الناس

تخفيض قيمة المساعدات يعمّق أزمة شمال غربي سوريا/ حايد حايد

21 فبراير 2024

فيما يحيي السوريون الذكرى السنوية الأولى للزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في العام الماضي، تواجههم الآن أزمة كارثية أخرى، ولكنها تمر هذه المرة دون أن تحدث ضجة، فقد بدأ قرار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بتخفيض المساعدات الممنوحة إلى سوريا بشكل كبير في التأثير بشدة على سكان شمال شرقي البلاد، مما أدى إلى تعميق معاناتهم وتراكم بؤسهم.

وسيؤدي إنهاء المساعدات، الناتج عن القيود المالية، إلى قطع شريان حياة حيوي لـ5.5 مليون مستفيد كانوا يعتمدون بشكل كبير على توزيع المواد الغذائية الأساسية بداية عام 2023.

ومن المتوقع أن يتضاعف تأثير هذه التخفيضات بفعل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة وتصاعد معدلات الفقر، الناجمين عن 13 عاما من الصراع المستمر. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، يعيش حاليا 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، مع وجود 3.2 مليون شخص على شفا الجوع وسوء التغذية.

وستكون تداعيات التخفيضات التي ينفذها برنامج الأغذية العالمي (WFP) مأساوية بشكل خاص في شمال غربي سوريا، حيث ينتشر 1500 مخيم للنازحين. تشكل النساء والأطفال ما يقرب من 80 في المئة من المستفيدين في هذه المخيمات، مما يبرز الضعف الشديد لهذه الفئة السكانية في مواجهة الأزمة الإنسانية الوشيكة. وستؤدي هذه التخفيضات إلى تفاقم التحديات الإنسانية والمالية، وزيادة خطر المجاعة، ودفع المزيد من الناس إلى التفكير في مغادرة البلاد.

التخفيضات في ظل الاحتياجات الإنسانية المتزايدة

لم يكن قرار برنامج الأغذية العالمي بخفض المساعدات لسوريا بمثابة مفاجأة كاملة. فمع وصول الاحتياجات الإنسانية العالمية إلى مستويات غير مسبوقة، يتضاءل اهتمام العالم بسوريا وسط ازدياد نسبة الصراعات الأخرى، وإرهاق المانحين، وانخفاض ميزانيات الوكالات الإنسانية. وبالتالي، لم تحصل سوريا إلا على 1.8 مليار دولار من أصل 5.4 مليار دولار (33 في المئة) المطلوبة لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 بحلول نهاية العام، وهو انخفاض كبير عن التمويل الذي تحقق في العام السابق والذي بلغ 52 في المئة.

ونتيجة لذلك، قام برنامج الأغذية العالمي تدريجيا بتقليص مساعداته لسوريا من خلال سلسلة من التخفيضات، مما أثر على عدد المستفيدين وحجم الحصص الغذائية المقدمة. كما أدى نقص التمويل إلى تهديد العمليات في نصف الدول التي يعمل فيها برنامج الأغذية العالمي. وهكذا، مع تضاؤل المساعدات، تزايدت الاحتياجات الإنسانية للأزمة السورية، حيث اعترفت الأمم المتحدة بوجود 15.3 مليون شخص في حاجة إليها.

وبالنظر إلى عام 2024، تشير خطط الاستجابة الإنسانية لسوريا إلى أن المساعدة المتاحة ستولي الأولوية للاحتياجات الأكثر إلحاحا. ويهدف البرنامج إلى الانتقال من المساعدة العامة واسعة النطاق إلى دعم الأسر المتضررة من حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية من خلال تدخلات أصغر حجما وأكثر توجيها. ومع ذلك، لا تزال التفاصيل المحددة المتعلقة بخطة التوزيع وآليات الاختيار وعدد المستفيدين غير معروفة.

أزمة مأساوية

على الرغم من تراجع الصراع النشط في سوريا، فإن الآفاق الاقتصادية للبلاد مستمرة في التدهور، نتيجة لعدم كفاية التمويل، وارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة العملة. ويتجلى الوضع الاقتصادي المتردي بشكل خاص في الشمال الغربي، وهو الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة ويقيم 86 في المئة من سكانه في مخيمات ومواقع غير رسمية. أصبحت هذه المنطقة، التي يسكنها نحو 4.5 مليون شخص، ملجأ للنازحين بسبب العنف والتوسع الإقليمي، وخاصة على يد النظام السوري.

وعلى عكس أجزاء أخرى من البلاد، يشهد الشمال الغربي مستويات مرتفعة من الصراع، مع استمرار الهجمات المدفعية والجوية من قبل قوات النظام وحلفائه على المناطق المدنية. وكانت هذه الهجمات قد أدت إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة ونزوح متكرر. وتفاقم الوضع أكثر بسبب الزلزال الذي وقع في فبراير/شباط الماضي، والذي أدى إلى تدمير أكثر من عشرة آلاف مبنى في المنطقة وتفاقم الخسارة والضعف والفقر بين السكان المحليين.

وفي الوقت الحاضر، يحتاج ما يقرب من 4.1 مليون شخص في الشمال الغربي إلى المساعدة الإنسانية، ويواجه 3.7 مليون شخص منهم انعدام الأمن الغذائي. وتشير أحدث إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن 1.4 مليون شخص في حاجة ماسة إلى الخدمات الغذائية في هذه المنطقة المعرضة للخطر أساسا.

تفاقم الصعوبات المالية

ومن المتوقع أن يؤدي خفض التمويل الدولي لسوريا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الحالية. ويتزامن هذا التطور مع بداية فصل الشتاء، وهو وقت صعب بشكل خاص بالنسبة لسكان المخيمات الذين يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الغذائية. إذ تعتبر السلال الغذائية الموزعة ضرورية لكل أسرة، حيث تحتوي على المواد الأساسية مثل السكر والأرز والعدس والحمص والدقيق والزيت النباتي. كما يحصل المستفيدون من الفئات الضعيفة، بما في ذلك النازحون داخليا، على 15 ربطة خبز بوزن كيلوغرام واحد لكل أسرة شهريا، إضافة إلى السلة.

ونظرا لأن معظم الضروريات متوفرة في السلة، فإن الدخل الضئيل للمستفيدين يُخصّص عادة لشراء الضروريات الإضافية مثل وقود التدفئة والحطب. وهكذا، سيشكل هذا الشتاء تحديا استثنائيا بسبب تخفيضات التمويل، الأمر الذي سيجبرهم على إعطاء الأولوية لشراء المواد الغذائية الأساسية للحصول على مواد التدفئة.

وعلاوة على ذلك، اعتاد النازحون، من بين آخرين، على بيع جزء من المواد الموجودة في سلالهم الغذائية لدفع ثمن الضروريات الأخرى مثل الخضراوات والأدوية والوقود. وبالتالي، فإن فقدان المساعدات الغذائية سوف يقلل من قدرة النازحين على التكيف.

كما سيؤدي انقطاع المواد الغذائية إلى تباطؤ العجلة الاقتصادية في الشمال السوري، حيث كانت السلة الغذائية توفر فرص عمل للكثير من العمال، بما في ذلك الموزعون وشركات النقل وشركات التعبئة والتغليف وغيرها.

قيود التكيف

إن ملء الفراغ الذي خلفه اختفاء المساعدات سيكون أمرا صعبا للغاية وسط تصاعد الفقر والبطالة. ففي مايو/أيار 2023، بلغت تكلفة السلة الغذائية القياسية في إدلب لأسرة مكونة من خمسة أفراد نحو 490 ألف ليرة. يعمل سكان المخيمات عادة في وظائف غير منتظمة، ويحصلون على أجر يومي يتراوح بين 55 و95 ليرة تركية (ما يعادل نحو 35,000-45,000 ليرة سورية). وهذا يعني أنه يجب عليهم تأمين فرص العمل كل يوم لسد الفجوة المالية التي خلفها غياب السلة الغذائية، دون أن يتبقى لهم أي أموال لتلبية الاحتياجات الحيوية الأخرى مثل الخبز والأدوية والنقل والملابس والوقود والإيجار والخضراوات.

لكن تأمين هذا المبلغ يشكل تحديا كبيرا بسبب ندرة فرص العمل. إذ ارتفع معدل البطالة في شمال غربي سوريا إلى 88.74 في المئة بين السكان القادرين على العمل، بما في ذلك عمال المياومة. وكذلك، أصبح الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك الذين يفتقرون إلى معيل.

كما سيؤدي تخفيض المواد الغذائية إلى إضعاف القوة الشرائية بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق، والتي كانت مدرجة سابقا في السلة، نتيجة لزيادة الطلب، خاصة وأن معظم هذه السلع مستوردة. على سبيل المثال، أدى خفض مساعدات برنامج الأغذية العالمي في يوليو/تموز الماضي إلى ارتفاع أسعار السوق بما يتراوح بين 14 إلى 66 في المئة لمختلف السلع.

ازدياد خطر المجاعة

سيؤدي وقف المساعدات الغذائية إلى تفاقم خطر المجاعة. وسيؤثر هذا بشكل خاص على الأطفال الذين يعتمدون على المكملات الغذائية للتعافي من سوء التغذية، والتي كانت توزع سابقا بجانب السلة الغذائية. ومع إزالة هذا الدعم الضروري، يواجه جيل من الأطفال ضعفا متزايدا في بيئة تتميز بالفعل بالتشرد والاضطرابات والفقر.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 22.3 في المئة من الأطفال شمال غربي سوريا يعانون من ضعف النمو الناتج عن سوء التغذية. وبالإضافة إلى ذلك، يعاني 36.18 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات من فقر الدم. ولا تتجاوز نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين والذين يتلقون الحد الأدنى من النظام الغذائي المقبول 11 في المئة. ويتوقع الخبراء أن تتزايد هذه الأرقام بشكل كبير بعد توقف المساعدات الغذائية، ومن المحتمل أن تصل نسبة الأطفال المتضررين من 50 إلى 75 في المئة.

وتمتد تداعيات هذا الأمر أيضا إلى الأسر التي باتت مجبرة على اعتماد آليات تكيف سلبية مثل تخفيض شديد في كميات الطعام اليومية، وزيادة تسرب الطلاب من المدارس، وعمالة الأطفال، وزيادة سوء التغذية لدى الصغار.

تصاعد حالات النزوح

تمتد تداعيات تخفيض مساعدات الغذاء إلى ما هو أبعد من حدود سوريا. ومن المرجح أن تدفع التحديات المالية والأمنية المتصاعدة، إلى جانب الفرص المحدودة، المزيد من السوريين، وخاصة أولئك الذين يعيشون شمال غربي سوريا، إلى البحث عن ظروف معيشية أفضل في الخارج. وحتى قبل حدوث هذه التخفيضات الكبيرة، كانت الهجرة غير النظامية قد ارتفعت في السنوات الأخيرة. فوفقا لوكالة “فرونتكس”، وكالة الحدود الأوروبية، فإن عدد المعابر الحدودية غير الشرعية للسوريين إلى الاتحاد الأوروبي زاد بأكثر من الضعف بين عامي 2021 و2022، حيث ارتفع من 46.395 عام 2021 إلى 92.472. وتجاوزت طلبات اللجوء من سوريا في النصف الأول من عام 2023 أيّ فترة مماثلة منذ أزمة اللاجئين من 2015 إلى 2016، حيث وصلت إلى أكثر من 66 ألفا.

ومع اقتراب خطر المجاعة الوشيك شمال غربي سوريا، هناك حاجة ماسة لزيادة المساعدات. ومع ذلك، يجب على الجهات المانحة أيضا أن تنظر في التحول الاستراتيجي من المساعدات الإنسانية الطارئة إلى المبادرات التي تعزز الانتعاش الاقتصادي وتعزز الظروف المعيشية. وبينما تعتبر المساعدات الإنسانية أمرا لا غنى عنه أثناء حالات الطوارئ، ففي الصراعات الطويلة مثل الصراع في سوريا، فإن الاعتماد المفرط على مثل هذه المساعدات غير المستدامة يمكن أن يكون محفوفا بالمخاطر.

ومن دون التحول نحو نموذج دعم أكثر استدامة، يظل خطر تفاقم معاناة السوريين مرتفعا، مما يجبرهم على القيام برحلات محفوفة بالمخاطر بحثا عن بدائل أكثر أمانا وأكثر قابلية للعيش.

المجلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى