة: ( لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات قبل تحقيق حل سياسي للأزمة السورية)، وكان آخرها تصريح جوزيف بوريل رئيس المفوضية الأوروبية الذي “شدد على عدم التطبيع مع النظام وعدم رفع العقوبات عنه، إلى حين تحقيق انتقال سياسي يلبي متطلبات قرارات مجلس الأمن”[16].

    لعل أعقد العقبات أمام المسار العربي، الذي انطلق للتطبيع مع النظام، يمثلها النظام السوري الذي يجيد المراوغة والمراهنة على عامل الوقت، وعندما يضاف إلى ذلك فقدانه لكثير من قراره السياسي، بحكم تحكم حلفائه موضوعيًا فيه، وليس أدل على ذلك من تصريح وزير خارجية النظام فيصل المقداد، لقناة RT الروسية، بعد ثلاثة أسابيع من اجتماع عمان الخماسي، ومخرجاته الواضحة والمجدولة زمنيًا وتقنيًا، وفق قاعدة خطوة مقابل خطوة، وفي إطار قرار مجلس الأمن الدولي 2254، بقوله: “في اجتماع عمان لم يتم الاتفاق على منهجية خطوة مقابل خطوة، ونحن سوف ننفذ ما يعنينا من القرار الأممي المقصود، وما يعنينا منه محاربة الإرهاب وتنشيط الاقتصاد السوري ورفع العقوبات”[17]، فإلى من كان يوجه كلامه هنا المقداد، ما دام لم يتحفظ على البيان عند صدوره، ولم يرفض أيًا من بنوده، أكان موجهًا إلى الداخل والموالين؟ أم إلى الدول العربية الخمس -وهذا هو المرجح- للقول بأنّ ما كان يعني النظام هو الجانب البروتوكولي، وعودة سورية إلى الجامعة، واستجرار أموال الخليجيين، ودفعهم للضغط على الإدارة الأميركية، ومحاولة رفع العقوبات أو التخفيف منها، ثم سيغرقهم بعدها بالتفاصيل، في ما يخص البنود الأخرى.

رابعًا: خاتمة

من الطبيعي أن تتغيّر سياسات الدول ومواقفها، استجابة لضغوط داخلية، أو تساوقًا مع تطورات إقليمية ودولية، وقد خضع الأردن لكلتا الحالتين، اقتصاد داخلي منهك، وخطر إيراني محدق به من الشرق والشمال، وقد جرّه إلى حرب مخدرات مكلفة سياسيًا واجتماعيًا، وهذه العوامل، مع استسلامه لفكرة بقاء النظام السوري، دفعته إلى محاولة إقناع دول الإقليم والحليف الأميركي، لتقبل فكرة التطبيع مع النظام، ثم جاء الانقلاب في الموقف السعودي، بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، ليعطي دفعًا قويًا للحراك الأردني، الذي أثمر إعادة النظام إلى الجامعة وانطلاق مسار اختباري تدريجي، لمحاولة معالجة تداعيات الصراع، في أبعاده الإنسانية الاقتصادية والأمنية والسياسية، وأيًا كانت درجة تفاؤل المتفائلين من موالي النظام، أو درجة الإحباط التي قد تكون أصابت الشعب السوري، فإن التجربة لا توحي بأن المغامرة السعودية والاندفاعة الأردنية سوف تحقق أهدافها المعلنة، فالنظام يصرّ على عدم السير بأي حل لا يبقيه في السلطة، وفقًا لمعطيات الصراع عند هذه العتبة، كما أن حلفاءه لن يسمحوا له، إذا أراد ذلك افتراضًا، بأن يفرّط بما أنجزوه، لذلك فالأكثر ترجيحًا أن يبقى مسار التطبيع يراوح مكانه، وما دام النظام لن يقدّم شيئًا ذا معنى، فإن الآخرين المحكومين بالعقوبات الأميركية والقرارات الأممية لن يُقدّموا له ما كان يتطلع إليه.

[1] تجارب الأردن تسلط الضوء على حدود العلاقات المتجددة مع سورية- دراسة للباحث في مركز كارنيغي كير الشرق الأوسط أرميناك توكماجيان- تاريخ النشر 6/3/2023- carnegie-mec.org/2023/3/6/ar-pub-89178 

[2] مصدر سابق، تجارب الأردن تسلط الضوء carnegie-mec.org/2023/3/6/ar-pub-89178

[3] المصدر السابق، تجارب الأردن تسلط الضوء carnegie-mec.org/2023/3/6/ar-pub-89178

 [4]مقابلة للعاهل الأردني مع الجنرال هربرت ماكماستر بتاريخ 18/5/2022 https://www.youtube.com/watch?v=aVxBWCNKcPo

[5] تجارة الكبتاغون وسيلة النظام للبقاء اقتصاديا وسياسيا، موقع العربي الجديد، تاريخ 5/4/ 2023 alarabY.co-uk/politics

[6] حبوب الكبتاغون التي حولت سورية إلى دولة مخدرات، موقع سويس انفو، تاريخ3/11/2022swissinfo.ch/ara/ufb/48027332–

[7] ألغام في طريق تطبيع العلاقات بين الأردن وسوريا، موقع الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net/politics/2022/5/25

[8] الأزمات المعيشية تلاحق اللاجئين السوريين في الأردن، موقع العربي الجديد، بتاريخ25/3/2022 – alaraby.co.uk/economy

[9] تقرير لمنظمة العفو الدولية بتاريخ 9/6/2021 –amnesty.org/en/wp-content/u pleads/sites/9/6/2021/mde/160032013ar

[10] الأردن واللاجئون السوريون على موعد مع أزمة خانقة، أيمن فضيلات، موقع الجزيرة نت، 9/1/2020 Aljazeera, net/politics

[11] مقابلة مع العاهل الأردني أثناء زيارته لواشنطن، تموز 2021 hptts:/wwwapwxeddpad5 mbrbpavtc

[12] مبادرة أردنية للحل في سورية فهل ترى النور؟، موقع اندبندنت عربي، independente arabia.com/nod/434541/

[13]للمزيد حول المبادرة الأردنية، انظر: المبادرة الأردنية للحل في سورية، شروط النجاح غير متوفرة، تقارير عربية بتاريخ23 2023/3/ 23alaraby.co%3Buk%2Fpolitic

[14] بيان اجتماع عمان الخماسي حول سورية، موقع عمان نت، 1/5/2023،

https://2u.pw/fxXZZGn

[15] تغريدة لوزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان لمناسبة زيارة رئيسي لدمشق-1https://www.alaraby.co.uk/politics/

[16] الاتحاد الأوروبي لا تطبيع مع النظام، موقع الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net/politics/2021/3/10

[17] مقابلة لفيصل المقداد مع محطةRT الروسية بتاريخ 23/5/2023–نقلًا عن موقع أورينت نت https://www.youtube.com/watch?v=DPZ6tSdx84o

مركز حرمون

—————————-

آفاق التطبيع التركي السوري بعد فوز أردوغان/ احمد رحال

وجد اللاجئون السوريون أنفسهم “فرس الرهان” في صندوق الانتخابات التركي ومادة للتنافس الانتخابي خلال العامين الماضيين، حيث أُدخل الملف السوري في دهاليز الانتخابات التركية، ما تسبب بدفع السوريين لأثمان باهظة عبر تصريحات وتصرفات أقل ما يقال عنها أنها كانت “عنصرية” من قبل بعض أطراف المعارضة التركية، وقاسية ومجحفة من قبل الحكومة التركية الخاضعة للحزب الحاكم في تركيا، وتبرير أصحابها أنهم اضطروا لاتخاذ تلك الإجراءات لوقف غضب الشارع التركي ولسحب أوراق كانت مقلقة وتملكها المعارضة التركية.

إحدى أهم الأوراق التي طرحتها المعارضة التركية كان ملف التقارب مع نظام الأسد، والتطبيع معه، وإعادة اللاجئين السوريين، ووقف عمل المعارضة السورية على أراضيها. تناغم الروس، والرئيس بوتين تحديداً، مع ما طرحته المعارضة التركية، ووجدها فرصة للضغط على الرئيس أردوغان بحجة سحب ورقة من معارضيه، وبذات الوقت تصحيح مسار العلاقات الخارجية لتركيا التي بدأت بالسنوات الأخيرة بالعودة لسياسة “صفر مشاكل” التي طرحها وزير الخارجية التركي السابق “أحمد داؤد أوغلو”. استجاب أردوغان لمطالب بوتين، وعلى مدار العام الأخير بات السوريون ينامون ويستيقظون على تصريحات تركية جديدة صادرة عن الخارجية والرئاسة والدفاع تتحدث عن قرب اللقاء الذي يجمع أردوغان بالأسد، وقرب ترحيل اللاجئين (عودة طوعية)، بالمقابل كان هناك إحجام ورفض وشروط ذات أسقف مرتفعة وضعها نظام الأسد كثمن لأي تقارب تركي سوري، متمسكاً بأهداف خلبية ووهمية وخاصة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية المخترقة بجيوش خمسة دول جاثمة على أراضيه، لكن حقيقة الرفض الأسدي ترتكز على واقعين: الأول يعود لإدراك بشار الأسد أن أي تقارب مع تركيا يعني البدء بالبحث عن حل سياسي، وأن أي حل سياسي حقيقي للقضية السورية سيشكل الخطوة الأولى في نهاية نظامه.

الواقع الثاني، أن هذا التطبيع غير مرض عنه إيرانياً, لأن إيران تريد أن تقبض ثمن التطبيع العربي مع الأسد أولاً, ومن ثم أن يكون التطبيع السوري_ التركي من بوابة طهران وليس عبر موسكو.

الضغوط زالت عن الرئيس التركي داخلياً وخارجياً؛ فالداخل ركن وأقر بنتائج الانتخابات وبفوز أردوغان، وتوقفت كل أوراق المعارضة الضاغطة وانتهت معها فترة قلقة عاشها حزب العدالة والتنمية وحكومته ورئيسه، وأيضاً عبارة الأسد التي ما فتئ يرددها “سننتظر لبعد نهاية الانتخابات لنحاور الفائز بصناديق الانتخابات التركية”، التي كان يغمز بها نظام الأسد للضغط على أردوغان وانتزاع تنازلات منه.  تراجعت أيضاً الضغوط الروسية والإيرانية التي مورست قبل الانتخابات، وبالتالي فإن من المتوقع أن يخف زخم التصريحات وزخم الاندفاعة التركية تجاه النظام والتي سادت المرحلة الأخيرة. كذلك كان هناك إجماع إقليمي وعربي وغربي، ألا خوف من أردوغان إن فاز في الانتخابات؛ فالرئيس التركي القادم (حيثما كان) سيكون أمامه ملفين ضاغطين ويستحوذان على جل اهتمام وعمل الحكومة، وهما ملف إزالة آثار الزلزال الذي ضرب تركيا بداية هذا العام، والآخر هو ملف الاقتصاد التركي الذي أقلق المواطنين الأتراك.

المراقب للإستراتيجية التركية في الملف السوري، والخاضعة للدولة العميقة، يجدها عبرت مرحلتان وتراوح بالثالثة حالياً. المرحلة الأولى تمثّلت في وقف إطلاق النار، والثانية في خفض التصعيد، أما الثالثة والتي تبحث عنها تركيا اليوم هي مرحلة التطبيع المترافقة مع مرحلة الاستقرار وعودة اللاجئين من تركيا للداخل السوري، إلا أن ملف التطبيع مع الأسد يحتاج إعادة تموضع من قبل الحكومة التركية وحسم خيارات وإغلاق ملفات، فملف شرق الفرات يحتاج لتفاهمات معمقة مع الجانب الأمريكي، وسياسة (احتدام المواقف) والمناكفة لم تعد مجدية ولا تصلح للمرحلة المقبلة، بل تحتم على وزارتي الخارجية والدفاع التركيتين الجلوس على طاولة التفاوض مع الأمريكان وطي هذا الملف نهائياً بما يخدم كلا الطرفين، خاصة بعد تأكيد خبر مفاده أن تركيا حصلت على تفويض روسي أسدي إيراني ببقاء قواتها العسكرية داخل سوريا لخمس سنوات، بغض النظر عن “جعجعات” نظام الأسد الخاضع للمشيئة الروسية الإيرانية.

أيضاً تُدرك تركيا أن مناورات موسكو حول الحل في سوريا محكومة بالفشل، وقد تقطف منها أنقرة فقط شروطاً تسهيلية لإعادة بعض اللاجئين من أراضيها، لكنها عاجزة عن إنتاج حل مستدام للقضية السورية، وأن ما قاله وزير الخارجية الأمريكية “بلينكن” مؤخراً  “نحن مصممون على إيجاد حل سياسي في سوريا يحفظ وحدة البلاد وسيادتها ويلبي طموحات شعبها ويتوافق مع القانون الدولي ويحترم المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.”، ليرد عليه المدير العام للملف السوري في الخارجية التركية السفير كورهان كاراكوتش متناغماً بقوله: إن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لن تكون إلاَّ في نهاية العملية السياسية.

هذا الكلام يضع محددات للمناورة الروسية وللاندفاعة التركية في عملية التطبيع مع تركيا والحل في سوريا، بأن أوراق الحل الأساسية هي بيد واشنطن وخاصة ورقة ملف الإعمار، وبالتالي سيكون على أنقرة التخلي عن سياسة التموضع بين موسكو وواشنطن والانزياح كلية لأحد الأطراف، مع عدم معاداة الطرف الآخر، وإرسال أنقرة لـ”500″ جندي روسي كقوات حفظ سلام في “كوسوفو” بالرغم أنها خطوة تتبع لحلف النيتو، لكنها تأتي في إطار التقارب مع الغرب أيضاً.

والخارجية التركية تراقب عن كثب تجربة التطبيع العربي والموقف الأمريكي. هناك محددات قد وضعتها واشنطن بوجه العرب المطبعين مع الأسد وستكون مشهرة بوجه أنقرة أيضاً، حيث سُمح للعرب بالمناورة المحدودة مالياً ضمن سياسة “خطوة مقابل خطوة”،عبر تقديم بعض الأموال (المحدودة) للأسد من خلال ملفين هما ملف وقف إنتاج وزراعة وتصنيع وتهريب المخدرات، وملف المساعدات الإنسانية، وما عدا ذلك تبقى خطوط حمراء حذرت واشنطن العرب من تجاوزها، والموقف الأوربي المتناغم مع الموقف الأمريكي كان واضحاً وفسره السفير الألماني في القاهرة فرانك هارتمان في مؤتمر صحافي، بقوله: إن إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً في 20 حزيران/يونيو (بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية)، جاء بسبب رفض برلين الجلوس مع وفد النظام السوري المشارك في اللقاء من ضمن وفود الجامعة العربية وهي رسالة قوية للقادة العرب، وكان المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو قد أكد عقب قرار إعادة نظام الأسد للجامعة العربية، بأن الإتحاد لن يطبع العلاقات مع الأسد ولن يرفع العقوبات عن النظام، كما لن يتخلى عن الشعب السوري، مشدداً على أنه لا مشاركة للاتحاد في إعادة الإعمار قبل تحقيق الحل السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254.

ما سبق يؤكد أن الحكومة التركية وبعد زوال الضغوط عنها قد تفرمل اندفاعة التطبيع مع الأسد، ومؤتمر أستانا القادم مؤشر على ذلك؛ فالاجتماع الرباعي المرافق سيكون لنواب وزراء الخارجية وليس الوزراء (بخطوة نحو الخلف)، أيضاً خوف وتردد الأسد من أي استحقاق للحل في سوريا سيبطئ عملية التطبيع، يضاف للأمر انشغال الروس عن سوريا بالملف الأوكراني، وملء إيران لهذا الفراغ سيجعل التطبيع أمراً غاية في الصعوبة ويخضع للمشيئة الإيرانية، يضاف لكل ما سبق وجود شخصية قوية على رأس هرم وزارة الخارجية التركية التي تدرك مفاصل الوضع الأمني والاستخباراتي، وباتت تحمل مهمة إدارة الملفات السياسية الخارجية لتركيا ما سيعطي ثقلاً تركياً لرجل مقرب من الغرب و وصف بأنه مهندس المصالحات التركية الأخيرة مع العرب وإسرائيل، وأنه كان الأقرب لتفاصيل الملف السوري.

نورث برس

—————————

الأسد والعرب.. تفاصيل علاقة مجمدّة ذابت بـ”حبة صغيرة

شهدت العلاقة بين الدول العربية ونظام الأسد خلال الأشهر الماضية سلسلة تحركات، أذابت العلاقة المجمدة بينهما لأكثر من عقد، فيما يسلط تقرير الضوء على دور محوره “حبة بيضاء صغيرة”.

وجاء في التقرير الذي نشرته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، اليوم الجمعة، أن “الحبة الصغيرة” في إشارة لـ”الكبتاغون” أعطت رأس النظام بشار الأسد “نفوذاً قوياً مع جيرانه العرب”.

وكانت العواصم العربية على استعداد لإخراج الأسد من حالة “المنبوذ” على أمل أن يوقف تدفق أمفيتامينات الكبتاغون المسببة للإدمان إلى خارج سورية.

ويشير التقرير إلى أن “الحكومات الغربية شعرت بالإحباط بسبب المعاملة السخيفة التي قدمتها الدول العربية للأسد، خشية أن تقوض مصالحتها الدفع من أجل إنهاء الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ فترة طويلة”.

لكن بالنسبة للدول العربية، فإن وقف تجارة “الكبتاغون” يمثل أولوية قصوى.

وتم تهريب مئات الملايين من الحبوب على مر السنين إلى الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، حيث يتم استخدام الدواء للترفيه ومن قبل الأشخاص الذين تتطلب وظائف جسدية لإبقائهم في حالة تأهب.

واعترضت السعودية شحنات كبيرة من الحبوب مخبأة في صناديق من برتقال بلاستيكي مزيف وفي عبوات رمان مجوفة، وحتى الحبوب التي تم سحقها وتشكيلها لتبدو وكأنها أوعية فخارية تقليدية.

ماذا يريد الأسد؟

ويقول المحللون إن الأسد يأمل على الأرجح أنه من خلال القيام حتى بإيماءات محدودة ضد المخدرات، يمكنه كسب أموال إعادة الإعمار، والمزيد من الاندماج في المنطقة، بل وحتى الضغط من أجل إنهاء العقوبات الغربية.

ويتم إنتاج الغالبية العظمى من الكبتاغون في العالم في سورية، مع إنتاج أقل في لبنان المجاور.

وتقدر الحكومات الغربية أن التجارة غير المشروعة في الحبوب تدر مليارات الدولارات.

وتتهم الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي الأسد وعائلته وحلفائه بمن فيهم جماعة “حزب الله” اللبنانية بتسهيل التجارة والاستفادة منها.

ويقولون إن ذلك منح حكم الأسد شريان حياة مالياً هائلاً في وقت ينهار فيه الاقتصاد السوري.

“لقد كان جيران سورية أكبر سوق للأدوية وأكثرها ربحاً، مع ازدهار الصناعة”، ويقول الخبراء إن النظام السوري رأى في السنوات الأخيرة أن الكبتاغون أكثر من مجرد “بقرة مربحة”.

ويوضح كرم شعار الزميل البارز في معهد نيو لاينز بواشنطن: “لقد أدرك نظام الأسد أن هذا شيء يمكن أن يستخدمه كسلاح لتحقيق مكاسب سياسية، وذلك عندما بدأ الإنتاج على نطاق واسع”.

وكان وقف التجارة مطلباً رئيسياً للدول العربية في محادثاتها مع الأسد، بشأن إنهاء عزلته السياسية.

وأعيد إدخال النظام السوري، الشهر الماضي، في جامعة الدول العربية، فيما استقبل الأسد بترحيب حار في القمة التي استضافتها جدة.

وظهرت علامة محتملة على المقايضات التي جرت وراء الكواليس في 8 مايو / أيار، عندما حوّلت الغارات الجوية في جنوب سورية منزل زعيم مخدرات معروف إلى أنقاض.

إذ قُتل مرعي الرمثان وزوجته وأطفاله الستة، ودمرت غارة أخرى مصنعاً مشتبه به للكبتاغون خارج مدينة درعا بالقرب من الحدود الأردنية.

ويقول النشطاء والخبراء إن الأردن كان على الأرجح وراء الضربة بموافقة الأسد.

وجاءت الضربة بعد يوم واحد من إعادة قبول جامعة الدول العربية رسمياً للأسد، وهي خطوة ساعد الأردن في التوسط فيها.

وقال العميد السابق في المخابرات الأردنية، سعود الشرفات إن “الأسد أعطى تأكيدات بأنه سيوقف النظام عن دعم وحماية شبكات التهريب”.

وأضاف: “على سبيل المثال، سهّل التخلص من الرمثان”.

وأشار الشرفات إلى أن الأردن يرى في تجارة الكبتاغون “تهديداً للأمن والسلم المجتمعي”.

وفي تصريحات علنية، رفض وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، تأكيد أو نفي ما إذا كانت بلاده وراء الغارات الجوية، لكنه قال إنها مستعدة للقيام بعمل عسكري للحد من تهريب المخدرات.

“الكبتاغون في المقدمة”

وتقول دول عربية ، كثير منها دعم مقاتلي المعارضة في محاولة للإطاحة بالأسد، إنها تشاركه الهدف المتمثل في دفعه لتحقيق السلام.

وقبل قمة جدة، استضاف الأردن اجتماعاً لكبار الدبلوماسيين من سورية والسعودية والعراق ومصر، وتضمنت الأجندة الطويلة وضع خارطة طريق لمحادثات السلام وعودة ملايين اللاجئين السوريين.

ولكن كان في الكبتاغون حيث حقق التجمع أكبر قدر من التقدم.

وتعهد النظام السوري بتضييق الخناق على التهريب، وتم الاتفاق على لجنة تنسيق أمني إقليمي.

وبعد أيام، أفادت وسائل إعلام رسمية سورية بأن الشرطة قامت بإخماد عملية تهريب كبتاغون في مدينة حلب، واكتشفت مليون حبة مختبئة في شاحنة صغيرة.

في غضون ذلك، كثف الأردن المراقبة على طول الحدود السورية في السنوات الأخيرة وداهم تجار المخدرات.

وقتلت القوات الأردنية 27 من المهربين المشتبه بهم في معركة ضارية بالأسلحة النارية في يناير كانون الثاني.

“فك شبكات المخدرات”

وجعلت طرق التهريب فك شبكات المخدرات أكثر صعوبة.

وقال عضو في ميليشيا عراقية لـ”أسوشيتد برس” إن الميليشيات في محافظة الأنبار الصحراوية في العراق، المتاخمة لسورية والأردن والمملكة العربية السعودية، كانت حاسمة في تهريب الكبتاغون.

لكن النائب السوري عبود الشواخ نفى أرباح النظام السوري من تجارة المخدرات، وأصر على أن “السلطات تحاول بقوة القضاء على التهريب”.

وقال الشواخ: “بلدنا يستخدم كطريق عبور إقليمي حيث توجد معابر حدودية خارجة عن سيطرة الدولة”.

وزعم ذات المتحدث أن مجموعات المعارضة المسلحة فقط هي التي تشارك في التعامل مع الكبتاغون.

ويعتقد العديد من المراقبين أن جماعات المعارضة السورية لها بعض الضلوع في تهريب المخدرات.

لكن الحكومات الغربية تتهم أقارب الأسد وحلفائه بدور مباشر في إنتاج وتجارة الكبتاغون، وفرضت عقوبات على مجموعة من الأفراد المقربين من الأسد.

وقال الشرفات إنه في حين أن الأسد قد يكون على استعداد للتحرك ضد بعض أجزاء تجارة المخدرات، إلا أنه ليس لديه حافز كبير لسحقها بالكامل، دون الفوز بشيء في المقابل من الدول العربية.

ونفى مسؤول سعودي تقارير عن أن الرياض عرضت مليارات الدولارات على دمشق مقابل حملة قمع.

لكنه أضاف أن ما قد تقدمه المملكة لسورية سيكون أقل تكلفة من الضرر الذي أحدثه الكبتاغون بين الشباب السعودي.

“تنازلات ولكن”

وتخشى الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى أن يقوض تطبيع الدول العربية مع سورية محاولات دفع الأسد لتقديم تنازلات لإنهاء الصراع السوري.

ويريدون أن يتبع الأسد خارطة طريق السلام المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي تم تمريره بالإجماع في عام 2015، والذي يدعو إلى إجراء محادثات مع المعارضة وإعادة كتابة الدستور وإجراء انتخابات تراقبها الأمم المتحدة.

وحتى الآن، لم يذهب القرار إلى أي مكان، ومنذ مروره استعاد الأسد السيطرة على الأراضي التي فقدها سابقاً، وحصر المعارضة في زاوية صغيرة في الشمال الغربي.

و”تبدو قبضته على السلطة قوية الآن”، على الرغم من أن الكثير من الشمال والشرق لا يزال بعيداً عن يديه، حيث يسيطر عليه مقاتلو “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومون من الولايات المتحدة.

ويوضح الباحث شعار أن “الأسد قد يستخدم بطاقة الكبتاغون في محاولة لإرجاء قرار الأمم المتحدة”.

وهناك تنازلات أخرى، مثل رفع العقوبات التي يقودها الغرب، لكن “سيكون من الصعب عليه الفوز بها”، حسب الباحث.

ويضيف: “في حين أن دول الخليج العربية لن تكون قادرة على ضخ الأموال بشكل مباشر في حكومة الأسد مع فرض العقوبات، بإمكانها تحويل الأموال من خلال المشاريع التي تقودها الأمم المتحدة في سورية التي تسيطر عليها الحكومة للحصول على إجراءات من الأسد ضد الكبتاغون”.

————————–

ضباط الأسد والعقوبات.. هل تستهدفهم بالفعل؟

يحاول نظام الأسد الهروب من جرائمه، من خلال المراهنة على حالة التقادم وإدخال شخصيات أمنية وعسكرية جديدة، بحسب ورقة بحثية نشرها باحث سوري في مركز “المجلس الأطلسي”.

وفي بداية ومنتصف كل عام، يصدر الأسد نشرة تفصيلية عن التعيينات والترقيات الجديدة في جيشه.

ويشمل ذلك معاش الضباط الذين بلغوا سن التقاعد وتعيين من يحل محلهم، كما تم ترقية بعض الضباط في الرتب.

ويشير صاحب الورقة البحثية محسن مصطفى إلى أنه وفي مطلع عام 2023 صدرت نشرة سرية وغير منشورة عن التعيينات والترقيات لـ”الجيش السوري”.

وكان لافتاً أنه من بين الثلاثين من ضباط الجيش والأمن السوريين في المناصب القيادية، هناك اثنان فقط، وهما اللواء سهيل الحسن واللواء صالح العبد الله، مدرجان على القائمة السوداء من قبل الدول الغربية.

ويشي ما سبق بوجود فجوة كبيرة في نظام العقوبات، مما يكشف أنه لا يواكب الواقع المتغير لأفراد النظام، بحسب مصطفى وهو باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”.

“أمثلة تؤكد الإفلات”

وعلى سبيل المثال جاء في الورقة البحثية أنه في نهاية أبريل 2022، عين الأسد اللواء علي عبد الكريم إبراهيم رئيساً للأركان العامة – وهو منصب كان شاغراً منذ بداية عام 2018.

كما عين اللواء علي محمود عباس وزيراً للدفاع، فيما لم يتم إدراج أي من الاسمين في أي قوائم عقوبات غربية.

وحتى عندما تصدر الدول الغربية عقوبات ضد الأفراد، فإنها غالباً ما تصل بعد سنوات من وقوعها.

والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة انتظرت حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022 لوضع قائمة سوداء بثلاثة ضباط متورطين في الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في أغسطس 2013، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1400 شخص.

ومن المفارقات، وفق مصطفى أن هؤلاء الضباط الثلاثة قد تقاعدوا منذ عدة سنوات.

وبالإضافة إلى ذلك، استغرق الأمر عقداً من الزمان لإضافته الضابط أمجد يوسف، الذي ارتكب مذبحة التضامن في أبريل 2013، إلى قائمة العقوبات.

وتشير هذه الردود المتأخرة إلى عدم وجود دافع من جانب الولايات المتحدة وشركائها الغربيين لمعاقبة ضباط النظام بنفس الوتيرة والحماس كما كان من قبل.

جزء من قائمة ثلاثين ضابطاً سورياً في الجيش – (المجلس الأطلسي)

لماذا تتأخر العقوبات؟

من الناحية النظرية، لا تستغرق الولايات المتحدة أكثر من أربع وعشرين ساعة لوضع أي شخص على قائمة العقوبات الخاصة بها، وفقاً لماثيو توشباند، كبير محامي عقوبات الحكومة الأمريكية السابق، الذي يعتقد أن النظام سريع.

ومع ذلك، فقد أقر كبير المحامين للباحث مصطفى “بضرورة تلبية بعض العوامل قبل اتخاذ مثل هذا الإجراء”.

ويجب أن تكون هناك إرادة سياسية لإصدار العقوبة، وأنه السلطات المختصة جمع الأدلة التي تدين الأفعال التي ارتكبها الفرد أو الكيان، بما في ذلك مطابقة روايات الشهود وأشرطة الفيديو والرسائل والمعارضين والأدلة التي جمعتها المنظمات غير الحكومية وأجهزة المخابرات.

ويشمل ذلك أيضاً جمع بيانات السيرة الذاتية الضرورية، باستخدام المعلومات العامة وسجلات الجامعة وبيانات السفر، لضمان استهداف الشخص المناسب.

كما يجب أن ينسق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) مع الوكالات الأمريكية الأخرى، وينطبق الشيء نفسه في حالة العقوبات الأوروبية، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

وتعتبر عملية الحصول على المعلومات الشخصية والعامة، بالإضافة إلى أدلة الإدانة، صعبة ومحفوفة بالمخاطر، خاصة بالنسبة لأولئك الموجودين في مناطق سيطرة النظام.

وهؤلاء يتم الاتصال بهم من قبل المنظمات غير الحكومية أو منظمات المجتمع المدني أو النشطاء المهتمين بالحصول على معلومات حساسة، بشأن الهيكل العسكري والأمني للنظام.

“استراتيجيات العقوبات”

وعندما دخلت العقوبات حيز التنفيذ، ثبت أنها لا تساعد الشعب السوري كثيراً.

وتحب الولايات المتحدة إغلاق حدودها في وجه من تستهدفهم أثناء تجميد حساباتهم المصرفية، لكن معظم هؤلاء الأفراد ليس لديهم حسابات مصرفية في الداخل أو في الخارج.

وقد يفكر القليل منهم في السفر إلى لبنان القريب، ناهيك عن الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، من المعروف أن ضباط النظام يتلقون المال بالدولار والذهب، وليس بالليرة السورية التي فقدت قيمتها، من خلال ابتزاز المعتقلين وعائلاتهم.

وما سبق يتم عادة من خلال شبكات سرطانية مرتبطة بالعديد من الضباط، خاصة في سورية، ضمن أجهزة الأمن والقضاء العسكري.

ويرى الباحث مصطفى أن “سياسة العقوبات الحالية – مثل قانون قيصر وقانون الكبتاغون – لا تستجيب للواقع على الأرض”.

ويشمل ذلك التغييرات الشخصية التي يقوم بها الأسد.

ويقول مصطفى: “على الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، تطوير آلية جديدة لفرض عقوبات على المؤسسات السورية التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، مما يسهل استهداف الأفراد في مرحلة لاحقة”.

ويتطلب اعتماد سياسة عقوبات أكثر فعالية الاستثمار في القوى العاملة البيروقراطية السورية، وتوسيع نطاق التواصل وتبادل المعرفة مع منظمات المجتمع المدني السورية، ومراكز توثيق الانتهاكات.

ومع ذلك، بغض النظر عن مدى فعالية وصقل العقوبات، فإنها وحدها لن تغير سلوك قادة النظام – الذين يتباهى معظمهم بالعقوبات على أنها ميداليات النصر.

وفي الوقت الحالي، لم تمنع العقوبات نظام الأسد من قصف المدارس والمستشفيات، ولم تؤد إلى حل سياسي.

في غضون ذلك، لا يزال نظام الأسد يشكل تهديداً ليس فقط للشعب السوري ولكن أيضًا على المنطقة ككل.

ويضيف مصطفى أن “تغيير سلوك نظام الأسد أمر معقد وشاق، لكنه يتطلب استراتيجية سياسية شاملة تستخدم العقوبات بطريقة دقيقة وكواحدة من عدة أدوات”.

—————————-

ما الذي يفرمل مسار التطبيع العربي المجاني؟/ عمر كوش

ما تزال الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول الغرب عموماً، ترفض تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، وترهن ذلك بضرورة انخراطه في مسار الحل السياسي، وفق القرار الأممي 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015. وبناء على هذا الموقف ترفض مسار التطبيع العربي المجاني مع نظام الأسد، الذي تسارع مؤخراً، وقاده ساسة المملكة العربية السعودية، وأفضى إلى تقديم مكافأة مجانية له، عبر إعادته إلى حضن الجامعة العربية، من دون أن يكون هنالك أي شروط تذكر، سواء على مستوى الحل السياسي وفق القرارات الأممية، أم على مستوى وقف تصنيع وتهريب المخدرات إلى دول الخليج والعالم، أو على مستوى إعادة اللاجئين الذين هجرهم قسراً نظام الأسد من بلادهم.

لا تخرج حسابات الساسة السعوديين في قيادتهم قطار التطبيع مع نظام الأسد عن سياق توظيفه، كي يصب في سياق إرهاصات الاتفاق الذي وقعوه، في شهر آذار/ مارس الماضي، مع نظرائهم في النظام الإيراني، وقضى بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفي مراهنتهم على انعكاس ذلك على الوضع في اليمن، بعد أن أرهقتهم الحرب فيه، تلك التي بدأت مع التدخّل العسكريّ السعودي في 25 آذار/ مارس 2015، وباتوا يبحثون عن مخرج يخفف على بلادهم تبعاتها.

بالمقابل، لم تبدِ الولايات المتحدة أي حماس للحرب في اليمن منذ بدايتها، ولا يهمها الربط السعودي والإيراني ما بين الوضعين اليمني والسوري، لذلك لم تخفِ الولايات المتحدة موقفها من التطبيع العربي منذ البداية، ففي مطلع نيسان/ إبريل الماضي، أرسلت إدارتها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي أي أيه)، وليام بيرنز، إلى السعودية في زيارة “غير معلنة”، كي يخبر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن الولايات المتحدة “شعرت بالصدمة من تقارب الرياض مع إيران وسوريا”، حسبما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.

كما لم تنقطع تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين الرافضة للتطبيع مع نظام الأسد، واقترنت بالقيام بزيارات إلى دول المنطقة، وعقد اجتماعات مهمة مع المسؤولين فيها، من أجل الدفع بألا يكون التطبيع العربي مجاناً، فقد أكد وزراء خارجية دول التحالف الدولي ضد “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة بعد اجتماعهم في الرياض، على وقوفهم إلى جانب الشعب السوري لدعم تسوية سياسية دائمة، تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2245، وأكد وزيرُ الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن أن نظام الأسد لا يستحق “العودة إلى جامعة الدول العربية، ولن نطبّع في الوقت الحاضر مع الأسد ونظامه، لأنه لم يحقق ما طلب منه”، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، الخميس الماضي. وفي نيويورك أعلنت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، أن الولايات المتحدةَ تختلف مع الدول العربية في إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة، ولن تطبع معه، ولن ترفع العقوبات عنه أيضاً، وتريد العمل معها في سوريا للدفاع عن حقوق الإنسان للشعب السوري، ومعالجة القضايا الإنسانية والأمنية على الأرض.

أما في العاصمة القطرية، الدوحة، فقد جددت قطر موقفها الرافض للتطبيع مع نظام الأسد، وذلك على لسان وزير رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، الذي اعتبر أن مشكلة قطر ليست مع الشعب السوري، بل مع نظامِ الأسد، وأنها تريد التوصل إلى حل سياسي وفق القرار 2254. أما الوزيرة الفرنسية فعبّرت عن عدم تفهمها حيثيات قرار إعادة النظام إلى الجامعة العربية، من دون أي مقابل من طرف النظام، الذي “لم يلبِ أياً من الشروط الدولية المطلوبة منه”.

إذاً، ما تزال دول الغرب، ومعها بعض الدول العربية، تعتبر أن مشكلة نظام الأسد مع الشعب السوري لم تحل، وأنه لم يتخذ أي خطوة باتجاه الحل السياسي المطلوب أممياً ودولياً، لذلك لن تطبع علاقاتها معه، وفي نفس الوقت ترفض التطبيع العربي المجاني معه، وبالتالي فإن مواقف هذه الدول تلعب دورها مهماً في فرملة مسار هذا التطبيع، ليبقى مجرد خطوات شكلية، ولقاءات صورية، لم تثمر شيئاً، خاصة على المستوى الاقتصادي، مع العلم أن النظام بأمس الحاجة إلى المساعدات المالية والاقتصادية، للتخفيف من الأزمة المستفحلة التي تعصف به، ويدفع ثمنها عامة السوريين في مناطق سيطرته.

أهم رادع لخطوات التطبيع العربي على المستوى الاقتصادي هو العقوبات الأميركية المقوننة بقانوني قيصر، ومكافحة الكبتاغون، إلى جانب قانون “مكافحة التطبيع مع الأسد”، الذي يمنع الحكومة الاتحادية الأميركية من الاعتراف بأي حكومة سورية بوجود بشار الأسد، أو تطبيع العلاقات معها، كما يوسع القانون من مفاعيل “قانون قيصر”، الذي يفرض مجموعة عقوبات صارمة على أي فرد، أو مؤسسة، أو دولة، تساعد النظام في حربه ضد غالبية السوريين، وبالتالي سيبقى نظام الأسد منبوذاً أميركياً وأوروبياً، ولن تجرؤ أي دولة عربية مطبعة على منح النظام أي قروض أو مساعدات اقتصادية، خارج المساعدات المقدمة لمنكوبي الزلزال التي يسرقها النظام.

بُني الموقف الغربي من نظام الأسد على خلفية جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبها ضد السوريين، ولم يحاسبه أحد عليها، بالنظر إلى الدعم الروسي اللامحدود له، وعلى كل المستويات، فضلاً عن دعم نظام الملالي القابع في طهران، والدعم الصيني في مجلس الأمن، الأمر الذي مكنه من الإفلات من العقاب، ومن عدم قيامه بأي خطوة مطلوبة منه على المستوى السياسي، أو على مستوى توفير البيئة الآمنة لعودة ملايين اللاجئين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي هجرهم منها، لذلك لن تتزحزح مواقف دول الغرب من نظام الأسد ما لم ينخرط في الحل السياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، ولن يستفيد من انفتاح معظم الأنظمة العربية عليه.

لا شك في أن مواقف الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية، الرافضة للتطبيع مع نظام الأسد، تلاقي جميعها استحساناً لدى ملايين السوريين، لكنها للأسف تكتفي بالمطالبة بانخراط النظام في الحل السياسي مقابل فك عزلته، ولم تبذل تلك الدول، وخاصة الولايات المتحدة، أي جهد من أجل الدفع نحو تطبيق وتنفيذ القرارات الأممية الخاصة بالقضية السورية. كما أنها لم تبد أي اعتراض على الخطوات، التي قام بها كل من المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، والمبعوث الحالي غير بيدرسن، اللذين رضخا للرؤية الروسية، عبر الركون إلى اللجنة الدستورية المسخ، التي اجترحها الساسة الروس، بغية إفراغ القرار 2254 من محتواه ومضامينه.

تلفزيون سوريا

——————————

حُسم الأمر … لا انسحاب أميركياً من سورية/ أحمد رحّال

حُسم الأمر في واشنطن بإبقاء قواتها العسكرية في سورية، وفي شرقي الفرات بالتحديد، إلى أجل غير مسمى، وأصبح الحضور الأميركي في سورية خارج النقاش وخارج التأويلات والتوقعات. “نحن باقون وقواتنا لن تغادر سورية” هذا ما قاله مجلس الأمن القومي الأميركي. ولتأكيد هذه الجدّية، شحن الجيش الأميركي منظومة صواريخ متطوّرة (هيمارس) إلى شرقي الفرات، بعد أن كانت في نهاية عام 2017 قد نقلت أجزاء من تلك المنظومة من الأردن إلى قاعدتها في التنف التي تسيطر عليها قوات التحالف الدولي، بمشاركة فصائل من الجيش الحر. وجاء استقدام المنظومة الصاروخية الجديدة ليدعم منظومة أخرى سبقتها “M777S” التي منحت قوات التحالف الدولي نوعاً من الأمان من هجمات مفاجئة، لكن شحن منظومات الصواريخ لم يكن منفرداً وترافق مع شحناتٍ أخرى، حوّلتها وزارة الدفاع الأميركية والقيادة المركزية الوسطى من الأردن إلى سورية بعد سحبها من العراق، ولوحظ في الأشهر القليلة الماضية زيادة كمية ونوعية في شحنات السلاح الأميركي لقواتها في سورية، آخرها قبل أيام عبر قافلة عبرت من العراق في معبر الوليد في أقصى الشرق السوري قرب بلدة اليعربية، وضمت القافلة 35 شاحنة ضمّت تجهيزات عسكرية ومصفّحات أميركية ومواد لوجستية. وترافق هذا التحرّك أيضاً مع وصول سرب طائرات أميركية هجومية إلى منطقة الخليج العربي من نوع A-10 وانضمام الغوّاصة النووية الأخطر “يو إس إس فرجينيا” التي تحمل 154 صاروخ توما هوك لجهود الأسطول الخامس العامل في الخليج العربي، وقيل حينها إن الهدف من حضورها دعم القوات الأميركية في كامل مناطق الشرق الأوسط، ومن ضمنها دعم القوات الأميركية الموجودة في سورية. ولم يتوقف الأمر عند الدعم العسكري، بل ترافق مع تحضيرات ومناورات وتدريبات مشتركة مع الحلفاء في المنطقة.

في التحضيرات، كانت هناك جهود أميركية بدأت منذ أشهر مع زيارة رئيس الأركان الأميركي، مارك ميلي، لشرقي الفرات، ولمرّتين متتاليتين بفارق زمني بسيط، وفيها طرح مشروعاً أميركياً لإعادة هيكلة قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وجناحها السياسي مجلس سوريا الديمقراطي (مسد)، وإيجاد نوع من التوازن للمكوّنات السورية في شرقي الفرات، بحيث تتخلى القيادة الحالية لـ “قسد” الخاضعة لهيمنة حزب العمال الكردستاني عن أجزاء من صلاحياتها وقرارها لصالح المكوّنات العربية من العشائر ومن مجلس دير الزور العسكري ومن لواء ثوار الرقّة وقوات الصناديد التي يقودها بندر حميدي الدهام (من آل الجربا وعشيرة شمّر). واستطاع التحالف الدولي وبرعاية أميركية توحيد جهود قوات الصناديد مع قوات جيش سورية الحرّة الموجود في قاعدة التنف، وإيكال لهما مهمة بجناحين، شمالاً وجنوباً، على الحدود العراقية – السورية تتضمن عدم تسلل مليشيات تتبع لإيران أو لبقايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لمناطق شرقي الفرات وقاعدة التنف.

من حيث المناورات، شهدت قاعدة التنف وقواعد التحالف في شرقي الفرات (حقل العمر، معمل غاز كونيكو، الشدادي، الرميلان) مناورات وتدريبات مشتركة بين الحلفاء، لكن مما كان ملاحظاً عليها أنها شملت مهام وتدريبا على عتاد يزيد عن مهام قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويؤشّر بطريقة ما إلى أن العدو قد يتغير، وأن المهام والأهداف قد تتبدلان، وأن مليشيات إيران الموجودة في أرياف دير الزور ومدينتي البوكمال والميادين والبادية السورية قد تكون من ضمن الأهداف القادمة للتحالف الدولي والشركاء من القوات السورية المتحالفة معه.

الإعلان عن البقاء في سورية وزيادة حجم الشحنات العسكرية، والسعي إلى تغيير هيكلية الشركاء، ونوعية التدريبات والمناورات التي حصلت، كلها مؤشّرات ودلالات تترافق مع حملة التطبيع العربي والإقليمي، وتترافق مع تصريحات إيرانية تجعل من القوات الأميركية أهدافاً لهجمات مليشياتها في سورية، في وقت كشفت فيه صحيفة واشنطن بوست عن تسريبات استخباراتية تؤكّد تطوير روسيا وإيران عبوات ناسفة متطوّرة خارقة للدروع، قادرة على التأثير على العربات المصفّحة الأميركية وعربات التحالف الدولي، وأنه تم التدريب عليها من مليشيات إيران، وتم تسليمها بالفعل، وبات خطرها وشيكاً، وأن مليشيا حزب الله اللبناني استقدمت شاحنتين تقلان صواريخ متوسّطة المدى إيرانية الصنع ومنصّات إطلاق صواريخ، بالإضافة إلى معدّات لوجستية وذخائر من مواقعها قرب الحدود “السورية – اللبنانية” في ريف دمشق إلى منطقة “العليانية” قرب قاعدة التنف، التابعة لقوات “التحالف الدولي” في منطقة الـ55.

في أبجديات السياسة الأميركية وبتصريح كبار المسؤولين، هناك لازمة لا يفتأ يردّدها هؤلاء أن لا خطط ولا نيات أميركية لحرب مع إيران، رغم أن مصادر صحافية كشفت منذ أشهر عن خطة حرب عسكرية احتياطية تعدّها وزارة الدفاع الأميركية بالتعاون والتشارك مع إسرائيل، وأنها تنتظر انقطاع آخر آمال التوافق بالملف النووي الإيراني عبر المفاوضات على الجبهة الأوروبية، وأن الخطّة ستوضع موضع التنفيذ بمجرّد الفشل في التوصل إلى اتفاق نووي، بعد استكمال بعض الترتيبات النهائية التي تحتاجها الخطة ولم تنته بعد، لكن تلك الخطّة لا تستثني اعتماد السيناريو الإسرائيلي “حرب بين الحروب” أو “معركة بين الحروب” الذي قد يقع في أي لحظة، كما حدث عند مقتل متعاقد أميركي في قاعدة الرميلان (أقصى شمال شرق سورية) عن طريق مسيّرة إيرانية، استدعى حينها معركة خاضتها الطائرات الأميركية يومين متتاليين، دمّرت من خلالها مستودعات ومخازن ومواقع تتبع لإيران في البادية السورية وأرياف دير الزور.

في الحديث عن حرب مع إيران في سورية، لا يمكن تجاهل الدعم الروسي لإيران نوعا من الانتقام لما تفعله الولايات المتحدة وحلف الناتو في أوكرانيا ضد الجيش الروسي عبر دعم الأوكرانيين، ولا يمكن أيضاً إغفال الانزعاج التركي من نقل كل تلك الأسلحة المتطوّرة ووضعها على مقربة من الحدود التركية، لدى قوات تعدّها أنقرة معادية وتخضع لهيمنة عدوها اللدود حزب العمال الكردستاني، وأن تصريحات المسؤولين الأميركيين بعدم وجود نية أميركية إلى إنشاء كيان كردي في سورية لن تعطي الطمأنينة للأتراك.

في توجهات “قوات سوريا الديمقراطية” لا مكان للقتال ضد جيش الأسد وإيران، بل تفاهماتها مع التحالف الدولي تحصر قتالها فقط في مناطق شرقي الفرات وحماية حدودها، ووجود المربّعات الأمنية للنظام داخل مدينتي القامشلي والحسكة يؤكّد على تلك التفاهمات. لكن ماذا لو اتخذ الأميركان قراراً بطرد إيران من البوابة العراقية السورية ما بين التنف والبوكمال، أو قرّر التحالف إنهاء القواعد الإيرانية التي تمارس تحرّشات شبه دائمة ضد الوجود الأميركي في شرقي الفرات (قاعدتا الإمام علي وعين علي) في أرياف دير الزور، فهل ستشارك “قسد”؟ أم أن التحالفات وإعادة الهيكلة الأميركية التي تجريها غايتها تشكيل قوات بتركيبة جديدة تتجاوز فيها القرار العسكري الكردي لقوات سوريا الديمقراطية لصالح قواتٍ عربيةٍ لا تمانع قتال الإيرانيين؟ أم تتراجع “قسد” عن رفضها، وتدرك أن تخلي واشنطن عنها يعني تركها فريسة سهلة المنال لروسيا وتركيا وجيش الأسد؟

تقول واشنطن إن التحرّشات والتصريحات الإيرانية لن تُجبرها على إعادة السيناريو العراقي والانسحاب من سورية، رغم أن الأرقام التي ذكرها وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، تحرج الإدارة الأميركية عندما أكد حصول 83 هجوما وتحرّشا إيرانيا على قواته في سورية، في عهد الرئيس بايدن فقط، وأن الولايات المتحدة ردّت على أربع هجمات فقط.

يؤكّد التحرّك الأميركي في شرقي الفرات (عسكرياً وإمداداً وتدريباً) وفي منطقة الخليج العربي أن الهدف ليس قتال تنظيم داعش الذي بات خطره بحكم المنتهي عسكرياً، وأن مليشيات إيران قد تكون الوجهة الأميركية الجديدة بالتعاون مع إسرائيل التي تعهَّد وزير دفاعها يوآف غالانت، بالعمل على طرد إيران وحزب الله اللبناني من سورية، عندما وجَّه حديثه إلى جنود من لواء “جفعاتي”، قائلاً: سنطردهم من سورية ونرسلهم إلى حيث ينبغي أن يكونوا … أي إيران. أم أن كل تلك الحركة الأميركية ستبقى بلا بركة وغايتها زيادة ضبابية الاستراتيجية الأميركية الغائبة أساساً عن كامل منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا في سورية؟

العربي الجديد

—————————–

كندا وهولندا ترفعان شكوى ضد النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية على خلفية اتهامات بـ”التعذيب

أعلنت محكمة العدل الدولية في لاهاي، اليوم الاثنين، أن كندا وهولندا تقدمتا بشكوى أمامها ضد النظام السوري على خلفية اتهامات بـ”التعذيب”، في أول قضية أمام أعلى محكمة للأمم المتحدة مرتبطة بجرائم نظام بشار الأسد في سورية.

وقالت محكمة العدل الدولية، في بيان، إن هولندا وكندا اتهمتا النظام السوري بخرق اتفاق للأمم المتحدة ضد “التعذيب وغيره من أساليب المعاملة القاسية”، بما فيها “استخدام أسلحة كيميائية”.

وأضافت المحكمة أن الدولتين أوضحتا في طلبهما أن “سورية ارتكبت انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي بدءا من 2011 (بداية الثورة السورية) على أقل تقدير”، وطلبتا اتخاذ إجراءات طارئة لحماية المعرضين لخطر التعذيب.

ويسعى البلدان إلى تحميل نظام بشار الأسد المسؤولية عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وعمليات تعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها دمشق في 2004.

ساحة العاصي في حماة (فيسبوك)

أخبار

مطالبات بمحاسبة النظام السوري في الذكرى الـ12 لمجزرة “أطفال الحرية”

وإذا وجدت المحكمة أن لها اختصاصا لنظر الدعوى، فستكون أول محكمة دولية قادرة على التوصل إلى نتيجة قانونية بشأن استخدام نظام الأسد للتعذيب في سورية.

وقررت كندا وهولندا التحرك في 2020 بعد أن أعاقت روسيا جهودا متعددة في مجلس الأمن الدولي لإحالة قضية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم الأفراد على جرائم الحرب ومقرها لاهاي.

(فرانس برس، رويترز، العربي الجديد)

دلالات

—————————-

تصعيد شديد بين تركيا و«قسد» في شمال سوريا

تعزيزات وتحركات للتحالف الدولي ومقتل وإصابة 5 جنود روس

أنقرة: سعيد عبد الرازق

تشهد منطقة شمال سوريا تصعيداً شديداً وهجمات متبادلة بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل «وحدات حماية الشعب الكردية» غالبية قوامها وسط تعزيزات من التحالف الدولي والجيش التركي وتحركات روسية في مناطق سيطرة «قسد».

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الاثنين، بمقتل أحد الجنود الروس وإصابة 4 آخرين بجروح خطيرة في قصف بري تركي أثناء مرور رتل روسي على طريق مزارع أم الحوش- حربل بريف حلب الشمالي بالمدفعية الثقيلة.

وأشار إلى أن طائرات مروحية روسية قامت بنقل الجندي القتيل والجرحى.

ونشرت وزارة الدفاع التركية على حسابها في «تويتر» فيديو للقصف على مواقع لـ«قسد» في شمال سوريا عبر الحدود.

    Dün terör örgütü PKK/YPG tarafından Fırat Kalkanı bölgesindeki Cibrin Üs bölgesi ile Öncüpınar polis yerleşkesine yapılan saldırının ardından terör örgütünün sözde 2 yöneticisinin de olduğu 7 terörist etkisiz hâle getirilmişti.Devam eden meşru müdafaa atışları sonucunda etkisiz… pic.twitter.com/fjD38TJsXA

    — T.C. Millî Savunma Bakanlığı (@tcsavunma) June 12, 2023

وأعلنت وزارة الدفاع التركية، القضاء على 12 من عناصر «الوحدات الكردية»، التي تعتبرها أنقرة ذراعاً لـ«حزب العمال الكردستاني» في سوريا، رداً على هجومين على قاعدة جبرين الواقع ضمن ما يسمى بمنطقة عملية «درع الفرات»، التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة، في ريف حلب، ومركز للشرطة في منطقة «أونجوبينار» التابعة لولاية كليس الحدودية في جنوب تركيا الأحد.

وقالت الوزارة، في بيان الاثنين، إنه «تم تحييد (قتل) 5 إرهابيين من تنظيم الوحدات الكردية شمال سوريا، ليرتفع العدد إلى 12 إرهابياً خلال الساعات الأخيرة في الرد المتواصل على الاعتداءين».

وكانت الوزارة ذكرت في بيان سابق، ليل الأحد – الاثنين، أن (تنظيم) الوحدات الكردية نفذ «اعتداءين استفزازيين» متزامنين بالصواريخ وقذائف الهاون على قاعدة جبرين ومركز الشرطة في أونجوبينار، مضيفة: «لم تقع أي أضرار بين صفوف جنودنا وعناصر شرطتنا أو في مناطق قواعدنا جراء الاستفزاز».

وتابع البيان: «قام الجيش التركي بتحديد مواقع الاعتداءات والرد عليها فوراً»، وبحسب المعلومات الأولية تم «تحييد» (قتل) 7 (إرهابيين)، بينهم قياديان، وتدمير «مقر» لـ«التنظيم الإرهابي» (الوحدات الكردية).

وقالت وكالة «الأناضول» الرسمية التركية، إن عناصر الوحدات الكردية نفذت هجوماً بـ5 صواريخ أطلقت من شمال سوريا، الأحد، سقطت على أرض خالية في معبر «أونجوبينار» التركي، المقابل لمعبر باب السلامة السوري، لم يؤد إلى سقوط قتلى أو جرحى، وإن السلطات التركية شددت الإجراءات الأمنية في المنطقة.

بدوره، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن 10 قذائف سقطت على قاعدة جبرين، بينما سقطت 10 قذائف أخرى على قاعدة تركية ثانية، ولم ترد أنباء عن سقوط ضحايا جرَّاء القصف.

وأضاف أن القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني» الموالي، قصفت بالمدفعية الثقيلة، محيط مدينة تل رفعت وأبين وكشتعار ومرعناز وشوارغة وتاتمراش والمالكية وصوغوناكة وحرشها بناحية شيراوا بريف عفرين، ضمن مناطق انتشار «قسد» والجيش السوري في ريف حلب الشمالي، دون معلومات عن خسائر بشرية.

وفي وقت سابق على هذه التطورات، قالت وزارة الدفاع التركية، الأحد، إن «قوات الجيش التركي حيدت (قتلت) 4 إرهابيين من تنظيم (الوحدات الكردية – العمال الكردستاني) شمال سوريا، بعد إطلاقهم رشقات استفزازية على منطقة عمليات غصن الزيتون في عفرين بمحافظة حلب». وأكدت الوزارة في بيان أن «عمليات مكافحة الإرهابيين مستمرة دون هوادة داخل وخارج حدود تركيا».

وكان مجلس الأمن القومي التركي، قد أكد، في اجتماع عقده الخميس برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، أن تركيا ستواصل عملياتها لمكافحة جميع التنظيمات الإرهابية داخل البلاد وخارجها دون توقف.

ويتسبب الوجود العسكري في الشمال السوري، في تعقيد مفاوضات تطبيع العلاقات مع دمشق التي تشترط الانسحاب الكامل قبل الإقدام على أي خطوة. لكن أنقرة تقول إن الجيش السوري لا يملك حالياً القدرة على تأمين الحدود، وإن بقاء القوات التركية هو ضمان لوحدة سوريا و«منع نشوء دولة إرهابية على الحدود».

مظاهرات ريف حلب

وبدأ التصعيد المتبادل السبت، عندما قتل 3 من عناصر الوحدات الكردية بينهم قيادي، وأصيب عنصران آخران، منهما مقاتلة، نتيجة استهداف طائرة مسيَّرة تركية لسيارة عسكرية في بلدة أحداث بريف حلب الشمالي.

في المقابل، استهدفت «قسد» محيط قرية مريمين، حيث يتواجد فيها قاعدة عسكرية تركية، دون معلومات عن خسائر بشرية أو عن حجم الأضرار المادية.

وخرج المئات من مهجري مدينة عفرين والسكان المحليين، الأحد، في مظاهرة شعبية غاضبة أمام النقطة العسكرية الروسية في قرية الوحشية بمنطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي، تنديداً بمواصلة تركيا استهدافاتها المتكررة بالطائرات المسيَّرة لمناطق «الإدارة الذاتية» الكردية في شمال وشرق سوريا.

وأفاد «المرصد» بأن المشاركين في المظاهرة رددوا هتافات ورفعوا لافتات تطالب بخروج تركيا من الأراضي السورية، كما دعوا الجانب الروسي إلى حماية المنطقة من القصف التركي المستمر، أو خروج القوات الروسية بحال عدم تمكنها من حمايتها.

ورفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها عبارات «اتفاقية أضنة (1998) المشؤومة انتهاك لسيادة الدولة السورية»، و«الضامن الروسي يخذل أهالي عفرين مجدداً».

تعزيزات ودوريات

في غضون ذلك، دفعت قوات التحالف الدولي، الأحد، برتل عسكري جديد باتجاه قواعدها العسكرية في ريف الحسكة، عن طريق معبر «الوليد» الفاصل بين مناطق الإدارة الذاتية وإقليم كردستان العراق، مؤلف من 35 شاحنة تحمل صهاريج وقود وأسلحة وعربات عسكرية.

وأشار المرصد السوري، إلى أن قوات التحالف الدولي دفعت قبل أقل من أسبوع بمزيد من التعزيزات العسكرية باتجاه قواعدها العسكرية في المنطقة ذاتها.

ونفذت القوات الروسية رفقة سيارة لمكتب التنسيق التابع لـ«قسد»، الأحد، دورية عسكرية استطلاعية جابت عدداً من المخافر والنقاط العسكرية التابعة لقوات الجيش السوري على طول الحدود السورية – التركية، في ريف مدينتي الدرباسية وعامودا ضمن مناطق سيطرة «قسد» في ريف الحسكة الشمالي.

جاء ذلك بعد 4 أيام من تسيير قوات التحالف الدولي، دورية استطلاع عسكرية في ريف الحسكة، تألفت من 4 دبابات «برادلي» وعربة مدرعة رفقة عربة عسكرية لـ«قسد»، قادمة من قاعدتها في بلدة رميلان بريف الحسكة، وتجولت في ريف البلدة قبل أن تعود أدراجها إلى القاعدة، وذلك ضمن إطار التحركات الاعتيادية في مناطق سيطرة «قسد»، بحسب المرصد السوري.

وأجرى الجيش التركي، ليل السبت- الأحد، عملية تبديل لقواته في قاعدتين عسكريتين في محيط بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي ضمن منطقة خفض التصعيد وتعزيز للقاعدتين بالأسلحة الثقيلة والمعدات العسكرية.

ودخل رتل مؤلف من شاحنات عدة تحمل مدافع ثقيلة ومعدات عسكرية ومواد لوجيستية، باتجاه القاعدتين الواقعتين ضمن مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام».

الشرق الأوسط،

———————————

“مسودة بمواقف بعيدة”.. ما آخر المستجدات بين تركيا والأسد؟

تعمل أطراف اللجنة “الرباعية” الخاصة بفتح مسار العلاقة بين تركيا والنظام السوري على وضع مسودة لـ”خارطة طريق”، رغم أن “المواقف ما تزال بعيدة”.

ومن المقرر أن تجري المناقشة الأولى لنص “الوثيقة” في الوقت القريب، بحسب ما قال السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف.

وأضاف يفيموف لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية، اليوم الاثنين في تعليقه على آخر مستجدات العلاقة بين أنقرة ونظام الأسد: “من الصعب في غضون أسابيع أو أشهر قليلة استعادة ما تمّ تدميره لمدة اثني عشر عاماً”.

وتابع: “إذ ينتظرنا الكثير من العمل الشاق في هذا الاتجاه، ويجب الاعتراف بصراحة أن مواقف الطرفين لا تزال بعيدة عن بعضها بعضاً”.

واعتبر المسؤول الروسي أن “النتائج التي تحققت من اجتماعات اللجنة الرباعية إيجابية حتى الآن”.

لكنه أشار مستدركاً: “الطريق بغض النظر عن طوله، يبدأ دائماً بالخطوة الأولى، وغالباً ما تكون هذه الخطوة هي الأكثر صعوبة والأكثر أهمية”.

كيف ستتعاطى تركيا؟

ويسود ترقب في الوقت الحالي بشأن السياسية التي ستتبعها تركيا بخصوص الملف السوري، بعدما انتهت من انتخاباتها التاريخية بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وكان أردوغان قد عيّن حقان فيدان في منصب وزير الخارجية التركي، ووضع خلفاً له في رئاسة الاستخبارات الناطق السابق باسم الرئاسة، إبراهيم قالن.

وفي أولى تصريحاته بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات أوضح قالن أنه “لا توجد اجتماعات مقررة حالياً على المدى القريب بين الرئيس التركي والأسد”.

وتحدث قالن عن “3 قضايا” تتعلق بسياسة تركيا المقبلة الخاصة بسورية، وفي مرحلة ما بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة. وهذه القضايا هي “عودة السوريين”، “محاربة الإرهاب”، “استمرار مفاوضات اللجنة الدستورية السورية”.

من جانبه قال السفير الروسي في دمشق إنه يعتقد أن “إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان لفترة رئاسية جديدة يجب أن تكون عاملاً إيجابياً” في سياق العلاقة مع النظام السوري.

وقال: “آمل الآن بعد أن اختفى الضغط الانتخابي في الفترة الماضية، أن تكون القيادة التركية قادرة على إيلاء اهتمام أكبر لهذا الاتجاه من سياستها الخارجية”.

“على رأس ملفات فيدان”

وكانت صحيفة “تركيا” قد ذكرت، الأسبوع الماضي، أن سورية تتصدر الملفات التي سيعمل عليها وزير الخارجية المعين حديثاً، حقان فيدان في المرحلة المقبلة، وبعد تعيينه خلفاً لمولود جاويش أوغلو.

وقالت إنه “وبينما بدأ فيدان بتشكيل خارطة الطريق في السياسة الخارجية، يستعد الآن لخطوات جديدة يجب اتخاذها ولاسيما في القضية السورية”.

ووفقاً للمعلومات التي قالت الصحيفة إنها حصلت عليها “يعمل فريق خاص على 5 ملفات مهمة على تركيا التعامل معها في مجال السياسة الخارجية”.

ونوقشت الدراسات “الموجهة نحو الحلول” في موضوع “دور تركيا في حل المشاكل مع سورية واليونان وأرمينيا وليبيا والحكومة المركزية العراقية وإدارة شمال العراق”.

وأشارت الصحيفة إلى أن “الملف السوري وضع على رأس الملفات”.

ويجري الآن الإعداد لقواعد الاجتماع على مستوى القادة (أردوغان وبشار الأسد).

ووفق صحيفة “تركيا”: “تم الوصول في المفاوضات الأخيرة إلى مرحلة تحويل جدول عودة اللاجئين إلى وثيقة مكتوبة”.

——————————-

هل يتراجع الدور الأممي في سوريا بسبب الحضور العربي؟/ محمد وسام

“اللجنة الدستورية السورية” كانت آخر مسارات العملية السياسية التي بدأت عملها أواخر عام 2019 برعاية أممية، لكنها فشلت في تحقيق أي نتائج تدعم مسار الحل السياسي في البلاد ضمن القرار 2254 لمجلس الأمن الدولي، ما دل على تراجع الدور الأممي لدفع الحل السياسي في سوريا.

المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، حاول في عديد المناسبات إعادة إحياء العملية السياسية في سوريا، عبر الأمم المتحدة، لكنه دائما ما كان يصطدم بعوائق كبيرة، أبرزها عدم تعاون دمشق مع الآليات الأممية للحل السياسي في سوريا، وقد أجرى العديد من الاتصالات مع عواصم عربية بهذا الشأن دون جدوى فعلية حتى الآن.

مع تقدم خطوات التطبيع العربي مع دمشق، تطرح التساؤلات عما إذا كانت عودة سوريا إلى الدائرة العربية، ستؤدي إلى تحييد الآليات الأممية في العملية السياسية بسوريا، خاصة وأن الدول العربية، أكدت أن أحد أهدافها من إعادة دمشق إلى المحيط العربي، هي محاولة دفع الحل السياسي في البلاد، إضافة إلى أهداف أخرى.

تراجع الدور الأممي؟

بيدرسن يسعى هذه الفترة إلى “إعادة الروح” للجهود الأممية في سوريا، حيث يعتزم بحسب ما نقلت صحيفة “العربي الجديد”، زيارة تركيا في جولة على عواصم الدول الفاعلة في الملف السوري، وذلك بعد أن أجرى اتصالات هاتفية، السبت، مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، والمصري سامح شكري، والأردني أيمن الصفدي، لدفع جميع الأطراف لدعم جهود الأمم المتحدة في عقد جولة جديدة من مباحثات اللجنة الدستورية، التي تضم ممثلين عن دمشق والمعارضة السورية والمجتمع المدني والمتوقفة منذ منتصف العام الفائت.

هذه التحركات للمبعوث الأممي، جاءت في ظل زيادة وتيرة التقارب العربي مع دمشق، والذي وصل إلى حد استعداد “جامعة الدول العربية” لاستقبال الرئيس السوري بشار الأسد، ومشاركته في اجتماع القمة العربية، المقرر عقده في مدينة جدة السعودية يوم الجمعة المقبل.

حتى الآن يبدو المشهد ضبابيا فيما يتعلق بجهود الحل السياسي في سوريا، فهناك آلية فشلت في تحقيق أي تقدم يُذكر عبر الأمم المتحدة وهي ما تزال مستمرة، وهناك جهود قادمة من الدول العربية لدفع العملية السياسية في البلاد، ما يطرح التساؤلات حول إمكانية انتهاء الدور الأممي، أو ظهور آلية مشتركة بين الأمم المتحدة والدول العربية لحل تعقيدات الملف السوري.

في ظل الصراعات الدولية العديدة التي ازدادت وتيرتها خلال السنوات الماضية، انخفض الاهتمام الدولي بالملف السوري إلى أدنى مستوياته خلال 12 عاما، وهو ما جعل الجهود الدولية تتوجه إلى ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي على حساب الملف السوري، وهو ربما ما قصده بيدرسن في تصريحات سابقة عندما قال “إن المناخ الدولي يصعّب الحل الشامل في سوريا”.

الباحث في العلاقات الدولية إياد المجالي، فسّر تراجع الدور الأممي في سوريا، بالعديد من القضايا أبرزها انشغال المجتمع الدولي بقضايا أخرى حول العالم، فضلا عن التغيرات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وأبرزها عودة التقارب العربي مع دمشق، متوقعا أن ينتج عن هذا التقارب بداية لآلية سياسية من شأنها دفع الحل في سوريا.

المجالي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “يمكن تفسير تراجع الدور الأممي في الحل السياسي بسوريا، وتعزيز الدور العربي، من خلال مناقشة عدة عوامل أهمها انشغال المجتمع الدولي بالأزمة الأوكرانية، وتركيز الجهود الدولية على التعامل مع هذه الأزمة، إضافة إلى الصعوبات الدبلوماسية التي تواجهها المنظمات الدولية في التعاطي مع الملف السوري، خاصة مع إخفاق جميع الجهود السياسية في تحقيق الحل السياسي في سوريا”.

تغيرات إقليمية

مؤخرا شهد المسرح السياسي الإقليمي جهودا مكثفة لعودة العلاقات بين الدول العربية وحكومة دمشق، وتقول الدول العربية إنها تسعى لدفع الحل السياسي في سوريا، وبرز ذلك من خلال اجتماعات عديدة بين وزراء خارجية السعودية والأردن وسوريا ومصر، إضافة إلى العراق.

حول ذلك أضاف المجالي، “أعتقد أن هذه الجهود هي حقيقية وتعمل على إيجاد صيغة لحل سياسي مناسب لكافة الأطراف في سوريا، على غرار اللجنة الدستورية التي أُنشئت من الجهود الدولية في محاولة لمساعدة سوريا على الوصول إلى حوار سياسي بين الحكومة السورية والمعارضة لإيجاد وصياغة دستور جديد في البلاد يحقق وقف الصراع القائم على الجغرافية السورية وتمكين أسباب الاستقرار فيها”.

هنا أوضح المجالي أن الحل السياسي في سوريا، ما زال يواجه  تحديات كبيرة بما في ذلك الدبلوماسية التي يمكن أن تنجز من خلال قمة جدة القادمة، وأضاف ” الحوارات التي يمكن أن تتم في جدة يمكن إنجازها على مستوى وزراء الخارجية، وبالتالي أعتقد أن دعوة الرئيس بشار الأسد إلى مؤتمر القمة في جدة يعتبر أهم هذه الإنجازات في هذه المرحلة من أجل التقدم في حل الملف السوري من البوابة العربية”.

حتى الآن تشير المعطيات إلى ترجيح حضور الرئيس السوري بشار الأسد مؤتمر القمة العربية يوم الجمعة القادم، في وقت قد تمثل فيه عودة دمشق إلى الجامعة العربية، عامل تفاؤل للعديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما المملكة العربية السعودية التي بذلت جهودا للوصول إلى هذه المرحلة.

دور عربي إيجابي؟

الدول العربية ستواجه الرفض الدولي لاستمرار عملية “التطبيع” مع دمشق، فيما إذا تم تجاهل القرارات الأممية وخاصة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، فهي لديها مهمة في إقناع الحكومة السورية بالانخراط في عملية سياسية تحت بنود هذا القرار.

منذ أن أردك المبعوث الدولي تراجع الفائدة من اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية”، لا سيما بعد نتائج آخر جولة التي جاءت مخيّبة للآمال،  كانت هناك العديد من المبادرات الإقليمية والدولية، للبحث عن مسارات جديدة لدفع العملية السياسية في سوريا، وقد طالب المبعوث الدولي في آب/أغسطس الماضي، المجتمع الدولي بفتح مسارات جديدة للحل السياسي في سوريا، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن.

بينما تريد المعارضة دستورا جديدا يحدّ من صلاحيات منصب رئيس الجمهورية، وتُجرى على أساسه انتخابات تحدد مستقبل البلاد وفق ما ينص عليه القرار الدولي 2254، المستند إلى بيان “جنيف 1” الذي صُدر في منتصف عام 2012، والذي رسم خريطة حل للقضية السورية، تنص على “إقامة هيئة حكم انتقالية، باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية”.

الدول العربية بحسب تصريحات المسؤولين العرب، ستطالب دمشق بخطوة مقابل كل خطوة باتجاه “التطبيع” معه ودعمه اقتصاديا، وبعض الدول كقطر وضعت الانخراط في عملية سياسية شرطا لإعادة العلاقات، بالتالي فإن الانفتاح العربي، يمكن له أن يحقق خطوات هامة في هذا الشأن خلال المرحلة القادمة.

——————————–

ما فائدة الأسد من حضور اجتماع القمة العربية.. المصالح والتبعات/ محمد وسام

مع اقتراب موعد انعقاد اجتماع القمة العربية في التاسع عشر من شهر أيار/مايو الجاري، يزداد الحديث حول إمكانية حضور الرئيس السوري بشار الأسد اجتماع الرياض، ليكون الاجتماع بمثابة عودة رسمية لمقعد دمشق إلى “جامعة الدول العربية”، بعد الجهود التي استمرت لأشهر بهدف إعادة دمشق إلى الدائرة العربية.

العديد من الملاحظات سُجلت، حول آلية القرار الأخير باستعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، التي تطرح تساؤلات عديدة حول جدوى هذه العودة، وفيما إذا كانت ستحقق الأهداف المرجوة منها، من تطبيق القرارات الأممية والدفع بالحل السياسي في سوريا، أم هي فقط تبادل مصالح بين دمشق والعرب.

لا تأكيدات حتى الآن حول حضور بشار الأسد شخصيا اجتماع القمة، ذلك رغم وصول وفد الحكومة السورية، مساء السبت، إلى مدينة جدة السعودية لحضور أولى الاجتماعات التمهيدية للقمة العربية التي ستُعقد يوم الجمعة المقبل، في الوقت الذي تُطرح فيه التساؤلات حول المصالح المشتركة بين دمشق والدول العربية وتبعات حضور الأسد لاجتماع القمة لأول مرة منذ تعليق مقعد سوريا في الجامعة العربية عام 2011.

هل يحضر الأسد؟

المناخ العربي حتى الآن يبدو مشجعا للأسد بأن يحضر اجتماع القمة يوم الجمعة، خاصة بعد تصريح الأمين العام لـ”جامعة الدول العربية” أحمد أبو الغيط، الذي قال إن الرئيس السوري بشار الأسد يمكنه المشاركة في القمة العربية القادمة هذا الشهر “فيما إذا رغب بذلك”.

تصريح الأمين العام، يمكن اعتباره إقرار رسمي من قبل الجامعة بإعادة المقعد السوري إلى القيادة السياسية في دمشق، حيث أصبحت الكرة الآن في ملعب دمشق، ما يعني أن حضور الأسد يتوقف عليه وحده بدءا من صباح الإثنين بحسب تأكيدات عربية.

في نظرة على التصريحات الرسمية المتعلقة بمشاركة الأسد في اجتماع القمة، توقّع مستشار رئاسة مجلس الوزراء السوري، عبد القادر عزوز، أن يشارك الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية المقرر عقدها في مدينة جدة السعودية، لافتا إلى أن دمشق “تنظر بارتياح كبير للجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية من أجل استعادة مكانتها واستئناف أنشطتها في جامعة الدول العربية”، ذلك  ما يرجّح مشاركة الأسد شخصيا في الاجتماع.

عودة دمشق إلى الجامعة العربية، قد تمثّل عامل تفاؤل للعديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما المملكة العربية السعودية التي بذلت جهودا للوصول إلى هذه المرحلة. وهي الدولة التي تسعى لتقديم نفسها كشريك إقليمي فاعل وله دور في نشر الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن هذا التفاؤل يواجهه بالتأكيد تحديات عديدة تتعلق بما يمكن أن يقدّمه الأسد للعرب خلال الفترة القادمة.

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رجّح حضور الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا في اجتماع القمة القادمة، وذلك حرصا على تثبيت حضوره كلاعب رئيسي في الدائرة العربية، مشيرا إلى أن حضور الأسد وعودته إلى البيت العربي ستحقق له مصالح عديدة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والإقليمية.

المصالح المتبادلة

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، إن الزيارات المتبادلة بين دمشق والدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، توحي بالتأكيد أن عودة دمشق إلى الدائرة العربية هي رغبة مشتركة بين الجانبين، “الأسد يسعى لأن يكون واجهة سوريا بالاحتفاظ بعروبيتها لتعزيز حضوره إقليميا، كذلك فإن الدول العربية سترحب بهذه العودة أملا بتحقيق عدة مصالح، بالتالي فإن الأسد سيحضر وستتفاعل الدول العربية مع هذا الحدث بإيجابية وخصوصا السعودية والإمارات”.

كذلك فقد أوضح مشرف أن عودة سوريا إلى المحيط العربي، يعني اجتماع العرب بطريقة أو بأخرى لمواجهة الأخطبوط الإيراني داخل سوريا، خاصة في ظل وجود بعض الخلافات بين طهران ودمشق، حيث أن الأخير لا تمانع التمدد الإيراني في سوريا والهيمنة الاقتصادية، لكن بنفس الوقت فإن دمشق تعترض على هيمنة طهران على القرار السياسي في سوريا، وهنا تكمن نقطة الخلاف.

حول ذلك أضاف مشرف، “هناك إشكالية وخلاف حقيقي بين إيران والقيادة السياسية في دمشق، الأسد ليس لديه مانع في امتلاك إيران عقارات، ولكن المانع الوحيد أن تمس إيران حركته السياسية وتجعله أحد أذرعها في المنطقة كحزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، هو يريد استقلالية في ذلك”.

مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في اجتماع القمة العربية القادم، يعني عودة رسمية لدمشق إلى الدائرة العربية، وبالتالي تعزيز الحضور العربي في الملف السوري بعد قمة أيار/مايو، وبرأي مشرف فإن الحضور سيتركز بالدرجة الأولى على المستوى الاقتصادي، حيث ستتجه الدول العربية إلى ضخ أموال إلى دمشق في محاولة منها لمنع تجارة المخدرات في سوريا.

عن ذلك أردف مشرف قائلا، “الدول العربية ستضخ أموالا طائلة ربما إلى دمشق لدعم الاقتصاد السوري، لتحاول ثنيها عن تجارة المخدرات، كذلك فإن عودة الأسد إلى المحيط العربي تجعله قادرا على اللعب على قضية الصراع الخليجي الخليجي”.

مشرف أوضح أن هناك صراع خليجي خليجي، يتمثل في الصراع على الزعامة في المنطقة متمثلا في الإمارات والسعودية وكل منهما يريد أن يستقطب أكثر الأطراف العربية لديه ويكون هو الفاعل في الأحداث السياسية، حتى يطفي على نفسه نوع من الشرعية أو الزعامة الإقليمية ويكون مصدر ثقة للقوى الغربية، بشار الأسد يستفيد من هذه النقطة لتعزيز حضوره بين المتنافسين.

بمشاركة الأسد في اجتماع القمة، فإن قطار عودة العلاقات بين عدد من الدول العربية والحكومة السورية، يسير رغم كل العثرات والحواجز الموجودة في طريقه، إذ إن هناك رغبة عربية واضحة في عودة العلاقات مع دمشق.

مستقبل عمليات التطبيع؟

على الرغم من تبادل الزيارات والجهود المكثفة من قبل حكومات الدول العربية، إلا أن عمليات التطبيع لا يمكن القول إنها تمت، وذلك في ظل تعقيدات الوضع في سوريا وآلية التطبيع وشروطه، هذا فضلا عن الرفض الأميركي لأي عمليات تطبيع مع دمشق، بدون تطبيق البنود الأممية المتعلقة بالقرار 2254.

لكن يبدو أن هناك رغبة عربية في ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر ضمان عدم التصعيد في سوريا، وهي المنطقة الأكثر عرضة لاحتمالية اندلاع التصعيد العسكري، والسعي لدعم جهود الحل السياسي للأزمة، هذا فضلا عن الرغبة بمحاولة كبح جماح النفوذ الإيراني، الذي تمدّد كثيرا خلال السنوات التي قطعت فيها الدول العربية علاقاتها مع دمشق.

الواضح من خلال الخطوات العربية، أن هناك شبه إجماع من قبل بعض الدول العربية، على إعادة دمشق إلى المحيط العربي، وذلك على الرغم من تردد بعض الدول كقطر مثلا ووضعها شروط تتعلق بالحل السياسي للمُضي قُدما في إعادة العلاقات مع دمشق، وهو ما تقول الدول الراغبة بالتطبيع وعلى رأسها السعودية أنها تسعى لتطبيقه خلال الفترة القادمة.

لذلك فإن الدول العربية وفضلا عن المكاسب السياسية، ترغب بالحصول على مكاسب اقتصادية من وراء عودة علاقاتها مع الحكومة السورية، إذ يؤكد محللون أن “الطمع في الاستحواذ على أكبر قدر من عقود إعادة الإعمار في سوريا بعد الحالة المزرية التي وصلت لها البلاد”، قد يكون من أبرز محفّزات الدول العربية على التطبيع.

كذلك هناك إرادة إقليمية في الشرق الأوسط، تعبّر عنها بعض الدول العربية وتركيا، لضمان خفض حدة التصعيد في المنطقة، وذلك في وقت تشتعل فيه الكثير من البؤر حول العالم، حيث أن هناك مخاوف من أن تنتقل هذه العدوى للمنطقة العربية وهي مهيئة لذلك بشكل كبير، لا سيما في البقعة السورية.

———————–

=================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى