فيروس كوفيد19-كورونا

عن كورونا في سورية، وباء العالم ووباؤنا السوري -مقالات مختارة-

وباء العالم ووباؤنا السوري/ ماهر مسعود

ليست الكتابة في الشأن السوري فعل رفاهية، ولا مجرد عمل وظيفي للبقاء، ولا هي فعل مقاومة، بالمعنى الكلاسيكي الرومانسي لمواجهة السلاح بالقلم ومقاومة الرصاص بالكلمات، بل هي غضبٌ ونفيٌ للعالم، من موقع الإدانة، ومن موقع القرف، ومن موقع تسجيل الانحطاط وعرضه دون أمل شخصي بالتغيير الموضوعي.

الكتابة في الشأن السوري هي تحدٍّ فردي لليأس الجماعي، وهي انغماسٌ في القهر الجماعي لمواجهة الجنون الفردي. لا تحتاج الكتابة الموضوعية إلى الانفصال عن الموضوع، وادّعاء الحياد والنطق باسم الحقيقة، بل إلى الصدق مع التحيّزات الشخصية، وإدراكها ضمن سياقها التاريخي، كما تقول سيمون دي بوفوار، وموضَعتها أمام التاريخ وأمام التفكير البشري الذي يخلق التاريخ.

يحتار الكاتب في الشأن السوري كيف يجمع تفاصيل الانحطاط الذي تبذره السلطة في تراب الواقع، وكيف يصوغ الألم الفاقع والمديد بالجمل القصيرة والصامتة، وكيف يجعل اللامعقول الواقعي قابلًا للتخيل العقلي، وكيف يكثّف الخذلان الإنساني الواسع بالرفض المسطّر على الورق، وكيف يمتصّ الغضب والحزن والقهر من وجوه الناس المتعبة، لكي يتقيّأه بصقًا في وجه السلطة ورعاتها ورعاعها، وفي وجه الغرب الديمقراطي والشرق الأوتوقراطي، وكل الأنظمة والشهود الساكتين عن المذبحة، والمشاركين في بقاء الأسد.. وباءِ سورية المزمن.

في الوقت الذي ينشغل فيه الإعلام العالمي بفشل الدول الكبرى والأنظمة الشعبوية وسياساتها وسياسييها في مواجهة الوباء “الصيني”؛ كوفيد19، ينتشر الوباء في سورية مثل النار في الهشيم، بينما يدفع النظام السوري الناس إلى الموت دفعًا، حيث يأخذ شعبه المحاصر كرهينة بقوة السلاح، ليُجري انتخابات مزيفة لمجلس الرعاع، ويرفع تجار الحرب والدم، من قتلةٍ ولصوص غير شرعيين، إلى قائمين بأعمال المجلس التشريعي، ثم يحتفل مندوبه الجعفري -بكل وقاحة وفجور- أمام مجلس الأمن بنزاهة الانتخابات. يسرق مساعدات الأمم المتحدة للشعب المحاصر، ويبيعها بيعًا لمن تخطى فقرهم عتبات الجوع. يسطوا على الأموال التي يرسلها لاجئو الخارج إلى لاجئي الداخل، ويفرض إتاوات على الداخلين والخارجين من بلدهم. يقلب قانون قيصر، من سلاحٍ ضده إلى سلاحٍ بيده، ويرفعه بوجه الشعب السوري والعالم أجمع: هذا الشعب ملكي أنا، سأقتله بسلاحي وسلاحكم وسلاحه الذي بين يديه. سأقتله بالوباء التاجي الجديد، سأنتقم منه ومنكم ببقائي حاكمًا فوق الجماجم وعلى الجماجم، فلا بديل عني سوى الفوضى، ولا بديل عن الفوضى سواي، إنها سوريا الأسد، وليست سوريا العظيمة. لا وجود لسوريا من بعدي، هذا ما أخبركم به والدي منذ عقود، ولم تأخذوه على محمل الجد.

لم يبقَ شيء لم يفعله السوريون ليتخلصوا من نظام العبودية القهري. عاشوا حربًا بطول الحربين العالميتين معًا. دفعوا دماءً تعادل أضعاف ما دفعه كلّ العرب أمام “إسرائيل”، وتخطوا عتبة المليون شهيد التي دفعتها الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي. عاشوا أكثر مما عاشته غزّة تحت الحصار الكامل، مع القصف اليومي، وشعار الجوع أو الركوع في الغوطة وداريا وحمص والزبداني ومضايا وغيرها، ثم رُحّلوا برعاية الأمم المتحدة. هُجِّر أكثر من نصفهم خارج البلاد وداخلها. شهدوا مجازر لم يشهدها التاريخ الحديث، منذ الهولوكوست، وبكل أنواع الأسلحة من السلاح الأبيض إلى غاز السارين. قُصفت مستشفياتهم ومدارسهم وأفرانهم، وحُرقت محاصيلهم وجثثهم أمام العالم، وبتوثيق المنظمات الدولية. تظاهروا سلميًا في البدايات والنهايات، وانتهى جيل كامل من المتظاهرين السلميين الأوائل موتًا تحت التعذيب. ماذا تبقى؟!

في الوقت الذي يفشل فيه العالم في مواجهة الجائحة الكورونية، نتيجة انعدام التعاون وانفراط العقد الجامع للنظام الدولي، ونتيجة السياسة الشعبوية لأقوى الدول الديمقراطية في العالم، والسياسة “الدستوبية” في الصين، والاستبدادية في روسيا، والسلطوية في الهند والبرازيل، لا بدّ من الاعتراف بأننا -السوريين- غير قادرين على مواجهة الوباء الأسدي المزمن وحدَنا، فضلًا عن الوباء المستجد الذي يساهم نظام الأسد في انتشاره، لمجرد بقائه محاصَرًا ومُحاصِرًا شعبه الموالي منه والمعارض، تحت نير الحكم المؤبد. ومثل الوباء التاجي، لا يمكن مواجهة الوباء الأسدي من دون مساعدة وتعاون، وهما غير متوفرين لا في المجتمع المحلي ولا في المجتمع الدولي.

هل كان سيتغير مصيرنا، لو استطعنا تنظيم أنفسنا بشكل أفضل، أو لو كانت المعارضة الهزيلة أكثر تماسكًا وأقل انحطاطًا؟ هل كان الثمن سيصبح أقل والزمن أقصر؟ لا يبدو ذلك مرجحًا، عند التفكير المعمّق في شروطنا وما مرّ علينا، فاللعنة السورية لم تتوقف عند التنوع الداخلي الذي قلبه الأسد ضدنا فحسب، والذي لا يمكن إثماره من دون انتقال سياسي سلمي على أقل التقديرات، ولا عند انعدام البديل السياسي الجاهز الذي انتهى فعليًا منذ الثمانينيات، مع موت الحياة السياسية سريريًا في سورية وتوزيع المعارضة بين السجون والمنافي والمقابر، بل نتيجة لعنة الجغرافيا والتاريخ السياسي معًا، فالتشابك الأمني الإقليمي الذي نصبه حافظ الأسد، وما زال ابنه يعيش على ترابطاته، جعل النظام يتأرجح بتلك الخيوط العنكبوتية المتقاطعة التي تربط “إسرائيل” بإيران، والسعودية بتركيا، ومصر بلبنان، والممانعة الحقيقية والأكثر قوة وثباتًا، التي رافقت السوريين منذ انفجار ثورتهم، هي ممانعة المحمية الغربية في الشرق الأوسط “إسرائيل” لسقوط النظام، حيث لم تترك فرصة منذ عام 2011 إلا أعلنت فيها صراحة، وعلى رأس الشهود، تفضيلها لنظام الأسد على أي معارضة، ديمقراطية كانت أم إسلامية. والمقاومة الحقيقة التي أظهرها “حزب الله” حتى اليوم هي مقاومة سقوط المشروع الشيعي الذي يربط إيران بالعراق وسورية ولبنان. وفي الوقت الذي تلتفّ فيه خيوط العنكبوت الإقليمية حول عنق الشعوب التي ثارت للحرية، وحوّلت ثوراتهم إلى صراع جيوسياسي، لا ناقة للشعب فيه ولا جمل، تتهاوى دولتا المقاومة والممانعة معًا، ليبقى الأسد ونصر الله واقفين فوق الخراب.

يمكننا أن نشتم المعارضة ونلومها، وأن نشتم دول الإقليم و”إسرائيل” وأميركا، والصهيونية والرجعية والخمينية، فجميعهم يستثمرون في دمائنا وحيواتنا، لكن المصير البائس والمُفزع للشعب السوري، وللشعب اللبناني، ليس له سوى عنوان واحد، هو الوباء الأسدي المزمن، الوباء الذي تفشّى في سورية والمنطقة والعالم، ولم يوجد له دواء بعدُ، ولم يجد العالم سبيلًا للتكاتف وإيقافه، بل اكتفت كل دولة على حدة في الاستثمار بدمويته القاتلة.

مركز حرمون

———————————————–

محاصرون بالرعب.. “كورونا” يزيد خسائر الأطفال السوريين/ منار أبو حسون – أحمد منينة – عبدو فياض

بدأت أرقام الاصابات بكورونا في سوريا ترتفع بشكل كبير وسط تعتيم على حقيقة الحالات ووسط ضعف كبير في اجراءات الحماية والوقاية والمعالجة . محنة جديدة فرضت على الأطفال السوريين الذين سبق أن اختبروا الحرب والاعتقال والموت…

“كورونا هو رجل شرير يريد أن يقتلنا، ولكنّه يخاف من الكمامة ويهرب عندما نرتديها ونغسل أيدينا باستمرار ولا نلمس عيوننا وأنفنا وفمنا”، بهذه الحيلة تمكّنت عائشة، وهي ربّة منزل في ريف دمشق، من إقناع طفلها حسين بضرورة اتباع الإجراءات الوقائية الخاصة بفايروس “كورونا”.

بعد هذه الحيلة بات الطفل يقف على باب المنزل ويطلب ممن يدخل إليه ضرورة غسل يديه بالماء والصابون جيداً، ويوبّخ كل من لا يرتدي الكمامة حتّى لو كان والده.

بينما نجحت حيلة عائشة في إقناع طفلها (5 سنوات) باتباع الإجراءات الوقائية، إلا أنها فشلت في تخفيف الآثار السلبية التي خلّفتها إجراءات الفايروس وما تبعها من إغلاق وحظر تجول على حياته. تغيّرت شخصية حسين كثيراً وتأثّرت حالته النفسية، بات سريع الغضب، شديد التطلّب ومضطرب النوم، خفَّ نشاطه داخل المنزل وانطوى على نفسه في الشهر الثاني من الإغلاق.

ولكن حيلة عائشة، وإن نجحت داخل منزلها، فإنّها غير مجدية مع أبي رضا، الذي يعيش مع أولاده الستّة في خيمةٍ مساحتها ثلاثة أمتار مربّعة، وتحيط بها خيم متلاصقة من كل مكان. سمع الأربعيني بوصول الفايروس إلى الشمال السوري، ولكنّه لم يتمكّن من فعل شيء لحماية أسرته.

بدأت أرقام الاصابات بكورونا في سوريا ترتفع بشكل كبير وسط تعتيم على حقيقة الحالات ووسط ضعف كبير في اجراءات الحماية والوقاية والمعالجة . هذا الحال يهدد بسيناريو سيئ ينتظر السوريين قد يشابه ما تعرضت له ايطاليا.

خلق “كورونا” وما خلقه من حالات وفيات وأعراض صحية وما تبعه من إغلاق للمدارس وحظر التجوال ومنع من مغادرة المنزل، آثاراً لا تُحمد عقباها على الأطفال السوريين، ويحذّر خبير نفسي من أن هذه الآثار قد تكون بعيدة المدى .

طبياً، قد تظهر أعراض عدوى الإصابة بـ”كوفيد 19″ على الأطفال، وقد يعانون من الحمى وارتفاع درجات الحرارة وفق ما خلصت إليه دراسات عالمية، وعلى اعتبار أن الأطفال أقل عرضة للإصابة، إلا أن سوريا تشهد حالياً انتشاراً هائلاً للوباء لا تقديرات واضحة لمداه لكنها لم تشهد تبليغاً عن أي حالات لإصابة أطفال بالفايروس في مختلف المناطق. قد يكون ذلك لهشاشة الوضع الطبي، وعدم توفر أجهزة الفحص والتشخيص دور كبير في عدم تشخيص حالات مصابين.

من جهةٍ أخرى، توضّح مقابلات أجريناها مع عائلات على الجغرافيا السورية، الهوّة الواسعة في نمط حياة الأطفال بين مناطق سوريا المختلفة، فالأطفال في العاصمة دمشق، لا يعيشون نمط الحياة الذي يعيشه أقرانهم في مخيمات الشمال السوري، حيث تختلف الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ويختلف شكل المسكن ونمط الحياة والبيئة.

هذا الواقع، يدفع اختصاصي نفسي للانطلاق نحو فكرة هدوء الآباء والأمّهات خلال تعاملهم مع الفايروس وعدم توتّرهم لأن أطفالهم بطبيعة الحال يتقمّصون تصرفاتهم.

تقول الرئيسة التنفيذيّة لـ”أنفذوا الأطفال” إنغر آشينغ: “نحن نعرف أن الأطفال الأكثر فقراً وتهميشاً عانوا الخسارة الأكبر، بسبب عدم توافر فرصة التعليم من بُعد لديهم أو أيّ نوع من التعليم على مدى نصف عام دراسي”.

ولكن في أي حال من الأحوال، فإن ذلك ينطبق على الأطفال في شتّى أنحاء العالم”، إلّا أنّه لا ينطبق على أطفال سوريا خصوصاً، فهؤلاء يعيشون ظروفاً لا تشبه ظروف الأطفال في أي بلدٍ آخر، كونهم مُنيوا بخسائر جمّة خلال النزاع.

وفقاً لتقرير صادر عن “يونيسيف” فإن ثلث الأطفال السوريين حرموا التعليم جراء الحرب، فيما حرم قسم كبير منهم الخدمات الصحية الضرورية.

ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 29 ألفاً و296 طفلاً على يد الأطراف الرئيسية الفاعلة في سوريا، منذ آذار/ مارس 2011 حتى حزيران/ يونيو الماضي.

وبحسب تقرير صادر عن “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” بعنوان  “لقد محوا أحلام أطفالي” فإن سنوات الحرب خلّفت من انتهاكات صارخة لحقوق الأطفال الأساسية، من بينها القتل والتشويه والجروح والتيتم والحرمان من التعليم وتحمّل وطأة العنف الذي ترتكبه الأطراف المتنازعة، إضافة إلى تشريد أكثر من 5 ملايين طفل داخل سوريا وخارجها.

التقرير أجرى مقابلات مع 5 آلاف طفل وشهود وأقارب ناجين وعاملين بالشأن الطبي بين 2011 وأكتوبر 2019 ووجد أن “قوات موالية للحكومة استخدمت الذخائر العنقودية والقنابل الحرارية والأسلحة الكيماوية التي تسببت بسقوط عشرات الضحايا من الأطفال”.

كما استُخدم الاغتصاب والعنف الجنسي مراراً وتكراراً ضد الرجال والنساء والأولاد والفتيات كوسيلة للعقاب والإذلال وبث الخوف بين المجتمعات، وفوق هذا الواقع المرير الذي يعيشه الأطفال السوريون، جاء الفايروس ليعمّق جراحهم.

“كورونا” فوق النزوح

ابراهيم (13 سنة)، نزح قبل أشهر من مدينة سراقب في ريف إدلب هرباً من القصف والمعارك، واستقرَّ في قرية صغيرة شرق إدلب. فقد منزله ومدرسته وأصدقائه، ولكن مع ظهور حالات لفايروس “كورونا” في محافظة إدلب، زادت خسائر الطفل، الذي حُرم مرّة أخرى الذهاب إلى المدرسة، كما حُرم لعب كرة القدم وأشياء أخرى.

يقول والده جهاد الابراهيم: “بعد وصول فايروس كورونا إلى إدلب، تغيرت حياة طفلي كثيراً، إذ مُنِع من الذهاب إلى المدرسة، والتحرّك خارج المنزل أو الذهاب إلى الحدائق واللعب مع رفاقه”، موضحاً أن النزوح في بداية الأمر ثم كوفيد 19 غيّرا الكثير في حياة الطفل.

قبل “كوفيد 19″، كان ابنه يذهب إلى المدرسة ويخرج للعب مع رفاقه ويتحرك بمنتهى حرّيته ولكن ذلك توقّف فجأة.

من أبرز الانعكاسات النفسية التي ظهرت على ابراهيم، العصبية الزائدة، والجلوس لساعات طويلة على الانترنت وألعاب الفيديو بحسب والده الذي قال: “أصبح يسهر حتى الخامسة فجراً على ألعاب الفيديو والانترنت، وينام طيلة النهار، كما طلب منّي شراء هاتف حديث له ليتمكّن من استخدام لعبة بابجي”.

يقول ابراهيم إنّه كان يلتقي مع أصدقائه يومياً بعد المدرسة في مكان معين ويذهبون للعب كرة القدم، لكنّه حُرم ذلك حالياً، كما حُرم الذهاب للاصطياف في بلدة دركوش في ريف إدلب الغربي، موضحاً أنّه يريد أن يمارس هذه النشاطات بعد زوال خطر كوفيد 19.

بحسب تقرير  صادر عن “هيومن رايتس ووتش” في 13 آذار/ مارس 2020، فإن 2.6 مليون طفل تعرّض للتهجير القسري، وهناك حوالى مليونَي طفل خارج المدارس. كل ثلاث من أصل 10 مدارس في سوريا إما مدمّرة أو غير صالحة للاستخدام.

كما أشار التقرير إلى أن 4 من كل 5 أشخاص في سوريا يعيشون تحت خطّ الفقر، ما يتسبب في تجنيدهم في القتال، وعمالة الأطفال، وزواجهم.

خوف الأطفال

عندما ظهرت جائحة “كورونا” عالمياً لم تكن الطفلة جنى (11 سنة) من محافظة السويداء خائفة ولكن ازدادت مخاوفها عندما ظهرت الحالة الأولى في دمشق، لا سيما أن والدها يعمل في متجر لبيع الأحذية ويخالط الكثير من الناس، في حين أن جدّها وجدّتها مسنّين وبالتالي فإن خطر الفايروس يكون عليهما مضاعفاً.

كل ما تعرفه جنى عن المرض أنّ أعراضه مثل الأنفلونزا ويُفقد الشخص حاسة الشم، وأصبحت منذ بداية الحجر تمارس الرياضة وتأكل أطعمة صحية وتقوّي المناعة، وتغسل يديها بشكل مستمر لتقي نفسها من المرض، هذه المعلومات حصلت عليها جنى من التلفزيون، إذ كانت تجلس أمامه دائماً وتشاهد الأخبار مع والدها.

تقول جنى: “مع ظهور أول حالة خفت كثيراً على والدي ولكن عندما جلس معنا في المنزل بسبب إغلاق المحلات التجارية لم أعد خائفة كالسابق ولكن مع عودة أبي إلى العمل عاد الخوف إليّ، لأن أبي يخالط الكثير من الناس”.

حُرمت جنى الخروج من المنزل ورؤية من تحب من أصدقائها، كما أنّها عبّرت عن حزنها عندما أغلقت المدارس لأنها اشتاقت إلى أصدقائها الذين التزموا جميعاً منازلهم.

تقول والدة جنى: “الخوف والقلق والتوتر مشاعر سيطرت في بداية الأمر على ابنتي وأصبح الفايروس حديثها الأساسي”، مشيرة إلى آثار الحجر السلبية على نفسيتها، ولكن الأم تعاونت معها لتكون الأمور أفضل عبر ممارسة الرياضة في المنزل وغير ذلك.

وتلخّص والدة الفتاة، أبرز الاضطرابات السلوكية والنفسية عند الفتاة، الخوف وكثرة التوتّر والقلق، إضافةً إلى كثرة الحديث عن “كورونا”، والاهتمام الشديد بنوعية الأطعمة، كما زاد ألم رأسها لأنّ جنى لديها شحنات كهربائية زائدة في رأسها، كما لوحظ على الفتاة، الغضب السريع، والضجر الدائم والسهر ليلاً.

ختمت أم جنى أن القلق والتوتر يؤثران جداً في مرض الفتاة (زيادة الشحنات الكهربائية في الرأس) و”أعتقد أن خوفها وآثار الحجر سبب رئيسي في زيادة نوبات ألم رأسها”.

الطبيب النفسي محمد أبو هلال، رأى أن الحجر المنزلي زاد من السلوكيات “غير المقبولة اجتماعياً” للأطفال، بنسب متفاوتة مثل التنمر على من يقوم بالسعال، والعدوانية والصراخ وفرط النشاط وتخريب أثاث المنزل، إضافةً إلى التذمر المستمر.

وقال: “بسبب عدم وجود مساحات صديقة بما يكفي للأطفال في سوريا، جاء كورونا فزاد المشكلة على الأطفال، فتراجعت حركتهم وزاد انعزالهم عن أقرانهم في المنازل”.

كما أسفرت الجائحة عن ظهور علامات التوتر والخوف من المرض الذي تحوّل إلى “وسواس” وارتباك في التصرف بالشكل المناسب وفقدان الثقة بالآخرين.

وأضاف الطبيب: “عموماً تغيّرت مصطلحات الأطفال من اللعب والدراسة إلى مصطلحات الفايروس والكمامة والحجر المنزلي، وهو ما خلق سلوكاً جديداً لديهم”.

وهذا السلوك، تمثّل بحسب الطبيب في الانعزال وقلة المخالطة الاجتماعية، خسارة الطفل فرص التعلم من الأقران واللعب معهم، فرط بالحركة، العنف تجاه الآخرين في بعض الأحيان، البكاء بلا مبرر، المزاج المتقلب، رفض الانصياع للأهل والمشاعر السلبية تجاههم، إضافةً إلى النوم غير المنتظم بسبب تغير العادات اليومية والإكثار من استخدام الهاتف المحمول والألعاب الإلكترونية.

مسار إصابات تصاعدي

يأتي هذا التخوّف في وقتٍ تسجّل إصابات الفايروس التاجي مساراً تصاعدياً غير مسبوق في عموم مناطق البلاد.

في 10 آذار 2020، أعلنت وزارة الصحّة السورية تسجيل أول إصابة بالفايروس في البلاد، لحالة أتت من خارج سوريا. تبع ذلك انتقال العدوى وتصاعد عدد الحالات سواء داخل مناطق سيطرة النظام أو خارجها.

لدى أبي فراس الذي يعيش في العاصمة دمشق 4 أولاد، أكبرهم 13 سنة وأصغرهم خمسة أشهر، جميعهم زادت أعباؤهم خلال فترة تفشّي فايروس “كورونا”، فبات الرجل وزوجته عاجزين عن متابعة حالة أطفالهم النفسية والاجتماعية بعد هذه الفترة الطويلة.

أم فراس كانت تعمل ممرّضة ولكنّها تركت عملها منذ 5 سنوات، ويعمل  زوجها في مجال التجارة الطبية.

كانت حياة الأسرة منظّمة، لكنها فقدت جزءاً من هذا التنظيم بسبب توقف الأطفال عن المدارس وعدم وجود التزامات أو انشغالات واضحة لهم.

تقول أم فراس: “أولادي كانوا يستيقظون في الثامنة صباحاً يذهبون إلى المدرسة ثم يعودون ويقومون بواجباتهم المنزلية وبعد ذلك يلعبون مع أصدقائهم ويناموا في الثامنة مساءً، مع تحديد أوقات للعب واستخدام الحاسوب ومشاهدة التلفزيون، ولكن اليوم بسبب غياب هذه الواجبات لم تعد حياتهم منظمة”.

يقول زوجها: “كنا نحاول تعبئة فراغهم بنشاطات داخل المنزل ولكن فترة إجراءات كورونا مستمرة منذ أشهر وليس من أسبوع أو اثنين، لذلك أصابنا نوع من التململ في متابعة يومياتهم”.

كان الابن الأكبر فراس متلوّعاً بكرة القدم، وينتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر حتّى يذهب مع أصدقائه إلى الملعب من طريق المدرسة الشرعية التي كان يدرس فيها قبل تفشي الوباء، لذلك كان يومه شبه ممتلئ.

تحاول الأسرة إيجاد متنفّس واحد للأولاد، وهو أخذهم كل يوم جمعة إلى منزل جدّهم في ريف دمشق، هناك لا ازدحام، ويحصلون على فرصة آمنة للاحتكاك بناس ورؤية أقاربهم.

سارة (11 سنة) هي أخت فراس الصغرى، كانت مهووسة بالأعمال الورقية اليدوية، وتمضي بين ساعة وساعتين يومياً في إنجاز أشكال ورقية، ولكن الفتاة تقول إنّها خلال الحجر المنزلي أُصيبت بالملل من هذه الهواية ولم تعد قادرة على ملء فراغها بها.

تعرّفت الأسرة إلى مدرّس متطوّع كان يرسل الدروس عبر فيديوهات على “”تلغرام، في حين انشغل البعض في العائلة بعرض مسلسلات تاريخية داخل المنزل من أجل تمرير الوقت، “وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها أتغاضى عن عدم تنظيم يومهم، وفي بعض المراحل كنت عصبياً نوعاً ما لأنّني أكون عائداً من العمل وبحاجة إلى الراحة بعد ضغوط العمل والخوف من انتقال الفايروس لأنني أحتك بمرضى غسيل الكلى، في حين يكون لدى أولادي طاقة كبيرة لتفريغها داخل المنزل”.

جراء كل ذلك، زادت عصبية الأطفال، وكثرت الشجارات والمشادات الكلامية بينهم. كما أن الأسرة تتخوّف من سيناريو أسوأ وهو تفشّي الوباء بشكلٍ أكبر في سوريا مع الزيادة اليومية في الإصابات، ولكن على رغم هذه الزيادة، بدأت الأسرة بالسماح للأطفال بالخروج ولكن مع تشديد الإجراءات الوقائية، فإبقاؤهم في المنزل طوال الوقت، بات مستحيلاً.

التعامل بحسب الفئات العمرية

يقول الاختصاصيّ النفسيّ طاهر ليلى، وهو قائد فريق الدعم النفسي والاجتماعي في “جمعية سامز الطبية”، إن “الأطفال يختلفون بحسب المراحل العمرية”، موضحاً أن “من هم دون الست سنوات، يمكن أن يفهموا القلق المحيط بهم، ولكن من الصعب أن يعرفوا معنى الحجر المنزلي والفايروس وعواقبه”. ويلفت إلى أن مهمة الأهل في هذا السياق هي نصحهم وإيجاد طرائق بسيطة لإيصال الأفكار لهم وشرح أهمية التباعد الاجتماعي، والسبب الكامن خلف جلوسهم في المنزل.

وقال: في هذا المرحلة العمرية، الطفل يشعر بالذنب عندما لا يخرج للعب أو لا يعانقه والده عند العودة من العمل، ولذلك يلقي اللوم على نفسه، من هنا ضرورة شرح هذه الأفكار له.

كما شدّد على ضرورة إبعاد الطفل من حقل الشائعات وتعريضه للمعلومات الحقيقية فقط عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لإبعاد التوتّر منه، لا سيما مع وجود انتقادات للحكومات عندما تعلن عن عدد الإصابات اليومي ما يساهم في زيادة القلق والتوتر.

ويرى ليلى، أن التعامل مع الأطفال في هذه الفترة، يتطلّب ألّا يكون الأهل قلقين، لأن الطفل يتقمّص شخصية والديه وبالتالي سيقلق مثلهم، لذلك عليهم التحلّي بالهدوء والتعامل مع الجائحة بالطرائق العلمية الوقائية.

ويوضح ليلى أن أكثر ما عقّد المشهد على الأطفال، أنّهم بحاجة إلى مساحة آمنة حرّة للتحرك فيها، وبسبب وجود الكثير من العائلات في المخيمات، وأخرى فقيرة تعيش في منزل صغير بسبب النزوح في سوريا، إضافة إلى عدم وجود كهرباء وانترنت ووسائل ترفيه قُيّدت مساحة الطفل وباتت لديه طاقة زائدة.

وأكمل الاختصاصيّ النفسي، أن عدم استهلاك الطاقة الموجودة داخل الطفل، يؤدّي إلى حزن واكتئاب وانعزال إضافة إلى أعراض القلق مثل الغضب المستمر والعناد أحياناً وزيادة التطلّب. هذا الضغط سيؤثر على مهارات الطفل الاجتماعية، والتي يحصل عليها من الاندماج في المجتمع والتواصل مع محيطه، ما يؤثّر في ذكائه الاجتماعي ويصبح خجولاً أو غير مبادر أو انطوائياً، أما إذا كان الطفل في المرحلة الدراسية الأولى وطالت فترة الجلوس في المنزل، فقد تتأثّر مهاراته اللغوية بحسب ليلى.

أُنجز هذا التقرير بدعم وإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج

درج

———————

الأسد معفِّشاً كورونا/ عمر قدور

خرجت سلطة الأسد من حالة الإنكار تجاه تفشي كورونا في أماكن سيطرتها، لكنه “جرياً على عادتها” ذلك الخروج المحسوب جيداً والذي لا يشي بأدنى تغير في طبيعتها. الإنكار نفسه يأخذ صيغاً مختلفة، ففي البداية كان هناك إعلان عن حالات محدودة جداً جداً، يترافق باستعراضات من نوع غسيل الشوارع والأماكن العامة، أو حجر مناطق بأكملها بسبب إصابة وحيدة، من دون أن ننسى الإغلاق العام الذي أعلنته حين كانت تصر على عدم وجود إصابات، ثم التأكيد على ندرتها وعلى أنها جميعاً وافدة من الخارج وتحت السيطرة.

مؤخراً أخذت حالة الإنكار مظهراً جديداً، فالسلطة تعلن بشكل شبه يومي عن أعداد متقاربة من الإصابات، بينما تمتلئ صفحات محسوبة عليها بأخبار تتحدث عن أرقام مضاعفة. لكن ليس سوى السلطة من يملك تقرير الرقم الذي يُعتمد من قبل المنظمات الدولية، وحتى عندما تقرّ بأن الأرقام قد لا تكون دقيقة فهي تلقي باللوم على العقوبات الدولية المفروضة أصلاً على قطاعات لا تمس الغذاء والدواء. لقد حدث مثلاً أن علمنا بثلاث وفيات معروفة بالأسماء خلال يوم واحد، وقررت السلطة وجود وفاة واحدة فقط، فهي التي تقرر ما تشاء بصرف النظر عما نحن متأكدون منه، بل رغماً عما نحن متأكدون منه.

أغلب الظن أن هذه السلطة لم تكن تفعل خلال الفترة الماضية التي تفشى فيه الوباء غير التفكير في كيفية استثماره، وفي تعبير سوري شهير التفكير في كيفية تعفيشه، حيث يعني التعفيش سرقة كل ما يمكن سرقته من خلال الوباء وعلى حساب من يستحقون قليلاً من الرحمة. هكذا مثلاً خرجت بقرار يتيح لمغادري البلد والعائدين إليها إجراء اختبار بكلفة 100 دولار، مع إلزام العائدين بالمبيت ليلة في فندق محدد بالاسم بكلفة 100 دولار أخرى لليلة، ولا يلزمنا قدر مرتفع من النباهة لمعرفة أن ذلك الفندق مملوك لأحد حيتان السلطة.

إن كلفة إجراء الاختبار نفسه في فرنسا مثلاً تعادل 60 دولاراً قبل شمولها في الضمان الصحي، وهي أقل في غالبية البلدان ومجانية في بلدان أخرى، ومن المرجح أن سلطة الأسد حصلت على الاختبارات مجاناً بحسب إعلانات سابقة لمنظمة الصحة العالمية، أي أنها تتاجر بالمساعدات للحصول على العملة الصعبة. ومن معرفتنا بطبيعة السلطة، قد تكون هذه القرارات مدخلاً للتطبيق على قياس الفساد، ففي حين تعتذر المستشفيات الحكومية عن إجراء الاختبارات لعدم توفرها تكون متاحة للذين ينوون السفر، وبهذه الذريعة قد تكون متاحة للقادرين على الدفع سواء كانوا مسافرين أو لا. الفساد ذاته قد يدلنا إلى من يحالفهم “الحظ” أكثر من غيرهم بالحصول على أجهزة تنفس، بينما لم تعد صفحات التواصل الاجتماعي تخلو من مناشدات من أجل المساعدة في الحصول عليها.

في الأيام القليلة الماضية تكررت تحذيرات أطباء يعملون في المستشفيات المصابين أو المشتبه بإصابتهم من الذهاب إلى تلك المستشفيات، لأنهم لن ينالوا الرعاية المأمولة، ومن المرجح تعرضهم للإصابة إذا لم يكونوا مصابين. تكرار التحذيرات العلنية يعني عدم اكتراث السلطة بأدنى المعايير الصحية، ويعني أنها تفعل ذلك بوقاحة منقطعة النظير فلا تكترث بتلك الفضائح المنشورة على وسائل التواصل، وهي التي كانت إلى وقت قريب تعتقل أصحاب انتقادات أدنى مما هو مشاع الآن. يعطينا أحد إعلاميي النظام، من خلال صفحته على فايسبوك، فكرة أفضل عما يحدث، فهو يسعف صديقه المصاب إلى مستشفى المواساة ليرى هناك اكتظاظ قسم الإسعاف من دون تفريق بين الحالات، ولحسن حظه حصل على سرير مع جهاز تنفس، قبل أن ينصح طبيبٌ ذلك الإعلامي بإعادة المريض ليتلقى العلاج في البيت، فيترك المريض السرير الذي يُعطى فوراً بلا تعقيم مع جهاز التنفس لمريضة مصابة بهبوط في السكر. بحسب رواية الإعلامي يطلب منه الطبيب تصوير وصفتين معلقتين على الجدار يبدو أن المستشفى ينصح بهما كافة المصابين، ومن ضمن الأدوية هيدروكسي كلوروكين الذي أثار الجدل عالمياً، وصارت خطورته مؤكدة على بعض المصابين. ذلك المريض، بحسب شهادة صديقه الإعلامي، قد جرّب من قبل الاتصال دون جدوى بالرقم المخصص لمن يشتبهون بإصابتهم، ولم يكن حظه أفضل مع مستشفى الأسد الجامعي الذي ذهب إليه قبل الذهاب إلى المواساة، ليقضي نحبه بعد يومين، وبعد معاناة مع المرض والجهاز الطبي.

مع عدم استبعاد وجود أطباء وممرضين ذوي ضمائر يقظة، ومنهم أولئك الذين يحذّرون من الذهاب إلى المستشفيات، فإن تردي خدمات الأخيرة لا يعكس فقط تدهور القطاع الصحي عموماً، وإنما يعكس حالة اللامبالاة التامة إزاءه في ظرف يستدعي إعطاءه الأولوية. مظاهر الإهمال هذه لا يمكن أن يغلب وجودها إلا في مناخ عام من الفساد والاستهتار، وهذا المناخ يحظى ولو بنسبة ضئيلة من الكادر الصحي تساعد على تفاقمه، من دون أن ننسى عمل الكوادر الطبية ضمن شروط لا تؤمن لهم الوقاية. من معرفتنا بطبيعة هذه السلطة، لا يصدر ذلك كله عن إهمال فحسب، وإنما عن إهمال متعمد يذهب الفقراء ضحيته، ويعثر القادرون على الدفع على أماكن أفضل للتشخيص والعناية، ولا يُستبعد أن يكون في المستشفى نفسه أجنحة “فخمة” للقادرين على الدفع، وأخرى للبائسين المتروكين لحظهم مع مناعتهم الشخصية.

لم يكن من المنتظر يوماً ظهور سلطة الأسد بأقل مما هي عليه من السوء، وحتى الاستثمار في موضوع كورونا كان متوقعاً، وإن صعبَ توقعه على هذا المثل من الابتذال. لن نجد في مكان آخر مرضى يُدفعون لتفضيل الموت في البيت على الذهاب إلى المستشفى، ولن نجد أيضاً أهالي موتى قد يتكتمون على وفاة فقيدهم بفيروس كورونا لئلا يُبتزوا بخيار دفنه بعيداً من مدافن العائلة، لن نجد هذا النوع من التجارة بجثامين الموتى. وإذ تتملكنا الدهشة أمام هذا الإسفاف الفظيع إنسانياً فلا حيلة لنا سوى تمني أن يكون الوباء أقل رأفة بالضحايا، بينما في هذا الوقت “ونحن في دهشتنا وتمنياتنا الساذجة” هناك عصابة ربما أقصى ما تفكر فيه أن تعفيش كورونا لم يأتِ لها بالعائد الكافي، وينبغي ابتكار أساليب أشدّ للتعويض.

المدن

——————-

في تفاقم الجحيم السوري/ عمر قدور

يؤكد الوضع السوري ما قد يكون قاعدة عامة، وهي أن غياب الاحتمالات الجيدة يفتح تلقائياً على الاحتمالات الأسوأ. وهكذا، مع توالي الانحدار، ما كان يعتبر الأسوأ قبل حين قد يُرفع إلى مرتبة الأقل سوءاً. المخيف في هذا المسار أن المدى المنظور ينذر باستمراره، خاصة في الأشهر المقبلة التي من المرجح أن تشهد تفاقم الجحيم السوري إلى حد كان يصعب تخيله حتى قبل أشهر قليلة. واحد من الأمثلة شهدناه قبل مدة من انهيار الليرة السورية، ما يؤكد قاعدة الاحتمالات السيئة أن سعر صرفها قد تحسن مع استمرار التراجع الحاد في مستوى المعيشة. فضلاً عن الإجراءات القسرية التي اتخذتها سلطة الأسد وساهمت في رفع سعر الصرف، يشير الأخير إلى انخفاض حاد في الطلب على الدولار رغم الحاجة الحالية إلى الأخير لاستيراد السلع الأساسية، أي أن الأسوأ ليس ارتفاع سعر صرف الدولار وإنما انخفاض الطلب عليه بسبب التدني المريع في الاستهلاك.   

في الأيام الأخيرة لم يعد تفشي كورونا احتمالاً مفزعاً، لقد أصبح واقعاً يصعب إخفاؤه، ومن مظاهره التحدث عنه علناً في صفحات موالية على وسائل التواصل الاجتماعي، بل نقل رسائل عن الأطباء تنصح بعدم ذهاب المصابين إلى المستشفيات لأن الأخيرة غير قادرة على تقديم شيء لهم سوى العدوى إن لم يكونوا مصابين حقاً. أرقام الإصابات التي صارت تعلنها سلطة الأسد لا تواكب ما يحدث، وهي محكومة بما هو معروف عنها من كذب، ومحكومة أيضاً بعجزها عن إجراء الفحوص وتقديم الحد الأدنى من الرعاية الطبية ضمن ما تبقى لديها من منشآت بعد أن تولت قواتها تدمير نسبة معتبرة منها.

لقد أدى تفشي الفيروس إلى تركيع دول ذات إمكانيات صحية واقتصادية لا تقارن بأطلال سوريا، وحتى الآن لا يتوفر له علاج أو لقاح، وما تفعله الأنظمة الصحية في معظم الدول هي مساعدة مناعة المصابين على المقاومة حتى الشفاء. الخصوصية السورية ليست فحسب في تدني الإمكانيات الصحية، وإنما أيضاً في آثار هذا التدني خلال السنوات الماضية، فكما نعلم نسبة كبيرة من ضحايا الفيروس هي من المصابين بأمراض أخرى، وهنا تلعب الرعاية الصحية السابقة دوراً مهماً في تقليل عدد الضحايا وهذا مفتقد في الحالة السورية حيث شهد العقد الأخير تدنياً حاداً في كل ما يتصل بالصحة العامة، ولدى كافة الشرائح العمرية.

أمر آخر أظهرته التجربة في دول أخرى “متقدمة”، هو التفشي الأكبر للفيروس لدى الشرائح الأفقر التي لم تملك مستوى جيداً من الرعاية الصحية السابقة، والتي لا تمكنها ظروفها من اتباع سبل الوقاية الموصى بها. في سوريا اليوم هناك 85% من السكان تحت خطر الفقر، أي أن السواد الأعظم منهم غير قادر على تكاليف الحد الأدنى من الوقاية. الاستهتار المعتاد بحياة السوريين قد تكون كلفته مضاعفة، فالبلد لم يلتقط أنفاسه بعد جراء النزيف البشري الهائل بين قتلى ومهجّرين، لكن لا يُتوقع إطلاقاً أن تحيد سلطة الأسد عن ذلك الاستهتار كأن تقدم الصورة الحقيقية عن الواقع وعن عجزها، أو أن تعلن البلد منكوباً وتطالب بلا شروط بمساعدات أممية.

الخبر الذي يُضاف إلى ما سبق من السوء أن القوى الكبرى ستكون خلال الأشهر القليلة المقبلة منشغلة بتحصين أوضاعها الصحية والاقتصادية، ولن تتخذ مبادرات خارجية ولو في الحد الأدنى المعتاد، ولن يكون لسوريا حضور إلا من خلال تطورات عسكرية محتملة. القوى التي لم تُظهر اكتراثاً بحيوات السوريين الذين يقصفهم الأسد، في وقت لم تكن فيه الظروف على النحو الحالي، هذه القوى لن تكترث اليوم بحيوات سوريين آخرين، وستقتصر رؤيتها للشأن السوري من زاوية الصراع الدولي والإقليمي فيها لا غير.

على صعيد متصل، قد تحتدم المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية من البوابة السورية، فتل أبيب تسعى إلى الاستفادة القصوى من الوقت المتبقي حتى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وطهران تتحاشى تصعيداً مباشراً من جبهة الجنوب اللبناني ربما تكون كلفته أعلى بكثير من استخدام الساحة السورية. لن تحدث مواجهة شاملة تكون قوات الأسد جزءاً منها، لكن تل أبيب أنذرت سلطة الأسد بأنها لن تبقى خارج طائلة العقاب في حال أتى الرد الإيراني من جهة الأراضي السورية. إذا تحقق هذا السيناريو فسيأتي الرعب من كافة أماكن تواجد القوات والميليشيات الإيرانية، وهي منتشرة من شمال سوريا إلى جنوبها. أية مواجهة عسكرية جديدة ستنعكس آثارها سلباً على وضع إنساني شديد الهشاشة، لكنه آخر ما يؤخذ في الحسبان من قبل كافة الأطراف المعنية.

لا تبذل موسكو جهوداً علنية لتجنب التصعيد بين حليفيها الإسرائيلي والإيراني، ولا تستغل وجودها العسكري لرسم خطوط حمراء أمام المتحاربَيْن. ما كان واضحاً خلال الأسابيع الماضية أنها أيضاً لم تعبأ بالأزمة الداخلية الخانقة لمناطق سيطرة الأسد، بعد أن وبخته على فساده بوصفه سبب الأزمة. القوة الوحيدة القادرة على فعل شيء ما لتحسين شروط الجحيم السوري غير راغبة في ذلك، وليس جديداً على السياسة الروسية هذا النوع من اللامبالاة، وقد يعززها انصراف جزء من التركيز إلى ليبيا، وجزء آخر إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني، وهي أقرب إلى تل أبيب بتفضيل بقاء ترامب على انتخاب الديموقراطي بايدن.

حدثان هما الأهم ينتظرهما العالم في خريف هذه السنة، صحياً توصلُ التجارب إلى إثبات فاعلية لقاح أو أكثر ضد كورورنا، وسياسياً معرفةُ المقيم الجديد في البيت الأبيض. عملياً سينقضي ما تبقى من السنة في انتظار الحصول على لقاح ناجع، مثلما ستنتظر القوى الدولية والإقليمية تنصيب الرئيس الجديد في حال فوز الديموقراطيين لتبني على ذلك سياساتها. ستكون هذه الأشهر ثقيلة جداً على العالم بأسره، وهي أثقل على السوريين مع انفتاح جحيمهم على مزيد من السوء، والتواريخ المنتظرة لن يأتي شقها السياسي بحل سحري لهم، أما الخلاص الصحي المأمول فمن المستبعد جداً أن يكون عادلاً في توقيته.

المدن

—————–

كورونا حتى إشعار آخر/ بشير البكر

تتردّد منذ فترة مخاوف من أن العالم ربما يشهد موجة جديدة من فيروس كورونا في وقت قريب. وفي منتصف هذا الأسبوع، بدأت وسائل الإعلام الأوروبية تتحدث عن الأمر بوصفه واقعا، بعد أن قرّرت بريطانيا إعادة فرض الحجر على كل المسافرين القادمين من إسبانيا. وذكرت عدة صحف أن القارّة الأوروبية تستعد لموجة ثانية من تفشّي الفيروس، الأمر الذي من شأنه إعادة فرض الإجراءات الاحترازية. وفي تقرير أعدّه مراسلون في صحيفة الغارديان في العواصم الأوروبية، جاء أن بلجيكا تحذّر من أنه قد يتم فرض إغلاق كامل مرة أخرى، بعد ارتفاع ملموس في عدد حالات الإصابة. وينطبق الأمر ذاته على إقليم كتالونيا الإسباني، مع تحذيراتٍ باحتمال عدم السيطرة على التفشي خلال عشرة أيام، وكذلك هو الأمر بالنسبة لفرنسا وألمانيا.

ولم يأت تقرير الصحيفة من فراغ، بل إنه مبني على تقديرات صادرة عن أوساط علمية. ويمكن التوقف عند الحالتين، الألمانية والفرنسية، حيث سجل البلدان تقدّما كبيرا في مكافحة الوباء خلال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان، وبدأت العودة التدريجية إلى الوضع شبه الطبيعي في مايو/ أيار. ولوحظ في الأسبوعين الأخيرين ارتفاع حادٌّ في الإصابات بين الشباب، وهناك مخاوف رسمية من أن العطلة الصيفية ستكون محطةً حاسمةً وخطيرة في هذا الشأن، بسبب زيادة الحركة والتقارب الاجتماعي والاكتظاظ، وحصول حالة استرخاءٍ في أوساط الشباب على وجه خاص، حيث انتهت فترة وضع الكمّامة.

تفاءل العالم في ذروة استشراء الفيروس أن يختفي مع ارتفاع درجات الحرارة، وظهرت تصريحات من أوساط طبية عن احتمالات قوية بأن يندثر الفيروس، واعتبر بعضهم أن عدم انتشاره الواسع في قارة أفريقيا مردّه إلى عامل الطقس. وتبين تهافت هذه الأطروحة، وما تزال بلدان تتمتع بطقس حار، مثل دول الخليج العربي والعراق وتركيا، تسجل معدلات عالية نسبيا. وهناك نظرية أخرى تحتاج إعادة نظر، قالت إن هناك ذروة يصل إليها الوباء، ومن ثم يبدأ بالتسطح والنزول تدريجيا. وقد حصل هذا في بعض البلدان، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بينما انعكست الآية في دول أخرى، مثل إيران التي عاد معدل الإصابات فيها إلى الارتفاع بمعدلات تفوق الموجة الأولى التي ضربتها في الشتاء الماضي.

وتفاءل العالم بأن الخريف المقبل يمكن أن يشهد التوصل إلى لقاح يصبح في متناول البشرية قبل نهاية العام الحالي، ولكن ليس هناك ما يبشر بذلك، على الرغم من مؤشرات كثيرة إلى تقدم يحصل في هذا الميدان، وبالتالي سيتعيّن على العالم أن يجتاز عام 2020، وهو يحمل معه هذا الفيروس الذي تقترب حصيلة الإصابات به من 17 مليوناً والوفيات من 700 ألف. وكما هو ملاحظ، عادت الأرقام إلى الارتفاع، وهي مرشّحة لأن ترجع إلى مستوياتٍ قريبة من بدايات ظهور الفيروس، إذا ما استمر الأمر على هذا المنوال. وهناك دول مرشّحة أكثر من غيرها، كما هو الحال في الولايات المتحدة والبرازيل والهند وروسيا. وتشكل هذه البلدان ما يقارب ثلث الإصابات العالمية. وباستثناء روسيا التي يتراجع فيها عدد الإصابات ببطء، فإنه يواصل الارتفاع على نحو مقلق جدا في الدول الثلاث الأخرى.

استشراء الوباء في دول متقدمة وغنية، مثل الولايات المتحدة، فأل سيئ، ويثير مخاوف كبيرة في حال خرج عن السيطرة في بعض البلدان التي لا تتمتع ببنى صحية متقدّمة، مثلما هو الحال في البرازيل التي سجلت أرقاما قياسية في الإصابات والوفيات. ولا يقل الوضع خطورة في بعض بلدان العالم العربي، وخصوصا في سورية والعراق. وفي حين بدأ يتفشى في سورية التي تفتقر للبنى التحتية الصحية، فإن عدد الإصابات يتفاقم بشكل كبير في العراق، وخصوصا في الجنوب المجاور لإيران.

العربي الجديد

——————

كورونا النسخة السورية الأخطر/ فاطمة ياسين

بدأت وزارة صحة النظام في سورية بالاعتراف بأن المناطق التي تدخل تحت إدارتها قد طرقت أولى مراحل المعاناة، فالبيان قال قبل أيام إن عدد المصابين بفيروس كورونا وصل إلى 717 في عشر محافظات، ونوّه إلى أن هذا العدد هو ما رصدته الوزارة، وقد يكون هناك حالات أخرى غير مرصودة! يؤكد البيان وجود الوباء في عشر محافظات. وعلى الرغم من أن العدد المذكور قليل نسبيا، فالتلميح واضح إلى أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك، وتحديده المحافظات العشر يعني أن المرض قد توسع إلى أكبر مساحة ممكنة، وليس هناك استثناءات على الإطلاق. أما أخطر ما في البيان هو التلميح العميق إلى أن إمكانات النظام الصحية تعاني بشدّة، وقد تكون غير قادرة على مواجهةٍ من هذا النوع. وقد برّرت الوزارة ذلك بالطبع بحالة الحصار التي قال البيان إن سورية تعاني منها .. يلقي البيان الكرة في ملعب كل شخص، ويتنصّل من مسؤوليته أمام الجائحة التي يبدو أنها تسرّبت وانتشرت.

يمكن التشكيك بكل بيانٍ يقدّمه النظام، حتى هذا البيان الذي يفصح عن زيادةٍ في عدد المصابين، فمن المتوقع أن يكون العدد أكبر بكثير، سواء الحالات التي يعرف النظام عنها، أو المنفية في تجمعات الصفيح والفقر والبؤس الذي يحيط بالمدن، خصوصا أن هناك إصابات ووفيات ضمن الطواقم الطبية، فقد نعت مواقع موالية، قبل أيام، طبيبة قيل إنها توفيت جرّاء إصابتها بالفيروس، كما أفادت وسائل إعلام النظام نفسها الأسبوع الماضي بأن سبعةً من متطوعي الهلال الأحمر قد تبين أن فحوصاتهم التي أجروها في مستشفى المجتهد جاءت بنتيجة موجبة. وفي ظل هذه المخاوف، أوقفت جامعة دمشق جولات طلاب كلية الطب البشري الميدانية، لعدم تمكّنها من توفير إمكانات الفصل الآمن بينهم، في اعترافٍ آخر بأن مستويات المرض قد وصلت إلى حد مجاهرة واحد من أعتى أجهزة الإعلام في العالم علنا بعجزه عن المواجهة، مع توجيه المواطنين إلى تدبّر أنفسهم.

ويطرح انتشار كورونا بشكل كبير في مناطق النظام مشكلة إضافيةً وضغطا آخر، فالأزمة الاقتصادية المزمنة التي يعاني منها النظام شهدت، في الفترة الأخيرة، تفاقما خطيرا أدّى إلى انهياراتٍ في أنظمة النقد، أودت بسعر صرف الليرة السورية إلى أدنى مستوى، وهي تواصل الانخفاض بلا توقف، ما يجعل الذين يعيشون في كنف النظام في فاقةٍ دائمة، مع عجز النظام التام عن إيجاد أي حلٍّ لتحسين وضعهم الاقتصادي، وهو المعزول دوليا، بالإضافة إلى المشكلات المتفرعة، والتي ترفع الضغط إلى حدّه الأقصى، كانقطاع الكهرباء المستمر، وعدم وجود المياه في فصل الصيف ذي الحرارة المرتفعة. كل هذه عوامل تجعل من إجراءات مواجهة المرض تفشل بالكامل، فسعر القناع الذي يستعمل مرة واحدة يشكل عبئا على الناس، وقد يكون أكثر من نصف السكان غير قادرين على تأمينه يوميا، وخصوصا بوجود عائلة كبيرة.

هذا البلد الذي دمره ساسته بحرب خاضوها على مدى عشر سنوات لم تبقَ فيه بنى صحية، فضلا عن البنى الاقتصادية التي مسحها الفساد بالدرجة الأولى، وما زال مستشريا فيها، فلم يبق ما يقي السوريين الذين وجدوا أنفسهم أسرى في مناطق النظام، وعليهم الآن الاختيار بين الضيق الاقتصادي والاستسلام للمرض المرشح للتفاقم بسرعة عالية، في ظل عدم وجود وسائل وقاية، أو عدم القدرة على شرائها في حال توفرها، خصوصا وأن الداعم والممول الرئيسي (إيران) يعاني هو الآخر من الأعراض نفسها، وغير قادر على مساعدة نفسه، ولا تبدو الصين مهتمة بالمساعدة خارج إطار مجلس الأمن. والمرجح أن الروس سيختفون في قواعدهم العسكرية المحصنة هروبا من مواجهة الوباء الذي يرتع في شوارع موسكو، تاركين النظام لمناعته.

العربي الجديد

——————

كورونا سوريا..الحلول الصحية للأغنياء فقط/ نور عويتي

شهدت مدينة دمشق وريفها في الأسابيع الآخيرة طفرة بأعداد المصابين بفيروس كورونا، وسط انهيار تام للقطاع الصحي وعجز النظام السوري عن السيطرة أو الحد من الأزمة الصحية التي تجتاح مناطق سيطرته.

وأعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري تسجيل 45 إصابة جديدة بكورونا، في أعلى حصيلة يومية تعلن عنها. وقالت إن الإصابات ارتفعت إلى 892 إصابة، وهي أرقام مشكوك فيها من قبل مسؤولي النظام نفسه.

وبدلاً من العمل على توعية المواطنين بخطورة الوضع الراهن، عمد النظام السوري إلى التعتيم الإعلامي حول الأرقام الحقيقة للمصابين وعدد الوفيات بفيروس كورونا، وتاجر بأرواح مواطنيه، فاستغل احتياجات الناس الصحية ليعقد صفقات ربحية.

أولى تلك الصفقات، كانت احتكار النظام لفحوص كورونا والمتاجرة فيها، حيث أعلنت وزارة الصحة السورية عن توافر المسحات للراغبين بالسفر خارج سوريا في عدد من المراكز ضمن العاصمة في الوقت الذي خلت فيه المشافي المحلية من الفحوص. وقامت بتسعير الاختبار الواحد بمئة دولار أميركي.

أضاف ذلك إلى معاناة الطواقم الطبية في مشافي العاصمة وزاد من عشوائية العمل فيها، فبات معظم الأطباء يلجؤون إلى طرق بديلة للكشف عن الفيروس. ويقول أحد الأطباء في مستشفى الأسد الجامعي ل”المدن”: “ليس لدينا فحوص للكشف عن الفيروس على الإطلاق. لذلك أصبحنا نعتمد بكشوفنا على التصوير الشعاعي للرئة بعد مطابقة الأعراض، وبعدها نقوم بفحص نسبة الأوكسجين في الدم. ووفقاً للصور والتحاليل نبني تشخيصنا  للحالة، وهو تشخيص غير دقيق بالطبع، ويتطلب مجهوداً مضاعفاً”.

وأضاف أنه “حتى إذا تبين أن الشخص يحمل الفيروس وأنه يحتاج لجهاز تنفس، فإننا أصبحنا غير قادرين على تدارك الأمر، فالمشفى ليس قادراً على استيعاب أكثر من 10 في المئة من الحالات التي نستقبلها يومياً”.

الحلول البديلة التي يطرحها النظام في الأسواق متوفرة للأغنياء فقط. عدد كبير من أسطوانات الأوكسجين عرضها ليتاجر بها في المراكز الطبية، وأوحى للناس أن الحل الأمثل في الوقت الحالي هو بتجهيز مشافٍ منزلية. ورفع سعر هذه المعدات الطبية بشكل كبير جداً، حتى وصل سعر أسطوانة الأوكسجين سعة 22 ليتر إلى 270 ألف ليرة سورية، وسعر أسطوانة الأوكسجين سعة 12 ليتر إلى 215 ألف ليرة سورية، ليصبح هذا الحل مقتصراً على فئة محدودة من الشعب السوري.

وعلى الرغم من تبرع العديد من الجمعيات الخيرية في دمشق بثمن الأوكسجين لبعض المصابين، وعلى الرغم من محاولة بعض التجار التدخل لإيجاد حلول رخيصة، مثل معمل “أوكسجين النبك”،  الذي أعلن عن استعداده لإعادة تعبئة الأسطوانات بسعر رمزي، يتراوح بين 1000 و2500 ليرة سورية؛ إلا أن العائق يبقى بالحصول على الأسطوانة والجهاز الطبي المرفق بها.

وحتى في حال تمكن المواطن من تأمين الجهاز يقع في مشكلة آخرى وهي توافر الكهرباء لتشغيل الجهاز، خصوصاً أنه في الأيام الأخيرة تعمّدت محافظة دمشق قطع التيار الكهربائي عن جميع المناطق لساعات طويلة، ليصل مجمل ساعات تشغيل التيار الكهربائي يومياً إلى ست ساعات كحد أقصى.

وفي هذا السياق تحدثنا شاهدة من العاصمة دمشق قائلة: “دفعت ما يقارب نصف مليون ليرة سورية لتأمين أسطونة أوكسجين وتجهيزاتها لشقيقتي المصابة بفيروس كورونا، إلا أن الكهرباء غير متوافرة معظم الوقت لتشغيل الجهاز، ولا يمكن تشغيله على المولدات العادية، فكان يتوجب علي أن أقوم بشراء مولد خاص لتشغيله ويبلغ ثمنه ما يقارب 700 ألف ليرة سورية، وذلك فوق قدرتي المادية. لذلك استسلمنا للأمر الواقع، ونحن مضطرون لتعريض حياة أختي للخطر، ووضعها على الجهاز عند توافر الكهرباء فقط”.

حالة الهلع في دمشق وصلت الى أقصاها، بعد أن تناقلت وسائل إعلام محلية وعربية تسريباً منسوباً إلى معاون مدير صحة دمشق، يفيد بأن إجمالي إصابات بفيروس كورونا في دمشق وريفها يصل إلى 110 ألاف إصابة، وأن عدد الوفيات وصل إلى مايقارب ال832 خلال الأسبوع الفائت.

وتسببت هذه التسريبات بخروج كل من وزارة الصحة ومكتب دفن الموتى بتصريحات متناقضة؛ فوزارة الصحة لم تنفِ ما سُرب  من تصريحات، وإنما اكتفت بالتصريح بأن الأعداد التي تصرح عنها رسمياً هي التي ثبتت إصابتها من خلال تحليل “PCR”. أما مكتب دفن الموتى فهو لم ينكر أرقام الوفيات المذكورة في التسريبات، ولكنه أنكر أن يكون سبب الوفاة هو فيروس كورونا، وادعى بأن ازدياد أعداد الوفيات في دمشق الأسبوع الماضي ناجم عن موجة الحر التي تجتاح البلاد.

وأبلغ شاهد عيان “المدن” بما يجري في مقبرة زين العابدين في دمشق قائلاً: “قبل يوم واحد من عيد الأضحى، دُفن ما يقرب من خمسين شخصاً في المقبرة. ويتم الدفن بطريقة خاصة، فلا يتم تغسيل الموتى ولا الصلاة عليهم، ولم يرافق الموتى أي من أقربائهم، وإنما تأتي بهم سيارات تابعة للمستشفيات مع فريق مكون من أربعة أشخاص يلبسون سترات وبزات واقية، وجرى دفنهم بعد صلاة المغرب لعدم لفت الانتباه؛ وكأنهم ينفذون عملية سرية”.

المدن

————————-

برعاية الأسد الوباء يقتل جميع السوريين/ علي سفر

هنا، وفي هذا المكان كتبت قبل عدة شهور عن طرافة ما يقوم به السوريون، حينما يشبّهون فيروس كورونا ببشار الأسد.

آنذاك، كانت سوريا بعيدة عن لغة الأرقام المتصاعدة لعدد المصابين بالوباء، وكان السياق مرتبطاً بالكوميديا السوداء لجهة ادعاءات مؤسسات النظام عن أنها باتت مرجعاً عالمياً في الإجراءات الصحية، وأنها قامت بإغلاق الحدود، وأنها تتابع الأوضاع بشكل دقيق، وأنها تقوم بوضع الموانع في وجه تمدد الفيروس نحو البلاد! حيث وصلت مفاعيل هذه الموانع إلى قيام إدارة محافظة حلب بحفر متر في مدخل المدينة، وقامت بملئه بالمعقمات، لكي تكون السيارات الداخلة إلى المدينة نظيفة، لا تحمل أية أمراض معدية، بما فيها كوفيد 19-كورونا!

الجهل في فهم طبيعة الفيروس، والعجز عن إدراك قدرته على إصابة كل البشر، مظهران حكما طريقة تعامل النظام وغيره من قوى الأمر الواقع ميدانياً وسياسياً، مع الوباء منذ البداية!

هنا، للأسف ستنقلب وبشكل رهيب البلاغة، حين سنتذكر تصريح بشار الأسد في بداية 2011 الذي قال فيه إن سوريا ليست تونس وليست مصر وليست ليبيا، وإنها لن تتأثر بالربيع العربي!

ولكن سوريا كانت الأنموذج الأشد قسوة للثورات العربية، ومحاولات الشعوب التحرر من براثن القمع والديكتاتورية!

ومع حالة الإنكار التي صاحبت وجود كوامن وبؤر أولية للمرض المستفحل عالمياً، ها هي سوريا تتحول إلى واحدة من أكثر الحالات مأساوية في تعرضها للخسائر البشرية بسببه!

سخر السوريون دائماً من الأسد ونظامه، لكنهم في المقابل كانوا يدفعون أثماناً عظيمة لقاء رفضهم لأن يستمر وعائلته بحكمهم، وقد سخروا من فيروس كورونا، وهاهم يدفعون الأثمان أيضاً! ليس بسبب استهتارهم بالوباء، بل بسبب تراخي الأسد ونظامه بكل مؤسساته، حتى الطبية، وعدم الجدية في التعاطي مع قدرة الفيروس على التمدد.

فمنذ الإغلاق “غير الجدي” الأول، مروراً باحتجاز المسافرين العائدين، وصولاً إلى لهاث النظام، الذي أربك حتى داعميه إلى إجراء الانتخابات البرلمانية، وكسر سلسلة التباعد الاجتماعي بين السوريين، وما تبع ذلك من اطمئنان الناس في أيام عيد الأضحى، حيث تناقلت المواقع الإخبارية صوراً للتجمعات البشرية في دمشق، كانت تشي فعلياً بعدم وجود أي خطوات جدية لصد المرض!

كل الإجراءات التي فرضت على السوريين فرضاً، كانت تعاني أساساً من أبرز الأعراض التي تدمر البلاد، أيُ بلاد وليس سوريا فقط، وهو؛ فقدان الثقة بين الدولة وبين مواطنيها!

والجميع في سوريا يدركون أن كل شيء هنا مرتبط بالسياسة، حتى أشد عتاة مؤيدي الأسد، ولكن فهم هؤلاء للأمر يبدو معكوساً؛ فإذا كانت طريقة تعاطي الحكومات مع جائحة الفيروس ستتسبب بسقوطها، فإن انتشار الفيروس في مدينتي دمشق وحلب، لن يُسقط النظام، بل سيُسقط السكان المصابين فقط!

وفي ظل الحرب المستمرة ضد الشعب السوري منذ عشر سنوات تقريباً، من سيجرؤ على رفع شعار محاسبة المتسببين بالكارثة؟

فأحزاب الداخل ولاسيما تلك المرتبطة بأجهزة الأمن، تجتمع وتتحالف ضد البعثيين الذين “زوروا” انتخابات مجلس الشعب! بينما تروج أحزاب وقوى سياسية معارضة أخرى إلى أن قانون قيصر “الإمبريالي” هو سبب انتشار الفيروس، بسبب إجراءات الحصار على مؤسسات النظام!

وفي الوقت ذاته، تنادي مؤسسات عالمية مختصة النظام من أجل أن يعلن حالة الطوارئ الصحية في البلاد، ولكنه لا يستجيب! وهكذا تنتظر البلاد مصيبة جديدة برعاية أسدية كاملة، حيث أشارت أقوال منسوبة إلى رئيس قسم الدراسات الوبائية في وزارة الصحة الألمانية، عن أن عدد الإصابات الفعلي في سوريا وصل حوالي مليوني ونصف حالة، وأن الجائحة في البلاد تأخذ مجرى الانفجار الأفقي والعمودي، الأمر الذي يقود إلى “كارثة كبرى لم يشهد لها العالم مثيلاً”!

مؤسسات المعارضة في الخارج بدورها، لم تكن بعيدة عن فشل النظام وعجزه، فرغم محاولتها القيام بإجراءات للحد من انتشار المرض في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة النظام، إلا أنها لم تكن جدية فعلياً، حيث تظهر الصور كيف أن الحياة كانت تجري بشكل طبيعي، بينما على بعد كيلومترات قليلة كانت ثمة إصابات تتصاعد أعدادها!

وأظن أنه لن يكون بعيداً الوقت الذي تصبح فيها مفردات المرض متساوية بين الجميع، ضمن التقسيم الحالي؛ أي المناطق التي يسيطر عليها النظام، وتلك التي تسيطر عليها المعارضة بكل أشكالها!

كما أن تأثيرات الانتشار التصاعدي للمرض المتوقعة، لن تبقي أيّا من القوى العسكرية المنتشرة على الأرض بعيدة عن التعرض للسعاته المميتة!

ما يؤدي في النهاية إلى طرح سؤال قاسٍ يهمسه الجميع داخل أنفسهم، كانت لديهم دوافع وطنية أم لم تكن، ويتصل بإمكانية خلق فضاء عابر أو ممرات آمنة بين الجميع، تُمكن المؤسسات الصحية والطبية النفاذ إلى الموارد والتعاون من أجل إيقاف الوباء!؟

يدرك كاتب هذه السطور مدى عمق الخنادق التي حفرتها جرائم النظام بين السوريين، ولكن وقبل أن يستنكر أصحاب الرؤوس الحامية طرح فكرة كهذه، عليهم أن يروا كيف أن العلاقات الاقتصادية بين المناطق السورية ما زالت تعمل وإن بطرق مخفية!

وعليه فإن القبول أو التواطؤ الضمني مع أمور كهذه، يجب أن يكون علنياً طالما أن مسببات الموت في سوريا لم تعد فقط قذائف ورصاص وبراميل متفجرة!

بل باتت أشد وطأة وكارثية، حيث لن تحمي الملاجئ أحداً، من هواء ينقل الوباء في كل الاتجاهات!

—————————–

سوريا.. ثلاث حكومات وكورونا واحدة/ هوازن خداج

مع انتشار (كوفيد-19) اتّجهت الأنظار نحو المناطق الأكثر توتراً والتي تفتقر للموارد الممكنة للحدّ من انتشاره، ومنها سوريا الغارقة في حرب عبثية تجاوزت عتبة “أقسى الحروب”، ليزداد وضعها سوداوية مع انتشار الإصابات في كافة المناطق، فالعجز الصحي والافتقار للموارد، على مستوى الإدارات والحكومات فيها، يُرسّخ انعدام الفرص لإنقاذ شعب تُرك لاحتمالات الموت وسبله، ولكنّه لا يلغي سعيهم للحفاظ على شرعيتهم الأخلاقية والسياسية وقت الأزمة، أمام أنصارهم وحلفائهم، بنشر التحذيرات التي لا طائل منها سوى قهر المقهورين وتركهم لمواجهة مصيرهم مع كارثة إنسانية جديدة.

الواقع الصحي الكارثي

منذ اشتعال الحرب، شكّل استهداف القطاع الصحي من قبل النظام والأطراف المنخرطة في الحرب، جزءاً من الكوارث الإنسانية السورية، ونشرت منظمة الصحة العالمية، في تقرير لها، أنّ سنوات الحرب في سوريا دمرّت نظام الرعاية الصحية، فأكثر من نصف المستشفيات العامة ومراكز الرعاية أُغلقت أو لا تعمل بكامل طاقتها، ويتجاوز عدد المحتاجين للمساعدة 11.3 مليون شخص، ثلاثة ملايين منهم يعيشون بأمراض مزمنة وإصابات وإعاقات خطيرة.

الواقع الصحي الحرج لا يقتصر على الدمار في البنى أو على ما رافق الحرب، من انتشار كبير للأوبئة والأمراض المندثرة أو القليلة كالأمراض السارية، مثل: السلّ، والأمراض البيئية كاللاشمانيا، والملاريا، والتهاب السحايا، والتهاب الكبد، أو على هجرة عدد كبير من الكوادر الطبية، بل يمتدّ نحو تردّي الخدمات في القطاع الطبي قبل الحرب بسبب الفساد والإهمال والأوساخ، حيث أطلق السوريون على مشافي الدولة اسم المسالخ الوطنية، لتثبت الصفة مع الحرب في تحولها الفعلي إلى مسالخ بشرية، بحسب ما وصفه الناجون من التعذيب والجرائم ضد الإنسانية في المشافي العسكرية وبمشاركة أطباء.

تكتّم واستهتار النظام

خطورة الوضع السوري لم تقتصر يوماً على كارثية الحرب، بل في استمرار نظام يستغلّ أرواح السوريين بكافة السبل، هذا ما يمكن تبيّنه من تكتّمه وإنكاره وجود الوباء طيلة شهرين، ليكون جزءاً من كارثة مضافة لخدمة مآربه، فمنذ منتصف شباط/ فبراير، انتشرت شائعات في وسائل التواصل الاجتماعي السورية، بأنّ فيروس كورونا وصل إلى سوريا عبر إيران ووكلائها، لأنّ إيران كانت أولى الدول في انتشار المرض بالشرق الأوسط، وقامت بعض المبادرات الفردية التآزرية لحماية السوريين من التجمع، إلا أنّ تبنّيها بعيداً عن توجيهات النظام، كونها تشكل سقوطاً آخر له في تجنيب السوريين المأساة، قابلها تعمّد النظام طمأنة شعب أنهكه الموت والجوع والخوف، ثم مبادرة متأخرة بنشر حملات التوعية، حول ضرورة النظافة وتجنّب الاحتكاك المباشر، ورغم قلة التعويل عليها في ظل ظروف الحياة السورية، لكنها تشكل جزءاً من كارثية استمرار النظام وسياساته الذي يتعمد تكميم أي فعل مجتمعي بعيداً عن سطوته.

لقد أعلن النظام عن أول حالة وفاة في 22 آذار/ مارس، محاولاً الاستفادة من الكورونا، كفرصة لحشد الدعم المحلي والدولي، والدعوة إلى رفع العقوبات الاقتصادية، رغم أنّها لا تستهدف القطاع الطبي، فهو كغيره متروك لتغوّل الفساد والاستثمار بمستلزمات حياة السوريين، فالمواد الغذائية ومعدّات التعقيم كلها يتسلمها رجل الأعمال وعضو “مجلس الشعب” محمد حمشو، الشريك لنظام أثبت عجزه طيلة الفترة الماضية، وما زال يتعمّد التلاعب بأرقام المصابين والضحايا، ففي الوقت الذي صرّحت فيه وزارة الصحة في 30 آذار/ مارس، عن وجود عشر حالات فقط، كان هناك تصريح لأطباء سوريين عما لا يقلّ عن خمسين مريضاً ماتوا في مستشفى واحد فقط في دمشق.

كما أنّ أرقام المصابين التي تزداد تصاعداً، لم تمنع النظام من فتح مراكز الاقتراع لانتخابات مجلس الشعب، أو كما يطلق عليه السوريون، مجلس “المنافقين”، فاللامبالاة بكل الوضع السوري المزري والاستهتار بحياة السوريين ينتقل من مرحلة لأخرى تختلف بالتوصيف وتحميل المسؤولية للغير أو للشعب نفسه، وتتشابه بالموت الذي ساد كافة المناطق.

التنافس بين حكومتي الإنقاذ والمؤقتة على الشرعية

تخضع مناطق سيطرة المعارضة السورية في الشمال، لإدارة حكومة “الإنقاذ” المدعومة من هيئة تحرير الشام، في أجزاء من شمال إدلب وغرب حلب، وهناك أكثر من 4 ملايين شخص يعيشون تحت سيطرتها، من بينهم أكثر من مليوني شخص من النازحين، ويتحتّم عليها مواجهة عواقب الوباء على أرض الواقع، في ظلّ نظام صحي مدمَّر، بسبب الهجوم المتكرر على المراكز الصحية من قبل النظام ورورسيا، وعدم القدرة على تنفيذ التدابير التي من شأنها أن تحدّ من انتشار المرض.

لكن المشكلة الفعلية تكمن في التنافس بينها وبين الحكومة المؤقتة على إدارة مستلزمات الوقاية من المرض، وتتضارب التقارير بينهم، ففي الوقت الذي تصرّح به بعض الجهات الإعلامية حول مبادرة هذه الحكومة، منذ 14 آذار/ مارس، في تقديم إرشادات التدابير الوقائية وحملات التوعية، وافتتاح مراكز عزل في (سرمدا وجسر الشغور وكفر كرمين)، وإنشاء لجنة استجابة للطوارئ للتنسيق بين جميع وزاراتها وغيرها، تجد تصريحاً مضاداً حول تجاهلها لحياة السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها، في شمال غرب البلاد، وعدم اتّخاذها لقرارات تقضي بإيقاف وتعليق المدراس والجامعات، تفادياً لـ”كورونا”، وعدم استجابة أصحاب العقائد للوقاية، ومعارضتهم لإغلاق المساجد، وقد طعن البعض في “الحكومة المؤقتة” المنافسة والمدعومة من تركيا في هذه الادعاءات، معتبراً أنّ “حكومة الإنقاذ” تقوم باستغلال المبادرات المموّلة من قبلها في إطار مكافحة فيروس كورونا، ونسبت لنفسها الفضل في نجاح تلك المبادرات بدل تحالفهما لتخفيف الكارثة.

وبالعموم، تبقى الإرشادات أو المبادرات أيّاً كانت الجهة المسؤولة عنها، مجرد دعايات دون ضوابط، ولا تقدّم شيئاً لانتشال السوريين، ويبقى تفاوت القدرات مؤشراً على سوء الإدارة الأخلاقي والسياسي، فقدرة الحكومة المؤقتة يعتبر الأوسع، نتيجة ما تتلقّاه من دعم مادي وسياسي، لكن بقاءها، كحكومة شكلية للإدارة التركية، وتهم الفساد التي طالت أعضاءها منذ تشكيلها، يجعلها لا تختلف عن النظام في طرق إدارة الأزمة، واعتبارها حدثاً جديداً للاستفادة منه لكسب شرعية واهية، فعجزها عن تنفيذ أيّ من أولوياتها خلال الفترة الماضية، لم يسمح بالتعويل عليها في ألا تكون عبئاً إضافياً وأداة طيّعة لحصار وقتل السوريين، لخدمة أجندات الدول الراعية، ولن يكون وارداً في إدارة كارثة إنسانية لفيروس، شكل تحدٍّ لدول كبرى.

حالة العجز في الرعاية الطبية لا تقتصر على مناطق الحكومات، فالواقع الطبي لا يختلف في روج آفا عن قريناتها، فمهما تشظّت المناطق السورية العجز واحد ومستمرّ، ومهما اختلفت معاناة السوريين في حياة شحيحة، من منطقة إلى أخرى، ومن خيمة تشرّد إلى جدران منزل، المأساة واحدة.

في خارطة المشكلات المختلفة الفقر، واللامساواة والحروب والإرهاب، لم يكن يعوز هذا العالم كورونا، وفي تراجيديا البؤس السوري، لم تكن الكورونا سوى استكمال لسبل الموت، ففي بلد غارق بالدماء والاقتتال لم تكن الرغبة بالحياة قادرة على زيادة الاحتمالات، في تحقيق واقع أفضل طيلة السنوات الماضية من الحرب، ولن تكون رغبة الحياة قادرة الآن على الحدّ من خطورة انتشار فيروس كوفيد-19، ليتساوى احتمال الموت والحياة لشعب يقتسم البؤس، وتقتسم حكوماته الغنائم والتصريحات حول خطورة الوضع الحالي.

ليفانت – هوازن خداج

——————————

الوباء موجود والدواء مفقود.. كورونا يستفحل بحلب والنظام يواجهه بالحل الأمني/ عمر يوسف – شمال سوريا

“اذهب واحجر نفسك في المنزل.. لا يوجد أماكن لدينا”. بهذه الكلمات خاطب أحد الممرضين في مستشفى الرازي بمدينة حلب المريض أحمد الأحمد، الذي نقله ذووه إثر نوبة ضيق تنفس ألمت به منذ 3 أيام بعد تفاقم إصابته بفيروس كورونا في المدينة الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

وقال الأحمد (اسم مستعار) إنه لم يتمكن من الحصول على غرفة في المستشفيات الحكومية لمتابعة حالته الصحية المتدهورة، واضطر إلى التواصل مع طبيب مختص من أجل تأمين أسطوانة أكسجين وجهاز تنفس اصطناعي في منزله.

وأكد للجزيرة نت أن أدوية مقويات المناعة، مثل فيتامين سي، وخافضات الحرارة أصبحت مفقودة في السوق بسبب احتكار التجار ورفع أسعارها إلى مستويات قياسية، وإن توفرت فيبلغ سعر علبة فيتامين سي الفوار نحو 4 آلاف ليرة سورية (نحو دولارين أميركيين)، وأصبح من شبه المستحيل الحصول على أدوية المسكنات الخافضة للحرارة في الصيدليات والمستشفيات.

وأعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام -في آخر إحصائية- أن أعداد المصابين في حلب بلغ 95 إصابة، إلا أن بعض الأهالي والأطباء من المدينة شككوا في هذا الرقم، مؤكدين أن العدد أكبر بكثير من المعلن؛ نظرا لمعرفتهم بأقارب مصابين بالفيروس يتجاوز عددهم العشرات، ومعظمهم لم يجدوا غرفة للحجر والعلاج في المستشفيات.

ويعتقد مدنيون من حلب أن النظام السوري يعتمد الحل الأمني في مواجهة وباء كورونا، مستخدما أذرعه الأمنية من المخابرات والأفرع الأمنية لمنع الحديث عن المرض وانتشاره، وتسجيل وفيات بالوباء على أنها أمراض قلب وسكر.

المسحات الطبية لا تنسجم مع عدد حالات المشتبه في إصابتهم، وفق أطباء وإعلامي موال للنظام (مواقع التواصل)

بؤرة وباء

ورجح طبيب من حلب (رفض الكشف عن اسمه) أن أعداد المصابين بالمدينة تقدر بمئات الحالات، كون المستشفيات والمراكز الطبية لا تقوم بمسحات طبية سوى لـ10% من المراجعين المشتبه في إصابتهم، عدا الحالات التي لا تخضع لأي علاج أو كشف طبي وتقوم بمخالطة المدنيين.

وأكد الطبيب للجزيرة نت أن مسنا يدعى فاروق مولوي توفي أمس متأثرا بإصابته بالفيروس بعد رفض جميع المستشفيات بالمدينة استقباله، وهو ما يعكس حجم تفشي الوباء، وعدم القدرة على استيعاب المزيد من المرضى.

وحذر من تحول المدينة إلى بؤرة للوباء بسبب ضعف إجراءات العزل من قبل السكان، وضعف النظام الصحي في المدينة، وعدم قدرته على مواجهة الأعداد المتزايدة، داعيا الأهالي لتوخي الحذر وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى.

وزارة الصحة أعلنت السبت تسجيل 65 إصابة جديدة، مما يرفع الإصابات في مناطق النظام إلى 1125 (مواقع التواصل)

أثر الحصار

ويرجع الإعلامي الموالي للنظام السوري ومراسل القناة السورية شادي حلوة ضعف الإمكانات الطبية وقلة المسحات إلى الحصار والعقوبات المفروضة على سوريا، الأمر الذي انعكس على توفير أجهزة التنفس الاصطناعي والأدوية اللازمة لعلاج مرضى الفيروس في مناطق النظام.

ويرى الإعلامي أن وزارة الصحة لا تملك الإمكانات اللازمة لإجراء ألف أو ألفين مسحة يوميا، معتبرا أن فكرة الحجر الصحي غير واردة، لأن هناك أشخاصا يعملون بنظام المياومة (اليومية)، وفي حال توقفهم عن العمل لن يتمكنوا من إطعام عائلاتهم.

وحتى مساء السبت أعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري تسجيل 65 إصابة جديدة، مما يرفع عدد الإصابات المسجلة في مناطق سيطرة النظام إلى 1125 إصابة، وهي أعلى حصيلة منذ تسجيل أول إصابة في مارس/آذار الماضي.

الجزيرة

————————————

بين كورونا وصفحة الوفيات ودفن أحلامنا… دمشق تغرق في العتمة/ لبنى صويلح

يبدو حائط فيسبوك اليوم كجدار طويل لتعليق النعوات، فاستكمالاً لسلسلة صفحات فيسبوكية تعنى بيومياتنا المأساوية، بدأت بصفحة “يوميات قذيفة هاون”، تأتي اليوم صفحة “وفيات دمشق” لتلحق بزميلاتها من صفحات مواكبة يوميات الحزن السوري، ولكنها للأسف الأكثر نشاطاً، لأن الحدث الطاغي اليوم هو الموت.

وإذا كانت السجالات في أي بلد تدور حول أحداث مختلفة تنتمي للحياة، فالسجال الأكثر تداولاً في سوريا الآن هو عدد الوفيات المسجل يومياً بسبب كورونا، فبدل أن يتركّز الازدحام على الأماكن المرتادة عادة في الأعياد، تنتشر صورة للطوابير المتزاحمة أمام مكتب دفن الموتى.

نعيش ذروة كورونا اليوم، حيث كل شيء يصل إلينا متأخراً، حتى الأوبئة. حمّى البحث عن أدوية، أسطوانات أوكسجين، أسرة في المستشفيات وأماكن للدفن في المقابر، مع خوف محموم من الوصم كمصاب كورونا.

الوباء اليوم ليس مزحة، فأن تصاب به هو الخطوة الأخيرة في طريق الذلّ، هو أن تكمل مسيرة الحياة الشاقة بموت كذليل، يتقاذفون جثتك، يشتمونك ويمقتونك، كقطعة زائدة يريدون التخلص منها.

وفي حين أن كورونا يحصد كل يوم أعداداً هائلة من الشباب والشابات، فاضطرابات ما بعد الصدمة والندوب التي حفرتها سنوات قهر وظلم لم توزع حصصه بالتساوي، تُفقدنا شباباً توقفت عضلة القلب عندهم لأنها لم تعد قادرة على الاحتمال، أسباب الموت كثيرة اليوم ولكن لا قصاص يعيد أحداً للحياة.

دمشق الحر والعتمة

لا يخيم الظلام على الأخبار فقط، فدمشق تعيشه بشكل ملموس أيضاً، وهي تغرق في العتمة في ليالي الصيف الحارة مع غياب الكهرباء، وكيلا تخرج أخبار البلاد عن نطاقها العبثي، يطلّ علينا خبر تدخّل قنديل البحر شخصياً في إعتام المدينة، عن طريق منع وصول مياه البحر إلى المكثف للتبريد، حيث تأتي المؤامرة على البلاد من أعماق البحار أيضاً.

الحر وانعدام الكهرباء والفقر يجعل الناس لا تكترث بكورونا، وتفترش الحدائق وأي مكان يمكن ارتياده مجاناً، وإن كان الاتكال الأخير اليوم على وعي الشعب لمواجهة الوباء، يتناسى المعوّلون عليه أن الوعي لا ينبت فجأة بعد تكريس الجهل على مدى عقود.

الحياة الافتراضية

تدار الحياة هنا افتراضياً: معارك افتراضية، هاشتاغات، أصوات عالية صاخبة، وتحليل كل شيء، من أهم خبر سياسي إلى أكثر الأحداث هامشية. تخفت هذه الأصوات كلما ابتعدت عن الشاشات واقتربت من الشارع الحقيقي، حيث تتلاشى الأصوات ليعمّ الصمت والخرس الطاغي على كل شيء، ليقتصر الحديث على آخر ما وصلت إليه الأسعار، عدد ساعات قطع الكهرباء، الأدوية المفقودة ومستجدات كورونا، فالناس لا طاقة لها على الكلام، وبالكاد تلتقط أنفاسها المختلطة بلهاثها المرافق لتعب هائل تراكم عبر سنوات، وإحساس باللاجدوى يلقي بصبغته على كل شيء، وسأم يتجول يومياً حول الشوارع الثلاثة التي يمكن أن توصف “بالحيوية”، نسبة إلى مقاييس تخص دمشق وحدها.

التنافس على التعاسة

مع كل خبر تتجدد خطابات الكراهية، فنحن دائماً في شجارات حول من يستحق الموت والتعاسة أكثر، حيث لا مخيلة متبقية لمناقشة استحقاقات السعادة. يعتقد من لازال في البلاد أنه حمل على كاهله كل الأعباء، ودفع الأثمان عمن غادروا تاركين له كعكة الموت ليبتلعها وحده، ويعتقد من في الخارج أيضاً أنه دفع أثماناً باهظة لم يدفعها من لم يغادر.

تقارب الصورة الأخيرة للبلاد في مخيلة سوريي الخارج، البلاد في السنة التي غادروها، وكما لا يستطيع من في الداخل تخيل حياة الاغتراب واللجوء، لا يمكن لمن غادر منذ سنوات أن يفهم سوريا الحقيقية، “سوريا 2020″، بعيداً عن خيالاته وأمانيه وتحليلاته، مهما كان متابعاً لما يجري في البلاد اليوم.

الياسمين الدمشقي

يبدو التباكي على حرائق دمشق غريباً للبعض بعد كل ما مرّ على البلاد، من فَقَد بشراً وحياة لن تهمه الأحجار وما سيتبقى من تاريخ هذه الحضارة بعد ألف عام. هناك حقبة انتهت، لا شيء يعود للوراء. هذا ما لا نتمكن من استيعابه، نحن من نعيش على حافتها، ربما لن يتبقى منّا سوى القليل من آثار شعب عاش هنا مع تحليلات متناقضة حوله، وبضعة تدوينات عن أناسٍ كانوا يتغنون بالياسمين الدمشقي، ثم في آخر أيامهم بدؤوا يشتمونه ويصبون غضبهم عليه كرمز هام للأيام “الخوالي”، أو ربما يبحث عنا البعض في روايات التاريخ كما نبحث اليوم عن تاريخ أجدادنا السريان في الكتب.

أقيم منذ فترة عرض مسرحي يدَّعي إحياء تاريخ الرحابنة، يمكن اعتبار العرض تكثيفاً لكمّ البؤس والتردي الذي انعكس بدوره على الثقافة، يمكن اعتباره أيضاً نموذجاً يبين مستوى العروض المسموح تقديمها على المسارح في دمشق اليوم، أو في مقاربة أدق، غياب المعايير في أي شيء، ومن ضمنها معايير تقديم أي منتج فني أو إبداعي. ولكن الأكثر إثارة للاستغراب هو استخدام كلمة “إحياء” التي يستهل بها العرض عنوانه السريالي جداً، في بلاد مخصصة ليس لدفن الجثث فقط، بل أيضاً لدفن الأحلام والمواهب والآمال.

* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف

رصيف 22

————————————–

===============================

تحديث 20 آب 2020

—————————————-

كورونيات سوريّة/ عمر قدور

كيف يمكن لأحد ما أن يبتدع فكرة إعادة شراء وبيع الكمامات المخصصة للاستعمال مرة واحدة؟ بكل آسف هذا إبداع سوري خالص، إذ هناك أمام أبواب بعض المؤسسات التي تُلزم مراجعيها بارتداء الكمامة أشخاص يبيعون الراغبين، ولدى خروجهم من المؤسسة يعرضون عليهم شراءها بسعر متدنّ عن سعر المبيع من أجل إعادة بيعها لزبائن مقبلين. أليست الحاجة أمّ الاختراع؟ هذا مثلٌ يجسّد تلك المقولة بأقسى ما يمكن تخيّله من فظاظة أو وحشية، فنحن أمام الحاجة بمعناها المدقع، أو أمام العوز الذي يقترح تجارة باهظة التكلفة صحياً، وهي ليست بالتجارة المخفية لأن المشتري والبائع متواطئان في عملية تخفف العبء الاقتصادي عن الأول المضطر على الأرجح لتغليب حاجته إلى ثمن الغذاء على احتياطات صحية يراها من الكماليات.

هل هناك بقعة في العالم تحدث فيها مضاربات على أجهزة التنفس في المستشفيات؟ مع الأسف تشير الأخبار إلى أن هذا الاختراع الشيطاني القذر قد أخذ طريقه إلى بعض مَن يُطلق عليهم تلطفاً وصف “ضعاف النفوس”، ففي المستشفيات الخاصة تكلفة الليلة في العناية الفائقة هي بحدود ربع مليون ليرة سورية، ومع أن الأثرياء فقط قادرون على دفع الكلفة فقلّة الأسرّة فتحت باب خفياً للمضاربات ولمن يدفع من وراء الكواليس مبالغ أعلى من المعلن. صراع الوجود هذا متصل بتوفر 325 سريراً للعناية الفائقة، أي مع إمكانية تقديم أجهزة التنفس للحالات الحرجة، في جميع مستشفيات سوريا العامة منها والخاصة، وكما نعلم لم تعد الحدود مفتوحة أمام الأثرياء للعلاج خارج البلاد.

قبل قرابة أسبوع بشّرت إعلامية موالية بارزة مستشفيات حلب بوصول الأكياس المخصصة لدفن ضحايا كورونا، ومن صفحتها وصفحات أخرى شديدة الموالاة سنحصل على أسماء لبعض أولئك الضحايا، اشتُهرت منها قائمة بالضحايا الأطباء الذين قيل أن عددهم وصل الثمانين، بينما هناك حوالى 65 موثّقين بالاسم، أحدهم شاب يبلغ من العمر 36 عاماً، من دون احتساب ضحايا الطاقم التمريضي. ضخامة عدد ضحايا الطاقم الصحي لا تشير فقط إلى المستوى المرتفع جداً لتفشي الفيروس، وإنما أيضاً إلى مستوى الوقاية التي يحظى بها الطاقم، والتنويه بمناقبية أولئك الذين يعملون ضمن شروط صعبة جداً “ومنهم له من الشهرة والكفاية ما يغنيه عن العمل ضمن الخطر” لن ينقذ زملاءهم في الظروف ذاتها التي أودت بهم.

تذكّرُ الأرقام الواردة أعلاه مهم للمقارنة، فحتى ليل الأحد كانت الحصيلة الرسمية المعلنة من قبل وزارة الصحة هي 64 وفاة جراء الفيروس مع تسجيل 1677 إصابة، أي أن حصيلة الوفيات حسب وزارة الصحة أقل حتى من وفيات الأطباء الموثّقة بالأسماء. الكذب المكشوف بوقاحة سيبرره إعلاميو الأسد بأن الإحصائيات المعلنة تقتصر على أولئك الذين أتت تحاليلهم إيجابية، وهذا لا يمنع وجود آلاف من المصابين وربما الوفيات ممن لم ينالوا حظوة التحليل، ولم يُحتسبوا تالياً على المصابين أو الضحايا. بالطبع لا يجيب التبرير عن واقع توفر الاختبارات للراغبين في السفر مقابل دفع 100 دولار، ولا عن الصور التي وردت من المراكز المخصصة لهم والتي تُظهر اكتظاظاً مستغرباً في مثل هذه الظروف، فكما نعلم وجهة السفر الوحيدة المتاحة هي لبنان، والحدود معه ليست مفتوحة على مصراعيها سواء للسفر إليه أو عبوراً منه إلى وجهة أخرى.

وزارة أوقاف الأسد أعلنت استئناف صلوات الجمعة والجماعة في دمشق وريفها بدءاً من فجر الأحد، بعد تعليق دام أسبوعين، بينما تفيد كافة المؤشرات بتفاقم الوباء في العاصمة وريفها، وتشير مواقع طبية محسوبة على الموالاة إلى أن استمرار الخط البياني في التصاعد لأسبوع آخر يعني الانهيار الصحي التام. أبواق الأسد إذا أشارت مضطرة إلى الواقع تلقي باللوم على العقوبات الدولية، خاصة العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر، رغم أن العقوبات تستثني المواد الطبية والغذائية. الأهم أن سلطة الأسد وأبواقها لا تعترف بالواقع المتهالك إلا من أجل المطالبة برفع العقوبات، مع إدراكها أنه مطلب غير قابل للتنفيذ. أحد الأبواق لا يفتقر إلى “الفطنة” لينشر في الجريدة التي يرأس تحريرها تحليلاً مفاده استعجال ترامب الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي للتغطية على إعلان بوتين عن اللقاح الروسي، ربما ظناً منه أن النجاح الروسي المزعوم سيقدم السلوى لآلاف الضحايا السوريين إن كان بينهم من يقرأ الجريدة.

المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد بقيت في منأى عن الوباء، حتى أتتها العدوى من مناطق سيطرته، ورغم ما هو معلن لجهة إغلاق المعابر من قبل قسد ومن قبل الفصائل المسيطرة على إدلب وعفرين وشرق الفرات فإن خطوط التهريب والمستفيدين منها تكفلا بتسرب حالات الإصابة، وقد وصل بعضها إلى النقاط الأخطر، أي إلى مخيمات للنازحين تندر فيها أصلاً أدنى شروط النظافة، وتعاني من الاكتظاظ الشديد ضمن المخيم وضمن كل خيمة على حدة. يعيش في مخيمات إدلب وحدها قرابة مليون لاجئ، وعدد أسرّة العناية الفائقة فيها 20 سريراً، ولا يختلف الحال كثيراً في محافظة الحسكة التي تمتلك مستشفياتها 18 سريراً مماثلاً. الفيتو الروسي في مجلس الأمن كان قد خفّض عدد المنافذ التي تدخل منها مساعدات الأمم المتحدة إلى منفذ وحيد خارج سيطرة الأسد، ما يضع الثقل على قوتي النفوذ المسيطرتين، التركية والأمريكية، وحتى الآن لم يبدر عنهما ما ينبئ بتفادي الكارثة المحتملة، بل يصعب استبعاد هجوم روسي على إدلب ليزيد من هولها.

تأخذ منظمة الصحة العالمية بالإحصائيات “الرسمية” التي تعلنها وزارة صحة الأسد، ولم نسمع مؤخراً من مكتبها في دمشق أي تحذير من التردي الحاصل، وهذا هو حال جميع المؤسسات الأممية التي حابت الأسد طوال السنوات الماضية. الخبر الوحيد الذي بمثابة المضحك المبكي هو انعقاد مفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف، إذا لم يعرقله انسحاب لوفد الأسد، وكأن هذه هي الأولوية السورية الآن. لن تعلن سلطة الأسد البلاد منكوبةً، وقد لا تفعل ذلك سلطات الأمر الواقع الأخرى، وكأن استرخاص حيوات السوريين صار قاعدة يعمل بموجبها الداخل والخارج. من السهل على أي منا القول أن العالم الذي تفرج على إبادة وتهجير ملايين السوريين قبل كورونا لن يكترث وهو في مصابه بحيواتهم، لكن ما ينقذ أرواح السوريين اليوم ليس بتكلفة ثقيلة حتى على منظمات الإغاثة والصحة الأممية، وأقل ما يستحقه هذا البؤس ألا نتوقف عن التذكير به.

المدن

————————————–

كورونا في حلب/ مصطفى أبو شمس

تبدع صفحات «حلبية» عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، ,تعتمد في معظمها على «القص واللصق» دون التحقق. وبعد رصد منشورات الأسابيع القليلة الماضية في ست صفحات، هي الأكثر متابعة من قبل سكّان المدينة اليوم، لم نجد أخباراً مختلفة أو متنوعة، بلّ صبّت جميعها في نقل أنباء متعلقة بالفيروس والمرض، وبالترويج لبعض المنتجات أو الأقوال التي تفتقد للدلائل العلمية والطبية، لتحمل تعليقات المتابعين انتقادات لاذعة لهذه المعلومات، وسخرية من القائمين عليها. لكننا لم نجد أي خبر يدل على التذكير بأساليب الوقاية، أو ما تقدمه مديرية الصحة من خدمات، باستثناء أسماء المشافي العامة والخاصة وبعض الممرضين الملتزمين ضمن جمعيات للمساعدة، وأرقام هواتفهم التي لا يرد عليها أحد في الغالب، بحسب التعليقات، بالإضافة إلى أماكن بيع أسطوانات الأكسجين والأدوية المفقودة.

 كورونا ينتشر في حلب

سنخفي أسماء من تحدثنا معهم لأسباب تتعلق بسلامتهم، وسنعتمد في هذا التقرير على تحليل الصفحات الإخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي، وشهادة أحد المصابين بكورونا، وحديث مع أطباء ومِخبري، إضافة إلى رأي بعض السكّان.

ينتشر في مدينة حلب اليوم قول بأن السكّان فيها ثلاثة أنواع: مصاب بكورونا وشفي منها، مصاب حالياً، وفي طريقة للإصابة الحتمية. وإن كانت هذه المقولة تعميماً غير مثبت بأرقام، إلا أن تداولها الواسع يشير إلى الانتشار الكبير للمرض، الذي بدأ الحديث عنه، بعد فترة من العناد في إخفاء الإصابات، على لسان صحفيين وإعلاميين وأطباء ومواقع تواصل اجتماعي تغصّ بالأخبار المتعلقة بالوباء، بما فيها تزايد أخبار الوفيات التي يعتقد أنها نجمت عن كورونا.

تلك الأخبار، إضافة إلى هشاشة الواقع الصحي، وغياب القدرة على تحقيق الحجر والتباعد الاجتماعي في مدينة يعمل معظم سكانها في ورش صغيرة وظروف اقتصادية سيئة، مع الاستهتار بالأساليب الوقائية اللازمة بما فيها ارتداء الكمامات، كلّها ظروفٌ تزيد من الخطر القادم، الذي يقدره أحد الأطباء بإمكانية تضاعف أعداد المصابين لعشرات الآلاف خلال الأشهر القادمة، والوفيات إلى الآلاف، إذا ما قارنا عدد سكان المدينة الذي يزيد عن ثلاثة ملايين بحالات دول انتشر فيها المرض وتمتلك قطاعاً صحياً أفضل بكثير من المتوافر في حلب.

تخبرنا وزارة الصحة في حكومة النظام أن عدد العدد الإجمالي للمصابين بكورونا حتى يوم أمس الثلاثاء 1844 حالة منها 246 في حلب. وقد توفي من إجمالي المصابين في البلد بحسب الوزارة 73 شخصاً، فيما كانت صفحات قد تداولت وفاة واحد وستين من الكوادر الطبية (طبيب -صيدلي)، يضاف إليهم الإعلان عن وفاة طبيبين وصيدلي خلال اليومين الماضيين، وهو ما يعني وفاة عشرة أشخاص فقط من خارج القطاع الصحي إذا قارنا ذلك مع الأرقام المعلنة.

ليست الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة مخالفة للحقيقة، فهي فعلياً توثق عدد الحالات المصابة التي تم إجراء المسحة الطبية لأصحابها، في ظل غياب المخابر التي يمكن من خلالها طمأنة المرضى واكتشاف إصابتهم من عدمها.

في حلب لا توجد مخابر لإجراء المسحات سوي مخبر وحيد في مشفى زاهي أزرق في منطقة بستان الباشا، وهو مخصص للسوريين الراغبين بالسفر، والذين يتوجب عليهم دفع مئة دولار لإجراء التحليل والحصول على الوثيقة، تدفع في أحد فروع المصرف التجاري السوري بعد مراجعة مديرية الصحة.

ويقول من تحدثنا معهم إنه لا وسيلة سوى الاستدلال بالأعراض لمعرفة إن كان الشخص مصاباً أم لا، ويتساءلون عن سبب غياب وجود المسحات الطبية سوى للمسافرين، وبقدرة يومية تصل إلى تسعين مسحة، في حين يترك الآلاف من أبناء المدينة لقدرهم. أما في المخابر الخاصة، فتبلغ قيمة التحليل نحو مئة وخمسين ألف ليرة. ويعتقد بعض من تحدثنا إليهم أنه لا يوجد أي اختبار حقيقي للمسحات في هذه المخابر الخاصة، وإنما هي وسيلة استغلال جديدة. يتساءلون أيضاً عن وسائل الاختبار التي تم تزويد الحكومة بها من قبل منظمة الصحة العالمية مجاناً، وعن الجهات التي تذهب إليها المبالغ التي يدفعها الناس. في هذه الظروف، تختلط الإشاعات والأخبار غير الموثوقة بالحقائق، التي لا يمكن تمييزها في ظلّ الغياب الكامل للشفافية والثقة.

الأخبار الكاذبة وسيلة دعائية

«فيتامين C، الزنك، فيتامينD، أزيترومايسين، نوع من أنواع البخاخات مجهول الاسم، لقاح سويسري، حبة البركة، الشاي الأخضر، الثوم والبصل، الكثير من الأدعية»؛ يكفي أن تكتب أحد هذه المفردات وتضيف إليها كلمة حلب، حتى تطالعك عشرات الصفحات التي تتحدث عن فعاليتها في علاج الفيروس، مُذيلة ذلك بتجارب وكلام منسوب لأحد الأطباء.

وعند سؤالنا لأحد أطباء الصدرية، قال إن هذه الأدوية والمستحضرات والأعشاب جميعها لا تنفع في علاج الفايروس، وإن الترويج لها يدخل في باب الدعاية التي وصفها بـ «السيئة»، باستثناء فيتامينD الذي يلعب دوراً في عمل النظام المناعي، ومضاد الالتهاب أزيترومايسين الذي يوصف في بعض الحالات وباستشارة طبية، نظراً لما يحمله من آثار جانبية قد تسيء إلى صحة المريض إن لم يكن بحاجته، وكذلك دوائي «تام فلو» و«ديكساميتازون»، إلا أن الأخير ينفع في حال نقص الأكسجة وتطبيق الأكسجين للمريض.

يقول الطبيب إن هذه الشائعات تأتي من مصدرين، الأول طبي وذلك لعجز الأطباء عن إيجاد دواء مناسب ما يجعلهم يسعون للتجريب، وهو ما يراه خاطئاً إذا لم يستند إلى الدراسات العلمية التي تنتشر في كل يوم عن مراكز وصفها بـ «المحترمة»، وثانيها من قبل بعض التجار والصيدليات لترويج أصناف معينة، وغالباً ما يقع الطبيب العاجز فريسة طمأنة المريض، فيضطر لكتابة بعض الفيتامينات للتخفيف من توتره ودرجة الخوف لديه.

وكانت أسعار هذه الأدوية قد تضاعفت إلى عشرة أضعاف خلال الفترة الماضية، ولجأ المواطنون لتخزينها في منازلهم، وشهدت الصيدليات ازدحاماً كبيراً وفقداناً لبعضها، إذ وصل سعر علبة الفيتامين C إلى تسعة آلاف ليرة، وفي أفضل الأحوال أربعة آلاف ليرة، علماً أن سعرها الحقيقي لا يزيد عن ستمائة ليرة سورية، وكذلك بالنسبة لباقي الأدوية ومواد العطارة.

يقول من تحدثنا معهم إنهم غير مقتنعين بجدوى هذه الأدوية، لكن الترويج لها يدفع كثيرين لشرائها رغم ظروفهم المالية السيئة. ويُحمّل الطبيب مسؤولية ذلك لمديرية الصحة التي غاب عن برامجها التوعوية توضيح هذه الأخبار الكاذبة، وملاحقة مروجيها، وسؤال الأطباء والصيادلة عن مصدر معلوماتهم ومعاقبتهم على ذلك، لأن ذلك يدخل في باب «الغش» ومخالفة أخلاقيات المهنة.

وسائل التواصل تبث الذعر وتؤثر على العلاج

يُجمِعُ من تحدثنا معهم على أن التخفيف من القلق والتوتر ضروري خلال انتشار الأوبئة، إذ تزيد الأخبار من «الهوس المرضي» لديّ كثير من السكان وتدفعهم لمحاكاة الأعراض، وإثارة الفوضى والازدحام حتى في غياب الأعراض. كذلك نشر التعليقات الكاذبة، وهو ما يؤثر على الكوادر الطبية، التي تعاني في الأصل من الخوف من العدوى. ويقولون أيضاً إن تحذيرات كثيرة وصلت إلى مسامعهم عن ضرورة تجنب الذهاب إلى المشافي كونها مليئة بالفيروس، وإن غير المصابين سيصابون في حال ذهابهم بالعدوى. كذلك أغلق كثير من الأطباء عياداتهم، ويرفض قسم كبير منهم استقبال المرضى الذين يُشَكّ بإصابتهم.

يتحدث الحلبيون في التعليقات عن أرقام كبيرة تطلب من المرضى للحصول على سرير في أحد المشافي الخاصة، بعد امتلاء المشافي العامة بالمرضى، تصل إلى ثلاثمائة ألف ليرة سورية لليلة الواحدة.

قطاع صحي هشّ

خُصِّصَت ثلاث مشافٍ عامة في حلب لاستقبال مرضى كورونا، وهي الرازي وزاهي أزرق والباسل، إضافة إلى مركزين للحجر الصحي في مشفيي الرازي وابن خلدون، وثمانية عشر مشفىً خاصاً، فيما تنتشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي أرقامٌ لأطباء وممرضين خاصين أو ضمن «فريق عليك العافية»، وأرقام بائعي أسطوانات أكسجين وصيدليات تتوفر فيها الأدوية، وبعض الأماكن التي تعير الأسطوانات.

يقول الطبيب إن عدد أجهزة التنفس الاصطناعي «المنفسة» في المشافي الخاصة يبلغ واحداً وأربعين جهازاً، وفي المشافي العامة يزيد العدد عن ذلك، معظمها في حالة غير سليمة. كذلك تتوفر «منافس» من صناعة محلية باسم «أمل»، والتي لم تعتمدها وزارة الصحة، وتباع بنحو خمسمائة دولار، وأثار عدم اعتمادها حنقاً على الحكومة من قبل الأهالي، الذين رأوا أنها يمكن أن تكون حلاً بعد الترويج لمواصفاتها الجيدة.

يخبرنا الطبيب إن الأصل في القصة ليس وجود المنافس، بل وجود مختصين قادرين على الإشراف عليها. والمنفسة هي غير جهاز الأكسجين الذي يُستخدم لمساعدة المرضى الذين انخفضت أكسجتهم؛ المنفسة جهاز لتوفير تهوية ميكانيكية عندما يعجز المريض عن الشهيق والزفير، ويتم استخدامها في الحالات الحرجة بشدة، وليس في حالة نقص الأكسجة. يؤكد الطبيب أن ما تقوم المشافي بفعله حالياً ضمن هذه المنافس فقط هو تزويد المريض الذي تتراجع أكسجته بشدة بالأكسجين بضغط شديد، وهو ما يمكن فعله في المنزل من خلال ماسك جيد وجرة أكسجين، دون تلك الكلفة العالية والذعر الذي يسببه الحديث عن كارثة عدم توافر المنافس.

يرى الطبيب أن المشافي لا تفعل أكثر من ذلك، فلماذا يتقاضون هذه المبالغ الكبيرة؟ ويوهمون المريض بأشياء غير موجودة في الأصل.

ووصل سعر جرة الأكسجين لنحو أربعمائة ألف ليرة، إلا أن حملات تطوعية وبعض الجمعيات والمشافي توفرها مجاناً لمن يحتاجها في بعض الأحيان، ويقوم بعض الممرضين المتطوعين بزيارة المرضى الذين يعانون من أعراض المرض في منازلهم ومساعدتهم.

عند مرورك بجانب مؤسسة استهلاكية أو فرن خبز، أو مساء على المحلق (الصنم)، تجد آلاف الحلبيين قد تجمعوا حول بعضهم دون مراعاة أي قاعدة للتباعد الاجتماعي ودون كمامات أيضاً، وهو ما سيؤدي إلى زيادة المرض لا محالة. يقول من تحدثنا معهم، إن قلة قليلة من السكان يلتزمون ببعض القواعد، خاصة وأن ثمن الكمامة يزيد عن ثلاثمائة ليرة سورية، ويخبرنا الطبيب إن اتباع الأساليب الوقائية قد لا يجدي، ولكنه على الأقل يخفف من تعرض الأشخاص لكمية أكبر من الفيروس، وهو ما يرجح سبب وفاة أعداد كبيرة من الكوادر الطبية.

يقول الطبيب إن حلب في طريقها للوصول إلى ذروة الانتشار، ضمن الأساليب المتبعة حالياً، إذ لم تطبق قوانين الحجر ولم تفرض غرامات مالية على المخالفين. يقول إن ذلك يستحيل تطبيقه في المدينة، وهو ما أخبرنا به من تحدثنا معهم، إذ يعيش معظم سكان المدينة من عملهم في الورش الصغيرة والمعامل؛ يقول أحدهم «مو ليكون عنا تحليل لننحجر!». وكانت الطبيبة فرح فتّال قد لخصت عبر فيسبوك ما يحدث في مدينة حلب، وباللهجة الحلبية، بالقول إن الفيروس في حلب ينتشر بطريقة «يا غافل إلك الله» ويُعالَج بطريقة «ما حدا بيموت ناقص عمر».

موقع الجمهورية

——————————–

“نحن مراقبون وخائفون وأكياس الجثث نفذت”.. طبيب يكشف عن “كارثة كورونا” في سوريا

كشف طبيب سوري يعمل – لم يفصح عن هويته – عن وقوع كارثة إنسانية في بلاده بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، وقال في مقال نشرته صحيفة “الغارديان”، إن سوريا تواجه أزمة إنسانية غير مسبوقة، وأن البلاد على شفا كارثة بسبب تفشي المرض، وتراجع الخدمات الطبية في البلد الذي يعيش ما يقارب عقد من الحرب الأهلية.

وأشار إلى أن المستشفيات تعاني من النقص في الإمدادات الطبية، ومعدات الحماية الشخصية، والافتقار للأدوات الأساسية للتعامل مع هذه الجائحة.

وأضاف في مقاله: “ارتفعت أعداد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا خلال الأسابيع الماضية، بشكل سريع، وهي أعلى بكثير من الأرقام الرسمية، التي تشير إلى 1593 إصابة و60 وفاة حتى 16 أغسطس، لا أحد منا يعتقد أن هذه الأرقام دقيقة”.

وتابع: “لدينا مئات الوفيات غير المؤكدة المرتبطة بفيروس كورونا كل يوم، مستشفيات حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث، وربما يكون العدد الحقيقي للحالات المؤكدة في دمشق وحدها أكثر من 112500 إصابة، بحسب توقعات نائب رئيس الصحة في العاصمة”.

نعيش في كابوس

وزاد الطبيب، وهو الذي يعمل في إحدى المستشفيات الرئيسية في سوريا “أنا اختصاصي رعاية صحية أعمل في الخطوط الأمامية لمكافحة فيروس كورونا، نحن نعيش في كابوس، إن قائمة مقدمي الرعاية الصحية الذين توفوا بسبب الفيروس، تزيد في كل يوم، المستشفيات مكتظة بالمرضى، نقدم الخدمات الطبية في غرف قذرة دون أدوية كافية ومعدات قليلة لحماية أنفسنا، تعمل مستشفياتنا بسعة زائدة، حتى معدات الحماية الشخصية يطلب منا شرائها”.

وقال: “مقدمو الرعاية الصحية غير قادرين على التحدث والتعبير عن مخاوفهم، يراقب المشرفون الحكوميون ما نقوله وما نكتبه على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا، نحن خائفون من مشاركة المعلومات حول انتشار المرض وعلاجه مع بعضنا البعض، نحن خائفون من الوباء لكننا خائفين أيضا من عواقب التحدث علانية”.

وأشار الطبيب السوري، إلى أن الكثير من مرضى “كوفيد 19” الذين لديهم أعراض، يفضلون البقاء في منازلهم بسبب تردي الخدمات الصحية في المستشفيات، فيما يحاول البعض شراء أجهزة التنفس الاصطناعي الخاصة بهم، مؤكدا أنهم يرون بعض المرضى الذين يرقدون في الشوارع وهم يبكون ويطلبون المساعدة، بحسب وصفه.

A man lies inside a hospital in Douma, outside Damascus, Syria, September 17, 2018. The town of Douma in eastern Ghouta was…

مناشدات سورية للمجتمع الدولي بالمساعدة في تقديم الإمدادات الطبية الأساسية لمكافحة كورونا

تدابير عاجلة

وأوضح أن الفحوصات للكشف عن فيروس كورونا في كل أنحاء سوريا، تقدر بـ 300 فحص في 5 مراكز تدار من قبل النظام السوري، مشيرا إلى أن الناس التي لديها المال يملكون الفرصة الكافية للحصول على فرصة إجراء الفحص بشكل أسهل من أولئك الذين لا يملكون المال.

وكتب الطبيب السوري بأن الناس لا يلتزمون بإجراءات التباعد الاجتماعي، وليس لديهم أي خيار  إلا بمواصلة أعمالهم، ما يساهم في زيادة انتشار الفيروس.

وناشد ضمير العالم والمجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة اتخاذ تدابير عاجلة لدعم المستشفيات السورية، ودعم نظام الرعاية الصحية، من خلال توفير المزيد من الفحوصات، وزيادة الإمدادات الطبية الأولية، ولوازم الحماية الشخصية للأطقم الطبية، إضافة إلى آلات الأوكسجين وأجهزة التنفس الاصطناعي.

وحث الاختصاصي السوري، نظام بلاده ومكتب منظمة الصحة العالمية في سوريا، على الإعلان على الالتزام بالشفافية، مضيفا: “نحتاج إلى معرفة المدى الحقيقي لعدوى كوفيد 19 في بلدنا، وإن إخفاء العدد الحقيقي للحالات والوفيات سيؤدي ببساطة إلى المزيد من الخسائر في الأرواح”.

===========================

تحديث 28 آب 2020

——————————-

كورونا سوريا… عالج نفسك بنفسك/ أحمد الأحمد

بعد أن أعلن وزير الصحة السوري سابقاً أن الجيش العربي السوري “قضى على كل الجراثيم”، وصلت البلاد على حال خطرة من انتشار الوباء . والسوريون يصارعون كورونا بأنفسهم من دون رعاية أو علاج …

خلال الأيام الماضية، كانت سيدرة (22 سنة) مضطرّة للذهاب إلى جامعة حلب لتقديم امتحاناتها في كلية الهندسة، علماً أنها في سنتها الجامعية الرابعة.

كانت الشابّة وجميع رفاقها يعلمون جيّداً أن فايروس “كورونا” يتفشّى في مدينة حلب بشكلٍ غير مسبوق، كحال معظم مناطق سوريا، إذ تشهد البلاد هذه الأيام ذروة في تفشّي الوباء، وسط إجراءات معدومة من وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، فلا تأجيل للامتحانات الجامعية، ولا إجراءات إغلاق تُذكر بما في ذلك على صعيد التجمّعات غير الضرورية كالأعراس وحفلات أعياد الميلاد والمآتم.

قدّمت سيدرة امتحانها الأول ثم الثاني، وبعد أربعة أيام بدأت تظهر عليها أعراض ارتفاع شديد في درجة الحرارة، وحكّة وآلام في مفاصل الأطراف، وهي تشبه أعراض “كورونا”.

لأنَّ أسرتها التي تعيش في حي الشهباء في حلب غير قادرة على دفع 100 دولار لتحليل فحص “كورونا”، اضطرّت إلى تدبّر أمرها بنفسها.

اقتربت منها والدتها وطلبت منها إغماض عينيها ووضعت على أنفها قطعة بصل مفرومة وطلبت منها أن تستنشقها لتعرف ما إذا كانت حاسة الشم فعّالة أم لا.

لسوء الحظ، لم تنجح سيدرة في تمييز رائحة البصل، ما زاد الشكوك بإصابتها بالفايروس، فعزلتها العائلة داخل غرفة في المنزل وأخذت حذرها في التعامل معها.

بعد أسبوعٍ واحد، بدأت الأعراض تظهر على بقية أفراد العائلة، وفي الوقت ذاته، بدأت سيدرة تتعافى بعدما بقيت 8 أيام طريحة الفراش.

المشكلة أن الفايروس وصل إلى والدها الذي بدأ يعاني من موجة ضيق تنفّس شديد، حتّى أنّه كان يجوب المنزل بشكلٍ عبثي ليلاً في محاولة لاستنشاق الأوكسجين.

أدركت العائلة أن وضعه الصحّي يتدهور، فحاولت نقله إلى ثلاثة مستشفيات حكومية في حلب ولكن من دون جدوى، لأن ممرّات هذه المستشفيات كانت تغص بالمرضى، في حين أن الليلة الواحدة على السرير في المستشفى الخاص تعادل أكثر من 100 دولار، وهذا المبلغ لا تملكه العائلة.

إغلاق قبل الفايروس وإزالة القيود خلاله

تلقّت والدة سيدرة نصيحة من أحد الأطباء بعلاجه في المنزل، قال لها: “في سوريا لا يُعالَج مرضى كورونا في المستشفيات، الجميع يتعالجون في المنزل بسبب عدم اتساع المستشفيات لهم”.

انتقلت العائلة للخوض في رحلة يومية للبحث عن عبوة أوكسجين، إذ يحتاج والدها يومياً إلى عبوتين، وهما غير متوفّرتين إلّا في السوق السوداء بمبالغ مرتفعة، وتحصل عمليات البيع بعيداً من الأعين، تقول سيدرة لـ”ردج”.

بالتزامن مع تفشّي “كورونا” في معظم أنحاء العالم، خرج وزير الصحّة السوري في بدايات الأزمة ليقول: “لا كورونا في سوريا، لأن الجيش العربي السوري قضى على كل الجراثيم”. وفي تلك الفترة، اتخذت السلطات السورية إجراءاتٍ لمنع الفايروس من التفشّي، إذ عزلت المدن عن القرى ومنعت التنقل بين المدن، إضافةً إلى فرض حظر تجوال من السادسة مساءً إلى السادسة صباحاً، فضلاً عن إغلاق المطاعم ودور العبادة وصالات الأفراح والمآتم.

في أيار/ مايو الماضي، أعاد “الفريق الحكومي المعني بالتصدّي لفايروس كورونا” فتح الحياة من جديد حتّى ألغى جميع القيود، ليبدأ الفايروس بالتفشّي على نطاقٍ غير مسبوق.

المشكلة في تفشّي الفايروس في سوريا، تتمثّل بأن المدنيين لا يحصلون على أي مساعدة طبّية من الحكومة، إذ يبلغ سعر مسحة فايروس “كورونا” 100 دولار، بينما سعرها في لبنان ما يعادل 30 دولاراً وفي تركيا 19 دولاراً وفي الصين 7 دولارات.

كما أن المستشفيات جميعها ممتلئة وبالتالي لا علاج، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأدوية التي إمّا مفقودة من الأسواق أو تُباع بأسعار مرتفعة جداً، مقابل الدخل المعدوم في سوريا، على ما تقول صيدلانية تُدعى بتول في حي الجميلية في حلب.

الوفيات بالجملة

بدأت الأنباء عن تفشّي الفايروس في حزيران/ يونيو الماضي، حين بدأت مواقع تواصل اجتماعي بتداول قوائم لأسماء أشخاص ماتوا بسبب الفيروس.

وفقاً لمراجعة قام بها “درج” لصفحة على “فايسبوك” اسمها “وفيات دمشق” تقوم بنشر النعوات للأشخاص الذين يموتون في دمشق، فإنّه انطلاقاً من تموز/ يوليو الفائت وحتّى الآن تضاعف عدد النعوات أكثر من مرّة، مقارنةً بالفترة التي سبقت تموز.

في تموز، شيّع سكّان العاصمة دمشق، 6 مشايخ دين، ومنهم الشيخ محمد نور الخطيب والشيخ عدنان مصطفى السيروان الذين توفيا يوم 13 تموز، إضافةً إلى وفاة الشيخ حسان طحان خطيب مسجد الفردوس في دمشق، يوم 14 تموز، والشيخ محمد مازن الدمشقي إمام مسجد حمو ليلى في حي ركن الدين بدمشق في 14 تموز أيضاً. وفي السابع عشر من الشهر ذاته، كانت وفاة الشيخين محمد أحمد المبرور إمام مسجد نافذ أفندي في حي المهاجرين، والمربّي الشيخ نظمي الدسوقي.

بعد ذلك، تحدث نائب رئيس جامعة دمشق صبحي البحري، عن وفاة 13 عضواً من الهيئة التدريسية بالجامعة بفايروس “كورونا”، وإصابة 60 آخرين من الهيئة ذاتها، البعض منهم تعافى، ولكن على رغم ذلك استمرّ الدوام الجامعي والامتحانات.

المفاجأة الأكبر كانت في أحد أيام آب/ أغسطس، عندما تم الكشف عن 23 شخصاً مصابين بـ”كورونا”، أتوا من سوريا لحضور اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف السويسرية، وهو ما يكشف حجم الإصابات في داخل سوريا.

على رغم ذلك، لم تعلن الحكومة والفريق المتخصّص بمكافحة الفايروس أي إجراءات وقائية أو إغلاق أو تعليق للدوام.

الأطبّاء على خط المعاناة

قابل “درج” طبيباً يعمل في العاصمة السورية دمشق، مع مصابي الفايروس في المستشفيات، وهو أُصيب خلال احتكاكه المستمر مع المرضى لمدّة 11 ساعة يومياً.

الطبيب الذي رفض الكشف عن هويته قدّر عدد الإصابات الحقيقي بالفايروس في دمشق بما يزيد عن 100 ألف إصابة، لكنّه نفى أيضاً أن يكون هناك تكتّماً على عدد المصابين، إلّا أن عدم الإعلان عن الرقم الحقيقي يعود إلى عدم توفّر إمكانات في المستشفيات لأخذ أعداد كافية من المسحات، وبالتالي يبقى المرضى من دون إجراء تحاليل للكشف عن الفايروس، ومن دون أي علاج أو مساعدة طبّية.

بالاستناد إلى ما شاهده هذا الطبيب داخل المستشفى الذي يعمل فيه، فإن على المصابين بالفايروس في سوريا أن “يقلعوا شوكهم بأيديهم” في إشارة إلى أن على كل شخص أن يتدبّر أمره بنفسه ولا ينتظر المسحات والرعاية الطبية وأجهزة التنفس قائلاً: “لدى المستشفيات إمكانات بسيطة جداً تم استنفادها منذ أول ثلاثة أيام من ذروة الفايروس، وبالتالي بات بقية المرضى خارج حسابات المنظومة الصحّية”.

وتابع: “لا قدرة على تغطية أكثر من 5 في المئة من احتياجات المرضى لأجهزة التنفس الاصطناعي و2 في المئة بالنسبة إلى أسرّة العناية المشدّدة”، موضحاً أن المرضى يتم تكديسهم داخل الغرف بشكلٍ متقارب جداً بحيث تترك مساحة صغيرة من أجل تنقّل الأطباء والممرّضين بين الأسرّة، وأنّه في مرحلة ما تم وضع مرضى في ممرّات المستشفيات.

ورصد “درج” خلال إعداد هذا التقرير منشورات متواترة على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بوفاة حوالى 60 طبيباً في سوريا بسبب “كورونا” كما نشرت “منصّة الصحة السورية” قائمة بأسماء 55 طبيباً وستة صيادلة ماتوا بالفايروس.

وبحسب ما ذكر رئيس دائرة الرعاية الصحية في صحة دمشق، الطبيب شادي النجار، في 16 من آب، لإذاعة “شام إف إم” المحلية فإنه “ليست هناك قائمة أو رقم دقيق لوفيات الأطباء، لكن فقدنا خيرة كوادرنا الطبية والتمريضية جراء إصابتهم بكورونا”.

وأضاف النجار: “القائمة المتداولة لأسماء الأطباء المتوفين “تحتوي على أسماء صحيحة، وأعرفهم بشكل شخصي، وبعضهم زملاؤنا أطباء في مديرية صحة دمشق”.

المجتمع المدني يأخذ دوره

بالتزامن مع تدهور البنى التحتية الطبّية في سوريا، ظهرت مبادرات فردية وفرق تطوّعية، تعمل على تأمين عبوات أوكسجين للمرضى الأكثر احتياجاً في سوريا لمعالجتهم من داخل منازلهم، كما ساهمت هذه المبادرات في حملات التوعية وتوزيع كمامات ومعقّمات في الشوارع.

من بين هذه المبادرات، ما قامت به جمعية “ساعد”، التي عملت على تجهيز خط دفاع أمام الفايروس من خلال تدريب فرق للمساعدة في المجالات الطبّية واللوجستية عبر التعاون مع المخاتير لمساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصّة، إضافةً إلى تأمين عبوات أوكسجين للمرضى الذين تطوّر معهم الفايروس إلى ضيق شديد في التنفّس.

وقامت هذه الجمعية بالتعاون مع مبادرات مشابهة بحملات تعقيم على وسائل النقل العام والمرافق الحياتية التي تعاني من ضغط سكّاني شديد.

    قوم تعاونوا مازلو الاجتماع الساعة العاشرة تحت جسر الرئيسالهدف تعقيم جميع باصات النقل الداخلي والمكروياتتوزيع ٧٠٠٠ كمامة قطنية مجانا الشركاء#جمعية_الشباب_الخيرية#مؤسسة_حياة#مؤسسة_حدودي_السما#جمعية_التنمية_والتطوير_للخير#جمعية_ساعدتمت المهمة بنجاح واضيف عليها تعقيم المتحف الوطني بشكل كامل متحف ومكاتب وقاعات ومكملين الكمامة خط الدفاع الأول وسنوزعها مجانا على مدار الاسبوع

    Posted by ‎جمعية ساعد‎ on Sunday, August 23, 2020

درج

———————————-

الوباء أداةً في يد الأسد/ مصلح مصلح

لم تخرج الاستراتيجية التي وضعها الأسد لمعالجة الآثار الصحية لتفشي كورونا بين رعايا دولته، عن تلك التي سبق له أن اعتمدها في معرض تصديه لانتفاضة السوريين 2011، والقائمة على مبدأ الإنكار. ففي حين قامت سياسة الإنكار في الحالة الأولى على كسب الوقت بقصد إعداد العدة لتعبئة أدوات القوة والقمع لارجاع السوريين إلى حظيرة الاستبداد الأسدية، فإن الإنكار في الحالة الثانية لم يخرج عن طبيعة الإنكار المترافق مع العجز عن فهم الظاهرة الكورونا، كما إيجاد الحلول المناسبة لها. الأمر الذي نتج عنه إصابة الذات العارفة “الرئيس” بالتوتر والضيق، على نحو لم يكن خروجها من هذا الضيق النفسي إلا عبر الميل للتعالي على الظاهرة، أي إنكارها عبر أساليب الخداع المعروفة، عبر ردها إلى الدعاية المغرضة والمؤامرة الكونية.

كان من المرتجى في مواجهة الأسد للكورونا أن يأخذ بعين الاعتبار آلام ومواجع رعاياه، التي تمخضت عن حربه السلطوية عليهم سواء عبر تدميرها لنسيجهم الاجتماعي، أو عبر تأثيرها على أمانهم الاقتصادي. وذلك عبر مسارعته لوضع حد على حركة الميلشيات الايرانية الحاملة للفيروس، كي يجنبهم كارثة صحية لا قدرة لهم على تحملها، إلا أن نزعته الأنانية القائمة على حماية سلطته على حساب الناس، جعلته لا يرى إلا مجده الشخصي ويتجاهل الناس الذين بنوه.

إن تحريم الأسد على كوادر المشافي الحكومية في بداية انتشار الجائحة استخدامهم لأية وسيلة وقائية لحماية أنفسهم، بحجة عدم التسبب بنشر الذعر بين المواطنين دون داع، كما عدم تحمسه لتأمينها لهم لاحقًا بحجة الحصار الاقتصادي. ناهيك عن فشله في توفير الحد الأدنى من شروط العزل الصحي للأماكن التي أقامها للمصابين أو المشتبه بهم، على نحو انقلبت لتكون مركزًا لتفشي الوباء بدلًا من منعه. وصولًا إلى تخريبه لحملات العزل الجماعي التي كان يصارع لإنجاحها في المساء، لينقلب على نتائجها في النهار، عبر لامبالاته في تنظيم تجمعات الناس في سعيهم للحصول على قوت يومهم من الخبز.

لم تكن تحمل في طياتها إلا معنى واحدًا، ألا وهو تخلي السلطة الحاكمة عن رعاياها، الذين أصرت على التعامل معهم كحشد كبير من الجنود الذين تم الزج بهم في المعركة دون أي حماية تذكر، ومن ثم التغاضي عن ظروف مقتلهم عبر التعلل بنسبة العشرة بالمائة الطبيعية التي قد تصيب الجنود في الحرب. الأمر الذي لا يجد المرء تفسيرًا له إلا عبر رده لاستراتيجية “مناعة القطيع” التي قررت القيادة الأسدية فرضها على الناس، دون أن يخطر على بالها أن العمل بتلك السياسة لا يعني التخلي عن مسؤولياتها في توفير الحد الأدنى اللازم لانجاحها، سواء عبر تأمين المعازل الصحية المناسبة، أو عبر إنشاء المزيد من المشافي الميدانية المجهزة بالأدوات الطبية، كما عبر نشرها للوعي الصحي بفائدة ارتداء الأقنعة الشخصية والحرص على التقيد بها.

بدت سياسة النظام الإعلامية القائمة على تكميم الأفواه ومنع الحديث عن أي أعداد لها علاقة بالكورونا، كما في حادثة استدعاء المخابرات لمدير مستشفى المجتهد سامر خضر، والطلب منه تغيير أقواله التي كان قد صرّح بها لاحدى الإذعات المحلية بما يتعلق بتفشي الكورونا في مشفاه، منسجمة مع توجهات القصر الرئاسي الذي كان يصر على إنكار الواقعة والتعتيم عليها، بما يخدم مخططاته القتالية في زج المزيد من المليشيات الايرانية في حربه على بقية السوريين المشردين في خيام إدلب.

من سياسة التشدد في إنكار ظاهرة الكورونا ورفعها إلى مصاف الأمن القومي، إلى سياسة التهليل باكتشاف أثرها المزلزل في حياة السوريين، حضرت الألاعيب السياسية وغابت الروح الأخلاقية في تحمل المسؤولية عن انتشارها على هذا النحو المروع. فالمهم لدى صانع القرار السوري هو تحميل وزر الكورونا منذ الآن لقانون قيصر الذي يحاصر السوريين في حياتهم، فلقد أثبت الأسد أن السوريين في عرفه ليسوا أكثر من أرواح ميتة، يتاجر بحضورها عندما يتعلق الأمر بتحقيقه لبعض المكاسب الإعلامية على جبهة قانون قيصر، ويختفون من السجل الروحي للبشرية، عندما يتطلب الأمر مقايضتهم مع بعض الانتصارات على الجبهة الشمالية.

لطالما كانت الحروب والأوبئة في نظر عالم السكان الإنجليزي مالتوس أحد العوامل الإيجابية في ضبط التوازن بين كميات الغذاء المحدودة التي تنتجها الأرض والتزايد السكاني الذي يفوق إنتاجها بمرات عدة، أما الحروب من وجهة نظرة الأسد فقد ارتبطت بذهنه بأفضل الوسائل لردع المجتمع من التمرد على مستبديه، كما إحدى وسائل التطهير الديموغرافي لخلق المجتمع المتجانس الذي يسبح بحمد حاكميه.

تبدو نظرية بشار الأسد في الأوبئة تفوق نظريته في الحرب، فإذا كانت الحرب الوسيلة المثلى لخلق المجتمع المتجانس، فإن الأوبئة الوسيلة الفضلى لضمان الفعالية القصوى له. فعن طريق الأوبئة ونجاعتها في الاصطفاء الفعال يتمكن الحاكم من الحصول على جسد الفرد الأكثر مردوية، بينما يتخلص من الأقل مردوية وفعالية، على النحو الذي يجعل منه سيدًا قويًا مطاعًا بحق. فبشار الأسد مأخوذ هذه الأيام بعظمة الأوبئة، التي لا تفتأ تبشر بعظمته الروحية، من حيث قدرتها السحرية على ترسيم الفرق بينه وبينه الناس، من حيث رفعه إلى مصاف الأخيار المتعالين عن المرض وعوارضه، وبين الحشد البشري من الرعايا المذعورين، المحاطين بكل أنواع النقص والفناء، الذين مهما علا شأنهم، تظل قميتهم الروحية أو الوجودية أقل بقليل من القيمة الروحية للجراثيم، التي امتدحها الرجل ذات يوم وهجها الناس الذين تعيش بين ظهرانيهم.

الترا صوت

————————————–

حياتي مع “الكورونا”/ عمار ديوب

العالم مشغول جداً بفايروس كورونا، هذا الذي وطّنَ نفسه في جهات الأرض كلها؛ فتوطّن في المجتمعات واستباحها، وشدّ أطرافها إلى بعضها، ونثرها في الوقت نفسه؛ فكان عادلاً في جمعه وفي نثره، إذ لم يميز بين شمال وجنوب، ولا بين شرق وغرب، ولا بين فقير وغني، ولا بين أسود وأبيض، ولا بين أنثى وذكر، ولا بين طفل وعجوز… ولم يبُقِ مجتمعاً عصيّاً ولا عاصياً، كأنه يريد أن يُقيم في عالمنا إقامة دائمة، كما أكد بعضهم، إما رغبة فيه، أو قرفاً وانتقاماً منه. حتى خطر على بالي: أنه يريد أن يكشف سيطرة الجشع والضحالة والتفاهة في عالمنا، وأن يفضح مأزقه ومأزقنا؛ وأن يدفعنا دفعاً إلى فهم: أن الأوان قد حان؛ لكي تكون قواعد قانون حقوق الإنسان، هي القانون الحاكم على مستوى العالم، وهي أساس سياسته ومرجعها، وهي محدد أخلاقه ومنبعها؛ الأمر الذي يستدعي العمل من أجل عالم بلا أعضاء مجلس أمن دائمين أولاً؛ فهو حق لكل عضو في هيئة الأمم بالانتخاب والتناوب، وثانياً ألّا يكون لأحد حق النقض؛ لأن النقض حق الأغلبية… وقد خطر على بالي: أن من دون ذلك سيمر العالم بتجربة مؤلمة ومريرة، هي قد تكون تجربتي الشخصية مكررة مليارات المرات.

إذاً، لا خيار أمام العالم إلّا مواجهة الفايروس الذي يفتك فيه، من دون أدنى استهانة بالخصم، كما لم أستهن بهذا الفايروس العالمي الذي يتحول إلى تجربة شديدة الخصوصية بقدر عالميتها وعموميتها، ولم أستسلم له: لقد  رفضت أن يعتقلني في منزلي، واستسلمت للتباعد الاجتماعي، والجسدي، وارتديت الكمامة بعض الوقت خلال تجوالي النهاري، وحاورت الخوف وعاشرته بالرفقة الدائمة لقارورة الكحول، وبالتعقيم المستمر، حتى كأنّ هذا المستبد قد أمسك بخناقي وسيطر عليّ، ولقد حاولت ألا أقترب من أحد، وكنت أراقب المسافات بيني وبين الآخرين، وأحسبها، وأدققها، وهذا ما حدث مع من صادفتهم في الشوارع كافة، وعلى مدى أشهر طويلة وعديدة، ولقد كنت أسرع كثيراً؛ لأبتعد عن أي شخصٍ يخترق مسافة الأمان، ويهددها، والتي يجب ألّا  تقل عن متر واحد. ولقد تعمدت السير في الشوارع المخصّصة للسيارات، أو الشوارع الخالية والمعتمة، وهجرت الأرصفة إلا للضرورات الحاكمة.

كما رصدت ساعات نشاط الناس، وحددت لحظات ذروة نشاطهم؛ فاخترت السير متأخراً، حين تخلو الشوارع من شر الفايروس الذي يتلبس الأخيار، واخترت السير السريع صباحاً، قبل أن يتكاثر الذاهبون إلى أعمالهم، وكأن الآخر قد أمسى جحيماً، كما قال سارتر، فهل كنت أنا الآخر الجحيم بعين الآخرين! ولقد كنت أراقب السوبرماركت، فلا أدخل من أجل شراء حاجاتي إلّا حينما ينخفض عدد المشترين؛ فالتبضع قضية لا يمكن الاستغناء عنها- للأسف- في عصر العلم ورأس المال المتوحش هذا!

أما في المنزل فلم أقطع صلتي بالناس تماماً، ولكنني خفضت منسوب الصداقات كثيراً؛ وقاطعت نادي الرياضة قطيعة نهائية باترة. أما غسل الأيدي فقد صار همي وديدني، هذا غير هوس تطهير يديّ بالكحول. نعم، إن هناك ما يشبه فوبيا الكورونا، وقد أصبت بها فعلاً وقولاً.

وقد حل يوم الرابع من آب، 2020، بعد مشواري الصباحي، حالما جلست على الشرفة، حيث شعرت ببرديّةٍ، قصمت ظهري، وارتجف جسدي بأكمله، كأن خنجراً أغمد فيَّ. مع ذلك، لم أعط الأمر أهمية تذكر؛ لقد توهمت أن ارتداء ملابس كافية كافٍ لدحر ما هو طارئ؛ فعمدت فوراً إلى ذلك. ولكن، لم تمض ساعة واحدة، إلّا وساخت ركبتاي، فأضحتا لا تقويان على حملي، وبدأت حرارتي بالارتفاع، واستمرت البرديّة، وحينها لو استطعت التدثر بكل صوف الدنيا لَما تأخرت عن ذلك للتخلص منها. ثم تراجعت البردية خلال الساعات اللاحقة، تاركة السيطرة لحرارة لاهبة استقرت، وتمكنت، وهذه كانت مشكلة أشد وألعن وأكبر.

إذاً، ها هو فايروس الكورونا: هكذا اعترفت أمام نفسي، وقد خارت قواي نهائياً، ولم يعد جسدي يطلب شيئاً، أي شيء، لقد أمسيت خرقة تافهة. اضمحلت شهيتي للطعام حتى انعدمت، وتعطلت حواس شمي وتذوقي بالتدريج، حتى صرت غريباً عني، وأصبح السيتامول هو السيد الذي لا بد منه كل ست ساعات، والمشروبات الساخنة، وكميات الماء الفاتر التي عليّ أن أشربها، حتى تحولت إلى جمل حقيقي، يبرك على سريره في غرفته تاركاً الصحراء لعواء الثعالب. ومع ذلك ما كانت الحرارة تنخفض، كنت أدفعها بالماء والسيتامول، ولكن جسدي يكاد يصبح جمراً، خصوصاً إن تأخرت بمواعيدهما.

ولقد علمت، وتأكدت: أن هذا لا تماثله أي تجربة سابقة، إن هذه الأعراض لم أعشها من قبل قط، لم أعشها حتى مع أشد حالات الكريب التي أعرف. ولقد تذكرت، أني، في إحدى السنوات، احتجت إلى أكثر من عشر إبر ديلكون للتخلص من الكريب، ولكن تجربتي الجديدة فاقت كل ألم عانيته سابقاً، حتى أن لا شيء يشبه ما يجري: فقدان الشهية، وفقدان الحواس، وضعف التركيز، والخوف مني على الآخرين؛ لأني تحولت إلى قنبلة موقوتة، مع أني مجرد كتلة لحمٍ، يتناقص وزنها بالتدريج، وهي تنتظر شيئاً ما في المستقبل، لكنها تجهل ما هو بالضبط. إنه الفايروس الفاتك، لقد سيطر عليّ تماماً، وأصبحت من رعيته: هذا ما قلته لنفسي.

وفي الليل كانت فرشة السرير تتحول إلى بركة ماء، وفي النهار أيضاً، حينما أنام قليلاً. ولقد تكاثر نومي وقلّ؛ فقد كنت أنام نوماً خاطفاً أو مخطوفاً، أوقات قصيرة كأنها جرعات تبلل الجسد وتمسكه حتى لا يتبخر؛ فالجسد بلا طاقة، والنوم سلوك لا شعوري، وجسدي المنهك يجبرني على الاستلقاء المستمر، وهي، بكل الأحوال، نصيحة عامة، مشاع بعد أن سكبت على النت سكباً. ثم تراجع ألم ركبتيّ، وتمكنت الحرارة من جسدي وسيطرت، وكنت في غاية الإجهاد والتعب والإرهاق؛ وبدأ الملل يتسلل إليّ، والتعاسة تثقل بقوةٍ على روحي. لقد كنت وحيداً أصارع ساعات اليوم وأقضيها، وتعطلت قدرتي على التفكير، والوقت لا يتقدم إلا على إيقاع الألم.

ولقد وصلت إلى اليوم الثامن، بعد أن أكلتني الحرارة أو كادت، وفقدت أكثر من عشرة كيلوغرامات، حينها هتفت روحي إلى صديقة؛ لتدبر لي طبيباً، فوصلتني بطبيبة، وهذا أفضل ما حدث لي في فترة الكورونا تلك؛ فأن أصاب بالكورونا، وأن يزورني طبيب ذكر، ويعالجني، فوالله إنها لكارثة كبيرة، تضمحل أمامها الكوارث كلها، وقد كانت لتكون الكورونا أرأف بحالي بالتأكيد! وقد زارتني الطبيبة حقاً وفعلاً، وكانت زيارتها هي العلاج وبدايته. لقد كنت أعتمد على تقديراتي الشخصية، فأتناول فيتامين c، والمشاريب الساخنة، وكنت آكل الخضار كخروفٍ مريض وهي تقديرات قاصرة وغير كافية، ولا بأي حالٍ من الأحوال. وقد أجرت الطبيبة كشفها الطبي الأوّلي؛ فتبيّن لها: أن حالتي لا تستدعي الانتقال إلى المستشفى، وأني أحتاج إلى بضعة معادن وفيتامينات، مثل: الزنك، وفيتامين دال، التي لا بد منها فوراً؛ لأني تأخرت عن تناولها! وسأبدأ بها، وسيكون الشفاء خلال عدّة أيام…هكذا تكلمت شهرزاد. ألم تكن الآلهة الأولى طبيبة!!

ومع تلك الزيارة البهية وأدويتها الجديدة، بدأت حالتي بالتعافي تدريجياً. وبدأ ينحسر السعال ويتراجع، وهو أصعب ما عانيت منه، فهو قد كاد يخنقني، ثم بقية الأعراض التي لم تأت قوية باستثناء انهيار ركبتيّ في الأيام الأولى، والحرارة المتفاخرة التي توهمتْ أنها قادرة على قتلي.

أما ودّ الأصدقاء والناس على الفيس بوك وعبر اتصال الخليوي، فهو أهم ما أشعرني بالدفء، والاطمئنان، وأقنعني من جديد: أن الحياة فيها الكثير من الحب والجمال، وأن فيها الكثير مما يُستحق أن يعاش لأجله.

لم أفكر بالموت أبداً

طبعاً، لم أفكر بالموت أبداً، رغماً عن فقداني الشهيّة بشكلٍ شبه كامل مدة أكثر من عشرة أيام. وقد تأكدت مما كنت أعرف: أن لديَّ رفض قديم لفكرة الموت والتفكير فيها، وقد كانت حكمتي، ولا تزال، أنه إمّا أن يأتي، وإمّا ألّا يأتي، وفي الحالتين لست من يقرّر ذلك، فلماذا أنشغل بقضيةٍ لا إرادة لي فيها؟ وهنا، أنا لا أعمّم فهماً خاصاً، ولكنني منسجم ومتوافق مع هذه الفكرة.

وحينما سجلت ملاحظة عن إصابتي على صفحتي الشخصية في الفيس، كان التفاف الناس حولي بكلماتهم العاطفيةٍ المُحبّة قوة داعمة لي، لمواجهة هذا الخطر الذي قتل ملايين الناس، ويستمر بقتلهم، بعد أن باعد بينهم، ورماهم في المشافي، وفي أماكن الحجر، والذي أخاف الدول العظمى، وشكك بجبروتها وادعاءاتها، بعد أن فتك بسكان معمورتنا.

في اليوم العشرين.. هزم العدو

أما في اليوم العشرين، فقد بدأ جسدي المثخن بطعنات رماح الكورونا بالتعافي؛ إذ شرعت الأعراض بالتراجع تدريجياً، واستقرت الحرارة في حدودها الطبيعية، وبدأت بتناول الطعام مثل سجينٍ مُنع عنه أياماً كثيرة، وعادت حاستا الشم والتذوق بدقة وحدة وصفاء، وبدأ جسدي يتقوى؛ فاستعدت مشيي السريع في المنزل، بعد أن كان إجهاداً لي. وقد يكون الأهم أني تخلصت من سماجة المشاريب الساخنة في هذا الصيف الحار.

إن اليوم العشرين كان عتبة نجاتي ومنصتها، فقد بدأت أشعر حينئذ: بأن حياة جديدة، بكل معنى الكلمة، قد بدأت؛ فقد لفظ جسدي الفايروس الحقير، وصرت أتذكر أيام مرضي الأولى، كمن يتذكر حالات قديمة: شعوري بأنني كنت عاجزاً بالكامل، وأني كنت أقرب إلى المشلول الذي ينتظر موته، مع أنني لم أفكر بالأمر أبداً.

وأما الآن: فوداعاً للجبار المخيف، المهاب من الجميع، سواء أكان صغيراً أم كبيراً، غنياً أم فقيراً.

لقد كانت تجربة، وهي تجربة جسدي؛ أي تجربتي أنا، وهي تجربة مرّة ومريرة بالتأكيد، ولكنها جعلتني وتجعلني أصفى وأقوى وأكثر تعاطفاً مع معاناة الناس أخوتي في أربع أركان المعمورة الذين كانت معاناتهم، وستكون، أكثر ألماً أو أقل، لكنه ألم، مهما كانت درجته وشروطه، يجب أن يدفعنا إلى التعاطف والتعاضد والتلاحم في مواجهة شرور السيطرة والاستغلال، وكوارث الطبيعة.

———————————

الشمال السوري… من لم يمت بالقصف مات بكورونا!/ كارثة قادمة.. هل يمكن احتواؤها؟/ أحمد عبيد

كيف وصل الفيروس إلى هذه المنطقة المعزولة بفعل واقعها العسكري؟ وكيف انتشر بين قاطني المنطقة بشكل تدريجي؟ ما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات الحاكمة للتصدي للفيروس؟ ما هي القدرة الطبية في المنطقة للمواجهة؟ كيف ساهمت منظمات المجتمع المدني في مواجهة الفيروس؟ وكيف أثّر انتشاره على الأهالي اقتصادياً واجتماعياً؟ هذه الأسئلة وغيرها، يحاول هذا التحقيق الإجابة عنها.

“عملية تطبيق التوصيات للوقاية من الفيروس أمر شبه مستحيل في ظل انعدام أدنى مقومات الحياة الكريمة في المنطقة، فكيف نستطيع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي في خيمة يقطنها 15 شخصاً بسبب عدم وجود مكان آخر يلجؤون إليه؟”. هذا ما يقوله لحكاية ما انحكت نقيب الأطباء الأحرار في الشمال السوري الطبيب وليد التامر، واصفا أحوال المخيمات في الشمال السوري بعد انتشار كورونا، حيث لم يفلح “العزل” الذي يعيشه قاطني الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، بحمايتهم من انتشار فيروس كورونا فيما بينهم، رغم انقطاعهم عن معظم دول العالم منذ سنوات.

فما إن مرّت أشهر قليلة على إعلان الإصابة الأولى بفيروس كورونا، وبدأ بالاقتراب إلى حدود المنطقة شيئاً فشيئا، حتى أعلنت السلطات الصحية في محافظة إدلب، تسجيل الإصابة الأولى بالفيروس (9 تموز ٢٠٢٠)، فكيف وصل الفيروس إلى هذه المنطقة المعزولة بفعل واقعها العسكري؟ وكيف انتشر بين قاطني المنطقة بشكل تدريجي؟ ما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات الحاكمة للتصدي للفيروس؟ ما هي القدرة الطبية في المنطقة للمواجهة؟ كيف ساهمت منظمات المجتمع المدني في مواجهة الفيروس؟ وكيف أثّر انتشاره على الأهالي اقتصادياً واجتماعياً؟ أسئلة يعالجها هذا التحقيق الذي أعدته حكاية ما انحكت من مناطق سيطرة فصائل المعارضة شمالي غرب سوريا.

كيف وصل الفيروس إلى إدلب؟

أعلنت الحكومة السورية المؤقتة، في التاسع من تموز 2020، تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمال غربي سوريا، وكانت قادمة من الأراضي التركية عبر معبر باب الهوى الحدودي، على عكس ما كان يتوّقعه الأهالي بوصول الفيروس إلى مناطقهم عبر المعابر التجارية مع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري في ريفي حلب وإدلب.

وأصدرت “وحدة تنسيق الدعم” العاملة في مناطق سيطرة المعارضة، بياناً قالت فيه إن الإصابة الأولى في الشمال السوري، سُجلت لطبيب يعمل في مستشفى باب الهوى، كان قد دخل إلى الأراضي السورية في الخامس والعشرين من حزيران 2020.

وأشارت وحدة تنسيق الدعم في بيانها إلى أن الطبيب المصاب، والبالغ من العمر 39 عاماً، خضع للحجر الصحي في المشفى العامل فيه فور ظهور أعراض الإصابة بالفيروس عليه، مؤكدةً أنّ جميع الأطباء والمراجعين المخالطين للطبيب المصاب، أجري لهم اختبارات الكشف عن الإصابة، وأنها تتبع الحالة الصحية للأطباء المخالطين بانتظام.

وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة “مرام الشيخ” قال في تغريدة عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” آنذاك: “يؤسفنا اليوم أن نعلن عن تسجيل أول حالة إيجابية لفيروس كورونا، لأحد الكوادر الصحة العاملة في أحد مشافي إدلب”، مضيفاً: “تم إغلاق المشفى وإغلاق السكن الخاص بالمشفى وتتبع المخالطين، وأخذ مسحات منهم وحجرهم، والدعوة لاجتماع طارئ لخلية الأزمة لتفعيل خطة الطوارئ”.

سرمين أولى المناطق المعزولة، والكوادر الطبية أوائل المصابين!

بلغت حصيلة المصابين بفيروس كورونا في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، لغاية الثالث عشر من آب/ أغسطس، خمس وستين إصابة، بينها اثنتي عشر حالة نشطة، واثنتي وخمسين حالة تماثلت للشفاء، وحالة وفاة واحدة، في حين بلغ عدد المسحات التي أجريت لقاطني المنطقة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعين مسحة، وفقاً لبيان مختبر الترصد الوبائي التابع لبرنامج شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة في وحدة تنسيق الدعم.

وتوزعت الإصابات بفيروس كورونا في محافظتي حلب وإدلب حتى تاريخ العشرين من آب/ أغسطس، بحسب الخريطة التي نشرتها وحدة تنسيق الدعم، على مدن إعزاز والباب وعفرين وجرابلس بريف حلب الشمالي، ومدينتي إدلب وحارم وبلدة جبل سمعان بريف إدلب.

مدينة سرمين في ريف إدلب، سجّلت أولى المناطق التي تخضع للعزل الكامل منذ الإعلان عن الإصابة الأولى بفيروس كورونا في الشمال السوري، بعد إعلان مخبر الترصد الوبائي عن دخول سلالة خطيرة من الفيروس إلى المحافظة، في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، بعد اكتشاف إصابة في المدينة تعود لسيدة سورية دخلت سرمين قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري في مدينة حلب، بطريقة غير شرعية.

مسؤول العلاقات العامة في وزارة الداخلية التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب، “أحمد الخضر” أوضح أن قرار عزل مدينة سرمين جاء بعد الكشف عن إصابة دخلت المدينة قادمة من مناطق سيطرة النظام في حلب، عبر مدينة عفرين بريف حلب الشمالي.

وأضاف الخضر: “تأكّدت وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ من مخالطة السيدة المصابة لأكثر من مئة شخص من سكان المدينة منذ وصولها، ما دفع الصحة لفرض الحجر الصحي الكامل عليها، ريثما يتم تعافي المصابين والتأكد من سلامة الآخرين”.

في اليوم السادس لعزل المدينة الكامل، أعلن المجلس المحلي في سرمين، في الأول من آب/ أغسطس عن افتتاح معبرين للمدينة بهدف تخفيف الحجر الصحي عنها، الأول من الجهة الشمالية والثاني من الجهة الشرقية، محدداً ساعات عمل المعبرين بين التاسعة صباحاً والتاسعة مساءً.

رئيس المجلس المحلي في مدينة سرمين، علي طقش، قال إن قرار تخفيف الحجر تزامن مع سلسلة إجراءات اتخذها المجلس، كتثبيت نقطة للتعقيم، وأخرى لفحص حرارة المارّة، إضافة لمراقبة الأعراض التي تظهر على الأهالي، مؤكداً أن حركة الدخول والخروج ستبقى محظورة على كبار السن الذين تجاوزوا الستين من عمرهم، بحسب ما نقله موقع تلفزيون سوريا.

وبيّن رئيس المجلس المحلي في منشور عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن القرار جاء نتيجة التشاور بين المجلس ووزارة الصحة والمعنيين في سرمين، مستنداً إلى نتائج المسحات الأخيرة التي أكّدت سلامة المخالطين، مشيراً إلى أن فتح الطرقات وإلغاء الحظر الكامل يتوقف على مدى التزام السكان بقواعد السلامة وعدم ظهور حالات جديدة.

وعاد المجلس المحلي في الرابع من آب/ أغسطس، لنشر بيان عبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أعلن فيه بدء رفع الحجر الصحي عن المدينة تدريجياً، بعد تعافي المصابين من الفيروس، وذلك عقب التشاور مع وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ، مطالباً الأهالي بإبلاغ منظومة الإنذار المبكر أو المشفى حال ظهور أي من أعراض الإصابة على أحد منهم، لا سيما المخالطين.

بعد يومين على رفع العزل عن مدينة سرمين، تناقل ناشطون أنباء تُفيد بتسجيل إصابة جديدة لسيدة في بلدة أرمناز بريف إدلب الشمالي، في السابع من آب/ أغسطس، كانت قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري بدمشق.

ومن جهتها، أعلنت إدارة مشفى أرمناز عن إغلاق المشفى وفرض الحجر الصحي المؤقت على كادره الطبي، بعد مراجعة السيدة المصابة إلى المشفى، ومخالطة الكادر الطبي فيه، إضافة لحجر ستة من أفراد عائلتها.

وقال مدير مشفى أرمناز، الطبيب، أيمن العموري، إن العمل في المشفى توقف للحالات الباردة فقط، مؤكداً أن استقبال الحالات الإسعافية لا يزال مستمراً، إضافة لعزل الكادر المخالط لسيدة قادمة من دمشق، كانت تُعاني من أعراض ذات الرئة.

كيف استعدت السلطات الحاكمة في الشمال لمواجهة الفيروس؟

كغيرها من بلدان العالم التي اتخذت سلسلة من الإجراءات الوقائية والاحترازية للتصدي لفيروس كورونا، أطلقت الحكومة السورية المؤقتة، جملة من الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على سلامة قاطني المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري شمالي غرب البلاد، مع اقتراب الفيروس من حدودها.

وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، مرام الشيخ، قال لـ “حكاية ما انحكت”: “اتخذنا في وزارة الصحة، جملة من القرارات التي من شأنها الحرص على عدم وصول الفيروس إلى المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمالي سوريا في الدرجة الأولى، وأخرى هدفها تحقيق التباعد الاجتماعي بين الأهالي، والحفاظ على سلامتهم قدر الإمكان”.

وأضاف الشيخ: “القرار الأول صدر عن الحكومة المؤقتة بتاريخ السابع عشر من آذار/ مارس 2020، وقضى بإغلاق ثلاثة معابر مع مناطق سيطرة النظام السوري، وهي معابر “الحمران وعون الدادات، وأبو الزندين”، وتبعه توجيهات بعدم التساهل مع أي عملية تهريب، سواء أكانت للأشخاص أو البضائع، ولا تزال المعابر مغلقة حتى اليوم”.

وتابع وزير الصحة: “بما يخص المعابر الحدودية مع تركيا، فقد اتخذنا كافة الإجراءات والتدابير الاحترازية لمنع انتقال الفيروس إلى الشمال السوري، تجسدت بالأساليب الوقائية المشددة، وذلك بالتنسيق مع إدارات المعابر الحدودية”.

وبيّن الشيخ أن الحكومة السورية المؤقتة أصدرت قراراً آخراً بتاريخ السادس عشر من نيسان/ إبريل، وعمّمته على كافة الجهات الحكومية التابعة لها، نصّ على إيقاف حركة العبور للأشخاص والمركبات بين مدن وبلدات المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، إضافة لمنع تجوّل من هم دون عمر الثانية عشر، وفوق الخمسة وستين عاماً، مشيراً إلى أنّ القرار لم يهدف إلى عزل المناطق، إنما كانت الغاية منه تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي.

وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة أتبعت قراراتها بخطوات برزت في تشكيل خلية أطلقت عليها اسم “خلية الأزمة”، لتعمل بمهام شبيهة بتلك التي كُلف بها الفريق الحكومي المختص باتخاذ الإجراءات الخاصة بالتصدي لفيروس كورونا في مناطق سيطرة النظام السوري، إلى جانب الحملات التوعوية التي قدمت من خلالها نصائح إرشادية يومية باللغتين العربية والإنجليزية، من خلال المقاطع المرئية والصور والإنفوغراف الدوري، بحسب قول وزير الصحة لنا.

وأشار الوزير إلى أن وزارته دعمت أربعة مشافي يحتوي كل منها على خمسة وعشرين سريراً، وثمانية مراكز حجر صحي، يبلغ عدد الأسرة الإجمالي فيهم ثلاثمائة وثلاثين سريراً، إضافة لتأمين سبعين جهاز تنفس اصطناعي موزعين على جميع المراكز.

وعن الالتزام بالقرارات الصادرة، قال الشيخ إن الشرطة المحلية في ريف حلب، أخذت على عاتقها متابعة تطبيق القرارات الصادرة عن الوزارة بالتعاون مع مديرية صحة حلب، في حين توّلت مديرية الصحة في إدلب التابعة للوزارة مسؤولية تطبيق القرارات.

استجابة ناقصة!

ولكن من جهة أخرى، إن نقيب الأطباء الأحرار في إدلب، الطبيب وليد التامر، رأى أن الاستجابة لقرارات إغلاق المعابر مع مناطق سيطرة النظام السوري ناقصة جداً، وأن خاصرة المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة تعتبر رخوة للغاية.

يقول نقيب الأطباء لـ “حكاية ما انحكت”: “تُشكّل المعابر بين الشمال السوري ومناطق سيطرة النظام السوري، الخطر الأكبر على المنطقة، وبات الالتزام بإغلاقها بشكل نهائي حاجة ملحة لمنع انتقال العدوى إلى مناطقنا، لا سيما أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام باتت موبوءة بحسب التقارير الصادرة عن الوسائل الإعلام المحلية والعالمية”.

ويتابع التامر: “صدرت عدّة توصيات بهذا الخصوص، لتفادي كارثة طبية في حال انتقال العدوى، لا سيما وأنّ بعض المعلومات تتحدث عن عدم التزام سائقي الشاحنات بالإجراءات الطبية”.

ومن جهته، رأى مدير فريق منسقو الاستجابة الطارئة في إدلب، المهندس محمد حلّاج، أن إجراءات الاستجابة للقرارات على مستوى المؤسسات كانت جيدة حيث علقت مديرية التربية الدوام بشكل كامل لفترة معينة، الأمر الذي التزمت به أيضاً مديرية الصحة التي أقامت خيماً للعزل، وأخرى للفحص والتقييم الأولي، فضلاً عن اتخاذ أعلى درجات الحيطة في المشافي بشكل كامل، فيما لم يظهر المجتمع تجاوباً كبيراً بسبب عدم تنبه الناس لخطورة الفيروس.

وأضاف حلّاج في حديثه لـ “حكاية ما انحكت”: “افتتحت المنظمات الطبية مشاف خاصة، وخيم لعزل المصابين (أربعة مشافي خاصة، يحتوي كل منهم على أسرة يتراوح عددها بين عشرة إلى خمسة عشر سرير، ومخيمين للعزل يضم كل منهما قرابة الخمسين خيمة، كل منها تحوي سريرين)، ولكن القطاع الطبي يعاني من هشاشة كبيرة نتيجة استهداف المشافي بالقصف، وخروج عدد كبير منها عن الخدمة، وخسارة المناطق التي كانت تتواجد فيها مشاف تصلح لتقديم الخدمات الطبية، ما زاد مهمة مواجهة الفيروس صعوبة في المنطقة”.

تجهيزات طبية

تحاول المنظومة الطبية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمالي غرب سوريا، مواجهة خطر تفشي فيروس كورونا، والاستجابة لاحتياجات قاطني المنطقة الطبية، وسط ظروف سيئة جداً نتجت عن الحملة العسكرية الأخيرة التي شنّها النظام السوري وحلفاؤه على ريف إدلب الجنوبي، وما نتج عنها من نزوح قرابة المليون ومائتي ألف شخصاً، وخروج أكثر من سبعين منشأة طبية عن الخدمة، منذ نيسان/ إبريل 2019 وحتى اليوم.

يقول منسق الصحة العامة في مديرية صحة إدلب، الطبيب عبد الحكيم رمضان: “تضم محافظة إدلب قرابة الأربعين مستشفى قيد العمل، لكنها جميعاً تحت معايير أسفير الإنسانية بكثير، وبعدد أسرة يقسم بنسبة سرير واحد لكل ألف وخمسمئة واثنين وتسعين مدنياً”.

ويُضيف رمضان في حديثه لـ “حكاية ما انحكت”: “خصّصت مديرية الصحة ستة مشافٍ للاستجابة للحالات الحرجة والخطيرة من المصابين بفيروس كورونا، منها أربعة جاهزة للعمل بشكل مباشر، واثنتين قيد التجهيز، تضم جميعها ستة وعشرين جهاز تنفس اصطناعي للبالغين، إضافة لأربعة مراكز حجر صحي بدأت باستقبال الحالات المتوسطة والخفيفة، وستة وعشرين مركزاً لم ننته من تجهيزهم بعد، ليكون العدد الكلي في إدلب، ثلاثين مركزاً، في حين افتتحت حكومة الإنقاذ مركزين للحجر الصحي أيضاً، أحدهما في منطقة باب الهوى، وآخر في مدينة جسر الشغور، بالقرب من الحدود السورية التركية”.

ويتابع رمضان: “لدينا في إدلب مخبر واحد لإجراء الاختبارات الطبية اللازمة للكشف عن الإصابة بالفيروس، تقوم المنشآت الطبية بالطلب من المخبر إرسال فريق طبي لأخذ عينات الحالات المشتبه بإصابتها، فيما تعمل منشآت أخرى على أخذ العينات وترسلها بدورها إلى المخبر لإجراء الاختبارات اللازمة”.

وبحسب منسق الصحة في إدلب، فإن المديرية أقامت تدريبات نوعية لنحو ستمئة شخص من كوادرها الطبية، بين طبيب وممرض وآخرين من العاملين في المنشآت الطبية، على أن يكون هناك تدريبات إضافية في المرحلة القادمة.

ومن جهته، رأى نقيب الأطباء الأحرار في الشمال السوري الطبيب وليد التامر، أنّ غياب التنسيق بين الكوادر الطبية في مناطق سيطرة المعارضة من جهة، والسلطات الطبية التركية من جهة أخرى، يشكل العائق الرئيسي في مواجهة الفيروس، مشيراً إلى أن أعداد الحالات المسموح بإدخالها إلى تركيا محدودة جداً، وتحتاج لموافقة السلطات التركية، لاسيما في ظل الإجراءات المشددة على الحدود التركية بعد انتشار الفيروس فيها، في الوقت الذي لا تعادل وحدات العناية المشددة في الشمال السوري بأكمله، عدد تلك الموجودة في مشفى واحد في تركيا.

وقال نقيب الأطباء لـ “حكاية ما انحكت”: “لا يمكن تطبيق المعايير الطبية الوقائية التي طالبت بها منظمة الصحة العالمية للحد من انتشار كورونا، نظراً للكم الهائل من القاطنين في المنطقة، خاصة بعد تدمير ما يعادل 60% من المنشآت الطبية خلال الهجوم العسكري الأخير، ما ينذر بكارثة طبية بسبب الأعداد المتوقعة للمصابين في حال انتقل الفيروس إلى هذه الرقعة”، مبينا استحالة تطبيق توصيات التباعد الاجتماعي، خاصة في المخيمات، “فكيف نستطيع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي في خيمة يقطنها 15 شخصاً بسبب عدم وجود مكان آخر يلجؤون إليه؟”، مضيفا بنفس الوقت أنه: “يمكن تطبيق التوصيات لجهة الحد من التجمعات في المساجد، والأسواق، والبازارات، والمدارس، والجامعات، ويجب إصدار قوانين تلزم الناس بالالتزام بعدم التجمع”.

وعن مسألة إعلان الأعداد الصحيحة للمصابين بفيروس كورونا يوّضح نقيب الأطباء: “لا مصلحة لأحد بإخفاء الإصابات، وأرى أن خدمات المنشآت الطبية في القطاع العام أفضل من المشافي الخاصة، والقطاع الطبي في مناطقنا أفضل بعشرة أضعاف من القطاع الطبي في مناطق سيطرة النظام السوري”.

وختم التامر: “أدعو لتفعيل اللجنة الوطنية للكورونا، لتوحيد الداتا بين المنظمات بحيث يتم إنشاء المراكز بحسب التوزع الجغرافي والسكاني، بالإضافة إلى التنسيق من حيث التجهيز، وإصدار النتائج من قبل الجهة المخوّلة إصدارها تفادياً للفوضى”.

ما رأي الشارع؟

سرور الشيخ نجيب، أحد أبناء مدينة إدلب، وهو طالب في معهد التمريض بجامعة إدلب (35 عاماً) رأى أن الجهود المبذولة من قبل مديرية صحة إدلب، والكوادر الطبية فيها كبيرة جداً بالنسبة للإمكانات المتوفرة، على الرغم من قلة المشافي المجهزة وأجهزة التنفس ومراكز الحجر الصحي في المحافظة.

وقال الشيخ نجيب لحكاية ما انحكت: “رغم قلة الإمكانات المتوفرة في مناطقنا، إلا أنّ الكوادر الطبية استطاعت إنشاء مراكز للحجر الصحي، وعملت على تجهيزها قدر المستطاع، ما يساعد في الحد من انتشار الفيروس، فضلاً عن إخضاع المصابين للعلاج، ولا يمكن للفرق تقديم أكثر مما تقوم به حالياً”.

بينما قال مفيد عبيدو، وهو مصور في مؤسسة شام الخيرية (26 عاماً): “الثقة بالقطاع الطبي في الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة ضئيل بعض الشيء، ولا يمكن تعميمه على المستشفيات ككل، فلدينا بعض المشافي جيدة نسبياً، واستطاعت كسب ثقة الأهالي، وقسم آخر اكتسب صفات السوء من الناحية الطبية والرعاية”.

ويضيف عبيدو لحكاية ما انحكت: “هذه الحالة كانت قبل انتشار الفيروس، لكن جميعنا نعلم الإمكانات المحدودة في مشافي المنطقة بما يخص علاج المصابين وتقديم الرعاية الطبية لهم، فمن قبل انتشاره كانت تركيا هي وجهة الحالات الطبية المُعقدة، أما اليوم فإن الدخول إليها بات من أصعب الخطوات”.

منظمات المجتمع المدني تُساند القطاع الطبي

تزامناً مع الإجراءات الطارئة التي اتخذتها مديريات الصحة التابعة للحكومة السورية المؤقتة المعارضة في محافظتي إدلب وحلب، أطلقت منظمات المجتمع المدني العديد من الخطط التي من شأنها المساهمة في الحفاظ على سلامة الأهالي من الإصابة بفيروس كورونا.

مدير منظومة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم “الخوذ البيضاء” رائد الصالح، يقول لحكاية ما انحكت إن عمل المنظومة ينحصر في سياق الوقاية والتوعية بالدرجة الأولى، بالإضافة للتنسيق مع الجهات الطبية لجهة إنشاء مراكز حجر صحي، وتجهيز منظومة إسعاف خاصة بالتعامل مع المصابين بالفايروس، أما الخطوات الطبية المباشرة لمواجهة الفايروس من مخابر تحليل، وتجهيز مشافٍ، فهي مسؤولية القطاع الطبي.

ويضيف الصالح: “أطلق الدفاع المدني السوري في الثامن عشر من مارس/آذار 2020، حملة تطهير للوقاية من الفايروس ضمن سلسلة إجراءات تهدف لحماية المدنيين من الفيروس، شملت المرافق العامة من مدارس، ومشافي، و مخيمات، ومراكز إيواء، ومنشآت عامة، وذلك عبر قيام فرق مدربة تابعة للمنظومة برش مادةbenlı  ، المعقمة”.

ويتابع مدير الدفاع المدني: “تم تعقيم أكثر من سبعة آلاف مرفق حيوي، إضافة إلى ألف ومئتي واثني وستين مخيماً، ونحو ألف وخمسمئة مدرسة، وأكثر من ستمائة نقطة طبية ومشفى، ومئات المرافق الحيوية الأخرى، خلال الحملة التي استمرت ثمانية أيام، وذلك تزامناً مع إطلاق حملة توعية تضمنت تنفيذ وقفات تحت عنوان “خليك ببيتك” بهدف حث المدنيين على الالتزام قدر المستطاع بالمنازل، وعدم الخروج إلا في حالات الضرورة، إضافة لنشر ملصقات تعرّف بالفايروس، وأعراضه، وسبل الوقاية منه، ناهيك عن قيام متطوعين ومتطوعات من الخوذ البيضاء بتوعية المدنيين بشكل مباشر، في ألف وثمانمائة وتسع وسبعين نقطة بين مخيمات وأماكن أخرى”.

المنظمات المدنية، والإنسانية، والطبية، العاملة في الشمال السوري، بينها الدفاع المدني السوري، أطلقت فريقاً حمل اسم “فريق الاستجابة الوطنية لجائحة الكوفيد -19 في سوريا” في الحادي والعشرين من أبريل/ نيسان 2020، لتنسيق الجهود ومتابعة الخطط، وضمان تسخير كل الموارد البشرية والمادية والمعرفية لمكافحة الفايروس في الشمال السوري، عبر التنسيق والتواصل مع كافة المعنيين في القطاع الصحي والقطاعات الأخرى، والتواصل مع الأمم المتحدة ومنظماتها، بحسب الصالح.

وبيّن الصالح أن مجموعة من المؤسسات والمنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، أعلنت في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان الفائت، إطلاق حملة إنسانية تحت اسم “نتكافل” بهدف دعم السوريين الذين أثقلت كاهلهم سنوات الحرب، وضاعفت معاناتهم خلال الفترة الحالية ظروف الوقاية من الفايروس في الداخل السوري وفي بلاد اللجوء المجاورة، والتي تهدف بشكل مباشر لتأمين دعم نقدي عاجل للعوائل، لاسيما نازحي المخيمات، والسّيدات المعيلات لعائلاتهن، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السّن، إضافةً إلى المعلمين في الداخل السوري ودول الجوار في لبنان، والعراق ، والأردن، وتركيا، وتسليط الضوء على أهم الاحتياجات الإنسانية لأولئك الذين يعانون من تردي الأوضاع المعيشية.

ماذا لو تفشّى الفيروس؟

وعن الخطوات البديلة للعمل في حال تفشي الفايروس، يشير الصالح إلى أن التنسيق مع القطاع الطبي جارٍ على قدم وساق لجهة تجهيز سيارات إسعاف، ونقاط إخلاء للمصابين بالفايروس إلى مراكز الحجر الصحي، كما يعمل الدفاع المدني على عدة مشاريع لمواجهة كورونا منها: استخدام الطابعات الثلاثية لصناعة أجهزة التنفس الصناعية، وقد انتهى من صناعة أول جهاز، وهو الآن ضمن مرحلة الاختبارات.

ويضيف الصالح أن الدفاع المدني بصدد صناعة واقيات وجه بلاستيكية، بعد الانتهاء من الاختبارات النهائية الخاصة بأجهزة التنفس الصناعية لمتابعة هذا المشروع. ويؤكد أن الدفاع المدني يمتلك القدرة على صناعة 2000 قطعة يومياً للكوادر الطبية وكوادر الخوذ البيضاء، فيما ما زالت تجارب أخرى قيد البحث: منها إنشاء أماكن تعقيم للأشخاص، وأخرى لصناعة خوذ قادرة على كشف حرارة الجسم وكشف المصابين عن بعد.

من جهته، يقول مدير مكتب إدلب في الهيئة العالمية للإغاثة والتنمية، محمد نجار، لحكاية ما انحكت إن الهيئة أنشأت فرقاً تطوعية ودربتها من أجل توعية الناس على مخاطر فايروس كورونا وكيفية الحد من انتشاره، بالتعاون مع مديرية الصحة في إدلب، كما قامت بتوزيع منشورات لتوعية الناس على مخاطر الفايروس، وزودت عدداً منهم بما أسمته “سلة كورونا”، وتحتوي هذه السلل على ما يقارب خمس وعشرين ألف كمامة، ومعقمات، وبعض الأدوية، كما حاولت الحد من حركة السكان عبر إنشاء فريق يهتم بتلبية حاجاتهم الخدماتية، ولكن هذه الخطة فشلت.

وعن سبب فشلها، يقول لحكاية ما انحكت: “فشلت بسبب عدم التزام الأهالي بشروط المبادرة والتخفيف من حركتهم، إضافة لرفضهم فكرة طلب تأمين المواد اللازمة من الفرق المخصصة والانتظار ريثما يتم تقديمها لهم، خاصة أن احتياجات الأهالي تقتصر على الآنية وليس التموينية، فتكون الطلبات قليلة جداً وطارئة نتيجة أوضاعهم الاقتصادية التي لا تمكنهم من الحصول على كميات كافية لعدة أيام من المواد الغذائية والمستلزمات المعيشية، إضافة لمشكلة الاتصالات التي يعاني منها قاطنو الشمال السوري الذين يعتمدون بشكل رئيسي على شبكة الانترنت الفضائي، وبالتالي فيتوجب عليهم الانتظار ريثما تصل الفرق المخصصة إلى أماكن تتيح لهم الحصول على شبكة الانترنت، كالمكاتب والمنازل”.

الناشطة الإنسانية “أحلام الرشيد” التي اختيرت بين أكثر مئة امرأة مؤثرة في العالم لعام 2017 من قبل بي بي سي، قالت لحكاية ما انحكت إن المراكز المخصّصة للمرأة والدعم النفسي اتخذت خطوات بديلة لعملها، حيث أصبحت منصة “كلاستر” تعتمد برامج معينة، تقدم أنشطة أون لاين للمراكز، سواء للمرأة أو للطفل، وتهتم بالدعم النفسي، ودعم الأسر، بالإضافة إلى أن معظم الدورات التدريبية أصبحت تقام أون لاين، وسيكون هناك برامج أكثر تطوراً بالنسبة إلى إدارة الحالة، واستقبال الحالات في الأزمة الراهنة.

وأوضحت الرشيد أن العمل المدني والفعاليات السياسية في الشمال السوري لا يزال سار، مشيرةً إلى أن تأثير الفيروس على الجوانب النفسية كان أكبر من تأثيره على الجوانب الصحية.

وأضافت الرشيد: “استطاع كورونا أن يرخي بظلاله على الحالة النفسية للمدنيين في تلك المناطق، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية والوضع الاجتماعي بشكل عام، حيث انحصر عمل المنظمات بجلسات التوعية بشكل فردي، كما توقف الكثير من الأنشطة التي كانت تقدمها المنظمات بشكل جماعي سواء داخل المراكز، أو خارجها، أو حتى ميدانياً كخطوات وقائية، لذلك خفضت بعض المنظمات عملها، فيما خفض البعض الآخر عدد الكوادر، واختار قسم منها مزاولة الأنشطة أون لاين، أو القيام بأنشطة توعوية بشكل فردي، كما شملت التدريبات، إن وجدت، أعداداً ضئيلة جداً لا تتجاوز عشرة أشخاص في القاعة الواحدة، بعد عمليات تعقيم، وارتداء ألبسة واقية”.

ومن جهته، رأى أحد أعضاء إدارة فريق منسقو الاستجابة الطارئة في الشمال السوري، أن مؤسسات المجتمع المدني لم تلعب دوراً في مسألة محددات حركة المدنيين بين مناطق درع الفرات، وإدلب، والريف المحيط بها، موضحاً أن هذا القرار عائد للسلطات المحلية التي تتحكم بحركة المعابر ومواقيت فتحها، الأمر الذي أدى إلى ازدحام على المعابر، خاصة عندما تم فتحها لساعات محددة فقط، وقامت حينها المنظمات بفحص حراري للمسافرين، إلا أن أعدادهم الكبيرة حالت دون تمكن المنظمات من فحص الجميع.

ولفت مدير الفريق إلى أن اقتطاع المنظمات لجزء من ميزانياتها بهدف رش مواد معقمة في المخيمات خطوة خجولة لأنها لا تحمل فائدة كبيرة لقاطني المخيمات مثل تزويدهم بالكمامات، وأدوية التعقيم، مضيفاً: “هذه الخطوة تهدف إلى جلب الدعم، والعمل يجب أن يكون ممنهجاً ومنظماً، كزيادة الوعي والارشادات عبر مكبرات الصوت، وتوزيع مواد تنظيف وكمامات، وبناء مراحيض منفردة في المخيمات”.

وكشف مدير الفريق عن عودة أعداد كبيرة من العائلات لمناطق سيطرة النظام، مرجعاً السبب إلى عدم توفر سكن ملائم في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وغلاء الإيجارات، وعدم توفر الخدمات، مؤكداً أن أعداد العائدين بلغت حوالي مئة وسبعين ألفاً من ريف حلب الغربي، وما يقارب مئة وخمسين ألفاً من قرى جبل الزاوية بريف إدلب. والفترة تشمل ما بين تفشي الفيروس في مناطق النظام، وإعلان الحالات الأولى في الشمال السوري.

هل أثّر انتشار الفيروس على الأوضاع الاقتصادية؟

تأثير انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي الذي خسر على المستويين المحلي والعالمي أكثر من 100 مليار دولار، انعكس سلباً على قاطني الشمال السوري، لا سيما تراجع وتيرة الحوالات المالية التي ترد إليهم من ذويهم المقيمين خارج سوريا بالدرجة الأولى، إضافة لارتفاع الأسعار الجنوني جراء تقييد حركة السفر والتجارة بعد إغلاق الحدود البرية، والبحرية، والجوية لمعظم البلدان، بحسب قول الباحث الاقتصادي “نيبال قلعة جي” لحكاية ما انحكت.

ويلخص قلعة جي تأثير كورونا على الشمال السوري بتوقف المساعدات التي تأتي للنازحين، بالإضافة إلى إغلاق المعابر مع كل من تركيا، والنظام، وقسد، وهذه العوامل تعني تراجع دخل المواطن في الشمال السوري بنسبة 20% على الأقل، الأمر الذي يمكن حلّه عبر زيادة ساعات العمل لتعويض نقص الإنتاجية والخسائر التي حلَت.

ويؤكد قلعة جي أن انهيار سعر صرف الليرة السورية غير مرتبط بإجراءات الحجر، إنما بقانون قيصر، وسياسات النظام القائمة على الفساد، بالإضافة إلى استنزاف موارد الدولة في الحرب على الشعب السوري، بالإضافة إلى إجراءات الحجر التي أدت إلى تراجع الطلب، وتراجع الاستثمار، بالإضافة إلى مداخيل الناس، الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي على وشك التحول إلى كساد اقتصادي.

(في سوق مدينة إدلب دون اتخاذ أية إجراءات وقائية/ خاص حكاية ما انحكت)

من جهتها ترى أحلام الرشيد في حديثها لحكاية ما انحكت، إن وجود الفيروس انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للبلد، والوضع الاجتماعي للناس، وعلى مدى إنتاجية العمل وجودته، حيث اضطر الكثير من المدنيين للعمل من داخل المنازل نتيجة تعطيل المدارس، وتوتر العائلات، وهذا أدى إلى ضغوط نفسية كبيرة على العاملين وعلى المنظمات بشكل عام، فقد زادت الأعباء بشكل أكبر، وهذا ما صرح عنه الموظفون خلال استفتاء، أكدوا من خلاله أن العمل من المكتب أسهل بكثير من العمل في المنزل.

وهو ما يوافقها به قلعجي، إذ يقول: “ضرر كورونا لم يكن معتدلاً على الاقتصاد المحلي بل كبيراً، فالاقتصاد المحلي منهك أساساً، ولا يتمتع بمناعة لمواجهة أزمة كورونا، بعكس الاقتصاديات الأخرى التي يعتبر وضعها طبيعياً، وذلك يعود لتدهور الاقتصاد السوري بسياسات النظام الاقتصادية القائمة على الفساد، ناهيك عن قانون قيصر، بالإضافة إلى توجيه النظام لمعظم موارد الدولة نحو القطاع العسكري”.

وبحسب قلعة جي، فإن تعامل السلطات مع تفشي كورونا يختلف بين دولة وأخرى، ولكن الشكل العام للتعامل تمثل بدعم للقطاعات الاقتصادية المتضررة، ودعم جزئي كدفع أجور العمال العاطلين عن العمل، كالنموذج التركي الذي تمثل بدعم العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية، بالإضافة إلى دفع جزء من رواتب العمال خلال فترة الأزمة.

سمر جيرو وهي عاملة صحة نفسية في منظمة إنسانية (30 عاماً) المقيمة في مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، رأت أن الفئة التي تضرّرت من انتشار فيروس كورونا في الشمال السوري قليلة جداً، وأن انتشاره لم يؤثر مطلقاً على أوضاع الأهالي الاقتصادية، مؤكدةً أن الأهالي استمروا في أعمالهم دون توقف، لاسيما العاملين في مجال الزراعة، كون محاصيلهم لا تزال تُباع في أسواق عفرين وريف حلب الشمالي بأسعار جيدة، مع التزام قسم منهم بالتدابير الوقائية.

فيما رأى قصي الحسين خلال حديثه لحكاية ما انحكت، وهو صاحب مكتب صرافة وتحويل الأموال في مدينة إدلب (27 عاماً) أن ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي أثّر على حوالي 90% من السكان، باستثناء قلة قليلة منهم، من العاملين في المنظمات ويتقاضون رواتبهم بالدولار، أو الذين تأتيهم حوالات مالية من أقربائهم في الخليج والدول الأوروبية.

كيف أثر انتشار الفيروس على الحياة الاجتماعية؟

في الواقع العام للحياة الاجتماعية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، فإن المنطقة كافة تأثرت بفيروس كورونا، منذ بدأ بالتفشي في تركيا حتى تسجيل الإصابات الأولى في إدلب. إلا أنها، بالمقارنة مع أي منطقة أخرى داخل أو خارج سوريا، فإنها المنطقة الأقل تأثراً اجتماعياً، فالالتزام بالقواعد الاجتماعية المنصوص عليها كإجراءات وقائية هو أمر طوعي، ولا قانون يُلزم الأهالي بالتقيّد فيها.

إبراهيم السلوم وهو مدرس في مدرسة أطمة شمال إدلب (32 عاماً)، والمقيم في الشمال السوري بالقرب من الحدود السورية التركية، يقول لحكاية ما انحكت: “قبل ظهور الفيروس كنا نتمتع بعلاقات اجتماعية متماسكة، لا تخلو من الزيارات واللقاءات بشكل شبه يومي، إلا أنّ الوضع لم يبقى كذلك مع بدء تسجيل الإصابات في تركيا، كونها البلد الأقرب إلينا…، فانقطعت الزيارات بين معظم الأهالي بشكل كامل، ولاسيما بعد تسجيل الإصابة الأولى في إدلب”.

فيما بيّن فيصل العكلة وهو مهندس مدني (58 عاماً) المقيم في بلدة الدانا بريف إدلب الشمالي، أن تخوف الأهالي من انتشار الفيروس أقل من تخوّف القاطنين في المحافظات السورية الأخرى، أو حتى في جميع أنحاء العالم، كون المنطقة معزولة عن العالم بشكل تلقائي بسبب الواقع العسكري الذي تعيشه، مضيفاً: “على الرغم من التخوف القليل من انتشار الفيروس، إلا أن قسم كبير من الأهالي يتخذون التدابير الاحترازية كالالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات والتعقيم المستمر، إضافة لكون التربية أغلقت المدارس خلال الفترة السابقة لمنع انتشار كورونا بين الأطفال فيها أثناء الدوام الدراسي”.

ومن جهته، رأى حازم وهو بائع مواد بناء (35 عاماً) المُقيم في مدينة سرمدا بريف إدلب، أن حياة الأهالي قبل انتشار الفيروس كما بعده، فلم يتغير أي شيء على صعيد الحياة الاجتماعية لقاطني الشمال السوري، والإجراءات الاحترازية لن تلتزم بها سوى نسبة قليلة جداً، باستثناء الكوادر الطبية التي التزمت بها بشكل جيد منذ بداية انتشار الفيروس في تركيا.

التطورات العسكرية تزيد خطر الانتشار

“لا شك أن لتواجد قوات النظام السوري، والقوات الروسية، في محيط المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، تأثيراً كبيراً لإفشال الجهود الطبية في التصدي لانتشار فيروس كورونا في الشمال السوري، وأنها شكلت عائقاً أمام الفصائل المقاتلة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع تفشي الفيروس”، يقول المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير “النقيب ناجي مصطفى” لحكاية ما انحكت.

ورأى مصطفى أنّ الخروقات المستمرة لاتفاقيات وقف إطلاق النار في الشمال السوري، أدّت إلى تهجير المدنيين من القرى في جبل الزاوية وبعض القرى الأخرى باتجاه المخيمات الحدودية مع تركيا، ما جعل التجمعات السكانية كبيرة جداً، ويصعب ضبطها وإلزام قاطنيها بالإجراءات الاحترازية.

وتابع المتحدث باسم الجبهة الوطنية: “تحاول فصائل المعارضة مواجهة الجائحة من خلال توعية المدنيين والمقاتلين لاتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، فضلاً عن إيجاد آليات لمنع التجمعات، خاصة في بعض المؤسسات والمنشآت التي يضطر المدنيين أن يتجمعوا فيها للحصول على حاجياتهم”، مضيفاً: “نشرت الفصائل بعض أجهزة الكشف على الحواجز التي قد يتم العبور من خلالها لكشف أي إصابة في حال وجدت بين المسافرين والوافدين إلى هذه المناطق”.

وبيّن مصطفى أن التخوف من انتشار الوباء يتصاعد عند التجمع من أجل المظاهرات، ولكن إرادة الشعب السوري كانت أكبر من كل شيء في الحصول على الحرية، ورفض وجود القوات الروسية التي ارتكبت جرائم بالتعاون مع قوات النظام والميليشيات المساندة له، لا سيما بعد إعادة نشر الصور التي سربها الضابط السوري “قيصر” للشهداء تحت التعذيب.

وبحسب مصطفى، فإن السلطات التركية قدمت بعض المساعدات الطبية إلى عدد من المنظمات، وبعض المجالس المحلية والمشافي لمواجهة الفيروس، مشيراً إلى أنّ انتشار الفيروس سيكون تأثيره كارثياً على الشمال السوري نظراً للكثافة السكانية في المخيمات، بالتزامن مع شح المعدات الطبية كأجهزة التنفس وغيرها.

وحذّر الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير، من أي عمل عسكري على إدلب لما سيحمل من تأثيرات سلبية تتمثل في موجات نزوح كبيرة، وتجمعات سكانية جديدة، مما يفاقم الكارثة الإنسانية في ظل شح المعدات الطبية والمساعدات الإنسانية المقدمة من المجتمع المدني، بحسب قوله.

سجون دون وقاية، وتحذيرات من كارثة محتملة!

مسؤولة ملف المعتقلين في الشبكة السورية لحقوق الإنسان “نور الخطيب” بيّنت لحكاية ما انحكت أن سجن إدلب المركزي يُعد من أكثر السجون ازدحاماً بأعداد السجناء والمحتجزين.

وأكَّدت الخطيب أن الشبكة لم تسجل اتخاذ أي تدابير وقائية للحد من انتشار الفيروس بين المحتجزين من قبل إدارة السجن، مضيفة: “على العكس تماماً، حصلنا على شهادات من معتقلين أُفرج عنهم مؤخراً، تبين من خلالها أن المهاجع لا تزال مكتظة بالموقوفين، إضافة لعدم الاهتمام الصحي وسوء التهوية في كامل السجن”.

وأضافت مسؤولة ملف المعتقلين: “ظروف سجن إدلب المركزي تنطبق على جميع السجون ومراكز الاحتجاز في إدلب وريفها، ولا شك أن هذه الظروف تتجه نحو الأسوأ بحسب اختصاص كل منها، فالسجون المخصصة لاحتجاز المتهمين بقضايا أمنية أو معتقلي الرأي وانتقاد هيئة تحرير الشام، تكون عادة عبارة عن أقبية ومغاور منعزلة تماماً، وتحت سطح الأرض، ما يجعل الشروط الصحية فيها شبه معدومة، وبالتالي فذلك يزيد احتمالية تفشي الفيروس بين المحتجزين”.

وختمت الخطيب: “لم تتخذ حكومة الإنقاذ المسؤولة عن السجون في إدلب، أي إجراء لإطلاق سراح المحتجزين كإجراء احترازي لنمع انتشار الفيروس، إنما كان إطلاق سراحهم مبني على عفو أصدرته حكومة الإنقاذ بمناسبة عيد الفطر لهذا العام، على خلاف ما روّج له”.

عشرات الإصابات سُجلت في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة، عقب الإعلان عن تسجيل الإصابة الأولى، معظمها كانت ناجمة عن الاختلاط بمصابين قادمين من مناطق سيطرة النظام في دمشق وحلب، رغم التصريحات الرسمية بإغلاق المعابر الواصلة بين مناطق سيطرة الطرفين، في الوقت الذي بيّن فيه نقيب الأطباء في إدلب أن الاستجابة لقرارات إغلاق المعابر ضئيلة جداً، وأن خاصرة المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة تعتبر رخوة للغاية، وسط ندرة الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية لمنع تفشي الفيروس من قبل قاطني المنطقة، لعبت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فيها الدور الأبرز في منع الأهالي من الالتزام بها، فضلاً عن غياب الدور التوعوي الكافي لتجنب الإصابة بالفيروس.

كاتب وصحفي سوري مقيم في اسطنبول

(تم دعم هذا التحقيق من خلال برنامج Check Global COVID-19 microgrants,، وبدعم من موقع ميدان)

حكاية ما انحكت

————————————-

========================

تحديث 08 أيلول 2020

——————————

جائحة كوفيد-19 تَرُجُّ العالم/ محمد الناسك

بينما تجتاح جائحة كوفيد-19 العالم، يكشف الفيلسوف السلوفيني، سلافوي جيجك، المعاني العميقة لوباء كورونا ويتأمَّل في مفارقاته المحيِّرة ويتكهَّن بعواقبه، ويرى أن آليات السوق لن تكون كافية لمنع الفوضى والجوع. إن مواجهة هذا التهديد يشجع على أشكال جديدة من التضامن، وهذا فحسب هو الذي يمكن أن يقود إلى مستقبل أكثر أمانًا.

كشف الناقد الثقافي والفيلسوف السلوفيني، سلافوي جيجيك (Slavoj Žižek)، في كتابه “جائحة كوفيد-19 تَرُجُّ العالم”، المعاني العميقة لجائحة كورونا التي تجتاح العالم، وتأمَّلَ في مفارقاتها المحيرة وتكهَّن بعواقبها. ويُبَشِّر جيجك بشيوعية جديدة، تختلف عن الشيوعية بمفهومها التقليدي وتلك التي تتبنَّاها الصين، للخروج من الأزمة وتفادي الانحدار إلى بربرية عالمية. ويُحَاجِج جيجك بأن بعض الإجراءات التي اتُّخِذَت في بريطانيا والولايات المتحدة، وما تدعو إليه منظمة الصحة العالمية، تؤيد دعواه التي جعلته هدفًا للنقد والسخرية من اليمين واليسار.

سلافوي جيجك واحد من أكثر الفلاسفة إنتاجًا وشهرة في العالم اليوم؛ وصفته مجلة المحافظين الجدد الأميركية “ذا نيو ريببلك” (The New Republic) بأنه “أخطر فيلسوف في الغرب”، والصحيفة البريطانية “ذا أوبزرفر” (The Observer) بـ”النجم المخلص لليسار الجديد”، وهو مثقف راديكالي. وكما يبيِّن عنوان أحد كتبه الجديدة، “Living in the End Times” (2010)، فإن اهتمامه الفلسفي هو الشعور واسع الانتشار بكارثة عالمية وشيكة وأسبابها الأيديولوجية الكامنة. وهذا ما جعله يركز في أعماله على الأزمة السياسية والاقتصادية والبيئية العالمية القائمة..(1).

يمزج، إلفيس بريسلي الفلسفة، كما وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times)، في عمله بين الميتافيزيقيا الهيغلية والتحليل النفسي اللاكاني (نسبة إلى جاك لاكان ((Jacques Lacan) والجدلية الماركسية، لتحدي الأفكار السائدة والحقائق التي يُسلِّم بها اليسار واليمين(2).

صدر كتاب “جائحة كوفيد-19 تَرُجُّ العالم” عن دار النشر “أور بوكس”، وهي دار يسارية تنشر كتابًا أو كتابين في الشهر، ومعاييرها التحريرية صارمة. وقد وصفتها مجلة “دايزد” (Dazed) بأنها رد فعل جذري ومثير على الهيمنة الأمازونية (نسبة إلى شركة أمازون). وقد تنازل جيجك عن حقوق ملكية كتابه، وخصص عائداته لمنظمة “أطباء بلا حدود”.

يقع الكتاب في 146 صفحة من القطع الصغير، مقسم على 11 مقالًا، وليس فصولًا؛ لأن الكتاب تجميع لمقالات صحافية نشرها الكاتب في عدد من الصحف منذ بداية جائحة كورونا، وبعضها لا يتجاوز 900 كلمة. كما يضم الكتاب مقدمة وخاتمة. وجاءت عناوين هذه المقالات على النحو الآتي: “نحن الآن جميعًا في المركب ذاته”، “لماذا نحن متعبون دائمًا؟”، “نحو عاصفة كاملة في أوروبا”، “مرحبًا بالصحراء الفيروسية”، “المراحل الخمسة للجوائح”، “فيروس الأيديولوجيا”، “اهدأ وافزع”، “رقابة وعقاب نعم رجاء!”، “هل قدرنا البربرية بوجه إنساني؟”، “الشيوعية أو البربرية: هكذا ببساطة!”، “موعد في سامراء”، وهذا الفصل أضافه جيجك بعد أيام من صدور الكتاب.

يدعونا سلافوي جيجك إلى التساؤل: ما الخطأ في نظامنا حتى أخذتنا الكارثة على حين غرة على الرغم من أن العلماء ما فتئوا يحذروننا منها منذ سنوات؟(3).

1. فيروس التفكير في مجتمع جديد

يرى جيجك أن الجائحة ما كانت لتحدث لولا غياب حرية التعبير في الصين وحقوق الإنسان، وهذا ما تؤكده الصحافية المقيمة في هونغ كونغ، فيرنا يو (Verna Yu): “لو كانت الصين تُعلي من شأن حرية التعبير، لم تكن لتوجد أزمة فيروس كورونا. وسوف تتكرر مثل هذه الأزمات طالما لم تُحْتَرَم حرية التعبير والحقوق الأساسية للمواطنين الصينيين”….

لقد كان الطبيب الصيني لي وينليانغ ((Li Wenliang، مكتشف وباء الفيروس التاجي المستجد، بطلًا أصيلًا من أبطال عصرنا، في نظر جيجك، وهو نسخة صينية من شيلسي مانينغ (Chelsea Manning) أو إدوارد سنودن (Edward Snowden)، لذا لا عجب أن وفاته أثارت غضبًا واسع النطاق.

إن الأداء الكلي لجهاز الدولة الصيني، وفقًا لجيجك، يتعارض مع شعار ماو تسي تونغ القديم “ثِقْ في الشعب!” وبدلًا من ذلك، تعمل الحكومة على أساس أنه لا ينبغي للمرء أن يثق في الشعب: يجب أن يكون الشعب محبوبًا، ومحميًّا، ويحظى بالرعاية، ومراقبًا، لكن لا أن يُوثَق به. إن أخطر ما يمكن فعله اليوم في الصين هو الإيمان جديًّا بالأيديولوجية الرسمية للدولة.

قال الطبيب لي من على سريره في المستشفى قبل وفاته بقليل: يجب أن يكون أكثر من صوت واحد في مجتمع صحي، لكن هذه الحاجة الملحَّة لسماع أصوات أخرى لا تعني، في رأي جيجك، بالضرورة ديمقراطية متعددة الأحزاب على النمط الغربي، فهي تتطلب الإفساح في المجال لنقل ردود فعل المواطنين الناقدة فحسب.

ويرى الكاتب أن تطور الوباء في جميع أنحاء العالم، جعلنا ندرك أن آليات السوق لن تكون كافية لمنع الفوضى والجوع. إن الإجراءات التي تبدو لمعظمنا اليوم أنها “شيوعية” يتعين النظر فيها على مستوى عالمي: يجب أن يكون تنسيق الإنتاج والتوزيع خارج إحداثيات السوق. ويعتقد جيجك أنه حان الوقت لإسقاط شعار “أميركا (أو أيًّا يكن) أولًا”. وكما قال مارتن لوثر كنغ (Luther King) منذ أكثر من نصف قرن: “ربما نكون قد وصلنا جميعًا على متن سفن مختلفة، لكننا في القارب نفسه الآن”.

وشبَّه الكاتب مصير أوروبا في ظل تفشي جائحة كورونا بمصير سفينة الصيد الأميركية “أندريا جيل”(Andrea Gail)(4). إن ثمة علامات، يرى جيجك، تشير إلى أن القارب الذي يسمَّى أوروبا يقترب أكثر بكثير من الآخرين من مصير أندريا جيل؛ ففوق أوروبا تتجمع ثلاث عواصف وتندمج قوتها: وباء الفيروس التاجي في تأثيره البدني المباشر (الحجر الصحي والمعاناة والموت) وآثاره الاقتصادية التي ستكون أسوأ في أوروبا من أي مكان آخر؛ لأن القارة راكدة بالفعل، وهي أيضًا أكثر اعتمادًا من مناطق العالم الأخرى على الواردات والصادرات. أما العاصفة الثالثة في نظر جيجك فيمكن تسميتها “فيروس بوتوغان” (بوتين/أردوغان)؛ ذلك أن الانفجار الجديد للعنف في سوريا بين تركيا ونظام الأسد (المدعوم مباشرة من روسيا) جعل بوتين وأردوغان يستغلان معاناة الملايين من النازحين لمكاسبهم السياسية الخاصة.

ومن الأشياء القليلة الجيدة في الوباء، وفقًا لجيجك، أنه جعلنا ندرك بشدة الحاجة إلى تعاون عالمي. وهذا ما ذهب إليه أيضًا يوفال نوح هراري (Yuval Noah Harari): “يتوجب على البشرية الاختيار: هل سنسير على طريق الشقاق، أم سنسلك مسار التضامن العالمي؟ إذا اخترنا الشقاق، فإن هذا لن يؤدي إلى إطالة أمد الأزمة فحسب؛ بل قد يؤدي كذلك إلى كوارث أشد سوءًا في المستقبل. وإذا اخترنا التضامن العالمي، سيكون نصرًا، ليس على فيروس كورونا فحسب، بل على كل الأوبئة والأزمات التي قد تفتك بالإنسانية في القرن الحادي والعشرين”(5).

لقد تسبَّب الانتشار المستمر لوباء الفيروس التاجي في قَدْح شرارة وباء واسع النطاق من الفيروسات الأيديولوجية، كانت كامنة في مجتمعاتنا: الأخبار المزيفة، ونظريات المؤامرة البارانُووِيَّة، وانفجارات العنصرية. ووجدت الحاجة الطبية المبررة للحجر الصحي صدى في الضغط الأيديولوجي لإنشاء حدود واضحة ولحجر الأعداء الذين يشكِّلون تهديدًا لهويتنا(6).

يأمل جيجك أن يتيح فيروس كورونا انتشار فيروس أيديولوجي آخر وأكثر إفادة فيصيبنا فيروس التفكير في مجتمع بديل، مجتمع ما بعد الدولة القومية، مجتمع يحقق نفسه بأشكال التضامن والتعاون العالميين. وفي هذا الصدد، شخَّص الفيلسوف الفرنسي، إدغار موران (Edgar Morin)، أبعاد الجائحة: “فكونها أزمة كونية، فإنها تسلِّط الضوء على المصير المشترك لجميع البشر المرتبطين بالمصير الطبيعي والبيئي لكوكب الأرض؛ وتفاقم في الوقت نفسه أزمة البشرية التي لم تتمكن من تشكيل نفسها بإنسانية. وكونها أزمة اقتصادية، فإنها تخلخل كل المسلَّمات التي تحكم الاقتصاد وتهدد بأن تتفاقم لدرجة الفوضى والعوز في مستقبلنا. وباعتبارها أزمة وطنية، فإنها تكشف النقاب عن أوجه القصور في سياسة قدمت رأس المال على حساب العمل، وضحَّت بالوقاية والحيطة لزيادة الربحية والتنافسية. وباعتبارها أزمة اجتماعية، فإنها تسلِّط الضوء بشكل كبير على عدم المساواة بين أولئك الذين يعيشون في مساكن صغيرة مكتظة بالأطفال والآباء، وأولئك الذين تمكنوا من الفرار إلى إقاماتهم الثانية المحاطة بالخضرة. وباعتبارها أزمة حضارية، تدفعنا إلى إدراك أوجه القصور في التضامن والتسمم الاستهلاكي الذي طورته حضارتنا، وتدفعنا للتفكير في بلورة سياسة حضارية. وكونها أزمة فكرية، يجب أن تكشف لنا الثقب الأسود الهائل في تفكيرنا، الذي يجعل تعقيدات الواقع الواضحة غير مرئية لنا… ينبغي أن يشجع الحجر الصحي على رفع الحجر عن العقول”(7).

2. كورونا روح جديدة للشيوعية

يعتقد جيجك أن الفيروس التاجي سيجبرنا أيضًا على إعادة اكتشاف الشيوعية على أساس الثقة في الشعب والعلم. ولا يمكننا المضي في الطريق الذي نحن عليه الآن، فالتغيير الجذري مطلوب. وبخصوص الثقة في العلم، يرى موران أن كورونا يشكِّل “فرصة لاستيعاب أنه على النقيض من الدِّين، فإن العلم ليس سجلًا للحقائق المطلقة وإن نظرياته قابلة للتحلُّل تحت تأثير الاكتشافات الجديدة”(8). أما يوفال نوح هراري فيدعونا إلى الثقة كذلك في وسائل الإعلام ويقلب الآية فيطلب من الشعب أن يثق في السلطة: “لتحقيق مستوى من الامتثال والتعاون، فإنك تحتاج إلى الثقة. يتعين على الناس أن يثقوا في العلم، وأن يثقوا في السلطات العامة، وأن يثقوا في وسائل الإعلام. فطوال السنوات القليلة الماضية، تعمَّد السياسيون غير المسؤولين تقويض الثقة في العلم، وفي السلطات العامة، وفي وسائل الإعلام. والآن قد يستسلم الساسة غير المسؤولين أنفسهم لإغراء سلوك الطريق السريع نـحو التسلط، زاعمين أننا لا نستطيع أن نثق في قدرة عامة الناس على القيام بالتصرف السليم”.

ويدرك هراراي أن إعادة بناء هذه الثقة التي تآكلت طوال سنوات لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها. ولكن هذه ليست أوقاتًا عادية… فبدلًا من بناء نظام رقابة، لم يفت الأوان بعد لإعادة بناء ثقة الناس في العلم، وفي السلطات العامة ووسائل الإعلام(9).

يحثنا سلافوي جيجك على التفكير في الحقيقة المحزنة، وهي أننا بحاجة إلى كارثة حتى نتمكن من إعادة التفكير في الخصائص الأساس للمجتمع الذي نعيش فيه. إن أحد الأسئلة المثيرة للاهتمام التي أثارها وباء كورونا، هو: أين تنتهي البيانات وتبدأ الأيديولوجية؟ وثمة مفارقة تتجلى في هذا المقام وهي أنه: كلما زاد ارتباط عالمنا، يمكن أن تؤدي كارثة محلية إلى إثارة خوف عالمي وفي نهاية المطاف كارثة. ففي ربيع 2010، عطَّلت سحابة منبعثة من ثوران بركاني طفيف في أيسلندا (اضطراب صغير في آلية الحياة المعقَّدة على الأرض) حركة الملاحة الجوية في معظم أوروبا. لقد كان ذلك تذكيرًا قويًّا بحقيقة أنه على الرغم من قدرة البشرية المدهشة على تحويل الطبيعة، فإن البشرية ليست سوى نوع واحد من الكائنات الحية على كوكب الأرض.

إن التأثير الاجتماعي الاقتصادي الكارثي لانفجار طفيف سببه هشاشة تطورنا التكنولوجي (الملاحة الجوية): ولو حدث ذلك قبل قرن من الزمان ما كان ليلاحظه أحد. إن التكنولوجيا تجعلنا، أكثر استقلالية عن الطبيعة من ناحية، ومن ناحية أخرى، أكثر خضوعًا لنزواتها. إن الأمر نفسه يسري على انتشار فيروس كورونا، فلو حدث قبل إصلاحات دينغ شياوبنغ، فربما لم نكن لنسمع به.

من المؤكد، في رأي جيجك، أن العزلة وحدها، وبناء جدران جديدة والمزيد من الحجر الصحي، لن يؤدي المهمة. فالحاجة ماسَّة إلى تضامن كامل غير مشروط واستجابة منسقة عالميًّا، وهو شكل جديد لما كان يُطلق عليه اسم الشيوعية. إذا لم نوجِّه جهودنا في هذا الاتجاه، فقد تكون ووهان اليوم أنموذجًا لمدينة مستقبلنا.

وربما يمكن للمرء أن يأمل في أن تكون إحدى العواقب غير المقصودة للحجر الصحي للفيروس التاجي في المدن في جميع أنحاء العالم هي أن بعض الناس سيستخدمون وقتهم -على الأقل الذي تم تحريره من النشاط المحموم- للتفكير في لا معنى (عبثية) مأزقهم.

ويُمَنِّي جيجك النفس بأن يتحلى بعض الإسرائيليين، في هذا الوقت من العزلة والهدوء القسري، بالشجاعة ليشعروا بالعار من سياسات نتنياهو وترامب باسمهم، وليس بالطبع أن يشعروا بالعار من كونهم يهودًا، بل على العكس من ذلك، الشعور بالعار مما تقترفه السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية في حق التراث الأثمن لليهودية.

ويرى الكاتب أن تكرار وسائل الإعلام بلا نهاية عبارة “لا داعي للذعر!” يتناقض تمامًا مع جميع البيانات التي نحصل عليها، والتي لا يمكن إلا أن تسبِّب الذعر، وأن الوضع يشبه حالة يتذكرها من شبابه في بلد شيوعي، عندما كان المسؤولون الحكوميون يطمئنون الجمهور بانتظام بأنه لا يوجد سبب للذعر. فكان الناس يعدون تلك التطمينات علامة واضحة على ذعر المسؤولين.

إن الذعر ليس الأسلوب المناسب لمواجهة تهديد حقيقي. عندما نأتي رد فعل ونحن في ذعر، فإننا لا نحمل التهديدات على محمل الجد، بل على العكس من ذلك، نحن نستهين بها. فكِّر فقط في مدى سخافة فكرة أن وجود ما يكفي من ورق التواليت سيكون مهمًّا في غمرة وباء مميت. إذن ما هو رد الفعل المناسب لوباء الفيروس التاجي؟ ما الذي يجب أن نتعلمه وما الذي يجب أن نفعله لمواجهته بجد؟

عندما ادَّعى جيجك أن وباء الفيروس التاجي قد ينفخ حياة جديدة في الشيوعية، تعرضت دعواه للتسفيه كما يقول، وعلى الرغم من أن نهج الدولة الصينية تجاه الأزمة قد نجح كما يبدو، أو على الأقل عمل بشكل أفضل بكثير مما يحدث الآن في إيطاليا، فإن المنطق الاستبدادي القديم للشيوعيين في السلطة أظهر أيضًا حدوده بوضوح.

ولكن، إذا لم تكن الشيوعية الصينية هي التي يُبَشِّر بها جيجك، فماذا يعني بالشيوعية؟ لفهم ذلك، يدعونا إلى قراءة الإعلانات العامة لمنظمة الصحة العالمية فحسب، وهذا آخرها:

قال رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس (Tedros Adhanom Ghebreyesus): “إن سلطات الصحة العامة في جميع أنحاء العالم لديها القدرة على مكافحة انتشار الفيروس بنجاح، وتشعر المنظمة بالقلق من أن مستوى الالتزام السياسي في بعض البلدان لا يتطابق مع مستوى التهديد. هذه ليست مناورة. هذا ليس وقت الاستسلام. هذا ليس وقت الأعذار. لقد كانت البلدان تخطط عقودًا لسيناريوهات مثل هذه. لقد حان الوقت للعمل وفقًا لتلك الخطط. من الممكن صدُّ هذا الوباء، ولكن من خلال نهج جماعي ومنسق وشامل فحسب يشرك الجهاز الحكومي برمته”.

ولتوضيح فكرته أكثر يضعها في سياق أوسع، فيقول: إن مثل هذا النهج الشامل يجب أن يتجاوز إلى حد بعيد آلية الحكومات التي تعمل بشكل منفرد، وأن تشمل التعبئة المحلية الجهات التي هي خارج سيطرة الدولة وكذلك التنسيق والتعاون الدولي القوي والفعال. كما يجب على الدولة التدخل كما تفعل في ظروف الحرب عندما تكون الحاجة لآلاف البنادق. كما ينبغي أن تسعى للتعاون مع الدول الأخرى، كما هي الحال في حملة عسكرية، يجب تبادل المعلومات وتنسيق الخطط بالكامل. وهذا ما دعا إليه كذلك يوفال نوح هراري: “فمثلما تُؤَمِّم البلدان الصناعات الرئيسة أثناء الحرب، فإن الحرب الإنسانية ضد فيروس كورونا قد تتطلب منَّا “أَنْسَنَة” خطوط الإنتاج الحيوية”(10).

إن وباء الفيروس التاجي لا يشير إلى حدود عولمة السوق فحسب، بل يشير أيضًا إلى الحدود الأكثر فتكًا من الشعبوية القومية التي تصر على السيادة الكاملة للدولة “لقد انتهى الأمر مع “أميركا (أو أيًّا يكن) أولًا!” لأن أميركا لا يمكن إنقاذها إلا من خلال التنسيق والتعاون العالمي. لست طوباويًّا هنا، أنا لا أنشد التضامن المثالي بين الناس، بل على العكس، فإن الأزمة الحالية تُظهر بوضوح كيف أن التضامن العالمي يصب في مصلحة بقاء الجميع وكل واحد منَّا. إن الخيار الذي نواجهه هو البربرية أو نوع من الشيوعية المعاد ابتكارها”.

خصَّص جيجك جزءًا غير يسير من كتابه للسجال مع الفيلسوف اليساري الإيطالي، جورجيو أغامبن (Giorgio Agamben)، الذي تفاعل مع وباء الفيروس التاجي بطريقة مختلفة جذريًّا عن أغلب المعلقين، وشجب تبني إجراءات طوارئ محمومة وغير منطقية وغير مبررة إطلاقًا للتصدي لوباء مفترض، فيروس كورونا، وهو مجرد نسخة أخرى من الإنفلونزا، وتساءل أغامبن: لماذا تبذل وسائل الإعلام والسلطات قصارى جهدها لخلق مناخ من الهلع، مما يثير حالة استثناء حقيقية، مع قيود شديدة على الحركة وتعليق الحياة اليومية وأنشطة العمل في مناطق بأكملها؟

ويرى أغامبن أن السبب الرئيس وراء هذه “الاستجابة غير المتناسبة” في الاتجاه المتزايد لاستخدام حالة الاستثناء كنموذج تحكُّم طبيعي هو أن الإجراءات المفروضة في حالات الطوارئ تسمح للحكومة بتقييد حرياتنا بموجب مرسوم تنفيذي.

من الواضح بشكل جلي، يقول الفيلسوف الإيطالي، أن هذه القيود لا تتناسب مع التهديد الذي تمثِّله، وفقًا لمركز اللاجئين النرويجي، أنفلونزا عادية، ولا تختلف كثيرًا عن تلك التي تؤثر علينا كل عام. قد نقول إنه بمجرد استنفاد الإرهاب مبررًا لاتخاذ تدابير استثنائية، فإن اختراع وباء يمكن أن يقدم الذريعة المثالية لتوسيع نطاق هذه التدابير بما يتجاوز أي قيود. والسبب الثاني هو “حالة الخوف، التي انتشرت في السنوات الأخيرة إلى وعي فردي والتي تترجم إلى حاجة حقيقية لحالات الذعر الجماعي، والتي يقدم الوباء مرة أخرى ذريعة مثالية”.

يصف أغامبن جانبًا مهمًّا من أداء سلطة الدولة في الوباء المستمر، ولكن ثمة أسئلة لا تزال مشرعة: لماذا تهتم سلطة الدولة بتعزيز مثل هذا الفزع الذي يصاحبه عدم الثقة في سلطة الدولة (“إنهم عاجزون، ولا يفعلون ما يكفي…”)، والذي يزعج التكاثر السلس لرأس المال؟ هل من مصلحة الرأسمالية وسلطة الدولة أن تثير أزمة اقتصادية عالمية من أجل تجديد عهدها؟ هل الإشارات الواضحة إلى أن سلطة الدولة نفسها، وليس فقط عامة الشعب، مذعورة أيضًا، مدركة عدم قدرتها على السيطرة على الوضع، هل هذه العلامات هي مجرد خدعة؟

وفقًا لجيجك، فإن رد فعل أغامبن ما هو إلا الشكل المتطرف لموقف يساري واسع الانتشار لقراءة “الذعر المبالغ فيه” الناجم عن انتشار الفيروس باعتباره مزيجًا من ممارسة السيطرة الاجتماعية مقترنة بعناصر العنصرية الصريحة، كما هي الحال عندما يشير ترامب إلى “الفيروس الصيني”. ومع ذلك، فإن مثل هذا التفسير الاجتماعي لا يجعل حقيقة التهديد تختفي. هل يجبرنا هذا الواقع على تقييد حرياتنا بشكل فعال؟ وبالطبع، فإن الحجر الصحي والإجراءات المماثلة تحد من حريتنا. لكن التهديد بالعدوى الفيروسية أعطى دفعة هائلة للأشكال الجديدة من العزلة المحلية والعالمية، وقد أظهر بجلاء الحاجة إلى مراقبة السلطة نفسها. وعن هذه المراقبة للسلطة، يقول يوفال نوح هراري: “إن تكنولوجيا المراقبة نفسها من الممكن استخدامها عادة ليس لمراقبة الأفراد فحسب؛ بل قد يستخدمها الأفراد أيضًا لمراقبة الحكومات”(11).

والناس، في نظر جيجك، على حق في تحميل سلطة الدولة المسؤولية: “لديك القوة، الآن أرنا ما يمكنك القيام به! التحدي الذي يواجه أوروبا هو إثبات أن ما فعلته الصين يمكن أن يتم بطريقة أكثر شفافية وديمقراطية. يجب ألا تُخْتَزَل الإجراءات التي يتطلبها الوباء تلقائيًّا إلى الأنموذج المعتاد للمراقبة والتحكُّم الذي روجَّه مفكرون مثل فوكو. ما أخشاه اليوم أكثر من الإجراءات التي تطبقها الصين وإيطاليا، هو أنها تطبق هذه الإجراءات بطريقة لن تعمل على احتواء الوباء، وأن السلطات ستتعامل مع البيانات الحقيقية وتخفيها.

ربما هذا هو الشيء الأكثر إزعاجًا والذي يمكن أن نتعلمه من الوباء الفيروسي المستمر: عندما تهاجمنا الطبيعة بالفيروسات، فإنها بطريقة ما ترد إلينا بضاعتنا الخاصة، وهي: ما فعلته بي، أفعله بك الآن”.

لا يعتقد سلافوي جيجك أن أكبر تهديد هو الانتكاس نحو البربرية المطلقة، ثم العنف الوحشي من أجل البقاء فضلًا عن الاضطرابات العنيفة… وما إلى ذلك. إن ما يخشاه، أكثر من البربرية المطلقة، هو البربرية بوجه إنساني، وفرض إجراءات قاسية من أجل البقاء، وتُضفَى عليها الشرعية بآراء الخبراء.

وأعرب الفيلسوف السلوفيني عن اختلافه مع جورجيو أغامبن الذي يرى في الأزمة المستمرة علامة على أن مجتمعنا لم يعد يؤمن بأي شيء سوى البقاء على قيد الحياة. فمن الواضح، أن الإيطاليين مستعدون للتضحية عمليًّا بكل شيء -ظروف الحياة الطبيعية والعلاقات الاجتماعية والعمل وحتى الصداقات والعواطف والمعتقدات الدينية والسياسية- لدرء خطر الإصابة بالمرض. إن مجرد البقاء على قيد الحياة -وخطر فقدانها- ليس شيئًا يوحِّد الناس، بل يعميهم ويفصل بينهم.

إن الأمور أكثر غموضًا، يقول جيجك؛ لأن خطر الموت يوحِّد الناس كذلك، فالحفاظ على التباعد الجسدي يعني أنك تُظهر الاحترام للآخر، لأنك قد تكون حاملًا للفيروس.

3. الشيوعية أو البربرية بوجه إنساني

يدعونا جيجك، ونحن عالقون في أزمة ثلاثية، طبية واقتصادية ونفسية، إلى تعلم التفكير خارج إحداثيات سوق الأسهم والربح وأن نجد طريقة أخرى لإنتاج ورصد الموارد اللازمة. وهذا ما يدعونا إليه كذلك إدغار موران: “أرجو أن يمنحنا هذا الوباء الاستثنائي والقاتل الذي نزل بنا، ليس فحسب، الوعي بأننا نؤخذ إلى داخل المغامرة غير المعقولة للبشرية، ولكن أيضًا بأننا نعيش في عالم يتسم بعدم اليقين ومأساوي في الوقت ذاته. إن الاقتناع بأن المنافسة الحرة والنمو الاقتصادي هما البلسم الاجتماعي يواري مأساة التاريخ الإنساني التي يفاقمها هذا الاعتقاد”(12).

ويرى جيجك في العرض الذي قدمه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لشركة كيورفاك للتكنولوجيا الحيوية لتأمين لقاح ضد فيروس كورونا لأميركا فقط حالة أنموذجية من الصراع بين الخصخصة/البربرية والجماعية/الحضارة. ومع ذلك اضطر ترامب، في الوقت نفسه، إلى التذرع بقانون الإنتاج الدفاعي للسماح للحكومة بتوجيه القطاع الخاص لزيادة إنتاج الإمدادات الطبية الطارئة، وأعلن عن اقتراح للسيطرة على القطاع الخاص.

هل يمكن للمرء أن يتخيل مثل هذا قبل الوباء؟ وهذه ليست سوى البداية: ستدعو الحاجة إلى تدابير أخرى من هذا النوع. وكذلك التنظيم الذاتي المحلي للمجتمعات إذا انهارت النظم الصحية التي تديرها الدولة تحت ضغط كبير. لا تكفي العزلة والبقاء على قيد الحياة فحسب، وحتى يكون ذلك ممكنًا، سيتعين على الخدمات العامة الأساسية مواصلة العمل: الكهرباء والماء والغذاء والدواء يجب أن تبقى متوافرة.

هذه ليست رؤية شيوعية خيالية، في رأي جيجك، إنها شيوعية تفرضها ضرورات البقاء على قيد الحياة. إنها للأسف نسخة مما أُطلق عليه في الاتحاد السوفيتي عام 1918 اسم “شيوعية الحرب”.

يقول الجميع اليوم إنه سيتعين علينا تغيير نظامنا الاجتماعي والاقتصادي. ولكن، كما لاحظ توماس بيكيتي (Thomas Piketty) في تعليق بصحيفة “لونوفيل أوبسرفاتور” (Le Nouvel Observateur)، فإن ما يهم حقًّا هو: كيف نغيره، وفي أي اتجاه؟ وما التدابير المطلوبة؟

تعرض سلافوي جيجك للسخرية والنقد من طرف آلان باديو (Alain Badiou) وبيونغ تشول هان (Byung-Chul Han) وآخرين كثر، من اليمين واليسار، لمَّا قال مرارًا بحلول شكل من أشكال الشيوعية نتيجة لوباء كورونا. إن الفكرة الرئيسة في خضم الأصوات التي انتقدت جيجك، هي أن الرأسمالية ستعود بشكل أقوى، باستغلال الوباء لتضخيم الكارثة؛ وسنقبل جميعًا بصمت سيطرة أجهزة الدولة على حياتنا بشكل كامل أسوة بالصين باعتبارها ضرورة طبية. لكن جيجك يُحَاجِج منتقديه بأن ما كان يبدو مستحيلًا سابقًا يحدث بالفعل: على سبيل المثال، في 24 مارس/آذار 2020، أعلن بوريس جونسون عن التأميم المؤقت لسكك الحديد في المملكة المتحدة. وأن ما أخبر به جوليان أسانج (Julian Asange) يانيس فاروفاكيس (Yanis Varoufakis) في محادثة هاتفية قصيرة يؤكد هذا: “هذه المرحلة الجديدة من الأزمة، على الأقل، توضح لنا أن أي شيء مباح، وأن كل شيء ممكن الآن”. ويوضح جيجيك أن كل شيء يتدفق في جميع الاتجاهات، من الأفضل إلى الأسوأ. “لذا، فإن وضعنا الآن ذو طبيعة سياسية بعيدة الغور: نحن نواجه خيارات جذرية”.

في ظل هذه الأوضاع يدعونا سلافوي جيجك إلى أن نتبع إيمانويل كانط  (Emmanuel Kant)الذي كتب فيما يتعلق بقوانين الدولة: “امتثلْ، لكن فكِّرْ، حافظ على حرية الفكر” نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى ما أسماه كانط “الاستخدام العام للعقل”(13). من الواضح أن الأوبئة ستعود، مقترنة بالتهديدات البيئية الأخرى، من الجفاف إلى الجراد، لذلك يجب اتخاذ قرارات صعبة الآن.

إن هذه المخاطر التي عدَّدها جيجك أوحت له بفكرة الشيوعية الجديدة. وهي، كما يقول، ليست حلمًا غامضًا، ولكن ببساطة مسمى لما يحدث بالفعل (أو على الأقل ينظر إليه الكثيرون على أنه ضرورة)، وهي تدابير يجري النظر فيها بالفعل وحتى فرضها بشكل جزئي. إنها ليست رؤية لمستقبل مشرق ولكن “شيوعية الكوارث” بوصفها ترياقًا لرأسمالية الكوارث. لا ينبغي للدولة أن تضطلع فحسب بدور أكثر نشاطًا، وتنظيم إنتاج الأشياء التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها مثل الأقنعة، ولوازم الفحص وأجهزة التنفس، ومصادرة الفنادق والمنتجعات، وضمان الحد الأدنى لبقاء جميع العاطلين الجدد، وما إلى ذلك، إنما القيام بكل هذا عن طريق التخلي عن آليات السوق.

كما سيتعين على النظام الصحي المؤسسي الاعتماد على مساعدة المجتمعات المحلية لرعاية الضعفاء والكبار. وبالمقابل، سيتعين إقامة نوع من التعاون الدولي الفعال لإنتاج وتقاسم الموارد. إن هذه التطورات هي ما يقصده جيجك عندما يتحدث عن “الشيوعية”، ولا يرى أي بديل عنها سوى البربرية الجديدة. مع أنه لا يستطيع أن يقول إلى أي مدى ستتطور، لكنه، يعرف، فحسب، أن الشعور بالحاجة إليها يحصل بشكل عاجل في كل مكان، ويجري إعمالها، كما رأينا من طرف سياسيين مثل بوريس جونسون، وهو ليس شيوعيَّا بالتأكيد. ويذهب الكاتب إلى أن الخطوط التي تفصلنا عن البربرية تُرسَم بشكل أكثر وضوحًا.

إن ما يجري حاليًّا شيء نعده مستحيلًا، يؤكد سلافوي جيجك؛ فالإحداثيات الأساسية لحياتنا الطبيعية تختفي. كان رد فعلنا الأول على الفيروس هو النظر إليه على أنه مجرد كابوس سنستيقظ منه قريبًا. الآن نعلم أن هذا لن يحدث، سيتعين علينا أن نتعلم كيف نعيش في عالم فيروسي، يجب إعادة بناء طريقة جديدة للعيش بما ينطوي عليه ذلك من ألم.

وذهب سلافوي جيجك إلى أن الجائحة جعلت عجز السلطة مكشوفًا، وجعلت المسؤولين عن الدولة يشعرون بالذعر؛ لأنهم لا يعلمون أنهم لا يسيطرون على الوضع فحسب، ولكن أيضًا أننا، رعاياهم، نعرف ذلك.

وعلى الرغم من أن مَنْ هم في السلطة يحاولون جعلنا مسؤولين عن نتيجة الأزمة، ويصرون على أننا مسؤولون بشكل فردي عن الحفاظ على مسافة مناسبة من بعضنا البعض، وغسل أيدينا، وارتداء قناع وما إلى ذلك، فإن الحقيقة هي بالضبط على النقيض من ذلك. إن رسالتنا نحن الرعايا، إلى سلطة الدولة هي أننا سوف نتبع أوامرك بكل سرور، لكنها أوامرك، ولا يوجد ضمان أن طاعتنا لهم ستنجح نجاحًا كاملًا.

ويسائل سلافوي جيجك أولئك الذين يحذرون من أن سلطة الدولة تستخدم الوباء ذريعة لفرض حالة طوارئ دائمة، عن الترتيبات البديلة التي يقترحونها. ويرى أن الذعر الذي يرافق رد فعلنا على الوباء ليس شيئًا دبَّره أولئك الذين في السلطة، فبرغم كل شيء، لماذا يخاطر رأس المال الكبير بأزمة ضخمة من هذا النوع؟ لكن التركيز شبه الحصري على الفيروس التاجي في وسائل إعلامنا لا يعتمد على حقائق محايدة، فمن الواضح أنه يعتمد على خيار أيديولوجي. وفي هذا المقام ربما يمكن للمرء أن يسمح لنفسه بنظرية مؤامرة بسيطة.

ماذا لو كان ممثلو النظام الرأسمالي العالمي الحالي على دراية، بطريقة ما، بما يشير إليه المحللون الماركسيون النقديون منذ فترة: أن النظام كما نعرفه في أزمة عميقة، وأنه لا يمكن أن يستمر بشكله الليبرالي القائم المتساهل. ماذا لو كان هؤلاء الممثلون يستغلون الوباء بلا رحمة من أجل فرض شكل جديد من الحكم؟! والنتيجة الأكثر احتمالًا للوباء هي أن الرأسمالية البربرية الجديدة سوف تنجح. سيتم التضحية بالعديد من كبار السن والضعفاء ويُتركوا ليموتوا؛ سيتعين على العمال قبول مستوى معيشي أقل بكثير؛ سيظل التحكم الرقمي في حياتنا سمة دائمة؛ سوف تصبح الفروق الطبقية على نحو متزايد مسألة حياة أو موت. إلى أي مدى ستبقى الإجراءات الشيوعية التي يضطر أصحاب السلطة إلى اتخاذها الآن؟

وفي الأخير، يدعونا جيجك لئلا نضيع الكثير من الوقت في التأملات الروحية للعصر الجديد، في كيف “ستمكِّننا أزمة الفيروس من التركيز على ماهية حياتنا حقًّا؟”. سيكون الصراع الحقيقي حول الشكل الاجتماعي الذي سيحل محل النظام العالمي الجديد الرأسمالي الليبرالي، وهذا هو موعدنا الحقيقي في سامراء.

إن هذا الموعد الذي يدعو جيجك البشرية إليه في سامراء يبدو أنها ستُخْلِفه، وأن ما جاء به من قرائن تدل على أنها تسير في اتجاه الشيوعية التي يُبَشِّر بها، ثمة أضعاف مضاعفة من القرائن تشي بأنها تصرفت وتتصرف على النقيض مما يراه حتمية تتجه البشرية نحوها. وهذا ما يؤكده يوفال نوح هراري الذي يقول: إن المجتمع الدولي أصابه شلل جماعي، وكان المرء يتوقع أن يرى اجتماعًا لزعماء العالم لوضع خطة عمل مشتركة، وإن مؤتمر الدول السبعة بالفيديو انفضَّ دون أن يسفر عن أية خطة(14).

هل كان للمرء أن يتصور تخلي الاتحاد الأوروبي على أحد أعضائه المؤسسين، وهو إيطاليا، ويتركه فريسة للجائحة، وأغلقت دول الاتحاد حدودها، وأكثر من هذا يسرق بعضها بعضًا، في حين نجد دولًا من خارج أوروبا، مثل قطر والصين..، تمد يد العون إلى إيطاليا.

إن الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول ورأى فيها جيجك تجسيدًا للشيوعية التي يُبَشِّر بها، إجراءات مؤقتة تقتضيها ظروف الأزمة، ولن تستمر. ولا يوجد ما يوحي بأنها ستستمر. إن البشرية تعيش مرحلة من عدم اليقين، وفقًا لإدغار موران، ستضطر معها إلى إعادة النظر في الكثير من المسلَّمات، لكنها لن تتجه نحو الشيوعية التي يُبَشِّر بها جيجك، فحاله كحال دون كيشوت (Don Quixote) يحارب طواحين الرأسمالية، بدل طواحين الهواء، بفكرة كانت مثالية فصرعها الواقع.

بينما يرى سلافوي جيجك، وهو يتحدث بلسان الواثق، حتمية الشيوعية لخلاص البشرية من جائحة كورونا، يدعونا إدغار موران إلى “إنسانية متجددة”، لكن بإثارة كثير من الأسئلة النابعة من مرحلة عدم اليقين التي تمر بها البشرية، وستحدد طبيعة الإجابة عن هذه الأسئلة المصير الذي اختارت البشرية التوجه نحوه: “ما الذي سنتعلمه -نحن المواطنين- من تجربة الحجر الصحي؟ وما الذي ستتعلمه السلطات العمومية؟ هل سنتعلم القليل؟ وهل سننسى كل شيء؟ هل ستكون نهاية الحجر الصحي بداية الخروج من الأزمة الكبرى أم بداية تفاقمها؟ هل ستكون طفرة أم ركودًا أم أزمة اقتصادية ضخمة أم أزمة غذاء عالمية؟ هل ستكون استمرارًا للعولمة أم انكفاء للاكتفاء الذاتي؟

هل ستتعزز مظاهر التضامن، التي كان لا حصر لها ومتفرقة قبل انتشار الوباء؟ هل سيستأنف الخارجون من الحجر الدورة الخدَّاعة والمتسارعة والأنانية والاستهلاكية أم ستزدهر من جديد حياة الود والمحبة نحو حضارة تتكشف فيها شاعرية الحياة، ويُزهر فيها “الأنا” في “النحن”؟

لا يمكننا أن نعرف ما إذا كانت السلوكات والأفكار المبتكرة ستكتسب زخمًا بعد الحجر، ولا نعلم ما إذا كانت ستحدث ثورة في السياسة والاقتصاد، أم أن النظام المترنح سيستعيد توازنه. يمكننا أن نخشى بشدة من تراجع عام كالذي حدث بالفعل خلال العشرين عامًا الأولى من هذا القرن (أزمة الديمقراطية، والفساد، والديماغوجية المنتصرة، والأنظمة الاستبدادية الجديدة، والنزعات القومية والمعادية للأجانب والعنصرية). تبقى كل هذه النكسات (والركود في أحسن الأحوال) واردة طالما لم يتبلور المسار السياسي-الإيكولوجي-الاقتصادي-الاجتماعي الجديد الذي تحكمه إنسانية متجددة. وهذا من شأنه مضاعفة الإصلاحات الحقيقية، التي ليست مجرد تخفيضات في الميزانية، بل هي إصلاحات في الحضارة والمجتمع مرتبطة بإصلاحات في الحياة”(15).

يبدو أن كتاب جيجك جُمع على عجل، ويظهر ذلك من أحد التعبيرات الصحافية: “قال رئيس منظمة الصحة العالمية… يوم الخميس …”. ولا أدري كيف سمح جيجك، الفيلسوف، لنفسه بالاقتباس من موسوعة ويكيبيديا، والتي يُمنَع على تلاميذ الابتدائي الاعتماد عليها. فقد نقل منها قصة “موعد في سامراء”، وهي من قصص ألف ليلة وليلة، وقد اقتبس هذه القصة سومرست موم، وغارسيا ماركيز. كما سمح جيجك لنفسه بتوظيف عبارة نابية لا يقتضيها السياق.

في المقال الخامس بعنوان “المراحل الخمسة للجوائح”، اقتبس جيجك أنموذج كوبلر (نسبة إلى إليزابيث كوبلر روس “Elisabeth Kubler Ross”)، المسمى “المراحل الخمسة للصدمة”(16)، لتفسير رد فعلنا على جائحة كورونا، وكان قد وظفه من قبل في كتابه:“Against the Double Blackmail: Refugees, Terror and Other Troubles with the Neighbors” على رد فعل أوروبا تجاه معضلة اللاجئين، علمًا بأن الفروق بين النازلتين تبدو لكل ذي عينين.

يُحسَب لسلافوي جيجك أنه حاز قصب السبق في تناول جائحة كورونا؛ لأنه مهموم بتحديات الواقع الراهن، ما يجعله يتابع تطوراته عن كثب ولا يدع قضية إلا ويدلو فيها بدلوه ويبدي فيها رأيه. وتتوزع إسهاماته بين الكتاب والمقالة، والمناظرة(17)، والمحاضرة، والفيلم الوثائقي(18).

معلومات عن الكتاب

عنوان الكتاب: جائحة كوفيد-19 تَرُجُّ العالم

Pandemic!: COVID-19 Shakes the World

المؤلِّف: سلافوي جيجك   Slavoj Žižek))

مراجعة: الحاج محمد الناسك

دار النشر: أور بوكس (OR Books)

تاريخ النشر: 2020

اللغة: الإنجليزية

الطبعة: الأولى

عدد الصفحات: 146

نشرت هذه الورقة في العدد السابع من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

محمد الناسك

باحث في مركز الجزيرة للدراسات.

مراجع

(1)  Christopher Kul-want & Piero, Introducing Slavoj Žižek, Kindle Edition (London: Icon Books Ltd, 2012).

(2) Slavoj Žižek, Pandemic! COVID-19 Shakes the World, Kindle edition (London, New York: OR Books, 2020).

يقول الفيلسوف الفرنسي إدغار موران جوابًا عن هذا السؤال: “تسببت استراتيجية الإنتاج المبرمج، التي عوضت استراتيجية التخزين، في كثير من البلدان، من بينها فرنسا، في حرمان نظامنا الصحي من الأقنعة الطبية ومعدات الفحص وأجهزة التنفس الاصطناعي، زد على ذلك العقيدة الليبرالية التي أضفت الطابع التجاري على المستشفى وقلَّصت موارده، ما أسهم في المسار الكارثي للوباء”.

(3) Edgar Morin, Un festival d’incertitudes, Collection Tracts, Série Tracts de crise (no 54), Gallimard, (April 21, 2020): 4.

(4) للتوسع في قصة غرق هذه السفينة، انظر:

Sebastian Junger, The Perfect Storm: A True Story of Men Against the Sea (Norton & Company, 1997).

وقد حوَّل المخرج ولفغانغ بيترسون  (Wolfgang Petersen)هذا الكتاب إلى فيلم سينمائي في سنة 2000 بالعنوان نفسه.

(5) Yuval Noah Harari, “The world after coronavirus, Financial Times,” March 19, 2020, “accessed, June 20, 2020”. shorturl.at/jrFG1.

(6) يقصد المهاجرين. للاستزادة، انظر للمؤلِّف:

 Slavoj Žižek, Against the Double Blackmail: Refugees, Terror and Other Troubles with the Neighbors (Penguin Press, 2017).

وقد تطرق في هذا الكتاب لمسألة الهجرة والهوية الأوروبية.

(7) Morin, Un festival d’incertitudes, op. cit, 11-12.

(8) Ibid, 6.

(9) Harari, The world after coronavirus, op. cit.

(10) Ibid.

(11) Ibid.

(12) Morin, Un festival d’incertitudes, op. cit, 9.

(13) يرى إيمانويل كانط في مقاله الشهير “ما الأنوار؟” أن نشر الأنوار لا يحتاج سوى الحرية، ويعني بذلك حرية المرء في استعمال عقله استعمالًا عموميًّا في كل المجالات، وهذا الاستعمال ينبغي أن يكون دائمًا حرًّا، ولا يمتثل المرء لنداء “لا تفكر” الذي يأتيه من كل حدب وصوب: فالضابط يقول: “لا تفكر، بل قم بالتمارين!”، وجابي الضرائب يقول: ” لا تفكر، بل ادفع!”، والكاهن يقول: “لا تفكر، بل آمن!” (لا يوجد في العالم سوى سيد واحد يقول: “فكر كيف تشاء وفيما تشاء، إنما أطع!). إن هذا الاستعمال العمومي للعقل، يقول كانط، هو وحده القادر على نشر الأنوار بين الناس، بينما الاستعمال الخاص قد يكون في حالات عدة مقيدًا بشكل صارم، وهذا لا يعيق بوجه خاص تقدم الأنوار، ويقصد باستعمال المرء عقله الخاص استعمالًا عموميًّا أنه يستعمل عقله بوصفه مفكرًا أمام جمهور يتكوَّن بأكمله من عالم القرَّاء. ويسمي كانط استعمالًا خاصًّا ذلك الاستعمال للعقل من طرف المرء الذي يتولى مسؤولية أو وظيفة، وفي هذه الحالة ثمة آلية ضرورية تفرض على بعض أفراد الجماعة أن ينقادوا تمامًا، لخدمة الغايات العامة أو على الأقل عدم إفسادها، فلا مجال للتفكير، إنما للطاعة فحسب.

Immanuel Kant, “An Answer to the Question: ‘What is Enlightenment?’,”.

(14) Harari, the world after coronavirus, op. cit.

(15) Morin, Un festival d’incertitudes, op. cit, 14-15.

(16) عندما يصاب الإنسان مثلًا بمرض عضال أو يفقد قريبًا، أو حبيبًا، أو ثروة. وهذه المراحل هي: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والقبول. انظر:

“On Death and Dying” By Elisabeth Kubler-Ross.

(17) يمكن متابعة ما يسمى بمناظرة العصر:”Happiness: Capitalism vs. Marxism” بين جيجك وجوردن بيترسون (Jordan Peterson)، على الرابط الآتي: https://bit.ly/2Z5UXTp

(18) يمكن مشاهدة فيلم “The Pervert’s Guide to Ideology” الذي كتب قصته جيجك وكان الشخصية الرئيسة فيه، وأخرجته صوفي فينيس (Sophie Fiennes).

——————————–

وماذا بعدُ؟… معالمُ من عصر ما بعد الجائحة/ لطفية الدليمي

ماذا عن عصر ما بعد الجائحة الكورونية الراهنة؟ ربما يكون هذا السؤال هو الأكثر أهمية في سلسلة الأسئلة الاستحواذية، التي يتفكّر بها علماء المستقبليات وراسمو السياسات الاستراتيجية على مستوى العالم بأكمله. سأترسّمُ في الحيثيات التالية بعضاُ من المشهديات أو القراءات الفكرية، لجملةٍ من الموضوعات التي تستوجب إلقاء الضوء عليها لأهميتها في توصيف عصر ما بعد الجائحة :

ـ نهاية عصر الأنثروبوسين والشروع ببواكير عصر النوفاسين :

ليست آثار ونتائج الجائحة الكورونية كلها موتاً ودماراً وخراباً وصوراً كئيبة؛ بل أن لها بعض الجوانب الإيجابية المحمودة، ومن أهمّها التسريع بتنفيذ بعض المشروعات، التي ظلّت رهينة التنفيذ المستقبلي بسبب نقص الجرأة والدافعية لتنفيذها. ستشهد السنوات القليلة المقبلة الخطوات الأولى لولوج حقبة الأنسنة الانتقالية التي ستأذن بنهاية عصر الأنثروبوسين Anthropocene (وهو عصر صارت فيه السلوكيات البشرية ذات مفاعيل – إيجابية وسلبية – مؤثرة في الطبيعة). ومقدم عصر النوفاسين Novacene وهو عصر الذكاء الفائق الذي سيغدو فيه الإنسان البيولوجي مدعماً بالوسائط الميكانيكية والإلكترونية، وفقاً لتعريف عالم المستقبليات الأمريكي جيمس لفلوك.

2 ـ صعود العلم وانكفاء السياسة:

سيتيحُ انكفاء الجائحة الكورونية إمكانية غير مسبوقة في إعلاء شأن العلم، باعتباره ممارسة بشرية ذات وجهين: وجه براغماتي يسعى لتحسين حياة الإنسان على الأرض، وإمداده بالوسائل العملية القادرة على مضاعفة قدراته وسعادته، ووجه أخلاقي يقوم على إعلاء النزاهة والبحث الدؤوب، واعتماد النزعة الشكوكية في مقاربة المعضلات الوجودية، وعدم الارتكان لوجهة نظر واحدة أو رؤية محددة.

كلنا نعرف أن السياسيين مقامرون بصيغة أو بأخرى: هم يفضّلون النتائج السريعة التي يجتنون منها مكسباً على الجهود طويلة الأجل، التي تتطلّب تضحيات بالمواقف الآنية، وقد أبانت الجائحة الكورونية أنّ هذه البراغماتية السياسية البشعة، التي ولو كنّا ارتضيناها من قبل على مضض، فلن يكون مقبولاً الإبقاء عليها في مقبلات الأيام. من جانب آخر لابد لنا من إشاعة الاهتمام بالعلم والسياسات العلمية على أوسع نطاق، بعد أن أثبت العلم أنه مقاربتنا الوحيدة للتعامل المعقلن مع الطبيعة والكشف عن القوانين الحاكمة لعالمنا الفيزيائي، وسيتبع هذا الاهتمام غير المسبوق نكوص الأصوليات (الدينية والأيديولوجية) التي تعتمد اليقين مقابل الفكر الشكوكي، الذي يسمُ الفكر العلمي، وقد عبّر بروفيسور الفيزياء النظرية جم الخليلي، عن هذه الحقيقة بطريقة رائعة عندما كتب في مقالة حديثة له بعنوان «شكّ العلماء ويقين السياسيين» نشرها في صحيفة «الغارديان» البريطانية: «لم يكن هناك في يومٍ ما هو أكثر أهمية من إشاعة الفهم الخاص بكيفية عمل العلم: في السياسة يُنظرُ إلى الاعتراف بارتكاب خطأ ما على أنّه شكل من أشكال الضعف والوهن؛ في حين أنّ الأمر معاكسٌ لهذا تماماً في العلم، حيث يكون ارتكاب الأخطاء حجر الزاوية في المعرفة. إنّ استبدال النظريات والفرضيات القديمة بأخرى أكثر حداثة ودقّة، هو أمرٌ يتيحُ لنا اكتساب فهمٍ أعمق للمادة العلمية موضوع البحث، وفي الوقت ذاته نحنُ (أي العلماء) نطوّرُ نماذجنا الرياضياتية، ونشكّلُ تخميناتنا تأسيساً على البيانات والشواهد المتوفّرة لنا. بقدر ما يختصُّ الأمر بشيء جديد على شاكلة فيروس الجائحة الكورونية، فقد شرعنا من خط بداية واطئ من المعرفة، وكلما راكمنا المزيد من البيانات الجديدة، فإنّ نماذجنا وتخميناتنا ستستمرُّ في التطوّر والتحسّن» ثم يختتم مقالته بالعبارات المشرقة التالية: «إذا كنّا نتطلّعُ بحقّ لتجاوز معضلة الجائحة الفيروسية الراهنة، فيتوجّبُ علينا جميعاً أن نمتلك فهماً أساسياً للكيفية التي يعمل بها العلم، فضلاً عن امتلاك القدرة على الإفصاح بأننا (وفي خضمّ أزمة كبيرة مثل الجائحة الحالية) إذا ما أبدينا شكوكنا (إزاء نظرياتنا وسلوكياتنا العلمية الراهنة) عوضاً عن التظاهر باليقين، فإنّ هذا الأمر هو مصدر قوة لنا».

3 ـ خدعة هشاشتنا البشرية :

لعلّ عبارة (الهشاشة البشرية) هي أكثر العبارات التي تشيع في ظروف المعضلات الوجودية الكبرى، ويعمد المنافحون عنها إلى وضعها في سياق لاهوتي يشي بالمقدرة الكونية الفائقة والساحقة إزاء القدرة البشرية، وبما يؤكّد ضآلة الكائن البشري وتفاهته، وعدم تفكّره في هذه الحقيقة، إلا عند الجائحات التي تقرّبه من حقيقة موته المحتّم، وممّا يفاقم من حدّة هذه الهشاشة المزعومة الترديد الببغاوي لأسئلة من نمط: كيف يمكن لفيروس لا يرى بالعين المجرّدة أن يقتل إنساناً مدججاً بكلّ القدرات العلمية والتقنية الهائلة؟ واضحٌ أنّ من يطرحُ أسئلة بهذه الصياغات القصدية الملغّمة، إنما يمرّرُ فكرة مضمرة قوامها فكرة العقاب الأبدي الذي يستحقه الكائن البشري.

ليست الهشاشة البشرية عيباً أو منقصة: قد يشعر الإنسان بهشاشته في مواقف وجودية بعينها، وهو يواجه حقائق الموت والشيخوخة والمرض والعجز وفراق من يحب، إلخ غير أن هذا لا يلغي القدرات العظيمة المخبوءة في روح الإنسان، التي تتحفّز على نحوٍ غير مسبوقٍ متى ما استشعرت عوامل الخطر؛ وعليه فإنّ المنافحين عن فكرة الهشاشة البشرية، ليسوا سوى كائنات تتلذذ برؤية الإنسان محطّماً كسير الجناح، لتمرير أجنداتها التي تنشد مراكمة المكاسب على حساب معاناة البشر وموتهم، وتهشيم روح العنفوان والابتكار لديهم.

4 ـ نكوص الفكر الرغائبي والسرديات الكبرى :

تشيع في أيامنا الموبوءة بالجائحة الكورونية أفكار لا تعدو أن تكون تمثلات لفكر رغائبي Wishful Thinking يشيعه بعض أقطاب الفكر العالمي، تشومسكي مثالاً: انهيار الإمبراطورية الأمريكية، تصدّع التكتلات الكبيرة (الاتحاد الأوربي على سبيل المثال) وإعادة إحياء الدولة القومية المدعمة بصبغة دينية (على شاكلة الاتحاد الروسي) صعود الإمبراطورية الصينية كقطب أوحد بديل للقطب الأمريكي، إلخ. قد يحصل شيء من هذا في السنوات أو العقود القليلة المقبلة؛ لكنه لن يتخذ سمة السردية الكبرى (على شاكلة نهاية التأريخ) بقدر ما سيكون انعطافة هادئة تمليها ضرورات براغماتية لا أيديولوجية. الفكر الرغائبي والتمسّك بالسرديات الكبرى الجامعة المانعة ليس سوى خصيصة لصيقة بالعقل العاجز عن الفعل المشهود على الأرض.

5 ـ إعادة هيكلة التعليم والسياسات التعليمية:

من المتوقع أن هذا يكون التغيير الجذري الذي سيطالُ التعليم في السنوات القليلة المقبلة، هو المَعْلَمُ الأعظم الذي سيسودُ حياتنا في عصر ما بعد الجائحة الكورونية، وسيمثّلُ هذا التغيير بداية سلسلة ممتدة من التطويرات الثورية على جميع الأصعدة، وبخاصة في ميدان مغادرة المرجعية القائمة على الثنائية الأزلية (المعلّم/ المتعلّم) لصالح منظومات تعليمية يكون فيها المتعلّم مرجعية لذاته، يعرفُ متطلباته وكيفية التعامل معها، بطريقة كفوءة تختصر الكثير من الوقت والجهد والمال والموارد البشرية. أصبحت البرامج التعليمية الرقمية المجانية في السنوات الأخيرة معْلَماً أساسياً من معالم التعليم في عصرنا الحديث؛ فثمة برامج مهمة أذكر منها برنامجين مميزين هما الأكثر فرادة بين برامج التعليم الرقمي، من حيث مفردات البرامج والمنصات التفاعلية، والجهات الأكاديمية التي تدير هذه البرامج: البرنامج الأول هو ( Edx ) الذي يديره معهد ماساتشوستس التقني MIT وجامعة هارفارد، والبرنامج الثاني فهو Coursera الذي تديره جامعة ستانفورد إلى جانب جامعات عالمية مشهود لها بالرصانة العلمية. تُنشر بين حين وآخر تقارير إحصائية لبيان أعداد المستفيدين من هذه البرامج التعليمية، ويُلاحظ أن الصينيين والهنود وبعض أبناء جنوب شرق آسيا يأتون في طليعة المستفيدين من هذه البرامج الدراسية، وبخاصة في موضوعات الرياضيات والفيزياء والبرمجة الحاسوبية ولغات البرمجة وتعلّم اللغات الأجنبية (خاصة الإنكليزية)؛ الأمر الذي يكشف أن هؤلاء يعدّون العدّة منذ وقت مبكر في حياتهم، لترسيم صورة المستقبل الذي يريدونه لأنفسهم، وبخطوات محسوبة بدقة ووعي، وفي العادة يرى هؤلاء في تلك البرامج الدراسية كنزاً ثميناً عليهم الاستفادة منه إلى أبعد الحدود الممكنة، وليس غريباً أن نقرأ بصورة دورية عن شباب آسيويين يافعين في حدود العاشرة من أعمارهم – أو أكثر بقليل – وقد أكملوا برامج دراسية علمية وتقنية تكفي للحصول على درجة البكالوريوس بتفوق، وربما حتى الماجستير في أحيان أخرى.

6 ـ الثقافة البيئية ستكون عنصراً جوهرياً في رسم السياسات العامة:

قد يسمع الكثيرون – وهم غير مكترثين – بمفردات من قبيل: الاحترار العالمي، ارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجوّ، ظاهرة غازات الدفيئة، ظاهرة النينيو، إلخ، ولا يكاد يرفّ لهم جفن، والحقّ أن تقصيراً معيباً يسمُ سلوكيات الأفراد إزاء هذه الظواهر، فضلاً عن ثقافتهم العامة في الموضوعات البيئية؛ إذ على الرغم من كثرة المواد الإخبارية والإعلامية بشأن التغيّرات المناخية الشاذة، فلا يبدو ثمة بديل عن جهد فرديّ مواظب لمعرفة أدقّ تفاصيل هذه الظواهر ومساءلة الوسائل التي تمكن الفرد من المساهمة في تقليل آثارها المهلكة، والفعل الجاد – كما نعلم- يأتي لاحقا للمعرفة الرصينة بكلّ أبعاد الموضوع، وإلى حد معقول بالنسبة للمواطنين من غير المتخصصين.

قد يظن البعض بأنّ ظواهر غريبة مثل هذه تستلزم جهودا عالمية وقدرات حكومية ضخمة، ولن يكون دور الأفراد مؤثّرا فيها؛ غير أن هذا خطأ كبير يُراد منه التعتيم على دور الأفراد، وعلينا ألاّ ننسى التأثير الجمعي للكتلة البشرية التي تتجاوز السبعة مليارات نسمة، أما ماذا يسع الفرد أن يفعل في هذا الشأن، فذاك موضوع قراءة اختصاصية، ولكن لا بأس من ذكر القليل المؤثر منها: ضبط استهلاك المياه، تقليل استخدام المحروقات العضوية، المساهمة في زيادة رقعة المساحات الخضراء، ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية، إلخ.

لم يعد الخوض في الموضوع البيئي ترفا، خاصة في أعقاب الجائحة الكورونية؛ فقد تنبّهت أغلب البلدان – المتقدمة والتي في طور الارتقاء – إلى خطورة هذه الظاهرة التي ستؤثر على مجمل السياسات العالمية في السنوات القليلة المقبلة، وبلغ الأمر حدّ اعتماد ما يسمّى (الثقافة البيئية) التي تعدّ اليوم فرعاً حيويّاً ضمن السياسات الثقافية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل بلغ حدوداً أكبر تتغلغل في معظم المفاصل الحياتية للمجتمع، وأذكر، على سبيل المثال، أنّ نوعاً أدبياً روائياًأصبح يدعى الرواية البيئية، نال حظوة كبيرة في السنوات الماضية وظهرت روايات كثيرة جعلت البيئة ثيمة رئيسية لها، هذا فضلاً عن الاهتمام التعليمي منذ المراحل المبكرة بتعليم الموضوعات البيئية، بسبب المعرفة الاستباقية بخطورة الموضوع وجوهريته لبقاء الجنس البشري واستدامة عناصر ديمومته الحيوية.

نحن على أعتاب كارثة بيئية خطيرة ومدمرة ستتفاقم مفاعيلها في السنوات القليلة المقبلة، وما لم نحشّد كلّ الجهود الفردية والحكومية لمواجهتها، فسنكون بمواجهة مشهد قيامي مريع في القرن الحادي والعشرين.

7 ـ مستقبلنا البشري يعتمدُ على سياسات إنسانية تشاركية بدلاً من سياسات القطائع الأيديولوجية والاقتصادية:

لا يمكننا نكران حقيقة أنّ الجائحة الكورونية انطوت على الكثير من التضحيات البشرية والخسائر المادية؛ لكنها تذكرة لنا بضرورة اعتماد سياسات تشاركية أوسع على الصعيد العالمي بدلاً من تكريس حالة القطائع الأيديولوجية والسياسات الأنانية الضيقة. كلنا بشر نستوطن كوكباً ليس سوى (نقطة زرقاء شاحبة) في الفضاء الكوني الشاسع، حسب توصيف كارل ساغان، وعلينا تقع مهمة حمايته وتوريثه بصورة مقبولة للأجيال اللاحقة. لنُصغِ ملياً إلى هذه الكلمات النبوئية المليئة بالحكمة المعتّقة وهي تردُ على لسان أحد حكماء (غوروهات) القرن العشرين، بيتر مدوّر Peter Medawar : «الأجراس التي تقرعها البشرية هي في معظمها مثلُ الأجراس المعلّقة في رقاب الماشية التي ترعى على مقربة من سفوح جبال الألب؛ فهي معلّقةٌ في رقابنا نحنُ سكّان هذا الكوكب، وسيكون بالضرورة خطأنا غير المغتفر، إذا ما أطلقت تلك الأجراس أصواتاً ناشزة لا تبعث على البهجة».

٭ كاتبة وروائية ومترجمة عراقية مقيمة في الأردن

القدس العربي

========================

تحديث 09 تشرين الأول 2020

———————————-

كيف سنواجه الموجة الثانية من كورونا في منطقتنا؟/ عبد الله شاهين و تيسير الكريم

تشير ظاهرة «الموجة الثانية» -التي تملأ التقارير الإخبارية- إلى تجدّد حدوث ارتفاع مطّرد في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد. تمّ تعريف هذه الظاهرة بشكل متضارب وفضفاض في الأدبيات الطبيّة، وتشير الظاهرة عموماً إلى زيادة عدد الإصابات بعد الانخفاض الأولي في عدد الحالات ضمن مجموعة سكانية محددة جغرافياً (قرية أو ضاحية). حيث يتم اعتبار كل دورة من زيادة الحالات «موجة». وتعتبر جائحة انفلونزا H1N1 التي اجتاحت العالم ما بين عامي 1918-1919 مثالًا كلاسيكيًا على هذه الظاهرة. ونظراً لأوجه التشابه في عالمية تلك الجائحة والأعراض وطرق الانتقال؛ فإنّه كثيراً ما تتم مقارنة جائحة كوفيد-19 (COVID-19) بجائحة الأنفلونزا عام 1918. بدأ انتشار ذلك التفشي في ربيع عام 1918، وتبعه ظهور الموجة الثانية -والتي كانت الأكبر والأكثر فتكًا- في خريف عام 1918، وسُجّلت الموجة الثالثة في ربيع عام 1919. أصابت تلك الجائحة المعروفة باسم «الأنفلونزا الإسبانية» ثلث سكان العالم (حوالي 500 مليون من 1.6 مليار نسمة).

تعريف «الموجة» في ظل جائحة كورونا صعب التأطير. قد يعكس التغيّر في عدد الحالات هبوطاً مستمراً بعد وصولها الذروة، والزيادة التي قد تتبع الهبوط الأوّلي يمكن أن يُشار إليها على أنها ذروة أخرى. إلا أنّ التفاوت في معدلات الإصابات الجديدة مرتبط بعوامل أخرى؛ منها ما هو خاص بالجرثومة (على سبيل المثال: الأنفلونزا موسمية، وتحدث في فصل الشتاء بشكل أساسي)، ومنها ما هو مرتبط بالقدرة على التشخيص والتتبع (الزيادة في عدد الفحوصات المُجراة والتحسن في قدرة القطاع الصحي على تتبّع الحالات). لم يشهد العالم موجة عالمية واحدة من فيروس كورونا المستجد، بل إنّ الفيروس ينتقل -بسرعات مختلفة- من مكانٍ إلى آخر. كما أنّه لا يبدو أنّ هناك اختلافاً موسمياً ملحوظاً في وباء كوفيد-19، فلا دليل على أنّ عدد الحالات يتأثّر بالطقس أو الجغرافيا.

على الرغم من العدد الكبير للحالات المُسجّلة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا الوباء، فلا تزال الغالبية العظمى من السكان عرضة للإصابة. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد إجابات محددة حول مدة المناعة الطبيعية التي تنتج عن الإصابة بالعدوى، كما أنّ عدد الحالات المُبلغ عنها لم ينخفض ​​بدرجة كافية لتعريف «موجة» حقيقية في دورة حياة الجائحة. يبدو أن عودة ظهور الحالات مرتبطة بشكل مباشر بتخفيف إجراءات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي في العديد من البلدان.

الحرب ووباء عام 1918

منذ فجر التاريخ والحرب والأمراض الوبائية شركاء في المصائب. تشير التقديرات إلى أن جائحة الأنفلونزا 1918 -التي صاحبت نهاية الحرب العالمية الأولى- أودت بحياة أكثر من 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. أدت الحرب إلى اقتلاع وتشريد ملايين المدنيين، وأجبرتهم على العيش في مخيمات اللاجئين المكتظة. كما شهدت الحرب العالمية الأولى تعبئةً غير مسبوقة لأعداد كبيرة من القوات من داخل أوروبا ومن خارجها، ووجدت القوات، من جميع أنحاء العالم، نفسها محشورةً في تجمعاتٍ مكتظة. سافر الفيروس مع العسكريين من معسكر إلى آخر وعبر المحيط الأطلسي، ويعتقد الخبراء أنّ سفن النقل العسكرية كانت الناقل المحتمل للإنفلونزا عبر المحيط الأطلسي. بطبيعة الحال، فإنّ الاتصال الذي توفّره سفن النقل هذه باهت مقارنةً بعالمنا الحالي وشبكات الاتصال فيه، حتى في عصر عمليات الإغلاق وقيود السفر المتعلقة بـ COVID-19.

إنّ نظرةً أعمق للوفيات خلال جائحة أنفلونزا عام 1918 تشير بوضوح إلى أن سوء التغذية لعب دوراً حاسماً في اختلافات معدل الوفيات عبر البلدان. في الهند، على سبيل المثال، ضربت جائحة إنفلونزا عام 1918 هذا البلد بالتزامن مع جفافٍ واسع النطاق. كذلك، شهدت العديد من مقاطعات شمال غرب وغرب ووسط الهند مجاعةً خلال عام 1918، وشهدت هذه المقاطعات أيضًا أعلى معدلات وفيات أنفلونزا عام 1918. أيضاً، كان سوء التغذية المُزمن متورطًا في ارتفاع معدلات انتشار المرض والوفيات بين أطفال غواتيمالا خلال جائحة إنفلونزا H1N1 لعام 2009.

من الصعب تقييم تأثير تدمير البنية التحتية الذي سببته الحرب العالمية الأولى، حيث كانت البنية التحتية للصحة العامة في أوروبا والولايات المتحدة لا تزال في مهدها. من الواضح، مع ذلك، أنّ الحرب أدّت إلى اضطراباتٍ كبيرة في قطاعات النقل والإنتاج الصناعي، كما أنّ القدرة على مراقبة تقصي الحالات وعزل المصابين والإبلاغ عن تفشي المرض كانت ضعيفةً جداً. كان هذا واضحًا بشكلٍ خاص في البلدان الأوروبية بعد الصراع.

إنّ النزاعات الحديثة في كل من سوريا واليمن وغيرها تمثل حالةً متكاملةً تجمّعُ كل أسباب تفاقم الأوبئة؛ من اكتظاظ سكاني وسوء تغذية وتدمير للبنى التحتية في الأماكن التي يقطنونها. كل هذه العوامل تتضافر في المناطق الموبوءة بالنزاعات المسلحة، وتجعل من هذه الجائحة خطراً مُحدقاً ذا أثر أكثر فجاعة مما نشاهد في باقي العالم. وإنّ غياب الإحصائيات الدقيقة عن عدد الحالات والوفيات لا يعني بأي شكلٍ أنّ أثر هذه المصيبة ضئيل على المجتمعات المُحاصرة تحت هذه الظروف.

النظم الصحية وكوفيد-19 في حروب العالم العربي

لتوضيح تأثير تفشي الأوبئة، مثل وباء COVID-19، في النزاعات العسكرية في العالم العربي، فإنّه من المهم فهم ديناميكيات العنف والعوامل المؤسساتية الأخرى التي ساهمت في تشكيل الأزمات الإنسانية وأثرت على قدرة النظم الصحية على احتواء الوباء.

إن حجم العنف الناجم عن الحروب الأهلية الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) لا يمكن مقارنته بالحرب العالمية الأولى بالطبع، لكن الأزمات الإنسانية الناتجة في هذه البلاد تماثلها في الفداحة. لقد أدى النزوح الجماعي وتبدّد الموارد إلى إضعاف قدرة البلدان المتضررة على مكافحة تفشي الأوبئة، حتى قبل وصول جائحة COVID-19. على سبيل المثال، شهد اليمن الذي مزقته الحرب أكبر تفشٍّ لوباء الكوليرا تم تسجيله على الإطلاق مع أكثر من 2.2 مليون حالة مشتبه بها، و4000 حالة وفاة مرافقة.

في الواقع، توفر الحروب الأهلية الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إمكانية استثنائية لتحليل كيف أدى التشرذم والتسييس في النظام الصحي -من بين عوامل أخرى- إلى خلق الظروف المثالية لانتشار الأمراض الفتاكة. لقد أجبرت الحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا ملايين السكان المتضررين على الفرار من ديارهم، ومع ذلك لم يتمكن معظمهم من عبور الحدود. هناك 6.2 مليون شخص -بينهم 2.5 مليون طفل- نازحون داخل سوريا، وهي أكبر نسبة نزوح داخلي في العالم. وبالمثل، خلّف النزاع المسلح في ليبيا أكثر من 400 ألف نازح. وفي اليمن يعيش ما يقدر بمليون نازح في مخيمات مؤقتة ومتهالكة، وهم من بين أكثر من أربعة ملايين يمني فقدوا منازلهم. وعلى الرغم من الصراع الوحشي في البلاد، يعيش في اليمن حوالي ثلاثمائة ألف لاجئ وطالب لجوء فروا من العنف والاضطهاد في الصومال وإثيوبيا.

انتهى الأمر بالغالبية العظمى من النازحين ضمن هذه البلدان في مخيمات مكتظة وغير مخدّمة، حيث يفتقرون إلى خدمات الرعاية الصحية والطعام والمياه الصالحة للشرب ومرافق النظافة، مما يجعلهم من بين أكثر الفئات السكانية هشاشةً في العالم.

كما أدت النزاعات المستمرة إلى تفتّت المؤسسات الخدمية في هذه البلدان، وخلقت أرخبيلًا من حكومات الأمر الواقع المتناحرة فيما بينها داخل نفس الحدود. كشفت أزمة COVID-19 عن الخلل الوظيفي في المؤسسات الخدمية في هذه البلدان؛ حيث لم يكن النظام الصحي معزولاً عن هذا التأثير. في سوريا على سبيل المثال، انكمش النظام الصحي المركزي، القائم قبل الحرب، ليشمل فقط المناطق التي يسيطر عليها النظام، في حين أن المناطق الثلاث الأخرى (شمال غرب سوريا، وشمال شرق سوريا، والمناطق التي تسيطر عليها تركيا) خلقت كيانات صحية خاصة بها، ولكل من هذه الكيانات قيادة وموارد وهياكل مختلفة. وبالمثل، تقسّمت المؤسسة الصحية في اليمن وليبيا إلى نظامين صحيين متصارعَين في كلٍّ منهما.

إلى جانب الاستقطاب الحاد، أدى تفتّت النظام الصحي في هذه البلدان إلى تضاؤل ​​الموارد المحدودة أصلاً، وإنهاك ما تبقى من مرافق الرعاية الصحية ومقدميها، مما زاد من الهشاشة والضعف في هذه البلدان. علاوة على ذلك، لم يتم الاعتراف بالكيانات الصحية الناشئة بنفس السويّة من قبل المانحين الدوليين، مما جعل أهليتها للحصول على المساعدة الإنسانية شديدة التفاوت، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة التفاوت في الخدمات الصحية، وتركَ المزيد من الأشخاص بدون خدمات الرعاية الصحية الأساسية. على سبيل المثال، يسمح تفويض مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) بتقديم المساعدة الإنسانية خلال الأزمات والكوارث، ولكن يوجِب «العمل بموافقة الدولة المتضررة». أتاح هذا التفويض للنظام في دمشق بالسيطرة على المساعدات الإنسانية ليس فقط في مناطق سيطرته، ولكن أيضًا التأثير في إيصال المساعدات إلى ملايين الأشخاص الذين يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة. مثال آخر، فإن 30 مليون شخصاً في اليمن زوّدوا فقط بستّة مختبرات قادرة على إجراء اختبار كوفيد-19، يوجد منها مختبر واحد فقط في المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها القوات الحوثية حيث يعيش أكثر من نصف سكان اليمن.

بالإضافة إلى التشرذم والاستقطاب، تعرّضت المرافق الصحية في مناطق النزاع المسلح في هذه البلاد لهجمات متعمّدة من قبل الأطراف المتحاربة، مما أدى إلى تعميق محنة المجتمعات المتضررة، وتدمير النظام الصحي المنهك أصلاً، والمساهمة في هجرة الكوادر الصحية المتخصصة. ففي سوريا، بين آذار (مارس) 2011 وشباط (فبراير) 2020، جرى الإبلاغ عن حوالي 600 هجوم عسكري على منشآت صحية، وقُتل حوالي 1000 عامل طبي (90٪ من الهجمات تنسب إلى القوات النظامية وحلفائها). بينما في اليمن، أفادت التقارير أن أكثر من ثلث الضربات الجوية منذ عام 2015 قد أصابت أهدافًا مدنية مثل المستشفيات والمدارس. حتى الآن تمّ الإبلاغ عن 130 هجومًا عسكريًا على الأقل على مرافق الرعاية الصحية والعاملين الصحيين (54٪ منها من قبل التحالف و41٪ من قبل مقاتلي الحوثي). لا يختلف الوضع في ليبيا، فمنذ بداية العام الجاري استهدف 15 هجوماً على الأقل المرافقَ الصحية وسيارات الإسعاف وعاملي الرعاية الصحية.

في المعركة ضد تفشي كوفيد-19، كانت النظم الصحية المنهكة في مناطق النزاع بشكلٍ خاص غير مستعدة لمواجهة هذه الأزمة. لا يزال 50% فقط من مرافق الرعاية الصحية في اليمن قيد الخدمة، مع وجود ثلاثة أطباء فقط وسبعة أسرّة في المستشفيات لكل عشرة آلاف شخص. في حين أنّ ما يقرب من 40% من المستشفيات في جميع أنحاء سوريا تعتبر معطلة، وأكثر من 70٪ من القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية غادروا البلاد. أدى الصراع المستمر في ليبيا منذ عقدٍ من الزمن إلى إغلاق أكثر من 50 في المئة من مرافق الرعاية الصحية، لا سيما في المناطق الريفية.

جرى الإعلان عن أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في سوريا وليبيا في آذار(مارس) 2020، بينما أبلغَ اليمن عن أول حالة مؤكدة في نيسان (أبريل). تأثّرت الاستجابة للموجة الأولى من تفشي كوفيد-19 في هذه البلدان بعدّة عوامل، مثل عدم القدرة على إجراء الاختبار بشكل كاف، وسوء جمع البيانات، ونقص الاختصاصيّين المتمرّسين في الرعاية الصحية، والموارد المحدودة، والظروف التشغيلية غير الآمنة، ونقص التمويل المخصص لقطاع الصحة. على أيّ حال، لا ينبغي تجاهل السجل السيء للإدارة والقيادة عند السلطات الحاكمة في هذه البلدان، إذ توجد شكوك قوية على أنّ السلطات الصحية أخفت عن عمد معلومات وبيانات حيوية حول التأثير الحقيقي لكوفيد-19 على المجتمعات المتضررة. فعلى سبيل المثال، حذّرت السلطات في دمشق بشدة الأطباء في الخطوط الأمامية لتجنب أي مناقشات عامة حول حالات COVID-19، لأنّ القيام بذلك سيُعرّض «الأمن القومي» للخطر، وبعد أسابيع قليلة فقط أصبح تفشي المرض خارج نطاق السيطرة. وبالمثل، أعلنت سلطات الحوثيين في صنعاء، بشكلٍ غير معقول، عن عدد قليل من الحالات ووفاة واحدة في العاصمة، وهددت باحتجاز الأطباء والممرضات وغيرهم ممن تحدثوا عن الفيروس. كما أشارت العديد من التقارير من ليبيا إلى أن الإحصاءات الرسمية لا تعكس سوى جزءاً ضئيلاً من الانتشار الحقيقي عبر البلاد.

أدّى عدم مشاركة المعلومات بالتوقيت المناسب إلى تفاقم انعدام الثقة بين السلطات القائمة والناس، مما جعلهم أقل امتثالاً لإجراءات الوقاية وغيرها من التدابير الموصى بها. والأهم من ذلك، أنّ التأخير أو الامتناع عن مشاركة المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب ترك مقدّمي الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية دون احتياطات وقائية كافية، ما ساهم على الأرجح في ارتفاع معدل الوفيات نسبيًا بينهم. على سبيل المثال، وثّق النشطاء اليمنيون ما يقرب من 120 حالة وفاة بين العاملين في المجال الطبي منذ نيسان (أبريل) 2020، بينما تجاوز العدد في سوريا 70 مقدم رعاية صحية في نفس الفترة.

وغنيٌ عن القول إنّ العوامل الأربعة الرئيسية في الأوبئة (المجاعة، والتهجير، والازدحام، وانعدام الشفافية) كلها متوافرة في النزاعات المسلحة كتلك التي في اليمن وسوريا وليبيا.

عالم واحد.. تفشٍّ واحد

ما زالت البشرية ترزح تحت وطأة المصائب والأخطار على مدار التاريخ. لقد شهدت البشرية العشرات من الأوبئة والجوائح وقضت هذه المصائب على حيوات الملايين من البشر والعديد من الحضارات. إنّ أحد أهم الدروس المستفادة من أزمة كوفيد-19 هو أنّ عالمنا الحديث شديد الترابط، وبينما تتواصل مقارنة هذه الجائحة بجائحة إنفلونزا عام 1918 من حيث الانتشار، فإنّه تجب مقارنة الاستجابة لهذه الجائحة بشكل أكثر دقة بما فعله العالم لمواجهة تفشي فيروس إيبولا في عام 2013. لقد رأينا كيف -وفي غضون بضعة أشهر- وصلت العدوى التي نشأت في قرية ريفية في غينيا إلى الولايات المتحدة وأوروبا. يمكننا بسهولة طرح الحجة القائلة بأن عطسة طفل نازح في إدلب أو الحُديدة يمكن أن تزلزل الأرض في جنيف.

بالإضافة إلى الصدفة الحسنة، ساهمت الجهود المتعددة الأطراف من قبل الحكومات الغربية (وعلى رأسها الولايات المتحدة) من الحد من عدوى فيروس إيبولا التي قتلت ما يصل إلى 70 ٪ من المرضى المصابين. لقد كان سيناريو 1.4 مليون إصابة ومليون وفاة أحد السيناريوهات الممكنة والمحتملة.

إن جائحة COVID-19 هي اختبار صعب للمجتمع الدولي. لن تنجح الجهود والتدابير الوطنية «المحلية» للتغلب على الآثار القصيرة والطويلة الأجل لهذا التفشي، ولا يمكن تحقيق أية نتائج إلا من خلال التنسيق والتعاون العالميين. إنّ التضامن والتنسيق والتعاون ليس فقط ضماناً لرفاهية الناس، بل إنّ المستقبل السياسي والاجتماعي والاقتصادي لعقود قادمة مرهونٌ بهذه الاستجابة.

تضمّ المجتمعات المتضررة في مناطق النزاع المسلح أكثر السكّان ضعفاً في العالم في يومنا هذا. إنّ التصدي لهذه الجائحة في تلك المناطق المنكوبة خطوة أساسية لاحتواء تفشي المرض على مستوى العالم، حيث يمكن لمناطق النزاع المسلح أن تصبح بؤراً مستمرة ومداومة تنشر عدوى كورونا لسنوات طوال، ولا يمكن إطفاء الحريق حتى يتم إطفاء آخر شعلة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تقترن استراتيجيات سد الفجوات الإنسانية بمقاربات شاملة لمعالجة التحديات المؤسسية والاقتصادية الملحة. يجب أن تكون نماذج التدخل الإنساني التقليدية خالية من القيود البيروقراطية، وأن يتم تحديثها لتلبية الاحتياجات المتزايدة بشكل كبير على المسرح الدولي. إن الفشل في احتواء تفشي COVID-19 في ظلّ الأوضاع الإنسانية المتردية سوف يستمر بتهديد الأمن الصحي العالمي، وعلينا أن نتذكر أن قوة السلسلة تساوي قوة أضعف حلقاتها.

    د. عبد الله شاهين: طبيب وأستاذ مساعد في قسم الأمراض المعدية والوبائية في جامعة براون – الولايات المتحدة الأمريكية – وأستاذ منتسب لمركز دراسات حقوق الإنسان.

    د. تيسير الكريم: طبيب وخبير في العمل الإغاثي في مناطق النزاعات المسلّحة والكوارث حول العالم، وزميل دولي لمركز حقوق الإنسان والدراسات الإغاثية في جامعة براون – الولايات المتحدة. مقيم في باريس، فرنسا.

موقع الجمهورية

————————-

شمال غرب سوريا أعزل في مواجهة جائحة كورونا/ حسين الخطيب

تواصل الجائحة انتشارها منذ فصل الصيف في منطقة شمال غرب سوريا حيث همش التدخل العسكري التركي في الشتاء الماضي دور “حكومة المعارضة”. وقد اتخذت تدابير للحجر الصحي و الحد من التنقلات، لكن الكثافة السكانية في المنطقة التي تعج باللاجئين، والوضع الاقتصادي الهش تحد من نجاعة هكذا قرارات.

اكتُشفت أول إصابة بفيروس كورونا بمناطق المعارضة لشمال غرب سوريا في 9 تموز / يوليو الماضي، لأحد الكوادر الطبية العاملة في أحد المشافي بمحافظة إدلب، حيث أصيب بها طبيب سوري من مدينة الباب بريف حلب الشرقي أثناء تنقله بين الأراضي السورية ومكان إقامته في تركيا. وكان ذلك بعد مضي أيام على ظهور أثار احتُمل أنها للإصابة بالفيروس، حيث عملت الفرق الطبية آنذاك على إرسال الاختبارات إلى المشافي التركية، لعدم وجود مراكز اختبارات للفيروس في المناطق المحررة، وتم عزل المخالطين إلى حين وصول الاختبارات الطبية. ويرتفع عدد الإصابات حتى غرّة أكتوبر 2020 إلى 4200 إصابة، من بينهم 200 وفاة، بينما شفيت 1103 حالة بشكل كامل بحسب التحديث الذي أصدرته وزارة الصحة للحكومة المؤقتة.

المعارضة السورية الحاضرة في المنطقة -أي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية- هي وريثة المجلس الوطني السوري الذي أنشئ سنة 2011. لكن الانقسامات الداخلية وتطور الوضع العسكري على الأرض همشا دور المعارضة المدنية التي تتمتع اليوم بمساندة تركية. ويقتصر وجودها الرسمي في المنطقة على بضع مدن وبلدات متوزعة بين محافظات حلب وإدلب وحماة التي شهدت العمليتين العسكريتين التركيتين “غصن الزيتون” في 2018 و“درع الفرات” في 2017.

تدابير لمحاولة احتواء الجائحة

يعيش في مدينة إدلب وريفها وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي نحو 4.7 مليون سوري، بينهم 2.6 مليون نازحون يعيشون في المخيمات، أبرزهم هجروا من منازلهم خلال الحملة العسكرية الأخيرة التي سيطرت فيها قوات النظام السوري وميليشياته على ريف حلب الغربي والجنوبي ومعرة النعمان وسراقب وأريافهما في محافظة إدلب. بينما يعيش في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون نحو 2 مليون نسمة بينهم مهجرون ونازحون ومقيمون، بعضهم يقيم في مخيمات على الحدود السورية وقرب القرى والبلدات، وذلك بحسب ما صرح المتحدث الرسمي باسم جمعية “منسقو الاستجابة”، محمد الحلاج لموقع أوريان 21.

واتخذت وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة العاملة في مناطق المعارضة شمال غرب سوريا مجموعة من التدابير الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث أعلنت عن إغلاق نقاط العبور الداخلية التي تفصل بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في منبج ومناطق الجيش الوطني في منطقة درع الفرات بريف حلب، وكذلك مع مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في منطقة غصن الزيتون. كما تم حظر الاجتماعات والوقفات الجماعية، بالإضافة إلى تأجيل أنشطة الزفاف حتى إشعار آخر، كما عملت على فرض ارتداء الكمامات في الدوائر الحكومية، مع إلزام مرتادي المطاعم والمقاهي والحدائق العامة بالتقيد بقواعد التباعد الاجتماعي حرصاً على سلامتهم، وذلك وفق القرار الذي أصدرته وزارة الصحة في 13 آب /أغسطس الماضي والذي لا يزال ساري المفعول. وطلبت الوزارة العمل على ترك مسافة ثلاثة أمتار بين “البسطات” في أماكن التسوق والبازارات، مع إلزام أصحاب المحلات بارتداء الكمامات والقفازات حين تسليم المنتجات للزبائن، بالإضافة إلى حظر الخروج من المنازل للأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم 60 عامًا، ولمن يعانون من أمراض مزمنة، ما لم تكن هناك حالة اضطرارية.

ووفق البيان، ستعمل وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة على تأمين الكمامات -التي تأتي عبر الحدود مع تركيا- مجانًا وكذلك بالنسبة لدفعات للأهالي، عبر التعاون مع منظمات طبية كمنظمة سوريا للإغاثة والتنمية، وتحالف المنظمات السورية غير الحكومية التي تضم عدة منظمات في الشمال السوري، وفرق تطوعية. كما افتتحت ورشات محلية لتصنيع الكمامات يمكن اقتنائها من الصيدليات، بدعم من منظمات محلية لتوفير فرص عمل.

حكومة مؤقتة ذات مجال محدود

فعلياً، لا تستطيع الحكومة المؤقتة تطبيق هذه القرارات لانقسام المناطق بين إدارة تركية بحتة -وهي منطقتا غصن الزيتون ودرع الفرات-، حيث تعتمد السلطات التركية على التعاون من خلال منسقين وولاة أتراك لكل مدينة أو منطقة، وبين إدارة حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام (“جبهة النصرة” سابقاً) بالنسبة لمنطقة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة. بينما يبقى التعاون إداريا فقط بين وزارة الصحة ومديريات الصحة في المحافظات لا أكثر.

وعملت المكاتب الطبية ومديريات الصحة بالتعاون الإداري فقط مع وزارة الصحة في مختلف مناطق المعارضة شمال غرب سوريا على أخذ إجراءات احترازية بالإمكانيات المتاحة لديهم، فتم تحويل عدد من المشافي إلى مراكز عزل للمصابين بفيروس كورونا، بالإضافة إلى مراكز للحجر الصحي خاصة بالمخالطين للمصاب، لتقييد حركتهم للتحقق من سلامتهم.

ووفقاً لما قال رئيس المجلس العلمي لأمراض الباطنة في مديرية صحة إدلب الدكتور وسيم زكريا لـ “أوريان 21”: “تم تخصيص ثلاثة مشافي للعزل بسعة 75 سرير عادي 40 سرير عناية مشددة و36 جهاز تنفس اصطناعي، وهناك مشافي أخرى قيد التطوير والتجهيز بقوام 200 سرير و92 سرير عناية مشددة و92 جهاز تنفس”. لكن هذه المراكز كما مراكز العزل الصحي العشرة في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، لا تفي بالغرض امام أعداد السكان في المنطقة.

كما أن وزارة الصحة لا تستطيع تنفيذ هذه التدابير إلا من خلال حصولها على دعم من قبل المنظمات، وهذا ما أكده وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة الدكتور مرام الشيخ لـ “أوريان 21” قائلا: “تقدم الوزارة تقدم الخطط وتقوم بعرضها على المنظمات المتواجدة في المناطق المحررة، ومن بينها منظمة الصحة العالمية، وإذا تمت الموافقة على هذه الخطط تقوم فرق الوزارة الطبية بدراستها مع منظمة الصحة العالمية لتنفيذ عمليات الاستجابة بما يخدم أهالي المنطقة واحتياجاتهم”. وبين خلال حديثه أن “الدعم الطبي لمكافحة جائحة كورونا ضعيف جداً ولا يرقى إلى 40 % من الدعم المفروض توفيره”.

ومما يزيد من ضعف الجهاز الطبي في المنطقة اعتماد المؤسسات والمراكز الطبية على دعم المنظمات غير المنتظم والمتقطع، وتستقل إدارة أي مشفى عن الآخر على الرغم من وجودهما في منطقة واحدة لأسباب متعلقة بالجهات المانحة. الأمر الذي أدى إلى فشل المراكز الطبية في تلبية حاجات المواطنين بسبب عدم توفر الأطباء في العيادات بشكل دائم لقلتهم وارتباطهم بأعمال بمشافٍ أخرى، بالإضافة إلى القصف المتكرر للنقاط الطبية الذي تسببه الطيران الروسي والنظامي على حد سواء.

هشاشة الوضع الاقتصادي

كما أن اكتظاظ السكان المقيمين في شمال غرب سوريا يجعلهم يفتقرون لأدنى مقومات الرعاية الصحية مع تلوث تام لمياه الشرب والطعام، بالإضافة إلى سبل التدفئة غير الصحية شتاءً، التي ستعمل على إنشاء بيئة حاضنة للفيروس، وهذا ما يثير مخاوف الأهالي مع انخفاض درجات الحرارة بشكل تدريجي. وسيواجه الأشخاص الملتزمون بالإرشادات الوقائية والمضطرون للبقاء في منازلهم أو خيمهم كارثة مادية، إذ لا يمكنهم تأمين الحاجيات الأساسية للمنزل إلا من خلال العمل، لأن غالبية السكان يعتمدون على العمل الحر، وذلك بسبب اعتماد المنطقة على الزراعة وعدم وجود مصانع أو حكومة قادرة على توفير فرص الشغل، إذ تصل نسبة العاطلين عن العمل إلى 80 %، بينما يتمتع 20 % بعمل دائم كالموظفين في التربية والتعليم والقطاع الطبي والشرطة الذين يحصلون على منح مالية شهرية بمنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، بحسب ما أفاد الناطق باسم منسقو الاستجابة محمد الحلاج لموقع أوريان 21. يجلس محمد أكرم على دراجته النارية أمام مخيم الكرامة الذي يقيم به في ريف إدلب، قرب الحدود السورية التركية، ينتظر لساعات طويلة ليصعد أحد السكان لإيصاله إلى إحدى قرى المنطقة مقابل مبلغ مالي لا يتجاوز 500 ليرة سورية، أي ما يعادل 0.25 سنت أمريكي، يقول: “إنني أعمل بشكل جيد في بعض الأيام أستطيع جمع مبلغ 3000 ليرة سورية ما يعادل 1.5 دولار أمريكي، بحسب عدد الرحلات على الدراجة وغالباً ما يصعد معي مرضى الكلى والأعصاب لإيصالهم إلى المشافي القريبة، لكنه لا يحقق أرباحا تكفي أسرته المكونة من 8 أشخاص لأنه يقيم في خيمة لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة.

تحدث موقع “أوريان 21” مع محمد أسعد وهو أحد العمال الذين يعملون باليومية في مدينة إعزاز شمال حلب ويطلق على عمله “العتالة” -وهي حمل وتنزيل المنتجات الغذائية وحبوب القمح وغيرها من الأشياء التي تحتاج إلى النقل-، وهو مدرس لغة عربية سابق لم يستطع إيجاد فرصة عمل كمدرس لإعالة أسرته المتكونة من خمسة أفراد. وقد ذكر محمد أنه يستطيع كسب مبلغ رمزي بشكل يومي لا يتجاوز 1000 ليرة سورية أي ما يعادل 0.50 سنت أمريكي وهذه تكفي فقط لتأمين ربطة خبز واحدة مكونة من ثمانية أرغفة وسعرها يصل إلى 900 ل. س ما يعادل 0.40سنت، والتي تكفي وجبتي طعام لأسرته، مما يدفعه للوقوف في مركز تجمع العمال وهو عبارة عن موقف على قرب أحد كراج للسيارات في مدينة أعزاز من الصباح حتى حلول المساء، على أمل الحصول على فرصة عمل.

هذا ولا تزال الحدود السورية التركية مفتوحة أمام الحركة التجارية لتأمين احتياجات السكان في المنطقة، إلا أن السلطات التركية منعت عبور السوريين إلا للحالات الاضطرارية والإسعافية والمرضى الذين يحتاجون إلى عمليات لا يمكن إجراؤها في المناطق المحررة. أما في حال أغلقت الحدود، فإن الشمال الغربي من سوريا سيواجه كارثة إنسانية مرجحة للاتساع مع منظومة صحية هشة وتوقف المواد الغذائية الأساسية.

حسين الخطيب

صحفي سوري من حلب.

===========================

تحديث 15 تشرين الأول 2020

————————————–

كيف سنواجه الموجة الثانية من كورونا في منطقتنا؟/ عبد الله شاهين و تيسير الكريم

تشير ظاهرة «الموجة الثانية» -التي تملأ التقارير الإخبارية- إلى تجدّد حدوث ارتفاع مطّرد في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد. تمّ تعريف هذه الظاهرة بشكل متضارب وفضفاض في الأدبيات الطبيّة، وتشير الظاهرة عموماً إلى زيادة عدد الإصابات بعد الانخفاض الأولي في عدد الحالات ضمن مجموعة سكانية محددة جغرافياً (قرية أو ضاحية). حيث يتم اعتبار كل دورة من زيادة الحالات «موجة». وتعتبر جائحة انفلونزا H1N1 التي اجتاحت العالم ما بين عامي 1918-1919 مثالًا كلاسيكيًا على هذه الظاهرة. ونظراً لأوجه التشابه في عالمية تلك الجائحة والأعراض وطرق الانتقال؛ فإنّه كثيراً ما تتم مقارنة جائحة كوفيد-19 (COVID-19) بجائحة الأنفلونزا عام 1918. بدأ انتشار ذلك التفشي في ربيع عام 1918، وتبعه ظهور الموجة الثانية -والتي كانت الأكبر والأكثر فتكًا- في خريف عام 1918، وسُجّلت الموجة الثالثة في ربيع عام 1919. أصابت تلك الجائحة المعروفة باسم «الأنفلونزا الإسبانية» ثلث سكان العالم (حوالي 500 مليون من 1.6 مليار نسمة).

تعريف «الموجة» في ظل جائحة كورونا صعب التأطير. قد يعكس التغيّر في عدد الحالات هبوطاً مستمراً بعد وصولها الذروة، والزيادة التي قد تتبع الهبوط الأوّلي يمكن أن يُشار إليها على أنها ذروة أخرى. إلا أنّ التفاوت في معدلات الإصابات الجديدة مرتبط بعوامل أخرى؛ منها ما هو خاص بالجرثومة (على سبيل المثال: الأنفلونزا موسمية، وتحدث في فصل الشتاء بشكل أساسي)، ومنها ما هو مرتبط بالقدرة على التشخيص والتتبع (الزيادة في عدد الفحوصات المُجراة والتحسن في قدرة القطاع الصحي على تتبّع الحالات). لم يشهد العالم موجة عالمية واحدة من فيروس كورونا المستجد، بل إنّ الفيروس ينتقل -بسرعات مختلفة- من مكانٍ إلى آخر. كما أنّه لا يبدو أنّ هناك اختلافاً موسمياً ملحوظاً في وباء كوفيد-19، فلا دليل على أنّ عدد الحالات يتأثّر بالطقس أو الجغرافيا.

على الرغم من العدد الكبير للحالات المُسجّلة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا الوباء، فلا تزال الغالبية العظمى من السكان عرضة للإصابة. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد إجابات محددة حول مدة المناعة الطبيعية التي تنتج عن الإصابة بالعدوى، كما أنّ عدد الحالات المُبلغ عنها لم ينخفض ​​بدرجة كافية لتعريف «موجة» حقيقية في دورة حياة الجائحة. يبدو أن عودة ظهور الحالات مرتبطة بشكل مباشر بتخفيف إجراءات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي في العديد من البلدان.

الحرب ووباء عام 1918

منذ فجر التاريخ والحرب والأمراض الوبائية شركاء في المصائب. تشير التقديرات إلى أن جائحة الأنفلونزا 1918 -التي صاحبت نهاية الحرب العالمية الأولى- أودت بحياة أكثر من 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. أدت الحرب إلى اقتلاع وتشريد ملايين المدنيين، وأجبرتهم على العيش في مخيمات اللاجئين المكتظة. كما شهدت الحرب العالمية الأولى تعبئةً غير مسبوقة لأعداد كبيرة من القوات من داخل أوروبا ومن خارجها، ووجدت القوات، من جميع أنحاء العالم، نفسها محشورةً في تجمعاتٍ مكتظة. سافر الفيروس مع العسكريين من معسكر إلى آخر وعبر المحيط الأطلسي، ويعتقد الخبراء أنّ سفن النقل العسكرية كانت الناقل المحتمل للإنفلونزا عبر المحيط الأطلسي. بطبيعة الحال، فإنّ الاتصال الذي توفّره سفن النقل هذه باهت مقارنةً بعالمنا الحالي وشبكات الاتصال فيه، حتى في عصر عمليات الإغلاق وقيود السفر المتعلقة بـ COVID-19.

إنّ نظرةً أعمق للوفيات خلال جائحة أنفلونزا عام 1918 تشير بوضوح إلى أن سوء التغذية لعب دوراً حاسماً في اختلافات معدل الوفيات عبر البلدان. في الهند، على سبيل المثال، ضربت جائحة إنفلونزا عام 1918 هذا البلد بالتزامن مع جفافٍ واسع النطاق. كذلك، شهدت العديد من مقاطعات شمال غرب وغرب ووسط الهند مجاعةً خلال عام 1918، وشهدت هذه المقاطعات أيضًا أعلى معدلات وفيات أنفلونزا عام 1918. أيضاً، كان سوء التغذية المُزمن متورطًا في ارتفاع معدلات انتشار المرض والوفيات بين أطفال غواتيمالا خلال جائحة إنفلونزا H1N1 لعام 2009.

من الصعب تقييم تأثير تدمير البنية التحتية الذي سببته الحرب العالمية الأولى، حيث كانت البنية التحتية للصحة العامة في أوروبا والولايات المتحدة لا تزال في مهدها. من الواضح، مع ذلك، أنّ الحرب أدّت إلى اضطراباتٍ كبيرة في قطاعات النقل والإنتاج الصناعي، كما أنّ القدرة على مراقبة تقصي الحالات وعزل المصابين والإبلاغ عن تفشي المرض كانت ضعيفةً جداً. كان هذا واضحًا بشكلٍ خاص في البلدان الأوروبية بعد الصراع.

إنّ النزاعات الحديثة في كل من سوريا واليمن وغيرها تمثل حالةً متكاملةً تجمّعُ كل أسباب تفاقم الأوبئة؛ من اكتظاظ سكاني وسوء تغذية وتدمير للبنى التحتية في الأماكن التي يقطنونها. كل هذه العوامل تتضافر في المناطق الموبوءة بالنزاعات المسلحة، وتجعل من هذه الجائحة خطراً مُحدقاً ذا أثر أكثر فجاعة مما نشاهد في باقي العالم. وإنّ غياب الإحصائيات الدقيقة عن عدد الحالات والوفيات لا يعني بأي شكلٍ أنّ أثر هذه المصيبة ضئيل على المجتمعات المُحاصرة تحت هذه الظروف.

النظم الصحية وكوفيد-19 في حروب العالم العربي

لتوضيح تأثير تفشي الأوبئة، مثل وباء COVID-19، في النزاعات العسكرية في العالم العربي، فإنّه من المهم فهم ديناميكيات العنف والعوامل المؤسساتية الأخرى التي ساهمت في تشكيل الأزمات الإنسانية وأثرت على قدرة النظم الصحية على احتواء الوباء.

إن حجم العنف الناجم عن الحروب الأهلية الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) لا يمكن مقارنته بالحرب العالمية الأولى بالطبع، لكن الأزمات الإنسانية الناتجة في هذه البلاد تماثلها في الفداحة. لقد أدى النزوح الجماعي وتبدّد الموارد إلى إضعاف قدرة البلدان المتضررة على مكافحة تفشي الأوبئة، حتى قبل وصول جائحة COVID-19. على سبيل المثال، شهد اليمن الذي مزقته الحرب أكبر تفشٍّ لوباء الكوليرا تم تسجيله على الإطلاق مع أكثر من 2.2 مليون حالة مشتبه بها، و4000 حالة وفاة مرافقة.

في الواقع، توفر الحروب الأهلية الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إمكانية استثنائية لتحليل كيف أدى التشرذم والتسييس في النظام الصحي -من بين عوامل أخرى- إلى خلق الظروف المثالية لانتشار الأمراض الفتاكة. لقد أجبرت الحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا ملايين السكان المتضررين على الفرار من ديارهم، ومع ذلك لم يتمكن معظمهم من عبور الحدود. هناك 6.2 مليون شخص -بينهم 2.5 مليون طفل- نازحون داخل سوريا، وهي أكبر نسبة نزوح داخلي في العالم. وبالمثل، خلّف النزاع المسلح في ليبيا أكثر من 400 ألف نازح. وفي اليمن يعيش ما يقدر بمليون نازح في مخيمات مؤقتة ومتهالكة، وهم من بين أكثر من أربعة ملايين يمني فقدوا منازلهم. وعلى الرغم من الصراع الوحشي في البلاد، يعيش في اليمن حوالي ثلاثمائة ألف لاجئ وطالب لجوء فروا من العنف والاضطهاد في الصومال وإثيوبيا.

انتهى الأمر بالغالبية العظمى من النازحين ضمن هذه البلدان في مخيمات مكتظة وغير مخدّمة، حيث يفتقرون إلى خدمات الرعاية الصحية والطعام والمياه الصالحة للشرب ومرافق النظافة، مما يجعلهم من بين أكثر الفئات السكانية هشاشةً في العالم.

كما أدت النزاعات المستمرة إلى تفتّت المؤسسات الخدمية في هذه البلدان، وخلقت أرخبيلًا من حكومات الأمر الواقع المتناحرة فيما بينها داخل نفس الحدود. كشفت أزمة COVID-19 عن الخلل الوظيفي في المؤسسات الخدمية في هذه البلدان؛ حيث لم يكن النظام الصحي معزولاً عن هذا التأثير. في سوريا على سبيل المثال، انكمش النظام الصحي المركزي، القائم قبل الحرب، ليشمل فقط المناطق التي يسيطر عليها النظام، في حين أن المناطق الثلاث الأخرى (شمال غرب سوريا، وشمال شرق سوريا، والمناطق التي تسيطر عليها تركيا) خلقت كيانات صحية خاصة بها، ولكل من هذه الكيانات قيادة وموارد وهياكل مختلفة. وبالمثل، تقسّمت المؤسسة الصحية في اليمن وليبيا إلى نظامين صحيين متصارعَين في كلٍّ منهما.

إلى جانب الاستقطاب الحاد، أدى تفتّت النظام الصحي في هذه البلدان إلى تضاؤل ​​الموارد المحدودة أصلاً، وإنهاك ما تبقى من مرافق الرعاية الصحية ومقدميها، مما زاد من الهشاشة والضعف في هذه البلدان. علاوة على ذلك، لم يتم الاعتراف بالكيانات الصحية الناشئة بنفس السويّة من قبل المانحين الدوليين، مما جعل أهليتها للحصول على المساعدة الإنسانية شديدة التفاوت، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة التفاوت في الخدمات الصحية، وتركَ المزيد من الأشخاص بدون خدمات الرعاية الصحية الأساسية. على سبيل المثال، يسمح تفويض مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) بتقديم المساعدة الإنسانية خلال الأزمات والكوارث، ولكن يوجِب «العمل بموافقة الدولة المتضررة». أتاح هذا التفويض للنظام في دمشق بالسيطرة على المساعدات الإنسانية ليس فقط في مناطق سيطرته، ولكن أيضًا التأثير في إيصال المساعدات إلى ملايين الأشخاص الذين يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة. مثال آخر، فإن 30 مليون شخصاً في اليمن زوّدوا فقط بستّة مختبرات قادرة على إجراء اختبار كوفيد-19، يوجد منها مختبر واحد فقط في المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها القوات الحوثية حيث يعيش أكثر من نصف سكان اليمن.

بالإضافة إلى التشرذم والاستقطاب، تعرّضت المرافق الصحية في مناطق النزاع المسلح في هذه البلاد لهجمات متعمّدة من قبل الأطراف المتحاربة، مما أدى إلى تعميق محنة المجتمعات المتضررة، وتدمير النظام الصحي المنهك أصلاً، والمساهمة في هجرة الكوادر الصحية المتخصصة. ففي سوريا، بين آذار (مارس) 2011 وشباط (فبراير) 2020، جرى الإبلاغ عن حوالي 600 هجوم عسكري على منشآت صحية، وقُتل حوالي 1000 عامل طبي (90٪ من الهجمات تنسب إلى القوات النظامية وحلفائها). بينما في اليمن، أفادت التقارير أن أكثر من ثلث الضربات الجوية منذ عام 2015 قد أصابت أهدافًا مدنية مثل المستشفيات والمدارس. حتى الآن تمّ الإبلاغ عن 130 هجومًا عسكريًا على الأقل على مرافق الرعاية الصحية والعاملين الصحيين (54٪ منها من قبل التحالف و41٪ من قبل مقاتلي الحوثي). لا يختلف الوضع في ليبيا، فمنذ بداية العام الجاري استهدف 15 هجوماً على الأقل المرافقَ الصحية وسيارات الإسعاف وعاملي الرعاية الصحية.

في المعركة ضد تفشي كوفيد-19، كانت النظم الصحية المنهكة في مناطق النزاع بشكلٍ خاص غير مستعدة لمواجهة هذه الأزمة. لا يزال 50% فقط من مرافق الرعاية الصحية في اليمن قيد الخدمة، مع وجود ثلاثة أطباء فقط وسبعة أسرّة في المستشفيات لكل عشرة آلاف شخص. في حين أنّ ما يقرب من 40% من المستشفيات في جميع أنحاء سوريا تعتبر معطلة، وأكثر من 70٪ من القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية غادروا البلاد. أدى الصراع المستمر في ليبيا منذ عقدٍ من الزمن إلى إغلاق أكثر من 50 في المئة من مرافق الرعاية الصحية، لا سيما في المناطق الريفية.

جرى الإعلان عن أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في سوريا وليبيا في آذار(مارس) 2020، بينما أبلغَ اليمن عن أول حالة مؤكدة في نيسان (أبريل). تأثّرت الاستجابة للموجة الأولى من تفشي كوفيد-19 في هذه البلدان بعدّة عوامل، مثل عدم القدرة على إجراء الاختبار بشكل كاف، وسوء جمع البيانات، ونقص الاختصاصيّين المتمرّسين في الرعاية الصحية، والموارد المحدودة، والظروف التشغيلية غير الآمنة، ونقص التمويل المخصص لقطاع الصحة. على أيّ حال، لا ينبغي تجاهل السجل السيء للإدارة والقيادة عند السلطات الحاكمة في هذه البلدان، إذ توجد شكوك قوية على أنّ السلطات الصحية أخفت عن عمد معلومات وبيانات حيوية حول التأثير الحقيقي لكوفيد-19 على المجتمعات المتضررة. فعلى سبيل المثال، حذّرت السلطات في دمشق بشدة الأطباء في الخطوط الأمامية لتجنب أي مناقشات عامة حول حالات COVID-19، لأنّ القيام بذلك سيُعرّض «الأمن القومي» للخطر، وبعد أسابيع قليلة فقط أصبح تفشي المرض خارج نطاق السيطرة. وبالمثل، أعلنت سلطات الحوثيين في صنعاء، بشكلٍ غير معقول، عن عدد قليل من الحالات ووفاة واحدة في العاصمة، وهددت باحتجاز الأطباء والممرضات وغيرهم ممن تحدثوا عن الفيروس. كما أشارت العديد من التقارير من ليبيا إلى أن الإحصاءات الرسمية لا تعكس سوى جزءاً ضئيلاً من الانتشار الحقيقي عبر البلاد.

أدّى عدم مشاركة المعلومات بالتوقيت المناسب إلى تفاقم انعدام الثقة بين السلطات القائمة والناس، مما جعلهم أقل امتثالاً لإجراءات الوقاية وغيرها من التدابير الموصى بها. والأهم من ذلك، أنّ التأخير أو الامتناع عن مشاركة المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب ترك مقدّمي الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية دون احتياطات وقائية كافية، ما ساهم على الأرجح في ارتفاع معدل الوفيات نسبيًا بينهم. على سبيل المثال، وثّق النشطاء اليمنيون ما يقرب من 120 حالة وفاة بين العاملين في المجال الطبي منذ نيسان (أبريل) 2020، بينما تجاوز العدد في سوريا 70 مقدم رعاية صحية في نفس الفترة.

وغنيٌ عن القول إنّ العوامل الأربعة الرئيسية في الأوبئة (المجاعة، والتهجير، والازدحام، وانعدام الشفافية) كلها متوافرة في النزاعات المسلحة كتلك التي في اليمن وسوريا وليبيا.

عالم واحد.. تفشٍّ واحد

ما زالت البشرية ترزح تحت وطأة المصائب والأخطار على مدار التاريخ. لقد شهدت البشرية العشرات من الأوبئة والجوائح وقضت هذه المصائب على حيوات الملايين من البشر والعديد من الحضارات. إنّ أحد أهم الدروس المستفادة من أزمة كوفيد-19 هو أنّ عالمنا الحديث شديد الترابط، وبينما تتواصل مقارنة هذه الجائحة بجائحة إنفلونزا عام 1918 من حيث الانتشار، فإنّه تجب مقارنة الاستجابة لهذه الجائحة بشكل أكثر دقة بما فعله العالم لمواجهة تفشي فيروس إيبولا في عام 2013. لقد رأينا كيف -وفي غضون بضعة أشهر- وصلت العدوى التي نشأت في قرية ريفية في غينيا إلى الولايات المتحدة وأوروبا. يمكننا بسهولة طرح الحجة القائلة بأن عطسة طفل نازح في إدلب أو الحُديدة يمكن أن تزلزل الأرض في جنيف.

بالإضافة إلى الصدفة الحسنة، ساهمت الجهود المتعددة الأطراف من قبل الحكومات الغربية (وعلى رأسها الولايات المتحدة) من الحد من عدوى فيروس إيبولا التي قتلت ما يصل إلى 70 ٪ من المرضى المصابين. لقد كان سيناريو 1.4 مليون إصابة ومليون وفاة أحد السيناريوهات الممكنة والمحتملة.

إن جائحة COVID-19 هي اختبار صعب للمجتمع الدولي. لن تنجح الجهود والتدابير الوطنية «المحلية» للتغلب على الآثار القصيرة والطويلة الأجل لهذا التفشي، ولا يمكن تحقيق أية نتائج إلا من خلال التنسيق والتعاون العالميين. إنّ التضامن والتنسيق والتعاون ليس فقط ضماناً لرفاهية الناس، بل إنّ المستقبل السياسي والاجتماعي والاقتصادي لعقود قادمة مرهونٌ بهذه الاستجابة.

تضمّ المجتمعات المتضررة في مناطق النزاع المسلح أكثر السكّان ضعفاً في العالم في يومنا هذا. إنّ التصدي لهذه الجائحة في تلك المناطق المنكوبة خطوة أساسية لاحتواء تفشي المرض على مستوى العالم، حيث يمكن لمناطق النزاع المسلح أن تصبح بؤراً مستمرة ومداومة تنشر عدوى كورونا لسنوات طوال، ولا يمكن إطفاء الحريق حتى يتم إطفاء آخر شعلة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تقترن استراتيجيات سد الفجوات الإنسانية بمقاربات شاملة لمعالجة التحديات المؤسسية والاقتصادية الملحة. يجب أن تكون نماذج التدخل الإنساني التقليدية خالية من القيود البيروقراطية، وأن يتم تحديثها لتلبية الاحتياجات المتزايدة بشكل كبير على المسرح الدولي. إن الفشل في احتواء تفشي COVID-19 في ظلّ الأوضاع الإنسانية المتردية سوف يستمر بتهديد الأمن الصحي العالمي، وعلينا أن نتذكر أن قوة السلسلة تساوي قوة أضعف حلقاتها.

 د. عبد الله شاهين: طبيب وأستاذ مساعد في قسم الأمراض المعدية والوبائية في جامعة براون – الولايات المتحدة الأمريكية – وأستاذ منتسب لمركز دراسات حقوق الإنسان.

د. تيسير الكريم: طبيب وخبير في العمل الإغاثي في مناطق النزاعات المسلّحة والكوارث حول العالم، وزميل دولي لمركز حقوق الإنسان والدراسات الإغاثية في جامعة براون – الولايات المتحدة. مقيم في باريس، فرنسا.

موقع الجمهورية

————————————

خوف، قلق، جوع… برفقة كورونا في دمشق: تسيس الوباء و”بطاقة ذكية” لمواجهته!/ مجد الخطيب

(دمشق)، اليوم هو أول أيام الأسبوع الأخير من تموز، الحر الثقيل والشمس الحادة تبطىء التنفس، وتزيد من تعرّق الأبدان. يخرج أسامة (33 عاماً) من بيته، ينتظر التايتنك الأخضر، وهو باص النقل الداخلي، والذي يصطلح شبان دمشق على تسميته بذلك لكبر حجمه وغرقه بالركاب بسبب كثافة عددهم. يؤّشر للحافلة التي أقبلت، يجد لقدمه مكاناً بين أرجل الركاب المتلاصقة أجسادهم ببعضها البعض بسبب الازدحام، في حرارة تتجاوز 40 درجة، فيما الداخل ممتلئ بأنفاس الركاب. ينزل من الباص بعدما ما اقترب من دائرة المصالح العقارية في شارع الثورة وسط العاصمة دمشق، ويهم بالدخول إلى مبنى الدائرة، يستوقفه الحارس بيديه العاريتين وأنفه الكبير قائلاً: “ممنوع دخولك دون ارتداءك كمامة وقفازين، تعليمات جديدة بخصوص كورونا!”.

يستدير أسامة فيجد أمام المبنى بسطة. ثمة شاب يافع يردّد بصوت عال وهو يقف خلفها: “قفازات، كمامات …”. يدفع  ثلاثة آلاف ليرة، وحين يهم بالدخول يجد أنّ القفاز الذي اشتراه تالف، يعود أسامة لإرجاعه، فيقول له البائع: “ادخل به على كفالتي. الحارس يدخلك… المهم أن يرى القفازات في يدك”. يعود أسامة أدراجه إلى الدائرة فيدخله الحارس دون أي تردّد مترافقاً مع مراجع آخر استطاع وضع 500 ليرة في يد الحارس فأدخله دون شراء أي أدوات وقائية.

هذه القصة التي رواها أسامة لحكاية ما انحكت، تعكس مدى هشاشة الإجراءات الوقائية التي يقوم بها النظام في دمشق، والتي يتعامل معها الناس والحكومة على أنّها قوانين يمكن التحايل عليها بالرشوة أو التملّص منها، والاكتفاء بالانضباط الشكلي، دون وجود أي تطبيق فعلي في معظم مرافق العاصمة.

مضت خمسة أشهر على إعلان وزير الصحة السوري نزار يازجي عن أول إصابة بفايروس كورونا، في 22 من آذار الماضي. ترافق الإعلان مع حالة من القلق التي بدأت تضرب العاصمة من انتشار الجائحة في ظلّ تردي الأوضاع الصحية والاقتصادية في البلاد.

تبعه إصدار بشار الأسد قانون عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل شهر أذار الماضي، دون أن يشمل العفو المعتقلين السياسين داخل الأفرع الأمنية، ليلحق بمرسوم تسريح دفعات من الجيش تم الاحتفاظ بها.

قبل اعتراف وزارة الصحة بالاصابات، أصدرت وزارتي التربية والأوقاف في 14 من آذار الماضي قراراً بإغلاق المدارس تبعها إغلاق المساجد بعد الانتهاء من الصلاة مع استمرار النفي الرسمي لوجود أيّة إصابة.

وأصدرت عمادة كلية الطب تعميمًا وجّهت فيه بإيقاف الدروس السريرية في جميع المشافي الجامعية لطلاب الطب البشري مؤقتًا، لتغرق العاصمة بهدوء ليلي لم تشهده منذ عقود بعد إعلان حظر التجول الليلي، تبعه قرار من وزارة الداخلية بمنع قدوم الأشخاص من الريف إلى المدينة، وهو القرار الذي برّرته الحكومة للحد من الاختلاط، وأعاد فتح حديث طويل وقديم وسجالي بين السوريين حول ثنائية الريف والمدينة، والكثير من القصص والحكايات عن الازدراء الذي كان يتعرّض له أبناء الريف في المدن منذ عدة عقود.

رشاد (36 عاماً) ابن مدينة سقبا، يعمل كمخبري أسنان في منطقة المزرعة وسط العاصمة دمشق، منع من الدخول إلى دمشق، خلال فترة حظر التجوّل، مما عرّض أسرته المكوّنة من طفلتين إضافة إلى زوجته إلى ضائقة اقتصادية، اضطر بعدها للتحايل على الحواجز التي تمنع دخول أبناء الريف إلى العاصمة.

يقول لحكاية ما انحكت: “خلال الأيام الأولى كنت أرافق جارنا الفلاح الذي يقوم بنقل الخضروات إلى العاصمة دمشق. وعندما نقطع الحاجز كنت أنزل من سيارة الخضار وأذهب ماشياً إلى مخبر الأسنان، أخلع ثياب الزراعة وأرتدي بدلتي البيضاء وأبدأ بالعمل مباشرةً كي أنهي أكبر قدر من العمل قبل الساعة السادسة موعد العودة”.

ينهي رشاد حديثه بالقول: “بعدها بدأت أدخل 500 ليرة للحاجز ويدخلني متى أردت الدخول، كانت تعرفة الدخول إلى العاصمة في ظل هذا القرار  500 ليرة لا أكثر، ليكون تطبيق القرار فقط على الذي لا يدفع”.

تخفيض العمل في المؤسسات العامة، وتطبيق الحظر الليلي والذي كان يبدأ عند الساعة السادسة مساء، زاد التضخم الاقتصادي وأفقد العديد من السوريين وظائفهم، وخصوصاً العمال المياومين الذين يعملون يومهم ليأمنوا قوت عملهم، حيث ارتفع الدولار الذي كان آنذاك بحدود 1000 ليرة سورية إلى ضعفين عن بداية الحظر، ويصل اليوم/ الإسبوع الأخير من آب، أغسطس/ إلى ثلاثة أضعاف، مصحوبا مع ارتفاع شديد في أسعار المواد الغذائية والمنظفات، بلغت ثلاثة أضعاف، وذلك رغم إعلان الحكومة أنها خصصت 100 مليار ليرة سورية للمساعدة في دعم النشاط الاقتصادي في مواجهة كورونا. إلا أنّها لم تشرح كيف سيتم صرفها، ولم توجد أي آثار إيجابية لصرف تلك المخصصات بحسب شهادات محلية، حيث أنّ معظم المستطلعين لم يسمعوا فيها، ولم يلاحظوا أية آثار إيجابية لذلك.

أول مناطق انفجار الوباء كان في منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق، حيث قامت قوات النظام بإعلان عزل منطقة السيدة زينب عن باقي المناطق، بعد انتشار الوباء في شارع الحرامات داخل منطقة السيدة زينب التي تعتبر محجاً دينياً ومكاناً لتجمّع كلّ المليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية والإيرانية التي تساند النظام، إضافة إلى عدد كبير من النازحين  من القطاع الجنوبي في الغوطة، والذين نزحوا إلى منطقة السيدة زينب بعد الدمار الذي لحق في بلداتهم.

إثر إعلان النظام تطبيق العزل على منطقة السيدة زينب منع أهالها من الخروج من بلدتهم إلا بعد الحصول على موافقة من المركز الصحي في البلدة، وكانت الموافقة هي بوضع ختم على يد كل من يريد الحصول على موافقة خروج، بدلاً من إعطائه ورقة مختومة، الأمر الذي أدى إلى استياء كبير لدى الشارع، كون هذا الأمر يتبع في نظام السجون، وتدل على تعامل السلطة مع الناس كما الماشية التي يتم وسمها.

البؤرة الثانية التي تم عزلها هي منطقة التل في ريف دمشق حيث فرضت قوات النظام  العزل عن باقي المناطق المحيطة فيها، بداية شهر نيسان الماضي،  والذي استمر ما يقارب الشهر، بعدما أعلنت وزارة الصحة خلو المنطقة من الإصابات وفتح الطريق، إلا أنه منذ بداية شهر تموز الماضي حتى ٢٦ أغسطس إلى إصابة نحو 20 عائلة في التل.

المنطقة الثانية التي كانت قريبة من دمشق وشكلت بؤرة لانتشار الكورونا كانت هي جرمانا التي تبعد 8 كم عن مركز العاصمة. مصادر في الهلال الأحمر في المدينة قدرت لحكاية ما انحكت عدد الإصابات بما يتجاوز 550 إصابة في حين اعترف مجلس المدينة بوجود 15، إضافة إلى فرض حظر بإغلاق كافة المهن والمحلات، باستثناء محلات المأكولات بعد الساعة التاسعة مساء، ثم أعاد إغلاق المطاعم والمقاهي والمنتزهات مع

الاجراءات الحكومية التي لم تدم شهرين حتى رفع النظام الحظر الليلي وأعاد التنقل بين المحافظات وسمح بفتح المحلات أبوابها.

الإجراءات الرسمية للحد من جائحة كورونا، كانت قد بدأتها وزارة الصحة بتخصيص كل من مشفيّ المجتهد والمواساة للتصدّي لفايروس كورونا.

أحد الأطباء في مشفى المواساة الذي رفض الكشف عن اسمه، قال لحكاية ما انحكت: “يومياً تأتينا بين 70 إلى 80 حالة محتملة بالإصابة بكورونا، الأعداد تفوق الطاقة الاستيعابية. في المشفى يوجد 8 أسرة مجهزة بمنافس فقط، بينما يوجد 6 أسرة في مشفى المجتهد، الوضع مرشح للانفجار، أصبحت المشافي مراكز موبوءة أكثر منها مراكز للعلاج”.

الأرقام الرسمية تجاوزت الألفي إصابة بحسب آخر إحصاء. هذه الإحصاءات تكذبها دائماً المصادر الطبية على أرض الواقع. باتصالنا مع مصادر طبية في كل من مشفى الأسد والمواساة والمجتهد، المشافي الثلاثة الكبرى  في العاصمة، أكدت المصادر لنا أنه يومياً يتم نقل بين 20 إلى 30 جثة إلى برادات المشافي.

الدكتورعمر (اسم مستعار) وهو خريج قسم الصدرية في جامعة دمشق ويعمل في أحد المشافي العامة قال لحكاية ما انحكت: “العدد الكبير في ضحايا الفايروس/ كورونا يعود سببه إلى عدم وجود منافس كافية تفي بالغرض. يومياً يأتي ما يقارب 100 حالة إلى مشافي العاصمة بحاجة منافس، وكل المتوفر في جميع مشافي العاصمة لا يتجاوز العشرين منفسة.

فيما يتراوح أجار غرفة العناية المشددة مع منفسة في المشافي الخاصة بين 600 ألف ليرة سورية إلى مليون ومئتي ألف لليلة الواحدة بما لا طاقة لاحتماله لدى معظم سكان العاصمة، حيث يبلغ متوسط دخل الأجور 60 ألف ليرة شهرياً”.

انفجار الوضع الصحي في المشافي، لم يتم الاعتراف به رسمياً إلا بشكل خجول، كان ذلك في 21 من شهر تموز، عندما أعلنت وزارة الصحة  عن إصابة 3 من الكادر الطبي، في حين رصدت العديد من المواقع الإعلامية وفاة أكثر من 17 طبيب في دمشق أثناء تصديهم للفايروس،  وهو أمر حذّر منه العديد من الأطباء العاملين، حيث نشر أحد الأطباء على صفحته على الفيسبوك مطالبا بإغلاق مشفى المواساة، وإعادة تعقيمه بعدما انتشر الوباء داخل المشفى كالنار في الهشيم.

تسيس الوباء

طوال خمسة شهور لم يخرج الرئيس الأسد بأي خطاب حول الفايروس، ونسبة تفشيه في البلاد، على غرار رؤساء باقي الدول، واكتفى بتأليف فريق حكومي لمتابعة انتشار الفايروس برئاسة وزير الصحة التي كانت أولى تصريحاته “بإنه لا داعي للقلق فالجيش العربي السوري استطاع تطهير البلاد من كافة الجراثيم” في ربط لخطاب سابق كان وصف فيه الأسد المناهضين له بالجراثيم.

استغل النظام جائحة كورونا لتمرير العديد من القرارات حيث فرضت وزارة الصحة التابعة 100 دولار  لكل من ينوي مغادرة البلاد للحصول على موافقة طبية جراء قيام مسحة يدفعها إلى المصرف السوري المركزي، بهدف تعزيز القطع المالي جراء الأزمة الاقتصادية التي يعانيها.

كذلك كرس الإعلام الرسمي وشبه الرسمي تغطيته بخصوص الفايروس، للتركيز على الإجراءات التي تقوم بها الحكومة، والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تتكبدها أميركا والدول الأوربية في إشارة إلى المعسكر المغربي، والذي يتعبره النظام سبباً في المؤامرة الكونية على سوريا.

“بطاقة ذكية” ضد الكورنا!

مع بدء الحظر الكوروني الذي فرضه النظام نهاية آذار الماضي، والذي دام حوالي الشهرين، رافق الحظر تطبيق العديد من القوانين منها تفعيل البطاقة الذكية، حيث أصبح شراء الخبز عن طريق البطاقة الذكية، إضافة إلى العديد من المواد التموينية من السكر والرز والزيت والمحروقات.

أم جمال (مزنة/ اسم مستعار) التي تداوم منذ ثلاث أيام على الوقوف أمام المؤسسة الاستهلاكية في جرمانا بريف دمشق للحصول على حصتها التمونية من الرز والسكر على البطاقة الذكية تقول لحكاية ما انحكت: “أصل إلى هنا يومياً عند الساعة السابعة صباحاً، نبدأ يومنا بالتباعد الاجتماعي، قلة قليلة تأتي واضعة الكمامات. بعد ساعة من الانتظار وازدياد الأعداد، يأتي الموظف عند الساعة التاسعة، عندها تتكسر كل مسافات التباعد الاجتماعي، ويطغى عليّ شعور بالخوف من عدم الحصول على مخصصاتي قبل نفاذ الكمية على أي تباعد اجتماعي أو اجراءات احترازية للحد من كورونا، وأن تنفذ الكمية قبل أن يصلني الدور”.

أم عماد (سلمى/ اسم مستعار) عاشت حصار الأحياء الشرقية في دمشق من قبل قوات النظام، هي منذ بداية جائحة كورونا تخرج للسوق، بينما يلتزم زوجها مريض الربو المزمن في البيت. قابلنا أبو عماد وهو يرتدي كمامة وملتزم بالتباعد الاجتماعي حيث بدأ حديثه ساخراً: “عشنا الحصار خمس سنوات. كان يفصلنا عن الموت برصاص القناص ستائر تمنعه من رؤية  حارات حي القابون… وإذا رأى القناص شيئا يتحرك فاعلم أنه مات”.

يشير أبو عماد بيده إلى الكمامة قائلاً لحكاية ما انحكت: “الآن انتقلت الستارة التي كانت في الحي إلى أنوفنا وأفواهنا، إذا ما استطاع الفايروس الدخول خلف هذه الستارة أعلم أنني سوف أكون أحد الضحايا، نجوت طوال خمس سنوات من الموت قنصاً الآن لا أريد أن أموت بفايروس لا أراه ولا أعلم أين يتربص بي”.

(اسم مستعار)

صحفي سوري مقيم في دمشق، يكتب في عدد من الصحف والمواقع العربية، مختص بكتابة التحقيقات.

(تم دعم هذا التحقيق من خلال برنامج Check Global COVID-19 microgrants,، وبدعم من موقع ميدان)

حكاية ما انحكت

————————–

الحدود والمجال بعد كورونا.. من الضبابية لمزيد من التشظي/ عبد القادر بوطالب

ترتب على حالة الحجر الصحي، كإجراء احترازي لمواجهة جائحة كورونا (كوفيد 19)، تغييرٌ ملحوظ في الكثير من السلوكيات والأفعال، كما في التصورات والتمثلات، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو الجماعات، وبالخصوص أن نافدة الجزء الأكبر من سكان العالم على الفضاء الخارجي كانت تتم من خلال ما تتناقله شبكات التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة للمعلوميات، حيث شكل ذلك متنا ضخما، يزخر بكم هائل من الصور والأخبار والبيانات والمعطيات والمعلومات.

إن فهم وتأويل هذا المتن يسمح لنا بمعرفة المسارات الممكنة لعالم قيد التشكل، حيث أن هذا المتن امتلك دلالاته وشيفراته الخاصة؛ بعضها كان معلنا وواضحا، والبعض الآخر ظل بحاجة للمساءلة والكشف عن خفاياه، واستوى كل ذلك في شكل خطاب متكامل، تميز بنوع من القصدية الواضحة في مجمله، والتي تسعى إلى توجيه السلوك وتوحيد الموقف.

مسرحة فعل السلطة وتأنيثه: أية دلالات؟

أمكنتنا المتابعة لأهم مراحل فرض حالة الحجر الصحي في الكثير من المدن المغربية، من ملاحظة مسألتين أو ظاهرتين، واللتين سنعتمدهما كمدخل لفهم وتحليل المحلي والوطني والكوني، والكيفية التي تتداخل بها هذه المستويات في تشكيل تصورات جديدة حول الحدود والدولة والمجال، وهاتان المسألتان هما:

• تكمن الأولى في وجود نوع من القصدية في تصوير تدخلات رجال السلطة على المستوى المحلي أثناء فرض حالة الحجر الصحي، والعمل على نشرها وتعميمها عبر وسائل وتقنيات الإعلام الجديد، وبالخصوص شبكات التواصل الاجتماعي، وقد بدا واضحا توظيف تقنية البث المباشر.

• وتتمثل الثانية في التركيز على النساء/ القائدات من رجال السلطة، بحيث حظيت تدخلاتهن في الأحياء الشعبية باهتمام خاص وبمتابعة ملحوظة، وبالفعل، فرضت بعض القائدات وجودهن على شبكات التواصل الاجتماعي، وكانت أشهرهن القائدة حورية (عرفت هكذا- 1)، واشتهرت باسمها الشخصي (2) ، ويكفي أن تكتب اسمها في محرك البحث غوغل أو اليوتيوب وغيرهما، لتطالعك المئات من الصور ومقاطع الفيديو والكتابات الصحافية وملاحظات وتعليقات رواد شبكات التواصل الاجتماعي.

شكلت القائدة حورية (3) “ظاهرة” خلال فترة الحجر الصحي، حيث تجاوزت شهرتها المغرب، وحظيت بالكثير من الاهتمام من طرف الصحافة ووسائل الإعلام، وردد معظم المغاربة اسمها، واعتبرت “أيقونة حالة الطوارئ الصحية” و”أيقونة كورونا”.

فرضت هاتان المسألتان طرح جملة من التساؤلات، من قبيل: كيف يمكن تفسير هذا الاهتمام الواضح بتصوير تدخلات رجال السلطة خلال فرض حالة الحجر الصحي، وبالصورة التي كانت تسعى إلى إبراز صورة إيجابية عن تدخلاتهم، وبالتالي محو كل تمثل سلبي حول رجال السلطة؟ هل كان ذلك بهدف إظهار قدرة الدولة على الفعل والتدخل، وتأكيد حضورها كفاعل مركزي في إدارة هذه الجائحة؟ وكيف يمكن قراءة التركيز على رجال السلطة من النساء كفاعلات في الخطوط الأمامية لمواجهة فيروس كوفيد 19؟ هل كان في ذلك نوع من القصدية أم أن الأمر كان مجرد مصادفة ليس إلا؟ وكيف يمكن قراءة التركيز على تدخلات رجال السلطة في محيطهم المحلي؟ هل كان بهدف التقليل من أهمية دور ومسؤولية الدولة أو السلطة المركزية في مواجهة آثار الجائحة، وبالتالي يصبح رجل السلطة قائدا أو قائدة هو المسؤول أمام المواطن، ومن ثم يصبح موضوعا للاحتجاج في حالة الفشل، وبالتالي إبعاد السلطة المركزية عن دائرة المساءلة والاحتجاج؟

استندنا في الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها على المتن الذي قمنا بتجميعه من صور ورسومات ومقاطع فيديو وتغطيات صحافية، والتي تم تداولها على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، وتعاملنا مع كل ذلك كخطاب، ينبغي تحليله وتفكيك دلالاته وشيفراته. انطلاقا من هذه الرؤية، حاولنا قراءة خبرات وتجارب الفاعلين من الداخل على المستوى المحلي، وذلك بالتركيز على منظومة القيم والمعايير التي يتبنونها أو تبنوها في مواجهة خطر مشترك يهدد الجميع، والتي تبرز منظومة هذه القيم والمعايير كتمثلات، والتي من خلالها يتصرفون ويحددون مواقفهم وأفعالهم وسلوكاتهم وآراءهم (4).

تركز اهتمامنا على المعنى والدلالة الداخلية، أو بعبارة أخرى حول المعيش والفعل والتمثل، والذي تمت صياغته من خلال استخدام اللغة والكلام (5)، وبرز في الكثير من الأشكال التعبيرية، كالرسومات والصور ومقاطع الفيديو وغيرها، والذي شكل متنا يمكن الاستناد إليه لفهم الكثير من التغييرات الجارية والسائرة نحو التشكل.

1- الهرمية المجالية والحاجة الملحة للحدود

كشفت قراءتنا لهذا المتن عن كون معظم التمثلات والتصورات أصبحت تنبني على سلسلة متدرجة ومتصاعدة. فكنا في هذه القراءة، نبدأ من المحلي ثم الوطني فالكوني، لنخلص إلى القول بتشكل نوع من الهرمية المجالية، والتي يشكل فيها المنزل والعالم – تواليا – أصغر وأكبر الوحدات المجالية، وبينهما توجد وحدات وسيطة كالحي والمدينة والجهة والوطن. وأهمية هذه الوحدات تزداد أو تنقص حسب درجة الأمن التي توفرها للمواطن.

نستنتج من الرسمين (1 و2) أن المنزل هو الوحدة المجالية الثابتة، وهي التي تمثل وتختزل الأمن، وفي نفس الوقت، كلما اتسع المجال، أصبح أكثر خطورة (العالم يموت)، فأهمية المجال وقيمته أصبحت مقترنة بالأمن الذي يوفره، وهكذا قد تتساوى كوريا الشمالية ومدينة صغيرة مثل آسفي (6)، وتصبح القائدة حورية قائدة إحدى مقاطعات مدينة صغيرة مثل آسفي وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (Kim Jong-un) في نفس المرتبة والدرجة، وذلك لأنهما حصنا حدود المجال الخاضع لسلطتيهما، ومنعا انتقال الوباء إليه، وبالتالي فالأمن يكون في الداخل، بينما الخارج هو على الدوام مصدر خطر محتمل ووارد، فالعالم برمته، والذي يقع خارج حدود الداخل يتجه نحو نهايته المحتومة (“العالم يموت” كما في الرسم 2)، وبالتالي، فالمغفل من يضحك، (نتا كتكر كر- 7)، ونتيجة ذلك، يصبح الاحتماء بالمنازل هو الحل الوحيد والأوحد للنجاة من موت محقق.

2- تشظي العالم وجدلية الداخل والخارج

إن العالم – وفق هذا المتن- أصبح متشظيا ومتعددا، فالعالم لن يكون من الآن فصاعدا، قرية صغيرة كما كنا نعتقد، بل أصبح أكثر شساعة، وفي نفس الوقت قابلا للتشظي. هذا التشظي المبني على جدلية الداخل والخارج؛ إذ يقترن الأمن بالداخل، أما الخارج، فيحضر كمرادف للموت والخطر المحتمل.

إن العالم، وبعد جائحة كوفيد19، سيتسع أكثر فأكثر، ولكنه، وفي نفس الوقت، سينكمش مجاليا، وسينقسم إلى وحدات صغيرة، وذلك ليصبح شفافا وقابلا للملاحظة، مما يضمن مراقبة أكثر فاعلية، فالحدود ستتعزز وظيفتها، وتصبح حمايتها أكثر ضرورة وأشد إلحاحا من أي وقت مضى، وبالتالي، لا غرابة أن تقارن كوريا الشمالية/ الدولة القوية بمدينة صغيرة كآسفي، ويقارن الزعيم الكوري كِم جونغ أون بالقائدة حورية (8)، وذلك لأن كليهما راقبا المجال الخاضع لسلطتيهما، وحافظا عليه من الخطر القادم من الخارج (كوفيد19)، والعابر للحدود.

إن المجال، كما الحدود، ستصبح مسألة مراقبتهما وحمايتهما من المهام الأساسية للدولة بعد جائحة كوفيد19، وذلك لأن الخطر يأتي من الحدود، فالمجال، كلما اتسع كان مكلِّفا من حيث مراقبته، وصعب التحكم فيه وضبط حركة الناس والأشياء عليه (9).

إذا كانت، بالفعل، الكثير من الظواهر والوقائع التي ميزت عالمنا المعاصر، لا يمكن فهمها إلا من خلال تحليل الحركات العابرة للحدود (mobilités transfrontalières) وفهم سياقاتها التاريخية (10)، والتي جعلت من الصعب تحديد الفواصل يبن المحلي والكوني، فإن ذلك جعل كل التحاليل تنطلق من الكوني، حيث شكل عبور الحدود القاعدة التي تتحكم في كل شيء، وأصبح كل شيء قابلا للانتقال، بما في ذلك المخاطر والأمراض، كما حدث يوم 26 أبريل/ نيسان 1986، حيث ونتيجة انفجار المفاعل رقم 4 في محطة تشرنوبيل Tchernobyl للطاقة النووية بأوكرانيا، وقعت كارثة بشرية وبيئية مرعبة، كان لها دور كبير في تحديد معالم العالم بعد الحرب الباردة (11)، وكما يحدث الآن نتيجة فيروس كوفيد19.

وفي نفس السياق، ينبغي أن نستحضر طبيعة التهديدات المتعلقة بالجريمة والارهاب، والتي أصبحت لها أيضا طبيعة متنقلة، وبالتالي، أصبحت هي الأخرى تفرض حلولا محمولة (portable solutions)، أي أنها لها قابلية النقل من مكان لآخر، إذ يستحيل تغطية ومراقبة كل مناطق الدخول (مناطق الحدود) ومناطق التوتر (12)، ووفق هذا المنظور، أصبحنا نعيش ضمن جماعة بحدود كونية- 13 (une communauté au frontières planétaires)، الأمر الذي أضعف قدرة الأفراد، كما الدول، على التحكم في مصائرهم وأقدارهم، وذلك نتيجة الأخطار المشتركة- 14 (risques partagés).

3- الدولة: أقوى بحدود أقل وأكثر ضبابية

إن النظرة التي تكونت لدى الكثير من الناس، والتي أمكن التعبير عنها من خلال المتن الذي وقفنا عنده من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، يعكس بداية العودة الى الذات والمحلي والوطني في الكثير من المستويات، مما قد يعني تراجع الكوني، والذي في الكثير من أبعاده كان تعبيرا عن هيمنة ثقافة كونية، فرضت ذاتها بمنطق القوة الذي حكم العالم، وكان كل ذلك انعكاسا لاحتكار وسائل الاعلام والتقنيات الحديثة للمعلوميات من طرف نفس القوة، الأمر الذي جعل العولمة (Mondialisation) والأمركة (Américanisation) مترادفين، ويعبران عن نفس الظاهرة (15).

إن الوقائع التي تشكلت أثناء هذه الجائحة، والتي قد تستمر بعد ذلك، ستؤثر على وضعية الدول في علاقتها بمجالاتها الترابية، وبسيادتها على المجال، وعلى الأشخاص الذين يتحركون فوقه، وبالتالي، فإن فرض حالة الطوارئ الصحية مثَّل أحد أوجه اختبار قوة الدولة في الضبط والمراقبة، بحيث أن كل وضع هش قد يكون مبعث قلق، وعاملا يساعد على تشكل سلط مضادة لسلطة الدولة، لذلك بدت مسرحة عمليات تدخلات رجال السلطة إحدى العلامات الفارقة في محاولة إبراز قوة الدولة وبداية التحول في وظائفها، وبدت هذه التدخلات، وكأنها تضحية بكل شيء من أجل المواطن وحياته، ومما أعطى لهذه المسرحة كل هذه الأبعاد هو التركيز على النساء من رجال السلطة، بحيث بدا، وكأن الأمر يتعلق بتحول جذري في مفهوم السلطة (autorité)، بإعطائها طابعا ناعما. إن ما تم على هذا المستوى المحلي والوطني، يحدث أيضا على الصعيد الدولي، ذلك أن الصين – بدورها- لجأت إلى استخدام وتطوير قوتها الناعمة عن طريق إرسال الأطباء والمعدات والمساعدات الطبية للعديد من الدول المتضررة من جراء فيروس كورونا (16) ، كما أنها استطاعت التحكم في انتشار الوباء، وانتقلت – في نظر الرأي العام الدولي – من المسؤول عن الوباء إلى دور البطل. وأصبحت تحتل المواقع التي تنسحب منها الولايات المتحدة الأميركية، متشبثة بوضعيتها كقوة اقتصادية في قمة النمو والازدهار، وكقوة عسكرية صاعدة في محيطها الإقليمي (17).

طرح هذا الوضع، على الأفراد، كما على الدول، مساءلة النموذج الذي ينبغي الاقتداء به، وقد رأينا كيف أن ثمة تماهيًا مع النموذج الذي تمثله كوريا الشمالية، وزعيمها كيم جونغ أون (Kim Jong-un)، (أنظر الرسم رقم 1) والذي أظهر القوة والحنكة في حماية مجاله الترابي والسياسي، فمنع انتشار فيروس كوفيد19، أظهر قدرة غير عادية على التكيف مع كل الأوضاع والظروف دون أن يفرط في المرتكزات والأسس التي قامت عليها كوريا الشمالية (18).

بهذا المعنى يمكن أن نتساءل: هل تصبح الصين والدول المماثلة لها هي النموذج الذي ينبغي الاقتداء به؟ وهل يمكن الحديث عن نهاية الدولة كما تجسدت في النظام الليبرالي والديمقراطية الغربية؟ وهل يعني ذلك أن قوة الدولة، ستصبح مشروطة بقدرتها على حماية حدودها وسيادتها ومراقبة مجالها السياسي والترابي؟ وهل يعني ذلك نهاية العولمة أم أنها ستستمر بصيغ جديدة، وفي ظل علاقات دولية مبنية على أسس مغايرة لتلك التي سادت خلال مرحلة ما بعد انهيار جدار برلين؟

إذا كانت الدولة الوطنية (Etat- nation)، والتي قامت على ثلاثة أسس مركزية، وهي وحدة المجال الترابي والتاريخ والمصالح المشتركة، قد انتهت، وتراجعت لصالح عولمة التبادلات الاقتصادية، وفقدت قدرتها على التحكم والتدخل، وبالتالي أصبح الإرث الديمقراطي الذي خلفته الدولة الوطنية مهددا بالزوال، إذ تلاشت الحدود، وهيمنت عولمة التبادلات الاقتصادية والتجارية وتكنولوجيا المعلومات على مختلف العلاقات وعلى سائر الأصعدة. ونتيجة ذلك، أصبح النموذج الديمقراطي الغربي يواجه الكفاءة الآسيوية، أو بمعنى آخر، ثمة نموذج سياسي “جديد” يضع النموذج الديمقراطي الغربي موضع تساؤل، والذي تفرض فيه الجماعة شروطها على الفرد (19).

إذا كان العابر للحدود مصدر خطر، فإن ذلك يفرض تغييرا جذريا في إدارة الشؤون الوطنية والدولية معا، ويعني ذلك بداية تشكل تعاون دولي، مما يترتب عليه بلورة نوع من الحكامة الدولية- 20 (gouvernance mondiale).

تكمن معالم التحول في إدارة الشؤون الوطنية والدولية بعد جائحة كوفيد19 في تعزيز دور الدولة الوطنية (Etat- nation) والدولة الراعية (Etat-providence)، مما يعني تقوية المسألة الاجتماعية في السياسات العمومية، الأمر الذي لن يكون قابلا للتحقق إلا في سياق دولي يقوم على التعاون بين الدول والتنسيق فيما بينها.

لا يعني إخضاع الحدود لرقابة الدولة وتنامي قوة الدولة الوطنية نهايةَ الحركيات العابرة للحدود، وإنما يعني إعادة صياغة هذه الحركيات على أسس جديدة، تهدف إلى منع كل تكرار ممكن لكارثة أو جائحة شبيهة بفيروس كوفيد19، وقد يكون ذلك ضمن دينامية دولية، تستحضر كل ما يهدد الإنسان والطبيعة، ومن ذلك ما ارتبط بالتلوث ومشكلات البيئة والأمراض والأوبئة والإرهاب والجريمة، مما يعني وضع سياسات استباقية بهذا الشأن، وبداية التفكير في مواجهة التهديدات الكونية ومنع انتقالها؛ بحيث يتداخل الوطني والدولي، ولا يتناقضان. وقد يكون المنطلق هو البدء في البحث عن دواء وتلقيح لفيروس كوفيد19 (21)، وتعميمه، وذلك منعا لانتقال العدوى، وكما بالنسبة للمخاطر المتشابهة والمشتركة، فالعزلة (عزلة الأفراد والدول) مسألة ليست بواقعية على الإطلاق.

4- على سبيل الختم

كشف تحليل الكثير من التصورات والتمثلات بصدد المحلي والوطني والكوني أنها أضحت محكومة بجدلية التقارب والتباعد، حيث أمكننا الوقوف عليها من خلال إعادة تأويل وفهم منطوق الكلام واللغة، والذي تشكل خلال مراحل تدبير جائحة كوفيد19، إذ سنحكم بالتباعد والتقارب في نفس الوقت، فمجالنا الحيوي سيكون هو ذاك الذي يحمينا، ونشعر فيه بالأمن.

إن العالم سيضيق من الناحية المجالية إلى أقصى الحدود، وبالقدر ذاته سيتسع ويتمدد، سنكون متباعدين لنضمن الحماية والسلامة، وسيكون الخارج، على الدوام، مصدر خطر، ذلك أن ضبابية الحدود لن تنمحي بالمعنى الفعلي والعملي، فالتنافس بين الدول سيستمر (22)، وسنكون أكثرا تقاربا، لأن قدرنا هو أن نعيش جميعا فوق هذه الأرض، فالعزلة غير ممكنة، ولن تتحقق على الإطلاق، إلا أن مرجعياتنا المجالية ستتعدد، وبحدود أكثر، وبالتالي سنشهد ميلاد هرمية مجالية، ستتحدد حسب درجة المخاطر المشتركة واحتمالات انتقالها ودرجة الأمن. فالأمن لن نشعر به، ولن نعيشه حقيقة، ولن يكون ممكنا إلا من خلال التأكد من أن الخارج – من أصغر وحدة مجالية إلى أكبرها – يضمن الأمن والسلامة لنا، لذلك فالإحساس بالأمن سيظل مرتبطا بالخارج، ذلك أن هذا الوباء (فيروس كوفيد 19) نجح في تعميم الخوف، وسيرغم الجميع على التعاون والتنسيق، مع هذا “الخارج”، الذي هو وبحدود أقل، وبالتالي أصبح مصدر خطر محتمل؛ مما جعلنا نحتمي بالداخل، نحتمي بالدار (23)، وحماية الدار تفرض حماية الحي والمدينة ثم الجهة، فالبلد بأكمله، وأخيرا العالم، وذلك ضمن حدود ضبابية، حيث تصبح قوة الدولة ترتبط بقدرتها على أن تتموقع بشكل أفضل في هذه الهرمية المجالية والسائرة نحو التشكل.

* أستاذ علم الاجتماع، جامعة عبد المالك السعدي، تطوان/ المغرب.

* هوامش:

1- تم التركيز على الاسم الشخصي بحيث بدت قصدية واضحة في إبراز رجال السلطة من النساء، كظاهرة جديدة نسبيا، وفي ظروف تتميز بالدقة والحساسية، يمكن أن يفهم كاستخدام للقوة الناعمة.

2- انظر نماذج من التغطيات الصحافية ومقاطع الفيديو والتي توثق تدخلات القايدة حورية

-https://www.youtube.com/watch?v=ZFKoRkKHXBg

شوهد بتاريخ 29/7/2020

https://anfaspress.com/news/voir/63105-2020-03-24-02-26-41

شوهد بتاريخ 29/7/2020

– https://assabah.ma/456456.html

شوهد بتاريخ 29/7/2020

– https://www.youtube.com/watch?v=EX25wTFPt68

شوهد بتاريخ 29/7/2020

– https://www.facebook.com/watch/?v=220982225820730

شوهد بتاريخ 2/8/2020

– https://www.youtube.com/watch?v=FDeWpHAn8W8

شوهد بتاريخ 5/8/2020

-https://www.youtube.com/watch?v=IToNbVNd84M

شوهد بتاريخ 5/8/2020

3- ونحن ننهي كتابة هذه المقالة، تمت ترقية القائدة حورية إلى رتبة الباشا بشكل استثنائي، وذلك لتأكيد أنها شكلت نموذجا جديدا لمفهوم السلطة، وفي نفس الوقت، للتغطية والتقليل من حجم التجاوزات التي مارسها بعض رجال السلطة، والتي تناقلتها شبكات التواصل الاجتماعي.

4- Jodelet, Denise, « Représentations sociales : un domaine en expansion», in Les représentations sociales, (sous. Dir, de Jodelet, Denise), Paris, PUF, coll. Sociologie d’aujourd’hui,1989.

5- Oger, Claire Ollivier- Yariv, Caroline, « analyse du discours institutionnel et sociologie compréhensive : vers une anthropologie des discours », in mots. Les langages du politique. N° 77. 2003. p130

6- آسفي هي مدينة مغربية تقع على ساحل المحيط الأطلسي بين مدينتي الجديدة والصويرة.

7- جملة بالدارجة المغربية، وتعني باللغة العربية الفصحى: أنت الذي تضحك.

8- القائدة حورية قائدة بمدينة آسفي (رتبة شبه عسكرية). اشتهرت خلال فترة الحجر الصحي عبر مجموعة من مقاطع الفيديو، والتي كانت توثق طريقة فرضها للحجر الصحي وتعاملها مع المواطنين.

9- Claval Paul, Espace et Pouvoir. Presses Universitaires de France, « Espace et liberté », 1978,

10-Zaki Laïdi, ”La mondialisation comme phénoménologie du monde“ in https://cutt.us/DpxvD

(شوهد بتاريخ 4/8/2020)

* يعتقد لعايدي زاكي أن العولمة هي عبارة عن حركات عابرة للحدود، وبالتالي نستعمل في هذا السياق مفهوم الحركيات العابرة للحدود للدلالة على الظواهر المرتبطة بالعولمة.

11- Thies Jochen, Les conséquences de Tchernobyl : un atout pour les relations Est-Ouest ?. In: Politique étrangère, n°3 – 1986 -51ᵉannée. pp. 703-710 https://www.persee.fr/doc/polit_0032-342x_1986_num_51_3_3602. (شوهد بتاريخ 4/8/2020)

12- Bourne, Mike, et al. “Laboratizing the Border: The Production, Translation and Anticipation of Security Technologies.” Security Dialogue, vol. 46, no. 4, 2015, pp. 307–325. JSTOR, www.jstor.org/stable/26293590. Accessed 4 Aug. 2020.

13 -Zaki Laïdi. ”La mondialisation comme phenomenologie du monde“.op.ct.

14 – ibid.

15 -Guéhenno Jean-Marie. Américanisation du monde ou mondialisation de l’Amérique ?. In: Politique étrangère, n°1 – 1999 – 64ᵉannée. pp. 7-20 in https://cutt.us/q2jil

(شوهد بتاريخ 4/8/2020)

16 -Ian Goldin et Robert Muggah. « Après le coronavirus, le monde ne sera plus jamais le même ». in : The conversation. April 2, 2020 in https://cutt.us/GuXLM

 – voir aussi : Michel Duclos. « Le Covid-19 est-il un game-changer géopolitique ? » in : Institut Montaigne 19 MARS 2020 In https://cutt.us/7unr5

17 – Tanguy de Wilde d’Estmael : La chine et le monde auront –ils changé après le coronavirus ? in L’UCLouvain. be sans date Vue 20/07/2020 https://cutt.us/3h0Gu

18- Bruno Tertrais. Portrait de Kim Jong-un – Dirigeant suprême de la République populaire démocratique de Corée.in. https://www.institutmontaigne.org/blog/portrait-de-kim-jong-un-dirigeant-supreme-de-la-republique-populaire-democratique-de-coree

19- Jean-Marie Guéhenno, La fin de la démocratie, Flammarion, 1993

20 – Cui Tiankai , « Un nouveau système de gouvernance mondiale doit être mis en place pour répondre aux crises comme le COVID-19 » dans xinhuanews Publié le 2020-04-12 in https://cutt.us/HvtmB

(شوهد بتاريخ 1/8/2020)

-Voir aussi : Jean-Louis GUIGOU. « Une nouvelle gouvernance mondiale à espérer, un nouvel ordre mondial à construire » dans IPEMED Paris, le 19 Avril 2020 in : https://cutt.us/BAllE

(شوهد بتاريخ 4/8/2020)

21 -Ian Goldin et Robert Muggah. « Après le coronavirus, le monde ne sera plus jamais le même ». . op.ct.

22  ـ Michel Duclos, Le Covid-19 est-il un game-changer géopolitique? Dans Institut Montaigne, 19 MARS 2020 In https://cutt.us/m05k7

(شوهد بتاريخ 3/8/2020)

23 ـ شعار مواجهة جائحة كوفيد19، تم اختزاله في شعار: ابق في الدار، أو خليك بالبيت.

ضفة ثالثة

————————–

فرضية المدوّن العالمي الجديد/  وارد بدر السالم

الفرضية المتخيلة للبشرية التي تحاصرها جائحة كورونا هي أنّ معظم السكان الأرض يدوّنون الآن يومياتهم في هذا المحجر العالمي الشامل، بسبب الفراغ الذي يحيط بهم وفائض الوقت الذي يطاردهم تطبيقًا للشعار العالمي: خليك في البيت.. ومع أن الحياة العملية عادت نسبيًا بالمحاذير الصحية هنا وهناك، إلا أن الهرب الى البيت هو الحل الناجع لتفادي الموت البطيء مع هذا الفيروس القاتل.

فرضية التدوين اليومي، وأسمّي كاتبها بـ المدوّن العالمي، ممكنة لكونها دراما كونية توحدت فيها مشاعر الخوف والقلق والمجهول والاحتماء في الطبيعة ومقايضة الواقع بالغيبيات؛ مع أن الأغلبية ليسوا أدباء وكتّابًا؛ ولم يفكروا يومًا أن يدوّنوا صفحة شخصية واحدة عن موقف رومانسي أو وطني أو إنساني. وبالتالي فإن الظرف المَرَضي الذي حاصرها ويحاصرها حتى اليوم ألجأها الى هذا التدوين المباشر، كنوع من إطلاق المكبوت والهامشي في النفس الإنسانية. وصار بإمكان علماء الاجتماع على سبيل المثال أن يكتشفوا الكثير من المزايا النفسية والاجتماعية البشرية المغيبة التي أخرجها فايروس كورونا قسرًا.

ومن الطبيعي جدًا أن تتشابه الأفكار في هذه الفرضية الممكنة، وأن يصير السرد مجتمِعًا موازيًا للمحنة الكونية العامة. وستلتقي اليوميات في وصفها الشخصي والعمومي من دون الحاجة الى الإطالة واستقدام الخيال واللغة الماهرة، إلا من بعض التفاصيل الصغيرة التي تتحكم بها جغرافية كورونا بين هذا البلد أو ذاك. وهي تفاصيل مطلوبة حسب سياسات الشعوب ووجودها الميداني على الأرض واجتماعياتها المختلفة.

ليس افتراضًا في هذه الحاضنة الأرضية التي توارت عن الوجود الحسي الكامل والشامل، وقلّت حركتها اليومية المعتادة، وعادت الى بيوتها وكهوفها الأولى لترى أن الحياة بحجمٍ أقل من ربع بعوضة. وأقل بكثير حتى من حجم هذا الفيروس الغامض الشبحي الذي تسلل الى الحياة بطريقة نادرة وفريدة ومخيفة، وجعل منها مصحّة اجتماعية وسياسية، يفترعها الذعر والهلع والتحسُّب أكثر مما حصل فيها من وفيات واصابات. فالعالم كله انحنى أمام هذا المخلوق اللامرئي وعجز حتى اليوم من إيقاف زحفه السريع بين الدول والمدن شرقًا وغربًا، ليكتشف أن ثقافته العامة هي ثقافة استهلاكية أكثر من كونها ثقافة صحية وعلمية رصينة تواجه الحياة بمضاداتها المعرفية والأخلاقية والإنسانية، بعيدًا عن الوقاية الدينية التي يتوجه الناس اليها اليوم درءًا لهذا الإرهاب البيولوجي. وهذه أقل حيلة يلجأ اليها الإنسان في محنته الشخصية، ليكشف أنه عضو ضعيف في النسق البشري العام، وأنّ الكثير من الشعارات الحياتية واليافطات السياسية والدينية الشكلية ما هي إلا غطاء مرحلي للعبور الى الساحل الآخر من المنفعة الشخصية والإيديولوجية، وأن كورونا فضح الجميع بلا رحمة أمام جبروته وعظمته السرية التي اجتاحت الشعارات الشكلية والفساد السياسي والاقتصادي والديني الوعظي بقوة.

لذلك باعتقادنا أن البشرية بأديانها وطوائفها ومذاهبها وفي كل مكان تضامنت؛ ولو بنسبة معينة؛ وتوحدت ونجحت؛ الى حد ما؛ في أن تبتعد وتتقارب بالوقت ذاته، بعيدًا عن إلهامات السياسة وأديانها الكثيرة، لترى أن الحياة بالنتيجة أضيق من خرم الإبرة. وأن السعادات في الغالب فردية يصنعها البشر ولا تصنعها الأشكال الأخرى التي استهلكت الأرض بلا معنى في كثير من الأحيان. وبالتالي فإنّ التغيير النفسي والواقعي سيطال الحياة كلها بعد الخلاص من هذه المحنة الكونية والقضاء عليها.

ثقافة الخرافة

نقول إن التدوين اليومية المقترح في أرجاء الأرض سيتشابه وسيلتقي في نقطة واحدة؛ وهي النقطة الإنسانية الشاملة التي تعاضدت بين شرق الأرض وغربها بطريقة واحدة. وصار تتبّع أخبار الشعوب الشغل الرئيسي للجميع لتقدير حجم الإصابات والوفيات، وما يفرزه من إطار نفسي قوامه الخوف والذعر وانتظار الآتي من مخلفات الجائحة الكورونية، مثلما تتجه الأنظار في العالم كله الى ملائكة الرحمة من الأطباء والممرضين وعلماء البيولوجيا والعارفين بمثل هذه الأوبئة الفتاكة من كلا الجنسين. لكن تبقى الشعوب الفقيرة والجاهلة والمعدمة من نعمة الطب تستميت في الرحيل صوب شفويات أسطورية وخرافية في صيدليات الطبيعة وما تركه السلف البعيد من (علاجات) سحرية، أملًا بأن تقلل من حجم الإصابات، فمثل هذه الشعوب التي تستقدم خرافاتها الطبية قد تعالج الجانب النفسي، وهو نصف المشكلة، عندما تذهب الى الماضي والإرث الطبي الشعبي المتوارث والذي لم تثبت أهميته بعد.

وحتى في الدول التي خرجت من هذا الإطار الشعبي الذي يسوده الجهل وعُدّت من الدول الأكثر من نامية؛ كالعراق وإيران مثلًا، ذهبت الى ثقافة الخرافة الدينية بوصفها الطائفي لتستدعي المقدس على أشكاله، فأشاعت الكثير من الممارسات المستفزة في المجتمع التي لا علاقة لها بعلاج كورونا، سوى أنها نوع من الإيهام النفسي والخديعة التي تضلل المجتمع وتغريه بتابعيته اليها من دون أن تتركه، ليرى الحياة العلمية وثقافتها المتطورة ومعالجاتها المتوقعة لهذا الإرهاب الوبائي، كالخرق المقدسة والعطور الدينية التي تشفي المرضى من (أوهام كورونا) إضافة الى السماح بالزيارات الدينية الى مراقد الأئمة في تجمعات جماهيرية ناقلة لهذا الوباء.

الطفولة الاجتماعية

سيعود المدوّن العالمي الى مثاباته الأولى. وستكون أولى انتباهاته الى البيت ومحتوياته وعناصره الغائبة عن العين، لا سيما الهوامش منها. بمعنى أنه ستكون للبيوت يوميات ومذكرات مع أفراد لم يعتادوا المكوث الطويل كما يحصل الآن، لا سيما الرجال الغائبين عنها ساعات طويلة بسبب العمل أو السفر مثلًا، ليكتشفوا أسرارها وعناصرها الصغيرة والكبيرة، بدءًا من الباب الخارجي الذي يحتاج الى تجديد في الأصباغ وترميم الخسوفات الصغيرة، وانتهاءً بالحديقة الخلفية التي تراكم عليها الغبار والتي تحتاج الى تشذيب وري وسقاية وقص وتنظيم، مرورًا بالمطبخ بروائحه من قلي وشواء وطبخ، والى كل الموجودات التي تشكل عناصر هامشية ورئيسية كالثلاجة المزخرفة بالملصقات، والمجمدة النائمة على برودتها المثلجة، والطباخ الذي تعلوه طبقات خفيفة من الدهون، والقنفة الراكدة، والسجادة المتآكلة، وعلى شاكلتها العناصر الهامشية: البطانيات  والمخدات والثياب والستائر والمصابيح والثريات والإكسسوارات المعلقة من صور قديمة ولوحات تجارية تناسلت تحتها العناكب ومات الذباب في شبكاتها المتربة.

وربما ستكون مدوّنات البيوت هي الأجدر بأن تكون تاريخًا نسبيا لأيام كورونا، كونها أعادتنا قسرًا الى كل تلك الموجودات والعناصر الدافئة التي نفتقدها مع مرور السنوات لأسبابنا الكثيرة. وهذه السببية بمجموعها السالب والموجب أعادتنا الى نقطة الصفر البيتية وروائحها وطعمها الأزلي الذي نسيناه في زحمة المشاغل اليومية. فاضطرنا الوباء الى أن نبقى في بيوتنا فترة من الزمن مفتوحة وكأنها لا نهاية لها. فالحال المَرَضية المفاجئة ألزمت الكون بأن يستفيق ويصحو ويعود الى طفولته الاجتماعية في بيته ويرى الكثير مما فقده في سنوات الترحال والعمل والتجوال. وهذا ما وقعنا فيه: عزلة إجبارية في بيوت شاء القدر لها بأن تفتح أجنحتها للعائدين إليها، ليكون للبيت حصة من اليوميات والمذكرات في هذه الجائحة الكونية التي ترانا ولا نراها. وبالتالي علينا أن نرى البيت كعربة دافئة، راقدة على جرف الحياة لا لتشكّل منظرًا طبيعيا. بل تؤدي مهمة نفسية كظاهرة، بتعبير باشلار، انسجامًا مع فكرة أن البيت هو الألفة والحميمية الذي يتجذر فينا بمرور الوقت، فهو الحضنُ والحاضنة والمأوى والغطاء والخيمة الكبيرة. وحتى الانسان البدائي القديم كان يتستر ويبني بيوته من أوراق الأشجار وجذوعها، ومن حزمات القصب يشكّل هندسة بيتية محمية، ليمارس فعل الحياة بالأشكال كلها. فالإنسان يولد في بيته؛ أيًا كان شكل البيت؛ وتتفتح عيونه على أي شكل هندسي مهما كان بسيطًا، يحفظ له بقاءه وديمومته ليصون بالتالي أسراره ويتجذّر فيه وينتمي إليه. وهو ما أشار اليه الظاهراتي باشلار في (جماليات المكان).

المدوّن العالمي الكوروني سيشعر بأنه يعيد الاعتبار للبيت فقد تكون هناك مواساة ضمنية في هذا الرجوع الإجباري؛ لإعادة النظر في كل شيء، اجتماعيًا ونفسيًا وأدبيًا، وتقليل بعض الخسائر اليومية التي كانت تحدث، ورؤية البيت من زوايا كثيرة مع مراقبة الأخبار العاجلة التي تتحدث عن السيد كورونا. فكلما كانت هناك فجائع موت أو إصابات، يمسك مقود البيت بالمعقمات والمطهّرات بقلق، ثم يخاطب الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة ما كأنه سيودعهم أو في محاولة؛ ربما صريحة؛ لطلب الصفح والعفو والمغفرة، لذلك فالمدوّن حاجرٌ نفسي وذاتي وكياني قبل الحجر الحكومي، كوني أفهم الى حد بعيد ماذا تعني مثل هذه الظاهرة الكورونية، وما خلّفته من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية، مستذكرًا طواعينَ كثيرة مرت بها البشرية سمع بها سابقًا أو أعادتها له مقاطع فيديوية تهتم بالشأن الصحي والإنساني.

وسيجد هذا المدوّن العالمي أثناء حصاره البيتي بأن هناك حلولًا غير التدوين من شأنها أن ترفده بالتجربة، لو استعصت الكتابة عليه. فالقراءة حل. والكتابة حل. والنوم حل. والخمرة حل. والموسيقى حل. والصلاة حل. والدعاء حل. وكل هذه الحلول هي موضعية لا تستطيع أن تخفي القلق المتعاظم فيه مع موجات الإصابات المحلية والعالمية وازدياد الوفيات في هذا البلد أو ذاك، حتى بات القلق نصف الهزيمة. وما تبقى يشبه حلًا قدريًا قد يأتي أو لا يأتي، مع يقيننا الثابت أن العلم الجبار سيجد حلًا أخيرًا لهذه المنازلة غير المنصفة (تذكّروا رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ عندما انتصرت فيها المعرفة) فلا مجال للقوة الشخصية إلا في استمكان تلك الظواهر والعبور عليها بسلام. لكننا ندّخر القوة من مضامين نفسية وثقافة مستوفية الى حد جيد أن تكون هذه التجربة المخيفة ليست عابرة كما يتصورها البعض. بل هي من أصعب التجارب التي تواجه أجيالنا في كل مكان من الأرض، وعليه فإن هذا الصراع الوجودي هو تهديد حقيقي وليس طارئًا على الكون كله، وبالتالي فالخوف حقيقي من اليوم ومن الغد مع وجود المناعة الثقافية المتوسطة والمناعة القدرية التي لا بد منها في مثل هذه الظروف بالغة السوء. فاليوم الغامض يمر أحيانًا بسلام، لكن الغد الأكثر غموضًا لا نعرف مستويات مفاجآته النفسية والاقتصادية والسياسية. وعلى الأغلب الأعم أن الغد سيتغير كثيرًا، فهذه الجائحة لن تمر بسلام على الجميع؛ إذ لابد من أن تتغير بُنى اجتماعية وفكرية وثقافية وسياسية كثيرة في مغارب الأرض ومشارقها. وقد نشهد تحولات استراتيجية في كيفية بناء الأوطان بناءً علميًا وثقافيًا غير الذي اعتدناه وتطبّعنا عليه. فالكوارث كلها تعيد الخلق من جديد. وتنمّي مهارات أخرى للمستقبل وأولها البناء الثقافي الرصين بكل مشتقاته المعروفة.

تحية لكل مدوّن في العالم رصد بيته وانفعالاته وخوفه وقلقه، ورأى ما لم نره في هذه المحنة الجماعية.

ضفة ثالثة

——————————-

دمشق في مواجهة مليون حالة “كورونا”: لا غرف متاحة!/ طارق ميري – محمد الواوي

على رغم انتشار فايروس “كورونا” في دمشق بـ”وتيرة منخفضة” بحسب أرقام وزارة الصحة، مذ سجلت سوريا أول إصابة يوم 22 آذار/ مارس الماضي، إلا أن الأوساط الطبية تشكك بالأرقام التي تصرح بها “الصحة” بناءً على عدد الحالات التي كانت تراجع المستشفيات، التي شهد الكثير منها ازدحاماً وسط زيادة عدد الوفيات بحسب مصادر طبية من داخلها، تعززها زيادة عدد الوفيات اليومي العام بحسب بيانات “مكتب دفن الموتى” في دمشق.

ففي حين أعلنت “الصحة” عن 95 وفاة نتيجة “كورونا” حتى 25 آب/ أغسطس الماضي، أكد مصدر في مكتب دفن الموتى في دمشق لمعدي التقرير أن الوفيات وصلت إلى أكثر من 100 يومياً في الأسبوع الأخير من تموز/ يوليو الماضي مقارنة بـ25 حالة وفاة يومياً في الفترة ذاتها من العام الماضي. ويستدرك بالقول: “لكن العدد تراجع إلى 40 حالة يومياً في الأسبوع الأخير من شهر آب”، وهذا يشمل إطار الوفيات العام في دمشق الصادر عن “مكتب دفن الموتى” الوحيد في العاصمة والتابع لمحافظة دمشق، وهو يظهر تضاعف عدد الوفيات مقارنة بالفترة السابقة من العام الماضي. ولا يمكن الجزم بأن الوفيات هي لمصابين بـ”كورونا” كون وزارة الصحة لم تجر مسحات لجميع الحالات كما يؤكد المصدر “بسبب ضعف الإمكانات”.

وتشير بيانات وزارة الصحة السورية إلى 5134 إصابة مسجلة في سوريا فقط و251 وفاة و1565 حالة شفاء، بينما يتوقع طبيب الانتانية (مختص بالجهاز المناعي للجسم) علي رستم في لقاء مع معدَّي التقرير، أن العدد الكلي للإصابات بفايروس “كورونا” في دمشق بلغ أكثر من 700 ألف إصابة حتى تاريخ 20 آب، مع افتراض أن عدد سكان العاصمة السورية هو 5 ملايين نسمة. في المقابل، كانت وزارة الصحة تعلن خلال هذه الفترة، عن 20 إلى 24 إصابة مسجلة بـ”كورونا” يومياً. لكن أستاذاً جامعياً في كلية الطب في دمشق، قدّر لمعدّي التقرير العدد بما يزيد عن مليون إصابة حتى الآن.

ويوضح الطبيب رستم أن دمشق لم تصل إلى “مناعة القطيع” بعد، كون ذلك يتطلب إصابة 60 في المئة من السكان، واعتمد على أحد النماذج الإحصائية من prediction model، الذي يقدم إحصاءاته بناء على البيانات المدخلة إليه من معلومات وإحصاءات طبية أساسية مثل مدة بقاء المريض في المستشفى وعدد الحالات في بداية ظهور الإصابات، ومعدل العدوى بالمقارنة مع عدد السكان فيظهر عدد الإصابات المتوقع.

ويشير رستم إلى أن الإصابات بدأت في 1 أيار/ مايو ووصلت إلى الذروة بعد 90 يوماً، ما يعني أن الذروة كانت في تاريخ 31 تموز/ يوليو أو قبله بعشرة أيام على الأقل، ويقول “هذا ما لاحظناه من ناحية تزايد الإصابات في الأسبوع الأخير من تموز، والأسبوع الأول من آب”.

وبالنسبة إلى قدرات المستشفيات في العاصمة دمشق، والتي استقبلت الحالات المصابة بفايروس “كورونا”، فقد تحدث أكثر من 8 أطباء لمعدي التقرير عن قدراتها الاستيعابية المحدودة مقارنة بعدد الإصابات المحتملة أو المسجلة.

مستشفى الأسد الجامعي

يقول الطبيب سمير (اسم مستعار) من مستشفى الأسد الجامعي، إنه “بتاريخ 16 آب، حدث انفجار في عدد الإصابات، أي قبل عيد الأضحى الأخير بأسبوعين أو أكثر”. ويضيف: “المستشفيات الحكومية في دمشق تحولت إلى أماكن لاستقبال مرضى كورونا وعلاجهم، أبرزها: المجتهد، ابن النفيس، الهلال الأحمر، الأسد الجامعي، المواساة”. وكانت حددت وزارة الصحة في آذار الماضي مستشفى الزبداني الوطني، ثم مستشفى قطنا الوطني في ريف دمشق كمركزين لعزل المصابين وعزلهم، لدمشق وريفها.

ومع ازدياد عدد الإصابات خلال شهري تموز وآب، تحولت المستشفيات الحكومية العامة إلى أماكن عزل واستقبال لمرضى “كورونا”، في تعميم غير معلن للمستشفيات تضمن أيضاً عدم استقبال الحالات المرضية الخفيفة والمتوسطة غير المتعلقة بفايروس “كورونا”، لكن خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2020، عادت المستشفيات الجامعية (التابعة لوزارة التعليم العالي) لاستقبال جميع الحالات المرضية.

وصرح مدير صحة ريف دمشق الدكتور ياسين نعنوس في تصريح لوسائل إعلام محلية خلال آذار الماضي أن مستشفى الزبداني الوطني يضم 100 سرير طبي وغرفة عناية بـ8 أسرة إلى جانب 4 منافس طبية، ويتم العمل على تجهيز 4 منافس أخرى، مبيناً أن الكادر الطبي يضم 220 طبيباً وفنياً.

وأشار مدير مستشفى قطنا الوطني بسام الموعي في تصريح سابق، إلى أن المستشفى خصص مركزاً للعزل الطبي منذ الـ19 حزيران/ يونيو الماضي، ورُفعت طاقته الاستيعابية من 60 إلى 100 سرير.

ويبين المصدر الطبي (سمير) أن مستشفى الأسد الجامعي استقبل يومياً في أسابيع الذروة الماضية بشكل وسطي ما بين 150 إلى 200 حالة مصابة بـ”كورونا”، بناء على الأعراض الظاهرة على المرضى، مشيراً إلى أن جزءاً كبيراً من الحالات لا يتم تشخصيه ونتائج مسحات المرضى تتأخر، إذ اتفق الأطباء في ما بينهم على اعتبار أن كل شخص لديه أعراض مشابهة لفايروس “كورونا” مصاب، ما لم يثبت العكس، حتى من دون إجراء مسحة طبية له، ومعالجته على هذا الأساس، نظراً لعدم القدرة على إجراء مسحات لكل المراجعين.

دمشق لم تصل إلى “مناعة القطيع” بعد،

كون ذلك يتطلب إصابة 60 في المئة من السكان.

ويشير الطبيب سمير إلى أن عدد الوفيات يومياً بالعشرات ويقدر وسطياً بما لا يقل عن 20 إلى 30 وفاة في المستشفيات الحكومية العامة من خلال عمله في مستشفيي الأسد الجامعي والمواساة، إضافة إلى اتصالاته مع زملائه في بقية المستشفيات، مبيناً وجود مرضى أصيبوا بـ”كورونا” وتوفوا في المستشفى بعد يومين قبل أن تشخص حالتهم مخبرياً على أنهم مصابون، لذا لا تدخل هذه الحالات ضمن إحصاءات وزارة الصحة المعلنة.

ويذكر المصدر الطبي (سمير) أن مستشفى الأسد الجامعي الحكومي العام يضم بحدود 18 أجهزة تنفس و60 غرفة عزل تتسع لـ60 مريضاً، وتتوزع المنافس على 5 غرف عناية، بينما لا تحتوي غرف العزل أي منها، ويضيف المصدر “لا أماكن في المستشفيات لاستقبال المزيد من المرضى والحالات الشديدة، وما زلنا في مرحلة تطور الفايروس”، علماً أنه كان هناك تعميم غير معلن من وزارة الصحة بعدم استقبال الحالات المرضية العادية أو الخفيفة في مستشفيات دمشق، قبل إلغائه أخيراً. وشاهد معدا التقرير عدداً من الحالات التي رفضت المستشفيات الحكومية استقبالها، منها حالة ولادة قيصرية وأخرى لامرأة مصابة بنزيف في المعدة.

ويقدر الطبيب وجود 200 إلى 300 جهاز تنفس فقط في مستشفيات دمشق الحكومية والخاصة، لافتاً إلى أن هذا العدد لا يتناسب مع عدد سكان العاصمة البالغ 5 ملايين نسمة تقريباً، بينما يتوقع رامز (اسم مستعار- أحد أساتذة كلية الطب في جامعة دمشق) وجود أكثر من 300 جهاز تنفس في دمشق، لكن لا يمكن تحديد العدد بدقة، في ظل غياب إحصاءات وزارة الصحة السورية حول ذلك، ويشير الدكتور رامز إلى ضرورة وجود أكثر من مليون جهاز مقارنة بعدد سكان العاصمة.

وأكد الطبيب محمد (اسم مستعار) من مستشفى الأسد الجامعي لمعدي التقرير أن نتيجة المسحة، خلال أوقات الذروة، كانت تتأخر 10 أيام أحياناً، وفي بعض الأوقات يموت المريض قبل أن تظهر نتيجة مسحته، لكنها الآن تستغرق 3 أيام إلى يوم فقط. وفسر مصدر طبي سبب التأخير بأن المسحات كانت تجمع من كل المحافظات.

وأشار الطبيب محمد إلى أنه خلال منتصف آب الماضي راجع مستشفى الأسد الجامعي بحدود 15 إلى 20 حالة اشتُبه بإصابتها بالفايروس في كل ساعة، لكن المستشفى لم يكن قادراً على استقبال حالات جديدة، ويوضح الطبيب أن الإصابات بلغت ذروتها بين 10 تموز و10 آب ثم انخفض العدد بعد ذلك، مضيفاً “لا يمكن الجزم إذا كان سبب الانخفاض هو تراجع انتشار الفايروس وانخفاض عدد الإصابات في دمشق أو تمكن المصابين من تأمين الأوكسجين لأنفسهم وتلقي العلاج في المنازل في ظل عجز القطاع الصحي”.

مستشفى المواساة الحكومي العام

يبين الطبيب سمير أن المستشفى يضم نحو 26 غرفة عزل فقط و12 سرير عناية مشددة مع 12 منفسة، موضحاً أن أقسام العزل تستوعب في الحد الأقصى 40 مريضاً مصاباً بـ”كورونا”، ومع ذلك لا تزال العمليات الإسعافية تعمل حتى الآن على استقبال الإصابات والكسور وغيرها.

مستشفى ابن النفيس الحكومي العام

يقول الطبيب علي (اسم مستعار) في مستشفى ابن النفيس لمعدي التقرير، “إن الإسعاف كان يستقبل وسطياً وفي الحد الأدنى 100 مريض مشتبه بإصابتهم بكورونا يومياً وأحياناً تزداد الذروة بعد الظهر وما بعد منتصف الليل، وفي بعض الأوقات تنتظر مصابون وفاة مريض آخر كي يحصلوا على سريره”.

ويرى الطبيب أن الوفيات التي تعلنها وزارة الصحة هي لمرضى مصابين بـ”كورونا” توفوا في مستشفياتها، بعد أخذ مسحات لهم وتأكيد إصابتهم، لافتاً إلى “وجود تكتم لدى إدارات المستشفيات حول أعداد الوفيات المسجلة يومياً”.

وأوضح الطبيب علي، أن في المستشفى 15 سرير عناية، إضافة إلى 15 جهاز تنفس فقط موزعة على الشكل التالي: 9 أسرة في غرفة واحدة أساسية، وغرفة أخرى إضافية تضم سريرين مع جهازي تنفس، بينما تضم وحدة العناية القلبية 4 أسرة مع 4 أجهزة تنفس.

مستشفى الهلال الأحمر

بالنسبة إلى مستشفى الهلال الأحمر بيّن أحد الأطباء العاملين فيه لمعدي التقرير أنه يحتوي 12 جهاز تنفس وهي موزعة بعد إضافة سريرين مع جهازين آخرين على 4 أسرة في غرفة العناية المشددة الأساسية، و6 أسرّة في العناية القلبية مع منافسها.

ويبلغ عدد الغرف في قسم العزل 10 حالياً، قابلة للزيادة في حال استخدام طبقة أخرى مخصصة للعزل عند الضرورة، وتصل القدرة الاستيعابية لقسم العزل في المستشفى إلى 40 مريضاً.

قدر الطبيب أسعد (اسم مستعار) في “المجتهد” عدد المنافس في كامل المستشفى بـ14 منفسة فقط، بينما تستوعب 80 مصاباً في غرف العزل، إلا أن مصدراً طبياً آخر توقع وجود 20 منفسة في أقسام العناية الطبية.

المستشفيات الخاصة والحكومية

المستشفيات الخاصة التابعة لـ”مديرية صحة دمشق”، وبخلاف الفترات الماضية، تستقبل بمعظمها الآن مصابين بالفايروس وتعالجهم باستثناء عدد محدود منها، ولم تلزم هذه المستشفيات بتعليمات وزارة الصحة، في حين يؤكد الأستاذ الجامعي رامز أن قدرة هذه المستشفيات محدودة نتيجة قلة عدد الأطباء عموماً، وعدم وجود أطباء مقيمين من طلبة الدراسات العليا (أطباء يمارسون الطب تحت إشراف أطباء آخرين مرخصين بشكل كامل) خصوصاً، كحال المستشفيات العمومية، إضافة إلى تقاضي هذه المستشفيات مبالغ مالية كبيرة تصل إلى 300 ألف ليرة (150 دولاراً في السوق الموازي/ 240 دولاراً وفق المصرف المركزي) لكل ليلة في غرفة العناية مقارنة بـ60 ألف ليرة وهو معدّل الأجور شهرياً (30 دولاراً في السوق الموازي).

(تصريف كل دولار واحد بحسب السعر الرسمي الصادر عن مصرف سوريا المركزي هو 1256 ليرة سوريّة… بينما يصل سعر الصرف في السوق الموازي (السوق السوداء) إلى قرابة 2135 ليرة سوريّة).

ومع توقعات بحصول موجة انتشار ثانية لفايروس “كورونا”، أعلنت وزارة الصحة خلال شهر تشرين الأول تجهيز مستشفى طوارئ في مدينة الفيحاء في دمشق يضم 120 سريراً لاستقبال المصابين بأعراض متوسطة، وبحاجة إلى دعم أوكسجين فقط. أما الحالات الحرجة فتنقل إلى المستشفيات الأخرى، كما خصصت الوزارة 100 سرير إضافي لاستخدامها عند الحاجة.

ويبدي أطباء في دمشق مخاوفهم من توسع انتشار الفايروس وتفاقم عدد الإصابات في الأشهر المقبلة، بخاصة مع افتتاح المدارس، وأكدت مديرة الصحة المدرسية في وزارة التربية هتون طواشي أن الإصابات في المدارس وصلت إلى 200 إصابة توزعت ما بين الطلاب والكادر التعليمي والإداري، مشيرة إلى أن أعلى نسب انتشار للحالات كانت في محافظات ريف دمشق وحلب وحمص.

———————————

=====================

تحديث 30 تشرين الأول 2020

——————————–

كوفيد ١٩ يكشف واقع الحوكمة الحقيقية في سوريا/ مايا أبيض

بعد نشر سلسلة من التحقيقات التفصيلية (الساحل السوري، الشمال الغربي، شمال شرق، دمشق) والمواد والحكايات والشهادات والدراسات والحوارات) عن واقع فيروس كوفيد ١٩ في مختلف المناطق السورية، نخلص هنا إلى تقرير توصيفي عام للوضع حتى الآن.

سؤال صامت!

في شهر أيار الماضي، كان هناك سؤال صامت في عيون الكثير من السوريين المشككين دوما بالأرقام الرسمية، يهمسون به أحيانا للمقربين “أين هي حالات الإصابة بكورونا”؟

إجراءات الحظر بدأت في مناطق سيطرة النظام في الشهر الثالث، بعد انتشار شائعات، ومن ثم تأكيدها، بأن الوباء دخل البلاد مع المقاتلين القادمين من إيران. بدت الإجراءات مهلهلة، يخترقها فساد النظام المحوري لتركيبته المافيوية، فالاستثناءات الأمنية من منع التجوال المسائي تملأ الطرقات، دور العزاء لدى المتنفذين حيث لا تتجرّأ قوات الشرطة على منعها، والحواجز الطرقية التي تراقب عدم تنقّل المدنيين بين المدن، يمكن شراءها بسعر شطيرة شاورما، ناهيك عن تنقّل المجندين بطول البلاد وعرضها.

تخبرنا الدكتورة خلود سابا الباحثة في الصحة العامة في جامعة ادنبرا باسكوتلندا، في حديث خاص لحكاية ما انحكت، أن التعاطي الأمني مع الأوبئة هو “أسوأ تعاطي لأنه يؤدي للإخفاء والكذب وضياع المعلومة” وأضافت أنه في سوريا “لا يوجد نظام لجمع معلومات ومشاركتها، وهو أساسي في محاربة الفيروس لمعرفة البؤر وخريطة انتشارها. الإرشادات الأساسية لمجابهة الأوبئة تعتمد خطوات التعرف عليها وفحصها وتتبعها واحتواءها، بينما الدولة عنا لا تجيد سوى الإنكار”.

إجراءات الحجر القسري للأفراد بعيدا عن ذويهم ومنازلهم التي اتبعت في بدايات الربيع، وطلب السلطات من الناس التبليغ عن أي أحد يشتبه بظهور الأعراض عليه، أدى لوصم المرضى وخوفهم من الإعلان عن حالتهم، ما زاد صعوبة معرفة انتشار الوباء. برأي الدكتورة سابا، لم يكن هناك اختلاف كبير بين المناطق السورية، ولا حتى بين دول المشرق بالمجمل بذلك. لكن ما يميز الحالة السورية برأيها هو “النقاط العمياء” في البيانات، وهي تلك المتعلقة بتحركات الأفراد والقطع العسكرية بين مختلف المدن وحتى عدة دول أخرى دون أي رقابة طبية.

مع ذلك، يبدو أن إيقاف المدارس والجامعات والحد الكبير من عمل الأسواق والمطاعم والمنع القانوني للحركة بين المدن، أتت في وقت مبكر بما يكفي ليحمي سكان تلك المناطق من الانتشار الواسع للوباء، رغم كثرة الخروقات.

كانت الأرقام الرسمية متواضعة جدا بالطبع، ولكن لم يكن هناك انتشار ملموس للوباء بين الناس يجبر أحدا على تكذيبها.

مناطق “الإدارة الذاتية”

مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي لم تأمن من استهتار العقلية العسكرية بالصحة العامة، حيث رفض النظام التنسيق مع مؤسسات الإدارة الصحية، وبقي المسافرون يدخلون مدينة القامشلي قادمين من مطار دمشق دون حجر، فضلا عن القوات الأميركية والروسية في الجزيرة السورية، والتي لا رقيب على تحركاتها وانتشار الإصابات بين أفرادها. حتى وصل الأمر إلى أن مكتب منظمة الصحة العالمية في دمشق لم يكلّف نفسه عناء إخطار الإدارة بتأكيد أحد الإصابات بالوباء بعد ظهور نتيجة فحص المسحة الذي أجري في دمشق. بعد ذلك الحدث أصدرت الادارة بيانا حمّلت فيه المنظمة مسؤولية انتشار الوباء في مناطقها. بالمقابل، يبدو  أن الإدارة تمكنت من إقناع السكان بالإلتزام ببقية إجراءات الوقاية العامة لدرجة لا بأس بها، فبقي الانتشار بحدوده الدنيا في المنطقة ذات البنى التحتية الصحية الأضعف في سوريا. فرغم أن استهداف تدمير البنى التحتية الطبية بالقصف الجوي للنظام وحلفاؤه كان أقوى على مناطق سيطرة المعارضة في الشمال الغربي، إلا أن الخدمات الطبية الحكومية من مشافي ومستوصفات ومعاهد تعليم عالي وجامعي طبي لم تكن يوما كافية في الشمال الشرقي الذي عانى إهمالا ممنهجا من الحكومات البعثية المتتابعة، حيث أن الأرقام المتوفرة ترجح وجود ٥٦ مشفى بسعة ١٠٧٠ سرير وحوالي ٣ آلاف طبيب/ة في المنطقة التي يقطنها حوالي ٤ مليون نسمة.

إدلب وجوارها

في الشمال الغربي أغلقت المعابر مع مناطق سيطرة النظام، بوصفها مصدر الوباء، وبقيت الحركة التجارية المخفّضة جارية عبر الحدود التركية. الخوف تملّك القطاع الطبي والمنظمات المدنية العاملة في المنطقة نتيجة معرفتهم بقلّة عدد المراكز الصحية التي نجت من الاستهداف الروسي المتتابع خلال السنين الخمس الأخيرة، الأمر الذي خلّف أضرارا في ٧٠ مركز صحي في العام الماضي لوحده. الحديث عن “نخبوية” نصائح التباعد الإجتماعي والتنظيف التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية كان على كل لسان في المنطقة التي تضم حوالي مليون نازح موزعين في ظروف سكنية مؤقتة وغير صحية، ومخيمات عشوائية أو لا تحقق الحد الأدنى من معايير الماء والإصحاح (الصحة)  حيث كثيرا ما يصل الاكتظاظ في الخيمة الواحدة فيها إلى ١٥ شخص.

مع ذلك، بقيت المنطقة شبه خالية من الوباء لعدّة شهور خلال فصل الربيع، في ظل حجر عام ومنع تنقل بين المدن والبلدات وإيقاف للعملية التعليمية. أما عن التنسيق الطبي مع مناطق النظام، فأخبرنا مدير أحد مشافي إدلب (تحفّظ عن ذكر اسمه) أنهم قد لمسوا تعاونا أكبر من السابق من بعض الموظفين الصحيين العاملين في مناطق النظام بمبادرات فردية وبغض النظر عن التعليمات حسب رأيه، إذ يقول لحكاية ما انحكت “من الواضح أنهم يحسون أن الموضوع جدي هذه المرة” بعد أن مروا بتجارب سابقة في التنسيق المعرقل أمنيا وسياسيا بينهم مثل حملة التلقيح ضد شلل الأطفال في ٢٠١٤”.

مع حلول حزيران قرّرت حكومة النظام السوري إنهاء الحظر دفعة واحدة وإعادة الحياة لطبيعتها السابقة دون أي إجراءات وقائية تذكر، ماعدا ارتداء المراجعين الكمامات في مؤسسات الدولة وقياس درجة حرارة طلاب الجامعات عند دخولهم الحرم الجامعي، والتي يمكن تجاوزها بالفساد والرشوة كما أشار تقريرنا من دمشق.

وبحلول شهر تموز وصل انتشار الوباء في دمشق إلى كل حارة فيها. انتهت التساؤلات الصامتة السابقة واستعد الناس لمواجهة الوباء بالطريقة التي واجهوا فيها كل انهيارات البنى التحتية السابقة: “الدوبارة” السورية.

الجاهزية الصحية: صفر!

كان واضحا من أعداد المنافس وأسرة الحجر الصحي و العناية المركزة، أنّ البلاد لا جاهزية طبية لديها لتقديم الخدمات للمصابين. فالعاصمة التي تتمتع بأقوى بنية تحتية خدمية لا يزيد عدد مشافي الدولة فيها عن ١٥، متضمنة مشافي متخصّصة مثل مشفى العيون والأمراض العقلية، لتخدم حوالي ٦ ملايين نسمة. وبقي واضحا من استمرارية منظومة الفساد البيروقراطي في إجراءات الاستجابة الرسمية أن شيئا لن يتحسّن، خاصة مع تكرار تداول التساؤلات من العاملين بالقطاع الطبي حول مصير المساعدات الطبية التي استلمتها حكومة النظام من حلفائها الاستراتيجيين ومن منظمة الصحة العالمية، وهم يعملون في ظروف خطرة لا تتوافر فيها غالبا أدنى أدوات الحماية، حتى وصل عدد الوفيات المعلن عنها بين الأطباء فقط، نتيجة تعاملهم مع الفيروس، إلى أكثر من ستين طبيبا.

تسليع حاجات الناس الملحة وتحويلها إلى مصدر دخل فاسد لدى العاملين في تنظيم الخدمات وإدارة الاستجابة، كان أسلوب تعامل النظام (كالعادة) ومؤسساته مع الجائحة، سواء من حيث احتكار الأدوات والفحوصات وتراخيص بيعها، أو فرض فحص إجباري على المسافرين مقابل ما يعادل مرتب ٤ شهور لخريجي الجامعات، أو عدم استقبال المرضى المحتاجين لمنافس في المشافي الحكومية دون دفع رشاوي باهظة. فظهر أنه من أصل حوالي ١١٠ منافس في مدينة دمشق، لا يوجد أكثر من ربعها في المشافي الحكومية، ولا نية حتى لرفع العدد وإن توفرت الميزانية لذلك، حيث صرح مدير مشفى ابن النفيس الحكومي لجريدة الثورة الحكومية أن المنافس ليست من أولويات المشافي ويفضل الاستثمار بشراء معدات أخرى.

بالمقابل ترى الدكتورة خلود أن “التركيز على أعداد أسرّة العناية والمنافس ليس هو المشكلة. الأرقام دون سياقها لا تفيد، وربما تستعمل لإعطاء مصداقية دعائية لهذه الجهة أو تلك. بوجود وباء من اللازم أن يكون هناك نظام عام للجميع، للحالات الحرجة ولغيرها. الأوبئة لا تواجه بشكل فردي وإنما جماعي. الدولة الفاشلة “failed state” لا يمكنها أن توفر حماية اجتماعية لأي أحد”. وتضيف أن من المفارقات السورية أنّ شدة إهمال وعزل بعض المناطق، خاصة الريفية، جعلها أوفر حظا في الحماية من وصول العدوى، من المدن المكتظة دون خدمات أو معلومات صحية كافية، وهو ما ظهر جليا في تحمّل العاصمة النسبة الأعلى من الإصابات.

تزامن الأمر مع انهيارات اقتصادية متتابعة: الاستعصاء المصرفي والحكومي الحاصل في لبنان وانهيار الليرة الشقيقة هناك، الفضائح المالية المنشورة على العلن في فيديوهات ابن خالة بشار الأسد، رامي مخلوف، وخلافاته الاحتكارية مع زوجته أسماء، عقوبات قيصر، فضلا عن الآثار المتراكمة لسنين الحرب، أدوا مجتمعين لوقوع أحد أسرع التدهورات التي شهدتها الليرة السورية منذ عام ٢٠١١، رغم الهدوء العام للجبهات العسكرية.

انعكس الأمر فورا على القطاعات الطبية، فأدى لإضراب شبه عام للصيدليات نتيجة امتناع معامل الأدوية عن الشراء بسعر الصرف الرسمي الذي أرادت الحكومة إلزامها فيه في تعاملاتها التجارية الخارجية، ومطالبتها بالسماح برفع أسعار الأدوية بما يتناسب مع ارتفاع تكلفة إنتاجها بالنسبة لليرة السورية (فرق سعر الصرف كان حينها بين ٤٣٥ و ٣٦٠٠ ليرة للدولار الواحد). في النهاية حصلت المعامل على أذن برفع أسعار بعض الأدوية: الباراسيتامول مثلا ارتفع من ٥٠ إلى ٨٥٠ ليرة سورية (الخمسين ليرة اليوم تعادل 0,02  دولار بينما ال ٨٥٠ تعادل 0,37  دولار). رواتب الموظفين لم ترتفع بالمقابل طبعا، فوصل مرتب الموظفين الأعلى تأهيلا، كالمهندسين والأطباء ودكاترة الجامعات، إلى حوالي ٣٠ دولارا شهريا، بعد أن كان يصل إلى حوالي ٦٠٠ دولار قبل عقد من الزمن.

لا يجد المراقبون الاقتصاديون سبيلا لإحصاء وعزل أضرار الوباء المالية عن الأضرار الناتجة عن بقية المصاعب الاقتصادية التي أصابت البلاد منذ مطلع العام. فأثر إغلاق المنشأت الاقتصادية خلال فترة الحجر مثلا، لا يوجد حتى الآن أكثر من تكهنات حوله، حيث يرجح أن الاضرار بلغت بليون دولار في الشهر. عن ذلك أخبرنا الدكتور في التنمية والعلوم السياسية بجامعتي لوزان والمعهد الجامعي الاوروبي في فلورنسا ،جوزيف ضاهر، أن الكوفيد عمق مشاكل اقتصادية سابقة لكنه لم يخلق شيئا جديدا، فعدم استقرار سعر الليرة مثلا مشكلة بدأت مع الثورة والتدهور القوي الاخير بدأ فعليا منذ نهاية العام الفائت حين كان الدولار يعادل أقل من ٦٠٠ ليرة ليصل إلى ١٢٠٠ في الشهر الاول من العام. ويقول متابعا أن “الحوالات تحديدا أثر عليها الكوفيد بوضوح، لأنها تأثرت بالاقتصاد العالمي المتدهور وليس فقط ضعف الأداء الاقتصادي المحلي، ولن نرى في المستقبل القريب تعافي سريع للاقتصاد العالمي” مشيرا إلى أن “آخر التقديرات التي صدرت عن صندوق النقد الدولي IMF (في العام ٢٠١٦) كانت تقدر حجم الحوالات السنوية بحوالي ملياري دولار (٤ مليون يوميا)، ما يمثل حوالي ١٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي GDP. الآن سمعنا بعض التخمينات على لسان أحد دكاترة كلية الاقتصاد بدمشق بأنها قد نزلت إلى النصف، دون أن نعرف كيف توصل إلى حساب هذا الرقم”.

زاد إغلاق الحدود خلال الحجر الأمر سوءا، لاعتماد كثير من السوريين على إرسال النقد مباشرة (كاش) مع المسافرين، لعدم ثقتهم بشركات التحويل والصرافة وكبر الفارق بين سعر الصرف الرسمي الذي تلزمهم الدولة بالتعامل به، والسعر الفعلي بالسوق خارج سوريا.

اشتغل المجتمع المدني بنظام الدوبارة كعادته، ظهرت فورا مجموعات على الفيسبوك لتداول الأدوية، كي لا يتم رمي دواء صالح لم يعد مالكه بحاجته بينما يحتاجه مريض آخر لا يجده في الصيدليات، و انخرطت الجمعيات الخيرية والفرق التطوعية الناشئة بمبادرات فردية في مهمة توفير إسطوانات الأكسجين إلى منازل المرضى، كي لا يحتاجوا لمغادرة منازلهم.

“الناس صايرة بتتصل ب”عقمها” بدل الإسعاف” تقول لحكاية ما انحكت المسعفة السابقة سوزان (اسم مستعار) واصفة يأس الناس من الخدمات الطبية الرسمية واعتمادهم مبادرات المجتمع المدني كبديل أكثر فعالية: “بيبعتولهن الأوكسجين عالبيت وغالبا ببلاش، وبيلبوا بسرعة إجمالا، بس إن كمان الطلب أكيد فوق قدرتهن عالاستيعاب، شو بدهن يلحقوا ليلحقوا”.

“نتعالج بالبيت أشرفلنا” كان عنوان الساعة في أوج ذروة الانتشار خلال شهري تموز وآب الماضيين، خاصة بعد الاعتراف الرسمي بعدد كبير من الوفيات بين العاملين في القطاع الصحي جرّاء تعاطيهم مع المصابين، وعدم الاعتراف بالبقية، حتى وصل الأمر لمطالبة الأطباء علنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإغلاق مشفى المواساة الحكومي وتعقيمه، بعد أن أصبح بؤرة انتشار يتجنبها الأصحاء قبل المرضى.

قالت هالة م. (اسم مستعار) لحكاية ما انحكت، وهي مدرسة في مدرسة ثانوية في دمشق عن إصابتها وابنتها الجامعية بالكورونا في شهر تموز قائلة: “من البيت للعيادة للصيدلية للبيت، معنا كماماتنا وأدويتنا، لا فتنا مشافي ولا قربنا عليهن، ضلينا بالبيت ٣ أسابيع وخالصين، هي هي”.

في بقية المناطق ساعد تأجيل الذروة على تحسين البنى التحتية ورفع الجاهزية بعض الشيء، وإن بقيت دون الحاجة بمراحل. وصلت أجهزة الفحص إلى الشمال الشرقي قادمة من كردستان العراق قبل أن تصل تلك التي كانت منظمة الصحة العالمية قد وعدت الإدارة الذاتية بها.

وتمكنت المنظمات الصحية من تطبيق بعض إجراءات التعقيم والتوعية، وتمكن السوق من تأمين الطلب على الكمامات ومواد التعقيم بعد أن كانت قد بلغت أسعارا خيالية في بداية الحجر. تم تأهيل مراكز عزل صحي وتوسيع في المشافي واستيراد المزيد من  المنافس، حتى زاد عدد المنافس المتوفرة في مراكز العلاج المجاني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام على عددها في المشافي الحكومية في مناطق سيطرته. حيث يقدر عدد المنافس في الجزيرة ما يربو عن ٦٢ منفسة وفي الشمال الغربي يقارب المئة، بينما تقبع غالبية منافس مناطق النظام في المشافي الخاصة ذات الأسعار الخيالية وفق أسعار الصرف الجديدة. كما أن انتشار الوباء في المناطق الشمالية بقي أقل بكثير مما وصلت إليه الذروة في العاصمتان والساحل، حتى إن ضاعفنا الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية في تلك المناطق عشر مرات.

الإشاعات والمعلومات الطبية المغلوطة التي انتشرت في الربيع تم تفنيد الكثير منها عبر حملات التوعية، وأيضا نتيجة تصريحات الهيئات الصحية الدولية التي تكشف ما لديها تباعا من معلومات أوضح حول طبيعة الفيروس. التأخير وفر وقتا لتداول الناس لهذه المعلومات وإن بقيت بعض الشائعات تلقى رواجا، كتلك المتعلقة بتقديم الإجراءات الوقائية المنزلية (المتوفرة لدى معظم الناس) بوصفها إجراءات علاجية، يغذيها الحاجة الملحة لدى الكثيرين لتصديقها.

خطوة فعالة ولكن!

يوضح الفرق الهائل في انتشار الإصابات بين مناطق النظام والمناطق الأخرى، والذي تجلى بصورة فاضحة في تعليق أعمال اللجنة الدستورية السورية في جنيف بعد اكتشاف ٤ إصابات بفيروس كورونا بين المشاركين، جميعهم قدموا من دمشق.

إن إغلاق المعابر مع مناطق سيطرة النظام كان خطوة فعالة. لكن أول إصابة أعلنت في الشمال الغربي دخلت من تركيا، تبعها حالتان لسيدتان دخلتا تهريبا إلى إدلب من دمشق، ما دفع بالسلطات المحلية لفرض حظر قصير على كامل القرية.

تتفاوت الثقة بالإجراءات الرسمية والقطاع الصحي بين هذه المناطق. ففي حين يغلب اليقين بفساد تلك المؤسسات في مناطق النظام، تتراوح التوجهات في مناطق الإدارة الذاتية ومحيط إدلب بين مشكك بقدرات القطاع الصحي المنهك بالاستهداف الممنهج عبر سنين، ومشكك بدقة تطبيق الإجراءات الوقائية، خاصة في أوساط تخشى الفاقة والبطالة أكثر مما تخشى الوباء. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الشريحة السكانية الأكثر وصولا لوسائل الاتصال (وهي في مناطق سيطرة النظام) تعبّر عن شكوكها وأخبارها بتداول أوسع على الغالب، مع ذلك، تبقى الإحصائيات الرسمية الهزلية للنظام حول أعداد الإصابات والوفيات موقع تندر لا مثيل له في المناطق الخارجة عن سيطرته، حيث لدى السكان في هذه المناطق ثقة أكبر بمدى شفافية الإحصائيات المعلنة من قبل السلطات المحلية.

“الأمر المشترك بين كل المناطق كان أن الناس لم تتوّجه للقطاع الطبي حين بدأت المشكلة” تشرح الدكتورة خلود، وتتابع قائلة: “الكل يعلم أنه قطاع إن توفرت خدماته فقدرته على حصر المشكلة شبه معدومة”.

تكمل سابا بالمقارنة “الاتفاق الوحيد كان على ضرورة عزل المرضى، حتى دون نظام دعمهم الاجتماعي”، وهو أمر تراه سلبيا ومكلفا “لولا التعاضد الاجتماعي والعناية المنزلية بالعائلة كانت نسب الوفيات أعلى بكثير. مريض الكوفيد بحاجة عناية كبيرة تستهلك موارد طبية كبيرة في المشافي. هذا العمل قامت به نساء سوريات، منها من أصيبت ودفعت الثمن صحيا ومنها شابات أجسامهن قوية قاومت. الحد الأدنى هو توفير معلومات لهم، لعائلات المرضى والصف الأول من العناية الصحية من ممرضين وقابلات وغيرهم. الدولة فقط كذبت وأعطتهم معلومات خاطئة”.

طبيعة الفيروس وتحولاته.. مدار جدل

بغض النظر عن المنطقة، بقيت “الطبيعة المتحورة” للفيروس حديث الساعة خلال الصيف، حيث تتقاطع الشهادات من العاملين بالقطاع الصحي والمصابين حول كون الأعراض الأكثر انتشارا وقوة هي أعراض مرتبطة بالجهاز الهضمي وليس التنفسي (إسهال، إقياء، تشنج كولون) ما خفّف الطلب على المنافس وأنابيب الأكسجين بالنسبة لعدد الإصابات، وبالتالي قلّل عدد الوفيات لتمكن الغالبية من استدراك الأمر ومعالجة أنفسهم منزليا.

أما الأعراض التنفسية، فظهرت بشكل أقل حدة. مع ذلك، تكررت ملاحظة سرعة تدهور الحالات التنفسية الحادة بحيث تكون فتاكة في ظل عدم توفر المنافس إسعافيا.

تخبرنا الدكتورة كندة ع. (اسم مستعار) عن حالة أحد معارفها: “عمره بأواخر الستينات، كانوا برحلة على مشتى الحلو، بالنهار ما كان فيه شي، المسا بلش يسعل وارتفعت حرارته بالليل. لوصلوا تاني يوم الصبح على حلب، داروا عالمشافي كلها مافي منافس، للمسا ما عاد اتحمل، اتوفى. ما في شي فيكي تعمليه، مريض قصبات وما في منافس”.

أما عن “الإشاعات الطبية” المتداولة بين الأطباء أنفسهم، فيبدو  أن هناك قناعة بأن اختلاف الأعراض عائد لاختلاف في “أنواع” الفيروس، حتى ذهب البعض إلى القول أن الاصابة بأحدها لا يمنح مناعة من النوعين الأخرين، في ظل تخبط دولي حول فعالية الأجسام المضادة التي ينتجها المتعافون، من حيث طول مدة المناعة التي تمنحها على الأقل.

“مأساة بكل معنى الكلمة” تعلّق على ذلك الدكتورة خلود “النخبة عندنا تعطي معلومات خاطئة ولا جهة تحاسبهم. المشكلة لدينا ليست إشاعات الإنترنت وضعف الوعي بين الناس كغير دول، لا يمكننا أن نضع اللوم على الناس”. تكمل شارحة “لكل بلد عاداته الاجتماعية في تعريف الفرق بين الرشح والانفلونزا مثلا. الكوفيد ليس فيروسا تظهر أعراضه بطريقة موحدة وإنما تختلف بحسب العمر والحالة الصحية وغيرها، لذلك لا يمكننا اعتماد مقارنات الأعراض التي يقوم بها الناس بين بعضهم أو حتى الأفراد العاملين بالقطاع الصحي. الأمر بحاجة سلطة طبية موحدة تقوم بوضع معايير standerdization للأعراض العامة في كامل البلد قبل أن نقول أن كوفيد سوريا مختلف عن كوفيد العراق أو غيره”.

الوضع الآن (اكتوبر ٢٠٢٠)

في نهايات شهر أب/ أغسطس المنصرم، بدأ العاملون بالقطاع الصحي في دمشق بالحديث عن تراجع واضح في أعداد الإصابات، متفائلين بانحسار الذروة. أكد لنا الدكتور حسام ب. (اسم مستعار) المختص بأمراض الأذن والأنف والحنجرة في بدايات أيلول أن: “متوسط عدد المصابين عندي بالعيادة كان يتراوح بين ٦-١٠ يوميا في تموز، الآن يمكن واحد كل يومين أو ثلاثة”. كما أن الجمعيات الأهلية العاملة على تقديم الدعم الطبي أيضا أعلنت انخفاض الطلبات اليومية على خدماتها في نفس الفترة. أكد ذلك تقرير رويترز الأخير على لسان أحد مديري المنظمات غير الربحية الدولية العاملة في سوريا، الذي قدّر انخفاض عدد الوفيات اليومي من ذروته في تموز وأب بمعدل ١٢٠ وفاة يومية إلى نصف ذلك في أيلول.

لم يعن ذلك أن القرارات الحكومية المستهترة بضرورات العزل الاجتماعي توقفت، حيث أصرّت وزارة التربية على إعادة افتتاح المدارس في الوقت المعتاد دون أي تأجيل رغم تعالي الأصوات المطالبة بذلك، في ظل انعدام إجراءات تخفيف الاكتظاظ في الصفوف الدراسية، وعلى الرغم من ملاحظة العاملين في المشافي زيادة طفيفة في الإصابات بين الأطفال.

منذ مطلع أيلول سبتمبر، عادت الأرقام المعترف بها في الإحصاءات الرسمية للتصاعد مرة أخرى، وإن عزا البعض ذلك إلى زيادة القدرة على إجراءات مسحات أكثر، الأمر الذي يبقى أيضا طي الكتمان والتستر الحكومي، حيث لا يتم الإعلان عن القدرات الاختبارية لعدد المسحات اليومي.

في الطرف الأخر، أصر الروس على إغلاق المعابر الحدودية الشمالية أمام مرور المساعدات الدولية في وسط الجائحة، ردا على عقوبات قيصر وفق تصريحات السفير الروسي في الأمم المتحدة، بحيث لم يبق سوى معبر باب الهوا لتمر المساعدات عبره، ومن ثم تعاني الأمرين للوصول للمستفيدين في بقية المناطق الخارجة عن سيطرة حليفهم في دمشق.

في الشمال الشرقي، أعادت الإدارة الذاتية إغلاق المعابر الحدودية أمام المسافرين بعد أن بدأت أرقام الإصابات بالارتفاع بشكل طفيف في بداية الصيف، لكنها عادت وسمحت باستئناف العمل في صالات الأفراح ودور العبادة في أيلول، ما أدى لزيادة الاعتراضات من أبناء المنطقة العالقين خارجها جراء إغلاق المعابر، فصدر قرار بفتح المعابر أمام العالقين فقط حتى نهاية الشهر. وصلت الأرقام الرسمية للإصابات في المنطقة إلى أكثر من ألفين وثلاثمئة إصابة وحوالي ثمانين وفاة حتى منتصف أكتوبر.

أما في الشمال الغربي، بدأت الإحصائيات بالتصاعد بشكل ملحوظ منذ بداية أيلول، حتى وصل عدد التحاليل الإيجابية في أحد الأيام إلى أكثر من ربع العينة المحلّلة في ذلك اليوم، دون أن يزد عدد الوفيات الكلي الناتج عن الوباء حتى تلك اللحظة عن أربع حالات فقط (وصل ل١٤ وفاة منتصف أكتوبر)، في المنطقة التي يقطنها حوالي ٤ مليون شخص. سجل وجود حالات إيجابية في ١٨ مخيما بنسبة حوالي ١٠٪ من المسحات المجراة.

يبقى الانهيار الاقتصادي وتراجع قيمة العملة المذهل خلال العام الفائت المشكلة الأكبر بنظر السوريين في طول البلاد وعرضها، فيغلب الخوف من الفاقة والجوع القدرة على الالتزام بإجراءات التباعد والعزل، أججه تخفيض الحصص في السلل الغذائية الموزعة من برنامج الغذاء العالمي والحرائق الأخيرة في الساحل.

في خضم كل ذلك، يمر ارتفاع حالات العنف والقتل الأسري والجندري، خاصة أثناء الحجر في الربيع، مرور الكرام، حيث لا مكان لها قط في سلم الأولويات على تنوع مشاربه خلال السنين الماضية. ويجمع العاملون على توثيق الأوضاع الانسانية في السجون والمعتقلات في كل المناطق على عدم احترام الحد الأدنى من الشروط الوقائية في المعتقلات السياسية في كامل البلاد لمنع انتشار الوباء بين المعتقلين في ظروف صحية متردية جدا بالأصل، دون أن يتمكن أحد من توثيق مدى انتشار الوباء في تلك الأقبية التي لم يسمح حتى للعاملين في مواجهة الجائحة وتوثيقها بالوصول إليها.

صحفية وسينمائية ومدربة سورية، مرشحة لنيل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإعلامية.

(تم دعم هذا التقرير  من خلال برنامج من خلال برنامج Check Global COVID-19 microgrants وبدعم من موقع ميدان)

“الأرقام الواردة في هذا التحقيق تغطي حتى منتصف اكتوبر”

حكاية ما انحكت

—————————–

مُعلقاً على جائحة كورونا… الفيلسوف الفرنسي إدغار موران: إننا أقوياء جدا ومعتوهون .. ننتصر في تقنياتنا ومشلولون أمام الألم والموت

حاورته: فاليري تريرويلر٭

ترجمة: سعيد بن الهاني٭٭

في هذا الحوار الذي أنجزته الصحافية فاليري تريرويلر لصحيفة «باري ماتش» يحلل عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي إدغار موران نتائج فيروس كورونا المستجد على عالمنا الفكري والثقافي..

■ لقد عشت حياةً ثريةً جدا، هل كنت تفكر يوما ما أن تعيش مثل هذه الحالة؟

□ أبدًا، كانت هناك أوبئة عالمية ولم يكن هناك أي حجر صحي كَوْنِي أبدًا. حدثت انفجارات اجتماعية سببها الأوبئة، ولم يكن هناك أي انقلاب، باعتباري كُنت من أولئك الذين يعتقدون أن السبَاق المجنون، الذي يجرف الإنسانية ستكون نتائجه كارثية، ولكن لم أكن أبدا أتصور أنه سيأتي بهذه الكارثة.

■ كيف تعيش فترة الحجر الصحي؟

□ في سني، أعتبر نفسي محظوظا بأنْ أجِدْ نفسي منعزلا في منزلي بسبب الحجر الصحي، وليس في دار للعجزة. إنني محظوظ كوني في الحجر مع زوجة محبة وحامية. محظوظ بحديقة تسمح لي بالجلوس تحت شجرة مزهرة والاستمتاع بأزهار فصل الربيع. لدينا جيران لطيفون يقترحون علينا القيام بالتسوق لنا. بناتي وأسرتي وأصدقائي القريبون، أو البعيدون حاضرون معي دائما بواسطة الهاتف، الرسائل القصيرة الهاتفية، أو بواسطة شاشة سكايب، لكنني أفكر في كل المآسي التي يثيرها العزْل الصحي، في الاكتظاظ السكاني، في المسَاكن الضيقة، النساء المعنفات، الأطفال الخائفين. إن العزلَ الصحي يُضاعف الاختلافات والنزاعات بين الأزواج، بل يُنْسِفُها، ولكنه في المقابل يدعم تواصلا وفهما جديدين. مع زوجتي (صباح) لدينا الوقت الكافي لتبادل أطراف الحديث. كما أن أيامي في الحجر الصحي ممتلئة بما فيه الكفاية، نشاطاتي تُنْجَز حاليا عبر السكايب، أو البريد الإلكتروني. إن العالم يدخل إلينا عبر الرقمي، ويحثنا باستمرار على مساءلته ومساءلتنا. لدينا زوجتي وأنا طقس يومي، نقوم فيه بتبادل أخبار الشاشة الصغيرة والمذياع والصحافة، ونحاول أن نجعل أخبارنا متقاطعة ومتداخلة عن الوباء بشكل أفضل، تَطَوره، العلاجات، وجهات النظر المختلفة، بل المتعارضة للأطباء والبيولوجيين، فضْلا عن أزمات متسلسلة أحدثها الوباء. من جهة أخرى، إننا نقدر قيمة المزحات المضاعفة، المحاكاة ساخرة، والرسائل التفكهية التي أثارها الحجر الصحي، كأجسام مضادة أو مضادات للاكتئاب. وفي الجملة، إن التواصل بكل أصنافه يمنع الإحساس بالحجر الصحي كسجن.

■ هل تعتقد مثلما اعتقد كامو «وسط الكوارث توجد لدى الناس أشياء تدعو إلى الإعجاب أكثر مما تدعو إلى الاحتقار»؟

□ حتى لو كانت بعض التصرفات البشعة (سرقة الأقنعة، احتيالات على وعود دواء زائفة مثلا) فقد كانت هناك تمظهرات رائعة لتضامن يبدو أنه كان مفقودا، في المقام الأول لمقدمي الرعاية الصحية، وفي أنحاء مختلفة، في المساعدات العفوية للمنعزلين، للأشخاص المسنين، للبؤساء أو بدون مأوى. تثلج الصدر رؤية انخراط عدد من الشباب في الأحياء المهمشة. كانت هناك تمظهرات ليقظة تضامنية جماعية بشكل رمزي في التصفيق عبر الشرفات.

■ عندما سمعت الرئيس يصرح: «نحن في حرب» بماذا أحسست؟

□ شعرت فعلا أنه قد تم اجتياحنا من طرف عدو غير إنساني، فاضطررنا إلى المقاومة، بإيجاز.. إن لكلمة حرب قيمة تحفيز إجراءات الحماية (وتبرير إجراءات السلطة) وليس تعريف الوضعية حقا. هذا يعني أن الأمر مماثل لحرب 1940 كان هناك نقص كبير في الستعداد وهفوات وأخطاء.

■ لم نعدْ قادرين على أن نكرمَ موتانا، ما هي النتائج المترتبة عن ذلك في علاقتنا بالموت؟

□ إن موت إنسان عزيز علينا يفرضُ مصَاحبته إلى حد الدفن، يجب علينا توفير طُقوس وحفلة مأتم جَماعية، وهي تضُم مأدبة جنائزية، إن الناجين في حاجة لتطهير ألمهم في اتحاد ما، فالعلمانيون، وأنا منهم يشعرون مع هذا التخلي عن هذا الاحتفال الديني المواسي، بالحاجة إلى الطقوس التي تحيي بكثافة في أرواحنا الشخص الميت، وتخفف الألم في نوع من القربان المقدس. من جهتي، كنت أتوقع موتي انطلاقا من سن ثمانين سنة. تجاوزت التسعين، وقد اعتدت على الاستمرار في الحياة، لقد فقد الموت لدغته في روحي، رغم أن هذه الأخيرة تعرف أنه قريب. هنا أيضا، وبدون شك لشباب زوجتي أن يكون له أثر العدوى عَلي. زوجتي (صباح) تجذبني نحو الحياة، وليس نحو الموت. التهديدات المميتة أصبحت مضاعفة، تدهور الغِلاف الجوي، تعدد الأسلحة النووية، العودة إلى البربريات، وأخيرا الفيروس المُخَرب، وهو يفرض التخلي نهائيا عن أسطورة الإنسان سيد قدره وقدر الطبيعة. إننا في الوقت نفسه أقوياء جدا ومعتوهون، ننتصر في تقنياتنا، ومشلولون أمام الألم والموت. فالإنسان إذا كان بإمكانه تأجيل موته الطبيعي، عليه أن يواجه دائما الحوادث، البكتيريات والفيروس وهي تعرف كيف تغير نفسها كيْ تتوالد. ما يجب معرفته هو أن كل شيء سيموت، بما فيه شمسنا والعالم، وهو ما يجعل من حياتنا المؤقتة ممتلكاتنا الوحيدة التي يجب علينا أن لا نبددَها.

■ قلت بأن العزل يمكن أن يكون صِحيا ليزيل السموم من نمط حياتنا. ولكن أليس من الممكن أن نستعيد عاداتنا المألوفة بسرعة أكثر مما نعتقد؟

□ بلا شك، لقد تشكل تدريجيا ولكن بشكل بطيء قبل الوباء، نزوع أقلية لمواجهة الإفراط في الاستهلاك، والزمن المقيس، كمحاولة للحياة بشكل جيد، يحثنا الحجر الصحي على أن نعي كُلنا ما كنا نعرفه بشكل غامض.. إن الحب والصداقة، النضج الذاتي في جماعة ما، والتضامن هي القيم الحقيقية. إن إمكانية الاستمتاع بالأعمال الكبرى في وقت الفراغ الخاص بالحجر الصحي قد يساعدنا على البحث الجيد عن شعر للحياة. ماذا بقي أن نقول؟ لا أعرف..

■ هل ستكون مناسبة لتطوير التزام أيكولوجي مستدام وكوني؟ هل تعتقد بولادة عالم وتضامن جديدين؟

□ لقد انطلق التحذير الإيكولوجي الدولي منذ ما يقرب من خمسين عاما بتقرير ميدايز Meadows. ولكن الوعي به بطيء جدا، بل إنه غير كاف كذلك. أعتقد أن عالما جديدا سيكون ممكنا، ولكنه غير مرجح أيضا. إن قوى الإبقاء على الوضع الراهن كبيرة، وفراغ الفكر السياسي ضخم. فكر لا يمكن تجزئته ويختزل كل شيء في الحساب، هو موجود في كل مكان في الطلبيات. إن الفائدة الخارجة عن السيطرة تنسف كل انتظام، فضلا عن أنه يجب أن لا ننسى النزوع التراجعي العالمي في السنين العشر الأخيرة، أزمة الديمقراطيات والديماغوجيات المنتصرة عند الأمم الكبيرة. وتطور الأنساق النيوسلطوية بواجهة ديمقراطية، والأزمة العامة للفكر السياسي. توقعي هو نقطة تحول محتملة ستغير التطور الجاري الآن لكن بإمكاني أن أقول لكم، إن هذا السؤال، هل تعتقدون بولادة (عالم جديد) هو جزء من الأسئلة التي أتحدث بها غالبا مع زوجتي وأصدقائي. لقد حاولت بنفسي استخلاص طريق جديدة في كتابي «المنهج» عام 2012، الذي يبدو لي منهجا مفيدا.

■ هل سنفلت من إغواء كوني وشخصي بالانطواء؟ هل يمكن تصور حل كوني سياسي cosmopolitique؟

□ لقد أحدث الوباء انطواء الدول الوطنية على نفسها. إذا كانت هناك أزمة اقتصادية هائلة بعد الوباء سيزداد هذا النزوع سوءا ويتحول إلى نزعة وطنية تكره الأجانب، بل سيصبح عدوانيا. هل تعرفون مسرحية Uonesco يونسكو «وحيد القرن»، حيث الكائنات الإنسانية تتحول الواحدة تلو الأخرى، إلى حيوان وحيد القرن. فليحاول كل واحد ألا يصبح وحيد القرن، إن الحل الكوْني للكونفدرالية الكونية مرغوب فيه، وتقنيا ممكن، ولكنه حاليا مستحيل. يجب علينا مسبقا تملك وعي قوي جدا بجماعة تهتم بمصير كل البشر.

■ هل يجب علينا أن نفكر من جديد في علاقتنا بالآخر؟

□ إن الصداقات الحقيقية وجدت نفسها قد تقَوت، والأزواج عثروا على ذواتهم، لكن الحجر الصحي كان مرعبا بالنسبة للأزواج النكديين، أو الذين هم في طريق التفكك. يجب أن نفكر أن كل «أنا» في حاجة لـ «أنت» ولـ»نحن».

■ هل يبدو لك أن الثقافة أصبحت متاحة يسهل الوصول إليها بنقل مجاني على الإنترنت للأوبرا، والمتاحف وبعض الكتب؟ أو على العكس هل علينا من الآن فصاعدا الاستغناء عنها؟

□ فعلا، إن نقلا مجانيا على شبكات الإنترنت أوبرا ومتاحف، وبعض الكتب هي مبادرة ذات أهمية كبيرة، جاءت لكي تفتح مسالك الولوج إلى الثقافة، بالنسبة لمن لا يملكون السبيل إلى ذلك. ومن ثم، فقد يثير هذا الفعل ضربات صاعقة جمالية لمن يبحثون عن اكتشاف الأعمال الكبرى. من جهتي، لا يمكنني إلا أن أحث على قراءة المؤلفين الذين أحبهم، وفي المقام الأول دوستويفسكي.

■ هل تعتقد أن تيارات جديدة فكرية وفنية ستتولد من هذه الحقبة؟

□ لا أعرف؛ في جميع الأحوال، وُجِدَ فَن وتفَكه خاص بالحجر الصحي مع ملاحظة تزايد النكات والفيديوهات القصيرة، محاكاة ساخرة تستحق أنْ نحتفظ ببعضها.

■ ماهو أول شيء ستقوم به أو ترغب في رؤيته عند نهاية الحجر الصحي؟

□ إن أقبل الأشخاص ذكورا وإناثا الذين فصلت عنهم/ عنهن.

٭ نُشر الحوار في مجلة Paris match في 16/04/2020.

ترجمة: سعيد بن الهاني٭٭

٭٭ كاتب ومترجم من المغرب

القدس العربي

———————————

==========================

تحديث 30 كانون الأول 2020

————————————

حقوق الإنسان وطوارئ جائحة «كورونا»!/ أكرم البني

مرت الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أمس (العاشر من الشهر الحالي)، مثقلة بأعباء الطوارئ الصحية والإجراءات الاستثنائية التي استدعاها الحد من انتشار فيروس «كورونا»، كعزل المدن وحظر التجمعات وتقنين المشاركة في النشاطات الثقافية والرياضية والترفيهية، بما في ذلك وقف بعض الأعمال والمهن وتقييد حرية التنقل والسفر؛ الأمر الذي أثار جدلاً لا يزال محتدماً حول تأثير هذه الإجراءات الطارئة، على حريات البشر وحقوقهم وعلى المبادئ والقيم المتنوعة التي ضمتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

بداية، ثمة من يشجعون إعلان حالة طوارئ صحية ويرفعون شعار مواجهة «كورونا» أولاً بصفته شعار المرحلة الذي يجب ألا يعلو عليه أي شعار، مسوّغين بذلك القيود كافة التي تفرضها الحكومات على جوانب من حريات الأشخاص وحقوقهم ما دامت تساعد على تفادي المخاطر التي تتعرض لها حياة المواطنين عموماً، ولسان حالهم يقول، ما دام انتشار جائحة «كورونا» يشكل تهديداً للبشر أجمعين، فإن الضرورة الملحة هي حماية الحق في الصحة والحياة أولاً، باعتباره أحد الحقوق الأساسية لوجود الإنسان ذاته، وإن تم ذلك على حساب بعض حقوقه الأخرى، ويستندون في موقفهم هذا إلى أساس قانوني أممي تتضمنه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ذاتها، التي تكفل وتتفهم الحاجة إلى بعض الإجراءات الاستثنائية المقيدة للحريات، في ظروف الأزمات المهددة للحياة.

في المقلب الآخر، ثمة من تتحكم في عقولهم نظرية المؤامرة، ويذهبون إلى اعتبار فيروس «كورونا» مجرد وسيلة جديدة من وسائل الصراع على السلطة والثروة بين الدول الكبرى، وقودها صحة الناس وحيواتهم وحقوقهم، وغرضها تعزيز الهيمنة الاقتصادية وإعادة تقاسم الحصص والمغانم، ويخلصون إلى نتيجة تقول بضرورة مقاومة مختلف التدابير التعسفية المتخذة وتعرية غاياتها الأنانية وأهدافها الاستئثارية، في حين يندفع بعضهم نحو وجهة أخرى، ويرون أن كل ما جرى ويجري تحت عنوان فيروس «كورونا» هو لعبة تدار من قِبل ما يسمى «الحكومة العالمية الخفية» بغرض حيازة السلطة المطلقة للسيطرة على العالم، بما يخفف الأحمال على مصالحها وامتيازاتها، ويمكّنها من إعادة إنتاج مجتمعات جديدة خاضعة وخانعة، لا مكان فيها لحقوق الإنسان، ويشجعون تالياً، على رفض أي إجراء استثنائي تعلنه الأنظمة والحكومات بدعوى مواجهة جائحة «كورونا» حتى لو أدى ذلك إلى الأسوأ وإلى تفشي الفيروس وتهديد حياة الملايين من الناس، معتقدين بأن ذلك سوف يفضح ألاعيب «الحكومة العالمية الخفية» ويفشل مآربها، وينسحب ذلك على دعوتهم لرفض تلقي أي لقاح ضد هذا الفيروس، بصفته جرعة «مدروسة» تهدف لإخماد ملكة التفكير وخنق روح التغيير والتمرد لدى البشر.

بين هذا وذاك، ثمة من يتفهمون أن تفرض الحكومات حظراً محدوداً على حركة الأشخاص لضمان التباعد الاجتماعي، وعدم انتقال العدوى وتفشيها، بما يخفف من آثار المرض وتداعياته، ويتفهمون تالياً إغلاق الحدود والمعابر، وإيقاف حركة السفر، ومنع التجمعات والنشاطات بشكل مؤقت، لكنهم يخشون أن تفضي هذه الإجراءات مع الزمن إلى استباحة حرياتهم الشخصية وتسهيل امتهان كراماتهم، والأسوأ إلى تغييب حقوقهم الأخرى أو تسويغ تعليقها وتأجيلها تحت ذريعة حماية الصحة العامة؛ وإذ يستند أصحاب هذا الموقف إلى حزمة التحفظات التي أشهرتها غالبية المنظمات الأممية والوطنية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان تجاه ما اتخذ من تدابير استثنائية وطارئة، فهم يشددون معها على ضرورة عدم المساس بالحقوق المطلقة للإنسان التي لا تخضع لقيود أو استثناءات مثل، الحق في الحياة والحماية من التعذيب والاعتقال التعسفي، وأيضاً على ضرورة أن تكون هذه التدابير مبنية على أدلة علمية معلنة وصريحة ومبرمجة زمنياً وخاضعة في كل وقت للمراجعة، وألا يتم تنفيذها بصورة تعسفية وعقابية، بل عبر إقناع الناس ونيل رضاهم واحترام مشاعرهم وخصوصياتهم وكراماتهم بما يشجعهم على المشاركة في إنجاح تلك التدابير وتخفيف المخاطر على صحتهم وصحة المجتمع عامة.

مما لا شك فيه أن جائحة «كورونا» قد منحت الأنظمة الحاكمة فرصة للتسلط والتعسف، لكن ثمة تفاوتاً وتبايناً في استغلال هذه الفرصة بين بلد وآخر تبعاً لطبيعة نظامه السياسي وأيضاً لمدى انتشار فيروس «كورونا»، ففي حين حرصت غالبية الحكومات الديمقراطية على الشفافية والوضوح وعلى تبيان أسباب ما تتخذه من إجراءات ومدى الحاجة الصحية إليها، ولجأت إلى التعاون والتفاعل مع مختلف مكونات المجتمع، معززة الثقة بهم وبدورهم التشاركي لتجاوز هذه المحنة، لم يكن لدى الأنظمة الديكتاتورية جديد تظهره أمام تاريخ يفيض بوجع الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.

فأنى لسلطة، كالسلطة السورية مثلاً، أن تقدم إيضاحات عما تتخذه من إجراءات استثنائية تطال حقوق الإنسان، وهي التي توغلت إلى آخر الشوط، في التدمير والقتل والاعتقال والتشريد، وخنقت البلاد، طيلة عقود بسطوة قانون الطوارئ والأحكام العرفية؟! وعيانياً، هل سأل المرء نفسه عن مدى اهتمام هذه السلطة بصحة البشر وهي التي أوصلت حياتهم وأمنهم إلى درك لا يطاق، وحرمتهم من أبسط حاجاتهم ومستلزمات عيشهم؟ فكيف الحال حين تسارع، وكعادتها تجاه أزماتها، إلى إنكار وجود فيروس «كورونا» من الأساس، وإلى حجب أي معلومة عن مدى انتشاره وعدد ضحاياه، وملاحقة من ينشرون معلومات عن الإصاشبات، واعتقالهم بتهم نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة؟ أو حين يتباهى مسؤولوها بانتصارهم على هذا الفيروس، بعد اضطرارهم إلى الاعتراف بانتشاره، كما انتصروا على الإرهاب والمؤامرة الإمبريالية، كذا؟ ثم هل غريب عليها، وقد استثمرت جائحة «كورونا» لجباية العملة الصعبة عند بوابات الحدود، أن تستثمرها للتخلص من عشرات ألوف المعتقلين الذين تغص بهم السجون، ويعانون التعذيب وسوء التغذية والإهمال الصحي؟!

انتشر فيروس «كورونا» ولم يميز بين البشر على أساس القومية أو الدين أو العقيدة، لم يفرق بين امرأة ورجل، ولا بين غني وفقير، وكأنه، رغم ما سببه من ضرر وأذى، يريد أن يذكّر الجميع بقيم العدل والمساواة، وبضرورة احترام الإنسان وحقوقه من دون تمييز ككائن حي من لحم ودم وفكر، ولنقل كأنه يريد أن يعترض على تنامي نزعات الأنانية بين الشعوب وظواهر عدم اكتراثها بما يحل بغيرها من محن وكوارث، وربما كي ينبه سكان هذا الكوكب بوحدة المصير وبضرورة الانفتاح والتفاعل والتكاتف للانتصار معاً لحياة كريمة وآمنة.

الشرق الأوسط

—————————-

فيروس كورونا وفيصل مقداد/ عمار ديوب

لم يكن ينقص السوريين إلا فيروس كورونا في بداية عام 2020 وأن يصبح فيصل المقداد وزيراً للخارجية في نهايته. في هجمته الأولى، وأقصد الفيروس، لم يكن قويّاً. وفي الثانية، في الأشهر الأخيرة، راح يفتك بالمدن، وليس من إحصائيات عن عددِ قتلاه. أمّا فيصل هذا فلا أحد يهتم بأمره، حيث كان سلفه، وليد المعلم، يسدُّ عليه، وعلى سواه، كرسي الخارجية. عدا أن “المعلم” أصبح تقريباً حبيس كرسيِّه سنواتٍ طويلة، فكيف بالمقداد. الأخير، وبعد أن وُزِّرَ، يُستدعى تارةً إلى إيران، وتارةً إلى روسيا، ويتلقى التعليمات، ويتم إفهامه، مراراً وتكراراً، بدقة المواقف التي عليه إطلاقها، ولكنه ليس كسلفه، البارد أكثر من صقيع سيبيريا، فهو يطلق كلاماً، يبدو عليه حماسيّاً، في بعض الأحيان، كأن يقول إن على القوات الأميركية أن تخرج من سورية، وإلّا فإننا لن نتمكن من إيقاف المقاومة الشعبية عن المباشرة في عملياتها، والتي ستفني الأميركان. وبخصوص الإيرانيين، ليس من وجودٍ لهم إلّا مستشارين عسكريين، وهو بذلك يكرّر أكاذيبٍ سابقة، لطالما قالها مُورِّثه المنصِب، وبالتالي المقداد “يتوزر” وهو يطلق الأكاذيب، وبحماسةٍ شديدة، تعزُّ على مضيفه الأخير، الوزير الروسي لافروف.

يتحدّث العالم عن لقاحاتٍ متعدّدة الجنسيات “روسية، أميركية، صينية، ألمانية،..”، والسوريون يتحدّثون عن ميتاتٍ تكثر في مدنهم المنكوبة، علماً أن الميتات ما زالت تغزو أرجاء المعمورة. القضية أن الهجمة الثانية من الفيروس تُرك لها العنان، وكأنَّ في الأمر قصداً معيناً، حيث حذّرت جهاتٌ رسميّة سورية، من خطأ افتتاح العام الدراسي، وأن سورية لا تمتلك بنيةً تحتية أو تعليمية لمنع تمدّد الفيروس من المدارس وإلى المدن وليس للعائلات فقط، ولكن ذلك ضُرِبَ بعرض الحائط، ليحصد المئات، وربما في القادمات أكثر، حيث لا إجراءات للسلامة يتم اعتمادها. أمّا اللقاح فقد لا يتعرف عليه السوريون قبل اجتثاث الفيروس من العالم.

هذا العام، تكثفت فيه الأزمات؛ فهناك فقدانٌ للطاقة “غاز ومازوت وبنزين وسواه”، وهناك طوابير الخبز، وهناك كفّ يد أكبر شريك للنظام في نهب الاقتصاد، رامي مخلوف. وهناك صعود بارز، كما تقول التقارير، لزوجة الرئيس، وهناك أقطاب مالية جديدة، ظهرت. ولكن مقابل ذلك كله، هناك ميزانية فارغة إلّا من هواءٍ ساكن. أمّا أغلبية السوريين، فهم في أسوأ حالٍ منذ 2011. فلم تعد القضية قضية ثورة ونظام، وتدخلات خارجية أصبحت احتلالات دائمة، ولا يقتصر الأمر على الروس، الذين أخذوا أغلبية الاستثمارات الاقتصادية. الأسوأ من ذلك كله أن الفقر أصبح شديد الوطء، والخدمات تكاد تكون مُعلقة من الدولة. وهناك الكهرباء الشحيحة، وحتى الخبز، أوصى أحد قادة النظام بإنتاجه في المنازل! أي ليس من خبزٍ ستقدّمه الدولة في الأشهر المقبلة، ولنقل سيتقلص إنتاجه، بفعل عدم توفر الطحين، وزاد الطين بلّة أن أطناناً من القمح من موانئ الدولة، وهناك قانون قيصر.

الحقيقة المرّة، أن كل ما ذكر أعلاه، هو بفعل استمرار النظام، والأنكى أنه ما زال يقود سورية وكأنّ لا شيء تغيّر في السنوات العشر! ويثابر حاثّاً عناصر جيشه على الاستمرار في القتال، وبدءاً من درعا وليس انتهاء بالبوكمال ومروراً بإدلب المحاصرة. ولسوء حظنا، أصبحت كل تلك المعارك إمّا لصالح الروس أو الإيرانيين، وربما كذلك لصالح كل من تركيا وإسرائيل وأميركا، أي ستستفيد من سياساته الأخيرات.

يجثم الفيروس على صدرنا، وسورية أنهكت حتى الثمالة، ومأساتها أتمّت العام العاشر، وكلفة أزماتها أعلى من أربعمائة مليار دولار، وكلفتها البشرية مئات الألوف من القتلى. وهناك الجرح المفتوح، غياب أيّةِ آليّة للإفراج عن المعتقلين أو معرفة مصير المفقودين. عدا عن الاحتلالات المشار إليها، أو كنتائج لسياساتها، فإن سورية الآن مقسمة إلى ثلاث مناطق، هي بمثابة مراكز نفوذٍ لروسيا ولإيران ولتركيا وللأميركان. والأسوأ هناك بوادر جديدة عن مناطق إضافية، ككانتون حوران أيضاً! سورية التي كنّا نعرفها أصبحت كانتونات مناطقية وطائفية وعشائرية وقومية، والهوية السورية أُشبِعت تهشيماً، وهناك من يُشكك فيها بالأصل، وهناك من يؤكد أنها لم تبنَ من أصله، وإن مشاريع سورية السياسية زادتها تفكّكاً بين هوياتٍ قوميةٍ أو دينية أو عالمية، وبالتالي، سورية بحاجةٍ إلى بناء هويةٍ جديدة، على مدماك المواطنة، والأخيرة وحدها ما تُبنى عليها الأوطان، وفقاً للرأي الأخير..

حلّل بعضهم أن زيارة فيصل المقداد إيران أولاً تعبر عن تبعية أساسية للنظام لذلك البلد، وزيارته روسيا تعبر عن تبعيته بالدرجة الثانية للأخيرة. وبعض البيانات المرسلة عبر الصحافة تفيد بذلك، وتفيد بأن الروس قالوا للمقداد إن البلد الذي أنقذ نظامه هي روسيا، ولولاها لانهار النظام، وبالتالي عليكم الانتهاء مما تفعلون، فهلّا فهمتم؟

منطقتان تحاول روسيا، أخيرا، الامتداد إليهما، مدينة السويداء والبوكمال. وإذا كان الأمر ما زال متعذّراً في الأولى، ففي الثانية، أخلت لها إيران مناطق عسكرية، وهذا يُقرأ كرسائل للأميركان وللإسرائيليين، أن الروس جادّون في السيطرة على سورية، وعلى الدولتين التحرّك لتخفيف وجودهما في سورية. فات الروس، ولنقل يتجاهلون أن الدولتين تكرّران بضرورة إخراج إيران، وليس الحدّ من نفوذها. في كل الأحوال، إسرائيل وأميركا لا تقفان ضد الهيمنة الروسية على سورية، سيما أن الأخيرة أصبحت أرضاً يباباً، وقاعاً صفصفاً؛ أي أن روسيا تحتل سورية، وتسيطر إسرائيل على الجولان، وهذا لن يتغيّر في الراهن، وسلاح الأخيرة يقصف أية قاعدة عسكرية إيرانية فيها، وأميركا بدورها تسيطر على أغلبية مناطق الطاقة السورية والثروات الغذائية.

كان على الروس ألّا يصرّحوا مع المقداد إنهم وسورية لن يكونا أول من يضع سلاحاً في الفضاء، وكأنّ لسورية دورا في ذلك. وكان على الروس أن يتوقفوا عن مهزلة اللجنة الدستورية، والثرثرة بأن لا علاقة لها بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وأن الأخيرة ستبدأ في سورية عهداً جديداً، وسيعترف العالم بالنظام، وتبدأ عملية الإعمار.

لا جديد في سورية إلّا ذلك التوزير،، وهذا لا فائدة منه تُرتجى، وهو تحصيل حاصل، وما زال الأفق مغلقاً، حيث لا تسوية تجمع الروس والأميركان، وهي المعوّل عليها، ومنذ 2011 لنهاية الوضع السوري! في هذا الوقت، يتمدّد فيروس كورونا، والمقداد صار وزيراً متحمّساً للكذب، وأغلبية السوريين يلجون في فقرٍ شديدٍ، وأحلامهم صارت كوابيس، فإن نَجوا من موتِ الفقر لن ينجوا من كورونا أو من النظام أو من أنظمة في الشمال والشرق، تحرسها تركيا وأميركا.

هذا هو عام 2020، فهل يتغير الأمر في 2021؟ لست متفائلاً.

العربي الجديد

———————————-

سوريا: البحث عن رغيف خبز في زحمة طوابير “كورونا”/ طارق ميري

“بدنا نعيش وما بصير غير لي كاتبه الله”، يقول رجل ينتظر في زحام منطقة البرامكة في دمشق وسيلة نقل تقله إلى جديدة عرطوز في ريف العاصمة لدى سؤاله عن إجراءات الوقاية من الإصابة بفايروس “كورونا”.

جل تفكيره ينحصر الآن بحجز مقعد وسط تدافع المئات ممن ينتظرون وسائل النقل، إذ تعيش العاصمة السورية في هذه الفترة أزمة مواصلات خانقة، مع قلة عدد الميكروباصات وشح في مادتي المازوت والبنزين وتضاعف أسعارهما.

بحسب بيانات وزارة الصحة السورية وصل عدد الإصابات بفايروس “كورونا” حتى 27 كانون الأول/ ديسمبر إلى 11 ألف و33 إصابة و678 وفاة مع شفاء 5141 حالة.

في جولة خاطفة على أبرز شوارع دمشق، يندر أن ترى أشخاصاً يرتدون كمامات أو أقنعة واقية، فيما تغص وسائل النقل العامة بأعداد مضاعفة من الركاب بما يفوق قدرتها الاستيعابية، في ظل انعدام التباعد الجسماني أو التقيد بوسائل الوقاية من الفايروس، بينما تنتشر على “فايسبوك” صور وأوراق نعوة  لمواطنين وأطباء قضوا بسبب الوباء. فلا يمر يوم من دون أن يعلق أحدهم معزياً أو مواسياً على منشورات معارفه.

أما الفريق المعني بإجراءات التصدي لوباء “كورونا” التابع للحكومة السورية، فقد قرر فرض الكمامة على المراجعين والعاملين في المؤسسات العامة ومستخدمي وسائط النقل الجماعي ومرتادي الأسواق ومنافذ البيع في الأفران، من دون أن يجد هذا القرار طريقه للتطبيق وسط غياب للرقابة.

مع استمرار الازدحام في أفران دمشق مثل “الشيخ السعد” الحكومي في المزة ومخابز “ابن العميد” في ركن الدين، وعلى أبواب “المؤسسة السورية للتجارة” الحكومية للحصول على المخصصات التموينية كالأرز والسكر بموجب بطاقة إلكترونية، أصبحت الطوابير بأشكالها كافة حالة عامة. وتقول سناء من سكان حي المزة “الناس في دمشق يفكرون بتأمين حاجاتهم المعيشية أكثر من مخاطر الإصابة بالفايروس مع ازياد الأزمات الاقتصادية الخانقة مثل شح الغاز المنزلي وانقطاع الكهرباء وغلاء تكاليف المعيشية وسط انتشار الفقر والتسول”.

وعلى رغم الإعلانات الطرقية عن خطر “كورونا”، المنتشرة بكثافة بإشراف وزارتي الصحة والإعلام بالتعاون مع منظمات دولية، إلا أنها لا تلفت انتباه شريحة واسعة من المارة خاصة الأطفال الذين يجوبون الشوارع بحثاً عن المال ويقلبون حاويات القمامة من أجل بقايا الطعام.

ومع بداية تشرين الثاني/ نوفمبر دخلت سوريا الموجة الثانية من جائحة “كورونا”، فلا تقل الإصابات المسجلة يومياً عن 150 حالة بحسب بيانات وزارة الصحة، مع العلم أن العدد الحقيقي للإصابات والوفيات تخطى الأرقام الرسمية المعلنة وسط تراخ كبير في إجراءات السلامة العامة، والصفوف الحضورية في الجامعات والمدارس. وعلى رغم مناشدات الأهالي وعدد من الأطباء بتعليق الدوام، لا سيما بعد وفاة طالب في إحدى مدارس ريف دمشق و8 أشخاص من المدرسين والكوادر التربوية في مختلف المحافظات، وتسجيل أكثر من 600 إصابة بين الطلاب و800 إصابة بين الكوادر التربوية بحسب مديرة الصحة المدرسية في وزارة التربية د.هتون الطواشي إلا أن تلك المطالبات بقيت من دون استجابة.

الإمكانات المتاحة… دمشق

قال عضو الفريق الاستشاري لمواجهة فايروس “كورونا” د. نبوغ العوا “المرض بدأ يظهر بشكل واضح أكثر بعد دخول فصل الشتاء، إذ ارتفع عدد الإصابات في جميع المحافظات، ومن الممكن حدوث زيادات كبيرة (انفجارات)، وشاهدنا ما حصل في الصيف من ارتفاع في عدد الإصابات والوفيات… وأتوقع زيادة في عدد الحالات الحرجة”، وأشار العوا إلى ارتفاع عدد المراجعين المصابين بـ”كورونا”، وهي نسبة تزداد يوماً لكنها “محمولة حتى الآن” وهي حالات متوسطة في معظمها يتم حجرها في المنزل ومتابعة وضعها عبر الهاتف، أما الحالات الأشد صعوبة فتحوَّل إلى مستشفيات.

ذكر العوا أن إجراء تحليل PCR الخاص بـ”كورونا” يتطلب يوماً أو يومين لتظهر النتيجة بحسب الضغوط في المختبرات، وليس لدى وزارة الصحة القدرة على إجراء اختبارات للجميع، في حين أن المراكز الخاصة تطلب مبالغ لا يقدر الجميع على دفعها، وفي حال عدم قدرة الشخص على الدفع يتم الاكتفاء بصور الأشعة وتحليل الدم، لأن كلفتهما أرخص من تحليل PCR.

في دمشق 15 مستشفى حكومياً، تملك 3 آلاف و483 سريراً، في حين يصل عدد المستشفيات الخاصة إلى 36، بقدرة 1298 سريراً، بحسب بيانات وزارة الصحة. ويعتمد الناس على العلاج في المستشفيات الحكومية لأنه يُقدم مجاناً، ومن أبرز هذه المستشفيات التي تستقبل حالات “كورونا”، مستشفى الأسد الجامعي، والمواساة، وابن النفيس، والهلال الأحمر السوري. في المقابل يضطر بعض المرضى للذهاب إلى مستشفيات خاصة في حال عدم توفر شواغر في المنافس والأسرة الحكومية، مقابل دفع مبلغ مادي لا يقل عن 500 ألف ليرة في الليلة الواحدة ما يعادل 200 دولار في السوق الموازي بحسب ما أكده أحد المرضى لـ”درج”.

وكانت وزارة الصحة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، جهزت مستشفى طوارئ في “مدينة الفيحاء الرياضية” في دمشق يتسع لـ120 سريراً لاستقبال المصابين بـ”كورونا” بأعراض متوسطة وبحاجة لدعم أكسجة فقط، كما خصصت مئة سرير إضافي لاستخدامها عند الحاجة.

تضاعف الإصابات… وأرقام بعيدة من الإحصاءات الرسمية

بين مدير مستشفى المواساة د.عصام الأمين خلال تصريح لوسيلة إعلام محلية في 16 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أن حصيلة الإصابات بفايروس “كورونا” في المواساة خلال النصف الأول من تشرين الثاني تضاعفت 3 مرات عما كانت عليه الشهر السابق، وقال “إن مجموع الإصابات المثبتة التي يستقبلها المستشفى حالياً منذ بدء تشرين الثاني وصل إلى 53 حالة، بينما لم تتجاوز في تشرين الأول الماضي 15، أما في أيلول/ سبتمبر فكانت 19 فقط، إلا أنها وصلت ذروتها القصوى خلال آب/ أغسطس، حيث بلغت 172 إصابة إيجابية في مستشفى المواساة فقط”، وأوضح الأمين أن “هذه الأعداد تمثل الحالات التي تحتاج إلى دعم طبي في المستشفى وحسب، وهي ما بين شديدة وحرجة، إلا أنها لا تشكل سوى      15 في المئة من مجموع المصابين”.

وصرح الأمين في 23 تشرين الثاني بأن دمشق في المرتبة الخامسة من حيث عدد الإصابات بالفايروس ومن المتوقع أن تكون حمص والسويداء في المرتبة الأولى.

من جهة أخرى، أوضح معاون مدير مديرية الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة عاطف الطويل أن بعض المحافظات تشهد حالياً ازدياداً متدرجاً لانتشار الفايروس لا سيما حماة وحمص واللاذقية والسويداء، وأكد الطويل لوكالة “سانا” أن نسب إشغال الأسرة لمرضى “كورونا” ارتفعت في بعض المحافظات إلى 15 بالمئة قياساً بالفترة السابقة.

وهذا ما أكده أيضاً مدير الجاهزية والإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة د.توفيق حسابا، الذي أشار إلى ارتفاع منحى الإصابات منذ تشرين الثاني 2020، إذ كان عدد الإصابات المسجلة يومياً يصل إلى 30 إصابة و3 وفيات، بينما ارتفع خلال منتصف كانون الأوّل/ ديسمبر ليصل إلى 150 إصابة و15 وفاة في الأسبوع ما يعني زيادة معدل الإصابات والوفيات المعلن عنها رسمياً بنحو خمسة أضعاف من منتصف تشرين الثاني حتى الآن.

لا يختلف وضع حلب عن دمشق لناحية انتشار “كورونا”، إذ قال أحمد (اسم مستعار) وهو طبيب بقسم الصدرية في مستشفى حلب الجامعي لمعد التقرير، إن “المراجعين في قسم الإسعاف في ازدياد مطرد، المستشفى ممتلئ ولا أماكن شاغرة لاستقبال المزيد”.

وأضاف: “قسم العناية في المستشفى يمتلك 6 منافس فقط، وإذا لزم الأمر سنستخدم جناحاً إضافياً بسعة 10 غرف”. ويشير أحمد إلى صعوبة تقدير أعداد الإصابات كون الفريق الطبي يعمل في مناوبات متغيرة يومياً، لكن يمكن القول إن “الإسعاف الداخلي يستقبل 20 مريضاً مشتبه بإصابتهم بكورونا مقارنة بـ5 أو 10 فقط في تشرين الثاني”.

ويعاني السوريون بمناطق خاضعة لسيطرة الحكومة السورية في حلب من انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 12 ساعة يومياً، ما دفعهم منذ سنوات إلى الاعتماد على “أمبيرات المولدات للحصول على الكهرباء”، على رغم ارتفاع ثمنها، إضافة إلى تأخر الحصول على مخصصات المازوت للتدفئة المنزلية، وأوضح د. أحمد أن الناس يسعون لتوفير المال عبر العمل في أكثر من مكان لتأمين تكاليف الخبز والطعام والأمبيرات متناسين شيئاً اسمه فايروس “كورونا”.

لا مساعدات للسويداء.. والمشهد ذاته في درعا

ويتكرر المشهد ذاته في السويداء،  إذ ذكر مصدر في “مديرية صحة السويداء” لـ”درج” أن ارتفاع عدد الإصابات بـ”كورونا” بنسبة كبيرة دفع المديرية إلى فتح قسم عزل ثالث في “مستشفى السويداء الوطني” لتتركز الحالات المعزولة في “مستشفى صلخد” و”الوطني” و”مستشفى سالي الوطني”، مشيراً إلى وجود 40 منفسة فقط في مستشفيات المحافظة، وأوضح المصدر أن الإصابات والوفيات تسجل بشكل يومي، وقد يصل عدد الوفيات أحياناً إلى ما بين 10 و12 شخصاً في اليوم، مبيناً عدم قدرة مديرية الصحة على إجراء مسحات لجميع الأهالي، لذلك يتم الاكتفاء بصورة مقطعية للصدر، أما المسحات الطبية التي تجرى فترسل إلى مختبرات “وزارة الصحة” في دمشق، وتظهر النتيجة بعد 10 أيام أو أسبوع. وبيّن المصدر أنه على رغم ارتفاع عدد الإصابات لم تصل أي مساعدات إلى المحافظة من الوزارة.

أما في درعا، فقال أسامة أحد متطوعي “منظمة الهلال الأحمر السوري”، “منذ أسبوعين، تعاملنا مع 50 حالة مشتبه بإصابتها بالفايروس يومياً من ضمنها وفيات نقلناها إلى المستشفيات في المدينة بينما الانتشار الأكبر كان في الريف”، وتابع: “يجهز الهلال حالياً قسم عزل جديداً يستوعب 30 مصاباً في المستشفى الوطني في درعا”.

ومع ازياد عدد الإصابات في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، سرعان ما أصدر وزير الصحة حسن الغباش تعميماً بتاريخ 29 تشرين الثاني بإيقاف العمليات الباردة اعتباراً من بداية كانون الأول/ ديسمبر مع استمرار العمل بالنسبة إلى الحالات الإسعافية والعمليات الجراحية الخاصة بالأورام، وانتقال المستشفيات للعمل ضمن خطة الطوارئ B، والتوسع ضمن أقسام المستشفى لمصلحة مرضى “كورونا”.

أُنجز هذا التحقيق بدعم من منظمة دعم الإعلام الدولي (IMS) وبالتعاون مع مؤسّسة “روزنة” للاعلام ومنصّة “خيوط” اليمنيّة.

درج

———————————–

«سوريا المريضة» تنتظر اللقاح من تفاهمات «اللاعبين»/ إبراهيم حميدي

الوباء زاد معاناة النازحين في العراء

ديمومة ثبات «خطوط التماس» في سوريا لحوالي سنة، مقلقة للبعض ومريحة للبعض الآخر. هي، لأول مرة منذ حوالي عقد، لم تتغير بين «مناطق النفوذ» الثلاث. كانت هناك نيات لتجاوز «الخطوط الحمراء»، أو اللعب على حبال التناقضات بين اللاعبين، اصطدمت بجدران كثيرة. التفاهمات الدولية والصفقات الإقليمية والتشابكات بين المقايضات الدولية والإقليمية.

أيضاً، خيم «كورونا» بظله الثقيل وأصابعه الثقيلة. هذا الوباء لا يعرف الحدود حتى لو كانت مؤقتة. جرائم الوباء وحدت السوريين في «المناطق الثلاث». زاد من عمق الحفرة التي رماهم فيها الآخرون. لا فرق عند «الجنرال كورونا» بين سوري وسوري إلا بالصحة.

تصادفت هجمة «كورونا» القاتلة في الصين نهاية العام مع التفاهمات الأميركية – التركية – الروسية شرق الفرات ومع توقيع الرئيس دونالد ترمب «قانون قيصر» لفرض عقوبات اقتصادية على دمشق. تزامن امتداد الوباء إلى العالم والمنطقة وسوريا مع التفاهم الروسي – التركي مارس (آذار) الماضي في شمال غربي سوريا، أعقب ذلك بدء تطبيق «قيصر» بعد ثلاثة أشهر. منذاك، أي لحوالي سنة، أصبحت «الحدود» بين «مناطق النفوذ» ثابتة سوى من بعض التحرشات. هذا الثبات هو الأول والأطوال منذ «العسكرة» و«الحل الأمني» بعد 2011.

بعد التدخل العسكري الروسي نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، واستعادة دمشق لمناطق واسعة، وإبرام موسكو تفاهمات مع أنقرة وواشنطن، باتت سوريا ذات الـ185 ألف كلم مربع، مقسمة إلى 3 مناطق نفوذ: ثلثا البلاد ومعظم المدن تحت سيطرة الحكومة، بدعم روسيا وإيران. «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية تسيطر بدعم التحالف وقيادة أميركا على ربع البلاد في شمال شرقي البلاد، حيث تقع معظم الثروات والنفط والغاز والمياه. «الحصة الثالثة» من نصيب تركيا التي تمد أذرعها العسكرية وغير العسكرية في «جيوب» شمال البلاد وشمالها الغربي بسيطرة من فصائل مقاتلة تدعمها أنقرة، إضافة إلى وجود مباشر للجيش التركي.

المقابر والمستشفيات

حصلت دمشق في نهاية العام على لقاح «سبوتنيك» الروسي. هذا ما بشر فيه وزير الخارجية فيصل المقداد بعد زيارته إلى موسكو. الأولوية هنا، لتلقيح عناصر الجيشين: العسكري والطبي. سيصل «اللقاح الروسي» بعد أشهر كما وصل «الجيش الروسي». لكن بداية العام كانت مختلقة. أشهر عسيرة وقاسية. منذ دخول «كورونا» إلى مناطق الحكومة في مارس، استقبلته دمشق بالإنكار ثم بقليل من الشفافية وكثير من الشفاء… الإعلامي. اتخذت إجراءات وقائية خجولة مع تفشي الوباء في المحافظات.

تأخر الوباء أو كان تحت السيطرة في الأشهر الماضية. بدأ في أغسطس (آب) بتسجيل قفزات في دمشق وأخواتها بما في ذلك بين عناصر الجيش والضباط. «الأرقام الصامتة» لم تردع. كان من المفترض مقارعتها بإجراءات صارمة للحد من التغلغل. ما حدث هو العكس. عاد متابعو كرة القدم إلى المدرجات. أوضح مثال، اكتظاظ «ملعب الحمدانية» في حلب بأكثر من 20 ألفاً. دعي «الجنرال كورونا» إلى «العرس الجماهيري للانتصار على الإرهاب». وكان ما كان.

ولم يقتصر الأمر فقط على كرة القدم، بل إن طوابير الأفران والخبز ومحطات الوقود والأسواق المزدحمة أدت إلى تفشي الوباء بشكل كبير. هذا كله في ظل واقع طبي كارثي تعيشه مناطق نفوذ الحكومة بعد سنوات من الحرب والحرمان والفساد والهجرة.

أرقام وزارة الصحة، كانت متواضعة. كذبتها إحصاءات المستشفيات والمقابر. الدليل، كان في «مقبرة نجها» جنوب دمشق التي تحول قسم منها إلى مقبرة لضحايا الوباء. هنا، يخاف المصابون من الذهاب إلى المراكز الرسمية. وفقاً لإحصاءات «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أصيب حوالي مائة ألف شخص. تعافى منهم أكثر من 38 ألفاً وتوفي 6500 شخص. تتركز غالبية الإصابات والوفيات في السويداء واللاذقية وطرطوس وحلب ودمشق وريفها. الأعداد الرسمية لوزارة الصحة، اقتصرت على 9603 إصابات، توفي منها 554 وشفي 4548.

واكبت ذلك رغبة في دمشق للذهاب إلى إدلب أو شرق الفرات. لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو رأي آخر. وصل في مارس إلى دمشق لتأكيد ضرورة الالتزام بالاتفاق بين موسكو وأنقرة حول إدلب، وضرورة تجنب معارك شاملة وسط «كورونا». هناك قلق أن تتحول المسارح العسكرية إلى مكان للقلق من رصاصة أو فيروس.

يضاف إلى ذلك، تعمق الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وانخفاض سعر صرف الليرة السورية، وبدء واشنطن في منتصف يونيو (حزيران) بتطبيق «قانون قيصر»، وإصدار قوائم ضمت 114 فرداً وكياناً سورياً حتى نهاية العام. كما ضغطت واشنطن على دول عربية وأوروبية كي لا تطبع مع دمشق ولا تساهم في إعمار سوريا. الهدف، بالنسبة إلى الأميركيين، «منع النظام من الفوز بالسلام في حال فاز بالحرب»، إضافة إلى «حرمانه من تمويل العمليات العسكرية، وتغيير خطوط التماس»، مع المطالبة بـ«وقف نار شامل» تكراراً لصدى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

إدارة ومأساة

العقوبات والوباء والأزمة، تسللوا «خطوط النار» إلى مناطق «الإدارة الذاتية» في شرق الفرات من أراضي الأخوة أو الأعداء. هذه المنطقة كانت مسرحاً لمعارك لهزيمة «داعش». هنا الطريقة أميركية في القتال. واضحة في المدن والقرى. حسب إحصاءات «المرصد»، بلغ عدد المصابين 34 ألفاً، تعافى منها 13 ألفاً، وتوفي 1200 شخص، وتتركز الإصابات والوفيات في عين العرب (كوباني) والحسكة والقامشلي والمالكية. الأعداد الرسمية لـ«الإدارة الذاتية»، سجلت 7581 إصابة، توفي منها 241 وشفي 1087. الوضع مأساوي وكارثي أيضاً. تخللته حالات سرقة لمعدات طبية.

حاولت «الإدارة الذاتية» الحصول على استثناءات من الحليف الأميركي، من عقوبات «قيصر». حاولت أيضاً تخفيف آثار العقوبات في القطاع الطبي. قابل الأميركيون، الذين ينشرون حوالي ألف جندي نظامي وغير نظامي، ذلك ببعض المرونة والاسثناءات، خصوصاً أن هذا الفيروس لا يعرف الحدود والبشر، ولا يميز بين كردي وأميركي.

نهر الفرات يرسم إلى حد ما «خط التماس» مع الحكومة. لكن هناك «خطوطاً» أخرى في شرق الفرات. تركيا أقامت منطقة «نبع السلام» بين تل أبيض ورأس العين. سيرت دوريات روسية – تركية ودوريات أميركية. الوباء لم يلجم نيات تركية للتوسع في شرق الفرات. بقيت المناوشات والاشتباكات وتبادل القصف تذكر القلقين من «كورونا» بأهوال الحرب. هذه الرقصات العسكرية، انتهت قبل ساعات بصفقة في بلدة استراتيجية، هي عين عيسى قرب الرقة، التي كانت ذات يوم «عاصمة» لتنظيم «داعش».

ملايين في بقعة

في شمال غربي البلاد، حيث تسيطر فصائل مقاتلة بدعم تركي، حوالي أربعة ملايين مدني. إنهم محشورون في مخيمات للنازحين ومناطق مدمرة. بعد سنوات من المعارك. هذه المنطقة كانت مسرحاً للعمليات العسكرية الروسية والحليفة و«مختبراً للأسلحة الجديدة». هذا يكفي لتخيل الوضع. يضاف إلى ذلك، أن وجود فصائل مدرجة على قوائم مجلس الأمن للتنظيمات الإرهابية، ترك آثاره في المجتمع والمساعدات الدولية.

هنا القلق سيد الأحكام. خوف في بقعة جغرافية مكتظة. منطقة أشبه بسجن كبير. دعم المنظمات الإنسانية والطبية إسعافي ليس إلا. مراكز طبية دمرت جراء القصف. مبانٍ مدمرة جزئياً باتت مراكز طبية. غرف بلا جدران استعملت للعناية المشددة. هذه الصورة العامة. قد يختلف المشهد من بلدة إلى أخرى. من جدار إلى آخر. لكن الشتاء صعب أن يحل والناس في العراء يعاركون الوباء. حاولت الجهات المسيطرة فرض إجراءات وقائية. حصلت بعض الاستجابة. قال أحدهم: «نحن لا نخاف كورونا. لعبنا مع الموت لسنوات وسنوات».

أيضاً، «لقمة العيش» وضرورة العمل والاكتظاظ في المخيمات المهترئة، عوامل ينتعش فيها «كورونا». يزدهر على معاناة الفقراء. سجلت 260 من أصل 19 ألف إصابة. تعافى 9500 شخص. «المرصد» يقول إن «الرقم الحقيقي هو الضعف». «كورونا» ليس كله أخباراً سيئة. هناك خبر «سار». خطوط التماس التي رسمت في فبراير (شباط) الماضي بين إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، لم تتغير جذرياً. تحالف «الجنرالات» الروسي والتركي و«كورونا» لترتيب استقرار ما.إدلب مثل دمشق والقامشلي، تجمعها المعاناة. الجائحة التي ضربت سوريا كغيرها من دول المنطقة والعالم، زادت حجم معاناة السوريين الذي بالأصل يعانون من تراكم أزمات النزوح واللجوء والخراب والمشاكل الاقتصادية والمعيشية. السوريون كغيرهم ينتظرون تسلم الإدارة الأميركية مقاليد الحكم وما إذا كانت سياستها ستكون مختلفة عن الإدارة السابقة. كل سوري لديه آمال مختلفة من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، حسب «منطقته». في الشمال الشرقي يريدون بقاء الأميركيين. في الشمال الغربي يريدون البقاء في «وقف التصعيد». فيما تبقى، يريدون رفع العقوبات.

«كورونا» ساهم ولو جزئياً في وقف العمليات العسكرية. عليه، فإن التساؤل داخل البلاد وخارجها، ما إذا كان العام المقبل سيحمل بعض الأكسجين واللقاح لـ«سوريا المريضة»، أم أنه سيكون امتداداً لـ2020 مع بعض التلوينات سلباً أم إيجاباً.

الشرق الأوسط

——————————————-

===========================

تحديث 31 كانون الأول 2010

——————————–

اللاجئون السوريون في لبنان… الكورونا وحلم العودة/ لجين حاج يوسف- محمد فضيلات – فاطمة عثمان

أدت تدابير مواجهة الوباء إلى تعميق أزمة اللبنانيين الاقتصادية، فيما وجد اللاجئون السوريون أنفسهم أمام تحدٍ جديد بعدما كانوا يتخبطون في الأصل لضمان حياة كريمة…

في 21 شباط/ فبراير 2020 أعلن لبنان تسجيل أوّل إصابة بفايروس “كورونا”، ليجد نفسه أمام أزمة جديدة تضاف إلى أزمات مالية واقتصادية نتجت عنها موجة احتجاجات واسعة ضد الحكومة.

أدت تدابير مواجهة الوباء إلى تعميق أزمة اللبنانيين الاقتصادية، فيما وجد اللاجئون السوريون أنفسهم أمام تحدٍ جديد بعدما كانوا يتخبطون في الأصل لضمان حياة كريمة، كما تقول الأمم المتحدة.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين في لبنان 879529 لاجئاً، وذلك حتى نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر 2020 [3]، فيما تقول السلطات اللبنانية إن عددهم تجاوز المليون ونصف المليون لاجئ. أصيب منهم 1369 بفايروس “كورونا”، وتوفي 31 وفق “منظمة الصحة العالمية”.

نحاول في هذا التقرير التعرّف إلى أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان في ظل جائحة “كورونا”، والإجابة على سؤال: كيف أصبحت العودة هدفاً لغالبيتهم؟

ماذا حدث مع حسان؟

توقف اللاجئ السوري حسان حسونة عن العمل في ورشة بناء كانت مصدر رزقه الوحيد، نتيجة تعثر صاحب المشروع بعد نحو شهر من اكتشاف أول إصابة «كورونا» في لبنان، ولم يحصل حسان على عمل مستقر حتى الآن.

يقول: «منذ وصولي إلى لبنان وأنا عامل مياومة في ورش البناء. قبل كورونا كنت أعمل في ورشة وأحصل على 15 ألف ليرة في اليوم (10 دولارات) [5]، لكن صاحب المشروع أوقف العمل بسبب الأزمة الاقتصادية وكورونا».

الأسر اللاجئة تعيش بأقل من  308,728 ليرة للفرد الواحد في الشهر )42 دولار).

لجأ الأربعيني حسونة إلى لبنان عام 2012، ومنذ ذلك الحين يعيش مع عائلته المكونة من زوجته وأطفاله الخمسة في بيت مستأجر في منطقة عين الحلوة في مدينة صيدا الجنوبية.

قبل لجوئه إلى لبنان كان حسونة يملك مقهى في مدينة القصير، وعن أسباب مغادرته سوريا، يقول «غادرت خوفاً من الاعتقال لأنني معارض للنظام».

لم يكن حسونة اللاجئ السوري الوحيد الذي فقد عمله في لبنان بسبب تداعيات الجائحة، إذ تظهر دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية تسريح 60 في المئة من اللاجئين السوريين من أعمالهم بشكل دائم.

بعد خسارته العمل في البناء تجمد دخله عند 30 ألف ليرة (4 دولارات) يومياً، يحصل عليها من مساعدته أصحاب مخمر موز قريب من مكان سكنه، إضافة إلى ما تجنيه الزوجة من بيع منتجات غذائية تعدها في المنزل، وهو دخل غير ثابت «بحسب الطلب».

يقول: «نحتاج إلى مليون ليرة شهرياً (135 دولاراً) لتأمين مستلزماتنا، لكن ما نحصل عليه لا يتجاوز 500 ألف ليرة (68 دولاراً) فقط». ويعيش 73 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان تحت خط الفقر الوطني، وفقاً لأرقام المفوضية التي قالت، «إن حالتهم ازدادت سوءاً بعد تقييد الحركة للوقاية من فايروس كورونا».

يعيش 89% من اللاجئين السوريين في لبنان تحت خط الفقر المدقع، وفقاً لدراسة «تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2020» الصادرة في 18 ديسمبر/ كان أول 2020، مقارنة بـ 55% قبل عام واحد فقط.

وبحسب الدراسة الصادرة عن المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي و «اليونيسيف» فإن الأسر اللاجئة تعيش بأقل من  308,728 ليرة للفرد الواحد في الشهر )42 دولار).

 يسعى اللاجئ للاستفادة مجدداً من برنامج المساعدة المالية الذي تقدمه المفوضية للاجئين، علماً أنه كان يحصل على 25 دولاراً عن كل فرد من أفراد عائلته شهرياً، قبل أن يُفصل من البرنامج لأنه يعمل. يرى اللاجئ أن إعادته إلى برنامج المساعدة المالية «رح يساعدني في تأمين أكل لأطفالي خلال الأزمة».

يتخوف حسونة من أن يقدم صاحب البيت المكون من غرفتين على رفع الإيجار البالغ حالياً 100 ألف ليرة (14 دولاراً)، يوضح: «إذا حدث ذلك سأقع في مشكلة كبيرة».

اضطر 11% من اللاجئين السوريين إلى تغيير مكان إقامتهم، لعجزهم عن دفع أجرة السكن أو بحثًا عن إيجار أقل، كما تشير أرقام تقرير ” رصد الآثار الاقتصادية على اللاجئين في لبنان” الذي أصدرته المفوضية في أكتوبر/ تشرين أول 2020.

وفي محاولة منه لتقليل النفقات، حاول نقل ولديه من المدرسة الخاصة إلى مدرسة حكومية ليفاجأ بأن «المدرسة الخاصة التي يدفع رسومها مليوني ليرة (270 دولاراً) في السنة، وتدرس المناهج السورية، لا تعترف بها وزارة التعليم اللبنانية».

«الحل هو أن أعود إلى سوريا، حيث يستطيع أولادي مواصلة الدراسة وتوفير بعض النفقات»، لكنه حل يصطدم بمعوقات عدة أولها قرار الحكومة السورية الذي يلزم كل مواطن يريد دخول البلاد تصريف 100 دولار أميركي إلى الليرة السورية بحسب سعر الصرف الرسمي، أي أقلّ بكثير من قيمة المبلغ الحقيقي.

وصدر القرار في تموز/ يوليو 2020، بحجة مساعدة الدولة على توفير احتياطي من العملات الأجنبية.

يضاف إلى ذلك خوف حسونة من التعرض إلى الاعتقال، ويقول «مشتاق لبلدي وبتمنى لو معي مصاري لأرجع، لكن أوضاعي المالية من جهة و خوفي من الاعتقال يمنعانني من العودة».

في منتصف آذار/ مارس 2020 أغلقت السلطات اللبنانية حدودها مع سوريا، ضمن تدابير مكافحة فايروس “كورونا”، فيما أغلقت حكومة النظام السوري حدودها مع لبنان في 22 آذار 2020 بالتزامن مع تسجيل أول إصابة بالفايروس في سوريا.

وفتحت الحدود في مواعيد استثنائية أمام اللاجئين السوريين الراغبين في العودة من دون أن تعلن السلطات اللبنانية أو السورية أعداد العائدين.

ويخطط 5% من اللاجئين لمغادرة لبنان، وفقا لتقرير رصد الآثار الاقتصادية، منهم 18% لا يجدون مشكلة في العودة إلى سوريا فيما يسعى 82% للمغادرة إلى بلد ثالث.

“البير وغطاه”

عام 2013 لجأ السوري عبد الله هزاع (36 سنة) وعائلته إلى لبنان هرباً بعد اشتداد المعارك في مدينة القصير حيث كان يقيم. وفور وصوله إلى الأراضي اللبنانية اصطحبه أحد أقاربه إلى مخيم الريحانية في محافظة عكار، حيث أقامت العائلة في خيمة إلى أن تم طردها منها في أيار/ مايو 2020.

حاول اللاجئ في البداية العمل في مهنة الخياطة، لكن كلفة المعدات المرتفعة وقفت عائقاً أمامه، ليتجه إلى أعمال البناء، يقول: «عملت بالمياومة في البناء مقابل 10 آلاف ليرة يومياً [8]، كانت هذه المرة الأولى التي أعمل فيها في البناء»، وواجه هزاع صعوبات في إيجاد العمل لعدم امتلاكه بطاقة إقامة على الأراضي اللبنانية.

ويمنع القانون اللبناني السوريين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية من العمل تحت طائلة المحاسبة.

إلى جانب عمله المتقطع اعتمدت العائلة على المساعدة المالية التي تتقاضاها من المفوضية والبالغة ما يساوي نحو 10 دولارات للفرد شهرياً «مبلغ لا يكفي لتلبية حتى الحاجات الضرورية» يقول. كذلك حالت أوضاع هزاع الاقتصادية «الصعبة» دون إرسال أبنائه إلى المدارس وهو ما يصيبه بالحسرة.

في 18 نيسان/ أبريل 2020 اصطحب هزاع زوجته الحامل إلى أحد مستشفيات شمال لبنان ليتبين أنها مصابة بفايروس “كورونا”.

«ظلت في المستشفى 15 يوماً، الأطباء تهربوا من توليدها لأنهم كانوا خائفين من انتقال العدوى. في النهاية وافق أحدهم على توليدها» كما أخبرنا هزاع، الذي اقترض كلفة الولادة البالغة 600 ألف ليرة من أحد أصدقائه.

ويخطط 5% من اللاجئين لمغادرة لبنان، وفقا لتقرير رصد الآثار الاقتصادية، منهم 18% لا يجدون مشكلة في العودة إلى سوريا فيما يسعى 82% للمغادرة إلى بلد ثالث.

في 1 أيار/ مايو 2020 أنجبت زوجته طفلة ليصبح بذلك عدد الأبناء والبنات سبعة أكبرهم في الثالثة عشرة، بعدها بثلاثة أيام عاد اللاجئ وزوجته إلى المخيم يحملون طفلتهم الرضيعة ليفاجأوا بقرار طردهم.

وانتقدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في بيان صادر عنها الإجراءات «التمييزية» التي تفرضها جهات لبنانية على اللاجئين السوريين ضمن التدابير التي تتخذها لمواجهة الوباء. [9]

يقول هزاع: «طردونا من المخيم بعدما شكوا بإصابتي وزوجتي بفايروس كورونا، فغادرت أنا وأبنائي، حتى بعدما أجرينا فحصاً وتبيّن أننا لسنا مصابين، لم يُسمح لنا بالعودة».

يكلف فحص “كورونا” 200 ألف ليرة (27 دولاراً)، مبلغ لم يكن يملكه اللاجئ الذي ساعدته جمعية أهلية على توفيره.

وتزداد الأمور تعقيداً مع صعوبات تجوّل السوريين التي تفرضها عرسال وبلديات أخرى في عكار وغيرها من المناطق اللبنانية، ما يجعل الذهاب من منطقة إلى أخرى لإجراء فحص “كورونا” مسألة شاقة ومشروطة.

وإجراءات حظر التجوّل أو الحد منه رافقت وصول الفيروس إلى لبنان، وذلك في ظل ضعف الإمكانات الوقائية المتاحة، وصعوبات ضبط الأوضاع لا سيما في المناطق الفقيرة المهملة والتي تنتشر فيها غالباً المخيمات.

تعيش عائلة هزاع في مستودع مستأجر تحت سطح الأرض، يقول «الرطوبة منتشرة في المخزن والظلام دامس، لكنه مكان يقينا برد الشتاء»، ويتابع «أجرة المستودع 150 ألف ليرة (20 دولاراً)، لكنني لا أستطيع دفعها حتى الآن، صاحب المستودع لا يلح عليّ بالدفع، لأنه يعلم البير وغطاه».

منذ ستة أشهر لم يحصل هزاع على أيّ عملٍ، فيما يمتنع الجميع عن توظيفه بعد شائعة إصابته بـ”كورونا”، وهو اليوم يعتمد بشكل كامل في معيشته على ما يتقاضاه من المفوضية.

يتمنى العودة إلى سوريا، لكن ما يمنعه كما يقول أن «لا مكان أذهب إليه فمنزلي تهدم، ولا أملك المال للعودة، وأخشى أن يتم اعتقالي عند عودتي».

ويعاني نحو 11 في المئة من اللاجئين بحسب تقرير الأمم المتحدة بتاريخ أيلول/ سبتمبر 2020، من وضع خيام سيئ، فيما 40 في المئة ليسوا قادرين على تغطية كلفة المعيشة، بينما 50 في المئة زادت عليهم الأسعار.

وتقتصر فحوص فيروس “كورونا المستجد” (PCR) داخل مخيمات اللاجئين في لبنان، على حالات قليلة واستثنائية لا يمكن أن تغطّي حجم الخطر الذي قد يسببه انتشار الوباء داخل المخيمات أو حتى انتقال العدوى من خيمة إلى أخرى. فالجمعيات والمنظمات الدولية العاملة في مخيمات اللجوء غير قادرة على تمويل فحوص عشوائية ودورية ضرورية في هذه المخيمات المكتظة بالسكان والتي تفتقد إلى الكثيرة من الحاجات الإنسانية الضرورية.

أُنجز هذا التحقيق بدعم من منظمة دعم الاعلام الدولي IMS بالتعاون ما بين مؤسّسة “روزنة” للإعلام ومنصّة “خيوط” اليمنيّة وموقع “درج” اللبناني

—————————

مناهضة اللقاح: نبوءات تحقق ذاتها/ حسام عيتاني

في الوقت الذي كان رئيس البرازيل جاير بولسونارو يحذّر من أن عدم تحمل شركة «فايزر» المنتجة للقاح «كوفيد – 19» مسؤوليتها عن أي آثار جانبية سيجنّبها كل محاسبة إذا «تحولت إلى تمساح»، كانت المحطة التلفزيونية التابعة لحزب رئيس الجمهورية اللبنانية تخوض حملة شرسة ضد اللقاح وتنسبه إلى مؤامرة عالمية تشاركت فيها حكومات غربية ورجال أعمال وأجهزة استخبارات لفرض سيطرتها على العالم.

بولسونارو والمشرفون على محطة «أو تي في» المتحدثة باسم «التيار الوطني الحر» علامتان على مناخ واسع يحيط بانطلاق عمليات التلقيح في العديد من الدول والحذر الذي تُقابَل به رغم أنهما تمثلان الخط الأقصى من الاعتراض. وليس عسيراً رسم خط بياني يضم مواقف المشككين في اللقاح حول العالم منذ بداية تفشي الوباء حتى اليوم؛ إذ التقى أكثرهم على إنكار خطر المرض، ثم التقليل من أهميته، بعد ذلك اتفقوا على أنه مؤامرة من نوع ما (صينية أو أميركية أو من عمل شركات كبرى تبغي تحقيق أرباح بالمليارات والدخول عبر شرائح إلكترونية إلى أدمغة المرضى)، إلى أن استقر رأيهم على خطر اللقاح وعوارضه الجانبية مع تركيز على أول الواصلين إلى المستوصفات والمستشفيات: لقاح «فايزر»، واستعراض تاريخ الشركة وعلاقاتها بالحكومات وترويجها الهجومي لأدويتها.

الشك والحذر حقّان لا ينكرهما عاقل. اللقاح غير المجرّب والذي يعتمد تكنولوجيا جديدة كلياً (موصلات الـ«آر إن إيه»)، لا يمكن أن يمرّ على أجساد البشر من دون رقابة دقيقة لفاعليته ولعوارضه الجانبية وهذان (الفاعلية والعوارض) ليسا مما يسهل رصده على المدى القصير. فأكثر الخبراء يتحدثون عن 15 سنة كفترة ضرورية للإحاطة بكامل تأثيرات اللقاح.

بيد أن الحذر المستند إلى وعي علمي بمخاطر كل عقار جديد وأهمية متابعته والتعمق في دراسته، هو أمر، والاستسلام للتطيُّر والخرافات ونظريات المؤامرة أمر آخر. كان المفترض أن يفصل التفكير النقدي والعلمي بين الأمرين، لكن مأساة العالم اليوم هي أن الوباء قد حطم الحواجز بين نمطي التفكير العلمي والخرافي ورفع الخطاب اللاعقلاني المستفز للغرائز والمشاعر البدائية إلى مستوى الحقيقة المطلقة التي صار يُنظر إلى رافضيها كنخبويين غير مكترثين بحياة الفقراء وكعملاء لأجهزة وشركات تُضمر الشر للعالم بأسره، في حين تتحدث استطلاعات الرأي عن نسب تزيد في بعض البلدان على خمسين في المائة لرافضي تلقي اللقاح الحالي.

وما نشهد اليوم من حملات يبلغ أكثرها مبلغ الهذيان المَرضي ضد اللقاح، هو استمرار لهذيان الشعبويات وسياسات الهوية والانعزال وكره الأجانب. وإذا خصص باحث بعض الوقت لتتبع مواقف الحكومات والأحزاب والقوى السياسية، سيعثر على خط واحد ينتظم فيه اليمين الأبيض المتطرف في الولايات المتحدة والمجر والبرازيل ووصولاً إلى لبنان.

لقد اتّحد هؤلاء في مواقفهم الاجتماعية والسياسية قبل أن يجدوا أنفسهم في خندق واحد ضد اللقاح. الأفدح أن تصوراتهم – الواحدة أيضاً – للحلول تتلخص بإلقاء اللوم على الآخرين: على اللاجئين، والعمال الأجانب، والمنظمات غير الحكومية، وقوى غامضة تسعى للسيطرة على العالم ابتداءً من سلب أصحاب هذه الآراء خصوصياتهم وتفوقهم العرقي والحضاري والثقافي أو استتباعهم لحكم عالمي شمولي تقوده حفنة من أصحاب المليارات الذين لم نعرف كيف انتقلوا من صف أصحاب السلطات إلى صف العاملين على تدميرها… بكلمات ثانية، لا حلول على جداول أعمال هؤلاء، لا مخارج من الأزمات إلا بالهروب من علاجها. المرض مثله مثل الهجرة والتعدد العرقي والحريات الفردية والانفتاح على العالم، مجرد خطة شيطانية أعدها «آخرون» التقوا في غرف مظلمة ورسموا مصير شعوب الأرض المستسلمة لمصائرها من دون أن يكون لناس القرن الحادي والعشرين أي قدرة على الاختيار بين الخطأ والصواب، بين العلاج والمرض، بين الخضوع لطغمة شريرة فاسدة وبين العيش الكريم.

على هذه الخلفية تظهر سمة مَن يعارض اللقاح، ليس من باب الشك العلمي الضروري، ولكن من منطلق تعميم تصوره عن العالم ومستقبله الذي يريده على شكله وصورته. عالم خائف محاصَر بالكارثة البيئية والكراهية للآخر وضيق الأفق والجهل ويكون فيه التلاعب بالفقراء والبسطاء عنواناً لبسط هيمنة أكثر ظلامية وجوراً مما يحذّرون منه.

شركات الأدوية ليست ملائكة همّها القضاء على معاناة المرضى، والحكومات لن تتخلى عن نوازع السيطرة الأصيلة فيها بغضّ النظر عن موقفها من اللقاح، لكن التفرغ لنشر الخزعبلات والخرافات يصب في نهاية المطاف في مصلحة تعزيز الأطماع بالربح السريع وبالتفلت من الرقابة القانونية والشعبية. بذلك يخدم مناهضو التلقيح أعداءهم المزعومين ويجعلون نبوءاتهم تحقق ذاتها بإغراق الحيز العام بمقولات غير قابلة للتدقيق العلمي ولا ينفع معها حوار أو شرح.

الشرق الأوسط

————————–

حياة السوريين بين العرض والطلب/ علي سفر

اعتاد السوريون لعقود، وتأقلموا، مع حقيقة تقول إن حياتهم وصحتهم وحاضرهم ومستقبلهم، هي مسؤوليتهم كأفراد، وليست مسؤولية الدولة التي تحكمهم!

فكان عليهم أن يشتغلوا، منذ أن تولى قيادة مجتمعهم ثلة من العسكر، كالعبيد في مزرعة كبيرة اسمها الوطن!

وقد كشفت حرب النظام عليهم بعد قيام الثورة عام 2011 التفاصيل المرعبة للسياسة المتبعة للتحكم بهم، فسقوط مئات الآلاف من القتلى، وسجن وتغييب مئات الآلاف أيضاً، وكذلك نزوح ولجوء الملايين، لم تكن مجرد أحداث محتملة الوقوع بسبب الحرب، بل كانت أمراً مسلماً بحدوثه، فهو جزء من الخطة الموضوعة لمواجهة الحدث!

وضمن هذا المسار الدامي كان من المتوقع أن يتم اعتبار أولئك الذين مازالوا يعيشون تحت سيطرة النظام أسرى، أو رهائن، سيرتبط مصيرهم ببحثه عن النجاة لأفراده!

غير أن وقوع البلاد تحت ضغط كارثة عالمية كوباء كورونا، كان كفيلاً أيضاً بكشف عقلية أجهزة الحكومة وموظفيها، مع المواطنين، هنا، لا يمكن التعاطي بسخرية فقط مع تصريح معاون مدير قسم الأمراض السارية في وزارة الصحة التابعة للنظام د. عاطف الطويل عن أن زيادة مدة انتظار وصول اللقاح سيكون من مصلحة السوريين، حيث إن زيادة الإنتاج ستعني انخفاض ثمنه على جيبة المواطن!

فجوهر المسألة بالنسبة لموظف رفيع المستوى في إحدى مؤسسات الدولة يتصل بموضوع اقتصادي يفرضه قانون العرض والطلب، وفي ميزان المصالح، يتوجب على أصحاب القرار أن يولوا قضية مثل الربح والخسارة جل اهتمامهم، ويبدو نظرياً أنه من الصحيح ألا تجرهم الظروف إلى قرارات تتسبب بهدر المال العام!

لكن مثل هذه الرزانة، وأيضاً الحرص الشديد على دقة القرارات وصوابيتها، لا يمكن أن يكون سارياً وصحيحاً، في مؤسسة يقوم عملها على الدفاع عن صحة الناس وعافيتهم، فالمال في وزارة الصحة يجب أن يتم إنفاقه من أجلهم، كما أن كل جهود العاملين فيها لابد أن تصب في سياق بث الطمأنينة في النفوس بالتوازي مع السعي من أجل الحصول على اللقاحات بأسرع وقت!

ولهذا يبدو أننا أمام مفارقة من النوع المأساوي، فنحن نسمع هذا الكلام -تم بثه عبر واحدة من أشهر الإذاعات المؤيدة للنظام-على لسان طبيب، أقسم ذات يوم على (قسم أبقراط

)، الذي يلزمه بالغايات السامية لمهنته، لكنه وفي سياق المشهد البائس، يبشر السوريين بأنهم لن يدفعوا كثيرا من جيوبهم كثمن للقاح المضاد لكورونا، رغم أن مسؤولية اللقاحات تقع على عاتق الموازنة العامة، ولا تلقى على كاهل المواطنين!

وهو في الوقت نفسه يفتح أمام أعينهم بوابة الموت الأكثر اتساعاً مما يمكن أن يتحملوه، وهم يخسرون المئات من الأهل والأحبة يومياً، كضحايا للجائحة العالمية، وكقتلى للسياسات الصحية الخاطئة، التي أنكرت منذ البداية، مثل كل المصابين بمرض الإنكار وجود حالات الإصابة، وتشدقت بأن عدم وجودها يعود لسياسة النظام الوقائية! ثم ما لبثت أن اعترفت بوجود حالات قليلة، ومازالت إلى اليوم تنكر أن البلاد بطولها وعرضها تشهد انفجاراً في عدد الموتى بسبب الوباء!

السوريون مبتلون حقاً، ليس فقط بالنظام الذي أحال حيواتهم إلى جهنم أرضية، بل بمؤسسات الدولة التي نخرها الفساد، وأظهرت سنوات الحرب تهلهلها، بعد أن بقيت ردحاً طويلاً من الزمن محكومة بالعقلية الأمنية، التي طفّشت أهم كوادرها، وجعلتها ملحقة بالأجهزة الأمنية، التي تحكمت بسياسات التوظيف، فأحلت فيها طبقة واسعة من المستفيدين، الذين لا هم لهم سوى امتصاص مواردها!

فصار هؤلاء بلاءً إضافياً، فهم حاشية النظام من الموظفين والمأجورين الذين تشبعوا بطريقة إدارته لمصالحه، وأمسوا جزءاً من سيفه المسلط على رقاب العباد!

وضمن هذا السياق سنكتشف أن طريقة فهم معاون رئيس قسم الأمراض السارية في وزارة الصحة لمبدأ العرض والطلب تبدو مقلوبة رأساً على عقب، فالسلعة هي مادة الفكرة الاقتصادية الرهيبة، ولكنها لدى الطبيب التاجر تنزاح بشكل فاقع لتصبح ليس صحة الإنسان فحسب، بل وجوده ذاته، فهو مستغرق بالتفكير بثمن اللقاح، ولا يبدو أنه منشغل بعدد الضحايا، فوفق آلية التفكير ذاتها، ثمة صوت لا يخفى، يخرج من هذا المسؤول الذي يتكرر ظهوره هذه الأيام على وسائل إعلام النظام، يكاد يقول: السوريون كثيرون، وكلما كانوا كذلك باتوا أقل قيمة!

وبناءً على ما سبق، وإلى أن يصبح سعر اللقاح مناسباً لا بأس من سقوط ضحايا إضافيين، من دون ذنب سوى أنهم أصيبوا بالمرض في حيز جغرافي تسيطر عليه دولة، استولى عليها نظام من المجرمين والسفلة!

تلفزيون سوريا

——————————-

25 يوماً غيَّرت وجه العالم كيف انفلت «كوفيد ـ 19» من بين يدي الصين؟

كريس باكلي وديفيد كيرباتريك وإيمي تشين وخافيير هيرناندز

قاومت بكين فيروس «كورونا» بقوة مذهلة، كما تشير تصريحاتها الرسمية، لكن بعدما تسبب مأزق سياسي في تحول عدوى منتشرة على المستوى المحلي إلى وباء عالمي.

بدأ الأمر بتكليف أكثر الأطباء شهرة في الصين بمهمة عاجلة؛ حيث تم إصدار أوامر إلى زونغ نانشان، البالغ من العمر حالياً 84 عاماً، والذي تم الاحتفاء به في السابق كبطل لمساعدته في اكتشاف وباء «سارس» منذ 17 عاماً، بالتوجه إلى مدينة ووهان من أجل التحقيق في أمر فيروس «كورونا» جديد.

تصور الرواية الرسمية الصينية الآن رحلة زونغ كنقطة تحول سينمائية في حرب تم الفوز بها في النهاية ضد فيروس «كوفيد 19»؛ حيث اكتشف انتشار الفيروس بشكل خطير، وأسرع نحو بكين للإبلاغ عن الأمر. بعد 4 أيام، وتحديداً يوم 23 يناير (كانون الثاني)، أصدر الرئيس الصيني قراراً بعزل مدينة ووهان ومنع الدخول إليها أو الخروج منها. وقد مثّل ذلك الإجراء أول خطوة حاسمة في إنقاذ الصين؛ لكنها بالنظر إلى وباء أودى بحياة أكثر من 1.7 مليون شخص، كانت متأخرة، ولم تكن كافية لمنع انتشار الوباء في باقي أنحاء العالم.

كان الإنذار الفعلي الأول قبل 25 يوماً، أي منذ عام، في 30 ديسمبر (كانون الأول). وحتى قبل ذلك الحين، كان أطباء وعلماء صينيون يدفعون باتجاه الحصول على أجوبة، لكن أخفى مسؤولون في ووهان وبكين مدى ونطاق انتشار العدوى، أو رفضوا الاستجابة للتحذيرات. لقد اعترضت السياسة طريق العلم في إطار علاقة، يسودها التوتر، وتحيط بالوباء؛ وأدى تأخر الاستجابة الأولية في الصين إلى انتقال الفيروس إلى باقي أنحاء العالم، وكان بداية للمعارك بين العلماء والقادة السياسيين بشأن الشفافية، والصحة العامة، والاقتصاد في جميع أنحاء العالم. ويستعرض هذا المقال تلك الأيام الـ25 في الصين، التي تسببت في تغير وجه العالم، وذلك استناداً إلى وثائق للحكومة الصينية، ومصادر داخلية، ومقابلات، وأوراق بحثية، وكتب، إلى جانب روايات تم تجاهلها أو فرض الرقابة عليها.

لقد تعرف علماء صينيون ومعامل خاصة على فيروس «كورونا»، ووضعوا خريطة وراثية له قبل أسابيع من اعتراف بكين بهول المشكلة وحجمها. وتحدث العلماء مع أقرانهم في محاولة للتحذير والتوجيه، ودفع بعضهم ثمن ذلك. قال الأستاذ زانغ يونغزين، وهو عالم بارز متخصص في علم الفيروسات في شنغهاي: «لقد قلنا الحقيقة، لكن لم يصغِ أحد إلينا، وكان ذلك مأساوياً». وفي ظل المواقف العدائية السياسية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، ظل العلماء من الجانبين معتمدين على شبكات عالمية تم إنشاؤها على مدى عقود، وسعوا إلى تشارك المعلومات.

على الجانب الآخر، تلقى مسؤولون رفيعو المستوى في قطاع الصحة تقارير تنذر بالسوء من أطباء في ووهان، وأرسلوا فريقين من الخبراء للتحقيق في الأمر. مع ذلك، لم يكن لديهم نفوذ سياسي يمكّنهم من تحدي المسؤولين في ووهان، وحرصوا على عدم التحدث عن الوضع علناً. وكانت رحلة دكتور زونغ إلى ووهان لغرض سياسي أكثر من كونه طبياً؛ فقد كان يعلم بالفعل بوجود الفيروس وانتشاره بين الناس، لكن هدفه الأساسي كان حلّ المأزق في النظام الحكومي الصيني، الذي يميل إلى الغموض، ويفتقر إلى الشفافية. وجاء في مسودة تقرير، كتبها دكتور زونغ في القطار قبل وصوله إلى ووهان: «ينتقل الفيروس بالفعل من إنسان إلى إنسان. ينبغي على الناس ألا يذهبوا إلى ووهان إلا لأسباب وجيهة، وينبغي التزام المنازل قدر الإمكان، وتجنب التجمعات».

تمكنت الصين في النهاية من السيطرة على الفيروس، وكذا على الروايات المحيطة به. يشهد الاقتصاد الصيني ازدهاراً اليوم، ويتساءل بعض الخبراء عما إذا كان الوباء قد جعل ميزان القوى العالمي يميل باتجاه بكين. وقد أثار نهوض الصين غضب الرئيس ترمب، الذي ظل طوال أشهر يحمّل بكين المسؤولية في أمر انتشار ما أطلق عليه «الفيروس الصيني». على الجانب الآخر، لم تتمكن الولايات المتحدة الأميركية من احتواء الفيروس بعد، وتدفع ثمناً باهظاً من الأرواح والخسائر المادية الاقتصادية، في حين بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها تقريباً في الصين.

منذ فترة ليست بالبعيدة، تعاونت الصين مع الولايات المتحدة الأميركية في تتبع انتشار الفيروس في الصين من أجل السيطرة عليه، لكن سحبت إدارة ترمب عشرات من الخبراء في الصحة العامة من بكين قبل أشهر من انتشار العدوى، وهو ما أعمى الحكومة الأميركية عن الأخطار القادمة من الصين. وكانت إحدى الدراسات المبكرة توقعت أن تستطيع الصين خفض إجمالي عدد الحالات المصابة بنسبة 66 في المائة، لو كان المسؤولون قد اتخذوا الإجراءات اللازمة المناسبة قبل أسبوع من تاريخ اتخاذ تلك الإجراءات. كذلك، كان عدد الحالات سوف يقل بنسبة 95 في المائة، لو تم اتخاذ تلك الإجراءات قبل 3 أسابيع من ذلك اليوم.

كذلك أدى تردد الصين في الالتزام بالشفافية فيما يتعلق بتلك الأسابيع الأولى إلى حدوث ثغرات فيما يعرفه العالم عن فيروس «كورونا»؛ حيث لم تكن لدى العلماء معرفة بمكان وكيفية ظهور الفيروس، وذلك بالأساس نتيجة تأخر بكين في إجراء تحقيق مستقل في الأصل الحيواني لانتشار تلك العدوى. وقال يانزونغ هوانغ، وهو زميل رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية الذي يدرس السياسة الصينية الخاصة بالصحة: «إنهم يضيعون فرصة جيدة للتعلم والمعرفة. لا توجد مناقشة جادة لما حدث من أخطاء».

يوجد كثير من أشكال فيروس «كورونا» في الحيوانات والبشر، وقليل من تلك السلالات فقط هو الذي يمثل خطراً كبيراً على الصحة. مع ذلك، انتقل كل من فيروس «سارس» (المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة) و«ميرس» (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية) من الحيوانات خلال السنوات القليلة الماضية، وبدأ في الانتشار بين البشر، متسبباً في أمراض خطيرة تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان. وقد أرسل أطباء ما لديهم من بيانات إلى الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية في بكين، وأوفدوا مسؤولاً تنفيذياً بارزاً لتحذير لجنة الصحة في ووهان. وسرعان ما تم إخطار فريق بكين، الذي وصل إلى ووهان في اليوم الأخير من عام 2019 بالنتائج المعملية، على حد تصريح دكتور كاو بين، أحد أعضاء الفريق، لصحيفة صينية. وفي تلك المرحلة، أكدت حكومة ووهان علناً أن مستشفيات المدينة كانت تتعامل مع مرض رئوي غير اعتيادي، لكنها استبعدت في الوقت ذاته احتمال كونه معدياً. وفي ذلك الوقت أيضاً، أمرت لجنة الصحة الوطنية المعامل التجارية بإتلاف أي عينات تتسلمها تحتوي على الفيروس، إلى جانب عدم السماح بنشر نتائج الأبحاث إلا بعد الحصول على موافقة رسمية.

على الجانب الآخر، بدأ الأطباء والممرضون يصابون بالعدوى في كثير من مستشفيات ووهان، التي زارها فريق بكين، لكن لم يتم احتساب وتسجيل حالات العدوى بين العاملين في مجال الرعاية الصحية في الإحصاءات الرسمية التي تم تزويد الخبراء الزائرين بها. وأدرك الأطباء في ووهان عدم وجود إرادة سياسية لمواجهة المشكلة. مع ذلك، أعترف أخيراً أحد المسؤولين باحتمال إصابة 15 فرداً من العاملين في مجال الرعاية الصحية في «اتحاد مستشفيات ووهان» بالعدوى. وكان ذلك ما يحتاجه دكتور زونغ؛ حيث هرع فريقه إلى بكين. وقال: «لقد كانوا مستعدين لإحداث ذلك التغيير. كانوا يحتاجون فقط إلى شخص يضطلع بهذا الدور». وفي اليوم التالي، أقرّت الصين بوجود 571 إصابة بفيروس «كورونا»، رغم أن العدد كان يبلغ مئات الآلاف، بحسب تقديرات الخبراء.

أخيراً، منح الرئيس الصيني دكتور زونغ «ميدالية الجمهورية»، وهي أكبر وأرفع تكريم في الصين. وقال زونغ: «الأمر الوحيد الصائب في العلم هو السعي وراء اكتشاف الحقيقة من خلال جمع الحقائق والمعلومات، لا توخي الحذر من أجل السلامة الشخصية، وإلا سوف يكون المرضى هم الضحايا».

– خدمة «نيويورك تايمز»

الشرق الأوسط

————————————

====================

تحديث 02 كانون الثاني 2021

————————–

ماذا لو بقينا في2020؟/ عمر قدور

اتفق البشر على لعنها كما لم يتفقوا على أمر آخر، مع لهفة إلى اللحظة الرمزية التي تعلن نهايتها هنا وهناك بفارق التوقيت المعروف بين مختلف أنحاء العالم. إلا أن استثنائية السنة المنقضية قد تقلل من رمزية لحظة منتصف الليل تلك، بقدر ما تضفي عليها من أهمية. بل يجوز، لاستثنائيتها، الظن بأننا غادرناها قبل تلك اللحظة، أو أننا ما زلنا مقيمين فيها.

إذا كانت تؤرَّخ بـ”سنة كورونا” نستطيع تأريخ نهايتها بمستهل الأسبوع الثاني من ديسمبر، عندما بدأت بريطانيا حملة التلقيح ثم تبعتها الولايات المتحدة بعد أسبوع، وما بينهما قليل من الدول الصغيرة الثرية. لبريطانيا تحديداً، هي نهاية حافلة؛ الشروع في ما بعد كورونا، ثم طي قرابة نصف قرن من عضوية الاتحاد الأوروبي مع الدقيقة الأولى لعام 2021.

فارق التوقيت سيكون مديداً على توقيت اللقاح، فبعض التقديرات يشير إلى أن دولاً فقيرة قد لا تحصل عليه قبل عام 2023، بينما دولة مثل الولايات المتحدة اشترت كمية كافية لتلقيح كل سكانها ست مرات. دول الاتحاد الأوروبي نفسها ليست على الموجة ذاتها، فهناك دول أنهت مبكراً استعداداتها الإدارية واللوجستية لتقديم اللقاح، بخلاف دول ستكون وتيرتها بطيئة لافتقادها الديناميكية المطلوبة، وأيضاً لا يُستبعد أن يكون بعض التمهّل متعمداً في انتظار لقاح أوكسفورد الذي لا يتطلب مشقة خاصة بالمقارنة مع لقاحي فايزر ومودرنا.

وفق توقيت كورونا، وبموجب التقديرات الحالية لتوزيع اللقاح، لن تدخل دول الاتحاد الأوروبي عام 2021 قبل انقضاء الأشهر الستة الأولى منه، ومَن ليس لهم أولوية تلقيه عليهم الانتظار طويلاً في عام 2020. ذلك قد لا يكون بلا أثر سلبي على مكانة الاتحاد، إذا أنجزت بريطانيا “الخارجة منه” حملتها بسرعة شديدة، وكذلك فعلت الولايات المتحدة ودول ثرية نسبياً وقليلة السكان، ولن يكون بلا أثر على حكومات أخفقت في التعامل مع الجائحة أو تعمدت الاستهانة بها.

الصين، بتوقيت الحزب الشيوعي، سبقت الجميع بالقفز إلى العام الجديد، أي منذ العاشر من آذار، عندما زار الرئيس الصيني مدينة ووهان ليعلن منها السيطرةَ على الوباء. بعد ذلك الإعلان، لن تسجل الصين رسمياً وفيات جراء الفيروس، والقليل من الإصابات سيُنسب معظمه إلى حالات وافدة! بصرف النظر عن مصداقية الأرقام المعلنة، نجح الحزب الشيوعي في السيطرة “الديكتاتورية” على الوباء، بعد نجاحه في التكتم عليه حتى انتشر عالمياً. المفارقة المرّة، التي لا يُلام عليها المواطنون العاديون، أن تكتظ ساحات ووهان بالمحتفلين برأس السنة بينما تخلو ساحات العالم. لقد ضحك قادة الحزب أولاً، في انتظار معرفة من سيضحك أخيراً، وما إذا كان التكتم الشيوعي على الوباء سيمر بلا عواقب على الاستثمارات الغربية في الصين حين تسترد الاقتصاديات الكبرى أنفاسها.

لدينا توقيت مقبل، يجوز أيضاً اعتباره استهلالاً متأخراً لسنة 2021. في العشرين من هذا الشهر سيُنصّب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، والحدث استثنائي لدى متطلعين كثر حول العالم إلى نهاية ولاية ترامب. الأخير، منذ ترشحه حتى يغادر البيت الأبيض، لا يقل خطورة عن كورونا من وجهة نظر خصومه، وسيكونون سعداء لا بالخلاص منه فحسب وإنما بمرور ولايته من دون تحقق أسوأ الكوابيس المتوقعة منه.

إنه كما نعلم ليس توقيتاً داخلياً أمريكياً، الأنظار ستكون متجهة إلى واشنطن لمعرفة السياسات الجديدة، والتطلعات المتفائلة جداً قد تُفرمل كما أُعيقت من قبل نزوات ترامب. الأهم أن الخلاص من الأخير لن يكون على النحو المشتهى من قبل، فهو لن ينتهي كطفرة عابرة ألمت بالحزب الجمهوري. الترامبية باقية بصيغة أو أخرى، وستتغذى من خصومها إذا لم يكن من جديد لديهم سوى الاستثمار في الخوف منها.

فارق التوقيت بين البلدان موجود منذ آلاف السنين، موجود بتعاقب الحضارات والإمبراطوريات وأفولها، وموجود أيضاً ضمن البلد الواحد بسبب فوارق طبقية أو اجتماعية أو فكرية. فقط على توقيت كورونا ظهر العالم واحداً بمخاوفه، ليعود إلى الافتراق كما هو عهده دائماً إذا أخذنا جانب التفاؤل، أو ليعود أسوأ مما كان إذا أخذنا جانب التشاؤم الذي لا يفتقد الواقعية.

لن تقتصر الفوارق على فرص النجاة من كورونا، رغم آثارها النفسية، وما ستولّده من أحقاد قد تؤدي لاحقاً إلى العنف ضمن بعض البلدان، أو ذلك العابر الحدود. الناجون أولاً، الحكومات الثرية التي اضطرت إلى تمويل برامج اجتماعية أو اقتصادية بسبب سياسة الإغلاق تتحفز إلى استرداد المبالغ الضخمة، وهذا سيلقي بثقله على النخب السياسية فيها، وربما على طرائق التفكير السياسي. إذا كان هناك من يردّ جزءاً من أسباب صعود الشعبوية إلى الأزمة المالية لعام 2008، لنا أن نتخيّل الآثار المحتملة لأزمة ربما تعادل أزمة الكساد الكبير 1929 وأزمة 2008 معاً، مع التذكير بأن آثار الأولى منهما تعتبر مما مهّد للحرب العالمية الثانية.

ما عُدّ سلوكاً أنانياً في التسابق على شراء كميات فائضة من لقاح كورونا، من المرجح أن يكون نسخة لطيفة من السياسات التي سنشهدها للقوى الكبرى التي تتهيأ الآن لعالم ما بعد كورونا. مثلما تراودنا كأفراد نوايا تعويض الحياة التي فاتنا عيشها في عام 2020، هناك قوى كبرى “سياسية واقتصادية” تفكر في تعويض خسائرها، ولا تعوّل على انتعاش تدريجي بطيء، بل ستستعجل التعويض بشتى السبل داخلياً وخارجياً. هناك أيضاً نزاعات دولية وإقليمية تم تجميدها بسبب كورونا، ويعِد العام الجديد بالتعويض واستئناف تلك الاستحقاقات المتبقية من العام الفائت مع نظيراتها المستجدات.

الخبر المؤسف أن جراح عام 2020 ستبقى معنا، مع الافتقار إلى ما يسند الأمل بعالم أكثر تضامناً. نخطئ إذا نسبنا لكورونا مهمة الواعظ الناجح، وإذا نسبنا لعموم البشرية سعياً إلى عالم أكثر إنصافاً. منطقتنا تحديداً قد تكون المثال على خيبة الأمل، بأثريائها الجاهزين دائماً لدفع ثمن سياسات القوى العظمى، وبأناسها العاديين الذين يُراد إرجاعهم إلى ما قبل عام 2011 محمّلين بثقل كورونا فوق إخفاقات العقد الأخير كله. سوريا، اليمن، ليبيا، وأخيراً لبنان؛ هذه جميعاً أمثلة على الاستحقاقات التي تفصلنا عن عام 2021.

المدن

————————–

لماذا يموت السوريون بكثرة من كورونا؟/ عقيل حسين

سجلت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا إصابة تسعين شخصاً بفيروس كورونا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، مقابل سبع حالات وفاة، ما يرفع عدد ضحايا الوباء المعلن عنهم بشكل رسمي في هذه المناطق إلى 711 من إجمالي عدد الحالات المسجلة.

وحسب وزارة الصحة التابعة للنظام، فإن العدد الموثق للإصابات بالفيروس رسمياً حتى الآن بلغ 11344، وهو رقم تعترف الوزارة بأنه يشمل فقط الحالات التي خضع أصحابها للفحص، وتقول إن أعداداً أخرى من المحتمل أنها لم تتمكن من الوصول إلى المختبرات، سواء بسبب الإزدحام أو بسبب ارتفاع تكاليف الفحص.

ومنذ الإعلان عن تسجيل أولى حالات الإصابة بكورونا في مناطق سيطرتها، قدمت حكومة النظام أرقاماً منخفضة جداً لعدد الإصابات، بينما تكشف وسائل الإعلام المقربة من النظام عن أعداد أكبر بكثير من المعلن عنه، سواء على صعيد الإصابات أو حالات الوفاة.

لكن معدل الوفيات المعلن عنه في مناطق النظام يبدو مرتفعاً جداً بالنسبة لعدد الإصابات الموثقة رسمياً، ويبلغ حوالي 8 في المئة، وهو معدل كبير بالمقارنة مع المعدل الوسطي لحالات الوفاة في العالم، والذي لا يتجاوز النصف في المئة، الأمر الذي يطرح تساؤلات جديدة حول حقيقة الأوضاع على هذا الصعيد في سوريا، بالإضافة إلى الشكوك المستمرة حول الأرقام المعلنة.

ولا تبدو المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أفضل حالاً بكثير بالنسبة لمعدل الوفيات، ففي المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد، بلغ عدد الإصابات المسجلة حتى يوم الجمعة 8076، توفي منها 274 بنسبة تتجاوز ال3 في المئة، وهو معدل كبير أيضاً، بينما بلغ العدد الإجمالي للإصابات في مناطق سيطرة المعارضة 20270، وعدد حالات الوفاة 340 وهي أقل نسبة وفيات في أنحاء سوريا، لكنها تبقى مع ذلك أعلى من المعدل العالمي.

ويعيد الدكتور نائل الحريري، الطبيب السوري المتخصص بالصحة العامة والوبائيات في مشفى ميلون الفرنسي، ارتفاع معدل الوفيات بين عدد المصابين بفيروس كورونا في سوريا إلى عاملين أساسيين، “الأول ضعف القطاع الصحي والثاني، مرتبط بالأول، ويتعلق بتضاعف احتمالات الوفاة لدى المصابين بالفيروس من أصحاب الأمراض المزمنة في سوريا أكثر من البلدان الأخرى المستقرة، بسبب عدم تلقى رعاية صحية جيدة بالنسبة للأمراض الأخرى التي يعانون منها”.

ويؤكد الحريري المعطيات التي تتحدث عن أن عدد الحالات المعلن عنها للإصابة بكورونا في مختلف أنحاء البلاد هي أقل بكثير من العدد الفعلي للمصابين، وهو ما لا تنكره حتى المؤسسات الرسمية. ويضيف في تصريحات لـ”المدن”، أن “عدداً كبيراً من السوريين الذين تظهر عليهم أعراض الإصابة بالفيروس ولا تكون خطيرة ولا يجدون أنفسهم مضطرين لإجراء الفحص اللازم ما يجعلهم خارج دائرة التوثيق، كما أن عدداً آخر غير قليل ممن تكون أعراض الإصابة لديهم أوضح يكتفون بالفحص السريري لتجنب دفع تكاليف المختبرات، ويقومون بحجر أنفسهم واتباع العلاج الذي يقرره لهم الأطباء في المنازل”.

وأوضح أن الفئة التي تدخل في الاحصاءات، هي الفئة التي تكون إصابات أصحابها خطيرة جداً ويضطرون معها للتوجه إلى المشافي، ولأن حالاتهم تكون متقدمة فإن معدل الوفيات لدى هذه الفئة تصبح عالية.

ويضيف أن “الأمر الثاني الذي يزيد من عدد حالات الوفاة بين المصابين بكورونا في سوريا هو تردي واقع القطاع الطبي وضعف الرعاية الصحية وارتفاع تكاليف العلاج، ما يضطر معظم المصابين بأمراض أخرى مزمنة إلى وضع حصولهم على العلاج في مرتبة متأخرة على سلم الاولويات، بالنظر إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إضافة إلى عدم قدرة المشافي والمراكز الصحية العاملة في مختلف أنحاء البلاد على القيام بواجباتها تجاه المرضى بسبب ظروفها البائسة حالياً”.

وأعلن مجلس الأمن الدولي، في جلسة خصصت للحديث حول التطورات السياسية والإنسانية في سوريا، منتصف كانون الأول/ديسمبر 2020، أن “عدد الإصابات بفيروس كورونا في سوريا يتجاوز بكثير الأرقام التي أعلنت عنها الجهات الرسمية”. وقال إنه أحصى ما لا يقل عن 30 ألف إصابة حتى بداية الشهر الأخير من العام 2020، لكنه مع ذلك أقر هو الآخر بأن الأرقام الحقيقية من المحتمل أن تكون أكبر بكثير.

وتزامن تقرير المجلس مع إعلان وزارة الصحة في دمشق عن أكبر حصيلة من الوفيات خلال يومين، حيث سجلت 17 حالة وفاة في 17 كانون الثاني/ديسمبر، و 11 حالة في ال16 منه، الأمر الذي اعتبره الكثيرون مؤشراً خطراً عن العدد الحقيقي للمتوفين في هذه الفترة.

من جانبها قالت ميشيل هيسلر، المسؤولة في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان: “على مدى سنوات، هاجمت الحكومة السورية وحلفاؤها الروس العاملين الصحيين والمرافق الصحية كاستراتيجية حرب، مما أدى إلى تدهور النظام الصحي وعدم تجهيزه للاستجابة للوباء”.

ومنذ بداية النزاع في عام 2011، وثقت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان 595 اعتداء على المرافق الصحية في سوريا. وأرجعت المنظمة نحو 90 بالمئة منها إلى قوات النظام أو حلفائها الروس، كما سجل مقتل 923 طبيباً.

المدن

——————————

اللاجئون السوريون في اليمن: عندما تصبح الكورونا أقسى الحرب/ لجين حاج يوسف – محمد فضيلات – عبير محسن

راديو روزنة

فرضت الحرب السورية انتشاراً واسعاً للسوريين خارج بلدهم بحثا عن ملاذ آمن. بعضهم اختار اليمن الذي يعيش ايضاً حرباًَ ووباء وأزمات انسانية لم يسلم اللاجئون السوريون منها …

 “طلعنا رافعين روسنا“، تلخص السورية شاناي الدروبي 9 سنوات من حياة اللجوء في اليمن، قبل أن تتبدل أوضاع العائلة بفعل جائحة “كورونا” وتجد نفسها عاجزة عن توفير الطعام.

في تموز/ يوليو 2012، غادرت الثلاثينية وزوجها وطفلتهما التي كان عمرها سنتين ونصف السنة، يرافقهم عدد من أفراد العائلة مدينة مَنْبِج في ريف حلب، واتّجهوا إلى العاصمة اليمنية صنعاء، بعدما وصلت الاضطرابات التي أعقبت اندلاع الثورة في سوريا، إلى محيط سكنهم.

تقول شاناي، “بداية 2011 فرض منع التجول منذ الساعة السادسة بسبب عمليات القصف والقنص والاختطاف“.

وعن أسباب اختيار اليمن لتكون بلد لجوئهم، تجيب: “في وقت الأزمة لم نكن نملك خيارات، وبحكم أن زوجي عمل في اليمن لمدة 6 أشهر عام 2010، تعرف خلالها إلى البلد، ولأن كلفة الحياة رخيصة هنا، رأى زوجي أنه قد يحصل على فرصة في صنعته في اليمن”.

ومن العوامل الإضافية التي شجعت العائلة على اختيار اليمن “أسعار تذاكر الطيران إلى اليمن واللي كانت أرخص الموجود، دفعنا 45 ألف ليرة سورية (710 دولارات)  للتذكرة الواحدة“، توضح شاناي.

نقل فراس الدروبي – زوج شاناي وابن عمها- معه خلال رحلة اللجوء ماكينة تشكيل المعادن التي كان يملكها ليؤسس في صنعاء ورشة صغيرة ساعده شقيقاه وشقيق شاناي على العمل فيها.

بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين على قوائم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن 4005 لاجئين، وذلك حتى نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر 2020.

على رغم الصراع…

وفرّت ورشة تشكيل المعادن حياة كريمة للعائلة، وعن ذلك تقول شاناي: “كان معدل مصروفنا 100 دولار في اليوم. عشنا حياتنا كما كنا معتادين في سوريا، أكل متنوع وفواكه وحلويات، لذلك كان مصروفنا كبيراً، ونحن بالأساس عائلة كبيرة، لذلك كان مصروفنا كبيراً”.

أنجبت شاناي ثلاثة أطفال في اليمن، فيما أنجبت زوجة شقيق فراس طفلاً، ليصبح عدد أفراد العائلة الذين يعيشون في بيت مستأجر واحد 11 فرداً.

“البيت مكون من أربع غرف. أنا وزوجي بنَّام في غرفة، وبينام شقيق فراس المتزوج في غرفة مع زوجته، وفي غرفة للأطفال وغرفة بينام فيها شقيقي وشقيق فراس العازبان“، تشرح شاناي.

تفجر الصراع في اليمن لم يلحق بالعائلة أضراراً فادحة، إذ واصلت الحصول على معدلات دخل كافية لتلبية متطلباتها المعيشية، كما تروي شاناي لـ”روزنة”.

ويشهد اليمن منذ أيلول/ سبتمبر 2014 نزاعاً مسلحاً، تطور في آذار/ مارس 2015 إلى حرب طاحنة بين قوات الحوثيين المدعومة من إيران، وقوات الرئيس عبد ربه هادي منصور المدعومة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.

وشكلت صنعاء حيث تعيش عائلة اللاجئة ساحة رئيسة من ساحات الصراع الذي تسبب بـ”أكبر كارثة إنسانية في العالم“، وفق الأمم المتحدة.

عام 2015 تعرض المشغل للقصف، ما أدى إلى توقفه لمدّة شهرين قبل أن يعود إلى العمل مجدداً من دون أن تتأثر حياة العائلة. وفي تشرين ثاني/ نوفمبر 2018 اعتُقل فراس وشقيق شاناي، بسبب نزاع على مستحقات مالية لعمل أنجزوه لمصلحة جهات يمنية، قبل أن يفرج عنهم في كانون الثاني/ يناير 2019.

تقول شاناي: “بعد الإفراج عن زوجي وشقيقي صدر قرار بمنع جميع أفراد العائلة من العمل، فقام زوجي بتسليم المشغل وبيع البضاعة كخردة مقابل 40 ألف ريال (160 دولاراً) فقط“.

“لا يضع القانون اليمني قيوداً على عمل اللاجئين السوريين“ بحسب ممثلة مجتمع اللاجئين السوريين لدى المفوضية في اليمن، آلاء التل.

تقول التل: “المفوضية تقدم مساعدات نقدية لفئة قليلة من اللاجئين، تنحصر بالأرامل والمطلقات وأصحاب الإعاقات العقلية والجسدية والأمراض المزمنة غير القادرين على العمل، فيما تستثني معاييرها اللاجئين دون الستين عاماً القادرين على العمل، من دون أي مساعدات نقدية“.

حرمت تلك المعايير عائلة الدروبي المسجلة على قوائم المفوضية، الحصول على أي مساعدة نقدية حتى بعدما خسرت مصدر رزقها- المشغل- ومنع أفرادها من العمل بقرار من جهة أمنية، تخبرنا شاناي.

تجاهلت العائلة القرار، فعمل أفرادها الرجال بالمياومة، فيما بدأت السيدات بتصنيع المنظفات ومواد العناية الشخصية داخل بيتهن وبيعها. تقول شاناي: “بعدما كان شبابنا أصحاب مصلحة اشتغل الأربعة عمالاً”، مشيرة إلى تراجع دخل العائلة لكن ليس إلى الحد الذي منعهم من توفير الاحتياجات الأساسية.

في 10 نيسان/ أبريل 2020، أعلن تسجيل أول إصابة بفايروس “كورونا” في اليمن، فيما أضاف انتشاره “مستوى جديداً من البؤس على حياة اليمنيين“، كما وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الوضع.

عائلة الدروبي لم تكن بعيدة من البؤس الذي فرضه “كورونا“ على اليمن، إذ سرعان ما انهار الاستقرار “الهَشّ“ الذي حافظت عليه العائلة خلال الأشهر التي سبقت الجائحة.

في البداية تقلصت أيام العمل التي يحصل عليها أفراد العائلة، كما توقف أصحاب العمل عن سداد الأجور بشكل منتظم، وتطور الأمر ليخسر الجميع أعمالهم.

تقول شاناي: “كان زوجي أجيراً مياوماً، ولم يكن يأخذ أجرته كاملة، لما كنا نحتاج أغراضاً، كان ياخذ مبالغ من صاحب العمل. وأخوه كان يعمل من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ليلاً، ليقبض 8 دولارات، وحالياً ومن أشهر لا أحد في عائلتنا يعمل“.

بموازاة ذلك، تراجعت صناعة السيدات المنزلية، و”كانت الدلالات (التاجرات) يشترين الفيري ومرطبات البشرة والشامبو، لكن بعد كورونا توقفن عن العمل، وكان هناك تاجر يشتري منا كميات كبيرة، أيضاً توقف عن ذلك. الآن نبيع بالقطعة للجيران”.

تتخوف شاناي من خروج الشباب إلى العمل في حال توفره، كي لا يلتقط أحدهم الفايروس وينشره بين أفراد العائلة “إذا حدا انصاب بكورونا ما عندنا قدرة نروح على المستشفى، وبنخاف نروح على المستشفى بسبب الاكتظاظ وغياب إجراءات السلامة“، تقول.

لا إحصاءات رسمية حول أعداد الإصابات بفايروس “كورونا” بين اللاجئين السوريين في اليمن، فيما تكشف التل أرقاماً تقديرية عن إصابة 500 لاجئ سوري توفي اثنان منهم منذ الإعلان عن أول إصابة في اليمن وحتى نهاية تشرين ثاني 2020.

التكيف “المستحيل“

كيف تعيش عائلة الدروبي اليوم؟

“تعبنا كثيراً لكننا مجبرون على هذه الحياة” تجيب شاناي قبل أن تجهش بالبكاء.

فرضت الأزمة على العائلة نمطاً قاسياً من التكيف، بدءاً بإزالة اللحم من قائمة الطعام، وصولاً إلى عدد الوجبات اليومية “كنا نأكل ثلاث وجبات في اليوم، صرنا نكتفي بوجبتين، فطور متأخر، ووجبة مع المغرب هي الغداء والعشاء. نطبخ مرّة كل يومين أو ثلاثة، المهم أن يأكل الأولاد أولاً، ونحن الكبار نتدبّر أمورنا”.

واجهت العائلة صعوبات في سداد أجرة المنزل البالغة 120 دولاراً، وتراكمت عليها أجرة ثلاثة شهور “فضحنا صاحب البيت في الحارة، قبل فترة أتى إلينا وصار يصرخ بصوت عال (اطلعوا من بيتي يا نصابين)”، تقول شاناي.

ضمن خطة الاستجابة لجائحة “كورونا” التي أطلقتها المفوضية في اليمن حصلت العائلة في منتصف تشرين ثاني 2020 على 350 دولاراً لمرة واحدة، وهو مبلغ ساعد العائلة على توفير بعض الاحتياجات الملحّة.

مصدر الإنفاق الوحيد للعائلة هي الأموال التي يقترضها فراس من صديقه اليمني، تقول شاناي: “صاحب زوجي يساعدنا، لما كانت أوضاعنا جيدة زوجي قدّم له شغلاً بأسعار منخفضة، والرجل أراد رد الجميل. يقرضنا على أمل أن تتحسن أوضاعنا في المستقبل ونسدد الديون”.

وعلى رغم سداد رسوم المدرسة لطفلتي شاناي والبالغة 400 دولار، إلا أنها قررت عدم إرسالهما إلى الصفوف في العام المقبل إذا بقيت الأوضاع على حالها.

أكثر ما يؤرق شاناي عدم قدرتها على علاج ابنتها الصغيرة (3 سنوات)، والتي تعاني من ارتفاع ضغط العينين، تقول، “بنتي تعاني من المياه الزرقاء منذ الولادة، ساعدتنا الأمم المتحدة بثلاث عمليات، ويجب فحص عينيها كل 6 أشهر، إضافة إلى قطرة يومياً“، تتابع: “فاتنا موعد الفحص ونحن ننتظر المفوضية لتدفع لنا ثمنه (…) في أيام كثيرة لا أملك ثمن قطرة لعينيها، إلى أن توفرها المفوضية“.

منتصف تشرين ثاني 2020 تقدمت شاناي بطلب إلى المفوضية لمساعدة أفراد عائلتها للسفر إلى أوروبا أو العودة إلى سوريا، بعدما فقدوا القدرة على مواصلة الحياة في اليمن.

تؤكد التل أن كثراً من اللاجئين السوريين في اليمن باتوا يرغبون في العودة إلى سوريا بسبب التحديات التي فرضتها جائحة “كورونا”، وما رافقها من نقص في المساعدات المقدمة.

أُنجز هذا التحقيق بدعم من “منظمة دعم الإعلام الدولي” (IMS) وبالتعاون مع مؤسّسة “روزنة” للإعلام ومنصّة خيوط اليمنيّة وموقع “درج”.

درج”

———————————–

============================

تحديث 04 كانون الثاني 2021

———————————-

مخاوف من انتشار الوباء في مخيم «واشوكاني» السوري

«المرصد» يوثق وفاة 175 طبيباً بالفيروس

الحسكة (سوريا): كمال شيخو

في الوقت الذي تعاني فيه المحافظات السورية من قلة الكوادر الطبية نتيجة هجرة عدد كبير من الأطباء والعاملين في قطاع الصحة خارج البلاد خلال سنوات الحرب جاءت جائحة «كورونا» لتزيد من سوء الوضع الطبي، إذ توفي العشرات من الأطباء والعاملين في المجال الصحي متأثرين بإصابتهم بفيروس (كوفيد – 19) جلهم كانوا ضمن مناطق نفوذ النظام السوري، الذي يُتهم بالتستر على الأرقام الحقيقية للإصابات والوفيات ضمن مناطق سيطرته.

وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان وفاة 172 طبيباً ضمن مناطق نفوذ النظام السوري متأثرين بإصابتهم بفيروس «كورونا» خلال عام 2020 يقول المرصد السوري إنه وثقهم بالاسم، كما وثق وفاة 7 أطباء في مناطق نفوذ «الفصائل وهيئة تحرير الشام»، بالإضافة إلى وفاة طبيبين في مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية. وأضاف المرصد أنه وفقاً لآخر إحصائياته من مصادر طبية موثوقة ضمن مناطق سيطرة قوات النظام، فإن أعداد المصابين بفيروس (كوفيد – 19) بلغت نحو 133 ألف إصابة مؤكدة، تعافى منها أكثر من 49 ألفاً، بينما توفي 8400 شخص.

يذكر أن الأعداد الرسمية لوزارة الصحة التابعة للنظام السوري منذ دخول الجائحة إلى الأراضي السورية، هي 11616 إصابة، توفي منها 723 بينما بلغت حالات الشفاء 5485.

من جهة أخرى، وفي مخيم لنازحين يقع في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، يعيش آلاف السوريين داخل خيام لا تقيهم برودة الطقس في منطقة يتوقع أن تشهد خلال الأيام القادمة انخفاض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، لتزيد مرارة ومعاناة فصل الشتاء مع انعدام هطول الأمطار ومخاوف من فيروس «كورونا» وسلالتها الجديدة، إذ بداخل المخيم يتكدس نازحون يصل عددهم أحيانا إلى 15 شخصا ينامون بنفس المكان.

ويضم مخيم «واشوكاني» آلاف الأشخاص بينهم أطفال رضع ومسنون ونساء، اضطروا إلى الفرار من مناطقهم الأصلية بمدينة رأس العين أو «سري كانيه» بحسب تسميتها الكردية، تحت وطأة هجوم تركي نفذته بمشاركة فصائل سورية مسلحة موالية لها في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وأشار حسين الرجل البالغ من العمر 60 عاماً وقد بدت عليه علامات التقدم بالعمر، إلى أن زوجته غطت الخيمة بالقماش والنايلون تحسباً من موجات الصقيع، كما مدّت حبالاً في داخلها علقت عليها الغسيل وأكياس بلاستيكية مليئة بالحاجيات، وقد قسمت الخيمة لمكان مخصص لنوم وقسم ثان تحول إلى مطبخ وضعت فيه حاجيات بطريقة عشوائية كإبريق الشاي والمعالق والصحون ومواد غذائية.

وأخبر عن حالته قائلاً: «نعيش منذ قرابة عام ونصف العام بهذا المكان، والبرد بالليل قاتل وبالنهار تكون الشمس قوية، أحوال الطقس قاسية والفيروس ينتقل ونحن نخاف كثيرا بعد ما سمعنا بالأخبار أن هذه الجائحة صار لها سلالة جديدة»، لتشير زوجته حمدية (55 سنة) إلى أنها تضطر لمراجعة النقطة الطبية بالمخيم بشكل دوري، قائلة: «عندي 3 أطفال صغار وأي موجة برد أو رشح أو مرض أذهب فوراً لمراجعة الطبيب تحسباً من الإصابة بالفيروس. كما أهتم بنظافتهم الشخصية».

ومنذ إعلان الأردن تسجيل حالات إصابة مؤكدة بالسلالة الجديدة لفيروس «كورونا» بعد لبنان، تخشى إدارة المخيم والطواقم الطبية من انتقال سلالة الجائحة إلى المنطقة التي تعاني من نقص كبير في الخدمات الصحية والمشافي التخصصية. وداخل نقطة طبية مجهزة بمعدات أولية إسعافية تقول جيهان عامر قائد فريق السلامة الصحية بمنظمة الهلال الأحمر الكردي: «لم نسجل أي إصابة بفيروس (كورونا) حتى تاريخه، أو حالة اشتباه».

ومع اكتظاظ الخيام بالنازحين وافتقارها للخدمات الأساسية والنظافة العامة سيما في دورات المياه والحمامات؛ ترى جيهان المسؤولة الطبية أن مخاطر انتقال سلالة الفيروس عالية جداً ولفتت أنهم يعملون على توزيع المنشورات والقصاصات الورقية للتحذير والوقاية من (كوفيد – 19) وأضافت قائلة: «قمنا بتأسيس صندوق سلامة صحية لتوزيع الكمامات بشكل مجاني، إضافة لمعقمات طبيبة للحماية لأننا نخشى من انتشار سلالة الفيروس».

لكنها نوهت إلى أن هذه الجهود المحلية لا تكفي لتغطية احتياجات مخيم يبلغ تعداده قرابة عشرة آلاف شخص، قائلة: «نحتاج إلى دعم دولي من منظمات إنسانية وأممية لمنع حدوث كارثة إنسانية في حال انتشار الفيروس، هنا مخيم مكتظ والخيم بجانب بعضها، والطقس بارد كثيراً ما ينذر بكارثة إنسانية». كما جلست وردة ذات الثلاثين عاماً وكانت ترتدي حجاباً رمادياً وعباءة سوداء تلبسها نساء المنطقة بجانب زوجها وخالتها لتقول: «هذا الشتاء الثاني ونحن هنا نعيش تحت رحمة هذه الخيمة، لكن هذا العام نخشى كثيراً من (كورونا) وسلالتها الجديدة، ونكافح الفيروس دون معقمات ولا كمامات وأطفالنا صغار والجو بارد جدا».

وسجلت هيئة الصحة التابعة لـ«لإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، أمس (الأحد) حالة وفاة و32 إصابة جديدة بفيروس «كورونا»، ليبلغ عدد حالات الإصابة المسجلة بفيروس «كورونا» 9 آلاف حالة منها 275 حالة وفاة وشفاء 1149 حالة.

وشرحت ستيرة رشي مديرة المخيم، أن العدد الإجمالي لقاطني «واشوكاني» بلغ نحو 10 آلاف نازح تقريباً: «بتعداد 1600 عائلة يسكنون 1650 خيمة، والمخيم وصل لطاقته الاستيعابية، هناك عائلات كبيرة تسكن بنفس الخيمة، وهذا الأمر نحاول معالجته مع شدة برودة فصل الشاء»، وأشارت إلى أنهم شددوا إجراءات الخروج والدخول والتنقل تحسباً من انتشار مرض «كورونا» المستجد، وحذرت من كارثة إنسانية وانتشار أمراض وبائية معدية ثانية غير الجائحة، وأنهت حديثها لتقول: «تنقصنا المساعدات الطبية لسد الفجوة الصحية التي اتسعت مع زيادة أعداد النازحين».

الشرق الأوسط

————————————

ما الذي نعرفه عن النسختين الجديدتين المتحورتين لكورونا المستجد؟

 أ. ف. ب.

باريس: يثير ظهور نسختين متحورتين جديدتين من فيروس سارس-كوف-2 المعروف بفيروس كورونا المستجد في المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا الكثير من القلق على المستوى العالمي لا سيما وأنهما أكثر تسبباً للعدوى وفقًا للبيانات الأولى. في ما يلي ما نعرفه عنهما.

ما هما هاتان النسختان المتحورتان؟

كل الفيروسات تتحور. وهذا التحور هو عبارة عن طفرات أو تغييرات تحدث عندما تتكاثر الفيروسات.

لاحظ العلماء طفرات متعددة في فيروس سارس-كوف-2 منذ ظهوره كانت غالبيتها العظمى غير ذات تأثير، لكن بعض هذه التحورات قد تمنح الفيروس ميزة للبقاء على قيد الحياة تتمثل على سبيل المثال في زيادة قابليته للانتقال والانتشار.

يعود منشأ المتغيرة بي 1.1.7 التي عدت أول تحول مهم (VOC 202012/01) “على الأرجح” إلى أيلول/سبتمبر في جنوب شرق إنكلترا، وفقًا لجامعة إمبريال كوليدج لندن.

وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء المملكة المتحدة قبل أن يعلن العثور عليها في عشرات البلدان حول العالم، من الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية، مروراً بالهند وفرنسا والدنمارك.

ترتبط معظم هذه الحالات بالمملكة المتحدة، ولكن لم يتسن إيجاد أي صلة بأي بلد بالنسبة لعدد قليل من الحالات، ما يعني أن هذه المتغيرة ثبتت بالفعل نفسها على المستوى المحلي. وهذا ما يحدث كذلك في الدنمارك وهي من البلدان التي تقوم بسلسلة جينوم الفيروس على نطاق واسع، إذ حُددت 86 حالة (بوتيرة متزايدة).

وتنتشر نسخة متحورة أخرى باسم 501.في2 تمثل الآن غالبية الحالات في جنوب إفريقيا. واكتشفت في عينات تعود إلى تشرين الأول/أكتوبر ثم رُصدت في عدد قليل من البلدان الأخرى حول العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا.

ويرجح الخبراء أن عدد الحالات المكتشفة أقل من الواقع بالنسبة لكلا المتغيرين.

تظهر على النسختين المتحورتين طفرات عدة إحداها سُميت إن501واي وهي الآن محط الاهتمام. توجد هذه الطفرة على بروتين شوكة فيروس كورونا المستجد، وهي عبارة عن نتوء على سطحه يسمح له بالارتباط بمستقبِل في الخلايا البشرية لاختراقها ومن هنا فإنه يؤدي دورًا رئيسيًا في العدوى الفيروسية.

من المعروف أن هذه الطفرة تزيد من قدرة الفيروس على الارتباط بمستقبِل الخلية. لكن “لا علاقة واضحة محددة بين الارتباط بمستقبِل الخلية وزيادة قابلية الانتقال، ولكن وجود مثل هذه العلاقة أمر معقول”، وفق المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها.

زيادة قابلية انتقال الفيروس؟

خلص العديد من الدراسات العلمية التي لم تخضع بعد لمراجعة النظراء وتستند بشكل أساسي إلى النمذجة، إلى أن النسخة المتحورة البريطانية أكثر قابلية للانتقال. وهذا يؤكد التقييمات الأولية للمجموعة الاستشارية لتهديدات الفيروسات التنفسية الجديدة والناشئة التي تقدم المشورة للحكومة البريطانية وقدرت أن انتقال العدوى زاد بنسبة 50 إلى 70%.

من ثم، ووفقًا لحسابات كلية لندن للصحة والطب الاستوائي فإن الفيروس المتحور البريطاني معدٍ أكثر بنسبة 50 إلى 74%.

في أحدث تقرير صدر الخميس، حلل باحثون في إمبريال كوليدج لندن آلاف جينومات فيروس سارس-كوف-2 التي سُلسلت بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر. وبعد اتباع طريقتين مختلفتين، استنتجوا أن لدى هذه النسخة المتحورة “ميزة كبيرة” تزيد من قدرتها على نقل العدوى بنسبة 50 إلى 75%، أو ترفع معدل تكاثر الفيروس بمقدار 0,4 إلى 0,7، مقارنة بالنسخ العادية.

وتظهر النتائج الأولية لنسخة جنوب إفريقيا أيضًا قابلية انتقال أعلى، ولكن تتوفر بيانات أقل عنها.

مع ذلك، يقول بعض الخبراء إن البيانات غير كافية لتقييم مدى عدوى النسختين على وجه اليقين.

يقول مدير الأمراض المعدية في وكالة الصحة الفرنسية العامة برونو كوانيار لفرانس برس “علينا أم نتوخى الحذر. النتيجة المتصلة بمعدل الانتقال هي مجموعة من العوامل التي تجمع بين خصائص الفيروس ولكن أيضًا تدابير الوقاية والمكافحة المطبقة” مثل التباعد الاجتماعي ووضع الكمامة وإغلاق المؤسسات التي تستقبل الجمهور، وما إلى ذلك.

أكثر إشكالية؟

يقول المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض إنه “لا توجد معلومات تفيد بأن العدوى التي تسببها هذه السلالات الفيروسية أكثر خطورة”، لكن خطر “دخول المستشفى والوفيات مرتفع”.

ويضيف إن “قابلية الانتقال العالية تعني في نهاية الأمر عدداً أكبر من الحالات، ومن ثم حتى في حالة التسبب بنسب وفيات مماثلة، فهذا يعني ممارسة ضغط أكبر على النظام الصحي”.

ويشدد عالم الأوبئة البريطاني آدم كوتشارسكي استناداً إلى الأدلة الإحصائية، على أن “ارتفاع قابلية العدوى بنسبة 50% من شأنه أن يطرح مشكلة أكبر بكثير من نسخة متحورة تسبب وفيات أعلى بنسبة 50%”.

ويشرح عبر تويتر أنه مع معدل تكاثر من 1,1، ومعدل وفيات يبلغ 0,8%، و10 آلاف مصاب يمكن أن تكون لدينا 129 وفاة بعد شهر. وإذا زاد معدل الوفيات بنسبة 50%، فإن عدد الوفيات سيصل إلى 193. ولكن إذا زاد معدل الانتقال بنسبة 50%، فستكون لدينا 978 وفاة.

وسيكون التأثير أكبر بشكل خاص في البلدان التي تؤدي فيها زيادة طفيفة في قابلية الانتقال إلى رفع معدل التكاثر إلى أعلى من 1، ما يؤدي إلى تسريع انتشار الوباء.

حذر عالم الأوبئة أرنو فونتانيه، عضو المجلس العلمي الذي يقدم المشورة للحكومة الفرنسية، من أن النسخة المتحورة البريطانية “هي حقًا مصدر القلق في الوقت الراهن” لأنها “يمكن أن تدفعنا إلى وضع معقد للغاية”.

بالإضافة إلى ذلك، تظهر الدراسات الأولى حول المتغير البريطاني أيضًا نسبة إصابات أكبر بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 عامًا، ما يطرح مسألة فتح المدارس أم إبقائها مغلقة.

ومن هنا، تقدر دراسة كلية لندن للصحة والطب الاستوائي أن تدابير الاحتواء مثل تلك التي طبقت في المملكة المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر لن تكون فعالة بما يكفي للسيطرة على تفشي المرض “ما لم تُغلق المدارس والكليات والجامعات أيضًا”.

ما مدى فعالية اللقاحات؟

في حين أن حملات التطعيم بدأت للتو توفر الأمل في إيجاد مخرج من هذه الأزمة الصحية العالمية، يشكك البعض في قدرة اللقاحات على محاربة النسخ المتحورة الجديدة.

يقول المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض إنه “لا توجد في هذه المرحلة معلومات كافية متاحة لتقدير (إذا كانت النسختان تشكلان) خطرًا على فعالية اللقاحات”.

لكن الأربعاء الماضي، قال هنري ووك، من المركز الأميركي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، خلال مؤتمر صحافي إنه “بناء على ما نعرفه حالياً، يعتقد الخبراء أن اللقاحات الحالية ستكون فعالة ضد السلالتين”.

من جانبها أكدت شركة بايونتيك الألمانية التي أنتجت مع فايزر الأميركية أول لقاح ضد كوفيد-19 حصل على الترخيص، أنها قادرة إذا لزم الأمر، على إعداد لقاح جديد “في غضون ستة أسابيع”.

كيف يمكن محاربتها؟

يعتقد برونو كوانيار أنه من “الوهم” الاعتقاد بأنه يمكننا القضاء على النسخ المتحورة أو منع انتشارها تمامًا، مشيرًا إلى أنه ينبغي التركيز على “تأخير نشرها قدر الإمكان”.

ومن هنا يوصي المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض البلدان التي لا تنتشر فيها النسخ المتحورة الجديدة على نطاق واسع “ببذل جهود لإبطاء الانتشار، على غرار تلك التي بذلت في بداية الوباء” مثل اختبار الأشخاص القادمين من مناطق توجد فيها مخاطر مع إمكانية فرض الحجر الصحي والعزل والتعقب المعزز للمخالطين، والحد من السفر” إلى ما هنالك.

كما يدعو إلى مراقبة مدى انتشار هذه النسخ لا سيما عن طريق زيادة سلسلة جينوم العينات الفيروسية.

ويوضح البروفسور فونتانيه ان بعض اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل للكشف عن الإصابة بكوفيد-19 يمكن أن تعطي مؤشرًا لوجود النسخة البريطانية، وهذا يساعد على تحسين عملية التسلسل الجيني، مشدداً على ضرورة “المراقبة الشديدة للغاية”.

على المستوى الفردي، يقول ووك إنه “نظرًا لأن هاتين النسختين تنتشران على ما يبدو بسهولة أكبر، يجب أن نكون أكثر حرصاً في إجراءاتنا الوقائية لإبطاء انتشار كوفيد-19″، موصيا ً بوضع قناع الوجه والتباعد الجسدي وغسل اليدين وتهوية الأماكن المغلقة دون إغفال تجنب أماكن الازدحام.

ايلاف

—————————-

زمن البيولوجيا السياسية/ أبو بكر العيادي

البيوسياسي أو البيولوجيا السياسية، المصطلح الذي ابتكره ميشيل فوكو، يتجسد الآن على أرض الواقع بانتشار فايروس كورونا، حيث يذهب بعض المفكرين إلى القول إن السلطة وجدت في هذا الجائحة فرصة لبسط نفوذها عن طريق الحجر الصحّي والتباعد الاجتماعي بدعوى إنقاذ الناس من الهلاك. فماذا يعني بالضبط وما هي أبعاده اليوم وآثاره في المستقبل القريب؟

لم يواجه الجميع جائحة كوفيد – 19 وجرائرها بالطريقة نفسها، فإن بدا التفاوت الاجتماعي جليّا خلال الحظر الصّحي، بين من يتمتع بظروف إقامة مرفّهة، وبين من وجد نفسه في جُحر ضيّقٍ ضيقَ زنزانة، فإن المواقف من قرارات السلطة كانت هي أيضا تختلف باختلاف الموقع الاجتماعي والتكوين العلمي، حيث قنع السّواد الأعظم من الناس بما تمليه الحكومات لكونهم لا يملكون حيلة أمام “ليفياتان”، بينما انتقدت النخبة كل قرار يصدر عن الحكومة، ورأت فيه تحريك بيادق على رقعة ما فتئت تنحسر، تمهيدًا لمصادرة الحريات وبسط هيمنتها كاملة على سائر أوجه الحياة.

فكل ما ظهر خلال هذه الفترة التي بدأت منذ مطلع السنة الماضية صار لدى عدد من المفكرين في عداد البيوسياسي، كذا الكمامة واختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (سي بي آر) والحجر الصحّي وغلق المقاهي والخمّارات والمسارح والمتاحف ودور السينما وما شابه.

بل إن التساؤل حول الحل الأجدى بين صيانة الاقتصاد أو إنقاذ العجائز والعجّز، عُدّ اختيارا بيوسياسيا، وتحديد البؤر المشبوهة وتعقّبها رقميّا اعتبرا مراقبة بيوسياسية، والرسائل المتكرّرة الموجهة إلى المواطنين لحثّهم على ملازمة التباعد الاجتماعي هي في نظرهم تربية بيوسياسية.

ولم تسلم من ذلك التصنيف لا الإدارة ولا الشرطة ولا المستشفيات، فكل قرار يُتّخذ فيها يصنَّف في خانة البيوسياسي، حتى كادت جائحة كوفيد – 19 تتحول في تقديرهم إلى احتفال بالبيوسياسي كما قال المفكر ماتيو بوت بونفيل، الذي يذكّر بأن تلك الأسئلة، التي تقع اليوم في صميم هذه اللحظة البيوسياسية القصوى، سبق أن طرحها فوكو.

لقد اكتشف العالم، على نطاق واسع، أن السياسة لم تختف خلف الاقتصاد، مثلما اكتشف أنها في وجهها الحالي الذي أملاه الحفاظ على الحياة أخذت شكل البيوسياسي، خصوصا بانحصارها في إجراءات صحية واسعة أدت إلى حالة طوارئ وما تبعها من مصادرة للحريات، فصار السؤال الذي تطرحه الجائحة على الحكومات: الحرية أم الحياة؟ ولا مناص حينئذ من العودة إلى فوكو، الذي كان أول من صاغ المصطلح عام 1976 في آخر فصل من كتاب “إرادة المعرفة” عنوانه “حق الموت والسلطة على الحياة”، لاحظ فيه الانقلاب الذي حصل بعد نهاية العصر الكلاسيكي بشأن حقّ الحياة والموت الذي يختص به الحاكم، فقد كانت سلطته على حياة رعاياه هي قبل كل شيء حق الموت، إذ هو لا يملي عليهم كيف يعيشون حياتهم، ولكنه يملك حق سلبها منهم عن طريق انتزاع ثرواتهم وخدماتهم وعملهم وقواهم وحياتهم أيضا.

ومنذ القرن السابع عشر، وبصفة أخص خلال القرن الثامن عشر، صارت الحياة نفسها غاية السياسي، حيث تعلق الأمر بتنمية الموارد وزيادة القوى الحية وتسييرها، فكان ذلك إيذانا بمولد الرأسمالية. عندها تحولت السلطة إلى بيوسلطة شعارها “اجعله يعيش واتركه يموت” وفق نموذجين، أولهما، وهو الذي أطلق عليه فوكو “أناتومو سياسي” (أو سياسة الجسد) يخص جسد الفرد من حيث ترويضه ومراقبته وتجويد مردوده، ويتم ذلك في كل المنظومات التنظيمية كالمدارس الدينية والجندية والسجن ومستشفى الطب النفسي. والثاني يتركز على الرعية التي تتم إدارة مساراتها البيولوجية كالتكاثر والولادات والوفيات والصحة والعمر الحيوي. ثم ظهرت علوم جديدة كعلم الإحصاء وعلم السكان وعلم الأوبئة… وغاية جديدة حيث لم يعد يُنظر إلى السكان كمجموعة أفراد، بل كمنظومة مدّ وميول، وبالتالي كفنّ جديد في الحكم.

وبين السلطة على جسد الأفراد وتسيير الرعايا توجد الجنسانية. يقول فوكو في “إرادة المعرفة” ربما ليس القتل هو أعلى وظيفة للسلطة، بل اقتحام الحياة من كل جانب، لحمايتها ولكن لتدجينها أيضا. وبذلك يشمل البيوسياسي بمعناه الواسع الطرائق القسرية للنظام والمراقبة والتحكم والعقاب، والطرائق المرنة الأفقية في تسيير الرعايا وحكمها. وهذه الطريقة الجديدة في الحكم هي الليبرالية. أما بخصوص مواجهة السطلة للأوبئة، فقد بيّن فوكو في “جنيالوجيا السلطة” أن الغرب لم يكن له سوى نموذجين بارزين: أولهما إقصاء المصابين بالجذام خارج المدينة، لكون الجذام يعدي باللمس، ما يفرض منع اتصال المصاب بفرد أو جماعة منعًا باتًّا، أي أن المصابين “يُلقَوْن إلى الموت”. وهو إجراء صحّي يغذيه الحلم بمجتمع نقيّ، ويحضر في المؤسسات الاجتماعية كالسجن ومستشفى الأمراض العقلية ومستشفى الطب النفسي، حيث ينوب عن المجذوم الفقيرُ والمهمّشُ والمسجونُ والمختلُّ عقليا…

وثانيهما حجر المصابين بالوباء، لكون الوباء، بخلاف الجذام، لا يُرى بالعين المجردة في طور اختماره، ومن ثَمّ يعامَل الناس جميعا كما لو أنهم مصابون به، فيجدون أنفسهم في حَجر لا يغادرونه إلا بإذن، حيث “كل فرد حبيس قفصه، واقف في نافذته ليجيب دعوة الدّاعي، ويطلّ منها حين يُطلب منه ذلك”، أي أنّ السلطة تدير رعاياها كلهم في فضاء واحد تُخضعه لمراقبة دقيقة، حيث يعمل العزل الفردي أو الجماعي على تعزيز التحكم والمراقبة وتفريع السلطة لأن نمط الحكم في التعامل مع الوباء يهدف إلى إيجاد رعية سليمة في مجتمع منظَّم. ما يعني أننا مع جائحة كوفيد – 19 وجدنا أنفسنا أمام الجذام والوباء في الوقت نفسه، أي أن الجسد، فرديّا كان أم جماعيّا، تشريحيّا أم اجتماعيّا، هو في نظر فوكو غاية البيوسياسي. ولكن أيّ حياة يثيرها البيوسياسي؟

ثمّة تعارض في التقليد الفلسفي لا يزال قائما، ففي اليونانية القديمة لفظتان: زُوِ  (zoè) وتعني الحياة البيولوجية والعضوية والحيوانية؛ وفي مقابلها بِيُوس (bios) التي تعني الحياة المعيشة، في ظل التاريخ والثقافة وظروف العيش والنواحي الاجتماعية التي تصنعها، فعندما يقول أرسطو إن الإنسان “حيوان سياسيّ” فإنه يربط الإنسانية بالطبيعة زُوِي، لكي يميزه عنها، ولكن عندما يعرّف حياة المدينة أو الحياة السليمة، يستعمل عبارة بيوس. وحنّة أرندت تستعمل هذا التمييز في كتابها “وضع الإنسان المعاصر” لتقف على خطّ الفصل، وهو جليّ عند القدامى، بين الحياة العائلية المنذورة لتأمين الشروط المادّية الأكثر تفاهة، الحيوانية تقريبا لضمان العيش، وبين الحياة العامة. ولكن هذا الفصل يميل إلى الزوال في عصر الحداثة ليحلّ محلّه اكتساح المشاغلِ اليومية للفضاء العام، وهو ما يهدد السياسي بالخطر في نظر أرندت التي تلتقي مع ما لاحظه فوكو، ولكن مع الإلحاح على ضرورة أن يكون السياسي منفصلا عن البيولوجي. مثل هذا التمييز هام جدّا للتفكير في الإجراءات المتخذة ضدّ الجائحة: أيّ حياة نحمي؟ الصحة البيولوجية على حساب الروابط الاجتماعية؟ ولكن ألا يشكّل الحرمان من الروابط خطرا قاتلا لدى بعض الناس؟ ثمّ ما هي الحيوات المعرّضة أكثر من سواها، لكي يقبل المجتمع التضحية بها أو لا يوليها قيمة؟

إن الاحتجاج على غلق المقاهي والخمّارات مثلا أو إجبارية وضع الأقنعة هما تعبير عن أن الحياة ليست فقط الوقاية من الموت البيولوجي؛ في حين أن تضامن المهاجرين في مخيم موريا باليونان، الذين تخلّت عنهم الحكومات وتجاهلتهم الإجراءات الصحية، أنقذ ما هو حيويّ، ما يعني أن زوي وبيوس في الواقع لا ينفصلان.

ولا يعني ذلك أن كل المفكرين يوافقون ما ذهب إليه فوكو، فالفيلسوف الإيطالي جورجو أغامبين مثلا يجعل من زوي، التي يترجمها بـ”الحياة العارية” موضوع نقده الوحيد، فيجعل البيوسياسي سياسة موت (تاناتو سياسي) حيث يحصر الإنسان في حياته العارية، أي المجردة، مثلما يجعل المعسكر شكلَ تلك الصيغة النهائي، ومثلها معسكرات اللاجئين ومعسكرات الخدمة الإجبارية كالغولاغ ومعسكرات الموت النازية. فالمعسكر، أو المخيم، هو في رأيه حالة استثنائية يهيمن عليها ناموس البيوسياسي، وحاضنة مخفية للسياسة، بمعنى أن الدولة الديمقراطية البيوسياسية هي نظام شمولي بالقوّة، وهو ما يفسّر مبالغة أغامبين في نقد الحجر الصحي، كان نشره في مارس من العام الماضي، حيث ألمح فيه إلى أن الجائحة وُجدت عمدًا حتى تتمكن الدول من فرض حالة الطوارئ.

في “أصول التوتاليتارية”، كانت حنة أرندت أوّل من اهتدت إلى البعد البيوسياسي – ولو أنّها لم تستعمل المصطلح – للنازية، وأكدت أن مفاهيم المجال الحيوي والنقاء العرقي تؤدي إلى صناعة بشر غير طبيعيين. كما لاحظت نشأة مفهوم العرق في القرن التاسع عشر، خاصة عند أرتر دو غوبينو (1816 – 1882)، صاحب “مقالة في عدم تساوي الأعراق”، حيث كتب يقول “في نهاية القرن كان الكتاب يتناولون بشكل طبيعي المسائل السياسية في صيغ بيولوجيا وزولوجيا”، ولكنها لن توافق قطعا ما ذهب إليه أغامبين من أن الديمقراطية تحمل في طياتها أثر الشمولية.

ولو فرضنا جدلا أن مصطلح البيوسياسي يجمع تحت سقف واحد كل الرهانات السياسية والفلسفية المتباينة في الظاهر، والتي تخص الكائن الحيّ، كالجوائح الحالية وربما المستقبلية، والصحة عموما، والمفاهيم العلمية للحياة والموت، والعلاج، ومجتمع المراقبة عن طريق التكنولوجيات الرقمية، والعلاقات بين الإنسان والكائنات، والتنوع البيولوجي، والمناخ، وامتداد الأعمار، والديمغرافيا العالمية، وتزايد التفاوت، وما بعد الأنسنة، والتكنولوجيات الحيوية، والذكاء الصناعي… فإن السقف يصبح من الاتساع ما يجعله عديم الأهمية.

هذا مثلا فريديرك فورمس يعترف أنه لا يشاطر فوكو تحليله التاريخي للحداثة، ويعتبر أن نهاية السبعينات كانت “لحظة الكائن الحيّ” وشكلت منعرجا في مجالات الفلسفة والمعرفة والسياسة، فالإيكولوجيا وعلوم الإدراك واكتشاف أهمية العلاج الحيوية مهّدت لظهور الكائن الحيّ ضمن المتطلبات المعاصرة. غير أن فورمس، وإن أيّد الجانب الوصفي لـ”بيوسياسية” فوكو وعارض جانبها النقدي، يقرّ أن لها صلة بتلك الحركة، ويرى هو أيضا أننا نعيش اليوم عصر البيوسياسي، وما حماية الحياة إلا ناقل سياسي، فنحن نصمد بفضل العلاج والعمل على حماية الكائن الحيّ، ولكننا نتصدى لتجاوزات السلطة عن طريق المداولات الديمقراطية.

إن تثمين العلاج، الذي يسمّيه الفلاسفة الرعاية (care) يستعيد سلطة القس البروتستانتي التي جعلها فوكو إحدى مصادر البيوسياسي الحديث. وهو نفس المسار الذي اتبعه فورمس وأرد أن يتأسس على الدفاع عن الحيوي، أي كل القوى التي تصمد أمام الموت، كالصحة ودعم الناس الأكثر هشاشة وكذلك التربية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ما يجعلنا نمرّ من البيوسياسي الذي تحدوه إنتاجية الأجساد، أي تلك التي وصفها فوكو، إلى بيوسياسي يحركه الوعي بإمكانية العطب. وفورمس لا يسمي ذلك بيوسياسي بل يفضل تسميته بالأنسنة الحيوية، ما يسمح باحتضان مشاغل أخرى غفل عنها فوكو كحماية كوكب الأرض والطبيعة والتنوع الحيوي.

برونو لاتور، من جهته، دعا إلى قيام ما أسماه إرادة عامة إيكولوجية قادرة على الضغط على الحكومات، مع توسيع مبدأ الحياة، وحتى الحياة السليمة، والصحة لاحتواء مفهوم “قابلية الإقامة على الأرض”، لأن العودة إلى البيوسياسي، حتى في وجهه الجديد، لا يمكن أن يفرض نفسه في ظل مشروعية الإجراءات الصحية ضد كوفيد – 19.

أما ميكائيل فوسيل، فيعتقد أننا نمرّ ربّما بمرحلة فوكوية، إذا اعتبرنا أن السياسة نفسها تحركها النزعة الصحية وتقتحم أكثر مناطق الحيوات حميمية، ولكن تأسيس المجتمع على الخوف من فايروس هو ما يهدّدنا. ويضيف “لست في حاجة إلى فوكو كي أتأمل تركيز السلطة حول مبدأ حفظ الحياة، هوبز يكفيني”.

ذلك أن المفكر الإنكليزي يبيّن لنا أن ما يميز الإنسان رغبته في البقاء. ولكن إذا تُركت تلك الرغبة لحالها فسوف تخلق قانون الأقوى وحرب الجميع ضدّ الجميع، أي عكس حفظ الحياة التي تهدف إليها. فالدولة عند هوبز تسمح بالخروج من ذلك التناقض القاتل، ولكنها “ليفياتان”، أي سلطة حاكمة تملك وحدها حق ممارسة العنف الشرعي بوضع الجميع في حالة خوف، ما يدفعهم إلى الالتزام بعقد يستبدلون من خلاله الأمان بالحرّية، لأن الفعل السياسي عند هوبز هو ما يقطع مع الوضع الطبيعي.

ويخلص فوسيل إلى أن مصطلح بيوسياسي لا يسمح بفهم هذا، لأن فوكو لا يعالج الحقوق والقانون والعقد الاجتماعي ولا الدولة. ولذلك يخشى أن ندخل، إن كان لا مفر من العيش مع الفايروس، في لحظة هوبزية، دليله على ذلك عودة النزعة السيادية القومية والهووية بقوة. ففي اللحظة التي نكتشف فيها هشاشتنا وعجز السلطة، تقوى أوهام السيادة التي يُنظر إليها كحصانة. وعندما نرى في الآخر تهديدا حيويّا، نمر بسرعة من الفايروس إلى الجسد الغريب، ومن جسد الغريب إلى كراهية الغريب.

لا شكّ أن أشكال السلطة والمخاطر التي تهدد الحياة هي بصدد التغير. وإذا بات مصطلح البيوسياسي فارغا لكثرة اتساعه، فإن وسائل الصمود أمامه ما زالت قيد الإعداد.

كاتب من تونس مقيم في باريس

الجديد

—————————-

العالم الواحد والعالم الكثير المتضارب/ حازم صاغية

منذ أن بدأ الحديث الجدّي عن لقاحات «كورونا» التي تتوافر لها نسبة مرتفعة من النجاح، شرعت تعود إلى الواجهة صورة العالم بوصفه واحداً. فهو كلّه، في سائر أرجائه، يطلب اللقاحات ويعوّل عليها، وأطرافه تتبادل التنسيق «والتنافس» لهذا الغرض.

التعافي، إذن، إمّا أن يكون عالميّاً أو لا يكون تعافياً.

البارقة الداعية إلى التفاؤل هبّت في وجه ما أحدثته «كورونا» نفسها من تمجيد للعزلة والعزل، ليس بين البلدان فحسب، بل داخل البلد الواحد، وما أطلقته من ذعر حيال الغريب والمهاجر واللاجئ، ومن رفع للأسوار بين الرجال والنساء، ناهيك عن تعظيم الأمني والزجري في كلّ مكان تقريباً. وحين كانت الوقائع والحقائق تتمنّع عن إسعاف هذه الوجهة الرجعيّة، كانت نظريّات المؤامرة تدلي بدلوها دعماً لها وإسناداً.

وقبل «كورونا»، وعلى مدى أزيد من عقدين، سبق للقوميّات الشعبويّة أن صلّبت نظريّات العزلة والخوف. في هذه النظريّات سقطت تباعاً أكبر أمم الأرض وأقواها بقيادة قادة معصومين: روسيا، الصين، الهند، الولايات المتّحدة، بريطانيا، البرازيل…

الآن، وفضلاً عن اللقاحات الطبية، يُرجّح، بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، أن يعاد الاعتبار إلى عدد من الاتفاقات الدوليّة التي تعطّلت في السنوات الأربع الماضية، خصوصاً منها اتفاقيّة باريس للمناخ (2015) التي لا تكتم إدارة جو بايدن الجديدة حماستها لعودة العمل بها. كذلك، يُفترض بالنزعة الحمائيّة والحروب التجاريّة أن تتراجع، وأن يعاد الاعتبار لاتفاقات تجاريّة وُقّعت سابقاً، إنْ على نحو معدّل أو غير معدّل.

واقع الحال أنّ الموجة الشعبويّة، التي وجدت في جائحة «كورونا» امتدادها وتتويجها معاً، نشأت أصلاً كردود على تحوّلات صلبة أتت بها العولمة والهجرة. مع هذه الردود، رفعت السيادة القوميّة للبلدان أعلامها الظافرة. الردّ الأقوى ربّما كان استفتاء «بريكست» في بريطانيا الذي هدّد الاتّحاد الأوروبي في وجوده ذاته.

لكنّ التحوّلات الأخيرة، جعلت من الجائز أن نتوقّع العودة إلى التشكيك في السيادات القوميّة، وأن نتوقّع أيضاً البناء على تلك المعطيات الصلبة التي أراد النهوض الشعبوي تعطيلها. فتنظيف البيئة ووقف التصحّر لا تقوى عليهما دولة واحدة، وكذلك استثمار الأنهار وكلّها تقريباً تنبع في بلد وتصبّ في بلد آخر. ينطبق الأمر نفسه على سياسات العمالة والهجرة، وعلى محاربة الفقر والمرض والأمّيّة، فضلاً عن الجريمة المنظّمة وضبط حركة الدفوقات الماليّة الضخمة العابرة للحدود، وما لا حصر له من مسائل أخرى، لا سيّما الشروط الأفضل التي يوفّرها التعاون الدولي لتقدّم العلوم والتقنيّة.

لكنْ أن يعاود العالم ارتسامه واحداً لا يعني أنّ وحدته باتت مشروعاً قابلاً للتنفيذ. الخروج من الوحدة كطوبى ومثال إلى الوحدة كمشروع طريقٌ طويل وشاقّ تلزمه شروط عدّة، بينها تصليب المؤسّسات الأمميّة كالأمم المتّحدة ومتفرّعاتها، وإكساب بعض الأنياب لمبدأ التدخّل الإنساني ضدّ الأنظمة القاهرة لشعوبها. وهذا معطوف بالطبع على محو آثار «كورونا»، لا سيّما منها توسّع الرقعة التي يشغلها التدخّل الأمني والبوليسيّ، وانتعاش بعض القيم والممارسات الذكوريّة والأبويّة.

يبقى أنّ تعافي الديمقراطيّة البرلمانيّة، إذا أتيح له أن يمضي قدماً، يوفّر سبباً جدّيّاً للثقة بهذا المسار الانتقالي إلى ما بعد الدولة القوميّة. وهي ثقة يزيدها حدوث تعافٍ في الأوضاع الاقتصاديّة يتغلّب على ما أنزلته الجائحة، يترافق مع توزيع للثروة أكثر عدلاً وأشدّ تلاؤماً مع مبدأ المساواة.

لكنّ ما يصعب تذليله هو النظام العسكري والأمنيّ، وهو في أجزاء كثيرة من العالم، منها منطقتنا، متضامنٌ مع النظام القرابي الموسّع (الطائفيّ، الإثنيّ…) ومستند إليه. والاثنان، بالتناوب أو بالتكامل، يمسكان بخناق ملايين البشر ويبقيانهم فيما قبل الدولة القوميّة.

والوجهة هذه كثيرة الأشكال والصيغ، في عدادها تفشّي الحروب الأهليّة المفتوحة وما يرافقها من تهجير للسكّان، على ما رأينا خصوصاً في سوريّا، لكنْ أيضاً في بلدان كثيرة أخرى آخرها، حتّى الآن، إثيوبيا. وهناك طرد السكّان «المختلفين» من نطاق الدولة والمجتمع، كمسلمي الروهينغا في ميانمار ومسلمي الإيغور في الصين، وتعليق الدول في بلدان كثيرة تشقّها النزاعات الأهليّة، في انتظار تسويات خارجيّة قبل أن تكون داخليّة، وهذا ناهيك عن الفساد وتبديد الموارد حيث تنعدم الرقابة الشعبيّة والشفافيّة.

وهذان احتمالان متضادّان، واحد يحاول الصعود إلى ما بعد الدولة، وآخر يوالي الغرق فيما قبلها. وللأسف سوف يكون من الوهم والسذاجة افتراض الجمع بين المسارين هذين.

الشرق الأوسط

———————————-

الوباء والنظام السياسي.. إنّه يستلزم وجود دولة/ فرانسيس فوكوياما

ترجمة رحمة بوسحابة

نشر فرانسيس فوكوياما، المفكر الأمريكي الشهير، هذه المقالة في آب/أغسطس 2020، في مجلة Foreign Affairs، وهنا ترجمتها العربية.

تنتج الأزمات الكبرى نتائج كبرى تكون غير متوقعة غالبًا، فهكذا أدى الكساد العظيم (The Great Depression ) إلى نزعات الانعزالية، والقومية، والفاشية، وإلى الحرب العالمية الثانية – بل وحتى إلى الصفقة الجديدة (New Deal) وصعود الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية، وإنهاء الاستعمار أخيرًا. كما أنتجت هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر تدخُلين أمريكيَين فاشلين، أدّيا إلى صعود إيران وبروز أشكال جديدة من التطرّف الاسلامي، وفي الإطار نفسه أدت الأزمة المالية لعام 2008 إلى طفرة في الشعبوية المناهضة للمؤسسات التي حلَّت محل القادة في جميع أنحاء العالم، وبناء على ذلك سيتتبع مؤرخو المستقبل بشكل مماثل الآثار الكبرى لوباء فيروس كورونا الحالي، ليكون التحدي هو اكتشاف هذه الآثار في وقت مبكر.

لقد أصبح من الواضح بالفعل لماذا كان أداء بعض الدول أفضل من غيرها في التعامل مع الأزمة حتى الآن، وثمة ما يدعو للاعتقاد بأن هذه التوجهات ستستمر مستقبلًا، والمسألة هنا لا علاقة لها بنوع النظام ذلك أن أداء بعض الديمقراطيات كان جيدًا على عكس بعضها الآخر، والأمر ذاته ينطبق على الأنظمة الاستبدادية.

وتتمثّل العوامل المسؤولة عن التَّعامل الناجح مع الوباء في قدرة الدولة على مواجهتها والثِّقة الاجتماعية، والقيادة، ومن هنا كان أداء البلدان التي تمتلك الأجهزة الثلاث: جهاز حكومي كفء وحكومة يثق بها المواطنون ويمتثلون لتعليماتها، وقادة فعالون.. مثيرًا للإعجاب، وهو ما حدّ من الضرر الذي لحق بها، وفي الوقت ذاته تصرّفت الدول التي تعاني من خلل وظيفي، أو مجتمعات مستقطبة، أو قيادة ضعيفة بشكل سيئ، تاركة مواطنيها واقتصاداتها مكشوفة وهشّة.

وكلَّما تمَّ التعرف أكثر على كوفيد 19- المرض الناجم عن الفيروس التاجي الجديد- كلما ظهر أن الأزمة سيطول أمدها لتقاس بالسنوات وليس بالثلاثيات. ورغم أن هذا الفيروس يبدو أقل فتكًا مما كنا نعتقد إلا أنه شديد العدوى، وغالبًا ما ينتقل من دون أعراض، عكس الإيبولا الشديدة الفتك والتي يصعب التقاطها، ويموت ضحاياها بشكل سريع قبل أن يتمكنوا من نقلها، وهذا يعني أن الناس يتجهون إلى عدم أخذ الأمر بالجديّة المطلوبة، وهو ما يجعل الفيروس ينتشر، وسيستمر في الانتشار على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، مُسببًا أعدادًا هائلة من الوفيات، وبذلك لن تأتي تلك اللحظة التي تستطيع فيها البلدان إعلان الانتصار على المرض. وفي المقابل ستنفتح الاقتصادات بشكل بطيء ومؤقت، مع تباطؤ التقدم بسبب موجات العدوى اللاحقة. ويبدو أن الآمال في حدوث انتعاش حاد سريع a V-shaped recovery هي آمال متفائلة للغاية، وفي المقابل سيكون النموذجان المحتملان للتعافي هما النموذج L الصاعد أو سلسلة *W ، أي أن الاقتصاد العالمي لن يعود إلى أي من حالاته التي سبقت كوفيد 19 في أي مدى منظور.

وتعني الأزمة الطويلة الأمد من الناحية الاقتصادية المزيد من حالات الاخفاق التجاري، وتدميرًا للأعمال التجاريّة مثل مراكز التسوق، وسلاسل البيع بالتجزئة، والرحلات الجويّة. لقد ظلَّت مستويات تركيز السوق في الاقتصاد الأمريكي ترتفع بشكل مطرد لعقود، وسيؤدي الوباء إلى استمرارها بشكل أكبر، وستكون الشركات ذات الإمكانيات الكبيرة وحدها القادرة على تجاوز العاصفة، مع تحقيق عمالقة التكنولوجيا للربح الأهم في هذه الحالة، باعتبار أن التفاعلات الرقمية ستصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

وقد تكون العواقب السياسية للوباء أكثر أهميّة، فعلى الرغم من أنه يمكن دعوة الشعب لأعمال بطوليّة من قبيل التضحيّة الجماعيّة بالنفس لبعض الوقت، ولكن ليس إلى الأبد. وإذا استمر الوباء مقرونًا بفقدان مكثف للوظائف، وركود متواصل، وعبء غير مسبوق للديون فإن ذلك سيخلق حتمًا توترات ستتحوّل إلى رد فعل سياسي عنيف، لم يتضح بعد ضد من سيكون.

سيستمر التوزيع العالمي للقوة في التحوُّل نحو الشرق، ذلك أن أداء شرق آسيا كان أفضل من أوروبا أو الولايات المتحدة في إدارة الأزمة، فعلى الرغم من أن الوباء نشأ في الصين، وتستَّرت عليه بكين في البداية وسمحت له بالانتشار، إلا أنها ستستفيد من الأزمة نسبيًا على الأقل. وكما حدث، فإنّ أداء الحكومات الأخرى كان هزيلًا في البداية وحاولت التستر عليه أيضًا بشكل أكثر وضوحًا وبعواقب أشدّ فتكًا بمواطنيها من الحالة الصينيّة، ومع ذلك تمكنت بكين على الأقل من استعادة السيطرة على الوضع، وهي في طور الانتقال إلى التحدي الموالي وهو إعادة اقتصادها إلى العمل بشكل سريع ومستدام.

وعلى النقيض من ذلك، أخفقت الولايات المتحدة في تعاملها مع الأزمة، وهيبتها تشهد تدهورًا بشكل كبير، رغم كونها البلاد التي تتمتع بقدرات دولة ذات إمكانيات هائلة، وتمكّنت من بناء سجل حافل مثير للإعجاب فيما يتعلق بالأزمات الوبائية السابقة، إلا أنّ مجتمعها الحالي شديد الاستقطاب وزعيمها غير الكفء منعا الدولة من العمل بفعالية. فقد قام الرئيس بإذكاء الانقسام بدلًا من تعزيز الوحدة، وتسييس توزيع المساعدات، ودفع المسؤولية إلى حكام الولايات لاتخاذ القرارات المهمة بينما يقوم هو بتشجيع الاحتجاجات ضدهم لحماية الصحة العامة، كما هاجم المؤسسات الدولية بدلًا من تحفيزها، والعالم اليوم بإمكانه مشاهدة التلفزيون ويتابع ذلك في ذهول، وسارعت الصين بجعل المقارنة بين أداء الدولتين واضحة.

إنّ هذا الوباء قد يؤدي إلى تدهور نسبي للولايات المتحدة على مدى السنوات القادمة واستمرار تآكل النظام الدولي الليبرالي، وصعود الفاشية في جميع أنحاء العالم، كما يمكن أن يؤدي أيضًا إلى ولادة جديدة للديمقراطية الليبرالية، وهي نظام أربك المتشككين عدة مرات، وأظهر قدرات لافتة من المرونة والتجدد، وستظهر عناصر كلا الرؤيتين في أماكن مختلفة من العالم، ولسوء الحظ إن لم تتغير الاتجاهات الحالية بشكل كبير، فإن التوقعات العامة قاتمة.

هل سيؤدي ذلك إلى صعود الفاشية؟

من السَّهل تصوّر النتائج المتشائمة لتفشي الوباء، وهي تزايد نزعات القومية والانعزالية وكراهية الأجانب، والهجمات على النظام العالمي الليبرالي لمدة سنوات، وهو اتجاه لن يسرعه سوى الوباء، فقد استغلت الحكومتان في المجر والفلبين الأزمة لمنح نفسها سلطات استثنائية، وهو ما جعلها أكثر بعدًا عن الديمقراطية، كما اتَّخذت العديد من البلدان الأخرى بما في ذلك الصين والسلفادور وأوغندا تدابير مماثلة، بحيث ظهرت عراقيل أمام حركة الناس في كل مكان، بما في ذلك في قلب أوروبا. وبدلًا من التعاون البنَّاء من أجل المصلحة المشتركة، تحوَّلت الدول إلى الداخل، تتخاصم فيما بينها، جاعلة من منافسيها كبش فداء سياسي للتغطية على إخفاقاتها الخاصّة.

وصعود النزعة القومية من شأنه أن يزيد من احتمالات نشوب صراع دولي، وقد يرى الزعماء أن المعارك مع الأجانب تشكل إلهاء سياسيًّا داخليًا مفيدًا، أو قد يغريهم ضعف أو انشغال خصومهم فيستغلون الوباء لزعزعة استقرار أهدافهم المفضلة، أو خلق وقائع جديدة على الأرض. ورغم ذلك فإنّه في وجود القوة المستمرة المثبّتة للاستقرار، وهي الأسلحة النووية والتحديات المشتركة التي تواجه جميع اللاعبين الرئيسيين، فإن إمكانية حدوث اضطراب دولي أقل احتمالًا من حدوث اضطراب محلي.

وستتعرَّض البلدان الفقيرة ذات المدن المزدحمة وأنظمة الصحَّة العامَّة الضعيفة لضربة قوية، ليس فقط على مستوى التباعد الاجتماعي ولكن حتى على مستوى النظافة الصحية البسيطة مثل غسل الأيدي، الذي هو أمر في غاية الصعوبة في البلدان التي لا يحصل فيها الكثير من المواطنين على المياه النظيفة بشكل منتظم. وكثيرًا ما جعلت هذه الحكومات الأمور أكثر سوءًا بدلًا من تحسينها عمدًا، سواء عن طريق التحريض على التوترات الطائفية وتقويض التماسك الاجتماعي، أو ببساطة بسبب انعدام الكفاءة. فقد تسببت الهند على سبيل المثال في إضعاف نفسها بإعلانها إغلاقًا مفاجئًا على مستوى البلاد دون التفكير في العواقب المترتبة عن ذلك على عشرات الملايين من العمال المهاجرين الذين يتجمَّعون في كل مدنها الكبرى، فقد ذهب الكثيرون إلى منازلهم الريفية ناشرين المرض في جميع أنحاء البلاد، وبمجرد أن عكست الحكومة موقفها وبدأت في تقييد الحركة، وجد عدد كبير منهم أنفسهم محاصرين في المدن دون عمل أو مأوى أو رعاية.

وكما كان النزوح النَّاجم عن تغيُّر المناخ يشكّل بالفعل أزمة بطيئة الحركة تختمر في الجنوب العالمي، فإنّ الجائحة ستؤدي إلى تفاقم آثارها، جاعلة عددًا كبيرًا من السكان في البلدان النامية يعيشون وضعًا أقرب إلى الكفاف. لقد حطَّمت هذه الأزمة آمال مئات الملايين من الناس في البلدان الفقيرة الذين استفادوا من عقدين من النمو الاقتصادي المستدام، وسينمو الغضب الشعبي، ذلك أن تحطم التوقعات المتزايدة للمواطنين هو في النهاية وصفة كلاسيكية للثورة. وسوف يسعى اليائسون إلى الهجرة، وسيستغل القادة الديماغوجيون الموقف للاستيلاء على السلطة، وسيغتنم السياسيون الفاسدون الفرصة لسرقة ما يمكنهم سرقته، وستقوم العديد من الحكومات إما بتشديد الخناق على مواطنيها أو الانهيار. وفي أثناء ذلك، ستقابل موجة جديدة من محاولات الهجرة من جنوب الكرة الأرضية إلى شمالها بتعاطف أقل ومقاومة أكبر هذه المرة، حيث سيكون اتهام المهاجرين بجلب المرض وإحداث الفوضى أمرًا معقولًا أكثر هذه المرة.

وأخيرًا، لا يمكن التنبؤ بظهور ما يسمى بحكم التعريف بالبجعات السوداء**، لكن من المرجح أن ينظر المرء بشكل متزايد إلى أبعد من ذلك، فقد عززت الأوبئة السابقة الرؤى حول نهاية العالم، وظهور النزعات والأديان الجديدة التي نشأت في ظل وجود القلق الشديد الناجم عن المكابدات الطويلة الأمد، ويمكن اعتبار الفاشية في الواقع، إحدى هذه النزعات، فقد انبثقت عن العنف والاضطراب اللذين ولّدتهما الحرب العالمية الأولى وآثارها الكارثية. كما أن نظريّات المؤامرة التي كانت تزدهر عادة في أماكن مثل الشرق الأوسط، حيث كان الناس العاديون مستضعفين ويشعرون بالعجز، أصبحت تنتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء البلدان الغنية أيضًا، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى البيئة الإعلامية المتصدعة التي تسببها الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ من المرجح أن توفر المعاناة المتواصلة مادَّة دسمة يستغلها الديماغوجيون الشعبويون.

أم إلى ديمقراطية قادرة على الصمود؟

ومع ذلك، وكما لم يؤدِّ الكساد العظيم إلى الفاشية فحسب، بل إلى إعادة تنشيط الديمقراطية الليبرالية، فإن هذا الوباء قد يؤدي إلى بعض النتائج السياسية الإيجابية أيضًا، لقد تطلَّب الأمر في كثير من الأحيان مثل هذه الصدمة الخارجية العظيمة لخروج الأنظمة السياسية المتصلبة من سباتها، وخلق الظروف المناسبة للإصلاح الهيكلي الذي طال انتظاره، ومن المرجَّح أن يتكرر هذا النمط مرة أخرى، على الأقل في بعض الأماكن.

فللتعامل مع الوباء تحبِّذ الوقائع العملية عنصري الاحترافية والخبرة، أمّا الديماغوجية وعدم الكفاءة فينكشفان بسهولة، ويجب أن يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى تأثير مفيد في عمليّة الانتقاء، بمكافأة السياسيين والحكومات التي تصرفت بشكل جيد، ومعاقبة تلك التي تصرّفت بشكل سيئ. فعلى سبيل المثال حاول الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو Jair Bolsonaro الذي قام بإفراغ المؤسسات الديمقراطية في بلاده بشكل مستمر في السنوات الأخيرة- الالتفاف خلال الأزمة وهو الآن يتخبط ويترأس كارثة صحية، كما حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين Vladimir Putin التقليل من أهمية الوباء في البداية، ثم ادعى أن روسيا سيطرت عليه، ولكنه سوف يغيِّر نبرته مرة أخرى مع انتشار كوفيد 19 في جميع أنحاء البلاد، لقد كانت شرعية بوتين تضعف بالفعل قبل الأزمة، وربما تسارعت هذه العملية الآن.

لقد سلَّط الوباء ضوءًا قويًّا على المؤسسات الموجودة في كل مكان، وكشف عن أوجه القصور والضعف فيها، كما عمَّقت الأزمة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، شعوبًا ودولًا، وستزداد أكثر اثناء فترة الركود الاقتصادي الممتد. ولكن إلى جانب المشكلات، كشفت الأزمة أيضًا عن قدرة الحكومة على توفير الحلول بالاعتماد على الموارد الجماعية في هذه العملية، يمكن للإحساس الذي لازال قائما “لوحدنا سويَّة” “alone together”أن يعزٍّز التضامن الاجتماعي، ويدفع نحو عملية تطوير حماية اجتماعية أكثر سخاء، تمامًا كما حفَّزت المعاناة القومية المشتركة في الحرب العالمية الأولى والكساد على نمو دول الرفاه Welfare State في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.

وقد تُخمد تلك الأشكال المتطرفة من النيوليبرالية إيديولوجية السوق الحرة التي ابتكرها اقتصاديو جامعة شيكاغو مثل جاري بيكر Gary Becker وميلتون فريدمان Milton Friedman وجورج ستيجلر George Stigle، فقد وفَّرت مدرسة شيكاغو خلال الثمانينيات تبريرًا فكريًا لسياسات الرئيس الأمريكي رونالد ريغان Ronald Reagan، ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر Margaret Thatcher، الذين اعتبرا الحكومة الكبيرة المتدخلة intrusive government عقبة أمام النمو الاقتصادي والتقدم البشري، والواقع أنه كانت هناك أسباب وجيهة في تلك الفترة لتقليص العديد من أشكال الملكية والتنظيم الحكوميين، لكن هذه الحجج تصلَّبت لتتحوّل إلى ديانة ليبرالية، مُرسِّخة العداء لعمل الدولة في جيل من المثقفين المحافظين، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكيّة.

ونظرًا لأهمية الإجراءات القوية التي تتخذها الدولة لإبطاء الوباء، سيكون من الصعب ان نزعم كما فعل ريغان في خطاب تنصيبه الأوّل بأن “الحكومة ليست الحل لمشكلتنا.. الحكومة هي المشكلة”، ولن يتمكن أي شخص من تقديم حجة معقولة بأن القطاع الخاص والعمل الخيري يمكن أن يحلَّا محلَّ دولة مختصة أثناء حالة طوارئ وطنية، وخير مثال على الفرق الهائل بين الحالتين هو إعلان جاك دورسي Jack Dorsey، الرئيس التنفيذي لشركة Twitter في شهر نيسان/أبريل، أنَّه سيساهم بمليار دولار للإغاثة من كوفيد 19، وهو عمل خيري استثنائي، لكنه أقلّ بكثير من مبلغ 2.3 تريليون دولار الذي خصّصه الكونجرس الأمريكي في نفس الشهر لدعم الشركات والأفراد المتضررين من الوباء. ورغم أن مناهضة الدولة قد تطول بين المحتجين على الإغلاق، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يثقون في نصائح خبراء الصحة الحكوميين في التعامل مع الأزمة، وهذا يمكن أن يزيد من الدعم للتدخلات الحكومية لمعالجة المشاكل الاجتماعية الرئيسية الأخرى.

كما قد تشجّع الأزمة في نهاية المطاف على تجديد التعاون الدولي، وبينما يلعب الزعماء الوطنيون لعبة إلقاء اللوم فيما بينهم، يعمل العلماء ومسؤولو الصحة العامة في جميع أنحاء العالم على تعميق شبكاتهم وروابطهم، وحتى إذا أدى انهيار التعاون الدولي إلى كارثة وحُكم عليه بالفشل، فإن الحقبة التي تلي ذلك قد تشهد التزامًا متجددًا بالعمل متعدد الأطراف لتعزيز المصالح المشتركة.

لا ترفع سقف آمالك

لقد كان الوباء بمثابة اختبار إجهاد سياسي عالمي a stress test وستخرج منه البلدان ذات الحكومات القادرة والشرعية بشكل جيد نسبيًا، وقد تتبنى إصلاحات تجعلها أقوى وأكثر مرونة، مما يسهِّل أداءها المتفوق في المستقبل، أما البلدان ذات القدرات الحكومية الضئيلة أو ذات القيادة الضعيفة فستكون في مأزق، وعرضة للركود، إن لم يكن لتفشي الفقر وعدم الاستقرار، والمشكلة هي أن المجموعة الثانية أكبر بكثير من المجموعة الأولى.

والمؤسف في الأمر أن اختبار الإجهاد هذا كان صعبًا للغاية لدرجة أنه من المحتمل أن لا يجتازه سوى عدد قليل جدًا، فللتعامل مع المراحل الأولية للأزمة بنجاح، لم تكن البلدان بحاجة إلى الحكومات القادرة والموارد الكافية فحسب، بل إلى قدر كبير من التوافق الاجتماعي، والقادة الأكفاء الذين بثوا الثقة في أوساط شعوبهم. وقد لبت كوريا الجنوبية هذه الحاجة، بتفويضها إدارة الوباء إلى جهاز إداري صحي محترف، وهو ما فعلته أيضا رئيسة وزراء ألمانيا أنجيلا ميركل، ومع ذلك فإن الأكثر شيوعا بكثير هي تلك الحكومات التي قصرت بشكل أو بآخر. وبما أنه سيكون من الصعب أيضًا إدارة ما تبقى من الأزمة، فإنه من المرجح أن تستمر هذه الاتجاهات القوميّة، مما يجعل التفاؤل بشكل أكبر أمرًا صعبًا.

وهناك سبب آخر يدعو للتشاؤم يتمثّل في كون السيناريوهات الإيجابية تفترض نوعًا من الخطاب العام العقلاني والتعلم الاجتماعي، في حين أن الصلة بين الخبرة التكنوقراطية والسياسة العامة أضعف اليوم مما كانت عليه في الماضي عندما كانت النخب تتمتع بسلطة أكبر، فقد أدى إضفاء الديمقراطية على السلطة التي حفزتها الثورة الرقمية إلى تسوية التسلسل الهرمي للمعرفة إلى جانب التسلسلات الهرمية الأخرى، وأصبح اتخاذ القرار السياسي الآن مُدجَّجًا بالثرثرة، وهذه بالكاد بيئة مثالية لمراجعة جماعية بنّاءة للذّات، ومع ذلك قد تبقى بعض الأنظمة السياسية غير راشدة لفترة أطول مما يمكنها أن تظل قادرة على حلحلة الوضع.

الصلة بين الخبرة التكنوقراطية والسياسة العامة أضعف اليوم مما كانت عليه في الماضي عندما كانت النخب تتمتع بسلطة أكبر

المتغير الأكبر في المشهد هو الولايات المتحدة، وقد كان سوء حظ البلاد الوحيد أن يكون الزعيم الأقل كفاءة والأكثر إثارة للانقسام في تاريخها الحديث في دفة القيادة عندما حلت هذه الأزمة، ولم تتغير طريقته في الحكم حتى تحت الضغط، فبعد أن أمضى ترامب ولايته في حالة حرب مع الدولة التي يترأسها، لم يكن قادرًا على توسيع ولايته بشكل فعال عندما اقتضى الوضع ذلك، وبعد أن رأى بأن أفضل ما يخدم ثرواته السياسية هو المواجهة والضغينة بدل الوحدة الوطنية، راح يستخدم الأزمة لافتعال النزاعات، وزيادة الانقسامات الاجتماعية. ورغم أن ضعف الأداء الأمريكي خلال الوباء يعود إلى عدة أسباب، إلا أنّ أهمها هو فشل زعيم وطني في القيادة.

وإذا ما منح الرئيس ولاية ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر، فإن فرص انبعاث الديمقراطية بشكل أوسع أو النظام العالمي الليبرالي ستتضاءل، ومع ذلك فإنه ومهما كانت نتيجة الانتخابات فإن من المرجح أن يبقى الاستقطاب العميق في الولايات المتحدة، كما أن إجراء انتخابات أثناء الوباء سيكون عسيرًا، وستكون هناك حوافز للخاسرين الساخطين لتحدي شرعيتها. وحتى وإذا حكم الديمقراطيون البيت الأبيض وغرفتي الكونجرس معًا، فإنهم سيرثون دولة في حالة من الضعف، وستواجه المطالب بالفعل جبالًا من الديون والمقاومة الشديدة من بقايا المعارضة، وستكون المؤسسات الوطنية والدولية ضعيفة ومترنحة بعد سنوات من الانتهاك، وسوف يستغرق الأمر سنوات لإعادة بنائها – هذا إذا كان ذلك لا يزال ممكنًا على الإطلاق.

ومع المرحلة الأكثر إلحاحًا ومأساوية من ماضي الأزمة، يتجه العالم نحو عمل مضني وطويل ومحبط. سيخرج منه في النهاية، مناطق أسرع من الأخرى، ولكن من غير المرجح أن تحدث اضطرابات عالمية عنيفة، فقد أثبتت الديمقراطية والرأسمالية والولايات المتحدة جميعها، من قبل، أنها قادرة على التحول والتكيف، لكنها ستحتاج إلى سحب أرنب من القبعة مرة أخرى.

هوامش:

* نماذج التعافي الاقتصادي المذكورة: الشكل الذي يأخذ حرف  (V)يعني أن حدوث ارتفاع وتحسن سريع بعد بلوغ ذروة الركود الاقتصادي. النموذج الذي يأخذ شكل حرف (W) حيث يتعافى الاقتصاد بشكل سريع من الركود ولكن لا يستمر طويلا وتنتكس المؤشرات الاقتصادية مرة أخرى وتدخل في حالة تراجع كبير من جديد، أما النموذج الثالث للتعافي الاقتصادي يأخذ شكل حرف (W) حيث يتعافى الاقتصاد بشكل سريع من الركود ولكن لا يستمر طويلًا وتنتكس المؤشرات الاقتصادية مرة أخرى وتدخل في حالة تراجع كبير من جديد (المترجمة).

** نظرية البجعة السوداء (Black Swan Theory): نظرية تشير إلى عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث النادرة وكأنها مستحيلة الحدوث. أخذت النظرية اسمها من طائر البجع، حيث كان الاعتقاد سائدًا أن كل طيور هذا النوع لونها أبيض، حتى تم اكتشاف البجع الأسود في غرب أستراليا في القرن الثامن عشر.

حتى يأخذ حدث ما صفة البجعة السوداء، يجب أن يكون مفاجئًا غير قابل للتوقع وله تأثير كبير، وبعد وقوعه تظهر التفسيرات التي تعتبِره قابلاً للتوقع. من الأمثلة على أحداث البجعة السوداء اختراعات الحاسوب والإنترنت وهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

وصف النظرية الباحث اللبناني نسيم نقولا في كتابه “البجعة السوداء” (The Black Swan) عام 2007، إلا أن أول من استخدم المصطلح كان الاقتصادي جون ستيوارت ميل في القرن التاسع عشر عند حديثه حول تحديد التزييف (المترجمة)

 الترا صوت

——————————-

سوريا:كورونا خارج السيطرة..وندرة الأكسجين وأسرة المستشفيات

حذرت منظمة “Save The Children”، من أن جائحة فيروس كورونا لا تزال خارج السيطرة في سوريا، مع نقص حاد ومزمن في المياه وأجهزة الأكسجين وأسرة المستشفيات خاصة شمالي غرب البلاد.

وقالت المنظمة إن الإصابات تضاعفت بمعدل أربع مرات خلال شهرين، إذ أن عدد حالات الإصابة في شمالي غرب سوريا خرج عن السيطرة، في وقت تمّت فيه إضافة 4 أجهزة تنفس فقط و64 سريراً لوحدة العناية المركزة منذ آذار\مارس 2020، ليصل المجموع إلى 157 جهاز تنفس و 212 سريراً.

وفي تقريرها الذي نشرته مؤخراً قالت المنظمة إن عدد الحالات المؤكدة إصابتها بفيروس كورونا تجاوز 40 ألف حالة، مع تسجيل 1355 حالة وفاة رسمياً، وأكثر من 10 ألاف حالة في منطقة شمالي غرب البلاد لوحدها، و8100 في الشمال الشرقي، علماً أن الأرقام ربما تكون مختلفة عن الواقع بظل عدم كفاية الاختبارات ونقص الإمدادات الطبية.

وتبلغ الأرقام الرسمية بمناطق سيطرة النظام، 11616 مصاباً و723 وفاة، وهي أرقام مشكوك فيها، حيث تتجاوز الحصيلة الحقيقة للإصابات الأرقام المعلنة بشكل كبير وفقاً لتقارير صحافية.

 وبحسب إحصائية قدمها فريق “منسقو استجابة سوريا”، وصلت نسبة الإصابة في المخيمات إلى أكثر من 10 في المئة من مجموع الإصابات المسجلة في المنطقة، بعد أن تجاوزت أعداد الإصابة 17.7 ألف حالة، حسب إحصائية الفريق الصادرة في 8 كانون الأول\ديسمبر 2020.

واعتبرت مديرة الاستجابة لسوريا في المنظمة سونيا كوش أن “جميع الأسباب متوفرة لاعتبار أن الوضع أسوأ بكثير مما تخبرنا به الأرقام، لاسيما أن جميع البيانات المتوفرة لدينا تشير إلى أن أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد تتزايد بسرعة أكبر بكثير من القدرة المحدودة لقطاع الصحة في سوريا”.

وأضافت كوش أنه “حتى البلدان التي لديها أكثر أنظمة الرعاية الصحية تقدماً، فهي تكافح من أجل ضبط الزيادة الأخيرة في الحالات”، مشيرة إلى واقع “العائلات النازحة في مخيم مكتظ دون إمكانية الحصول على العلاج أو الحماية، والذين لا يعرفون ما إذا كانوا سيهربون من الأعمال العدائية المستمرة أو يجدون الحماية من الجائحة المتفشية”.

ودعت المنظمة الدول المانحة إلى زيادة تمويلها للأسر المحتاجة في شمالي غرب البلاد، حيث تكافح الجائحة وظروف الحرب المستمرة في منطقة شهدت عقداً من الصراع والدمار، للسماح للأطفال بالعودة الآمنة إلى التعليم، واستمرار الوصول إلى السكان من خلال آلية الأمم المتحدة عبر الحدود.

وفي نهاية حزيران/يونيو 2020، حذرت منظمة الصحة العالمية من مخاطر تفشي أوبئة جديدة في سوريا، بسبب انخفاض الإقبال على تطعيم وتلقيح الأطفال المرتبط بالمخاوف من انتشار فيروس كورونا والقيود المفروضة على الحركة في البلاد.

المدن

——————————-

كورونا خارج السيطرة في سوريا”.. بيانات متباينة ونقص في الأكسجين والأسرة

في ظل التشكيك بالأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة السورية بخصوص عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد، وعدم كفاية الاختبارات، يبدو أنّ المستشفيات وصلت إلى مرحلة الخطر بعد نقص حاد في الأكسجين وغياب للأسرة الشاغرة.

أرقام متباينة

وفي معدل دون المئة إصابة يومياً تعلن وزارة الصحة مستجدات الجائحة في البلاد، معلنة عن تسجيل 95 إصابة جديدة بالفيروس، أمس الجمعة، بينهم “25 في دمشق، 18 في طرطوس، 15 في حمص، 15 في اللاذقية ما يرفع العدد الإجمالي إلى 12179.

في المقابل، حذرت منظمة “Save The Children”، في تقرير لها، من أنّ جائحة فيروس كورونا لا تزال خارج السيطرة في سوريا، التي تعاني من نقص حاد في أسرة المستشفيات، المياه، والأكسجين، لاسيما شمالي غرب البلاد، حيث تضاعفت معدلات الإصابة بمعدل أربع مرات في شهرين.

وتجاوزت عدد الحالات المؤكدة 40 ألف حالة، مع تسجيل 1355 حالة وفاة رسمياً، وأكثر من 10 ألف حالة في منطقة شمال غربي سوريا وحدها، و 8100 في الشمال الشرقي، علماً أنّ الأرقام قد تكون مختلفة تماماً عن الواقع في ظل عدم كفاية الاختبارات ونقص الإمدادات الطبية، بحسب المنظمة

كما كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، الأحد الماضي، أنّ الأعداد الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا في مناطق النظام تجاوز 133 ألفا، توفي منهم 8400 شخص، فيما تبلغ الأرقام الرسمية 11616 مصابا و723 وفاة.

واتهم المرصد النظام السوري بالتستر على الأعداد الحقيقية للإصابات والوفيات ضمن مناطق سيطرته.

ازدياد الحالات ونقص الإمدادات

ووفقاً للمنظمة، تضاعف عدد المصابين بمعدل أربع مرات بين 1 نوفمبر و31 ديسمبر من العام 2020، في وقت لم تتوفر سوى أربعة أجهزة تهوية، و64 سريراً لوحدة العناية المركزة في المنطقة، ليصل المجموع إلى 157 جهازاً و212 سريراً.

واعتبرت مديرة الاستجابة لسوريا في “Save The Children”، سونيا كوش، أنّ “جميع الأسباب متوفرة لاعتبار أنّ الوضع  أسوأ بكثير مما تخبرنا به الأرقام، لاسيما أنّ جميع البيانات المتوفرة لدينا تشير إلى أنّ  أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد تتزايد بسرعة أكبر بكثير من القدرة المحدودة لقطاع الصحة في سوريا”.

الشتاء طويل

وأضافت كوش أنّه “حتى البلدان التي لديها أكثر أنظمة الرعاية الصحية تقدماً، فهي تكافح من أجل ضبط الزيادة الأخيرة في الحالات”، مشيرة إلى واقع  “العائلات النازحة في مخيم مكتظ دون إمكانية الحصول على العلاج أو الحماية، والذين لا يعرفون ما إذا كانوا سيهربون من الأعمال العدائية المستمرة أو يجدون الحماية من الجائحة المتفشية”.

وختمت بالقول “أثر الجائحة والفقر سيجعلا من هذا الشتاء طويلاً للأسر المستضعفة داخل مخيمات النزوح”، داعية أطراف النزاع إلى “وقف شامل للأعمال العدائية وضمان قدرة  العاملين في المجال الإنساني على الاستجابة لمتطلبات الجائحة”.

بدورها، قالت نادين (من محافظة إدلب) إنه “أمر لا يطاق أنّ تمر الساعات بينما تكافح والدتك من أجل التنفس، وأنت تعلم أنك لا تستطيع فعل أي شيء”.

هذا وتحدث المرصد السوري، في وقت سابق، عن وفاة 172 طبيبا عام 2020 في مناطق سيطرة النظام السوري متأثرين بإصابتهم بفيروس كورونا، بالإضافة إلى تسعة أطباء ضمن مناطق نفوذ الجماعات المتصارعة في سوريا.

وقال المرصد إن وفاة هذا العدد الكبير من الأطباء جاءت في الوقت الذي تعاني فيه المحافظات السورية من قلة الكوادر الطبية، بسبب هجرة “عدد كبير” من الأطباء والعاملين في قطاع الصحة إلى خارج البلاد.

وقال المرصد إنه “وثق وفيات الأطباء بفيروس كورونا بالأسماء”، مضيفا أن هناك 7 أطباء توفوا في مناطق الفصائل وهيئة تحرير الشام، وطبيبان توفيا في مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية.

تحذيرات دولية

وفي نوفمبر الماضي، قالت منظمة العفو الدولية إن النظام السوري فشل في اعتماد إجراءات للحد من انتشار فيروس كورونا، أو توفير معلومات شفافة عن مدى انتشار المرض في البلاد أو إنشاء نظام فعال للفحوص، كما أنه فشل بتوفير الحماية للكوادر الطبية.

وقالت المنظمة إن أهالي المرضى اضطروا إلى استئجار غرف خاصة لمرضاهم بعد أن رفضت المستشفيات العامة استقبالهم بسبب نقص الأسرة، كما أن العديد من المرضى دفعوا رسوما باهظة لاستئجار عبوات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي.

وفي نهاية يونيو الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من مخاطر تفشي أوبئة جديدة في سوريا، بسبب انخفاض الإقبال على تطعيم وتلقيح الأطفال المرتبط بالمخاوف من انتشار فيروس كورونا والقيود المفروضة على الحركة في البلاد.

السوريون في لبنان.. ضحايا للعنصرية والاستغلال السياسي والأفعال الشائنة

حين بدأ اللجوء السوري إلى لبنان عام 2011 هرباً من العنف الممارس من قبل النظام بحق مواطنيه، انقسم المجتمع اللبناني بين مُرحب ورافض. لكل فئة اعتباراتها التي غالباً ما تكون مبنية على موقف سياسي أو طائفي وهو الشائع في لبنان، وقلة قليلة كان موقفها نابع من منطلقات إنسانية بحتة بلا حسابات سياسية أو غيرها.

الحرة – دبي

—————————-

=====================

تحديث 11 كانون الثاني 2021

———————————

حكايات عن “فايزر”: شعرية المصادفة ومُعجزة رأس المال/ عمّار المأمون

أنقذت شركة “فايزر” للدواء البشريّة مرتين، الأولى عام 1989 والثانية عام 2019، في كلا التاريخين كان هناك “مرضٌ” لا مرئيّ يُهدد حياة الناس، وبصورة أدق، يهدد استمرارهم وقدرتهم على البقاء.

ونستخدم هنا عبارة “أنقذت البشريّة” من وجهة نظر حكائيّة، مفترضين أن هناك خَطراً يُهدد “الجميع”، وقد ينسف “وجودهم” وينفي “أشباههم” من العالم، وفي المقابل هناك جهة، فرد أو مؤسسة، هي “فايزر” في حالتنا، قادرة على تقديم حلٍ أو صيغة سحرية من أجل إنقاذنا.

لا تهمنا العمليّة الحرفيّة لإنتاج الدواء في هذه القراءة، بل مكونات الحكاية الشعبيّة إن صح التعبير وهي: مرض خفيّ، خطر مهيمن، هلع جماهيري، حلّ سحريّ. يُقدم العِلم نفسه عبر هذه الحكايات بصورة مُبسّطة ذات خصائص أسطوريّة في بعض الأحيان، ما يمكّن “الجميع” من تداولها وتناقلها بعيداً من الحيثيات والتفاصيل، والأهم أن هذه الحكاية تتبناها السلطة لاحقاً، المسؤول الأوّل عن صحّة الأفراد.

حكايات ما قبل “فايزر”

بالعودة إلى “فايزر”، الحكاية الأولى هي اكتشاف “الفياغرا”، ذات الهالة السحريّة، تلك الحبة الزرقاء القادرة على “علاج” ضعف الانتصاب لدى الذكور، والتي فتحت باباً جديداً في العلاقة مع الطبيب. هذه الحبّة، وقفت بوجه مرضٍ صامتٍ، أعراضه الآنيّة الخجل، الإحراج، والعنف أحياناً، وتلك التي على المدى الطويل، تتمثل بتهديد القدرة على “التكاثر” والاستمرار.

المثير للاهتمام في حكاية اكتشاف الفياغرا هي المصادفة، فبينما كان العلماء والأطباء عام 1989 يطورون دواء لعلاج ضغط الدم المرتفع، لاحظوا أن واحدة من التركيبات الدوائيّة التي استخدموها، تزيد تدفق الدماء في القضيب الذكري، وإثر هذه المصادفة، ظهرت حبة الفياغرا، سلاح الرجل الخفيّ ومحقق أحلامه برهز لا نهائي.

حكاية الفياغرا تنتمي إلى تقاليد الحكاية العلميّة أو حكايات الاكتشافات العلميّة، تلك التي تظهر ضمنها المصادفة كعنصر سابق على لحظة الاكتشاف، هذه المصادفة إما خارج سياق البحث العلميّ ومختبراته، كحالة اكتشاف الجاذبيّة الأرضيّة، والتفاحة التي سقطت وألهمت نيوتن، أو مصادفة ضمن سياق العلم، كما حصل مع البنسلين، إذ سها ألكسندر فلامنغ عام 1929 في مختبره، وعاد لاحقاً لملاحظة عفن فطر البينلسوم.

يمكن التنويع إلى ما لا نهايّة في حكايات المصادفة ومكونتها، لكن ما يتشابه هو تلك الهالة التي تحيط بالاكتشاف العلميّ، بوصفه موجوداً في الطبيعة، وعلينا رصده وحسب، هذا الرصد قد يكون خارج سياق البحث العلمي بأكمله، لكن “عين” الباحث الخبيرة هي ما تجعله ممكناً، كونه يحدّق في المصادفة، ويفسّرها “علمياً”.

الأبطال الخارقون يواجهون أزمة، فهل أنهى فايروس “كورونا” عهد الأبطال الأفراد، هذا السؤال يطرحه نواه بيرلتسكي في مقالة في “الغارديان”، وفيه نكتشف أن المتخيلات التي قدمت في الصناعة الثقافيّة عن الأفراد المُنقذين أصحاب القوة والبداهة غير مجدية

حكاية اللقاح بحسب “فايزر” مثيرة للاهتمام، إذ رفضت الشركة بداية التمويل الفيدراليّ، كما أن الشركتين كانتا على يقين بأن “الأمر ليس رهاناً، بل اكتشاف، فكل ما يقع تحت أيديهم جديد” بحسب كاثرين جانسون الباحثة في شركة “فايزر”، أي أن هناك منهجيّة علميّة واكتشافاً مرافقاً لها لم يأتيا مصادفةً، بل إثر عملية طويلة كانت ترتبط بتطوير لقاح للإنفلونزا.

استُبدلت المصادفة في حالة لقاح “كورونا” بالقرار التنفيذيّ، إذ يقول ألبيرت بورلا المدير التنفيذي لـ”فايزر” ورجل الأعمال، إنه يؤمن بثلاثة أشياء أنتجت اللقاح “قوّة العلم، الشركات الخاصة، والمعجزة التي تنشأ من اتحادهما”.

تثير هذه الكلمات القشعريرة حين ينطقها بورلا، خلاص البشريّة نتاج مُعجزة رأسماليّة تقودها الشركات الخاصة العابرة للقارات، لا العبقرية الفرديّة والهوس والتصميم والمصادفات المرتبطة بهما، أي لا مكان للعبقريّة الفرديّة بل المغامرة الرأسماليّة.

هذه النقلة من العبقريّة الفرديّة/ المصادفة إلى سطوة رأس المال وقراراته الحيويّة ورهاناته، ترتبط بالصناعة الدوائية نفسها، إذ شجعت الحكومة الأميركيّة الشركات الدوائيّة على إنتاج البنسلين بكميات صناعيّة، لكن في حالة الفياغرا، سلطة “فايزر” بقيت الأقوى، وللحفاظ على حصتها المهيمنة في السوق، أنتجت بديلاً أرخص عن الفياغرا، باسم Sildenafil، بنصف ثمن الحبة الزرقاء.

ثلاثة أشياء أنتجت اللقاح “قوّة العلم، الشركات الخاصة، والمعجزة التي تنشأ من اتحادهما”.

الأهم ولأن العالم حينها كان أقل جنوناً، تبنت السلطة ورجالاتها الفياغرا في مواجهة ضعف الانتصاب، إذ ظهر بوب دول الذي ترشح للرئاسة بمواجهة بيل كلينتون في إعلان للفياغرا عام 1998، ليفتح باب الجدل، وينتصر للعلم، ويكسر الإحراج المرتبط بهذا المرض.

على النقيض، عام 2019، في زمنٍ الوباء فيه معروف، ومُحدد ولا خجل في الحديث عنه، ظهر دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأميركيّة، وشكك بداية بالمرض، ثم اقترح حلاً سهلاً ورخيصاً، شرب الكلور والمُبيض.

البطل الخارق VS المدير التنفيذي

حكايات العلم في القرن الماضي تراهن على الفرديّة، والشخص العبقري، أو صاحب القوى الخارقة القادر على إنقاذ الجميع، كأي بطل خارق، كابتن أميركا، بات مان، أيرون مان، الخلاص مصدره الفرد ومرتبط باسم شخص واحد، جورج بوش قاتل صدام حسين، أوباما قاتل أسامة بن لادن، وعلى النقيض، الأوبئة مصدرها الشركات الخاصة دوماً، كشركة “أمبريلا” كما في لعبة resident evil، والتي طورت الفايروس الذي حول الناس إلى موتى-أحياء.

أما في الألفية الجديدة، وفي قراءة معاكسة للمنطق السابق، الأبطال الخارقون يواجهون أزمة، فهل أنهى فايروس “كورونا” عهد الأبطال الأفراد، هذا السؤال يطرحه نواه بيرلتسكي في مقالة في “الغارديان”، وفيه نكتشف أن المتخيلات التي قدمت في الصناعة الثقافيّة عن الأفراد المُنقذين أصحاب القوة والبداهة غير مجدية، فلا أحد منهم قادر على إنقاذنا من الوباء، ثم السلطة الأقوى في العالم، نصح رأسها بشرب الكلور، وهنا تظهر “فايزر” كبشارة للعصر الجديد، حيث لا مكان للفردانيّة، ولا للمصادفة، “الشركة” تمتلك الحلّ، أما “المعجزة” فليست سوى قرار تنفيذي، المسؤول عنه الـCEO.

درج

سيكولوجيا الأوبئة في سورية/ سوسن جميل حسن

ليس الوباء الأول في تاريخ البشرية، ولن يكون الأخير. دائمًا هناك ناجون عايشوا الوضع بأعتى حالاته، وحملوا الآثار الرهيبة النفسية والاجتماعية، وعلى مدى أجيال، كانت بواسطتها تتناقل الذاكرة المؤلمة من جيل إلى آخر، عن طريق السرديات الشفهية أو الأمثال أو العادات التي أحدثها الوباء في سلوك الأفراد والجماعات، وعن طريق الأدب والفن. فالأوبئة مثل الحروب والكوارث الطبيعية، بما تشكّله من تحوّلات كبرى في طبيعة الحياة والمجتمعات، وبما تنتجه من قيم وأفكار وأنماط مختلفة للحياة الإنسانية، واهتمام الدارسين والباحثين في مجالات العلوم المختلفة، وبشكل خاص في العلوم الاجتماعية، أدّى إلى ما تسمى سيكولوجيا الأوبئة، مثلما هناك سيكولوجيا الحروب التي تهتم بقضية الانعكاسات النفسية التي تخلفها الحروب والكوارث في نفوس الأشخاص الذين يتعرّضون لها ويعانون منها، فكيف إذا اجتمعت الحرب مع الوباء، كما هو حاصل اليوم في سورية وغيرها من بلدان عربية؟ بل يمكن القول إنها سلسلة من القمع والتعذيب والسطو على الحياة، آخر حلقاتها كانت الحرب، ثم الوباء.

تعاني المجتمعات في الداخل السوري، وفي كل مناطقه، سواء الخاضعة للنظام أم الأخرى الواقعة تحت سيطرة قوى أخرى، محلية أو خارجية، من مشكلات تفوق التصور، لتناقضها البالغ مع قيم العصر التي يفترض أن تكون منصفةً ومتوفرةً لكل شعوب الأرض، عصر الحقوق الإنسانية. وإذا ما رصدنا سلوك الأفراد في تلك المجتمعات، فإننا نلمس أنماطًا منها جديرة بالتوقف عندها ودراستها. لكن العالم كله لم يكن على المستوى المطلوب من الجدّية والاهتمام بهذه الظواهر قبل كورونا، فكيف بعدها، وقد صار الوباء المتغوّل في حياة البشرية يزداد جبروتًا، ويهز أعتى العروش وأقواها في العالم؟ الوباء اليوم يكشف عن وجه آخر زيادة عمّا كشفته وعرّته الحرب خلال السنوات العشر، ممّا كان مخفيًّا تحت أقنعةٍ راكمتها عقود من القهر والتسلط والاستلاب، فتجلّت المشكلات البنيوية المتجذّرة في اللاوعي الجمعي، والتي جعلت النسيج المجتمعي مهترئًا سهل التمزق والتهتّك، وعدم الاعتراف بهذه المشاكل مكابرة لا تخدم القضايا بشيء، بل تعرقل محاولات العلاج والتعافي والنهوض.

أخطر ما مرّ على الشعب السوري هو الحرب النفسية، مدعومة بالضخ الإعلامي من كل الجهات المسيّسة، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تحطّم الشخصية، وتشيع فيها التحلل، فيضطرب سلوكها، وتصبح شخصيةً غير سويّة، ما يؤثر بشكل خطير على سلامة المجتمع وفعاليته، وهذا ما صار واضحًا في تعامل المجتمع، بغالبية أفراده مع مبادئ (وإجراءات) الوقاية من الوباء، على الرغم من أن انتشاره سريع، وضحاياه كثر، أمام أعين الجميع. النسبة العظمى من هؤلاء لا تكفّ عن التشكيك بالتصريحات الحكومية عن هذا الأمر حول عدد الإصابات اليومي إلى عدد الضحايا إلى التباهي بالإمكانات التي تقدّمها الحكومة، وعلى الرغم من ظروف الحرب والحصار الأميركي والأوروبي على سورية “الممانعة” التي تتعرّض لأكبر مؤامرة في العصر الحديث والمعاصر.

فقد الشعب السوري، في غالبيته، ثقته بالحكومة والنظام. وكذلك في المقلب الآخر، حيث تسيطر فصائل مرتهنة للخارج بقوة السلاح، وتفرض شرعها وأجنداتها على الساكنين، لكن هؤلاء الخاضعين لسيطرتها يعانون من المشكلات ذاتها والتسلّط والتشبيح عينهما والفقر والحرمان والاستغلال، كما لو أن كل الأرواح التي زهقت لم تغيّر شيئًا في حياتهم، بل على العكس ازدادت بؤسًا. ولكن هل يمكن قبول هذا السلوك غير المسؤول الذي يؤدي إلى كارثةٍ أخرى بحق هذا الشعب، بدعوى أن الناس فقدوا الاهتمام وشغف الحياة من شدّة المظالم والانتهاكات التي يتعرّضون لها؟ اللامبالاة والسلوك العبثي لا ينمّان عن عدمية فقط، بل ينمّان عن انهيار منظومة القيم والأخلاق والمعرفة والوعي. في تعريض صحة الآخرين للخطر، بحجّة أنني لم أعد آبه بالموت، طالما الحياة لا تكفّ عن قضم روحي وبطني وجسدي، حدّ كبير من الأنانية وعدم الإحساس بالجماعة الإنسانية، ولكن الانزياح الأخلاقي والقيمي وانحدار الوعي كانا قد بلغا الذروة قبل الوباء، بسبب عشر سنوات من الجحيم السوري، أدّت إلى ترسّخ ملامح المجتمع العميق وإشهاره من دون مواربة، فما كان مستبطنًا تحت قشرة الواقع من تغلغل النسغ الحامل موروثا صاغ هويّة عميقة متشبثة بروح المجتمعات، كشفته الحرب وعرّته بالكامل أزمة كورونا.

يوميًّا، هناك حفلات افتتاح محلات تجارية أو خدمية أو مطاعم أو مقاهٍ، في وقت تضرب المجاعة أطنابها بين حوالي 90% من الشعب، حفلات يتزاحم فيها الناس من دون ارتداء الأقنعة أو التباعد، تقام مبارياتٌ رياضيةٌ، ويغزو الجمهور المدرّجات متلاصقين يصرخون ويهتفون طول الوقت، حتى يتطاير من أفواههم رذاذٌ يمطر حقولًا واسعة، ثم يضرمون معاركهم بعد المباريات. المطاعم مفتوحة، المدارس تفتقر للحد الأدنى من مستلزمات العملية التربوية والتعليمية قبل كورونا. وازدادت، بعدها الأعراس والحفلات والتجمعات بكل طريقة، ولكل سببٍ يمكن أن يخطر على البال، والنتيجة أعداد كبيرة من المصابين ومن الضحايا. لكن الضحايا التي تدفع الثمن الأكبر هي عناصر القطاع الصحي، خصوصا الأطباء، في وقتٍ تعاني منه سورية من قلة الأطباء، بسبب الحرب التي إمّا هجّرتهم خارج البلاد، أو قذفت بهم إلى المواقع القتالية لتلبية نداء الواجب “الوطني”، ومن بقي يحصده وباء كوفيد – 19، والناس غير مبالين بكل هذا الكم من الموت.

المتابع لواقع الحياة السورية سوف تربكه الملاحظات التي تنسف معظم استقراءات (ومدونات) سيكولوجيا الأوبئة التي جهد الباحثون والمتخصصون في تشكيلها. فالعناوين العريضة التي استخلصتها الأبحاث لا تصحّ على الحياة السورية الموّارة بأنماط سلوكية مغايرة، فمقولة سقوط العقلانية الهشّة الناظمة للفعاليات اليومية تفيد بأن غالبية البشر قادرون على الحفاظ على قدرٍ من العقلانية في الفترات الهادئة من حياتهم، بمعنى أن هناك روتينًا يضبط إيقاع الحياة، وأن الأزمات من هذا النوع تهدم هذه القدرة، بدافع القلق والخوف، فإن السوري لم يملك ترف صياغة روتين لحياته منذ عقود، فلم يكن يحظى بحق اختراع حياته كما يريد من الأساس، حتى يؤسس لها روتينها الخاص. ثم نسفت الحرب ما بقي من حلمٍ في هذا المجال، وصارت حياة السوري في حالة تحوّلٍ دائمٍ من أجل التكيّف مع الشروط المتبدّلة الماشية نحو الانهيار. أما مقولة الخوف من العيش في المجهول الذي يفجّره الوباء في صدور الناس، ويجعلهم في حالة قلق وجودي، وخوف على حياتهم، وخوفهم من الآخر الذي سيجلب له العدوى، فإن السوري تجاوزه، منذ جاوره الموت بأشكالٍ لا تحصى، ولم يحتملها شعب قبل اليوم، والشك بالآخر ورفضه ومحاولة إقصائه عن مجال حياته الآمن، والذي لم يعد آمنًا، فقد استشرى واستباح حياة السوريين منذ بداية العقد الماضي، وباكرًا في عمر الانتفاضة التي تحوّلت إلى حرب.

وبالنسبة إلى الاضطراب والتذبذب بين الشك واليقين، بين الإيمان والإلحاد فقد أظهرته أيضًا سنوات الحرب، وأدّى العنف غير المسبوق الممارس بحق الشعب من قبل النظام، ومن كل أطراف الصراع، إلى تجذّر الانتماء الديني، والجنوح نحو بناء المواقف من السياسة والحياة وقضايا العيش من خلال الدين والشريعة ورأي المرشدين أو الفقهاء ومشايخ الدين. أكثر من ذلك، جرى الالتصاق المتين بجسد الجماعة، طائفيًا أو مذهبيًا أو قوميًا إلى درجة الإيمان. لكن يمكن القول إن هناك نزوعًا بدأ ينمو نحو اللادين، أو بمعنى أدق نحو الإلحاد، وهو من أشكال الإيمان بعقيدةٍ ما، لكن كورونا ليس السبب، بل سبقته الحرب وويلاتها وانسداد الأفق.

أما القول بالانجراف نحو الشائعات وتبنّي نظرية المؤامرة، فهو من أهم ملامح الأزمة السورية التي نادى بها قسم كبير من الشعب، ودعمه الخطاب الرسمي. لذلك صارت لدى الشعب السوري خبرة في هذا الأمر، وصار قادرًا، في غالبيته، على توسيع مدونته حول موضوع المؤامرة، ومنها جائحة كوفيد – 19 التي هي بالفعل مؤامرة كونية في رأيهم، وأن كورونا مفبركٌ في المخابر، والإعلام ضخّمه في لعبةٍ قذرةٍ من لعب الأمم الرامية إلى السيطرة على العالم. ولا يستبعد، بل من المؤكد، بالنسبة لبعضهم، أن تكون أميركا، ومن خلفها الصهيونية العالمية، خلفها، وليس اللقاح أكثر من سلعةٍ كانت مجهزة مسبقًا ليومٍ كهذا، باعتباره من أسلحة السيطرة الاقتصادية والمالية. ومن هذا المنطلق، اللقاح الذي هو ليس في متناول دول ضعيفة متهالكة تعضّ على بطنها مقاطعة كسورية، لا مبرّر له وغير مرحب به من كثيرين، وإن غريزة القطيع ماشيةٌ بعزم وحزم، عند شعبٍ لم يعرف إلى اليوم سياسة غيرها، أو أسلوب حياة مخالفا. إنها حياة القطيع الذي فطمته الأنظمة عليها، وباركها رجال الدين وسطوة الأعراف والثقافة الموروثة، فلا ضير من متابعة حياةٍ لا تشبه الحياة، همّها وغايتها الحصول على رغيف الخبز تحّدّيا مغوارا لغول العصر كورونا، والنوم بالاتكاء على تعويذة “سوريا الله حاميها”، بعد أن تحوّل الشعب، في غالبيته، إلى كائنات منطفئة.

العربي الجديد

—————————-

=====================

تحديث 13 كانون الثاني 2021

————————–

كورونا سوريا:اللقاح يصل للمعارضة في الربيع وللنظام في الخريف

في الوقت الذي باشرت فيه دول عربية ومجاورة لسوريا بتوزيع اللقاح أو تحديد موعد توزيعه، لايزال المشهد مبهماً حول موعد وصول اللقاح إلى سوريا إن كان إلى مناطق سيطرة النظام أو تلك التابعة للمعارضة السورية.

فدمشق تأمل أن تحصل على اللقاح الروسي “سبوتنيك7” مجاناً وفقاً لتصريحات أخيرة لوزير خارجية النظام فيصل المقداد الذي أعلن أن حكومته تتحاور مع موسكو من أجل توريد هذا اللقاح، مشيراً في حديث لوكالة “سبوتنيك” الروسية، إلى أن “الشعب السوري يثق باللقاحات الروسية أكثر من لقاح فايزر الأميركي”، معرباً في الوقت نفسه أن تحصل حكومته عليه مجاناً.

 وتوقعت تقارير دولية وصول اللقاح إلى سوريا أواخر 2021، وسيتم منح سوريا اللقاح عبر منصة “كوفاكس” التي وضعتها “الصحة العالمية”، والتي تضم قائمة الدول من فئة البلدان المنخفضة الدخل وعددها 92 دولة لتوزيع اللقاح عليها.

وقالت المديرة الإقليمية للإعلام في اليونسيف- مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الأردن جولييت توما ل”المدن”، إن اليونسيف تعمل مع منظمة الصحة العالمية وبالتعاون مع منصة كوفاكس والبنك الدولي على توفير اللقاحات للدول التي لا تستطيع توفيرها لسكانها ومن بينها سوريا عبر منصة كوفاكس.

وأضافت أنه “حتى هذه اللحظة لا يوجد موعد محدد لتوزيع اللقاح في سوريا، إذ أن كوفاكس تعاني من شح التمويل ومع ذلك تعمل جاهدة على توفير اللقاحات”، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن منظمة الصحة العالمية وافقت على لقاح واحد وهو لقاح “فايزر” الأميركي بانتظار موافقتها على اللقاحات الأخرى لتبيان ما هو اللقاح الذي سوف يتم توفيره لسوريا.

ومع تدهور الوضع الصحي في مناطق سيطرة النظام وفقاً لتقارير منظمات دولية وسط قفزة في نسب الإصابة بفيروس كورونا، تشهد الساحة الداخلية جدلاً حول اللقاح. وقال مصدر محلي ل”المدن”: “هناك تخبط في تصريحات المسؤولين عن القطاع الصحي بدمشق حول اللقاح، يبدو أن القرار سيكون سياسياً بالدرجة الأولى كونه تم استبعاد اللقاح الأميركي”.

وكانت حكومة النظام أقرت في جلستها الثلاثاء، “استجرار” لقاح ضد فايروس كورونا دون ذكر أي توضيح عن مصدره وكمياته وموعد وصوله.

أما عن الوضع في المناطق المحررة، فقال مدير البرامج الصحية في وزارة الصحة التابعة للحكومة السورية المؤقتة رامي كلزي ل”المدن”، إنه لا يوجد أفق واضح لموعد وصول اللقاح إلى المناطق المحررة “إلا أن هناك وعوداً أن يصلنا مع أواخر هذا الربيع للمناطق المحررة في إدلب وحلب”.

اضاف أن الدفعة الأولى ستغطي 20 في المئة من سكان تلك المناطق وستكون الأولوية لضعيفي المناعة، أصحاب الأمراض المزمنة، الكبار في السن والكادر الطبي والصحي وفق البروتوكلات العالمية المحددة في آلية توزيع اللقاح.

وقال كلزي إن التفاوض يجري مع الدول الداعمة لتوزيع اللقاح بوساطة منظمة الصحة العالمية، مشيراً إلى أن القائم بهذه العملية هو “فريق اللقاح السوري” بالتعاون مع وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة.

————————–

ما سر الموقف “الولائي” من اللقاح؟/ حازم الأمين

تحضر الأيديولوجيا حين يغيب العقل، لكن لم يسبق أن اصطدمت الأيديولوجيا على نحو مباشر وجلي مع منتج علمي شديد الوظيفية، فما الذي دها بعقلها هذه المرة؟

ثمة ما يجب أن يُفكَر به في علاقة حزب الله، ومن ورائه أهل ولاية الفقيه، باللقاح. فأمين عام حزب الله حسن نصرالله عندما قال أنه لن يأخذ اللقاح اذا كان من صنع أميركا، استبق الموقف الأكثر وضوحاً لمرشد الجمهورية في ايران علي خامنئي الذي عاد وأعلن أن ايران لن تستورد اللقاحات الأميركية والبريطانية، ولن تقبل بأن يكون مواطنوها مختبراً تجريبياً.

اذاً المسألة جزء من تصور قررت “ولاية الفقيه” فرضه على الإيرانيين، واقتراحه على اللبنانيين والعراقيين. هي فكرت به وقررته وصاغته في وجهة وخطاب، بدأه نصرالله في بيروت وثبته خامنئي في طهران. والبحث عن سر هذا القرار قد يكون مفيداً لنا نحن أبناء المجتمعات الخاضعة لخيارات ولاية الفقيه. ففي حيثيات الموقف الولائي من اللقاح انعدام هائل للمنطق وللعقل يملي التوقف عنده والبحث عن أسباب أخرى له. نصرالله قال أنه لن يأخذ دواء أميركياً. والرجل مُطاعٌ ومُقَلد، بالتالي فإن آلافاً من مُطيعيه سيحذون حذوه!

لكن شركة بفايزر الأميركية تنتج أيضاً معظم أدوية مرض السرطان، ومئات من أصناف الأدوية المتداولة في لبنان والتي لا بدائل لها، وهذه لم يدعو نصرالله لمقاطعتها! خامنئي أيضاً جانب الصواب عندما قال أن الشركات الأميركية والبريطانية تريد أن تختبر اللقاح على الإيرانيين قبل أن تبدأ بإعطائه لمواطني بلادها، ذاك أن التلقيح في بريطانيا وأميركا بدأ منذ أكثر من شهر، في حين من غير المتوقع أن يبدأ في ايران قبل الربيع المقبل!

اذاً ثمة قطبة مخفية في الموقف من اللقاح. مسار الحملة الولائية عليه ليس مصادفة، وهي حملة بدأت تجد لها أصداء على ضفاف أهل الولاية وفي محيطهم الأبعد. فها هو رئيس التيار الوطني الحر المسيحي اللبناني والمعاقب أميركياً، جبران باسيل يدعو إلى تنويع مصادر اللقاحات، علماً أن أحداً في لبنان لم يقترح حصر اللقاحات بجهة واحدة، فيصير افتعال الدعوة للتنويع من قبل الحليف غير الشيعي لولاية الفقيه، محاولة للتجاوب مع خيارات المقاطعة لمن يريدها. والأمر لم يقتصر على باسيل، فالآلة الإعلامية لمحور الممانعة بدأت بدورها ببلورة خطاب ضد اللقاحات “الغربية”، وبدأ تمرير خبر عن لقاح إيراني، ناهيك عن الانحياز للقاحين الروسي والصيني. علماً أن لا تنافس حتى الآن بين اللقاحات، ذاك أن الطاقة الاستيعابية لهذا المنتج هائلة وتتسع لمئات الأصناف من اللقاحات. فنحن نتحدث عن ثمانية مليارات إنسان، في وقت لم تصل الكميات المنتجة من قبل كل الشركات مجتمعة إلى واحد في المئة من هذا الرقم.

تحضر الأيديولوجيا حين يغيب العقل، لكن لم يسبق أن اصطدمت الأيديولوجيا على نحو مباشر وجلي مع منتج علمي شديد الوظيفية، فما الذي دها بعقلها هذه المرة؟ ربما كان البحث عن سبب سياسي مباشر يختبىء خلف هراء الأيديولوجيا أمراً مفيداً. وبما أننا لا نملك معلومات صلبة عن الخصومة التي تربط ولاية الفقيه باللقاح، فعلينا أن نستعين على قضاء حاجتنا بالتوقع.

ثمة اجماع في المجتمعات العلمية على أن اللقاح، وتحديداً لقاح بفايزر، هو انجاز علمي هائل واستثنائي. هذا الإنجاز، اذا لم يحسب لأميركا، فهو انجاز للثقافة العلمية الغربية. هذا ما يشعر به أهل الولاية على الأرجح، وهو شعور ليس دقيقاً، ذاك أنه انجاز انساني تضافرت على تحقيقه عناصر كثيرة، وهو امتداد لبحوث ساهم فيها علماء من كل أصقاع الكوكب.

الولاية والحال هذه تضع نفسها في مواجهة العلم وفي مواجهة الكوكب، وما انتفاضها في وجه اللقاح، غير المبرر منطقياً وعلمياً، سوى رفض لنجاح تتوهم أن أهله خصومها! “الغرب رجس من عمل الشيطان”، هذه القناعة اذا ما مورست، تضع أهل مجتمعات الولاية في مواجهة أهل الكوكب. ونحن في لبنان لحس وجودنا شيء من هذه القناعة وشيء من تبعاتها الكارثية، لكنها ستلحس وجوه حوالي ٩٠ مليون إيراني، وربما نصفهم من العراقيين. الأيديولوجيا لن تقبل بأن تبقى أفكاراً يعبر عنها على المنابر، وهي ستسعى لأن تتحول واقعاً. رفض اللقاحات الأميركية والبريطانية خطوة جديدة لم يسبقها رفض لأدوية الأمراض الأخرى، ومعظمها أميركي وغربي.

اذاً هو مستوى جديد وغير مسبوق من “المواجهة” التي تقترحها علينا الولاية.

درج

—————————-

اللقاح ليس سلعة/ هيثم الزبيدي

نحن جيل الوفرة. ربما الوصف الأدق نحن أجيال الوفرة. تبدو الأشياء متاحة وكثيرة. فورة السلع وفورة الخدمات. فخلال العقود القليلة الماضية زاد الإنتاج في كل شيء وزاد حجم الخدمات. راح زمن الطوابير والانتظار. محلات البقالة تكدس البضائع. السوبرماركت عالم من الأرفف المليئة. في أوروبا، مثلها مثل الشرق الأوسط، تجد تقريبا كل شيء. وبالمقارنة مع مداخيل الناس، ورغم كل ما يقال عن الغلاء، فإن الأسعار لا تزال معقولة. اسألوا كبار السن كيف كانوا يقننون رواتبهم لكي ينتهي الشهر على خير.

اذهب إلى السوق ولاحظ كم نوعا من التفاح متوفر. أيام زمان كنا ننتظر التفاح الأبيض أول موسم الصيف، ثم يأتي التفاح “الأخضر أبو خد أحمر”، ثم آخر الموسم يحل علينا التفاح اللبناني الأصفر منه والأحمر. اليوم تذهب إلى السوبرماركت تجد كل الأنواع أمامك. لا موسم ولا جغرافية تعيق وصول أنواع التفاح الكثيرة والمختلفة.

الهاتف كان شيئا استثنائيا. شكله محترم بقرص وسط هيكل صلب عابر للسنين. تنتظر سنوات قبل أن يأتي دورك لتركيب الهاتف في منزلك. خدمة استثنائية ولا يقدم عليها إلا أصحاب الدخل الكبير. كلمة “هلو” أو “ألو” مكلفة. اليوم الشرائح الهاتفية في كل مكان. لديك فرصة شراء ما يحلو لك من أنواع الهواتف، رخيصها والغالي. الهاتف أكثر من هاتف. هو نقطة لقاء الخدمات الجديدة الوفيرة. وكل شيء رخيص، من المكالمة المحسوبة ضمن الاشتراك، إلى تصفح الإنترنت، إلى مكالمات مجانية تماما عبر التطبيقات. “ألو” اليوم ببلاش. قل منها ما شئت فلا عداد يحسب كلامك.

السيارات تملأ الشوارع. الطيران والسياحة صارا خدمات أساسية. يمكن أن تشتري تلفزيونا بشاشة كبيرة بجزء من مرتبك الشهري. الملابس بنوعيات جيدة وتصاميم وألوان كثيرة. ثمة شرائح سلعية وسعرية لكل مستوى ودخل. وفرة حقيقية لا يمكن إنكارها مع زيادة قدرات الإنتاج، من التصنيع إلى الزراعة الممكننة والمعدلة جينيا لتقاوم الآفات وتحسن الثمر، ومع زيادة الخدمات وتحسن نوعيتها.

الوفرة غيرت علاقتنا مع السلع والخدمات. صرنا نقيس الأمور بطريقة مختلفة. البعض يصف مجتمعاتنا بالمادية. وهي كذلك. ولكن من الضروري اليوم أن تكون لنا وقفة. ليس كل شيء سلعة وخدمة نختار منها.

السبب هو ما يدور حاليا من كلام عن أي لقاح نأخذ لنواجه فايروس كورونا. قبل نحو شهرين كنا في ضياع. لا لقاح ولا علاج. التقدم العلمي وجهد الباحثين وأموال الحكومات وشركات الأدوية دفعت نحو إنتاج لقاحات متعددة ومختلفة. هذه اللقاحات وصفات للحياة. نحتاج إلى بعض الموضوعية في التعامل مع اللقاحات. لسنا في مهرجان تسوق، بل في صراع من أجل البقاء. لقاحات أسترازينيكا/أكسفورد وفايزر/بايونتيك وموديرنا وسينوفارم وسبوتنيك ليست سلعا أو خدمات نختار منها.

كاتب من العراق مقيم في لندن

العرب

—————————-

لست وحدك/ سمير صنبر

الوباء لا يقرأ، ينطلق، يخطئ أو يصيب أو بين بين. لا يعرف الذهاب والإياب. لا يسمع الجواب، يطير من بلد إلى بلد. من وداع إلى وداع. يلملم القلوب والأشواق كما يلملم الرحل بقايا الخيام. ولا يسمح لنا حتى بالنظرات الأخيرة. فالوباء كالرصاص لا يسأل. ينطلق في هدأة الليل أو مع هدير المدينة. فتتلاشى الضحكات التي كان يتردد صداها بين أروقة المعابر وعبير الحدائق. وتحترق القلوب بغصات الوداع.

الوباء كالريح بلا دموع. يأتي فتتلامس الأيدي وتلوذ الشفاه بالصمت. تلوح المناديل كأنها إشارات طريق الحزن. يطل بينما ترتفع الطائرة على مهل، وتلوح أنوار السفن فوق مياه البحر، ويسري بين عينيك نغم غريب: «يا أخت روحي. أحبي كيفما تشائين. أحبي حتى الموت في بلاد تشبهني وتشبهك».

يأتي الوباء وذاك الذي كان بيننا لم يعد بيننا. لا يبقى معنا إلا ترحالنا في البلاد البعيدة ذات الأسماء الغريبة، والوجوه التي لم نعرفها من قبل، والأنامل التي لم تعد تلامس لحظات تشردنا، والشفاه التي لم ترتعش لأحزاننا، والقلوب التي لم ترافق حكايات طفولتنا.

مع خفقات الوداع، الوداع الذي يحمل في طياته شيئاً من الموت، نستنشق بقايا الأريج الذي زرعناه في البقاع المبعثرة، نختزن بعض دفء الحب في صدورنا لأنه فخرنا الوحيد في وحشة الغرباء. نشتاق في الغربة إلى الشاطئ الآخر. آهٍ من الشاطئ الآخر. الوباء مثلك يا عصي الدمع، لا يذاع له سر. ينهرك أن تبقى مكانك. مثلما المحكوم لا تبرح زمانك. نائم وعيونك ساهرة. باسم وقلبك حزين.

وحيد ولست وحدك. العالم معك.

– عالم الأقنعة

في تمام الساعة السابعة مساء كان ينطلق الهتاف والتصفيق لأهل الإسعاف ويبدأ عازف بيانو على سطح المبنى المجاور في لعب أغنية: «نيويورك… نيويورك». المدينة التي لا تنام بدت خالية الطرقات. العابر المقيم يحاذر المرور من العابر الآخر. عاصمة الإعلام والفنون والمال تحولت إلى عاصمة انتشار الوباء.

أبنية مانهاتن معظمها من الزجاج. أُطل من شقتي على المكاتب التي تستضيف بعثات الأمم المتحدة. كلها شاغرة. مبنى المنظمة الدولية عبر الشارع محدود الحضور. اجتماعات الجمعية العامة تقتصر على مندوب واحد لكل بلد. بالصف. على بعد اجتماعي. ويحاول الأمين العام أنطونيو غوتيريش ما استطاع. اقترح وقف إطلاق النار في كل النزاعات دون أن يلتزم أحد. طالب بصندوق خاص لمواجهة العجز المالي المتزايد. في الأثناء يشتاق إلى طهي زوجته في لشبونة. السفر هذه الأيام محفوف بالمخاطر. الوباء العالمي يستدعي وجوداً دولياً فعالاً. أي انتكاسة شخصية قد تنعكس على صورة الشرعية الدولية. يحاول التنسيق مع بقية برامج الأمم المتحدة.

جارتي الممرضة. الناشطة ذكرتني أن هذا هو «العام الدولي للممرضات والممرضين» دون أن ينتبه أحد، وأن انتشار الوباء قد أدى إلى إلغاء «قمة المرأة» في ذكرى مرور ربع قرن على «قمة بكين». جاري الطبيب الهندي ينصح بالرياضة واستنشاق الهواء. حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو يشدد على ارتداء القناع. عدد محدود من السيارات بدأ يتزايد بينما بدأت المطاعم تستقبل الزبائن على الأرصفة. النوافذ والشرفات، تحولت إلى محاور الاتصال المتعدد من التحية العابرة إلى عبارات الغزل التي قد تنعش القلب مع ضيق ذات اليد. النيويوركي الذي يتجنب عادة التطلع في عيون الآخرين تفادياً لاحتمال السلام والكلام في الوقت الضائع أصبح يتطلع إلى أي تحية. هو يتساءل ماذا يحدث. متى ننتهي. وما هو المطلوب منه بالضبط. عودة الصبايا والشباب إلى منازل العائلة مع توقف العمل والدراسة ساهم في تدريب كبار الأهل على تكنولوجيا الاتصال وتحديث الكومبيوتر العتيق.

وكان جان بول سارتر قد لاحظ أن مدينة نيويورك – عكس باريس – مكشوفة ومسطحة، تراها من الشارع الأول حتى الأخير. من النهر إلى النهر. لا هضاب ولا وهاد. أعلى وأغلى المنازل تبدو مستوحدة. مع تراجع الأعمال شكا مدير عام شركة كبرى من ضيق الحال لأن مرتبه السنوي تراجع إلى 12 مليون دولار فقط!

استعدت رواية «كاميرون». الكاتب الإيطالي بوكاشيد عن وباء فلورنسا في القرن الرابع عشر. يومها، مثل اليوم، انتقلت العدوى عبر أنفاس المرضى. اكتشف الأهالي حدود قدرة الإنسان وانطلق عدد منهم إلى الجبل القريب وتوافقوا أن يتعاونوا على تبادل الحكايات المنعشة كل مساء. أمراء عائلة فاديشي. ومرشدهم نيكولا ميكيافيللي، واجهوا الوباء بالتحذير من نظريات المؤامرة. تذكرتُ أنني طالعتُ رواية ألبير كامو عن الطاعون في وهران الجزائر حيث ولد. وهو يوضح الضعف الوجودي ويكرر أن الرد الأفضل هو احترام كرامة الإنسان. كنتُ في مطلع عملي الصحافي، ودفعتُ مرتب ثلاثة أشهر لشراء سيارته «فاسيل فيغا» المستعملة جداً. استمتعت بها ولو أنني اضطررت في معظم الأحيان لدفعها باليد في شوارع رأس بيروت.

أحداث اليوم هي عادة من صنع الأمس، لكن المؤسسات لا تطور بسرعة حاجات البشر.

نرتدي الأقنعة ونمشي على حذر. خلال فترة الانفراد التي لا تبدو لها نهاية بعد، أشعر بالانتعاش أحياناً عندما أستعيد نصيحة جبران خليل جبران الذي عاش في الشارع العاشر من نيويورك. كأنه اقترح الرد على من يتهمون أهل المنطقة العربية بالجهل والتدمير: «قفوا أمام أبراج نيويورك وواشنطن… قائلين من عمق قلوبكم: أنا من أبناء الذين بنوا جبيل ودمشق وصور وصيدا، أنطاكية. أنا هنا لأساهم في بناء عالم جديد».

يبقى السؤال الحائر: متى نبني العالم الجديد؟ متى تنتهي مرحلة الأقنعة.

– مسؤول سابق في الأمم المتحدة

الشرق الأوسط،

————————

من أشهر الإعلانات في عام 2020 على علاقة بكورونا

فراس حمية

يبدو أن انتشار فيروس كورونا قد أثر بشكل أساسي على سوق الإعلانات المتلفزة، فتم إصدار العشرات من الإعلانات العالمية بعد انتشار الفيروس وتأثر الكثير من محتواها بطبيعة الظرف القائم. لذا كان من المحتم على الشركات المعلنة إيجاد رسائل تحاكي الواقع من أجل كسب الزبائن والحفاظ على سمعة المنتج المعني. خاصة أن الوضع حساس للغاية ولا مجال للمخاطرة بالسمعة التجارية في بيئة عالمية صارت أكثر قلقًا وخوفًا واضطرابًا بسبب انتشار  فيروس كورونا. يرصد هذا التقرير 6 من أشهر الإعلانات التي أنتجت لتحاكي الواقع المستجد.

1.شكرًا لك على عدم الركوب!

رسالة غريبة ضمن إعلان أصدرته شركة Uber حيث يشكر الزبائن على عدم طلب سيارات الأجرة، ويطلب منهم البقاء في المنزل من أجل ضمان السلامة. كيف يمكن أن الشركة التي تنقل الناس، تطلب منهم عدم التنقل! بسبب كورونا أطلقت الشركة هذا الإعلان على سبيل الحفاظ على السلامة العامة وحث الناس على المساعدة في إنقاذ الأرواح.

2.الصمود الإنساني

أصدرت شركة Guinness  الإيرلندية إعلانها بمناسبة عيد القديس باتريك، وهو من أهم المناسبات الدينية/الاجتماعية في إيرلندا. حمل الإعلان رسالة إنسانية وبدا من الواضح مدى الاختلاف في الرسالة عن الإعلانات السابقة لذات الشركة، وذلك بسبب “عاصفة” كوفيد-19 التي اجتاحت العالم.

يشير الإعلان إلى التغييرات التي أحدثها فيروس كورونا، وخاصة في مجال العلاقات الإنسانية والتجمعات والاجتماعات البشرية في كافة المناسبات والأعياد والحفلات. لكنه يشير أيضًا لروح الصمود في مواجهة الوباء. ويدعو الإعلان إلى أهمية توخي الحذر من الإصابة بكورونا. إذ يقول يتعين “عليك الاحتفال مع مجموعة متماسكة من الأصدقاء في المنزل هذا العام، مع تجنب حضور المهرجانات العامة الشعبية، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك الاستمتاع”. ويضيف الإعلان  “حافظ على سلامتك وكن جيدًا مع بقية الناس”.

3.الإبداع مستمر

لا يمكن أن ينتهي الإبداع حتى في أصعب الظروف. هذه هي الرسالة التي يهدف إليها إعلان العلامة التجارية العملاقة الرائدة في مجال التكنولوجيا Apple. يعرض الإعلان حالة الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الإغلاق بسبب فيروس كورونا، ويسلط الضوء على كيفية تمكن الأشخاص من الاستمرار والعمل من أجل تحفيز الإبداع.

https://www.youtube.com/watch?v=Kl1NW7h7lrY&feature=emb_logo

يظهر مقطع الفيديو الإعلاني الذي تبلغ مدته دقيقة ونصف الطرق التي استخدمها المبدعون لمتابعة مساعيهم الإبداعية على الرغم من توجيهات البقاء في المنزل الصادرة عن السلطات الصحية خلال جائحة كورونا. ويقول الشريط “لطالما كنا نؤمن بشدة بقوة الإبداع. الآن، أكثر من أي وقت مضى، يلهمنا الناس في كل ركن من أركان العالم، الذين يجدون طرق مبتكرة وجديدة للإبداع، للتميز، للإنسانية، والأمل”.

4.مساهمة مجتمعية

سلسلة مطاعم “برغر كينغ” من أحد المعلنين الذين استطاعوا أن ينجحوا في محاكاة الواقع الحياتي في زمن كوفيد-19. عرض الإعلان  الصادر عن شبكة مطاعم الوجبات السريعة كيف أن الحجر المنزلي مفيد ويشكل خدمة للوطن، وكل ما على المواطن فعله الجلوس والنوم على الكنبة وسيتكفل “برغر كينغ” بخدمة توصيل الطعام إليه، مع تقديم خدمة التوصيل مجانيًا. ويشير الإعلان إلى تبرع الشركة بواحد في المئة من الأرباح للعاملين في المجال الصحي.

https://www.youtube.com/watch?v=Kl1NW7h7lrY&feature=emb_logo

5.تسليم بدون ملامسة

سلسلة بيتزا دومينوز روجت لإعلان مدته 30 ثانية حول كيفية توصيل البيتزا إلى مدخل المنزل بدون أن يتم أي احتكاك أو ملامسة بين عامل “الديليفري” وبين الزبون، وذلك عبر إرسال رسالة نصية إلى هاتف الزبون لإبلاغه أن “البيتزا في الخارج”.

6.كلنا فريق واحد

إعلان أصدرته شركة Budweiser الأمريكية لدعم مقدمي الخدمات في الصفوف الأمامية بعد انتشار كوفيد-19. يعرض الشريط صور لمتخصصي الرعاية الصحية وعمال الصليب الأحمر وفرق الاستجابة وهم يرتدون بدلات واقية من الخطر. يشير الإعلان بالقول “هذا الموسم، نحن فريق واحد”، معلنًا أن الاستثمارات الرياضية تحولت لمساعدة الأبطال في الصفوف الأمامية، وتسخير الملاعب الرياضية للصليب الأحمر كمقرات للتبرع بالدم، إضافة إلى التبرع المالي لمواجهة كوفيد -19.

كورونا يقضي على ما تبقى من آمال أطفال مخيمات إدلب في التعليم

توقّف التعليم خطر جديد يضاف إلى تفشي فيروس “كورونا المستجد” في الشمال السوري/ فرحات أحمد عمر السوادي عبيدة البايرلي

عجز الطفل ضياء (10 سنوات) النازح إلى أحد مخيمات إدلب، شمال غربي سوريا، عن حل عملية حسابية بسيطة. كادت عينا والده تدمعان وهو يقول “كان ضياء من المتفوقين قبل أن نضطر للنزوح من مدينة معرة النعمان مطلع العام الجاري بسبب العمليات العسكرية، أمّا الآن فقد تراجع مستواه كثيراً، ولم يدخل المدرسة إلا لأيام قليلة بسبب إغلاق مدارس إدلب بعد تفشي فيروس “كورونا” (كوفيد-19) في المنطقة.”

يشير والد ضياء إلى أن ابنه الذي من المفترض أن يكون في الصف الرابع لم يعد يدرس الرياضيات واللغة الإنكليزية، كونهما تحتاجان متابعة من مدرس، والعائلة لا تمتلك أي جهاز إلكتروني يمكّنه من متابعة الدروس مع أقرانه الذين تحوّلوا للدراسة عن بعد، بعد أن أغلقت المدارس في إدلب بسبب انتشار الفيروس الجديد في المخيمات.

يعتمد ضياء الذي يعيش مع عائلته في أحد المخيمات المحيطة ببلدة دير حسان شمالي إدلب، في متابعة دروس القراءة والعلوم على ما تعلمّه إياه والدته بعد فراغها من تلبية حاجات إخوته وما يسمعه من أصدقائه وجيرانه الذين تملك عائلاتهم أجهزة إلكترونية تخوّلهم من متابعة الدروس مع المعلمين عبر شبكة الإنترنت.

ضياء واحد من آلاف الطلاب الذين يعيشون في مخيمات إدلب والذين فقدوا فرص التعليم بسبب ارتفاع نسبة الإصابات بفيروس كورونا فيها إلى أكثر من 1800 حالة، ما يعادل أكثر من 10 بالمئة من إجمالي المصابين في الشمال السوري (إدلب وحلب)، بحسب إحصائيات فريق “منسقو استجابة سوريا”، وهي منطقة من المحتمل أن تتحوّل إلى بؤرة كبيرة للوباء، بسبب الكثافة السكانية المرتفعة جداً والافتقار إلى النظافة، والنقص الكبير في المراكز الصحية.

وفي آخر إحصائية لمنسقي الاستجابة في أغسطس/آب الفائت بلغ عدد المخيمات الكلي في إدلب وحدها 1293 مخيماً يقطنها مليون و43 ألفاً و689 شخصاً، تتوزّع على شكل شريط قرب الحدود السورية – التركية، ومعظم قاطنيها من محافظات وسط وجنوب البلاد التي شهدت ارتفاعاً في حدة الصراع، وعمليات تهجير أشرفت عليها الدولة الروسية.

في آذار/مارس الفائت أعلنت مديرية التربية في إدلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة (معارضة) وقف كافة أشكال التعليم وجهاً لوجه، والانتقال إلى التعليم عن بعد بسبب انتشار الفيروس في المنطقة، وحينها بدأت المصاعب تتزايد على الإداريين والمدرسين بحسب خالد الخالد المشرف على مشروع التعليم عن بعد في وزارة التربية، الذي أكّد أن الخطط المحدثة لم تصمد طويلاً.

ويشير الخالد إلى أن من أبرز المصاعب التي واجهت العملية التعليمية، عدم وجود منصة للتواصل مع الطلاب، وعدم جاهزية الكوادر التعليمية، إضافة إلى عدم توفّر شبكة الإنترنت في المنطقة بشكل جيد وضعفها في أحسن الأحوال، يضاف إلى ذلك السباق مع الزمن الذي فرضه قرب الامتحانات النهائية.

وبحسب الخالد فإن الوزارة تغلّبت على معظم تلك المصاعب وأنشأت منصة وحساباً على موقع “يوتيوب” وشكّلت فريقاً أطلقت عليه اسم “الجوال في خدمة التعليم” مكوناً من 30 شخصاً، بينهم مدرسون وتقنيون بهدف استئناف العملية التعليمية بأسرع ما يمكن دون حدوث أخطاء.

ويؤكد المشرف أن عدد المشتركين في المنصة بلغ 90 بالمئة من إجمالي عدد الطلاب، وهناك نحو 200 ألف طالب من أصل 316466 في عموم إدلب يدخلونها بشكل متكرر، ويحضرون الدروس المسجلة، التي بلغ عددها أكثر من 550 مقطعاً من مئات الساعات وهي مسجلة من المنهاج السوري الذي تشرف عليه وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة.

أكثر من ثلث طلاب المخيمات متسربون

لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الطلاب المتسرّبين من مدارس مخيمات إدلب قبل انتشار فيروس كورونا، لكن العدد تضاعف بحسب طلال فرعون معاون مشرف مجمع مدارس المخيمات، وتجاوز 25 ألفاً من أصل 75341 وهم الطلاب المسجّلون، إذ يرجّح المسؤول أن العدد يفوق ذلك لكنّ حركات النزوح المتكررة كانت تمنع الطلاب من الاستقرار والالتحاق بالمدارس.

وأكّد فرعون أن هذه الإحصائية تعود إلى بداية العام الدراسي الجاري، أما الآن فالأعداد تضاعفت، بحسب قوله، وأشار إلى أن هناك أسباب كثيرة، منها قلة عدد المدارس في المخيمات، فالمخيمات التي يبلغ عددها نحو 1500 فيها 144 مدرسة فقط، وقبل الجائحة كان هناك حاجة ملحة لبناء 40 مدرسة على الأقل، إذ هناك آلاف من أبناء سكان المخيّمات العشوائية كانوا محرومين من التعليم بسبب عدم وجود مدارس.

وقالت منظمة “أنقذوا الأطفال” إن اثنين من بين ثلاثة أطفال في الشمال السوري لم يعد باستطاعتهم الذهاب إلى المدرسة وإكمال تعليمهم، بسبب تفشي فيروس “كورونا المستجد”، إضافة إلى الفقر الشديد، وغياب الدعم عن قطاع التعليم.

وأكّدت مديرة استجابة المنظمة، سونيا كوش، خلال التقرير أن جائحة كورونا أدّت إلى تفاقم التحديات الحالية التي منعت الأطفال من التعلم، وعبّرت عن خشيتها ألا يعود الأطفال الذين تسربوا من المدرسة هذا العام، وأشارت إلى أن التسرب من المدرسة يعدّ ضربة قاتلة للجهود الهائلة التي التزم بها الأطفال وأسرهم في التعليم بالرغم من عقبات استمرت عشر سنوات.

أسباب تسرّب الطلاب في ظل كورونا

أحمد (12 عاماً) وغزل (10 أعوام) أخوان تقيم عائلتهما النازحة من ريف معرة النعمان الشرقي في مخيم “سنجار كهربا” قرب مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا. أحمد في الصف السادس وغزل في الصف الرابع يتبادلان هاتف والدتهما كل في وقت درسه، وفي كثير من الأحيان يتغيّب أحدهما عن الدرس بسبب استخدام الهاتف من قبل الآخر. كما يشكوان من عدم توفّر الجو المناسب للدراسة بسبب الضجيج وازدحام السكان، والبرد القارس في الخيام.

أما ليان (11 عاماً) المقيمة في مخيم عشوائي قرب بلدة صلوة شمالي إدلب، فتعمل والدتها في التجارة الإلكترونية. تقول الوالدة، “أنا بين نارين، بين إعطاء ليان الهاتف لمتابعة دروسها وبين متابعة عملي، فزوجي توفي أثناء الحرب وأنا أعيل ليان وأخيها الصغير، ولو توقفت عن العمل فلن تجد طفلتي وشقيقها ما يأكلان ولا ما يلبسان.”

تشكو الوالدة من غلاء ثمن بطاقات الإنترنت (5 جيغا بايت = 2.5 دولار) وضعف الشبكة التي تخدّم المخيم، “في كثير من الأحيان تضيع الباقة بسبب رداءة الخدمة وتقطّعها، وهذا يحرم ليان من متابعة الدروس المباشرة وطرح الأسئلة على المدرسين فتضطّر لاحقاً لمتابعتها مسجلة، وهذا يحتّم عليّ مساعدتها في الفهم وحل الواجبات.”

يقول مدير مخيم سنجار كهربا خالد أحمد، “اقترحنا في بداية الجائحة على المنظمات الإنسانية تقديم أجهزة لوحية وباقات إنترنت للطلاب، لكنّ اقتراحاتنا لم تلقَ أية استجابة، إلا أن إحدى المنظمات قدّمت باقات إنترنت محدودة لعدد من الطلاب لمرة واحدة فقط.”

يضيف خالد الخالد المشرف على التعليم عن بعد انه “بسبب عدم تحقيق نتائج مرجوة افتتحت المدارس العامة أبوابها في إدلب أمام الصفوف الدراسية كافة في 26 من سبتمبر/أيلول الماضي، مع مراعاة الإجراءات الوقائية، وتمّ تقسيم الطلبة إلى دفعتين، كلّ منهما تحصل على ثلاث حصص يومياً، لكنّ الإقبال كان ضعيفاً وبخاصة بعد تسجيل إصابات في صفوف الكوادر التعليمية.”

حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول الفائت سجّلت شبكة الإنذار المبكّر والاستجابة للأوبئة التابعة لوحدة تنسيق الدعم (معارضة) 292 إصابة بالفيروس في صفوف المدرسين والطلاب في محافظة إدلب وحدها، وكانت معظم الإصابات في أكتوبر، ما اضطّر مديرية التربية في المحافظة لإعلان عطلة لمدة أسبوع، وفي 16 ديسمبر/كانون الأول أعلنت وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة وقف العملية التعليمية في الشمال السوري بشكل كامل، بدءاً من 19 من الشهر ذاته وحتى 15 يناير/كانون الثاني المقبل، وذلك بحسب ما وصفته بالانتشار الكبير للفيروس في المنطقة.

التعليم لم يعد أولوية

خالد نازح من ريف حماة الجنوبي وهو أب لخمسة أطفال، يقيم مع عائلته في أحد مخيمات بلدة أطمة قرب الحدود التركية، يقول “قبل كورونا كان ثلاثة من أولادي يذهبون للمدرسة وأنا أذهب للعمل وتبقى زوجتي مع الطفلين الآخرين في المنزل، أما الآن فالتعليم يحتاج مصروفاً لا أقدر على تأمينه، فإما أن أؤمن للأطفال ثمن الخبز واللباس أو ثمن بطاقات الإنترنت.”

وسيم (ثماني سنوات) يسكن مع عائلته في مخيم أهل مورك قرب أطمة، ينتظر والده حتى يعود من العمل مساءً كي يحضر دروسه، حاول والداه إقناعه بالذهاب إلى المدرسة القريبة من منزله، لكنه كان يبكي في كل مرة ويرفض الذهاب بسبب الخوف الذي تلبّسه بعد أن توفي جده بسبب إصابته بكورونا.

تقول الرئيسة التنفيذيّة لمنظمة “أنقذوا الأطفال” إنغر آشينغ، “نحن نعرف أن الأطفال الأكثر فقراً وتهميشاً عانوا الخسارة الأكبر، بسبب عدم توافر فرصة التعليم عن بُعد لديهم أو أيّ نوع من التعليم على مدى نصف عام دراسي، ولكن في أي حال من الأحوال، فإن ذلك ينطبق على الأطفال في شتّى أنحاء العالم، إلّا أنّه لا ينطبق على أطفال سوريا خصوصاً، فهؤلاء يعيشون ظروفاً لا تشبه ظروف الأطفال في أي بلدٍ آخر، كونهم مُنيوا بخسائر جمّة خلال النزاع.”

مبادرة وحيدة

بحسب إحصائيات مديرية تربية إدلب فإن عدد الطلاب في المحافظة قد تجاوز 315 ألفاً من بينهم طلاب المخيمات، وهذا تعجز مديرية في إدلب عن تخديمه وبخاصة أن معظم رواتب المعلمين تتكفّل بها جهات غير حكومية ومنظمات، لذا انطلقت مبادرة تطوعية تحت اسم “مسارات” وأخذ القائمون عليها على عاتقهم متابعة العملية التعليمية للطلاب السوريين في كل مكان.

يقول ياسر مدللة المؤسس والمنسق العام لمبادرة مسارات، التي انطلقت في ديسمبر / كانون الأول 2019، “أطلقنا المبادرة التي يقوم عليها فريق من المختصين والأكاديمين بهدف إتاحة الفرصة للطلاب من كافة المراحل في متابعة تعليمهم عن بعد، وبخاصة الطلاب النازحين الذين تأثّروا بفيروس كورونا.”

ويشير إلى أن عدد المستفيدين من المبادرة بلغ 1798 طالباً، منهم نازحون وآخرون يقيمون خارج سوريا، وأن أهداف المبادرة لا تتوقف عند نيل الطالب الثانوية، بل يتابع معه الفريق خيارات المقعد الجامعي، ويساعدونه في استكمال المستلزمات، وكل ذلك بشكل مجاني، بحسب قوله.

توقّف التعليم أخطر من كورونا

نادى كبار مسؤولي القطاع الصحي في المملكة المتحدة بضرورة عودة الأطفال إلى المدارس، وقالوا إن عدم انتظام الطلاب في التعليم أكثر خطراً عليهم من الإصابة بكوفيد-19.

وقال المستشارون في بيان، إن قلة قليلة، إن وجدت، من الأطفال أو المراهقين ستتعرض لضرر طويل الأمد من كوفيد-19 بسبب الذهاب إلى المدرسة، وإن الأدلة أظهرت أن الافتقار إلى التعليم زاد من عدم المساواة وقلل من الفرص وقد يفاقم مشاكل الصحة البدنية والنفسية.

كما حذّرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، من عدم تمكن كثير من الأطفال اللاجئين من استئناف دراستهم بسبب إغلاق المدارس أو الرسوم المرتفعة أو عدم الوصول إلى التكنولوجيا للتعلم عن بُعد، وقالت إن “إمكانات ملايين اللاجئين ستتعرض لمزيد من التهديد، ما لم يتخذ المجتمع الدولي خطوات فورية وجريئة ضد آثار كورونا على تعليم اللاجئين”.

إن الحق في التعليم هو من الحقوق الأساسية التي أكد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، وباعتباره أحد أهداف التنمية المستدامة (2015-2030) التي شددت على “ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع.

—————————

دولٌ ملقحة وأخرى تنتظر رحمة الآخرين../ علي سفر

على شاشة قناة BFMTV الفرنسية، كلما ظهر في هذه الأيام، أحد ممثلي حزب الجبهة الوطنية اليميني، يعرف جمهور المشاهدين، أن الحديث سوف يتجاوز المشكلات اليومية الراهنة، التي فرضها انتشار فيروس كورونا، لينقل هذا الضيف الجميع إلى حدود الدولة الفرنسية مع جاراتها. حيث سيؤشر للبوابات المفتوحة، وليقول: يجب على فرنسا أن تغلق الحدود، كي تنتهي المشكلة!

طبعاً وكما هو معلوم، فإن تكرار الحديث عن الحدود المفتوحة، لا يجعلها بذاتها، المدخل والمخرج للأزمة الراهنة، بل إنها وبفضل الألعاب الكلامية، المترافقة مع حرص زائف على مصالح المواطنين، ستتحول إلى كناية عن اعتقاد اليمينيين بأن الوحدة الأوروبية ومن خلفها فضاء (الشنغن)، هما المشكلة!

وبناء على هذا السياق الذي يتكرر ملحاً في كل الدول الأوروبية، ونجح سابقاً في أن يفرط عقد العلاقة بين الأوروبيين والبريطانيين، سوف يلاحظ المتابعون أن أخلاق التضامن، التي بنيت عليها فكرة السوق الأوروبي المشتركة، تواجه عدواً، يبدو لطيفاً لجهة مظهره الخارجي، ولكنه سوف يتحول إلى مقاتلٍ شرسٍ يمكن أن يفتك حتى بأصحابه، هو الانحياز الوطني، والذي عبر عنه في غير مكان بالقول: “أنا أولا”!

وفي مجال الصراع بين المبدأين المتباينين، ستمر خلال الفترة القادمة، أسئلة تتعلق بعدالة توزيع الأوروبيين للأعباء فيما بينهم، وهل تم العمل من أجل حصول جميع أعضاء الفضاء المشترك على ما يحتاجونه من اللقاحات؟

فإذا كان هناك افتراض قائم بأن إغلاق الحدود الراهن، أو التضييق على التنقل، هو حالة مؤقتة سيتم التراجع عنها، بعد انتهاء خطر الوباء، وأن هذا يرتبط بحصول الجميع على اللقاحات، فإن حصول الثغرة في إحدى هذه البلدان، سيؤدي إلى بقاء الخطر ماثلاً.

لقد ظهر المتحور الأول لكورونا في بريطانيا، فتم إغلاق الحدود معها (منع الطيران والإبحار) ورغم هذا تسرب الشكل الجديد للفيروس إلى أوروبا، وصار أمراً واقعاً!

إذن، ما جدوى الإغلاق؟

وهل يكفي كإجراء للحصول على السلامة والأمان؟

الأمر ذاته يحصل بين الأوروبيين وبين كل دول العالم التي توقف التنقل بينها! ما يدفع بأسئلة أكثر جذرية إلى الواجهة؛ هل تقف الإجراءات الاحترازية بين عالمين، أحدهما فقير وضعيف، وبين آخر غني وقوي، في وجه تسلل الأوبئة والأمراض بينهما؟

تصريحان، قاربا جانباً من الموضوع، يخصان حصول دول العالم على اللقاحات الخاصة بفيروس كوفيد 19 (كورونا) برزا على سطح أخبار الجائحة العالمية، بالتوازي مع انخفاض الضجيج الخاص بالأنواع المتحورة عنه والتي ارتعد الجميع بسببها، فقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أسفه لـ “فشل التضامن” في مجال التطعيم باللقاحات ضد كوفيد-19 حول العالم. فاللقاحات وبحسب بيانه “تصل إلى الدول عالية الدخل بسرعة، في حين أن أفقر دول العالم لا تملك أيا منها”!

هنا ورغم وجوه الحق المبثوثة في كلامه، سنكتشف أن المسؤول الدولي الأبرز، احتاج إلى قرابة عشرة شهور ليعرف الوجه الحقيقي للسياسات الوطنية للدول الغنية، وهي تتنافس على احتكار أكبر كمية من اللقاحات، التي تنتجها الشركات المختصة!

فقد سبق لغوتيريش في الأول من نيسان الماضي أن دعا دول العالم إلى تحقيق التضامن فيما بينها، من أجل مكافحة الفيروس، حيث أشار إلى حاجة العالم إلى “استجابة أقوى وأكثر فعالية” وهذه المسألة “لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تضامنا جميعا ونسينا الألاعيب السياسية ووعينا أن البشرية بأسرها على المحك”.

وللمفارقة فإن ذلك التصريح واكبه تنافس شديد بين الدول القوية على شراء الكمامات والمعدات الطبية، وصل إلى درجة قيامها بعمليات قرصنة ولصوصية، تداولت قصصها وسائل الإعلام، وسط ذهول دول العالم الفقيرة مما يجري!

ولعل الصدمة الراهنة، تأتي فعلياً من أن رسائل الأحداث التي تجري على أرض الواقع، ودلالاتها، لا تصل للأمين العام بسرعة، فقد رأى

في وقتٍ لاحق “أن الشعبوية والقومية قد مُنيتا بالفشل وزادتا الوضع سوءاً”، لكننا على العكس مما يقول، نشهد فعلياً انتصارهما على كل القيم المثالية، التي تتضمنها شرائع ومواثيق الأمم المتحدة!

وأيضاً، وبعد شهور من بداية التداول الدولي في مسألة اللقاحات يأتي تصريحه قبل يومين، ليوضح كيف تتحول مواقف المؤسسة الدولية وعبر ممثليها إلى مجرد تبرئة للذمة، بينما يفترض بها سياق الانهيار العام في العلاقات الدولية، أن تقوم بدور يتجاوز مجرد الحضور، إلى مرحلة الشاهد، الذي يوثق الجريمة التي ترتكب بحق البلدان الفقيرة، عندما تذهب شعوبها دائماً ضحية أولويات الدول القوية، بعد أن ابتليت بحكام عتاة، ومؤسسات دولية تفضل دور الحياد في الأزمات؛ أي في الأوقات التي يمكن للمحايد أن يصبح وبسبب حياديته شريكاً في الجريمة!

رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس لم يتأخر عن زميله، لا بل إنه فاقه جرأة، فقد أعلن

الحقيقة دون مواربة: ” العالم على شفا فشل أخلاقي كارثي، وسوف يتم دفع ثمن هذا الفشل من خلال الأرواح وسبل كسب العيش في أفقر دول العالم”!

الإثيوبي غيبريسوس الذي خاض مع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب سجالات قاسية عبر الإعلام، انتهت إلى تحوله إلى عدو، وانسحاب الولايات المتحدة من المنظمة، فضح خلفيات عملية التلقيح حول العالم حين أشار إلى ” إعطاء أكثر من 39 مليون جرعة من اللقاح في 49 دولة على الأقل من الدول مرتفعة الدخل، و25 جرعة فقط في إحدى الدول ذات الدخل المنخفض – ليس 25 مليون جرعة ولا 25 ألف جرعة، بل 25 فقط”!

كثيرون من حولنا يظنون أن ثمة ارتباك غير مسبوق في عمل إدارات الدول المتقدمة تجاه تداعيات كارثة الوباء، يفتح المجال لهجوم الجميع عليها، بدءاً بالمنظمات اليسارية الفوضوية، وانتهاءً باليمين المتطرف، لكن أحداً لم يفكر بأن سوء التدبير هذا، ليس سوى الجزء الظاهر من جبل جليد قوامه صراع أقطاب المصالح، فيما بينهم من جهة، وبينهم وآخرين حول العالم، يريدون مقاسمتهم الأرباح، وعدم دفع الأثمان محلياً! أليس هذا بعض من جدول أعمال رأسماليي الكوارث؟!

تلفزين سوريا

———————————

“كورونا” مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان : التفشي الصامت/ باسكال صوما

ينشر هذا التحقيق بالتعاون مع راديو روزنة

تبدو الموجة الثانية من “كورونا” أكثر شراسة وانتشاراً في أنحاء لبنان، وعلى تجديد الحجر الصحي والإقفال العام، إلا أن التطبيق يبقى أقل من حجم المأساة، إذ يسجّل لبنان أكثر من 5000 حالة يومياً في الآونة الأخيرة. ما يجعل السؤال ملحاً وضرورياً، ماذا يفعل سكان المخيمات في ظل فايروس “كورونا” الذي بات تفشيه مرعباً؟ إنه سؤال قد تبدو إجابته سهلة لو كنا نتحدّث عن بلد آخر، لم تنفجر عاصمته في 4 آب/ أغسطس 2020، ولا يعاني من أزمة اقتصادية توازيها أزمة إنسانية وصحية تفوق قدرته على التحمل، ولا يعاني من وباء مزمن هو الفساد وفشل السلطة السياسية في إدارة الأزمات.

من البقاع إلى شمال لبنان، حيث تتمركز معظم مخيمات اللاجئين السوريين، حملنا هذا السؤال وطرحناه على المعنيين وعلى سكان الخيم وعلى أشخاص خاضوا المعركة ضد الوباء.

وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “منذ أول حالة مؤكدة لـ”كوفيد- 19” بين اللاجئين السوريين في لبنان في نيسان/ أبريل 2020، تم تسجيل 2529 حالة تراكمية، حتى الآن، 71 هم حالياً في المستشفيات، مع تسجيل 104 حالة وفاة بشكل تراكمي.

إلا أن التفشي الحقيقي وفق ما عاين هذا التحقيق يكمن في تلك الحالات “غير المؤكدة” أو غير المسجّلة، وبمعنى أدقّ الإصابات التي لا تخضع لفحص “كورونا” ويتم التعامل معها كنزلة صدرية أو زكام.

يعيش في لبنان حوالى 860 ألف لاجئ سوري تقريباً، وبما أن النسبة التقريبية للإصابات هي 3.7 في المئة مقارنةً بعدد السكان، وإذا افترضنا أن هذه النسبة يمكن تطبيقها على اللاجئين، يمكن توقع حوالى 31820 إصابة في هذه المخيمات. فكيف أمضى المصابون الحجر؟ وهل حصلوا على ترف العزل عن العائلة في هذه الغرفة- الخيمة التي لا تملك معظم العائلات السورية سواها؟ هل حصلوا على المساعدة الطبية؟ وقبل ذلك هل أجريت فحوص PCR لكل من عانى من عوارض أو خالط مصاباً في المخيمات؟

يوضح محمد الأمين وهو مسؤول (شاويش) أكثر من مخيم في منطقة الخضر- بعلبك أن “هناك عشرات الإصابات في المخيمات في منطقته، لكنّ معظم اللاجئين لا يخضعون لفحص كورونا نظراً إلى عدم قدرتهم على تحمّل كلفته، فيتم التكتم على معظم الحالات. حين يشعر أحد اللاجئين بالعوارض يحاول أن يحجر نفسه داخل خيمته عبر عازل ما أو يحاول أن ينعزل عن عائلته قليلاً مع العلم أن الجميع في خيمة واحدة!”.

كلفة فحص “كورونا” تختلف بين مستشفى وآخر، وتصل إلى 150 ألف و200 ألف ليرة، وكانت وزارة الصحة أقرّت تخفيض الكلفة في المستشفيات الحكومية إلى 100 ألف ليرة، لكن هذا المبلغ ليس مقدوراً عليه بالنسبة إلى اللاجئين، كما أن هذه المستشفيات تعجّ بأعداد هائلة من طالبي إجراء الفحص، ما يجعلها أيضاً بؤرة لنقل العدوى.

إلا أن تكلفة الفحص هي شكوى كررها كل من التقاه هذا التحقيق، فمن أخطر المؤشرات المثيرة للقلق في ظل الأزمات المعقدة التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان، هو الزيادة الحادة في نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر المدقع، إذ وصلت إلى 89 في المئة عام 2020، مقابل 55 في المئة قبل عام فقط، وفق المفوضية. وهم يعيشون الآن على أقل من 308728 ليرة لبنانية للفرد في الشهر، وهذا أقل من نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان (675 ألف ليرة). وهذا المدخول الشهري الذي تؤمنه مفوضية الأمم المتحدة، انخفضت قيمته مع انهيار الليرة اللبنانية، إذ بات الدولار الواحد يساوي أكثر من 8000 ليرة لبنانية. وهذا الإفقار يرزح تحته جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية، إلا أن اللاجئين يبقون الخاصرة الرخوة، لا سيما في ظل “كورونا”، كون المخيمات بيئة مؤاتية لانتشار الفايروس بشكل أكبر.

“لا أحد يعين اللاجئ في أزمة كورونا، وبطبيعة الحال لا مستشفيات أو أسرّة شاغرة للحالات الحرجة، لا للاجئين ولا لغير اللاجئين، الوضع صعب جداً. وحده الصليب الأحمر اللبناني يعيننا، ونلجأ إليه حين تسوء حالة أحد المصابين، فتأتي فرقه لتأمين المساعدة والأوكسيجين داخل الخيم إذا أمكن ذلك”، يقول الأمين.

وحين سألنا أحمد ن. (25 سنة، بعلبك) عما إذا كان يفكّر بإجراء فحص “كورونا” له أو لأحد أفراد أسرته في حال الشعور بعوارض، كان جوابه: “ابني عندو عمى ألوان، وتقريباً رح يفقد نظرو، وماني قادر عالجو، بدك ياني إدفع حق فحص كورونا؟”.

نحو عرسال

نحو عرسال حملنا الأسئلة ذاتها وطرحناها على رئيس اللجنة الصحية لأيادي الخير في عرسال المهندس وليد رحمة الذي كرر الشكوى ذاتها من ارتفاع كلفة فحص “كورونا”، وعدم إجراء فحوص عشوائية دورية في المخيمات. وقال: “منذ مدّة أتت لجنة من وزارة الصحة وأجرت فحوصاً مجانية في مخيمات عرسال وتبين وجود 35 مصاباً. وكان القرار بعزل كل مخيّم تظهر فيه حالات، فالحجر الفردي شبه مستحيل داخل الخيم التي تعيش فيها عائلات من 5 أو 8 أفراد أو أكثر”. ويشير إلى أن “المساعدات المعيشية والطبية ضعيفة جداً، تقتصر على بعض الجمعيات المحلية والمبادرات الفردية”. علماً أن عرسال في البقاع الشماليّ تضم نحو 105 مخيمات للسوريين، حيث يعيش حوالى 75 ألف لاجئ. ومع التكتم على حالات الإصابة، يمكن تخيّل عدد المصابين الذين يئنون بصمت داخل تلك الخيم.

ويفيد رحمة معدة التحقيق بتسجيل حالتي وفاة من اللاجئين في عرسال قبل فترة وجيزة، بسبب عدم القدرة على تأمين أجهزة للتنفس الاصطناعي أو سرير في مستشفى، مشيراً إلى صعوبات كبيرة يتكبدها أهل المخيمات في حال وجود حالات حرجة.

العواصف خطر مضاعف

بسبب الحالة الجوية المتعكّرة ووصول الثلوج والمتساقطات بغزارة إلى عرسال وبعلبك وغيرهما من المناطق، اضطر المئات إلى هجر خيمهم والانتقال للسكن مع لاجئين آخرين في خيم أو بيوت أخرى.

هذه المشهدية تعزز بطبيعة الحال تفشي الوباء مع حشر عدد أكبر من الأفراد في مسكن واحدة ويزيد من استحالة الحجر الصحي للمصابين.

وفي ظل الضعف في التدخل الرسمي لضبط الأمور داخل المخيمات وحتى خارجها، كان دور المبادرات المدنية، فاللجنة الصحية لأيادي الخير هي لجنة تضامنية بين اللاجئين أنفسهم، إذ يساهمون عبر اشتراك شهري رمزي في مساعدة بعضهم بعضاً لتأمين جزء من التغطية الصحية. يقول رحمة، “1200 عائلة ساهموا معنا في هذه اللجنة، كانت كل عائلة تدفع 1000 ليرة شهرياً، والآن أصبح الاشتراك 2000. نحاول توزيع المساعدات والتغطية الصحية للمحتاجين إلى علاج أو جراحة، نحاول تأمين 30 في المئة من الفواتير الصحية لأهلنا في المخيمات. والآن في زمن كورونا جمعنا مبلغاً لتأمين سلة نظافة لكل مصاب ونحاول تأمين الأدوية. واشترينا 3 عبوات أوكسيجين لتكون متوفرة للمحتاجين”.

“أنا مريض ربو”

“أنا أعاني من الربو وأستخدم جهاز رذاذ طوال الوقت تقريباً. لم تكن عوارض كورونا رؤوفة أو لطيفة معي، تحملت الكثير. أحياناً كنت أختنق وأخرج من خيمتي بحثاً عن هواء أتنشّقه. زوجتي أيضاً أصيبت وبعد إجراء الفحص، كان علينا أن نحجر أنفسنا 14 يوماً. كنت أحتاج إلى جهاز تنفس بشكل ملح، لكنني خفت أن أتوجّه إلى المستشفى. أولاً بسبب وصمة العار التي تتلبّس المصاب بكورونا كما لو كان مذنباً، وثانياً لأن المستشفيات ممتلئة وسيكون صعباً أن أجد جهازاً أو سريراً. كما أنّ أوراقي ليست نظامية، وخفت من الاعتقال. اضطررت إلى تحمّل العذاب في خيمتي وبصمت”، هكذا يروي محمد م.، وهو لاجئ سوري في منطقة عرسال تجربته مع الوباء.

يضيف: “كانوا يتصلون بنا من البلدية وأيضاً من مفوضية اللاجئين للاطمئنان وسؤالنا عن الأعراض. لكنني لم أقل لأحد إنني أحتاج إلى جهاز أوكسيجين. غلبني الخوف من وصمة العار ومن التكلفة وأيضاً من الاعتقال”.

الناشط محمد الدهيبي يوضح أن الوضع مأساوي في معظم مخيمات الشمال من المنية إلى عكار. يقول: “في البقاع المخيمات تنعم ببعض التنظيم، أما هنا فالفوضى عارمة. هناك مخيمات تعود إلى ما قبل الأزمة السورية، وأخرى أضيفت إليها مع نزوح آلاف السوريين الهاربين من الحرب. لذلك من الصعب جداً إحصاء عدد المصابين أو حتى تقديم مساعدة شاملة”. يشير الدهيبي إلى أن “معظم اللاجئين لا يملكون ثمن فحص كورونا، فيتعاملون مع الأمر كأي زكام عادي ويحاولون معالجته في خيمهم مع عائلاتهم”.

“لم نسمع عن إجراء فحوص عشوائية هنا، خلال أزمة كورونا، ومع عدم قدرة اللاجئين على تحمّل تكلفة الـPCR فالأمر يزداد خطورة. والمساعدات تقتصر على بعض المبادرات والمتطوعين، وهي بطبيعة الحال لا تغطّي الحاجة” يقول الدهيبي. وتضاف إلى أزمة المخيمات السورية، المخيمات الفلسطينية في الشمال اللبناني وفي مناطق أخرى، ومع ضعف المقومات المعيشية والصحية وعدم الالتزام بالحجر الصحي والوقاية، تتضاعف خطورة الإصابة وتفشي المرض بصمت.

يتابع الدهيبي، “يضطر اللاجئون إلى إخفاء إصابتهم حتى يستمروا في العمل، فمعظمهم عمال زراعيون مياومون، وبالتالي لا يستطيعون التوقف عن العمل والانكفاء للحجر أسبوعين من دون أي مساعدة أو إعانة لهم ولعائلاتهم. هذا الأمر بطبيعة الحال يزيد من خطورة نقل العدوى والاختلاط وبالتالي تفشي الوباء أكثر وأكثر”.

هذا التعتيم وعدم إجراء الفحوص يجعل المخيمات قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة. اللاجئون أمام خيارين، إما العمل لإطعام أولادهم، أو الجوع والاحتماء من “كورونا”. ففي عكار والمنية مخيمات يضم واحدها حوالى 2500 لاجئ، لم تسجّل حالة مؤكدة واحدة ولم يُجرَ فحص واحد، وفق ناشط سوري فضل عدم الكشف عن اسمه. علماً أن مخيمات عكار والمنية تضم حوالى 150 ألف لاجئ سوري، ولم تسجّل حتى الآن سوى حالات معدودة مؤكدة، ما يشير بطبيعة الحال إلى وجود حالات كثيرة غير معلنة.

هذا مع العلم أن لبنان حالياً يرزح في المرتبة 21 عالمياً في أعداد الوفيات مقارنة بعدد السكان، مع أكثر من 250 ألف إصابة مؤكدة، وبمعدّل وفيات يتجاوز الـ50 يومياً.

في المقابل، تشير مفوضية اللاجئين لمعدة التحقيق إلى أنها “تتابع المصابين للتأكد من حصولهم على الرعاية الطبية المناسبة وتقديم المشورة بشأن العزل الذاتي بما يتماشى مع الإرشادات الطبية بشأن كوفيد- 19”. وتضيف: “وفقاً للنظام الذي وضعناه في استجابتنا للوباء، زودت المفوضية وشركاؤها، اللاجئين بالطعام والمطهرات من أجل مساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية أثناء العزلة بينما تتم تغطية 100 في المئة من تكلفة العلاج، في حال دخول أحدهم إلى المستشفى”.

وتقول المتحدثة الإعلامية باسم المفوضية ليزا أبو خالد: “منذ شباط/ فبراير، بذلت فرق المفوضية كل الجهود لإعادة تأهيل وتوسيع سبعة مستشفيات حكومية في بيروت وصيدا وبعلبك ورياق وزحلة وطرابلس وحلبا. لقد قمنا ببناء مرافق مخصصة لتوسيع المستشفيات أو إعادة تأهيل الأقسام الموجودة غير المستخدمة وتجديدها بمعدات طبية جديدة”.

لكنّ ذلك يبقى قاصراً عن حماية المخيمات والمجتمع ككل من تفشي الوباء بين تلك الخيم الصغيرة والمتراصة.

في هذا الإطار، يرى أستاذ التنمية والاستراتيجية في الجامعة الأميركية في بيروت ناصر ياسين أن “الاستجابة الرسمية والمحلية لما يحصل في المخيمات من تفشٍ للوباء، تأخرت كثيراً. لكن إن أردنا التفكير بإنقاذ الوضع قبل أن ندخل في نفق إصابات أكبر، فهناك ضرورة لإجراء فحوص عشوائية وبطريقة دورية في المخيمات، وألا يقتصر الأمر على حملات متقطعة ومحدودة. ولكن قبل ذلك من الضروري إيجاد مراكز للعزل كافية، قرب التجمعات والمخيمات”.

هل اللقاح للجميع؟

يترقّب لبنان وصول مليونين و100 ألف جرعة من لقاح “فايزر” تصل على مراحل بدءاً من شباط/ فبراير 2021. والصفقة ستشمل منح لبنان 600 ألف جرعة مجانية من ضمن العدد الكلي للجرعات. 2.1 مليون جرعة يعني تلقيح حوالى مليون من عدد المقيمين الكلي، إذ يحتاج كل فرد إلى جرعتين، وضمن هؤلاء 300 ألف لاجئ.

علماً أن لبنان يستقبل حوالى 192 ألف لاجئ فلسطيني (174422 لاجئاً فلسطينياً في لبنان و17706 لاجئين فلسطينيين من سوريا) و865531 لاجئاً سورياً وفق أرقام مفوضية اللاجئين. وكان وزير الصحة حمد حسن تحدّث عن إبرام صفقات مع شركات أخرى لاحقاً.

ستوزع اللقاحات وفق الخطة في البداية على الأطباء والممرضين والعاملين في القطاع الصحي، الذين يشكّلون نحو 170 ألف شخص.

وبذلك يطالب ياسين “بضرورة توزيع اللقاحات وفق الحاجة والسن، وليس وفق الجنسية، حتى يكون مفيداً للمجتمع في محاربة الوباء، ضمن هذه المجموعة من اللقاحات التي ستصل أو في أي صفقة مرتقبة أخرى مع الشركات المنتجة”. فيما كان سُمع في الأرجاء بعد الإعلان عن إبرام الصفقة وإقرار القوانين الضرورية لاستخدام اللقاح، خطابات تنتقد شمل غير اللبنانيين باللقاح، واعتبار أن الأولوية لحاملي الجنسية اللبنانية. ما يشير إلى قصور حقيقي في فهم خطورة الوباء العابر للجنسيات وكيفية مواجهته.

الحرب مع الوباء لن تنتهي في شباط المقبل، ولا تكفي 2.1 مليون جرعة لحماية بلاد تحوي ما يقارب 6 ملايين و800 ألف إنسان. وإثر ذلك ستبقى المخيمات بؤراً للتفشي الصامت الذي لا يأبه له المعنيون، على وقع استنزاف قدرات المستشفيات والكوادر الطبية والقرارات الحكومية المتردّدة وغير الكافية.

درج

————————-

=======================

تحديث 27 كانون الثاني 2021

——————————-

حين كان الوباء يتجوّل في بيتي/ وداد نبي

عظام عصافير صغيرة محفوظة في علبة خل التفاح بخزانة المطبخ، فطور ملونة بأشكال مختلفة تنمو على حواف البراد والمجلى كتلك التي رأيتها طوال شهر تشرين الأول/ أكتوبر في غابات وطرقات مدينة راينسبيرج، صوت أنين وسعال محشوران في قوارير زجاجية صغيرة محكمة الإغلاق موضوعة في صحن الفخار المغربي الملون، وكل محاولات تلك الأصوات بالصراخ وطلب النجدة تذهب هباءً، فقط أفواه تتحرك دون صوت، كل تلك الأشياء كانت تتناوب على زيارتي في كل ليلة على شكل كوابيس في أيام الوباء، الأيام التي أصبت بها مع زوجي بفيروس كوفيد 19.

ازدادت شدة هذه الكوابيس بعد أن دخل زوجي غرفة العناية المركزة في المشفى، وعبثًا كنت أحاول تذكر أسابيعنا السعيدة الأخيرة في مدينة راينسبيرج )ألمانيا)، حيث كنا نقيم في قصر المدينة بموجب منحة للكتابة، كنت أحاول تذكر كل تلك الطرقات التي اكتشفناها مشيًا استغرق أحيانًا ست ساعات متواصلة. البحيرة والقصب المتمايل الذي كان يسورها، الفطور الملونة، السناجب والأعشاب البرية التي كانت تنحني مع خطواتنا، لكن عقلي كان يرفض استرجاع زمن سعيد محكوم بخوف شديد من الفقدان في زمن الحاضر.

كان مؤلمًا التعامل اليومي مع احتمالية فقدان شريكي، لأن الفقد كان يأتي مرتبطًا بجملة عوامل متشابكة، ماضي الهروب من مسقط رأسي، الهزيمة وخسارة الحياة القديمة، والهروب من كل البلاد والذكريات. لذا كان مجرد التفكير بخسارة كل شيء من جديد يفتح بوابات الجحيم عليّ في كل لحظة.

في زمن الوباء أصبحت لاعقلانية، أكثر هشاشة، وقابلة للتحطم تحت تأثير الأفكار والكوابيس، كنت أصارع الأشباح والأسئلة بجزع، ماذا لو كان هذا يحدث مع جميع سكان الأرض، أقصد الخوف والهذيان من الفيروس، أي تغييرات كبيرة تطرأ على حياتنا دون أن ننتبه، نحن المشغولون بمحاربة الوباء فيما هو يؤسس نظام تفكيرنا الجمعي من جديد. يجعلنا جميعا أسرى مخاوفنا من أنفسنا ومن الآخر حامل الوباء.

كانت إصابتنا بالفيروس مثل تركيب مرايا متعددة في كل زاوية من زوايا البيت، مرايا تعكس مخاوفي، أوهامي وهشاشتي، كنت أشاهد وهم اعتقادي النجاة، لم أكن ناجية لا من الحرب ولا من الخوف. (بالنسبة إليّ الخائف كل شيء يصدر حفيفًا) كما قال الأديب اليوناني سوفوكليس.

في طرف الكومودينو كتاب “عزاءات الفلسفة” للمفكر ألان دي بوتون، ترى كيف كان الفلاسفة الإغريق يتعاملون مع فكرة الموت. ألم يتقبل سقراط موته بالسم دفاعًا عن أفكاره؟ لكن أي معنى للموت وأنت تحارب فيروسًا لا تراه؟ كائن لا تستطيع أن تنظر في عينه حين يأتي ليصرعك؟!

مع كل يوم كانت تمد تلك الأسئلة الوجودية برأسها لبيتنا، فتتجول معنا داخل المطبخ وغرفة النوم، داخل بانيو الحمام، وحتى حين أفتح النافذة المطلة على الحديقة الخلفية لأراقب شجرة الحور، فأجدها تسبقني على شكل عصفور يقف مقابلًا لي على غصن من تلك الأغصان. كنت أتذكر تلك الأسطورة اليونانية، حين حاول أورفيوس الوقوف بوجه الموت، باستعادة حبيبته من العالم السفلي، وكيف في النهاية خسر الرهان أمام شرط اللوعة والاشتياق.

كيف يمكن لهذا العالم غير المرئي، عالم الفيروس، أن ينتصر على عالمنا المرئي والصلب؟ على بيتنا والمكتبة التي فيها، النباتات المنزلية التي أعتني بها منذ سنوات؟ كيف يمكن أن ينتصر على مشاويرنا اليومية في كل أيام أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر في الطبيعة رفقة البحيرة؟ على ماضينا وذكرياتنا ومعاركنا مع الديكتاتورية والحرب والنجاة؟ كيف أمكن لهذا الكائن غير المرئي أن يكون قادرًا على القضاء على كل تلك المحسوسات؟ أتراها حقًا الحياة مجرد صورة متخيلة أو حلمًا. ما الذي يفصل بيننا وبين الوهم إذًا؟

ضفة ثالثة

——————————

لقاحات الفلسطينيين بين العنصرية الإسرائيلية وتلكؤ السلطة/ فراس الطويل

“أعيش حالة رعب حقيقية، كل يوم أذهب إلى عملي خائفاً من الإصابة”… لا يملك الفلسطينيون سوى الانتظار.

ينتظر أديب الصيفي (62 سنة) بفارغ الصبر وصول اللقاحات المضادة لفايروس “كورونا” إلى الأراضي الفلسطينية، ليتغلب على كابوس رافقه منذ رصد الوباء في الأراضي الفلسطينية مطلع آذار/ مارس الماضي. “أعيش حالة رعب حقيقية، كل يوم أذهب إلى عملي خائفاً من الإصابة”. يعمل الصيفي مديراً لمصنع للأدوية في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، ويحتك بحكم عمله مع عشرات الموظفين في أقسام المصنع المختلفة. وتضاعف خوغه، بعدما فقد شقيقه الأكبر متأثراً بمضاعفات الفايروس.

يعيش الصيفي حال خوف دائم من الوباء ويستغرب تأخر وصول اللقاحات. يتابع كيف بدأت إسرائيل عمليات التطعيم في 20 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فيما لا يزال الفلسطينيون يصارعون مصيرهم مع تصاعد الدعوات لمطالبة السلطة الفلسطينية بتسريع استيراد اللقاح.

ففيما يتخبط الفلسطينيون بشأن اللقاح انتهت إسرائيل من تطعيم ربع الإسرائيليين، متخلية عن التزاماتها تجاه الفلسطينيين بموجب القانون الدولي وهو ما أثار سخطاً واستنكاراً محلياً ودولياً.

إسرائيل تتنصل من التزاماتها

يلقي سائد حسن (45 سنة)، وهو أيضاً من سكان الضفة الغربية، بالمسؤولية في مسألة توفير اللقاحات للفلسطينيين على الجانب الإسرائيلي، واستنكر إعطاء اللقاح للإسرائيليين فقط. أصيب حسن بالفايروس وعانى من أعراضه لأكثر من عشرة أيام، اضطر خلالها لدخول المستشفى والبقاء تحت الرعاية المشددة. انتقل إليه الفايروس من والده الذي توفي متأثراً بمضاعفات الإصابة. يقول بصوت حزين بعد ساعة من دفن والده في بلدة كفر ثلث في قلقيلية: “عدت إلى فلسطين قبل عامين وقررت الاستقرار هنا. لقد تركت كندا أفضل مكان يمكن أن يعيش فيه الإنسان من حيث الخدمات والرعاية الصحية، أشعر بالندم بسبب عودتي، لا يتوفر الاهتمام المطلوب بالصحة العامة هنا، أنا أنتظر لحظة بلحظة وصول اللقاح، فبعدما فقدت والدي، أريد الآن حماية والدتي التي تعاني من أمراض، لقد عزلتها نهائياً عن العالم بانتظار اللقاح”.

لا يملك الفلسطينيون سوى الانتظار، لا سيما أن إسرائيل لم توسع نطاق برنامجها للتطعيم، الذي يستخدم لقاحي “بيونتيك/ فايزر” و”موديرنا”، ليشمل 5.2 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، متنصلة بذلك من مسؤوليتها كقوة احتلال بتوفير اللقاحات للفلسطينيين بموجب القانون الدولي. وتنص المادة 56، من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب الصادرة عام 1949، على أنه من واجب دولة الاحتلال “اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة”.

وأعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية،

أنه تم حتى الآن تطعيم 2.3 مليون شخص ضد فايروس “كورونا” المستجد،

حتى تاريخ 21 كانون الثاني/ يناير، 692 ألفاً منهم،

حصلوا على الجرعة الثانية.

جمعية “أطباء لحقوق الإنسان” الإسرائيلية، طالبت بتوفير اللقاحات للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، “الفلسطينيون يخضعون للسيطرة والاحتلال الإسرائيليين، ما يمنعهم من ضمان حقهم في الصحة بأنفسهم ولأنهم لا يملكون خياراً مستقلاً في شراء اللقاحات، من دون أن يمر الأمر عبر السلطات الإسرائيلية”، بحسب الجمعية.

وشككت “أطباء لحقوق الإنسان” بأن تكون لدى السلطة الفلسطينية قدرة على أن تموّل بنفسها، عملية شراء اللقاحات وكلفة توزيعها. وأشارت إلى أن “على إسرائيل أن تتحمل تمويل العملية، كجزءٍ من مسؤوليتها تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة”.

الخبير الفلسطيني في القانون الدولي، حنّا عيسى، اعتبر أن “إسرائيل تتهرب من مسؤولياتها القانونية، تجاه الفلسطينيين، لا يوجد دولة فلسطينية قائمة، السلطة موجودة على الورق فقط، عبر اتفاق أوسلو، ليس أكثر، إسرائيل هي سلطة الأمر الواقع تدخل وتعتقل وتهدم وتقتل متى تشاء”.

وتجاوز عدد الإصابات بالفايروس في الضفة الغربية وقطاع غزة 154 ألف إصابة، فيما بلغ عدد الوفيات 1769 بحسب تقرير وزارة الصحة الفلسطينية بتاريخ 23 كانون الثاني.

أخيراً… اللقاح يصل الأسرى الفلسطينيين

بعد سلسلة مطالبات حقوقية فلسطينية ودولية، أفاد نادي الأسير الفلسطيني، بأن 287 أسيراً في سجن “نفحة” الإسرائيلي تلقوا اللقاح. وكانت إدارة سجون الاحتلال بدأت بإعطاء اللقاح للأسرى بعد شهر كامل من بدء عمليات التلقيح للإسرائيليين، عقب مطالبات تصاعدت إثر تصريحات عنصرية أطلقها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، أمير أوحانا، وحرض من خلالها على حرمان الأسرى من اللقاح.

وأفاد قدري أبو بكر، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين بأن “إدارة السجون الإسرائيلية أبلغت الأسرى الفلسطينيين لديها بأن عملية تلقي اللقاح ستكون إجبارية وحذرت كل أسير يرفض الجرعات بنقله إلى أقسام العزل الانفرادي”. يذكر أن حصيلة الإصابات بين صفوف الأسرى بفايروس كورونا تجاوز منذ بداية انتشار الوباء 290 إصابة، وفق معطيات “نادي الأسير” وهو جمعية غير حكومية تعنى بشؤون الأسرى الفلسطينيين.

السلطة واللقاح

السلطة الفلسطينية تنتظر وصول أولى الدفعات من اللقاح بعدما تعاقدت مع 4 شركات لتصدير اللقاح. ووفق رئيس الوزراء محمد اشتية، فإن الأسبوع الأول من شهر شباط /فبراير سيشهد دخول اللقاح إلى الأراضي الفلسطينية ضمن آلية “كوفاكس” المنبثقة عن منظمة الصحة العالمية. وبحسب مسؤولين في وزارة الصحة في رام الله، فإن عملية التطعيم الشاملة ستبدأ على نطاق واسع في نهاية شهر آذار/ مارس المقبل، مع إمكان تطعيم أعداد محدودة من الفئات الأكثر عرضة للإصابة، قبل ذلك الموعد اعتماداً على اللقاحات المتفرقة التي تصل من جهات مختلفة على شكل مساعدات.

ووصلت خمسة آلاف جرعة من لقاح “سبوتنيك في” الروسي للوقاية من فايروس “كورونا” إلى الأراضي الفلسطينية في الثلث الأخير من شهر كانون الثاني، على أن تصل 100 ألف جرعة أخرى لتطعيم 50 ألفاً من الفلسطينيين بحلول أذار، بعد موافقة الحكومة الفلسطينية على الاستخدام الطارئ للقاح، وسماح إسرائيل للسلطة الفلسطينية باستيراده.

عبد الحفيظ نوفل، السفير الفلسطيني لدى روسيا قال إن موسكو وافقت على إرسال 5000 جرعة مجانية. وأضاف: “نحن بصدد استكمال الاتفاق مع الحكومة الروسية لشراء 100 ألف جرعة لقاح، بمعنى أنها ستكفي 50 ألف شخص، الجانب الروسي أبلغنا أنهم لا يستطيعون أن يقدموا لنا سوى 100 ألف جرعة لقاح في شهر شباط”.

والسعر الذي حددته روسيا لاستيراد جرعتي اللقاح اللازمتين لكل شخص هو 18 دولاراً، لكن نوفل قال إن السلطة الفلسطينية، التي تعاني من أزمة مالية، بصدد التفاوض على سعر مخفض.

وزارة الصحة الفلسطينية أوضحت أنه سيتم أولاً تطعيم العاملين في القطاع الطبي وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة في غزة والضفة الغربية. وذكرت وزيرة الصحة مي الكيلة في أكثر من مناسبة أن منظمة الصحة العالمية ستوفر من خلال آلية “كوفاكس” احتياجات 20 في المئة من سكان الدول النامية، وستكون حصة فلسطين كافية لنحو مليون شخص.

البيانات الرسمية تشير إلى أن الحكومة الفلسطينية ستشتري ما يكفي لـ50 في المئة من عدد السكان في الضفة والقطاع، البالغ عددهم نحو 5 ملايين نسمة، وأن الدفعة الأولى من اللقاحات، من منظمة الصحة العالمية، ستكون بنسبة 3 في المئة من عدد السكان، وستوزع على الطواقم الطبية ومرضى السرطان وكبار السن.

التصريحات الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية محبطة للشاب رفعت أبو ليلى (40 سنة) المصاب بفشل كلوي، ويضطر لزيارة المستشفى الحكومي في رام الله ثلاث مرات أسبوعياً لإجراء عملية غسيل الكلى. حياته أصبحت مقتصرة على المنزل والمستشفى، ولا يستطيع ممارسة عمله في مجال ميكانيك السيارات لأنه يخشى الإصابة، وما يرافقها من مضاعفات لشخص يصنف على أنه من ذوي المناعة الضعيفة. يقول بعد خروجه من المستشفى وعلامات التعب والهزال ظاهرة على وجهه: “يومياً أتابع الأخبار، وأنتظر أي خبر يفيد بوصول اللقاحات، حياتي مهددة بسبب الفشل الكلوي، ولا أستطيع إجراء عملية زراعة للكلى في الوضع الحالي، فما بالك مع وجود فايروس خطف حياة أناس أصحاء؟”.

درج

————————

======================

تحديث 01 شباط 2021

———————————–

ماذا يحدث حين يصبح اللمس تابو؟/ لورا كروسيانيللي

اللمس هو الحاسة الأولى التي نواجه بها العالم، والحاسة الأخيرة التي تغادرنا ونحن على مشارف الموت. “يأتي اللمس قبل الرؤية، قبل الكلام”، تقول مارغريت آتوود في روايتها “القاتل الأعمى” (2000). “إنه اللغة الأولى والأخيرة، وهو يقول الحقيقة دائمًا”. تكويننا البيولوجي يثبت صحة ذلك. بعد حوالي ستة عشر أسبوعًا من الحمل، تصبح الأجنّة البشرية مغطاة بشعيرات ناعمة تُعرف باسم الزغب. ويعتقد بعض الباحثين أن من شأن هذه الشعيرات الدقيقة أن تعزّز الأحاسيس المبهجة التي يمنحها السائل الأمنيوسي للأم، وهو يغمر جلدنا برقّة، ليكون بمثابة مبشّرٍ بالشعور الدافئ والمطمئِن الذي سيستمدّه الطفل، ما إن يولد، من العناق.

لطالما كان اللمس الحاسة المفضّلة عندي؛ صديقي المخلص الذي أستطيع الاتكال عليه في رفع معنوياتي حين أشعر بالإحباط، أو في إشاعة البهجة حين أكون في مزاجٍ عالٍ. لكني، كإيطالية تعيش خارج بلدها منذ أكثر من عقد، عانيت كثيرًا من نوع من الجوع للمس، ما ترك نتائج غير مباشرة على مزاجي، وعلى صحتي، في العموم. يستخدم الناس في أوروبا الشمالية اللمس الاجتماعي أقلّ مما يفعل الناس في أوروبا الجنوبية. لكّل ذلك، ليس من المفاجئ، كما أدرك الآن، أنني أمضيت السنوات الأخيرة في دراسة اللمس من موقعي كعالمة.

يمرّ اللمس مؤخرًا بـ”فترة حظر”: إنه وقت عصيب بالنسبة إلى هذه الحاسة الأكثر أهمية بين الحواس. جعل وباء 2020 اللمسَ التابو الأكثر تحريمًا، إلى جانب السعال والعطاس على الملأ. ففي حين يمكن للذين يعانون من كوفيد 19 أن يفقدوا حاستي الشم والذوق، يبقى اللمس هو الحاسة التي تلاشت عند جميعنا تقريبًا، سواء أثبتت الفحوص إصابتنا أم لا، ظهرت علينا الأعراض، أم لم تظهر، أُدخلنا المستشفى، أم بقينا في منازلنا. اللمس في كلّ حال كان الحاسةَ التي تكبدت الثمن الأفدح.

لكن، إن كان التباعد الجسدي هو ما يحمينا، فهو أيضًا يقف حائلًا أمام العناية والرعاية. يتضمن الاعتناء بإنسان آخر، تقريبًا على نحو حتمي، لمسَه، ابتداءً بالاحتياجات الأساسية، كالاستحمام، والإلباس، والإنهاض، والمساعدة والمعالجة الطبيتين (أو ما يُشار له عادة باسم اللمس الأداتيّ)، وانتهاءً بالمبادلات اللمسية الأكثر عاطفيّة التي تهدف إلى التواصل، ومنح السلوى، وتقديم الدعم (أو ما يعرف باللمس التعبيري). تقترح البحوث في مجال المعالجة العظمية والعلاج اليدوي، حيث يعمل ممارسو ذلك النوع من العلاج عن كثب مع علماء الأعصاب على موضوع اللمس العاطفي، أن التأثير المفيد للعلاج بالتدليك يتجاوز إلى حد بعيد الحركات الفعلية التي يقوم بها المُعالج. وأن ثمة بالأحرى شيئًا خاصًا في الفعل ذاته الذي ينطوي على وضع المرء ليديه على جلد المريض. ما من عناية، إذًا، ما من علاج، من غير لمس.

جاءت مرحلة القحط الحالية في اللمس بعد فترة كان فيها البشر يصبحون أساسًا أكثر خوفًا من لمس واحدهم الآخر. وقد مكّنت التكنولوجيا من تحقيق هذا التباعد، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي المصدرَ الرئيسي للتفاعل الاجتماعي عند الأطفال والمراهقين. أظهر استبيان أجري مؤخرًا أن 95% من المراهقين يستخدمون هواتف ذكية، بينما يقول 45% منهم إنهم يبقون موصولين بشبكة الإنترنت (online) “بشكل دائم تقريبًا”.

يعود الارتياب بحاسة اللمس أيضًا إلى الإدراك العالمي المتزايد بأن اللمس قد يكون سلاحًا

“جاءت مرحلة القحط الحالية في اللمس بعد فترة كان فيها البشر يصبحون أساسًا أكثر خوفًا من لمس واحدهم الآخر”

يستخدمه الرجال لفرض سلطتهم على النساء. فضحت حركة “أنا أيضًا” (#MeToo) المناهضة للتحرش كيف يُتوقع من النساء أن يذعنّ للمس غير اللائق كثمنٍ للحصول على أنواع معينة من الفرص. من ناحية أخرى، تم توجيه الأطباء، والممرضين، والمعلمين، والباعة، ليتجنبوا الإكثار من اللمس. مع هذا، تقترح الدراسات أن اللمس في الواقع يحسّن نوعية لقاءاتنا مع هؤلاء المهنيين، ويجعلنا نقيّم التجربة بإيجابية أكبر. على سبيل المثال، من المحتمل أن نعطي نادلًا يلمس كتفنا، عرضًا، أثناء أخذ الطلب، بقشيشًا أكثر سخاء مما نعطي لنادل يبقى بعيدًا.

ما يميّز حاسة اللمس، عند مقارنتها بالحواس الأخرى، هو سمة التبادلية فيها. ففي حين نستطيع أن ننظر من دون أن يُنظر إلينا، ليس من الممكن أن نلمس من دون أن نُلمَس في المقابل. أثناء الوباء، قال الأطباء والممرضون إن هذه الخاصية الفريدة للمس ساعدتهم في تواصلهم مع المرضى. فعندما لم يكونوا قادرين على الكلام، والابتسام، أو لم يكن من الممكن رؤيتهم على نحو جيد بسبب معدات الوقاية، كان في إمكان الخبراء الطبيين الاتكال دومًا على تربيتة على الكتف، أو إمساك يد، أو الضغط على ذراع، من أجل طمأنة المرضى وجعلهم يعلمون أنهم ليسوا في مفردهم. في وباء يُعتبر اللمس فيه ناقلًا مثبتًا للمرض، اللمس أيضًا، للمفارقة، جزء من العلاج. اللمس بالفعل هو الأداة الأساسية للتواصل الاجتماعي، ومن حسن الحظ أننا ولدنا مزودين بما يمكننا من الاستفادة منه الاستفادة القصوى.

نتائج الحرمان من اللمس

في التسعينيات، ظهرت موجة بحوث تبيّن النتائج الصادمة التي يتركها الحرمان من اللمس على التطور البشري. وأظهرت دراسات عدة أن أطفال دور الأيتام الرومانية، الذين بالكاد تم لمسهم في سنواتهم الأولى، يعانون لاحقًا من قصور في الجوانب الإدراكية والسلوكية، بالإضافة إلى فروق جسيمة في نموهم العقلي. في مرحلة الرشد، يُلاحظ أن البشر ذوي التواصل الاجتماعي القليل أكثر عرضة للموت المبكر مقارنة بالبشر ذوي العلاقات الاجتماعية القوية. كذلك، يصبح اللمس هامًا في وجه خاص مع تقدمنا في العمر: على سبيل المثال، ثبُتَ أن لمسة رقيقة تزيد كمية امتصاص الغذاء عند مجموعة من المسنين في دور الرعاية. حتى عندما لا نستطيع الرؤية، الاستماع، أو الحديث، كما اعتدنا، نستطيع، تقريبًا دائمًا، الاتكال على اللمس لاستكشاف العالم حولنا، والتواصل مع الآخرين، وتمكينهم من التواصل معنا.

يقدم العلم اليوم تفسيرًا لكون اللمس هامًا إلى هذا الحد. يمكن للمسة على الجلد أن تقلّل من تسارع دقات القلب، وتخفّض ضغط الدم ومستويات الكورتيزول – عوامل ترتبط جميعها بالتوتر- عند الأطفال والبالغين. يسّهل اللمس أيضًا إطلاق الأوكسيتوسين؛ الهرمون الذي يعطي شعورًا بالهدوء، الاسترخاء، والتصالح مع العالم. في كل مرة نعانق فيها صديقًا، أو نحضن حيوانًا أليفًا، يتم إفراز الأوكسيتوسين في جسدنا، مانحًا إيانا ذلك الشعور بالارتياح. على هذا

“يصبح اللمس هامًا في وجه خاص مع تقدمنا في العمر: على سبيل المثال، ثبُتَ أن لمسة رقيقة تزيد كمية امتصاص الغذاء عند مجموعة من المسنين في دور الرعاية”

النحو، يعزّز الأوكسيتوسين دافعنا للسعي نحو التواصل مع الآخرين والحفاظ على ذلك التواصل، ما يساعد بدوره في تطور الأدمغة البشرية ذات التوجه الاجتماعي في أساسها. يلعب الأوكسيتوسين أيضًا دورًا حيويًا في علاقتنا مع أنفسنا.

بالإضافة إلى ذلك، أثبتنا في مختبرنا مؤخرًا أنه يمكن للأوكسيتوسين أن يعزّز عمليات التكامل متعدد الحواس، أو ما يدعى بـِ”غِراء الحواس”؛ وهي الطريقة التي يقدم فيها العالم، عادة، نفسه إلينا، بوصفه صورة متماسكة، بدلًا من عدة مسارات متمايزة من بيانات الحواس. التكامل متعدد الحواس هو، بدوره، أساس إحساسنا بملكية الجسد؛ الشعور بأن جسدنا ملك لنا، والذي يعتبره معظمنا أمرًا مفروغًا منه. من أجل دراساتنا هذه، قمنا بدعوة مجموعة من الأشخاص إلى مختبرنا، واستحثينا عندهم “وهم اليد المطاطية”؛ خدعة مثبتة ينظر المشاركون فيها إلى يد مطاطية شبيهة باليد الحقيقية يجري لمسها في الوقت ذاته الذي يتم فيه لمس يدهم المخفية عنهم. بعد دقيقة تقريبًا من التحفيز اللمسي المتزامن، تختبر الغالبية العظمى من المشاركين شعورًا بالتوهم بأن اليد المطاطية هي يدهم، ويبدؤون بتجسيدها. وقد وجدنا أن تطبيق هذا التحفيز اللمسي ببطء، على نحو شبيه بالتمسيد، يعزز من توهم تجسيد اليد المطاطية. علاوة على ذلك، لاحظنا أن إعطاء المشاركين جرعة واحدة من هرمون الأوكسيتوسين، عن طريق الأنف، قبل الخدعة، يعزّز التجربة، مقارنة بإعطائهم عقارًا وهميًا. بكلمات أخرى، يمكن للمس العاطفي والأوكسيتوسين أن يعزّزا العملية التي تبقينا متصلين بجسدنا المادي.

اللمس هو الحاسة الأولى التي تُطوّر الجلد، أكبر الأعضاء البشرية، وتتم بواسطته. ونُعتبَر نحن البشر من الثدييات القليلة التي تولد سابقة لأوانها في مسار تطورها؛ بمعنى أن نظامنا الحركي غير مكتمل النمو، فنحن لا نستطيع أن نُطعم أنفسنا، أو ننظّم حرارة أجسادنا أبعد من حدّ معين، ما يعني أننا نعتمد على الآخرين لنبقى على قيد الحياة. بالنسبة إلى الطفل، تعتمد العناية به في المقام الأول على التواصل اللمسي و”أن يتم حمله”. وتشتمل كل النشاطات الأساسية على فعل لمس، مثل تبديل الحفاضات، والحصول على حمّام، والإطعام، والنوم، وبالطبع، الاحتضان. وحتى بعد أن ننجح في تخطي الأشهر القليلة الأولى في حياتنا، تبقى التفاعلات الاجتماعية اللمسية أساسية لتطورنا. على سبيل المثال، من المعروف أن اكتئاب ما بعد الولادة يترك آثارًا سلبية على الرضّع، إلا أنّ لمسة أمومية قد تترك تأثيرًا وقائيًا أيضًا. لهذا يمكن لتشجيع التبادلات اللمسية بين الأمهات المصابات بالاكتئاب وأطفالهن الرضّع أن يقلّل من النتائج السلبية التي قد تظهر لاحقًا عند الأطفال. من الهام أيضًا أن الفائدة هنا تبادلية: تزيد ملامسة الجلد للجلد بين الطفل والوالدين من مستويات الأوكسيتوسين عند الأمهات، الآباء، والأطفال، ما يمنحهم شعورًا بالارتياح، يعزز تطوير علاقة صحية، ويوطد التزامن في التفاعل بين الأهل والأبناء.

يرى العديد من علماء الأعصاب وعلماء النفس أننا نملك نظامًا مخصصًا لإدراك اللمس الاجتماعي العاطفي، وهو يختلف عن النظام الذي نستخدمه للمس الأشياء. ويبدو أن في وسع هذا النظام أن يتعرّف بصورة انتقائية على اللمس الشبيه بالتمسيد. يتم بعد ذلك معالجة هذا

“بالنسبة إلى الطفل، تعتمد العناية به في المقام الأول على التواصل اللمسي و”أن يتم حمله””

اللمس في منطقة الإنسولا؛ وهي منطقة في الدماغ ترتبط بالمحافظة على إحساسنا بأنفسنا وإدراكنا لجسدنا. يُعتبر اللمس البطيء، الشبيه بالتمسيد، هامًا، ليس في بقائنا على قيد الحياة وحسب، بل في تطورنا الاجتماعي والإدراكي كذلك: يمكن أن يؤثر هذا اللمس، على سبيل المثال، في تعلمنا لكيفية التعرف على الأشخاص الآخرين وتمييزهم منذ عمر مبكر. في دراسة أجريت على أطفال رضّع بعمر أربعة شهور، ثبت أنه عندما يمنح الأهل تمسيدًا لطيفًا لأطفالهم، يصبح هؤلاء الأطفال قادرين على تعلّم تمييز وجه رأوه سابقًا، أفضل مما يفعل الأطفال الذي اختبروا تحفيزًا غير لمسيّ. يبدو، إذًا، أن اللمس الاجتماعي البطيء يعمل بوصفه تلميحًا لإيلاء انتباه خاص للمحفزات الاجتماعية، كالوجوه مثلًا.

بيد أن ما يهم بصورة خاصة في مرحلتي الرضاعة والطفولة ليس كمية اللمس الذي نتلقاه وحسب، بل طبيعته ونوعيته كذلك. في دراسة أجريناها حديثًا، أثبتُّ أنا وزملائي أن الرضّع يصبحون منذ عمر اثني عشر شهرًا قادرين على تبيّن الطريقة التي تلمسهم بها أمهاتهم أثناء النشاطات اليومية، في وقت اللعب مثلًا، أو أثناء التشارك في قراءة كتاب. في هذه الدراسة، لم تكن الأمهات يعرفن أننا مهتمون باللمس، ما أتاح لنا أن نحصل على تصور حقيقي عن تفاعلاتهم العفوية. ما يهم هنا أننا وجدنا أن قدرة الأمهات على فهم احتياجات أطفالهن تتُرجم إلى نوع من اللغة اللمسية: على سبيل المثال، الأمهات اللاتي كنّ أقلّ مواءمة، أو تجاوبًا، مع أطفالهن، كن يملن أيضًا إلى استخدام لمس أكثر خشونة ومحدودية. كذلك، يميل الأطفال إلى مبادلة الشعور، بمعنى أنهم كانوا أكثر ميلًا لاستخدام لمس عدواني تجاه أمهاتهم إذا كانت تلك هي الطريقة التي تم لمسهم بها.

اللمس لغةً

ليس من المبالغة الحديث عن اللمس بوصفه نوعًا من اللغة؛ لغة نتعلمها، كما اللغة المنطوقة، من خلال التفاعلات الاجتماعية مع أحبائنا، منذ المراحل الأولى من الحياة. نستخدم اللمس كل يوم لإيصال مشاعرنا، ولنخبر شخصًا آخر أننا خائفون، فرحون، واقعون في الحب، حزينون، مُثارون، وأكثر من ذلك بكثير. ونحن، بدورنا، بارعون جدًا في تفسير نوايا الآخرين ومشاعرهم استنادًا إلى الطريقة التي يلمسوننا بها. في دراسة أجريناها مؤخرًا، دعونا مجموعة من الناس إلى المختبر، وطلبنا منهم أن يكتشفوا المشاعر والنوايا التي يحاول المجرِّب إيصالها إليهم من خلال اللمس. وكان يتم إيصال اللمس بسرعات مختلفة: بطيء، مثل اللمس الذي يحدث عادة بين الآباء والأطفال، أو بين العشاق؛ أو سريع، وهو نوع اللمس الأكثر شيوعًا بين الغرباء. ووجدنا أن اللمس البطيء، الشبيه بالتمسيد، كان على الأرجح أكثر إيصالًا للحب، حتى عندما يكون من يقوم باللمس شخص غريب. في المقابل، لم يعزُ المشاركون أي معنى، أو مشاعر خاصة، للمس الذي كان يُوجَّه على عجل. ومن المثير للاهتمام أن المصابين بتلف دماغي في منطقة الإنسولا، يواجهون صعوبات في تمييز اللمس العاطفي، بالإضافة إلى اضطرابات في الإحساس بملكية الجسد؛ ما يدلّ على وجود مسار متخصص يصل بين الجلد وجزء محدد من الدماغ.

نحن نتبادل الإشارات اللمسية بوصفها رموزًا تواصلية، ليس من أجل بناء روابط اجتماعية وحسب، بل لتأسيس علاقات قوة أيضًا. في السياقات المهنية في الغرب، يستخدم الناس عادة قدرًا معينًا من الضغط على اليد أثناء مصافحة شخص يلتقونه للمرة الأولى. تعتبر المصافحة مؤشرًا إلى الأهليّة والثقة؛ نشعر بلمسة الشخص الآخر، ونبدأ بالتساؤل: “هل أثق به لما يكفي لأعرض عليه عملًا؟”، أو “هل يجب أن أسمح له بمجالسة أطفالي؟”. أظهرت إحدى الدراسات أن مصافحة قوية هي مؤشر رئيسي على النجاح في مقابلة عمل، ربما لأن المصافحة هي الأداة الأولى التي نردم بواسطتها الفجوة الجسدية بيننا وبين الآخر. تُستخدم المصافحة أيضًا لإبرام اتفاق، ولها من القوة ما يتمتع به توقيع، أو عقد. تشكّل الخطورة وقابلية الأذى المتأصلين في اللمس جزءًا مما يجعله يقوم بوظيفته كرابط اجتماعي؛ يُعتقد أن المصافحة هي بمثابة ضمان أن كلا الشخصين الذين يتصافحان لا يحملان أي أسلحة.

تؤثر لغة اللمس أيضًا على طريقة ارتباطنا بأنفسنا، وبأجسادنا، خلال فترة حياتنا، وما ينطوي عليه ذلك من تأثيرات عميقة على سلامتنا النفسية. في مجموعة أخرى من الدراسات، لاحظنا كيفية إدراك المصابين بفقدان الشهية العصبي للمس الشبيه بالتمسيد مقارنة بالأصحاء. فقدان الشهية العصبي هو اضطراب طعام شديد يتسم بإحساس المريض بجسده على نحو

“ليس من المبالغة الحديث عن اللمس بوصفه نوعًا من اللغة؛ لغة نتعلمها، كما اللغة المنطوقة، من خلال التفاعلات الاجتماعية مع أحبائنا، منذ المراحل الأولى من الحياة”

 مشوّه، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى انخفاض التفاعلات الاجتماعية. وقد حاولنا أن نعرف إذا كان إحساس المصابين، حسب وصفهم، بمتعة أقل جرّاء التفاعل الاجتماعي يرتبط بهذا الاضطراب. ووجدنا في دراستين أن المصابين بفقدان الشهية يجدون اللمس البطيء على الساعد، بواسطة فرشاة ناعمة، أقلّ متعة مما يراه الأصحاء المشاركون في التجربة. ما يثير الاهتمام أيضًا أننا وجدنا النمط نفسه من النتائج عند المتعافين من فقدان الشهية العصبي. يشير هذا إلى أن انخفاض القدرة على التمتع باللمس قد يكون سمة ثابتة أكثر منه حالة مؤقتة مرتبطة بسوء التغذية الحاد التي نلاحظه في فقدان الشهية العصبي. تدل هذه النتيجة، بالإضافة إلى نتائج عدة دراسات أخرى، على أن ثمة بالتأكيد صلة وثيقة بين اللمس الاجتماعي والصحة العقلية. وأننا، خلال حياتنا، نحتاج إلى اللمس لكي ننمو.

لكن، ماذا يحدث لفصاحتنا اللمسية حين يصبح اللمس تابو؟ في أكثر لحظات حياتنا ضعفًا، نصبح في حاجة إلى اللمس أكثر من أي وقت آخر. ومن كل ما نعرفه عن اللمس الاجتماعي، نجد أنه يجب أن يُعزَّز، لا أن يُمنع. نحن بحاجة إلى تمييز الفارق الدقيق في إدراك مخاطر اللمس، لكن تجنب اللمس كليًا سيكون بمثابة كارثة. لقد أعطانا الوباء الحالي لمحة عمّا سيكون عليه شكل حياتنا من دون اللمس. هذا الخوف من الآخر، من العدوى، من اللمس، أتاح للعديد منا أن يدركوا كم نفتقد تلك العناقات العفوية، والمصافحات، والتربيتات على الكتف. يترك التباعد الجسدي ندوبًا خفيّة على جلدنا. ومن اللافت للنظر أن معظم الناس أوردوا “عناق أحبتنا” كأحد أول الأشياء التي يريدون القيام به حال انتهاء الوباء.

اللمس حيوي جدًا، حدّ أن لغة الاتصالات الرقمية باتت أيضًا زاخرة بالاستعارات المستمدة من كلمة اللمس – Touch. فنحن نبقى على تواصل (‘keep in touch’)، ونقرّ بأن “اللفتة اللطيفة قد لمستنا”. وقد اقترح بعض الباحثين أنه يمكن للتكنولوجيا أن توطّد تواصلنا الجسدي مع الآخرين، عبر تحفيز أنواع جديدة من الارتباطات اللمسية بين الأشخاص بواسطة أدوات مثل بطانيات العناق، شاشات التقبيل، وأجهزة التمسيد. على سبيل المثال، يحاول مشروع بحثيّ في كلية لندن الجامعية أن يستكشف كيف يمكن للممارسات الرقمية، مثل “تسجيلات الإعجاب”، والرموز التعبيرية (الإيموجي)؛ وهي رموز تنقل الحالات العاطفية والاستجابات الاجتماعية، أن تمتد لتشمل التحكم عن بعد بالأقمشة والمواد. يمكن لشخصين بعيدين واحدهما عن الآخر أن يمتلكا جهازًا يكشف وينقل الاستجابة الحسية: على سبيل المثال، قد يصبح الحسّاس عندي ساخنًا وناعمًا حين يكون شريكي في الطرف الآخر من العالم متاحًا ويريدني أن أشعر بوجوده، أو قد يصبح، على العكس، باردًا وخشنًا حين يكون شريكي في حاجة إلى وجودي.

تنطوي هذه الأجهزة على كثير من الإمكانيات، لا سيما بالنسبة إلى البشر المحرومين من

“هل تُعتبر فكرة “إحياء اللمس” في الوضع الحالي خاصة بالشجعان والحمقى؟”

اللمس، مثل المسنين، والناس الذين يعيشون لوحدهم، أو الأطفال في دور الأيتام. يعيش 15% من البشر عبر العالم لوحدهم، وبعيدًا عن أحبائهم أغلب الأحيان، ما يعني أن مزيدًا من الناس يموتون وحيدين أيضًا. فكم سيُحدث من فرق أن تتحقق إمكانية أن يكون المرء قريبًا ماديًا من آخر، حتى وهو بعيد.

مع ذلك، حريّ بتلك الأجهزة أن تكون مكمّلة لقدرة التبادل اللمسي بين الجلد والجلد، وليست بديلًا منها. فما من شيء يضاهي سحر اللحظة التي نكون فيها قريبين جسديًا من شخص آخر، والتي كثيرًا ما يكون فيها اللمس مصحوبًا مع سلسلة من الإشارات الحسية الأخرى، كالرائحة، والصوت، وحرارة الجسد. اللمس أقرب مكانيًا وزمنيًا من حيث أنه يعني “نحن قريبون واحدنا للآخر ونحن هنا الآن، معًا”. وعلى عكس الحواس الأخرى التي يمكن أن تصبح رقمية، مثل رؤية وجه شخص آخر، والتحدث إليه عبر برامج مثل Zoom، يتطلب اللمس أن نكون في المكان ذاته، في الوقت ذاته، مع شخص آخر. وأي صيغة مرقمنة للمس ستنقصها هذه المشاطرة الغنية للحظة معينة في الزمان والمكان، ولن تمنحنا إلا تجربة أكثر محدودية لما يمكن للعناق الحقيقي أن يقدمه. إذا كنت أستطيع أن أوقف المحادثة مؤقتًا، أو أنسحب من شخص يرسل لي عناقًا رقميًا، فسيبقى ذلك الجانب من اللمس الذي “نتشاطر فيه الإحساس مع آخر” غير ممكن.

السؤال اليوم: هل تُعتبر فكرة “إحياء اللمس” في الوضع الحالي خاصة بالشجعان والحمقى؟ لا أعتقد ذلك، والأدلة العلمية واضحة وبيّنة. نحن نخسر كثيرًا بحرمان أنفسنا من اللمس. إذ أننا نحرم أنفسنا من واحدة من أكثر اللغات تطورًا؛ نخسر فرص بناء علاقات جديدة، ناهيك عن أننا قد نُضعف الموجودة منها. وبجعلنا العلاقات الاجتماعية تتدهور، نخاطر أيضًا بالانفصال عن أنفسنا. يجب أن تكون حاجة البشر للمس واحدهم الآخر أولوية في تعريف “الوضع الطبيعي الجديد” في مرحلة ما بعد وباء كورونا. وغالبًا ما يكون عالمٌ أفضل على بعِد عناقٍ منا. لكلّ هذا، أطالب، بوصفي عالمة، وإنسانة قبل كذلك، بحق اللمس، وبالحلمِ بواقعٍ لا يبقى فيه أحد محرومًا من اللمس.

لورا كروسيانيللي: ولدت في إيطاليا، وانتقلت إلى لندن لتكمل دراستها وأبحاثها. حاصلة على شهادة الدكتوراة، قسم علم النفس، من جامعة هيرتفوردشاير، وكلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة. حصلت عام 2020 على منحة أبحاث في برنامج ماري سكلودوفسكا – كوري، قسم علم الأعصاب، معهد كارولينسكا في ستوكهولم. باحثة مشاركة فخرية في قسم أبحاث علم نفس الصحة، وعلم النفس التربوي والسريري، في كلية لندن الجامعية. لها العديد من الأبحاث المنشورة لا سيما في مجال اللمس العاطفي، التكامل متعدد الحواس، الإحساس بملكية الجسد، والعلاقات بينها.

النص الأصلي:

https://aeon.co/essays/touch-is-a-language-we-cannot-afford-to-forget

ترجمة: سارة حبيب.

ضفة ثالثة

—————————-

حرب اللقاحات العالمية وموجة الوباء الثالثة/ حازم عياد

بولندا الدولة الاولى التي تسجل اول عملية سطو على لقاحات كورونا من احد المراكز الصحية في قرية نائية. ورغم محدودية الخسارة التي لم تتجاوز حرمان 15 شخصاً من اللقاح، فإن المخاوف العالمية كبيرة من تعرض شحنات كبيرة من اللقاحات للسرقة والقرصنة والتسرب الى السوق السوداء.

هذه المخاوف تزداد قوة مع احتدام الصراع بين لندن ودول الاتحاد الأوروبي المستاءة من الاحتكار البريطاني للقاح “فايزر” بشكل ادى الى تقلص حصص دول السوق الاوروبية التي لم تتجاوز نسبة من تم حقنهم باللقاح الـ 2%، في حين تجاوز الـ 11% في بريطانيا التي تمكنت من توقيع اتفاق رفضت الكشف عن بنوده مع شركة استرازينيكا لإنتاج اللقاحات، مكنها من حيازة حصة كبيرة من إنتاج الشركة.

ورغم مناشدات الدول الاوروبية لحكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون بوقف خطة التلقيح الجماعي، والاكتفاء بالشرائح الاكثر عرضة للخطر، أصرت بريطانيا على استكمال خطتها ما ادى الى نقص كبير للقاح في الاسواق الاوروبية.

الصراع الدائر في القارة الأوروبية من الممكن ان ينعكس بشق طريقه الى العالم النامي والدول الفقيرة، معززا من اهمية وقيمة السوق السوداء عالميا، ومحولًا المطعوم الى سلاح وسبب للتصارع بين الدول، وهو ما حذر منه الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في 25 يناير/ كانون الثاني الحالي؛ اذ اعتبر أن التعصب القومي في مجال اللقاحات قد يكلف الاقتصاد العالمي نحو 9,2 تريليونات دولار، وقد تتكبد اقتصادات الدول الغنية نحو 4,5 تريليونات دولار من تلك الخسائر.

رأي شاركه فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي دعا إلى عدالة أكبر في توزيع اللقاحات المضادة للفيروس بين دول العالم. ورغم التحذيرات والدعوات العالمية للعدالة إلا أن الوقائع تشير الى مسار مغاير يعكس قدرا كبيرا من انعدام التعاون الدولي، وتصاعد نزعة التصارع التي فاقمها انتشار السلالة الجديدة من الوباء والتي تمتاز بسرعة الانتشار؛ ما دفع عددًا كبيرًا من الدول إلى إغلاق حدودها، واتباع إجراءات متشددة لحظر السفر؛ ما رفع من منسوب التوتر بين الدول، وأعاد الهواجس لإمكانية موجة ثالثة مدمرة ترفع من أسعار اللقاحات، وتزيد من صعوبة الحصول على اللقاح في الدول الفقيرة.

العالم العربي ليس ببعيد عن حالة التصارع الناشبة، خصوصًا أن السلالة الجديدة غزت عددًا من الدول، إذ حذرت يوم امس وزارة الصحة القطرية من تفش متسارع للوباء، علمًا بأن قطر حققت مكانة متقدمة في حملات التطعيم، في حين ان الامارات العربية ورغم أنها تمكنت من تطعيم 27% من سكانها، فإن العديد من الدول الأوروبية أوقفت رحلاتها الجوية إليها، وحظرت السفر منها.

التجاذبات الدولية بلغت مستوًى حرجًا في التدافع والتصارع على اللقاحات، تجاذبٌ جاء في وقت أعلن فيه الملك عبدالله الثاني أن الاردن كان الدولة الاولى التي تعمد الى توفير اللقاح للاجئين؛ اذ قامت بتطعيم أول لاجئ في العالم؛ ما يجعلها رائدة في هذا المجال.

تصريحٌ يعكس قوة التجاذبات الدولية، وأهمية إعطاء الاعتبار للأبعاد الانسانية والاخلاقية الواجب مراعاتها دوليا في توزيع اللقاح، وتحديد الحصص عالميا.

حرب اللقاحات من المكن أن تأخذ منحًى جديًّا في حال لم يتم تداركها، والتجاذبات بلغت مستوًى حرجًا برز بوضوح في القارة الاوروبية العجوز والهند وامريكا، وبات هاجسًا لصناع القرار؛ فالتعافي الصحي يعني سرعة التعافي الاقتصادي.

وهي معادلة تداخلت مع حسابات الربح والخسارة للشركات والمنتجين، حيث السيطرة على ملف اللقاحات معقدة، فاقمه الفايروس المتحور السريع الانتشار، فضلًا عن النزعات القومية وأطماع الشركات والدول.

فالعلم دخل في منعطف حاد جديد يتطلب قدرا كبيرا من التعاون الدولي المفقود حتى اللحظة، ويستدعي من الدولة الاردنية ان تضع ذلك بعين الاعتبار؛ فمخاطر الموجة الثالثة قوية ومرعبة في ظل هذا المناخ الدولي المسموم!!

* حازم عياد كاتب صحفي أردني

المصدر | السبيل

——————–

عنصرية الدول الغنية تتفوق على فقراء العالم بشراء لقاحات كورونا

المزيد من الناس سيموتون إذا تم تطعيم الأغنياء أولاً، بدلاً من توزيع اللقاح بشكل عادل

إعداد سالم الريس

“فشل أخلاقي كارثي” هكذا وصف مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس، صراع وتسابق الدول الكبرى الغنية وتهافتها على شراء ملايين لقاحات كورونا لتطعيم مواطنيها في ظل عدم تمكن الدول الفقيرة من الحصول على أي جرعات. وأضاف: “ما لا يقل عن 49 دولة ذات دخل أعلى بدأت بطرح لقاحات كوفيد، مقارنة مع دولة واحدة ذات دخل منخفض أبلغت عن أول 25 جرعة. ليس 25 مليون. ليس 25،000. 25 فقط.”

تصريحات غيبريسوس، جاءت بعد تسابق الدول الكبرى الغنية على شراء وحجز ملايين من اللقاحات المصنعة حديثًا حتى منتصف العام الحالي 2021، الأمر الذي سيأخر وصولها للدول الفقيرة إلى ما بعد منتصف العام الحالي أو بداية العام القادم 2022، وهو ما ينذر بتدهور الحالة الصحة في تلك الدول التي تعاني من تهالك نظامه الصحي وقد يضاعف خطورة تطور الفيروس في تلك المجتمعات الأكثر فقرًا خلال المرحلة القادمة، ومن شأنها التأثير على استمرار نشاط الفيروس بين ملايين البشر في حال تعذر حصولهم على جرعات اللقاح بشكلٍ متساوي مع باقي مواطني الدول الغنية.

الدول الغنية تشتري أكثر من حاجتها

صرح تحالف لقاحات الشعب الذي يضم عدة مؤسسات دولية منها منظمة الصحة العالمية وأوكسفام “ما لا يقل عن 90٪ من الناس في 67 دولة منخفضة الدخل لديهم فرصة ضئيلة للتلقيح ضد كوفيد -19 في عام 2021 لأن الدول الغنية احتفظت بأكثر مما تحتاجه.” الدول الغنية والتي تضم 14٪ فقط من سكان العالم، اشترت 53٪ من اللقاحات.

المشكلة في تعامل الدول الغنية مع اللقاحات متشعبة. هناك دول اشترت أكثر من حصتها العادلة من لقاحات فيروس كورونا، تتصدر كندا القائمة بعد أن حصلت على 8.9 جرعة لكل فرد وهو ما يعادل لقاحات كافية لتطعيم كل مواطن خمس مرات. ومن ثم تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بعد حصولها على 7.3 جرعة لكل فرد – وهو ما يكفي لتطعيم كل أمريكي أربع مرات تقريبًا – وستؤدي صفقات المملكة المتحدة إلى 5.7 جرعة لكل فرد، وهو ما يكفي لتطعيم كل فرد في البلاد ثلاث مرات تقريبًا. وقد انتقد هيئات انسانية تكديس هذه اللقاحات التي يمكن أن تذهب إلى البلدان الفقيرة.

بحسب التقارير، منحت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي مواطنيها حوالي 24 مليون جرعة حتى الآن -أكثر من نصف الجرعات التي يتم إجراؤها على مستوى العالم- في حين لم تبدأ أعداد كبيرة من الدول حملات التلقيح بعد. وقد حصلت البلدان مرتفعة الدخل على 85٪ من لقاح فايزر وجميع موديرنا وفقًا لشركة الأبحاث Airfinity في لندن. فيما يعتمد الكثير من العالم على شركة صناعة الأدوية في المملكة المتحدة استرازينيكا التي يعتبر لقاحها أرخص وأسهل في التوزيع إلى جانب الشركات المصنعة الأخرى من الصين وروسيا.

وليس هذا فقط، بل أن كثير من اللقاحات الموجودة في هذه الدول يتم التخلص منها ورميها. بحسب تقرير لصحيفة الاندبندنت بمجرد إخراج لقاح فايزر من التخزين على درجة -70 درجة مئوية، يجب استخدامه في غضون أيام. ولكن لأن بعض المراكز الطبية في بريطانيا مثلاً تتلقى لقاحات إضافية لأسباب مختلفة، فغالبًا ما يكون هناك جرعات إضافية متبقية في نهاية اليوم لا يتم استخدامها. وبحسب الأرقام فأنه يتم التخلص من 1،000 إلى 3،000 جرعة في اليوم. هذه الجرعات التي تلقى في سلة المهملات، بعض البلدان الأخرى تتمنى أن تصلها.

الأغنياء في العالم استغلوا كل هذه الفروقات لصالحهم. بعض الأغنياء والمؤثرين من الدول العربية -ممن لديهم إقامة- يختارون السفر إلى الإمارات للحصول على اللقاح، المتوفر مجاناً لجميع المقيمين. كما أشار تقرير لـ VICE أن هناك الكثير من رجال الأعمال والمشاهير من أعضاء نادي نايتسبريدج سيركل (يدفع الأعضاء 25،000 جنيه إسترليني سنويًا لرعايتهم من قبل مدراء شخصيين يعتنون بكل احتياجاتهم داخل بلادهم وخارجها) يقومون بالسفر إلى الإمارات أو الهند، حيث يتم تنسيق حصولهم على لقاحات. وقال نيك ديردن، مدير مجموعة العدالة العالمية الآن في التقرير: “من غير المقبول أن يتمكن الأثرياء من استخدام أموالهم للحصول على اللقاح قبل العمال الأكثر ضعفًا أو الطواقم الطبية الذين أبقونا قادرين على العمل طوال العام الماضي. لقد أظهرت الأبحاث أن المزيد من الناس سيموتون إذا تم تطعيم الأغنياء أولاً، بدلاً من توزيع اللقاح بشكل عادل.”

عنصرية اللقاح

منذ بداية الإعلان عن إنتاج لقاحات فيروس كورونا، سارعت “إسرائيل” للتعاقد مع كبرى الشركات المنتجة لشراء كميات كبيرة، حيث تعاقدت مع شركة فايزر الأمريكية لشراء 8 مليون لقاح، وتعاقدت مع شركة بيونتيك الألمانية لشراء 6 مليون جرعة، للإسرائيلين البالغ عددهم قرابة 9 مليون. وتفاخر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مؤخرًا أثناء تلقيه الجرعة الثانية بأن إسرائيل ستكون من أولى الدول في العالم التي ستطعم جميع مواطنيها فوق سن 16 عامًا بحلول شهر مارس القادم، بواقع جرعتين لكل مواطن.

وفي الوقت الذي من المفترض أن تقوم إسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية، وتتحكم بحياة قرابة 4.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، بتأمين اللقاحات للفلسطينيين الواقعين تحت الإحتلال بحكم القانون الدولي، إلا أن إسرائيل ترفض القيام بذلك حتى الآن على الرغم من دعوة الأمم المتحدة لها لتأمين إمداد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة باللقاحات. ووفقاً لأحدث بيانات منظمة الصحة العالمية فإن معدل الوفيات بين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة هو (1.1 في المئة)، أما في إسرائيل، فبلغت النسبة ( 0.7 في المئة).

تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين الذين تحتلهم، وُصف بأنه عنصرية واستمرار لممارسات الابرتهايد، وقال عمر شاكر، مدير هيومن رايتس ووتش في إسرائيل وفلسطين: “لا شيء يمكن أن يبرر واقع اليوم في أجزاء من الضفة الغربية، حيث يتلقى اللقاحَ أشخاصٌ على جهة من الشارع ، بينما يحرم منه آخرون على الجهة الأخرى، بناء على ما إذا كانوا يهودًا أو فلسطينيين. يجب أن يحصل كل فرد في الأراضي نفسها على اللقاح بشكل عادل، بغض النظر عن أصله العرقي.”

وتزعم السلطات الإسرائيلية أن مسؤولية تطعيم الفلسطينيين بموجب اتفاقيات أوسلو تقع على عاتق السلطة الفلسطينية. ولكن تُلزم اتفاقية جنيف الرابعة إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، بضمان “الإمدادات الطبية للسكان المُحتلين” بما في ذلك “تبني وتطبيق الإجراءات الوقائية والوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة إلى أقصى حد من الوسائل المتاحة لها.”

إسرائيل هي فعلياً الدولة المسيطرة على الأرض بالكامل، فهي تسيطر على الحدود والعملة وتجمع الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية. حتى في مناطق مثل رام الله، التي يُفترض أنها خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، تحتفظ إسرائيل بالحق في دخول المدينة في أي وقت، وإغلاق الشوارع والمتاجر، واقتحام المنازل، والقيام باعتقالات عسكرية دون إذن قضائي. وبسبب سيطرة إسرائيل على الحدود، فإنه حتى في حال حصلت السلطة الفلسطينية على لقاحات، فإن السماح بدخول هذه اللقاحات من عدمها يعتمد أولاً وأخيراً على قرار إسرائيل.

لم تتمكن السلطة الفلسطينية من شراء الجرعات بسبب تعثرها المالي نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة قبل أزمة فيروس كورونا، والتي تفاقمت مع هذه الأزمة، ولهذا فهي ستقوم بشراء بعض اللقاحات حسب استطاعتها، وستعتمد كذلك على مشاركتها في برنامج “كوفاكس” الخاص بمنظمة الصحة العالمية والتحالف العالمي للقاحات والتحصين، الذي يهدف لضمان حصول البلدان ذات الأقل دخلاً على كمية من اللقاحات -تكفي فقط لتلقيح 27% من سكان كل بلد. وتشارك 92 دولة في البرنامج الذي من المفترض أن يوفر ١.٣ مليار جرعة للدول الفقيرة.

ولكن بحسب منظمة الصحة العالمية في تقرير لبي بي سي، فإن اللقاحات التي يتم توفيرها بموجب خطة كوفاكس، وكذلك تلك التي تم شراؤها من قبل السلطات الفلسطينية، ستذهب كلها إلى غزة. لكنها ستواجه تحديات لوجستية بسبب القيود المفروضة على المنطقة التي تخضع لحصار إسرائيلي. ومن المفترض أن تحصل السلطة على 5،000 جرعة من اللقاح الروسي سبوتنيك ستصل عبر المطار الإسرائيلي، وسيتم اعطائها للطواقم الطبية. كما اشترت السلطة 100 ألف لقاح من روسيا، ومن المتوقع أن تصل في شهر فبراير المقبل.

اللاجئين

بعد عام مأساوي على المهاجرين واللاجئين بسبب فيروس كورونا وانعكاساته على حياتهم اليومية، وفقدان الآلاف منهم فرص عملهم، في ظل ضعف الخدمات الصحية المقدمة لهم، كان من المفترض أن يكون عام 2021 عام الأمل بالنسبة لهم بعد اكتشاف لقاحات فيروس كورونا التي بدورها من المفترض أن تعيد الحياة تدريجيًا إلى سابق عهدها -كما كانوا يعتقدون.

فيروس كورونا

لكن عوامل عدة قد تعيق وصول الجرعات لهم، مثل قوانين الدول التي لجأوا إليها والتي تقيد وصول اللقاح لهم على أساس حالة الهجرة، والحواجز اللغوية، إضافة إلى نقص المعلومات الملائمة ثقافيًا والمتاحة حول اللقاح، تلك العوامل وعدم شمول غالبيتهم في التأمينات الصحية حتى الآن، قد يحول دون إدراجهم في حملات التطعيم الوطنية لدول النزوح.

في لبنان، اشترط مؤخرًا، عضو المكتب السياسي في التيار الوطني الحر وديع عقل أن يُعطى اللقاح للبنانيين حصرًا، ضمن اقتراح خطة جديدة لتوزيع اللقاح، وتمويلها من دولارات المواطنين المحجوزة في البنوك، بحسب خطته، في إشارة منه إلى رفض منح اللاجئين داخل لبنان في جرعات اللقاح، لكن على ما يبدو قد فات عقل أن قسمًا كبيرًا من تلك الودائع تعود لغير اللبنانيين. تصريحات عقل أثارت اللبنانيين، ما بين أقلية مؤيدة للاقتراح وغالبية رافضة لطرحه العنصري، ليشتغل تويتر بالتغريدات ما بين هاشتاغ اللقاح_للبناني_أولاً وهاشتاغ اللقاح_للجميع. في المقابل، أصبح الأردن أول دولة في العالم تبدأ بعملية تلقيح اللاجئين السوريين المسجلين والموجودين على أراضيها مجاناً.

التمييز التاريخي

العنصرية والتمييز التاريخي يخلقان أيضًا حواجز أمام تطعيم السود، حيث تظهر بيانات اللقاحات الموجودة أن الأشخاص ذوي البشرة السوداء يحصلون على لقاحات أقل مقارنة بنظرائهم البيض. وقد وجد استطلاع أن البالغين السود أقل احتمالًا من المجموعات الأخرى للقول بأنهم سيحصلون على لقاح فيروس كورونا إذا كان مجانيًا وقرر العلماء أنه آمن، مع ذكر معظم مخاوف السلامة أو عدم الثقة في نظام الرعاية الصحية كأسباب، إضافة إلى تجاربهم المستمرة مع العنصرية والتمييز في الرعاية الصحية.

أحد الأسباب التي غالبًا ما يتم الاستشهاد بها للعلاقة المسمومة بين الأمريكيين السود والمؤسسة الطبية، هي “دراسة توسكيجي لمرض الزهري غير المعالج” التي استمرت على مدار أربعة عقود بدءًا من عام 1932، حيث أخبرت الحكومة الفيدرالية مئات الرجال السود المشاركين أنهم يتلقون العلاج من “الدم الفاسد” بينما تم حقن عدد من غير المرضى بمرض الزهري لمعرفة مدى نجاح العلاج. هذا بالإضافة إلى ما فعله جيمس ماريون سيمز، الذي يتم اعتباره بـ “أب أمراض النساء الحديثة” الذي كان يجري أبحاثه وعملياته على النساء السود المستعبدات بدون تخدير في القرن التاسع عشر. العنصرية والتمييز لم تتغير كثيراً، العام الماضي، توفيت طبيبة أمريكية سوداء في مدينة إنديانابوليس، بفيروس كورونا بعد أسابيع من اتهامها طبيبًا بحرمانها من تلقي الرعاية الطبية المناسبة بسبب عرقها.

قد تكون الأحداث التي ذكرناها تعبير عن عنصرية الدول الغنية تجاه الدول والفئات الفقيرة حتى في مجال الصحة العالمية، إلا أن ما جرى في جنوب أفريقيا هو الأكثر عنصرية. حيث يوجد في جنوب أفريقيا مصنع لشركة Johnson & Johnson لتصنيع اللقاحات التي يتم توريدها إلى الدول الأوروبية الغنية، التي حجزت كميات كبيرة من اللقاح المصنع هناك. أما سكان جنوب أفريقيا، الدولة التي تحتضن المصنع، لن يتمكنوا من الحصول على اللقاح قبل منتصف العام الحالي 2021، في الوقت الذي ستكون الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا قد لقحت أكثر من 100 مليون من مواطنيهم. والمحظوظين من السكان -إن صح التعبير- هم من تلقوا جرعات أثناء التجارب السريرية التي أجرتها الشركة المصنعة عليهم.

توفير اللقاحات للجميع هو ما سينهي هذا المرض، العدل هو مفتاح إنقاذ جميع البشر. وإذا كانت الدول الغنية التي تتغنى بدفاعها وتطبيقها لمبادئ حقوق الإنسان، تريد القضاء على هذا الفيروس، فيمكنها على الأقل دعم اقتراح جنوب إفريقيا والهند بالتنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات والاختبارات والعلاجات الخاصة بكوفيد-١٩ للسماح للدول المختلفة بتصنيع اللقاحات، حتى تتم حماية الجميع، ولضمان توزيع الجرعات بشكلٍ عادل دون عنصرية.

————————-

==================

تحديث 02 شباط 2021

————————–

أنّ الموتَ ضَربٌ من القَتلِ/ أحمد بيضون

هذا التكاثُرُ في أخبارِ الموتِ – وبينَها، كلَّ يومٍ، عزيزٌ أو أكثرُ لهذا أو ذاكَ منّا – يمنحُ وجاهةً مؤكَّدةً لاعتِبارِ الوَباءِ نوعاً من الحرب…

وما يُزَكّي هذا الاعتِبارَ ليس كثرةَ الوَفَياتِ وَحْدَها بل الكثرةُ مقرونةً بوَحْدةِ السبب ومع هذينِ عَشْوائيّةُ الأذى وتَوَزُّعُ الإصاباتِ إلى فئةٍ تُعادِلُ القَتْلى في الحربِ (وهي فئةُ الوَفَياتِ) وأخرى تُعادِلُ الجرحى (وهي فئةُ المصابين الذين يخرُج بعضُهُم من المحنةِ سالِماً ويخرجُ البعضُ الآخَرُ بأضرارٍ متباينةٍ نوعاً ودرجةً).

ويَصِحُّ اعتِبارُ أفرادِ الهيئاتِ الطبّيّةِ، في الوَباءِ، مُعادِلاً للجيشِ في الحربِ، يخْتَلِفُ موقِعُهُم منها عن موقعِ “المدنيّين”، أيْ سائرِ الناسِ، ويُصْبِحون أكْثَرَ تعَرُّضاً للإصابةِ من هؤلاء. ويُشارُ إليهم، كلَّ يومٍ، في كلِّ حالٍ، بعبارةِ “الجيشِ الأبيضِ” وهذا وصفٌ في مَحَلّه، ولو أنّ الجيشَ العَدُوَّ في حالَتِهِم خَفِيٌّ ومُغايِرّ لَهُم في النوعِ ومُلابِسٌ لضَحاياهُ بحيثُ يَبْدو إنشاءُ خطٍّ مَعْلومٍ للجبهةِ أمراً في غايةِ العُسْر.

وأمّا ما وصفناهُ بـ”وَحْدةِ السَبَب” (سببِ الموتِ أو الأذى) فهو، في حالةِ الحرْبِ، اسْتِواءُ العُنْفِ عِلّةً غامِرةَ الحضورِ للموتِ والدَمارِ وهو، في حالةِ الوباءِ، الأذى الواسعُ النِطاقِ لهذا الفيروسِ الواسعِ الحيلة. وفي هذا ما يخالفُ قولَ المتنبّي في الموتِ “الطبيعيّ”: “…تَنَوّعَت الأسْبابُ والموتُ واحدُ”.

ويُشْبِهُ الحَجْرُ في الوباءِ إقامةَ الناسِ في المَلاجئِ، في أيّامِ الحَرْب، وتُشْبهُ تدابيرُ الحمايةِ التي يتَّخِذُها الجسمُ الطبّيُّ في الوَباءِ إجراءاتِ تحصينِ المواقِعِ وحمايةِ الجُنودِ في الحرب.

وما دُمْنا ذَكَرْنا الدَمارَ فَلْنُشِرْ إلى أنّهُ حاضرٌ في حالةِ الوباءِ حضورَهُ في حالةِ الحرب. وهو يَتَّخِذُ، في الأولى، صيغةَ تعطيلِ الأعْمالِ وقَطْعِ الأرزاقِ ووَقْفِ المَشْروعات…

هذا كُلُّه (وهو غيرُ حَصْرِيٍّ) يسوقُ انتباهَنا إلى خُلاصةٍ أخرى للمتنبّي نَفْسِه طالَما وَجَدْتُها رهيبةً حَقّاً:

“إذا ما تَأَمَّلْتَ الزَمانَ وصَرْفَهُ / تَيَقَّنْتَ أنّ المَوْتَ ضَرْبٌ مِن القَتْلِ!”…

(*) مدونة نشرها الباحث أحمد بيضون في صفحته الفايسبوكية

 —————————

سيستمر العالم رهين الكمامة رغم اللقاح/ حسين مجدوبي

بدأت كل التكهنات بنهاية جائحة فيروس كورونا على المدى القريب جدا تتبخر، وتشير المعطيات إلى استمرار الفيروس بيننا، ما سيحمل تأثيرات حقيقية على مسار الكثير من الدول والشعوب، بشكل بدأ يعيد مجددا التفاوت الذي عاشته الإنسانية في الماضي.

وكان الاعتقاد السائد بعد انتشار هذا الفيروس خلال مارس من السنة الماضية تراجعه ابتداء من إبريل الماضي، ثم بدأ الحديث عن سبتمبر من السنة نفسها، وها نحن في فبراير 2021 ولا أمل في نهايته. وتبرز المؤشرات العلمية محدودية التكهنات بشأن نهاية فيروس يتحدى المفاهيم والتقدم العلمي، الذي حققه الإنسان حتى الوقت الراهن. وبدأ هذا الشعور يسود في الأوساط العلمية والسلطات الحاكمة، لاسيما بعد الوعي بمحدودية تأثير اللقاحات، سواء نوعيا أو كميا، معه يجري الحديث عن حجر صحي نسبي بين الحين والآخر تفاديا للإغلاق التام. ويعد المشهد الحالي مأساويا بكل المقاييس، فقد عادت عشرات الدول إلى إغلاق حدودها مع باقي العالم، أو وضع شروط صعبة لتبقي على الحد الأدنى من الحركة البرية والجوية والبحرية، التي تأخذ بعين الاعتبار الاستيراد والتصدير. وغادر التلاميذ والطلبة أقسام المدارس والجامعات للدراسة عن بعد، وتوقف النشاط الاجتماعي من سياحة ومقاه ومطاعم، وبالكاد نسمع بإحياء مهرجان وتحت شروط مشددة، ويكاد الناس ينسون ما معنى قاعة سينما للعرض. أشياء كانت في المتناول يوميا غدت من النوادر، وأصبح الجميع يتحدث بصيغة الماضي «عندما سافرنا» عندما كنا نذهب إلى السينما» عندما كنا نجلس في ذلك المقهى» وصيغة الماضي التي تجعل العالم يعيش مثل ذلك العجوز الذي تجاوز الثمانين ويتحدث يوميا عن ذكرياته.

ويحدث هذا في وقت كان العالم يتنفس الصعداء، بعد بدء عملية التلقيح، وكان بعض الدول يضرب به المثل في السيطرة على الفيروس مثل ألمانيا والبرتغال، وإذ بالأولى تعيش حجرا شبه كامل، بينما الثانية انهار نظامها الطبي خلال الأسبوع الأخير. ولم يحمل ظهور اللقاح الشعور بوصول المنقذ المنتظر، بل لم يتعد بعض الارتياح المشكوك فيه حتى الآن ارتباطا بالنتائج. وفي هذا الصدد، لم تصدر أي وثيقة علمية من أي مجمع علمي في الدول الكبرى، تفيد بقضاء لقاح من اللقاحات الحالية مثل فايزر الأمريكي أو سبوتنيك الروسي، أو موديرنا الأمريكي وسينوفارم الصيني أو استرازينيكا البريطاني- السويدي على فيروس كورونا. ينسب إلى اللقاحات تعزيز المناعة نوعا ما، ويرافق الغموض اللقاحات، هل المناعة تكون في مستوى فعالية اللقاحات ضد أمراض عصفت بالبشرية في الماضي الشلل والجدري، أي يكفي أخذ حقنة واحدة ليكون مفعولها أبديا، أو ستكون البشرية مضطرة إلى الخضوع للتلقيح كل سنة على شاكلة الحقن التي يخضع لها المرضى المزمنون لتفادي الإصابة بالأنفلونزا الموسمية. لا يوجد حتى الآن جواب كاف من طرف مراكز البحث العلمي تحسم في هذا الشأن. ومنطقيا، لا تغامر هذه المراكز بتقديم إجابة واضحة وحاسمة. وعلاقة بهذا، معظم اللقاحات السابقة التي قضت على الأمراض خضعت لتجارب دامت سنوات، بل في بعض الأحيان عقودا، في حين لم يتطلب اللقاح الحالي سوى أشهر من البحث العلمي، ولم يتم اعتماد الوقت الكافي للتأكد من فعالية الدواء عبر التجارب السريرية الطويلة، فالهدف هو محاولة إنقاذ البشرية من حالة ما يشبه «البيات الشتوي» الذي تمر منه في الوقت الراهن بسبب الفيروس. ورغم محدوديته والشعور باحتمال مساهمته في مناعة عالمية ضد الفيروس في حالة تلقيح 70% من مجموع البشرية، حوالي خمسة مليارات من أصل سبعة مليارات، تبدو البشرية عاجزة عن إنتاج كميات كافية لتلقيح خمسة مليارات نسمة خلال 2021. وتعد مراكز التصنيع محدودة، وتأمل حتى الدول المصنعة للقاح مثل الولايات المتحدة وبريطانيا في تلقيح قرابة النصف من شعوبها، مع نهاية الصيف المقبل. ويبدو أن الصين التي توصف «بمصنع العالم» بدأت تخذل العالم، إذ لا يبدو أن لها القدرة على إنتاج كميات كبيرة من لقاح سينوفارم لتلبية طلب شعوب العالم. ويضاف إلى هذا التشكيك في فعالية اللقاح وسعره المرتفع الذي يقارب 70 دولارا، بينما استرازينيكا لا يتعدى أربعة دولارات، ما يضع شكوكا قوية حول مصداقية خطاب التعاون ومساعدة الدول الفقيرة، الذي ترفعه بكين لاسيما في هذه الجائحة.

وهذا الخلل الناتج عن إنتاج وتوزيع اللقاح لتلقيح البشرية بدأ يعيد إلى الأذهان أحداث الماضي البغيض، عندما كانت شعوب الغرب في بداية القرن العشرين وحتى الستينيات منه تحظى بالأولوية في اللقاح ضد الأمراض الخطيرة، وانتظر باقي العالم عقودا طويلة للاستفادة من اللقاحات ضد مختلف الأمراض. والآن، سنكون أمام شعوب استفادت من اللقاح وقد تستعيد نسبيا إيقاع الحياة الاجتماعي والاقتصادي، وشعوب أخرى في طوابير الانتظار. نعم، لقد قطعت البشرية شوطا كبيرا ومهما في مواجهة الأمراض، لم يعد الطاعون الذي تسبب في أسوأ الجائحات في تاريخ البشرية يشكل خطرا، ومن النادر رؤية طفل مصاب بشلل الأطفال، لكن فيروس كورونا يؤكد محدودية العلم مجددا في مواجهة أي جائحة تحل بشكل مفاجئ على البشرية. نستقبل بفرح الأخبار حول توالي اللقاحات وبدء التلقيح، لكن بالكاد نرغب في سماع حقائق علمية صادمة، اللقاح قد لا ينهي الفيروس بشكل مباشر. وعلى شاكلة الأسرار الدفينة، يصدر بين الفينة والأخرى تصريح من بعض الخبراء يفيد بأن الفيروس، كما ظهر فجأة سيختفي فجأة بعدما يكون قد استنفد قوته الفتاكة سواء القتل أو الانتشار.

نعيش سيناريو شبيه بجائحة الأنفلونزا الإسبانية التي خلّفت عشرات الملايين من القتلى، الفيروس وقتها ظهر فجأة واختفى بدون لقاح بعد سنتين. لهذا تستمر الكمامة هي السلاح الحقيقي في مواجهة كورونا، وسيستمر «العالم رهين الكمامة».

كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي»

——————————

لقاح فيروس كورونا: كل ما تريد معرفته عنه

https://elaph.com/Web/health-science/2021/02/1318540.html

——————————

“هيومن رايتس ووتش” تطالب دمشق بتوزيع منصف للقاحات كورونا في مناطق خارج سيطرتها

 – أ. ف. ب.

بيروت: شدّدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الثلاثاء على ضرورة دعم جماعات الإغاثة الدولية من أجل ضمان التوزيع الأوسع والأكثر إنصافا للقاحات فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.

وقالت باحثة سوريا لدى المنظمة سارة الكيّالي في تقرير “ينبغي لمن يزودون سوريا باللقاحات بذل قصارى جهدهم لضمان وصول لقاحات كورونا إلى الفئات الأضعف بغضّ النظر عن مكان وجودهم في البلاد”.

وذكّرت بأنّ الحكومة السورية “لم تخجل أبداً من حجب الرعاية الصحية كسلاح حرب” محذرة من أنّ “ممارسة نفس الألاعيب باللقاح يقوّض الجهد العالمي للسيطرة على تفشي الوباء”.

وسجلت الحكومة السورية حتى الآن 14,096 إصابة في مناطق نفوذها، ادت إلى وفاة 926 شخصا، بينما أحصت الإدارة الذاتية الكردية 8,490 إصابة (296 وفاة) في مقابل 21,006 إصابة بينها 400 وفاة في مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة في شمال غرب البلاد (إدلب ومحيطها). لكنّ أطباء ومنظمات يرجحون أن تكون الأرقام أعلى بكثير، بسبب قدرات الفحص المحدودة والتقارير المشكوك فيها، خصوصاً في شمال شرق سوريا.

ووافق مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” على الانضمام لمبادرة “كوفاكس” عبر منظمة الصحة العالمية. وقال وزير الصحة حسن العياش في 21 كانون الثاني/يناير أمام مجلس الشعب “لن نرضى أن يأتي هذا اللقاح على حساب.. السيادة السورية”، في ما اعتبرته المنظمة مؤشراً على أنه “من غير المرجح أن تكون الحكومة قد شملت شمال شرق البلاد.. في خططها”.

وتقدّمت السلطات المحلية في إدلب ومحيطها، وفق المنظمة بطلب رسمي إلى كوفاكس للحصول على اللقاح، في حين اتخذت ترتيبات للحصول على اللقاحات بشكل مستقل في مناطق نفوذ الإدارة الكردية.

وشددت هيومن رايتس ووتش على أن “الحكومة السورية تتحمّل المسؤولية الأساسية لتوفير الرعاية الصحية للجميع على أراضيها” مذكرة أنها سبق و”حجبت مراراً الأغذية والأدوية والمساعدات الحيوية عن المعارضين السياسيين والمدنيين”.

واعتبرت أن “تقاعُس” مجلس الأمن “عن الحفاظ على نظام مساعدات عبر الحدود من أجل شمال شرق سوريا يعني أيضاً عدم وجود قناة مضمونة لتوزيع اللقاح على مليوني شخص يعيشون هناك”.

وشدّدت المنظمة على ضرورة أن تتمكّن المنظمات غير التابعة للأمم المتحدة من الوصول إلى الاحتياطي الإنساني، الذي تخصصه منصة كوفاكس لأولئك الذين لم تشملهم الخطط الوطنية، في وقت يتطلب عمل الأمم المتحدة في شمال شرق سوريا إذناً مسبقاً من دمشق، بعد اغلاق ثلاثة معابر لإدخال المساعدات عبر الحدود منذ مطلع العام الماضي. لا يزال معبر حدودي واحد قيد الخدمة في شمال غرب سوريا.

وذكّرت المنظمة بأنه “كثيرا ما حجبت الحكومة السورية الإذن أو أخرته، ومنعت وصول بعض الإمدادات الطبية وغيرها إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتها، ومنعت وكالات الأمم المتحدة من تنفيذ مشاريع أساسية في تلك المناطق” بينها رفضها السماح “لوكالات الأمم المتحدة بإنشاء مختبرات فحص كورونا في شمال شرق سوريا”.

وأفادت كذلك عن “توزيع تمييزي للمعدات المتعلقة بفيروس كورونا، بما فيها معدّات الحماية الشخصية، ومعدات الفحص، وأجهزة التنفس الاصطناعي بالأكسجين” حتى ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالكامل.

وتعترض عملية توزيع اللقاحات في بلد أنهكت سنوات الحرب العشر بناه التحتية ومرافقه الطبية تحديات لوجستية كبيرة، بما فيها “إدارة سلسلة التبريد”، في ظل ضعف قدرات النقل وأزمة الوقود وانقطاع الكهرباء.

ايلاف

—————————-

الصين تقبض على شبكة تنتج لقاحات مزيفة ضد “كورونا

ألقت الشرطة الصينية القبض على أكثر من 80 شخصًا، وصادرت أكثر من 3000 جرعة مزيفة من لقاح فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في إطار حملة لمكافحة الجرائم المتعلقة باللقاحات.

ونقلت وكالة “رويترز” عن وكالة “الصين الجديدة” (شينخوا)، الاثنين 1 من شباط، أن المشتبه بهم نفذوا الحيلة منذ أيلول 2020 على الأقل، مضيفة أنه تم تعقب جميع الجرعات المزيفة، وأن اللقاحات المزيفة صُنعت بوضع محلول ملحي في محاقن.

في حين أفادت صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية، أن المشتبه بهم “ربما كانوا يعتزمون إرسال اللقاحات إلى الخارج”، وذلك بحسب ما نقلته عن مصدر مقرب من منتج لقاح صيني كبير.

وقالت “شينخوا”، إن الشرطة نفذت عمليات أمنية في عدة أماكن من بينها بكين وشانغهاي ومقاطعة شاندونغ الشرقية.

وتعمل البلدان الكبرى في جميع أنحاء العالم على إطلاق برامج لقاحات بهدف إنهاء جائحة “كورونا” المستمرة منذ نحو عام.

تحذيرات مسبقة

وكنت الشرطة الأوروبية (يوروبول) أصدرت “إشعارًا بتحذير مبكر”، في أيلول 2020، من احتمال حدوث جرائم منظمة متعلقة باللقاحات، وذلك من خلال محاولة بيع لقاحات خطيرة أو سرقة شحنات للقاحات حقيقية.

وقالت “يوروبول” آنذاك، إنه “بمجرد دخول اللقاح الشرعي السوق، يتوقع انتشار نسخ مزيفة من اللقاح المحدد سريعًا”، موضحًا أن منظمة الصحة العالمية اكتشفت وجود لقاحات مزيفة في المكسيك.

وجاء في التحذير أن “عصابات الجريمة تحركت بالفعل لانتهاز فرصة سنحت بسبب جائحة (كورونا)”.

ونبهت “يوروبول” من أن لقاحات “كورونا” المزيفة ربما تشكل تهديدًا كبيرًا على الصحة العامة، في حال كانت سامة أو غير فعالة في أحسن الأحوال.

وأضافت في السياق، “بالنظر إلى إنتاجها في مختبرات سرية لا تراعى فيها اعتبارات النظافة، يمكن أن يكون للقاحات المزيفة أثر واسع النطاق إن ظهرت بؤر تفشٍّ جديدة في مجتمعات يفترض أنها تلقت اللقاح”.

————————-

=======================

تحديث 05 شباط 2021

—————————-

حروب اللقاحات: تعاون عالمي أم رَجْع أصداء الماضي؟/ صبحي حديدي

في مقالة مشتركة تحت عنوان «تعاون متعدد الأطراف من أجل التعافي العالمي» وقّعها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ورئيس السنغال ماكي سال، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، نُشرت مؤخراً مترجمة إلى 15 لغة، بينها العربية على سبيل الاستثناء اللافت؛ ثمة الكثير من رَجْع أصداء الماضي، يفوق مقادير المناشدة الحارّة والإعراب عن النوايا الحسنة، وثمة في هذا الذي يجري استرجاعه الكثير أيضاً من ذرّ الرماد في العيون. الفقرة الأولى من المقالة تكفي، بذاتها وبادئ ذي بدء، كي تتكشف الخلاصات الفعلية خلف النوايا المعلنة: 1) استعادة «إعلان الألفية» لعام 2000 الذي رعته الأمم المتحدة وصادقت عليه 189 دولة وشكّل، في يقين كتّاب المقالة المشتركة، «مبادئ التعاون الدولي لعصر جديد من التقدم نحو أهداف مشتركة»؛ و2) «أجندة 2030 للتنمية المستدامة» برعاية أممية أيضاً، التزمت فيها جميع دول العالم «بالعمل المشترك والتصدي للتحديات العالمية».

ويذكّر موقّعو المقالة، من زعماء أوروبا تحديداً، بما لا تنساه البشرية جمعاء: «بعد خروجنا من الحرب الباردة، كنا على يقين من قدرتنا على بناء نظام متعدد الأطراف قادر على التصدي للتحديات الكبرى في عصرنا: الجوع والفقر المدقع، والتدهور البيئي، والأمراض، والصدمات الاقتصادية، ومنع الصراعات». وماذا بعد؟ يا للأسف: «شهد عالمنا اتجاهات متباينة، أدت إلى رخاء متزايد على مستوى العالم، بينما ظلت أشكال التفاوت قائمة أو في ازدياد. كما توسعت الديمقراطيات، ولكن في ذات الوقت عادت النزعة القومية وسياسات الحماية إلى الظهور». وقبل «الأزمة الكبيرة» المتمثلة في جائحة «كوفيد ـ 19، كانت أزمة كبيرة أخرى هي البيئة، أسفرتا معاً خلال العقود الأخيرة عن «تعطيل وإرباك مجتمعاتنا وإضعاف أُطُر سياستنا المشتركة، مما ألقى بظلال من الشك على قدرتنا على التغلب على الصدمات ومعالجة أسبابها الجذرية وتأمين مستقبل أفضل لأجيال المستقبل. كما ذَكَّـرتنا هاتان الأزمتان بمدى الاتكالية المتبادلة بيننا».

وليس استعراض المزيد من محتوى المقالة هو غرض هذه السطور، بل استرجاع النقائض ذاتها، أو القليل فقط من الأضاليل التي تكتنفها، والتي تجعل منها محض أصداء ترددت من قبل في وديان الأمم ذاتها، والمؤسسات الأممية وتسعة أعشار مؤتمراتها التي صدحت بأجندات وبرامج وقرارات بقيت في منزلة بين الخداع والتضليل، أو بين الضحك على الذات والتعمية على الإفلاس المعلن. وذكر الله بالخير الأمين العام للأمم المتحدة يومذاك، كوفي أنان، الذي اختتم «القمة الألفية» مطلع أيلول (سبتمبر) 2000 بمناشدة الوفود (100 رئيس دولة، و47 رئيس حكومة، وثلاثة أولياء عهد، وخمسة نواب رئيس، وثلاثة نواب رئيس وزراء، و8000 مندوب…) كي تحترم تعهداتها. هيهات، بالطبع، الوفاء بالتزامات مثل تخفيض بمعدّل النصف لعدد الذين يعيشون على أقلّ من دولار أمريكي يومياً، وتأمين مياه الشرب النظيفة إلى هذا النصف ذاته من شعوب الأرض، وتأمين التعليم الابتدائي (إلى جميع أطفال العالم، هذه المرّةّ) وإظهار التصميم على وقف انتشار مرض الـ»الإيدز» والفوز في معركة الوقاية منه…

قبل القمة الألفية تلك، بأسابيع قليلة، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين ألبرايت قد استبقت خطبة رئيسها بيل كلنتون في القمة المقبلة، فجزأت العالم الراهن إلى عوالم، ونشرت مقالة عصماء في مجلة «فوريين أفيرز» اعتبرت فيها أنّ مفهوم «السلام الأمريكي» Pax Americana قد انتصر وهيمن واستقرّ. هي حال شملت عوالم الكون الأربعة: الأعضاء الأصلاء في النظام الدولي، الغرب أساساً؛ والأعضاء الذين يعيشون حال انتقال إلى النظام الدولي، حلفاء الغرب وأتباعه غالباً؛ والأعضاء غير المنتسبين إلى ذلك النظام، من الضعفاء والفقراء والغارقين في نزاعات إثنية وأهلية؛ والأعضاء غير المنتسبين بدورهم، ليس لضعف أو فقر أو حروب داخلية، بل لأنهم عصاة مارقون وأبالسة أشرار. من الطبيعي، ضمن «خطاطة» مثل هذه، أن يتوفر غنى هنا وفقر هناك، تخمة تارة وجوع طوراً، قوّة وبطش مقابل ضعف وعجز…

قمة أخرى سبقت الحشد الألفي، احتضنتها العاصمة الإيطالية روما تحت عنوان «القمّة العالمية للأغذية» شهدت إحصائية جثمت كالكابوس على صدور الوفود: ميزانية منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الـ «فاو») أقلّ ممّا تنفقه تسعة بلدان متقدّمة على غذاء القطط والكلاب، لمدة… ستة أيام! وفي الدورة الثانية للقمّة ذاتها، كان 800 مليون جائع شخصتهم القمّة السابقة قد ظلوا جائعين بالشروط ذاتها، بل أخذوا يعانون الجوع بشروط أسوأ. وأمّا في قمّة جوهانسبرغ 2002 فقد كانت الإحصائيات تقول إنّ الدَيْن الخارجي للدول النامية ارتفع من 90 مليار دولار في سنة 1970 إلى 2000 مليار دولار في نهاية القرن؛ والأسعار الفعلية للمواد الأساسية التي تنتجها الدول النامية وتصدّرها، بما في ذلك النفط والغذاء والمواد الأولية، انخفضت بنسبة 50٪ خلال العقدين الأخيرين.

والحال أنّ قارئ المقالة المشتركة، الداعية إلى التعاون من أجل تعافي العالم، يخال أنّ أياً من أنساق الصراع والتصارع لا يدور الآن بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من جهة أولى، أو بين الدول الأوروبية بعضها في مواجهة البعض؛ ليس البتة حول إطعام فقراء الكون أو علاجهم أو الأخذ بيدهم في تنمية اقتصاداتهم ومجتمعاتهم، بل… حول حصص لقاحات كوفيد ـ 19، الجائحة ذاتها صانعة «الأزمة الكبيرة» الأولى. وهذه حال تصف، في الكثير من عناصرها الجوهرية، اعتلال اثنين من أعمدة القيم الرأسمالية: اقتصاد السوق، والديمقراطية البرلمانية (الغربية، حتى في النماذج الآسيوية من تطبيقاتها) أو «ديمقراطيات السوق» كما يحلو لبعض علماء الاجتماع الأمريكيين أن يقولوا، في اختصار بليغ وطريف.

طريف أنها، أيضاً، حال تقع بعد سنوات قليلة أعقبت إعلان «انتصار» القِيَم الرأسمالية على ما عداها: سواء حين لاح، على يد فرنسيس فوكوياما، أن التاريخ انتهى؛ أو حين بشّر صمويل هتنغتون بأنّ الحضارات هي التي تتصارع، بدل الطبقات والدول والمصالح والإثنيات. وليس أقلّ طرافة أن يُفتقد، اليوم، غلاف لأسبوعية الـ «إيكونوميست» البريطانية، العليمة ببواطن أمور الحاضر وخفايا المستقبل في كلّ ما يتّصل بالسوق ورأسمالية السوق، تعليقاً على حروب اللقاحات الراهنة؛ يذكّر بغلاف تناول ذات يوم «حروب الموز» بين أوروبا والولايات المتحدة، صوّر معركة كلاب مسعورة أكثر مما رمز إلى معركة ديمقراطيات حرّة تستشرف مطالع الألفية الثالثة!

وليس عبثاً أنّ المرء يفتقد التوقيع على المقال من جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن أو رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس الصيني شي جين بينغ، ما دام منطق التعاون العالمي يعتمد على إطلاق ما يشبه «دبلوماسية لقاح» ناجعة في وجه التجاذبات القومية من حول نموذج منه أمريكي أو ألماني أو بريطاني أو روسي أو صيني. ولعلّ المرء ذاته يتساءل عن سبب حشر توقيع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد فضائح الفشل الذريع الذي مُنيت به فرنسا، بلد باستور، في تطوير لقاح وطني؛ أو حتى في التعاقد على جرعات لقاح تكفي حاجة المواطنين. وأمّا وجود الرئيس السنغالي، فلا يخفى أنه اشبه بدعوة أفريقيا إلى مشترَك جديد لا شراكة حقيقية في مضامينه، بل ثمة زخرف خارجي محض يقتضيه؛ وكان خيراً للرجل أن يدع الملعب للاعبيه، فاعلين كانوا أم تكملة عدد.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

—————————-

إدارة أزمة كورونا

مايكل يونغ

البروفسور سليم أديب اختصاصي في علم الأوبئة ذو تدريب طبي حائز على دكتوراه في الصحة العامة في العام 1991 من جامعة ميشيغان في مدينة آن أربور. كان بين عامَي 2010 و2012 مديرًا لدائرة الصحة العامة في إمارة أبو ظبي. وفي العام 2013، عمل خبيرًا مهنيًا دوليًا في دائرة الأمراض غير المعدية في المكتب الإقليمي لشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية في القاهرة. كان أديب عضوًا في مجلس الجمعية الدولية للأوبئة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 2014 إلى 2021، وهو عضو في المجلس التنفيذي لجمعية علماء الأوبئة الفرنكوفويين منذ العام 2017. أديب هو حاليًا أستاذ مادة علم الأوبئة وطب المجتمع في الجامعة الأميركية في بيروت. في العام 2017، شارك في تأسيس حزب “سبعة” الإصلاحي الديمقراطي الاجتماعي اللبناني (www.sabaa.org)، حيث يتولى حاليًا منصب رئيس حكومة الظل. أجرت “ديوان” مقابلة مع أديب في أواخر كانون الثاني/يناير للوقوف على وجهة نظره بشأن أزمة كوفيد 19 في لبنان.

مايكل يونغ: كيف تُقيّم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة جائحة كوفيد 19 في لبنان؟

سليم أديب: مرّت الاستراتيجية التي اعتمدها لبنان في مرحلتَين مختلفتين. الأولى بدأت مع التبليغ عن أول إصابة مؤكّدة بفيروس كورونا في أواخر شباط/فبراير 2020، والثانية بدأت في أيار/مايو 2020 وما زالت مستمرة.

خلال المرحلة الأولى، كان حجم الوباء لا يزال محدودًا نسبيًا، وانطبعت هذه المرحلة بانتشار الفيروس في مجموعات محددة تتمحور حول إصابات لمسافرين آتين من الخارج. وقد تعاملت الحكومة مع الوضع من خلال سلسلة من الإجراءات الجذرية التي شملت التوقيف الكامل لحركة السفر البرّية والبحرية إلى لبنان. وتكلّلت هذه المرحلة بنجاحٍ نسبي.

بعد ذلك، سيطر على الحكومة سلوكٌ احتفالي بالنصر، وأُعيد فتح المطار بطريقة فوضوية نحو أواخر أيار/مايو 2020. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الاستجابة متذبذبة وغير متماسكة تقودها العواطف والانفعالات وتستند إلى إجراءات غير مبررة إلى حد كبير. لم يجرِ العمل على معالجات فعلية في المجالات المعرَّضة للخطر، مثل استجابة منظومة الرعاية الصحية أو منظومة الترصد الهشّة، ما أدّى إلى خروج الوضع عن السيطرة. وازدادت الأمور سوءًا بسبب الإفلاس المالي الذي يعانيه لبنان وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس الماضي. وإذا كان انتشار الوباء قد حافظ على مستويات معتدلة نسبيًا ويبدو أن مساره يتقدّم ببطء نحو نتيجة مؤاتية، فذلك يعود فقط إلى عامل الحظ ولا شيء سوى الحظ.

يونغ: ترزح المستشفيات اللبنانية تحت وطأة الأعداد الكبيرة للمرضى الذين يعانون مضاعفات الفيروس، ويعتبر كثرٌ أن ذلك يبرّر فرض إغلاق عام مشدّد. ولكن البلاد تشهد احتجاجات متزايدة، ولا سيما في أوساط الشرائح السكانية الأكثر فقرًا، اعتراضًا على الإغلاق الأخير الذي يمنع هؤلاء الأشخاص من كسب معيشتهم. ما هو برأيك الحل لهذه المعضلة؟

أديب: حتى في الظروف الطبيعية، لا تستطيع أي حكومة فرض إغلاق عام من دون إعداد شبكة أمان اجتماعي تكون بمثابة خطة طوارئ موجَّهة إلى الأشخاص الذين سيقعون في حالة من العوز الشديد. ولكن ذلك لم يتحقق. قد يُقال إن تأمين الحماية الاجتماعية في ضوء الظروف المالية العسيرة التي يمرّ بها لبنان متعذّر حاليًا. لذا، فالبديل هو التعاون مع القطاعات الاقتصادية المختلفة من أجل تحديد شروط السلامة التي يمكن أن تتّبعها بعض الأعمال والشركات لمواصلة العمل والحفاظ على حد أدنى من النشاط الاقتصادي. وهذا أيضًا لم يتحقق. لقد عمدت الحكومة إلى تعليق سداد الضرائب السنوية التي لم يكن أحد ليدفعها في مطلق الأحوال، ولكنها لم تحاول الحد من التضخم من خلال خفض الإنفاق العام التبذيري. وقد اضطُرّ الأطفال إلى متابعة التعلّم عن بعد من المنزل، إنما لم تُقدَّم أي مساعدة إلى الأسر الفقيرة كي تتمكّن من توفير الإنترنت لأطفالها مثلًا. يُعدّ الحرمان الاجتماعي إذًا خطرًا واضحًا وداهمًا تشعر به الشرائح السكانية الهشّة أكثر مما تشعر بتهديدٍ افتراضي يُشكّله فيروس. وعدم معالجة هذا الشعور بالحرمان يؤدّي إلى التململ والاضطرابات.

يونغ: هل من جهة في لبنان تتولّى جمع البيانات عن كوفيد 19 وتحليلها؟

أديب: الجهة التي يُفترَض بها جمع البيانات عن الوباء هي وحدة الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة. ولكن، منذ بداية تفشي الوباء، يتولّى مكتب منظمة الصحة العالمية في لبنان، ووحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، والصليب الأحمر اللبناني بجمع البيانات أيضًا. وفي معظم الأحيان، حصل تداخل وتناقض بين مجموعات البيانات في بعض النقاط، فيما تكاملت في نقاط أخرى. ولم يحصل تدقيق جدّي للتأكّد من صحة جميع هذه البيانات أو من طابعها الحاسم والنهائي. ولا تُجري أيٌّ من هذه الوكالات الحكومية تحليلات مُجدية للبيانات. لقد لاحظ المعنيّون الذين يستخدمون البيانات في إطار التحليلات والتوقعات عن الوباء، تراجعًا في نوعيتها عل ضوء الارتفاع في أعداد الإصابات واستمرار الوباء في التفشّي. في الوقت الراهن، جميع التحليلات عبارة عن تقديرات مستندة إلى آراء مطّلعة.

يونغ: هل كان إغلاق المدارس قرارًا صائبًا في ضوء ما كشفته الدراسات عن أن الأطفال لا يعانون في الغالب أعراضًا خطيرة في حال إصابتهم بفيروس كوفيد 19، وأنهم قد يشكّلون في الواقع حاجزًا أمام تفشّيه في المجتمع في حال إصابتهم به؟

أديب: كان إغلاق المدارس ليُعتبَر مبرَّرًا لو جرى في غضون ذلك تجهيزها وتدريب الموظفين من أجل خفض احتمال انتقال العدوى الفيروسية في قاعات التدريس إلى الحد الأدنى. لكن المدارس أُغلِقت من دون اتخاذ أي خطوات إضافية في هذا الصدد. ولم يتمّ التطرّق أبدًا إلى ما تسبّبَ به ذلك من لامساواة في التعليم. فالنتيجة المترتّبة عن إغلاق المدارس هي أن التلاميذ الذين ينتمون إلى أسر فقيرة خسروا سنوات دراسية، في حين أن أبناء الأسر الميسورة يمتلكون جميع الوسائل لمتابعة تعليمهم عن بعد، ويمكنهم أيضًا الاستعانة بأساتذة لإعطائهم دروسًا خصوصية في المنزل.

يونغ: يستعد لبنان للبدء بحملة تطعيم بواسطة لقاح “فايزر”، وقد اتخذ إجراءات تشمل إطلاق منصة للراغبين في تسجيل أسمائهم للحصول على اللقاح. ما موقفك من هذه الآلية؟

أديب: لقد أنشأت وزارة الصحة العامة لجنة للإشراف على عملية التطعيم. وقدّمت اللجنة خطة تطعيم هي أشبه بقائمة جاهزة مستمدّة نموذج منظمة الصحة العالمية. فلا تتضمن الوثيقة أي محاولة لتقدير عدد الأشخاص الذين يُتوقَّع أن تُعطى لهم الأولوية في الحصول على اللقاح. ولا تُحدّد الخطة جدولًا زمنيًا استنادًا إلى العقود المبرَمة. ولم يجرِ تأمين الموازنة الضرورية لإدارة عملية التطعيم، بدءًا من شراء اللقاحات ووصولًا إلى استيرادها وتوزيعها. يحيط الالتباس والغموض بالنقاشات حول المسائل المتعلقة بحفظ اللقاحات في درجات حرارة متدنّية، وتخزينها الآمن، والاتفاقات التي أُبرِمت مع مراكز التطعيم، والاعتبارات الخاصة التي يجب مراعاتها في تطعيم كبار السن.

ما يمكن توقّعه استنادًا إلى السلوكيات السابقة هو أن الجرعات الأولى التي جرى شراؤها بواسطة الأموال العامة سوف تصل إلى بيروت، ليُصار سريعًا إلى توزيعها على أفراد الطبقة السياسية وأزلامهم. أما باقي السكان فسوف يُترَكون لتدبّر أمورهم بأنفسهم وشراء اللقاحات المستورَدة من قبل جهات خاصة بأسعار السوق التي يتلاعب بها كبار مستوردي الأدوية. لحسن الحظ، بحلول ذلك الوقت، تكون مناعة القطيع قد بلغت العتبة المطلوبة لوقف تفشّي الفيروس.

يونغ: ما هي توقعاتك بشأن تطوّر الوباء في الأشهر المقبلة؟

أديب: بعد التفشي الفيروسي الذي تسببت به الفوضى في فصل الصيف، وتداعيات انفجار المرفأ، والاحتفالات التي رافقت موسم الأعياد، بلغت الإصابات ذروة جديدة في النصف الأول من شهر كانون الثاني/يناير 2021. ويبدو أن الذروة القصوى كانت نحو أواخر شهر كانون الثاني/يناير. تبذل جميع المستشفيات الخاصة مجهودًا كبيرًا يساهم، على نحو بطيء لكن بخطى ثابتة، في استيعاب الارتفاع في أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى عناية داخل المستشفى. لا تزال نسبة الوفيات إلى الإصابات أقل من 1 لكل 1000 إصابة، على الرغم من الزيادة في أعداد الوفيات. بحسب التقديرات، أصيب 30 في المئة من اللبنانيين حتى الآن بوباء كوفيد 19 وتعافوا منه، ما أكسبهم مستوى مهمًا من المناعة إلى حد ما.

ففي ظل فرض قيود أكثر تشدّدًا على الرحلات الدولية، والزيادة البطيئة إنما المطردة في أعداد الأشخاص الذين يحصلون على اللقاح من خلال وسائلهم الشخصية، والنسبة المتزايدة للأشخاص الذين يكوّنون مناعة طبيعية، ثمة احتمالٌ كبير جدًا بأن نصل بحلول أواخر آذار/مارس المقبل إلى عتبة الـ50 إلى 60 في المئة الضرورية للحدّ من انتشار العدوى في لبنان. بيد أن تجدُّد ارتكاب الهفوات من جانب الهواة في الحكومة التي يُفترَض بها إدارة الأزمة قد يؤدّي إلى استمرار هذه المحنة حتى صيف 2021.

—————————–

=============================

تحديث 09 شباط 2021

—————————–

بهدف الحد من انتشار النسخة المتحورة: الخبراء يدعون إلى وضع كماماتين لضمان فعالية الوقاية

– أ. ف. ب.

واشنطن : نظرا إلى انتشار نسخ متحورة من فيروس كورونا أشد عدوى من النسخة الأساسية، أصبح من الضروري وضع كمامات بجودة ومعايير معززة أو كمامة جراحية وأخرى قماشية في آن، على ما يفيد خبراء عدة.

يتفق العلماء في الوقت الراهن على أن الفيروس ينتقل بشكل رئيسي عبر الهواء وليس من خلال الأسطح الملوثة. وثمة أدلة متزايدة على أن القطرات الدقيقة التي يمكن انتشارها مسافة أمتار عدة خلال تحدث شخص ما أو تنفسه قد تكون كافية لنقل المرض.

ويزداد الوضع تعقيدا لأن بعض النسخ المتحورة، مثل تلك التي ظهرت في بريطانيا، تنتقل بسهولة أكبر من الفيروس الأساسي المنتشر في العالم، وفقا لعدد من الخبراء.

عندما بدأ انتشار الوباء وأوصت السلطات بوضع الكمامات الجراحية، لم تكن تتوافر كميات كافية منها فتم التشجيع على وضع كمامات “مصنوعة منزليا” من القماش عادة ما يكون مصدره قطع ثياب قديمة.

فعالية القناع تعتمد على أمرين

لكن هذه الحلول بعيدة كل البعد عن أن تكون مثالية. فما هو الخيار الأفضل؟

تقول لينسي مار الأستاذة في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا والمتخصصة في الأمراض المنقولة جوا لوكالة فرانس برس إن “فاعلية القناع تعتمد على أمرين: قدرته على الفلترة وإمكان ضبطه وإحكامه”.

وتشير إلى أن “الفلترة الجيدة تمنع مرور أكبر عدد ممكن من الجزيئات، كما أن ضبط الكمامة بإحكام تعني عدم وجود تسرب حول حوافها حيث يمكن أن يمر الهواء، وبالتالي الفيروس”، موضحة أنه حتى فتحة صغيرة قد تؤدي إلى تقليل فعالية القناع بنسبة 50 في المئة.

وأفضل المواد التي تمنع دخول الجزيئات الدقيقة هي مادة البولي بروبيلين غير المنسوجة المستخدمة في العديد من الأقنعة الجراحية أو كمامات مزودة بفلتر مثل “كاي ان 95”.

أما أفضل أنواع الأقمشة، فهو القطن المرصوص جيدا.

وتقول المتخصصة “يجب أن تشعر بأن قناعك يشد إلى الداخل أثناء الشهيق، وإذا وضعت يديك على جانبيه، فيجب ألا تشعر بأي هواء يخرج أثناء الزفير”.

وتسمح الكمامات المزودة قضيبا معدنيا بضبطه بشكل أفضل على مستوى الأنف وتكون أكثر فعالية في هذا الشأن عندما تلتف الأربطة المطاطية حول الرأس وليس حول الأذنين فقط.

القناع القطني

وتشرح لينسي مار “إذا كنت تضع كمامة من القماش، فاختر واحدة تحتوي على طبقات متعددة، مع جيب صغير يسمح بإدخال فلتر فيه. أو يمكنك وضع كمامة جراحية تحت تلك القماشية”.

تصنع الكمامات الجراحية من مادة تتمتع بقدرة كبيرة على الفلترة، لكنها تميل إلى أن تكون فضفاضة. وبالتالي، فإن إضافة قناع من القماش قد يساعد في الحفاظ على حوافه ملتصقة بالوجه ما يقلل من احتمال تسرب الجزئيات.

كذلك، تؤدي إضافة طبقة إلى تحسين عملية الفلترة. فإذا كان بإمكان طبقة واحدة احتجاز 50 في المئة من الجزيئات، فمع طبقتين، ستزيد هذه النسبة إلى 75 في المئة.

لكنها تضيف “لا نوصي بوضع أكثر من كمامتين، إذ قد يؤدي ذلك إلى التأثير في القدرة على التنفس بشكل جيد”.

وثمة خيار آخر: كمامة “كاي ان 95” أو “إف إف بي 2” وفق البلد، وهي غالبا ما تكون مخصصة للعاملين في المجال الطبي. وهذه الكمامات هي الأكثر قدرة على فلترة الهواء.

يوضح رانو ديلون الطبيب في مستشفى “بريغام أند ويمنز” وفي كلية الطب في جامعة هارفرد “توفر جميعها مستوى مماثلا من فلترة الجسيمات التي تدخل وتخرج”.

وهو يقوم بحملة من أجل التشجيع على استخدام أقنعة أكثر فعالية منذ الربيع، ويأسف لعدم تقديم معلومات للعامة عن فوائدها.

قد نستمر في استخدام الكمامة

ويتابع “لم يكن هناك جهد منسق لإنتاجها وتوزيعها بشكل جماعي”. حتى بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا، قد يستمر وضع الكمامات بشكل جزئي.

قبل الجائحة، درس دونالد ميلتون الأستاذ في جامعة ميريلاند، مع علماء آخرين، الإنفلونزا وخلصوا إلى أنه يمكنها أن تنتقل أيضا عن طريق الجزيئات الصادرة عن التحدث أو التنفس. وأوضحوا أن دور العطس والسعال وانتقال الفيروس عبر الأسطح، أقل مما كان مقدرا في البداية.

في ذلك الوقت، أثار بحثهم جدلا لكن تم إحياؤه بعد انتشار كوفيد-19. لذلك، قد يستمر التشجيع على وضع الكمامات في المستقبل خلال موسم الأنفلونزا.

ايلاف

—————————-

 ما أفضل الكمامات التي ينصح الخبراء بارتدائها؟

نظرا إلى انتشار نسخ متحورة من فيروس كورونا أشد عدوى من النسخة الأساسية، أصبح من الضروري وضع كمامات بجودة ومعايير معززة أو كمامة جراحية وأخرى قماشية في آن، على ما يفيد خبراء عدة.

يتفق العلماء في الوقت الراهن على أن الفيروس ينتقل بشكل رئيسي عبر الهواء وليس من خلال الأسطح الملوثة. وثمة أدلة متزايدة على أن القطرات الدقيقة التي يمكن انتشارها مسافة أمتار عدة خلال تحدث شخص ما أو تنفسه قد تكون كافية لنقل المرض.

ويزداد الوضع تعقيدا لأن بعض النسخ المتحورة، مثل تلك التي ظهرت في بريطانيا، تنتقل بسهولة أكبر من الفيروس الأساسي المنتشر في العالم، وفقاً لعدد من الخبراء.

عندما بدأ انتشار الوباء وأوصت السلطات بوضع الكمامات الجراحية، لم تكن تتوافر كميات كافية منها فتم التشجيع على وضع كمامات «مصنوعة منزليا» من القماش عادة ما يكون مصدره قطع ثياب قديمة.

لكن هذه الحلول بعيدة كل البعد عن أن تكون مثالية. فما هو الخيار الأفضل؟

تقول لينسي مار الأستاذة في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا والمتخصصة في الأمراض المنقولة جوا لوكالة الصحافة الفرنسية إن «فاعلية القناع تعتمد على أمرين: قدرته على الفلترة وإمكان ضبطه وإحكامه».

وتشير إلى أن «الفلترة الجيدة تمنع مرور أكبر عدد ممكن من الجزيئات، كما أن ضبط الكمامة بإحكام تعني عدم وجود تسرب حول حوافها حيث يمكن أن يمر الهواء، وبالتالي الفيروس»، موضحة أنه حتى فتحة صغيرة قد تؤدي إلى تقليل فاعلية القناع بنسبة 50 في المائة.

وأفضل المواد التي تمنع دخول الجزيئات الدقيقة هي مادة البولي بروبيلين غير المنسوجة المستخدمة في العديد من الأقنعة الجراحية أو كمامات مزودة بفلتر مثل «كيه إن 95».

أما أفضل أنواع الأقمشة، فهو القطن المرصوص جيدا.

وتقول المتخصصة «يجب أن تشعر بأن قناعك يشد إلى الداخل أثناء الشهيق، وإذا وضعت يديك على جانبيه، فيجب ألا تشعر بأي هواء يخرج أثناء الزفير».

وتسمح الكمامات المزودة بقضيب معدني بضبطه بشكل أفضل على مستوى الأنف وتكون أكثر فعالية في هذا الشأن عندما تلتف الأربطة المطاطية حول الرأس وليس حول الأذنين فقط.

وتشرح لينسي مار «إذا كنت تضع كمامة من القماش، فاختر واحدة تحتوي على طبقات متعددة، مع جيب صغير يسمح بإدخال فلتر فيه. أو يمكنك وضع كمامة جراحية تحت تلك القماشية».

تصنع الكمامات الجراحية من مادة تتمتع بقدرة كبيرة على الفلترة، لكنها تميل إلى أن تكون فضفاضة. وبالتالي، فإن إضافة قناع من القماش قد يساعد في الحفاظ على حوافه ملتصقة بالوجه ما يقلل من احتمال تسرب الجزئيات.

كذلك، تؤدي إضافة طبقة إلى تحسين عملية الفلترة. فإذا كان بإمكان طبقة واحدة احتجاز 50 في المائة من الجزيئات، فمع طبقتين، ستزيد هذه النسبة إلى 75 في المائة.

لكنها تضيف «لا نوصي بوضع أكثر من كمامتين، إذ قد يؤدي ذلك إلى التأثير في القدرة على التنفس بشكل جيد».

وثمة خيار آخر: كمامة «كيه إن 95» أو «إف إف بي 2» وفق البلد، وهي غالبا ما تكون مخصصة للعاملين في المجال الطبي. وهذه الكمامات هي الأكثر قدرة على فلترة الهواء.

يوضح رانو ديلون الطبيب في مستشفى «بريغام أند ويمنز» وفي كلية الطب في جامعة هارفارد «توفر جميعها مستوى مماثلا من فلترة الجسيمات التي تدخل وتخرج».

وهو يقوم بحملة من أجل التشجيع على استخدام أقنعة أكثر فعالية منذ الربيع، ويأسف لعدم تقديم معلومات للعامة عن فوائدها.

ويتابع «لم يكن هناك جهد منسق لإنتاجها وتوزيعها بشكل جماعي».

حتى بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا، قد يستمر وضع الكمامات بشكل جزئي.

قبل الجائحة، درس دونالد ميلتون الأستاذ في جامعة ميريلاند، مع علماء آخرين، الإنفلونزا وخلصوا إلى أنه يمكنها أن تنتقل أيضا عن طريق الجزيئات الصادرة عن التحدث أو التنفس. وأوضحوا أن دور العطس والسعال وانتقال الفيروس عبر الأسطح، أقل مما كان مقدرا في البداية.

في ذلك الوقت، أثار بحثهم جدلا لكن تم إحياؤه بعد انتشار كوفيد – 19. لذلك، قد يستمر التشجيع على وضع الكمامات في المستقبل خلال موسم الأنفلونزا.

الشرق الأوسط

——————————-

 10 عادات يومية لتقليل التوتر الناتج عن تفشي «كورونا»

منذ تفشي فيروس كورونا المستجد، عانى كثير من الأشخاص من القلق والتوتر لدرجة أثرت على الصحة العقلية والنفسية لبعضهم.

ويحذر الخبراء من أن التوتر الشديد يمكن أن يزيد أيضاً من خطر الإصابة ببعض الأمراض الخطيرة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والاكتئاب ومرض الزهايمر والسرطان وغيرها.

وفي هذا السياق، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية آراء عدد من الخبراء حول بعض العادات والطقوس اليومية اللازمة لتقليل مستويات التوتر لدى الأشخاص.

وهذه العادات هي:

1- التأمل:

تساعدنا ممارسة التأمل في الاستجابة بشكل أفضل للمواقف العصيبة، وفقاً لإيلي بوروز غلوك، مدربة التأمل والمؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لـ«MNDFL»، وهو استوديو للتأمل في مدينة نيويورك.

وأشارت غلوك إلى أن الدراسات السابقة أكدت أن التأمل يؤدي إلى انخفاض العلامات الفسيولوجية للتوتر.

فعلى وجه التحديد، يمكن أن يساعد التأمل في خفض مستويات الكورتيزول وضغط الدم ومعدل ضربات القلب.

وأضافت: «للتأمل، ركز انتباهك الكامل على التنفس من خلال الأنف لا الفم، على أن يكون التنفس بطريقة معتدلة، بدلاً من التنفس بقوة. وتقوم هذه الطريقة بتهدئة التوتر لأنها تحتاج إلى تركيز، ومن ثم لا تعطي فرصة للتفكير في أي شيء آخر».

2- ابحث عن هواية:

تنصح الدكتورة كارولين ميسر، إخصائية الغدد الصماء في مدينة نيويوركيمكن الأشخاص بالبحث عن هواية يمكنهم ممارستها يومياً، مثل العزف على آلة موسيقية أو الرسم أو الطهي أو اللعب مع الأطفال، للتقليل من توترهم.

وأضافت: «المفتاح هو التركيز على فعل شيء تحبه لتشتيت انتباهك عما يثير مخاوفك. فأنا حين أعزف على البيانو، أو أمارس الطبخ مع أطفالي، أنسى قلقي المتعلق بالجائحة وضغوطات العمل».

3- حدد موعداً يومياً لممارسة التمارين الرياضية:

أكدت ميسر أن الانخراط في نشاط بدني منتظم يعد طريقة رائعة للمساعدة في إدارة التوتر وتقوية جهاز مناعة الأشخاص أيضاً.

وأوضحت ميسر أن التمارين الهوائية، التي تشمل المشي السريع وركوب الدراجات والركض والسباحة، والتي تزيد من معدل ضربات القلب واستخدام الجسم للأكسجين، تعزز مستويات هرمون الإندورفين، الذي يعمل على تخفيف الآلام ويعطي شعوراً بالراحة النفسية.

ونصحت ميسر بممارسة التمارين الهوائية على الأقل لمدة 30 دقيقة، ثلاث مرات في الأسبوع.

ومن جهتها، أوضحت ماري آن براوننغ، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة «Brownings Fitness»، أن التمرينات الرياضية تقلل أيضاً من مستويات هرمونات التوتر في الجسم، خصوصاً الأدرينالين والكورتيزول.

وأضافت براوننغ: «إذا كنت لا ترغب في الخروج، يمكنك فقط التجول في شقتك أثناء التحدث إلى الناس».

4- زيادة تناول الأطعمة التي تقلل التوتر:

أكدت دراسات سابقة أن هناك بعض الأطعمة التي تقلل من مستويات التوتر بالجسم، مثل تلك الغنية بأحماض «أوميغا 3» الدهنية كالسلمون والماكريل والأنشوجة والسردين والرنجة.

علاوة على ذلك، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الأطعمة الغنية بفيتامين سي، مثل الفلفل الأحمر والأخضر والبرتقال والجريب فروت والكيوي، قد تكون مفيدة في خفض الضغط النفسي وضغط الدم.

كما أن الزبادي يحتوي على بكتيريا صديقة تعرف باسم البروبيوتيك، لها القدرة على تقليل التوتر ومستويات الكورتيزول.

5- تجنب اتباع نظام غذائي قاسٍ:

لقد ثبت أن الحد من السعرات الحرارية إلى مستويات منخفضة جداً يزيد من مستويات الكورتيزول.

وقالت مارثا ماكيتريك، اختصاصية تغذية مسجلة في مدينة نيويورك: «إذا كنت تقلل من السعرات الحرارية أكثر من اللازم في محاولة لفقدان الوزن الذي اكتسبته بسبب إغلاق كورونا، فقد تلحق الضرر بجسمك».

وأضافت ماكيتريك: «من المهم أيضاً تناول ما يكفي من الكربوهيدرات، لأنها تحفز الدماغ على إفراز مادة السيروتونين، وهو ناقل عصبي له تأثير مهدئ في الجسم». وعلى الجانب الآخر، أوضحت اختصاصية التغذية أن الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات يمكن أن تعزز مستويات الكورتيزول.

6- قلل من شرب الكافيين:

أوضحت ماكيتريك أن الكميات الكبيرة من الكافيين يمكن أن تعزز مستويات الكورتيزول وتزيد من آثار الإجهاد على الجسم.

ونصحت ماكيتريك بشرب الأعشاب بدلاً من ذلك.

7- احصل على قسط كافٍ من النوم:

يمكن أن يسهم الحرمان من النوم في ارتفاع مستويات التوتر.

وشدد الخبراء على الأشخاص على النوم من سبع إلى تسع ساعات يومياً.

كما أكدوا أن أخذ قيلولة لا تزيد على 30 دقيقة بعد الظهر، يساعد في تقليل التوتر وتعويض الآثار السلبية للحرمان من النوم على جهاز المناعة.

8- استمتع بالطبيعة:

يمكن أن يساعد الخروج وقضاء بعض الوقت بالطبيعة في تخفيف التوتر وتحسين حالتك المزاجية وتعزيز مشاعر السعادة والرفاهية، وفقاً لجمعية القلب الأميركية.

وأوضحت ماكيتريك أن الوجود بالقرب من المساحات الخضراء على وجه الخصوص يقلل التوتر ويزيل أعراض القلق والاكتئاب.

9- استمع إلى الموسيقى:

وفقاً لماكيتريك، فإن تشغيل موسيقاك المفضلة يمكن أن يقلل أيضاً من مستويات التوتر، مشيرة إلى أن الموسيقى المبهجة قد تكون مفيدة في تعزيز المزاج، بينما يمكن أن تساعد الموسيقى البطيئة في تهدئة العقل وإرخاء العضلات.

10- ابتعد عن العزلة:

أوضحت ميسر أن العزلة يمكن أن تسبب زيادة في مستويات الكورتيزول. وقالت: «يُقصد من البشر أن يكونوا اجتماعيين، فمن خلال علاقاتنا الاجتماعية يمكننا أن نقلل من مستويات التوتر لدينا».

وتابعت: «إذا لم تتمكن من الوجود مع صديق أو أحد أفراد أسرتك شخصياً، فيمكن أن تساعدك مكالمة هاتفية أو تطبيقات مكالمات الفيديو في البقاء على اتصال بهم».

—————————-

سنة كورونا: دروس تجربة الإغلاق/ السيد ولد أباه

يتساءل الفيلسوف الألماني «هارتموت روزا»: هل فقد الإنسان حاسية الترابط الإنساني التي هي منشأ القيم والتقاليد الاجتماعية والسياسية، مع تراجع تجربة التقارب المكاني بين البشر إثر جائحة كورونا الراهنة التي فرضت التباعد بين الناس؟

إذا كان «روزَا» يخلص إلى أن التكنولوجيات الحديثة تقوم على الجمع بين حركية الإسراع في المكان والزمان مع تجميد الحاجة الفعلية للحركة نتيجة لوسائل الاتصال والنقل الجديدة، فإنه يرى في الآن نفسه أن مأزق كورونا حول هذه الظاهرة إلى نمط من التدبير العملي للوضع الإنساني قد يتحول في المستقبل إلى سلوك دائم، حتى بعد الانتصار على الوباء الحالي.

والواقع أن العالم عرف خلال السنة التي مضت على بداية انتشار الوباء تجربة الإغلاق التي اعتُبرت في البداية مؤقتةً ومحدودةً ولكنها تواصلت من بعد، ولا يُتوقع أن تنحسر حتى بعد تعميم التلقيح على نطاق كوني كامل. ومع أن إغلاق المدن في حد ذاته ليس بالظاهرة الجديدة، بل إن العالم عرف من قبل إجراءات الحظر وتقييد الانتقال في فترات الحروب والأوبئة، إلا أن التجربة الجديدة لها خصوصياتها ومحدداتها المميزة من وجهين: اتساع وتيرة الضبط والحجز خارج اعتبارات الضرورات الصحية والأمنية المباشرة، وتداخل إجراءات الإغلاق مع السياسات العمومية الدائمة.

وكما هو معروف، انطلقت تجربة إجراءات إغلاق المدن من الصين قبل أن يجري تمديدها إلى جل بلدان العالم. وإذا كان الإغلاق في جانب منه يعني تعطيل نمط المدينة المفتوحة، الذي هو من مقومات الحداثة في معاييرها الليبرالية وأفقها للعيش الجمالي والاستهلاكي ومقاربتها للجسد المتكشف، فإنه من ناحية ثانية يعني قدرة الثورة التقنية الجديدة على تعويض الروابط التجميعية التحشيدية التي بلورتها الثورة الصناعية الأولى في ضبطها لنظام العمل وللتركيبة الطبقية المترتبة عنه. لقد بينت المعطيات الإحصائية الجديدة أن تجربة إغلاق المدن أدت إلى قلب التوازنات الاقتصادية، بتراجع أنماط الاقتصاديات التقليدية القائمة على الانتقال والحركة المكانية (الطيران والسياحة والفندقة..) وتضخم اقتصاديات الذكاء الاصطناعي المؤسسة على السيلان الافتراضي والتواصل الرقمي (التجارة الإلكترونية والمنصات التعليمية عن بعد والنشر الإلكتروني..).

ومع أن جل دول العالم عانت مصاعب جمة في تسيير إجراءات الإغلاق، بتكاليفها الاقتصادية والاجتماعية الباهظة وأثرها السلبي على نمط الحياة السياسية والنظام المؤسسي الإداري للدولة، إلا أن تجربة سنة كاملة من الحظر والتقييد بدأت تفرض التفكير في بدائل دائمة تعوض الخسائر والمصاعب الحالية في أفق استمرار الأزمة لسنة قادمة.

لقد أصبح من البديهي أن الحكومات مضطرة على الخصوص إلى مراجعة ثلاثة أنماط حيوية من السياسات العمومية: إجراءات ضبط وتنظيم الحريات الفردية والعامة والتعددية السياسية، والسياسات والنظم الصحية، والسياسات الإعلامية.

وبخصوص الجانب السياسي المرتبط بالحياة الديمقراطية، أثبتت تجربة الإغلاق الحاجةَ الماسّة إلى ملاءمة ضرورات الوقاية الصحية مع حقوق الأفراد والجماعات في التعبير والنشاط الحر، في مرحلة جُرد فيها الإنسان من حقوقه الأولية في التنقل والعمل، وعُطِّلت الاستحقاقات الانتخابية حتى في الديمقراطيات العريقة.

أما السياسات الصحية العمومية، فقد أظهرت عجزها الكلي عن امتصاص الصدمة الراهنة، حتى في البلدان الصناعية المتطورة التي عانت من مصاعب الرعاية الفعالة والسريعة لضحايا الجائحة حتى في أدنى مستوياتها؛ من توفير الأقنعة الوقائية ومستلزمات النظافة الجسمية إلى الأدوية العلاجية وأجهزة التنفس وغرف الإنعاش الطبي. لقد ظهر من الجلي أن نمط التدبير الصحي القائم على عولمة المنتجات الاستشفائية وخصخصة الرعاية الطبية لا يمكنه أن يواجه الموجة المتجددة من الأوبئة الفيروسية التي يؤكد المتخصصون أن العالم لا يزال في بدايتها.

أما الإعلام التقليدي فقد ظهر أنه من ضحايا الجائحة الحالية التي انجرَّ عنها توقف مئات الصحف المكتوبة عن الصدور وتراجع السوق الإعلانية إلى حد منذر بالخطر. وإذا كانت الطبعات الرقمية للصحف قد استفادت نوعياً من الأزمة الراهنة التي ضاعفت وتيرة الإقبال على القراءة والمطالعة، فإن المطروح راهناً هو استثمار التحديات الحالية في بلورة حلول دائمة ونهائية لمشكل الإعلام التقليدي الذي يراهن البعض على نهايته الوسيطة. وإذا كانت العديد من الأحداث المعروفة قد بيّنت زيف وهم استبدال الإعلام التقليدي بمواقع التواصل الاجتماعي السيارة (بما بيناه سابقاً في هذه الصفحة)، إلا أن التفكير أصبح ضرورياً في إعادة رسم السياسات الإعلامية الملائمة للحفاظ على مكاسب الاستقصاء والتنوير والنقد التي ترجع لعصر الصحافة المكتوبة ضمن فرص وإمكانات العصر الرقمي الجديد.

—————————-

تقاسم لقاح كوفيد 19: قياس الحصص بأوزان الدول

نجحت عدة شركات في وقت وجيز في اختراع لقاحات مضادة لكوفيد-19، لكن هناك تفاوت في نجاعتها، وتوزيعها على مناطق العالم، لمحدودية الكميات المنتجة، والقيود الاحتكارية لأسباب اقتصادية أو وطنية، والتباين في قدرة الدول المتنافسة على اقتسام اللقاحات.

تجاوز عدد من أصيبوا في العالم بكوفيد-19 في بدايات فبراير/شباط 105 ملايين، توفي منهم مليونان وثلاثمئة ألف مريض. وهذه، بالطبع، حصيلة الأرقام الرسمية المعلنة في دول العالم. الأرقام الحقيقية لابد أن تكون أعلى بهذه الدرجة أو تلك، نظرًا لأن بعض الدول لا يكشف عن عدد الوفيات بصورة دقيقة، إما لأن هذه الدول تخشى من وقع الجائحة على شعبها، وعلى صورتها أمام الشعب، أو لأن طريقة حسابها تُسقط نسبة ما من الوفيات، أو لأنها لا تقوم بعدد من فحوصات المرض يتناسب مع عدد السكان. فمصر، مثلًا، التي يتجاوز عدد سكانها المئة مليون نسمة، لا تُجري سوى عشرة آلاف فحص يوميًّا، بينما تقوم بريطانيا، التي لا يزيد سكانها عن 65 مليونًا، بإجراء 400 ألف فحص يوميًّا على الأقل. ولكن، وحتى في بريطانيا، ثمة تباين بين عدد الوفيات المعلن من قبل الحكومة، والذي تجاوز 100 ألف وفاة، والعدد الذي تعتمده وكالة الإحصاء الوطنية، بما لا يقل عن 10 آلاف وفاة، نظرًا لاختلاف طريقة الحساب لدى كلٍّ من الجهتين.

كانت السلطات الصحية في كافة دول العالم، كما منظمة الصحة العالمية، توقعت تعرض العالم لموجة ثانية من الجائحة، سيما بعد أن تراجعت معدلات العدوى في أشهر الصيف وساد شعور خادع بالاطمئنان. ولكن لم يتوقع أحد أن تكون الموجة الثانية، التي بدأت منذ أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، تنتشر من دولة إلى أخرى، بهذا الوقع. عندما أخذ الوباء في الانتشار بالولايات المتحدة الأميركية في الأشهر الأولى لعام 2020، أشار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى أن الجائحة قد تقتل ما يقارب 200 ألف من الأميركيين. في مطلع فبراير/شباط 2021، أي بعد عام من الجائحة، كان عدد المصابين في الولايات المتحدة تجاوز 26 مليونًا، وعدد الوفيات 450 ألفًا. بيد أن شيئًا من التفاؤل أخذ يتخلل تصريحات المسؤولين الحكوميين حول مستقبل الجائحة، سيما في الدول الغربية، حيث وفرت برودة الطقس ظرفًا مواتيًا لانتشار فيروس كوفيد-19، والتي يُعتقد أنها أكثر تأثرًا بالجائحة من دول العالم الثالث في آسيا وإفريقيا. السبب خلف هذا التفاؤل يعود إلى السرعة غير المسبوقة في تطوير عدد من اللقاحات، التي تقول الدراسات الأولية إنها قادرة على بناء مناعة ضد الفيروس، وعلى الحماية من تفاقم أعراض المرض، على الأقل لستة أشهر من تاريخ التطعيم.

فإلى أي حدٍّ يمكن الركون إلى وعود التطعيم ضد الجائحة؟ وهل يتعامل مصنِّعو اللقاحات مع دول العالم المختلفة بنفس الدرجة من الشفافية والعدالة؟ وهل بدأ العالم بالفعل مسيرة الخروج من كابوس كوفيد-19، الذي لم يواجه العالم وطأة بمثل ثقله منذ الحرب العالمية الثانية؟

عدد محدود من اللقاحات المتاحة

كانت شركة فايزر، عملاق صناعة الدواء الأميركية، بالشراكة من بيونتك الألمانية، التي يديرها زوجان من أصول تركية، أول من أعلن عن تطوير لقاح ضد كوفيد-19، في خريف العام الماضي، بعد اكتمال مراحل التجارب الثلاثة الضرورية لتقدير كفاءة اللقاح وفعاليته وأمنه. ولكن، وحتى قبل أن تقوم أية جهة رقابة غربية، أو منظمة الصحة العالمية، بالترخيص للقاح فايزر-بيونتك، أعلنت موسكو عن تطوير لقاح روسي، وأنها ستبدأ عملية تطعيم شاملة للمواطنين الروس، دون أن تنشر نتائج أبحاث التجارب على اللقاح. خلال أسابيع قليلة، أعلنت سينوفارم الصينية عن اكتمال تجاربها على لقاح كانت بدأت في تطويره منذ بداية الجائحة في يناير/كانون الثاني 2020. كما أكدت كل من مودرنا الأميركية وأسترازينيكا البريطانية-الإسكندنافية، بالشراكة مع جامعة أوكسفورد، عن نهاية المرحلة التجريبية لكل من اللقاحين اللذين كانتا تعملان على تصنيعه.

يعتمد لقاح فايزر-بيونتك، وذلك الذي طورته مودرنا، على تقنية جديدة، يعمل من خلالها على استخلاص أجزاء محددة من الشريط الوراثي للفيرس (RNA)، سيما تلك الخاصة ببناء قطاع من غلاف الفيروس البروتيني الخاص بالبروزات التاجية. ولكن مشكلة لقاح فايزر أنه يتطلب درجة حرارة تصل إلى 70 درجة تحت الصفر لحفظه ونقله، بينما استطاعت مودرنا التوصل لتقنية توفر إمكانية حفظه ونقله في درجة حرارة أقل نسبيًّا. كلتا الشركتين وضعتا سعرًا مرتفعًا لجرعة اللقاح، مع العلم بأن كفاءة اللقاح قُدِّرت بعد حقن جرعتين لكل إنسان، بفارق 3–4 أسابيع بينهما. أما لقاح أسترازينيكا-أوكسفورد، الذي طُوِّر بتقنية مختلفة، تقوم على حمل الجزء الوراثي لفيروس كوفيد-19 في فيروس آخر، غير ضار بالإنسان وغير قابل للتكاثر، يصيب الشمبانزي، فيمكن حفظه في درجة 4 مئوية، وقُدِّر سعره بما لا يزيد عن عشرة دولارات. وبالرغم من أن لقاح سينوفارم الصيني ولقاح سبوتنيك الروسي يعتمدان تقنية تقليدية من الفيروس المقتول، ويمكن نقل كلا اللقاحين بسهولة في درجة التبريد المعتادة، فقد وضعت الصين سعرًا مرتفعًا بصورة ملموسة للقاحها، بينما قدَّرت موسكو سعرًا أقل نسبيًّا.

كانت بريطانيا أول دولة تُصدر ترخيصًا طارئًا للقاح فايزر-بيونتك، وبدأت حملة تطعيم وطنية متسارعة منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 2020. وقد ساعد على دفع حملة التطعيم البريطانية الترخيص التالي للقاح أسترازينيكا-أوكسفورد، الأسهل نقلًا وحفظًا. بعد أسابيع قليلة من الترخيص البريطاني، أصدرت الولايات المتحدة ترخيصًا طارئًا للقاحي فايزر-بيونتك ومودرنا، وسرعان ما لحق الاتحاد الأوروبي بهما. كما تم الترخيص للقاح مودرنا وأسترازينيكا-أوكسفورد في أوروبا، بينما لم تقرر الولايات المتحدة موقفها من هذا اللقاح بعد. وفي حين بدأت حملة التطعيم الأميركية منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول، لم تطلق دول الاتحاد الأوروبي حملات التطعيم إلا في يناير/كانون الثاني.

اللقاح الصيني كان أوفر حظًّا من نظيره الروسي، بالرغم من فارق السعر، وفارق الكفاءة، اللذين يصبَّان لصالح اللقاح الروسي، طبقًا لدراسات علمية متأخرة. وكانت سينوفارما المصنِّعة للقاح الصيني قد عملت على تجربته في عدة دول أخرى، بعد أن تراجعت الجائحة في الصين بصورة كبيرة منذ نهاية الربيع وبداية الصيف، بما في ذلك البرازيل، وتركيا، والإمارات، مما وفَّر مصداقية أعلى للقاح الصيني بصورة مبكرة. كما أن قدرات الصين التصنيعية تفوق نظيرتها الروسية؛ حيث لم يزل المصنِّع الروسي يجد صعوبة في إنتاج كميات كافية من جرعات سبوتنيك. ومع نهاية يناير/كانون الثاني، أعلنت كل من فايزر-بيونتك وأسترازينيكا-أكسفورد أنهما لن يستطيعا الإيفاء بوعودهما المسبوقة لإمداد أوروبا باللقاح، نظرًا لرغبة الأولى في تحديث آليات الإنتاج ووجود صعوبات لدى الثانية في إنتاج الكميات المقدَّرة في البداية وعزمها إعطاء الأولوية لبريطانيا. وهذا ما فجَّر خلافات حادة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا كادت أن تمس باتفاق الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، عندما قرر الأخير منع تصدير أية لقاحات تُصنَّع في دول الاتحاد إلى خارجه. وبالرغم من أن الخلافات تم تجاوزها، إلا أن الواضح أن إمدادات اللقاح لدول الاتحاد الأوروبي ظلت أقل من المتوقع، ولا يُتوقع لها الوصول إلى مستوى مرض حتى بداية الربيع.

في الولايات المتحدة، حيث تحتفظ الشركات الغربية المصنِّعة للقاحات الثلاث الرئيسة المتاحة بمعامل إنتاج منفصلة عن معاملها الأوروبية، أقرَّ الرئيس الجديد، جوزيف بايدن، خطة لإعطاء 100 مليون جرعة من اللقاح في المئة يوم الأولى من ولايته، بعد أن اتضح أن إدارة ترامب لم تقر خطة فعَّالة للتطعيم. ولكن، وبينما يدور تنافس حاد بين الدول الغربية على جانبي الأطلسي لتطعيم أكبر عدد ممكن من المواطنين، سيما أولئك الأكثر عرضة للمرض وكبار السن، تبدو دول العالم في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، أو أغلبها، وكأنها خارج السباق كلية.

توزيع غير عادل للقاحات

طبقًا لأرقام نهاية الأسبوع الأول من فبراير/شباط، وصل معدل التطعيم في دولة إسرائيل إلى 62 من كل مئة فرد، وفي الإمارات 40 من كل مئة، وبريطانيا 17 من كل مئة، والولايات المتحدة 11 من كل مئة، وكافة دول الاتحاد الأوروبي 3–4 من كل مئة، في السعودية 1.3 من كل مئة، وفي تركيا 3 من كل مئة. معظم دول العالم الأخرى، لم تنجح بعد في تطعيم 1 من كل مئة فرد، أو لم تقم بتوفير أية لقاحات على الإطلاق. وقد أكد مدير منظمة الصحة العالمية، في 5 فبراير/شباط، أن 130 دولة في العالم، تضم 2.5 مليار نسمة، لم تستطع تطعيم شخص واحد من مواطنيها بعد، بينما وُزِّع ثلاثة أرباع اللقاحات المتاحة حتى الآن في عشر دول غنية.

الواضح، أنه بخلاف الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، نجحت إسرائيل في الحصول على عدد جرعات كاف من فايزر-بيونتك نظرًا لأنها وقَّعت عقدًا مبكرًا، ووافقت على تبادل المعلومات حول نجاعة اللقاح مع الشركة. ولعدد سكانها الصغير نسبيًّا وصغر حجمها وكفاءة جهازها الصحي، تُعتبر إسرائيل الدولة الأعلى من حيث معدل التطعيم. ولكن دولة إسرائيل، وبالرغم من أنها دولة احتلال، ترفض توفير اللقاحات للسلطة الفلسطينية ولفلسطينيي الضفة والقطاع. كما أعلنت في البداية، رفضها توفير اللقاح للسجناء الفلسطينيين، ولم تتراجع عن قرارها إلا بعد ضغوط من منظمات حقوقية عالمية.

دول الخليج العربية، ذات عدد السكان الصغير، والتي تتمتع بإمكانات مالية كبيرة، نجحت هي الأخرى في الحصول على كميات كافية من اللقاح، وفي تعهد حملات تطعيم سريعة لسكانها. الهند من جهتها، والتي تُعتبر الدولة الثانية من حيث عدد السكان في العالم، ولها قاعدة صناعات دوائية هائلة، وقَّعت عقدًا مع أسترازينيكا-أوكسفورد لتصنيع اللقاح محليًّا. والأرجح أن قيمة جرعة اللقاح المنتج في الهند ستقل عن نصف سعر المنتج في أوروبا الغربية. أما تركيا، التي توشك أن تبدأ تجارب المرحلة الثالثة على لقاح طُوِّر داخل البلاد، فقد كانت بين الدول التي أُجريت فيها تجارب اللقاح الصيني. ولأن تركيا وقَّعت عقدًا مبكرًا مع الصين، التي تربطها بها علاقات تعاون اقتصادي متعددة المستويات، فقد حصلت على كميات كافية حتى الآن من اللقاح. كما ساعدت البنية الصحية القوية في تركيا، التي بدأت حملة التطعيم متأخرة نسبيًّا، على تطعيم نسبة عالية من مواطنيها.

بخلاف هذه الدول، فإن معدلات التطعيم حول العالم لا تبعث على الاطمئنان. فعدد كبير من دول العالم الثالث لا تستطيع دفع ثمن اللقاحات المتوافرة حتى الآن، وبعضها الآخر يفتقد البنية التقنية والصحية الضرورية لتعهد حملات التطعيم. وحتى إن استطاعت منظمة الصحة العالمية توفير الدعم المالي لمساعدة الدول الفقيرة للحصول على اللقاح، فإن المتاح من اللقاحات لا يمكن أن يغطي سكان الأرض، لا في ما تبقى من هذا العام ولا العام القادم. وفي حالات أخرى، تلعب اتفاقيات الملكية الفكرية دورًا مباشرًا في منع نقل تقنية صناعة اللقاحات من الدول والشركات المنتجة إلى دول أخرى، بالرغم من وجود عدد من الدول، مثل الهند، التي تمتلك بنية علمية مناسبة، وإن افتقدت الإمكانات المالية الكافية لتوقيع عقود إنتاج ثانوية مع المنتجين الكبار. وهذه مشكلة لا تتعلق بلقاحات كوفيد – 19 وحسب، بل وتلقي بثقلها على الضمير الإنساني مع كافة أصناف الدواء المطوَّرة حديثًا، والتي تُعتبر حاجة حيوية للتعامل مع أمراض مستعصية أو منتشرة عبر العالم.

ما يواجهه العالم في التعامل مع الجائحة، بعبارة أخرى، معضلة متداخلة من المنظومة الدوائية الاحتكارية، من جهة، وتمركز قومي حصري في دول بالغة الثراء والرفاه، من جهة أخرى. لذلك، فإن كانت الجائحة لم تفرق كثيرًا بين البشر، فإن الواضح أن سياسات اللقاح لا تنظر إلى البشر باعتبارهم متساوين.

تعايش أطول من المتوقع مع الجائحة

ليس ثمة شك أن اللقاح بات أمل البشرية الأخير للتغلب على الجائحة وأعبائها. فبالرغم من مستوى التعلم الذي راكمته الأطقم الصحية خلال عام من الجائحة، والتعرف على عدد من الأدوية التي قد تساعد على تقليل حدة الإصابة بالمرض أو كبح جماح الفيروس، لم تزل أعداد الوفيات اليومية في العالم عالية بصورة لم تكن في الحسبان. كما أن هناك ضغوطًا هائلة، تفرضها الجائحة على المؤسسات الصحية، كما على الاقتصاد والاجتماع الإنساني.  بيد أن التوافر المحدود للقاحات، والنزعة القومية التي تقيد نشرها بصورة واسعة وعادلة حول العالم، يعنيان في النهاية، أن ثمة عددًا قليلًا من الدول التي قد تنجح في التحكم في الوباء هذا العام. وعلى معظم دول العالم الأخرى أن تنتظر. وإن كان تعريف الجائحة الأوَّلي أنها وباء عالمي الانتشار، فإن هدف التحكم في الجائحة لم يزل بعيد المنال.

هناك، بالطبع، أسباب أخرى لضرورة استعداد العالم للتعايش مع هذه الجائحة لفترة أطول من الزمن. السبب الأول: أننا لا نعرف على وجه اليقين المدى الزمني للمناعة التي يوفرها لقاح كوفيد-19، نظرًا لأن هذه جائحة مستجدة، يسبِّبها فيروس جديد كلية. أما السبب الثاني فيعود إلى عدد المتغيرات الوراثية المتلاحقة في فيروس كوفيد-19، الذي تم التعرف عليه في نهاية 2019 وبداية 2020، وصُنِّعت اللقاحات المتوافرة حاليًّا على أساسه. المعروف، أن الفيروسات أحادية الشريط الوراثي (RNA)، كما فيروسات كورونا وفيروسات الإنفلونزا، سريعة التحور، وأن تحوراتها تتكاثر كلما استمرت في الانتشار.

في حالة كوفيد-19، ثمة آلاف من التحورات التي سُجِّلت حتى الآن، أغلبها لم يُحدث تغييرًا جوهريًّا في بنية الفيروس. ولكن ثلاث سلالات منها تُعتبر مدعاة للقلق: السلالة البريطانية والسلالة البرازيلية والسلالة الجنوب-إفريقية. طبقًا لأغلب مصنِّعي اللقاحات، تستطيع اللقاحات المتوافرة حاليًّا التعامل مع السلالتين البريطانية والبرازيلية بكفاءة أقل قليلًا من تعاملها مع فيروس كورونا الذي انتشر في بداية الجائحة. ولكن ليس هناك دراسات علمية كافية نُشرت حتى الآن وكشفت عن كفاءة هذه اللقاحات في التعامل مع السلالة الجنوب-إفريقية. ما يعنيه استمرار تعرض الفيروس للتحورات، سيما إذا انتشرت الفيروسات المتحورة بصورة ملموسة في مناطق واسعة من العالم، أن تغييرات لابد أن تُجرى على بنية اللقاح كذلك. وهذا ما قد يفضي، في النهاية، إلى حاجة العالم لحملات تطعيم سنوية ضد كوفيد-19، مشابهة لحملات التطعيم السنوية ضد الإنفلونزا.

لم يتوقع المؤرخون والعلماء الذين درسوا جائحة الإنفلونزا الأسبانية أن يشهد العالم جائحة مشابهة بعد مرور مئة عام. فقد ولَّد التقدم العلمي المتسارع خلال القرن الماضي شعورًا بالثقة لدى البشرية، وبقدرة المجتمع الإنساني على مواجهة الميكروبات. ولكن، وكما عصفت الإنفلونزا الأسبانية بالعالم في سلسلة من الموجات، كذلك يقف العالم اليوم في مواجهة جائحة كوفيد-19.

وإن كان ثمة درس لهذه الجائحة، فعلى الإنسان أن يعترف بموقعه الهش والمتواضع في هذا الكون. لا يستدعي هذا الاعتراف التوقف عن البحث العلمي ومحاولة التغلب على المرض والميكروب. ما يستدعيه هو إعادة النظر في الهوس الذي ولَّدته الرأسمالية والثورة الصناعية بمعدلات النمو الاقتصادي، والارتباط غير العقلاني بين الناتج القومي والرفاه والرضا. فقد عاشت البشرية قرونًا من الرفاه والرضا قبل ولادة النظام الرأسمالي، وحتى قبل أن تكتشف إحصاءات الناتج القومي. ولذا، فإن لم يدفع التعايش مع جائحة كوفيد-19 إلى البحث عن أنماط جديدة للحياة والبقاء، فربما ستخرج البشرية من وطأة الجائحة بدون أن تتعلم الكثير.

—————————-

ثلاث مناطق نفوذ سورية بانتظار حملة لقاح تكفي ربع السكان/ زينب مصري | صالح ملص | نور الدين رمضان

لم تكشف الأسابيع التي تلت إعلان العديد من البلدان حول العالم بدء عملية التطعيم باللقاحات المضادة لفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) على اختلاف الجهات المصنعة لها، سوى تصريحات لمسؤولين في النظام عن مناقشات ومفاوضات لتأمين اللقاح إلى سوريا، وتناقضات لتوقعاتهم بموعد وصوله خلال العام الحالي.

كما كشفت عن عدم قبول المعارضة السورية الحصول على اللقاح عبر مناطق النظام السوري، بينما لا تزال مفاوضات “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” وآلية حصولها على اللقاح غير واضحة أو معلَنة.

ووسط عدم إعلان أي من الجهات المسيطرة في سوريا، سواء حكومة النظام السوري، أو “الحكومة السورية المؤقتة”، أو “الإدارة الذاتية”، عن نتائج مفاوضاتها مع منظمة الصحة العالمية بشأن آلية الحصول على اللقاح، أعلنت منصة “كوفاكس”، التابعة للمنظمة، تخصيص جرعات من لقاح “كورونا” إلى سوريا، دون الإعلان عن موعد تسليمها.

في هذا الملف، تعرض عنب بلدي معلومات حصلت عليها من منظمة الصحة العالمية، حول آلية التوزيع “العادل” للقاح بعد وصوله، على جميع المناطق في سوريا، باختلاف القوى المسيطرة عليها، وتناقش احتمالية استخدامه من تلك الأطراف كأداة لتثبيت شرعيتها السياسية.

خدمة تطعيم غير معلَنة في مناطق سيطرة النظام

ما إن أعلن السفير الصيني في سوريا عن نية بلاده “مساعدة” حكومة النظام في تقديم جرعات من اللقاح المضاد لفيروس “كورونا”، حتى تداول مستخدمون سوريون في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لـ”بطاقة موعد للجرعة الثانية للقاح كوفيد- 19”.

تُظهر البطاقة، التي تحمل اسم وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، أن حاملها تلقى الجرعة الأولى في 6 من شباط الحالي، وسيتلقى الجرعة الثانية في 27 من الشهر نفسه.

لكن حكومة النظام لم تعلن وصول أي من اللقاحات المضادة لفيروس “كورونا” إلى مناطق سيطرتها أو البدء بعملية التطعيم بشكل رسمي.

وفي 4 من شباط الحالي، أعلنت الصين، على لسان سفيرها في سوريا، فنغ بياو، عن تقديم 150 ألف جرعة من اللقاح المضاد لفيروس “كورونا” إلى سوريا، كمساعدة لحكومة النظام، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام.

ولم يحدد السفير في تصريحاته نوع اللقاح المقرر تقديمه إلى سوريا، إذ إن الصين تعتمد لقاحين محليين، وهما “سينوفارم” الذي أعلنت عنه في كانون الأول 2020، و”كورونافاك” المعلن عن اعتماده رسميًا في 6 من شباط الحالي.

ممرضة عاملة في مستشفى “الأسد الجامعي” بدمشق (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمها لأسباب أمنية) أكدت صحة بطاقة اللقاح المتداولة.

وقالت لعنب بلدي، إن 60 جرعة لقاح وصلت إلى حكومة النظام السوري، لكن الممرضة لم تستطع تأكيد مصدرها، “لتكتم العاملين الصحيين في المستشفى على الموضوع”.

وأضافت أن وزارة الصحة في حكومة النظام “بدأت بتسجيل أسماء العاملين الصحيين في مؤسساتها على قوائم الأشخاص الذين سيتلقون اللقاح، بعد إخبارهم بأنه قرار اختياري، لا إلزامي، وستكون عملية التطعيم بصالة الفيحاء الرياضية في دمشق”.

قبل ذلك، توقعت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماغتيموفا، حصول البلاد على لقاح مجموعة “أسترازينيكا” المطور مع جامعة “أكسفورد”، لعدم وجود التسهيلات اللازمة للحفاظ على لقاحات “فايزر” في تجميد عميق.

إلى جانب الصين.. “كوفاكس” تخصص حوالي مليون جرعة إلى سوريا

يتبين، بحسب وثيقة بعنوان “توقع التوزيع المؤقت” صادرة عن منصة “كوفاكس”، في 3 من شباط الحالي، أن المنصة خصصت لسوريا جرعات من لقاح  “أسترازينيكا”، ضد فيروس “كورونا”.

وتحتوي الوثيقة على معلومات حول “التوزيع الإرشادي” لـ240 مليون جرعة من اللقاح، بلغت حصة سوريا منها مليونًا و20 ألف جرعة.

وذكرت الوثيقة أن “التوزيع الإرشادي” يهدف إلى توفير إرشادات مؤقتة للمشاركين في المنصة، وعرض سيناريو تخطيط لتمكين الاستعدادات للتخصيص النهائي لعدد الجرعات التي سيتلقاها كل مشارك في الجولات الأولى من توزيع اللقاح.

ولكن الوثيقة أوضحت أن الجرعات غير ملزمة وقد تخضع للتغيير، وذلك لأن “التوزيع الإرشادي” يعتمد على التواصل الحالي للتوفر المقدّر من الشركات المصنعة، ومن المحتمل أن يكون التوزيع بحاجة إلى تعديل في ضوء الظروف التي “يصعب توقعها، والمتغيرات التي تتطور باستمرار”.

ومع ذلك، نشرت المعلومات لتكون خطوة أولى مهمة في تزويد الحكومات وقادة الصحة العامة بالمعلومات التي يحتاجون إليها لوضع خطوات عملية توفير الجرعات المبكرة ونشر اللقاحات على الصعيد الوطني بنجاح، بحسب الوثيقة.

يأتي ذلك وسط دعوات من مسؤولين أمميين إلى تسريع عملية اللقاح، ودعوات منظمات حقوقية إلى التوزيع العادل له.

ودعا نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي في الأمم المتحدة، مارك كاتس، عبر تغريدة في “تويتر”، إلى تسريع عملية التطعيم ليس فقط في الدول الغنية، بل في كل مكان، بما في ذلك دول مثل سوريا.

هل ستأخذ “الصحة العالمية” اللقاحات الصينية بعين الاعتبار؟

تعتزم “كوفاكس” تخصيص لقاح “أسترازينيكا SEA” لسوريا في المرحلة الأولى من التطعيم، بالاعتماد على موافقة الشركة المصنعة وانضمامها إلى قائمة الاستعمالات العاجلة (EUL)، بحسب ما قالته مسؤولة العلاقة الخارجية والاتصالات في مقر منظمة الصحة العالمية بدمشق، جولاليك سلطانوفا، لعنب بلدي.

وعاين فريق الخبراء الاستشاري الاستراتيجي (SAGE) التابع للمنظمة لقاح “أسترازينيكا”، وأعطى توصياته، وبانتظار إصدار قراره الأخيرة بشأنه.

وحول ما إذا كانت منظمة الصحة ستأخذ بعين الاعتبار اللقاحات الصينية المقدمة إلى حكومة النظام عند تحديدها عدد الجرعات المقدمة إلى كل منطقة في سوريا، قالت المسؤولة، إن المنظمة تحترم حرية الدول باختيار لقاح “كوفيد- 19” ومدى إمكانيتهم توزيعه لشعوبهم وفق بروتوكولات السلامة والفاعلية للقاحات والقوانين الدولية.

وأضافت أن “السلطة الوطنية” في دمشق هي التي تطلب لقاحات وفقًا لاتفاقياتها مع “كوفاكس”.

ويشير ذلك إلى أن “الصحة العالمية” لن تهتم باللقاحات الصينية المقدمة، وستمنح النظام اللقاحات بناء على طلبه، ووفقًا لمعاييرها.

    ما هي “كوفاكس”؟

    سيتم منح سوريا اللقاح عبر منصة “كوفاكس” التي أوجدتها “الصحة العالمية”، لضمان وصول اللقاحات المعتمدة إلى الدول الأقل نموًا في العالم بشكل عادل.

    تجمع المنصة دولًا مانحة تقدم التمويل لتطوير واختبار اللقاحات وتوزيعها، بعد اعتمادها الدول التي لا تستطيع تحمل تكلفة شرائها لمواطنيها.

    وفي 26 من كانون الثاني الماضي، أعلن رئيس حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، موافقة النظام السوري على الانضمام إلى منصة “كوفاكس”.

“كل التجمعات السكانية” في سوريا ضمن خارطة لقاحات “الصحة العالمية”

على اختلاف مناطق السيطرة في الجغرافيا السورية، ترتفع حالات الإصابة بفيروس “كورونا”، خصوصًا في ذروة “الموجة الثانية” من تفشي الفيروس التي وصلت إليها سوريا في كانون الأول 2020.

ويصعب تأطير ذروة “الموجة الثانية”، إذ يمكن أن يتبع هبوط حالات الإصابة بعد وصولها إلى الذروة، زيادة جديدة في معدلات الإصابات من خلال ارتباطها بعدة عوامل، أبرزها قدرة العاملين بالقطاع الصحي في سوريا على تتبع تلك الحالات.

وقالت منظمة العفو الدولية، إن حوالي 90% من سكان 70 دولة فقيرة قد لا يحصلون على أي لقاح ضد فيروس “كورونا” خلال عام 2021، في حين أن الدول الغنية تعاقدت لشراء لقاحات تكفي لتطعيم مواطنيها ثلاث مرات، حتى إن دولة مثل كندا تعاقدت على ما يكفي لتطعيم مواطنيها خمس مرات.

على المستوى المحلي في سوريا، تخوفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من عدم وصول لقاحات “كورونا” إلى الفئات الأضعف بغض النظر عن مكان وجودهم داخل سوريا، وعدم ضمان تطبيق خطة توزيع عادلة من أجل رعاية صحية تكافح المرض في جميع المناطق بغض النظر عن القوى المسيطرة عليها.

وحجب النظام السوري في عدة أزمات صحية الأغذية، والأدوية، والمساعدات الحيوية، عن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، واستخدمها كـ“سلاح حرب”، وفق تعبير “رايتس ووتش”، وممارسة ذات السياسية باللقاح يقوّض الجهد العالمي للسيطرة على تفشي الفيروس.

ضمان لتوزيع عادل.. يصطدم بواقع مناقض

وذكر مكتب “الصحة العالمية” الرسمي في دمشق، ضمن رده على أسئلة عنب بلدي عبر البريد الإلكتروني، أن منصة “كوفاكس” أُسست لـ“ضمان التوزيع العادل والمتساوي” للقاحات “كورونا” حول العالم، لتكفي بذلك “كل المناطق السورية، وكل التجمعات السكانية”، وستعمل المنظمة على توزيع اللقاح الخاص بالفيروس “بشكل منظم في جميع أنحاء البلد”.

وستؤمّن “الصحة العالمية” اللقاحات من خلال كوادر طبية مؤهلة عاملة في المرافق الصحية المختارة، أو أشخاص عاملين على مستوى من الكفاءة في الفرق المتنقلة.

وستشمل خطة توزيع اللقاحات مخيمات النازحين السوريين الرسمية وغير الرسمية، وفق ما قالته المنظمة.

كما “ستشمل اللقاحات أيضًا سكان المخيمات في شمال شرقي وشمال غربي سوريا، وبهذه المناطق ستكون الدفعة الأولى من اللقاحات مخصصة للعاملين المؤهلين في القطاع الصحي ممن هم تحت خطر الإصابة بالمرض”، بالإضافة إلى العاملين الإنسانيين في الخطوط الأولى، الذين هم على تماس مع المصابين بـ”كورونا”، بغض النظر عن موقعهم من الجغرافيا السورية.

إلا أن عمليات توزيع اللقاحات والمساعدات الطبية من خلال المنظمات التابعة للأمم المتحدة في سوريا تتطلب عبور خطوط النزاع المسلح، وذلك العبور يتطلب حصول الأمم المتحدة على إذن من حكومة النظام لكل توصيل، ومشروع، وقافلة من المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى تلك الخاضعة لسيطرة جهات أخرى، وفق ما ذكرته “رايتس ووتش” ضمن تقريرها المنشور في شباط الحالي.

وكثيرًا ما رفضت حكومة النظام الإذن أو أخّرته، ومنعت وصول بعض الإمدادات الطبية وغيرها إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتها، ومنعت وكالات الأمم المتحدة من تنفيذ مشاريع أساسية في تلك المناطق، مثل رفض حكومة النظام السماح لوكالات الأمم المتحدة بإنشاء مختبرات فحص “كورونا” في شمال شرقي سوريا.

مسعف يقيس درجة حرارة طفل ضمن تدابير وقائية لتفادي انتشار “كورونا” في اعزاز ريف حلب الشمالي- 11 من آذار 2020 (رويترز)

 العاملون الصحيون أولًا

لقاحات “كورونا” ستغطي أقل من ربع سكان سوريا

في مراسلة إلكترونية، قالت المسؤولة في “الصحة العالمية” جولاليك سلطانوفا لعنب بلدي، إن منصة “كوفاكس” تأمل توزيع مخصصات من اللقاحات ستغطي 20% من المجموع السكاني في سوريا، من دون تكلفة، بما يعتمد على توفر لقاحات آمنة وفعالة، وتوريدها من قبل المصنعين حول العالم.

وأضافت أن الدفعة الأولى من اللقاحات ستغطي 3% من السكان في سوريا، وستشمل العاملين في القطاع الصحي، والعاملين في الخطوط الأولى، الذين هم على تماس مع المصابين بفيروس “كورونا”.

وستتم عملية إعطاء اللقاحات لـ20% من السكان على ثلاث مراحل، وستبدأ الدفعة الأولى المذكورة سابقًا، وستشمل الدفعتان الثانية والثالثة، بما يتناسب مع توفر اللقاحات لدى “كوفاكس”، الذين هم أكثر عرضة للإصابة من كبار السن والأشخاص المعرضين لأمراض مزمنة، بحسب سلطانوفا.

وأكد ذلك، في حديث إلى عنب بلدي، المدير الإقليمي لمكتب “الجمعية الطبية الأمريكية- السورية” في تركيا (سامز)، الطبيب مازن كوارة، وأوضح أن مخطط مبادرة “كوفاكس” للقاح حاليًا هو تغطية 20% من السكان فقط في جميع المناطق السورية على اختلاف الجهات المسيطرة عليها، وليس تغطية كامل السكان.

ونسبة 20% من السكان في جميع دول العالم هي الأولوية التي تتألف من 3% من العاملين الصحيين والعاملين في المجال الصحي، و12% من كبار السن فوق سن 60 عامًا، و5% من صغار السن من أصحاب الأمراض المزمنة المرافقة، والذين تتراوح أعمارهم بين 20 و60 عامًا.

وستغطي الدفعة الأولى من اللقاح، اعتبارًا من نهاية الثلث الأول من العام الحالي، نسبة 3% من العمال الصحيين والأطباء والممرضين وجميع العاملين في القطاع الصحي.

أما فيما يتعلق بالمنطقة الشمالية الغربية، فقال الطبيب كوارة، إن منظمة الصحة العالمية تتعاون مع مؤسسة أو مجموعة تسمى “فريق لقاح سوريا”، مؤلفة من فريق تحالف بين المنظمات الصحية العاملة في المنطقة، والمسؤولة عن حملات التطعيم منذ ثلاث سنوات، المتعلقة بلقاحات الأطفال أو حملات شلل الأطفال والحصبة.

وبحسب كوارة، سيكون الفريق مسؤولًا عن توزيع اللقاحات المضادة لفيروس “كورونا” في المنطقة، مشيرًا إلى امتلاكهم بروتوكولًا محددًا ينسق بين جميع المنظمات العاملة في شمال غربي سوريا، لتنفيذ المرحلة الأولى من التطعيم التي تستهدف العامليين الصحيين بسلاسة وفعالية.

طرق التوريد المتوقعة

وبينما لا تزال طرق توريد اللقاح إلى المناطق السورية المختلفة غير معلَنة، توقع الطبيب كوارة أن تصل اللقاحات إلى مناطق سيطرة النظام السوري عن طريق مكاتب منظمة الصحة العالمية ومنظمة “يونيسف” في دمشق.

كما توقع أن تصل إلى المنطقة الشمالية الغربية عن طريق مكاتب المنظمتين الموجودة في ولاية غازي عينتاب التركية الحدودية مع سوريا، أو من خلال المكاتب المعنية بعمليات عبور الحدود.

أما بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، فتوقع الطبيب كوارة أن يتم الضغط لكي تصل اللقاحات من مكاتب منظمة الصحة العالمية و”يونيسف” الموجودة في دمشق، وإذا لم يتم ذلك، فمن المرجح أن تصل اللقاحات عبر الحدود أيضًا.

وأشارت جولاليك سلطانوفا إلى أن المنظمة ستدعم عملية نقل اللقاحات في عموم سوريا، وتنسق الحركة على الأرض مع الأشخاص المعنيين، وفقًا لعمليات محددة.

اللقاحات المعتمدة والبنى التحتية

وأوضحت سلطانوفا أن تنفيذ حملات التطعيم في أنحاء سوريا ستتبع التجربة الحالية لـ”برنامج التلقيح الموسع” (EPI)، من خلال اعتماد خطة مصغرة عن طريق منظمات صحية مختارة كالمستشفيات والمستوصفات، ومن خلال الفرق المتنقلة.

في مناطق النظام

تنسق كل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مع وزارة الصحة في حكومة النظام بما يتعلق بسلسلة تخزين اللقاحات وتبريدها.

إذ اختارت الوزارة الحصول على اللقاحات التي يمكن تخزينها بحرارة +2 أو +8 درجة مئوية، بحسب سلطانوفا.

وتعمل منصة “كوفاكس” على توزيع اللقاحات التي تمت الموافقة عليها من قبل منظمة الصحة العالمية، بما يتناسب مع “قائمة الاستعمالات الطارئة” (EUL)، لضمان معايير سلامة وفعالية اللقاحات.

وحتى الآن، وافقت المنظمة على لقاحين هما “فايزر- بيونتيك” و”موديرنا”، وكلاهما يتطلب درجة تخزين (تبريد) تبلغ -70 درجة مئوية بالنسبة للقاح “فايزر”، و-20 درجة مئوية بالنسبة لقاح “موديرنا”، وهو أمر لا يمكن تأمينه في سوريا، وفقًا لسلطانوفا.

ولذلك اختارت حكومة النظام السوري اللقاحات التي يمكن تخزينها بين +2 و+8 درجة مئوية، بحسب المعطيات الحالية من حيث درجة حرارة التخزين وإمكانيات القطاع الصحي في المناطق التي تسيطر عليها.

ماذا عن الشمال الغربي؟

وكان المسؤول عن برنامج اللقاحات في محافظة إدلب، الدكتور رفعت فرحات، تحدث في وقت سابق إلى عنب بلدي، عن امتلاك الأجهزة الصحية في المنطقة “سلاسل التبريد المناسبة لحفظ ونقل جميع اللقاحات الروتينية، وغالبًا سيكون لقاح (كورونا) إذا تم اعتماد دخوله مثل بقية اللقاحات الروتينية”.

لقاح “كورونا” وسيلة لتثبيت الشرعية السياسية لأطراف النزاع

في كانون الثاني الماضي، قال وزير الصحة في حكومة النظام السوري، حسن الغباش، إن الوزارة “لن ترضى أن يأتي هذا اللقاح على حساب أمور أخرى متعلقة بالمواطن السوري والسيادة السورية”.

ويشير ذلك إلى أنه من غير المرجح أن يشمل توزيع لقاح “كورونا” المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

وتعتزم “الصحة العالمية” توزيع اللقاح داخل سوريا في جميع المناطق السورية، “وفقًا لعمليات محددة، ومن خلال اعتماد خطة مصغرة عن طريق منظمات صحية مختارة”، وفق ما ذكره مكتب المنظمة الرسمي في دمشق لعنب بلدي، دون تحديد تبعية تلك الجهات السياسية.

في المقابل، قال وزير الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة”، مرام الشيخ، إن موقف “المؤقتة” واضح من موضوع تأمين لقاح “كورونا” في شمال غربي سوريا.

“نحن نعتبر أن الأمر مسؤوليتنا كمؤسسات معارضة، ونعمل جاهدين على ذلك، ولدينا مؤسساتنا التي تملك القدرات الفنية واللوجستية لإدارة هذا الملف”، بحسب ما قاله الشيخ لعنب بلدي.

وبالتالي، لن يكون هناك تعاون بين المؤسسات الطبية في شمال غربي سوريا ونظيرتها التابعة لحكومة النظام السوري.

ويحاول النظام استخدام أي أزمة أو موضوع في سوريا كورقة ضغط على معارضيه، وتثبيت مشروعيته السياسية أمام المجتمع الدولي، مهما كانت هذه الأزمة على درجة من الخطورة الإنسانية، وفق ما نوه إليه الشيخ.

وجاء موضوع توزيع لقاحات فيروس “كورونا” بالتزامن مع قرب الانتخابات الرئاسية في سوريا في نيسان المقبل، وهذه فرصة سيستخدمها النظام لتثبيت موقفه السياسي، بحسب ما قاله الشيخ.

ويكون ذلك عن طريق التسويق لنفسه على أنه الطرف الوحيد القادر على الموافقة على دخول أي مساعدات طبية وإنسانية إغاثية إلى سوريا، وأي مساعدات مهما كانت جدواها وفعاليتها تكون غير قانونية بنظره إذا دخلت عبر المناطق الحدودية السورية المسيطر عليها من قبل المعارضة السورية.

و”المؤسسات المدنية الثورية أثبتت أنها قادرة على أن تكون بديلًا عنه (النظام السوري) في إدارة الأزمات الإنسانية أمام المجتمع الدولي”، بحسب ما قاله الشيخ، مشيرًا إلى أن التنسيق لتوفير لقاح “كورونا” من قبل “الصحة العالمية” في شمال غربي سوريا يجب أن يكون وفق تعاون مشترك، بناء على طلب رسمي من منصة “كوفاكس” للحصول على اللقاح.

وأعلن رئيس ”الائتلاف السوري المعارض”، نصر الحريري، في كانون الأول 2020، أن “الائتلاف” يسعى إلى توفير لقاحات لفيروس “كورونا”، معتبرًا أن “مخاطر الجائحة (كورونا) في سوريا المحررة عالية، في ظل النقص الحاد في الكوادر، كما أن النظام وداعميه دمروا المرافق الصحية في المنطقة”.

والوضع الصحي في مناطق شمال غربي سوريا قائم تحت إشراف عدة مديريات صحة، منها ما هو مستقل، مثل مديرية صحة إدلب، ومنها ما يتبع لوزارة الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة”، ووزارة الصحة التابعة لحكومة “الإنقاذ”، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعًا أنها إدارات صحية محلية نتيجة الأمر الواقع هناك، غير معترف بها دوليًا من الناحية السياسية أو القانونية لتكون لها أولوية تأمين اللقاح ضد “كورونا” في مناطقها.

وفي مناطق الشمال الشرقي لسوريا الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية”، والتي قيّدها إغلاق معبر “اليعربية” مع العراق، بداية عام 2020، باستقبال المساعدات عن طريق مناطق النظام السوري، تجري المفاوضات لإدخال اللقاح.

وقال رئيس “هيئة الصحة” التابعة لـ”الإدارة”، الدكتور جوان مصطفى، في كانون الأول 2020، “تجري هيئة الصحة مفاوضات ونقاشات مع منظمة الصحة العالمية حول إمكانية إرسال لقاح فيروس (كورونا) إلى مناطق شمالي وشرقي سوريا”، بحسب ما نشرته “الإدارة الذاتية” عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك“.

وفي التقييم الخاص بشمال شرقي سوريا لتشرين الثاني من عام 2020، تشير مبادرة “REACH” إلى نقص الأدوية والكوادر وسيارات الإسعاف يسبب محدودية حصول السكان على الخدمات الطبية في المنطقة، وحسبما أظهرت البيانات في التقرير، فإن هناك “انفصالًا” ما بين الحاجات المعلَنة ونوع المساعدة المقدمة، التي لم تكن ذات صلة بما يحتاج إليه السكان.

عنب بلدي

———————————

تحركات بثلاثة اتجاهات..ما فرص حصول السوريين على لقاح “كورونا” قريباً؟

لم يمر عام على انتشار فيروس “كورونا”، حتى توجهت أنظار العالم بأسره نحو لقاحات عدة، تم إنتاجها مؤخراً مضادة للفيروس، حيث بدأت حكومات عديدة حملات تطعيم لمواطنيها، بينما لازالت الدول الفقيرة تبحث عن طُرق للحصول على اللقاح.

ويبدو الأمر في سورية مختلفاً لاعتبارات عدة، متعلقة باختلاف السُلطات المسيطرة على الأرض، وضعف القدرات المالية لها، وسط مخاوف من تأثير ذلك على تأخر وصول اللقاح للسوريين في مناطق النفوذ المختلفة.

الصين تعدّ بـ150 ألف

وأعلنت حكومة النظام خلال الآونة الأخيرة، عن تحركات باتجاهات عدة، للحصول على اللقاح المضاد لفيروس “كورونا”، فكانت “الدول الصديقة” الملجأ الأول لها، خاصة روسيا والصين، على اعتبار أن تلك الدولتان أنتجتا لقاحات لاقت رواجاً في بعض دول العالم.

وفيما يتحدث النظام عن محادثات مع الجانب الروسي للحصول على لقاح “سبوتنيك V” بشكل مجاني، سارعت الصين إلى الإعلان عن تقديم دفعة من اللقاحات التي أنتجتها، للحكومة في دمشق، في إطار مساعدتها بمكافحة الفيروس، في حين لم تسفر المحادثات الروسية عن أية نتائج واضحة حتى اليوم.

إذ أعلن السفير الصيني لدى النظام، فنغ بياو، في حديث لصحيفة “الوطن” الموالية للنظام، الأسبوع الماضي، أن حكومة بلاده قررت إرسال 150 ألف جرعة من اللقاحات الصينية المضادة لـ“كورونا” إلى سورية خلال الفترة القريبة المقبلة.

وأضاف بياو، أنه تقرر ذلك عقب اتصال هاتفي “ناجح” بين وزير خارجية النظام فيصل المقداد، ونظيره الصيني في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، مشيراً أن الصين “مستمرة في دعم سورية على جميع الصعد”، دون ذكر تفاصيل إضافية عن زمان تسليم اللقاح، أو اسم اللقاح الذي سيتم منحه لحكومة النظام، إذ أن الصين أنتجت أكثر من لقاح مضاد لـ”كورونا”.

وبعيداً عما يسميها النظام “الدول الصديقة”، تحاول حكومته الاستفادة من مبادرات “منظمة الصحة العالمية”، المتعلقة بتوزيع اللقاح على الدول “الفقيرة”، حيث صادق مجلس الوزراء التابع له، الشهر الماضي، على الانضمام لمبادرة “كوفاكس” التي أطلقتها المنظمة، من أجل تأمين اللقاح للدول النامية، وتبعاً لذلك خصصت المبادرة نظرياً، مليون جرعة لسورية من لقاح “أسترازينيكا” البريطاني.

وفيما يبدو أن فرص النظام كبيرة نسبياً بالحصول على اللقاح، حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، الأسبوع الماضي، من عدم وصول لقاح “كورونا” للفئات الأشد ضعفاً في سورية.

وقالت المنظمة إن نظام الأسد “استخدم الرعاية الصحية كسلاح حرب ضد المدنيين” في المناطق الخارجة عن سيطرته، مشيرة إلى عدم وجود أي قناة مضمونة لتوزيع اللقاح على ملايين المدنيين في الشمال السوري.

يُشار إلى أن إصابات “كورونا” في مناطق سيطرة النظام بلغت  نحو 15 ألف إصابة، توفي منها 965 حالة، حسب الإحصائيات الرسمية، لوزارة الصحة، لكن هذه الأرقام تبقى وفق كثيرٍ من المعطيات، دون الاحصائيات الحقيقة.

تحركات لـ”الحكومة المؤقتة”.. والفرص “جيدة”

فيما تعاني مناطق الشمال السوري، الخارجة عن سيطرة النظام، من ضعف الاستجابة الإنسانية ومصاعب في التمويل الإغاثي، تسود مخاوف من فرصٍ ضئيلة لتلك المناطق بالحصول على لقاحات “كورونا”، أو تأخر وصولها، وسط انتشار الفيروس وصعوبة تطبيق إجراءات الحظر والحجر الصحي، خاصة في مخيمات النازحين المنتشرة هناك.

وعلى هذا الصعيد، تجري “الحكومة المؤقتة” اتصالات مع منظمات الإغاثة الدولية لتوفير اللقاح في المناطق التي تديرها في ريف حلب، بحسب ما قال مدير البرامج الصحية في وزارة الصحة الدكتور رامي كلزي.

وأوضح كلزي في حديثه لـ”السورية”، أن الوزارة تجري اجتماعات مستمرة مع الأطراف المعنية بالتلقيح في شمال غربي سورية، وأهمها فريق اللقاح السوري ومنظمة الصحة العالمية وكبار المانحين الدوليين، وذلك من أجل تسريع إجراءات الحصول على اللقاح.

واعتبر المسؤول في وزارة الصحة، أن فرص توفر اللقاح في تلك المناطق “جيدة”، على اعتبار أن الخطاب والردود من الجهات الدولية “ذات طابع جدي ورسمي بالإيجاب”، حسب تعبيره.

وعن الخطة التي سيتم اعتمادها، قال مدير البرامج في وزارة الصحة، إن الخطة التفصيلية لم توضع بعد، مشيراً إلى أن الخطوط العامة تتحدث عن تلقيح 20% من السكان في كامل المنطقة (حلب وإدلب)، وستكون الأولوية للعاملين في قطاع الصحة، وكبار السن فوق عمر 60 سنة، وأصحاب الأمراض المزمنة.

وإلى حين وصول اللقاح، دعا الدكتور رامي كلزي إلى الاستمرار في حملات التوعية حول خطورة الوباء، وضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية، بالتوازي مع استمرار تجهيز وتحديث المنشآت الصحية المخصصة لمرضى “كوفيد- 19”.

في إدلب.. خطة التطعيم “جاهزة”

على الصعيد ذاته، أعلنت مديرية صحة إدلب، العاملة في مناطق شمال غربي سورية، عن جملة إجراءات وتحركات لتوفير لقاح “كورونا” في المستقبل القريب، حيث تواصلت مع الجهات المعنية بهذا الخصوص.

معاون مدير صحة إدلب ورئيس قسم اللقاح في المديرية، الدكتور رفعت فرحان، قال لـ “السورية نت” إن هناك جهود بالتنسيق مع فريق اللقاح السوري والمنظمات الدولية لتأمين اللقاح لمحافظة إدلب والشمال الغربي من سورية بشكل عام.

وبحسب فرحان ستحصل المديرية على كمية لقاح تكفي 20 ‎%‎من السكان ولجرعتين اثنتين، بدءاً من الربع الثاني من العام الجاري، على أن تصل اللقاحات على دفعات متتالية.

وستتركز خطة التطعيم وفق المعايير السائدة في معظم دول العالم، عبر إعطاء الأولوية للكوادر الطبية ثم للمسنين فوق 60 عاماً، ثم للمصابين بأمراض مزمنة تجعل إصابتهم بـ”كورونا” عالية الخطورة.

ودعا معاون مدير صحة إدلب إلى الالتزام بإجراءات الوقاية من الفيروس في حال تأخر وصول اللقاح، عبر ارتداء الكمامات والمحافظة على المسافة الاجتماعية وتجنب التجمعات في المناطق العامة، مؤكداً على ضرورة “المتابعة مع المنظمات المعنية بملف اللقاحات في العالم والشمال السوري”.

وتبلغ إصابات “كورونا” في مناطق ريف حلب وإدلب 21056 حالة، توفي منها 407 حالات، حسب الأرقام الصادرة عن مديرية صحة إدلب هذا الأسبوع، وسط غياب مقومات منظومة طبية، قادرة على الاستجابة للأوبئة والأمراض، نتيجة نقص الدعم المقدم لها والدمار الذي لحق بها بسبب العمليات العسكرية.

“الإدارة الذاتية” تنتظر اللقاحات

ولا يختلف المشهد، في المناطق التي تُسيطر عليها “الإدارة الذاتية”، إذ تحاول السلطات الصحية فيها، الحصول على اللقاح، عبر التنسيق مع منظمة الصحة العالمية.

إذ كان رئيس “هيئة الصحة” التابعة للإدارة، جوان مصطفى، قد كشف منذ أسبوعين، عن اتصالات بهذا الخصوص مع المنظمة الدولية.

وقال إن هناك حاجة “للحصول على مليون لقاح على الأقل”، في وقت تجاوز فيه عدد المصابين في المناطق الخاضعة لـ”الإدارة الذاتية” حاجز الثمانية آلاف، في الحسكة ودير الزور والرقة وبعض أرياف حلب.

————————

 7 سلالات جديدة لكورونا تثير المخاوف في الولايات المتحدة! تحمل طفرات مشابهة للنسخة البريطانية

اكتشف علماء أمريكيون  عدداً من السلالات الجديدة التي نشأت في الولايات المتحدة في وقت يراقب فيه العالم بقلق السلالتين الجديدتين اللتين نشأتا في المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا، وما يثير قدراً أكبر من القلق أن العديد من هذه السلالات على ما يبدو تتطور في الاتجاه نفسه، ويحتمل أنها تزيد من خطر انتشار العدوى.

صحيفة The New York Times الأمريكية قالت نقلاً عن دراسة نُشرت يوم الأحد 14 فبراير/شباط، إن فريقاً من الباحثين سجلوا اكتشافهم 7 سلالات متنامية لفيروس كورونا المستجد رُصدت في ولايات على مستوى البلاد. وطورت جميع هذه السلالات طفرة في الحرف الجيني نفسه.

7 سلالات جديدة لكورونا في أمريكا

فيما قال جيريمي كاميل، عالم الفيروسات في مركز شريفبورت للعلوم الصحية بجامعة ولاية لويزيانا وأحد القائمين على الدراسة الجديدة: “من الواضح أن ثمة أمراً ما يحيط بهذه الطفرة” كما أنه ليس واضحاً إن كانت تجعل هذه السلالات أشد عدوى أم لا.

ولكن العلماء يشكون في ذلك لأن هذه الطفرة ظهرت في الجين الذي يؤثر على كيفية دخول الفيروس إلى الخلايا البشرية.

الدكتور كاميل، أدرك بعد فحصه هذه الفيروسات المتحورة، أنها جميعاً تنتمي إلى الأصل نفسه. ويعود تاريخ أقدم فيروس في هذه السلالة إلى 1 ديسمبر/كانون الأول. وفي الأسابيع التي أعقبت هذا التاريخ، أصبح هذا الفيروس أكثر شيوعاً.

وفي مساء يوم هذا الاكتشاف، رفع الدكتور كاميل جينومات هذه الفيروسات إلى قاعدة بيانات على الإنترنت يستعين بها العلماء على مستوى العالم. وفي صباح اليوم التالي، تلقى رسالة بريد إلكتروني من داريل دومان، الباحث في جامعة نيو مكسيكو، الذي اكتشف هو وزملاؤه لتوهم السلالة نفسها في ولايتهم، وكان يحمل طفرة 677 نفسها. ويعود تاريخ العينات التي فحصوها إلى أكتوبر/تشرين الأول.

سلالات جديدة مجهولة المصدر

فيما تساءل العلماء إن كانت هذه السلالة التي اكتشفوها هي الوحيدة التي تحمل طفرة 677 وبعد فحص قاعدة البيانات، وجد الدكتور كاميل وزملاؤه ستة سلالات أخرى اكتسبت كل منها على حدة الطفرة نفسها.

وتصعب الإجابة حتى عن الأسئلة الأساسية عن انتشار هذه السلالات السبع لأن الولايات المتحدة تتبع الجينومات من أقل من 1% من عينات فيروس كورونا الاختبارية. ووجد الباحثون عينات من هذه السلالات منتشرة في معظم أنحاء البلاد. لكنهم عاجزون عن تحديد موقع نشأة هذه الطفرات.

تقول إيما هود كروفت، عالمة الأوبئة بجامعة برن وأحد القائمين على الدراسة الجديدة: “من الصعب تحديد مصدر أي من هذه السلالات في الوقت الحالي” ويصعب أيضاً تحديد إن كانت هذه الزيادة في السلالات الجديدة ترجع إلى أنها أشد عدوى. فربما ترجع زيادة انتشارها إلى السفر خلال موسم العطلات. أو ربما انتشرت في أماكن مثل الحانات أو المصانع التي يشتد بها خطر انتشار العدوى لكن الشعور بالقلق ما يزال يراود العلماء لأن هذه الطفرة قد تؤثر على مدى سهولة وصول الفيروس إلى الخلايا البشرية.

ويتوقع العلماء أن تستمر فيروسات كورونا في تطوير تحورات تزيد من تفوقها، لا على الفيروسات الأخرى فحسب، وإنما على أنظمة مناعتنا كذلك. على أن فوغن كوبر، عالم الأحياء التطورية بجامعة بيتسبرغ والباحث المشارك في الدراسة الجديدة، قال إن التجارب المعملية وحدها لن تكون قادرة على الكشف عن حجم التهديد.

وقال إنه لفهم ما تفعله الطفرات فعلياً، سيتعين على العلماء تحليل عينات أكبر بكثير من فيروسات كورونا التي جمعت من أنحاء البلاد. لكن في الوقت الحالي، لا يسعهم إلا فحص عدد ضئيل نسبياً من الجينومات التي جمعها عدد من مختبرات الولايات والجامعات، فيما يضيف الدكتور كوبر: “من السخيف أن بلدنا لا يبتكر استراتيجية على مستوى البلاد تُمكننا من إجراء الفحوصات”.

سلالة جديدة لكورونا كورونا أمريكا

سلالة جديدة تقلق العالم

خلصت دراسة علمية حديثة إلى أن سلالة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” التي اكتُشِفَت مؤخراً لأول مرة في المملكة المتحدة صارت أكثر فتكاً نسبياً بالعدد المتزايد من الأشخاص الذين يُصابون بها.

إذ قالت صحيفة Washington Post الأمريكية، في تقرير لها نُشر الأحد 14 فبراير/شباط 2021، إن العلماء حدَّدَوا بالفعل أن سلالة فيروس كورونا التي اكتُشِفَت في بريطانيا، الخريف الماضي، والمعروفة باسم B.1.1.7 بسبب تركيبتها الجزيئية، ربما تكون أكثر قابليةً للانتقال بنسبة 30 إلى 70% من النسخة الأصلية للفيروس المُسبِّب لمرض كوفيد-19.

كما يؤكد علماء المملكة المتحدة الآن أن هذه السلالة ربما تكون أكثر فتكاً بنسبة 30

إلى 70%، بناءً على دراسة متابعة أجرتها الحكومة وصدرت يوم الجمعة 12 فبراير/شباط الجاري، وقيَّمَت عيِّنةً أكبر من مرضى كوفيد-19، ووجدت معدَّلاً أعلى من الاستشفاء.

وفقاً للدراسة، التي استُمدت من قواعد بيانات متعدِّدة في أنحاء البلاد، فإن السلالة “ترتبط بزيادة خطر الوفاة مقارنةً بالإصابة” مقارنةً بأشكالٍ أخرى من الفيروس.

صحيفة Washington Post الأمريكية أوضحت أنه لا تزال هناك عدة أمور مجهولة، إذ تحتوي البيانات المتاحة للدراسة فجواتٍ ملحوظة في التركيبة السكَّانية الحركة، مثل دور رعاية المسنين، وتوفُّر حصيلة غير كاملة للعدوى، وهي مشكلةٌ استمرَّت طوال الجائحة.

لكن الدراسة تؤكِّد كيف تستغرق البيانات العلمية وقتاً لجمعها والوصول إليها- حتى مع جهود التعقُّب السريع لمكافحة الفيروس- رغم الحاجة المُلِحَّة للمعلومات.

يذكر أنه في الأشهر التي تلت الإعلان عن السلالة لأول مرة، انتشر الفيروس شديد العدوى إلى أكثر من 80 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وأصبح سلالةً سائدةً في بعضٍ من أجزاء بريطانيا.

أدَّى ذلك إلى اكتظاظ المستشفيات وتعطيل السفر والأعمال، واستلزم علاوة على ذلك العودة إلى إجراءات الإغلاق في المدن في جميع أنحاء أوروبا، حتى مع بدء برامج التطعيم ضد فيروس كورونا المُستجَد لتلقيح الملايين من الناس.

وذكرت صحيفة Washington Post الأمريكية أن البلدان الأخرى في أوروبا التي أبلغت لأول مرة عن حدوث زيادة مفاجئة في الحالات شهدت هذا الشتاء انخفاضاً في معدلات انتقال العدوى بعد فرض الإغلاق لفتراتٍ طويلة لمنع انتشار سلالة B.1.1.7.

إلى ذلك، أصدرت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يوم الأربعاء 10 فبراير/شباط 2021، إرشاداتٍ جديدة تحثُّ الناس على ارتداء قناعين من القماش أو كماماتٍ طبية، عند توفُّرها، للحدِّ من فرصة انتشار السلالة أو الإصابة بأشكال الفيروس المختلفة السائدة.

——————————-

جائحة نفسية موازية/ ريم حاج عبدو

تشكل جائحة كورونا «أزمة عالمية»، وهذا يعني أننا جميعنا تقريباً قد تأثرنا بها بشكل أو بآخر. ويمكننا أن نلمس هذا الأثر عندنا (كأفراد) على أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا وعلى روتين أيامنا وفلسفتنا الحياتية الخاصة بنا، بالإضافة إلى الأثر العميق المتروك في جميع جوانب الحياة الأخرى وتفاصيلها. قد تشير «عالميّة» هذا الحدث إلى التشابه في تبعات هذه الجائحة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية) بين جميع الدول، مع مراعاة خصوصية كل دولة ومدى تأثرها بالوباء على نحو منفرد.

سنحاول في هذا المقال استعراض هذه الآثار بقراءة أوّلية للتبعات النفسية الناتجة أو المتوقعة.

* * * * *

الفيروس خطر «غير مرئي». كل شيء قد يشكل خطراً حقيقياً، وقد لا يشكل أي خطر في آن واحد.

هذه نقطة هامة لفهم الآثار النفسية الناتجة عن انتشار الفيروس، وخاصةً اضطرابات القلق بشكل عام. أيضاً رافقت هذه الجائحة اضطرابات نفسية أخرى، حيث ارتفعت معدلات الإدمان وسوء استخدام المواد المخدّرة والاكتئاب والوسواس القهري واضطرابات الطعام، واضطرابات الشدة ما بعد الصدمة (خاصة عند الأطفال).  حتى الآن نحن لا نعرف بدقة هذه الآثار على المدى القصير والبعيد، لكن يمكننا أن نقدم توقعات وملاحظات أولية.

على مستوى المشاعر، طورت الجائحة حالات شعورية مثل الخوف، والتوتر، والوحدة؛ وعلى مستوى الأفكار رفعت مستويات الشك والتفكير الكارثي؛ وعلى مستوى الجسد منعت التلامس وفرضت التباعد.

فاقم كل ذلك الأعراض المرضية عند من كانوا يعانون من اضطرابات نفسية مسبقاً، أو تسبّب في تطوير أعراض جديدة عند غيرهم.

* * * * *

تكاد الآثار الناتجة عن إجراءات احتواء الجائحة تعادل أثر الفيروس في حد ذاته.

فالغلق العام والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، الذين فُرضوا في كل مكان تقريباً، سبّبا أيضاً «أعراضاً جانبية» مثل ازدياد مستويات الوحدة والعزلة الاجتماعية، وتراجع الدعم المجتمعي.

تُضاف إلى ذلك التبعات الاقتصادية التي ترزح على كاهل الأفراد من ذوي الطبقة المتوسطة والفقيرة، وخاصة من يعيشون على أجر يومي (وهو ما توالت أنباؤه في الأردن ولبنان مثلاً)، وارتفاع مستوى البطالة تقريباً في كل البلدان.

كذلك عمّقت هذه الإجراءات الفروق الطبقية في المجتمعات، فالحجر الصحي الذي عاشه الأغنياء في منازلهم الريفية وحدائقهم الجميلة مرّ كفترة راحة واسترخاء، على العكس من باقي طبقات المجتمع. ومثلها تعمّقت أيضاً الفروق التعليمية، حيث الكثير من الطلاب ليس لديهم وصول إلى الإنترنت من أجل متابعة الدروس عن بعد.

أما العاملات والعاملون على الخطوط الأولى في القطاع الطبي، أو في قطاع المستلزمات الأساسية كالمخابز ومحلات بيع المواد الغذائية وقطاع النظافة وما إلى ذلك، فلهم حصتهم من التبعات النفسية الحادة كمعاناتهم من مستوى أعلى من الضغط ومن خوف نقل العدوى لمنازلهم، فضلاً عن ارتفاع نسبة خطر التقاط العدوى وحتى خطر الموت، غالباً مع افتقارهم إلى الدعم النفسي اللازم أو الكافي.

ينسحب الأمر نفسه على الجندر، فالنساء تأثرن على نحو أكبر من الرجال في فقدان وظائفهن، وارتفعت أيضاً مستويات العنف ضدهنّ بكافة أشكاله، وخاصة العنف المنزلي والجنسي خلال الحجر (ما سُمّي بجائحة الظل). وهو حال الأطفال والمراهقين أيضاً، والذين افتقدوا أيضاً اللقاء مع الأصدقاء، وأُغلقت مدارسهم، ومُنعوا من التواصل الجسدي المهم جداً لنموهم النفسي.

هذه الآثار الاجتماعية «الجانبية» تركت بصمتها بشكل جلي على الناحية النفسية، تقريباً على كل أفراد المجتمع.

* * * * *

ومن أمثلة الاضطرابات النفسية التي رافقت الجائحة الإدمان وسوء استخدام المواد المخدّرة.

فمع انتشار الوباء، زاد الإجهاد والضغط الناتجان عن التخبط الشعبي الطاغي على وسائل التواصل، أو التخبط الطبي الناتج عن تضارب التعليمات اللازمة مثل أهمية لبس الكمامة وطريقة انتشار العدوى، أو تخبطات السياسيين التي مثلت تعليقات الرئيس الأميركي السابق مثالها الأكثر هزلية ومأساوية، حيث تراوحت بين إنكار وجود الوباء في البداية واقتراح الحقن بالديتول لتعقيم الجسم!

ومن جهة أخرى ارتفع منسوب التوتر الناتج عن البطالة والغلق العام وفقدان التواصل الاجتماعي الفيزيائي، ولعل الملل هو أحد العوامل المساهمة في هذا الإدمان، الأمر الذي يفسر زيادة استخدام المواد المخدرة والكحول. فقد أشارت دراسة أميركية – تناولت استهلاك الكحول قبل وبعد أوامر البقاء في المنزل – إلى زيادة استخدام الكحول بين شباط وآذار 2020، سواء على مستوى الاستهلاك اليومي (زيادة بنسبة 29 بالمئة) أو الشرب بنهم الذي يتجاوز الحدود الموصى بها (زيادة 20 بالمئة). هذه الفترة شكلت الفترة الحادة من انتشار الفيروس، والتي سببت صدمة للمجتمعات وللاقتصاد، ما تسبّب بموجة من الخوف والقلق ساهمت في استهلاك الكحول. وربما يتماشى هذا مع ارتفاع أعداد الوفيات الناتجة عن الجرعات الزائدة بالأفيون في 40 ولاية أميركية على الأقل في العام 2020، وفقاً لموقع علم النفس اليوم.

* * * * *

ارتفعت كذلك معدّلات القلق والتوتّر بحسب معظم الدراسات.

في اتصالات الدعم النفسي التي أشارك فيها عبر الهاتف ضمن مؤسسة الصليب الأحمر الفرنسي منذ بداية الجائحة وحتى اليوم، عبّرت أغلب الاتصالات التي تلقيتها عن حالة من التخبط حيال هذا الفيروس، وفيما بعد حيال اللقاح. هذا التخبط وانعدام اليقين حول ما ستؤول عليه الأمور طوّرا أعراض قلق واضحة. وقد عبّر المتصلون عن خوفهم من المستقبل، وعن انهيار خططهم، وشعورهم بعبثية فكرة التخطيط من أساسه. يتماشى ذلك مع نتائج دراسة نشرتها مجلة اضطرابات القلق، والتي تشير إلى ارتفاع نسبة اضطرابَي القلق والاكتئاب في المجتمع الصيني من 4 بالمئة في عام 2019 إلى 20 بالمئة في عام 2020، في حين سجل الأميركيون زيادة بنسبة 34 بالمئة في استخدام مضادات القلق منذ بدء الجائحة.

برز أيضاً شعور عام وحادّ بالخوف من الإصابة بالفيروس، الأمر الذي فاقم أعراض الوسواس القهري عند الذين شُخِّصوا مسبقاً بهذا الاضطراب، وخاصة وسواس النظافة القهري. هذا ما أشارت إليه الدراسة نفسها المنشورة في مجلة اضطرابات القلق، والتي شملت 394 شخص من أصحاب الوسواس القهري، والتي أكدت زيادة أعراض الوسواس القهري بنسبة 72 بالمئة، وتوقّعت زيادة نسبة الإصابة باضطرابات القلق عامة، والوسواس القهري خاصة، بعد الجائحة.

ولعل الجائحة نفسها عامل مساعد في تطوير رُهاب الفيروسات والعدوى والرُّهاب الاجتماعي، بالإضافة إلى نوبات الهلع. وبالفعل فقد شبّه بعض الأصدقاء السوريين المقيمين في المنفى حالة الخوف ونوبات الهلع التي عانوا منها أثناء الغلق العام الأول بحالة الرعب والهلع الذي عاشوه سابقاً في سوريا من قصف وتهديد مباشر للحياة.

* * * * *

الكثير انتابته – وما تزال تنتابه – حالة من الرعب والخوف واليأس من المستقبل.

ربما شعر البعض في بداية الجائحة والغلق العام الأول أنه يعيش «بروفا» نهاية العالم. لقد تغير شكل الحياة كليّاً عند الكثيرين، وانهار الروتين اليومي على نحو مفاجئ، واختفى أسلوب الحياة الاعتيادي الذي يخلّف شعوراً بالأمان والاستقرار، وانعدمت وسائل الترفيه بسبب إغلاق المسارح وصالات السينما والمطاعم وإلغاء الحفلات، وحُدَّ التنقل الجغرافي والزيارات بين الأصدقاء والأهل، كل ذلك مترافقاً مع «خطر» اللمس والتقبيل، مما أدى إلى إفقار كبير لهذه الحاسة. ترافق مع ذلك أيضاً شعور بتواجد الموت وكثافته في مناطق البؤر. كل هذه الظروف قادت بشكل مفهوم إلى ارتفاع خطر اضطراب الاكتئاب. وقد تناولت عدة دراسات تزايد الاكتئاب بالعلاقة مع فيروس كورونا، وهي بمجملها أكدت تزايد الأعراض الاكتئابية. وقد أرجعت دراسة أسترالية هذه الزيادة بشكل عام إلى فقدان الوظيفة والضائقة المادية والهشاشة الاجتماعية.

هذه العوامل مجتمعةً تُفاقم أيضاً حالات اللجوء للانتحار وتوارد الأفكار الانتحارية. أظهرت دراسة يابانية – تناولت تغيِّر معدل الانتحار بالعلاقة مع الجائحة – وجود انخفاض واضح في معدل محاولات الانتحار الناجحة بنسبة 14 بالمئة خلال الأشهر الخمسة الأولى للفيروس (من شباط حتى حزيران 2020)، قبل أن تعاود الارتفاع بنسبة 16 بالمئة خلال الموجة الثانية (من تموز إلى تشرين الأول 2020)، مع زيادة ملحوظة بشدة بين النساء (37 بالمئة) والأطفال والمراهقين (49 بالمئة). فسّرت الدراسة الانخفاض الأول بالدعم الذي قدمته الحكومة اليابانية في الفترة الأولى من الوباء، واستشهدت بدراسات سابقة أُجريت بعد انتهاء أوبئة سابقة مثل الإنفلونزا الاسبانية، أظهرت أيضاً زيادة في السلوك الانتحاري وقتذاك، وهو ما أرجعته الدراسة إلى الركود الاقتصادي الناتج.

وأظهرت دراسة أخرى – أجرتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة بين 24 و30 تموز 2020 – ازدياد التفكير الانتحاري عند الأميركيين أيضاً.

* * * * *

يُتوقَّع أن يستمر أثر الجائحة التي يعيشها الأطفال والمراهقين اليوم على المدى الطويل.

يمكن أن يطوّر الأطفال حالات من القلق، وخاصة الرُّهاب كالرُّهاب الاجتماعي، بالإضافة إلى اضطراب الشدة بعد الصدمة. لقد اختبر الأطفال حالات قلق عالية وصادمة بسبب هذه الجائحة، ومُرّر إليهم الخوف عبر والديهم ومدرّسيهم وخلال المعلومات التي تلقوها عبر الإنترنت.

في مدينة تولوز الفرنسية، أجريت دراسة على الأطفال (8 إلى 15 عاماً) وخَلُصت إلى أن واحداً من كل خمسة أطفال – مع معدل أكبر عند الطفلات – أظهر أعراض اضطراب الشدة بعد الصدمة (مقارنة مع طفل من كل ثلاثة أطفال في إيطاليا) بعد تجربة الغلق العام، وقد تمظهر ذلك في أشكال مختلفة مثل اضطرابات النوم والغضب وكذلك الضيق العام أو حتى حالات من رفض الخروج من المنزل. كذلك سجل المستشفى الجامعي في المدينة نفسها ارتفاعاً واضحاً بنسبة 40 إلى 70 بالمئة في استشفاء الأطفال والمراهقين بسبب مشكلات نفسية، اشتملت على اضطراب فقدان الشهية العصابي ومستويات حادة من القلق.

أما المراهقون الذين عاشوا الحجر الصحي، والذين يطلق عليهم مصطلح مراهقي الحَجْر (quaranteens) فحالتهم أكثر خصوصية حتى، إذ يُتوقَّع أن تكون الآثار النفسية عليهم أكثر حدة على المدى الطويل. ففي دراسة أجريت على مستوى أميركا اللاتينية ونُشرت في موقع اليونيسيف، تبيَّن أن 27 بالمئة المراهقين والشباب بين 15 و29 عاماً ذكروا اختبارهم لحالات قلق، في حين أن 15 بالمئة ذكروا حالات اكتئاب، كما أن 49 بالمئة منهم فقدوا الدافع للقيام بالأنشطة اليومية التي كانوا يستمتعون بها سابقاً، و36 بالمئة يشعرون بدافعية أقل للقيام بالأنشطة الروتينية، وأخيراً 43 بالمئة من الفتيات يشعرن باليأس مقابل 31 بالمئة من الفتية.

* * * * *

لعل أحد أهم حواسنا التي تأثرت هنا، سواء أُصبنا بالعدوى أم لا، هي حاسة اللمس.

إنها هي الحاسة الأولى التي يطوّرها الجنين أثناء النمو، والحاسة التي يقوم عبرها الأطفال باستكشاف البيئة حولهم، والحاسة الأكبر من حيث حجم الأعضاء (كامل الجلد)، والأداة الأساسية في التواصل الاجتماعي والعاطفي، بل والقابلة حتى للتوظيف (وفق شروط محددة) كأداة دعم نفسي واجتماعي.

وفي حين أننا نعاني كراشدين من هذا الفقد، إلا أن هذه المعاناة أعمق بكثير عند الأطفال والمراهقين والمتقدمين في السن. فمع إغلاق المدارس وتفعيل الدراسة عن بعد، وهو ما ينطبق على العمل عن بعد بالنسبة للراشدين، ومع تجريم اللمس – وخاصة مع المعرضين للعدوى بشكل سريع، ولا سيما الأجداد الذين حُرموا من اللمس بشكل كلّي تقريباً – تحول التواصل الجسدي إلى رفاهية خَطِرة، وازداد ارتباط الأطفال والمراهقين بالعالم الافتراضي على حساب العالم الواقعي، الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على تطور الشخصية.

يوجد تأكيد اليوم على ضرورة تجنب التقبيل، بل تجنب المصافحة، وحتى تجنّب لمس الشخص لوجهه أو استخدام يديه قبل غسلهما بشكل دوري متكرر. هذا التحول المفاجئ أثناء هذه الجائحة وضع حاسّة اللمس في موضع المحرّمات الصحيّة، وقد ترافق ذلك مع تداعي الدعم المجتمعي وزيادة معدلات العزل وارتفاعه إلى مستويات أعلى بكثير، وقد ترك ذلك شعوراً أقسى بالوحدة وبانعدام القدرة على التواصل غير اللفظي الدافئ مع الآخر، وقد صبغ كل ذلك العلاقات البين-شخصية في العالم بصبغة مختلفة (على نحو أقل رمزية وأكثر لفظية ربما).

لا نعرف بعد آثار كل ذلك على المدى البعيد، ولكن يمكننا أن نشعر بحجم حاجتنا للمس ومدى افتقارنا للتواصل الجسدي، وهذا ما يصرّح به الكثيرون بقولهم «أول ما سأقوم به بعد انتهاء هذا الوباء هو تقبيل الجميع!».

* * * * *

ماذا عن عالمنا العربي؟

أثناء بحثي عن الدراسات المتعلقة بموضوعنا، عثرت على دراسة واحدة من عالمنا العربي أُجريت في لبنان ونُشرت في المجلة العربية للنشر العلمي، وقد انتهت إلى عدم وجود أثر نفسي سلبي واضح مرتبط بالوباء على الشعب اللبناني عامة، مع وجود الآثار طالت فئات معينة من المجتمع دون غيرها، كالمراهقين والنساء. ربما لأن الوباء كان أصغر الأزمات التي هزت لبنان في 2020، لكن أيضاً لا يمكننا إغفال حقيقة أن الإجراءات (خاصة في بداية الوباء) لم تُطبَّق بنفس الجدية التي طُبِّقت بها في الدول المتقدمة. ومع ذلك، لا يلغي عدم فرض إجراءات صارمة بالضرورة وجود تبعات نفسية سلبية، بل ربما تكون الآثار أشد وطأة، وهذا ما نحتاج متابعته على المدى الطويل.

في سوريا مثلاً، تكاد تنعدم الإجراءات التي فرضتها الحكومة، أو كانت على الأقل شكلية، لم تتجاوز محاولة خجولة لفرض الغلق العام لخمسة عشر يوماً في بداية انتشار الفيروس، وهو الغلق الذي كسرته فعلياً طوابير الخبز والوقود والتجمعات في يوم تقاضي الراتب الشهري، مع غياب أي دعم مادي من الحكومة للمتضررين من الغلق أو للمصابين بالعدوى، كما تم التستر – كالعادة – على أعداد المتوفين بالفيروس خاصة في القطاع الطبي، هذا دون الحديث عن مراكز العزل غير الصحية أساساً، وإلقاء اللوم في النهاية على «جهل» الشعب. كل هذا ستكون له تبعاته المتضافرة مع الظروف الحالية التي يعيشها السوريون داخل سوريا، لكننا سنبقى نفتقر إلى التحديد وإلى الدراسات والمعلومات الحقيقيّ. وربما لهذا «أنكر» السوريين خطر كورونا، واعتبروها «غْريب تقيل»، واقترح بعضهم بعض الثوم كحل للقضاء عليها. فعندما تغيب إجراءات الحكومة الحامية لا بد من «ترك الأمر للسماء» و… الثوم!

* * * * *

لعل الجائحة النفسية ستستمر حتى بعد هذه الجائحة التنفّسية، ولا بد من الاستعداد لها.

في دراسة شملت 78 دولة لقياس الأثر النفسي للجائحة، وشارك بها ما يقارب 10,000 شخص، تمت الإشارة إلى عاملَين مهمَّين على نحو خاص في المحافظة على مستوى جيد من الصحة النفسية:

    الدعم الاجتماعي، أي الدعم الذي نتلقاه من المحيطين بنا وشعورنا بأننا جزء من شبكة اجتماعية داعمة؛

    والمرونة النفسية، أي مدى قدرة الفرد على التكيف مع الصعوبات والتحديات الجديدة؛

    بالإضافة إلى عامل ثالث هو المستوى الدراسي، والذي قد يزيد القدرة على فرز المعلومات الصحيحة من الخاطئة واختيار مصادر موثوقة للمعلومات.

لا بد من التنويه في النهاية إلى أن هامش التأثر الفردي يظل واسعاً، رغم عالمية الجائحة وتشابه الآثار النفسية المترتبة عليها في مختلف دول العالم، فكل منا يتأثر بطريقة مختلفة عن الأخر، ليس فقط بسبب العوامل المساعدة المذكورة، وإنما أيضاً نتيجة تباين كل وضع فردي عن الآخر. فمثلاً بعض الأفراد الذين كانوا يعانون من «الاحتراق الوظيفي» قبل الوباء ربما تأثروا بشكل إيجابي بالغلق العام، أما الذين يعيشون في مناطق بؤرية أو خبروا حالات وفاة لأحد المقربين بسبب الفيروس، فقد تظهر عليهم درجات تأثر سلبي أكثر حدة.

موقع الجمهورية

———————————

الجنس الافتراضي: هذا ما فقده البشر خلال “كورونا”.. وقبلها!

بعد مرور حوالى ثلاثة أشهر من بدء تطبيق الإغلاق في بريطانيا لمكافحة فيروس كورونا، انضمت إيمّا، وهي طالبة في السادسة والعشرين من عمرها، إلى حفلة جنسية افتراضية عبر منصة “زوم” مع مجموعة من الأشخاص لم تلتق بهم إلا من خلال محادثات عبر الإنترنت.

وجرى تنظيم اللقاء عن طريق “كيلينغ كتينز”، وهي شركة كانت قبل انتشار جائحة كورونا تقيم حفلات جنسية على أرض الواقع مع التأكيد على أن يكون زمام الأمور فيها في أيدي النساء، وبدأت الحفلة الافتراضية التي حضرتها إيمّا بألعاب خاصة مع احتساء الشراب لجعل الأجواء أكثر حميمية واسترخاء. ولم يكن ذلك يشبه أي حفلة سبق لها أن حضرتها، حسبما أوضحت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وقالت إيمّا: “بدأنا بالألعاب، وطرح علينا المنظمون أسئلة من قبيل: أي من المشاهير ترغب بمقابلته في حفلة لكيلينغ كتينز؟’ وذلك لجعل الحضور يتحدثون عن خيالاتهم ورغباتهم والأشياء التي يفضلونها، ما يسهل الانتقال بشكل سلس إلى أجواء أكثر حميمية”، مضيفة أن هناك مشاركين “خلعوا بعض ملابسهم”، مؤكدة: “لقد كان تفاعلاً جيداً، ومثيراً جنسياً إلى درجة كبيرة مع أشخاص آخرين”.

كان ذلك تواصلاً افتقدته إيما واشتاقت إليه، فبعدما خسرت وظيفتها في شهر آذار/مارس الماضي، وذهبت زميلتها الوحيدة في السكن لتبقى مع عائلتها، أمضت معظم الوقت منذ انتشار الوباء في عزلة جسدية حقيقية. وعلقت: “هناك أوقات شعرت فيها بوحدة شديدة”. ورغم أن إيمّا حضرت حفلات جنسية في الماضي، إلا أنها لم تنضم إلى “كيلينغ كتينز” إلا في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. وقالت: “كنت سابقاً أشعر ببعض التوتر جراء فكرة الانخراط بشكل فعلي في الحفلة”.

وبعد تفشي الوباء، خشيت أن تكون قد فوتت على نفسها الفرصة. وقررت الانضمام إلى إحدى مجموعات الدردشة الخاصة بالعزاب والتابعة لـ”كيلينغ كتينز”، وبدأت في تكوين صداقات وثيقة، ما جعلها تشعر بالراحة الكافية لخوض تجربة المشاركة بحفلة افتراضية، وترى إن كانت تناسبها.

والحال أن العزلة الاجتماعية التي فرضتها الجائحة تعني أيضاً عزلة جنسية، سواء بالنسبة للعزاب أو الأزواج الراغبين في العلاقة الجسدية الحميمة واستكشاف تجارب جديدة فيها. ورغم أن خلق التجربة الجنسية الحسية عبر الإنترنت ليس عملية سهلة ومباشرة، فإن التجارب الافتراضية، من الورش التدريبية الخاصة بتشجيع الأحاديث الفاحشة عبر منصة “زوم” إلى حفلات الجنس الشبيهة بالتي حضرتها إيمّا، ساعدت في ملء الفراغ الذي تركه غياب العلاقة الحميمة الجسدية لدى كثيرين.

ورغم أن اللقاءات الجنسية عبر الإنترنت، وفقاً لمنظميها والمشاركين فيها، يمكن أن “تحاكي” التجارب الشخصية، وتوفر راحة نفسية في وقت تشتد الحاجة إليها، فليس هناك بديل حقيقي مباشر للتلامس الجسدي. لكن، وبخلاف كونها بديلاً للجنس الفعلي خلال فترة الجائحة، قد تكون هذه التجارب الافتراضية أيضاً وسيلة توضح الجوانب الأهم في العلاقة الحميمة، سواء أثناء العزلة التي فرضها الاغلاق أو بعد أن تتاح لنا العودة إلى التلامس بحرية، حيث أقر العديد من العازبين بأهمية “العلاقة الحميمة الرقمية” أثناء الوباء، لأنها أنها أتاحت لهم المواعدة ومقابلة أشخاص جدد.

وبعد مرور عام تقريباً على انتشار الوباء، وجد كثير من الناس طرقاً بديلة للمواعدة وتكوين العلاقات عبر الإنترنت. وتتيح تطبيقات المواعدة مثل “بامبل” للمستخدمين الآن تحديد شكل المواعدة المفضل لديهم، “افتراضية فقط” أو “ملتزمة بالتباعد الاجتماعي”. وقال أحد ممثلي “بامبل”: “ارتفعت مكالمات الفيديو عبر التطبيق بنسبة 42 في المئة خلال شهر أيار/مايو 2020 مقارنة بشهر آذار/مارس قبل الإغلاق”.

ورغم أن العناصر الأساسية للتجارب الجنسية الحقيقية وأبرزها التلامس الجسدي لا بديل مباشراً لها عبر الإنترنت، يستمر الناس في إقامة علاقات حميمة عبر الشبكة العنكبوتية. وفي تشرين الأول/أكتوبر أجرت شركة “بيسك” للمشروبات الكحولية الغازية دراسة استقصائية على 2000 شخص عازب دون سن 35 عاماً في الولايات المتحدة، ووجدت أن 58 في المئة منهم مارسوا الجنس الافتراضي أثناء انتشار الوباء، منهم 77 في المئة فعلوا ذلك مع أشخاص لم يسبق لهم أبداً أن مارسوا معهم الجنس في الواقع.

أما في استطلاع أجراه تطبيق “بامبل” وشمل 5000 عازب في بريطانيا، قال 32 في المئة منهم أن “الممارسة الحميمة الرقمية” كانت مهمة في علاقاتهم أثناء الإغلاق، وكذلك خلال الفترات التي رفعت فيها الإجراءات المقيدة. وبالنسبة لإيمّا وغيرها من الذين انخرطوا في لقاءات جنسية عبر الإنترنت العام الماضي، فإن نشاطات مثل المشاركة في حفلات الجنس الافتراضية وورش عمل زووم التثقيفية والألعاب الجنسية التي يتم التحكم فيها من بُعد والانضمام إلى مجموعات ناشطة جنسياً، أثبتت أنها مُرضية جنسياً، وبمثابة البديل لغياب العلاقة الجسدية الفعلية.

وعلقت إيمّا، التي تصف نفسها بأنها “استعراضية” أي تستمتع جنسياً بعرض جسدها على الآخرين: “هناك إشباع جنسي كبير عند توفر إمكانية مشاهدتك للآخرين، وأن يشاهدوك أيضاً”. كما أن مشاهدة أزواج حقيقيين وهم يمارسون الجنس تختلف عن مشاهدة الأفلام الإباحية. إنه شيء شخصي وحميم، مثله مثل الروابط التي أقامتها إيمّا ضمن هذه التجمعات الإيجابية جنسياً. وشكلت هي وغيرها من الحاضرين العزاب “روابط قوية” في ما بينهم، حسب تعبيرها، مضيفة: “لأننا جميعا تشاركنا هذه التجربة، وعلى مستويات متشابهة جداً”.

وفي لندن، لاحظ ديفيد، مدير نادي “لو بودوار” للبالغين، عندما بدأ في تشرين الأول/أكتوبر استضافة حفلات جنسية افتراضية بالاشتراك مع نواد أخرى مماثلة في لندن أن المشاركين للمرة الأولى يتصرفون كما لو أنهم في مكان واقعي. وأنهم في البداية يكونون مترددين في الدردشة مع الآخرين، لكن “يمكنك أن تشاهد كيف تشجعوا مع تقدم الوقت خلال السهرة”.

وعلى غرار حفلات “كيلينغ كتينز”، تبدأ هذه النشاطات بمحاولة كسر الجليد بين الحضور وتقديم عروض مثل الرقصات المثيرة، لمساعدة الناس على الدخول في حالة مزاجية مناسبة. ويبدو مسار الحفلة الافتراضية مشابها لدرجة كبيرة لما كان سيكون عليه لو كانت واقعية. وقال ديفيد: “إنها التكنولوجيا التي تحاكي الحياة الواقعية”.

وأدت طبيعة هذه الفعاليات، وكونها تقام عبر الإنترنت، إلى توسيع تركيبة المشاركين، فهي تتيح للناس حضورها بغض النظر عن الموقع الجغرافي والفئة العمرية والخبرات السابقة. وتستقطب حفلات “بودوار” و”بربيل مامبا” مشاركين من دول عديدة مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية وأستراليا والولايات المتحدة. والحفلة التي تبدأ ليلة السبت، بتوقيت المملكة المتحدة مثلا يمكن أن تبدأ بعد الظهر على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

وعلق سايل، أحد منظمي هذا النوع من الحفلات، أنه لاحظ أن الفعاليات الافتراضية تجذب مشاركين أصغر سناً، ليس فقط لأنهم عادة أكثر استخداماً للإنترنت و”هذه هي طريقة تواصلهم المعتادة”، ولكن أيضاً لأن حفلات الإنترنت تلغي العائق المالي لحضور مثيلتها الواقعية. إذ تبلغ كلفة حضور حفلات “كيلينغ كتينز” عبر الإنترنت 20 جنيها إسترلينياً (27 دولاراً)، في حين يمكن أن يكلف حضورها على أرض الواقع 350 جنيها إسترلينياً (480 دولاراً).

ومن الأشياء التي تجعل إيمّا، التي لا تعيش في مدينة كبيرة، متحمسة للحفلات الافتراضية، أنها لن تضطر إلى دفع تكاليف السفر لحضور حفلة في لندن، والتي قد تشمل الإقامة في فندق، والوجبات، وشراء ملابس جديدة. وهي تقول: “كطالبة، أجد هذا جيداً جداً”.

إلى ذلك، تجذب حفلات الجنس الافتراضية التي يقيمها “بودوار” و”بربيل مامبا” الآن حوالي 150 شخصاً في يوم السبت، ونصفهم يشاركون للمرة الأولى. وينطبق هذا أيضاً على حفلات “كيلينغ كتينز”، حسب سايل، الذي يقول: “كثير من الحاضرين هم أشخاص جدد تماماً لم يكونوا ليفكروا أبداً في حضور حفلة جنسية من قبل”. وأضاف هناك “عنصر أمان” عندما تكون مشاركتك عبارة عن دردشة عن طريق كاميرا الفيديو إذ “يمكنك أن تغلق الشاشة في أي لحظة”.

هذا بالضبط ما جعل الزوجين المقيمين في بريطانيا، مات (31 عاماً) وإيميلي (29 عاماً)، يشعران بالراحة خلال الوباء تجاه حضور أول حفلة جنسية لهما على الإطلاق، مع تحول نشاطات “بودوار” و”بربيل مامبا” إلى الإنترنت. وعلق مات: “أنت في منزلك، إنه الأمان الذي يمثله ذلك”، على الرغم من أن الزوجين كانا في النهاية سيذهبان إلى حفلة جنسية واقعية على الأغلب، إلا أن القرار “كان سيستغرق وقتاً أطول”، كما أوضحت إيميلي.

وأتاحت هذه الفعاليات التي تقام عبر الإنترنت للزوجين الشابين استكشاف حياتهما الجنسية ورغباتهما وعلاقتهما الخاصة. وقال مات أنه في هذه الحفلات تظهر “الأساليب المختلفة” لكل من الأشخاص المشاركين، ما يخلق تجربة مشتركة حقيقة مع زوجين آخرين، وهي تجربة لم يكونا يعتقدان بأنهما سيرغبان في اختبارها قبل الوباء، إلا أنهما غيرا رأيهما بعد انتشاره. كما ساعدت اللقاءات الافتراضية مات وإيميلي أيضاً في استخدام اللغة للتعبير عن رغباتهما. فنظراً لكونهما يتواصلان مع آخرين من بعد، عليهما أن يكونا واضحين، وتعلما بالتالي استخدام مصطلحات معينة لوصف ما يفضلانه.

يأتي هذا متوافقاً مع اتجاه لاحظته ميغان ستابس، عالمة الجنس المقيمة في ميتشيغان: “رأيت انفتاح المزيد من سبل الاتصال. والناس يتحدثون أكثر عن احتياجاتهم، وبشكل أكثر تحديداً”. وهذا أمر فرضته المسافات، “فعندما لا تكون في الغرفة نفسها مع شريكك الجنسي، لا يمكنك الاعتماد على لغة الجسد والإشارات الطفيفة”. وأضافت: “مجرد وجود مسافة تفصلك عن الشريك لا يعني أن ما تقوم به هو بطريقة ما أقل مما كان سيكون، لو أن اللقاء شخصياً”.

رغم ذلك، يتفق الخبراء والأشخاص الذين يمارسون الجنس الافتراضي على أنه لا شيء قادراً على أن يحل بالكامل مكان التلامس الجسدي. وقال سايل: “لا يمكنك خلق حالة الاستمتاع الكامل عبر الإنترنت”. ويعود جزء من هذا إلى التغيرات التي تحدث في خلايا الشخص حين يتم لمسه.

وأوضحت تيفاني فيلد، رئيسة معهد أبحاث اللمس في كلية الطب في جامعة ميامي ميلر، أن “اللمس بالضغط المعتدل” يحفز مستقبلات الضغط الموجودة تحت الجلد. وأضافت: “يؤدي هذا إلى سلسلة من ردود الأفعال. وهذا يهدئ الجهاز العصبي، ويبطئ معدل ضربات القلب، ويخفض ضغط الدم، ويؤدي إلى حالة من الاسترخاء”.

وعندما يُلمس الشخص تتراجع أيضاً مستويات الكورتيزون في دمه، وهو هرمون التوتر الذي يؤدي ارتفاعه لفترات طويلة إلى قتل الخلايا المناعية، بينما تنشط الخلايا القاتلة الطبيعية التي تقتل البكتيريا والفيروسات والخلايا السرطانية، وذلك وفقاً لبحث فيلد المتعلق بالعلاج بالتدليك تحديداً. وأكملت فيلد: “من المفارقات، أننا خلال هذا الوقت الذي يتسم بكثير من الحرمان من اللمس، ليست لدينا الحماية التي توفرها الخلايا القاتلة الطبيعية التي تقضي على خلايا فيروس كورونا”.

وأوضحت فيلد بالاستناد إلى نتائج بحثها عن “اللمس بالضغط المعتدل”، أن الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم يمكنهم التغلب على الحرمان من اللمس من خلال “اللمس الذاتي”. ويتضمن ذلك القيام بأنشطة بسيطة مثل الضغط على الجسم والمشي، والتي تحفز مستقبلات الضغط اسفل أقدامنا. وتندرج ممارسة الجنس الافتراضي ضمن هذه الفئة من النشاطات، في حال كان المشاركون على استعداد لذلك.

ويقول منظمو هذه التجارب الجنسية عبر الإنترنت وكذلك المشاركون فيها، أنهم على الأرجح سيتابعون النشاطات الافتراضية حتى عندما يصبح الاختلاط مع الغرباء آمناً. فالعلاقة الرقمية الحميمة تقدم شيئاً فريداً: أن تكون في منزلك، وفي الوقت نفسه لديك إمكانية الانخراط في نشاط يرضي الرغبات مع مجموعة واسعة من الأشخاص على اختلاف أماكنهم جغرافياً، وبتكلفة قليلة أو معدومة.

ورغم ذلك، من المرجح أن يزداد الإقبال على الفعاليات الواقعية. ويرى سايل أن التاريخ يؤكد أن الناس سيعودون إلى ممارسة الجنس واقعياً، وقال: “آلاف السنوات من التاريخ تظهر أن ما يحدث دائما بعد الأوبئة والحرب هو أن الناس يقبلون على ممارسة الجنس، وهذا ما سيحدث بعد وباء كورونا”.

وربما يكون للوباء تأثير آخر أيضاً، فقد يجعلنا جميعاً ندرك كم كنا محرومين من اللمس أصلاً. فقبل جائحة كورونا كانت خبيرة اللمس فيلد وزملاؤها يجرون دراسة تضمنت ملاحظة مدى ملامسة الأشخاص لبعضهم عند بوابات المغادرة في المطارات. وأوضحت فيلد أن الناس كانوا يتلامسون خلال أربعة في المئة من الوقت فقط، في حين يستخدمون هواتفهم الذكية خلال 68 في المئة من الوقت.

ويمكن القول أن منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كانت سبباً في ابتعاد الناس عن بعضهم جسدياً قبل انتشار الوباء. والآن، أصبحت وسيلة تتيح لهم أن يكونوا معاً. وعلقت فيلد: “أعتقد أن انتشار الوباء أدى إلى تفاقم شعور الحرمان من اللمس، وربما بدأ الناس الآن يقدرون أهمية التلامس الذي كان متاحا لهم في الماضي، ويفتقدونه”.

المدن

————————————–

لقاح كورونا في سوريا بنكهة سياسية!/ عبدالله سليمان علي

ينتظر السوريون كغيرهم من شعوب العالم وصول لقاح كورونا إلى بلدهم للتخلّص من فيروس كورونا المستجد. غير أن لسوريا خصوصية معينة قد تجعل من وصول اللقاح مناسبة لتفشي أمراض سياسية مختلفة من بينها التقسيم والاستغلال السياسي وفرض النفوذ الخارجي.

وقسّمت الحرب السورية المستمرة منذ عشرة أعوام جغرافياً البلد إلى أربع مناطق نفوذ، تخضع كل منطقة لسيطرة طرف معين ولها ارتباطات خارجية مختلفة عن سواها، فهناك المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وعاصمتها دمشق، وتحظى كل من إيران وروسيا بنفوذ قوي في هذه المناطق؛ ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وتسيطر عليها الحكومة الموقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض وهي عملياً مجرد غطاء للاحتلال التركي الذي يتعامل مع هذه المناطق كأنها أراضٍ تركية خالصة؛ وتسيطر “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) على منطقة شرق الفرات التي تتواجد فيها القوات الأميركية، أما المنطقة الرابعة فهي منطقة خفض التصعيد في إدلب وتخضع إدارياً لسيطرة حكومة الإنقاذ التي هي مجرد واجهة للسيطرة العسكرية التي تتولاها فعلياً “هيئة تحرير الشام” المصنفة على قوائم الإرهاب، وشهدت هذه المنطقة تزايداً واضحاً للنفوذ التركي لكنه لم يصل بعد إلى درجة “التبعية” التي وصلت إليها مناطق درع الفرات.

ومن الصعب في ظلّ هذا الانقسام الجغرافي الاتفاق على خطة موحدة للحصول على لقاح كورونا، لا سيما أن كل منطقة من مناطق النفوذ السابقة باتت تنسب الى نفسها نوعاً من السيادة الخاصة التي تتعارض مع الاعتراف بسيادة باقي المناطق حتى لو كان الأمر متعلقاً بضرورات التنسيق في موضوع إنساني بحت.

وقد برز هذا التعارض في شكل واضح من خلال تصريح أدلى به وزير الصحة السوري حسن الغباش أمام مجلس الشعب في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي قال فيه إن “الحكومة السورية لن ترضى بأن يأتي هذا اللقاح على حساب أمور أخرى متعلقة بالمواطن السوري والسيادة السورية”، وسرعان ما جاء الرد من الحكومة الموقتة الموالية لتركيا من خلال إعلان رفضها تسلّم لقاحات كورونا عبر نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد. ويعكس تبارز الطرفين على طريقة الحصول على لقاح كورونا تحت لافتة السيادة، استمرار التنافر بين دمشق وأنقرة باعتبار أن سياسة التتريك التي تتبعها الأخيرة في مناطق سيطرة الحكومة الموقتة بدأت أخيراً تأخذ منحى التبعية المطلقة.

لم ينسحب ذلك بإطلاقه على المنطقتين الأخريين، أي منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد” ومنطقة خفض التصعيد في إدلب التي تسيطر عليها حكومة الإنقاذ التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، فالإشكاليات القانونية والدولية التي تعاني منها هاتان المنطقتان فرضتا على القوتين المهيمنتين عليهما أن تتوسلا أساليب أكثر مرونة للحصول على لقاح كورونا.

ووجدت قوات “قسد” نفسها أمام تحدٍّ قانوني لا يمكن تجاوزه بسهولة، تمثل في قرار مجلس الأمن الدولي بتاريخ 10 كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، الذي حصر وصول المساعدات الانسانية إلى سوريا بمعبرين فقط، معبر باب السلامة ومعبر باب الهوى، وذلك بعد أن كانت المساعدات تصل من خلال أربعة معابر من ضمنها معبر اليعربية الذي كان مخصصاً لتوريد المساعدات إلى مناطق سيطرة “قسد” شرق سوريا.

هذا الواقع المفروض بموجب قرار أممي، وضع “قسد” أمام خيارات صعبة قد يكون أفضلها الحصول على لقاح كورونا من خلال منظمة الصحة العالمية مع تقبل عبوره من خلال مطار دمشق الدولي. وفي ظل تصاعد التجاذبات بين “قسد” ودمشق على أكثر من صعيد، ومع اقتراب استحقاق انتخابات الرئاسة السورية، يبدو أن لقاح كورونا سيكون من أوراق التفاوض بين الطرفين للحصول على مكاسب سياسية.

في المقابل، وجدت “هيئة تحرير الشام” أن تصنيفها على قائمة الإرهاب العالمية حرمها من قطف الثمار السياسية لواجهة حكومة الانقاذ التي شكلتها بغرض التعامل مع المجتمع الدولي والدول المجاورة. وقد اضطرها ذلك إلى التغاضي عن موضوع السيادة الخاص بها في ما يتعلق بموضوع الحصول على لقاح كورونا.

وتتوزع مناطق شمال غربي سوريا التي يشار إليها غالباً بمصطلح “المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية” بين ثلاث جهات حكومية تتولى الإشراف على الملف الطبي. فهناك وزارة الصحة في الحكومة الموقتة ويتركز نشاطها في مناطق الاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي، ووزارة الصحة في حكومة الاإنقاذ، بالإضافة إلى مديرية الصحة في إدلب.

ويلعب عاملان أساسيان الدور الأهم في تفعيل أدوار هذه الجهات ومدى تأثيرها في الواقع الطبي في المناطق التي تشرف عليها، وهذان العاملان هما: التنازع على الشرعية بين الحكومة الموقتة وحكومة الإنقاذ ومحاولة كل منهما سحب البساط من تحت أقدام الأخرى؛ ويتمثل العامل الثاني في موضوع الدعم المقدم إلى هذه الجهات من قبل منظمات وهيئات طبية إقليمية ودولية.

ولطالما عانت كل من الحكومة الموقتة وحكومة الإنقاذ من صعوبة الحصول على الدعم لأنهما جسمان حكوميان غير معترف بشرعيتهما دولياً، وبالتالي لا يمكن تقديم الدعم لهما. أما مديرية الصحة في إدلب، وهي مستقلة عن وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ، فقد توقف الدعم الدولي عنها منذ عام 2019 باستثناء بعض القنوات التي تتيح لها تمويل أنشطة محددة.

ومن غير الواضح حتى الآن ما هي مآلات الصراع بين الجهات الطبية في مناطق الاحتلال التركي وإدلب وانعكاسها على طريقة الحصول على لقاح كورونا. فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وصول الدفعة الأولى من لقاح كورونا إلى مناطق شمال غربي سوريا الشهر المقبل، ونقلت وكالة “فرانس برس” يوم امس الثلثاء عن المنظمة أن 35 في المئة إلى 40 في المئة من اللقاحات المخصصة لسوريا ستتوافر خلال النصف الأول من العام، ومن المفترض أن تتلقى محافظة إدلب ومحيطها 336 ألف جرعة بما يغطي قرابة 4 في المئة من إجمالي السكان بحسب المنظمة. ولم يوضح إعلان المنظمة الدولية ما هي آليات وصول لقاح كورونا وما هي الطرق والجهات التي سيجري التعامل معها أو من خلالها، الأمر الذي ترك موضوع النزاع على الشرعية بين الحكومة الموقتة الموالية لتركيا وحكومة الإنقاذ التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” مفتوحاً على مصراعيه.

وخصصت منصة كوفاكس التابعة لمنظمة الصحة العالمية مليوناً و20 ألف جرعة من لقاح “أكسفورد – أسترازينيكا” البريطاني لسوريا. وتوقعت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماغتيموفا، أن تحصل سوريا على لقاح “أسترازينيكا” لعدم وجود التسهيلات اللازمة للحفاظ على لقاح “فايزر” في تجميد عميق.

بيد أن حكومة دمشق لم تكتف باللقاح البريطاني القادم عبر منظمة الصحة العالمية، وسعت جاهدة الى استثمار علاقاتها بحلفائها من أجل الحصول على لقاحات أخرى. وكانت الصين سباقة إلى تقديم يد العون في هذا المجال اذ أعلن سفيرها في العاصمة السورية فنغ بياو مطلع الشهر الجاري عن تقديم بلاده 150 ألف جرعة من اللقاح الصيني المضاد لفيروس كورونا. ومنذ أيام قليلة أعلنت دمشق عن اعتمادها لقاح “سبوتنيك V” الروسي المضاد لفيروس كورونا المستجد، ووافقت على استخدامه في مناطق سيطرتها بحسب ما نقلت وكالة “تاس” الروسية يوم الاثنين. وبذلك تكون دمشق بانتظار ثلاثة أنواع مختلفة من لقاحات كورونا ستصل إلى مناطق سيطرتها تباعاً، بينما ستقتصر مناطق شمال غربي سوريا على استخدام ما يصل إليها عبر منصة “كافاكس” من جرعات اللقاح البريطاني. أما مناطق سيطرة “قسد” فإن المشهد الطبي فيها ما زال غير واضح وبانتظار نضوج بعض التفاهمات حوله.

——————————

======================

تحديث 28 شباط 2021

————————-

العالم يخرج من غرفة الإنعاش/ فاطمة ياسين

لا تقارن اللحظات الحالية بتلك التي عاشها العالم في مثل هذه الأوقات العام الماضي، حين تحرّكت قصة الفيروس القاتل عبر الأروقة، وبدأت مستشفيات العواصم في أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية تستقبل الحالات المصابة، وانتشرت أخبار العزل والخلود المستكين إلى المنازل، وصور الشوارع الفارغة في مدينة ووهان الصينية، والقصص العاطفية عن ساعات العزل الطويلة المملّة.. لم يعهد العالم لحظاتٍ كتلك التي فرض فيها الفيروس نفسه على كل شيء، وترافقت مع حالات ترقّب وحيرة، وحكاياتٍ مخيفةٍ عن الوقائع الحقيقية أو الوهمية التي تقف وراء ظهور الفيروس وانتشاره السريع.. اتخذ العالم، منذ اللحظات الأولى، موقفاً جدّياً، بأقصى الحدود، بالإغلاق وفرض التباعد، وأخذ الهلع الصحي كل مدى، ولم يعد الاقتصاد أولويةً حين احتل التفكير بالسلامة والبقاء المراتب الأولى.

تراجع الاقتصاد ومستوى التبادل التجاري بشكل مريع، وانهارت أسعار السلع، وخلت المسارح ودور العرض وملاعب الكرة من الجماهير والمرتادين، وامتدّت أيدي الأسر والحكومات إلى مدّخرات اليوم الأسود الذي بدا واضحاً. ووصل سعر برميل البترول إلى الصفر، في لحظةٍ سوقيةٍ حزينةٍ ورمزية، ما قاد بعض الحكومات إلى أن تترك الحرية للشعب أن يتصرّف كما يرغب. وكانت الولايات المتحدة، بقيادة دونالد ترامب، نموذجاً لذلك الفعل، وقد كان ترامب يتقصد الظهور علناً من دون قناع واقٍ، محاولاً التقليل من أهمية انتشار الفيروس، مع استغلاله سياسياً إلى درجة وصفه بالفيروس الصيني، رغبةً منه في توجيه لطمة إلى خصمه الاقتصادي الذي ينمو بسرعة ومن دون توقف. وقد اعتُبر استهتار ترامب وتعامله السلبي مع انتشار الفيروس الواسع وسط المجتمع الأميركي عاملاً مساعداً في خروجه من البيت الأبيض.

تحدث العالم، خلال العام الماضي، بخوف وشغف وكثير من التردّد عن اللقاح المرتقب الذي سيمنح المجتمعات حصانةً تعيدها إلى سابق نشاطها المعهود. وعلى الرغم من ظهور تقارير مربكة عن بدء ظهور سلالات جديدة من الفيروس في بريطانيا والبرازيل وغيرهما، ظهرت تقارير أيضاً عن انحساراتٍ هنا وهناك. وبدأت بالفعل حملات التطعيم، وجرى بشكل كبير تجاوز الخوف من تقارير عدم اكتمال الاختبارات السريرية على اللقاحات المطروحة في الأسواق. كان ذلك كله كفيلاً بجعل مؤشر أسعار البترول يرتفع إلى الأعلى، ليصل إلى مستوياتٍ جيدة، تتجاوز أحياناً أسعار زمن ما قبل كورونا. وعلى الرغم من أن هذا المؤشّر ينتمي إلى عالم أسواق المال والاقتصاد، إلا أنه صحي أيضاً، ويشير إلى بدء التعافي الحقيقي وعودة الأنشطة التي كان يمارسها الناس فيما مضى.

أحدث الفيروس اضطراباً جماعياً على سطح الأرض، وأدخل انحسار النشاط البشري بعض مناطق النزاع في هدنةٍ إجبارية انتظاراً لما سيحدث. تلك القصة المختصرة لما جرى في العالم. أما داخل الأسوار السورية، أو ما تُسمى مناطق سيطرة النظام، فكانت قصة مختلفة تجري، وكأن هذه القطعة من الكرة الأرضية معزولة عزلاً طبيعياً، ولا تتفاعل مع ما حولها. فقد النظام كل موارد تمويله، وأفلس، وبدأ بالسطو على ما بقي في أيدي الناس، فسرقهم تحت بنود مختلفة، من دون أن يعرف أحد معدلات الإصابة بالفيروس ولا أعداد وفياته في سورية. وكانت أخبار الطوابير والانتظار تطفو على كل خبر. وحوّل النظام المرض الذي أصاب العالم إلى نكتة سخيفة، فيما اقتصاده يتجه إلى الحضيض. والآن بدأت الدنيا بالتعافي، وبدأ اللقاح يبني سوراً بين الناس وبين الإصابة والمرض. وما زال الاقتصاد السوري مواظباً على الانخفاض من دون توقف، فلا بادرة تظهر لإنقاذ النظام، وشركاؤه مفلسون مثله، وكل ما يستطيعون أن يقدّموه مزيد من الجرع السياسية، من قبيل إعلان انتخابات رئاسية جديدة، يعرف نتيجتها الجميع، في خطوةٍ تدل على أن هذه البلاد تقع في جهةٍ بعيدة عن بقية دول العالم، وتنتظر لحظة حقيقية لإطاحة الواقع الراهن، والعودة إلى الحياة والتفاعل الطبيعي مع التحوّلات العالمية.

العربي الجديد

————————————–

حقوق الإنسان في زمن كورونا: تزايد الفقر وخنق الحريات ولا عدالة توزيع اللقاحات/ عبد الحميد صيام

نيويورك-“القدس العربي”: افتتحت الدورة السادسة والأربعون لمجلس حقوق الإنسان يوم الإثنين الماضي في جنيف والتي، على غير العادة، ركزت على انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الأوضاع الصعبة التي سببتها جائحة كوفيد-19 على مستوى العالم. وقد تحدث في الجزء الأول رفيع المستوى 26 وزيرا من بينهم وزيرا الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، والروسي سيرغي لافروف.

وكالعادة في هذه الأيام عقدت الدورة عن بعد باستخدام تقنية ويبكس. فقد قلب ذلك الفيروس اللئيم كثيرا من الأمور والمسلّمات والممارسات رأسا على عقب. وأصبحت الاجتماعات والمفاوضات والمؤتمرات والدورات العادية والاستثنائية تعقد عن بعد، وفقدت تلك الاجتماعات بالتالي، الحرارة والحيوية والأنشطة التي كانت تقام على هامش الدورة أو المؤتمر. لقد أعطت تكنولوجيا زوم أو ويبكس، فرصة لكثير من الطغاة ومنتهكي حقوق الإنسان أن يلقوا خطابات من وراء شباك افتراضي ويحاضروا في حقوق الإنسان والعدالة والسلم والحقوق والتنمية المستدامة وهم مستريحون في مكاتبهم من دون أن يشعر أحدهم بلسعات العيون التي ترسل له رسائل جارحة بعدم تصديق ما يقال. أصبح الطاغية عن طريق التكنولوجيا ينجو من إيماءات عدم التصديق ومن مواجهة الصحافة وانتقادات المعترضين أو من مظاهرات تعقد خارج مباني الاجتماعات.

ومن مراجعة للكلمات التي ألقيت نستطيع أن نصنف الانتهاكات إلى ثلاثة أقسام، آثار الجائحة نفسها على الفئات الضعيفة والهشة والدول الفقيرة، واستغلال الجائحة من قبل دول الاستبداد لخنق الحريات تحت حجة الإغلاق والإجراءات الاحترازية وأخيرا مسألة توزيع اللقاحات التي اقتصرت بشكل أساسي، لغاية الآن، على الدول الغنية.

آثار الجائحة

لقد كشفت الجائحة عن أمرين أساسيين: أن هناك أخطارا وجودية تهدد البشرية كلها مثل الفيروسات والتغيرات المناخية، والأمر الثاني أن مواجهة هذه الأخطار لا يكون إلا بجهود جماعية، فإما أن يكون كل البشر آمنين وإلا فلن يكون أحد آمنا، كما قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش. لقد جاءت هذه الجائحة كامتحان للبشر جميعا كي يعيدوا التفكير فيما يهدد الكرة الأرضية كلها لا فرق بين غني وفقير أو دولة عظمى وأخرى فقيرة.

في مثل هذه الأزمات علينا أن نتذكر أن منظومة حقوق الإنسان ليست تلك المتعلقة فقط في الحقوق المدنية والسياسية بل أيضا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لقد كشفت الجائحة عن أوجه كثيرة من ضعف منظومة الحقوق وانعدام المساواة والتصدعات المجتمعية.

حياة مئات الملايين من الأسر انقلبت رأسا عل عقب بعد أن فقدت مصادر رزقها ووظائفها، فلجأت إلى الديون خاصة في تلك الدول التي لم تتمكن من تقديم مساعدات وحوافز اقتصادية لشعوبها. انتشرت البطالة في معظم دول العالم، ووجد ملايين من العمال، وخاصة من بين المهاجرين، أنفسهم بدون دخل ثابت ما أدى إلى تفكك الأسر وتفاقم الفقر المدقع بعد أن كانت المؤشرات تشير إلى تراجع مستوياته قبل الجائحة، وانتشار العنف المنزلي والمجتمعي بدرجات غير مسبوقة.

انتشر الوباء في معظم البلدان وكان أولى ضحاياه الفقراء والنساء والأقليات وذوي الإعاقة والمسنين في دور الرعاية والشعوب الأصلية. تراجع التقدم الذي كان أحرز في مجال المساواة بين الجنسين على مستوى العالم. أما الشباب فقد وجدوا أنفسهم يواجهون المصاعب، وهم خارج المدرسة أو خارج العمل وفي كثير من الأحيان بفرص محدودة للحصول على التكنولوجيا الحديثة وخاصة تلك التي انتشرت بشكل سريع جدا للتعامل مع الوباء.

الجائحة غطاء لانتهاكات حقوق الإنسان

لقد استخدمت السلطات الاستبدادية في كثير من البلدان الجائحة ذريعة للقيام بإجراءات أمنية إستثنائية وفرضت تدابير طوارئ ثقيلة الوطأة لسحق الاختلاف في الرأي، وتجريم الحريات الأساسية، وإسكات الإعلام المستقل وتقليص أنشطة المنظمات غير الحكومية. لقد زجّ المعارضون في السجون واحتجز المدافعون عن حقوق الإنسان، واعتقل الصحافيون والمحامون والناشطون السياسيون وجرت محاكمتهم واخضاعهم للترهيب والمراقبة بسبب انتقادهم لاستجابات الحكومات للجائحة، أو لغياب تلك الاستجابة أو التعامل مع مساعدة الناس، أو إعادة المواطنين الذين تقطعت بهم السبل خارج أوطانهم بطريقة انتقائية. كما استخدمت الجائحة لإلغاء أو تأخير أو تقويض العمليات الانتخابية، وإضعاف أصوات المعارضة وقمع الانتقاد.

انظر ماذا يجري الآن في ميانمار بسبب إلغاء الانتخابات وقيام الجيش بالانقلاب على نتائج انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر الماضي والتي كانت بمثابة استفتاء على إبعاد الجيش عن السياسة والتحول لحكومة مدنية. وجاء الانقلاب في أعقاب الفوز الساحق الذي حققته الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التي ترأسها سو تشي في الانتخابات عام 2020. في إثيوبيا تحت حجة الجائحة أجلت الانتخابات التي كانت مقررة في ايلول/سبتمبر 2020 إلى موعد آخر. لكن إقليم تغراي رفض هذا التأجيل وانظر كيف كانت النتيجة والمصائب الذي نتجت عن اجتياح الإقليم بالقوة المسلحة.

إن أكبر مجالين لانتهاك حقوق الإنسان في العصر الحديث هما: آفة العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب من جهة وعدم المساواة بين الجنسين. وتتقاطع هاتان الآفتان عندما يتعلق الأمر بالأقليات والمهاجرين والأجانب. وقد سببت الجائحة شحا في موارد الدول التي هي أصلا فقيرة، ما أدى إلى زيادة مظاهر التمييز والعنصرية واستهداف الأقليات والمهاجرين وتهميش النساء واستعبادهن. فقد تعرض مخيم للاجئين السوريين في شمال لبنان يوم 26 كانون الأول/ديسمبر 2020 لهجمات عنصرية من قبل بعض المحبطين بسبب ضيق العيش وقلة الموارد، أدى إلى إحراق المخيم وتشريد العائلات فيه. وهو الحادث الثاني في شهر تشرين الثاني/نوفمبر بعد ما جرى في بلدة بشري في شمال لبنان في أقل من شهر، حيث تم طرد عشرات العائلات السورية اللاجئة كرد فعل على مقتل شاب لبناني من المنطقة على يد عامل سوري، واستخدم الحادث حجة للمطالبة بترحيل جميع السوريين اللاجئين من المنطقة.

ولا ننسى أن الجائحة سهلت أو ساهمت في انتشار الحركات المتطرفة من النازيين الجدد ومجموعات تفوق العرق الأبيض القائمة على أيديولوجية كره الأجانب والمهاجرين والأقليات والسود والمسلمين والتي انتشرت بشكل كبير في الدول الغربية وخاصة في الولايات المتحدة والتي وصلت قمة خطورتها في اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي يوم 6 كانون الثاني/يناير الماضي.

إن استهداف الأقليات الدينية والعرقية في ظل الجائحة لا يأتي إلا بالمزيد من القهر والعنف والانفجار وعلى المجتمع الدولي أن يواصل الضغط من أجل وضع سياسات تحترم حقوق الإنسان والهوية الدينية والثقافية والإنسانية للأفراد والأقليات في ظل القانون والمساواة.

توزيع اللقاحات

هناك انتهاك لحقوق الإنسان الجماعية على مستوى العالم ومنها الحق في الصحة والوصول إلى العلاج بأسعار زهيدة. لقد سلطت جائحة الكورونا الضوء على مدى الخلل في الحصول على اللقاحات المضادة للداء والتي يمكن لو وزعت توزيعا عادلا أن تسيطر بشكل أساسي على الجائحة. فقد استأثرت عشر دول على استخدام 75 في المئة من كافة اللقاحات المتوفرة حتى هذا اليوم.

فالإنصاف في توزيع اللقاحات يؤكد أهمية حقوق الإنسان واحترامها على مستوى العالم. لكن النزعات العنصرية والشعبوية لا تقر بهذه العدالة في التوزيع.

ونتيجة لهذا الخلل الواضح، اعتمد مجلس الأمن الجمعة 26 شباط/فبراير الحالي قرارا بالإجماع وبتأييد من 79 دولة من الجمعية العامة حول عدالة التوزيع وخاصة في مناطق النزاعات المسلحة. وقد رحب تيدروس أدهانوم غيبريسيوس، رئيس منظمة الصحة العالمية بهذا القرار قائلا: “لا يمكن القضاء على كوفيد-19 بدون عدالة في التوزيع”. ويدعو قرار المجلس إلى تعزيز الأساليب الوطنية ومتعددة الأطراف والتعاون الدولي، من أجل تسهيل الوصول العادل وميسور التكلفة للقاحات كوفيد-19 في حالات النزاع المسلح، وحالات ما بعد النزاع وحالات الطوارئ الإنسانية المعقدة. كما يؤكد على الحاجة إلى شراكات دولية لتوسيع قدرات التصنيع والتوزيع. لكن العوائق أمام تطبيق هذا القرار كثيرة أهمها نقل التكنولوجيا واستصدار التراخيص المحلية والدولية والتنازل عن الملكية الفكرية وتوفير التمويل والتعاون مع الجهاز المركزي للتوزيع الذي أنشأته الأمم المتحدة تحت اسم “مرفق كوفاكس”. وكانت غانا، أول دولة تسلمت كمية من اللقاحات من المرفق يوم الأربعاء الماضي تلتها كوت ديفوار يوم الجمعة. وتعد هذه الشحنة جزءا من الفوج الأول من لقاحات كوفيد-19 المتجهة إلى العديد من الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. وقد رحبت اليونيسف ومنطة الصحة العالمية بهذه الخطوة واعتبرتها تمثل “بداية ما ينبغي أن يكون أكبر عملية شراء وتزويد للقاح في التاريخ”.

فهل نرى في الأشهر القليلة المقبلة عملية توزيع شاملة للدول جميعها بداية من مناطق النزاع لنشهد تعافيا جماعيا من أكبر كارثة إنسانية تتعلق بالأوبئة منذ الإنفلونزا الإسبانية عام 1918؟

القدس العربي

———————-

بوتين يبيع لقاحاته للأسد بأموال إسرائيلية/ عمر كوش

تطرح صفقة “تبادل الأسرى”، التي تمّت مؤخراً بين النظام السوري وإسرائيل برعاية النظام الروسي، أسئلة عديدة، تطاول طبيعة الدور الروسي فيها، وأبعادها السياسية والأخلاقية، وصولاً إلى ملابساتها وما تسرّب من بنودها السردية، وتمتد إلى تركيبة وطبيعة العلاقات بين رئيس النظام الروسي فلاديمير بوتين، وكل من بشار الأسد وبنيامين نتنياهو وسوى ذلك.

وحسب ما تسرّب من بنود الصفقة، السرية والعلنية، فإن ملابسات كثيرة اعترتها، خاصة أن من أطلق سراحهم لم يكونوا جنوداً أُسروا في معارك بين سوريا وإسرائيل، إذ أُعلن عن إطلاق سراح فتاة إسرائيلية يلفّ الغموض أسباب دخولها إلى الأراضي السورية، مقابل الإفراج عن راعيين سوريين، وذلك بعدما رفض السوريين دياب قهموز ونهال المقت العودة إلى حضن نظام الأسد، وفضلا البقاء في السجن والإقامة الجبرية تحت الاحتلال الإسرائيلي، لأنهما يعرفان حجم الكارثة التي سببها نظام الأسد لسورية والسوريين، ويدركان تماماً أهوال معاناة الناس في مناطق سيطرة النظام، والتي تفاقمت إلى درجة جعلت أستاذاً جامعياً يرفع شعار “موعد الخبز لا يؤجل”، ويكتشف أن “الخبز أهم من العلم”، حيث يمضي كل يوم ساعات طويلة واقفاً في طابور من أجل الحصول على ربطة خبز.

وحاول ساسة إسرائيليون، وخاصة نتنياهو، تسويق الصفقة مع نظام الأسد من الباب الإنساني، والإيهام بأنها تتعلق “بقضية إنسانية سرية مرتبطة بسوريا”، تجري بتنسيق ومساعدة روسية، وكأنهم انقلبوا فجأة إلى حماة للإنسانية، ولم يرتكبوا أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين وسواهم. كما حاولت أطراف الصفقة الثلاثية جاهدة التكتم على بنودها، لكن انكشاف بندها السري المتعلق بشراء إسرائيل 60 ألف عبوة لقاح روسي لفيروس كورونا وتخصيصها لأركان نظام الأسد، أظهر أن نظام بوتين كان يريد من الصفقة تزويد نظام الأسد بعدد محدود من اللقاحات ليس على حسابه، بل بأموال إسرائيلية، وأنه مجرد سمسار غايته تنحصر في تقاضي الثمن، بصرف النظر عن الإهانة التي وجهها لنظام الأسد، الذي تعود بدوره على تلقي الصفعات والاهانات والإذلال من طرف الروس والإسرائيليين وسواهما.

غير أن الكشف عن البند السري فنّد ادعاءات وكذب نظام الأسد، الذي حاول أن يخفي دوره المخزي في الصفقة التي تمتّ بين الطرفين الروسي والإسرائيلي، وعن المقابل الذي طلبه لقاء تعاونه مع روسيا في العملية، لذلك بالغ هذا النظام في نفيه وجود بند سري حين وصف الأنباء التي كشفت وجوده بأنها بروباغندا صهيونية، وأن “ترويج هذه المعلومات الملفقة حول وجود بند في عملية التبادل، يتعلق بالحصول على لقاحات كورونا من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، هدفه الإساءة إلى عملية تحرير الأسرى السوريين من سجون الاحتلال والإساءة لسوريا وتشويه الجانب الوطني والإنساني للعملية”.

ويعلم القاصي والداني أن نظام الأسد لا يقيم أي اعتبار للمواطن السوري، وما يزال يواصل قتل السوريين مع حلفائه الروس والإيرانيين منذ عشر سنوات، وارتكب بحقهم كل أنواع المجازر والجرائم الوحشية، لذلك لم يتردد في استجداء الروس والإسرائيليين للحصول على لقاحات تكفي فقط لأزلامه وزبانيته كي يستمروا في قتل السوريين، مع مواصلة زعمه الزائف بأنه في حالة حرب مع إسرائيل، التي تحتل هضبة الجولان منذ العام 1967، ويشن طيرانها الحربي غارات شبه دورية على الأراضي السورية.

بالمقابل، لا يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي حرج في أن يتحول إلى سمسار رخيص ووضيع، لأن المهم بالنسبة إليه هو جني ثمار بعض ما صرفه بتدخل قواته عسكرياً إلى جانب نظام الأسد، لذلك لم يتردد في بيع اللقاحات بصرف النظر عمن يدفع الثمن ولصالح من تذهب اللقاحات، بالرغم من حرصه على الظهور كصاحب اليد الطولى في سوريا، وبنفس الوقت الصديق والداعم لنتنياهو ودولة الاحتلال الصهيوني.

أما بنيامين نتنياهو الذي يواجه معركة انتخابات الكنيست، التي ستجري في 23 آذار/ مارس الجاري، وستحدد نتائجها مصيره السياسي والجنائي، فقد أراد توظيف الصفقة من أجل المساهمة في إنقاذه، في وقت تشتد فيه أزماته السياسية، وتلاحقه تهم فساد عديدة، من خلال الظهور أمام الرأي العام الإسرائيلي بأنه يعلق أهمية أخلاقية وسياسية كبيرة على حياة الإسرائيليين وإنقاذهم وفكهم من الأسر، ولا يتوانى عن دفع الأثمان الباهظة من أجلهم، وبالتالي جاءت الصفقة قبيل بضعة أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية، وكأنها محاولة لتخليصه من مآزقه السياسية والملاحقات القضائية، وضخ دعم جديد لحملته الانتخابية.

وتكشف الصفقات الثلاثية بين كل من بوتين والأسد ونتنياهو تاريخاً من تبادل الخدمات وبناء التفاهمات بينهم، حيث يشرف بوتين شخصياً على عمليات نبش القبور، التي تقوم بها منذ سنوات القوات الخاصة الروسية في مقابر مخيم اليرموك، من أجل العثور على رفاة جنود إسرائيليين، والتي أسفرت عن إعادة رفاة الجندي زخاريا باوميل في العام 2019. وقبلها تفاخر بوتين أمام صديقه نتنياهو بإعادة دبابة إسرائيلية استولى عليها جيش النظام، خلال إحدى المعارك قبل سنين طويلة. كما تبادل المجرم بشار الأسد وبنيامين نتنياهو الخدمات والمواقف المساندة، وكان أبرزها تدخل نتنياهو لدى الإدارات الأميركية من أجل عدم دعم الثورة السورية، وإقناعها بضرورة مساندة نظام الأسد، وضمان استمرارية بقائه في السلطة، لكونه أحرص الأنظمة على أمن إسرائيل، لذلك يتعامل ساسة إسرائيل وجنرالاتها منذ أكثر من خمسين سنة خلت، وفق مبدأ، ينص على أن بقاء نظام الأسد هو أفضل ضمان لأمن إسرائيل.

——————————-

اللقاح الأخلاقي المفقود/ يحيى العريضي

لم تبق وسيلة إعلام شرق أوسطية إلا تحدثت عن تلقي منظومة الأسد لقاح كورونا “سبوتنك” الروسي، وتسديد الفاتورة من قبل “الجارة” “الإنسانية” إسرائيل. وكالة أنباء منظومة الاستبداد “سانا” تنفي هكذا أخبار، وتعتبرها تلفيقية هدفها تشويه صورة القيادة “المقاومة والممانعة للعدو الصهيوني”.

صحيفة “جورزليم بوست” أكدت دفع إسرائيل ثمن اللقاح مقابل صفقة تبادل أسرى رفضوا العودة إلى “حضن الوطن”؛ ليتبيّن أن الأمور أعمق من ذلك بكثير؛ وتشهد عليها التنقيبات والنبش والحفر الذي يتم بإشراف الروس جنوب دمشق بحثاً عن رفاة الجاسوس الإسرائيلي “كوهين”؛ وهكذا تكون الصفقة ذات قيمة حقيقية؛ وخاصة أن نتنياهو في ورطة انتخابية، ويحتاج إلى منجز يعزز فرصه.

تغفل همروجات كهذه عمق الغزل والتواصل بين الكيانين الأسدي والإسرائيلي؛ فالأول لا ينتظر التوسط أو التدخل الروسي بينهما؛ حيث الروس أنفسهم ربما يحتاجون منظومة الأسد كي تتدخل لدى إسرائيل لتجعل أوراق الاعتماد الروسية مقبولة أميركياً وأوروبياً. ونعتقد أن الروس سمعوا تصريحات رامي مخلوف بداية انطلاق الثورة السورية، عندما ربط أمن إسرائيل بأمن نظامه.

معروف أن منظومة الأسد على درجة من الإفلاس والاهتراء، إلا أنها ربما تتصور أن المنقذ الوحيد لها ليس إلا إسرائيل. فمهما كانت إسرائيل على درجة من النذالة ونكران الجميل، فلن تتوانى عن نجدة من أسدى لها خدمات لا تحلم بها؛ ولكن يفوت تلك المنظومة الاستبدادية أنه حتى إسرائيل، بكل حقارتها، لا تستطيع، وربما، لا تريد لململة حطام بلا مستقبل، ويتعذر حمله أو احتمال ما ارتكبه من إجرام؛ وهي تدرك تماماً أن التوءمية بينه وبين إيران، وارتهانه لها، لن تمكنه من التفلت من براثن إيران.

وبالعودة إلى تقرير جيروزليم بوست، نقرأ لفتها للانتباه بأن القضايا الطبية ليست مشمولة بالمقاطعة المفروضة على نظام دمشق، وأن إسرائيل هي مَن سيسدد فاتورة اللقاحات لإسرائيل؛ وهنا نسأل: منذ متى كانت إسرائيل- التي تعيش على الدعم الأمرو-أوروبي- مصدراً للمساعدات للأعداء؟ من جانب آخر كيف يمكن أن يقبل نظام “الممانعة والمقاومة لإسرائيل” أن تتحسن عليه بتسديد فواتيره؟ إسرائيل لا تكنّ لأي عربي- حتى ولو كان خادماً أميناً لها- إلا العداء والكره والاحتقار. ألا يقول الصهاينة:”

A good Arab is a dead Arab

“العربي الطيب، هو العربي الميّت”؟!

نتذكر في هذا السياق تلك الزيارة التي قام بها “نتنياهو” لجرحى سوريين تم إسعافهم إلى فلسطين المحتلة؛ حيث لم تكن تلك الزيارة والرعاية لسواد عيونهم ولا رأفة بهم؛ بل فعلياً مساعدة لمنظومة الإجرام في دمشق بأن أولئك الجرحى ليسوا إلا عملاء لإسرائيل؛ وها هو رئيس وزراء الكيان يعودهم؛ ليثبّت تلك الوصمة.

على الساحة السورية المستباحة، وبفضل نظام الأسد “السيّد المستقل”، تجري تنسيقات عالية المستوى بين القوى المحتلة “للدولة السورية ذات السيادة” بحيث لا يقع اشتباك بينها؛ ولكن ما يبرز مؤخراً هو تذمر إيراني صامت من إعطاء الروس إحداثيات مواقع إيرانية للإسرائيليين. قد تكون إيران صبرت واستوعبت ما يذهب الروس إليه بحكم التفاهم الروسي الإسرائيلي والحاجة الروسية لعطف الود الإسرائيلي؛ أما ما لم تصبر عليه أو تستوعبه إيران فكان إعطاء ضباط أسديين إحداثيات مواقعها؛ فكانت ردة فعلها مؤخراً إخفاء سبعة ضباط أسديين؛ وُجِد أحدهم مقتولاً على طرق حمص- تدمر؛ أما ردة فعل المنظومة الأسدية، فكانت الصمت المطبق.

ها هو الحبل الإيراني أيضاً يلتف حول عنق منظومة الاستبداد. قبله بدأ الحبل الروسي بمنع أي دعم مالي أو اقتصادي لمنظومة تختنق؛ فحتى ثمن اللقاح لا بد أن يُدفع؛ ومن قبل مَن؟ من قبل إسرائيل، لشد حبل الإذلال أكثر على عنق النظام. قبله كان ولا يزال حبل قيصر. أما الحبل الذي لا خلاص منه فهو دم ودمار وتشرد واعتقال وتعذيب الشعب السوري الذي تحوّل إلى ما يقارب المليون وثيقة كفيلة بإعدامه مليون مرة.

لقاح الروس لن يفيد منظومة الأسد؛ حتى ولو كان مدفوع الثمن إسرائيلياً. لم يفد منظومة الاستبداد تجريب بوتين أكثر من مئتي صنف من الأسلحة الروسية على أجساد أطفال السوريين ومدارسهم ومشافيهم وأسواقهم. ولم يغسل “فيتو” بوتين الدم السوري عن أيدي النظام الأسدي. ولم تحمِ ميليشيات ملالي طهران مراقد الصالحين أو مراقد الأرواح الأسدية الاستبدادية. ولن تشرعن “انتخابات” لا شرعية مَن قتل شعبه.

اللقاح الوحيد لمنظومة الاستبداد هو لقاح الأخلاق والمسؤولية؛ ولكن هذا اللقاح غير متوفر، ولن يتوفر لمن قتل وطناً وشعباً ينتمي إليه افتراضياً. هذا اللقاح غير متوفر في روسيا؛ ولا إسرائيل تستطيع شراءه، ولا ملالي إيران يعرفونه. وحده شعب سوريا يمتلك هذا اللقاح؛ ولن يعطيه إلا لسوريا الوطن ليلفظ ويبصق هذه الطغمة كي يستعيد الوطن حياته.

———————————

=================

تحديث 02 أذار 2021

——————–

برنارد ستيجلر حول أزمة كورونا: ما نعيشه الآن تحذير رهيب للإنسانية

ترجمة: عبد الله الحيمر

في عام 1983 التقى برنارد ستيجلر (1952 ــ 2020) بالفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، الذي كان على وشك قيادة الكلية الدولية الجديدة للفلسفة. أقام ستيجلر ندوة تقنية نصف شهرية هناك عام 1984، مكنته من التميز وبالتالي تعيينه كباحث في وزارة البحث. وفي عام 1988عرضت عليه جامعة كومبيين للتكنولوجيا درجة الأستاذية. من عام 1996 حتى 1999 أصبح نائب المدير العام للمعهد الوطني السمعي البصري، قبل أن يتولى إدارة معهد بحوث الصوت/الموسيقى والتنسيق في عام 2002. وظل هناك حتى في عام 2006، عندما تم تعيينه مدير التنمية الثقافية في مركز بومبيدو. كان ضمن هذه المؤسسة أنه أسس في نفس العام معهد البحث والابتكار (IRI) المسؤول عن «توقع ودعم وتحليل التغييرات في الأنشطة الثقافية والعلمية والاقتصادية التي تسببها التقنيات الرقمية».

رحل الرجل في أغسطس 2020 عن عمر يناهز 68 سنة. قبل وفاته وفي هذه الأوقات التي تشهد أزمة صحية واقتصادية عالمية، ألقى برنارد ستيجلر، الفيلسوف وعضو المجلس العلمي لمرصد الذكريات B2V، الضوء على تأثير هذه الأزمة على الذكريات الفردية والجماعية وظروف المرونة، وعن هذه العودة إلى التوازن اللاحق للصدمات.

■ ما هي الآثار التي سيتركها هذا الوباء في ذاكرتنا الفردية والجماعية؟

□ إن ذكرى الأوبئة الكبرى ليست موجودة في النهاية في تمثلاتنا الفردية والجماعية. يميل البشر للأسف إلى نسيان الكوارث على الرغم من مطالبتهم بجعل كل شيء آمنًا. إذا تذكرنا الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 (50 مليون قتيل!) فمن يتذكر وباء إنفلونزا هونج كونج في عام 1969؟ ذكرياتنا تنسى دائما مع مرور الوقت. وعندما يتعلق الأمر بأزمة فيروس كورونا، هناك قدر كثير من الأمور مذهلة. وسنتحدث بلا أدني شك عن هذا الوباء العالمي المرتبط بحالة الاحتواء. وقد تؤدي تجربة الجائحة هذه إلى تجارب تذكيرية ممتعة للغاية، حتى لو كانت عكس ذلك أيضًا، اعتمادًا على الظروف التي تحيط بنا.

■ ما هي خصائص هذه الأزمة

□ ما يميز هذه الأزمة الفيروسية عن إنفلونزا هونج كونج أو الأنفلونزا الإسبانية هو السرعة التي تتطور بها، وكذلك التكرارات المتزايدة الأقرب لمثل هذه الأزمات، الاقل خطورة الى حد كبير، لأقل من عشرين عامًا، في سياق عدم الاستثمار في الصحة العامة الذي ينظر اليه باعتباره من الارجح ان يدمر الاقتصاد العالمي لفترة طويلة. إلى جانب حقيقة أن الفيروس ينتشر بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. فانه شديد العدوى، وبالتالي يمكن أن يؤدي هذا الوضع؛ إلى إثارة الذعر في عالم «ما بعد الحقيقة» حيث لم يعد هناك أحد يثق بأحد.

■هذه الأزمة هي صدمة كبيرة لمجتمعنا. ومع ذلك، هل الطريق مفتوح نحو المرونة؟

□ يرتكز نموذجنا الاقتصادي الحالي على التواصل الجسدي والرمزي المفرط بين جميع الأماكن في العالم تقريبًا، مما يزيد الخطر بشكل كبير. هذا النموذج، وهو أيضًا نموذج اقتصاد البيانات، خطير جدًا لأنه يلغي التنوع، وهو شرط المرونة. ومن خلال رغبتنا في تحسين كل شيء من خلال الخوارزميات، نعمل على الحد من المرونة مع الحياة على أساس الوقت المناسب، وهو ما نشاهده من أوجه تأثيرات النقص المختلفة. لقد أصبح المجتمع البشري؛ عرضة للخطر في مجمله ولم يصل الى نقطة لا يمكن بلوغها ابدا؛ ولابد أن تتوقف هذه اللامسؤولية.

■ هل يمكن للاحتواء أن يعيد تنشيط ذاكرة أنماط الحياة السابقة؟

□ أنا أعمل حاليًا على مشروع تجريبي مع فرق من مقدمي الرعاية الصحية، حول السؤال التالي: «ما هو العيش في حالة الحجر الصحي في الوقت الحالي؟». وفي الحظر الاجتماعي، هناك الكثير من المواقف المحتملة، ولكن على أي حال، فإن الأمر الواضح هو أن عددًا من الأشياء يتم مقاطعتها، ويمكن أن تكون هذه اللحظة وقتًا لخلق التفكير والتأمل، سوى المستوى الفرديً او الجماعي. مع القليل من المرافقة. يمكن أن يؤدي هذا إلى العودة إلى الذاكرة ومعاني الأشياء التي كنا نمارسها من قبل، والتي غالبًا ما فقدنا ممارساتها العائلية، والتي هي أيضًا ممارسات تعليمية. من خلال هذه الأسئلة، يمكن للمرء أن يفكر فيما يعنيه القيام بشيء ما معًا، والمخاطر التي تمثلها الهواتف الذكية في هذا الصدد، للصغار والكبار على حد سواء. يمكننا أيضًا أن نتساءل فرديًا وجماعيًا عن سبب عدم عودتنا إلى طرق الحياة هذه، دون أن نعيش مجددًا كما في القرن العشرين. وبالتالي يؤدي الاحتواء أحيانا الى التفكير في أنماط حياتنا.

■ كيف تنظرون إلى إدارة الأزمة، لا سيما من خلال استخدام الذكريات الرقمية الخارجية، وتقنيات المعلومات والاتصالات؟

□ يعتمد الاقتصاد الحالي على المعلومات التي تحل محل المعرفة والتي هي نفسها قابلة للحساب بشكل كامل، مما يجعلنا كائنات رقمية مستنسخة ومتحكمة عن بعد. يجب علينا إعادة التفكير في تكنولوجيا المعلومات، والتوقف عن تكليف الخوارزميات عن تكليف بكل شيء، ووضع آليات للتداول بين الأطباء، وبين المصرفيين، بين سكان المناطق وتعزيز تنوع المناطق، إلخ. يعتمد النظام الحالي بالكامل على النسب الآلية التي تميل إلى نسب تلقائية تميل الى القضاء على القيمة المحسوبة. وفي مواجهة هذه الأنظمة التي لا تُحصى، يمكن أن تدخل الأنظمة آنذاك في أزمة. وبسبب النقص الحالي الأقنعة بالنسبة للقضية الحالية لنقص الأقنعة، تم التقليل من المخاطر بأدنى تقدير. لقد نسينا أن المخاطر لا تدخل أبدا في حسابات الوسائل.

■ ما المعنى الذي يمكن أن تحمله هذه الأزمة على المستويين الفردي والمجتمعي؟

□ لا شك بالنسبة لي أن ما نعيشه الآن هو تحذير رهيب للإنسانية، وأنه على هذا الأساس من إعادة تقييم المعرفة والمحليات والتنوع والمشاورات المتواجدة بالأسئلة الحاسمة، التي تخص كل الآخرين. لم نتعلم درسًا من الأزمة المالية لعام 2008. السؤال كله هو .. ما إذا كان البشر يتعلمون أخيرًا من أزمة كوفيد 19 هذه. أن تتعلم يعني أن تضع نفسك محل التساؤل. إذا كان علينا القيام بذلك بشكل عاجل، وهو ليس مثاليًا للتفكير، فلنستفيد من الجائحة من أجل التفكير والعمل وتطوير المهارات القادمة.

ترجمة بتصرف عن مرصد الذكريات B2V في فرنسا

القدس العربي

—————————–

كورونا وفكرة هزيمة الخوف من الموت/ أندرو ويل

لم نعد قانعين بقبول الموت كجزء لا يتجزأ من الحياة. فهل يمكنّنا فيروس كورونا من تكوين موقف أكثر واقعية إزاء فكرة الفناء؟

أدهشتني طريقة موتي بطرافتها. حدث ذلك وقت العطلة الصيفية في المدرسة الداخلية قرب إيبسويتش، إنكلترا، حيث أقوم بالتدريس منذ عامين. كان المكان مهجورًا سوى من بعض أعضاء هيئة التدريس، الذين لم يكن لديهم مكان أفضل يذهبون إليه. وكنتُ أقوم بنزهة قريبًا من السور البحري جنوب المدرسة، وهو حاجز ترابي طويل تم بناؤه لمنع فيضان المياه. مأخوذًا برغبة غير معهودة بالمغامرة، انحرفتُ يومها عن طريقي المعتاد، وانعطفتُ بدلًا من ذلك إلى طريق متعرّج في الرمل الرطب يمتد حتى مصب نهر ستور. عند خطوتي الثالثة، أو الرابعة، بدا كما لو أن الأرض انخسفت بي، وغارت رجلي حتى الركبة في كتلة مشبعة بالماء. غير أن ذلك لم يردعني، فأخذتُ خطوة أخرى. هذه المرة، غُمرت رجلي الأولى بالكامل، وبدأت الأخرى تغوص أيضًا. وقبل أن يمضي وقت طويل كنتُ عالقًا، غارقًا حتى خصري في ما يشبه المستنقع، كما لو أن الأرض كانت تحاول أن تبتلعني.

لا أعتقد أني بقيت هناك لأكثر من نصف ساعة، لكن بدا لي أن المد كان يقترب بسرعة كبيرة نسبيًا. وكنتُ أعرف أن الماء سيرتفع في آخر الأمر ليغمرني حتى رأسي. هكذا صرتُ مقتنعًا لبعض الوقت أنني كنت أعيش لحظاتي الأخيرة. كان احتمال أن يهيم شخص ينزّه كلبه حتى هذا المكان البعيد عن حرم المدرسة احتمالًا ضئيلًا، ولذلك لم أكلّف نفسي عناء الصراخ. ولسبب ما، كان حدسي يملي عليّ بأن أبتسم، بدلًا من أن أهلع. شعرتُ كذلك ببعض الراحة لعدم وجود أحد في الجوار ليشهد إذلالي هذا. كم هو عبثيّ، فكرت، أن أموت بهذه الطريقة التافهة للغاية قرب نهرٍ في إيبسويتش، مغروزًا حتى نصفي في الأرض، عاجزًا عن فعل شيء سوى انتظار الغرق بصبر.

“لا يمكن تصوّر عدد الذين يموتون كل سنة جرّاء حوادثَ يمكن تجنبها بسهولة؛ وإن كان بعضهم يضمن على الأقل درجة من الخلود عبر “جوائز داروين” السنوية التي تُمنح للذين أزالوا أنفسهم من تجمّع الجينات بفعل حماقتهم”

لم أهلك يومها. وبالنظر إلى كوني شخصًا ضعيفًا إلى حدّ يصعب تصديقه، فاجأتُ حتى نفسي حين تمكنتُ من سحب جسدي من الأرض عبر التشبث بصخرة قريبة. قد تقولون إن هذا بالكاد يُعتبر اشتباكًا مع الموت، وإنه ليس أكثر من حكاية سأنمّقها لاحقًا لأغراض كوميدية. غير أني، وعندما تسنت لي أخيرًا فرصة البحث عن الموضوع في الإنترنت، وجدتُ أن الموت بسبب المسطحات الطينية قرب السواحل العديدة في بريطانيا ليس أمرًا نادر الحدوث كما نعتقد. وأنه لا يمكن تصوّر عدد الذين يموتون كل سنة جرّاء حوادثَ يمكن تجنبها بسهولة؛ وإن كان بعضهم يضمن على الأقل درجة من الخلود عبر “جوائز داروين” السنوية التي تُمنح للذين أزالوا أنفسهم من تجمّع الجينات بفعل حماقتهم.

بغضّ النظر عمّا إذا كان ممكنًا أن أغرق يومها، بالفعل، أم لا، كانت تلك ربما المرة الأولى في حياتي التي أشعر فيها أن الموت كان قريبًا. أفترض أن وجازة حياة البشر تعني أننا قريبون دومًا من الموت، ولذلك لن يكون قليل من التأهب العقلي بالأمر السيئ. في عيد ميلادي لتلك السنة، قدم لي رئيس القسم الذي أعمل فيه بطاقة معايدة كتب فيها اقتباسًا عن صمويل بيكيت: “يلدن أطفالهن وأقدامهن مفتوحة على جانبي قبر، يومض الضوء للحظة، ثم يحلّ الظلام مرة أخرى”. أحببتُ هذه الصورة الشعرية كثيرًا، لدرجة أنني صرتُ من يومها أنقش على بطاقات أعياد ميلاد الأصدقاء كلماتٍ تذكرّهم بأن باتوا أقرب إلى موتهم عامًا كاملًا. وأحيانًا كنت أرسم لهم جمجمة صغيرة في قبعة حفلات.

وباء كورونا

ربما تكون إمكانية تطوير موقفٍ أكثر واقعية إزاء الفناء البشري إحدى النتائج التي سيتركها وباء كورونا. فنظرتنا الحالية إلى الموت رهينة ثقافة مغلقة؛ لا ننكر أننا سنتوقف عن التنفس يومًا ما، لكننا لا نحب أن نفكر بذلك الأمر، أو أن يتم تذكيرنا بحتميته. هكذا نفضّل أن نُبقي حاصد الأرواح بعيدًا عنا، مثل عمٍّ مزعج في اجتماع عائلي؛ عمّ نعلم أنه لا بدّ أن نعود إليه في نهاية المطاف. حاولْ أن تنسى حاصد الأرواح، وذلك ممكن بالطبع، لكنه سيكون في الجوار على الدوام، شاحذًا منجله باستمرار.

من البديهي أن عنجهية العصر الحديث أنتجت عدم اقتناع بقبول الموت كجزء لا يتجزأ من الحياة. لا يترك البشر اليوم وسيلة إلا ويلجأون إليها كي يطيلوا حياتهم، أو يبعدوا علامات التقدم في السن، وينفق رجال الأعمال الأثرياء ملايين على البحوث في مجال “ما بعد الإنسانية”، وهو حقل دراسة جديد هدفه الأساسي إيجاد علاج للموت. لكني لا أزال غير مقتنع أن الخلود بالضرورة حالة يُحسد عليها. شاهدتُ فيلم “سيد الخواتم”، وبدا لي أولئك الأقزام بائسين على الدوام.

إضافة إلى ذلك، كيف ستكون الحياة من غير احتمال التوقف؟ كتب الروائي سول بيلو أن الموت هو “الخلفية القاتمة التي تلزم المرآة لكي نتمكن من الرؤية”. يذكّرني هذا المفهوم بالمقابلة الأخيرة التي أجراها الكاتب المسرحي، دينيس بوتر، في آذار/ مارس 1994، قبل أقلّ من ثلاثة أشهر على استسلامه للسرطان الذي كان يفتك بجسده. في وصفه عملية الكتابة خلال تلك الأيام الأخيرة، يحكي بوتر للصحافي، ميلفين براغ، كيف كان ينظر عبر نافذة غرفة نومه إلى زهر شجرة البرقوق في الأسفل: “يبدو شبيهًا بزهر التفاح إلا أنه أبيض. وأثناء النظر إليه، وبدلًا من أن أقول: أوه، يا للزهر الجميل!… كنت أراه الزهر الأكثر بياضًا، الأكثر تفاهة، والأكثر تفتحًا، قط. وأستطيع أن أفهم الأمر. الأشياء، في الآن ذاته، أكثر تفاهة مما كانت عليه يومًا، وأكثر أهمية مما كانت عليه يومًا، والفارق بين التافه والهام لم يعد يبدو بذي أهمية”.

“لم تعد علاقتنا مع الموت مباشرة إلى ذلك الحد. في عصر الابتكارات الطبية واللقاحات، التي يبدو كما لو أنها تُستحضَر بين ليلة وضحاها، لا عجب أن الموت بات يبدو لا واقعيًا”

ما دعاه بوتر “آنيّة كل شيء” ليس، وفق رأيه، كشْفًا يمكن للمرء أن يدركه من دون تجربة مباشرة. لكن، إن كان الاقتراب من الموت يعزّز قيمة الحياة، فيمكن لإدراكٍ صحيّ لضرورته أن يفعل ذلك أيضًا. منذ بضع سنوات، وقعتُ في متحف فكتوريا وألبرت في لندن على خاتم صغير مذهل يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر. كان الخاتم مطليًّا بالمينا، تتوسطه جمجمة، وعلى فصّه السداسي حُفرت أسطورة “انظر إلى النهاية”، مع نقش حول الحافة يقول: “موت أفضل من إخلاص زائف”. كما يشير رباط الزوجية ونقش “العشاق الحقيقيين” إلى أن تذكار موري (تذكار الموت) هذا صُنِع للاحتفال بخطوبة، أو زفاف. لقد أراد هذان الزوجان، حتى في أسعد أيام حياتهما، أن يتم تذكيرهما بأن وقتهما على الأرض محدود.

اليوم، لم تعد علاقتنا مع الموت مباشرة إلى ذلك الحد. في عصر الابتكارات الطبية واللقاحات، التي يبدو كما لو أنها تُستحضَر بين ليلة وضحاها، لا عجب أن الموت بات يبدو لا واقعيًا. ولا يسعني إلا أن أفكر أن الرعب المتقطّع الذي يسببه فيروس كورونا؛ مرض ذو معدل وفيات منخفض نسبيًا، يعود جزئيًا إلى عدم رغبتنا بالتعامل مع واقع صعب. الموت الأسود (الطاعون)، الذي بلغ ذروته في أوروبا منتصف القرن الرابع عشر، وأخذ أكثر من نصف السكان، عنى أن على الناس أن تتعلم بسرعة كيف تعيش في حالة من الفقد المستمر. أصبح الموت حينها جزءًا من الثقافة بقدر ما أصبح جزءًا من النظرة الميتافيزيقية. وإلى تلك الفترة بالذات يعود تقليد رقصة الموت: حلقات تمثيلية نرى فيها الأحياء يرقصون، أو يسيرون في موكب باتجاه القبر، مصحوبين بهياكل عظمية. يصطف الأشخاص عادة في هذه الحلقات وفقًا للمنزلة الاجتماعية، بحيث تكون الشخصيات السياسية والكنسية في المقدمة. مادونا، حسبما أعتقد، هي من لاحظت، بكل حكمة، أن الموت (في هيئة فيروس كورونا) هو “المُساوي الأعظم”. وقد كانت آنذاك، إن لم تخني الذاكرة، غاطسة في حوض استحمام رخاميّ تتناثر فيه بتلات الورود.

مثلما أدّى طاعون الدّبلي إلى تركيز جديد على الموت في الفن والأدب، أدّت أهوال الحرب العالمية الثانية إلى ظهور الفلسفة الوجودية. في مقالته “أسطورة سيزيف”، يناقش ألبير كامو فكرة أن الانتحار هو “المشكلة الفلسفية الوحيدة الجدية بحق”. بكلمات أخرى، حقيقة أننا لم نقتل أنفسنا هو بمثابة إعلان لاستثمارنا في شرط الوجود. ثمة شيء من الكوميديا السوداء في وجهة النظر هذه، لكن ربما يكون هنالك بالفعل بعض العزاء في تأمل العبث المحض الذي ينطوي عليه البقاء على قيد الحياة.

الدعابة في الموت

أن نجد الدعابة في الموت لا يعني أن نحقّر قدسية الحياة البشرية، أو ننكرها، بل أن نتصالح مع طبيعتها المحدودة. نحن الكائنات الواعية الوحيدة التي تدرك أنها ستموت. لكننا، مع هذا، نتابع القيام بأعمالنا اليومية، ومشاحناتنا السخيفة، كما لو أن أيًّا منها يهم فعلًا. ليس من المفاجئ، إذًا، أن وجد تيري براتشيت تلك المنفعة الكوميدية في شخصية الموت لأجل سلسلة روايات الخيال العلمي التي ألّفها تحت عنوان “عالم القرص”. وفق تأويل براتشيت، حاصد الأرواح شخصية ساخرة مولعة بالقطط، وبهار الكاري، ويحيّرها على الدوام الجنس البشري، وقدرة أبنائه على الاستمرار في حياتهم عديمة الجدوى. قرأتُ في مكان ما أن أوراق التاروت في العصور الوسطى كانت تصوّر الموت أحيانًا بالزي الملوّن لمهرج القصر. يبدو، إذًا، أن الموت هو من يضحك أخيرًا.

أجد من المطمئن كذلك أن يكون المشرفون على الموت قادرين على الاحتفاظ بروح الدعابة. بعد أن تم تشخيص إصابة الكاتب كريستوفر هيتشنز بسرطان مميت، تساءل بعض معارفه المتدينين إذا ما كان من الممكن لهذا الملحد، الأكثر مجاهرة بين الملحدين، أن يؤمن في آخر الأمر. فجاء رده بالغ الظرافة: “إذا غيّرتُ معتقدي، فسيكون ذلك لأن موتَ مؤمنٍ أفضل من موت ملحد”.

“بعد أن تم تشخيص إصابة الكاتب كريستوفر هيتشنز بسرطان مميت، تساءل بعض معارفه المتدينين إذا ما كان من الممكن لهذا الملحد، الأكثر مجاهرة بين الملحدين، أن يؤمن في آخر الأمر”

يُقال إن كلمات أوسكار وايلد الأخيرة على فراش الموت كانت: “ورق الجدران وأنا نخوض نزالًا حتى الموت. إما أن يموت هو أو أموت أنا”. ربما تكون هذه القصة أكثر غرابة من أن تُصدَّق. وبالطبع، حين يتعلق الأمر بتصريحات خفيفة الظل على فراش الموت، يكون من الصعب معرفة التوقيت المناسب لقولها. فحتى إن وجد المرء الطاقة ليصوغ قولًا متهكمًا بارعًا، أنّى له أن يعرف الوقت الأفضل لقوله؟ الكاتب والكوميديان، سبايك ميليغان، كان قد تحايل على هذه المشكلة بأن أوصى سلفًا على النقش الذي سيُكتب على قبره: “أخبرتكم أني مريض”. يشكّل ذلك، بالطبع، تحويرًا مبتكرًا عن المحاولات المسرفة في العاطفية التي اخترتموها لشواهد قبوركم العادية.

يرى الوجوديون أننا يجب أن نجد معنى في الحياة لكي نكون قادرين على التعامل مع عبث الشرط البشري. على الرغم مما قد يبدو عليه هذا الرأي، إلا أنه يشكّل في جوهره رؤية تفاؤلية للحياة. إنه يدعونا إلى مقاومة إغراء الخمول، والاحتفاء بإمكانية الإبداع داخل كل منّا. كما أنه يعني أن ليس علينا بالضرورة أن ننشد العزاء في حياة بعد الموت. شكّك نيتشه في مثل تلك المعتقدات التي رأى فيها تجليًّا لما أسماه “إرادة التدمير”. إذ اعتبر أن فكرة النعيم ليست أكثر من “توقٍ للفناء”، و”إيقافٍ لكل جهد”. وكان كوينتن كريسب، أيضًا، معجبًا بهذه الفكرة: “العدم المطلق المتمثل بالموت هو بمثابة نعمة”، يقول كريسب. “شيءٌ نتطلّع إليه”.

لا ريب أن خوفنا من الموت يبدو نتيجة طبيعية لثقافة فردية، ولتسليع الذات الذي تعكسه بقوة وسائل التواصل الاجتماعي. يرى الشخص الأناني الحياة على أنها منتج، والموت على أنه خلل، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن وجودنا لن يكون له قيمة إذا أقرّينا أن العالم بالكاد سيتغير حالما نغادره. تصبح الحياة بلا غاية إذا قضينا كثيرًا من وقتنا ونحن منشغلون بمحطتها الأخيرة؛ قد نخاطر حينها بأن ينتهي بنا الأمر مثل جاك غلاندي في رواية دون ديليلو “ضوضاء بيضاء” (1985)، الذي أصبح مهووسًا بعقار تجريبيّ من شأنه أن يعالج رعبه من الموت. كذلك، إن ثقافة ترى في الموت التابو الأعظم لن تكون بذات عون كبير لنا.

كانت لدى سقراط إجابة بسيطة في هذا الشأن. لقد أعلن، بعد أن أدانته المحكمة، أن ما من شيء مخيف في الموت، إذ لا يمكن أن تتبعه إلا واحدة من نتيجتين: الخلود، أو الاندثار. يفتتح ويليام هازلت مقالته “عن الخوف من الموت” بالنظر في إمكانية أننا سبق وكنا موتى. وكما تقول إضافات حديثة نسبيًا إلى تاريخ البشرية الطويل، فإن بعضنا مشوّش بسبب حالة عدم الوجود السابقة التي كنا فيها. “ليس عندي أي رغبة أن أكون قد عشت قبل مئة عام، أو في عهد الملكة آن”، يقول هازلت، “فلماذا أندم وأشغل تفكيري بأنني لن أكون حيًّا بعد مئة عام من الآن، في عهد لا أعرف من؟”.

إذا كان من الممكن أساسًا هزيمة الخوف من الموت، فسيكون ذلك عبر عملية تأملٍ صادق بدلًا من استحواذ لا نهائي. يزعم كثيرون أن ذلك الخوف يتبدد مع التقدم في العمر، وأنهم يندمون على إضاعة كثير من شبابهم في القلق إزاء ما لا مفرّ منه. قالت لي صديقة مسنّة مثل هذا الكلام يومًا، وزعمت أنها راضية تمامًا بأن تموت، بالنظر إلى غنى تجاربها على مدى تسعة عقود. هازلت شعر بذلك أيضًا. كان الذعر أكثر حضورًا بكثير في أيام شبابه؛ عندما، كما يقول لنا: “بدت الفكرة وحدها قادرة على كبحِ ألف أمل آخذٍ بالتحليق، والإلقاء بثقلها على نبض القلب”. أتذكر أنني كنت مرّة في طفولتي أبكي قرب أمي لأنني لا أريد أن أموت قط، وأذكر أنها واستني يومها بالقول إن الكبار وحدهم ـ أولئك الذين وضعوا في القبر قدمًا مترددة ـ هم من يجب أن تشغل تفكيرهم مثل تلك الأمور. أنا اليوم أكبر سنًّا مما كانت عليه أمي يومها، والمخاوف الطبيعية التي أشعر بها لم تعد لها تلك الحدّة. وربما أجد من المضحك، إذا صمدتُ لبضعة عقود أخرى، أن الموت أزعجني يومًا على الإطلاق. لا يمكن للمرء إلا أن يتمنى.

من الممكن ببساطة ألا تكون هنالك إمكانية واقعية للانتصار على رهاب الموت الفطري فينا. لكنْ طالما أن الهياكل العظمية المرحة في رقصة الموت تتقافز دومًا في إثرنا، فيمكن لنا أن نستمتع بأدائها قدر المستطاع. سيُدفن مصيرنا في ذاكرة الكائنات العابرة الأخرى التي قُدّر لها أيضًا أن تموت وتُنسى. وربما يكون ذلك هو ما يجعل كوميديا الحياة أكثر خصوصيّة.

اخترع أندرو ويل شخصية (Titania McGrath) خيالية على تويتر (telegraph)

*أندرو دويل (1978 ــ …): ولد في مدينة ديري، إيرلندا الشمالية. صحافي، كاتب مسرحي، كوميديان، وساخر سياسي. نال شهادة الدكتوراة في مجال شعر بداية عصر النهضة. له عدة مسرحيات، وعروض كوميدية، منها: “شاملت” (2003)؛ نسخة هزلية عن هاملت الشكسبيري. اخترع شخصية خيالية على تويتر (Titania McGrath)؛ شاعرة تعتقد نفسها أفضل من شكسبير، وكتب عدة كتب باسمها. ورد عنه في صحيفة The Independent: “أندرو دويل واحد من أكثر الكوميديين طرافة، قساوة، وحدة ذكاء”.

رابط النص الأصلي:

/https://standpointmag.co.uk/dont-fear-the-reaper

ترجمة: سارة حبيب.

ضفة ثالثة

————————

كيف نضمن أن لقاحات فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 آمنة؟/ د. أسامة أبو الرُّب

اللقاحات تساعد الجسم على تكوين مناعة ضد الجراثيم لحماية الناس من الأمراض المعدية

كيف لنا أن نضمن أن لقاحات فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” آمنة؟ وما الفرق بين اللقاحات بشكل عام؟ وما مدى فعالية فايزر-بيونتك (Pfizer-BioNTech) وأسترازينيكا-أكسفورد (AstraZeneca-Oxford) لدى كبار السن؟ وماذا نعرف عن “جونسون آند جونسون” (The Johnson & Johnson)؟ هذه الأسئلة وغيرها نجيب عنها بهذا التقرير المفصل، والذي عدنا فيه لآخر التحديثات من منظمة الصحة العالمية، ومصادر أخرى.

هل لقاحات فيروس كورونا المستجد آمنة؟

وفقا للمكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية، مجيبا عن سؤال “لقد أعدت اللقاحات بسرعة غير عادية. فكيف لنا أن نضمن أن اللقاحات، في ضوء إعدادها في هذا الإطار الزمني القصير، ليست فعالة فحسب، بل آمنة أيضا؟” فإن الأمر كان استثنائيا حقا.

وأضاف المكتب الإقليمي في منشور على موقعه الإلكتروني “إننا نستفيد من الخبرات التي اكتسبناها مع أمراض أخرى، مثل إيبولا. وقد سمح ذلك بإعداد هذه اللقاحات وتقييمها تقييما كاملا في التجارب السريرية على نحو أسرع بكثير من ذي قبل”.

وقال إنه كانت تتم التجارب وسط جائحة، وكان كثير من الناس مصابين، مما أتاح فرصا كثيرة لمعرفة هل اللقاح فعال أم لا، وأتاح فرصة لإجراء هذا التقييم بشكل أسرع. ويكمن أحد الأسباب المهمة الأخرى في الاستثمارات التي قدمتها الحكومات والقطاع الخاص لإعداد هذه اللقاحات وإنتاجها.

ما الفروق بين هذه اللقاحات بوجه عام؟

يقول المكتب الإقليمي لشرق المتوسط إن لقاحات كوفيد-19 تختلف في طريقة صنعها. وجميعها تحمي من كوفيد-19، لكنها تعمل بشكل مختلف. فبعضها يستخدم فيروسا كاملا ميتا، وبعضها لا يستخدم سوى أجزاء من الفيروس، وبعضها يستخدم فيروسات أخرى غير ضارة لتكون بمثابة ناقل، مثل حيلة حصان طروادة، وبعضها يستخدم أجزاء من مواد جينية تعطي تعليمات تجعل أجزاء الفيروس تحفز الجهاز المناعي.

وتختلف اللقاحات أيضا في طريقة تخزينها. فبعضها يجب تخزينه في درجات حرارة بالغة الانخفاض. ويتعذر توفير درجات البرودة المطلوبة في كل مكان، فتنشأ عن ذلك عواقب تحدد أين يمكننا استخدام اللقاحات وأين لا يمكننا استخدامها. وتعطى جرعتان من بعض اللقاحات وجرعة واحد من البعض الآخر.

كيف تعمل اللقاحات؟

اللقاحات تساعد الجسم على تكوين مناعة ضد الجراثيم لحماية الناس من الأمراض المعدية. وتعمل عن طريق حقن ما يشبه الجرثومة مما يحفز الجهاز المناعي على الاستجابة بإنتاج أجسام مضادة. وهذا هو ما يحمي الشخص من العدوى في المستقبل إذا أصيب بالجرثومة الحقيقية. هذه هي الطريقة التي تعمل بها لقاحات معظم الأمراض، وهي الطريقة التي تعمل بها لقاحات كوفيد-19.

هل أحتاج لأخذ اللقاح إذا كان قد سبق لي الإصابة بكوفيد-19؟

وفقا للمكتب الإقليمي لشرق المتوسط فإنه “ينبغي أولا أن نسأل: هل أنت متأكد من أنك قد أصبْت بكوفيد-19؟ من الصعب أن تجزم بذلك ما لم تكن قد تأكدت من المرض عن طريق الاختبار. أما الذين سبق أن أصيبوا بكوفيد-19 على وجه التأكيد، فلا توجد أي أسباب لاستبعادهم من التلقيح. وتوصي منظمة الصحة بأنه يمكن للأشخاص المصابين بالفعل بكوفيد-19 الحصول على اللقاح دون أي آثار جانبية أو مشكلة. ولكن نظرا لنقص إمدادات اللقاحات، فمن المنطقي أن تمنح الأولوية للذين لم يصابوا من قبل بكوفيد-19. فالإصابة بكوفيد-19 تعطي مناعة لبضعة أشهر”.

هل تحمينا اللقاحات المعتمدة من تحورات جديدة لفيروس كوفيد-19؟

وفقا للمكتب الإقليمي لشرق المتوسط على موقعه الإلكتروني فإن التحورات الجديدة تمثل تحديا، وقد كان تحور الفيروس متوقعا نظرا لسرعة انتشاره في العالم. ولكن “نستطيع أن نعمل على إيجاد حلول لها. كما أن الأنباء الأولى التي تلقيناها بشأن فعالية اللقاح ضد معظم التحورات مطمئنة في الغالب، ولكن قد يتطور الوضع، وأعيننا مفتوحة دائما لرصد المستجدات”.

وأضاف “سنقوم بـ 3 أمور لمواجهة التحورات. أولا: سنجري دراسات لنفهم المزيد عن مدى فعالية اللقاحات ضد التحورات. وستخبرنا تلك الدراسات هل يلزم اتخاذ مزيد من الإجراءات أم لا. ثانيا: يمكننا العمل على إعطاء الناس مزيدا من جرعات اللقاح، مثل الجرعات المنشطة. ثالثا: يمكننا أيضا العمل على تعديل بعض مستحضرات هذه اللقاحات، كما نفعل مع الإنفلونزا كل عام. وهذا أمر ممكن”.

توضيح صحفي pic.twitter.com/JhUoVokf8l

— وزارة الصحة – الكويت (@KUWAIT_MOH) February 26, 2021

هل فايزر وأسترازينيكا فعالان لدى كبار السن؟

أظهرت بيانات رسمية أمس الاثنين أن لقاحي “فايزر وأسترازينيكا” أثبتا “فعالية عالية” في خفض العدوى بفيروس كورونا وعوارض المرض الشديد لدى كبار السن في بريطانيا، مع تراجع عدد الحالات التي تتطلب النقل إلى المستشفى بأكثر من 80%، وذلك وفقا لتقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

ولدى شريحة الأشخاص فوق 80 عاما، أظهرت جرعة واحدة من أي من اللقاحين فعالية في تجنب العلاج في المستشفى، بعد حوالي 3-4 أسابيع على تلقي الحقنة، بحسب دراسة واقعية لهيئة الصحة العامة لإنجلترا، دأبت على جمع معطيات منذ يناير/كانون الثاني.

ورحب وزير الصحة البريطاني مات هانكوك بالدراسة الجديدة واعتبرها تحمل “أخبارا جيدة للغاية”. وقال “تظهر المعطيات التفصيلية أن الحماية من كوفيد-19 بعد 35 يوما على إعطاء جرعة أولى، هي أفضل بقليل للقاح أكسفورد مقارنة بلقاح فايزر”.

وأضاف “اللقاحان فعالان بدرجة عالية في خفض عدوى كوفيد-19 لدى الأشخاص بسن 70 عاما وما فوق”.

ويقدم لقاح فايزر الحماية من التقاط العدوى بنسبة تتراوح بين 57% و61% بعد إعطاء الجرعة الأولى، ويوفر أسترازينيكا حماية تتراوح بين 60% و73%، بحسب الدراسة.

وقالت ماري رامزي رئيسة برنامج التطعيم في هيئة الصحة العامة بإنجلترا إن هذا “يضاف إلى الأدلة المتزايدة التي تظهر أن اللقاحات تنجح في خفض العدوى وإنقاذ الأرواح”.

وتابعت “من المهم أن نتذكر أن الحماية ليست تامة ولا نعلم بعد قدرة هذه اللقاحات في خفض مخاطر نقل المصاب بكوفيد-19 العدوى إلى آخرين”.

وأعلنت بريطانيا أمس 104 وفيات بالفيروس و5455 حالة إصابة جديدة، أي حوالي نصف العدد المسجل الاثنين الماضي.

وتراجع عدد حالات الدخول إلى وحدات العناية المركزة للأشخاص فوق 80 عاما، إلى ما دون العشرة في الأسبوعين الماضيين، بحسب هانكوك.

وتؤكد الأرقام الأخيرة أهمية تلقي الجميع اللقاح، بحسب جوناثان فان-تام نائب المسؤول الطبي لإنجلترا والذي أضاف “إنها تظهر لنا، وتعطينا مؤشرات أولى، بأنه إذا ما صبرنا وأمهلنا برنامج اللقاح الوقت الكافي ليعطي مفعوله بالكامل، سينقلنا كما نأمل إلى عالم مختلف تماما في الأشهر القليلة القادمة”.

ماذا تعرف عن جونسون آند جونسون؟

من المتوقع أن يصبح لقاح شركة “جونسون آند جونسون” الأميركية، ضد كوفيد-19، رابع لقاح مصرح به في أوروبا، بعد أن يصادق عليه الاتحاد الأوروبي رسميا خلال مارس/آذار الجاري.

وصرحت وزيرة الصناعة الفرنسية أنييس بانييه روناشير في حوار على قناة “فرانس 3” أن الاتحاد الأوروبي سيعطي الضوء الأخضر للقاح “جونسون آند جونسون” أوائل مارس/آذار، موضحة أن وكالة الأدوية الأوروبية تقوم حاليا بتقييم المعلومات التي قدمتها الشركة الأميركية قبل تسويق اللقاح، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.

وأضافت الوزيرة الفرنسية أنه “من المقرر أن تصل الجرعات الأولى نهاية مارس/آذار أو بداية أبريل/ نيسان، حسب المواعيد النهائية للإنتاج” وهذا الأمر “لا يزال قيد النقاش مع المختبر”.

ومنحت الولايات المتحدة تفويضا طارئا لاستخدام لقاح “جونسون آند جونسون” على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما. كما أن جنوب إفريقيا، التي داهمتها إحدى السلالات المتحورة، بدأت باستخدام هذا اللقاح بالفعل.

ويعمل “جونسون آند جونسون” تماما مثل “أسترازينيكا” حيث يتم حقن الجسم بفيروس إنفلونزا عادي منخفض الخطورة يحمل الشفرة الوراثية لفيروس كورونا المستجد، وبالتالي يساعد الجسم على التعرف على خصائص فيروس كورونا وتدريب جهاز المناعة على مقاومته في حال الإصابة به.

ويعتبر “جونسون آند جونسون” أنه اللقاح الوحيد ذو الجرعة الواحدة حتى الآن من بين لقاحات كوفيد-19، لكن هذه الميزة مازالت غير مؤكدة عمليا حسب الصحيفة الفرنسية.

وقد أوضح آلان فيشر رئيس المجلس التوجيهي لإستراتيجية اللقاح في فرنسا، في تصريح له أن “السؤال الذي يطرح نفسه هو، إذا أعطينا جرعة واحدة فقط، فما هي مدة الحماية. نريد أن تكون هناك مناعة، لكننا نريدها أن تتواصل بعد 6 أشهر”.

وتفيد المعطيات الحالية أن فاعلية لقاح “جونسون آند جونسون” ذي الجرعة الواحدة تمتد 3 أشهر على الأقل، في وقت تجرى حاليا دراسة سريرية لفحص فاعلية التطعيم بالجرعة الثانية من اللقاح.

ما مدى فاعلية لقاح “جونسون”؟

وفقا للبيانات التي أرسلتها الشركة الأميركية إلى الوكالات المعنية، يعتبر لقاح “جونسون آند جونسون” فعالا بنسبة 66% ضد جميع أشكال كوفيد-19.

وتعتبر هذه النسبة منخفضة مقارنة بلقاح “فايزر” الفعال بنسبة 95%، ولقاح شركة مودرنا (moderna) الفعال بنسبة 94%، مقابل 70% للقاح أسترازينيكا.

لكن فعاليته ضد الأشكال الحادة من كوفيد-19 تصل إلى 85%، وهي نسبة قريبة من اللقاحات الأكثر كفاءة، أي فايزر ومودرنا و”سبوتنيك في” (Sputnik V) الروسي.

كما أثبت اللقاح فعاليته بنسبة 81% في جنوب أفريقيا التي ظهرت فيها إحدى السلالات المتحورة.

المصدر : الجزيرة + الفرنسية + لوفيغارو + مواقع إلكترونية

—————————-

https://arabic.cnn.com/health/video/2021/03/02/v102687-biontech-ceo-intv-covid-vaccine-pleitgen

————————

================

تحديث 10 أذار 2021

——————–

كورونا: تفصيلٌ صغيرٌ في يوميات السوريين/ صافي خطار

على الرغم من التقارير والأخبار اليومية عن فيروس كورونا وانعكاساته المباشرة على حياة كل البشر، لازال هناك الكثير من الأسئلة العالقة دون إجاباتٍ حتى هذه اللحظة، ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بالوقت اللازم للخلاص من هذا المرض والسيطرة عليه فهل سيبقى بيننا للأبد كما فيروس الرشح مثلاً أم أنه سيختفي بعد فترة ؟ كذلك الأسئلة الكثيرة التي رافقت الإعلان عن إيجاد لقاح للفيروس سواءٌ بما يتعلق بفاعلية اللقاح أو آثاره الجانبية أو ما يشاع حوله من نظريات المؤامرة المنتشرة، وغيرها الكثير من الأسئلة المفتوحة التي حولت المرض من حالة طارئة ومؤقتة إلى واقع قائم ودائم. ومن هنا فإنّ العلاقة ما بين الإنسان والمرض أخذت شكلاً أكثر وضوحاً وواقعيةً إذ أصبح التعامل مع الفيروس مواجهةً لا تخلو من أبعاد وجودية وفلسفية سواء من ناحية فهم المرض والتعامل معه أو من ناحية ما حمله من تغييراتٍ جذرية في علاقات البشر ونظم حياتهم الموجودة وأنماط عملهم وما نتج عن ذلك من ضرورة إيجاد لغة ومفاهيم جديدة تعبر بنا إلى ما بعد الفيروس كخطوة ربما تكون الأهم لنا كبشر لنرى الحياة على هذا الكوكب من زاوية جديدة. وربما يصحُ القول “أنّ ما قبل كورنا ليس كما بعده أبداً”، ليس لأن هناك أشياء جديدة فحسب بل لأن الجائحة قد وضعت كل الأسئلة المؤجلة في الواجهة وبات هناك اليوم الكثير من الوقت للتأمل والتفكير فيها، بدءاً من كيفية التعامل مع المرض والنتائج الكارثية التي خلفها في كل نواحي الحياة ووصولاً لإعادة النظر بالسياسات التي تتبعها الدول وشروط الأولوية فيها، ما دفع الكثيرين لاعتبار أن جائحة كورونا قد تكون بداية التغيير نحو نظام عالمي جديد.

ومن الصحيح القول أيضاً أنّ كل ما سبق قد لا يعني للسوريين شيئاً، فكورونا ليس سوى مجرد تفصيلٍ صغيرٍ في واقعٍ معيشيٍ يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. خلال دوامها اليومي تضطر سلمى (40عاماً، موظفة في قطاعٍ حكومي) أن ترتدي الكمامة لتعبرَ فقط من الباب الرئيسي، وتخبرنا بأنه “ممنوع الدخول إلى العمل بدون لبس الكمامة، فالحراس على الباب الرئيسي يجبرون الموظفين والمراجعين أن يرتدوا الكمامة عند الدخول، ليس قناعةً منهم بضرورة ذلك ولكن لأن الباب مراقب بكاميرات موصولة بمكتب المدير العام والتعليمات صارمة حيال ذلك حيث وُضعت في كل مكان من العمل. لكنّ المضحك والمزعج أيضاً في الموضوع أنّ الجميع حال دخولهم من الباب وعبور الكاميرات يخلعون الكمامات ويدسونها في جيوبهم ضاربين بعرض الحائط كل التعليمات الصحية بضرورة التباعد ولبس الكمامات والتعقيم وكذلك الأمر بالنسبة للمراجعين أيضاً. إضافة لذلك يوجد بسطة على الشارع بالقرب من الباب الرئيسي تبيع الكمامات لمن نسي أن يحضر كمامته بمختلف أشكالها وألوانها، كمامات جديدة وحتى مستعملة أيضاً، والطريف بالقصة أنّ البسطة ذاتها التي تبيع المراجعين تعود وتشتري الكمامة منهم بنصف ثمنها إذا أرادوا أن يبيعوها عند خروجهم”.

وتضيف سلمى “في مشهدٍ يبعث على الحزن والأسف أيضاً طلبت معلمة ابنتي من الطلاب في الصف الثالث الابتدائي أن يرسموا لوحاتٍ تعبر عن كورونا للمشاركة في مسابقة حول ذلك، في الوقت التي تكتظ فيه قاعات التدريس والصفوف بأكثر من أربعين طالباً يجلسون كل ثلاثة منهم في مقعد وكما الحال في دوائر الدولة كذلك في المدارس وبين الطلاب، فالهدف الأساسي من الالتزام بالقواعد هو الخوف من العقوبة وتجنبها فقط، فالمهم أن يقف الطلاب في الاجتماع الصباحي في الأماكن المخصصة لكل واحد منهم والتي رسمت بعناية على أرضية الباحة بالإضافة لارتداء الكمامة أمام المدرسين والإدارة”.

إلى جانب الاستهتار بقواعد التباعد الاجتماعي وطرق الوقاية من جهة، والعجز بسبب الفقر وحاجة ملايين السوريين للعمل اليومي من جهة أخرى، فإنّ البيانات التي تنشرها وزارة الصحة السورية والتي تقوم بتحديثها دورياً، تعوزها الشفافية والدقة، خاصةً وأنّ العديد من المصابين لا يمتلكون تكاليف الفحص وبالتالي فإنهم غير ممثلين بالإحصاءات، ولا سبيل للتحقق من أسباب الوفاة والتي وصلت إلى 929  حالة وفاة فقط بسبب الكورونا بحسب الإحصاءات الرسمية

ويدور الحديث اليوم عن مشاوراتٍ ومراسلاتٍ تجريها الحكومة السورية لجلب لقاحات كورنا لكن حتى الآن بقي اللقاح مجهول المصدر في الوقت الذي يرجح فيه اللقاح الصيني أو الروسي مع استبعاد الأمريكي، ولم يُعرف حتى اليوم فيما إذا كانت الحكومة ستدفع ثمن اللقاحات أو ستأخذها كمساعداتٍ من الدول الداعمة. لكن ما فتح أبواب الإشاعات بين عامة الناس تلك التسريبات عن عدد اللقاحات التي ممكن أن تصل إلى سوريا والتي يُرجح أنها بحدود المليوني لقاح، وهنا بدأت التكهنات والتعليقات حول الموضوع فبرأي محمد (بائع أحذية، 38 عاماً)”سيفتح اللقاح باباً جديداً للفساد والربح، يُضاف إلى القائمة الطويلة في البلد وسنرى الكثير من المحسوبية في توزيع اللقاح، بحيث لن يتم إعطاؤه حسب الأولويات الطبية بل لمن يدفع أكثر أو ممن لديه معارف وأصدقاء يدعمونه”

يضرب محمد مثالاً يؤكد رأيه عن حادثة جرت معه في مستشفى البيروني بدمشق أثناء مرافقته لوالده لأخذ جرعة الدواء الكيماوي كونه مصاباً بسرطان الأمعاء. يقول محمد “سمعت الممرضات في المشفى يتكلمون نقلاً عن أحد الأطباء المشهورين قوله بأنّ هناك احتمالاً بأن يُستثنى مرضى السرطان من أخذ اللقاح بحجة أنّ الكميات محدودة ولا أمل كبير لديهم في الشفاء بحيث تبقى الأولوية للأصحاء، ما دفعني لمقاطعة الممرضات بغضبٍ كبيرٍ، فسواء كان الكلام صحيحاً أو مجرد إشاعة فالمنطق المبني عليه بشع للغاية ولا يمكن تحمل طرحه أو الحديث فيه لما فيه من فوقية واستعلاء وتجني أيضاً، علماً أن مرضى السرطان هم أحوج الناس للقاح كونهم مصنفين ضمن الفئات الأعلى خطورة في شدة الإصابة إذا ما حدثت وقد تؤدي بنسب كبيرة إلى وفاتهم”.

 يبقى إنكار كورونا المشكلة الأكبر حتى الآن، فعلى الرغم من مضي عامِ على تفشي الوباء في كل مكان والوفيات الكثيرة التي سببها، لا يزال قسمٌ كبيرٌ يعتبرون الأمر “مجرد إشاعات وأوهام ليس أكثر وأنّ ما يجري هي مؤامرة عالمية لبسط السيطرة والنفوذ والتأثير في الاقتصاد والسياسة وتكريس هيمنة الدول الرأسمالية على العالم” على حدّ تعبير سامر ( موظف سائق في شركة خاصة، 46 عاماً) فهو مقتنع بما يقول ويؤكد بأنّ الكثير من الوفيات لأشخاص يعرفهم سجلت بسبب كورونا بينما الحقيقة أنها حدثت بسبب مرضٍ آخر، لذا فهو لن يقبل بأخذ اللقاح أبداً.

نتيجةً لذلك فقد علت الكثير من الأصوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بجعل اللقاح إلزامياً على الجميع وتوفيره مجاناً وإلا فلا نفع من أي إجراءاتٍ للتغلب على المرض.

ومن جهةٍ أخرى يُحاول السوريون التعايش مع حالة المرض واعتباره من “أهل البيت” بحسب رأي سعيد (صاحب دكان صغير، 56 عاماً) حيث يرصد من أمام دكانه ما يحمله له الشارع من قصصٍ وحكاياتٍ، ومن تلك القصص يقول سعيد “أمام المحل هناك سيارتا أجرة تنتظران الزبائن وقد خرج السائقان من داخل سيارتهما متفحصين وجوه المارة، وإذ بفتاتين تفتحان باب إحدى السيارتين وتهمان بالصعود، فما كان من السائق الآخر إلا أن صاح  مازحاً بالفتاتين إياكما الصعود إلى السيارة لأنّ زميله مصاب بكورونا، ما جعل الصبيتين تصدقان الأمر في البداية وتتراجعان قبل أن ينفجر السائق ضاحكاً ساخراً من صديقه”.

وعن حادثةٍ أخرى يتابع سعيد سرد قصصه “بعض الباعة القريبين مني استغلوا هلع الناس بالمرض، فأصحاب محلات الألبسة وضعوا عروضاً وهدايا لكل من يشتري وهي عبارة عن جوز قفازات وكمامة بالإضافة لوضع علبة معقم كبيرة بمدخل المحلل لتعقيم أيدي الزبائن، ووصل الأمر لوضع إعلانات مكتوبة على الواجهة تحت عنوان (تنزيلات كورونا، أو عروض كورونا)، بينما بائع بسطة الخضرة القريب يصيح بأعلى صوته (ليمون وبرتقال للكورونا، قرب يا حباب على فيتامين سي) “

أخيراً يبدو أن كورونا قد أصبح حقاً من أهل البيت، فلم تعد الإرشادات الطبية بالتباعد والتعقيم والكمامات هي وحدها من يحدد كيفية التعامل مع الجائحة بل أصبح للناس طرقهم في التأقلم مع المرض واستيعابه ومجاراة مستجداته، لذا فلا عجب أن نرى بعض الأشخاص وقد ارتدوا الكمامات في يوم وخلعوها في يوم آخر أو عانقوا وصافحوا في مكانٍ وامتنعوا في آخر وكأنّ الكورونا تأتي وتذهب على هواهم، يبقى القول في النهاية أن ما حملته هذه الجائحة من تغيرات ربما لن يبقى محصوراً بما نعرفه اليوم بل قد يتعدى ذلك إلى مفاصل جديدة في قادم الأيام.

About the Author: Safi Khattar  

صافي خطار

——————————–

شهادات أطباء متضاربة حول أداء المستشفيات خلال جائحة كوفيد-١٩/ الحسناء عدره

في منتصف شهر آذار/2020 أعلنت وزارة الصحة السورية عن  أول حالة إصابة بفيروس كوفيد 19، تعود لشخص قادم من خارج البلاد، وسط إجراءات صارمة للوقاية من انتشار الفيروس المستجد. هذه الإجراءات هي ذاتها أصبحت موضع شك وقلة ثقة تحكمان الشارع السوري، خاصة في ظل بلاد خرجت للتو من حرب امتدت لـ 9 سنوات، خلفت وراءها رضوضاً في الجسم الطبي واستنزفت طاقته، بدءاً من هجرة العديد من الكفاءات الطبية وصولاً إلى تدمير الكثير من المشافي والمستوصفات والبنى التحتية، لتأتي بعدها العقوبات الأمريكية لتشد الخناق على عنق الاقتصاد السوري مما حال دون استيراد جملة من الأدوية والمواد الخام الداخلة في الصناعات الدوائية.

هناك شبه إجماع لدى السوريين على عدم كفاءة وجاهزية المستشفيات العامة للتعاطي مع فيروس كورونا. وفي هذا الإطار قمتُ باجراء لقاءات مع عدة أطباء تحدثوا بشكل متضارب حول إجراءات التعقيم ونقص الأدوية والأطباء ومستوى الجاهزية وفق مشاهداتهم اليومية خلال فترة الجائحة. وتقول سهيل (طبيبة ـ 28 عاما ) التي فضلت عدم الكشف عن اسم المشفى الحكومي الذي تعمل فيه: “في بداية الجائحة كان الاهتمام ملحوظاً ومكثفاً، إذ كانت المستشفى تخضع للتعقيم اليومي والمستمر كل أربع ساعات، وجميع الأطباء والممرضين كانوا متحمسين ويلتزمون بالكمامات والقفازات مع تبديلها باستمرار، كما كان يمنع على المرضى الدخول بدون وضع الكمامة”. غير أن هذا الاهتمام خف تدريجياً نتيجة إصابة الأطباء والمرضى معاً بالملل وفقدان الحماس وسلموا أمرهم للعناية الإلهية، بالإضافة الى ترديدهم الجملة المعتادة: “لقد أصبنا بالفيروس ونجونا منه، لدينا مناعة لأشهر عديدة”، وفقاً لكلام الطبيبة.

تشير الطبيبة إلى مرور المستشفى بفترة من الفترات بمرحلة نقص في أعداد الكمامات، ما دفع الأطباء إلى شرائها على نفقتهم الخاصة، إذ تقول: “واجهت المستشفى نقصاً حاداً بكمامات نوع N95 كما كان يتم احتكارها من قبل الإداريين الذين هم أقل احتكاكاً مع المرضى، فيما وزعت الكمامات نوع 95 الأقل حماية على الأطباء ويسمح لنا بواحدة فقط مع أنه يتوجب علينا تبديلها كل 4 ساعات، وعندما اعترضنا على ذلك، كانوا يجيبون أن السبب هو وجود طلب كبير على الكمامات يقابلها عراقيل باستلام الكمامات جراء العقوبات الاقتصادية على البلاد”. أضافت أنها مرة  سمعت إدارة المستشفى تقدم النصح بالمواظبة على الكمامات العادية والاكتفاء بها حالياً، لتستخدم الكمامات الأعلى حماية عند ذروة الجائحة والحالات الطارئة، وذلك حسب كلامها.

ولا تنكر سهيل وجود تعقيم على الدوام في المستشفى التي تعمل فيها، حيث يتم تغيير ملاءات السرير وتنظيف أعمدته وذلك عقب تخريج  كل مريض(كورونا)، إلى جانب رمي كل الأدوات التي استعملها في القمامة. أما متابعة حالة المريض من قبل الأطباء فهذا أمر “نسبي”، إذ تقول: “هناك أطباء أنانيون كانوا يخشون على أنفسهم التقاط العدوى متجنبين الاحتكاك الكثير بالمصاب، فيكتفون بالاطمئنان عليه مرة واحدة يومياً، إلا إذا ساءت حالته، بالمقابل، يوجد أطباء يطمئنون على المريض كل ساعتين ومتأهبين طوال 24 ساعة”.

عانت معظم المستشفيات الحكومية لبرهة من الزمن من نقص في أدوية الالتهاب وفيتامين سي ودال الضروريين لرفع مناعة الجسم والكمامات والشاس المعقم وسيرومات (مَصل) طبية، إلى جانب أسطوانات أكسجين بمأخذين للهواء.

تتحدث نهاد عن تجربتها كطبيبة في مواجهة فيروس “كورونا” في مستشفى عام رفضتأيضاً الكشف عن اسمها، حيث تبدأ الشابة بالكوادر الطبية والضغط الشديد عليها، لاسيما في فترات الذروة التي شهدتها سوريا، وتقول: “في شهر 12 عام 2020، كانت الموجة الثالثةقد بدأت، فكنتُ وثلاثة أطباء في قسم العزل نواجه مشقات كبيرة من ناحية ارتفاع عدد المرضى مقابل عدد الأطباء، حيث كان لكل طبيب 5 مرضى وأكثر يتولى الإشراف عليهم، وهذا ضغط كبير علينا”، لافتة إلى قيام المستشفى في كثير من الأحيان باستدعاء أطباء من أقسام أخرى لتفادي حصول نقص في قسم عزل مرضى كورونا.

تحدي آخر واجه المستشفى عموماً، والطبيبة خاصة، هو التدهور المفاجئ لحالة المريض، ما يتطلب مهارة عالية في “التنبيب” وهو إجراء يتطلب مهارة عالية يتم من خلاله تأمين مجرى هوائي عبر إدخال أنبوب من الحنجرة إلى رئة المريض قبل وضعه واختيار إعدادات جهاز التنفس الاصطناعي المناسبة له، وتتابع حديثها: “أمر مرعب بالنسبة لنا كأطباء مواجهةمرض جديد ومجهول ومتحول، لا نعرف عنه شيئاً، خاصة في بلد كسورية ينتمي للبلدان النامية والتي خرجت  منهكة من حرب طويلة، فاختيار الإعدادات المناسبة وفقاً لحالة كل مريض ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى خبرة ودقة عاليتين”.

“لقد أصبنا بالفيروس ولا داعي للتعقيم الشديد”، هذا هو المبدأ السائد لدى العديد من الأطباء في غالبية المستشفيات الحكومية وربما الخاصة أيضاً، وتقول الطبيبة جورجيت التي تعمل في إحداها متحفظة عن ذكر الاسم: “انطلاقاً من أن الجسم البشري أصيب بالعدوى، ويحتوي على أجسام مضادة تحميه لأشهر قادمة، فلا ضرورة للمغالاة في إجراءات التعقيم بالرغم من توفرها، هذا هو ما يفكر به العديد من الأطباء هنا”. وعن وضع التعقيم في المستشفى، تجيب الطبيبة بأنه: “سابقاً كانت الاجراءات صارمة وتتسم بالالتزام، لكنها الآن أصبحت عادية، لا تليق بوضع وبائي، كأننا في أيام طبيعية، وأصبح يُسمح بزيارة المصابين في قسم العزل والاختلاط معهم في الآونة الأخيرة”.

هذا الواقع  الخدمي الطبي ليس معمماً بالضرورة، بل مازال شديد الصرامة لغاية الآن بالرغم من مرور عام على انتشار فيروس “كورونا”، إذ ينفي الطبيب باسل حصول إهمال وتقصير في المستشفى الذي يعمل فيه يومياً ويقول عن تجربته: “مازالت إدارة المستشفى تعاقب الكادر الطبي من غير الملتزمين بأساليب الوقاية، ويمنع منعا باتاً على الأطباء ممن يدخلون قسم العزل الاحتكاك مع زملائهم وعليهم التقيد بكافة وسائل التعقيم وعدم السماح للمصابين بمخالطة ذويهم وأقربائهم قبل شفائهم كلياً”.

About the Author: Alhasna Adra

الحسناء عدره صحفية سورية مقيمة في دمشق

———————————-

مسؤولية 10 دول تحتكر اللقاحات!/ عثمان ميرغني

مع مرور عام على الإجراءات المشددة التي فرضت حول العالم لمواجهة جائحة «كورونا»، بدأت بعض الدول تعلن أنها باشرت أو ستباشر خلال الأيام والأسابيع المقبلة خطوات لإرخاء القيود وإعادة الحياة إلى شيء من طبيعتها. هذا الرفع المتدرج للقيود يعود إلى أن هذه الدول قطعت شوطاً مقدراً في عمليات تطعيم مواطنيها. الولايات المتحدة على سبيل المثال أعلنت هذا الأسبوع أن الأشخاص الذين تلقوا اللقاح يمكنهم اللقاء في مجموعات صغيرة داخل البيوت من دون كمامات أو تباعد، كما يمكنهم أيضاً زيارة أو استقبال أشخاص آخرين لم يتلقوا اللقاح شريطة أن يكونوا من عائلة واحدة وألا يكون بينهم من هو مصنف ضمن الفئات الأكثر عرضة للإصابة بأمراض. ولن يحتاج الأشخاص المطعمون إلى الحجْر الصحي أو الخضوع لفحص إذا احتكوا بشخص مصاب طالما أنهم دون أعراض.

بريطانيا من جانبها أعلنت خريطة طريق لرفع القيود تدريجياً بدأت مع إعادة فتح المدارس هذا الأسبوع، وتتواصل بالسماح بفتح المتاجر غير الأساسية وصالونات الحلاقة والمتاحف في 12 أبريل (نيسان) المقبل، ثم السماح بفتح الملاعب والفنادق ودور السينما في 17 مايو (أيار) وصولاً إلى رفع قيود المخالطة الاجتماعية بشكل كامل تقريباً في يونيو (حزيران) المقبل.

الواقع أن عدد الدول التي أعلنت بدء رفع القيود ما يزال محدوداً، في الوقت الذي يستمر فيه فيروس «كورونا» ينهش في العديد من المجتمعات وتبقى نسبة الوفيات عالية. الجائحة ربما وحدت العالم في بادئ الأمر لأنها لم تفرق بين دول غنية أو فقيرة، شمالا أو جنوبا، لكن اللقاحات أعادت الانقسام مرة أخرى، وذكرتنا بحجم الفجوة الهائلة بين أغنياء العالم وفقرائه، وأن الموارد والمعرفة هي التي تحدد في نهاية المطاف رفاهية الدول وصحة مواطنيها ورخاءهم. فاستناداً إلى منظمة الصحة العالمية فإن أكثر من 75 في المائة من اللقاحات التي وزعت حتى الآن ذهبت إلى 10 دول فقط من الدول الغنية التي تمثل ما يقرب من 60 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، بينما توجد 130 دولة لم تحصل على أي جرعة أو حصلت على كميات ضئيلة للغاية لا تكفي حتى لتطعيم العاملين في القطاع الصحي أو المرضى وكبار السن الأكثر عرضة لخطر الوفاة إذا أصيبوا بـ«كوفيد – 19». كل ما قيل في السابق عن الالتزام بتوزيع عادل للقاحات ضمن مبادرات عالمية، مثل مبادرة «كوفاكس» التي ترعاها منظمة الصحة العالمية، تحول إلى شعارات جوفاء مع السباق المحموم الذي اندلع بين الدول الغنية للاستحواذ على كل الكميات المحدودة المتوفرة من اللقاحات. وأدى الأمر إلى توترات حتى بين الحلفاء الذين تسابقوا للتعاقد مع شركات الأدوية الكبرى قبل أن تكتمل كل مراحل تجاربها الدوائية، ومارسوا سياسة دفتر الشيكات أو الضغوط للحصول على أكبر كميات من الإمدادات الأولى التي تنتجها المصانع.

بريطانيا سارعت لتكون أول دولة في العالم تجيز لقاحاً في ديسمبر (كانون الأول) عندما منحت الترخيص للقاح فايزر – بايونتيك حتى تضمن الحصول على الكميات الأولى وتسرّع وتيرة تطعيم مواطنيها. وبسبب التنافس اندلع توتر بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي التي اتهمت شركة أسترازينيكا بعدم الوفاء بالتزاماتها وتأخير الكميات المتعاقد عليها مع دول الاتحاد بينما تعطي أفضلية للندن في تسليم اللقاح.

نتيجة هذا السباق وتكدس معظم اللقاحات المنتجة في دول قليلة، فقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة ستكون لديها كميات كافية لتطعيم كل الأميركيين البالغين بنهاية مايو (أيار) المقبل، أي قبل شهرين من الموعد الذي كان قد توقعه سابقاً. وكشف أن إدارته قامت بخطوات لمساعدة شركة «جونسون أند جونسون» على تسريع عجلة إنتاج لقاحها، بمقتضى «قانون الإنتاج الدفاعي» لتسهيل حصولها على بعض الإمدادات الضرورية ومدها بخبراء من وزارة الدفاع للمشاركة في مراقبة عمليات الإمداد. كذلك أشرفت الإدارة على التوصل إلى صفقة بين «جونسون أند جونسون» وشركة دوائية أميركية منافسة هي «ميريك»، بحيث تساعد هذه الأخيرة في إنتاج لقاح «جونسون» في مصانعها بهدف زيادة الكميات المنتجة.

بهذه الوتيرة سيكون لدى أميركا فائض كبير من اللقاحات حتى بعد أن تطعم كل مواطنيها البالغين. فإدارة بايدن تعاقدت على شراء 600 مليون جرعة من لقاحي «فايزر» و«موديرنا» تتوقع أن يكتمل تسليمها بحلول يوليو (تموز) المقبل، كما ستتسلم نحو 87 مليون جرعة من لقاح «جونسون أند جونسون»، ما يعني أنه سيكون لديها أكثر بكثير من احتياجاتها المباشرة. فماذا سيحدث حينها؟

حتى لو خزنت الإدارة الأميركية كمية محدودة للطوارئ فإنها ستقوم في نهاية المطاف بالتصرف في الفائض بالبيع أو التبرع للدول الأخرى المحتاجة لأن صلاحية اللقاحات محدودة زمنياً. وقد أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض بالفعل أن الولايات المتحدة بعد أن تنجز تطعيم مواطنيها ستنظر في كيفية التصرف في الكميات المتبقية لأنها تدرك أهمية تطعيم كل الناس حول العالم. فالعلماء يشددون على أنه لا أمان لأي بلد إذا لم يتم كبح جماح «كورونا» في العالم كله. وإذا كانت هناك من حاجة إلى تذكير فإن الفيروس المتحور في البرازيل دق ناقوس الخطر منبهاً إلى أنه كلما بقيت «كورونا» منتشرة، زادت فرص ظهور سلالات أشد خطراً. فبعد سلالتي بريطانيا وجنوب أفريقيا القادرتين على الانتشار بشكل أسرع، ظهرت السلالة البرازيلية التي ذكر أنها تصيب حتى الناس الذين سبق أن أصيبوا وتعافوا وأصبحت لديهم مناعة، أو هكذا كان يفترض.

قد يكون مفهوماً أن كل دولة سوف تستخدم مواردها وإمكاناتها لتطعيم مواطنيها أولاً قبل أن تفكر في الآخرين، لكن سيكون خطأ كارثياً لو أن الدول القادرة ظنت أنها تستطيع استئناف حياتها وتحريك اقتصاداتها، وتباطأت في مساعدة بقية العالم للحصول على اللقاحات بأسعار متدنية أو ضمن برامج المساعدات الدولية أو الثنائية. فما دام الفيروس موجوداً في أي مكان فإنه يبقى قادراً على التحور والانتقال من مكان إلى آخر، في عالم مترابط ومتشابك بفعل وسائل التنقل وحركة البشر والسلع. وإضافة إلى الخطر الصحي، فإن عدم تطعيم بقية دول العالم سيعني أن إعادة إنعاش الاقتصاد لن تتحقق بالشكل المرجو. وقد أشارت دراسة أصدرتها غرفة التجارة العالمية إلى أن عدم تطعيم دول العالم الفقيرة، وهي الغالبية، سيحرم الدول الغنية من نحو أربعة تريليونات ونصف التريليون من عائدات النشاط الاقتصادي والتجاري.

بعض التوقعات تقول إن الدول النامية والأكثر فقراً قد لا تحصل على كل احتياجاتها من اللقاحات قبل منتصف عام 2023. وهذه مصيبة لأن التأخير سيكلف العالم كثيراً. الأمل أن تأخذ بعض الدول القادرة زمام المبادرة وتقود تحركاً دولياً لدعم مبادرة «كوفاكس» لتسريع وصول اللقاحات إلى فقراء العالم، وهذا لن يتحقق بالدعم المالي وحده، بل بالضغط على الشركات المنتجة لكي توسع دائرة الإنتاج بتحالفات دوائية على غرار ما فعلته إدارة بايدن مع شركتي «جونسون أند جونسون» و«ميريك». أبعد من ذلك فإن جائحة «كورونا» أعادت التذكير بأهمية إنشاء آلية دولية لمواجهة الفيروسات التي يتعاظم خطرها مع الترابط وسرعة التنقل… ومع اتساع الهوة بين أغنياء العالم وفقرائه.

الشرق الأوسط

—————————————

=========================

تحديث 12 أذار 2021

————————-

كورونا الأسد والحل الإلهي/ بشير البكر

بشار الأسد وزوجته أسماء مصابان بفيروس كورونا، وقرّرا أن يحجرا نفسيهما أسبوعين. ووسط تضارب ردود الفعل، جاء بيان من الرئاسة الروسية يأمل “أن لا يشتد مرض كورونا على الرئيس الأسد وزوجته”، بينما غلب على الأوساط السورية، في الموقع الآخر، التشكيك في النبأ والتعامل معه باستخفاف شديد، وجرى النظر إلى قضية المرض على أنها لعبة سياسية تهدف إلى تقطيع الوقت، قبل أن يتقدّم الأسد للانتخابات الرئاسية المزمع أن تجري في يونيو/ حزيران المقبل. ويرى أصحاب هذا الرأي أن النقمة تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة بقوة، بسبب تدهور الوضع المعيشي في مناطق سيطرة النظام، والذي بلغ مستوياتٍ عاليةً في الرداءة، حتى أن الأسد ذاته طلب أن تتوقف القنوات التلفزية عن بث برامج الطبخ “لكي لا تزعج السوريين بصور طعام بعيدة المنال”. واستدعى رد الفعل هذا من صحيفة نيويورك تايمز وصف الرئيس السوري بالقائد “المنفصل عن شعبه”، قائلة إنه ظل متمسكا “بالتفاهات التي يتميز بها خطابه”.

استطاع بشار الأسد أن يصمد عشر سنوات في وجه ثورة شعبية عارمة، كادت أن تطيح حكمه في عام 2015، لكن روسيا تدخلت عسكريا لإنقاذه. وقبل ذلك، لم يكن في وسعه مواجهة الحراك السلمي الذي بدأ في منتصف مارس/ آذار 2011 من دمشق، لو لم تقف إيران بكل ثقلها إلى جانبه، وكاد أن يُسقط حكمه أكثر من مرّة، إلا أن طهران كانت في نجدته، وهي التي وضعت له خريطة الطريق منذ الأيام الأولى للثورة، بما في ذلك خيار اللجوء إلى القوة لمواجهة المظاهرات السلمية، وهناك أكثر من شهادةٍ تؤكد أن إيران جرّبت في سورية الأساليب التي اعتمدتها في قمع الثورة الخضراء عام 2009. ومن ثم تولى الحرس الثوري، بإشراف قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مهمات القتال داخل سورية، عن طريق حزب الله ومليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية.

وكلما تقدم الزمن، يبدو بقاء الأسد ضرورة لكل من روسيا وإيران. والمسألة تتعلق بالاستثمار الكبير الذي وظّفه البلدان من أجل استمراره في الحكم، وليست هناك مؤشّرات إلى أنهما سوف يتخليان عن النظام قبل استرداد ما صرفاه، وأكد ذلك الأسبوع الماضي أمين عام مجمع تشخيص النظام في إيران، محسن رضائي، الذي قال، في حديث مع صحيفة فايننشال تايمز “سوف نستعيد كل دولار أنفقناه في سورية والعراق”. وهذا ما يفسّر عدم اكتراث موسكو وطهران بغير ما يحفظ لنظام الأسد الاستمرارية، ولا تبدوان معنيتين بتدهور الأوضاع المعيشية للشعب السوري تحت سلطة النظام ولا بالانهيار الاقتصادي، ومن ذلك قيمة الليرة أمام الدولار، والتي تجاوزت أربعة آلاف للدولار الواحد، وبات مرتب الموظف الحكومي قرابة 20 دولارا، وموظف القطاع الخاص نحو 50 دولارا. وأفادت أرقام الأمم المتحدة بأن أكثر من 13 مليون سوري بحاجةٍ إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من 12 مليون شخص داخل سورية يكافحون لإيجاد طعامٍ يسدّ رمقهم كل يوم، وفق برنامج الأغذية العالمي، و60% من الأطفال يواجهون الجوع، بحسب منظمة “أنقذوا الأطفال”.

من دون شك، هناك من يأمل بنهاية إلهية للأسد، وأن يقبض كورونا روحه، عسى أن يفتح ذلك بابا لنهاية المأساة السورية بعد عشر سنوات، تبدو فيها الحصيلة فادحةً على جميع السوريين، باستثناء فئة محدودة من الذين يعيشون على الحرب والخراب. وربما يفتح رحيل الأسد طريق الحل، ولكن الفاتورة كبيرة، وتؤكد كل التقديرات على أن عودة سورية إلى وضع الدولة المستقلة ليس في المدى المنظور، فهي مثقلة بالديون الروسية والإيرانية، ومقسّمة إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها جيوش أجنبية.

العربي الجديد

——————–

عن كورونا والسيادة المتأصلة/ خالد وليد محمود

في وقتٍ كانت فيه سيادة الدولة الوطنية وتراجعها على مدار ثلاث عشريات من السنين محلّ تساؤل، خصوصا بعد الزيادة المستمرّة لمطالب التدخل الخارجي من النظام العالمي واقتصاد السوق الحر؛ يأتي وباء كورونا المستجد لإبراز مفهوم السيادة في واحدةٍ من أكثر لحظاتها وضوحا للقرارات والإجراءات التي اتخذتها الدول لمواجهة الوباء العالمي، مثل حظر التجول الداخلي والطيران الخارجي وإغلاق الحدود، ولجوء عدد منها إلى فرض القوانين العرفية أو الطوارئ، وتوسيع دائرة صلاحيات الأجهزة الأمنية والجيش، في إدارة عمليات لوجستية ضخمة، على حساب الحريات في الانتقال والتجارة، مع تقليص التفاعل مع الخارج من خلال تراجع التجارة الدولية والسياحة، واتجاه الدول إلى تعزيز الإجراءات داخل جغرافيتها بتعاملها مع الفيروس محليا خوفا من انتشاره. ورأينا كيف أن مكافحة الوباء المستجد خضعت لقرارات وطنية أكثر من خضوعها لمؤسسات دولية (منظمة الصحة العالمية مثلا)، فالجزء الأكبر من جهود الاستجابة لأزمة الفيروس كان قوميا بطبيعته، ولم تقده مؤسساتٌ دولية متعدّدة الأطراف.

ساهم تفشّي الوباء بدرجات متفاوتة في تسليط الضوء على الجوانب السلبية للعولمة، مثل انتقال الأمراض بشكل متسارع، حتى أصبحت كل دولةٍ تميل إلى تقليص الاعتماد المتبادل أو التكامل مع غيرها من الدول. هذا بالإضافة إلى جانب تنامي مؤشرات الحمائية والعزلة دوليا، وهو ما يعيد المنظور إلى الدولة القومية التي تتبناها النظرية الواقعية، وتؤكد على السيادة والمصلحة القومية.

ولكأن الدولة الوطنية اليوم تستعيد بعضا من مجدها الغابر، وهي التي تقود، إلى حد ما، المعركة ضد انتشار كوفيد – 19، فحالة الطوارئ التي يشهدها العالم بسبب الوباء توضح أنّ الدولة ما زالت فاعلا مركزيّا في السياسات الدولية المعاصرة، والفاعلون من غير الدول، بمختلف صورهم، الوطنية والعبر- وطنية، أصبحوا في أحسن الأحول فاعلا تابعا. وبهذا يتّضح لنا كيف شكّل فيروس كورونا قوة دفع رئيسية لتعزيز سيطرة الدولة مجتمعيا، وهو ما تجلّى مع الإجراءات والتدابير الاحترازية المشدّدة التي اتخذتها دول عديدة، سيما المتعلقة بالتباعد الاجتماعي وقرارات الإغلاقات المستمرة أسابيع متواصلة. ورأينا كيف زاد كوفيد – 19 من أهمية الخدمات الوطنية التي تقدمها الدولة، للتعامل مع حالات الطوارئ: الرعاية الصحية، قوات الاستجابة للطوارئ، ونظام التعليم، والنقل العام… إلخ، وتقديم فرص عمل بديلة أو تعويضات للذين فقدوا وظائفهم بسبب الأزمة.

بينما يكتسب الوباء، بانعكاساته على كل المجالات، بُعدا عالميا، لا تزال عملية مكافحته مقتصرةً على الصعيد الوطني بنسبة كبيرة. بعبارة أوضح: تكافح كلّ دولة كوفيد – 19 بما لديها من إمكانات متاحة، وسيتحول هذا الوضع بالنسبة للدول إلى عملية تعلّم، وينتظر أن ينعكس على سلوكياتها بعد الأزمة، فالدولة الوطنية بدت هي الفاعل الرئيسي والمركزي، وهي من تقرّر من سيتم إنقاذه وبأي طريقة وإلى متى.

ولكن على الرغم من أن التعرّف على عالم “ما بعد كورونا” في ظل التطورات الدراماتيكية المتسارعة سيكون صعبا، لكنه يستحق المجازفة الفكرية، فالمؤشّرات الأولية توحي باستنتاجات سيكون لها أثر في كتابة مفاصل في العلاقات الدولية، وأن ثمّة مراجعاتٍ ستتم استنادا لتداعيات وباء الفيروس عالميا، ومنها قيم النظام الدولي السائد الذي تسيطر عليه الأيديولوجيا “الليبرالية” بشقّيها، الكلاسيكي والجديد، والتي تحدُّ من سلطة الدولة القومية، وتعزّز آفاق التكامل والتعاون بين الدول، ورأينا كيف غاب التعاون الدولي بمجرّد تعرّض الدول الغربية “راعية العولمة” لأزمة تهدّد وجودها، وحلّت محله القرصنة وإغلاق الحدود والامتناع عن تقديم المساعدات. ورصدنا كيف عزّزت أزمة كوفيد – 19 من تأثير القادة الشعبويين الذين طالبوا بمزيد من فرض سيادة الدولة الوطنية لبلدانهم، والحدّ من حرّيات الحركة والتنقل وفرض القوانين، والأوضح من ذلك أنّ كوفيد – 19 أعاد تشكيل الجغرافيا السياسية للدول، بحيث اتضحت المفارقات والتباينات بين المناطق القادرة على مواجهة انتشار الفيروس والمناطق الرخوة الهشّة.

لقد أظهرت لنا الجائحة عودة الدول الرأسمالية إلى أنظمة الحمائية الاقتصادية مع غيابٍ لمفردات التكامل والتعاون الأوروبية، وحلّت محلّها سياسات الحدود والقومية والأمن القومي، بدل سياسات الحدود المفتوحة. وبرزت أصواتٌ نخبوية داخل المجتمعات الغربية، لا تهتم إلا بمصالحها الضيقة، وكلها معطياتٌ تضع علامات استفهام على مستقبل الليبرالية التي ينادي بها العالم المعولم اليوم.

وحيث تبقى السيادة متأصلةً في الدولة الواحدة، فسنجد أن مفهوم التعاون الدولي سيظلّ يجابه عقباتٍ عديدة، وأن ثمّة تراجعا جرى رصده خلال الشهور القليلة الماضية لمفاهيم ونظريات العلاقات الدولية التي تبنتها المدرسة الليبرالية، مثل التعاون الدولي، الاعتماد المتبادل، دور المنظمات الدولية والشراكات العالمية، بينما رجّحت كفة مفاهيم المدرسة الواقعية، كالمصلحة الفردية والمكاسب النسبية. وهذا سيدفع إلى بروز آراء وطروحات ونقاشات لإعادة النظر في المفاهيم الدولية جرّاء تداعيات جائحة كوفيد – 19. وعليه؛ يتوقع أن تؤدي الجائحة إلى تشكّل “عولمة التباعد الدولي” القائمة، كما ذُكر أعلاه، على الاتجاه نحو الداخل، والتركيز على الاقتصاديات الوطنية، مع تعزيز أنماط الاقتصاد الافتراضي عبر الإنترنت والاتصال الرقمي.

وعلى الرغم من ذلك؛ لا يمكننا الحديث عن عهد جديد للدولة القومية، فالحقيقة أن الدولة لم تغب أصلا حتى يقال إنها عادت، ولكن الأصحّ أن ما جرى هو إعادة الاعتبار لبعض مظاهر السيادة التي همّشتها العولمة، فأزمة جائحة كورونا أعادت درجة الثقة بين المواطنين والدولة، وساعدت، بصورة أو بأخرى، على التفكير في العودة إلى الدولة الوطنية، في ظل تراجع نفوذ الليبرالية، وبدا واضحا أهمية وجود دولة الرعاية – الرفاهية الاجتماعية، والتي أثبتت أنها الأقدر على التعامل مع الأزمات المفصلية التي تهدّد بقاء الشعوب.

ما كشفته جائحة كورونا على هذا الصعيد هو عودة الدول والحكومات إلى التدخل بعمق وقوة في إدارة الشأن العام، من الصحة إلى الاقتصاد. وستكون لهذه اللحظة المرشّحة للامتداد الزمني تداعيات سياسية واقتصادية، ليس أقلها أن الدولة، في المجتمعات الشرق الأوروبية والآسيوية والمتوسطية، وعلى الرغم من غياب الديمقراطية وضعف حكم القانون، تظل الفاعل المجتمعي الأكثر قدرةً على مواجهة الأزمات الكبرى، وتقديم مظلات الأمان المطلوبة لتجاوز الأخطار المحدقة بالمواطنين، صحيا واقتصاديا.

وعلى الرغم مما يثار عن تعاطي الدول مع الجائحة، أي قدرتها على المواءمة بين متطلبات الحفاظ على حريات الأفراد (على الرغم من تتبع تحرّكات مواطنيها الذين يمكن أن يكونوا حاملين للفيروس إلكترونيا من دون موافقتهم)، إلا أنّ الظاهر هو تعزيز دور الرقابة للدولة الوطنية بدافع حماية الأمن القومي، والحفاظ على استقرار المجتمعات، جنبا إلى جنب مع الإشكالية المتعلقة بتغلغلها على المستوى الاقتصادي بشكل أكبر، وهو ما أكسب الدولة نفوذا في بسط سيادتها، والذي قد يكون من الصعوبة في ظل الجائحة أن تتخلّى عنه بسهولة، وهي التي وجدت ضالّتها بالاعتماد على نفسها في الضبط والربط، سيما في مجالات الصحة والغذاء، أو على الأقل أن تكون هذه القطاعات تحت أعينها ورعايتها، فالمجتمعات البشرية استعادت في مواجهتها المصيرية لهذه الجائحة، وعيا جماعيا بمركزية الدولة ملاذا لا غنى عنه لحمايتها وتأطير جهودها.

ومن هذا المنطلق، بدأت تظهر نقاشاتٌ تتحدث أنه عندما تمر أزمة كوفيد – 19 لا بدّ من إعادة النظر في المفاهيم الأساسية لسيادة الدول، والتفكير في كيفية إعادة بنائها بطريقةٍ تجعلها أكثر عدلا وفعالية.

العربي الجديد

———————

جائحة مصاحبة… امرأة من كل 3 نساء تعرضت للعنف خلال الوباء

الرياض: فتح الرحمن يوسف

أشارت بيانات حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن امرأة من كل 3 نساء تعرضت للعنف خلال فترة جائحة كورونا «كوفيد 19»، من قبل الزوج أو غيره، نتيجة لتدابير مثل الإغلاق الشامل، وانقطاع خدمات الدعم الحيوية.

وقال الدكتور تيدروس غيبريسوس، المدير العام للمنظمة: «إن العنف ضد المرأة متوطن في كل بلد وثقافة، ويسبب أضراراً لملايين النساء وأسرهن، وقد تفاقم بسبب الجائحة»، مطالباً بتكثيف الجهود من أجل تغيير هذا الأمر.

ويُعد عنف الزوج أكثر أشكال العنف ضد المرأة انتشاراً على الإطلاق على الصعيد العالمي، وفق التقرير، وفي حين أن هذه الأرقام تكشف عن معدلات العنف ضد النساء والفتيات التي كانت مرتفعة بالفعل إلى درجة مثيرة للقلق، فإنها مع ذلك لا تجسّد الأثر المستمر لجائحة «كوفيد 19».

وتقول فومزيلي ملامبو، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة: «من المزعج أن يكون هذا العنف المتفشي ضد النساء على أيدي الرجال مستمراً دون تغيير فحسب، بل أن يكون أسوأ ما يكون بين الشابات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً واللاتي قد يكن أيضاً أمهات صغيرات».

وأضافت أن الآثار المتعددة لـ«كوفيد 19» قد أدت إلى «جائحة مصاحبة» من جميع أنواع العنف المتزايد ضد النساء والفتيات الذي وردت بلاغات عنهن. وتابعت: «على كل حكومة أن تتخذ خطوات قوية واستباقية لمعالجة هذا الأمر، وأن تُشرك النساء في هذا العمل».

ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من أن كثير من البلدان ربما شهدت زيادة في البلاغات التي وردت إلى خطوط المساعدة والشرطة والعاملين الصحيين والمعلمين وغيرهم من مقدمي الخدمات، بشأن العنف أثناء الإغلاق الشامل، فإن الأثر الكامل للجائحة على معدل انتشار العنف لن يُحدد إلا بعد استئناف الإحصاءات.

وفق التقرير، فإن العنف يؤثر بنحو مختلف على النساء اللواتي يعشن في البلدان المنخفضة الدخل وبلدان الشريحة الدنيا من فئة الدخل المتوسط. وتشير التقديرات إلى أن 37 في المائة من النساء اللاتي يعشن في البلدان الأشد فقراً قد تعرضن للعنف في حي جوهانسبرغ: «الشرق الأوسط»

أفادت المراكز الأفريقية للسيطرة على الأمراض أمس (الخميس) بأن أعداد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا تراجعت بشكل ملحوظ في القارة.

وقال جون نكينجاسونغ مدير المراكز، وهي وكالة تتبع الاتحاد الأفريقي: «هناك انخفاض بنسبة 9 في المائة في الحالات الجديدة في أنحاء القارة في الأسابيع الأربعة الماضية»، مضيفا أن معدل الوفيات انخفض بمعدل 16 في المائة.

وفي جنوب أفريقيا، البلد الأكثر تضررا في القارة، والذي سجل وحده 38 في المائة من إجمالي الحالات المسجلة في أفريقيا، انخفض معدل الوفيات بنحو 25 في المائة، وفقاً لنكينجاسونغ.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن بعض الدول الأفريقية تشهد ارتفاعا في إصابات كورونا، من بينها بنين وتوجو والكاميرون وإثيوبيا.

ووفقاً لبيانات المراكز الأفريقية للسيطرة على الأمراض فقد سجلت القارة نحو أربعة ملايين حالة إصابة بكورونا، ونحو 107 آلاف حالة وفاة، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وأوضح نكينجاسونغ أن حملات التلقيح التي ترعاها آلية «كوفاكس» الإنسانية تمضي حاليا في 22 دولة أفريقية. اتهن، ويرتفع معدل الانتشار في بعض هذه البلدان ليصل إلى امرأة من كل اثنتين.

وتتعرض أقاليم أوقيانوسيا وجنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لأعلى معدلات انتشار عنف العشير بين النساء البالغات من العمر من 15 إلى 49 عاماً؛ حيث تتراوح هذه المعدلات بين 33 في المائة و51 في المائة.

بينما توجد أدنى المعدلات في أوروبا «16 – 23 في المائة»، وآسيا الوسطى 18 في المائة، وشرق آسيا 20 في المائة، وجنوب شرقي آسيا 21 في المائة.

الشرق الأوسط»

———————————

عام في قبضة الوباء والحصيلة ثقيلة

2.6 مليون وفاة و118.6 مليون إصابة و327 مليون جرعة لقاح

مضى عام على إعلان فيروس «كوفيد – 19» وباءً عالمياً، مكبداً الدول حصيلة ثقيلة من الضحايا والمصابين، إضافة إلى الخسائر المالية والاقتصادية الضخمة المتأتية من شلل كثير من القطاعات نتيجة للإجراءات الاحترازية والإغلاق والحظر.

وأظهرت بيانات مجمعة أمس، أن إجمالي عدد الوفيات بالفيروس في العالم بلغ مليونين و620 ألفاً، والإصابات 118 مليوناً و6 آلاف تعافى منهم 66 مليوناً و8 آلاف، في حين وصل عدد جرعات اللقاحات التي جرى إعطاؤها حول العالم إلى نحو 327 مليون جرعة.

وأعلنت «منظمة الصحة العالمية» رسمياً أن (كوفيد – 19) أصبح جائحة في 11 مارس (آذار) 2020 بعدما بدأت أعداد المصابين ترتفع وتنتشر في كل أنحاء آسيا وأوروبا. وفي ذلك الوقت، كان تم تسجيل حوالي 4600 وفاة رسمياً في أنحاء العالم.

وفيما يتم تخفيف القيود في أجزاء كثيرة من العالم، ما زالت هناك بؤر يستمر فيها الوباء في الانتشار مثل البرازيل التي سجّلت حصيلة يومية قياسية من الوفيات بلغت 2286 مدفوعة بانتشار نسخ متحورة من فيروس «كورونا» أشد عدوى.

وما زال كثيرون حول العالم يخضعون لقيود مشددة وسط غياب أي مسار واضح باتّجاه عودة الحياة إلى طبيعتها رغم فسحة الأمل التي توفرها اللقاحات. وفي الوقت نفسه، أطلقت الحكومات والمجتمعات العلمية سباقاً لإنتاج لقاحات مع إجراء عمليات بحث وتطوير بوتيرة غير مسبوقة. وأحرزت الدول الغنية تقدما كبيراً على صعيد حملات التلقيح فيما لا تزال المليارات في الدول الفقيرة تنتظر تلقي جرعاتهم.

——————————-

 118 مليون إصابة و2.6 مليون وفاة بالفيروس

أودى فيروس كورونا بحياة 2621295 شخصاً على الأقل في العالم منذ ظهر في الصين في ديسمبر (كانون الأول) 2019. بحسب حصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية، أمس (الخميس)، استناداً إلى مصادر رسمية.

وتم تسجيل أكثر من 117982000 إصابة بالفيروس. وبينما تعافى أغلب المصابين، إلا أن هناك من بقيت لديهم أعراض بعد أسابيع حتى أشهر.

وتستند هذه الأرقام إلى الأعداد اليومية التي توفرها السلطات الصحية لكل بلد، وتستثني عمليات إعادة التقييم التي تجريها لاحقاً هيئات إحصاء، كما حصل في روسيا إسبانيا وبريطانيا.

وتم الأربعاء تسجيل 9765 وفاة و460039 إصابة جديدة في العالم. وبناء على التقارير الأخيرة، سجّلت البرازيل العدد الأكبر من الوفيات الجديدة (2286) تليها الولايات المتحدة (1455) والمكسيك (699).

وما زالت الولايات المتحدة البلد الأكثر تضرراً في العالم، إذ سجّلت حصيلة إجمالية بلغت 529263 وفاة من 29154666 إصابة.

والبرازيل هي البلد الأكثر تأثّراً بالفيروس بعد الولايات المتحدة إذ بلغ عدد الوفيات على أراضيها 270656 من بين 11202305 إصابة، تليها المكسيك التي سجّلت 192488 وفاة من أصل 2144558 إصابة، والهند حيث أعلنت 158189 وفاة من بين 11285561 إصابة، وتليها المملكة المتحدة مع 124987 وفاة من بين 4234924 إصابة.

لكن الجمهورية التشيكية تعد البلد الذي سجّل أعلى عدد من الوفيات مقارنة بعدد سكانه حيث توفي 211 شخصاً من كل 100 ألف، تليها بلجيكا (193) وسلوفينيا (188) وبريطانيا (184) ومونتينيغرو (174).

وعلى صعيد القارات، سجّلت أوروبا حتى الخميس 886000 وفاة من بين 39232567 إصابة. وأعلنت منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي 707403 وفاة من بين 22373999 إصابة، بينما سجّلت الولايات المتحدة وكندا 551594 وفاة من بين 30050369 إصابة.

وبلغ عدد الوفيات المعلنة في آسيا 261469 من بين 16474620 إصابة، وفي الشرق الأوسط 107165 وفاة من 5823847 إصابة، وفي أفريقيا 106706 وفاة من بين 3993632 إصابة، وفي أوقيانيا 958 وفاة من بين 32967 إصابة.

وازداد عدد فحوصات الكشف بشكل كبير مقارنة ببداية تفشي الوباء، بينما تحسّنت تقنيات إجراء الفحوص وتسجيل الحالات، وهو ما يفسّر ارتفاع عدد الإصابات المعلنة.

مع ذلك، لا يعد عدد الحالات التي تم تشخيصها إلا جزءاً من العدد الفعلي للإصابات مع وجود عدد كبير من الإصابات التي لا يتم الكشف عنها، نظراً لكونها أقل خطورة أو لعدم ظهور أعراض على المصابين.

ونظراً للتعديلات التي تدخلها السلطات الوطنية على الأعداد أو تأخرها في نشرها، فإن الأرقام التي يتم تحديثها خلال الساعات الـ24 الأخيرة قد لا تتطابق بشكل دقيق مع حصيلة اليوم السابق.

——————————-

هل نستطيع القضاء على «كورونا» أم سنضطر للتعايش معه؟

هل يمكن القضاء على «كورونا» نهائياً؟ خبراء يجيبون

طرحت شبكة «أيه بي سي» الأميركية تساؤلاً بشأن احتمالية اختفاء فيروس «كورونا» المستجد، وقالت إن الخبراء يرجحون أنه قد يظل معنا لعقود أو أكثر.

وأضافت الشبكة أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين كيف سيتصرف الفيروس على المدى الطويل، ولكن العلماء يعتقدون أن الفيروس لن يظل يمثل نفس التهديد، ومن المحتمل أن يصبح مثل نزلات البرد.

وذكر العلماء أن هذا قد يحدث لأن الناس يكتسبون مناعة بمرور الوقت إما من خلال العدوى أو التطعيم، وهذا ما حدث مع فيروسات أخرى.

ولفتوا إلى أن جائحة إنفلونزا التى شهدها العالم في عام 1918 تقدم أدلة حول ما يُمكن أن تصبح عليه أزمة «كورونا».

وكانت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها قدرت أن ثلث سكان العالم أصيبوا وقتها بفيروس الإنفلونزا الذي نشأ في الطيور، ولكن في النهاية بعد أن تطورت مناعة بعض المصابين توقف الانتشار السريع للفيروس، وحدث له تحور إلى شكل أقل ضراوة يقول الخبراء إنه مستمر حالياً بشكل موسمي.

وأوضحت الشبكة أن ظهور تحورات لفيروس «كورونا» يمكن أن يعقّد الصورة؛ إذا قد تسبب في ظهور مرض أكثر حدة أو تقاوم اللقاحات.

وتابعت أنه من غير المحتمل أن يتم القضاء على الفيروس تماماً، نظراً لاحتمالية إصابة أشخاص مجدداً بعد تطعيمهم.

ولفتت إلى أن الفيروس الوحيد الذي تم القضاء عليه هو الجدري، وذلك لأن البشر يطورون مناعتهم بشكل دائم ضده بعد الإصابة به أو بالتطعيم.

—————————-

إنه وضع ظالم.. مقال بواشنطن بوست يتوقع ألا يتم تطعيم سكان البلدان الفقيرة حتى عام 2024

يتوقع مقال بواشنطن بوست (Washington Post) ألا يتم تطعيم سكان الدول الفقيرة بلقاحات “كوفيد-19” حتى عام 2024، ويطالب الدول الغنية والشركات المصنعة للقاحات بالتنازل مؤقتا عن فرض براءات الاختراع على تقنيات تصنيع هذه اللقاحات خلال الوباء.

ويقول كاتبا المقال ماثيو م. كافانا مدير سياسة الصحة العالمية ومبادرة السياسة في معهد أونيل لقانون الصحة الوطني والعالمي بجامعة جورج تاون، ومادهافي سوندر العميد المشارك للبرامج الدولية وبرامج الدراسات العليا وأستاذ القانون في مركز القانون بجامعة جورج تاون، إن الدول الغنية ستتمكن من تطعيم سكانها جميعا خلال الشهور القليلة المقبلة بعد أن اشترت جرعات كافية لتطعيمهم عدة مرات، وإن الدول الفقيرة لن تجد قريبا طريقا لتحقيق مناعة القطيع، وقد لا يتم تطعيم سكانها حتى 2023 أو 2024.

وضع ظالم

ودعا الكاتبان إلى إجراء تغييرات فورية وحاسمة لإصلاح هذا الوضع الذي وصفوه بالظالم، ولتجنب كارثة تلحق بالصحة العامة على نطاق العالم، مشيرين إلى أن تطعيم الجميع في العالم ليس مجرد واجب أخلاقي، بل ضروري لإنهاء الوباء مع ظهور أنواع مختلفة من فيروس كورونا الجديد بمناطق عديدة في العالم.

وذكرا أن الولايات المتحدة وعددا صغيرا من الدول الغنية منعت أمس الأول في منظمة التجارة العالمية اقتراحا للتنازل مؤقتا عن التزام الدول بفرض براءات الاختراع على تقنيات “كوفيد-19″، بما في ذلك اللقاحات، خلال الوباء. وطالبا الدول التي منعت التنازل بالتخلي عن منعها، لتمرير التنازل بسرعة.

وأعادا إلى الأذهان أنه وقبل عقدين من الزمان، في خضم أزمة الإيدز، أكد إعلان الدوحة الصادر عن منظمة التجارة العالمية أن قواعد الملكية الفكرية “لا ينبغي أن تمنع الأعضاء من اتخاذ تدابير لحماية الصحة العامة”.

لكن توضيح حق الدول في إصدار التراخيص الإجبارية وصنع الأدوية العامة جاء متأخرا وبعد أن توفي أكثر من 5 ملايين شخص في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بسبب الإيدز في انتظار أن توضح منظمة التجارة العالمية قواعدها.

حجج غير صحيحة

وقالا إن العالم حاليا في منتصف حالة طوارئ صحية عالمية أخرى، وإن حجج الدول الممانعة للتنازل عن براءات الاختراع غير صحيحة.

كانت الدول الممانعة للتنازل قد تحججت بأن براءات الاختراع ضرورية للابتكار وتؤدي إلى إبطاء الإمداد العالمي باللقاحات، وأنه حتى لو حصلت شركات الأدوية العامة في الدول غير الغنية على براءات الاختراع، فلا يمكنها تصنيع اللقاحات مثلها.

وأوضح الكاتبان أن براءات الاختراع أدت دورا ضئيلا، إن وجد، في تحفيز “بلوغ السرعة القصوى” للقاحات “كوفيد-19″، وأن تمويل لقاح مودرنا بالكامل -على سبيل المثال- تم تقريبا من قبل الحكومة الأميركية، مع تبرع إضافي بمليون دولار من قبل دوللي بارتون، ومن غير المناسب لشركة خاصة أن تحتكر التكنولوجيا الممولة من دافعي الضرائب، وأن هذه الشركة نفسها تدرك هذا، بعد أن أعلنت سابقا أنها لن تسعى إلى فرض براءات اختراع لقاحها.

تجنب تكرار أخطاء الماضي

واقترحا نقل التكنولوجيا لتمكين الشركات بالدول غير الغنية لتجهيز قدراتها التصنيعية بسرعة لصنع هذه اللقاحات، مع وجود خبراء على استعداد للمساعدة.

وقالا إن مشاركة التكنولوجيا مع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ممارسة معتادة للعديد من الأدوية، وإنها ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى، وإن العالم لا يسعه تكرار أخطاء الماضي، وإن عصر كورونا يجب أن يغيّر الطريقة التي نفكر بها بشأن براءات الاختراع والصحة العامة، كما أن حقوق الملكية الفكرية ليست غاية في حد ذاتها، بل هي أدوات لتعزيز ازدهار الإنسان.

المصدر : واشنطن بوست

————————

متحوّرات كورونا… الحدّ من التفشّي يحمي البشريّة من الأسوأ/ ميليا بو جوده

لا تنتهي مفاجآت فيروس كورونا الجديد على الرغم من مرور أكثر من عام على ظهوره واجتياحه كوكبنا، غير أنّ التفاصيل ليست مهمّة اليوم بقدر ما هو واقع تفشّي الفيروس الماضي في التحوّر.

قد تكون هذه المرّة الأولى في تاريخ البشريّة التي ينصبّ فيها اهتمام الناس في بقاع الأرض كلّها وباختلافهم على مسألة واحدة… جائحة كورونا. ويحرصون على الاطّلاع على آخر المستجدّات ذات الصلة بتلك الأزمة العالميّة التي مسّتهم من نواحٍ مختلفة وليس فقط من الناحية الصحيّة. وفي خلال متابعتهم، نراهم يتلقّفون أيّ خبر يُقدَّم إليهم عبر منصّات متعدّدة، علماً أنّ بعضاً منها يدّعي العلم أو ينقل معطيات غير دقيقة أو يبغي الإثارة. ويتبادل أهل الأرض المعلومات، سواء تحقّقوا من صحّتها أم لم يفعلوا، ويذهبون إلى تكرار مصطلحات تُثير الرهبة في نفوس كثيرين. هذه هي حالنا اليوم.

ومع الكشف عن عدد من متحوّرات فيروس كورونا الجديد في الأشهر الأخيرة، راح الناس أينما وُجدوا يعبّرون عن قلق، لا سيّما أنّ معظمنا لا يفقه التفاصيل العلميّة التي يجرى تداولها. وهنا يشدّد أهل الاختصاص على ضرورة التوعية لأنّ “الجهل” لا يساعد في المعركة القائمة في مواجهة الفيروس الذي يمضي في تفشّيه،  لا سيّما أنّ “أخباراً” كثيرة تشير إلى “سلالات جديدة”. وعلى الرغم من أنّ هذا الأمر غير دقيق، فإنّ كلّ ما تُلصَق به صفة “جديد” يفزعنا.

مخباط: ثمّة فيروس واحد

عند السؤال عن فيروس كورونا الجديد وطفراته ومتحوّراته، يؤكّد البروفسور جاك مخباط المتخصّص في الأمراض الجرثوميّة والمعدية أنّ “ثمّة فيروساً واحداً (يُعرَف منذ ظهوره بفيروس كورونا الجديد) واسمه العلميّ سارس-كوف-2”. في مختبرات المركز الطبيّ للجامعة اللبنانيّة الأميركيّة – مستشفى رزق في بيروت، التقته “العربي الجديد”، فيما هو منهمك في مهامه اليوميّة وفي متابعة مستجدّات الفيروس، فهو عضو لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا في لبنان بالإضافة إلى كونه نائب رئيس اللجنة الوطنيّة للأمراض الجرثوميّة. ويشير إلى أنّ “المطّلع على عالم الفيروسات يعلم جيداً أنّ الفيروسات التاجيّة أو فيروسات كورونا هي من النوع الذي يتحوّر، وهي خطرة لأنّها تنتشر بطريقة سريعة. وهذا ليس بأمر مستجدّ”.

ويحاول مخباط تبسيط الفكرة، فيقول: “ثمّة شخص يُدعى فلاناً. في خلال النهار، يضع نظّارتَين وفي المساء يخلعهما، لكنّه يبقى فلاناً. غداً صباحاً، يسرّح شعره ليكون أملسَ وبعد غد يجعله أجعدَ. مساء اليوم، يبدّل فلان ملابسه قبل الخروج لتناول العشاء مع خطيبته أو زوجته، لكنّه يبقى فلاناً. هو لم يتغيّر. الأمر نفسه بالنسبة إلى الفيروس”. يضيف: “لماذا يبدّل فلان ملابسه وتسريحة شعره وما إليهما؟ لأنّ الأمر يرتبط بمناسبات اجتماعيّة فرضت عليه ذلك. المظهر تغيّر بحسب التعاطي مع ظروف المجتمع. الأمر نفسه بالنسبة إلى الفيروس. هو يتغيّر بحسب تعاطيه مع الأجسام المضادة التي تستهدفه”. ويتابع أنّه “في طقس بارد، يرتدي فلان كنزة صوفيّة ليحمي نفسه من البرد. والفيروس، من أجل حماية نفسه من الأجسام المضادة، يقوم بأمر مشابه”. ويشير مخباط إلى أنّ “الفرق يكمن في أنّ فلاناً لا يتغيّر من الداخل أمّا الفيروس فبلى. فالإنسان معقّد جداً في تركيبته الجينيّة، فيما الفيروس يتحوّر بسرعة”. ويعيد ذلك إلى أنّ “الإنسان يتكوّن من حمض نوويّ (دي إن إيه) يصعب تغييره”، لافتاً إلى أنّ “الفيروسات المكوّنة بالطريقة نفسها لا تتغيّر، من قبيل الهربس والجدري. أمّا فيروس الإنفلونزا، وهو فيروس مكوّن من حمض نوويّ ريبوزيّ (آر إن إيه)، فهو متغيّر دائماً، كذلك الأمر بالنسبة إلى فيروس نقص المناعة البشريّة المكتسب (إتش آي في) وفيروس كورونا. لذلك، من السهل جداً تكوّن متحوّرات كثيرة ومستجدّة ومتواصلة”.

بالنسبة إلى مخباط فإنّ “ما يحصل اليوم هو متحوّرات ناجمة عن طفرات جينيّة، وليس فيروسات جديدة”، فيما يرى أنّه من غير المجدي إدخال الناس في متاهات التفاصيل العلميّة التي لا طائل منها. بالتالي، يكفي أنّ نعلم جميعاً بأنّ ثمّة فيروساً يمضي مستشرساً حول العالم وعلينا مواجهته من خلال تحصين أنفسنا. ويُطرح سؤال بديهيّ هنا: هل اللقاحات المتوفّرة اليوم قادرة على تحصين الناس في وجه المتحوّرات الجديدة؟ يجيب مخباط أنّ “ما نراه أمراً جيّداً اليوم، هو أنّ اللقاحات ما زالت فعّالة على تلك المتحوّرات. وبعدما حُكي عن المتحوّر الجنوب أفريقيّ وعن عدم تأثّره باللقاحات المتوفّرة، أتت دراسات جديدة في وقت لاحق لتبيّن أنّ الأمر ما زال مقبولاً في هذا السياق”.

لكنّ أحداً لا يستطيع منع الناس من الشعور بالقلق، إذ تزداد الأخبار التي تكشف عن متحوّرات جديدة تظهر، لعلّ أبرزها حتى اليوم البريطانيّ والجنوب أفريقيّ والبرازيليّ والتشيكيّ. ويؤكدّ مخباط أنّ الأمر طبيعيّ بالنسبة إلى هذا النوع من الفيروسات، مضيفاً أنّ “في لبنان مثلاً، قد نلاحظ طفرات في صيدا وجزين وطرابلس والنبطية وزحلة وغيرها. لأنّه كلّما تكاثر الفيروس تتشكّل لدينا نسبة من الطفرات الجينيّة، غير أنّها بغالبيّتها الساحقة لا تظهر. ثمّة طفرة لكلّ عشرة آلاف أو مائة ألف عمليّة تكاثر، علماً أنّ الفيروس يتكاثر مئات المليارات من المرّات”.  ويتابع مخباط أنّ “الطفرات بأكثريّتها تأتي من دون تأثير، ونحكي بالتالي عن طفرات صامتة، غير أنّ طفرات أخرى في بعض الحالات تؤدّي إلى تزايد في خطورة الإصابة”. ويشرح مخباط أنّ الخطورة تعني “إمّا تزايد انتشار الفيروس، وإمّا تزايد التصاقه بمستقبلات جسم الإنسان، وإمّا تزايد سميّته (وهو أمر لا ينطبق مع هذا الفيروس، إذ لا سميّات له)، وإمّا تغيّر من شكل الفيروس الخارجيّ من خلال تغيّر البروتينات الشوكيّة التي تزيد الالتصاق بالخلايا المستقبلة للفيروس. وهكذا من خلال تغيير شكلها تتوقّف عن الاستجابة للأجسام المضادة وبالتالي يفقد اللقاح فعاليّته. وهذا هو الأمر الأخطر الذي نخشاه: ألا يتجاوب الفيروس مع الأجسام المضادة الناجمة عن اللقاح”. ويشير مخباط إلى أنّه “في بعض الحالات، قد تؤدّي طفرة ما إلى موت الفيروس، إذ يقتطع جزءاً من نفسه عن طريق الخطأ فلا يعود قادراً على التكاثر. وهذا ما حدث مع فيروس سارس الأوّل الذي انتشر بين عامَي 2002 و2003 وتسبّب في متلازمة الالتهاب التنفّسي الحاد. فقد حصلت طفرة جينيّة سيطرت على البقيّة ولم يعد الفيروس قادراً على التكاثر فتوقّف الوباء”. هل يمكننا الوصول إلى هذا مع الفيروس الحالي؟ بحسب رأي مخباط، “لقد تأخّرنا. لسنا نحن الذين تأخّرنا، لأنّنا لسنا نحن من يقوم بذلك، إنّما الفيروس. هو توسّع في انتشاره كثيراً ولا يبدو أنّه ذاهب في هذا الاتجاه”.

وعند سؤاله عمّا توقّعته رئيسة برنامج المراقبة الجينيّة في بريطانيا شارون بيكوك قبل نحو شهر، إذ صرّحت بأنّ السيطرة على كلّ متحوّرات فيروس كورونا الجديد في العالم قد تتطلّب عشر سنوات على أقلّ تقدير، يجيب مخباط “بالتأكيد يتطلّب الأمر كلّ هذا الوقت حتى نتوصّل إلى تحصين كافٍ للناس وننتج لقاحات كافية بهدف اللحاق بالتغيّرات. وفي لبنان، كما قلت في وقت سابق، أتوقّع عدم بلوغ مناعة القطيع قبل عام 2027”. ويؤكّد أنّه “يتوجّب إدخال تغييرات على اللقاحات بسرعة وبوتيرة سنويّة حتى نتمكّن من الوصول إلى النتيجة المرجوّة، تماماً كما هي الحال مع لقاحات الإنفلونزا. وإذا لم نفعل، فإنّنا سوف نخسر المعركة… بصراحة”. ولا يخفي مخباط أنّ “الشركات تحضّر لتصنيع لقاحات متكرّرة وجرعات إضافيّة، فيزوّدوننا بعد ستّة أشهر أو عام بجرعة ثالثة قد تكون فقط مقوّية للجرعتَين الحاليّتَين (أو الجرعة الواحدة بالنسبة إلى بعض اللقاحات) في حال لم يحصل أيّ تغيّر كبير في الفيروس يضطرنا إلى إنتاج لقاحات من نوع جديد. ويبقى هذا أملنا الوحيد”. ويعيد مخباط أسباب الطفرات الجينيّة إلى “مجتمع الفيروس الذي يشمل الأجسام المضادة، ودفاعات الإنسان، وتعاطيه مع فيروسات أخرى، وتعاطيه مع خلايا الإنسان، والعوامل البيئيّة من قبيل التغيّر المناخيّ والتلوّث وتأثير الأكسجين والمواد الكيميائيّة التي من حولنا وغيرها”.

عبد الساتر: تكاثر فطفرات فمتحوّرات

في أحد مختبرات الجامعة اللبنانيّة التابعة لكليّة العلوم – الفرع الأوّل في الحدت، جنوب بيروت، يحاول البروفسور فادي عبد الساتر الباحث في العلوم البيولوجيّة إيضاح طفرات فيروس كورونا الجديد وتحوّراته لـ”العربي الجديد”، علماً أنّه هو أوّل من تابع موضوع المتحوّر البريطانيّ في لبنان. ويشرح أنّ هذا الفيروس (سارس-كوف-2) هو “فيروس mRNA (حمض نوويّ ريبوزيّ مرسال) ومن الطبيعيّ أن يقوم بطفرات جينيّة كما هي الحال مع فيروس الإنفلونزا وفيروس نقص المناعة البشريّة المكتسب (إتش آي في) الذي يتسبّب في مرض الإيدز”. يضيف عبد الساتر أنّ “الطفرات الجينيّة هي عيب في النوكليوتيدات الموجودة في الجينات، علماً أنّ النوكليوتيد هو وحدة أساسيّة في بناء الحمض النوويّ (دي إن إيه) والحمض النوويّ الريبوزيّ (آر إن إيه). ما يحدث هو أنّه عندما يدخل الفيروس إلى قلب الخليّة، أي عندما تقع الإصابة، فإنّه يتكاثر ويكون بالتالي نسخاً للسلالة الجينيّة الخاصة به. وعندما يتكاثر يستخدم الإنزيمات الموجودة في الخليّة البشريّة. وفي خلال عمليّة النسخ قد تطرأ أخطاء، من دون أن يتمكّن الفيروس من تصحيحها. هذه الأخطاء أمر طبيعيّ في أيّ عمليّة نسخ. وعندما تكون مجموعة الأخطاء أو ما نُطلق عليه طفرات جينيّة في فيروس واحد، نتحدّث حينها عن متحوّر”. وبتعابير أخرى، يوضح أنّ “الفيروس يدخل إلى قلب الخليّة ويعمل على نسخ نفسه والتكاثر. وعندما يتكاثر يخرج منها ويقتلها. وفي حين هو ماضٍ في عمليّة النسخ تلك، تحصل طفرات. والطفرات إذا كانت لها خصائص معيّنة وانتقلت إلى أشخاص آخرين، فإنّ المتحوّر الجديد ينتشر ويتسبّب في مشكلة”.

ويشير عبد الساتر إلى أنّ “الفيروس سارس-كوف-2 انطلق من الصين قبل عام ونيّف، أمّا اليوم فثمّة أكثر من أربعة آلاف متحوّر في العالم. ولماذا نهتمّ بعدد منها فقط؟ لأنّ تلك المتحوّرات تملك خصائص معيّنة من قبيل سرعة الانتشار وعدوى أكبر بين عدد أكبر من الناس. في بريطانيا مثلاً، لاحظوا المتحوّر لدى 10 أشخاص ثمّ لدى 12 ثمّ 14 ليتابع تمدّده. لكنّه ليس الوحيد بالتأكيد، إنّما التركيز عليه لأنّه المسيطر”. وعن ظهور المتحوّر البريطانيّ، يخبر عبد الساتر أنّ “جهاز مناعة أحد المصابين بفيروس كورونا الجديد لم يتمكّن من محاربته كما يجب، فاستمرّ طويلاً في جسمه وصار يتكاثر لينتج طفرات جديدة حُدّدت بـ24 طفرة، وبالتالي كان المتحوّر البريطانيّ الذي راح ينتشر”.

إلى جانب المتحوّر البريطانيّ الذي حذّرت جهات صحيّة في المملكة المتّحدة من أنّه سوف يسيطر على أجزاء كبيرة من العالم، يأتي المتحوّر الجنوب أفريقيّ الذي يبدو أنّه يقاوم عدداً من اللقاحات المتوفّرة اليوم، بحسب ما يفيد بعض الخبراء، والبرازيليّ الذي يخلّف وفيّات كبيرة في بلد منشأه، والدنماركيّ الذي رُبط بحيوان المِنك، والتشيكيّ. والأخير بحسب عبد الساتر هو المتحوّر الأوروبيّ، لكنّه يُنسب إلى جمهوريّة التشيك بسبب تفشّيه السريع هناك. كذلك يُحكى أخيراً عن متحوّر جديد في نيويورك (الولايات المتحدة الأميركيّة) وآخر في إيران وآخر في نيجيريا.

مع عدد الإصابات المرتفعة بكوفيد-19 في لبنان مثلاً، هل ثمّة احتمال لمتحوّر لبنانيّ؟ يجيب عبد الساتر أنّ “هذا أمر ممكن بالتأكيد، إذ لا شيء يمنع ذلك. ومن هنا أهميّة متابعة كلّ المستجدّات… هل لدينا طفرات جديدة؟ هل نحن في حالة استقرار؟”. وإذ يلفت عبد الساتر إلى أنّ “المتحوّرَين البريطانيّ والجنوب أفريقيّ موجودان في لبنان، وقد تكون لديهما طفرة مشتركة”، يحكي أنّه “في أكثر من مختبر لبنانيّ، تُستخدَم عدّة الكشف عن الفيروس نفسها المعتمدة في بريطانيا. وفي تلك المختبرات، يعمل خرّيجون من الجامعة اللبنانيّة نحن على تواصل دائم معهم. وفي الأوّل من ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، أعلمني عدد من هؤلاء أنّ ثمّة أمراً غير اعتياديّ في نتائج فحوصات بي سي آر الخاصة بفيروس كورونا الجديد، إذ تظهر جينتان فقط بدلاً من ثلاث مفترضة. فطلبت منهم متابعة الوضع. ومنذ ذلك التاريخ حتى العشرين من الشهر نفسه، كانت لدينا في تلك المختبرات 40 حالة مشابهة. شككنا في طفرات، وبالتزامن أعلنت بريطانيا عن متحوّرها الجديد”.

يضيف عبد الساتر أنّه “في مختبر الجامعة اللبنانيّة حيث تُحلّل عيّنات الوافدين عبر المطار وعبر الحدود البريّة (بالإضافة إلى العيّنات الميدانيّة)، اكتشفنا على الطائرة الأولى التي وصلت من بريطانيا، بعد إعلان الأخيرة عن متحوّرها، أشخاصاً مصابين به. وربطنا الأمور بعضها ببعض، وخلصنا إلى أنّه من الطبيعيّ أن يكون المتحوّر موجوداً لدينا من قبل”. ويتابع أنّه “للتأكّد، طوّرنا تقنيّة بي سي آر. لكنّه لم يكن في مقدورنا الجزم مائة في المائة بأنّه المتحوّر البريطانيّ. صحيح أنّنا كنّا على يقين بذلك، إلا أنّه وبهدف تقديم براهين علميّة توجّب علينا الذهاب إلى فكّ شيفرة الفيروس. وفي الأوّل من يناير/ كانون الثاني الماضي، كانت 16 في المائة من نتائج فحوصات المختبرات المشار إليها سابقاً تظهر أنّ ثمّة متحوّراً ما. وفي الوقت نفسه، كنّا هنا في مختبر الجامعة اللبنانيّة نحلل عيّنات من المسح الميدانيّ من المناطق. وفي 13 من الشهر نفسه، صارت لدينا 60 في المائة من الحالات المماثلة”. ويكمل عبد الساتر “لأنّ العدوى سريعة، لم يعد لدينا شكّ. وأخذنا المبادرة وأعلنّا ذلك، في حين انتقدنا كثر. واجبنا كان إعلام العامة، فالمتحوّر ينتشر بسرعة غير معهودة خلافاً لما كان يحدث سابقاً. لكن بعد ذلك، أعلن مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت أنّ 54 في المائة من إصابات كوفيد-19 هي بالمتحوّر البريطانيّ”. ويكمل أنّه “بالتزامن، أرسلنا إلى وكالة الصحة العامة في بريطانيا تسع عيّنات من مراحل مختلفة من أجل فكّ شيفرة الفيروس، عن طريق وسطاء في جامعة أوكسفورد. فتبيّن أنّ ثماني منها هي 100 في المائة من المتحوّر البريطانيّ، فيما التاسعة أشارت إلى المتحوّر الأوروبيّ (التشيكيّ)”.

ويوضح عبد الساتر أنّه “بحسب البيانات التي وصلتنا من عدد من المختبرات ذات البعد البحثيّ، فإنّ المتحوّر البريطانيّ بين الحالات هو الطاغي. لكنّ هذا لا يمنع وجود متحوّرات أخرى لا نستطيع ضبطها أو التعرّف إليها. ويبقى الحلّ الوحيد هو متابعة المتحوّرات وإرسال عيّنات عشوائيّة إلى المختبرات المعنيّة (وكانت الجامعة اللبنانيّة قد أرسلت في السياق عيّنات إلى بريطانيا وإسبانيا وكوريا الجنوبيّة) لفكّ شيفرة الفيروس مرّة كلّ 15 يوماً حتى نعرف إذا كانت لدينا طفرات جديدة أو ما زلنا نسيطر على الوضع. فأيّ طفرة جديدة قد تطرأ على المتحوّر البريطانيّ وتدخل إلى البروتين الشوكيّ وتغيّر فيه، قد تؤدّي إلى أزمة، إذ إنّنا قد لا نتمكّن حينها من اللحاق بالفيروس كما مع فيروس نقص المناعة البشريّة المكتسب. والموضوع ليس مزحة وليس لعبة”.

كوفيد-19

هل تمنع لقاحات كوفيد-19 انتشار الفيروس؟

والتحوّر بحسب عبد الساتر يُترجَم “تغيّراً في البروتين الشوكيّ الذي يُعَدّ خطّ الالتحام الأوّل مع الخليّة. والتغيير قد يكون بطريقة التحامه وبشكل البروتين فلا تعود الأجسام المضادة قادرة على التعرّف إلى هذا البروتين كما يجب، ويُسجَّل بالتالي تهرّب من الجهاز المناعيّ. هذه نظريّة مستندة إلى اختبارات مجهريّة، وثمّة خوف ممّا قد يحصل لاحقاً. والعلماء يدقّون اليوم جرس الإنذار للدعوة إلى التنبّه، لأنّه في حال أصبتُ بالفيروس وبعد فترة أصبتُ بهذا المتحوّر قد لا تتعرّف إليه الأجسام المضادة في جسمي. وهنا نتحدّث عن العدوى للمرّة الثانية. في البداية كانت الإشارة إلى إصابة ثانية أمراً مستهجناً. لكنّ الوضع اختلف اليوم”. يضيف “بالتالي، لا بدّ من تطويق الفيروس للقضاء عليه. هو لا يستطيع أن ينسخ نفسه في الهواء وتشكيل طفرات. الأمر يستوجب أن يكون في قلب جسم الإنسان. وبقدر ما نخفّف عدد المصابين نستطيع التخفيف من عدد المتحوّرات”. ويشير إلى أنّ “الأشخاص الذين يبقون في المستشفيات لفترات طويلة مع أمراض مرتبطة بالمناعة هم قادرون أكثر من سواهم على جمع عدد أكبر من الطفرات في داخل الفيروس. كأنّما تصير لدى الفيروس فرصة أكبر لتجميع طفرات، إذ هو موجود في الجسم لوقت أطول”، وبالتالي نحصل على متحوّرات جديدة. وهنا يؤكّد عبد الساتر أنّه “حتى لو كانت خطورة متحوّر ما اليوم غير كبيرة، إلا أنّها قد تزيد في وقت لاحق في حال سُجّلت فيه طفرات جديدة. وللسيطرة على الوضع، يبقى الأساس تحقيق مناعة مجتمعيّة أو مناعة القطيع التي يستحيل حصولها إلا عن طريق اللقاحات وفي أسرع وقت ممكن”.

العربي الجديد

——————————-

=====================

تحديث 30 أذار 2021

——————-

أطباء دمشق يواجهون “كورونا” بكمامات غير واقية وكحول غير مطابق للمواصفات/ صهيب الأحمد

غدت إدارات بعض المستشفيات التابعة لوزارة الصحة شبه عاجزة عن تأمين الكحول والكمامات الطبية لكوادرها العاملة خارج قسمي العزل والعناية المشددة، حتى عادت في الشهر التالي ببدعة جديدة؛ كمامات محلية الصنع غير معقمة وذات جودة رديئة…

لا يخفى على أحد مقدار الضرر الذي خلفه فايروس “كورونا” على العالم أجمع، وفي حين فاضلت دول متقدمة ما بين تدبيرين صحيين، يقوم أولهما على نموذج مناعة القطيع، ويسعى الثاني إلى منع انتشار الفايروس عبر فرض الحجر الصحي، وقفت دول نامية، مثل سوريا، أمام خيارات أكثر تعقيداً، خطها الشح والفوضى. فكيف تعاملت المؤسسات الطبية في بلد منهار اقتصادياً ومقسم عسكرياً مع هذه الجائحة؟ وما هي ظروف الكادر الطبي والعقبات التي اعترضت طريقه للتصدي لهذه الجائحة؟

بدايات الجائحة…

مع بداية انتشار الفايروس في أنحاء العالم ورصد الإصابات المتزايدة بالتزامن مع ارتفاع عدد الوفيات بين المصابين، كانت أولى الخطوات المتبعة في سوريا، إغلاق المدارس والجامعات والمساجد وغيرها من أماكن التجمعات العامة، وأعلن بعدها تفعيل الحظر الليلي بتاريخ 25 آذار/ مارس 2020، وفق بيان أصدرته وزارة الداخلية، بعد يوم واحد من تسجيل الإصابة الأولى بـ”كورونا” في سوريا، تلاه إنشاء مراكز العزل الصحي في مختلف المحافظات، وإمدادها بكوادر من المستشفيات العامة.

وفي ظل الخطر المحدق، تحولت مستشفيات حكومية في دمشق إلى مركز للعزل الصحي، وخصص بعضها جناحاً خاصاً لمرضى “كورونا”، واستقبل بعضها الآخر المرضى بشكل موقت، ريثما يتم نقل المريض الذي تم ترجيح إصابته إلى أحد مراكز العزل.

وبعد تشكيل الفريق المعني بالتصدي لجائحة “كورونا” وبدء عمله، وتحديد لجنة للتنسيق مع المستشفيات، صدر قرار يقضي بتخفيض عدد الكادر الطبي إلى النصف وإيقاف العمليات غير الإسعافية في المستشفيات العامة، واقتصار خدماتها على العمليات الإسعافية أو تحويل المرضى إلى مراكز العزل.

ومنذ الأيام الأولى لتطبيق الأعراف الطبية الجديدة ضمن المستشفيات العامة، اتضحت أزمة شح المستلزمات الوقائية المخصصة للكادر الطبي، فاضطرت معظم المستشفيات إلى التقنين في حجم فريقها ومستلزماته، إذ وجدت نفسها مجبرة على تقليص كوادرها الطبية للمرة الثانية على التوالي خلال الجائحة، بما يتناسب مع حجم المستلزمات المتوفرة، وكثيراً ما تم تداول خبر قيام الكوادر المناوبة صباحاً بتسليم ألبستها الوقائية للكوادر الليلية بعد رشها بالكحول ليعاد استخدامها من جديد.

الطاقة القصوى ثم اللاشيء

بعد مضي شهرين على تطبيق الإجراءات الحكومية، ألغي الحظر الليلي في 26 أيار/ مايو 2020 بعد يوم من تسجيل أعلى حصيلة يومية في سوريا (20 إصابة)، وإيعاز المستشفيات العامة بالعودة التدريجية إلى نظامها السابق، مع تخصيص قسم عزل في كل مستشفى لمتابعة الوضع الصحي لمرضى “كورونا”.

حملت هذه القرارات الحكومية الجديدة مزيداً من الصعوبات للكوادر الطبية التي عادت بشكل تدريجي إلى العمل، بخاصة أن المستلزمات الوقائية المقدمة لا تغطي أكثر من 20 في المئة من حاجتها، وازداد عدد المراجعين بأعراض الفايروس نتيجة تراجع الإجراءات المجتمعية المتخذة سابقاً. تطلب الوضع الجديد تدبيراً جديداً، فخُصص العتاد الوقائي الكامل للعاملين في قسمي العزل والعناية المشددة فقط، وتم الاكتفاء بكمامة عادية وكحول للتعقيم لبقية الكوادر الطبية، ما دفع بعض الأطباء والممرضين إلى شراء هذه المعدات على حسابهم الشخصي، حرصاً على حياتهم وحياة من حولهم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي تموز/ يوليو 2020، غدت إدارات بعض المستشفيات التابعة لوزارة الصحة شبه عاجزة عن تأمين الكحول والكمامات الطبية لكوادرها العاملة خارج قسمي العزل والعناية المشددة، حتى عادت في الشهر التالي ببدعة جديدة؛ كمامات محلية الصنع غير معقمة وذات جودة رديئة، وكحول غير مطابق للمواصفات اللازمة، بعدما طاولت خسائر الجائحة شركات التعقيم المتعاقدة مع المستشفيات. ليصبح كامل الكادر الطبي تحت خطر العدوى في ظل الاستهتار المتزايد في وقاية كل من مقدمي الرعاية ومتلقيها.

عاملو المستشفى وسيطاً للفايروس

يقول سامر قرقوط، وهو أحد الأطباء المقيمين في أحد المستشفيات الحكومية، إنه فشل في حماية نفسه من الفايروس حتى بعد التزامه الإجراءات الوقائية ومواجهته الويلات في سبيل عدم إصابة أفراد عائلته، مرجعاً السبب في ذلك إلى شركة النظافة العاملة في المستشفى، والتي اضطرت، بسبب تخفيض عدد عمالها، إلى الاستعانة بالعاملين المسؤولين عن تعقيم قسم العزل، لتعقيم سكن الأطباء، من دون تأمينهم بأي معدات وقائية. وهكذا، تحول عاملو المستشفى إلى جسور لعبور الفايروس من غرف مرضى “كوفيد- 19″، إلى غرف سكن الأطباء والمرضى الآخرين. يضيف قرقوط: “ما من سبيل لتفادي العدوى بالفايروس داخل المستشفيات الحكومية في دمشق”، فمنذ شهر أيلول/ سبتمبر 2020 بدا من المؤكد لأغلب الكادر الطبي استحالة إنجاز عمله من دون الإصابة بالفايروس. ولعل التعرض المتكرر للفايروس وسلالاته المختلفة، هو أكثر ما يقلق الكادر الطبي وغير الطبي داخل المستشفيات. 

وأمام هذه الفوضى المطلقة وضعف التجهيزات الطبية، ما كان على أفراد الكادر الطبي إلا السعي للتهرب من الدوام عبر وسائل عدة، منها الإجازات غير مدفوعة الأجر، إذ يحق لكل عامل طبي التغيب عن العمل لمدة شهرين خلال السنة الواحدة. وهكذا، استهلكت الغالبية العظمى من الكوادر الطبية إجازاتها غير المدفوعة خلال الفترة الممتدة بين تشرين الأول/ أكتوبر 2020 ونهاية شباط/ فبراير 2021، هرباً من الاستهتار الذي يهدد حياتهم وحياة عائلاتهم، وحفاظاً على صحتهم التي تبيّن أنها تقع على عاتقهم وحدهم. ولم يكف أن هذه السلوكيات لم تلق أذناً لدى الجهات الحكومية، بل قوبلت بوعود كاذبة لتحسين سير العمل أحياناً، أو التهديد بالفصل من العمل والملاحقة القانونية أحياناً أخرى لمّا رفض الكادر الالتزام بالدوام المقرر وتجاوز المدة المسموح بها للتغيب عن العمل.

انهيار العملة السورية، والوظيفة الحكومية كأسر

مع دخول العام الجديد وما شهدناه من تداعيات انهيار العملة السورية على قطاعات الدولة كافة، باتت المستشفيات الحكومية في وضع حرج، فالمستلزمات الوقائية شبه معدومة، سواء المعدات الخاصة بفايروس “كورونا” أو تلك المتعلقة بعمليات الإسعاف والتخدير، وتجردت كل الكوادر الطبية، حتى في قسمي العزل والعناية، من أسلحتها، إلا من كمامة محلية الصنع، باتت توزع على الجميع سواسية. زد على ذلك، تقلص راتب الممرض/ة ليصبح أقل من 10 دولارات، أما راتب الطبيب/ة، فلا يتجاوز الـ13 دولاراً في الشهر. الأمر الذي استنزف طاقات الكادر الطبي وتركه حائراً في تأمين لقمة عيشه، ملتفتاً نحو خيار السفر خارج البلاد أو البقاء فيها لمصارعة الضائقة المادية وشبح المرض الذي يخيم بصمت على أروقة مستشفيات دمشق الحكومية.  

أما ترك العمل في المستشفى الحكومي، فيعني سحب شهادة التمريض بشكل شبه مؤكد من الكادر التمريضي، وفتح أبواب الخدمة العسكرية الإلزامية للأغلبية الساحقة من الأطباء الذكور أثناء فترة الاختصاص. ليجد العاملون في قطاع الصحة الحكومي في دمشق أنفسهم مجبرين على متابعة العمل من دون أمل، ليصبح المشهد في مستشفيات دمشق اليوم، قاتماً، بلا أفق، وليقتصر عمل لجنة التصدي للوباء على إحصاء الإصابات المتزايدة يوماً بعد يوم ونعي الكوادر الطبية التي خسرت أرواحها خلال معركتها ضد فايروس “كورونا”.

درج

—————————–

صراع البقاء.. كورونا والأسد!/ حسان الأسود

منذ عامٍ ونيّف تثور نقاشات موسّعة في أوروبا وأميركا وأغلب دول العالم عموماً حول وباء كورونا، والموضوع لا يتوقّف عند الأسباب وطرق الوقاية والعلاج، ولا عند الآثار الكبيرة اللاحقة باقتصادات الدول والخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة، ولا على شكل العلاقة بين العمال وأرباب العمل، ولا على العلاقة بين الدولة والقطاعات الإنتاجية والخدمية، ولا على قطّاع الصحّة الذي هو بكلّ حقّ خطّ الدفاع الأول في هذه الحرب، ولا على قطّاع التعليم والثقافة والفنون فقط، بل يتعداه إلى دراسة آثار هذه الجائحة على المجتمعات وسلوكيات الأفراد وصحّتهم النفسية وصحّة أطفالهم، وعلى الأسرة والعلاقات بين الأقارب والجيران. حتى إنّ بعض النقاشات تتناول آثار هذه الجائحة على فلسفة قطّاع البناء، حيث يفكّر الكثيرون الآن بشقق سكنية مجهّزة للعمل من المنزل في المستقبل.

يتلقّى الأطفال في ألمانيا – جميع الأطفال وليس فقط الألمان منهم – معونة اسمها “التعويض العائلي للأطفال” أو بالألماني “Das Kindergeld”، وتستمر الحكومة بصرف هذه المعونة لهم حتى أثناء الدراسة الجامعية وإلى أن يبلغ واحدهم سنّ الخامسة والعشرين. وبعد الإغلاق الأول “Lockdown” صرفت الحكومة الاتحاديّة الألمانية مبلغ 300 يورو لكلّ طفل يتلقّى هذا التعويض العائلي، ثمّ قررت صرف مبلغ 200 يورو لكل مستحق في الإغلاق الثالث، ستوزع بدءاً من أول أيار 2021. الهدف من هذه المعونة هو تعويض الأطفال عن الحرمان من عيش حياة طبيعية خلال فترات الإغلاق، فقد عانى هؤلاء من إغلاق المدارس وصالات الرياضة، كما توقّفت النشاطات المدرسية والرحلات التي يشتهر بها الألمان، داخلياً وخارجياً، وقد أثّر هذا بشكل كبير على نفسيات الأهل وعلى نفسيات أولادهم.

بالتأكيد ستخدم هذه المعونة القطاع الاقتصادي، لأنها ستضخّ السيولة في الأسواق التي عانت من الركود الطويل بسبب هذه الإغلاقات. لكنّ المفارقة التي تستدعي الانتباه، هي التبرير المقدّم من الحكومة الاتحادية الألمانية لصرف هذه المعونة أو المنحة، أي تعويض الأطفال وأهاليهم عن المعاناة النفسية والبدنية جرّاء تغيّر ظروف الحياة، علماً أنّ أسباب هذا التغيّر لا تعود لخطأ ارتكبته الحكومة، بل لظرف طارئ وقوّة قاهرة لا أحد مسؤول عنها سوى الطبيعة وقوانينها.

بالمقارنة بين تبريرات حكومة ألمانيا الاتحادية لمنح الأطفال معونة للتعويض عن المعاناة النفسية والبدنية، وبين تبريرات بشار الأسد لحربه على السوريات والسوريين، بما فيهم أطفالهم، أنّهم بيئة حاضنة للإرهاب يستحقّون ما سينزل بهم من عقاب، نجد بوناً شاسعاً من تمايز القيم. الإنسان في ألمانيا قيمة عُليا، وكرامته مقدّسةٌ لا يجوزُ أن يطالها أيّ مسٍّ أو تجاوز، وعلى جميع سلطات الدولة صيانتها ورعايتها، وهذا ما يتجسّد فعلاً على أرض الواقع كل يوم في سلوك أجهزة الدولة المختلفة من تشريعية وتنفيذية وقضائية. بينما الإنسان في سوريا لا قيمة له، بل هو أدنى في التصنيف الأسدي من الكائنات الحيّة العاديّة، فالأسد اعتبر السوريين الثائرين على نظام حكمه تارة جراثيم وتارة إرهابيين، ووفق مفهومه كلاهما واحد، ولا يمكن التعامل معهما إلا بالمبيدات الكيماوية أو بالبراميل المتفجرة. تعوّض الحكومة الألمانية الأطفال عما لحق بهم من ضيق بسبب الدراسة في بيوتهم، بينما يقتلع بشار الأسد وجيشه الباسل بيوت الأطفال السوريين من جذورها ببراميله الغبيّة.

لا شك لدينا بأنّ العنف – بوصفه أسلوب تعامل بين البشر – ليس محصوراً بمنطقة الشرق الأوسط، لكن ما يميّز منطقتنا عن غيرها في العصر الراهن على الأقل، أنّه يشكل الأسلوب الوحيد لتعامل أنظمة الحكم مع السكان، ولا نقول مع المواطنين لأنّ هذه الأنظمة لا تعتبرهم كذلك، فهم رعايا أو حتى ما دون ذلك. وللحقيقة فإنّ هذه المنطقة لم تكن منطقة حروب وصراعات فقط، بل كانت – وعلى فترات تاريخية طويلة – وسوريا منها بالأخص بحدودها الكبرى المتعارف عليها تاريخياً، مهداً للعديد من الديانات السماوية وغير السماوية، وقد تلاقحت فيها قيم التسامح والمحبّة، بدءاً من المقولة المكتوبة على جدران معبد بعل “حطّم سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع السلام والمحبّة في كبد الأرض” وصولاً إلى قوله تعالى في محكم تنزيله: (فبما رحمةٍ من الله لِنت لهم، ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك، فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) 159 آل عمران.

أمّا المسيحيّة التي يمكن القول بشكل أو بآخر، إنّ جوهرها في شقّها الكاثوليكي على الأخص، يقرأ التاريخ الإنساني بوصفه تكفيراً عن الخطيئة الأولى، أي معصية آدم وحوّاء لتعاليم الله، ومن ثمّ نزولهم من الجنّة إلى الأرض لبداية مشوار الغفران الدنيوي، واعتبار المسيح الفادي المخلّص الذي حمل جزءاً من خطايا البشر على كاهليه، وأنّ الصلب محطّة في طريق الجلجلة ودرب الآلام إلى الخلاص، ولا يتوّج هذا العناء المستمرّ إلا بانتهاء التاريخ وبقيام المسيح من جديد، لينقل البشرية من عالم الفناء إلى عالم الخلود، فإنها كلها – أي هذه القيم الحاضّة على السلام والتسامح – لم تعرف لعقل الديكتاتور حافظ وابنه من بعده طريقاً!!

والحقيقة أنّ السؤال الذي لا ينفكّ يراود المرء عن نفسه، ما الخطيئة التي ارتكبناها كي يكون عقابنا في الدنيا هذه الأسرة المغرقة بالإجرام، وهل فعلاً تستحقّ سوريا أن يجثم الأسد وابنه على صدرها خمسين عاماً فيدمرا ما بنته الأجيال المتعاقبة منذ آلاف السنين؟ فهل كان قدرُ السوريين أنّ جدّهم المسيح لم يحمل من خطاياهم شيئاً، فابتلاهم الله بهذا النظام الهمجي الذي دمّر تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم؟

إنّ الإجابة عن سؤال بهذا الحجم لا يكمن فقط في معرفة أسباب سيادة الاستبداد وسيطرته، بل في قراءة أسباب غياب التضامن الإنساني بين البشر، وكما غابت عنّا ملامح الفلسطينيين واللبنانيين والصوماليين والعراقيين وغيرهم من شعوب المنطقة العربية التي لجأ أهلها إلينا عبر سنوات القرن الماضي، غابت ملامحنا أيضاً عن أبصار الآخرين. لم نكن قبلاً على قدر المسؤولية الأخلاقية في تعاملنا مع هؤلاء لنطلب منهم ومن غيرهم أن يتعاملوا مع مأساتنا بأفضل مما نلقاه الآن. ويبدو أنّ تأثير وباء كورونا الهائل، الذي غيّر قيم التضامن بين البشر من التقارب والتزاور إلى التباعد والانقطاع، لم يكن سبّاقاً في هذا المضمار، فالأسد وابنه – كما كلّ الحكام الديكتاتوريين في العالم – جعلا من التضامن جريمة ومن التسامح خطيئة، ونتحمّل نحن أيضاً بعضاً من المسؤولية، كلّ حسب موقعه وحجمه. إنه صراع البقاء مع الجائحة وصراع الكرامة مع الأسد، وستنتصر إرادة الحياة بتضامن البشر رغم التباعد، كما ستنتصر السوريات والسوريون بمواجهة مجرم الحرب عدو الإنسانية رغم التعب.

—————————

====================

—————————–

أمر لا يحدث سوى مرة واحدة كل جيل”: الدروس المستفادة من عام الحجر

بعد مرور عام، اتضح لنا أن الدول إذا كانت ستفرض تدابير إجراء صارمة، فمن الأفضل أن تأتي في وقت مبكّر من زيادة أعداد الحالات.

بدا ما حدث خلال العام الماضي شبه مستحيل، إذ شهد تطبيق أشد قيود فُرضت على دولة غربية منذ الحرب العالمية الثانية. وجاء العنوان الرئيس لصحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية صادماً، “الآن، إيطاليا مغلقة بالكامل”.

في يوم 9 آذار/ مارس 2020، صدر أمر إلى سكان إيطاليا، البالغ عددهم أكثر من 60 مليون نسمة، بالبقاء في المنازل، من دون السماح لهم بالمخاطرة والخروج إلا في حالات محددة؛ مثل ممارسة التمارين الرياضية بشكل منفرد بالقرب من المنزل، أو التسوق لحاجيات المنزل، أو الذهاب إلى طبيب، مع فرض غرامة تتراوح بين 400 و3 آلاف يورو على من يخالف ذلك.

فضلاً عن أن المدارس والجامعات والأعمال غير الأساسية أغلقت أبوابها. ولم تُفتح سوى أبواب المتاجر الكبرى والمصارف والصيدليات ومكاتب البريد. ومُنع السفر داخل حدود البلاد وخارجها، إلا لأسباب صحية أو غير ذلك من الأسباب الطارئة.

كيف تطور عام الإغلاق في أوروبا

بيد أنه في غضون أيام، حذت معظم دول القارة العجوز حذو إيطاليا وفرضت التدابير ذاتها. وبحلول يوم 18 آذار، أصبح نصف سكان أوروبا، أي أكثر من 250 مليون شخص، تحت الحظر، مع تضاعف حالات الإصابة بفايروس “كورونا” في بعض البلدان كل ثلاثة أيام، أو حتى كل يومين فقط.

وبعد مضي عام، مع تخفيف بعض البلدان إجراءات الإغلاق للمرة الثانية، أو الثالثة في بعض الأحيان، وتفكير بعض البلدان الأخرى في تمديدها، لم تعُد التدابير الصارمة التي فُرضت للمرة الأولى في إيطاليا منذ عام مضى، تبدو صادمة إلى هذا الحد.

بغض النظر عن الاستراحة الصيفية القصيرة، تخلّت معظم القارة الأوروبية عن أبرز عاداتها خلال الاثني عشر شهراً الماضية: الجلوس على شرفات المقاهي، والإطالة في الحديث خلال الغداء في المطاعم، وتحيّة الآخرين بقبلة على كلا الوجنتين وحلّت بدلاً منها عادات جديدة: من قبيل بدعة شراء القهوة الجاهزة، والتسوق عبر الإنترنت، وتبادل التحية بـ”الكوع”. وهناك بعض التغييرات المحمودة، لا سيّما في جنوب أوروبا، وتتمثل في إنجاز الأعمال البيروقراطية المزعجة، أو جزء منها على الأقل، عبر الإنترنت.

إضافة إلى ذلك، أدّى الإغلاق إلى تغيرات في التوقعات والأولويات الأوروبية. فقد شعر حوالى 70 في المئة من سكان فرنسا بأن التغيّر الدائم في طبيعة العمل أمر لا مفر منه، بحسب استطلاع رأي أجري عقب الإغلاق الأول في فرنسا العام الماضي، إذ أبدى أكثر من 80 في المئة رغبتهم في العمل من المنزل بشكل أكبر في المستقبل.

في حين شعر ستة من بين كل عشرة أشخاص بأن أنماط إنفاقهم تغيرت، مع استعداد 74 في المئة من الأشخاص لدفع المزيد من المال مقابل المنتجات المصنوعة محلياً. وقال نصف الأشخاص أنهم أصبحوا أكثر تقديراً للعلاقات التي تجمعهم بأصدقائهم وعائلاتهم. وأراد 40 في المئة من الأشخاص مساحة أكبر في المنزل، وشرفة، وحديقة.

قال فريدريك دابي من “المؤسسة الفرنسية للرأي العام” (IFOP) التي أجرت الاستطلاع: “لقد شهدنا وضعاً مشابهاً بعد أزمات كبرى أخرى مثل الأزمة المالية أو هجمات باريس 2015. في تلك الواقعتين، أثبتت حالة الجمود التي انتابت الوضع الراهن أنها أقوى دائماً من الرغبة في التغيير”.

وأضاف دابي، “لكن قد يكون الأمر مختلفاً هذه المرة. فقد أدّى الإغلاق إلى تسريع التوجهات الموجودة بالفعل بشكل كبير. هذا أمر لا يحدث سوى مرة واحدة في حياة أي جيل، ويؤدي إلى تغيير التوجهات والمواقف تجاه سلوكيات الاستهلاك والوظائف والمنازل. ومن السابق لأوانه الجزم ما إذا كانت تلك التغييرات ستؤدي إلى تحوّلات حضارية دائمة، لكن لا شك في أن علم النفس الجماعي قد شهد تغيراً بالتأكيد”.

غير أن سلبيات الإغلاق برزت أيضاً بالقدر نفسه، لا سيّما بعد الجولة الثانية من القيود الأكثر صرامة التي فُرضت بعد الصيف. فقد وجدت دراسة حديثة أن الألمان يعانون أكثر من مشكلات الصحة العقلية خلال فترة الإغلاق الثاني مقارنة بالإغلاق الأول.

قالت دوروتا ريس، مديرة المشروع، “لاحظ الباحثون بجامعة سارلاند انخفاض معدلات الرضا عن الحياة بشكل كبير، وزيادة معدلات القلق والتوتر والاكتئاب. كما تغيّرت تقييمات الأشخاص للمجتمع تغيراً جذرياً”.

وذكرت ريس أنه خلال الإغلاق الأول، أظهر أفراد المجتمع تماسكاً واقتراباً من بعضهم بعضاً، أما الآن فأصبحت المشاعر “أكثر أنانية”. ومن السابق لأوانه القول إن كانت تلك التحولات المزاجية ستتحسن عند رفع التدابير الاحترازية على غرار ما حدث العام الماضي.

أدّى الإغلاق المطوّل للمدارس والجامعات، والانهيار المحتمل في معدلات توظيف الخريجين، إلى فرض ضغوط هائلة على الأطفال والطلاب الذين يتحملون أعباء تدابير احترازية فُرضت في الأساس لحماية الجيل الأكبر سناً.

في حين أشارت دراسة أجريت في فرنسا إلى زيادة أعداد الطلاب الذين تظهر عليهم “أعراض الاضطرابات النفسية” بنسبة 50 في المئة. وذكرت السلطات الهولندية أن بعض المصحات النفسية المعنية بالشباب “كاملة العدد”، بينما سجلت إيطاليا خلال الموجة الثانية للجائحة زيادة 30 في المئة في عدد الشباب الذين حاولوا الانتحار أو إيذاء أنفسهم.

وفي إسبانيا، التي شهدت أحد أكثر تدابير الإغلاق صرامةً في أوروبا خلال الموجة الأولى، عانى الأطفال بشكل كبير، إذ لم يُسمح لهم بالخروج من منازلهم لممارسة التمارين، أو الذهاب للمشي حول الحي، أو حتى مرافقة والديهم إلى المتجر.

أعلنت إسبانيا حالة الطوارئ يوم 14آذار، بعد إيطاليا، وفرضت إغلاقاً عاماً على أكثر من 46 مليون شخص. فقد أُغلقت متاجر السلع غير الأساسية والمدارس، وكانت الأسباب غير الطبية الوحيدة للخروج من المنزل هي التسوق لحاجيات المنزل أو اصطحاب الكلاب للخارج.

تبعتهما فرنسا يوم 17 آذار، وطلبت من المواطنين التزام منازلهم باستثناء الخروج من أجل شراء حاجيات المنزل وغيرها من المهمات الضرورية أو التريّض لمدة ساعة واحدة يومياً، بينما فضّلت ألمانيا فرض تدابير صارمة للتباعد الاجتماعي يوم 22 آذار، لكن من دون إغلاق رسمي.

وفرضت الحكومة الهولندية ما أطلقت عليه “الإغلاق الذكي” يوم 16 آذار، إذ أغلقت الحانات والمطاعم والمتاحف والمدارس والجامعات، ومنعت تنظيم الفعاليات واسعة النطاق، بينما فرضت بلجيكا حالة الإغلاق يوم 18 آذار.

وأعلنت البرتغال حالة الطوارئ لأول مرة منذ عودة البلاد إلى الديموقراطية عام 1976، ما سمح للحكومة بنشر الجيش وتحديد أسعار السلع الأساسية، بينما سبقتها كل من جمهورية التشيك وبولندا، وأعلنتا إغلاق البلاد يومي 12 و13 آذار، على الترتيب.

في المقابل، تمرّدت السويد على تدابير الإغلاق الأوروبية، ورفضت تطبيقها، وقررت بدلاً من ذلك منع التجمعات التي تضم أكثر من 50 شخصاً، وطلبت من المواطنين، بدلاً من أمرهم، اتباع توجيهات التباعد الاجتماعي والعمل من المنزل كلما أمكن.

وبعد مرور عام، اتضح لنا أن الدول إذا كانت ستفرض تدابير إجراء صارمة، فمن الأفضل أن تأتي في وقت مبكّر من زيادة أعداد الحالات. فقد أعلنت إيطاليا حالة الإغلاق بعد مرور خمسة أسابيع فقط من تسجيل أول حالة، عندما تم التأكد من وصول عدد الحالات إلى 7300 حالة بالفعل.

وبعد شهر، وصل عدد الحالات إلى 16 ألف حالة. وبالمثل، بدأت تدابير الإغلاق الصارمة في إسبانيا عندما تجاوز عدد الحالات المصابة 4200 حالة، وبحلول 5 نيسان/ أبريل، تجاوز عدد إجمالي المصابين أعداد المصابين المسجلين في إيطاليا.

في حين أعلنت بولندا فرض الإغلاق بعد تسجيل 29 إصابة فقط، وكانت تداعيات الموجة الأولى أقل بكثير من بقية دول أوروبا. وفي الوقت نفسه، كان عدد الإصابات المسجلة في بريطانيا وهولندا 800 حالة فقط يوم 14 آذار، لكن إعلان تدابير الإغلاق في بريطانيا جاء بعد أسبوع من فرض تدابير الإغلاق في هولندا. وبحلول منتصف نيسان، كان عدد حالات المصابين في بريطانيا ثلاثة أضعاف عدد الإصابات في هولندا.

هذا المقال مترجم عن theguardian.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا  الرابط التالي.

https://www.theguardian.com/world/2021/mar/09/a-once-in-a-generation-event-lessons-from-a-year-of-lockdown-in-europe

درج

===================

تحديث 02 نيسان 2021

———————–

حلفاء فيروس كورونا بيننا/ أسامة أبو ارشيد

بثت قناة “سي أن أن” الإخبارية الأميركية، يوم السبت الماضي، برنامجاً وثائقياً فضح كيف تواطأت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، في إفشال التصدّي لجائحة كورونا أميركياً، وهو الأمر الذي أدى إلى أن تكون الولايات المتحدة بؤرته عالمياً، بإصابات فاقت، حتى اليوم، 30 مليوناً، ووفيات يزيدون على نصف مليون. شهود البرنامج كانوا المسؤولين والخبراء أنفسهم الذين أشرفوا على مكافحة الجائحة في إدارة ترامب، ولم يتردّدوا في الاعتراف بأن الحسابات السياسية والاقتصادية للرئيس ومستشاريه كانت البوصلة التي استرشد بها البيت الأبيض في إنكاره حجم الكارثة، ومن تجرّأ منهم على البوح بالحقيقة ومصارحة الشعب بها إما تمَّ تهميشه، أو تهديده.

طبعاً، نعلم من كتاب الصحافي الأميركي المخضرم، بوب ودورد، الصادر العام الماضي، “الغضب”، أن ترامب كان يعلم الحقيقة وهو يكذب على الأميركيين، ويحرّضهم ضد إرشادات السلامة التي وضعتها إدارته ذاتها، كلبس الكمّامات والتباعد الجسدي، ودافعه لذلك حسابات سياسية في سنة انتخابات، بذريعة أنه لا يريد أن يثير الفزع بين المواطنين، ويتسبّب بركود اقتصادي. هو نفسه قال ذلك لمؤلف الكتاب. والنتيجة ماثلة أمامنا، إذ حسب اعتراف صادم للدكتورة ديبورا بيركس، منسقة الاستجابة لفيروس كورونا في البيت الأبيض حينها، أول مائة ألف حالة وفاة أميركياً يمكن إيجاد عذر فيها للإدارة، إذ لم تكن المعلومات حول الفيروس متوفرة كما الآن. إلا أن مئات الآلاف التالين من القتلى لا عذر فيهم، إذ كان يمكن تقليص حجم الضحايا بشكل كبير لو تمَّ التعامل مع الأمر كما ينبغي. بمعنى أننا نتحدّث عن إزهاق أرواح لأغراض أنانية بحتة.

لم ينحصر تسييس جائحة كورونا في الولايات المتحدة، بل إنها كانت، ولا زالت، موضوعاً لسجال إيديولوجي وسياسي عالمي، منذ تفشّت في المعمورة. مباشرة برزت نظريات المؤامرة حولها. وإذا كان يمكن تفهم الشكوك القائمة بشأن مصدر الفيروس ومنشئه وطبيعته، إلا أن الأمر المستهجن يتمثل في إنكار بعضهم وجوده أصلاً، مستندين إلى نظريات مؤامرة متهافتة سخفاً ومنطقاً ودلائل، خصوصاً من شعبويين يَدَّعونَ العلم والتخصص. الحقيقة هي الحقيقة، ثمَّة فيروس غامض وقاتل، بغض النظر عن كنهه، وبغض النظر عن نظريات تصنيعه أو هندسته، ونحن نشاهد ونتابع، يومياً، أناساً من حولنا يصيبهم، وَيَخْتَطِفُ أرواحهم، ومع ذلك لا يزال فينا منكرون!

ثالثة الأثافي أن يشمل التشكيك ونظريات المؤامرة اللقاحات التي تمَّ تطويرها للتصدّي للجائحة ولكبح جماحها. القلق من سرعة تطويرها مشروع، ولكننا مضطرون أن نتبع ما يقوله العلماء والمختصون، وهم يشدّدون على سلامتها، وفعاليتها، بناء على تجارب سريرية ومنهجية. ولنفترض، جدلاً، أن أمان اللقاحات غير مقطوع به، فما هو البديل؟ نحن نعلم أن الفيروس موجود، وهو قاتل، بغض النظر عن منشئه وطبيعته، وبالتالي، فإن تحصين أنفسنا ضده هي الأولوية القصوى الآن. بغير ذلك، نكون كمن يعرّضون أنفسهم وأحباءهم للخطر والقتل عبر إنكارنا ما أثبتته الوقائع والحقائق.

في سياق المفارقات هنا، أننا كلنا سئمنا الإغلاقات والقيود الصارمة، وما يترتب عليها من تداعيات إنسانية واقتصادية مدمّرة، ومع ذلك يرفض كثيرون بيننا أخذ اللقاحات، الطريقة الوحيدة المتاحة، شئنا أم أبينا، لاستئناف الحياة كما اعتدناها. لو كان هذا الرفض مؤسّساً على علم ودليل، لأمكن تفهم الأمر، أما عندما يكون منطق هؤلاء سخافات وهراء ونظريات مؤامرة، فحينها لا يمكن التعاطف معهم. وحتى ندرك حجم أزمتنا، يقول الخبراء إن الوصول إلى “مناعة القطيع” في أي مجتمع يتطلب تلقيح ما بين 70% إلى 85% من أعضائه، بحيث يصبح انتقال الفيروس صعباً. المشكلة هنا أنه لا توجد لقاحات كافية، بالذات للدول الفقيرة، كما أن نسبة كبيرة من الناس، بما في ذلك في الدول المتقدّمة، لا يريدون أخذه. وإذا أضفنا إلى ذلك عدم التزام كثيرين بإجراءات الوقاية، حينها يمكن أن نفهم لماذا قد يتأخر خروجنا من هذه الكارثة التي حَلَّت بنا، خصوصاً مع ما يترتب على ذلك من طفرات تُوَلِّدُ سلالات من الفيروس أكثر شراسة.

باختصار، لن تنجلي هذه الجائحة حتى نعترف بها، ونقرّ بخطرها، ونتعامل معها بحجمها الحقيقي. وما دام فينا من يصرّ على اتباع الجهل والجهال، سنبقى قابعين أين نحن اليوم مصفدين بأغلال القيود التي نطالب بكسرها. الأهم والأخطر أن ذلك الصنف من الناس شركاء في القتل، مثلهم مثل من يدّعون التخصص والخبرة من الشعبويين. ومثلهم مثل السياسيين الذين يسيسون الجائحة لخدمة مصالحهم. ومثلهم مثل من يخترع نظريات المؤامرة. ومثلهم مثل الإعلاميين الذين يبثون الأكاذيب طمعاً بمزيد من المتابعين. ومثلهم مثل رجال الدين الذين يضعونه في خصومة مع العلم.

العربي الجديد

—————————-

أبعد من «الجائحة»: الإغلاق المديد بوصفه نموذجاً سياسياً/ محمد سامي الكيال

شهد قرننا الحالي أزمتين عالميتين، قد تؤدي نتائجهما لرسم المعالم الأساسية للسياسة والثقافة والمجتمع في العقود المقبلة: الأولى هي الأزمة المالية العالمية عام 2008، وما تبعها من اضطرابات اجتماعية كبرى؛ والثانية انتشار فيروس كورونا، وحالة الإغلاق العام المديد، التي يبدو أنها السياسة المثلى، والحل الوحيد الممكن، بالنسبة لمعظم السلطات الحاكمة، رغم أضرارها الاقتصادية والاجتماعية، التي قد تفوق أضرار الوباء نفسه.

يمكن في الأزمتين رصد حالة تخبّط واضحة في أداء النخب التكنوقراطية المسيطرة، خاصة في الدول الغربية، فأثناء الأزمة المالية تحرّكت الدول لتنقذ مجالس إدارات الشركات الكبرى من ورطتها، عبر «حزم إنقاذ» بمليارات الدولارات، اُنفقت من أموال دافعي الضرائب، الذين كان عليهم دفع ثمن السياسات الكارثية للنخب المالية؛ وفي أزمة كورونا يبدو المركب التكنوقراطي -الحيوي فاشلاً للغاية، سواء في عمليات تصنيع وتوزيع اللقاحات، والتطعيم بها، أو في إيجاد حلول لملايين البشر، الذين توقفت حياتهم وفقدوا أعمالهم.

الأزمتان أظهرتا أيضاً نتيجتين تبدوان حتميتين لكل كارثة كبرى، أولاهما إعادة توزيع الثروة نحو الأعلى، فالتكتلات الاقتصادية الأضخم تتمكن دوماً من الحفاظ على تراكمها المالي ومضاعفته، على حساب تدمير الفئات الوسطى بشكل خاص، وزيادة معاناة الفئات الأفقر. وفي هذا السياق يتحدث كثير من التقارير الاقتصادية مؤخراً عن انهيار شامل للشركات الصغيرة والمتوسطة، نتيجة أزمة كورونا، في مقابل زيادة أرباح الشركات الكبيرة؛ وثاني النتائج تضييق الحيز العام والحريات السياسية الأساسية، فعلى الرغم من انطلاق موجة احتجاجية عالمية عقب الأزمة المالية، إلا أنها لم تؤد إلى انتزاع مزيد من الحقوق السياسية، بل على العكس، شهد العالم ظواهر ثقافية وأيديولوجية، لا يمكن القول إنها جاءت لمصلحة الممارسات الديمقراطية، مثل تصاعد سياسات الهوية، و«ثقافة الإلغاء» والائتلافات الانتخابية لحماية قوى الوسط السياسي، والحفاظ على الوضع القائم في مواجهة الخطر الشعبوي. من جديد يُدفع الجميع للتحرك لحماية النخب السائدة، مهما أثبتت فشلها.

إلا أن الإغلاق المديد، الذي نشهده في الأزمة الحالية، هو المظهر الأكثر وضوحاً ومباشرة لإغلاق الحيز العام، المترافق مع تشديد صلاحيات السلطات التنفيذية، وتجميد الإجراءات الديمقراطية والضمانات الدستورية، وسط لامبالاة واضحة ضمن المتن الثقافي، في الأكاديميات والمنظمات «غير الحكومية» ووسائل الإعلام، تجاه السوابق السياسية والدستورية الخطيرة، التي تهدد بجعل الإغلاق والتضييق على الحريات نموذجاً في التعاطي السياسي، يمكن للسلطات انتهاجه وتكراره دوماً، بل على الأغلب تساهم النخب الثقافية بدفع كل احتجاج ضد الحالة الراهنة إلى خارج التيار الأساسي، بوصفه شعبوية أو إيماناً بنظرية المؤامرة. فما أبعاد التلازم بين إغلاق الحيز العام، وإعادة توزيع الثروة نحو الأعلى؟ وما آثارهما على السياسة والثقافة المعاصرتين؟

خطر الحيز العام

توجد نظريات متعددة للغاية لتعريف الحيز العام وتأريخه، إلا أن النظرية الأهم تراه مُتضمّناً في التواصل الإنساني نفسه: يتواصل البشر لتداول الحجج، وإيجاد توافقات عقلية ومنطقية حول الممارسات العامة، من خلال لغتهم العادية المشتركة، أو بالاستعانة بلغة معدّلة، مشتركة أيضاً، هي «لغة التعليم» المعممة، في العصر الحديث، عبر التعليم الالزامي ووسائل الإعلام، بهذا المعنى تصبح مفاهيم مثل الحقيقة والعدالة والخير مُستبطنة في اللغة الإنسانية ذاتها، رغم تغيّر مدلولاتها تاريخياً. وتُضطر السلطات لتبرير أفعالها بلغة عقلانية ما، رغم كل محاولات مخاطبة الانفعالات وتجييش الغرائز، التي مارستها السلطات والقوى السياسية عبر التاريخ.

إلا أن التواصل باللغة العادية يحتاج دوماً إلى قنوات مادية – مكانية لإتمامه، نموذجها الأولي الساحة العامة Agora في دولة المدينة اليونانية، حيث كان يجتمع العامة الأحرار والخطباء والفلاسفة والسياسيون، في العصر الذهبي للديمقراطية القديمة، لتداول الشؤون العامة. وجاء الانعطاف الأبرز في الحيز العام مع بداية عصر التنوير، حين برز ما يسميه الفيلسوف الألماني يورغان هابرماس «الجمهور البورجوازي» الذي أنشأ مساحة تواصلية بمواجهة السلطة الملكية المطلقة، عبر الصحافة وحركة النشر والبرلمانات والصالونات الأدبية والمقاهي، برز فيها «الرأي العام» في مقابل «الحق الإلهي» المُشرعن للحكم القمعي للدولة. وعلى الرغم من أن هذه المساحة ضمنت هيمنة البورجوازية، وتميّزها عن الطبقة العاملة، إلا أنها عممت نمطاً من المعيارية العقلانية، انتقل بالضرورة إلى الطبقات الأدنى، ما أدى، مع تصاعد الصراع الطبقي في نهايات القرن التاسع عشر وبداية العشرين، إلى تفكك الجمهور البورجوازي نفسه، الذي تمتع دوماً بقوة نقدية ضد سلطة الدولة، لحساب بروز بوادر دولة الرفاه، التي استطاعت الهيمنة على الرأي العام، والتدخّل في صياغته، عبر السياسات الاجتماعية، والمؤسسات الوسيطة، ومراعاة مطالب الطبقات المتصارعة في توجهاتها العامة.

وعلى الرغم من أن ما يعتبره هابرماس تناقضاً ديالكتيكياً في الحيز العام البورجوازي قد أدى إلى نمط من أبوية الدولة، وخلق «جمهور زائف» يميل إلى الصمت والتلقي السلبي للثقافة الجماهيرية، إلا أن الفيلسوف الألماني يبقى متفائلاً بإمكانية تنظيم عقلاني للمجتمع، عبر الدولة الدستورية الديمقراطية، التي تحافظ على أفضل ما في خطاب الحداثة، وتؤمن، عبر التعليم، وتوفير المعلومات والوقائع للعامة، إمكانية تداول الحجج العقلانية، والتفاوض الديمقراطي بين مختلف القوى الاجتماعية، ما يحافظ على نمط من العقلانية التواصلية. والأهم في هذا التحليل التاريخي – الفلسفي، أن بروز وتطور الحيز العام، يحمل دوماً طابعاً جدلياً مزدوجاً، فهو من جهة يسهم في تحقيق وترسيخ هيمنة السلطة، ويبني، من جهة أخرى، إمكانية لمقاومتها، تستفيد منها غالباً الطبقات الاجتماعية غير المسيطرة. يبدو أن تعطيل الحيز العام، من خلال سياسات الإغلاق المديد، وتفكيك اللغة العقلانية المشتركة إلى تعليمات لغوية فوقية، تراعي الهويات والحساسيات، و«الوقائع» التي تدعي الحياد الأيديولوجي، صار السياسة الأنسب للسلطات المعاصرة، التي لم تعد ملكية مطلقة ذات حق إلهي، ولا ديمقراطية بورجوازية أو عمالية تحررية، ولا حتى دولة رفاه رعائية، بل مركباً سياسياً – حيوياً، يُدار عبر نخب بيروقراطية وتكنوقراطية، تميل لتعطيل الضمانات الدستورية، وترسيخ حالة «الجمهور الزائف» بالمعنى الهابرمسي، أو حتى «الحشد السلبي» حسب تعبير الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين.

نهاية القدرة النقدية

مفهوم «الحشد السلبي» لأغامبين يمكن أن يتضمّن معظم الانتقادات التي وجهت لنظريات هابرماس حول الحيز العام، فعلى الرغم من أن الأخير أفضل من بيّن التناقض في مفهوم الجمهور الحديث، إلا أنه يُتهم دوماً ببناء نظريته على أسس جوهرانية، جعلت العقلانية التواصلية موجودة بشكل طبيعي في اللغة نفسها، ولم يعالج بالشكل الكافي دور الهيمنة الأيديولوجية، والصراع لفرضها، في تأسيس «الحس السليم» common sense الإنساني نفسه، الذي يمكن بناءً عليه إقناع البشر بأفكار وممارسات معينة.

ليس الحشد السلبي مجرد جمهور زائف، لا يتمتع بقدرة نقدية تجاه السلطة، ويتلقى منها القيم الثقافية بشكل أحادي، بل هو يفتقد أصلاً لخصائص الجمهور، ونمط فردانيته المُفترض، فلا هو قادر على الالتقاء والتواصل في الحيز العام، بما يجعله تكتلاً سياسياً؛ ولا هو متمتع بالخصوصية، التي تضمن نوعاً من استقلال الحيز الخاص عن العام، كما كان سائداً في ديمقراطيات العصر القديم، حين كان المنزل وتدبيره منفصلاً عن السياسة العامة. الحشد السلبي خاضع ومميّع ومتشابه، لا ينال مزايا الفردانية ولا الجماعية، لكنه يعاني من كل سلبياتهما، و«حسه السليم» قائم على الخضوع الكامل للسياسات الحيوية القائمة، في ما يتعلق بالصحة وأنماط الحياة والسلوك الحسن، حتى داخل المنازل، التي أُجبر على ملازمتها، ولذلك فهو غير قادر على إبداء معارضة واعية تجاه حرمانه من أبسط حقوقه الأساسية، أو حتى تجاه تدمير أساسيات وجوده الاجتماعي والاقتصادي.

التراكم بنزع الملكية

رغم كل الحديث عن الترف والنزعة الاستهلاكية في الدول الغربية، إلا أن الأرقام والاحصائيات تبيّن بوضوح، أن الجيل الحالي أصبح أفقر بكثير من جيل الآباء، خاصة في ما يتعلق بالقدرة على حيازة المساكن، وحقوق العمل، والوصول إلى الرعاية الصحية. ومن الواضح أن إعادة توزيع الثروة نحو الأعلى اتجاه ثابت في السياسات الاقتصادية المعاصرة، وهو ما يعتبره الجغرافي البريطاني ديفيد هارفي، نمطاً من التوسع الرأسمالي عبر نزع ملكيات الطبقات الأدنى: تعطّلت آليات التوسع الرأسمالي من خلال الاقتصاد الحقيقي، ما يدخلنا دوماً في فقاعات مالية وعقارية، تنفجر بشكل كارثي، لتكون النتيجة سلب ما تملكه الفئات الأفقر، وخسارتها لفرص عملها، في حين تتعافى الشركات الكبرى بسرعة، لتراكم مزيداً من الثروة.

تولّد هذه الآلية كثيراً من الاحتجاج الاجتماعي العفوي، إلا أن الاحتجاج الفعّال يتطلب أولاً الخروج من حالة «الحشد السلبي» وهو الأمر الذي تجعله الأيديولوجيا والسياسات الحيوية المعاصرة شديد الصعوبة. ولهذا ستبقى الاحتجاجات «شعبوية» و«جاهلة» إلى حين حدوث تغيّر ما في الشرط العام، لا يمكن توقّعه حالياً.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

قوائم انتظار وأقسام عناية مركزة مزدحمة، مستشفيات دمشق تكتظ بمصابي كورونا

– أ. ف. ب.

دمشق: داخل قسم الطوارئ في أحد أكبر مستشفيات دمشق، تئن سيدة عجوز أنهكها فيروس كورونا بينما تنتظر خلو سرير في قسم العناية المركزة، وسط ضغط غير مسبوق تشهده مشافي العاصمة السورية مع ازدياد تدفّق المصابين في الفترة الأخيرة.

تبذل الطبيبة أسماء سبيني (26 عاماً) جهدها في تقديم الرعاية الأولية للمصابة التي تتنفّس بصعوبة. وتتأكد من تلقيها الأكسجين عبر قناع تثبته على فمها لدعم رئتيها المتعبتين، بينما تضيق الغرفة بمرضى وأقاربهم غير مكترثين باجراءات التباعد الاجتماعي.

وتقول الطبيبة في مستشفى المواساة لوكالة فرانس برس بينما تضع كمامتين “تأتينا حالات كثيرة بحاجة إلى جهاز تنفس، وحالات كثيرة بحاجة إلى عناية مشددة”.

وتضيف بتأثر واضح “ثمّة حالات لا نستطيع أن نفعل لها شيئاً. تموت أمامنا”.

في منتصف الشهر الماضي، بلغت نسبة إشغال أسرّة العناية المركزة المخصصة لمرضى كورونا في مستشفيات دمشق مئة بالمئة، وفق ما أفادت وزارة الصحة، في أول إعلان رسمي منذ بدء تفشي الوباء قبل عام. وقالت إنه تم نقل مرضى من أقسام العناية إلى مستشفيات خارج العاصمة.

وجاء ذلك بعد تسجيل تسارع في وتيرة تفشي الفيروس عكسه الارتفاع في عدد المصابين. ودفع هذا الازدياد الحكومة لتخصيص مستشفى جراحة القلب لاستقبال مصابي كورونا، على أن يتم تحويل مرضى القلب إلى مشاف أخرى.

تعلّق الطبيبة الشابة جهاز قياس نسبة الأكسجين حول عنقها، وتدوّن على دفتر صغير تفاصيل أكثر من عشر حالات عاينتها الأربعاء. وتوضح “يصلنا أحياناً أكثر من أربعين حالة في اليوم، وهذا أكبر من القدرة الاستيعابية”.

ويأتي ارتفاع عدد الإصابات في ظل أزمة معيشية واقتصادية استثنائية، يصعبُ معها فرض اغلاق مشدد، على غرار ما جرى، مع بدء تفشي الوباء، وفق ما يقول مسؤولون محليون.

منذ بدء الجائحة، سجّلت المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والبالغة نسبتها أقل من ثلثي الأراضي السورية، أكثر من 19 ألف إصابة أدت إلى 1274 وفاة.

ويرجح أطباء ومنظمات دولية أن يكون عدد الإصابات أكبر بكثير من الأرقام الرسمية المعلنة. ويُعيد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ذلك إلى محدودية الاختبارات في أنحاء سوريا، فضلاً عن عدم رصد أعداد كبيرة من الحالات غير المصحوبة بأعراض أو مع أعراض خفيفة.

“تتزايد كل يوم”

ويوضح مدير مستشفى المواساة عصام الأمين، الذي يُشرف على أحد أبرز أقسام العزل والعناية المركزة الخاصة بالفيروس، أنّ “الأرقام الرسمية تعكس نتائج فحوصات +بي سي آر+ التي تجري في المشافي أو للمسافرين”.

ويتحدّث في الوقت ذاته عن “عشرات الحالات المتوسطة والخفيفة تتلقى العلاج الذاتي في المنازل بعد المتابعة مع طبيب مختص”.

وخصّص مستشفى المواساة قرابة 50 في المئة من أقسام العناية المركزة لمصابي كورونا، إضافة إلى أكثر من 70 سريراً في قسم العزل.

وتستقبل المستشفيات، وفق الأمين، “الحالات الشديدة فقط”. ويقول “سوريا في حالة حرب وحصار، ولا يتوفر لديها عينات كبيرة من اختبارات الفحص”.

لا تمرّ دقيقتان من دون أن يرنّ هاتف الأمين، الذي يتابع عبر شاشات كبيرة سير العمليات في غرف العزل والطوارئ والعناية. ويقول “لم نصل إلى مرحلة الذروة بعد (..) فالأعداد تتزايد كل يوم”.

ووقعت الحكومة السورية في كانون الثاني/يناير اتفاقاً للانضمام إلى مبادرة “كوفاكس” عبر منظمة الصحة العالمية.

في مرحلة أولى، ستوفّر المنصّة 912 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا للسكان في مناطق سيطرة الحكومة وفي شمال شرق البلاد تحت سيطرة المقاتلين الاكراد.

وبعدما كان متوقعاً وصول اللقاحات خلال الشهر الحالي، قالت مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في دمشق أكجمال ماجتميوفا أن التسليم “سيتأخّر حتى شهر أيار/مايو على الأقل”.

وجاء في تقرير مشترك بين مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية أن أولى عمليات التلقيح ستحصل في الربع الثاني من العام الحالي “على أبعد تقدير”.

فرصة نجاة

يتنفّس الدكتور علي رستم، الاختصاصي في أمراض تعفّن الدم، الصعداء بعد إبلاغه بخلو سرير في العناية المركزة، إثر تحسّن حالة كانت تشغله. ويسارع إلى توجّيه الممرضين لتجهيز السرير وتعقيمه عله يشكّل “فرصة نجاة” لمصاب آخر.

ويقول بعد معاينته حالة حرجة “سرعة الانتشار كبيرة، وهناك زيادة في الأعداد بشكل انفجار (..) هذه الموجة أشدّ لناحية إشغال أسرّة المستشفيات”.

لا يُخفي خشيته على الكوادر الطبية أيضاً. ويطلبُ من طبيب أكبر سنّاً البقاء بعيداً قدر الإمكان عن الإصابات الحرجة.

وأنهكت عشر سنوات من الحرب القطاع الطبي، الذي يعاني أيضاً من نقص في الكوادر.

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير نشره قبل يومين، إنّه تبلّغ من الحكومة السورية إصابة 654 عاملاً طبياً منذ بدء تفشي الوباء، توفي 29 منهم على الأقل.

في إحدى غرف المستشفى، وبعدما ينهي اجتماعاً مع أطباء شباب، يؤكد الدكتور بسام قويدر أن “أسرة العناية المشددة لا تخلو أبداً (..) وهناك دائماً من يسجّلون أسماءهم في قوائم الانتظار”.

يخفض صوته لحظة وصول سيارة إسعاف تنقل سيدة سبعينية. يتنهّد بعمق ويقول “الكورونا ليست مزحة”.

—————————-

القصّة الكاملة للجدل حول أسترازينيكا: هل يجب حقًا التخلي عن اللقاح؟/ محمد زيدان

يبدو العالم اليوم متمسّكًا بلقاح أسترازينيكا، حتى صارت المنافحة عنه والدفاع عن سمعته موضوعًا شائعًا في وسائل الإعلام اليوم، وبين المدافعين عن اللقاحات وأهميتها لمواجهة جائحة كوفيد-19. كيف لا وهو أحد أوّل اللقاحات التي صرّح باستخدامها في العالم وأرخصها تكلفة، كما أنّه عصب أساسي لبرنامج منظمة الصحة العالمية الهادف إلى تأمين ملياري جرعة من اللقاحات لصالح 92 دولة بنهاية العام الجاري. في هذه المقالة المترجمة بتصرف عن موقع مجلة “ذا أتلانتيك” نتناول القصة الكاملة لتعليق استخدام اللقاح في أوروبا والأسباب المحددة وراء ذلك، والرأي السائد أوروبيًا للموازنة بين مخاطر اللقاح المحتملة وقدرته على المساهمة في وضع حدّ للجائحة والوصول إلى المناعة المجتمعية ضدّها.

يعدّ لقاح أسترازينيكا واحدًا من اللقاحات المعدودة التي يجري تصنيعها وتوزيعها على نطاق واسع عالميًا، وأحد المرشّحين الأساسيين للمساهمة بوضع حد لهذه الجائحة على المدى القريب. وهذا هو بالتحديد ما جعل الأسابيع القليلة الماضية تبدو كارثية جدًا.

فالأخبار السلبية عن اللقاح ما تزال تتفشّى، رغم تكهّنات البعض في البداية بأنها لن تعدو عن أن تكون زوبعة في فنجان. ففي مطلع آذار/مارس، علقت أكثر من 20 دولة أوروبية توزيع لقاح أسترازينيكا، وعللت بعض وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية ذلك بحدوث “تجلطات دموية” لدى بعض من تلقوا اللقاح. لكن وبعد أيام قليلة، أعلنت وكالة الأدوية الأوروبية عبر لجنة خاصة فيها أنها ما تزال توصي بالاستمرار باستخدام اللقاح. وفي ظل الارتفاع المتزايد للحالات في أوروبا وتسجيل أكثر من ثلاثة آلاف حالة وفاة يوميًا، فإن اللجنة خلصت إلى أن منافع اللقاح تفوق أي مخاطر محتملة.

لكن حتّى تلك البرهة من التردّد الأوروبي إزاء لقاح أسترازينيكا قد جوبهت بموجة عارمة مضادّة من الإحباط والاستنكار، فظهرت مقالات من معلقين وخبراء في الصحة العامة يصفون ما حصل بالغباء، ويحذرون من مغبّة الاستمرار بالتشكيك باللقاح، حتى أن أحدهم قد قال إن ذلك “مثال صارخ على الفشل الأوروبي”. الإشكال بحسب هؤلاء يتلخّص في كون الأدلة على الضرر وارتباطه باللقاح جدّ ضئيلة، أو حتّى غير قائمة. فثمة 25 شخصًا على الأكثر أصيبوا بتجلطات بالدم بالتزامن مع تلقي لقاح أسترازينيكا، من بين 20 مليون إنسان تلقوا اللقاح ذاته، وهي نسبة ضئيلة جدًا، لا يمكن بحسب الإحصائيين الاعتماد عليها لتأكيد وجود ارتباط بين تلك الحوادث وبين اللقاح.

لكن في الوقت ذاته، لن نسمع أحدًا يقول بأن علينا أن نتجاهل تلك الحالات المعدودة تمامًا، وإنما جادلوا بأنه ووفقًا للبيانات المتوفرة لدينا فإن المخاطر المترتبة على الإصابة بكوفيد-19 تفوق بأضعاف عديدة المخاطر المحتملة لتلقي اللقاح، وأن تكلفة أي تعليق مؤقت لبرامج التطعيم لا تقارن ولا تحتمل، خاصّة وأنها ستزرع المزيد من بذور الشكّ لدى الناس بشأن اللقاح، في القارة الأوروبية وخارجها. وهذا ما حصل فعلًا. فثمة دراسة تقول إن 60% من البالغين الفرنسيين حاليًا يقولون إنهم لا يثقون بلقاح أسترازينيكا، وهي حالة تتكرر في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وربما يمتدّ أثر ذلك إلى دول عديدة أخرى في أوروبا وخارجها.

إلا أن التحديات التي يواجهها اللقاح أكبر وأعمق من هذا كله، فثمة تخوف لا يمكن كبحه إزاء لقاحٍ غير مأمون المضاعفات، حتى لو كان ذلك نادرًا جدًا، والحقيقة هي أن الهيئات الأوروبية المختصّة لم تكن مبالغة في ردّة فعلها، ولا متحيّزة سياسيًا ولا جاهلة رياضيًا بالاحتمالات المتعلقة بذلك. بل إن ما وقفت تلك الهيئات أمامه وجهًا لوجه ليس إلا سيناريو مرعبًا. فنحن في خضمّ جائحة عالمية وأزمة صحّة عامّة مربكة، ولا بدّ للمسؤولين والمختصين التعاطي مع أي احتمالية (حتى لو لم تثبت) بأن واحدًا من بين مليون شخص يتلقى اللقاح قد يكون عرضة لمضاعفات مميتة، لاسيما وأن أوروبا وحدها توزع يوميًا أكثر من مليون جرعة من اللقاحات.

المعضلة هنا هي أن أي حديث سلبي من قبل الهيئات المختصة حول اللقاح سيؤدي إلى تراجع الثقة به، وهو ما ستكون محصلته أيضًا المزيد من الضحايا بسبب عدم امتلاك المناعة ضد المرض، كما أن اللجوء إلى الصمت المطبق حيال احتمال وجود أعراض جانبية خطيرة للقاح، ولو نادرة، لن يكون كفيلًا بحل المشكلة، بل سيضفي المزيد من المصداقية على الدعوات التي تبثّ الخوف والذعر بين الناس من اللقاحات وتحذرهم منها.

السبب المحدد لتعليق استخدام أسترازينيكا

على خلاف الرواية السائدة في وسائل الإعلام، فإن السبب الذي دفع الحكومات لتعليق استخدام وتوزيع لقاح أسترازينيكا أو تقييد وصوله لفئات عمرية معينة على قدر وجيه من التعقيد. لقد صدر التصريح بلقاح أسترازينيكا لأول مرة في أوروبا في نهاية كانون الثاني/يناير، وتم البدء بتوزيعه في شباط/فبراير. ثم وفي السابع من آذار/مارس، أعلنت السلطات في النمسا عن بدء تحقيق في حالة وفاة قد تكون مرتبطة بتلقي اللقاح. ثم وبعد أيام على تلك الواقعة، أعلنت هولندا عن تحقيق مشابه، ولحقتها النرويج بحالة مماثلة. في 15 آذار/مارس، أوقفت ألمانيا استخدام لقاح أسترازينيكا، بانتظار نتائج التحقيق بحالات الوفاة الثلاثة، وأربعة حالات أخرى عانت مضاعفات شديدة عقب تلقي اللقاح.

بحسب تصريحات هيئة اللقاحات الألمانية، فإن ظهور سبعة تقارير جعلت الأمر يتجاوز الأعداد المتوقعة، خاصة وأن الحالات السبعة جميعًا حصلت لأفراد لا يعانون من مشاكل صحية سابقة، وأعمارهم بين العشرين والخمسين. المسؤولون في الهيئات الألمانية المختصة قدموا توصياتهم للحكومة الألمانية، وقالوا إنه لا يجدر الاكتفاء بالنظر إلى تلك الأرقام واعتبار ما حدث مجرّد مصادفة تزامنية، وأن ثمة بالفعل احتمالًا، ولو كان ضئيلًا، بتعرض المزيد من الأشخاص في تلك الفئة العمرية ممن ليسوا معرضين بالعادة لمخاطر الوفاة بكوفيد-19 إلى مخاطر غير مباشرة بسبب اللقاح.

بعد ذلك بيومين، أي في 17 آذار/مارس، أشار مقال نشر في مجلة “Science” إلى حصول سبع حالات وفاة من مضاعفات متشابهة، وست حالات مرضية تم شفاؤها، وذلك من بين 17 مليون شخص تلقوا لقاح أسترازينيكا في أوروبا. جميع أولئك الضحايا كانوا يتمتعون بصحة جيدة قبل أن تظهر لديهم حالة مرضية غريبة ترتبط باعتلالات دموية، عبر ظهور تجلطات في الجسم وتدني عدد الصفائح الدموية. في اليوم التالي، نشرت مقالة لاحقة في نفس الموضوع، نقلت عن باحث ألماني وصف ما حصل مع أولئك المرضى بأنه متلازمة من نوع (Vaccine-induced Prothrombotic Immune Thrombocytopenia) وهي متلازمة نقص الصفيحات التخثرية بسبب اللقاح. في المقابل، أعرب أخصائي أمراض دم في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية عن عدم قناعته حتى الآن بأن ذلك حاصل بتحفيز من اللقاح، ولكنه أكّد رغم ذلك أن الحالات التي حصلت كفيلة بإثارة القلق بشأن احتمالية أن يكون للقاح أسترازينكيا أعراض جانبية خطيرة على الحياة، على عدد ضئيل من المرضى.

وفي الوقت الذي ظهرت فيه تلك المقالة العلمية المهمّة الأولى حول تلك المتلازمة، كان الحديث عن الحالات في وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية يختزل ما حصل بكونه مجرّد “تجلطات دموية” وحسب، ما جعل قرار تعليق اللقاح ملغزًا لدى كثيرين، بل اعتبره البعض قرارًا عاطفيًا وغير مدفوع بالبيانات المتوفرة. هذا الانطباع أسهم في تعزيزه وكالة الأدوية الأوروبية نفسها، والتي أصدرت بيانًا صحفيًا في 10 آذار/مارس، قارنت فيه بين عدد من ظهرت لديه تلك التجلطات الدموية مع المعدل الأساس من مجموع من حصلوا على اللقاح، وهي مقارنة عكف العديدون على تكرارها، وقد تقاطعت بشكل واضح مع البيان الصحفي الذي أصدرته أسترازينيكا نفسها واعتمدت فيه على المنطق ذاته، حيث قالت الشركة إن عدد الحالات التي حصلت “أقل مما يمكن توقع حصوله بشكل طبيعي بين عينة بذلك الحجم”، أي من مجموع من حصلوا على اللقاح.

إلا أن تلك التصريحات والمقارنات العامة التي تتحدث عن “تجلطات دموية” كانت بعيدة عن توصيف المخاطر المحددة المحتملة التي كانت تخشاها العديد من الدول. فوكالة الأدوية الأوروبية عادت في 18 آذار/مارس لتقول إنها قد وجدت على رابط محتمل بين تلقي اللقاح و25 حالة أخرى طورت اعتلالات مقلقة في الدم، بما في ذلك تسعة أشخاص تعرضوا للوفاة بسبب ذلك، وجميع تلك الحالات عانت من انخفاض في الصفائح الدموية، وسبعة منهم حدثت معهم تجلطات عبر الأوعية الدموية، وهي حالة تعرف باسم “التخثر المنتشر داخل الأوعية” (DIC)، والتي ظهرت هنا بمعدل يفوق المتوقع بخمسة أضعاف. أما البقية فعانوا من تجلطات دموية حالت دون تصريف الدم من الدماغ، وهي حالة تعرف باسم “خثار الجيب الوريدي المخي” (CVST)، والتي حدثت بمعدل يفوق المعتاد بتسعة أضعاف. وفي 18 آذار/مارس أيضًا، أعلنت هيئة اللقاحات في المملكة المتحدة أنها تحقق في خمس حالات لأفراد عانوا من تجلطات دموية وتدنيًا في الصفائح بعد تلقي اللقاح.

ربما تم التراجع الآن عن تعليق استخدام لقاح أسترازينيكا في العديد من البلدان، إلا أن التحقيقات والأبحاث ما تزال جارية، وما تزال الهيئات المختصة في بعض الدول تقترح إجراءات جديدة للتعامل مع اللقاح. ففي فرنسا مثلًا، تم الإعلان عن تسع حالات ظهرت لديها اعتلالات مشابهة (من بينها حالتا وفاة)، من بين 1.4 مليون شخص تلقوا اللقاح، ووصفت الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية والمنتجات الصحية ذلك بأنه مرتبط باللقاح. وفي الدنمارك، تم تمديد تعليق استخدام أسترازينيكا، بينما قررت دول أخرى أن تقتصر على تقديم اللقاح لكبار السنّ فقط، على اعتبار أن معظم الحالات التي عانت من المضاعفات بعد تلقي أسترازينيكا كانوا تحت سن الخمسين عامًا.

وما يزال المجتمع العلمي حتى الآن غير قادر على تحديد ما إذا كانت تلك الاعتلالات التي تصيب الدم مرتبطة باللقاح فعلًا، وليست لدينا معرفة بما إذا كانت مخاطر اللقاح، لو وجدت، تنطبق على جميع من يحصلون عليه، أم على فئات بعينها أكثر عرضة للتأثر من اللقاح مقارنة بغيرها. وفي ضوء هذه الحالة من اللايقين، فإن طريق الموازنة بين المخاطر المحتملة للقاح ومنافعه تبدو واضحة: ففي ظل الحاصل حاليًا من استمرار تفشي الجائحة، وحتى مع افتراض السيناريو الأسوأ بالنسبة للقاح استرازينيكا، فإن الحصول على اللقاح كفيل بإنقاذ عدد أكبر بكثير من الأرواح بين كل مليون نسمة، مقارنة بعدد من يمكن أن يشكّل تهديدًا لحياتهم. وكلّ ما في الأمر هو أن السلطات لا تستطيع ببساطة أن تسقط ما حصل من اعتبارها، وأن الالتزام بالشفافية والوضوح للحديث عن ذلك هو السبيل الأسلم لتعزيز الثقة بالسلطات الصحيّة وإجراءاتها المتبعة لاحتواء الجائحة وتعزيز الإقبال على اللقاحات في الفترة الحساسة المقبلة.

الترا صوت

——————————

=======================

تحديث 09 نيسان 2021

———————

لقاح “كورونا”: الفشل متنقلاً بين دول الوباء في المنطقة/ فراس الطويل – هلا نصر الدين – عبد الله أبو ضيف – رداد القلاب – هناء بوحجي

انتقادات حادة صدرت عن مؤسسات في المجتمع المدني ونشطاء للحكومة بسبب طريقة توزيع اللقاحات على المسؤولين والمتنفذين وأقاربهم، وسط مطالبات – لم تلق استجابة – بتشكيل لجنة تحقيق…

بعد مرور عام كامل على جائحة “كوفيد -19″، وجد العرب أنفسهم تحت وطأة تبعات سياسات حكوماتهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

“فالج لا تعالج” في لبنان، و”عظام الرقبة” في فلسطين، وصولاً إلى جدل عدالة التوزيع في الأردن، مروراً باللقاحات المدفوعة في مصر، وانتهاء بالبحرين، حيث اللقاحات الغزيرة يقابلها تهميش لحقوق العمالة الوافدة بالوقاية. عبارات تلخص الحالة العامة للقاحات في هذه الدول.

محسوبيات

“الواسطة” والمحسوبية وغياب المعايير والخطط الواضحة، كانت سمات مشتركة لبعض الدول العربية في طريقة تعاملها مع ملف اللقاحات. كان المشهد فظاً في لبنان؛ حينما تلقى أعضاء المجلس النيابي اللقاح متجاوزين الكوادر الطبية وكبار السن والمرضى، ما أحدث ضجة دفعت بالبنك الدولي إلى التهديد بوقف إرسال اللقاحات.

يسأل أكرم أبو حمدان (69 سنة) بامتعاض، “لماذا لم تصلني رسالة من المنصّة بعد، لتحديد موعد أخذ اللقاح على رغم من تسجيل اسمي في 30 كانون الثاني/ يناير 2021؟”، خصوصاً أن نوّاباً دونه عمراً أخذوا اللقاح من دون التسجيل رسميّاً للحصول عليه وفق الإجراءات المتّبعة.

لم يصله الدور في التلقيح حتى بعد مرور نحو شهر على بدء وصول اللقاحات إلى لبنان، على رغم معاناته من ضعف في عضلة القلب، وإصابته بجلطات وأمراض الضغط والكوليسترول، ولكن “هالدولة فالج لا تعالج”، وفقاً لأبو حمدان الذي يعتبر أنّ “من سرق أموالنا وأرواحنا ومستقبلنا، لن تصعب عليه سرقة لقاحاتنا!”.

المشهد لم يختلف كثيراً في الأراضي الفلسطينية. تفاقمت الحال الإنسانية بسبب تفشي الفايروس بشكل غير مسبوق. الشاب فادي عبد الله، فقد والدته بعد إصابتها بـ”كورونا”. ألقى باللوم، وهو يبكي بعد دفن والدته، على الجهات الصحية بسبب تأخرها في توفير اللقاح وتوزيع الكميات المحدودة على المسؤولين وأقاربهم، “احنا مواطنين درجة ثانية، ما في اهتمام بكبار السن، وإذا لم تكن من عظام الرقبة، لن تحصل على شيء، أمي كانت تعاني من أمراض، ولو وفرت الوزارة التطعيم باكراً، لاختلف الحال”.

انتقادات حادة صدرت عن مؤسسات في المجتمع المدني ونشطاء للحكومة بسبب طريقة توزيع اللقاحات على المسؤولين والمتنفذين وأقاربهم، وسط مطالبات – لم تلق استجابة – بتشكيل لجنة تحقيق للنظر في الأمر ونشر أسماء وأماكن عمل الذين تلقوا التطعيمات.

وزارة الصحة اعترفت تحت وطأة تزايد الضغوط والاتهامات لها، بإعطاء اللقاحات لمسؤولين وموظفين في الرئاسة ورئاسة الوزراء، وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ممن تزيد أعمارهم عن 65 سنة، ولجنة الانتخابات، وبعض السفارات الدولية، وأعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم، إضافة إلى ما يقرب من 100 طالب كانوا بحاجة إلى اللقاح للسفر بحسب ما قالت الوزارة.

رسوم على الفقراء وطعم للمسؤولين

في مصر، أخذت القضية بعداً آخر، تمثل بغياب خطة واضحة لتوفير اللقاحات، وتوجه الحكومة لفرض رسوم عليها أو مطالبة ملايين محدودي الدخل بالتقدم بطلب إعفاء من الرسوم، ما ينذر بتعزيز حالة عدم التكافؤ في الحصول عليه، وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش”. المواطنة أسماء أحمد من القاهرة غير مسجلة في برنامج “تكافل وكرامة” الحكومي، ولا يسمح لها بتلقي اللقاح بالمجان لأنها ليست من ضمن الفئات المشمولة بالتطعيم المجاني بحسب تصنيفات الحكومة. ترفض أسماء دفع مبلغ 200 جنيه لتلقي اللقاح “إن لم يكن بالمجان، فأنا غير مستعدة للدفع”.

المنظمة الدولية طالبت الحكومة المصرية بتعزيز الإجراءات التي اتخذتها لتوفير اللقاحات بشكل عادل للجميع، واعتبرت أن “فرض رسوم على الفقراء المصريين لقاء لقاح ضروري يتعارض مع الحق الإنساني الأساسي في الصحة ويعكس خللاً في أولويات الحكومة”.

في الأردن، تعالت الأصوات المطالبة بالحصول على نصيبها مع بدء وصول اللقاحات، خصوصاً بعد توقيف السلطات الأردنية، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي الصحفي جمال حداد، بعد نشره مقالاً بعنوان: “وماذا عن الشعب!! هل وصل مطعوم (لقاح) فايزر سراً ويتم تطعيمه لكبار المسؤولين في الحكومة الأردنية”.

الطبيب ثائر شطناوي (33 سنة)، سجل اسمه على المنصة الإلكترونية الخاصة بالتطعيم الوطني، في نهاية كانون أول الماضي، لكنه اصطدم بإجراءات وصفها بغير العادلة وكان يمكن تجنبها لو أن الحكومة طبقت البروتوكول الطبي في عملية التوزيع. يعاين شنطاوي حوالى 200 مريض يومياً في “مركز صحي حوارة”، التابع لوزارة الصحة في محافظة اربد شمال عمان، ويعيش حالة هلع من الفايروس، لأنه مريض بالسكري. وجه اتهاماً للجهات الصحية بتسريب اللقاحات من دون وجه حق لعشرات الأشخاص، مستغلين علاقاتهم مع مسؤولين. هذا الحال أفقد والده الحق في تلقي اللقاح، مع أنه مريض وفي الـ65 من عمره.

إلى جانب سوء إدارة الحكومات ملف اللقاحات، شهدت دول عربية عزوفاً عن التسجيل لتلقي التطعيم. فكانت مصر مثالاً بارزاً على هذه الحالة. لم يتقدم لطلب اللقاح على الموقع الإلكتروني الذي أطلقته الحكومة المصرية مطلع آذار/ مارس سوى نحو 150 ألف مصري في الأسبوع الأول؛ على رغم أن الفئات المستهدفة في المرحلة الأولى تشمل حوالى 20 مليون شخص.

حال العزوف امتدت قبل ذلك إلى الطواقم الطبية؛ في المستشفيات المصرية تلقح نحو 10 آلاف من الكوادر ابتداء من 24 كانون الثاني/ يناير الماضي. لكن، تظل هناك نسبة رفض لتلقي اللقاحات تزيد عن 30 في المئة من الطاقم الطبي، نتيجة الخوف من المجهول بحسب تعبير وزيرة الصحة المصرية هالة زايد.

سبب آخر تعرضه شيرين المهندس، عضوة مجلس نقابة الأطباء الحكوميين بمصر، يتمثل بالمخاوف من الآثار الجانبية لتلقي اللقاح المذكورة في البروتوكول المخصص من الوزارة. المهندس رفضت التسجيل على أمل بالحصول على نوع لقاح أكثر أماناً من النوع الصيني، إلى جانب استكشاف ما حل بالأوائل من الحاصلين على التطعيم.

هكذا حال والدة الشاب علي محمود من رام الله، والذي سجل والدته المسنة على المنصة الحكومية من دون علمها، وهو يحاول باستمرار إقناعها بتلقي اللقاح، لكنها ترفض، وتقول له: “والله لو شو ما يصير ما بخليهم يعطوني إياه”. علي أصبح غير واثق من إقناعها، وسيظل يحاول معها لحين اتصال وزارة الصحة به.

كذلك، لم يكن صافي حسن (64 سنة) من رام الله من ضمن 100 ألف مواطن سجلوا على المنصة الحكومية خلال أسبوعين من إطلاقها؛ على رغم أنه يعاني من أمراض عدة، ويعتبر أن “اللقاح غير آمن”، لذلك قرر الاستمرار في اتباع إجراءات الوقاية وعدم إدخال نفسه في المجهول، بحسب تعبيره.

يتفق المسن أحمد مصطفى (75 سنة)، من مخيم الوحدات في الأردن مع صافي حسن، وذكر أنه بغنى عن تلقي لقاح غير معروف النتائج “أنا أعاني من الضغط والسكري، ولا أعرف ماذا سيحصل لي بعد اللقاح، أخاف ألا يتحمل جسمي”.

تمييز فاضح عنوانه: إسرائيل!

حالة الغضب الشعبي من توزيع اللقاحات في الأراضي الفلسطينية، جاءت بعد أشهر من الانتقادات لإسرائيل، لعدم إدراج الفلسطينيين ضمن برامج التطعيم المتقدمة التي شرعت بها نهاية العام الماضي. وقالت منظمات حقوقية إنها تتحمل مسؤولية تطعيم الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتؤكد الجماعات الحقوقية وجوب تزويد إسرائيل الفلسطينيين بفرص الحصول على اللقاحات التي يحصل عليها سكانها، مستشهدة بالقانون الدولي الذي يحدد مسؤوليات سلطات الاحتلال.

يُحمل حسين أحمد (60 سنة) من قلقيلية، إسرائيل المسؤولية عن توفير اللقاح، لكنه في المقابل يلوم السلطة الفلسطينية لعدم قيامها من البداية بمطالبة سلطات الاحتلال بتوفير التطعيم لكل الفلسطينيين. يقول أحمد بحسرة بعدما فقد شقيقه السبعيني: “بين الطرفين المتصارعين، نفقد يومياً أحباءنا، من دون أن نتمكن من وداعهم، هذا استهتار مزدوج بصحتنا”.

لكن إسرائيل اتخذت في مطلع آذار خطوتها الأولى لتوفير جرعات لأكثر من 100 ألف فلسطيني يعملون لديها أو في مستوطناتها المقامة على أراضي الضفة الغربية، في خطوة وصفها حقوقيون بأنها “انتهازية رخيصة”؛ تسعى من خلالها السلطات الإٍسرائيلية إلى حماية سكانها من مخالطة العمال، وتسويق وجه إنساني للعالم.

تمييز من نوع آخر

آلية التسجيل الإلكتروني المتبعة في البحرين تستبعد العمالة المهاجرة غير النظامية في البلاد، والتي تشكل 12.6 في المئة من إجمالي العمال في البلاد، بسبب عدم إمكان توفير المعلومات المطلوبة لاستكمال التسجيل؛ أو بسبب انتهاء صلاحية بطاقة الهوية السكانية إذ يتطلب التسجيل ذكر تاريخ انتهاء البطاقة السكانية، أو بسبب عدم معرفة حامل البطاقة المهاجر عنوان الكفيل.

يحدث ذلك، على رغم أن دولة البحرين كانت من أوائل دول المنطقة التي وفرت التطعيم لجميع المواطنين والمقيمين، في بداية برنامج التطعيم منتصف كانون الأول الماضي، فقد استكمل (حتى الآن 5 نيسان/ أبريل 2021)  حوالى 20 في المئة من سكان المملكة جرعتي التطعيم من أربعة أنواع من اللقاحات، فيما أخذ 35 في المئة من السكان الجرعة الأولى.

بحسب وزارة العمل في المنامة، بلغ عدد المخالفين 67 ألفاً، يشكلون 12.6 في المئة من إجمالي عدد العمال النظاميين وأصحاب العمل الأجانب المصرح لهم بالعمل، ويعني ذلك أن 8.3 في المئة من الأجانب المقيمين في البحرين، لن يكون بمقدورهم الحصول على اللقاح. لم يستطع أي من العمال غير النظاميين الحديث علناً عن هذا التمييز، ويفضلون الصمت والاستمرار في أعمالهم على المطالبة بلقاح قد يرحّلهم إلى بلادهم.

درج

—————————-

الأعراض الجانبية لثمانية أنواع من لقاحات كورونا في جدول واحد/ د. أسامة أبو الرُّب – الجزيرة نت

ما الآثار الجانبية المرتبطة بأنواع لقاحات فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” المختلفة؟ الجواب هنا، في هذا التقرير الذي نقارن فيه 8 لقاحات لكورونا من حيث الآثار الجانبية، مع إنفوغراف تفصيلي.

استندنا في هذا التقرير إلى بحث بعنوان “نظرة عن كثب على لقاحات كوفيد-19: المعروف والمجهول وغير المؤكد”، من تأليف نادين هلال وندى ملحم وفادي الجردلي، وإصدار الجامعة الأميركية في بيروت.

كما رجعنا إلى بيانات من المراكز الأميركية للتحكم بالأمراض والوقاية، وإدارة الغذاء والدواء الأميركية، ومواقع إخباربة مثل بيزنس إنسايدر (business insider)، ومواقع إخبارية.

كيف تعمل هذه اللقاحات المختلفة؟

1- لقاح “فايزر-بيونتك” (Pfizer-BioNTech): يتكون اللقاح من كبسولة دهنية تحتوي على أجزاء من الحمض النووي الريبوزي المرسال Messenger RNA (mRNA) أو ما يعرف بالرنا المرسال، والتي تشفر بروتين “سبايك” لفيروس كورونا، واسمه العلمي “سارس كوف-2”.

يتم تعديل الرنا المرسال بشكل طفيف حتى لا يسبب الكثير من الالتهابات. وبعد الحقن، يدخل الرنا المرسال الخلايا العضلية ويحفز إنتاج بروتينات سبايك، التي سيتعرف عليها الجهاز المناعي، وبالتالي يتعلم الدفاع عن نفسه ضد فيروس “سارس كوف-2”.

2- لقاح مودرنا (moderna): يتكون (مثل لقاح فايزر-بيونتك) من كبسولة دهنية تحتوي على أجزاء من الحمض النووي الريبوزي المرسال، وتحتوي على شيفرة بروتين “سبايك” لسارس كوف-2.

ويختلف تحضير الكبسولة وتلقيح الحمض النووي الريبوزي المرسال قليلا، لكن دورهما متطابق.

بعد الحقن، يدخل تلقيح الحمض النووي الريبوزي المرسال إلى خلايا العضلات، ويحفز إنتاج بروتينات “سبايك” ويساعد جهاز المناعة لدينا على التعرف إلى الفيروس ومكافحته.

3- لقاح أسترازينيكا-أكسفورد (Oxford-AstraZeneca): يعمل بتقنية الناقل الفيروسي، وفي هذا اللقاح الناقل الفيروسي، هو فيروس الشمبانزي الغداني (Adenovirus) قد تم تعديله وراثيا للحد من تكاثره.

ويتم بعد ذلك إدخال جين بروتين “سبايك” لفيروس “سارس كوف-2” في جينوم هذا الناقل الفيروسي. وبمجرد حقنه، يدخل الفيروس إلى خلايا العضلات. ثم ينتج بروتين “سبايك” الذي يسمح لجهاز المناعة بتعلم التعرف على فيروس “سارس كوف-2” ومكافحته.

4- لقاح سينوفاك (sinovac): يحتوي اللقاح على فيروس كورونا معطل بواسطة عمليات كيميائية مختلفة في المختبر. ويظل غلاف هذا الفيروس كما هو، وأثناء الحقن، ويتعلم الجهاز المناعي كيفية التعرف عليه والدفاع عن نفسه ضد الفيروس.

5- لقاح “سبوتنيك في” (sputnik v): على غرار لقاح مختبر أسترازينيكا، يستخدم اللقاح الروسي مبدأ الناقل الفيروسي، وهو يستعمل فيروسين غدانيين (Adenovirus)، مسؤولين عن نزلات البرد الشائعة، وقد تم تعديلهما وراثيا حتى لا يتكاثرا، وتم دمج جين مشفر لبروتين سبايك بالجينوم الخاص بهما.

6- لقاح كانسينو بيولوجيكس (CanSino Biologics): لقاح من جرعة واحدة، يعتمد على تقنية الناقل الفيروسي.

7- لقاح سينوفارم sinopharm: يحتوي اللقاح على فيروس “سارس كوف-2” معطل بواسطة عمليات كيميائية مختلفة في المختبر. يظل غلاف هذا الفيروس كما هو، وأثناء الحقن، يتعلم الجهاز المناعي كيفية التعرف عليه والدفاع عن نفسه ضد الفيروس.

8- لقاح جونسون آند جونسون (Johnson & Johnson): لقاح من جرعة واحدة، يستخدم هذا اللقاح فيروسا غدانيا Adenovirus لنزلة البرد معدلا وراثيا للحد من تكاثره كناقل فيروسي. ويتم إدخال جين بروتين “سبايك” لفيروس “سارس كوف-2” في جينوم هذا الناقل الفيروسي.

وبمجرد حقنه، يدخل الفيروس الخلايا البشرية. حينها، تنتج هذه الخلايا بروتين سبايك، وهو ما يسمح لجهاز المناعة بتعلم التعرف على “سارس كوف-2” ومحاربته.

نظرة أعمق على اللقاحات الأميركية

وفي مقال نشره موقع “بيزنس إنسايدر” الأميركي، قالت الكاتبة أريا بنديكس إنه من الطبيعي أن تشعر ببعض الانزعاج بعد تلقي لقاح مضاد لفيروس كورونا. بمجرد حقن اللقاح في ذراعك، يزداد تدفق الدم وتندفع الخلايا المناعية إلى مكان التطعيم، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الشعور بألم في موضع الحقن، وهو الأثر الجانبي الأكثر شيوعًا للقاحات فيروس كورونا الثلاثة المرخصة من قبل الولايات المتحدة (فايزر، مودرنا، جونسون آند جونسون).

وقالت الكاتبة إن هذا التفاعل أكثر شيوعا مع لقاحي فايزر ومودرنا مقارنة بلقاح جونسون آند جونسون، فقد أبلغ أقل من 50% من المشاركين في التجارب السريرية الخاصة بلقاح جونسون آند جونسون عن ألم في موضع الحقن، مقابل 92% لمن خضعوا للقاح مودرنا و84% بالنسبة للقاح فايزر.

وأوضحت الكاتبة أنه عندما يكتشف الجهاز المناعي مكونات اللقاح يطلق مواد كيميائية التهابية لحمايتنا. لهذا السبب، يمكن أن يصاب الشخص بعد فترة وجيزة من تلقي اللقاح بالحمى أو آلام العضلات أو التعب أو الصداع.

كان التعب ثاني أكثر الآثار الجانبية شيوعًا في التجارب السريرية للقاحي فايزر ومودرنا. وقد أبلغ حوالي 69% من المشاركين في تجارب لقاح مودرنا و63% من المشاركين في تجارب لقاح فايزر عن تعرضهم لحالة من التعب. وكان الصداع أكثر شيوعًا من التعب بين المشاركين في تجارب لقاح جونسون آند جونسون، حيث أبلغ 39% عن شعورهم بالصداع، بينما أبلغ 38% عن شعورهم بالتعب.

يعتبر التعب والصداع من الآثار الجانبية الأكثر شيوعا بعد تلقي الجرعة الثانية.

ألم العضلات

وفي جميع التجارب السريرية الخاصة باللقاحات الثلاثة، كان ألم العضلات رابع أكثر الآثار الجانبية شيوعًا. وفي التجارب الخاصة بلقاح مودرنا، عانى 60% من المشاركين من آلام في العضلات، بينما أبلغ 38% من المشاركين في تجارب لقاح فايزر عن الأعراض ذاتها، مقارنة بحوالي الثلث بالنسبة للقاح جونسون آند جونسون.

وذكرت الكاتبة أن القشعريرة كانت من الآثار أقل شيوعًا ولكنها ليست نادرةً تماما، حيث أفاد 43% من متلقي لقاح مودرنا بشعورهم بقشعريرة، في حين أبلغ 32% فقط من المشاركين في تجارب لقاح فايزر عن هذه الحالة. ولم يشعر سوى 2% من المشاركين في تجارب لقاح جونسون آند جونسون بالقشعريرة.

وأبلغ 15% من المشاركين في التجارب السريرية للقاحي فايزر ومودرنا عن الإصابة بالحمى، مقارنة بحوالي 9% بالنسبة للقاح جونسون آند جونسون.

وأكدت الكاتبة أن متلقي لقاحي فايزر ومودرنا لم يواجهوا مشاكل في الجهاز الهضمي مثل الغثيان والقيء والإسهال، في حين أن حوالي 14% من متلقي لقاح جونسون آند جونسون أبلغوا عن الغثيان.

وأفاد غالبية المشاركين في تجارب مودرنا بأن الآثار الجانبية بدأت في اليوم الذي تلقوا فيه اللقاح واستمرت ليومين بعد كل جرعة. وفي المتوسط، عانى من تلقى لقاح فايزر من آثار جانبية بعد يوم إلى يومين من التطعيم، وعادةً ما يستمر رد الفعل يوما واحدا فقط.

وقد استمرت أعراض التعب والصداع وآلام العضلات لدى المشاركين في تجارب لقاح “جونسون آند جونسون” لمدة يومين في المتوسط، بينما عانوا من أعراض الغثيان والحمى ليوم واحد فقط.

المصدر : الجزيرة + بيزنس إنسايدر + مواقع إلكترونية + وكالات

—————————–

كيف تحمي نفسك من سلالات «كورونا» الأكثر عدوى؟

أصبح المتغيّر الجديد لفيروس «كورونا» الذي نشأ في المملكة المتحدة السلالة السائدة الآن في الولايات المتحدة الأميركية.

وينتشر المتغير «بي 1.1.7» في جميع الولايات الأميركية الخمسين ويسهم في زيادة عدوى الفيروس، وفقاً للمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. ولا يبدو فقط أنه أكثر قابلية للانتقال؛ يشير بعض الأبحاث أيضاً إلى أنه يمكن أن يسبب مرضاً أكثر خطورة، مما يعرّض المزيد من الأشخاص لخطر الاستشفاء والموت.

وتطرح المحللة الطبية في «سي إن إن»، الدكتورة لينا وين، وهي طبيبة طوارئ وأستاذة في كلية معهد «ميلكن» للصحة العامة بجامعة جورج واشنطن، الخطوات التي يجب اتباعها لحماية أنفسنا من الأنواع الأكثر عدوى من الفيروس.

وقالت وين إن المتغير «بي 1.1.7» أكثر قابلية للانتقال من السلالات السابقة، مما يعني أننا بحاجة إلى أن نكون أكثر حذراً. وأوضحت: «بعض الأنشطة التي اعتقدنا سابقاً أنها منخفضة المخاطر -مثل الذهاب إلى متجر البقالة وركوب وسائل النقل العام- لديها الآن مخاطر أكبر ترتبط بانتقال الفيروس. وتلك التي كانت عالية الخطورة من قبل -مثل الذهاب إلى الحانات الداخلية أو التجمع في حشود كبيرة- أصبحت الآن أكثر خطورة أيضاً».

وأضافت الطبيبة: «نحن بحاجة إلى توخي الحذر أكثر من ذي قبل. على سبيل المثال، إذا كنت ستأكل في مطعم في الهواء الطلق، فتأكد من أنهم يلتزمون بالإرشادات الموصى بها، وأن هناك مسافة 6 أقدام على الأقل بين الطاولات. يجب على أولئك الذين لم يتم تطعيمهم بالكامل الانتظار حتى يتم تطعيمهم قبل تناول الطعام على مقربة من شخص آخر على مائدتهم».

ومع ذلك، ينتشر هذا المتغير تماماً مثل المتغيرات الأخرى. ولا تزال نفس الإجراءات التي استخدمناها من قبل لمنع انتشار الفيروس التاجي فعّالة الآن. وهذا يعني ارتداء قناع في الأماكن العامة، وممارسة التباعد الجسدي، وتجنب التجمعات الداخلية مع أشخاص لا نعيش معهم في نفس المنل.

وأشارت الطبيبة إلى أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نتناول اللقاح بمجرد أن نتمكن من ذلك.

وأكدت وين أن جميع اللقاحات المصرح بها حالياً لديها مستويات جيدة من الحماية ضد سلالة «بي 1.1.7». ولا تزال اللقاحات هي الأداة الحاسمة لمنع انتشار المتغيرات الأخرى أيضاً، وتلك التي قد تتطور في المستقبل.

وللحماية من المتغيرات الأكثر عدوى، تنصح وين الأشخاص الذين لم يتناولوا اللقاح بعد، بمضاعفة جميع الاحتياطات. وأضافت: «مرة أخرى، هذا يعني ارتداء قناع في جميع الأماكن العامة. أظهرت الدراسات أنه من المفيد ارتداء كمّامتين – وضع قناع قماشي فوق القناع الجراحي».

وتابعت: «حاول تجنب الأماكن الأكثر خطورة حيث لا يرتدي الأشخاص أقنعتهم، مثل تناول الطعام في الداخل. يمكنك القيام بنشاطات اجتماعية في الهواء الطلق فقط، مع أفراد من أسر مختلفة، مع الحفاظ على مسافة 6 أقدام على الأقل».

أما بالنسبة للأشخاص الذين تم تطعيمهم بالكامل، فقالت وين إن اللقاحات التي لدينا تعمل بشكل جيد للغاية ضد المتغير «بي 1.1.7»، ويجب أن يعرف الأشخاص الذين تم تطعيمهم بالكامل أنهم محميون جيداً ضد هذه السلالة. تعني عبارة «التطعيم الكامل» أنه قد مر أسبوعان على الأقل بعد تلقي الشخص الجرعتين من اللقاح.

لكن، بنظر وين، لا توجد حماية كاملة بنسبة 100%. ما يختار الناس فعله بمجرد تلقيحهم بالكامل سيعتمد على قيمهم وخياراتهم. بعد التطعيم، ستكون الأنشطة التي كانت ذات مخاطر عالية أقل خطورة، ولكن ستظل هناك بعض المخاطر. تجب موازنة ذلك مقابل فائدة هذه الأنشطة.

وتقول مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إن الأشخاص الملقحين بالكامل تمكنهم رؤية بعضهم بعضاً ويمكنهم زيارة منزل آخر مع أفراد الأسرة غير الملقحين، ما دام الأشخاص غير الملقحين ليسوا معرّضين لخطر كبير للإصابة بأعراض شديدة من الفيروس.

ومن الضروري بالتأكيد ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، حتى بعد التطعيم، وتقليل الوقت في الأماكن عالية الخطورة مثل المحلات المغلقة والمزدحمة مع الأشخاص غير المطعمين.

الشرق الأوسط

—————————

——————————

سوريا: صورة البلد الذي مزّقته الحرب بعد عامٍ من كورونا/ عفاف الحاجي

وصفت مفوضية الأمم المتحدة وضع الرعاية الصحية في سوريا بالـ”مأساوي”، حيث لا تعمل سوى 58 في المئة من المستشفيات، و53 في المئة من المراكز الطبية التي تقدم الخدمات الأساسية. وعلى امتداد الأراضي السورية، بمختلف تصنيفاتها وظروفها، تكشف الجائحة عن المشهد: خروج التفّشي عن السيطرة، ووقوع جميع أطياف الشعب السوري، مدناً وأريافاً، بين أنياب المرض والحرب والدمار.

تتطلب تغطية جائحة كورونا في سوريا استحضار الوضع الاستثنائي الذي يسِمُ هذه البلاد الموزعة على سلطات مختلفة وقوى متحاربة فيما بينها (الحكومة السورية في مناطق سيطرة النظام، “الإدارة الذاتية الديموقراطية” في المنطقة الشمالية الشرقية، الحكومة السورية المؤقتة المعارضة في مناطق سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها، و”حكومة الإنقاذ” في محافظة إدلب والتي تُعدّ الذراع المدني ل”هيئة تحرير الشام”)، فضلاً عن استمرار الحرب، من قصف ومعارك، وفقدان الحدّ الأدنى من الأمان والخدمات في مناطق عدة.

لا تعمل “منظمة الصحة العالمية” سوى في مناطق سيطرة النظام السوري، وقدمت معظم جهودها في المساعدة الطبية المباشرة هناك، مع غيابها من المناطق الشمالية الشرقية والشمالية الغربية، وهو ما فاقم من تفاوت القدرة على الاستجابة للجائحة، وجودة وقدرة المنظومة الصحية، بجانبِ عوامل متعددة أخرى.

نرسم صورة بانورامية شاملة – ما أمكن – لتفاعل جائحة كورونا مع البنى الصحية بحالاتها وأنواعها في الداخل السوري، ووضع التجهيزات والحملات المُقدّمة في مختلف المناطق الرئيسية.

أرقام شديدة التباين

حتى منتصف نيسان/ إبريل 2021، تسجّل الإحصائيات المنشورة على موقع وزارة الصحة السورية 21004 إصابة بفيروس كورونا في المناطق التي تسيطر عليها، مع وفاة 1473 حالة من المصابين. إلا أن هذه الأرقام تواجه بتشكيك جهات محلية ودولية. فمثلاً، نشرت جامعة “إمبريال كوليدج” في لندن دراسة في يوم 15 أيلول/سبتمبر 2020 تقول فيها إن التقارير الحكومية لا تحصي سوى 1.25 في المئة من الوفيات الفعلية بفيروس كورونا في دمشق. وتكشف الدراسة عن وجود 4380 حالة وفاة في المدينة بسبب كورونا ولم تُسجّل بشكل رسمي، في المدة الواقعة بين 2 إلى 15 أيلول/ سبتمبر، مضيفةً أن رصد تلك الحالات حصل بسبب وجود آليات مراقبة عالية في دمشق، ما يعني أن حالات الوفاة خارج العاصمة قد تكون أعلى بكثير لعدم إمكانية مراقبتها من نشطاء وجهات طبية.

وقدّر موقع Syria in Context وجود 85 ألف حالة إصابة بفيروس كورونا على الأقلّ في دمشق فقط، معتمداً في استنتاجاته على صفحات الوفيات المنشورة على الإنترنت من 29 تموز/ يوليو حتى 1 آب /أغسطس 2021، وصور الأقمار الصناعية للمقابر ومقابلات مع أطباء وغير ذلك.

تأتي آخر التقديرات من “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الذي يقول إن الإصابات ضمن مناطق سيطرة قوات النظام قد بلغت نحو 859600 ألف إصابة مؤكَّدة، تعافى منها أكثر من 545 ألفاً، بينما توفي 22645 شخصاً، وذلك في تقريره الصادر يوم 16 نيسان/ ابريل 2021.

وكانت مصادر طبية رسمية في دمشق قد أكدت بدء الموجة الثالثة من انتشار الفيروس منذ بداية شهر آذار/مارس 2021، وتبع ذلك تصريح مدير مستشفى المجتهد في دمشق في 20/3/2021 بأن مناطق سيطرة النظام أصبحت في الذروة الثالثة للجائحة، وأن هذه الموجة “أصعب من سابقاتها”.

في شمال غرب سوريا، تبين الأرقام الصادرة عن “شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة” في 16 نيسان/ابريل 2021 ارتفاع عدد الإصابات المسجلة إلى 21623، مع 19.661 حالة شفاء و638 حالة وفاة. وكانت مديرة الاستجابة لسوريا في منظمة Save The Children، سونيا كوش، قد حذّرت في بداية العام من أن “الوضع أسوأ بكثير مما تخبرنا به الأرقام”، وتحيل المنظمة ذلك لعدم كفاية الاختبارات ونقص الإمدادات الطبية.

يردف هذا التحذير تصريح مدير الصحة في إدلب، لموقع “ميدل إيست آي” في كانون الأول/ ديسمبر 2020، بأن عدد وفيات Covid-19 قد يكون أعلى في شمال غرب سوريا، لأن بعض الوفيات التي تحدث في المنازل لم تُسجّل رسمياً، لعدم قدرة الأطباء على التأكد مما إذا كانت مرتبطة بالفيروس.

وفي أوائل نيسان/ابريل من هذا العام، حذّر فريق “منسقو الاستجابة” السكان في شمالي سوريا من الزيادة الملحوظة في أعداد الإصابات المرتبطة بفيروس كورونا، وأتبعه إنذار الدفاع المدني السوري بموجة جديدة من الوباء “قد تكون أخطر من سابقاتها”.

بالمثل، يُواجه السكان في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرق سوريا موجة ثالثة هي الأعنف والأسرع انتشاراً مع وصول السلالة الجديدة. ففي آخر الأرقام الصادرة عن هيئة الصحة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تسجّل 12756 حالة إصابة بفيروس كورونا، منها 432 حالة وفاة، و1382 حالة شفاء وذلك حتى منتصف نيسان/ ابريل 2021. وهو ما أُتبع بسلسلة من التدابير الوقائية الجديدة، من قرارات الحظر، ومنع التجمعات. وكذلك قد يختلف واقع انتشار الجائحة في هذه المناطق عن الأرقام الصادرة بسبب عدم توفر الفحوص المخبرية الكافية وضعف البنى التحتية الطبية ونقص الشفافية.

جني الحرب

خلّفت عشر سنين من الصراع آثاراً مدمّرة على نظاميّ الرعاية الصحي والمعيشي في سوريا، وكانت تُطلَق صيحات التحذير المتكررة من انخفاض القدرة الاستيعابية للمشافي وعدم جاهزية أنظمة الرعاية الصحية في المناطق المختلفة في البلاد حتى قبل أن تبدأ جائحة كورونا. في شهر آذار/مارس 2021، وصفت مفوضية الأمم المتحدة وضع الرعاية الصحية في سوريا بأنه “مأساوي”، حيث لا تعمل بشكل كامل سوى 58 في المئة فقط من المستشفيات، و53 في المئة من المراكز الطبية التي تقدم الخدمات الأساسية. وفي تقرير أصدرته لجنة الإنقاذ الدولي (IRC) في 3/3/2021 تحت عنوان “عقد من الهجمات على قطاع الرعاية الصحية في سوريا”، وثقت اللجنة التأثير هائل النطاق، والفادح على المنشآت الصحية والعاملين بها. أشار التقرير إلى أن 81 في المئة من العاملين في مجال الصحة الذين شملهم الاستطلاع لديهم زميل عمل أو مريض أصيب أو قُتل بسبب هجوم، في حين شهد 77 في المئة منهم على الأقل ما معدّله أربع هجمات على منشآت الرعاية الصحية، بينما شهد البعض ما يصل إلى 20 هجوماً على مدار سنوات الحرب. وشكّلت الغارات 72 في المئة من الهجمات، وأعرب 56 في المئة من المستطلعة آرائهم عن خشيتهم العيش بالقرب من منشأة صحية خشية التعرض لخطر الهجوم.

وعلى الرغم من أن مرافق الرعاية الصحية مشمولة بالحماية بموجب القانون الدولي، إلا أن التقرير يخلص إلى أن “النظام الصحي قد تدمر في سوريا، والمناطق الأكثر تضرراً هي الواقعة تحت سيطرة المعارضة بالبلاد”.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد أحصت في آذار/مارس 2020 تعرض المنشآت الطبية في سوريا لـ494 هجوماً، منها 337 هجوماً في شمال غرب سوريا، وذلك في الفترة الواقعة بين العامين 2016 و2019، وقالت إن نصف المنشآت الطبية البالغ عددها 550 في المنطقة بقيت قيد الخدمة.

وبسبب اعتماد النظام السوري على استراتيجية استهداف المستشفيات في حربه ضد المعارضة ،حتى أثناء انتشار جائحة Covid-19، عبّر 49 في المئة من المستطلعة آرائهم عن خشية الذهاب لطلب الرعاية الطبية بسبب الهجمات. ويخاطر الممارسون الطبيون المتبقون بحياتهم عبر الاستمرار في توفير الرعاية الطبية تحت ظروف العنف المستمر، ونقص الأدوية والمعدات. علماً أنه جرى إنشاء بعض المستشفيات داخل مغارات أو ملاجئ تحت الأرض لغرض الحماية. ينوّه التقرير أيضاً إلى مغادرة حوالي 70 في المئة من العاملين في القطاع الصحي البلاد، لتصبح النسبة الآن طبيب واحد لكل 10 آلاف سوري. لذلك يضطر العاملون في هذا المجال للعمل أكثر من 80 ساعة في الأسبوع لتعويض النقص. وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” قد اعتبرت في آذار/مارس 2020، أن نظام الرعاية الصحية في سوريا قد وصل بالفعل إلى شفير الانهيار، وبلغت الإمدادات والطواقم الطبية حدّها الأدنى.

دمشق ومناطق سيطرة النظام

في 22 آذار/ مارس 2020 خرج وزير الصحة السوري ليعلن عن أول إصابة بفيروس كورونا في البلاد، وذلك بعد أسابيع من ظهور الشائعات وإعلان جميع الدول المجاورة لسوريا عن وصول الجائحة لأراضيها، وظهور عدة مؤشرات تدلّ على تكتم النظام على حقيقة ما يجري في الداخل.

ومنذ الإعلان عن الحالة الأولى، أحاط الغموض والتخبّط بالكثير من جوانب تعامل السلطات السورية مع الجائحة. كانت الطواقم الطبية على الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس، لكن منظمة “هيومن رايتس ووتش” اتهمت النظام بعدم توفيره الحماية اللازمة للعاملين، وكانت من أبرز الحوادث المتعلقة بذلك إعلان نقابة الأطباء السورية وفاة 61 طبيباً وعاملاً في المجال الصحي في آب/أغسطس وبسبب اعتماد النظام السوري على استراتيجية استهداف المستشفيات في حربه ضد المعارضة ،حتى أثناء انتشار جائحة Covid-19، عبّر 49 في المئة من المستطلعة آرائهم عن خشية الذهاب لطلب الرعاية الطبية بسبب الهجمات. ويخاطر الممارسون الطبيون المتبقون بحياتهم عبر الاستمرار في توفير الرعاية الطبية تحت ظروف العنف المستمر، ونقص الأدوية والمعدات. 2020، في وقتٍ كان العدد الرسمي المعلن لجميع حالات الوفاة في عموم البلاد 64 فقط.

ووفقاً لما صرّح به أطباء لهيومن رايتس ووتش، فإن الوفيات التي تُنعى على صفحات الوفيات الرسمية للحكومة تنتمي بشكل أساسي إلى النخبة، مثل مديري المستشفيات، أو أساتذة طب سابقين. وقدّر الأطباء حينها بأن عدد الوفيات بين الأطبّاء والممرضين في الصفوف الأمامية أعلى بكثير – على الأرجح – بسبب عدم القدرة على إحصاء موظفي الصحة في الأرياف، وبناء على معرفتهم الخاصّة بالأطبّاء والممرضين الذين ماتوا.

وتحيل المنظمة “قلّة الإبلاغ” لعوامل عديدة أبرزها: قيود الحكومة على إطلاع عمّال الإغاثة على نتائج الفحوصات في مرحلة مبكرة، وغياب الفحوصات على نطاق واسع على الرغم من ضغط منظمات الرعاية الصحية لتوسيع قدرات الفحص. منبّهة أن منظمة الصحة العالمية بتبعيتها للأمم المتحدة لا يمكن لها التحكّم بالإبلاغ وهي تعمل فقط بموافقة الحكومة. من جهته، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان في أوائل عام 2021، أسماء 172 طبيباً ضمن مناطق نفوذ النظام السوري توفوا متأثرين بإصابتهم بكورونا خلال عام 2020. ويُضاف لذلك، ما ظهر في أيلول/ سبتمبر 2020 من إصابة ما يقارب 200 من موظفي الأمم المتحدة بالفيروس في سوريا.

مكافحة انتشار جائحة كورونا في مناطق سيطرة النظام واجهت عدّة مشاكل أبرزها تهالك المنظومة الصحية، ونقص الطواقم الطبية، ومحدودية الفحوص والموارد الطبية، وضعف إمكانيات المشافي الحكومية، وانهيار الوضع الاقتصادي العام، الذي تسبب في عدم قدرة الناس على اتخاذ أيّ من الإجراءات الوقائية المعتمدة عالمياً، أو تأمين متطلبات الحماية الأساسية.

مدير الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة أكّد أن وزارة الصحة عادت لتطبّق خطة الطوارئ B وأن جميع المؤسسات والكوادر الصحية مستنفرة بالدرجة القصوى، مصرّحاً في آذار/ مارس 2021 لوكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، بأن “نسبة إشغال أسرة العناية المركزة بمرضى كورونا في المشافي العامة المخصصة للحالات المثبتة والمشتبهة بالإصابة بالفيروس بدمشق بلغت 100 في المئة”، مضيفاً أنه جرى نقل بعض مرضى كورونا الذين يحتاجون إلى عناية مشددة لمحافظات أخرى، وذلك بسبب تجاوز القدرة الاستيعابية للمشافي في العاصمة.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد نقلت عن ممرضين وأطباء أن المشافي الحكومية الجاهزة للتعامل مع حالات Covid-19 قد تخطت قدرتها الاستيعابية، في حين لا تملك غيرها من المستشفيات البنية التحتية اللازمة. وعزوا ذلك إلى عدم توفّر قوارير الأوكسيجين وأجهزة التنفس الصناعي والأسرّة. ومع بدء الموجة الثالثة، خرجت تحذيرات عدة عن تجاوز الأزمة قدرة نظام الرعاية السوري على الاستيعاب، وخروج الجائحة عن السيطرة، وكان آخرها تصريح عضو الفريق الاستشاري لمواجهة فيروس Covid-19 في دمشق، بأن الكثير من الحالات القادمة إلى مشفى المواساة تتوفى بسبب ضعف الإمكانات، وما رافق ذلك من إجراءات حكومية بوقف العملية التعليمية مؤقتاً وجملة من الإغلاقات الأخرى. ويأتي هذا معاكساً للخطوة الحكومية بتخفيف الإجراءات في أيار/مايو 2020، حين برّر الرئيس السوري ذلك بأن المواطن أصبح أمام خيار “الجوع والفقر والعوز مقابل المرض” وأن “الجوع كنتيجة للفقر والعوز حالة مؤكدة وليست محتملة، أما حالة المرض فهي احتمال، ونتائج الجوع محسومة سلفًا، أما نتائج الإصابة بالمرض فليست محسومة”.

بلغ عدد المراكز والمخابر الحكومية والخاصة المعتمدة لإجراء اختبار PCR، 19 مخبراً وفقاً لما أصدرته وزارة الصحة السورية في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ويُكلّف الاختبار ما يعادل 100 دولار أمريكي وهو مبلغ يقارب ضعف متوسط الراتب الحكومي في بلدٍ صار أكثر من 80 في المئة من سكانه يعيشون تحت خط الفقر وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

ومع الأزمة الاقتصادية الخانقة واحتياج 11 مليون شخص في سوريا إلى المساعدة الإنسانية، يصبح من الصعب للغاية ارتداء الكمامات، أو الحصول على اسطوانات الأكسجين، والأدوية اللازمة وأجهزة التنفس الاصطناعي عند الحاجة إليها، ومع ذلك تلجأ عشرات الحالات لتقلي العلاج الذاتي في المنازل إذ لا تستقبل المشافي إلا الحالات شديدة الخطورة.

تبرز مشكلة المعتقلين في مناطق النظام السوري أيضاً، إذ يوجد نحو 130 ألف شخص لا يزالون محتجزين أو مخفيين قسرياً وفقاً لإحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”. وكانت منظمات حقوقية حذّرت من مصير المحتجزين في السجون المركزية والمعتقلات السورية في حال تفشي الفيروس بينهم، بسبب ظروف الاعتقال والاكتظاظ في السجون وانعدام الخدمات الطبية، والتجويع المتعمد والافتقاد الى أساسيات الصحة والنظافة والوقاية هناك. ودعت النظام إلى إطلاق سراحهم، وهو ما قوبل بعدم استجابة.

المخيمات

أدى عقد من النزاع في سوريا إلى إفراز أكبر أزمة نزوحٍ شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ومقابل الـ6.6 مليون شخص الذين غادروا إلى خارج البلاد هنالك أكثر من 6.7 مليون شخص نازح داخلي وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. تعتبر الفئة الأخيرة، وخاصةً ساكني المخيمات منهم، الأشد تأثراً بجائحة كورونا، لأسبابٍ تتعلق بالظروف التي يعيشونها، وعدم إمكانية تطبيق الإجراءات الوقائية الملائمة لمنع انتشار الفيروس، أو الحماية منه.

في تقريرٍ إحصائي صدر في 29 كانون الأول/ديسمبر 2020 عن منظمة “منسقو استجابة سوريا” – وهي منظمة محليّة غير حكومية – وثّق الفريق الأوضاع الإنسانية في مخيمات النازحين شمال غربي سوريا، والظروف والمشاكل الرئيسية التي تواجه ساكنيها. أوضحت الإحصائية أن عدد المخيمات الكلي يبلغ 1304 مخيماً، يقيم فيها نحو مليون و48 ألف نازح، وهي تتضمن مخيمات عشوائية يبلغ عددها 393 مخيماً ويقيم فيها 187764 نازحاً.

 ويتحدث التقرير عن نسبة العجز في الاستجابة الإنسانية، والتي وفقاً للفريق بلغت 54.8 في المئة في قطاع الأمن الغذائي وسبل العيش، و 72.6 في المئة في قطاع المياه والإصحاح (المرافق الصحية)، ووصلت حتى 86.5 في المئة في قطاع الصحة والتغذية و74.9 في المئة في قطاع الحماية، كما بلغت نسبة العجز في قطاع المأوى 54.4 في المئة، وهي النسبة المتعلقة بتأمين الخيم للمخيمات العشوائية. ويُلاحظ ارتفاع نسبة العجز في كافة القطاعات مقارنةً بالتقرير السابق الصادر من الجهة نفسها في شهر آب/ اغسطس 2020.

يظهر الجانب الصحّي ضمن أبرز المشاكل التي تواجه النازحين في المخيمات وفقاً للمنظمة، إذ تُذكر البيئة غير الصحية ومخاطر التلوث خصوصاً في المخيمات العشوائية، وانتشار حفر الصرف الصحي المكشوف، والحرمان من مصادر الدخل الأساسية والاعتماد على المساعدات الإنسانية فقط، وغياب الرعاية الصحية والأسس الوقائية اللازمة من فيروس كورونا المستجد. ويتحدث التقرير عن الحاجة لتأمين نظام رعاية صحية ثابت ومستمر في المخيمات، لأن زيادة أعداد الإصابات بكورونا ضمن النازحين وإدارة عمليات المرضى المصابين به كانتا من أبرز التحديات التي تواجه المخيمات في شمال غربي سوريا.

بصورةٍ عامة تتشكّل المخيمات العشوائية مع كل موجة نزوح جديدة، نظراً للاكتظاظ السكاني في مخيمات الشمال والضغط على قدرتها الاستيعابية. وقد يجبر القاطنون في هذه المخيمات الموضوعة عشوائياً على البقاء أشهر في العراء في ظلّ انعدام وجود أيّ مرافق صحية على الإطلاق.

عبّر العديد من سكان المخيمات بأنواعها عن العجز عن حماية أنفسهم من العدوى بـCovid-19، إذ يصعب تحقيق فكرة العزل الذاتي، أو التباعد الاجتماعي في هذه المخيمات المكتظّة بالسكان، ولا تتوفر أدنى مقومات الوقاية، حتى أن غسيل اليدين بانتظام يعدّ خياراً غير مطروح بصورة حقيقية، وذلك لاعتماد الكثير من سكان المخيمات على المياه المجموعة من الخزانات المشتركة.

ووفقاً لما تشير إليه منظمة أطباء بلا حدود، لا يكاد الماء النظيف يتوفر في بعض المخيمات، وتعتمد بعضها على المراحيض المشتركة، ويبين تقرير وحدة تنسيق الدعم الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2020 عدم وجود حمامات عامة في 65 في المئة من المخيمات التي شملتها الدراسة، وأن 55 في المئة فقط من المخيمات التي تحتوي على حمامات يردها ماء منتظم. ولا يمكن أن يُطلب من الناس “التزام منازلهم” في وقتٍ يعيش فيه أكثر من ثلث سكان إدلب منفيين من بيوتهم ومجموعين بكثافةٍ في مخيماتٍ تنعدم فيها سُبل الحياة وتفتقر في أعمّها للخدمات الأساسية. ويضاف إلى ذلك كله، ما تورده منظمة أطباء بلا حدود في بداية الجائحة عن معاناة 35 في المئة من مرضاها من مشاكل في التنفس أصلاً، وهو ما يزيد من التعقيدات في حال إصابتهم بالفيروس.

بالمقابل، وعبر خمسة عشر تقريراً أصدرها “مركز المجتمع المدنيّ والدّيمقراطية”، يرصد بها مستجدات جائحة كورونا في سوريا والإجراءات المتعلقة بها بصورة دوريّة من يوم 19/3/2020 حتى 30/9/2020، يتكرر الحديث عن انخفاض مستوى الوعي بخطورة الفيروس ومستوى تعاون الناس مع منظمات المجتمع المدني، وتسجّل التقارير حالات متنوعة حدث فيها اختلاط مع مصابين دون ارتداء الكمامة ليعرف الآخرون لاحقاً بإصابة المخالط به، أو مثلا حادثة اكتظاظ غرف الانتظار في “مشفى الإخاء” بالمراجعين رغم ظهور أعراض الزكام على بعض المُنتظرين، وعدم ارتداء الكمامات، ومثلها ازدحام الناس في الأسواق وحتى على نوافذ التسجيل لدى المراكز الطبية ومراكز الطفل والأم في بعض المخيمات.

تنوّه التقارير إلى ارتباط ذلك بانتشار الفقر وغياب الحدّ الأدنى من القدرة الشرائية للحصول على مواد تعقيم والكمامات الواقية، ويردف ذلك حديث منظمة أطباء بلا حدود عن محاولات البعض إيجاد حلول بديلة مثل نصائح بعض المعلمين لطلابهم باستخدام قطع القماش القديمة لتغطية وجوههم، وكذلك لجوء البعض لتغطية وجوههم بأكمامهم عند الحاجة القصوى للاختلاط.

 وما يزيد الأمر تعقيداً، تعرض المخيمات المتكرر للهطولات المطرية المتتالية، ما حدا بفريق “منسقو استجابة سوريا” إعلان “كافة المخيمات الموجودة في محافظة إدلب وريفها ومناطق ريف حلب، مناطق منكوبة بالكامل” في 31 كانون الأول/يناير 2021، وكانت هذه الظروف المناخية سبباً بتهدم المئات من الخيام وتضرر آلاف أخرى وبقاء العديد من العوائل في العراء أو لجوئها إلى خيم أقاربهم، وهو ما يُنتج بالضرورة بيئة يستحيل فيها إجراء أيّ نوع من التباعد الاجتماعي أو غيرها من الإجراءات الوقائية الأساسية.

الرعاية الصحية في شمال غرب سوريا

يواجه نظام الرعاية الصحية في شمال غرب سوريا، الواقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية، تحدّيات جمة في التعامل مع تفشي جائحة كورونا، وخصوصاً مع عدم وجود حكومة معترف بها دولياً، وتتعقد بالتالي تفاصيل وصول المساعدات. وبصورةٍ عامة، يعتمد الناس في هذه المناطق على المنظمات غير الحكومية للحصول على الرعاية الصحية وغيرها من البرامج الإنسانية والخدمات الأساسية.

ووفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود، لا يوجد سوى تسعة مستشفيات مخصصة لـ Covid-19 لخدمة سكان يبلغ عددهم حوالي أربعة ملايين نسمة، بالإضافة إلى 36 مركزاً للعزل والعلاج تقدم الرعاية الأساسية للمرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة، و3 مختبرات للفحوصات بمجموع أقل من 1000 فحص يومياً في الغالب، وذلك وفقاً لتحديثها الصادر في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وبحسب مديرية صحة إدلب، هنالك 600 طبيب فقط في منطقة شمالي سوريا، أي بنسبة 1.4 طبيب لكل عشرة آلاف نسمة، وهو أقلّ من الحد الأدنى المطلوب في الأزمات والذي يكون عادة خمسة أطباء لكل عشرة آلاف نسمة. علماً أن منظمة أطباء بلا حدود كانت قد قالت في أيلول/ سبتمبر 2020 إن حوالي 30 في المئة من حالات الإصابة في شمال غرب سوريا كانت لفئة العاملين في القطاع الصحي.

إضافة إلى ذلك، تحدث مدير دائرة صحة إدلب في فيديو نُشر في آذار/ مارس 2020 عن وجود 201 سرير عناية مشددة آنذاك، ما يعني أقل من سرير واحد متاح لكل 20 ألف مواطن، و95 جهاز تنفسي اصطناعي فقط للبالغين وكانت مشغولة بنسبة 100 في المئة في ذلك الوقت (لأمراض أخرى) .

بالعودة إلى الإحصائيات الواردة في تقرير نظام المعلومات الصحية المركزي الصادر عن الحكومة السورية المؤقتة في 15 نيسان/ابريل 2021، يتبين وجود 3 مختبرات فعالة لفحص كورونا، أجرت أكثر من 4000 حالة اختبار في الأسبوع الأخير الذي يغطّيه التقرير، بنسبة حالات إيجابية وصلت إلى 3.78 في المئة من مجموع المسوحات لذلك الأسبوع. ووفقاً للتقرير نفسه، هنالك 25 مركز عزل اجتماعي فعّال بعدد أسرّة وصل إلى 1158، و9 مشافي مخصصة للعزل والعلاج بعدد أسرّة 340 فقط. فضلاً عن 142 من أسرّة العناية المشددة، و131 عدد أجهزة التهوية الآلية الفعالة.

وفي بيانٍ صادرٍ عن ولاية شانلي أورفة التركية في أوائل كانون الثاني/ يناير 2021 أعلنت الولاية إنشائها لخمس مختبرات فحص PCR الخاصة بالكشف عن فيروس كورونا في مدينتي تل أبيض ورأس العين، المتواجدتين ضمن المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في شمال سوريا، وأن هذه المختبرات ستكون الموضع الذي تُطلب منه نتائج الفحوصات لمريدي المرور عبر المعابر الحدودية التركية السورية.

مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا

على غرار المناطق الواقعة إلى غربها، تعاني مناطق الإدارة الذاتية من نقص شديد في الموارد وانتشار للفيروس في عموم أرجائها. وتتحدث التقارير عن نقص بالمعدات واللوازم الطبية وقلة الكوادر الطبية في أغلب المشافي الواقعة ضمن سيطرة الميليشيات الكردية.

وصرّح الرئيس المشترك لهيئة الصحة في شمال وشرق سوريا في 12/4/2021 بأن “المنطقة وصلت إلى مرحلة خطيرة جداً” بسبب فيروس كورونا، وأن الهيئة “تقترب من حاجز فقدان السيطرة على هذا الفيروس، وللحيلولة دون انتشاره، قامت الهيئة بفرض حظر كامل على عموم شمال وشرق سوريا”، مشدّداً في مؤتمر صحافي على أن هيئة الصحة “غير قادرة على إيقاف الانتشار”، وأن “كافة مراكز الحجر الصحي التي تم تجهيزها لاستقبال الحالات المصابة، هي ممتلئة الآن”.

 وكانت هيئة الصحة في الإدارة الذاتية قد جهزت 13 مركز حجر صحي ،ومعالجة المصابين المحتملين بالفيروس في الأشهر الأولى من بداية انتشار الجائحة، مناشدةً الأمم المتحدة المساعدة، لعدم وجود مستشفيات في الكثير من المناطق، ولعدم احتواء مختبراتهم على أجهزة PCR الخاصة، وحاجتهم إلى أجهزة تنفس وأجهزة أشعة، فضلاً عن وجود 27 غرفة للعناية المركزة وخمس أجهزة أشعة فقط في عموم مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في وقتٍ يزيد تعداد سكان المنطقة فيه عن خمسة ملايين شخص.

وعلى الرغم من المناشدات، بقيت استجابة منظمة الصحة العالمية محكومة بالقيود المفروضة من قبل النظام السوري، والذي لا يتعاون مع الإدارة الذاتية في جهود التصدي للفيروس. وتحوي مناطق الإدارة الذاتية الآن على مختبرات PCR لفحص الفيروس لكنها مقدمة كمساعدة من قبل إقليم كردستان العراق والهلال الأحمر الكردستاني وهي غير كافية.

وكانت منظمة هيومن رايس ووتش قد وثّقت رفض السلطات في دمشق جمع بعض عيّنات فحص فيروس كورونا من شمال شرق سوريا لفحصها. وتعاني مناطق الإدارة الذاتية من القيود المفروضة على تسليم المساعدات من دمشق والعراق والتي تعرقل وصول الإمدادات والطواقم الطبية المطلوبة لدرء الانتشار ومعالجته.

***

هكذا، وعلى امتداد الأراضي السورية، بمختلف تصنيفاتها وظروفها، تكشف جائحة كورونا عن المشهد المأساوي الذي صارت إليه البلاد، وعن خروج التفّشي عن السيطرة، ووقوع جميع أطياف الشعب السوري، مدناً وأريافاً، بين أنياب المرض والحرب والدمار.

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

صحافية من سوريا مقيمة في اسطمبول

السفير العربي

———————————-

====================

تحديث 06 أيار 2021

———————-

شمال شرق سوريا يئنّ تحت وطأة كورونا

كشفت منظمة أطباء بلا حدود عن نفاد التمويل والإمدادات الطبية من المستشفيات مع وصول الموجة الثانية من فيروس كورونا إلى شمال شرق سوريا.

وأوضحت أنه اعتباراً من 26 نيسان/أبريل، :كان هناك أكثر من 15 ألف حالة مؤكدة -بما في ذلك 960 حالة على الأقل مسجلة من بين العاملين الصحيين و640 حالة وفاة”، مضيفة “يُعتقد بأن الأعداد الحقيقية للأشخاص المصابين بكوفيد-19 أعلى بكثير مما تم تسجيله مع استمرار معاناة الناس للوصول إلى الفحوص والرعاية الصحية”.

وقالت أطباء بلا حدود إنه “بعد مرور عام على تسجيل أول حالة إصابة بكوفيد-19 في المنطقة، لا تزال الاستجابة هشة وتعاني من نقص حاد في التمويل، بينما لا تزال خطط إعطاء المطاعيم للعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية والسكان غامضة وغير واضحة”.

وبحسب المنظمة، تنتشر جائحة كوفيد-19 الحالية بسرعة في جميع أنحاء شمال شرق سوريا. ففي المستشفيين الاثنين المخصصين لعلاج كوفيد-19 واللذين تدعمهما منظمة أطباء بلا حدود، في الحسكة والرقة، شهدت الفرق الطبية زيادة حادة في الحالات المؤكدة في نيسان/أبريل، بما في ذلك بين العاملين الصحيين.

وقالت مديرة الطوارئ الطبية في منظمة أطباء بلا حدود في سوريا كريستال فان ليوين: “إنه لأمر مروع، فبعد مرور عام على تفشي الفيروس، لا تزال منطقة شمال شرق سوريا تكافح من أجل الحصول على الإمدادات الأساسية اللازمة للتعامل مع الجائحة”، مضيفة أن “هناك نقص واضح في الفحوصات المخبرية ولكون سعة المستشفى غير كافية لاستيعاب المرضى، كما أن هناك نقصاً أيضاً في الأكسجين اللازم لدعم أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليه، بالإضافة إلى محدودية توافر معدات الحماية الشخصية للعاملين في القطاع الصحي”.

يتواجد المختبر الوحيد في المنطقة والذي يتم فيه إجراء فحوص كوفيد-19 المسحية في القامشلي، ويعاني حالياً من نقص حاد في الإمدادات، وبعد أسبوعين من الآن لن تكون هناك قدرة لإجراء فحص فيروس كورونا المسحي في المنطقة ما لم تصله المزيد من الإمدادات.

تبرعت منظمة أطباء بلا حدود بمستلزمات الاختبار لمختبر القامشلي في أربع مناسبات منذ بداية الوباء، وذلك لمنع النفاد الوشيك للإمدادات وضمان الاستمرار بإجراء فحوصات فيروس كورونا المسحية. وقالت فان ليوين: “مع عدم وجود آلية لعبور الحدود من خلال الأمم المتحدة في شمال شرق سوريا، فإن هذا الأمر يخلق تحديات أمام وصول الإمدادات إلى الشمال الشرقي من المنظمات التي تتخذ من دمشق مقراً لها، مثل منظمة الصحة العالمية، حيث تعاني المنطقة بشدة من نقص الخدمات الحاد في ظل هذا التفشي للوباء”.

وتوقف مركزان على الأقل من مراكز علاج كوفيد-19 في الحسكة والرقة عن توفير أنشطتهما بعد نفاد التمويل والإمدادات الطبية، حيث يرتبط ذلك بعدم وجود خطط تمويل طويل الأجل من قبل المنظمات الإنسانية ووجود صعوبة في خطوط الإمداد. في حين أن العديد من المستشفيات الأخرى غير المدعومة تطلق أجراس الإنذار وتطلب دعمًا أساسيًا وضرورياً لمواد مثل الأكسجين والمضادات الحيوية ومعدات الوقاية الشخصية حتى تتمكن من التعامل مع الأعداد المتزايدة من المرضى المصابين بكوفيد-19.

المدن

———————-

هل يغيّر الوباء علاقتنا بالموت؟/ دلال البزري

الموت هو الحدث الأهم بعد الولادة، بعد الحياة. إنه نقيضها. ومن دونه، لا معنى لها، أو يكون لها معنى آخر. والسؤال الذي يصرّ الموت على طرحه لا توجد إجابة عليه. بوجهه، يندفع الأحياء إلى القيام بحركة، بفعل ما، أو لقول شيء ما. وتكون طقوس الموت التي تطوّرت من زمان، ورستْ على الشكل الذي نعرفه الآن.

وهذه الطقوس قديمة، ومتنوّعة بتفاصيلها. تختلف باختلاف الثقافة والدين وأشياء أخرى. ولكنها كلها تُجمع على التقاء الناس ببعضها. يصلّون مطولاً، يعزّون، يمسكون بأيادي المفجوع، يحضنونه، يقبّلونه، يواسونه، يمشون في الجنازة، يتفنّنون بربط الزهور أو نثرها، يسهرون على الراحل وهو مسجّى، يلقون عليه النظرة الأخيرة، يتناولون الطعام عن روحه، أو قطعة حلوى، يقولون عنه كلاماً حسناً، يدعون له بالرحمة الإلهية. ويتذكّرونه في اليوم الثالث على وفاته أو الأسبوع أو الأربعين يوماً، أو السنة أحياناً .. ولا دلالات لطقوس الموت من دون هذه الكثرة من الناس. يرتفع عددهم في طقوس العزاء بارتفاع شأن الراحل: نجم من بين نجوم المجتمع أو الفن، رجل دولة، زعيم، وجيه، أو أحد المشاهير ..

قد يكون الهدف “الوجودي” من طقوس الموت هذه أن يتحقّق المشاركون فيه بأن الموت حصلَ فعلاً. بأن الغائب يغيب إلى الأبد. وإن كان المؤمنون من بينهم يقولون إنه لم يمُت، إنما انتقلت روحه إلى الأعلى، أو انتقلت الى جسم حيّ آخر، يحمل منذ ولادته “الكارما”، أي الحصرم أو الحظ السعيد الذي ورثه من الراحل (هندوس).

ومشاركة الجماعة المحيطة بطقوس العزاء بالميت هي التي تُعطي المعنى المُبتغى منها. من دون الشهود، من دون حضورهم، يفقد الموت معناه المعروف، أو المعنى المتَوافق عليه، حتى الآن، من المجموعة البشرية. مثله مثل طقوس العرس، ذات الجمهور الواسع أيضاً الذي يُطلب منه التصديق على قران. ولكن ببهجةٍ تقف على نقيض الحزن الطاغي على طقوس الموت.

الوظيفة المرجَّحة لهذه الطقوس؟ إعادة تنظيم الأشياء والوقت والوشائج والأحداث.. التي كَسَرها الموت. وإلى وضع الإنسان الحيّ أمام حقيقة الموت، تصديق الموت، تجسيده بالغياب. وإلى التعبير عن المشاعر الفياضة المكروبة التي يشعلها هذا الحدث الكبير. إلى تكريم الفقيد، والتعبير عن الثقة بأنه سوف ينعم بحياةٍ أخرى، أرحم، وبأن خسارته أكيدة، بعدما شهد عليه كل هؤلاء الناس. وكلما فاضت الكثرة، وجرى الدفء في قلب المفجوع، احتاج هذا الأخير أن يكون وحيداً، ليهضم فاجعته بالصمت، بالعزلة، ولو المؤقتة عن الناس.

والحال أن الوباء، ومنذ ما يزيد عن السنة، فرضَ على البشرية أن تبتعد بعضها عن بعض. التجمعات تحت نظام الحماية من الوباء كانت أولى الممنوعات. لا تجمّع في الشارع، في الساحات، في البيوت، في المطاعم، في الحدائق، في المخازن، في المقاهي، في وسائل النقل العامة .. ولا تجمّع، لا ازدحام، لا احتشاد .. لا في الأفراح ولا في الأتراح. بل في بداية انتشار الوباء، حُرِم المفجوعون والأقارب من رؤية عزيزهم، عشية موته، كما بعدها. كانت قاسيةً جداً إجراءات الموت في البداية، وقضت على طقوس الموت التي لا مغزى لها من دون التجمعات. ومع الوقت، تحلْحلت قليلاً الإجراءات، وأصبح في وسع واحد أو اثنين من الأهل أن يروا الميّت من خلف زجاج. طبعاً، ممنوع الجناز أو الصلاة أو أي فعل آخر من طقوس الموت، إلا لعدد مختصرٍ جداً من الناس. وقد يكون من بين المفجوعين مسافرون، لن يتمكّنوا من رؤية فقيدهم، لأن الوباء ضربَ في طريقه إمكانات السفر أيضاً.

هكذا، اقتصرت طقوس العزاء والمواساة لدى ملايين من الناس على التلفون أو الكبْسة على الخبر في المواقع الاجتماعية .. وكله من بعيد لبعيد. والمرء المعزّي جالسٌ على كنَبَته، يتصفّح موقعاً بعد آخر. وتكون النتيجة أن “الخبر” وصل إليه، ولا شيء بعد ذلك كله، سوى النسيان أن فلان توفي، وأن إصابته كانت وباء، أو واحداً من حوادث الموت التي لم نعُد نعير لها الانتباه، فيصبح الموت في هذه الحالة مثل غيمة طارئة ثقيلة، تغير على الذاكرة بغْتة، ثم تختفي، لتحضر أخرى… يحضر الأموات في أيام الوباء ويغيبون. كأنهم لا أموات ولا أحياء. فيكون الموت في هذه الحالة فكرة قريبة من التجريد، أو اللامحسوس. وبذلك، بدل أن يستكين القلب إلى حقيقة الموت، فيستريح بحزنه… يتحوّل الموت إلى شبح يومي، يزورنا من حيث لا ندري، والأموات حاضرون-غائبون، كما لم يحضروا أو يغيبوا يوماً. شبح محمَّل بالدهشة والرعشة والرهبة… وأحياناً الهلع.

ومفارقة عجيبة: الوباء يحاصرنا، بتهديدنا بالموت. الموت حاضر على الرغم من حالة السكون التي يتسبَّب بها إغلاق الأبواب على حركة البشر. ولكن في الآن عينه تنقصه مشهدية كثرة الموت الذي يوزّعه الوباء، بالجموع الماشية خلف نعش، أو المصلية عليه… ما يعني، في هذه الحالة، عندما يأتي خبر وفاة عزيز، أو مجرّد معرفة عامة، فإن منع إجراء الطقوس المناسبة لموته جماعةً يحول موته إلى خبر من بين الأخبار .. فلم تقم مع الجماعة بالحِداد، وأبطلت بذلك الدفاعات القديمة، الجماعية، في مواجهة حقيقة حصول الموت.

وهل تعتقد أن الإنسان، تحت وطأة الوباء، استسلم نهائياً لحرمانه من هذه الطقوس المأتمية؟ كلا. بفضل التكنولوجيا، وتسارع قدراتها، استطاع هذا الإنسان الحديث أن يتجاوز مشكلة التجمّع البشري في العزاء أو الجنازات أو الصلوات بأن اخترع “المقبرة الافتراضية”. ربما ثمّة مقابر افتراضية أخرى، ليست واضحة حدود انتشارها. ربما تحتاج إلى تقصٍّ تكنولوجي. ولكن المهم، أن هذه المواقع تقدم نفسها على أنها بديل عن طقوس الحِداد المعروفة، خصوصاً في الشرق، فمؤكد أن الذي اخترع هذا النوع من المنصّات الافتراضية ليس من ذوي التعلّق بطقوس أي دين من الأديان المعترف بها. أقصد أنه أكثر ميلاً إلى فقر طقوس الموت والحِداد عند الغربيين، عكس الشرقيين الذين يبالغون أحياناً بها. هذا “الاستعداد النفسي”، الذي يسمح بالتخفّف من فروض الطقوس التقليدية، قرّب المخترع من اختراعه، فكانت “المقابر الافتراضية” التي تستقبل أشكالاً من “المشاركات”. وفي الموقع أبواب مختلفة كلها تصبّ بالفقيد: هل تريد أن تزرع شجرة، تخليداً لذكرى الراحل؟ أو ترسل باقة زهور إلى أقاربه أو أصدقائه، أو لوضعها على قبره؟ أو بطاقات العزاء، المكتوب عليها كلمات لطيفة، والمرسومة بعناية، وبذوق رفيع؟ أو أن تُنْزل ورقة نعوة؟ أو تزور الماغازين الذي نصدره؟ هل تحتاج إلى صاحب مهنية عالية، يساعدكَ على تنظيم الدفن، أو يدعمكَ معنوياً في فجيعتك؟ الموقع يقدم كل هذه الخدمات.. وفوق هذه العروض ثلاث خانات: المشتريات، ابحث عن فقيد، حسابكَ في الموقع.

هل يتطوّر الوباء فيصبح الموت أكثر حضوراً وغياباً في آن؟ أم ينتهي، وتعود البشرية إلى سابق حزنها، فتجتمع كما كانت تفعل منذ آلاف السنين؟ أم فعلاً هذه “المقابر الافتراضية” سوف تغزو أسواق الموت بطقوسها الافتراضية؟ بحسناتها العديدة، صحية، معقّمة، مربحة، نظيفة، سريعة، فيتغير تصوّرنا للموت بعد الوباء، أو علاقتنا به؟ كما تغيرت أشياء كثيرة؟

العربي الجديد

———————-

كيف تغيَّرت الطريقة التي نتحدَّث بها في زمن الجائحة؟

ترجمة: دينا البرديني

فيما تُواجه عدداً كبيراً من دول العَالَم موجاتٌ متكرِّرة من الإغلاق لتسطيح منحنى العدوى بفيروس كورونا، يعكف خبراء اللُّغويّات حول العَالَم على دراسة «لغة» الجَائِحة. في مارس/آذار 2020، دخلت حياتنا اليوميّة مصطلحات مثل «تباعُد اجتماعيّ» «حَجْر صحيّ» و«عزل». وعلى الرغم من أن تلك المُصطلحات ليست بجديدة، إلّا أنها اكتسبت معاني جديدة تؤثِّر على إدراكنا للعَالَم من حولنا.

منذ منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي تقوم «بيتسي سنيلر – Betsy Sneller» -الأستاذ المُساعد في علم اللُّغويّات الاجتماعيّّة بجامعة «ميشيجان» الأميركية (MSU)، بمُساعدة «سوزان واجنر – Suzanne Wagner» المدير المُساعد للمشروع ومعهما فريقٌ من الباحثين- بجمع رسائل صوتيّة من سكّان ولاية «ميشيجان» الأميركيّة لتتبُّع ما طرأ على اللُّغة من تغيُّرات خلال الجَائِحة. ويهدف المشروع الذي أُطلق عليه «يوميات MI» إلى تتبُّع تأثير أجواء التباعُد الاجتماعيّ والتعليم الافتراضيّ على اللُّغة، وذلك سواء على المدى القصير أو البعيد. تقول «سنيلر – Sneller»: «ولكن هناك أيضاً ذلك البُعد الإنسانيّ للأشياء (…) أنت تراقب مشاعر الأشخاص من أسبوعٍ لأسبوع، وكيف تتغيَّر بشكلٍ كبير الموضوعات التي يرغبون في الحديث بها».

في بحثٍ لجامعة «ميشيجان» الأميركيّة، تقوم «واجنر – Wagner» -الأستاذ المُساعد في علم اللُّغويّات- بوصف الحرب العالميّة الثانية بأنها تمثِّل منعطفاً حقيقيّاً في اللُّغة الإنجليزيّة لإحداثها تقارباً بين أناس لم يكن لتوجد بينهم أي علاقة. تقول «واجنر – Wagner»: «كان يتمُّ إرسال الجنود الى القواعد العسكريّة فيما دخلت النساء ساحة العمل لأول مرّة». وعلى العكس من ذلك، أجبرنا «كوفيد – 19» على التباعُد جسديّاً، جاعلاً من التعاملات الافتراضيّة شيئاً طبيعياً.

بدأت «سنيلر – Sneller» عملها في جامعة «ميشيجان» في منتصف شهر مارس/آذار 2020، وهو تقريباً نفس التوقيت الذي أعلنت فيه منظَّمة الصحَّة العالميّة حالة الطوارئ العالميّة بسبب الجَائِحة. مدفوعة بتصميمها على توثيق لحظة تاريخيّة، نجحت كلٌّ من «سنيلر» و«واجنر» في الحصول على موافقة مجلس المُراجعة المؤسَّسية في «ميشيجان» لإجراء الدراسة. وتقوم «واجنر» حالياً بلقاء فريق العمل مرّة أسبوعياً لوضع الأسئلة التي يتمُّ طرحها على المُشاركين. أمثلة لبعض الأسئلة التي يتمُّ طرحها: «ماذا كان شعورك في أول مرّة ارتديت فيها القناع خارج المنزل؟» أو «هل اضطررت أنت أو أحد المُقرَّبين إليك إلى إلغاء خطط مهمَّة؟». على الرغم من تعلُّق معظم الأسئلة المطروحة بالوضع الحالي الذي نعيشه الآن، إلّا أن بعض الأسئلة يتمُّ طرحها للتعرُّف بشكلٍ أكبر على المُشاركين، مثل «ماهي الأشياء التي تُشعرك بالامتنان؟». يقوم المُشاركون بتسجيل مدخلاتهم على هواتفهم الشخصيّة، ومن ثَمَّ تحميلها على تطبيق مشروع يوميات (MI).

تحقِّق تلك المُدخلات هدفاً أبعد من التوثيق اللُّغويّ، فهي تقوم بتتبُّع التغيُّرات الاجتماعيّة التاريخيّة التي طرأت تزامناً مع الجَائِحة. لاحظت «سنيلر» تحوُّلاً في نبرات أصوات المُشاركين خلال فترة الثلاثة أشهر التالية، تلقَّى فيها التطبيق عدداً أكبر من المُدخلات من أناسٍ يشعرون بالإحباط وفقدان الأمل. على الرغم من أن البحث مازال في بداياته، إلّا أن «سنيلر» لديها بعض التنبؤات حول الكيفية التي سيؤثِّر بها التباعُد الاجتماعيّ على طريقة الحديث، وبالأحرى فيما يخصُّ مصطلح «الجَائِحة». في بداية شهر أبريل/نيسان 2020، كان المُشاركون والعَالَم بشكلٍ عام غير متأكِّدين ماذا يطلقون على الفيروس، تقول «سنيلر» «كان لدينا أناسٌ يشيرون إلى الفيروس في جمل تتخلَّلها عبارات مثل «الأوقات السابقة» أو «الأوقات الحالية» أو كلمات مثل «إغلاق» و«حجْر صحيّ»، وأضافت أن الأغلبية متفقة الآن على استخدام مصطلح «الجَائِحة».

كلمات لعام غير مسبوق

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدر قاموس أكسفورد للغة الإنجليزيّة (OED) تقريراً تحت اسم «كلمات لعام غير مسبوق». بعكس الأعوام السابقة، التي كان يتمُّ فيها اختيار كلمة واحدة لتكون كلمة العام (على سبيل المثال كلمة «طوارئ مناخية» لعام 2019) شعر المُحرِّرون باستحالة تلخيص عام 2020 في كلمة واحدة. تضمَّن التقرير عشرات الكلمات مثل «عنصرية ممنهجة/ systemic racism» و«انتقاد متعلِّق بالقناع/mask-shaming» وبالطبع كلمة «فيروس كورونا/Corona virus». وجاء في تحليل التقرير أنه في فترة ما قبل يناير/كانون الثاني 2020 ظهرت كلمة «فيروس كورونا» بمعدل 0.03 مرّة كلّ مليون رمز (وهو مصطلح لُغويّ يشير إلى أصغر وحدات اللُّغة). فيما شهد شهر أبريل/نيسان 2020 قفزةً هائلة في استخدام الكلمة المذكورة -متضمِّنة مشتقاتها مثل كلمة كوفيد- ليصل إلى 1.750 مرّة كلّ مليون رمز لُغويّ، ليصبح بذلك أكثر الأسماء استخداماً في اللُّغة الإنجليزيّة. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن التقرير تضمَّن أكثر عشرين كلمة استخداماً في يناير/كانون الثاني 2020، مثل «حرائق غابات – bushfires» و«عزل الرئيس – Impeachment» و«ضربة جوية – airstrike»، أمّا في مارس/آذار 2020 فكانت جميع الكلمات الأكثر استخداماً ذات صلة بكوفيد. ومازال المُحرِّرون في (OED) عاكفين على تتبُّع التغيُّرات اللُّغويّة ذات الصلة بالجَائِحة، حتى أنهم قاموا بإصدار تحديثين إضافيين بخلاف تقريرهم ربع السنويّ المُعتاد. تجدر الإشارة أيضاً إلى وجود مزاعم بأن الكلمة الوحيدة التي تمَّ إفرازها نتيجة الجَائِحة هي الكلمة المُركَّبة «كوفيد – 19».

غير الناطقين باللّغة السائدة هم الأكثر عرضةً لاتخاذ قرارات أَقلّ وعياً

تعزي «الفريدا كايثلر – Elfrieda Lepp-Kaethler»، أستاذة علم النفس اللُّغويّ، هذا التغيير غير المسبوق في اللُّغة إلى السرعة التي انتشر بها الفيروس، والتي دفعتنا دفعاً إلى الفضاء الافتراضيّ. في فترة الإغلاق، بدأت «كايثلر» في إجراء أبحاث عن «الميمات»، فهي من وجهة نظرها أرضٌ خصبة لتغيُّر اللُّغة. تقول «كايثلر»: «تزدهر (الميمات) بناء على وجود أرضية من الفهم المُشترك» وتضيف أن «كوفيد» يمنحنا خلفية مشتركة تمكِّن الجميع من أن يكونوا مشمولين داخل الوضع ذاته، كما تشير إلى أن الجَائِحة أظهرت كيف يستخدم الناس الدعابة للتأقلم مع الأوضاع الصعبة.

في 2019، أنهت «كايثلر» دراستها في العلاج بالفَنّ التعبيريّ، وهو نوعٌ من العلاج يستخدم مختلف أشكال الفَنّ -كالرسم أو الكتابة- للمُساعدة في التشافي والنمو. في رأيها، الميمات شكل من أشكال الفَنّ التعبيريّ، لذلك فهي تحاول إدماج أبحاثها في الفصول التي تقوم بتدريسها. في مارس/آذار 2020، اضطرت «كايثلر» -شأنها في ذلك شأن العديد من الأساتذة- إلى استخدام نموذج التعليم عبر تطبيق «زووم – zoom». بشكلٍ عام، تسبَّب ذلك النموذج التعليميّ في عدد هائل من معوقات الاتصال، والتي أثَّرت سلباً على المُجتمعات المُهمَّشة، خاصّة إذا ما اقترن ذلك بسيل من المعلومات حول الجَائِحة والتي قد يكون معظمها غير دقيق. وقد أوضحت دراسة أميركيّة نشرتها دورية «تدريس اللُّغة الإنجليزيّة لغير ناطقيها /TOESL» في أغسطس/آب الماضي، أن التعليم الافتراضيّ أثَّر سلباً على الطلاب الناطقين بأكثر من لغة. وفي الوقت الذي تدفَّقت فيه المعلومات باللُّغة الإنجليزيّة، كانت هناك إمكانيات أَقلّ لدارسي اللُّغة الإنجليزيّة في أنظمة التعليم الأميركيّة، وذلك بسبب افتقارها للبنية التحتية التكنولوجيّة التي تمكِّنها من إدارة التحوُّل إلى التعليم عبر الإنترنت.

في الوقت نفسه، أقرَّت منظَّمة «مترجمين بلا حدود» (TWB) -والتي تعمل على ترجمة كل ما يختص بالصحَّة العامّة- في موجز سياستها العامّة، بأن المُجتمعات التي لا تتحدَّث اللُّغة السائدة قد لا تتمكن من اتخاذ قرارات واعية حول ماهية التصرُّف الأمثل خلال الجَائِحة. وأوضحت «إيلي كيمب – Ellie Kemp»، رئيس إدارة الاستجابة للأزمات في منظَّمة «مترجمين بلا حدود»، في حديث لمنصّة «ديفيكس – Devex» الإعلاميّة المعنية بمتابعة مؤشّرات التطوُّر العالميّة، أن الكلمات الاصطلاحيّة مثل كلمة «تباعُد اجتماعيّ» يمكنها أن تكون غير مفيدة على الإطلاق، لأن المُصطلح نفسه غير مألوف. وتقترح «كيمب» استخدام عبارات مثل «الحفاظ على مسافة من الآخرين» كبديل للمُساعدة على نقل التعليمات بشكلٍ أوضح. بالإضافة إلى ذلك، قامت منظَّمة «محامي كندا» بِحَثِّ سلطات الصحَّة العامّة على إتاحة كافة المعلومات المُتعلِّقة بلقاح «كوفيد – 19» لغير الناطقين باللُّغة الإنجليزيّة، وذلك نظراً لتزايد انتشار المعلومات المغلوطة حول أمان اللقاح. في الولايات المُتحدة الأميركيّة نجد أن البرنامج الخاصّ بمُراقبة اللقاح -التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها- والمُصمَّم خصيصاً لتتبُّع الأعراض الجانبية للقاح «كوفيد – 19»، متاح فقط باللُّغة الإنجليزيّة.

للغة أهمِّيتها الحتمية

تقول «سنيلر» «نحن نجد أن اللُّغة مرتبطة بشكلٍ عميق بالهويّة الشخصيّة للأفراد، كما أنها غالباً ما تُظهر التاريخ الفرديّ والجمعيّ»، وتضيف مؤكِّدة «للغة أهمِّيتها!». نجد مثالاً واضحاً عندما قام الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب بتكرار كلمة «الفيروس الصينيّ». إن اللُّغة التي اختارها للإشارة إلى كوفيد أدت الى ظهور مشاعر معادية للآسيويّين عبر البلاد، وبالتبعية تزايدت حالات الاعتداء اللفظيّ والجسديّ بسبب مخاوف تتعلَّق بفيروس كورونا. واستجابة منها لذلك السيناريو، قامت منظَّمة الصحَّة العالميّة بالتغريد «إن الكلمات قادرة على تخليد أفكار وفرضيات نمطية سلبية، ممّا يعزِّز من إيجاد روابط غير حقيقيّة بين «كوفيد» وبعض العوامل الأخرى، كما تخلق حالة من الخوف واسعة الانتشار وتؤدِّي إلى تجريد المُصابين بالمرض من صفة الإنسانيّة». كان استخدام ترامب للمُصطلح متعمَّداً، وهو ما أكَّده مصوِّر صحافي تابع لجريدة «واشنطن بوست» حين التقط صورةً لمُلاحظات خاصّة بترامب خلال إحدى خطبه في مارس/آذار 2020، وكان قد شطب كلمة «كورونا» بخطٍ أسود عريض ليكتب مكانها كلمة «صينيّ».

استخدام الاستعارات/ التشبيهات ذات الصلة بفكرة «الحرب» خلال الجَائِحة ظاهرة لفتت أنظار خبراء اللُّغويّات، إذ حث أغلبهم على استخدام استعارات غير ذات صلة بفكرة الحرب لتشجيع الأفراد على اتباع احتياطات الأمان. فتشبيهات مثل «الحرب ضد فيروس كورونا» قد تؤدِّي إلى إحداث حالة من القلق لا داعي لها، الأمر الذي دعا اللُّغويّين حول العَالَم إلى التشاور بشأن إيجاد عبارات بديلة، وذلك من خلال تفعيل هاشتاج «#Reframe covid» (أعيدوا صياغة كوفيد). أعطت «كايثلر» مثالاً في استخدام لفظ «أبطال» للإشارة إلى العاملين بالصفوف الأمامية خلال الجَائِحة، مؤكِّدةً أن استخدام ذلك اللفظ يُبعد التركيز عن التحدّيات الإنسانيّة التي يواجها هؤلاء العاملون. وأخيراً، تشير «سنيلر» إلى أن حجم الدراسة النهائي مازال مجهولاً، وذلك لأنه مازال يتعيَّن عليهم الاستمرار في توثيق المزيد من المُشاركات حتى بعد إتاحة اللقاح وانتهاء فترة التباعُد الاجتماعيّ، وهو أمرٌ غير معلوم ميعاده حتى الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

بيا آرانيتا

وباءان وعالَمان/ شادي لويس

وصلتني الرسالة النصية في موعدها، كانت هيئة الصحة العامة البريطانية قد أعلنت قبلها بساعات عن البدء في تطعيم المواطنين فوق سن الأربعين. وفي الصباح التالي، تلقيت الجرعة الأولى، كان مركز التطعيم على بعد محطة قطار واحدة، تطلب الأمر بضع دقائق لا أكثر للوصول. وفاجأني الشعور الطاغي الذي انتابني، بالامتنان، وبحرارة شديدة شكرت بها الممرض بعدما حقن ذراعي اليمنى، بأسترازنيكا. وبدت على الشاب ذي الملامح الهندية، المفاجأة أو الدهشة، ولعلني بالغت في التعبير عن مشاعري، قلت له شيئاً عن المجتمع والتضامن، كنت منفعلاً لدرجة إنني لا أتذكر ما قلته بوضوح الآن. ثقل عام وأكثر من الخوف سقط عن كاهلي فجأة. ثلثا البالغين في بريطانيا تم تطعيمهم بالفعل، والحياة تعود تدريجياً. بعد أقل من شهرين، سيكون الجميع قد تلقوا تطعيمهم، على الأقل بجرعة واحدة، وبنهاية شهر يونيو ستكون غالبية القيود قد رفعت بالكامل، حتى الملاهي الليلية ستفتح أبوابها أخيراً.

كانت إمكانية حصولي على اللقاح ضد كورونا، قبل أن تتلقاه والدتي في القاهرة، فكرة تؤرقني منذ البداية، فأي منطق هذا الذي تفرضه تقسيمة الشمال والجنوب! وحين ندرك أن امتيازات بعينها لا يمكن حتى التخلي عنها لصالح شخص آخر أكثر حاجة منا، يصبح هذا الامتياز عبئاً من نوع خاص. ففي ظل التفاوت في حصص التلقيح، بين هنا وهناك، تصبح التضحية حتى غير ممكنة، فلا يمكنني مثلاً أن أتنازل عن لقاحي لصالح أمي وهي تعيش في بلد آخر، في الجنوب.

إلا أنه وبضربة طيبة للحظ، حصلت والدتي على الجرعتين قبلي بشهر، والكثير من الأصدقاء في القاهرة، مصريين وأجانب، وبعضهم أصغر سناً مني، حصلوا على اللقاح أيضاً، بجرعتيه، وقبلي بأسابيع. أعفتني تلك الأخبار السعيدة من الشعور بالذنب.

يوم الإثنين، كان عدد الوفيات قد هبط في المملكة المتحدة، إلى ضحية واحدة. عدد الإصابات في تراجع مضطرد، وكذلك الحالات الحرجة في المستشفيات. الرقم صفر من الوفيات متوقع في خلال الأيام. ولا يعكر تلك الأخبار السارة، سوى الصور القادمة من الهند، الجثامين المكومة في الشوارع، وحرائق الجثث الهائلة. في مصر، ورغم فقاعة الأمان الصغيرة لدائرة الأقارب والأصدقاء الملقّحين، فنسبة لا تتجاوز الواحد في المئة من السكان حصلت على اللقاح. ولا أحد يعرف كم سيحتاج الأمر لتلقيح نسبة كافية للوصول إلى مناعة القطيع. فواحد في المئة فقط استغرق أكثر من شهرين. الموجة الثانية أو ربما الثالثة، قد تضرب الصعيد بعنف، ووزارة الصحة تعلن تجاوز عدد الضحايا من الأطباء عتبة الخمسمئة وفاة. فكيف سيكون الوضع بعد ستة أشهر، حين تتباطأ فاعلية التلقيح أو تزول؟

الصين تتجاوز الولايات المتحدة في عدد اللقاحات، أكثر من ربع مليار مواطن تم تلقيحهم، وتتخطى هذا الأسبوع معدل العشرة ملايين لقاح يومياً، لكن الولايات المتحدة تظل متقدمة عليها في نسبة الملقحين مقارنة بعدد السكان. جنوبي الحدود الأميركية، الوضع يزداد مأساوية، في المكسيك وبقية أميركا اللاتينية، القارة الأكثر معاناة من الوباء حتى اليوم. الأوروبيون يتحركون ببطء، لكن مع نهاية الصيف ستكون الأمور تحت السيطرة. لا أحد يعرف حقاً ما يحدث في أفريقيا على وجه الدقة. الإحصاءات الرسمية في روسيا، تكشف سقوط أربعمئة ألف ضحية للوباء خلال العام الماضي، أضعاف الأرقام المعلنة قبلاً.

تعيد حملات التطعيم ترسيم الحدود، بين وباءين، وبين عالَمين، ربما سيغلق كل منهما على نفسه بالكامل قريباً جداً. الكارثة الهندية التي لم تلامس حدود مأسويتها بعد، قابلة للتوسع وللتكرار، والانتقال بسرعة والتمدد. الجزائر البعيدة، والتي نتخيلها مغلقة دائماً، تعلن اكتشاف أول حالة من سلالة البنغال ثلاثية التحور. غالبية الدول توقف السفر من الهند وإليها، حصار غير مقصود لكنه حقيقي، قطيعة كاملة عن العالم. مالطا وإسبانيا واليونان، تتأهب لموسم السياحة الصيفي واستقبال الزوار الأوروبيين، وخطط للسفر أيضاً إن سمحت الظروف. والسلالة البرازيلية تقتل من هم تحت الأربعين. يمكن تأجيل الشعور بالذنب بالطبع، لكن ليس لوقت طويل.

المدن

————————————-

جائحة كوفيد -19 تؤثر سلبًا على معدلات الإنجاب في عدد من الدول/ أحمد خواجة

امتدت آثار جائحة كوفيد -19 التي تضرب العالم منذ أكثر من سنة، لتطال مختلف جوانب حياة المواطنين حول العالم، ما دفع بالعديد من الأسر إلى الإحجام عن إنجاب المزيد من الأطفال، خاصة في الدول الغربية، حيث أظهرت الإحصاءات تراجعًا واضحًا في الخصوبة خلال عام 2020 وانخفاضًا في معدلات المواليد الجدد، بسبب خوف هذه الأسر من الإقدام على هذه الخطوة في ظل انعدام الأمان الصحي، وفي ظل الاكتظاظ في المستشفيات التي عجّت بمرضى كوفيد-19، وكذلك بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية بعد إغلاق الكثير من القطاعات، وصرف آلاف العمال أو تخفيض رواتبهم، فانعكس غياب الأمن الاقتصادي والوظيفي، تراجعًا في نسب المواليد الجدد.

ضمن هذا الإطار  نشر باحثون في جامعة ساوثهامبتون البريطانية، دراسة تثبت انخفاض معدلات الولادات الجديدة في المملكة المتحدة خلال عام 2020 وقد أشارت الدراسة إلى أن هذا الانخفاض بدأ قبل وصول جائحة كوفيد-19، ولأسباب مختلفة أبرزها اجتماعي واقتصادي، إلا أن الأمور وصلت إلى ذروتها خلال الجائحة، حيث أثبتت الإحصاءات التي شملت الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020، انخفاضًا تاريخيًا وغير مسبوق في معدلات الخصوبة لم تشهدها المملكة المتحدة من قبل، كما ذكرت الدراسة أن معدل الخصوبة الحالي في بريطانيا اليوم هو 1.6 طفل لكل امرأة، وهو أقل مما كان عليه في ثلاثينات وفي سبعينات القرن الماضي، وسلط الباحثون الضوء على تأثيرات فيروس كورونا المحتملة على معدلات الخصوبة في المستقبل، إذ رأوا أنه يجب أن يُنظر إليها بتمعّن.

وفي السياق نفسه، سجّلت معدلات الولادات في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2020 تراجعًا،  بنسبة 4 % عن العام الماضي، وهي أعلى نسبة تراجع سنوية تسجّل في البلاد منذ أكثر من خمسين سنة، بحسب ما كشفته دراسة حكومية أجراها المركز الأمريكي لمعالجة الأمراض والوقاية منها، نُشرت في الخامس من أيار/مايو 2021. ونقلت وكالة أسوشيتيد بريس عن خبراء أمريكيين، تأكيدهم على الدور الكبير الذي لعبه انتشار فيروس كورونا في الانخفاض الكبير في معدل الولادات في العام الماضي، كما أن قلق الأهل من التأثيرات السلبية للجائحة على الوضع الاقتصادي، جعلهم يعتقدون أن إنجاب طفل في ظل هذه الظروف هي فكرة سيئة. كما نقلت الأسوشيتد برس عن برادي هاميلتون، الذي يعمل في المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، قوله أن الأرقام كانت مدهشة خاصة بالنسبة للنساء المتقدّمات في السن، واعتمد المركز في دراسته على أعداد شهادات الولادة التي سُجلت في العام 2020، وأشار هاميلتون إلى الكثير من حالات الحمل في هذا العام حصلت قبل ظهور الجائحة ما يعني أن النسبة كان يمكن لها أن تنخفض أكثر. وتشير الدراسة إلى أن 3.6 مليون طفل وُلد في العام 2020، مقابل 3.75 مليون طفل في العام 2019، مع العلم أن النسبة الأعلى كانت قد سُجلت في العام 2007 حيث تم تسجيل ولادة 4.3 مليون طفل.

ولم يختلف الوضع في فرنسا، حيث ذكرت الوكالة الفرنسية أن نسبة الولادات المسجلة في فرنسا خلال شهر كانون الثاني/يناير 2021، انخفض بنسبة 13 % عن الولادات المسجّلة في الشهر نفسه من العام 2020، كما أشار التقرير إلى أن فرنسا سجلت 735 ألف ولادة جديدة خلال العام 2020،  وهو أقل عدد ولادات جدد في عام واحد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ونقلت الوكالة الفرنسية عن الوكالة الوطنية للإحصاء في فرنسا، تأكيدها أن سياق الأزمة الصحية، وعدم الاستقرار واليقين الهائل لدى الأهل، هي عوامل قد تثني الأزواج عن الإنجاب، أو تدفعهم إلى تأجيل المشروع إلى أشهر طويلة. كما كانت صحيفة الفاينانشيال تايمز قد قالت أن الصين تستعد للإبلاغ عن أول انخفاض في النمو السكاني لديها منذ 5 عقود.

———————–

سوريا : الموت يفتك بضحايا كورونا بعد أن أهدى النظام اوكسيجنهم للبنان/ صهيب الأحمد

أصبح مريض “كورونا” الذي تخلت بحجته وزارة الصحة عن مسؤولياتها الأخرى، بغنى عن خدمات هذه الوزارة المتمثلة بمراكزها ومستشفياتها، أما بقية المرضى، الذين ينتظرون حلول موعد عملياتهم، فأمامهم المزيد من الانتظار.

في حين قلصت معظم دول العالم مصاريف قطاعاتها، وحولت مواردها إلى قطاع الصحة المهدد بجائحة “كورونا”، سعياً إلى تقديم ما يستحقه مواطنوها من رعاية صحية، اتبع قطاع الصحة الحكومي السوري طريقة خاصة للتعامل مع الجائحة والمرضى، بما يرضي مصلحة النظام، بصرف النظر عن صحة السوريين وحاشجتهم إلى مستشفيات تعالجهم.

فمنذ بداية انتشار “كورونا” في سوريا، عمل النظام كغيره من الأنظمة المنهارة أصلاً، على استغلال الأزمات الاقتصادية التي قامت على إثر الجائحة، ومهد لإدارته أن تنسحب شيئاً فشيئاً من خدماتها المقدمة للمواطنين دافعي الضرائب منذ 50 سنة، تاركة إياهم وحيدين في مواجهة وحش التضخم. وقد شملت مسيرة التقشف التي بدأها النظام القطاعات الحكومية، التي تدعمها الحكومة بشكل جزئي، أهمها قطاع الصحة، ممثلاً بخدمات المستشفيات الحكومية بشكل خاص.

وفي حين تبدو سياسة “رفع اليد” التي يمارسها النظام السوري على القطاعات العامة واضحة للعيان، إلا أن الإدارة المذكورة لم تدل بتصريح رسمي حول اتخاذ أي إجراءات تقشفية في قطاع الصحة الحكومي السوري، بصفته المجانية، بل يتم التسويق لسياسة التقنين الجارية على أنها إعادة هيكلة للموارد، بما يطابق المعايير الدولية للتصدي لفايروس “كورونا”، في حين أن ما يحصل حقاً هو انسحاب تقشفي آخر للدولة من إحدى مؤسساتها.

ولما طاولت الإجراءات الحكومية التقشفية مقدمي الرعاية داخل المستشفى الحكومي، تسببت في حرمان الكادر الطبي من وسائل الوقاية، واستنزاف ميزانيات المستشفيات الحكومية قبل أوانها، واضعة كامل الطاقم الطبي تحت خطر الإصابة ونقل العدوى.

امتدت هذه الإجراءات لتمس متلقي الرعاية أنفسهم، إذ يتم إيقاف العمليات غير الإسعافية لأجل غير مسمى، والمريض الجراحي غير الإسعافي، تؤجل طبابته دائماً، سواء كانت عمليته عيادية صغيرة، كخراج، أو كبيرة بحاجة إلى غرفة عمليات، كمريض التهاب المرارة الحصوي. أما المريض غير الجراحي الإسعافي، فتكاد تقتصر الخدمة المقدمة له على تسكين الألم وإعطاء وصفة أدوية لا يؤمنها المستشفى، أو يتم تحويله إلى أحد المراكز أو المستشفيات الخاصة التي تحتوي على معدات وتجهيزات تساعد على تشخيص مرضه، ذلك أن تجهيزات المستشفيات العامة الشعاعية لم تعد فعالة بعدما شملها التقشف والعقوبات الاقتصادية. فهي متأخرة جداً لا تواكب الطب الحديث، ولا تساعد الطبيب على تقديم تشخيص دقيق للحالات المرضية. أما المختبرات التابعة للمستشفيات العامة، فباتت عاجزة عن تغطية التحاليل المخبرية النوعية لانقطاع المواد اللازمة لإجرائها، واقتصرت على إجراء تحاليل الدم العامة غير الكافية في معظم الحالات المرضية.

أما مريض “كوفيد- 19″، وهو حجة وزارة الصحة لكل ما سبق، فهو يحتاج إلى تلقي العلاج لمدة لا تقل عن 14 يوماً، وفقاً للبروتوكول الصحي المتبع، ومنحه وصفة طبية مكونة من 7 أدوية، كلها غير متوفرة في المستشفيات الحكومية، وعلى المريض تحمل شرائها من صيدلية خارجية. وهكذا تقتصر خدمات المستشفى على الدعم الأوكسيجيني، الذي فقده المريض أيضاً بعد سقوطه في هوة التقنين إثر الهدية المقدمة من قبل رأس النظام السوري إلى الحكومة اللبنانية.

إذ أعلن النظام السوري إرسال شحنة مكونة من 25 طناً من الأوكسيجين استجابة لطلب الحكومة اللبنانية بتاريخ 24/3/2021، على أن تكون هذه الشحنة هي الأولى من بين ثلاث دفعات مجموعها 75 طناً من الأوكسيجين، ليتبع هذا الفعل تصريح لوزير الصحة السوري حسن غباش مفاده أن هذا الإجراء لن يؤثر في احتياجات سوريا، من دون أن يقدم معلومات أكثر دقة حول حاجة المستشفيات والمرضى إلى الأوكسيجين، راسماً صورة زاهية لحال القطاع، بوسع أي عامل في المستشفيات الحكومية، تحت أي صفة أو مسمى كان، أن يكشف زيفها.

بدأت تداعيات هذا الإجراء منذ الأسبوع الأول لشهر نيسان/ أبريل، تسجيل ارتفاع في عدد الوفيات بين المصابين بـ”كورونا”، فالمصاب يحتاج بالدرجة الأولى إلى أوكسيجين عالي التدفق لدعمه تنفسياً، وهو ما لم تستطع معظم المستشفيات تقديمه لمرضاها، واكتفت بوضع قناع بتدفق ضئيل، لا يكفي لتحسين حالة المريض، ويمكن وصفه بالإجراء “الشكلي”، مستغلة جهل المريض ومرافقيه. أما ثاني تداعيات هذه “الهدية”، فظهر بعد الأول بأيام قليلة، ألا وهو أسطوانات الأوكسيجين التي تجوب المستشفيات الحكومية، نتيجة عجز أجهزة التوليد المركزية للأوكسجين على تأمين كفاية المرضى داخل المستشفيات بعد الخلل الذي أصاب احتياطاتها. ولما صار العجز واضحاً، تسارعت الوجوه الإعلامية للنظام السوري لتأكيد “ألّا مشكلات بتأمين الأوكسيجين في المستشفيات”، تصريحات يدحضها انضمام أسطوانات الأوكسيجين إلى بقية مواد السوق السوداء، فقد أخذت أسطوانة الأوكسيجين موقعها إلى جانب المازوت والبنزين والدولار ومواد المساعدات، والتي هي المؤشر الفعلي والأوضح إلى المواد التي يعد الطلب عليها أكبر بكثير من العرض المتوفر لها.

اليوم، يطرح قرار وقف خدمات العيادات والعمليات غير الإسعافية علامات استفهام كثيرة، بخاصة بعد تمديده مرة جديدة في بداية شهر نيسان، بحجة الالتزام بالمعايير الدولية الصحية لمكافحة انتشار العدوى. إلا أن هذه الحجة قد تشكل جزءاً ضئيلاً من الحقيقة فقط، فصحيح أن تفعيل العيادات والعمليات غير الإسعافية، قد يزيد من خطر الإصابة بالفايروس، إلا أنه، وبلا شك، يشكل خطراً أكبر على اقتصاد التقشف الذي تتبعه الحكومة السورية.

بعد أكثر من عام على تفشي الفايروس في سوريا، أصبح العرف الطبي المتبع هو إرسال المرضى الأقل خطورة إلى البيت ومنحهم وصفة الأدوية، ونصحهم بتأمين أسطوانة أوكسيجين منزلية عند الحاجة.

أصبح مريض “كورونا” الذي تخلت بحجته وزارة الصحة عن مسؤولياتها الأخرى، بغنى عن خدمات هذه الوزارة المتمثلة بمراكزها ومستشفياتها، أما بقية المرضى، الذين ينتظرون حلول موعد عملياتهم، فأمامهم المزيد من الانتظار.

إنه مشهد جديد يخطه النظام السوري عبر وزارة الصحة، أبطاله العيادات والمراكز الطبية والمستشفيات الخاصة باهظة الثمن، ومآله انتعاش تجارة أدوية الفايروس لانقطاعها من المستشفيات، وانضمام الأوكسيجين إلى قائمة السوق السوداء للميسورين مالياً، ويتوج بهدية “جس نبض” الساحة الدولية لعودة هذا النظام إليها.

درج

لقاح كورونا في الشمال السوري/ مصطفى أبو شمس

بالتعاون مع فريق لقاح سوريا، وسّعت مديريات الصحة في مناطق شمال غرب سوريا الخارجة عن سيطرة النظام منذ أيام حملة اللقاح ضد فيروس كورونا، والتي كانت قد بدأت في الأول من أيار (مايو) الماضي، لتشمل أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن في المنطقة بعد أن اقتصرت في الأسابيع الأولى على العاملين في القطاعين الصحي والإنساني.

وبحسب مخبر الترصد الوبائي التابع لوحدة تنسيق الدعم فإنه، وحتى يوم الخميس الماضي، تلقى نحو 23,726 شخص الجرعة الأولى من اللقاح ضد فيروس كورونا المستجد، منهم 10,967 عامل في القطاع الصحي و8,536 من الكوادر الإنسانية، إضافة لـ4,223 من المصابين بمرض مزمن وكبار السن.

وجرت عمليات اللقاح، بحسب شبكة الترصد الوبائي وفقاً لتقارير أسبوعية نشرتها وحدة تنسيق الدعم، دون اختلاطات كبيرة أو تأثيرات جانبية، وبواسطة 123 فريقاً موزعين على المراكز التي تم إنشاؤها لهذا الغرض.

وجاء في التقرير الأخير الذي نشرته وحدة تنسيق الدعم الإبلاغ عن 37 تقريراً لأحداث سلبية تالية للقاح كورونا، ليصبح عدد التقارير الكلي المبلغ عنها 451 تقرير، وجميع الأحداث المسجلة فيها كانت لصداع أو دوار أو ألم موضعي مكان الحقن، فيما لم تُسجَّل أحداث سلبية بحاجة للاستشفاء.

ما قبل بدء اللقاح

مرّت عمليات اللقاح بمراحل سبقت وصول الدفعة الأولى التي تضمنت 53,800 لقاح تشمل شمال غرب سوريا بالكامل، إذ تم اختيار فرق اللقاح بموجب إعلان عن مسابقة للممرضين، اختير من خلالها أشخاص «أكفاء» خضعوا لدورات تدريبية، بحسب عماد زهران، مدير المكتب الإعلامي في مديرية صحة إدلب.

كما قامت مديريات الصحة بإجراء استبيان للعاملين في القطاعين الصحي والإنساني في جميع المنشآت قبل بدء الحملة بنحو 20 يوماً، وبلغت نسبة القبول المبدئي لأخذ اللقاح نحو 80 بالمئة، فيما رفض نحو 20 بالمئة منهم تلقي اللقاح لأسباب شخصية تتعلق بـ«الشائعات حول اللقاح»، وذلك بحسب الطبيب رفعت فرحات، معاون مدير صحة إدلب ورئيس قسم اللقاحات فيها.

وقال الدكتور فرحات إن عدد الفرق التي تم تجهيزها للبدء بعملية اللقاح بلغت ستة وخمسين فريقاً، كل منها يضم أربعة أشخاص، إضافة للكوادر المشرفة على الحملة، موزعين على المراكز كافة. تلقت هذه الفرق تدريبات على تنفيذ حملة حول الفيروس وعقابيل الإصابة والوقاية منه بالوسائل العامة، وكذلك بلقاح أسترازينيكا وكيفية إعطائه وآليات التوثيق والتسجيل للمتلقين.

يعمل فريق لقاح سوريا، المنفّذ للحملة، منذ العام 2014 بإشراف منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، وبالتعاون مع مديريات الصحة، ويضم كوادر تمريضية مدربة تعتمد أعلى معايير الأمن والسلامة. وأصدر الفريق دليلاً إرشادياً حدد فيه الفئات المستهدفة تدريجياً (العاملون الصحيون – العاملون في الشأن العام – أصحاب الأمراض المزمنة – كبار السن)، وحدّد كذلك الفئات غير المشمولة باللقاح (الحوامل – المرضعات – المصابون بأمراض نقص المناعة – الأطفال دون سن الثامنة عشر – النساء اللواتي يخططن للحمل خلال الفترة القريبة التي حددت بثلاثة أشهر من تاريخ أخذ اللقاح – الأشخاص الذين لديهم حساسية من أي لقاح أو دواء)، وطالبوا جميع المتلقين بتبيان وضعهم الصحي والأدوية التي يستخدمونها.

وقال فرحات إن الاستبيان حدد 27,500 متلقٍ للجرعة الأولى من اللقاح من العاملين في القطاع الصحي، والبقية خُصصت للعاملين في الشأن الإنساني وأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن.

آليات اللقاح: التردد عنوان الأسابيع الأولى

وصلت الدفعة الأولى عن طريق الهلال الأحمر التركي، ودخلت عبر الحدود التركية في معبر باب الهوى، وتم استلامها ووضعها في غرف التبريد في المنطقة، وذلك بحسب فرحات. وقال زهران إن لدى الفريق خبرة كبيرة في حفظ اللقاحات، إذ تنفذ مديريات الصحة حملات تلقيح منذ العام 2014. حُفظت اللقاحات في مراكز خاصة بالقرب من باب الهوى، كما يوجد حافظات في جميع المراكز التي عينت لتنفيذ الحملة.

وحصلت مديريات الصحة على لقاح أسترازينيكا البريطاني مجاناً من قبل كوفاكس (COVAX)، وهي مبادرة عالمية بقيادة التحالف العالمي للقاحات والتحصين (Gava)، وتحالف ابتكارات التأهب الوبائي (CEPI) ومنظمة الصحة العالمية لتوفير وتوزيع لقاحات كورونا على للبلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل، ممن لا تمتلك القدرة على توقيع اتفاقيات ثنائية للشراء المسبق.

كان الإقبال ضعيفاً على تلقي اللقاح في الأسبوعين الأولين لبدء الحملة، إذ تلقى نحو 3,423 شخص الجرعة الأولى من اللقاح في كل من إدلب وحلب، ليصل العدد في السابع عشر من أيار إلى 6,911 متلقٍ فقط.

يقول زهران إن الحملة جرت دون صعوبات تذكر، لكن الفرق لمست تردداً عند بعض الكوادر، وهو ما أكد عليه الطبيب فرحات واصفاً الإقبال في الأسابيع الأولى بـ«الضعيف». ويضيف: «كان هناك تخوف كبير مرده عدم العلم والإحاطة باللقاح، إضافة للشائعات الكثيرة التي انتشرت في المنطقة، وكذلك في العالم، أيضاً فرضيات المؤامرات والتقلبات بين أنواع اللقاحات في دول العالم ودرجة موثوقيتها».

يقول من تحدثنا معهم في فرق اللقاح والمسؤولين عنه أن تحسناً طرأ على الإقبال فيما بعد، وذلك بعد تلقي الدفعة الأولى اللقاح دون حدوث اختلاطات أو آثار كبيرة، خاصة تلك التي تخص «التخثر الدموي والجلطات» التي رافقت لقاح أسترازينيكا في حديث الأشخاص والشائعات، علماً أن نسبة حدوث هذه الاختلاطات لم تتعدى عالمياً 0.0004 بالمئة.

طبيب الأسنان خالد شيخوني، المقيم في إدلب، قال إنه وزملاء له رفضوا خلال الاستبيان تلقي اللقاح. يقول إن السبب يعود «لنقص التجارب التي أجريت على أشخاص، أيضاً لم نكن نعرف نوع اللقاح الذي سيصل إلى المنطقة، إضافة للاختلاطات التي رُوِّج أنها ترافق لقاحات كورونا».

تلقى الطبيب خالد الجرعة الأولى بعد وصول لقاح أسترازينيكا وتلقي عدد من الكوادر الطبية له دون حدوث اختلاطات، وبتشجيع من الأطباء في المنطقة، وهو ينتظر الآن الجرعة الثانية، مؤكداً أن الأمر دون أي آثار جانبية تذكر، لكنه، احتياطاً، قام بتناول حبة مميِّع للدم في يوم اللقاح.

ويقول ثلاثة ممن رفضوا تلقي اللقاح إن السبب الرئيسي لرفضهم اللقاح هو إصابتهم السابقة بالفيروس، وضعف حملات التوعية وتعزيز الثقة باللقاح ونوعيته التي دخلت إلى المنطقة. ويرى اثنان آخران أن «اللقاح المستقدم لا يتناسب مع الفيروس المنتشر في المنطقة، هذا إن كان هناك فيروس في الأصل» حسب تعبيرهما، ويستندان في كلامهما على ما يعتبرانه «ضعف انتشار كورونا في المنطقة» رغم عدم اتخاذ إجراءات حقيقية للوقاية من انتشار الفيروس كالكمامات ومراعاة التباعد الاجتماعي.

يبقى الإقبال ضعيفاً، إذ كان من المقرر أن تنتهي الحملة خلال ثلاثة أسابيع لتلقي الجرعات الأولى، قبل أن تبدأ الجرعات الثانية خلال اثني عشر أسبوعاً، لكن الطبيب رفعت فرحات قال إن الحملة مستمرة طوال الأسبوعين القادمين، مع توسيع شريحة المستفيدين، وسيخصص الأسبوع الأخير لكبار السن، قبل تلقي الجرعة الثانية.

أشرف على تلقي اللقاحات نحو ثلاثين مشرفاً مؤهلاً ومدرباً من قبل الهلال الأحمر القطري، تم توزيعهم على المناطق كافة من أجل التحقق من جاهزية مراكز التلقيح. وانقسم الإشراف إلى مرحلتين، الأولى: ما قبل الحملة للتأكد من الاستعدادات والمعدات اللازمة وفحص العينات والتأكد من شروط التخزين، أما الثانية فكانت لمراقبة فرق التلقيح والتعقيم ومتابعة سير الحملة، ورصد الملاحظات وتسجيلها وقياس رضا المتلقين.

إجراءات منضبطة للقاح

يقول الطبيب فرحات إن حملة اللقاح جرت وفق البروتوكولات المعتمدة في باقي اللقاحات، وتمت دون ضغوط من أي جهة في المنطقة لتوسيع شريحة المستفيدين، وإن الكوادر والمتلقين حُدِّدوا من قبل مديريات الصحة.

واعتمدت المراكز المخصصة للقاح على إحالات من قبل المراكز الطبية للمتلقين، أو من خلال الأسماء العاملة من الكوادر الصحية والإنسانية. ويضم كل فريق أربعة أشخاص، يختص كل منهم بمهمة محددة، بين تعبئة اللقاح وإعطاء الحقن، وتسجيل البيانات والتوثيق للمتلقي، اسمه الثلاثي وعنوانه ورقم هاتفه المحمول وقصته المرضية إن كان يعاني من أي أمراض أو حساسية والأدوية التي يتناولها إن وجدت.

بعد اللقاح، ينبغي على المتلقي البقاء في المركز لنحو نصف ساعة، للتأكد من عدم وجود اختلاطات مباشرة والاطمئنان على صحته. ويُعطى بطاقة، يتضمن تعريفاً بفيروس كورونا المستجد ولقاح أسترازينيكا وتوضيحاً حول ما يمكن أن يحدث بعد تلقي اللقاح، والإسعافات الأولية لتجنب الآثار الجانبية إن وجدت، كذلك رقماً واسماً لأحد الأطباء للمتابعة مع المتلقين في حال حدوث أي مضاعفات.

يقول الطبيب فرحات، وتوضح تقارير وحدة تنسيق الدعم، أن الآثار الجانبية للقاح كانت «طفيفة»، وطالت نحو 25 بالمئة من المتلقين، ولم يتم تسجيل أي اختلاطات خطيرة، وأن المديرية عينت خمسة أطباء لمتابعة المتلقين بعد اللقاح.

يقول خمسة من المتلقين الذين تحدثنا معهم أن الإجراءات كانت تتم بسلاسة، وأن جميع الإجراءات التي وضعت في الدليل الإرشادي تمت بالكامل، من التسجيل واللقاح وفترة الانتظار، حتى المتابعة. لكن اثنان منهم قالوا إنهم لم يتلقوا رداً من أطباء المتابعة.

جرعات على الطريق

يقول الطبيب فرحات إن وصول الدفعة الأولى تم بالتعاون بين مديريات الصحة ومنظمة الصحة العالمية عن طريق مبادرة كوفاكس، وإن دفعة ثانية من 52 ألف جرعة جديدة ستصل خلال الأسابيع القادمة. ويضيف أن الفرق ستقوم بإعطاء الجرعة الثانية من اللقاح للمتلقين، إضافة لمتلقين جدد، خاصة كبار السن.

وينتظر المتلقون نهاية الحملة الأولى، إذ سيتم التواصل معهم لتلقي الجرعة الثانية. في حين لا تتوافر القدرة حالياً، بحسب عدد الجرعات الموجودة، على زيادة شرائح المستفيدين، خاصة للأشخاص دون عمر 60 سنة.

توضح تقارير الترصد الوبائي انتشار الفيروس بنسبة أكبر في الفئات العمرية بين 26 -35 عاماً، تليها الفئة العمرية حتى 45 عاماً، ويقول المدرّس محمد اليوسف في ريف حلب إن الجرعات القليلة التي تصل إلى الشمال السوري تمنعهم من حقهم في تلقي اللقاحات: «معظم دول العالم المتقدم بدأت بإعطاء اللقاحات لمن هم دون أربعين عاماً، ونحن ما زلنا في الكوادر الطبية والإنسانية». لا ينكر اليوسف أحقية العاملين في الصحة والشأن العام بتلقي اللقاح، لكنه يقول إنه «بعد شهرين من وصول الدفعة الأولى لم يصل عدد المتلقين للقاح إلى نصف الكمية المرسلة، هذه اللقاحات لا تغطي سوى 1 بالمئة من عدد السكان، و2 بالمئة من عدد الأشخاص فوق 18عاماً، وبهذا التواتر نحتاج إلى سنوات لتلقي اللقاح».

ويقول عبد الحليم المحمود، وهو خرّيج اقتصاد وصاحب محل تجاري في إدلب، إن سعر جرعة أسترازينيكا نحو ثلاثين دولار للجرعتين، وإن عدد الذين يحتاجون للقاح في شمال غرب سوريا لن يتجاوز مليونين ونصف المليون، وإن ضغطاً يجب أن يُمارَس على الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لتأمينه، كذلك أن يكون متاحاً في القطاع الخاص للقادرين على شرائه، وهو ما سيخفف الضغط على السكان، تجنباً للانتظار الطويل الذي يمكن أن لا يأتي مطلقاً.

هجمة جديدة من انتشار الفيروس

ورد في تقرير لشبكة الترصد الوبائي، الأسبوع الماضي، انتقال مناطق عفرين وجرابلس بريف حلب الشمالي، من المستوى متوسط الخطورة إلى مستوى عالي الخطورة، لتنضم إلى مدن الباب واعزاز في هذا المستوى.

وبلغ عدد الإصابات الكلية، بحسب الشبكة، 25,092 مصاب بالفيروس، مناصفةً تقريباً بين حلب وإدلب، منها 2,732 حالة نشطة، وبلغ عدد الوفيات نحو سبعمائة وأربعة مصابين.

وقدَّرَ الطبيب عبد الله جدري، المنسق في شبكة الإنذار المبكر، في تقرير مصور عن زيادة الإصابات في مدينة إعزاز نسبة الزيادة بنحو 16 بالمئة، مبيناً أن نحو 50 إلى 60 مصاباً يومياً ينضمون إلى إحصائيات كورونا في المنطقة.

ووثق فريق منسقو استجابة سوريا زيادة في أعداد المصابين في كل من مناطق حارم وإدلب المدينة في إدلب؛ والباب وعفرين وإعزاز في ريف حلب، في الفترة بين الأول والخامس عشر من حزيران الجاري، وقدَّرَ نسبة زيادة الإصابة في واحد وستين مخيماً خلال الفترة ذاتها بـ22.65 بالمئة.

يختم عماد زهران بالقول إن مديرية صحة إدلب أبلغت منظمة الصحة العالمية أن الأرقام بدأت في الزيادة خلال الأيام الماضية، في مؤشر عن بدء موجة جديدة من انتشار الفيروس.

موقع الجمهورية

———————————-

عن الحياة والمجتمعات حين تزول الجائحة

ترجمة – The Atlantic

يُمكن النظر إلى جائحة “كوفيد- 19″، باعتبارها أزمة ثلاثية، طبية واقتصادية ونفسية. فقد تسببت في “تداعي الأبعاد الأساسية للحياة اليومية للملايين من الناس”.

كيف يُمكننا فهم هذه الجائحة؟ ثمة تفسيرات أولية بدأت تُطرح في الآونة الأخيرة بهدف تحليل الوضع الراهن، على رأسها ما طرحه الفيلسوف والمُنظّر الثقافي سلافوي جيجِك الذي يتميز بغزارة إنتاجه الثقافي. فهو أول من أصدر مُجلداً يضم تأملات وتصورات حول الجائحة، بعنوان “الجائحة: كوفيد- 19 يهزّ العالم”، ونشرته دار “بوليتي” البريطانية (2020).

يُشكك سلافوي جيجِك في أن هذا الوباء سيجعلنا أكثر حكمة، فيقول “علينا مقاومة إغراء التعامل مع الوباء الحالي باعتباره أمراً ذا مغزى أعمق”.

وعلى رغم هذه التحذيرات، ما زال يتعين علينا أن نجيب على سؤال مهم: “ما المشكلة التي يعاني منها نظامنا والتي تسببت في مباغتة هذه الكارثة لنا ونحن غير مستعدين لمواجهتها، مع أن العلماء حذّرونا منها لسنوات؟”، ويتعين علينا أيضاً قبول أن “من الواضح أن وباء كورونا ذاته ليس مجرد ظاهرة بيولوجية تؤثر في البشر. ولكي نفهم طبيعة انتشاره فعلينا إمعان التفكير في الخيارات الثقافية البشرية والاقتصاد والتجارة العالمية، وشبكة العلاقات الدولية الواسعة، والآليات الأيديولوجية للخوف والذعر”.

يبدأ جيجِك رحلته الاستقصائية في الصين، مشيراً إلى أن “الصين تقمع حريات مواطنيها”. وهو يؤيد وجهة نظر لي وين ليانغ، طبيب العيون الذي أسكتته السلطات في مدينة ووهان، واعتقلته بتهمة نشر معلومات حول “فيروس كورونا 2 المُسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم” (SARS-CoV-2) الجديد، وهو الطبيب الذي توفي في وقت لاحق جرّاء الإصابة بهذا الفايروس؛ فيقول جيجِك: “يجب أن يكون هناك أكثر من صوت واحد في أي مجتمع سليم”. فقد تعاملت الصين بحزم ونجاح مع تفشي المرض في مدينة ووهان، ولكن بدون إتاحة “مجال مفتوح يسمح بتداول ردود أفعال المواطنين الانتقادية”، فبات من المستحيل استدامة الثقة المتبادلة بين الشعب والدولة. وهذا هو التحدي العظيم الذي تواجهه الصين. ولكن ما بالنسبة إلينا؟ “أخشى الهمجية ذات الطابع الإنساني”.

يُحوّل جيجِك تركيزه نحو المستقبل، قائلاً “حتى الأحداث المروعة يُمكن أن تكون لها نتائج إيجابية غير متوقعة”. فهو يرى إمكانية إقامة “مجتمع بديل” يساهم في تعزيز “التضامن والتعاون العالميين”. ومن الغريب اعتقاده أن “كورونا ربما سيدفعنا أيضاً إلى إعادة اكتشاف الشيوعية استناداً إلى الثقة في الشعوب والعلم”. بيد أنها ليست شيوعية على الطريقة السوفياتية، وليست مجرد “تضامن مثالي بين الناس”. ولكنها تلك الشيوعية التي تعترف بأن “الرأسمالية العالمية على وشك الوقوع في أزمة”. وهي تلك “الشيوعية التي تفرضها الضرورات لمجرد البقاء على قيد الحياة”.

ثمة حاجة إلى إحداث تغيير جذري، وتُشكل جائحة “كورونا” حافزاً لإحداث هذا التغيير. يقول جيجِك، “من شأن مثل هذا التهديد العالمي أن يتمخض عنه تضامن عالمي”. فضلاً عن أن الدولة “ستضطلع بدور أكثر فعالية”، وستتخلى عن “آليات السوق” باعتبار أن ذلك هو الحل لمعاناتنا. ومع أنه ليس متخصصاً في الصحة العالمية، يعتقد جيجِك أن هذا الوباء، الذي تسبب في “حالة من الحرب الطبية”، يمكن أن يؤدي إلى ظهور “شكل من أشكال من شبكات الرعاية الصحية العالمية”. (ويُمكن أن نُطلق على هذه الشبكة اسم “التغطية الصحية الشاملة”). وفضلاً عن قطاع الصحة، يرى جيجِك إمكانية “الانطلاق”، أي استخدام “الوقت المستقطع” و”لحظات الانقطاع” من أجل “تجديد تجربتنا الحياتية وإنعاشها”. فقد فرضت علينا إجراءات الإغلاق ضرباً من العزلة، لكنها أتاحت لنا الوقت الكافي “لكي نُمعن التفكير في (عدم) الشعور بمعاناتنا”.

يُمكن النظر إلى جائحة “كوفيد- 19″، باعتبارها أزمة ثلاثية، طبية واقتصادية ونفسية. فقد تسببت في “تداعي الأبعاد الأساسية للحياة اليومية للملايين من الناس”. بيد أن الدول بعد الإغلاق “يمكن أن تتغير، وأن تبدأ مجدداً بطريقة جديدة”. ويستشهد بكلام الفيلسوف الفرنسي برونو لاتور، الذي يزعم أن جائحة كورونا ما هي سوى تمرين تجريبي للأزمة التالية الناجمة عن تغير المناخ، إذ يقول إن “العامل المُمرِض الذي غيرت ضراوته الظروف المعيشية لكل سكان كوكب الأرض ليس هو الفايروس، على الإطلاق، بل هو البشرية نفسها”. بيد أن الرؤية المتفائلة التي يُقدمها جيجِك هي أننا “من خلال جهودنا لإنقاذ البشرية من التدمير الذاتي، فإننا نُرسِي الأساس لإنسانية جديدة. ولا يسعنا تصور وجود إنسانية موحدة إلا من خلال هذا التهديد المميت”.

والسبيل إلى تحقيق هذه الغاية يتمثل في إدراك أننا “مترابطون داخل تجمعات أكبر: وعلينا أن نصبح أكثر حساسية لمطالب هذه الجماهير، إضافة إلى أن الشعور المعادة صياغته بالمصلحة الذاتية يهيب بنا جميعاً للاستجابة لما يعانونه من محن”. فضلاً عن أن “الوباء يتيح فرصة سانحة للعلم ليثبت وجوده ويفرض نفسه”. ومع هذا، يختتم جيجِك تحليله بتحذير من أن “أولئك المسؤولين عن الدولة تنتابهم حالة من الذعر، لأنهم لا يعرفون أنهم لا يسيطرون على الموقف، وحسب، بل يعلمون أيضاً أننا – رعاياهم- أصبحنا ندرك ذلك. فقد بات الآن عجز السلطة واضحاً بلا أدنى شك”. غير أن “العواقب الأرجح التي قد تنجم عن الوباء هي أن تسود رأسمالية همجية جديدة”. هذه هي وجهة نظر جيجِك، وقد توافقه الرأي أو تختلف معه، إلا أنه قدم خدمة مهمة. فقد بدأ نقاشاً عالمياً حول ما يُمكن أن نفعله لاستثمار هذه اللحظة. وعلينا أن نواصل ذلك النقاش ونتعمق فيه. هذا ما ندين به لبعضنا بعضاً.

هذا المقال مترجم عن theatlantic.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

https://www.thelancet.com/journals/lancet/article/PIIS0140-6736(20)31241-1/fulltext#coronavirus-linkback-header

درج

————————————

=======================

تحديث 15 تموز 2021

—————————–

لقاح كورونا في الجزيرة السورية/ حسام الحمود

في ظل العجز الصحي الكبير الذي خلفته الحرب في محافظات الجزيرة السورية، شهدت المنطقة انتشاراً كبيراَ لفايروس كورونا المستجد. تشير الإحصاءات الأخيرة التي أعلنت عنها الإدارة الذاتية الحاكمة لشمال شرق سوريا إلى أن عدد الإصابات في منطقة سيطرتها قد بلغ 18,547 إصابة، بينها 763 وفاة. ومن الممكن الجزم بأن العدد الفعلي أكبر من ذلك بكثير، وذلك نتيجة غياب آليات فحص وإحصاء كافية للمقيمين في المنطقة.

ومع ازدياد حالات الإصابات كل يوم في المنطقة، نسقت منظمة الصحة العالمية في شهر نيسان من هذا العام لتقديم لقاح أسترازينيكا، عبر مبادرة Covax، لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية، عن طريق إرسال حصة المنطقة عبر دمشق.

التوزيع بتنسيق وزارة الصحة

يوضح الطبيب كسار العلي، رئيس لجنة الصحة في الرقة، في حواره مع موقع الجمهورية.نت أنه تم تخصيص تسعين ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا لمناطق شمال شرق سوريا، سيتم توزيعها على عدة دفعات، من ضمن مليون وعشرين ألف جرعة تم تخصيصها لمناطق سيطرة النظام السوري ومناطق شمال شرق سوريا، وذلك بالتنسيق بين منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة السورية وهيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية.

ويضيف العلي أنه تم استلام أول دفعة من الجرعات في مدينة الرقة في 13 حزيران (يونيو) وتضم خمسة آلاف ومئتي جرعة، وذلك عبر مطار القامشلي ومعبر الطبقة الفاصل بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية. الجرعة الأولى مخصصة للكادر الطبي في المدينة ومن هم فوق الخامسة والخمسين من العمر. تزامناً مع ذلك، تم تدريب عدد من الكوادر الطبية المتخصصة على التعامل مع اللقاح.

يتم توزيع اللقاح في مركز سيف الدولة في مدينة الرقة، مع وجود فرق جوالة لإعطاء اللقاح أيضاً في مراكز تم إحداثها مؤقتاً في المشفى الوطني والمراكز الطبية الأخرى في مدينة الرقة وريفها. وتتم العملية على جرعتين لكل شخص يفصل بينهما ثمانية أسابيع، وفقاً لما أفاد به رئيس لجنة الصحة.

وفقاً للطبيب سليمان الشناعة، المسؤول السابق لمركز الحجر الصحي لمصابي الكورونا في الرقة، فإن العديد من الأهالي متخوفون بشكل كبير من أخذ اللقاح، وذلك بسبب ما شاع عن تسجيل حالتين وفاة في مدينة الرقة بعد أخذ اللقاح من المراكز المختصة. ويوضح الشناعة أنه لا معلومات مؤكدة تربط بين الوفاتين واللقاح، ولكن تزامن وفاتهم مع مرور فترة وجيزة على أخذ اللقاح أثار الهلع لدى الأهالي.

يوضح الطبيب أن الشخصين اللذين تُوفّيا بعد أخذ اللقاح كانا متقدمين بالعمر، وأن أحدهما كان يعاني من مشاكل قلبية استلزمت عملاً جراحياً في السابق، وتُوفي بعد تلقي الجرعة بيومين؛ بينما تعذرت معرفة سبب الوفاة الثانية نتيجة وصول المريض للمشفى متوفياً، ما حال دون تشخيص الحالة من قبل الأطباء.

يشير الشناعة أنه قد أخذ اللقاح بدوره بتاريخ 14 حزيران، وقد سبقت إصابته بالفيروس، ما جعله يحتاج لجرعة واحدة فقط، وأن الأعراض التي أصابته بعد اللقاح لا تتعدى الألم في مكان الحقن لمدة يومين، بالإضافة إلى أعراض إنفلونزا خفيفة، كارتفاع درجة الحرارة والصداع.

بانتظار «جرعات أربيل»

أسعد العلي، من مدينة الرقة، هو من بين رافضي تلقي اللقاح الحالي القادم عن طريق النظام السوري، على أمل وصول دفعات جديدة من اللقاح عبر المعابر العراقية السورية. في حديثه، أشار إلى انعدام ثقته بأي شيء يأتي عن طريق النظام السوري، وتفضيله «عدم المراهنة على حياته بأخذ جرعات لقاح قدمت بطائرات اعتادت نقل المعتقلين من القامشلي إلى دمشق، فمن يجلب الموت لا يجلب الحياة».

لم ترتبط قلة إقبال الأهالي على اللقاح في شمال شرق سوريا بالأسباب السياسية فقط، بل أثّر التشوّش المنتشر بين الأهالي إثر انتشار أنباء، مصدرها الكوادر الطبية أحياناً، تشير إلى أن اللقاح الآتي من دمشق هنديّ التصنيع، ما يظنه البعض إثباتاً لكون العقار «غير أصلي»، وبالتالي غير موثوق.

تُتداوَل شائعة منتشرة عن احتمالية وصول دفعات جديدة من اللقاح عبر معبر سيمالكا الحدودي بين سوريا وكردستان العراق، ما أدى إلى اتخاذ الكثيرين قرار انتظار هذه الدفعة. لكن هذا الاحتمال منفي، حسب تصريحات مسؤولي لجنة الصحة في الإدارة الذاتية، وأيضاً حسب الآليات القانونية النافذة حول استخدام المعابر الحدودية لنقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود، الأمر الذي يدور جدل دولي كبير بخصوصه خلال الأسابيع الحالية.

في الخامس عشر من شهر حزيران، تلقى إسماعيل، الموظف في أحد المراكز الصحية في ريف الرقة الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية أول جرعة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا، وذلك أثناء زيارة أحد الفرق الجوالة التابعة للإدارة الذاتية للمركز. السبب الذي دفع إسماعيل لأخذ اللقاح هو عدم وجود بديل آخر، ووفقاً له: «على الرغم من التخوف الكبير من اللقاح في الرقة، خصوصاً بعد سماعنا ما شاع عن وفاة شاب يبلغ من العمر 35 عاماً في ريف الرقة نتيجة اللقاح، ولكن قناعتي بأن أخذه أفضل من ترك الفيروس يتفشى في المدينة، خاصة أنه لا يوجد لدينا مراكز كثيرة مؤهلة لاستقبال المرضى، الأمر الذي لا يدع لنا خياراً آخر».

ما فوجئ به إسماعيل بعد أخذ اللقاح هو إعطاؤه بطاقتي تلقيح له من أجل الجرعة الثانية، واحدة تحمل شعار النظام السوري وفيها معلوماته كاملة، والثانية تحمل شعار الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا مع معلوماته كاملة أيضاً. هذا الأمر أثار امتعاض إسماعيل، إذ لم يُنبَّه مسبقاً إلى أن معلوماته ستُشارَك مع النظام.

حملات دعائية

أحد إعلاميي الهيئات الإدارية من مدينة الرقة والذي فضل عدم الكشف عن اسمه خشية اعتقال قوات سوريا الديمقراطية، قال أثناء التواصل معه: «تتعامل السلطة الحاكمة هنا مع مشروع لقاح أسترازينيكا المُرسَل من قبل منظمة الصحة العالمية كأي مشروع خدمي آخر، يقدمون نفسهم للعالم من خلاله على أنهم منفذون جيدون لمشاريع الشراكة، حيث وجهت وسائل إعلامها للترويج للقاح بغية خلق إقبال من قبل الأهالي على اللقاح من خلال تكثيف استطلاعات الرأي من الأهالي والعمل على إظهار المشروع بشكل احتفالي وكأنه ناجح، متغاضين عن الضعف الواضح في الإقبال».

يضيف الإعلامي أن المراكز الصحية في مدينة الرقة لم تكن، منذ البداية، مؤهلة لاحتواء الفايروس أو معالجة مرضاه، وقد أثبتت مراكز الحجر في كل من المشفى الوطني والملعب البلدي في الرقة تجارب فاشلة في هذا المجال.

اختلاف سلطات واللقاح واحد

في مدينة القامشلي تتداخل مناطق سيطرة النظام السوري مع مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. حيث توجد مربعات أمنية تابعة للنظام ومحاطة بأحياء تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية عسكرياً وإدارياً. وتلافياً للفوضى التي قد تحدث في عملية اللقاح بين منطقتي السيطرة، فقد تركت كل من قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية أمر اختيار مركز التلقيح وفقاً لما يريده كل مواطن.

تروي سيبال خليل، وهي شابة من مدينة القامشلي تقطن في أحياء سيطرة الإدارة الذاتية، أنها تمكنت من أخذ والدتها لتلقي جرعتها من اللقاح في أحد المشافي داخل المربع الأمني التابع للنظام في مركز مدينة القامشلي، دون أن تواجه أية مشاكل جراء ذلك مع أي من السلطتين.

وتستلم منظمة الهلال الأحمر الكردي مسؤولية التلقيح في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية من القامشلي والحسكة بعد استقدامها دفعات جديدة من اللقاح عن طريق وزارة الصحة السورية، التي تشكل صلة الوصل بين منظمة الصحة العالمية والكوادر التنفيذية. بدوره، يقدم النظام اللقاح داخل مربع سيطرته عن طريق المشافي والمستوصفات المتواجدة هناك، ويتم تنسيق العملية من خلال أخذ الرقم الوطني لمتلقيٓ اللقاح، وهو موحّد رغم اختلاف السلطتين، ذلك لضمان عدم تلقيح الشخص نفسه مرتين قبل مرور ثمان أسابيع على تلقيه الجرعة الأولى.

في محافظة دير الزور، يختلف الوضع بشكل كبير بخصوص الجهة المقدمة للقاح، إذ يخبرنا العديد من العاملين في المجال الطبي الذين تلقوا اللقاح أن كوادر النظام السوري الصحية هي التي تقوم بأداء المهمة في الوقت الراهن، مع غياب الإدارة الذاتية وكوادرها في هذه العملية.

الطبيب محمد حاج عبدو، من ريف دير الزور الشرقي، الخاضع عسكرياً لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والذي كان يعمل ضمن أحد مراكز الحجر الصحي الخاصة بمصابي كورونا، أوضح أثناء حديثه مع الجمهورية.نت أن مسؤولية اللقاح بشكل عام في المنطقة هي على عاتق النظام، من خلال المراكز الصحية المنتشرة في ريف دير الزور، والفرق الجوالة أيضاً. ويوضح حاج عبدو أن ذلك لا يتوقف على لقاح كورونا فقط، بل حتى لقاحات شلل الأطفال وغيرها، حيث أن عمل هذه المراكز روتيني في المنطقة.

أما بخصوص لقاح أسترازينيكا الذي يتم توزيعه اليوم في ريف دير الزور الشرقي، فقد خُصص للمنطقة 20 ألف جرعة بالمجمل، يتم تقديمها على مراحل. وبدأت المرحلة الأولى من التلقيح بعد وصول الدفعة الأولى، التي تضمنت 4,180 جرعة، إلى ريف دير الزور. ويُمنَح متلقي اللقاح بطاقة تحمل شعار النظام السوري، على غرار تلك التي يتم منحها في الرقة، وهي لإثبات أن حامل هذه البطاقة قد تلقى الجرعة الأولى.

ويرى الدكتور حاج عبدو أن نسب الإقبال الحالية في دير الزور ضعيفة، وأن نسبة وازنة من متلقيٓ اللقاح الآن هم من المضطرين للسفر خارج سوريا، والمحتاجين لإبراز إثبات تلقي اللقاح. وخلال حديثه، أشار إلى أنه تلقى جرعة واحدة من اللقاح أوائل حزيران المنصرم كونه سبق له أن أصيب بالفايروس، وأن الثماني والأربعين ساعة الأولى بعد تلقي الجرعة كانت ثقيلة بأعراضها الجانبية لدرجة تشابهها مع أيام إصابته بالفايروس، وهو يرى أن ثقل الأعراض الجانبية على بعض الأشخاص قد ساهم بتغذية بعض المخاوف، لتضاف على الشائعات وانعدام الثقة في إحجام نسب كبيرة من الناس عن تلقي اللقاح.

موقع الجمهورية

——————————-

المريض صفر”: من ووهان إلى باريس وميلان.. رحلة البحث المثيرة للجدل عن أصل الجائحة التي أنهكت العالم

نشرت صحيفة Washington Post الأمريكية تقريراً حول رحلة بحث العلماء والخبراء عما يعرف بـ”المريض صفر” الذي انتقل عبره فيروس كورونا إلى جميع أنحاء العالم مع نهاية عام 2019.

تقول الصحيفة إنه في رحلة البحث عن أصول الجائحة، ينتهي خيط الأدلة رسمياً عند المريض صفر، أول حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 في الصين، والذي ظهرت تفاصيل متفرقة عنه في التقرير المشترك بين منظمة الصحة العالمية والصين الذي صدر في مارس/آذار الماضي. ولم يكُن هذا المريض بائعاً في سوق المأكولات البحرية، أو صائداً للخفافيش، أو عالماً في أحد المختبرات. بل كان محاسباً لقبه هو تشين، وكان يتسوّق داخل سوبر ماركت ضخم.

إذ يقول سيرغي بوند، عالم الأحياء في جامعة تمبل، الذي يُحلل بعض التسلسلات الجينية المبكرة لسارس-كوف-2: “معلوماتنا عن أصول الجائحة قليلةٌ بدرجةٍ صادمة. فنحن ننظر إلى تسلسلات قليلة للغاية ونحاول معرفة الكثير منها”.

تفاصيل شحيحة وتناقض حول “المريض صفر”

التفاصيل شحيحةٌ للغاية حتى فيما يتعلّق بالمريض S01، أكثر المرضى تعرضاً للتدقيق. ويُدرجه تقرير منظمة الصحة العالمية تحت معرف التسلسل EPI_ISL_403928، الذي يخص في الأصل مريضاً مختلفاً هو عامل في السوق القديم (61 عاماً) مات بسبب الصدمة الإنتانية عقب مرضه في الـ20 من ديسمبر/كانون الأول عام 2019، وذلك وفقاً لقاعدة البيانات الرسمية من المركز الوطني الصيني للمعلومات الحيوية.

لكن ملف S01 يتطابق أكثر مع الرجل (41 عاماً) الذي أثار تشخيصه بفيروس كورونا أواخر ديسمبر/كانون الأول قلق الأطباء- ودفع بالدكتور لي وينليانغ إلى تسريب الخبر على الشبكات الاجتماعية. لكن ذلك المريض مدرج على قاعدة البيانات الصينية على أنّه سقط مريضاً في الـ16 من ديسمبر/كانون الأول. بينما قال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية إنّ المنظمة التابعة للأمم المتحدة تبحث في هذا التناقض.

وربما تكون قلة المعلومات المؤكدة أمراً غير مرضٍ، لكنه ليس مفاجئاً بالضرورة. فرغم الرغبة الشديدة في فهم مصدر الجائحة، لكن العلماء يستغرقون سنوات طويلة عادةً في تحديد منشأ مرضٍ جديد ورسم مسار العدوى المبكر. كما أنّ الحكومة الصينية لم تُسهّل المهمة بتقييدها الوصول إلى العينات البيولوجية والسجلات الأصلية.

وقد جمع الباحثون العديد من الأدلة المفيدة- في أماكن بعيدة مثل باريس وميلان- التي قد تمنحنا لمحةً عما حدث في الأيام التي سبقت إصابة المريض S01. لكن بعض تلك البيانات غير مؤكدة ومتناقضة، ويحذر العلماء من أنّ ظهور المعلومات الجديدة قد يُغير كل شيء نعتقده الآن. ورغم ذلك، ستظل الصورة مهتزة في الوقت الراهن.

دراسات مثيرة للجدل.. أدلةٌ من أوروبا حول “المريض صفر”

قبل ثلاثة أيام من ظهور الأعراض على المريض S01، أُخِذَت مسحةٌ من فم طفل (أربعة أعوام) قرب ميلان للاشتباه في إصابته بالحصبة. وبعد عدة أشهر، ثبتت إصابة ذلك الطفل بفيروس كورونا. وهذه الحالة التي ظهرت في دورية Emerging Infectious Diseases العلمية هي واحدةٌ من عدة دراسات أوروبية تقترح أنّ الفيروس ربما كان ينتشر خارج الصين طيلة أسابيع- وربما أشهر- دون اكتشافه.

بينما وجد باحثون في فرنسا مؤشرات أقدم على الفيروس منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019؛ إذ فحص المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحث الطبي- إلى جانب مؤسسات أخرى- بأثرٍ رجعي أكثر من تسعة آلاف عينة دم مخزنة ضمن مشروع صحة عامة امتد منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وحتى مارس/آذار عام 2020.

وقالت ماري زينس، المدير الطبي للمشروع: “عثرنا على أجسام مضادة في الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن لم نمتلك التمويل الكافي للبحث عن فترةٍ أقدم من ذلك. وهذا مؤسف لأنّنا وجدنا في نوفمبر/تشرين الثاني سبع حالات إيجابية بين المتطوعين، ومنهم حالتان في الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني”.

وبعدها تأتي الدراسة الأكثر إثارة للجدل: ففي ورقةٍ بحثية منشورة بتاريخ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عثر باحثون في إيطاليا على آثار لفيروس كورونا تعود إلى سبتمبر/أيلول عام 2019، وأعلنوا أنّها ربما “تُعيد تشكيل تاريخ” الجائحة. حيث حلّل علماء من معهد السرطان الوطني في ميلان وجامعة سيينا نحو ألف عينة دماء جرى جمعها عام 2019 من تجربة فحص سرطان. وقد أبلغوا عن احتواء أكثر من 10% منها على أجسام مضادة لفيروس كورونا، بما فيها عينات يعود تاريخها إلى سبتمبر/أيلول عام 2019.

بينما وضع إيمانويل مونتومولي، أحد المشاركين في الدراسة، فرضيةً تقول إنّهم ربما عثروا على سلالةٍ “أقل قابلية للعدوى” ويمكنها الانتشار دون التسبب في جائحةٍ كبيرة. ويُشكك بعض الأطباء في هذه الفرضية، كما يقولون إنّ اختبارات الأجسام المضادة قد تمنحنا نتائج إيجابية خاطئة.

بينما اقترح مسؤولون صينيون أنّ الفيروس وصل إلى ووهان من خارج البلاد. لكن تلك النظرية لم تقابَل بالتأييد من العلماء في الدول الأخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى التشابه الجيني بين سارس-كوف-2 وبين الفيروسات التاجية الخفاشية المعروفة من جنوب الصين.

البحث في المنشأ

قدّرت العديد من الفرق العلمية أنّ التفشي ربما بدأ مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2019. ومن السهل تفويت أولى الحالات: إذ كانت الصين في أوج أسوأ مواسم الإنفلونزا في البلاد منذ أكثر من عقدٍ كامل. وتُظهر الإحصاءات الرسمية أنّه بحلول نوفمبر/تشرين الثاني كانت حالات الإنفلونزا في كافة أرجاء الصين أكثر بخمسة أضعاف من أعداد الحالات في السنة السابقة. وبحلول ديسمبر/كانون الأول، وصلت أعداد الحالات إلى تسعة أضعاف.

وقد زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مدينة ووهان في سبتمبر/أيلول عام 2019. وخلال الأسابيع التالية، استضافت المدينة دورة الألعاب العسكرية العالمية، وأكبر معرض للسيارات في آسيا، ومنتدى عالمياً لبناة الجسور، وتجمعاً دولياً لعلم المواد، وحفل لم شمل لخريجي جامعة بكين. وبحلول الـ20 من ديسمبر/كانون الأول، وبالتزامن مع سقوط عشرات العاملين في سوق المأكولات البحرية مصابين بالمرض؛ حضر مؤسس Alibaba جاك ما ومؤسس Xiaomi لي جون إلى ووهان للمشاركة في مؤتمرٍ اقتصادي.

وكانت هناك الكثير من الشائعات المبكرة. إذ قالت ستيلا تشو، إحدى سكان ووهان، لصحيفة Washington Post الأمريكية إنّها سمعت أقاويل عن التهابٍ رئوي غامض داخل مركزٍ لرعاية الأطفال يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول عام 2109، وهو نفس يوم سقوط المريض S01 مصاباً، وقبل نحو شهرٍ من الإعلان الرسمي عن المرض. بينما قال تشو وي، أحد سكان ووهان، إنّ بعض الحالات المبكرة ربما لم يجرِ تشخيصها.

وأردف تشو: “يُساور كل المحيطين بي الشعور بأنّ الأعداد الحقيقية كانت أكثر بكثير من التعداد الرسمي. وفي البداية، كان هناك الكثيرون ممن لم يحصلوا على فرصة الخضوع لاختبار، أو لم يحصلوا على الرعاية الطبية اللازمة”.

وقد تحدث تقرير منظمة الصحة العالمية عن مرضى مشتبهين من فترةٍ مبكرة، لكنه قال إنّه لم يستطع الوصول إليهم لإجراء المقابلات.

وفي توصياتهم التالية، دعا خبراء منظمة الصحة العالمية إلى مراجعة عينات الدماء المبكرة من مركز الدم في ووهان والسجلات الطبية من دورة الألعاب العسكرية. لكن منظمة الصحة العالمية لم ترد عند سؤالها حول ما إذا كانت تلك المراجعات قد جرت بالفعل. كما لم يرد مركز الدم في ووهان وغيرها من المؤسسات الرسمية الصينية على طلبات التعليق.

وفي غالبية أوقات عام 2020، كان يُعتقد أن أولى الحالات كانت لمريضٍ من ووهان سقط مصاباً في الأول من ديسمبر/كانون الأول عام 2019. لكن تقرير منظمة الصحة العالمية راجع ذلك: وتبيّن أنّه كان يُعاني من مرضٍ آخر في أوائل ديسمبر/كانون الأول، ثم أُصيب بفيروس كورونا هو وزوجته في وقتٍ لاحق من الشهر خلال تجمعٍ عائلي.

وبذلك حوّلت المراجعة المحاسب تشين، مع ظهور الأعراض عليه في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2019، إلى أول حالة رسمياً.

مطاردة أطراف الخيوط

بحلول نوفمبر/تشرين الأول، كان فيروس كورونا قد أصاب على الأرجح عدداً قليلاً من الناس في ووهان، بحسب العلماء. وكانت المدينة تنبض بالحياة وتعج بالنشاط، مما خلق مسارات لا متناهية كان باستطاعة الفيروس أن يسلكها.

وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الأول، جلست مجموعةٌ من طلاب برامج التبادل الإيطاليين على مكاتب زرقاء في جامعة ووهان لمحاولة تجربة فن الخط الصيني. وفي الأسبوع التالي، تجمع نحو ألفي شخص مرتدين الهانفو -الزي الصيني القديم- داخل برج يلو كرين من أجل المشاركة في مهرجان. وفي وقتٍ لاحق من الشهر ذاته احتشد نحو 200 ألف شخص، بينهم زوار من 20 دولة، لحضور معرضٍ زراعي.

وفي نفس الشهر، أجرى عالم صيني متخصص في الحفاظ على الحياة البرية زيارةً روتينية إلى سوق هوانان الذي ظل يُراقبه لعامين، وأكّد أنه ما يزال يبيع حيوانات برية تُعاني من ظروف صحية سيئة- على حد تعبير فريقه لاحقاً في دورية Scientific Reports العلمية.

وفي الـ19 من نوفمبر/تشرين الأول، عقد معهد ووهان لأبحاث الفيروسات دورةً سنوية حول تدريبات سلامة الموظفين. وناقش نائب مدير الأمن هو تشيان مشكلات السلامة التي عُثِرَ عليها أثناء المراجعات على مدار العام السابق، وفقاً لمنشورٍ على موقع المعهد.

ولم يرد المعهد على الأسئلة حول نوعية مشكلات السلامة التي ظهرت خلال تلك المراجعات. وقد نفت القيادة بشدة أنها واجهت سارس-كوف-2 قبل الجائحة، وأكدت نفيها حدوث أي تسريبات من معامل التجارب.

لا يزال البحث في أصول المرض متعثراً

ووصفت منظمة الصحة العالمية نظرية أنّ التسريبات المعملية هي التي أدت لتفشي الجائحة بأنّها نظريةٌ “مستبعدة للغاية”. لكن عدداً من العلماء قالوا منذ ذلك الحين إنّهم يعتقدون أنّ هذه الاحتمالية لا تزال قائمة، وبينهم عالم الأحياء الحاسوبية جيسي بلوم.

إذ قال بلوم: “لا تزال أصول سارس-كوف-2 غير واضحة، مع وجود نظريتين مقبولتين حول كونه فيروساً طبيعياً حيواني المنشأ أو مجرد خطأ معملي”. وقد تعثر البحث في أصول المرض نتيجة قلة المعلومات المبكرة، التي كان بعضها غير موثوقٍ أو مفقوداً.

كما لم يعُد بالإمكان الوصول إلى أرشيفات الإنترنت لاثنتين من الصحف المحلية الحكومية، Hubei Daily وChutian Metro Daily، في التواريخ التي تسبق الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019 – وفقاً لعمليات البحث التي أجرتها صحيفة Washington Post. ولم ترد الجهات الناشرة لهاتين الصحيفتين على طلبات التعليق.

كما أثار جيسي الكثير من الجدل الشهر الماضي حين أعلن استرداده لـ13 تسلسلاً جينياً مبكراً لفيروس كورونا، بعد محوها من قاعدة بيانات بواسطة باحثين في ووهان لأسبابٍ مجهولة.

أما بوند، فقد قال إنّ ورقة بلوم البحثية تُؤكّد مدى قلة البيانات المتوافرة عن الأيام الأولى من الجائحة. وربما تسد هذه التسلسلات المستردة بعض الفجوات في عملية إعادة صياغة رحلة تطور الفيروس، لتقوي النظرية القائلة بأنّ سوق هوانان لم يكن المصدر الوحيد للتفشي بحسب بوند. إذ أوضح بوند: “إنّ عدداً ضئيلاً من التسلسلات مثل 13، رغم قلته، يمكنه أن يُدخل تعديلاً هائلاً على فهمنا لأصول الجائحة”.

عربي بوست

—————————

باستخدام المياه الغازية والعصائر.. طلبة المدارس يزيفون اختبار كورونا للتغيب عن المدرسة/ ليلى علي

إذا حاولت غسل الاختبار بعد استخدام الكولا معه بمحلول عازل فستستعيد الأجسام المضادة المجمدة وظيفتها الطبيعية وتكشف عن النتيجة السلبية الحقيقية للاختبار

في مقاله على موقع “ذا كونفرزيشن” (The Conversation) يجري مارك لورتش أستاذ علوم الاتصال والكيمياء في جامعة هال تحقيقا مفصلا لمعرفة الكيفية التي استخدمها الأطفال لتزوير نتائج اختبارات “كوفيد-19” “لاتيرال فلو تست” (إل إف تي) lateral flow test) (LFT)) باستخدام المشروبات الغازية كحجة للتغيب عن المدرسة.

وسائل التواصل الاجتماعي

وفقا لموقع إكسبريس (express) البريطاني، فقد تم تحذير أولياء الأمور في بعض المدارس بعد أن وصلت أنباء تفيد بأن الطلبة يستخدمون عصير الفاكهة للحصول على “نتائج إيجابية مزيفة” في تلك الاختبارات.

وقد عرف الأطفال عن تزييف الاختبارات بهذا الشكل من خلال مطالعتهم وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، بما فيها “التيك توك” (TikTok) الذي تمت مشاركة هذه الممارسات عليه.

ويُعتقد -وفقا لموقع إكسبرس- أن الأطفال في المدارس في جميع أنحاء بريطانيا قد استخدموا المشروبات مثل عصير البرتقال لإظهار أنهم مصابون بالفيروس القاتل، مما دعا بعض مسؤولي المدارس إلى ضرورة تأكيد أي نتيجة إيجابية يتم الحصول عليها من اختبار “إل إف دي” (LFD) من خلال القيام باختبار بي سي آر” (PCR).

ويقول لورتش “يجد الأطفال دائما طرقا ماكرة للتغيب عن المدرسة، ولكن كيف يمكن لعصائر الفاكهة والكولا أن تؤثر إيجابيا على اختبارات كوفيد-19؟ وهل توجد طريقة لمعرفة النتائج الإيجابية المزيفة من النتائج الحقيقية؟”.

حاول لورتش التحقق من الادعاءات بنفسه، فقام بفتح زجاجات من الكولا وعصير البرتقال، ووضع بضع قطرات منها مباشرة على اختبارات “إل إف تي إس” (LFTs)، ويقول “من المؤكد أنه بعد بضع دقائق ظهر خطان في كل اختبار، مما يشير إلى وجود الفيروس المسبب لكوفيد-19”.

كيف تظهر النتيجة الإيجابية المزيفة؟

أحد الاحتمالات هو أن المشروبات تحتوي على شيء تتعرف عليه الأجسام المضادة الموجودة في جهاز “إل إف تي” وترتبط به تماما كما تفعل مع الفيروس في حال وجوده، لكن هذا غير مرجح إلى حد ما، والسبب في استخدام الأجسام المضادة في مثل هذه الاختبارات هو أنها شديدة الحساسية بشأن ما ترتبط به.

والدليل على ذلك أن الأجسام المضادة تتجاهل كل أنواع الأشياء في المخاط واللعاب اللذين يتم جمعهما بواسطة المسحات التي تأخذ من الأنف والفم، بداية من البروتين والفيروسات الأخرى وبقايا الوجبة الأخيرة التي تناولناها، لذلك ليس من الطبيعي أن تتفاعل مع مكونات المشروبات الغازية.

أما التفسير الأكثر ترجيحا -حسب لورتش- فهو أن شيئا ما في المشروبات يؤثر على وظيفة الأجسام المضادة، وبالنسبة للسوائل التي تم استخدامها لتزييف نتائج اختبارات “كوفيد-19” -سواء عصير الفاكهة أو الكولا- فإنها جميعا لديها شيء واحد مشترك، وهي أنها شديدة الحموضة.

يعطي حمض الستريك في عصير البرتقال وحمض الفوسفوريك في الكولا وحمض الماليك في عصير التفاح درجة حموضة تتراوح بين 2.5 و4 درجات، وتعد هذه ظروف قاسية جدا للأجسام المضادة، والتي تطورت في الأساس لتعمل إلى حد كبير في مجرى الدم، مع درجة حموضة متعادلة تقريبا تبلغ حوالي 7.4 درجات.

ويعد الحفاظ على درجة حموضة مثالية للأجسام المضادة أمرا أساسيا للوظيفة الصحيحة للاختبار، وهنا تأتي وظيفة المحلول العازل السائل المقدم مع الاختبار، والذي يجب أن تخلط فيه عينتك قبل تقطيرها على الشريط.

للمحلول العازل دور حاسم في الاختبار، لأنك إذا قمت بخلط الكولا معه فإن اختبارات “إل إف تي إس” ستقوم بوظيفتها المتوقعة بدون تزييف، وبدون السائل العازل تتعرض الأجسام المضادة في الاختبار لدرجة الحموضة الخاصة بالمشروبات، وهذا له تأثير كبير على هيكلها ووظيفتها.

اختلال في تفاعلات الأجسام المضادة

الأجسام المضادة عبارة عن بروتينات تتكون من لبنات بناء الأحماض الأمينية، وهي مرتبطة ببعضها البعض لتشكيل سلاسل خطية طويلة، ويتم طي هذه السلاسل في هياكل دقيقة ومحددة للغاية، وحتى التغيير البسيط في السلاسل يمكن أن يؤثر بشكل كبير على وظيفة البروتين.

يتم الحفاظ على هذه الهياكل من خلال شبكة من عدة آلاف من التفاعلات بين الأجزاء المختلفة من البروتين، فعلى سبيل المثال، الأجزاء المشحونة من البروتين سالبة الشحنة ستنجذب إلى المناطق الموجبة الشحنة.

لكن في الظروف الحمضية تزداد الشحنة الإيجابية للبروتين، ونتيجة لذلك تتعطل العديد من التفاعلات التي تربط البروتين معا، وتتأثر البنية الدقيقة له فلا يعمل بشكل صحيح، وفي هذه الحالة تفقد الأجسام المضادة حساسيتها للفيروس.

تتحول البروتينات المشوهة هذه إلى وحوش لزجة تبحث عن شيء ترتبط به بعد تعطل كل تلك التفاعلات المتطورة التي كان من شأنها أن تحافظ على تماسك البروتين من قبل.

لذا، فإن التفسير المحتمل هو أن الأجسام المضادة المثبتة في الخط “تي” (T) بالاختبار تلتصق مباشرة بجزيئات الذهب أثناء مرورها، مما ينتج عنه نتيجة إيجابية كاذبة لكوفيد-19 ناتجة عن الكولا.

هل توجد طريقة لاكتشاف التزييف؟

الأجسام المضادة -مثل معظم البروتينات- قادرة على استعادة وظيفتها عند إعادتها إلى ظروف أكثر ملاءمة، لذا إذا حاولت غسل الاختبار بعد استخدام الكولا معه بمحلول عازل فستستعيد الأجسام المضادة المجمدة في خط “تي” وظيفتها الطبيعية وتكشف عن النتيجة السلبية الحقيقية للاختبار.

المصدر : ذا كونفرسيشن + ساينس ألرت + مواقع إلكترونية

————————-

لقاح كورونا في حلب وريفها/ مريم الحدادي

هذا المقال جزء من تغطية خاصة عن لقاح كورونا في الداخل السوري.

فصلت سنة وشهران بين الإعلان الرسمي عن أول إصابة بفيروس كورونا في سوريا ووصول أول دفعة من اللقاحات إلى البلاد. قبل ذلك، تغيرت مسيرة التعامل الشعبي مع الوباء، من النفير العام وتكديس البضائع وفقدان الكمامات والأدوية من الصيدليات، إلى التأقلم الكامل مع انتشاره أو عدم الاكتراث به، وذلك ربما نتيجة اعتياد الموت وعدم القدرة على تحمّل رفاهية الاحتراز من المرض رغم وصول عدد الإصابات – غير الموثقة في معظم الأحيان – إلى أعداد مرتفعة جعلت من صفحات الفيسبوك في الذروات الأساسية لانتشار الفيروس منصّةً لنعِي المصابين بالفيروس وتقبل العزاء بهم.

وعند إعلان البدء بتوزيع لقاحات كورونا حول العالم، لم يتأمل المجتمع الحلبي وصول اللقاح إلى سوريا قبل سنتين على الأقل، إلا أن ما حصل هو توريد اللقاح وإتاحته مجاناً وبسرعة كبيرة نسبياً بالنظر إلى ظروف البلد. حصل ذلك في أيار الفائت، عندما أُعلن عن وصول أول دفعة من لقاح فيروس كورونا إلى سوريا من خلال مبادرة Covax، وأعلنت وزارة الصحة السورية بالتزامن عن إطلاق منصّة التسجيل على اللقاح عبر موقعها الإلكتروني.

من أجل الحصول على اللقاح، على الراغبين التسجيل على المنصة من خلال تقديم بعض البيانات: مثل العمر والحالة الصحية والرقم الوطني ورقم للتواصل. وبعد إتمام التسجيل تصل رسالة تأكيد، ثم ينتظر المسجّلون وصول رسالة أخرى بعد عدّة أيام (بعضها وصل بعد ساعات) للتوجه في اليوم التالي لتلقّي الجرعة الأولى.

ذلك يعني أن على الراغبين بالتسجيل للحصول على اللقاح أن يمتلكوا هاتفاً محمولاً يمكّنهم من الدخول إلى الإنترنت، رغم آلية جمركة الأجهزة المحمولة الجديدة التي تعيق ذلك أحياناً، بالإضافة إلى شبكة إنترنت، وهذا الشرط نظرياً لا ينطبق على الكثير من الشرائح السورية التي تعيش تحت خط الفقر. إلّا أن التجربة ذاتها يبدو أنها نجحت مع آليات توزيع المواد باستخدام البطاقة الذكية التي تتطلب ذات الشروط، وربما هذا ما دفع إلى اعتمادها.

أولويات التلقيح

بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، باشرت وزارة الصحة السورية بتوزيع اللقاح منذ وصول الدفعة الأولى، وأُعطيت الجرعات الأولى في حلب للعاملين في القطاع الصحّي، إذ حصلوا على لقاح سينوفارم الصيني. وفي الدفعات اللاحقة استُعيض عنه بلقاح سبوتنيك الروسي بعد وصوله، وكانت مدة التباعد بين الجرعتين تتراوح بين 18 إلى 20 يوماً. كما بدأ توزيع اللقاحات على طلاب كلية الطب البشري في جامعة حلب بشكل اختياري، بدءاً من أطباء الدراسات العليا وصولاً حتى إعداد هذا التقرير إلى طلاب السنة الرابعة، وذلك في مشفى الرازي الحكومي. فيما تحصل باقي الفئات على لقاح أسترازينيكا البريطاني المصنّع في الهند، وتبلغ المدة الفاصلة بين الجرعتين قرابة شهرين.

وُيعزى سبب اختلاف نوع اللقاحات بين الشرائح العاملة في القطاع الصحي وباقي الشرائح إلى الفترة الفاصلة بين الجرعتين، وبحسب ما هو متاح من اللقاحات، إذ تحتاج الكوادر الطبية إلى استمرارية عملها على خط الدفاع الأول، وبالتالي ضرورة حصولها على الجرعتين في أسرع وقت ممكن. لكن الكثير من الشرائح الأخرى يفضلون لقاح سبوتنيك الروسي نتيجة تأثرهم بالشائعات المنتشرة حول لقاح أسترازينيكا، وبالتقارير العديدة التي أصدرتها جهات طبية رسمية تحدثت عن تسببه بجلطات ومضاعفات خطرة.

على النقيض من ذلك، يفضل آخرون لقاح أسترازينيكا كون لقاح سبوتنيك غير معترف به في كثير من الدول حول العالم، ولا سيما إذا كان المتلقّي سيسافر قريباً إلى إحدى تلك الدول. ويمتنع العديد من الأشخاص عن أخذ اللقاح بنوعيه، لا سيما ضمن فئة الشباب، إذ تقول نادية عبدو (اسم مستعار): «ما يزال اللقاح جديداً، ورغم تسجيلي على المنصّة سأرفض في حال تمت دعوتي لأخذه، لأنني صرت خائفة من أعراضه الجانبية ومضاعفاته المستقبلية غير الواضحة». وتوافقها الطبيبة داليا ناجي (اسم مستعار) بالقول: «اللقاح متاح لي كوني عاملة في القطاع الطبّي، لكننّي فضّلت الامتناع عن أخذه؛ اللقاحات لم تُتم كل التجارب التي لها أن تغطي الآثار الناجمة عنها. حتى في الولايات المتحدة جرى سحب بعض اللقاحات بسبب أضرارها».

بالانتقال إلى الفئات الأخرى غير العاملة في القطاع الصحي، فإن أولوية إعطاء اللقاحات تتحدّد بعمر المسجَّل وحالته الصحية: مثل إصابته بأمراض مزمنة أو حساسيته لأنواع محددة من الأدوية، وقد يطلب في هذه الحالة تقارير طبية تثبت حالة المريض.

ويتاح لتلك الفئات، ممن تعدّت أعمارهم 50 سنة، التسجيل المباشر ضمن مراكز التطعيم والحصول على اللقاح فورياً، فيما يتعيّن على باقي الفئات التسجيل على الموقع حكماً وانتظار الرسالة. وفي جميع هذه الحالات، يُقدم اللقاح مجاناً لكافة الشرائح الراغبة بالحصول عليه.

مراكز اللقاح وتوزّعها

يوجد في حلب 11 مركزاً رسمياً للتطعيم بحسب موقع وزارة الصحة، موزعين بين أربعة مراكز رسمية في المدينة: العيادات الشاملة في الحمدانية غرب حلب، مركز الجلاء في منطقة قاضي عسكر شرق حلب، مركز الملك الظاهر في منطقة الميدان، مركز خالد بن الوليد في منطقة الخالدية في الجهة الشمالية من المدينة. يُضاف إليها سبعة مراكز في ريفها الخاضع لسيطرة النظام السوري: أبين ونبّل في ريف حلب الشمالي، بلاس في ريف حلب الجنوبي، الخفسة وعرّان والسفيرة ودير حافر في ريف حلب الشرقي. كما خُصصت عدّة مراكز صحية ومشافي حكومية فقط للعاملين في القطاع الصحي: مثل مشفى الرازي للعاملين ومشفى التوليد ومشفى ابن رشد.

وبما أنّ عملية التسجيل تتم عن طريق الموقع الرسمي لوزارة الصحة في حكومة النظام وآلية تنظيم الدور تنظَّم تبعاً للرسائل، فإن استطاعة تلك المراكز تتناسب مع عدد الأشخاص الذين وصلتهم الرسالة، لا سيما أن مدة عملية التطعيم لا تتجاوز في مجملها 15-20 دقيقة. وبحسب المعطيات الواردة، من الممكن تطعيم 15 شخص تقريباً في الساعة الواحدة ضمن كل مركز.

إقبال ضعيف على تلقي اللقاح

على الرغم من تسجيل مدينة حلب لأعلى نسبة حالات نشطة من فيروس كورونا في الأسابيع الأخيرة حسب موقع وزارة الصحة، إلّا أن الإقبال على أخذ اللقاح لم يتجاوز حدّاً يؤثر على استطاعة المراكز. إذ يقول الدكتور ياسر أمين (اسم مستعار) الذي يدير أحد مراكز تقديم اللقاح: «إن إقبال المجتمع الحلبي على اللقاح كان ضعيفاً، حتى أن عدداً من المراكز المحلية أتاحت اللقاح لكافة الشرائح دون استثناء وعملت على دعوة مجتمعها المحلي لأخذ التطعيم، إلّا أن تلبية تلك الدعوات بقيت قليلةً حتى أُقفِل بعضها».

الإصابات بالفيروس في حلب تتجاوز بكثير الإحصائيات المنشورة ضمن برنامج رصد الحالات التابع للوزارة، إذ يمكننا الجزم أن نسبة غير قليلة من أهالي حلب قد أصيبوا بفيروس كورونا مرّة على الأقل منذ بدء تفشّي الوباء، إلا أن منحنى انتشار الفيروس انخفض مؤخراً بالنظر إلى تدني عدد الأسرّة المشغولة بمرضى فيروس كورونا ضمن مشفى الباسل الجامعي، إلى جانب انخفاض الضغط ضمن مشفى الرازي إلى مستوى مقبول.

الجدير بالذكر هو أنباء مصدرها عدد من الأطباء في حلب تحدثوا عن انتهاء كميات اللقاحات الواردة إلى سوريا، وبالتالي توقّف عملية التطعيم بشكل مؤقت لعدم وجود لقاحات كافية، وهذا ما حدث بالفعل مع إغلاق العديد من مراكز التطعيم الثانوية وتوقّف المراكز الأساسية عن العمل. إضافةً إلى أنباء أخرى تتحدّث عن توقف توريد لقاح أسترازينيكا والاستعاضة عنه بلقاح سينوفارم الصيني لكافة الشرائح، نظراً لأن استيراد اللقاحات ينحصر بما يُقدم مجاناً، وبالتالي فما من خيار سوى القبول بأي نوع متاح.

لا أرقام عن عدد الحاصلين على اللقاح

رغم تسجيل كافة البيانات بشكل مؤتمت، لا يوجد حتى الآن أي إحصائية رسمية متاحة عن عدد الحاصلين على اللقاح، إذ تتحفّظ وزارة الصحة ومديرياتها على نشر هذه التفاصيل، وتقتصر الإحصائيات المتوافرة حالياً على عدد المصابين وأماكن انتشارهم.

في تجربتي الشخصية مع التطعيم، رافقتُ قريبي السبعيني إلى أحد مراكز التلقيح الرسمية بعد أن وصلتْه رسالة بأن موعد لقاحه قد حان وبإمكانه الحضور إلى المركز. طلبوا هويته، وطلبوا منه تعبئة استمارة قصيرة فيها المعلومات الأساسية عنه، كما سأله الطبيب المسؤول عمّا إذا كان يعاني من حساسية لمادّة معينة قد تمنعه من الحصول على اللقاح. أتممنا العملية وطلبوا منا الدخول إلى غرفة اللقاح الواقعة إلى يمين غرفة تلقيح الأطفال ضد الشلل، وكان المركز يعجّ بالعائلات من مختلف الأعمار تبعاً لاختلاف الشرائح العمرية التي يخدّمها. كان في غرفة التطعيم قرابة خمسة أشخاص تلقوا اللقاح قبل نحو خمس دقائق، وطلبت الممرضة من قريبي الاستعداد، لم يتطلب الأمر سوى بضع ثوانٍ حتى انتهت العملية. وأخبرتْه بعدها أن يستريح في الغرفة لمدة ربع ساعة للتأكد من عدم حصول أي مضاعفات جانبية، كما قدّمت له رقم هاتف للاتصال فيما لو عانى من أي عارض غير متوقع. وتُقدَّم لكافة الحاصلين على اللقاح بطاقة تحمل اسم المركز والتاريخ واسم المُطعِّم ونوع اللقاح وموعد الجرعة الثانية.

يبقى موضوع التطعيم بلقاح كورونا موضوعاً جدلياً بالنسبة للشارع الحلبي، فغالبية الحاصلين على اللقاح حتى الآن هم إمّا من العاملين ضمن القطاع الصحي أو ممن تعدّت أعمارهم الخمسين عاماً، وذلك لكثرة الآراء الطبية التي تشجّع كبار السن على تلقي اللقاح، بالإضافة إلى استهدافهم في هذه المراحل الأولى. أمّا عن الفئات الأصغر سنّاً، ما زال الأمر يتراوح بين الرغبة الخجولة والخوف من الأخبار الطبية المستجدة التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام حول اللقاحات وآثارها.

موقع الجمهورية

————————————

=====================

—————————————-

لقاحات كورونا بين العلم والتسييس والأدلجة/ أسامة أبو ارشيد

مضى عام ونصف العام تقريباً منذ إعلان منظمة الصحة العالمية وباء كورونا “جائحة عالمية”. أصيب بها أكثر من مائتي مليون إنسان، وهناك حوالي أربعة ملايين ونصف المليون قضوا بسببها. ومع ذلك، لا تزال البشرية تقبع تحت هذا الخطر الداهم الذي شلَّ مفاصل الحياة، أو عطَّل كثيراً من مناحيها، كما نعرفها، وعلى الصعد والمستويات كافة. الجديد هنا أن الجائحة المعروفة علمياً باسم Covid-19 لم تعد، إلى حد كبير، مجهولاً، كما كان عليه الحال حتى أواخر العام الماضي، بل توصل العلم إلى فهم أفضل للفيروس المسبّب لها، وكيف يعمل، وكيفية الوقاية منه. الأهم في هذا السياق أن العلماء طوّروا لقاحات (مطاعيم) يبدو، إلى الآن، أنَّ جلها آمن بشكل معقول، وهي فعّالة كذلك.

إذا كان مفهوماً أن هذه الجائحة لا تزال ترخي بظلالها الثقيلة على العالم عبر متحوّراتها العديدة وطفراتها المستجدّة، سواء جرّاء عدم القدرة على إنتاج مطاعيم بأعداد كافية وبسرعة كبيرة تغطي احتياجات قرابة ثمانية مليارات إنسان يَعْمُرونَ هذه الأرض، أو بسبب غياب العدالة في توزيعها، فإن المفارقة هي استمرار معاناة دول متقدّمة تملك مطاعيم كافية، تغطي احتياجات سكانها. تفيد المعطيات المتوفرة بأن 14.8% فقط من سكان العالم تلقوا تطعيماً كاملاً من جرعتين، أي 1.16 مليار إنسان. في حين أن عدد من تلقوا جرعة واحدة بلغ حوالي 4.5 مليارات. واستناداً إلى العلماء، فإن نسبة التطعيم الكامل ينبغي أن تصل إلى 70 – 75% لكي تتشكّل “مناعة القطيع”. هذا ينسحب على أي دولةٍ ومجتمع، كما ينسحب على البشرية جمعاء، إن أردنا محاصرة الفيروس، والحدّ من قدرته على إنتاج متحوّرات وطفرات جديدة. بمعنى آخر، لا نجاة لأحد إلا إذا ضمنت النجاة للجميع.

المشكلة، هناك كثيرون بيننا يرفضون تلقي المطاعيم، حتى في حال توفرها، وهو ما يجعل من إمكانية السيطرة على الجائحة بعيدة جداً. تتعدّد أسباب هؤلاء ما بين الديني والإيديولوجي، وتبنّي نظريات المؤامرة حول أصل الوباء و”الأغراض” من ورائه، وكذلك التشكك بالعلم وسلامة المطاعيم وأمانها وفعاليتها، فضلاً عن التردّد في أخذها، والمماطلة في ذلك، إلى حين الاطمئنان أن من أخذها لم يعانوا من أعراضٍ جانبية وتداعيات أخطر.

ليست هذه العقليات حكراً على دول ما يوصف بالعالم الثالث، بل حتى بعض أجزاء ما يوصف بالعالم المتقدّم، تجابه تحدياً من نوع فريد هنا. هم يملكون القدرات الطبية واللوجستية والتقنية على التصدّي للوباء، ولكنهم يقفون عاجزين أمام تفشّيه وانتشاره. خذ مثلاً الولايات المتحدة التي تملك من المطاعيم، التي يجزم الخبراء بفعاليتها وأمانها إلى حد كبير، ما يزيد عن احتياجات سكانها الـ 333 مليوناً، وهي كانت قد بدأت حملة وطنية واسعة للتطعيم المجاني مطلع العام الجاري. ومع ذلك، فإن متحور دلتا ألغى، عملياً، إنجازاتٍ كثيرة تحققت في الأشهر الأخيرة. السبب الرئيس وراء ذلك رفض قرابة نصف الشعب، أو تلكؤه أو تردّده، في تلقي المطاعيم المتوفرة بسهولة، ومجاناً.

كلنا يعلم أن الولايات المتحدة هي أكثر الدول تضرّراً من الجائحة، بعدد حالات تجاوزت 35 مليوناً، وأعداد وفيات تجاوزت ألـ 614 ألفاً. وإذا كان يمكن توجيه اللوم، العام الماضي، للإدارة الكارثية للرئيس السابق دونالد ترامب، فإن المُلام اليوم هم رافضو تلقي المطاعيم، من دون أن ينفي ذلك دور الترامبية، تيارا ونهجا، في تسعير نيران الأزمة. مع تفشّي متحور دلتا وارتفاع حالات الإصابة أميركياً في الأسبوعين الأخيرين، فقط، بنسبة 150%، بدأ أميركيون كثيرون يدركون حجم الفاجعة والخطر، ومن ثمَّ المسارعة إلى تلقي المطاعيم. وعلى الرغم من ذلك، فإن نسبة الأميركيين البالغين ممن تلقوا جرعتين من المطاعيم هي 50.3%، ونسبة من تلقوا جرعة واحدة وصلت إلى 70%. وهاتان نسبتان كان ينبغي أن تصل إليهما الولايات المتحدة في الرابع من الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، حسبما كان أعلن الرئيس جو بايدن. لكن، وبسبب عناد نصف المجتمع الأميركي، غدا المجتمع بأكمله تحت الحصار اليوم. حتى من تلقوا المطاعيم وقت إتاحتها لم تعد تشفع لهم، فهم مطالبون أيضاً بارتداء الكمّامات من جديد، والالتزام بالتباعد الجسدي، وقيود أخرى.

كارثة أن يتم تحويل جائحة صحية إلى قضية دينية أو إيديولوجية أو سياسية أو مادّة تهريج إعلامي. هذا عبث، بل إجرام وسفاهة وحماقة. تفيد استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة بأن 17% ما زالوا يعارضون، مطلقاً، الحصول على اللقاح. 70% من هؤلاء جمهوريون، بينما 6% فقط ديمقراطيون. وفي الولايات المتحدة اليوم أميركتان، واحدة تتعامل بنجاح مع الجائحة، وأخرى تفعل فيها الجائحة أفاعيلها، كتكساس وفلوريدا ولويزيانا. والسبب تقديم حكام تلك الولايات مصالحهم الانتخابية على مصالح مواطنيهم، ومحاولة لاسترضاء قواعد إيديولوجية عمياء صمّاء. يحدث ذلك كله، في حين تؤكد المعطيات العلمية أن أقل من 0.004% ممن تمَّ تطعيمهم بالكامل أصيبوا بعدوى كورونا بشكلٍ استدعى دخولهم إلى المستشفى. أما نسبة الوفيات بينهم بسبب الفيروس فهي أقل من 0.001%. بمعنى آخر، اللقاحات تعمل بشكل ممتاز، حسب الدراسات العلمية المتوفرة، ولكن ثمَّة من يصر على أدلجة المسألة وتسييسها وتحويلها إلى موضوع جدل شعبوي إعلامي فارغ، طلباً لمزيد من المشاهدات.

الوضع في أميركا ليس إلا نموذجاً واحداً يصلح للتعميم في أجزاء كثيرة من العالم. أتيحت لي في الإجازة الصيفية أن أزور تركيا والأردن. صحيحٌ أن المطاعيم في البلدين ليست متوفرة بشكل كاف لكل من يريدها، ولكنني جلست مع كثيرين يتباهون بأنه أتيحت لهم فرصة تلقي المطعوم ورفضوه. منطقهم إما أنه قائم على رعونة وتبجّح، أو تشكك بالعلم وفعالية المطاعيم وأمانها، أو حتى التشكيك بوجود كورونا أصلاً، دع عنك القصص الركيكة عن محاولات “الحكومة العالمية” السيطرة على البشر والحدّ من نسلهم وتكاثرهم! وحتى يجد العالم طريقة لتوفير مطاعيم كافية لكل من يحتاجها، وحتى يتمكّن من توزيعها وإيصالها، ثمَّ إقناع الناس بأخذها، ستبقى البشرية تحت رحمة هذه الجائحة، وربما قد تقودنا إلى جائحةٍ أخرى أكثر فتكاً لا قدر الله.

كلمة أخيرة، هذه ليست شهادة لناحية أمان المطاعيم على الإطلاق، فلستُ خبيراً ولا متخصّصاً، ولكن عندما أُخَيَّرُ بين اتباع خبراء (وعلماء) وبعض سقط المتاع من أدعياء المعرفة من الشعبويين، أختار العلم، وأتوكل على الله.

العربي الجديد

———————————————

للكشف عن أصل الوباء.. أجهزة الاستخبارات الأميركية تحصل على قاعدة بيانات ضخمة من ووهان

تبحث وكالات الاستخبارات الأميركية في كم هائل من البيانات الجينية التي التي من شأنها أن تكون طريقا لكشف لغز أصول فيروس كورونا المستجد حال تحليلها وفك شفرتها.

ووفقا لشبكة “سي إن إن” الإخبارية، فإن قاعدة البيانات الضخمة التي يملكها مجتمع الاستخبارات مستمدة من عينات الفيروس التي تمت دراستها في مختبر معهد ووهان لعلم الفيروسات بالصين، والتي ينظر لها على أنها مصدر تفشي وباء كوفيد-19.

يأتي ذلك ضمن جهود وكالات الاستخبارات بالتحقيق في أصول الوباء الذي يستمر 90 يوما، والذي يأتي تنفيذا لتوجيهات الرئيس الأميركي جو بايدن.

وقالت مصادر مطلعة على الأمر للشبكة الأميركية إنه ليس من الواضح كيف أو متى تمكنت وكالات الاستخبارات الأميركية من الوصول إلى المعلومات، لكن الأجهزة المشاركة في إنشاء ومعالجة هذا النوع من البيانات الجينية للفيروسات ترتبط عادة بخوادم خارجية قائمة على السحابة، مما يجعل من إمكانية اختراقها متاحا.

ومع ذلك، تملك وكالات الاستخبارات الأميركية تحديات تتعلق بالقوى العاملة لفك شفرة تلك البيانات، خاصة وأن تفسير المعلومات يحتاج للعنصر البشري المتخصص والمصرح له بالعمل مع أجهزة الاستخبارات، على اعتبار أنها مكتوبة بلغة الماندرين وبمفردات تخصصية.

وكان الرئيس بايدن وجه في مايو الماضي وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة بالتحقيق في منشأ الفيروس التاجي في غضون 90 يوما من المفترض أن تنتهي في الأسبوع الأخير من أغسطس.

ولا يزال العديد من العلماء يعتقدون أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن الفيروس انتقل من الحيوانات إلى البشر بشكل طبيعي. ولكن على الرغم من اختبار آلاف الحيوانات، عجز الباحثون عن تحديد الناقل الوسيط الذي نقل الفيروس إلى الإنسان.

ومع ذلك، لا يزال بعض الباحثين ومسؤولي المخابرات والمشرعين الجمهوريين في الكونغرس الأميركي يعتقدون أن علماء معهد ووهان لعلم الفيروسات ربما قاموا بتعديل فيروس وراثيا داخل المختبر باستخدام نوع مثير للجدل من الأبحاث يُعرف باسم “البحث المكتسب من الوظيفة” والذي يمكن أن يكون قد أصاب الباحثين الذين نشروه في مجتمعاتهم.

تقول الشبكة الأميركية – نقلا عن مصادرها – إنه من المعقول أيضا أن العدوى الأولية حدثت بشكل طبيعي خارج المختبر، ربما أثناء قيام أحد العلماء بجمع عينة من حيوان بري، قبل أن ينشر هذا العالم الفيروس دون علمه عندما عاد إلى المختبر مع العينات التي جمعها.

وقال المصدر المطلع على التحقيق: “في الفرضية الأخيرة، من المحتمل أنه تم إحضاره إلى المختبر للدراسة لأن شخصا ما مرض … مما يعني أن هناك عددا غير معروف من الأشخاص الآخرين الذين كانوا مرضى بالفعل”.

أدلة كافية

لطالما سعى المحققون داخل وخارج الحكومة الأميركية للحصول على بيانات وراثية من 22000 عينة فيروسية كانت قيد الدراسة في معهد ووهان لعلم الفيروسات، إذ تمت إزالة هذه البيانات من الإنترنت من قبل المسؤولين الصينيين خلال شهر سبتمبر 2019، ومنذ ذلك الحين رفضت الصين تسليم هذه البيانات وغيرها من البيانات الأولية حول حالات الإصابة المبكرة بفيروس كورونا إلى منظمة الصحة العالمية والولايات المتحدة.

تقول مصادر مطلعة على هذا الجهد إن ملء هذا الرابط الجيني المفقود لن يكون كافيا لإثبات ما إذا كان الفيروس قد نشأ في مختبر ووهان أو ظهر بشكل طبيعي. وسيظل المسؤولون بحاجة إلى تجميع أدلة سياقية أخرى لتحديد الأصول الحقيقية للوباء.

في يونيو الماضي، وجد عالم فيروسات أميركي أن 13 تسلسلا جينيا لمصابين بكوفيد-19 خلال الأيام الأولى للوباء بووهان الصينية، حذفت من قاعدة بيانات في الإنترنت بشكل غامض.

وقال العالم المتخصص في التطور الفيروس في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان، جيسي بلوم، إنه تمكن من استعادة نسخ من البيانات المحذوفة، متهما الصين بمحاولة إخفاء التسلسلات الجينية، في إشارة إلى احتمالية حذف السلطات الصينية لهذه البيانات بسبب مخاوف من كشف أصول الوباء.

في غضون ذلك، تمسك المشرعون الجمهوريون في مجلس النواب بنظرية أن الفيروس تسرب من المختبر. وزعم المشرعون الجمهوريون في تقرير صدر، الاثنين، عن النائب مايكل ماكول من تكساس أن “الأدلة تشير إلى أن فيروس كورونا أطلق عن طريق الخطأ” من مختبر ووهان عام 2019.

في المقابل، يقول مسؤولو المخابرات إنه لا يزال الحديث سابق لأوانه. 

لكن المدير السابق للاستخبارات الوطنية، جون راتكليف، قال إن مجتمع الاستخبارات الأميركية لديه بالفعل مجموعة كافية حول موضوع أصول كوفيد.

وأضاف: “لدينا نظرة ثاقبة غير عادية حول هذا الموضوع لعدة أشهر، أكثر بكثير مما تم رفع السرية عنه. التظاهر بأننا لم نفعل ذلك هو شأن سياسي لمحاولة كسب الوقت”.

في مايو الماضي، انتقد 18 عالما متخصصا تقرير منظمة الصحة العالمية الخاص بأصول الوباء كونه فشل في إعطاء “اعتبار متوازن” لنظرية تسرب الفيروس من مختبر معهد ووهان لعلم الفيروسات، وهي النظرية التي استبعدها الفريق الدولي المكلف ببحث منشأة الوباء.

وكان الفريق المكون من علماء من منظمة الصحة العالمية ونظرائهم الصينيين زاروا ووهان يناير الماضي لبحث أصول الوباء الذي أدى لفوضى عارمة في العالم.

وخلص الفريق لاحقا إلى أن فيروس كورونا المستجد انتقل للإنسان عبر حيوان وسيط.

الحرة / ترجمات – دبي

———————————-

كيف سيغيّرنا كوفيد 19؟ رؤى وآراء من حول العالم

“كيف سيغيّر كوفيد ـ 19 العالم؟”. وجّهت مجلة “نويما” (Noema) هذا السؤال إلى مجموعة من الأشخاص البارزين حول العالم، من مختلف الاختصاصات، فكانت هذه التصورات:

يوفال نوح هراري، مؤلف كتاب “العاقل”، “الإنسان الإله”، و”12 درسًا للقرن الواحد والعشرين“:

في الشهور القليلة المقبلة، سيعيد السياسيون تشكيل العالم. وخلال تلك الشهور القليلة، سيغدو العالم سائلًا ومرنًا. إننا نستطيع أن نختار التعامل مع الأزمة الحالية من خلال التضامن والتعاون العالميين، وسينتج عن ذلك عالم أكثر توحدًا وانسجامًا، أو نستطيع اختيار التعامل مع الأزمة من خلال التنافس والعزلة الوطنية. وذاك على الأرجح سيجعلها أكثر حدّة، ويُنتج عالمًا أكثر تشظيًّا وعدائية.

ونستطيع، أيضًا، اختيار التعامل مع الأزمة بفرض أنظمة شمولية رقابية، أو بإعطاء الصلاحية للمواطنين، وضمان مزيد من الشفافية الحكومية. كذلك، يمكن للحكومات أن تختار إنقاذ الشركات القوية، وإضعاف النقابات العمالية أكثر فأكثر، أو تستطيع أن تستغلّ الفرصة لكبح جماح الشركات الكبرى، وتعزيز النقابات العمالية. علاوة على ذلك، تستطيع البشرية أن تقرّر إعادة بناء نظام النقل وقطاع الطاقة على أسسٍ أقل ضررًا بالبيئة، أو أن تركّز على انتعاش اقتصادي محدود، وتتخلى عن الاحتراس البيئي. وهنالك خيارات أخرى لا تعد ولا تحصى يتعين علينا القيام بها.

لقد أخذت هذه الأزمة السياسيين على حين غرّة، وما من خطة جاهزة لديهم حول ما يجب القيام به. ولذلك، هم منفتحون إلى حد كبير على الأفكار الجديدة؛ حتى المجنونة منها. لكنْ، ما إن يتم اتخاذ الخيارات، سيترسّخ نظام جديد، وسيصبح من الصعب أكثر فأكثر تجربة طريق جديدة. وأيًّا يكن من يستلم السلطة في عام 2021، فسيكون مثل شخص يأتي إلى حفلة بعد انتهائها، حيث لا شيء متبقٍ لفعله سوى غسل الأطباق المتّسخة. لكن الآن، وما دامت الحفلة مستمرة، يجب علينا أن نكون شديدي التركيز، ونساعد الحكومات على تبنّي السياسات الصائبة.

فلسطين ـ يافا.

***

هيلي تورنينج ـ شميت، رئيسة وزراء الدنمارك سابقًا:

على أشدّ مخاوفنا اليوم أن تكون هذا: ألا يغيّر الوباء إلا قليلًا، أو ألا يغيّر شيئًا على الإطلاق؛ أي أن يتغيّر كل شيء، لكن يبقى كل شيء على حاله.

فهذا على وجه التحديد ما حدث عام 2008: ربحنا الحرب، من حيث أنه تم تفادي انهيار اقتصادي شامل، لكننا خسرنا الأمان. بضعُ حزمِ دعمٍ مالي، متطلبات رأسِ مالٍ بنكي أعلى، وبنوك مركزية نشطة؛ لكن من دون وضع شبكات أمان، ومجرد بضع تغييرات هيكلية في كيفية عمل السوق العالمية.

فلماذا تكون هذه المرة مختلفة؟ عام 2008، كان هنالك مجموعة من القادة جاهزين، راغبين، وقادرين على العمل سويةً. أما اليوم، فهنالك غياب تام تقريبًا للتعاون الدولي. نحن نعلم ما هو المطلوب: رعاية صحية تتوفر لها الموارد الملائمة، ضمان اجتماعي ذكي ورؤوف، أسواق حسنة التنظيم تخدم الأعمالُ التجارية فيها المجتمعاتِ، لا العكس، وحكوماتٌ ومؤسسات متعددة الأطراف تعمل معًا لخدمة الصالح العام. في الواقع، ربما نستطيع الآن أن نرى هذه الحقائق بوضوح أكبر من أي وقت مضى.

نحن نعرف اليوم أننا لا يجب أن نعود إلى ما اعتدنا عليه. لكن السؤال هو: هل سينتخب الناس قادةً قادرين على خلق هذا العالم الجديد والجسور في مرحلة ما بعد الوباء؟ حسبما تبدو الأمور الآن، الإجابة عن ذلك السؤال هي “لا” مدوية، لكن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر حملت بصيص أمل.

لندن

***

إريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل:

يتطلب إيقاف الفيروس فصلًا وتباعدًا تامًا. لكن إيجاد لقاح، إعادة تشغيل اقتصاد العالم، ومنع تفشٍّ جديد للوباء، يتطلب تعاونًا مكثّفًا.

ولأول مرة يتوفر لدينا، أثناء أزمة عالمية، القدرات التكنولوجية اللازمة لمواجهة التحدي على مستوى عالمي. فالبيانات التي تنبثق من أحد أجزاء العالم يمكن أن تُحلّل وتُستعمل في جزء آخر من أجل إيجاد لقاح وتطوير الرعاية الطبية. كما أن تطبيقات تعقّب حالات الاحتكاك تستطيع أن تنقل البيانات حال حدوثها من أجل الحدّ من تفشٍّ مستقبلي للفيروس. كذلك، يمكن معالجة النقص في الإمدادات الطبية الأساسية بالطباعة ثلاثية الأبعاد، في حين أن التحليلات المبينة على الذكاء الاصطناعي، مرفقةً بتجميعاتِ البيانات الملائمة، يمكن أن تساعد في توزيع الإمدادات على نحو مجدٍ.

يمكن للوباء، أيضًا، أن يقودنا نحو تعاون أكبر ـ تمكّنه التكنولوجيا ـ في عالم ما بعد الوباء. لكن ذلك غير محتوم. فقد رأينا ردود فعل وطنية تعزّز المنافسات الجيوسياسية بين الدول. وقد شجّعت نقاطُ الضعف في سلاسل الإمداد الحكوماتَ على التوجه نحو حلول محلية، أو حلول تشمل عدة دول، لمعالجة تلك الثغرات في الإمدادات الطبية الأساسية. ومن الممكن أن يمتد ذلك الإجراء إلى مصالح استراتيجية أكثر اتساعًا. لقد جعل الفيروس بعض الدول الديمقراطية عرضة لتدخلٍ حكومي قسري من قبل حكومات سلطوية تنتهك الخصوصية الفردية، وتدعم السلطة المركزية. ويمكن لكل هذه الوسائل الموقتة أن تصبح سمات دائمة.

لقد أظهر الوباء، أيضًا، تفاوتًا داخل وعبر الحدود؛ فمن لديهم إمكانية الاتصال الرقمي هم أكثر جاهزية لمتطلباتِ “كل شيء عن بعد” المتعلقة بالتباعد الاجتماعي. يستطيع أطفالهم أن يتعلموا، ويستطيعون أن يعملوا عن بعد؛ حياتهم معرقلة، لكنها ليست محطمة. أمّا بالنسبة إلى آخرين، فالتباعد الاجتماعي يمزّق روابط أساسية، أو أثبت استحالة تطبيقه، ما أرغمهم على الاختيار بين المخاطر الصحية والمخاطر المعيشية. الكثير من أنماط “الحياة عن بعد” سوف تدوم بعد الوباء. ولذلك، نحتاج تعهدًا عالميًا بمنح الجميع التجهيزات الرقمية الضرورية لمعظم جوانب الحياة الحديثة.

ميامي

***

لورين داستون، مؤرخة في مجال العلوم في معهد ماكس بلانك لتاريخ العلوم (مقتطف من مدونة“Critical Inquiry” في مجلة The Moment””):

لقد قذفنا الفيروس فجأة إلى الخلف نحو القرن السابع عشر: نحن نعيش الآن في لحظة النقطة صفر من المذهب التجريبي، حيث كل شيء تقريبًا متاح للجميع، تمامًا كما كان يومها لأعضاء المجتمعات العلمية الأولى ـ والآخرين جميعًا ـ تقريبًا حوالي عام 1660. فبالنسبة إليهم، كل الأسئلة الأساسية تقريبًا لم يكن لها إجابة متّفق عليها…

اليوم، في أوقات الجدّة الجذرية، واللايقين الجذري، الذي تبعثه الجدّة، مثل حبّار يخفي نفسه في الحبر الذي يبعثه، نُقذَف على نحو موقت رجوعًا إلى حالة النقطة صفر من التجريبية. مشاهداتٌ عرضية، علاقاتُ ترابطٍ وحوادثُ واضحة للعيان بالكاد تستحق الذكر في العادة، وعدد منشوراتٍ أقل بكثير في المجلات المحكّمة، كلّها جعلت الإنترنت يطنّ بافتراضاتِ أطباء، علماء فيروسات، اختصاصيّي أوبئة، علماء أحياء دقيقة، والمهتمين من العامة.

وفي أوقات اللايقين العلمي بدرجته القصوى، تصبح اليوم الملاحظة، التي تعامل عادة في العلم كالقريب البائس للتجربة والإحصاءات، قائمةً بذاتها. حالاتٌ مفردة دالّة، حالاتٌ شاذة عجيبة، أنماطٌ متحيزة، علاقاتُ ترابطٍ لا تزال أضعف من أن تصمد أمام التدقيق الإحصائي ـ ما يصلح منها وما لا يصلح ـ وكل حسٍّ سريري، لا المشاهدة وحدها، تُشحذ جميعًا بحثًا عن الأدلة.

برلين

***

صفية نوبل، أستاذ مساعد في مجال دراسات المعلومات، ومدير مشارك لمركزUCLA” ” للاستقصاء الإنترنيتي النقدي:

إن الفقدان التدريجي وغير المباشر لحقوقنا، وإحداثَ قيود وعناصرَ تحكمٍ جديدة بحرياتنا الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية، هي كلها سماتٌ لـِـ”رأسمالية الكوارث”. وكما تصف نعومي كلاين المسألة خير توصيف: تخلق رأسمالية الكوارث فرصًا من أجل زيادة التحكم، الثروة، والسلطة، على حساب عامة الشعوب، الديمقراطيات، والعمال. وبالتالي، إن الاستجابات لـِـ كوفيد ـ 19 سوف تُستَمد مباشرة من كتب قواعد اللعب هذه إذا لم نبقَ يقظين، حذرين، وصريحين حول الشروط التي يجب بالاستناد إليها التفاوضُ على صالحنا الجماعي.

أجرؤ، أيضًا، على القول إنه من غير المقبول أن ندع الأكثر هشاشة بيننا يدفعون ثمن تخلّينا الجماعي عن الحيطة. على سبيل المثال، يموت الأميركيون الأفارقة جرّاء الوباء بمعدلات أسرع من الأميركيين البيض، لأننا، كأميركيين أفارقة، أكثر عرضة لأن نكون فقراء، ومن دون رعاية صحية تستند إلى رب العمل، أو نعيشُ في جماعات تعاني من نقص الموارد في الوقت الذي يتمتع فيه جيراننا في الجهة المقابلة للمدينة بزيادة في الموارد إلى حد مخزٍ. من غير المقبول ألا نجمّع ثرواتنا الجماعية، وأن نترك الجميع، بدلًا عن ذلك، يتدبرون أمرهم وحدهم لإيجاد حلول، في حين أن كوفيد ـ 19، وكل الأوبئة التي ستليه، تعرّض حياة الجميع للخطر. إن هذا الوباء هو لحظة محاسبةٍ لفساد نظمنا. وإمكانية المحاسبة من خلال التجديد والإصلاح تتوفر الآن.

لوس أنجلوس

***

جون غراي، أستاذ فخري للفكر الأوروبي في كلية لندن للاقتصاد:

إن النظام العالمي الموجود قبل الوباء كان هشًّا للغاية. ولو لم يظهر الفيروس، كان حدثٌ آخر في آخر الأمر ـ انهيار في الاقتصاد ناجم عن عامل آخر، أو الإشارات الأولى لتغير مناخي خارج عن السيطرة، على سبيل المثال ـ سيجعل عصر ذروة العولمة شيئًا من الماضي.

لقد سرّع الوباء الكثير من المسارات التي كانت موجودة مسبقًا، مثل تراجع القوة الغربية، ضعف المؤسسات العالمية، وتشظي الاتحاد الأوروبي. لكنها باجتماعها معًا، تغيّر المشهد العالمي تغييرًا جذريًا. وإذا أضفنا إليها تمدّد دولة المراقبة في الصين والغرب لأغراض الرقابة البيولوجية، الهروب من التواصل المادي والحركة إلى الاتصال الافتراضي، وزيادة تدخل الدولة في الاقتصاد، تصبح النتيجة انتقالًا إلى مشهد متغيّر تغيرًا لا رجعة فيه.

ما من فرع في التفكير المعاصر يفوق الليبرالية التقدمية تغذيًا بالحنين إلى ماضٍ غير قابل للاسترجاع. إن المشروع الليبرالي، ضمنًا أو جهرًا، هو استعادة لنظام العالم في فترة ما بعد الحرب الباردة، قبل أن تهزّه الأزمة المالية. لكن الرسالة التي يحملها الفيروس هي هذه: “انسوا الأمر”. فأيًّا تكن حسناته وسيئاته، ذلك العالم ولّى إلى غير رجعة. ويبدو أن قادة الصين، روسيا، والهند، قد أدركوا هذه الحقيقة. أمّا فيما إذا كان قادة الغرب سيدركون ذلك، أو يبقون عالقين في إنكار ليبرالي وحنين للماضي، فذلك أمر يكشفه المستقبل.

بريستول

***

دافيدي كازاليجو، شخصية بارزة في حركة النجوم الخمسة الإيطالية:

يخوض جيلنا الآن حربه. لكنها حرب معكوسة، فالأطباء على الخطوط الأمامية، والجيش يحمل التوابيت. لدينا أبطالٌ يحاربون يوميًا تمامًا كما لدينا فارّون يتركون الخنادق بتصاريح عبور مزيفة تمكنهم من تجاوز القواعد. ولدينا نشرة بأسماء الذين يسقطون كل مساء. لدينا مصانع حوّلت إنتاجها إلى إمداداتِ ومعدات هذه الحرب. ولدينا أناسٌ أفضل ما يمكن أن يساهموا به في هذه المعركة هو أن يلزموا بيوتهم، ولا يكونوا سببًا في مزيد من الإصابات.

مرارًا وتكرارًا، دخلنا حقبًا جديدة يصبح فيها طبيعيًا ما اعتقدنا أنه مستحيل. وبعد كلّ هزّة للنظام تميل عصور اقتصادية جديدة إلى المجيء. على سبيل المثال، لقد ساعد الطاعون الدمّلي في وضع نهاية للعالم المبنيّ على النظام الكنسي، بما أن الناس لم يتمكنوا من الصلاة للخروج من البلاء، وبدأوا يتطلعون إلى عالم مبنيّ على العلم من أجل إيجاد حلول. لقد بدأنا اليوم نستكشف أماكن مجهولة محددة على الخريطة بعلامة “تنانين هنا” (في إشارة إلى وجود مناطق خطرة، أو غير مستكشفة). واكتشفنا أن العالم يحوي أكثر بكثير مما ظنّنا.

يشكّل الوباء اليوم هزّة جديدة للمجتمع. وما اعتقدنا أنه مستحيل ـ ما وضعنا عليه علامة “تنانين هنا” ـ بات اليوم متاحًا للاستكشاف.

ميلانو

***

أونورا أونيل، أستاذة فخرية للفلسفة في جامعة كامبريدج، عضو مجلس اللوردات، حائزة على جائزة بيرجروين عام 2017:

يحاول البعض أن يتوقعوا ما الذي سيتغيّر بعد الوباء ويعيدنا إلى “الطبيعي”. آخرون يفكرون مليًا في ما ينبغي تغييره. لكن التوقع والنقاش العملي أمران مختلفان للغاية.

كما أن فكرة “الوضع الطبيعي” في حد ذاتها قد لا تقدم مقياسًا جيدًا للمستقبل. لقد جلبت العولمة ثروات هائلة للبعض، متوسطات دخل مرتفعة، مزيدًا من التفاوت، سلاسل إمداد أطول من ذي قبل، واتفاقات اقتصادية أكثر تعقيدًا؛ بالإضافة إلى الاحتباس الحراري والوباء. لكنْ، هل هذه أشياء طبيعية؟

إن زيادة التعرض لأحداث بعيدة يمكن أن يدعم السلع الخاصة، من حيث الأرباح والاستهلاك. إلا أن الاتفاقات القائمة على أساس السوق لا توفّر، ولا تستطيع أن توفّر، السلع العامة، أو التضامن اللازم من أجل الصحة العامة والأمان البيئي. الكثير من المسائل العملية التي نواجهها اليوم متعلقة بدعم السلع العامة؛ ومنها مثلًا سيادة القانون، ووضع معايير تنظيمية مجدية. كذلك، تتطلب السلع العامة تنسيقًا في العمل، ودعمًا من الهيئات العامة، ومن عامة الناس، على حد سواء. وبدلًا من محاولة التكهن بأسئلة مثل: متى وكيف ستعود الحالة الطبيعية، علينا أن نعمل لأجل مستقبل يحمي السلع العامة بالغة الأهمية لمستقبل البشر.

كامبريدج، إنكلترا

***

جاريد دايموند، مؤلف كتاب “أسلحة، جراثيم، وفولاذ“:

يتعلّق الدرس الرئيسي الجديد الذي نتعلّمه اليوم بتوسع مفهوم الهوية الوطنية. إن الهوية المشتركة هامة للعالم لكي يواجه المشاكل العالمية، لكن الناس يتشاركون القليل من الشعور بهوية عالمية. وقد تساعدنا الأزمة الحالية في تنمية ذلك الشعور بإيضاحها أننا جميعًا على القارب ذاته؛ كل الناس في كل مكان من العالم. فنحن ندرك اليوم أن كوفيد ـ 19 هو مشكلة الجميع، تمامًا كما التغير المناخي، استنزاف الموارد، انعدام المساواة، وخطر الأسلحة النووية.

لوس أنجلوس

***

لي جينغلين، أستاذ في جامعة بكين العادية:

في المرحلة المسماة بـِـ”فترة الربيع والخريف” في الصين القديمة، بين القرنين الثامن والخامس قبل الميلاد، عاش رجل دولة متنور باسم “زي تشان” من ولاية تشنغ. وفي أحد الأيام، أمر المسؤولون في الولاية زي تشان أن يدمّر مدرسة يجتمع فيها السكان المحليون لانتقاد سياسات الحكومة. لكن حين وصل إلى المدرسة، فكّر زي تشان بأن النقاش العلني يساعد الحكومة على الاطلاع على الرأي العام. ولذلك، رفض الأمر، وسمح للمدرسة بالبقاء مفتوحة.

كان تصرف زي تشان متماشيًا مع الفلسفة الكونفوشيوسية السياسية، وقد دعاه كونفوشيوس “رجلًا خيّرًا”. إن السياسة الكونفوشيوسية تركّز على البشر؛ هدف السياسة فيها ليس السياسة ذاتها، بل معيشة البشر. وهكذا، ترتكز الشرعية السياسية على قدرة القادة على التقاط إرادة الناس. ومن أجل فهم إرادة الناس، ينبغي السماح لهم بالتعبير بصراحة تامة.

في النتيجة، ينبغي أن يكون للحكمة الكونفوشيوسية القائلة بالحكم الخيّر أهمية فعليّة في التفكير السياسي لمرحلة ما بعد كوفيد ـ 19.

بكين

***

دامبيسا مويو، خبيرة اقتصاديّة ومؤلفة كتاب “مساعدة ميتة“:

على الرغم من أن بلدانًا عديدة ستقوم على الأرجح بعرقلة الهجرة عبر ممراتها الرسمية، كالمطارات، والمرافئ، والمعابر الحدودية؛ فإنه يمكن للوباء العالمي أن يسبّب تدفقًا في الهجرة العالمية الفوضوية، لا سيما من بلدان العالم النامي إلى النظم الاقتصادية المتطورة.

هنالك اليوم أكثر من 70 مليون لاجئ ونازح حول العالم، وفقًا لإحصائيات لجنة الإنقاذ الدولية. كما تواجه أعداد هائلة من البشر بيئات ذات نمو اقتصادي متدنٍّ، أوضاع معيشية سيئة، وتغيرًا مناخيًا مدمّرًا. وإن من شأن هذا الوباء العالمي أن يعزّز إلى حد كبير ضعف نظم الرعاية الصحية في البلدان الفقيرة، وإمكانية تعرّض سكانها للخطر.

نيويورك

***

باتريك سون شيونغ، جرّاح، مخترع، عالم، ومالك صحيفة “لوس أنجلوس تايمز“:

صحيح أن وباء كوفيد ـ 19 هو كابوسٌ صحي، لكنه حلمٌ علمي، أيضًا. فلقد جعل العلماء من كافة أنحاء العالم يتعاونون على الفور، كما لم يفعلوا قبلًا، مدركين أننا جميعًا معًا في هذا الأمر؛ وأنه في مجال إيجاد علاج ولقاح لعدوى عالمية، أنا في حاجتك بقدر ما أنت في حاجتي.

لوس أنجلوس

***

باسكال لامي، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية:

ما سنشهده على الأرجح في أعقاب جائحة كوفيد ـ 19 هو إعادة تقييم للمرونة الوطنية وللاستقلال الاستراتيجي، ما سيؤدي في دوره إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، وزيادة في المخازن المؤقتة والمخازن الاحتياطية. كذلك، إن المبدأ الاحترازي القائل بأن “الوقاية خير من العلاج” في ما يخص الأخطار المحتملة سوف يحلّ محلّ إطار الحمائية المفهوميّ. وسيصبح اقتصاد الأعمال المستقلة

gig economy”)” القائم على نظام الوظائف المؤقتة) أكثر اندماجًا في مسألة الرعاية الصحية، حيث ستغدو “الأزمة الرمادية” المتعلقة بإدارة المجتمعات المسنّة أكثر مركزية.

كذلك، سيصبح النظام الوستفالي القديم المبني على أساس الدول ـ الأمم متباينًا؛ ستغدو الأمم صلبة، والاتحاد الأوروبي سائلًا، والعالميّ غازيًّا.

باريس

***

دافيد برين، فيزيائي وكاتب خيال علمي:

كان هنالك مرة شخص يدعى هيمان مينسكي، وقد حظيت رؤاه حول طبيعة الاستقرار في النظم البشرية بالكثير من الاهتمام. تقول الفكرة، بشكل أساسي، إنه خلال أوقات الاستقرار الكبير ـ مع أخذ الاستمرارية كأمر مسلّم به ـ يراكم الناس كميات من المخاطرة أكبر من أي وقت مضى، من دون الاحتراز من حدوث الحالة العكسية. وتحدث “لحظة مينسكي” عندما يعود عدم الاستقرار على نحو مفاجئ، فتتزعزع الأمور وسط كثير من الألم. ربما يتكيف الجميع حينها معًا، مخلّصين أنفسهم من العادات السيئة وجاعلين الأمور تتحسن، بتوظيف مزيد من الحكمة. أو، قد تسير الأمور على النحو الذي وصفه كارل ماركس مع هزّاتٍ تغربل الطبقة الرأسمالية وتُفقِر العمال، مؤدية إلى ثورة.

سان دييغو

***

إليف شفق، روائية تركية ـ بريطانية:

إنها بداية النهاية بالنسبة إلى العولمة؛ على النحو الذي نعرفها به، على الأقل. كما أن التكامل الاقتصادي العالمي في القرن الماضي، كتصوّر وكتطبيق، سيتحطم تمامًا. إنها لمفارقة كبيرة بالفعل أننا، في الوقت الذي نعاني فيه من مشاكل عالمية متفاقمة ـ أو بكلمات أخرى، في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إلى تعاون وتضامن عالميين ـ سوف نشهد تزايد زخمِ التوجه المعاكس نحو مزيد من الانعزالية.

مع ذلك، أتوقع، أيضًا، أن نشهد مزيدًا من “الأقلمة”. إذ ستشكّل دول عديدة على الأرجح كتلًا إقليمية لكي تتعاون في العديد من المسائل. وفي الوقت ذاته، سيكون هنالك أناس يضغطون من أجل نوع جديد من العالمية. ليس العولمة الاقتصادية التي كانت سائدة في القرن الماضي، بل روح جديدة من العالمية تقتصر على عدد من المسائل، كالصحة والبيئة. خلافًا لذلك، للأسف، ستكون هذه فرصة ذهبية للأشكال القديمة والجديدة من القومية.

لقد ولّى منذ زمن بعيد التفاؤل الذي كان موجودًا في أواخر التسعينيات وأوائل الألفينيات. وبتنا في مواجهة مباشرة مع عصر التشاؤم. لم يعد شيء راسخًا قط. وسيكون لتلاشي الثقة بالمؤسسات الرئيسية تداعياتٌ لا يمكن تخيّلها.

في الوقت الحالي، يبدو الشعبويون في أوروبا هادئين نسبيًا، وهذا قد يوهمنا بأن زمنهم قد انتهى. لكن ذلك ليس صحيحًا. فخلال الوباء وبعده، سنشهد غالبًا اضطرابات جوهرية في المجتمع وفي الاقتصاد؛ وسيشكّل ذلك تربة خصبة للديماغوجيين الشعبويين.

لقد لاحظنا، أيضًا، مدى أهمية عمل الممرضين، سائقي سيارات الإسعاف، عمال السوبر ماركت، وعمال التوصيل. ونتذكر أنه في المملكة المتحدة، أثناء ملحمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تعرّض مهاجرو دول الاتحاد الأوروبي للتقليل من قيمتهم بصورة منهجية، بينما يطري الجميع اليوم على عملهم الدؤوب ومساهمتهم في المجتمع. لذلك، على السياسيين من الآن فصاعدًا أن يفكروا مليًّا قبل أن يعودوا إلى استخدام تعابير مثل عمال “قليلو المهارة”، أو “غير ماهرين”.

علينا، أيضًا، أن ننتبه إلى الأشكال المختلفة لتصاعد السلطوية. لدينا اليوم، ضمن أوروبا، دولة سلطوية هي هنغاريا. وقد استخدم رئيس وزرائها فيكتور أوربان الوباءَ كحجة لتوطيد سلطته وإسكات معارضيه. كذلك، سيمرّ الاتحاد الأوروبي في وقت عصيب جرّاء فقدان التوازن بين “مركزه” و”أطرافه”، وعليه أن يتذكر المُثل الديمقراطية الليبرالية التي يجب أن تكون في صميمه.

في هذه الأثناء، في تركيا، يحاول رجب طيب أردوغان أن يستفيد من البلبلة، ولن يتردد في استخدام اللاجئين كورقة مساومة من أجل تعزيز تفرده بالسلطة. أما الصين، سنغافورة شبه السلطوية، والهند، فتضعنا جميعها أمام التوتر المتزايد بين الحريات الفردية، وتعدي الدولة. أخيرًا، نحتاج جميعًا، من الآن فصاعدًا، لأن نصبح مدافعين أكثر حماسة عن حقوق الإنسان.

لندن

***

جوزيف ناي، العميد السابق لكلية جون كينيدي الحكومية في جامعة هارفارد:

حتى الآن، من الواضح أن كلًّا من الولايات المتحدة والصين، أول وثاني أكبر الاقتصادات، استجابتا لكوفيد ـ 19 بميلٍ نحو تفسيرات تنافسية قصيرة الأمد محصلتها صفرية، مع القليل جدًا من الاهتمام بالمؤسسات والتعاون. بينما على القادة، بدلًا من الدعاية التنافسية، أن يتحاوروا حول أهمية “السلطة مع” بدلًا من “السلطة على” الآخرين، وأن يُعدّوا أطرًا ثنائية الأطراف ومتعددة الأطراف من أجل تعزيز التعاون. كذلك، يجب على الولايات المتحدة والصين، لأجل أسباب نفعية ذاتية وإنسانية، أن يقودا مجموعة العشرين نحو اتحاد أوروبي جديد، بمنح إسهامات سخية. وعلى صندوقِ تمويل كوفيد ـ 19 أن يكون مثل خطة مارشال متاحًا لجميع الدول.

فإذا اخترنا هذه الطريق، قد يقودنا كوفيد ـ 19 إلى عالم أفضل. لكن إذا استمررنا في الطريق الحالي، فسيؤدي الفيروس إلى تسريع المسارات الموجودة وحسب، نحو شعبوية قوموية واستخداماتٍ سلطوية للتكنولوجيا. وربما لن يكون من المتأخر اختيار طريق جديد في نهاية هذه السنة المشؤومة، لكن الوقت بدأ يداهم العالم.

ماساتشوستس

***

بيل جوي، مخترع ومؤسس مشارك لشركة Sun Microsystems:

كان الطبيب واللاهوتي الألماني، ألبرت شفايتزر، قد قال مرة: “لقد فقد الإنسان القدرة على التنبؤ بالأشياء والحيلولة دون وقوعها. سوف ينتهي به الأمر إلى تدمير العالم”.

ولقد تم تحذيرنا مرارًا بأننا نتجاوز حدود تحمّل الكوكب، وأن هذا يخلق تهديدات وجودية، أخطرها ضروبٌ من الانفلات، وفقدان السيطرة، تتزايد باطرادٍ أسّيّ. وبينما نزيد الضغط نحو حدود الكوكب وأبعد منها، سوف تتفاعل تلك الانفلاتات وتتسارع. لقد تدبرنا جميعًا أمر التجاهل الطائش لتحذيراتٍ، مثل الأغطية الجليدية، ذوبان جليد غرينلاند والتندرا، والتهديد بأن انفلاتًا ما قد يجعلنا نخسر غابات الأمازون، لكنّنا اليوم مهزومون من انفلاتٍ لا نستطيع تجاهله؛ جائحة كوفيد ـ 19 التي يعود نشوؤها في جزء كبير منه إلى تعدّينا على البيئة.

إن العودة باقتصادنا وطريقة عيشنا إلى الطبيعيّ القديم سيشكّل تحديًا كبيرًا. لكننا، إذا تمكّنا من ذلك، فإن كلّ ما نفعله هو الاستمرار بتضخيم وتسريع ظهور مزيد من الكوارث باطرادٍ أسيّ. وبالانتقال الجذري وحده إلى حياة أقلّ أثرًا ـ مستثمرين في الصحة العامة، مستهلكين أقلّ وبطريقة قابلة للاستدامة، وبإعادة تنظيم وسائل النقل، شبكات الكهرباء، وغيرها ـ نستطيع أن نمنع التدهور الاقتصادي والبيئي الواسع والدراماتيكي. إن وقت العمل من أجل تبنٍّ واسعٍ وجريء لوضعٍ طبيعيّ جديد وقابل للاستدامة، هو الآن.

لوس أنجلوس

***

بينغ سونغ، مدير معهد بيرجروين مركز الصين:

معظم استجابات الدول الغربية لكوفيد ـ 19 تعكس نموذج “مسؤولية أصحاب الشأن” الذي تقدم الحكومة فيه الإفصاح والصراحة التامة حول عملية اتخاذ القرارات، وبيانًا تحذيريًا حول النجاح المحتمل للاستراتيجية المتّبعة والمخاطر التي تنطوي عليها. في المقابل، إن ممارسات الحكومات ذات النظام الأبوي، مثل الصين، والتي يوجد فيها رابط قوي بين الأسرة والدولة، تتسم بطريقة اتخاذ القرارات في حالة الطوارئ بعيدًا عن أنظار العامة في المرحلة الأولى، مع تعديلات لاحقة منسقة تراسلية ومستمرة تبعًا للحالة المتغيرة والشعور العام.

ولكّل من النموذج الأبوي، ونموذج مسؤولية أصحاب الشأن، حسناته ومخاطره. فالنموذج الأبوي ينذر بفرض تدابير جاهزة تطبق على الجميع بتكلفة بشرية هائلة. كما أن انعدام الشفافية فيه، في ما يخص عملية اتخاذ القرار، قد يأتي بنتائج عكسية وذاتية التدمير. أما نموذج أصحاب الشأن ـ حيث الشفافية مثمَّنة، والخصوصية مبجَّلة ـ فهو يعكس روح الديمقراطية، ومشاركة المواطنين في صنع القرار. لكن مدى فعالية صنع القرارات ووضعها موضع التنفيذ في أوقات الأزمات يبقى محلّ شك.

في النتيجة، ما من نظامِ حكمٍ حديث خالٍ من العيوب، ومن المهم أن يتعلّم واحدنا من الآخر. فالتزمت الأيديولوجي في كلا الجانبين خطيرٌ وغير حكيم.

هونغ كونغ

***

رابط النص الأصلي:

ترجمة: سارة حبيب.

ضفة ثالثة

——————————

=====================

تحديث 17 آب 2021

———————–

مزج لقاحات “كوفيد-19”.. هل وجدنا حلا سحريا لمواجهة الجائحة؟

مروه عزت

في يوليو/تموز 2021، حذَّرت كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية سمية سواميناثان في مؤتمر صحفي من خطورة ترك قرار مزج جدول اللقاحات للأفراد، وأكَّدت ضرورة ترك هذا القرار للجهات المختصة وفقا للمعلومات المتوفرة في الوقت الحالي، وعقَّبت لاحقا في تغريدة عبر تويتر أن العالم بانتظار نتائج دراسات مزج جداول اللقاحات حتى تُقيَّم كفاءة هذه الممارسة وأمانها (2)، والآن بعد أن بدأت نتائج بعض الدراسات في الظهور، يمكننا أن نتفاءل قليلا.

سمية سواميناثان – كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية

كان الدافع الأكبر وراء تجربة مزج اللقاحات هو ما حدث منذ عدة أشهر مع لقاح شركة “أسترازينيكا”، حين ظهرت حالات نادرة جدا من مشكلات تجلط الدم، بعد الحصول على الجرعة الأولى من اللقاح، الأمر الذي دفع عدة دول أوروبية مثل السويد وفرنسا وإسبانيا إلى وقف استخدامه في بعض الفئات العمرية، ما خلَّف مجموعة كبيرة من المواطنين الحاصلين على جرعة واحدة من اللقاح فحسب، وكان لا بد من استكمال جدول اللقاح الخاص بهم بنوع مختلف من اللقاح بدلا من تركهم بنصف مناعة (1).

إحدى أهم هذه الدراسات هي دراسة تُعرف باسم “Com-Cov”، وهي اختصار لعبارة “مقارنة مجموعات جدول لقاح كوفيد-19”. أُجريت الدراسة في جامعة أكسفورد بقيادة ماثيو سنيب، البروفيسور المشارك في مجموعة أكسفورد للقاحات، حيث استخدم الباحثون نوعا مختلفا من اللقاح للجرعة الثانية عن ذلك المُستخدَم في الجرعة الأولى، وذلك لدراسة تأثير هذا المزج على معدلات المناعة ضد الفيروس. بحثت الدراسة أيضا في الأعراض الجانبية المُحتمَلة لمزج اللقاحات، بهدف استخدام النتائج في تحديد سياسات اللقاحات الجديدة في المملكة المتحدة (3).

اشترطت الدراسة أن يكون عمر المتطوعين 50 عاما فأكثر، وألا يعرف المشترك نوع اللقاح الذي سيحصل عليه في أيٍّ من الجرعتين، سواء كانت الجرعتان متماثلتين أو مختلفتين، على أن تتفاوت المدة بين الجرعتين من 4 أسابيع لبعض الحالات و12 أسبوعا في حالات أخرى. تختبر الدراسة حاليا لقاحَيْ شركة “أسترازينيكا” و”فايزر”، حيث يعمل كلٌّ منهما بآلية مختلفة عن الآخر، مما يرجح أن يُحدِث المزج بينهما تأثيرا مناعيا أقوى وربما أكثر استدامة من الاكتفاء بنوع واحد فقط (4).

لكن لنُلقِ أولا نظرة عن كثب على كيفية عمل هذين اللقاحين. يسمى لقاح شركة “فايزر” بلقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال (Messenger RNA)، وهو ببساطة رسالة متناهية الصغر تعطي التعليمات لخلايا جسمك بخلق جزء صغير غير ضار من بروتين فيروس “سارس-كوف 2” المسبِّب لمرض “كوفيد-19” يسمى ببروتين الحسكة (Spike protein)، وعندما يلتقط جهازك المناعي وجود هذا البروتين الدخيل يعمل على تخليق أجسام مضادة للقضاء عليه. بالتالي إذا أُصبت بالفيروس بالفعل، فسيكون لدى جهازك المناعي خبرة سابقة في التعامل معه وقدرة على تخليق الأجسام المضادة بسرعة أكبر، ما قد يمنع الأعراض كلية أو يحد من قوتها (5).

على الجانب الآخر، يعمل لقاح “أسترازينيكا” بطريقة مختلفة، حيث يُستخدَم فيروس ناقِل (Vector) من الفيروسات الغدية (Adenovirus) غير المؤذية، وهو مجرد وعاء لنقل رسالة مكوَّنة من جزء صغير من الحمض النووي الخاص بفيروس “سارس-كوف 2″، تصل هذه الرسالة إلى خلايا جسمك لتبدأ في إنتاج بروتين الحسكة، وعندما يتعرَّف عليه جهازك المناعي يبدأ بإنتاج “الخلايا تي” المناعية (T-cells)، وإذا ما أُصبت بالعدوى تقضي هذه الخلايا المناعية على الخلايا المصابة بالفيروس وتمنعه من الانتشار (6).

وجد الباحثون في النتائج الأولية لدراسة “COM-COV” أن استجابة الأجسام المضادة كانت الأعلى في المشاركين الذين حصلوا على جدول لقاح “فايزر” المتماثل ومَن حصلوا على جدول لقاح متنوِّع بجرعة من “أسترازينيكا” متبوعة بجرعة من “فايزر” بنسبة تكاد تكون مماثلة.

لكن هذا ليس كل شيء، حيث كانت استجابة “الخلايا تي” الناتجة عن هذا الجدول المتنوِّع أعلى بمرتين من تلك الناتجة عن جدول لقاح “فايزر” المتماثل، “الخلايا تي” هي ممثل آخر للمناعة بجانب الأجسام المضادة، ويعني هذا أن مزج لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال (مثل فايرز) بلقاح قائم على فيروس غُدّيّ بوصفه ناقلا (مثل أسترازينيكا) قد يوفِّر مكسبا مناعيا مزدوجا (7).

في المقابل، أشارت ورقة بحثية منفصلة نُشرت في دورية “ذا لانست” (The Lancet)، وبُنيت على دراسة “COM-COV”، إلى أن الأعراض الجانبية البسيطة والمتوسطة للقاح رُصدت بمعدلات أكبر في عينات البحث الحاصلة على جدول اللقاح المتنوِّع من تلك الحاصلة على جدول اللقاح المتماثل، لكن هذه الأعراض كانت قصيرة الأمد بلا أي تداعيات صحية طويلة. لذا على الرغم من النتائج الإيجابية لمزج جدول اللقاحات من حيث الاستجابة المناعية، فإن الدراسة تُشير إلى زيادة نسبة التغيُّب عن العمل في اليوم التالي لتلقي اللقاح ذي الجدول المتنوِّع (8).

لا تقتصر النتائج المُبشِّرة لمزج اللقاحات على دراسة أوكسفورد، ففي دراسة إسبانية أخرى كبيرة تُدعى اختصارا “Combivacs” نُشرت في دورية “ذا لانست” أيضا يوليو/تموز الماضي، انتُخبت عينة من 676 متطوعا تتراوح أعمارهم بين 18-60 عاما ممَّن حصلوا بالفعل على الجرعة الأولى من لقاح “أسترازينيكا” منذ 8-12 أسبوعا قبل التجربة، ثم قُسِّم المشاركون بنسبة 2:1، حيث حصل ثلثا العينة على جرعة من لقاح “فايزر” في حين لم يتلقَّ الثلث الأخير أي لقاح، وفُحصت عينات الدم بعد 14 يوما لقياس مستوى الأجسام المضادة في الجسم (9).

على الرغم من غياب عينة للمقارنة بين مَن حصلوا على جدول لقاح متماثل وجدول لقاح متنوِّع، فإن نتائج دراسة “Combivacs” التي أعلنها الباحثون بمعهد كارلوس الثالث الصحي بمدريد كانت مُبشِّرة، حيث أكَّدت أن نسبة الأجسام المضادة في أجسام المشاركين الحاصلين على جرعة من لقاح “أسترازينيكا” متبوعة بجرعة من لقاح “فايزر” كانت أعلى بـ37 مرة من نسبتها في أولئك الحاصلين على جرعة واحدة فقط من لقاح “أسترازينيكا”، كما أن نسبة “الخلايا تي” المناعية كانت أعلى بـ4 مرات (10).

بالمثل، عملت جامعة سارلاند الألمانية أيضا على دراسة حول الاستجابة المناعية لجدول لقاح متنوِّع باستخدام لقاحَيْ “أسترازينيكا” و”فايزر” (11). أُعطي بعض المشاركين جرعتين متماثلتين من لقاح “أسترازينيكا” أو “فايزر”، بينما حصل البعض الآخر على جرعة مبدئية من لقاح “أسترازينيكا” تبعتها جرعة معززة من “فايزر” بعد 9-12 أسبوعا. أشارت النتائج إلى أن جدول اللقاح المتنوِّع أنتج قدرا أكبر من الأجسام المضادة المتخصِّصة ضد بروتين الحسكة الخاص بفيروس “سارس-كوف 2” وعددا أكبر من “الخلايا تي”، مقارنة بجدول لقاح “أسترازينيكا” المتماثل، بينما جاءت النتائج متقاربة أو أعلى قليلا مقارنة بجدول لقاح “فايزر” المتماثل، وهو ما يؤكِّد النتائج التي توصَّلت إليها دراسة “Com-Cov”.

لم يكن السبب الوحيد وراء خطة مزج اللقاحات هو ما حدث مع لقاح “أسترازينيكا”، بل إن هذه الخطة قد توفِّر بديلا مناسبا للدول الأقل حظا أو المناطق التي تعاني للحصول على جرعات من نوع معين من اللقاح بانتظام، حيث تستطيع هذه الدول الآن ببعض الثقة أن تسمح لمواطنيها بالحصول على اللقاح المتوفِّر في الوقت الحالي حتى لو لم يتوافق مع نوع اللقاح الذي تلقوه في الجرعة الأولى، بدلا من حرمانهم من الجرعة الثانية وما توفِّره من حماية ضد أعراض المرض ومضاعفاته.

السبب الآخر هو أن مزج جدول اللقاحات قد يساعد في تعجيل الوصول إلى عدد أكبر من المواطنين في وقت أقصر، حيث تنتفي الحاجة إلى الانتظار لمدة 12 أسبوعا إذا ما حصل المواطنون على الجرعة الأولى من لقاح مثل “أسترازينيكا” ثم بعد ذلك حصلوا على جرعة ثانية من لقاح “فايزر”. في حالات أخرى، قرَّرت بعض الدول مثل الإمارات إعطاء جرعة معززة من أحد لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال لمَن حصلوا على لقاح “سينوفارم” الصيني، وذلك بعد تفاقم انتشار الفيروس رغم حملات التطعيم المستمرة، على أمل أن يعطي هذا المزج مناعة إضافية (12).

وبحسب ما نشرته شبكة تليفزيون الصين العالمية، فإن رئيس الوزراء الكمبودي “هان سِن” (Hun Sen) قرَّر أن يحصل مواطنوه على جرعة ثالثة معززة من لقاح كورونا، بحيث ينال المواطنون الحاصلون على جدول لقاح متماثل من “سينوفارم” الصيني على جرعة ثالثة من لقاح “أسترازينيكا”، في حين ينال المواطنون الحاصلون على جدول لقاح متماثل من “أسترازينيكا” على جرعة ثالثة معززة من لقاح “سينوفارم”. بينما لا توجد دراسات كافية عن التأثير المناعي أو الأعراض الجانبية لهذا المزيج بالتحديد، لكن منظمة الصحة العالمية لم تُبدِ اعتراضا على اعتماده في كمبوديا (13).

يمكن أن توفِّر إستراتيجية مزج اللقاحات للعالم نافذة أمل في مواجهة تحورات الوباء وانخفاض المناعة الناتجة عن اللقاحات بمرور الوقت. مؤخرا، بدأت المعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة الأميركية في إجراء دراسة جديدة تتضمَّن 150 مشاركا ممَّن تلقوا جدول لقاح متماثل من “جونسون وجونسون” أو “مودرنا” أو “فايزر”، منذ 20 أسبوعا على الأقل، على أن يحصلوا على جرعة ثالثة معززة حصريا من لقاح “مودرنا”. تهدف الدراسة إلى تحديد أمان الجرعات المعززة وفاعليتها لمَن تلقوا جدول لقاح كامل بالفعل، وذلك لمواجهة التحورات التي تطرأ على الفيروس، بالإضافة إلى تضاؤل مناعة الجسم بعد مرور فترة على تلقي اللقاح بمختلف أنواعه، ومن المتوقَّع أن تُنشر نتائجها نهاية هذا الصيف (14).

في ظل غياب المعلومات الكافية عن تأثير مزج اللقاحات في مواجهة المتحوِّر دلتا الأكثر انتشارا على مستوى العالم في الوقت الحالي، تأتي الدراسة الحديثة المنشورة في “ذا نيو إنجلند جورنال أوف ميديسن” (The new england journal of medicine) بنتائج تحمل قدرا من التفاؤل بينما ننتظر نتائج الدراسات الموجَّهة نحو فعالية مزج اللقاحات ضد المتحوِّر دلتا. تُشير الدراسة إلى أن الحصول على جرعتين من لقاح “فايزر” فعال بنسبة 88% في مواجهة المتحوِّر دلتا، بينما الحصول على جرعتين من لقاح “أسترازينيكا” فعال بنسبة 67% ضد المتحوِّر نفسه (15).

هذه النتائج غير كافية بالطبع لتوقُّع كفاءة مزج جدول اللقاحات في مواجهة تحورات الفيروس المختلفة، لكن الدراسات التي أُجريت حتى الآن تجتمع على أمر واحد: مزج اللقاحات يرفع من مناعة الفرد ضد الفيروس ارتفاعا ملحوظا في عينات الاختبار. وريثما ننتظر ترجمة نتائج هذه الدراسات على أرض الواقع بين عدد أكبر من الأفراد، لا مفر من الاستمرار في اتباع الإجراءات الاحترازية وتلقي لقاح “كوفيد-19” المتوفر أيًّا كان نوعه في أقرب فرصة، لعل البشرية تسبق الفيروس بخطوة هذه المرة.

————————————————————————————————————

المصادر

    Mix-and-match COVID vaccines: the case is growing, but questions remain

    WHO warns individuals against mixing and matching COVID vaccines

    Com-CoV: Home

    المصدر السابق

    Understanding mRNA COVID-19 Vaccines

    Understanding Viral Vector COVID-19 Vaccines

    Mix-and-match COVID vaccines: the case is growing, but questions remain

    Heterologous prime-boost COVID-19 vaccination: initial reactogenicity data

    Immunogenicity and reactogenicity of BNT162b2 booster in ChAdOx1-S-primed participants (CombiVacS): a multicentre, open-label, randomised, controlled, phase 2 trial

     Mix-and-match COVID vaccines: the case is growing, but questions remain

    Immunogenicity and reactogenicity of heterologous ChAdOx1 nCoV-19/mRNA vaccination

    Mixing COVID vaccines: the science explained

    Cambodia to mix-and-match Sinovac, Sinopharm and AstraZeneca vaccines

    Clinical Trial Evaluating Mixed COVID-19 Vaccine Schedules Begins

     Effectiveness of Covid-19 Vaccines against the B.1.617.2 (Delta) Variant

المصدر : الجزيرة

————————————–

دلتا” يهدد الشمال السوري.. وتحذيرات من “ذروة كارثية

ضياء عودة – إسطنبول

للمرة الأولى، وبصورة مفاجئة، أعلنت الجهات الطبية العاملة في مناطق شمال سوريا الكشف عن 47 إصابة بمتحور “دلتا”، مما ينذر بـ”كارثة” قد تهدد الملايين، في ظل عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية، وضعف الإقبال على تلقي اللقاحات.

يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة، المكتظة بالسكان، ارتفاعا في معدل الإصابة بفيروس “كورونا المستجد”، وبحسب بيان نشرته منظمة “الدفاع المدني السوري” فإن الجهات الطبية سجلت 328 إصابة جديدة، و3 وفيات خلال الـ24 ساعة الماضية.

وأضافت المنظمة الإنسانية، الثلاثاء: “الأمر ينذر ببدء ذروة جديدة للجائحة قد تكون آثارها كارثية، لاسيما مع وجود أكثر من 1.5 مليون مهجر يعيشون في مخيمات تفتقد للحد الأدنى من مقومات الحياة، وقطاع طبي مستنفذ”.

وعند الحديث عن شمال سوريا، لا يقتصر الأمر على محافظة إدلب الواقعة في الشمال الغربي فقط، بل ينسحب ذلك إلى ريف حلب الشمالي، وصولا إلى المناطق المعروفة باسم “نبع السلام”، التي تضم مدينتي تل أبيض ورأس العين وما بينهما من قرى وبلدات.

ويقول الطبيب محمد سالم مدير برنامج اللقاح في “شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة” إنهم اكتشفوا الإصابات الجديدة بمتحور “دلتا” بعد إجراء “تنميط جيني” لـ92 عينة من محافظة إدلب.

ويضيف سالم في تصريحات لموقع “الحرة”: “الإصابات تتوزع بشكل أساسي في مدينة إدلب وحارم بريفها، بالإضافة إلى منطقة تل أبيض بريف محافظة الرقة”.

وتتبع “الإنذار المبكر” لـ”وحدة تنسيق الدعم”، وهي جهة غير حكومية تنسق الاحتياجات الإنسانية التي تحتاجها مناطق الشمال السوري، وتقول إنها مستقلة ولا تتبع لأي جهة على الأرض.

ويتوقع سالم أن يسيطر متحور “دلتا” على جميع الإصابات في الشمال السوري خلال الأيام المقبلة، مشيرا: “المشافي امتلأت بكبار السن وأيضا بالشبان ذوي الأعمار الصغيرة”.

“مختلف الفئات العمرية”

وخلال الأشهر القليلة الماضية بات متحور “دلتا” من فيروس كورونا الأكثر انتشارا في العالم، وفاجأ علماء الصحة لخطورته مقارنة بباقي المتحورات التي ظلت تتشابه كثيرا في أعراضها مع “كوفيد 19” الذي ظهر أول مرة في الصين.

واكتشف “دلتا” لأول مرة في الهند، وذكرت تقارير طبية سابقة أن قابلية انتقاله تزيد بنسبة بنحو 40- 60 بالمئة عن السلالة الأصلية لكورونا.

الطبيب رامي كلزي، مسؤول البرامج المجتمعية في “وزارة الصحة” التابعة لـ “الحكومة السورية المؤقتة” يقول لموقع “الحرة” إن حالات متحور “دلتا” التي تم رصدها في الشمال السوري منتشرة لدى مختلف الفئات العمرية والجنسية.

ويضيف كلزي: “هذا المتحور أسرع انتشارا وأشد من حيث الأعراض من النسخ السابقة مما يزيد تسارع ارتفاع أعداد الإصابات”.

ويعاود منحى الإصابات بكورونا في الشمال السوري الصعود، بحسب الطبيب السوري الذي يشير: “خاصة خلال الأيام العشرة الأخيرة بعد أن شهد انخفاضا في الفترة السابقة”.

وتدل جميع التقييمات الطبية الخاصة بالشمال السوري على أن أسباب ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس في الوقت الحالي ترتبط بعدم التزام المدنيين بقواعد التباعد الاجتماعي، وهي ثقافة قلما تلتزم بها عائلة أو أي شخص ضمن محيطه العام، في كل من إدلب وريف حلب الشمالي.

وإلى جانب ما سبق يغيب أي رادع من السلطات المحلية في كل من المناطق المذكورة، والتي لم تصدر أي قرار يلزم بالبقاء داخل المنزل أو حتى اتباع قواعد العزل والتباعد الاجتماعي، وهنا تفتح هذه النقطة أبواب أخرى ترتبط بالحال العام الذي يعيشه أهالي الشمال السوري، والذي يدفعهم إلى عدم التفكير بالفيروس والتهديد المرتبط به.

“كورونا ليس أولوية”

نقيب الأطباء في الشمال السوري، محمد وليد تامر، يتنقل في كل أسبوع بين مشافي إدلب وريف حلب، ويرى أن ارتفاع المنحى الوبائي في شمال سوريا يرتبط بعدم اكتراث الأهالي للخطر الموجود بينهم وفي محيطهم.

ويقول وليد تامر لموقع “الحرة”: “الناس لا يكترثون بأي وسائل حماية شخصية. لا يوجد تباعد أو أي إجراءات وقائية. المدنيون يعتبرون كورونا ليست أولوية ضمن قائمة الصعوبات التي يوجهونها. قد يكون الفيروس في المرتبة العاشرة”.

ويضيف الطبيب السوري: “متحور دلتا انتشر في تركيا ودول الجوار، ومن الطبيعي أن يدخل إلى شمال سوريا”.

ويتابع وليد تامر: “نحن أمام فيروس سريع الانتشار بسرعة هائلة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حالات الإصابة اليومية. الخطورة أن الأنباء المرتبطة بذلك لا تلقى أي خوف أو اكتراث بين الناس”.

“التجاوب معدوم”

وخلال حديثهم لـ”موقع الحرة”، أشار الأطباء العاملون في الشمال السوري إلى أن هذه المنطقة تعتبر “الأسوأ في العالم”، بسبب العدد الكبير من المدنيين المحصورين ضمن بقعة جغرافية صغيرة، وقسم كبير منهم يعيشون ضمن مخيمات تفتقد لأي مقومات للحياة اليومية.

ورغم تكثيف الحملات من جانب المنظمات الإنسانية لخطر “كورونا” ومتحوراته، لا تزال أسواق وشوارع تلك المناطق (إدلب، ريف حلب) تشهد ازدحاما كبيرا، وسط غياب مظاهر الالتزام بالإجراءات الوقائية، وارتفاع نبرة الأصوات المحذرة من عدم جاهزية القطاع الطبي لتحمل أعباء عدد أكبر من الإصابات.

ويشير الطبيب السوري، رامي كلزي: “هناك استمرارية في التوصيات والتوعية لاتباع الإجراءات الوقائية، لكن التجاوب من قبل السكان شبه معدوم مع الأسف”.

من جهته يقول نقيب الأطباء في شمال سوريا، محمد وليد تامر: “هناك ارتفاع ملحوظ ومتسارع في معدل الإصابة. المنحى خطير جدا وخلال فترة بسيطة سيرتفع إلى أرقام مرعبة، وهو الذي لا نتمناه”.

ماذا عن اللقاح؟

وفي غضون ذلك نشر فريق “منسقو الاستجابة في الشمال السوري” بيانا الثلاثاء قال فيه إن أعداد الإصابات في المنطقة ستتضاعف عدة مرات “ما لم يتخذ إجراءات صارمة وبشكل بفوري للحدّ من تفشي الوباء”.

وأوصى الفريق الإنساني السكان المدنيين في المنطقة بضرورة تلقي اللقاح، وفق الفئات المحددة من قبل الجهات الطبية، كما ناشد الجهات الدولية للعمل على تأمين الدفعات المتتالية من اللقاحات بشكل أسرع لضمان الإسراع في عمليات التلقيح.

ومنذ أواخر أبريل الماضي وحتى الآن بلغ عدد الجرعات المعطاة للسكان من لقاح “أسترازينيكا” الإنكليزي حوالي 57500 جرعة، ويوضح الطبيب، رامي كلزي: “منها حوالي 8500 شخص تلقوا جرعتين كاملتين، والباقي 49000 تلقوا جرعة واحدة”.

ويشير إلى دفعة ثانية من “أسترازينيكا” كانت قد وصلت في الأيام الماضية إلى الشمال السوري، وعددها 34 ألف جرعة، لتضاف إلى 54 ألف جرعة في الدفعة الأولى.

ورغم ذلك يرى الطبيب أن “متحور دلتا أقل استجابة تجاه المناعة الطبيعية (إصابة وشفاء) أو المناعة المكتسبة باللقاح (بما فيها لقاح أسترازينيكا)، مما يجعل الحماية منه بالتلقيح أو بالمناعة الطبيعية أضعف بكثير منها ضد النسخ السابقة من الفيروس”.

في حين اعتبر نقيب الأطباء في شمال سوريا، محمد وليد تامر أن عدد اللقاحات التي وصلت إلى المنطقة “خجول جدا”، مضيفا: “تم تلقيح الكوادر الطبية وقسم من أصحاب الأمراض المزمنة والمناعة المنخفضة فقط”.

ضياء عودة – إسطنبول

الحرة

—————————

ما الذي يعنيه تراجع فعالية “فايزر” في الحماية من كوفيد-19؟

ألتراصوت- فريق الترجمة

تغيرت في الآونة الأخيرة العديد من الأمور والعادات بين الناس. فبعد أن كنا نسأل في الحوارات السريعة مع الأصدقاء عن العمل وآخر المطاعم التي زرناها أو عن العطلة أو الأعمال، صار الناس يبادرون بالسؤال عن أمور لها علاقة بجائحة كورونا، وما إذا كان الشخص مقتنعًا باللقاح أو لا، وأسباب ذلك، أو إن كان قد أخذ اللقاح، فالسؤال التلقائي هو السؤال عن نوع اللقاح الذي أخذه: صيني، أمريكي، بريطاني؟ وقد ازداد الاهتمام بنوع اللقاح الذي حصل عليه الشخص، ولاسيما مع وجود بعض التعليمات في بعض الدول بخصوص سفر وحركة الأفراد، وما إذا كان من الضروري الحصول على جرعة معزّزة ثالثة من هذا اللقاح أو ذاك، مع تداول أخبار عن تسجيل تراجع في فعالية بعضها في الحماية من مرض كوفيد-19.

وفي دراسة هي الأكبر من نوعها حتى الآن، استعرضها موقع هافنغتون بوست، درس باحثون من جامعة أكسفورد، بالتعاون مع مكتب الإحصاءات الوطني في المملكة المتحدة، نتائج مليونين ونصف المليون فحص، من أجل تعقب مستوى فعالية اللقاحات المختلفة في الوقاية من المرض.

وقد تبين أن لقاح فايزر-بيونتيك يوفر وقاية فورية أعلى ضد متحوّر دلتا من فيروس كورونا الجديد مقارنة بلقاح أسترازينيكا، إلا أن الإشكال الذي لاحظوه يتعلق بالتلاشي السريع لفعالية اللقاح بعد فترة قصيرة من تلقيه.

فبعد أربعة أو خمسة أشهر، يكون مستوى الحماية لكلا اللقاحين متشابهًا إلى حد بعيد، ولم تتوفر البيانات الكافية للوصول لنفس الملاحظة في حالة لقاح موديرنا، إلا أن الباحثين واثقون من أنّه يوفر نفس المستوى من الحماية عبر فترة مشابهة.

ماذا يعني أن يكون لقاح فايزر أقل فعالية ضدّ متحوّر “دلتا”؟

في المملكة المتحدة، قام الباحثون بتحليل نتائج الفحوص خلال شهر أيار/مايو الماضي، وهي الفترة التي تفشّت فيها النسخة المتحورة من فيروس كورونا، المعروفة باسم “دلتا”، وعني البحث بشكل خاص بتلك الفترة بالتحديد. وبالرغم من أن اللقاحات الثلاثة، فايزر وموديرنا وأسترازينيكا، قد تراجعت مستويات حمايتها ضد متحور دلتا بشكل ملحوظ، مقارنة بالنسخة ألفا من الفيروس، إلا أنّ الثلاثة كانت فعّالة في الوقاية من المرض أو الإصابة بمضاعفات شديدة منه.

وفي حالات الإصابة بالعدوى الشديدة، التي فيها تركيز أعلى من الفيروسات، فقد بين الباحثون عبر تحليل البيانات بأن مستوى الحماية، بعد شهر من الحصول على الجرعة الثانية من لقاح فايزر، كان أعلى بنسبة 90 بالمئة مقارنة بمستوى الحماية لدى الأشخاص غير الحاصلين على اللقاح، ثم تبدأ هذه النسبة بالتراجع بشكل طفيف، لتصل إلى 85 بالمئة بعد الشهر الثاني من الجرعة الثانية، ثمّ إلى 78 بالمئة بعد انقضاء الشهر الثالث.

أما بالنسبة للقاح أسترازينيكا، فكانت النسب على التوالي 67 بالمئة، ثم 65 بالمئة، ثم 61 بالمئة. أما بعد الشهر الرابع، فكانت مستويات الحماية التي يوفرها اللقاحان متشابهة إلى حد بعيد.

وقد أوضح الباحثون بأن الجرعة الأولى من موديرنا توفر مستويات أعلى من الحماية من متحور دلتا، مقارنة بالجرعة الأولى من اللقاحات الاخرى، إلا أنّه لم يتوفر لدى الباحثين في المملكة المتحدة القدر الكافي من البيانات لتتبع مستويات الحماية التي يوفرها موديرنا بعد الجرعة الثانية.

كما بينت الدراسة أن الزمن الفاصل بين الجرعات لا يؤثر على الفعالية العامة للقاح في الوقاية من كوفيد-19، وأن الأفراد الأصغر سنًا (بين 18 و34) يحظون بمستوى أعلى من الوقاية بفضل اللقاح، مقارنة بالأشخاص الأكبر سنًا (بين 35 و64).

هل الأمر يستدعي القلق؟

الجواب هو لا، هذه البيانات لا تستدعي القلق، وذلك لأن التراجع المسجّل طفيف عمومًا، وفعالية معظم اللقاحات المعتمدة ما تزال عالية في الوقاية من كوفيد-19 أو التعرض لمضاعفات شديدة منه، والسبب الأساسي لذلك هو أن اللقاحات موضوع الدراسة توفّر مستويات عالية جدًا من الحماية من البداية، تصل إلى أكثر من 90 بالمئة بالنسبة لفايزر. وهذا يعني أن الحصول على جرعتين من اللقاح هو الطريقة الأفضل لوقاية نفسك وغيرك من عدوى فيروس كورونا الجديد.

كما أن البيانات التي استعرضها البحث لا تتضمن الحديث عن معدلات الإصابة بمضاعفات شديدة من المرض، أو الاضطرار للإدخال إلى المستشفى بعد الإصابة بالعدوى، وهذا العنصران بالغا الأهمّية عند تقييم الفعالية العامة للقاحات، والتي تظهر بأنها تساعد بالفعل على الوقاية من التعرض لمثل هذه المشاكل.

هل هذا يعني أن هنالك لقاحًا أفضل من الآخر؟

قد يكون من الصعب الوصول إلى جواب مباشر لهذا السؤال. يمكن القول إن ثمة اختلافات بين اللقاحات، لكن يصعب تقديم حكم بتفضيل لقاح على آخر.

ففي المملكة المتحدة مثلًا، يتم استخدام ثلاثة لقاحات، هي استرازينيكا وفايزر وموديرنا، وجميعها أثبتت فعالية عالية في الوقاية من الأعراض الشديدة من كوفيد-19، والحد من معدلات الإدخال إلى المستشفيات للعلاج من المرض، كما أنها جميعًا فعالة ضد متحور دلتا من الفيروس، خاصة بعد الحصول على الجرعة الثانية.

إلا أن أسترزينيكا قد يكون أقل فعالية من فايزر، ومع ذلك فإن الفعالية على المدى الطويل تجعل الحكم أكثر تعقيدًا، نظرًا إلى أنّ فعالية فايزر تتلاشى بسرعة بعد الشهر الثاني والثالث، في حين يظهر أن مستوى الوقاية التي يوفرها لقاح أسترازينيكا أكثر ثباتًا مع الزمن، على الرغم من انخفاضها المبدئي عن نسبة الوقاية التي يوفّرها فايزر. في المقابل، نجد أن جرعة واحدة من لقاح موديرنا توفر وقاية أعلى ضد متحور دلتا، مقارنة بلقاح فايزر، حتى بعد الحصول على جرعتين منه.

هل سيتم اعتماد جرعة معززة ثالثة من لقاحات كورونا؟

يميل الخبراء إلى التوصية بالحصول على جرعة معززة ثالثة من لقاحات كورونا، خاصة إن كانوا يعانون من مشاكل في المناعة، أو كانوا من الفئات الأعلى تضررًا من كوفيد-19، مثل الكبار بالسن أو المصابين بأمراض مزمنة.

ففي الولايات المتحدة، أعلنت إدارة الغذاء والدواء عن توصيتها بخصوص تلقي من يعاني من ضعف في نظام المناعة الطبيعي لجرعة معززة ثالثة من لقاحات كورونا، وبالتحديد فايزر وموديرنا، وهو قرار يتوقّع أن يتم اعتماده في الدول الأخرى التي تعتمد هذين اللقاحين، ومن بينها المملكة المتحدة، والعديد من الدول الأخرى حول العالم. كما يمكن أن تشمل التوصية لقاحات أخرى، مثل لقاح استرازينيكا، حيث ستوصي هيئة مراكز التحكم والوقاية من الأمراض (CDC) بتأمين جرعة معزّزة ثالثة لبعض الأفراد الذين يعانون من مشاكل في جهاز المناعة، وللأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بأعراض شديدة من المرض، أو الدخول إلى المستشفى بسببه.

الترا صوت

——————————-

لقاح كورونا في سوريا.. إمداد طبي يتسلل في مناطق الحرب/ عفاف الحاجي

ما تزال سوريا في ذيل قائمة الدول الأقل تلقيحاً في العالم. وتشير آخر الإحصائيات إلى تجاوز عدد جرعات اللقاح المعطاة في سوريا 355 ألفاً حتى أوائل تموز/ يوليو 2021، وهو ما يكفي لتطعيم حوالي 1 في المئة من سكان البلد فقط، بينما تمكنت نصف بلدان العالم من تلقيح 10 في المئة من سكانها، وفقاً لآخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية.

وضع فيروس كوفيد 19 الجنس البشري في مواجهة شكل العالم الواقعي الذي يعيشون به. تقبع البشرية كلها في مركبٍ واحد وتواجه خطراً موحداً، ولكنها تمتلك امكانات شديدة التفاوت، علماً أن “قوة العالم تُقاس بقوة أضعف نظامٍ صحيّ فيه” [1] ، فلا يمكن القضاء على هذه الجائحة الجديدة إلا بالتضامن والعمل على تأمين أفضل استجابة إنسانية ممكنة لمكافحة الفيروس.

في نيسان/ابريل 2020، أطلقت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع منظمة التحالف العالمي من أجل اللقاحات (GAVI) وتحالف ابتكارات التأهب الوبائي (CEPI) مبادرة كوفاكس (COVAX) باعتبارها آلية دولية مخصصة لضمان الوصول العادل إلى لقاحات كوفيد-19 على مستوى العالم، وذلك عبر تطعيم الناس في البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل التي لا تمتلك القدرة على توقيع اتفاقيات ثنائية للشراء المسبق للقاح. وكانت سوريا من ضمن هذه البلدان.

أعلن منظمو المبادرة عن هدفهم الذي يطمح لتقديم أكثر من ملياري جرعة لقاح إلى 92 دولة محتاجة، بحلول نهاية عام 2021 الحالي. لكن البرنامج واجه العديد من التحديات المتعلقة بنقص التمويل والحواجز البيروقراطية ومنهج الدول الثرية بشراء معظم اللقاحات الجديدة. وحتى حزيران/يونيو 2021 لم تسهم كوفاكس إلا بنسبة 4 في المئة فقط من أكثر من ملياري جرعة لقاح انتشرت على مستوى العالم، وما يزال البرنامج يحتاج لنصف مليار جرعة على الأقل لتحقيق هدفه الأولي.

عبر خطوط النزاع

أدرجت منظمة الصحة العالمية سوريا ضمن الدول منخفضة الدخل التي ستتلقى حصّتها من اللقاح عبر كوفاكس. ولكن الحرب ألقت بظلالها على العملية منذ اللحظة الأولى، إذ قدّمت الحكومة الرسمية طلباً للانضمام لمنصة كوفاكس في 15 كانون الأول/ ديسمبر2020، وقدمت السلطات الحاكمة في شمال غرب سوريا طلباً رسمياً منفصلاً لإيصال اللقاح الى المناطق الخاضعة لسيطرتها، فيما بقيت المناطق في شمال شرق سوريا دون أيّ ترتيبات لتوفير اللقاح لها بصورة مستقلّة.

أعربت “هيومن رايتس ووتش” من قبل بدء تسليم اللقاح عن مخاوفها مما يطرحه الوضع في سوريا من تحدّيات لوجستية لتوفير اللقاح وتوزيعه في جميع أنحاء سوريا، إذ تحتاج عدة أنواع من اللقاحات إلى ظروف تخزين وتوزيع محددة، بما فيها “إدارة سلسلة التبريد”، وهو ما يشكّل عبئاً خاصاً في بلدٍ يسود فيه النزاع وتردّي الأوضاع المعيشية والبنى التحتية بمجملها. ونوّهت كذلك إلى وجوب ضمان التوزيع الأوسع والأكثر إنصافاً للقاحات في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطراتٍ مختلفة، مشدّدة على أن “الحكومة السورية تتحمّل المسؤولية الأساسية لتوفير الرعاية الصحية للجميع على أراضيها، إلا أنها حجبت مراراً الأغذية، والأدوية، والمساعدات الحيوية عن المعارضين السياسيين والمدنيين”. وقالت هيومن رايس ووتش أن حجب الرعاية الصحية يستخدم بمثابة سلاح حرب، مذكّرة كذلك بما وثقته سابقاً من توزيع تمييزي للمعدات المتعلقة بفيروس كورونا حتى ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالكامل، وموصيةً الوكالات الإنسانية بالضغط لأجل توفير خطة توزيع عادلة وتوفير مراقبة مستقلة كافية لإمدادات اللقاح وتوزيعه.

وعلى الرغم من كل الجهود، فإن سوريا ما تزال بالمجمل في ذيل قائمة الدول الأقل تلقيحاً في العالم. وتشير آخر الإحصائيات المتوفرة إلى تجاوز عدد جرعات اللقاح المعطاة في سوريا 355 ألفاً حتى أوائل تموز/ يوليو 2021، وهو ما يكفي لتطعيم حوالي 1 في المئة من سكان البلد فقط، بينما تمكنت نصف بلدان العالم من تلقيح 10 في المئة من سكانها وفقاً لآخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية.

تتفاقم الحاجة للقاح في سوريا بسبب انتشار المخيمات في الداخل السوري. فقد أدى عقدٌ من النزاع إلى إفراز أكبر أزمة نزوحٍ شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وتبين تقديرات الأمم المتحدة مغادرة 6.6 مليون شخص إلى خارج البلاد فضلاً عن 6.7 مليون شخص نازح داخلي. وتعتبر الفئة الأخيرة – وخاصةً ساكني المخيمات منهم – الأشد تأثراً بجائحة كورونا وتبعاتها، نظراً لظروف المعيشة السائدة في هذه البيئة التي لا تتوفر فيها أولى مقومات الرعاية الصحية وأساسيات الحياة، ويتعسّر بها تطبيق أي من الإجراءات الوقائية الموصّى بها لمنع انتشار الفيروس.

وفي تقريرٍ صادر عن منظمة اليونسيف في أيار/مايو 2021 تحت عنوان “ضائعون في ديارهم”، اعتبرت المنظمة أن الأطفال النازحين داخلياً هم في عداد المجموعات الأكثر عرضة لآثار تفشي فيروس كوفيد 19 المباشرة وغير المباشرة، لأنهم يحيون في الأصل دون الحدّ الأدنى من الخدمات الأساسية، وتزيد الأزمات المماثلة لجائحة كوفيد19 من الظرف الحرج للأطفال النازحين داخلياً وعائلاتهم.

مناطق النظام.. غياب واسع للبيانات

في 22 نيسان/ ابريل 2021، أعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري عن تسلّمها الدفعة الأولى من لقاحات كوفيد-19 المقدمة عبر مرفق كوفاكس من منظمة الصحة العالمية، وتكوّنت من 203 آلاف جرعة من لقاحات أسترازينيكا المنتجة من قبل معهد سيروم في الهند، ونقلت عن سفير الهند بدمشق وعوده بوجود دفعات أخرى ستصل إلى سوريا عبر برنامج كوفاكس أيضاً.

وبخلاف دفعة منظمة الصحة الدولية، وردت عدّة تقارير عن تسلم النظام السوري لدفعاتٍ مختلفة من اللقاح، منها ما تزامن مع تصريحات لمسؤولين سوريين باستلامها، ومنها ما لم يحظ بأي تغطية إعلامية من الجانب السوري، أو جرى الإعلان عنها دون شروحات كافية عن كيفية التوزيع وآليته والفئات المستهدفة له.

أوردت وكالات الأنباء الإماراتية تقارير متعددة عن وصول أربع طائرات إماراتية محملة بلقاحات كوفيد19 إلى دمشق، سيّرتها هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بالتنسيق مع جمعية الهلال الأحمر السوري، وصلت الأولى منها في 20 نيسان/ابريل وآخرها في 4 أيار/مايو الفائت. ولم تورد التقارير تفاصيل كافية باستثناء وصفها للكميات المحملة من اللقاح بـ”الكبيرة”.

وتحدث السفير السوري لدى موسكو عن تسلّم سوريا أول شحنة من لقاح “سبوتنيك في” الروسي، وفقاً لما نقلته وكالة إنترفاكس الروسية في بداية شهر حزيران/يونيو 2021، من دون أيّ توضيح عن حجم الشحنة. وأتبع ذلك نشر وكالة سبوتنيك الروسية تقريراً في 25 تموز/يوليو ورد به تصريح وزارة الدفاع الروسية عن تسليمها 250 ألف جرعة من لقاح سبوتنيك لايت الروسي على متن طائرة نقل تابعة للقوات الجوية الروسية، فضلاً عن مجموعات اختبار للتشخيص.

كما تسلّمت وزارة الصحة السورية 150 ألف جرعة من لقاح سينوفارم، منحةً من الحكومة الصينية في 24 نيسان/ابريل 2021 وفقاً لتصريحات مسؤولين سوريين، وأتبع ذلك إرسال الصين شحنة أخرى مكونة من 150 ألف جرعة سينوفارم أيضاً في 29 تموز/ يوليو مع تعهد وزير الخارجي الصيني بتقديم “دفعة جديدة من اللقاح بـ500 ألف جرعة” وفقاً لما نقلته وكالة سانا للأنباء.

وأعلنت وزارة الصحة السورية في 5 أيار/مايو إطلاقها منصة إلكترونية لتسجيل طلبات الراغبين بتلقي اللقاح المضاد لفيروس كوفيد19، مبينةً أن اللقاح مجاني والأولوية ستكون للأطباء والممرضين والعاملين في الصحة، وفي المرتبة الثانية الفئات المعرضة للخطر مثل كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. وكان عضو في الفريق الاستشاري لمكافحة الفيروس قد صرّح لإذاعة شام إف إم المحليّة عن قرار وزارة الصحة بتحديد اللقاح الروسي والصيني للأطباء والأشخاص تحت الـ50 عاماً، وأسترازينيكا لمن هم فوق الخمسين ولا سيما المصابين بأمراض مزمنة.

كما بيّنت وزارة الصحة السورية تخصيصها لـ81 مركزاً محددة إياهم بالأسماء والعناوين، وتوزعت هذه المراكز على المحافظات المختلفة بتعيين 10 مراكز رئيسية في دمشق و16 في طرطوس و12 في ريف دمشق و11 في حلب و6 في حماة و5 في اللاذقية و4 في الحسكة و3 مراكز في كل من الرقة ودرعا والقنيطرة وحمص والسويداء ومركز واحد في كل من دير الزور وإدلب. وعلى الرغم من وصول جرعات اللقاح إلى سوريا دون مقابل، إلا أن رئاسة مجلس الوزراء أصدرت قراراً يقتضي بدفع رسوم مالية محددة لكلّ من يريد الحصول على وثيقة تثبت تلقيه اللقاح، بمثابة “بدل خدمة”، وهو ما يشكّل عبئاً إضافياً في بلدٍ يعيش أكثر من 80 في المئة من سكانه تحت خط الفقر وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

أخبرنا طبيب يعمل في أحد مستشفيات دمشق بأن الإقبال على تلقي اللقاح ما يزال ضعيفاً بالمجمل، مضيفاً لنا عبر الهاتف: “يتناقل الناس بين بعضهم الكثير من الإشاعات بشأن لقاح أسترازينيكا وأعراضه الجانبية، لديهم تخوفات كثيرة ولا تقابلها ثقة كافية بالجهات الصحية المسؤولة. للأسف ما تزال نسبة تلقي اللقاح متدنية للغاية “.

لم تصدر سلطات دمشق حتى اللحظة أيّ إحصائيات رسمية تخصّ عدد الحاصلين على اللقاح على الرغم من التسجيل الإلكتروني للبيانات، ويسود تعتيم إعلامي في أغلب الأمور المتعلقة بعملية التطعيم وما يخصها. إلا أن آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية المنشورة على موقع Our World In Data تبين تلقّي أكثر من 112 ألف شخص في سوريا لجرعة لقاح على الأقل، وهو ما يساوي 0.6 في المئة من نسبة السكان وفقاً للموقع.

ويأتي غياب البيانات الحادّ هذا متوافقاً مع منهج السلطة السورية الرسمية في عموم تعاملها مع جائحة كورونا منذ بدايتها [2] ، لم تتعد استجابة النظام شهري آذار/ آذار ونيسان/ابريل من عام 2020 بعض الإجراءات الاحترازية التي جرى تخفيفها بسرعة، وكانت الاستجابة بالمجمل مليئة بالتضارب والتكتم وعدم القدرة على تأمين معظم متطلبات الحماية الأساسية.

شمال شرق سوريا.. الأقل حصةً

كانت مناطق شمال شرق سوريا التابعة للإدارة الذاتية الأسوأ حظاً في مجال تلقي جرعات لقاح كوفيد19 بسبب السياسات الإقليمية والتحديات التي خلقها الاتفاق المتبع مع منصة كوفاكس القاضي بإرسال حصة المنطقة عبر دمشق ومن ثم نقلها وتوزيعها في شمال شرق سوريا تحت إشراف منظمة الصحة العالمية.

في آذار/مارس 2021، أعلنت [3] ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا عن تخصيص 90 ألف جرعة لمناطق شمال البلاد، ، على أن تصل فرق متنقلة إلى مخيمات تؤوي عشرات الآلاف من النازحين. إلا أن مسؤولين في الإدارة الذاتية اعتبروا أن هذه الكمية قليلة جداً مقارنة بعدد سكان هذا الجزء من سوريا، والذي يبلغ نحو 5 ملايين نسمة، ولا سيما مع وجود أعداد كبيرة من النازحين في المخيمات ضمن هذه المناطق.

ولم تصل الدفعة الأولى إلاّ في 29 أيار/مايو 2021، وكانت عبارة عن 17500 جرعة من لقاح “أسترازينيكا” مع وعودٍ بإرسال المزيد لاحقاً، على أن توزع 13200 جرعة في محافظة الحسكة، و4 آلاف لمناطق الإدارة بريف دير الزور الشرقي، و6 آلاف لمحافظة الرقة، وتعتبر هذه المرة الأولى التي تقدم فيها المنظمة الأممية المواد الطبية للمنطقة بشكل مباشر.

صرّحت هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية عن اعتمادها خطة تطعيم عبر المراكز الصحية التابعة لها وكذلك عبر النقاط الطبية في مخيمات النازحين. ويجري الإعلان تباعاً عن وصول دفعات اللقاح إلى المشافي والمراكز الصحية المحلية.

ووفقاً لتصريح الرئيس المشترك لهيئة الصحة في شمال وشرق سوريا [4] ، فأنه كان من المقرر وصول دفعة من اللقاح في وقتٍ أبكر من ذلك: “أرسلت منظمة الصحة العالمية 203 ألف جرعة إلى النظام السوري في بداية شهر أيار/ مايو، منها دفعة مخصصة لشمال شرق سوريا يفترض إيصالها من مطار دمشق إلى القامشلي، لكن تبين أن الكمية المرسلة للمنطقة منها هي 645 لقاحاً فقط”، مضيفاً أن المنطقة تحتاج إلى “قرابة مليون جرعة لقاح”.

أتى هذا التأخر مع تعرّض المنطقة لواحدةٍ من أسوأ فترات الانتشار للموجة الثانية من فيروس كورونا، ومع نقص التمويل ومكافحة المنطقة للعثور على الإمدادات الأساسية للعلاج، وفقاً لتقريرٍ أصدرته منظمة أطباء بلا حدود في بدايات أيار/مايو 2021، وخصوصاً مع عدم عدم وجود آلية لعبور الحدود من خلال الأمم المتحدة، وبالتالي تعسّر إيصال المساعدات ومعاناة المنطقة من نقص الخدمات الحاد في ظلّ التفشّي المطّرد.

في 4 آب/اغسطس 2021، أكّد جوان مصطفى مجدداً عدم استلام هيئة الصحة في شمال وشرق سوريا أيّ جرعات جديدة من منظمة الصحة العالمية غير الدفعة الأولى، والتي وصلت بمجموعها إلى 23 ألف جرعة، والتي تعتبر غير كافية ولا تغطي احتياجات المنطقة، وحذّر من احتمالية وصول الموجة الرابعة من فيروس كورونا إلى المنطقة لخطورتها وسرعة انتشارها.

شمال غرب سوريا.. برعاية أممية

عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وصلت الدفعة الأولى المكوّنة من 53 ألفاً و800 جرعة لقاح أسترازينيكا في نيسان/ابريل 2021 إلى مناطق شمال غربي سوريا، في إطار مبادرة كوفاكس، وما تزال حملة التطعيم منحصرة في الفئة الأولى من كبار السنّ وأصحاب الأمراض المزمنة والعاملين في المجال الصحي والإنساني، وينشر فريق لقاح سوريا – بالتنسيق مع المجالس المحلية في المنطقة – تحديثات متجددة عن مراكز التطعيم المتضمنة للمشافي والمراكز الصحية الثابتة بالإضافة إلى الفرق الطبية المتنقلة.

وأعلن مختبر الترصد الوبائي التابع لوحدة تنسيق الدعم في 9 تموز / يوليو 2021 عن تلقّي 40 ألفاً و525 شخصاً اللقاح المضاد لفيروس كوفيد19، بينهم 12 ألفاً و913 من العاملين في المجال الصحي، و10 آلاف و870 من العاملين في المجال الإنساني، و16 ألفاً و468 شخصاً من المصابين بأمراض مزمنة في مناطق شمال غرب سوريا.

اتّسمت فترة الإقبال الأولى على التطعيم في شمال غرب سوريا بالتردد وانتشار الإشاعات، حالها حال باقي المناطق السورية. إلا أن التغطية الإعلامية والتوعوية لهيئات الشمال الصحية كانت أكثر شفافية وتفصيلاً من نظرائها، إذ دأب فريق لقاح سوريا الذي يعمل بالتعاون مع مديريات الصحة وتحت إشراف منظمة الصحة العالمية واليونسيف، على نشرِ مواد تطمينية ومحفزة على أخذ اللقاح، كما استمرت وحدة تنسيق الدعم بنشر تقارير أسبوعية ترصد فيها جميع ما يتعلق بانتشار مرض كوفيد19 بما في ذلك متابعة متلقي اللقاح ورصد أيّ أعراض جانبية تظهر لديهم.

***

وبصورةٍ عامة، ما تزال أرقام تلقي اللقاح في مختلف مناطق سوريا بعيدةً للغاية عما كانت تأمل به منظمة الصحة العالمية، أي بأن تغطي حملة التطعيم قرابة 20 في المئة من سكان سوريا بحلول نهاية العام 2021، وما تزال عملية التطعيم في سوريا متأخرة للغاية من حيث الكميات وطرق التوزيع والتنسيق، في جوٍ يسودُه الانتظار وغموض المستقبل.

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________

[1] وفقاً لتعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش

[2]- سوريا: صورة البلد الذي مزقته الحرب، عفاف الحاجي، في السفير العربي https://bit.ly/2WyrS58

[3]- وفقا لما صرحت به لرويترز

[4]- السيد جوان مصطفى لوكالة أنباء هاوار 

السفير العربي

صحافية من سوريا مقيمة في اسطمبول

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

——————————

================

تحديث 27 تشرين الثاني 2021

———————

عود على بدء؟/ حسام كنفاني

عاد فيروس كورنا ليثير الرعب في العالم، مع الحديث عن المتحور الجديد ذي الطفرات المتعدّدة. وعلى الرغم من أن أزمة الفيروس وما صاحبها من تداعيات على الصعد الصحية والاجتماعية والاقتصادية لم تنته بعد، إلا أن تطوير اللقاحات ساهم إلى حد كبير في التخفيف من هذه التداعيات. الأمر الذي يهدّده هذا المتحور الجديد، خصوصاً أن من شأن الطفرات الكثيرة المكتشفة أن تزيد من قدرة الفيروس على مكافحة اللقاحات.

ومع أنه لم يجر التثبت علمياً، حتى الآن، من مدى فعالية اللقاحات الموجودة في مواجهة هذا المتحوّر، غير أن الإجراءات الاستباقية المتوقع أن تتخذها الدول، الغربية خصوصاً، من شأنها أن تعيدنا إلى المربع الأول في مواجهة فيروس كورونا، ولا سيما أن الفترة المقرّرة لتكوين رأي علمي أولي حول فعالية اللقاحات تزيد على أسبوعين، ما يعني أن الأمور قد تخرج عن السيطرة في حال تفشّي المتحور، والذي يتوقع أن يكون شديد العدوى بسبب الطفرات التي يحملها.

ومما يزيد من توقعات العودة إلى الإجراءات المشدّدة، وربما الإغلاق، أن الوضع الوبائي في الدول الغربية، ولا سيما أوروبا، كان في حالة انحدار شديد، على الرغم من جرعات التطعيم الكثيرة التي أُعطيت للمواطنين، ما دفع بعض الدول، مثل هولندا والنمسا، إلى إعلان الإغلاق أسبوعين قبل أعياد الميلاد، الأمر الذي قد يطول إلى ما بعد ذلك.

وإذا كان هذا هو الحال في الدول الغربية، فإن الوضع في العالم العربي والدول التي تصنّف عالم ثالثية سيكون أسوأ، خصوصاً مع التخلي الكامل عن إجراءات الوقاية من الفيروس، والعودة إلى الحياة الطبيعية، وعدم الاكتراث كلياً بالمرض، في ظل الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها دول عربية عديدة. وعدم الاكتراث وصل إلى المستويات الرسمية التي أصبحت تزوّر أرقام الإصابات لتخفيف حدة الموجة الوبائية، أو تعمد إلى عدم إجراء فحوص لاكتشاف المرض أو تحديد سلالته. الأمر نفسه بالنسبة إلى المواطنين الذي باتوا يتعاملون مع المرض على أنه مجرّد إنفلونزا، ويستكملون حياتهم بشكل طبيعي عند الإصابة به.

تصرّفات كهذه قد تكون مفهومة، لو تم ربطها بالأوضاع الاقتصادية، لكنها ليست دائماً كذلك، فنظرية المؤامرة تطلّ برأسها دائماً في موضوع الفيروس واللقاحات. والأمر ليس حكراً على العالم العربي، بل على العكس، ما ظهر خلال السنتين الماضيتين، وتطوّر خلال الأسابيع الماضية، أظهر أن الإيمان بنظرية المؤامرة أكبر بكثير لدى الغربيين منه لدى العرب، وهو ما شهدناه في التظاهرات والمواجهات التي حصلت في بعض الدول الأوروبية، رفضاً لإجراءات الإغلاق وفرض إلزامية اللقاحات.

دراسات علمية عديدة ربطت عدم التلقيح بظهور المتحورات الجديدة، خصوصاً بعد تخفيف الإجراءات التي كانت مفروضة في دول العالم. إذ إن الفيروس يعمل في بيئة آمنة نسبياً، ويصبح قادراً على تطوير نفسه. الأمر نفسه يحصل مع عدم شمولية التطعيم للمواطنين كافة، سواء بفعل رفض تلقي اللقاح أو بسبب ندرته، فقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة “نايتشر ساينتفيك ريبورت” أن احتمال ظهور متحورات أكثر مقاومة ينخفض عندما يكون 60% من السكان على الأقل ملقحين.

إضافة إلى نظرية المؤامرة ورفض التلقيح، فإن أنانية الدول الغربية وجشع شركات الأدوية مسؤولان أيضاً عن الفشل في الوصول إلى شمولية التطعيم، خصوصاً في دول العالم الثالث التي باتت مركزاً لإنتاج المتحوّرات من فيروس كورونا، فالدول الغربية احتكرت في الفترة الأولى من التطعيم الأنواع المختلفة من اللقاحات، قبل أن تبدأ توزيع جزء منها بعد قطع مراحل متقدّمة من تلقيح المواطنين. أما الشركات المنتجة للقاحات، فرفضت إعطاء التراخيص اللازمة لدول كثيرة لإنتاج اللقاحات محلياً. وبالتالي، لم تستطع هذه الدول الحصول على العدد الكافي من اللقاحات لتلقيح مواطنيها.

ما بين نظريات المؤامرة والجشع الغربي، ها هو العالم حالياً يعيش قلق الأيام الأولى لانتشار كورونا، فهل هي عودة إلى الإغلاق؟

العربي الجديد

—————————–

المتحور الجديد.. خمسة أسئلة تؤرق العالم

نهى محمود – دبي

استنفار وتراجع حاد في البورصات العالمية وانهيار الأسهم وحظر للسفر وانخفاض لأسعار النفط بعدما كشفت منظمة الصحة العالمية عن ظهور متحورة جديدة في جنوب إفريقيا، صنفتها بأنها “مقلقة” وهي خامس سلالة توضع في هذا التصنيف.

وتزداد المخاوف من أن تعيد المتحورة الجديدة لفيروس كورونا العالم إلى المربع صفر، بعدما تغيرت الأوضاع خلال 24 ساعة الأمر الذي قد يشكل ضربة جديدة للانتعاش الاقتصادي بعد التعافي من الإغلاقات والفرض الشامل للإجراءات الاحترازية.

ما هي الأعراض؟

بحسب مجموعة الخبراء المكلفة بمتابعة تطور الجائحة، فقد “تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية عن المتحورة بي.1.1.529 لأول مرة من جانب جنوب أفريقيا في 24 نوفمبر 2021 (…). تحتوي هذه المتحورة على عدد كبير من الطفرات، بعضها مقلق”.

يقول الدكتور وائل صفوت، المستشار لدى منظمة الصحة العالمية، لموقع “الحرة” إن السلالة الجديدة تحتوي على أكثر من 30 طفرة، مضيفا “الأعراض لم تتضح بعد”.

ويستبعد صفوت أن تختلف أعراض السلالات القديمة عن المتحورة الجديدة، كما أشار إلى أن بعض الإصابات بالمتحورة الجديدة تم اكتشافها بالصدفة، “ومن بينها حالات كانت في طريقها للحصول على التطعيم”.

وأضاف “لم يتأكد بعد إن كانت الحالات تعاني تعبا شديدا أو أعراضا خطيرة”.

هل اللقاحات فعالة؟

وبالتزامن مع ذلك، ذكرت شركة موديرنا الأميركية للأدوية أنها ستطور جرعة معززة ضد المتحورة أوميكرون.

غير أن الأمر قد يستغرق أسابيع حتى يفهم العلماء تحورات السلالة الجديدة، وما إذا كانت اللقاحات والعلاجات الحالية فعالة في مواجهتها.

وقالت وكالة الأمن الصحي في بريطانيا إن السلالة الجديدة تحتوي على بروتين تاجي يختلف جذريا عن البروتين الأصلي الذي تعتمد عليه اللقاحات، مما يذكي القلق ويشعل المخاوف حول فاعلية اللقاحات الحالية.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن الدكتور ويليام هاناج، عالم الأوبئة بجامعة هارفارد وباحثين آخرين قولهم إن “اللقاحات ستحمي على الأرجح من أوميكرون، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتحديد مدى فعالية الجرعات”.

People wait to get vaccinated at a shopping mall, in Johannesburg, South Africa, Friday Nov. 26, 2021. Advisers to the World…

هل اللقاحات فعالة ضد متحور كورونا الجديد “الأشد عدوى”؟

بمجرد تصنيف منظمة الصحة العالمية السلالة الجديدة من كوفيد-19، والتي تم رصدها في جنوب أفريقيا، وبها عدد كبير من التحورات، بأنها “مقلقة”، يتساءل الجميع عن مدى فعالية اللقاحات لصد هذه المتحورة شديدة العدوى.

وفي هذا الإطار يقول صفوت: “حتى الآن المتحور متغلب على اللقاح، فأولى حالات السلالة الجديدة ظهرت في بوتسوانا وكانت لشخص في طريقه للحصول على جرعة تعزيزية منشطة للقاح”.

وأوضح “هذا يعني أن الفيروس متغلب على اللقاحات الموجودة، لكن هذه نظرية تحتاج إلى مزيد من البحث، ولهذا العالم كله في حالة قلق وتأهب”.

وعما إذا كان ذلك سيعزز عدم ثقة البعض في التطعيم، قال صفوت: “لا أعتقد؛ فالمشكلة هي ظهور المتحور الجديد يأتي في ظل انتشار الموجة الخامسة وفرض بعض القيود في دول أوروبية”.

وأضاف “خلال الساعات المقبلة قد يتضح تأثير اللقاحات من عدمها. الأوساط العلمية كلها في حالة تأهب حتى لا نعود للمربع صفر”.

ما علاقة عدالة التوزيع بالمتحور الجديد؟

تقول صحيفة وول ستريت جورنال إن المتحور الجديد يسلط الضوء على الخطر الذي تواجهه الصحة العامة العالمية بسبب عدم حصول عدد كبير من السكان في العالم النامي على اللقاح، حيث كافحت البلدان للحصول على التطعيمات بينما كان الفيروس ينتشر ويتحور.

وبحسب بيانات لجامعة أكسفورد، فقد تم تلقيح 7 في المئة فقط من الأشخاص في أفريقيا بالكامل، مقارنة بـ42 في المئة من سكان العالم. بينما بلغت مستويات التطعيم في أوروبا والولايات المتحدة 67 في المئة و58 في المئة.

وتعليقا على ذلك يقول صفوت: “حتى الآن حصل 42 في المئة من سكان العالم على اللقاح، ولذا أمامنا فترة زمنية كبيرة للوصول إلى مناعة القطيع والمتمثلة في 70 في المئة”.

ويرى مستشار منظمة الصحة أن القلق من السلالات الجديدة سيظل قائما، وخصوصا السلالة الأخيرة بسبب طفراتها المتعددة، “وكأننا نتعامل مع شكل جديد للفيروس مختلف عن سابقه”.

يقول مسؤولو الصحة العامة إن هذا التباين ساعد في فتح الباب أمام ظهور المتحور الأخير، الذي يحتوي على أكثر من 50 طفرة.

وكانت مجموعة السبع لأكبر اقتصادات عالمية أعلنت هدفا لتوفير مليار جرعة لبلدان نامية، لكنها خطة قال منتقدوها إنها شديدة البطء.

وفي أكتوبر الماضي، طالب مئة من القادة والوزراء السابقين من أنحاء العالم رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، الذي كانت بلده تستضيف قمة مجموعة العشرين، بمعالجة ما قالوا إنه توزيع غير عادل للقاحات.

وفي هذا السياق يقول صفوت إنه لو كانت هناك عدالة في التوزيع السريع والعادل والعالمي للقاحات “كانت فرص تحور الفيروس قليلة”.

وتابع “لو حالة واحدة في العالم أصيبت بالفيروس هذا يعني فرصة لتحوره وتغير بروتينه وشكله وبالتالي مواجهة اللقاحات وغيرها من الإجراءات الاحترازية”.

هل الإغلاق والحظر حل أمثل؟

ورغم توصيات منظمة الصحة العالمية بعدم فرض قيود على السفر، بدأت الحدود تغلق، وقررت دول تعليق الرحلات الجوية من بلدان أفريقية، بينما فرضت بلدان أخرى حجرا صحيا.

وحذر علماء الأوبئة من أن قيود السفر ربما تكون متأخرة جدا بحيث لا يمكنها وقف تفشي أوميكرون عالميا.

وفي هذا الصدد يقول صفوت: “لا يوجد حل أمثل لمواجهة المتحورة الجديدة، لأنه من المؤكد وجود آلاف الحالات المصابة بالمتحور الجديد التي لم يتم اكتشافها وبعضها سافر بالفعل دول مختلفة”.

An ambulance waits to transport patients infected with the coronavirus (Covid-19) to other intensive care units (ICU) from a…

المتحور الجديد يثير الذعر.. قائمة بالبلدان التي أغلقت حدودها بوجه “أوميكرون”

وجدت دول أفريقية نفسها معزولة بشكل متزايد عن بقية العالم، بعدما أعلن العلماء، الخميس، أنهم اكتشفوا شكلا جديدا من كوفيد-19 في جنوب أفريقيا يُحتمل أن يكون شديد العدوى ومتعدد الطفرات.

واكتشفت السلالة الجديدة أول مرة في جنوب أفريقيا وتم رصدها لاحقا في بلجيكا وبوتسوانا وإسرائيل وهونغ كونغ.

ومضى يقول: “وجود شخص واحد مصاب في أي دولة قد ينذر بانتقال الفيروس لأي شخص. الإغلاق سيساعد بالتأكيد لكنه ليس الحل الأمثل، فلابد من فك الشفرة الجينية ومعرفة أعراض المتحور الجديد حتى نتعامل معه جيدا”.

ماذا الآن؟

ربما يستغرق الأمر عدة أسابيع كي يتعرف العلماء على نحو كامل على تحورات السلالة، وما إن كانت اللقاحات والعلاجات المتاحة فعالة في مقاومتها.

لكن المستثمرين يشعرون بالقلق من أن تسبب السلالة الجديدة موجة أخرى من الجائحة، وتؤدي إلى تعثر الانتعاش العالمي، حيث هوت أسعار النفط بنحو عشرة دولارات للبرميل.

أما الناس العادية، فهم مطالبون الآن بتشديد الإجراءات الاحترازية التي كانت معتادة عن بدء ظهور الفيروس للمرة الأولى، كما يقول صفوت، فيشير إلى التباعد الجسدي واستخدام الكحول للتطهير والالتزام بارتداء الكمامات، مضيفا “هي إجراءات مهمة حاليا أكثر من اللقاح نفسه”.

ولا يرجح صفوت أن تعاود الدول الإغلاق “بعدما أصبحنا نمتلك كثيرا من الآليات والخبرة والحنكة للتعامل مع الفيروس”.

لكنه توقع إغلاق البلدان التي تكتشف ظهور السلالة الجديدة بها.

الحرة

——————————-

كل ما تود أن تعرفه عن أوميكرون.. ضيف كورونا المستجد

ازداد القلق مجدداً حول العالم بعد رصد متحوّر أوميكرون من فيروس كورونا في جنوب إفريقيا، فيما تتأهّب دول عدة لجولة جديدة من تدابير الوقاية الصارمة، خصوصاً أن المعلومات شحيحة حتى الآن عن طبيعة المتحور الجديد.

سر “أوميكرون”.. هذا ببساطة ما يعنيه اسم المتحور الجديد

فيروس كورونا

سر “أوميكرون”.. هذا ببساطة ما يعنيه اسم المتحور الجديد

ماذا قالت منظمة الصحة؟

فقد كشفت منظمة الصحة العالمية أن هناك أدلة أولية على أن المتحور، الذي اكتشف لأول مرة في 9 نوفمبر الجاري، قد يعرض من أصيبوا سابقاً بالمرض للإصابة مرة ثانية، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.

وقالت أيضاً إن المتحور قد يكون أكثر قابلية للانتقال من سلالات أخرى من فيروس كورونا، مستشهدةً بانتشار أوميكرون السريع في جنوب إفريقيا خلال الأسبوعين الماضيين.

كما طلبت المنظمة من السلطات الصحية في جميع أنحاء العالم فحص المزيد من عينات الاختبار الإيجابية لمعرفة ما إذا كان المتحور ينتشر بالفعل في أماكن أخرى.

في المقابل يهتم العلماء بشكل كبير بالمتحور الجديد لاحتوائه على عدد كبير وبشكل غير عادي من الطفرات تقدر لحوالي 50، بما في ذلك أكثر من 30 طفرة مرتبطة بالبروتين الشائك (spike protein)، وهي البنية التي يستخدمها الفيروس لربط الخلايا البشرية والهدف الرئيسي للعديد من اللقاحات الحالية.

وأفاد تقرير الصحيفة بأن الفيروسات تتغير طوال الوقت، مشيرة إلى أن ذلك لا يحدث فرقاً في كيفية عملها.

وأوضح أن بعض الحالات يمكن أن تجعل الفيروس ينتشر بشكل أسرع أو يحسن قدرته على التهرّب من نظام المناعة أو اللقاحات في الجسم.

في موازاة ذلك، يتضمن أوميكرون بعض الطفرات التي لم تكتشف من قبل إلى جانب بعض الطفرات التي اكتشفت.

وجعلت بعض الطفرات المعروفة المتغيرات الأخرى أكثر قابلية للانتقال أو أكثر قدرة على تجنب أجزاء من الاستجابة المناعية الناتجة عن التطعيم أو عدوى سابقة بالفيروس.

كما يشعر العلماء بالقلق من الزيادة السريعة في الحالات في جنوب إفريقيا منذ اكتشاف السلالة لأول مرة.

في السياق ذاته، انتشر المتحور الجديد خارج جنوب إفريقيا، حيث اكتشفت حالات بين مسافرين إلى بلجيكا وإسرائيل وهونغ كونغ.

أما عن أهميته، فقد صنفت منظمة الصحة العالمية السلالة على أنها “متحور مثير للقلق”، لتنبيه السلطات الصحية في جميع أنحاء العالم رسمياً إلى المخاطر الإضافية التي يبدو أنه يحملها.

ولتصنيفه هكذا، يجب إثبات أن السلالة الفيروسية الجديدة أكثر عدوى، أو تؤدي إلى مرض أكثر خطورة أو تقلل من فعالية تدابير الصحة العامة أو اختبارات كورونا أو العلاجات أو اللقاحات.

كما تشمل المتحورات الأخرى المثيرة للقلق دلتا، الذي يسود الآن في جميع أنحاء العالم، وألفا، الذي أدى إلى موجة قاتلة من العدوى في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة في الشتاء والربيع الماضيين.

إلى ذلك، اكتشف المتحور الجديد بعدما جاءت عينة هذا الشهر من شخص مصاب في بوتسوانا، المتاخمة لجنوب إفريقيا.

بعد ذلك بوقت قصير، اكتشف العلماء في هونغ كونغ متحوراً في مسافر وصل من جنوب إفريقيا، وبدأ أوميكرون في الظهور في عينات من مقاطعة Gauteng في جنوب إفريقيا.

وعلى عكس معظم المتحورات البارزة الأخرى، والتي لا يمكن اكتشافها إلا من خلال تسلسل الجينوم المكلف والمستهلك للوقت، يتم تمييز وجود أوميكرون في بعض اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل الشائعة الاستخدام، أو اختبارات PCR.

وهذا يجعل من السهل تتبعه وهو أحد الأسباب التي جعلت علماء جنوب إفريقيا قادرين على التقاط انتشاره السريع في البلاد بهذه السرعة.

أما عن فعالية اللقاحات الموجودة حالياً ضد المتحور الجديد، فنظراً لعدم وجود العديد من الحالات المعروفة له، فهناك القليل من البيانات حول كيفية تصرفه.

فقد ثبت أن بعض الطفرات التي تم تحديدها في المتحور تجعل من لقاحات كورونا أقل فعالية.

بدورهم، قال العديد من صانعي اللقاحات إنهم ما زالوا يدرسون كيف سيؤثر المتحور على فعالية لقاحاتهم.

وقالت شركة BioNTech SE الألمانية، التي طورت أحد أكثر لقاحات كورونا شيوعاً مع شركة Pfizer Inc، إن الأمر سيستغرق حوالي أسبوعين لتحديد ما إذا كان المتحور الجديد يقاوم اللقاح.

من جانبها، أوضحت متحدثة باسم BioNTech أنه إذا لزم الأمر يمكن للشركات إنتاج لقاح جديد يتم تعديله لأي متغير في غضون ستة أسابيع وشحن دفعات أولية في غضون 100 يوم.

من جانبها، قالت شركة Moderna أمس الجمعة إنها ستقدم بسرعة لقاحاً معززاً يستهدف أوميكرون.

وأضافت أنها ستختبر أيضاً ما إذا كان الدم المأخوذ من المشاركين في التجارب السريرية للحصول على معززات قيد التطوير لمتغيرين آخرين، يشتركان في بعض الطفرات مع أوميكرون، وفيما إذا بإمكانهما يوفران الحماية ضد السلالة الجديدة.

إلى ذلك، كشف علماء ومسؤولو صحة من جنوب إفريقيا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن المرضى المصابين بالمتحور عانوا من أعراض مختلفة عن أولئك المصابين بسلالات أخرى.

وأضافوا أيضاً أنه لا توجد علامات حتى الآن على أن أوميكرون أدى إلى مرض أكثر خطورة.

——————————-

متحور “أوميكرون”.. 10 أسئلة وأجوبة تشرح لك قصة الفيروس الذي يعتقد أنه قادر على الهروب من المناعة/ خير الدين الجابري

عربي بوست

متحور أوميكرون.. إليك كل ما نعرفه عن الفيروس الذي ظهر في جنوب إفريقيا ويثير قلق العالم/ تعبيرية

متحور آخر من “فيروس كورونا” يظهر في جنوب إفريقيا ويثير قلق العالم وسط حديث عن أنه أشرس نسخ كوفيد-19 المتحورة، فما قصة متحور “أوميكرون – Omicron”؟ وماذا يقول الخبراء ومنظمة الصحة العالمية حول خطورته؟

1- ما هو متحور كورونا الجديد “أوميكرون”؟

أعلنت منظمة الصحة العالمية تصنيف متحور كورونا الجديد، أطلق عليه في البداية رمز “B.1.1.529″، والذي رُصد أول مرة في جنوب إفريقيا، “مقلقاً”، وأطلقت عليها لاحقاً اسم “أوميكرون”.

وأوضحت مجموعة الخبراء المكلفة بمتابعة تطور الوباء أنه يحتوي على عدد كبير من الطفرات، بعضها “مقلق”. وتحمل هذه النسخة ضعف عدد التحورات في السلالة “دلتا”، ومن بينها ما هو مرتبط بتفادي الاستجابة المناعية الناتجة عن كل من العدوى السابقة والتطعيم، وكذلك تحورات مرتبطة بزيادة العدوى.

2- متى تم اكتشاف الفيروس لأول مرة؟

دقت سلطات جنوب إفريقيا ناقوس الخطر في الساعة 2 ظهراً يوم الثلاثاء 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عندما عثرت على عينات بها عدد كبير من الطفرات المقلقة.

وتم تأريخ العينات من الاختبارات التي أجريت على الطفرة الجديدة بين تاريخي 14 و16 نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب صحيفة “التايمز” البريطانية. ويوم الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني، بينما كان العلماء يحللون الجينوم، تم العثور على عينات أخرى من المتحور الجديد، في دولة بوتسوانا الإفريقية والصين، قادمة من مسافرين من جنوب إفريقيا.

عدد كبير من المسافرين يصطفون للحصول على رحلة من الخطوط الجوية الفرنسية في جوهانسبرج، جنوب إفريقيا، الجمعة 26 نوفمبر، وذلك بعد الأنباء عن متغير متحور أوميكرون الجديد/ رويترز

3- لماذا يثير المتحور الجديد قلق العلماء؟

يقول خبراء الصحة إن المتحور الجديد، يحتوي على “بروتين سبايك” spike protein، مختلف كلياً عن البروتين الموجود في الفيروس التاجي الأصلي الذي صُممت لقاحات كوفيد-19 لمقاومته.

يعتبر بروتين “سبايك” هو المسؤول عن تشكيل “النتوءات الشوكية الموجودة على سطح فيروس كورونا والتي تمنحه الشكل التاجي المعروف عنه”، وهو المسؤول عن تنفيذ عملية ارتباط الفيروس بالخلايا البشرية وغزوها.

ويحتوي متحور أوميكرون على 32 طفرة، مما سيصعّب رؤيته لدى الخلايا المناعية، وسيتصرف بشكل مختلف عند مهاجمة الجسم. وكما قال توم بيكوك، عالم الفيروسات في “إمبريال كوليدج” بلندن، إن طفرات المتحور الجديد الكثيرة تعد مصدر قلق كبير.

واعتبر عالم الفيروسات أن الطفرات الـ32 التي رصدت في بروتين “سبايك” الموجود على سطح الفيروس تمكّنه من تفادي المناعة البشرية بسهولة، وبالتالي انتشار الفيروس بسرعة بين البشر. وأكد بيكوك أن الارتفاع الكبير في طفرات هذا الفيروس يجعله معدياً بصورة تفوق أي متحور آخر.

4- ماذا يعني ذلك؟

عندما نظر علماء الوراثة وعلماء الفيروسات في الطفرات، أدركوا أن هناك احتمالية كبيرة لزيادة قابليتها للانتقال أو مساعدتها على التهرب من المناعة. وبالتالي قد يكون متحور أوميكرون أكثر قدرة على الانتشار أو أكثر قدرة على إصابة الأشخاص الذين لديهم مناعة سابقة- إما من التطعيم أو العدوى، أو كليهما.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما ظهر متغير “ألفا”، كان أكثر قابلية للانتقال بحوالي 50% من النسخ الأولى للفيروس. أحدث هذا فرقاً كبيراً، ورفع عتبة مناعة القطيع من 66% إلى ما يقرب من 80%. اليوم، مع متحور “دلتا”، أصبحت عتبة مناعة القطيع من 85-90%. ولا يمكن أن يكون لدينا عتبة مناعة قطيع أعلى من 100%، إذ إنه مع كل ارتفاع في قابلية الانتقال، تكون المكاسب أقل، كما تقول صحيفة “التايمز”.

وإذا كان لمتحور أوميكرون قابلية أكبر للانتقال، فسيصبح لدينا المزيد من العدوى، وبالتالي سنقوم بتلقيح المزيد من البشر، وينتهي بنا المطاف في نفس المكان بعد ذلك بقليل.

يعتبر بروتين “سبايك” هو المسؤول عن تشكيل “النتوءات الشوكية الموجودة على سطح فيروس كورونا والتي تمنحه الشكل التاجي المعروف عنه”، تعبيرية/ WOH

5- ماذا لو تهرَّب المتحور الجديد كلياً من المناعة؟

هذا هو أكثر من مصدر قلق للعالم. لقد تضررت مناعتنا الجماعية بالفعل مع متحور دلتا. هناك مخاوف جدية لدى العلماء من أن هذا قد يكون أسوأ مع متحور أوميكرون. إذا كان الأمر كذلك، فقد يتعين علينا التفكير في لقاحات مختلفة، التي ربما ستستغرق وقتاً أطول لتطويرها.

6- ماذا عن علاجاتنا الأخرى؟

يمكن تقويض علاجات الأجسام المضادة، التي تستخدم للأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة، بشكل خطير. ومع ذلك، لن تتأثر الأدوية المضادة للفيروسات، التي تهاجم الإنزيمات التي يستخدمها الفيروس.

7- متى سنعرف مدى سوء المتحور الجديد؟

كما هو الحال دائماً، تظهر المعلومات تدريجياً ومن ضبابية عدم اليقين تظهر صورة أوضح. يستغرق الأمر أسبوعاً على الأقل لإيجاد معلومات كافية حول متحور أوميكرون الجديد لبدء مشاركته مع الحكومات والمؤسسات العلمية. فيما يتوقع مسؤولو الصحة في المملكة المتحدة أن الأمر سيستغرق عدة أسابيع قبل أن تكون هناك بيانات معملية جيدة حول كيفية مقاومة الاستجابة المناعية للفيروس، وهناك أمامنا عدة أسابيع وربما أشهر قبل أن نتمكن من الحكم على آثاره على أرض الواقع.

8- كيف يقارن هذا المتحور مع المتغيرات السابقة؟

كانت سلالة دلتا قد اكتُشفت أولاً في بريطانيا مطلع العام الجاري، لكن في أواخر مارس/آذار الماضي كشف باحثون عن وجود سلالة جديدة من الفيروس في الهند، وصفت بأنها “مزدوجة الطفرة” وأطلق عليها “دلتا بلاس”، تسببت في انتشار الفيروس بصورة أسرع بكثير، وباتت دلتا بلاس مسؤولة عن الموجات المتتالية من الوباء في الهند وأوروبا وحول العالم.

وعندما خرجت الأمور تماماً عن السيطرة في شبه القارة الهندية، أرجع العلماء ذلك إلى الدور الذي تلعبه سلالات الفيروس، بما في ذلك السلالة الجديدة التي أطلق عليها في البداية اسم “المتحوِّر المزدوج”، في التفشي المخيف للفيروس هناك، وتسببت في التفشي الأسرع في العالم منذ انتشار الوباء خارج الصين منذ بدايات العام الماضي.

وبصورة عامة، تسمح الطفرات المفاجئة التي تطرأ على الفيروسات بالتكيف كما تجعلها أكثر ضراوة، وأكثر قدرة على مراوغة المناعة الطبيعية واللقاحات، وبالتالي يعتقد أن أوميكرون النسخة الأكثر شراسة من كورونا التي يجب على العالم مواجهتها الآن.

9- كيف يتعامل العالم مع مواطن المتحور الجديد؟

انتقدت جنوب إفريقيا، السبت 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قرارات حظر السفر إليها، وذلك بعد أن أعلنت بعض الدول على رأسها أمريكا وبريطانيا عن تعليقهما الرحلات إلى عدد من البلدان إفريقية بينها جنوب إفريقيا، على خلفية اكتشاف متحور أوميكرون.

وقرر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تقييد السفر من جنوب إفريقيا وسبع دول أخرى في ظل المخاوف من المتحور الجديد، فيما قالت مفوضية الصحة الأوروبية من جانبها إن خطر انتشار المتحور الجديد لفيروس كورونا المسبب لعدوى “كوفيد-19” في أوروبا “مرتفع أو مرتفع جداً”.

وقال المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في بيان، إن “المستوى العام للخطر المتخلق بنسخة أوميكرون بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والمنطقة الاقتصادية الأوروبية يقدر من المرتفع إلى المرتفع جداً”.

من جهتها، قالت منظمة الصحة العالمية “إنها لا تنصح الدول راهناً بفرض قيود على السفر بسبب المتحور الجديد لكورونا، في غياب الفهم المحدد لمستوى انتقاله وشدة عدواه”.

الدول الجنوب إفريقية التي تم حظر السفر إليها من قبل أمريكا وعدة دول أخرى، خشية من انتقال متحور أوميكرون الجديد/ voanews

إلا أن دولاً عديدة، منها عربية، أعلنت عن تعليقها الرحلات إلى بلدان إفريقية شملت إلى جانب جنوب إفريقيا كلاً من ناميبيا، وزيمبابوي، وبوتسوانا، وليسوتو، وإيسواتيني، وموزمبيق.

تعليقاً على ذلك قال وزير الصحة في جنوب إفريقيا جو باهلا إن “الدراسات الأولية تشير إلى أن سلالة كوفيد-19 الجديدة ربما تكون أكثر عدوى”، مضيفاً: “لكن قرارات الدول بفرض قيود على السفر إلى البلاد غير مبررة”.

وأوضح الوزير في مؤتمر صحفي عقده، الجمعة 26 نوفمبر/تشرين الثاني، أن بلاده “تتصرف بشفافية، وقرارات منع السفر تناقض أعراف ومعايير منظمة الصحة العالمية”. كما لفت إلى أن المتحور الجديد من الفيروس المعروف باسم “أوميكرون” قد ينتشر أسرع من سابقيه “دلتا” و”بيتا”، مبيناً أنه من المحتمل أن تكون اللقاحات الحالية فعالة ضده.

10- لماذا يعد توقيت اكتشاف متحور أوميكرون هو الأسوأ بالنسبة لأوروبا؟

قبل يوم واحد من انتشار التقارير بشأن “أوميكرون”، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً أصاب الأوروبيين بالفزع، إذ توقعت المنظمة الدولية أن ترتفع أعداد وفيات كورونا في القارة العجوز إلى 2.2 مليون وفاة بنهاية فصل الشتاء الحالي، إذا ما استمرت الموجة الحالية على حالها.

تقرير منظمة الصحة العالمية صدر في توقيت تحولت أوروبا فيه مرة أخرى إلى بؤرة وباء كورونا رغم تمتع القارة العجوز بمعدلات تطعيم مرتفعة، مما جعل النمسا تقر سياسة اللقاح الإجباري لجميع مواطنيها، وتفكر ألمانيا الآن في اتباع نفس السياسة، رغم المعارضة الشرسة من جانب المتمترسين خلف حرية التعبير.

عودة وباء كورونا إلى أوروبا بتلك الشراسة في موجة رابعة مفزعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، تسببت في حالة من القلق الشديد حول العالم، خصوصاً أن القارة العجوز تعتبر من أكثر مناطق العالم نجاحاً في حملات التطعيم ضد الفيروس القاتل.

والسبت 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أصبحت هولندا أول دولة في أوروبا الغربية تعيد إجراءات الإغلاق الجزئي في البلاد لمواجهة الموجة الجديدة من الفيروس القاتل، بينما بدأت النمسا الإثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني إغلاقاً كاملاً على مستوى البلاد، مما تسبب في حالة من الغضب العام.

وفي هذا السياق، من الطبيعي أن يتسبب الحديث عن متحور أوميكرون الحامل لهذا العدد الضخم من الطفرات في حالة من الهلع بين علماء الفيروسات، إذ إن القياس على سلالة دلتا مزدوجة الطفرة وما تسببه من انتشار سريع للعدوى تسبب في ذلك القدر من القلق، خوفاً من أن يكون متحور بتسوانا (32 طفرة) ليس مجرد حالات شاذة.

الخلاصة هنا أن متحور أوميكرون الجديد قادر على الهروب من الأجسام المضادة، سواء نتجت عن اللقاحات أو أفرزها الجهاز المناعي بشكل طبيعي، لكن مدى قدرة المتحور المخيف على الانتشار بين البشر لا تزال مجهولة.

————————–

=====================

تحديث 29 تشرين الثاني 2021

——————-

أوميكرون أو «حضارة الكوفيد»/ وسام سعادة

«لن ننتهي!»عبارة من هذا القبيل سرت على الشفاه، وكبست على صدور كل من طالعه أمر السلالة الجديدة والمعجّبة، «أوميكرون» من فيروس كورونا. فقد صاحب الإنباء عن أوميكرون رواج عدوى الخيبة.

وهي في عمومها خيبة من كان يمنّي النفس بأحلام ومشاريع لمرحلة ما بعد كورونا. وتثبيط همّة من كان يعامل الجائحة على أنّه لم يفضل منها سوى «الفلول». وأنّ الفصل الأساسي منها كُتِب، ودخلنا في صياغة الخاتمة والتعجيل بالعدّ التنازليّ. وأنّه ليس مطلوباً سوى أن ينتشر التلقيح على أوسع نطاق، ويكف المرتابون من اللقاحات عن وساوسهم وخزعبلاتهم ويقبلوا عليه، مطمئنين شاكرين، ومبقين على قواعد التباعد الاجتماعي، إلى حين انطفاء إشارة ربط الأحزمة! وأنّه في المحصّلة ثمّة أقراص وعقاقير ستتكفّل باللازم المتبقي، ما أن يجري تأمينها على النطاق الأوسع، وتكون بمثابة الضربة الترويضية القاضية.

فيصير من بعدها الكوفيد مُستأنَساً لطيف المعشر، شأنه في هذا شأن الإنفلونزا «التقليديّة». وأنّ الناس ستنصرف في إثر ذلك، بالكلّيّة، إلى أعمالها الجارية. فيمرّ وقت من بعد ذلك يديرون وجههم لهذه الصفحة المرهقة، ثم يسترجعونها عند ترتيب الذاكرة، ويتأسّون ويتندّرون على أيّام كورونا المنقضية التي هاجت ثم بادت. هذا في وقت يمكن فيه للعلم الذي طوّر قدراته ومهاراته في مواجهة كوفيد 19 أن يستعين بالتقنيات الحيوية الوراثية المعتمدة على «الرنا المرسال» والمحصورة في الدائرة المختبرية التجريبية قبل جائحة كورونا، بقصد معالجة ما يتخطى كورونا وعموم دائرة الفيروسات. فتكون الفيروسات تدريجياً وراءنا، وترتسم تواقيع المنازلة الكبرى بين النوع البشري وبين مرض السرطان، على طريق تحطيم هذا الأخير في مجرى هذا القرن، بحيث يضيع هو الآخر في بوتقة «الأمراض العاديّة» ولا يعود من شاغل استراتيجي إثر ذلك سوى السيطرة على الشيخوخة نفسها، والتوفيق بين الإطالة بعمر الإنسان وبين الإطالة بالعمر الذي يكون فيه هذا الإنسان منتجاً ومُحتمل الفاتورة الصحيّة. جاءت الطبعة المنقحة المزيدة من هذا الفيروس لتقطع حبل هذا الاسترسال، هذه الرغبة في دمغ القرن الحالي بالمعنى. عكّر أوميكرون مزاجاً كان آخذاً في الانتشار بين الأنام، بأنّ القرن الحادي والعشرين «الحقيقي» ينتظرنا ما أن تنتهي الكورونا، وباغتنا التكدّر مجدّداً من أن يكون هذا هو قرن الكورونا بامتياز، بل أن يعاد انتاج كل كبيرة وصغيرة في السياسة والصحة والثقافة والدين والعلاقات الإنسانية على محك الكوفيد 19. وبحيث لا يعود من الفانتازيا فقط الحديث عن حضارة كورونية كونية.

يتمازج فيها التواصل الأقصى والأسرع بين مناطق و«نقاط» العالم بالإنعزال الانطوائي الحاد والمزمن بين البشر وتحوّل الإرتياب من جسم كل من يقترب إليك، على أنّه مركبة أو منصة للكوفيد، وهو نفسه الإرتياب، عندما تُفحص وأنت بصدد سفرة أو مسعى، بأنّك أنت، ولو لم تصب به بعد، جسد الكوفيد الإفتراضي نفسه! ويبدو، مع أوميكرون، أننا سنصرف أسماء الأحرف الهجائية الإغريقية جميعها على متحوّرات كورونا، فيقال أخوات دلتا وأوميكرون، على نحو ما يجري الحديث عن كان وإنّ وأخواتهما. وهذا قبل كل شيء يدفع الناس مجدداً إلى منطقة الكرب، وقد اعتقدوا أنهم غادروها بعض الشيء، حين لم تنجح «ثورة دلتا المضادة» في حرف حركة السيطرة الكوكبية اللقاحية على الفيروس عن مسارها.

وليس ضرورياً أن تنجح «ثورة أوميكرون المضادة» هي الأخرى. مع جديّة كل الحديث عن خطورة السلالة الجديدة «المسبعة الكارات» ليس فقط من ناحية سرعة العدوى ودرجة الإيذاء فحسب، بل وقبل كل شيء آخر، من ناحية القدرة على تعطيل نوعي، ويشي بالمزيد منه، لمفاعيل اللقاحات وسياسات التلقيح. لقد اكتسب المتحور «دلتا» نجومية «رفع وتيرة سرعة العدوى» وكان الرد على ذلك بمسابقة في العدوِ بين سرعة العدوى وسرعة التلقيح. أما أوميكرون فيظهر أنّه ينازل اللقاحات في ذاتها، ويعيد التذكير بما يفترض أنّه تحصيل حاصل، وهو أنّ لكل فعل ردّة فعل، وأنّ التحوّر الفيروسي عينة من هذا. بالأخص عند الفيروسات التي قُدّ جينومها (صحيفته الوراثية) من حمض الرنا (الحمض النووي الريبوزي) شأن عائلة فيروسات كورونا. لا ثابت هنا في هذه المعركة. والمتحرك غير منحصر بالمسابقة بين سرعة التلقيح وبين اللحاق بسرعة كل متحور. إنما هو سجال بين نجاعة اللقاحات في محاصرة الفيروس، ثم نجاح هذا المتحور أو ذاك من التملّص من هذا الحصار أو تليين شبكته. لا يعني هذا البتة أن الأمور يمكن أن تخرج عن السيطرة تماماً، بحيث إعادتنا الى ما قبل اكتشاف اللقاحات واستخدامها.

أبداً. هذا نوع من «خيال علمي رديء». الخيبة المفهومة من وراء ظهور أوميكرون لا تعني أننا عدنا الى العام 2020، بل تعني، كما بازاء أي فيروس، أنّ المتحورات تتطور في مواجهة التلقيح، ثم تتطور اللقاحات بعد أن تكون المتحورات قد زودتها بفهم أدق للفيروس وكل ما هو بمستطاعه. لأجل ذلك، لا بأس بالاقتصاد من أمرين: الاستعجال غير المدعوم بالأساند لطي صفحة كورونا، والاسترسال الكوارثي الطاعن في فعالية اللقاحات من الأساس، والذي يحاول ان يقول لنا مع أوميكرون أو غيره بأن الأمور خرجت عن السيطرة، وتعود لمربعها الأول. أبداً. «لن ننتهي !» قد يكون، بمعنى ما، وبأثر أشد من القول بأننا «لم ننته» بعد من هذا الفيروس. لن ننتهي، ومع ذلك لم تخرج الأمور عن السيطرة، ولا عادت الى مرحلة ما قبل اللقاحات، ولا هي بمقدورها ان ترجع القهقرى بهذا الشكل المحموم. بشكل ما، يقفز الفيروس في حلته الجديدة، أوميكرون، لمصارحة كل امرؤ، بأنّه: «ما زال مبكراً تنفّس الصعداء هكذا. عليك بتقبّل أن جزءاً ثميناً من عمرك ستضيّعه معي. حتى ولو لم أصبك بالردى ولا حتى بالمرض أو بالعياء. أنا لست ضميرك يا أخي، لكنك أحياناً أنا، وأحياناً يُنظَر لي على أني انا أنت. علاقتنا شائكة كما يقولون. اجري pcr عند كل ارتياب. ما تخسر؟». الهلع والذعر ليسا بيت القصيد هنا. ولو تفشّت نوبة منهما مع انتشار الحديث عن أوميكرون، وعودة الانشغال بتقييد حركة الملاحة الجوية. أخطر منهما هو السأم.

وأخطر من السأم من استمرار كورونا هو انقسام النفس في أمر السأم. هل تتقبله النفس كعبث يسلّيها، أو ترى فيه روحاً لقرن بحمض رنوي، نعم، إنما لا تظهر له من روح أو نكهة خاصة به؟ أن يكون قرننا «بلا طعم» قياساً على إثنين سبقاه، فهذا ما تحمله معها متحورات الفيروس، إلى حد ما. وأن يكون القرن الحادي والعشرون الفعلي لن يبدأ الا بعد اختفاء كورونا، فتلك للنفس أحجية أخرى. وما تتسمى إذاً هذه السنين؟ المؤرخ إريك هوبسباوم استعجل انهاء القرن العشرين مع انقضاء الحرب الباردة، ووصفه بالقصير في مقابل قرن أطول سبقه. لم نعرف بعد، في المقابل، ان بدأ الحادي والعشرون فوراً من بعده، أو إثر 11 أيلول، أو في أعقاب أزمة 2008 المالية العالمية، أو اذا كان تقويمه الدلالي يتحدّد بالكوفيد. حينذاك تصير كل المسألة هي تحديد واحد من اثنين، إما أن عصرنا، قرننا، بدأ لحظة ظهور الكوفيد، وإما هو القرن الذي ينتظر انتهاء الكوفيد ليقبل ويُدبر.. أزهرَ أو لم يُزهر

القدس العربي

———————–

«أوميكرون»… كما يتفقد القاتل مسرح الجريمة/ غسان شربل

ظهورُ متحورٍ جديدٍ من «كورونا» لم يكنْ مستغرباً. سبقَ للعلماء أنْ حذَّروا من ذلك. واستخدموا هذه الذريعةَ في محاولة إقناع الخائفين والمترددين والتائهين الذين يعتبرون دفعَهم إلى تلقِّي اللقاح نيلاً من حريتهم. وموقف الفئةِ الأخيرة فظيعٌ ومريعٌ. وإذا كانَ من حق المرء ألا يهتمّ بسلامتِه الشخصية فالأكيدُ أنْ ليس من حقه الإقدام على أي ممارسة تهدِّد سلامة الآخرين ومنها الامتناع عن تلقي اللقاح. كان ظهورُ المتحور وارداً أو متوقعاً، لكن لم يتوقع أحد أن يمتلكَ هذه القدرة الكبيرة على إقلاق الأفراد والدول. ها نحن الآن أمام طبعة جديدة ومنقَّحة من الوباء تحمل اسم «أوميكرون». وإذا كان لا بدَّ من بعض الوقت للتعرف من كثب على الزائر الجديد، فإنَّ المعلومات الأولية أوحت بأنَّه أكثرُ شراسة وقدرة على الانتشار السريع من الطبعات السابقة من الوباء.

في الشهور الماضية بدا العالم في صورة من تمكَّن من الخروج من تحت وطأة الضربة التي شكَّلها ظهورُ الوباء. استعاد الاقتصاد شيئاً من عافيته وتفرَّغ لإحصاء خسائره والتفكير في أفضل السبل لمواجهتها. كان الأمرُ بحجم نكبة كاملة قيمتها تريليونات الدولارات، وإصابات بالغة في قطاعات عدة بينها السياحة والطيران، فضلاً عن خسائر هائلة في موضوع التعليم. وعلى رغم قسوة الأرقام استرجع العالم قدراً من حيويته وثقته بقدرته، خصوصاً مع ارتفاع نسب التلقيح والحديث عن حبوب تقترب من الأسواق.

لا مبالغة في القول إنَّ العالم كاد ينسى الوباء أو لم يعد يعتبره صحناً رئيسياً في وليمته اليومية. الوباء الذي احتل مانشيتات الصحف ذات أيام كئيبة تراجع إلى خبر صغير في أسفل الصفحة الأولى أو غاب. إنَّها مؤشرات الخروج من وضع الرهينة مدعمة بالأرقام واللقاحات وقناعة راسخة بقدرة هذا التقدم العلمي الهائل على توفير سلاح يصرع التنين.

انشغل العالم بملفات أخرى. لم يشطب ظهور الوباء الكراهيات الدولية ولم يجمّدها. الكراهيات والمخاوف قوة محركة للسياسات والرياح الساخنة وحروب الاستنزاف. ليس بسيطاً ما سمعناه في الأسابيع الأخيرة عن مخاوف عميقة لدى جنرالات حلف الناتو من أن يستيقظ العالم ذات يوم على نبأ غزو روسي لأوكرانيا. ليس لدي أي شكوك في أنَّ البند الوحيد الثابت في برنامج فلاديمير الكبير هو استنزاف الغرب وضخ الشكوك مع الغاز في العروق الأوروبية. ولم يعد سراً أن سيدَ الكرملين ينفذ برنامجاً ثأرياً ضد النموذج الغربي الذي دفع الاتحاد السوفياتي إلى ما يشبه الانتحار، ومن دون أن يطلق عليه رصاصة. لكن متابعة متأنية لأسلوب بوتين في تسديد الضربات تساعد على استبعاد غزو يعيد إلى الأذهان، ليس الغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا في 1968، بل ممارسات الحرب العالمية الثانية وطحن الحدود الدولية بجنازير الدبابات.

في الشهور الماضية بدا العالم في صورة من اعتاد التعايش مع «كورونا» وتفرغ لحروبه القديمة والجديدة. تصاعد الحديث عن الخطر الصيني. ظهرت ملامح خط تماس صريح في بحر الصين الجنوبي وعلى شواطئ تايوان. بدا جلياً أنَّ أميركا العائدة من أفغانستان تريد التفرغ لمواجهة «الاتحاد السوفياتي الجديد» وهو الحزب الشيوعي الصيني. ضاعف من سيناريوات الإثارة نجاح الزعيم الصيني الحالي في استكمال إجراءات الإقامة المفتوحة على رأس مصنع العالم مع قدر من عبادة الشخصية توفره المناهج المدرسية نفسها.

لم يغير ظهور الوباء سلوك الديناصورات في نادي الكبار، ولم يغير أيضاً من شراهة ذئاب الأقاليم. نجاح الوباء في قتل خمسة ملايين شخص وتكبيد الاقتصاد العالمي خسائر فلكية غير مسبوقة لم يدفع الدولَ إلى وقف نزاعاتها أو تجميد تطوير ترساناتها. وعلى وقع رياح «كورونا» انزلقت إثيوبيا إلى حربها الأهلية، وعمَّق لبنان إقامته في جهنَّم، وتابعت إيران عضَّ الأصابع مع أميركا من دون الإفراج عن العواصم التي اعتقلتها.

سلَّم المواطن العادي بأنَّ «كورونا» جزءٌ من المشهد الجديد. تناول اللقاحَ وعاد إلى المكاتب، وراح يتلقَّى بروح رياضية ظهور الإصابات على مقربة منه مكتفياً بإجراء الفحوصات التي باتت نوعاً من الوجبات. وتزايدت ثقة الحكومات بإجراءاتها. تخلَّت عن بعض القيود ولمَّحت إلى أنَّ العودة إلى الإغلاق ليست واردة حتى ولو عاد الوباء مذكرة بأنَّ حياة الاقتصاد لا تقلُّ أهمية عن حياة الناس.

في زمن الكوليرا والإنفلونزا الإسبانية وغيرها كان باستطاعة المواطن أن يتأخَّرَ في معرفة الأنباء الكارثية، خصوصاً عن عمليات الإبادة الجماعية التي تنفذها الأوبئة. اليوم وبفضل هذا الجاسوس الذي سمُّوه الهاتف الذكي ينتقل سمُّ الأخبار فوراً إلى مائدتك. وبعد حفنة دقائق يطلُّ الخبراء وتتلاحق العناوين فتتسرَّب المخاوف إلى بيوت المواطنين وبيوت الحكومات وبيوت البورصات.

إذا صحَّت تكهنات المتشائمين فإنَّ العالم سيجد نفسه أمام قاتل متسلسل يمتلك قدرة على اختراق الحدود تفوق بمرات كثيرة قدرات الإرهابيين على التسلل. يمتلك أيضاً قدرة على التضليل تفوق قدرات عتاة السياسيين، خصوصاً لجهة تحايله على اللقاحات. ولعلَّ أخطرَ ما في إطلالة القاتل الجديد هو إنعاشه موسمَ الكآبة ومعه سيناريوات الموت والتصدعات الاقتصادية والإفلاسات والمكاتب المهجورة والمتاجر الفارغة والمطارات الموحشة.

إذا تبيَّن أنَّ القاتل الجديد يمتلك قدرة غير مسبوقة على القتل يتعيَّن على العالم أن يستنتجَ ما يلزم وأن يكونَ الردُّ مختلفاً. يحلم المواطن العادي بتجميد النزاعات وتحويل ما ينفق عليها إلى المختبرات لدحر الوباء.

تعبنا من تغطية أخبار الوباء وارتكاباته وتحوراته. تعبنا من الخسارات والجنازات. تعبنا من العزلة ورائحة الجزر والدوران بين السطور والجدران. الزيارة الجديدة تلوح مؤلمة وباهظة. كأنَّ القاتلَ يتفقَّد مسرحَ الجريمة لتسجيل أرقام قياسية لم تتحقق في إطلالاته السابقة. طبعة مزيدة ومنقحة من الوباء. هذا كثير. نراهن على العلماء المنخرطين في معركة المختبرات لإخراج «القرية الكونية» من سوءِ المصير.

الشرق الأوسط»

————————-

وسط ذعر من تفشي أوميكرون.. دول تفرض قيودا وفايزر ترجح الحاجة لتطعيمات سنوية ضد كورونا

اليابان ستمنع دخول المسافرين إليها خوفا من تفشي المتحور الجديد داخل أراضيها

أعادت المزيد من الدول اليوم الاثنين فرض قيود لمنع تفشي المتحور الجديد لفيروس كورونا “أوميكرون” (Omicron)، الذي تخشى منظمة الصحة العالمية انتشاره بسرعة على مستوى العالم، في حين قالت شركة “فايزر” (Pfizer) الأميركية إنه قد تكون هناك حاجة لتطعيمات سنوية ضد الفيروس.

فقد أعلنت الحكومة الألمانية تقييد السفر إليها من 8 دول أفريقية -بينها جنوب أفريقيا- بسبب المخاوف من انتشار أوميكرون.

كما أعلنت رئيسة وزراء أسكتلندا اليوم الاثنين أن بلادها ستفرض قيودا على السفر للحد من انتقال العدوى بعد اكتشاف 6 إصابات بالمتحور الجديد.

وبعد أن بادرت باتخاذ إجراءات شملت وقف الرحلات الجوية مع جنوب أفريقيا، دعت بريطانيا اليوم إلى اجتماع طارئ لوزراء الصحة في مجموعة السبع لبحث تطورات المتحور الجديد.

بدورها، فرضت إسبانيا حجرا صحيا على المسافرين القادمين من 7 دول في الجزء الجنوبي من أفريقيا.

إصابات بالمتحور الجديد

ووسط حالة من الذعر تسود العالم بعد انتشار المتحور أوميكرون في أنحاء بأوروبا وآسيا وأفريقيا وأستراليا، فرضت العديد من الدول الأوروبية قيودا لمنع تفشي هذا المتحور، في وقت أعلنت فيه دول أوروبية -بينها الدانمارك وهولندا وبلجيكا والبرتغال- تسجيل إصابات بالمتحور الجديد لدى أشخاص قدموا من دول جنوبي القارة الأفريقية.

وتعود أوروبا للقيود مرة أخرى في وقت تسجل فيه بعض دولها -خاصة ألمانيا وبريطانيا- أعدادا كبيرة من الإصابات جراء فيروس كورونا.

ويقول باحثون إن متحور أوميركون قد يقاوم اللقاحات المتوفرة حاليا، في حين تقول منظمة الصحة العالمية إن فهم قدرته على الانتشار وشدته سيستغرق أسابيع عدة.

وفي آسيا، ستغلق اليابان بداية من غد الثلاثاء حدودها أمام جميع الزوار الأجانب من دول العالم كافة.

وأكد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا اليوم أنه سيتم تنفيذ تدابير الحجر الصحي الصارمة في مرافق محددة وفقا للمخاطر، مشيرا إلى أن هذه التدابير مؤقتة وغير عادية إلى حين تتضح المعلومات بشأن سلالات أوميكرون.

وكشفت وزارة الصحة الإسرائيلية اليوم عن 15 حالة يُشتبه في إصابتها بمتحور أوميكرون. وكانت السلطات هناك اضطرت لفرض قيود تشمل وقف رحلات جوية تخوفا من تفشي السلالة الجديدة من فيروس كورونا.

وضمن الإجراءات الاحترازية، بدأ المغرب اليوم تطبيق قرار السلطات بشأن تعليق جميع الرحلات المباشرة للمسافرين في اتجاه البلاد لمدة أسبوعين.

وفي كندا، أعلنت حكومة مقاطعة أونتاريو اكتشاف حالتين مؤكدتين لمتحور فيروس كورونا الجديد أوميكرون.

وأكد بيان لإدارة الصحة في المقاطعة أن الإصابتين لشخصين سافرا إلى نيجيريا في الآونة الأخيرة. يأتي ذلك بعد فرض كندا حظرا على استقبال الأجانب ممن زاروا دولا في جنوبي قارة أفريقيا خلال الأسبوعين الماضيين.

وكانت الولايات المتحدة ودول عربية -بينها السعودية والإمارات- فرضت إجراءات تشمل تعليق الرحلات الجوية ومنع دخول المسافرين من جنوبي القارة الأفريقية.

في المقابل، قال رئيس السنغال ماكي سال اليوم إن أفريقيا يجب ألا تغلق أبوابها أمام جنوب أفريقيا.

لا داعي للهلع

وبشأن تداعيات قرارات دول عدة تحظر دخول المسافرين من بلاده، قال وزير الصحة في جنوب أفريقيا جو فاهلا إنه ما من داع إلى الهلع بشأن المتحور الجديد لفيروس كورونا “أوميكرون”.

وطالب فاهلا الولايات المتحدة برفع حظر السفر، معتبرا أن هذا الإجراء يتعارض مع الدعم الذي أبدته واشنطن لبريتوريا.

وكان رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا قال إن بلاده تعاقَب لأنها بكّرت باكتشاف المتحور الجديد لفيروس كورونا.

خطر مرتفع

وقالت منظمة الصحة العالمية إن احتمال زيادة انتشار المتحور الجديد لفيروس كورونا “أوميكرون” على المستوى العالمي مرتفع، وإن تقييم الخطر العالمي المتعلق بالمتحور مرتفع للغاية، في حين يعقد وزراء الصحة في مجموعة السبع اجتماعا طارئا اليوم الاثنين في بريطانيا لبحث تطورات الجائحة.

وأضافت المنظمة الأممية -ومقرها جنيف- في توصية فنية للدول الأعضاء فيها أنه من المرجح أن ينتشر المتحور الجديد -الذي رُصد أول مرة في جنوب أفريقيا الأسبوع الماضي- بسرعة في أرجاء العالم، وأنه ستكون لارتفاع عدد الإصابات بكوفيد-19 عواقب وخيمة في بعض المناطق.

وحثت منظمة الصحة الدول الأعضاء على الإبلاغ عن أولى حالات الإصابة بالمتحور الجديد والبؤر التي يتفشى فيها، مشددة على وجود حاجة لمزيد من الأبحاث للتوصل إلى فهم أفضل لاحتمال تغلب أوميكرون على اللقاحات والمناعة المكتسبة بعد الإصابة بالفيروس.

وكانت منظمة الصحة صنفت المتحور الجديد “مثيرا للقلق” لما يتضمنه من طفرات كثيرة، قائلة إن الأمر قد يستغرق أياما إلى عدة أسابيع لفهم مستوى خطورة السلالة الجديدة.

وشدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس اليوم على ضرورة رفع سقف إعطاء اللقاحات.

وقال خلال اجتماع الجمعية الخاصة للمنظمة إن 80% من اللقاحات وصلت للدول الكبرى في حين لا تزال الدول الفقيرة تعاني، مشيرا إلى أن المتحور أوميكرون يظهر أن العالم يحتاج إلى اتفاقية جديدة بشأن الأوبئة.

وأيدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إطلاق منظمة الصحة العالمية مفاوضات للتوصل إلى اتفاق دولي ملزم لمنع الأوبئة، وقالت إن المنظمة تطلب تمويلا موثوقا به مع تبرعات أكبر من الدول الأعضاء.

تطعيمات سنوية

ومع تصاعد الجدل بشأن مدى فعالية اللقاحات الموجودة مع المتحور أوميكرون، قال الرئيس التنفيذي لشركة “فايزر” ألبرت بورلا إن مواجهة جائحة كورونا قد تحتاج إلى تطعيمات سنوية.

وأضاف أنه يمكن للشركة إنتاج 4 مليارات جرعة العام المقبل إذا كانت هناك حاجة لذلك.

وأكدت شركات للأدوية -ومنها “أسترازينيكا” (AstraZeneca) و”مودرنا” (Moderna) و”فايزر-بيونتك” (Pfizer-BioNTech)- أن لديها خططا لتكييف لقاحاتها في ضوء ظهور المتحور الجديد.

وقالت هذه الشركات إنها واثقة من قدرتها على مكافحة المتحور أوميكرون.

لا إجابة قاطعة

وبينما يترقب الأميركيون اليوم كلمة للرئيس جو بايدن بشأن مساعي واشنطن للتعامل مع متحور أوميكرون، أكد أنتوني فاوتشي كبير المستشارين الطبيين للرئيس الأميركي أنه لا توجد إجابة قاطعة بشأن مدى مقاومة متحور أوميكرون للقاحات المضادة لفيروس كورونا.

وأشار فاوتشي إلى أنه من المحتمل التوصل إلى نتيجة بهذا الشأن في غضون أسبوعين.

مليار جرعة

على صعيد آخر، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ اليوم الاثنين أن بلاده سترسل مليار جرعة من لقاحات كورونا إلى أفريقيا.

وأضاف شي أنه سيتم إنشاء مركز صيني أفريقي لتزويد المؤسسات المالية الأفريقية بخط ائتمان قيمته 10 مليارات دولار.

وقال إن الصين ستشجع شركائها على استثمار ما لا يقل عن 10 مليارات دولار في أفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

المصدر : الجزيرة + وكالات

———————————

سلالة أوميكرون من كورونا.. لماذا تصيب العلماء بالذعر؟/ د. أسامة أبو الرُّب

ما سلالة “أوميكرون” (Omicron) الجديدة من فيروس كورونا؟ ولماذا يخشاها العلماء؟ وماذا قالت منظمة الصحة العالمية عنها؟ وما مواصفات أوميكرون مقارنة مع السلالات “المتغيرات” الأخرى؟

سلالة أوميكرون

سمت منظمة الصحة العالمية سلالة كورونا الجديدة “أوميكرون” (Omicron)، اتباعا لنمط أسماء الرموز اليونانية، مثل متغيرات “ألفا” (Alpha) و”دلتا” (Delta).

رمز سلالة أوميكرون هو “بي 1.1.529” (B.1.1.529)، وتم إبلاغ منظمة الصحة العالمية عنها للمرة الأولى من جنوب أفريقيا يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

سلالة أوميكرون كورونا إنفوغراف (Omicron) Omicron متحور

 ماذا يميز سلالة أوميكرون؟

    تحتوي هذه السلالة “المتغير” على عدد كبير من الطفرات، و”بعضها مثير للقلق”، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

    تشير الأدلة الأولية إلى زيادة خطر “الإصابة الثانية” (reinfection) بهذا المتغير، مقارنة بالسلالات الأخرى.

    يبدو أن عدد حالات سلالة أوميكرون آخذ في الازدياد في جميع مقاطعات جنوب أفريقيا تقريبًا.

    تحتوي سلالة أوميكرون على مجموعة غير عادية من الطفرات يمكن أن:

    – تساعد فيروس كورونا على التهرب من المناعة في الجسم.

    – تجعله أكثر قابلية للانتقال.

    تحتوي سلالة أوميكرون على 32 طفرة في بروتين السنبلة “سبايك”، وهو جزء من الفيروس تستخدمه معظم اللقاحات لتهيئة جهاز المناعة ضد مرض كوفيد-19. وهذا العدد من الطفرات يعد نحو ضعف الرقم المرتبط بسلالة دلتا، وفقا لتقرير في صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية.

ماذا قالت منظمة الصحة العالمية؟

صنفت منظمة الصحة العالمية سلالة أوميكرون على أنها “متغير مثير للقلق” (Variant of Concern VOC).

ما “المتغير المثير للقلق”؟

وفقا لمنظمة الصحة العالمية، المتحورات أو المتغيرات المثيرة للقلق هي سلالات من فيروس كورونا تتميز بصفة واحدة ترتبط بتغيير صفة أو أكثر من الصفات التالية:

    زيادة قدرة الفيروس على الانتقال أو التغيير المضر في وبائيات كوفيد-19.

    زيادة في فوعة الفيروس أو تغير المظاهر السريرية للمرض.

    انخفاض فعالية تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية أو وسائل التشخيص واللقاحات والعلاجات المتاحة.

أي متغير جديد قادر على التهرب من اللقاحات، أو الانتشار بشكل أسرع من متغير دلتا السائد الآن، قد يشكل تهديدًا كبيرًا مع خروج العالم من الوباء.

ما رقم التكاثر لسلالة كورونا أوميكرون؟

رقم التكاثر الأساسي رمزه (R0)، وينطق “آر نات” أو “آر زيرو”، وهو يشير إلى متوسط ​​عدد الأشخاص الذين يتوقع أن ينقل الشخص المصاب المرض إليهم.

قالت كبيرة المستشارين الطبيين بوكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة، الدكتورة سوزان هوبكنز، إن قيمة “رقم التكاثر” (R) لمتغير أوميكرون في مقاطعة غوتنغ بجنوب أفريقيا -حيث تم العثور عليه لأول مرة- أصبحت الآن 2، وهو مستوى انتقال لم يسجل منذ بداية الجائحة قبل بدء فرض القيود. وبالنسبة لرقم التكاثر، أي شيء أعلى من الرقم 1 سيجعل الوباء ينمو بشكل كبير.

ما مواصفات أوميكرون مقارنة مع السلالات “المتغيرات” الأخرى؟

وصف كبار العلماء -أول أمس الخميس- أوميكرون بأنه أسوأ متغير رأوه منذ بداية الوباء، وفقا لصحيفة غارديان؛ إذ يحتوي على 32 طفرة في بروتين سبايك، وهو جزء من الفيروس تستخدمه معظم اللقاحات لتهيئة جهاز المناعة ضد كوفيد-19، وهذا نحو ضعف الرقم المرتبط بمتغير دلتا.

يمكن أن تؤثر الطفرات في بروتين سبايك على قدرة الفيروس على إصابة الخلايا وانتشارها، ولكنها أيضا تجعل من الصعب على الخلايا المناعية مهاجمة العامل الممرض.

قال مدير مركز الاستجابة الوبائية والابتكار في جنوب أفريقيا، البروفيسور توليو دي أوليفيرا، إن هناك “مجموعة غير عادية من الطفرات” وإنها “مختلفة تماما” عن المتغيرات الأخرى التي تم تداولها.

وفي إفادة إعلامية، قال البروفيسور دي أوليفيرا إن هناك 50 طفرة إجمالية وأكثر من 30 على بروتين سبايك، وهو الهدف لمعظم اللقاحات والمفتاح الذي يستخدمه الفيروس لفتح المدخل إلى خلايا الجسم، وفقا لموقع “بي بي سي” (BBC).

من المحتمل أن يكون هذا المستوى من الطفرة ناتجا عن مريض واحد لم يكن قادرا على التغلب على الفيروس.

القلق هو أن هذا الفيروس أصبح الآن مختلفا جذريا عن الأصلي الذي ظهر في مدينة ووهان بالصين. وهذا يعني أن اللقاحات، التي تم تصميمها باستخدام السلالة الأصلية، قد لا تكون فعالة.

ما آخر التطورات الميدانية؟

وسط مخاوف من انتشار واسع لأوميكرون، أعلنت عدة دول تعليق الرحلات القادمة من دول أفريقيا الجنوبية حيث رصدت هذه المتحورة الجديدة لفيروس كورونا.

فبعد دول أميركية شمالية وأوروبية وعربية، أغلقت أستراليا -وقبلها البرازيل- حدودها أمام القادمين من جنوب القارة الأفريقية.

وحظرت أستراليا -اليوم السبت- الرحلات الجوية من 9 دول في جنوب أفريقيا. وقال وزير الصحة غريغ هانت إن غير الأستراليين الذين زاروا جنوب أفريقيا وزيمبابوي ودولا أخرى في الأسبوعين الماضيين سيمنعون أيضا من دخول أستراليا. وسيخضع المواطنون والمقيمون الذين يسافرون من هذه الدول لحجر صحي لمدة 14 يوما.

من جهتها، أوصت وكالة المراقبة الصحية البرازيلية -في بيان أمس الجمعة- بتعليق الرحلات الجوية من 6 دول جنوبي أفريقيا “نظرا للتأثير الوبائي الذي يمكن أن تحدثه المتحورة الجديدة على الوضع العالمي”.

وأعلنت كندا والولايات المتحدة منع دخول مسافرين من الدول الجنوبية في أفريقيا إلى أراضيهما، بينما ستشدد اليابان القيود مع فرض حجر لمدة 10 أيام على القادمين من هذه المنطقة.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن -في بيان- إن “المعلومات عن هذه المتحورة الجديدة تجعل الأمر أكثر وضوحا بأن هذا الوباء لن ينتهي بدون التطعيم على مستوى العالم”، داعيا إلى تقديم مزيد من اللقاحات إلى الدول الفقيرة.

في أوروبا، أعلنت السلطات الصحية الهولندية اليوم السبت عن 61 إصابة مؤكدة بكوفيد-19 بين مسافرين قدموا على متن رحلتين من جنوب أفريقيا، لكنها تحتاج إلى مزيد من الفحوص لمعرفة إذا ما كانوا مصابين بالمتحورة الجديدة أوميكرون.

ورصدت إصابة واحدة في أوروبا بهذه المتحورة في بلجيكا.

دول أوروبية تعيد القيود إثر ارتفاع إصابات كورونا أعادت بلدان أوروبية عدة تنفيذ بعض الإجراءات المتعلقة بمكافحة كورونا مثل إلزامية ارتداء الكمامات وإغلاق أماكن العمل، والعمل من المنزل، بسبب زيادة الإصابات بالفيروس 24.11.2021

كبش فداء

حظرت عدة دول أوروبية -بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا- الرحلات الجوية من دولة جنوب أفريقيا والدول المجاورة لها. وستطبق روسيا قرارا مماثلا اعتبارا من غد الأحد وإسبانيا بدءا من الثلاثاء المقبل.

وسجلت إصابة واحدة بأوميكرون في هونغ كونغ. وأوصى الاتحاد الأوروبي بتعليق جميع الرحلات من جنوب أفريقيا و6 دول أخرى في المنطقة، في حين أعلنت عدة دول عربية بينها السعودية أنها ستغلق حدودها أمام المسافرين من هذه المنطقة.

وأثارت هذه القرارات والتوصيات استياء جنوب أفريقيا التي رأت أنها “غير مبررة”. وقال وزير الصحّة جو فاهلا -في مؤتمر صحفي مساء أمس الجمعة- إن “بعض ردود الفعل غير مبررة”. وأضاف أن “بعض القادة يبحثون عن كبش فداء لحل مشكلة عالمية”.

وتحدث رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس الجمعة، إذ “ناقشا التحدّيات التي تفرضها المتحوّرة الجديدة لكوفيد-19 عالميًا، وطرق العمل معًا للتعامل مع السفر الدولي وإعادة فتحه”، وفق ما قال متحدّث باسم رئاسة الحكومة البريطانية.

ولم يسبق لأيّ متحوّرة جديدة أن أثارت هذا القدر من القلق حول العالم، منذ ظهور المتحوّرة دلتا.

ولحظر السفر نتائج مأساوية بجنوب أفريقيا؛ إذ يأتي قبل الصيف الجنوبي مباشرة وهو الوقت الذي تكون فيه حدائق الحياة البرية والفنادق ممتلئة عادة؛ حيث بدأ قطاع السياحة للتو يأمل في موسم عادي.

وقالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور -في بيان- “قلقنا الفوري هو الضرر الذي سيلحقه هذا القرار بقطاع السياحة والأعمال”.

أدت المخاوف من انتشار جديد لوباء كوفيد-19 إلى إرجاء المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية، وهو الأول لها منذ 4 سنوات. وكان يفترض أن يُشارك في المؤتمر 4 آلاف شخص من 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إلى الثالث من ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وبعد اجتماع طارئ أمس الجمعة، اتفق أعضاء منظمة التجارة العالمية -البالغ عددهم 164 عضوا- على تأجيل المؤتمر الوزاري الثاني عشر “إلى أجل غير مسمى”، في أعقاب انتشار المتحورة أوميكرون “التي دفعت حكومات كثيرة إلى فرض قيود مشددة على السفر، مما سيمنع العديد من الوزراء من التوجه إلى جنيف”، وفق ما قالت المنظمة.

وقالت المديرة العامة للمنظمة نغوزي أوكونجو-إيويالا “هذا لا يعني أن المفاوضات يجب أن تتوقف. بل، على العكس من ذلك”.

ويحاول العلماء بالفعل فهم هذه الطفرات الجديدة، وأعلنت مختبرات “مودرنا” (Moderna) أنها تخطط “لتطوير لقاح” ضد أوميكرون.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية أمس الجمعة إن الأمر سيستغرق “عدة أسابيع” لفهم قدرة الفيروس على الانتشار وشدته.

من جهتها، قالت الوكالة الأوروبية للأدوية إنه من “السابق لأوانه” التخطيط لتكييف اللقاحات مع متحورة أوميكرون.

حصل نحو 54% من سكان العالم على جرعة واحدة على الأقل من لقاح مضاد لكوفيد-19، لكن 5,6% فقط تلقوا التطعيم في البلدان المنخفضة الدخل، حسب موقع “آور ورلد إن داتا”.

المصدر : الجزيرة + وكالات + بي بي سي + غارديان + مواقع إلكترونية

————————-

أوميكرون.. 3 أسئلة مهمة حول السلاسة المتحورة الجديدة

النقطة التي تثير المخاوف أكثر من غيرها هي إمكانية نجاح أوميكرون في الهروب من مناعة الجسم

لا تمر بضعة أشهر حتى نسمع عن ظهور سلالة متحورة جديدة من فيروس كورونا، ورغم أن الكثير من هذه السلالات لم تكن خطيرة فإن البعض منها مثل دلتا كانت لها تبعات ملموسة على الوضع الصحي في العالم.

ويقول الدكتور أشيش كومار جا في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) الأميركية إن السلالة المتحورة الجديدة -التي تعرف لدى العلماء بالرمز “بي.1.1. 529” (B.1.1.529) والتي باتت تعرف الآن لدى الصحافة والرأي العام بتسمية المتحور أوميكرون يجب متابعتها بكل انتباه، لأنها قد تنتشر بسرعة تفوق سلالة دلتا، وربما تصيب حتى الملقحين، ولذلك من المهم جدا أن يتعامل قادة العالم بشكل سريع وحاسم مع كل البيانات المتوفرة حول انتشار أوميكرون.

وخلال الأيام المقبلة ومع ظهور تفاصيل جديدة حول هذه السلالة المتحورة سيكون من السهل أن ينقسم الناس بين الخوف المبالغ فيه أو عدم الاكتراث بشكل كلي، وفي الواقع لا يمكننا أن نستسلم لأحد هذين الخيارين، بل يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ كل سلالة ومعلومة جديدة على محمل الجد.

ويضيف الدكتور أشيش أن التحرك بشكل مبكر أفضل من الانتظار حتى الحصول على المعلومات الكاملة حول هذه السلالة الجديدة، وقد يتبين بعد فترة أنها ليست أسرع في الانتشار من سابقاتها، أو أنها تتأثر بشكل جيد باللقاحات التي تم توزيعها في وقت سابق.

ويرى أن حدوث هاتين الفرضيتين سوف يجعل البعض يقولون إن الإجراءات الاستباقية كانت مبالغا فيها وغير ضرورية.

لكن في الواقع يجب دوما التوقي من الفرضية الأسوأ، حيث إنه إذا تحققت أكبر مخاوف العلماء والأطباء وتبين أن السلالة المتحورة أوميكرون تنتشر بسرعة أكبر وتخترق نظام المناعة في الجسم فإن الانتظار إلى حين استكمال كل البيانات الضرورية حولها سوف يجعلنا متأخرين كثيرا في محاربتها.

للإجابة عن السؤال حول حجم القلق الذي يجب أن نشعر به تجاه أوميكرون، يقول الدكتور أشيش إن هناك 3 أسئلة أساسية تساعد العلماء على فهم التبعات المحتملة لكل سلالة يتم رصدها.

هل المتحور الجديد أكثر سرعة في الانتشار من السلالة السائدة حاليا وهي دلتا؟

إن البيانات الأولية المتوفرة حاليا تبدو مقلقة، حيث إن هذه السلالة الجديدة انتشرت بشكل سريع جدا في دولة جنوب أفريقيا، وباتت الآن تمثل أكثر من نصف العينات التي تم فحصها، وينظر العلماء حاليا في فرضيات أخرى، منها وجود متحور آخر مشابه لأوميكرون انتشر في الفترة السابقة، وأوحى بأن المتحور الجديد ينتشر بهذه السرعة الغريبة.

هل يمكن أن يتسبب أوميكرون في عدد أكبر من الحالات الحرجة؟

لا يزال الأطباء غير قادرين على الجزم حول هذا الأمر، لأن هذه السلالة بكل بساطة لا تزال جديدة، وسيتطلب هذا الأمر رصد ومتابعة الحالات التي يتم إيواؤها في المستشفيات، إلى جانب فحص عينات للتأكد من سلالة الفيروس داخل جنوب أفريقيا وفي دول أخرى معنية بهذه المراقبة.

هل ستكون الدفاعات المناعية في الجسم عاجزة عن مواجهة أوميكرون حتى بعد الحصول على اللقاح أو التعافي من إصابة سابقة؟

النقطة التي تثير المخاوف أكثر من غيرها هي إمكانية نجاح أوميكرون في الهروب من مناعة الجسم، وللتوضيح، فإن العلماء يستبعدون بشكل كبير أن تفقد اللقاحات السابقة فاعليتها بشكل كلي أمام هذه السلالة الجديدة، وفي الوقت الحالي لا توجد بيانات كافية لتحديد مدى قدرة اللقاحات على التصدي لأوميكرون، ولكن هناك سبب يدعو للقلق.

وبحسب الدكتور أشيش، فإن هذا السبب هو العدد الكبير للطفرات الي حدثت داخل هذه السلالة، وبالتحديد في بروتين سبايك الذي يلتصق به الفيروس للدخول للخلايا البشرية، وأي تأثير لهذه الطفرات على فاعلية اللقاحات سوف يجعل المجتمعات أكثر عرضة لانتشار العدوى وتكاثر الحالات الحرجة في المستشفيات، وستصعب عملية احتواء الفيروس.

وأشار إلى أن الإجراءات التي سارعت الإدارة الأميركية لاتخاذها -مثل منع سفر القادمين من 8 بلدان أفريقية- يمكن أن تساهم في إبطاء انتشار الفيروس داخل الأراضي الأميركية، إلا أنها ترسل إشارات سلبية إلى دولة جنوب أفريقيا التي قامت بعمل جيد عندما تمكنت من رصد هذه السلالة الجديدة وقدمت المعلومات للمجتمع الدولي.

وينصح الدكتور أشيش باتخاذ إجراءات أخرى للاستعداد لانتشار محتمل لسلالة أوميكرون، منها دعم البحوث العلمية التي تجرى حاليا للإجابة عن الأسئلة الملحة حول هذه السلالة المتحورة، لأن هذا العمل سوف يمنح السلطات الصحية القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة، وينصح كذلك بتكثيف المراقبة الجينية للفيروس، لمعرفة كيفية تطوره بمرور الوقت وإبطاء انتشاره عند وصوله إلى بلد معين.

كما دعا أشيش القادة الأميركيين إلى الشروع في الحديث مع الشركات المصنعة للقاح حول إمكانية إنتاج لقاح جديد خاص بالسلالة المتحورة أوميكرون يتم توزيعها إذا أخذت الأمور منحى أكثر خطورة.

وفي الختام حث الدكتور أشيش الولايات المتحدة على قيادة الجهود العالمية الرامية لتمكين سكان القارة الأفريقية من الحصول على اللقاح.

المصدر : نيويورك تايمز

———————————–

مستشفيات دمشق متخمة بمصابي كورونا صحة عبد الرحمن خضر. العربي الجديد

تشهد المناطق السورية كلها موجة جديدة من الإصابات بكوفيد-19، لكنّ الوضع الأسوأ يُسجَّل في العاصمة دمشق، إذ امتلأت كلّ الأسرّة في الأقسام المخصّصة لكوفيد-19 في المستشفيات الحكومية. من جهتهم، يتوجّه الأغنياء إلى المستشفيات الخاصة التي تتقاضى مبالغ طائلة لا يستطيع تأمينها السوريون بمعظمهم. وتتزامن هذه الموجة مع اقتراب فصل الشتاء في سورية والذي تكثر فيه الأمراض التنفسية في الأساس، من قبيل الإنفلونزا التي غالباً ما يتمّ الخلط ما بين أعراضها وأعراض كوفيد-19 وتتمّ معالجتها أحياناً بالأدوات نفسها، وفي حالات معيّنة يحتاج المصاب بها إلى استشفاء ووصل بأجهزة التنفّس الصناعي.

أفادت الطبيبة سوسن علي الاستشارية في الأمراض التنفسية في مستشفى الأطفال الجامعي بدمشق في حديث إذاعي بأنّ إصابات عديدة رُصدت في صفوف الأطفال بالتهاب القصيبات الشعرية، خصوصاً في المدارس، الأمر الذي تسبّب في ضغط على مستشفيات العاصمة دمشق. وأشارت إلى أنّ أعراض المصابين به لا تقلّ خطورة عن الإصابة بكوفيد-19، والاستشفاء قد يستغرق وقتاً طويلاً. وأشارت علي إلى أنّ المستشفى يستقبل يومياً ما بين 10 و15 طفلاً فقط مصابين بكوفيد-19، إلى جانب عدد من المصابين بأمراض تنفسية أخرى. وفي أحيان كثيرة، تُستخدَم أقسام أخرى لمعالجة المصابين بكوفيد-19، كون المستشفى يحتوي 10 أسرّة مخصصة للأطفال موزّعة على غرفتَين، وهي ممتلئة بشكل كامل منذ أكثر من شهرَين. وتابعت علي أنّ ثمّة وفيات بين الأطفال بسبب فيروس كورونا الجديد، تُسجَّل في المستشفى بشكل أسبوعي، لافتة إلى أنّ المعدّات والأدوية متوفّرة ضمن الإمكانات، علماً أنّ ثمّة ضغطاً كبيراً على الكوادر الطبية.

من جهته، قال عضو الفريق الاستشاري لمكافحة فيروس كورونا الجديد التابع للنظام، نبوغ العوّا، إنّه في الوقت الحالي “نشهد هجوماً شرساً للفيروس التنفسي المخلوي البشري ولحالات التهاب القصيبات الشعرية، نتيجة الخلط بينه وبين إصابات كوفيد-19 في المدارس، في ظل غياب للإجراءات الاحترازيّة والوعي الصحي”. وأشار إلى أنّه “كان من المفترض على وزارة التربية التشديد أكثر على الناحية الصحية في المدارس، وإيجاد آليّة لمنع أيّ تلميذ تظهر عليه أعراض المرض من الدخول إلى حرم المدرسة”. وشدّد العوا على أنّ إصابة واحدة كفيلة بإصابة المدرسة بالكامل، لافتاً إلى أنّ خطورة الفيروس تطاول الأطفال والخدّج، لكنّه لا يسبّب وفيات إلّا في حال كان المريض يعاني من مشكلات صدريّة مزمنة أو حادة.

أحمد قويدر مواطن سوري توفيت والدته في أحد مستشفيات دمشق الخاصة، يقول لـ”العربي الجديد”: “عجزت عن تأمين سرير لوالدتي في المستشفيات الحكومية، فنقلتها إلى مستشفى خاص”. لكنّه يشير إلى أنّه لم يستطع إخراجها عندما توفيت “إلا بعد دفع نحو مليون ليرة سورية (نحو 2000 دولار أميركي) عن كلّ ليلة، ما عدا أثمان بعض الأدوية التي لم تكن متوفّرة واشتريتها على حسابي الخاص”. وبحسب قويدر، فإنّ “مصابين كثيرين باتوا يتلقّون العلاج في المنازل، وثمّة خوف بين الأهالي من ارتفاع أعداد الوفيات بين صفوف المصابين، خصوصاً أنّ كثيرين يتوفّون في منازلهم من دون أن تُدرَج أسماؤهم على قوائم المصابين لدى وزارة الصحة”. بالتالي، بالنسبة إليه، فإنّ “الأرقام التي يعلن عنها النظام للمصابين والمتوفين غير دقيقة، فهي أكبر من ذلك بكثير”.

ويكشف مصدر طبي من العاصمة دمشق لـ”العربي الجديد” أنّ “ثمّة نقصاً في أعداد المسحات المستخدمة في الكشف عن الإصابة بكوفيد-19″، مشيراً إلى أنّ “امتلاء الأسرّة أدّى إلى عزوف المصابين بالفيروس عن مراجعة المستشفيات، خوفاً من الإصابة بأمراض أخرى قد تكون أكثر خطورة، خصوصاً الفطر الأسود الذي بات يتفشّى في مناطق سيطرة النظام”. وبحسب المصدر نفسه، فإنّ “الإحصاءات المتعلقة بكورونا الصادرة عن وزارة الصحة غير دقيقة لسببَين. أوّلهما النقص الحاصل في المسحات، والثاني أنّها لا تشمل المصابين والمتوفين الذين لا يراجعون المراكز الطبية الحكومية”.

في السياق نفسه، قال مدير الهيئة العامة لمستشفى دمشق (المجتهد) أحمد عباس إنّ نسبة إشغال العناية المشدّدة ما زالت 99 في المائة، مشيراً إلى وجود 60 مصاباً بكوفيد-19 في المستشفى حالياً، من بينهم 16 مريضاً في العناية المركزة بالإضافة إلى 16 مريضاً في القسم المخصص للمصابين بالفطر الأسود. أضاف عباس في حديث إلى وكالة أنباء النظام الرسمية “سانا” أنّ الطاقة الاستيعابية لمستشفى دمشق المخصّص لمرضى كورونا تصل إلى 90 سرير عزل، من بينها 18 سرير عناية مركزة، لافتاً إلى أنّ المستشفى يستقبل حالياً الحالات المتوسطة والشديدة فقط.

——————————

=======================

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى