الناس

الأسد غارق في المصاعب الاقتصادية -مقالات مختارة-

صورة الرئيس المنهارة مع العملة/ قاسم البصري

ضمن الحزمة السادسة لقوائم الكيانات والأشخاص المشمولين بعقوبات قيصر، الصادرة نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، أضافت وزارة الخزانة الأميركية مصرف سوريا المركزي إلى القائمة، بعد خمسة شهور تقريباً على دخول الحزمة الأولى من العقوبات حيز التنفيذ في شهر حزيران (يونيو) من العام نفسه. وتلا ذلك، بعد شهر من صدور الحزمة الأخيرة للعقوبات، طَرحُ المصرف المركزي ورقة نقدية من فئة 5000 ليرة للتداول، بعد عامين من التأجيل بحسب المركزي، وهي المرة الثالثة التي يلجأ فيها النظام إلى طباعة عملة جديدة منذ بداية الثورة السورية، بعد أن طبع ورقة نقدية من فئة 2000 ليرة مرتين في العام 2017، فضلاً عن كميات جديدة من مختلف الوحدات النقدية في العام 2015.

يمكن لنا من خلال مراقبة سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء أن نلاحظ أنها «استطاعت امتصاص الأثر» الذي خلفته العقوبات على المركزي، فقد انخفض سعر صرفها من 2850 ليرة مقابل الدولار يوم الحادي والعشرين من شهر كانون الأول، وهو تاريخ إضافة المركزي إلى قائمة المشمولين بالعقوبات، إلى حدود 2900 ليرة سورية في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني، الموافق لإصدار الوحدة النقدية الجديدة، أي إنها استطاعت تقريباً استعادة ما خسرته بعد أيام من التذبذب صعوداً وهبوطاً بفعل الأثر النفسي لمعاقبة المركزي. ولكن، منذ ذلك الحين، واصلت الليرة خساراتها حتى اقتربت من 3600 ليرة مقابل الدولار الواحد في أسواق العاصمة دمشق، بحسب آخر نشرة صرف نشرها موقع الليرة اليوم ليل أمس الأربعاء.

قد توحي هذه الأرقام بأن الضرر الذي ألحقه طرح ورقة 5000 ليرة في الأسواق كان أشدّ على العملة السورية من الحزمة الأخيرة للعقوبات، غير أنّ ذلك ليس دقيقاً تماماً دون النظر إلى العوامل الأخرى. أولاً لأن تقدير أثر العقوبات غير ممكن على المدى القصير، وثانياً لأنّ معاقبة المركزي قد تكون هي ما دفعت نظام الأسد لإصدار ورقة 5000 ليرة في هذا التوقيت كاستجابة دفاعية ضدّ الأثر الذي قد تخلّفه العقوبات على المركزي، لا سيما أنّ الأخير كان يتردّد في طرحها للتداول على مدى عامين. هل كانت هذه الاستجابة الدفاعية الخطوة الأفضل للمركزي؟ أو، بالأحرى، هل من المنطقي أن يطرح النظام الورقة الجديدة في هذا التوقيت الصعب؟ ليس بالضرورة، ولكن ما هي الأدوات التي يمكن له اتخاذها في ظلّ إفلاسه وعدم قدرته على ضبط سعر الليرة؟ لم يجد النظام أمامه سوى طرح ورقة نقدية جديدة، دون أخذ مسألة التوقيت في الحسبان وعلى الرغم من التضخّم الذي سينتج عن ذلك. وعوضاً عن إجراءات نقدية، اكتفى بالتعويل على المزيد من التشديد على حركة القطع الأجنبي في الأسواق بواسطة الأجهزة الأمنية.

لقد استنفذ نظام الأسد كل الحلول التي من شأنها التخفيف من أزمته المالية، من طرح منشآت حكومية وقطاعات طاقية للاستثمار أمام روسيا وإيران، مروراً بسلب رجال المال المقربين منه أموالهم وأصولهم، ثمّ ما يتعلّق بموضوع بدلات الخدمة الإلزامية ووضع اليد على ممتلكات المتخلفين عن الدفع، فضلاً عن عشرات الأمثلة الأخرى. إذن ليس من السليم محاكمة مدى صواب الطريقة التي يدير بها النظام أزمته الاقتصادية أو يتجاوب من خلالها لما يعترضه، فهو يحاول فعل كل ما يمكنه دون القدرة، من ناحية الوقت والأدوات، على وضع استراتيجية واضحة يمكن أن تعود بنتائج إيجابية.

من نافل القول إنّ الشعب السوري أكثر تأثراً من نظام الأسد من العقوبات وإصدار الورقة النقدية الجديدة، ذلك أنّه لم يتبين حقاً أنّ بمقدور العقوبات أن تُجنّب الناس الجوع كما قال أصحابها والمتحمسون لها. والأهم من ذلك أنّ النظام لا يتورّع عن تجريب أي سياسات تمنع انهياره الاقتصادي التام، مهما كان أثرها سيئاً على الناس، فسياسات النظام جميعها تراعي بقاءه دون الناس، فهو يعي أنّ مَخرجاً للناس من أزمتهم يعني دخوله هو في أزمة تُملي عليه الرحيل، أو الدخول في عملية سياسية حقيقية تُفضي إلى رحيله. ويمكن الإشارة هنا إلى الأرقام التي نشرها مؤخراً مركز قاسيون للدراسات في دمشق، والتي تشير إلى أنّ الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص تحتاج اليوم إلى قرابة 732 ألف ليرة لتكون قادرةً على تحمّل تكاليف العيش، وهذا الرقم هو 15 ضعف متوسط الأجور في البلاد. لا يمكن للنظام، بأيّ شكل من الأشكال، تأمين احتياجات الناس المعيشية، وبالتالي فإن كل تركيزه اليوم ينصبّ على تأمين احتياجات بقائه هو نفسه، في مواجهة الناس والأزمة الاقتصادية على حدّ سواء.

هنا، ينبغي العودة للسؤال الرئيسي: هل وحدها ورقة الـ5000 قد رفعت معدلات التضخم وخفّضت القدرة الشرائية؟ لا شك أنها ساهمت، ولكن يجدر أيضاً حساب الأثر التراكمي للعقوبات والأثر التراكمي لانهيار الاقتصاد السوري التدريجي على مدى سنوات. في ظل حالة الانغلاق الذي يعيشه الملف السوري على الصعيد السياسي، ورفض نظام الأسد لكلّ الحلول، فهو يمضي في تعميق أزمة الناس وتعميق أزمته.

لقد وصل انهيار قدرة النظام النقدية إلى حدود عجزه عن تأمين مبلغ 1.2 مليون دولار لشراء لقاح كورونا من حليفه الروسي. العجز عن تأمين هذا المبلغ، المتواضع جداً قياساً بميزانيات الدول، مؤشر رهيب على مدى الانهيار غير المنظور في القدرة على تأمين مبالغ متواضعة من النقد الأجنبي، وتُظهر أيضاً العجز الاقتصادي الذي يعانيه النظام السوري، والذي يحاول مداراته وستره بشتى الأساليب. يظنّ النظام أنه قادر على العيش اقتصادياً طالما أنّه قادر على صرف الرواتب والأجور على جميع العاملين لدى الدولة، ولكنّ الأمور تتجه رويداً رويداً لأن يصبح صرف هذه الرواتب من عدمه سيّان في ظلّ تراجع قدرتها الشرائية إلى حدود كبيرة، وهو يدرك تماماً أنّ زيادة الأجور لن تؤدي إلا إلى مزيد من التضخم وضعف القدرة الشرائية. دخلنا العام 2020 بسعر دولار معادل لـ925 ليرة سورية، ثم دخلنا العام الحالي بسعر صرف قريب من 3000 ليرة مقابل الدولار، أي إنّ سعر الصرف انهار بمقدار 300% خلال عامٍ واحد. أما العام الحالي فسيكون أكثر كارثيةً من سابقه، ذلك أنّ جميع أسباب الانهيارات السابقة ما تزال موجودة، علاوةً على مسببات انهيار يومية متواصلة.

يدرك بشار الأسد، بحسب ما تسرّب من اجتماعه مع مجموعة كبيرة من الإعلاميين، حجم الأزمات المعيشية التي يواجهها ضحاياه الذين ما زالوا أحياء في مناطق سيطرته، ولكنّ المهمة الرئيسية بالنسبة له اليوم هي تمديد حكمه سنوات إضافية من خلال الانتخابات التي يخطط لإجرائها قبل منتصف العام الحالي. ولكن هل هو غير مهتم حقاً بالوضع المعيشي؟ لا يبدو أمر اهتمامه من عدمه تفصيلاً مهماً، لأنه فعلياً عاجز عن إحداث أي تغيير. ما بوسع الأسد فعله هو منع الناس من تنظيم احتجاجات على كارثية الوضع المعيشي باستخدام العنف المفرط، ولكن هل سيتحرك السوريون بعد كل الوحشية التي عاينوها خلال السنوات الماضية؟ يمكن لمتابع للأحاديث الدائرة في الشارع السوري أن يلاحظ أنّ النظام المُرعب خلال الأعوام الماضية لم يعد كذلك بالنسبة للجميع، أو لعلّ خشية الناس منه صارت أقل بكثير من السابق. اليوم يُشتَم بشار الأسد في أماكن عامة داخل مناطق سيطرته في الساحل السوري كما يُشتم أي شبيح آخر.

موقع الجمهورية

—————————–

الأسد غارق في المصاعب الاقتصادية

ترجمة أحمد عيشة

بعد عقدٍ من الحرب، أصبحت الأزمة الاقتصادية اليوم التهديد الأكبر للأسد. وفي لقاء حديث معه، لم يكن لديه حلول ملموسة للبؤس الشديد الذي يعانيه بلده

في لقاءٍ خاص مع صحفيين موالين للحكومة، سُئل بشار الأسد عن الانهيار الاقتصادي في سورية: انهيار العملة الذي أضرّ بالرواتب، والارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية، والنقص المزمن في الوقود والخبز؛ فردّ قائلًا، بحسب شخصَين على دراية بالمناقشة: “أعرفُ.. أعرفُ”.

ولكنّه لم يقدّم أي خطوة ملموسة لوقف تفاقم الأزمة سوى تعويم هذه الفكرة: “على القنوات التلفزيونية أن تلغي عروض الطبخ، حتى لا تضايق السوريين بصور من الطعام الذي لا يمكنهم الحصول عليه”.

بينما تلوح في الأفق الذكرى السنوية العاشرة للحرب الأهلية في سورية، لم تعد الفصائل المتمردة والقوى الأجنبية التي ما زالت تسيطر على مساحات واسعة من البلاد هي التهديدات الأكثر إلحاحًا التي يواجهها الأسد، بل الأزمة الاقتصادية الساحقة التي عرقلت إعادة بناء المدن المدمّرة، وأفقرت السكان، وتركت عددًا متزايدًا من السوريين يكافحون للحصول على ما يكفي من الغذاء.

إن اللقاء الخاص الذي عُقد مع الصحفيين السوريين، الشهر الماضي، ولم يُفصح عنه من قبل، قدّم نظرة نادرة بسيطة غير مفبركة عن زعيمٍ بدا بعيدًا عن مقاربة المخاوف الحقيقية التي تثير قلق شعبه، وعاجزًا عن القيام بأي شيء تجاهه. وعلمت صحيفة (نيويورك تايمز) بالاتصال بشخص مطّلع، ما حدث في ذلك اللقاء، وأكد أحد الحاضرين التفاصيل مباشرة.

حتى في حديثه الخاص، ظلّ الأسد متمسكًا بالتفاهات التي تميّز خطاباته العامة. كان يرتدي بدلة سوداء ويتحدث كأنه أستاذ، ألقى باللوم على مجموعة من القوى التي سببت ويلات سورية: “وحشية” الرأسمالية العالمية، و”غسيل الأدمغة” من قبل وسائل التواصل الاجتماعي، و”النيوليبرالية” المعرفة بصورة مبهمة التي كانت تقوض قيّم البلاد. وخوفًا من أن يقلق أحدٌ من الحضور، أكد للصحفيين أن سورية لن تصنع السلام مع إسرائيل، ولن تقنن زواج المثليين. وبالطبع، ليست هذه القضايا ما يُقلق معظم السوريين.

أنقاض على أطراف دمشق. أسهمت الأضرار الواسعة النطاق والتهجير بسبب الحرب في تفاقم المشكلات الاقتصادية للبلاد، صورة عمر صناديقي/ رويترز

الاقتصاد السوري أسوأ من أي وقت مضى منذ بدء الحرب في 2011. فقد وصلت الليرة السورية هذا الشهر إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، مقابل الدولار، في السوق السوداء، وأدى ذلك إلى انخفاض قيمة الرواتب وارتفاع تكلفة الواردات الصاروخي.

زادت أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف عن العام الماضي. وأكد برنامج الغذاء العالمي هذا الشهر أن 60 في المئة من السوريين، أو (12,4) مليون شخص، معرضون لخطر الجوع، وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق.

يكرس معظم السوريين الآن أيامهم لإيجاد الوقود لطهي الطعام وتدفئة منازلهم، والوقوف في طوابير طويلة للحصول على ربطة من الخبز المقنن. أما انقطاع التيار الكهربائي فهو مستمر، حيث تحصل بعض المناطق على بضع ساعات فقط من الكهرباء في اليوم، وهو لا يكفي الناس لشحن هواتفهم المحمولة إلا بصعوبة.

اضطرت النساء اليائسات إلى بيع شعرهن لإطعام أسرهن

في أحد صالونات تصفيف الشعر بالقرب من دمشق، قالت أمٌ لثلاثة أطفال (طلبت عدم الكشف عن هويتها، مثل آخرين قابلناهم في هذا المقال، خوفًا من الاعتقال): “كان عليّ أن أبيع شعري أو جسدي، فبعتُ شعري”. وقالت إن زوجها، وهو نجار، كان مريضًا ويعمل بشكل متقطع، وكانت بحاجة إلى وقود تدفئة للمنزل ومعاطف شتوية لأطفالها.

بمبلغ 55 دولارًا حصلت عليها مقابل شعرها، الذي سيستخدَم في صناعة الشعر المستعار (الوصلات)، اشترت غالونين من وقود التدفئة وملابس لأطفالها ودجاجة مشوية، وهي المرة الأولى التي تذوقتها أسرتها منذ ثلاثة أشهر. بعد ذلك، وطوال يومين، ظلّت تبكي من الخجل والعار.

يعني انخفاض العملة أن الأطباء يكسبون الآن ما يعادل أقلّ من 50 دولارًا في الشهر، حيث قال رئيس نقابة الأطباء، في الآونة الأخيرة، إن كثيرًا من الأطباء يسافرون إلى الخارج للعمل، إلى السودان والصومال، وهما من بين الدول النادرة التي تسمح بدخول سهل للسوريين، ولكن لا يتمتع أي منهما باقتصاد قوي. أصحاب المهن الآخرين يكسبون أقل من ذلك بكثير.

موسيقيّ من دمشق، قال: “إن شاغل الناس وهمّهم، أكثر من أي شيء آخر، هو الطعام والوقود. كلّ شيء باهظ الثمن بشكل غير عادي، والناس خائفون أن يتكلموا”.

الأسباب متعددة ومتداخلة: أضرار واسعة النطاق ونزوح من الحرب؛ وعقوبات غربية واسعة النطاق على حكومة الأسد وشركائه. انهيار مصرفي في لبنان المجاور، حيث كان الأثرياء السوريون يودعون أموالهم. وعمليات الإغلاق لمكافحة فيروس (كوفيد -19).

ليس أمام الأسد أيّ مخرج سهل. فمعظم حقول النفط في البلاد، ومعها جزء كبير من أراضيه الزراعية، تقع في الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه القوات التي يقودها الأكراد بدعم من الولايات المتحدة.

جنود أميركيون في دورية الأسبوع الماضي بالقرب من حقول النفط في شمال شرق سورية، صورة ديليل سليمان/ وكالة الصحافة الفرنسية – صور جيتي

استثمر أقرب حلفاء سورية، روسيا وإيران، بشكل كبير، لمساعدة الأسد في الفوز في الحرب، لكن كلتيهما تعانيان مشكلات اقتصادية خاصة بهما، ولا يمكنهما تقديم سوى القليل من المساعدة. تواصل روسيا تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لسورية، ولكن مساعداتها إنسانية محدودة.

ألكسندر إيفيموف، السفير الروسي في سورية، قال لوكالة الأنباء الروسية (ريا نوفوستي) هذا الشهر: “إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سورية اليوم صعب للغاية”. وأضاف أن إرسال الدعم كان “صعبًا للغاية”، لأن روسيا أيضًا كانت تعاني الوباء والعقوبات الغربية.

في الأسبوع الماضي، بعد أن اعتقلت السلطات السورية شابة إسرائيلية كانت تتجول في سورية، استخدمتها الحكومة السورية تلك القضية كورقة مساومة للحصول على إطلاق سراح راعيين سوريين، و (60) ألف جرعة من لقاح فيروس (كوفيد -19)، حيث دفعت إسرائيل مقابلها لروسيا (1,2) مليون دولار.

على الرغم من هذه المشكلات، لا يزال الأسد مسيطرًا. بعد ما يقرب من عقد من القتال، وصلت الحرب إلى طريق مسدود، حيث حوالي ثلثي البلاد ومعظم سكانها تحت حكم حكومة الأسد.

الآن، يتطلع الأسد إلى الأمام، على أمل أن يؤدي الفوز في انتخابات رئاسية زائفة هذا الربيع، إلى إقناع خصومه بالتخلي عن آمالهم في تغيير النظام والقبول به كزعيم أبدي لسورية. ولم يردَّ مكتبه على طلب للتعليق على هذا المقال، ومن ضمنه أسئلة حول لقائه بالصحفيين.

فرض تعتيم صارم على أي تلميح للمعارضة جزءٌ من إستراتيجية النظام

في الشهر الماضي، نشرت هالة الجرف، وهي مذيعة أخبار سابقة في التلفزيون الرسمي السوري، اقتباسًا من جان جاك روسو على (فيسبوك) ردًا على سؤال: “ما هي الأمة؟”، وكتبت: “في ما يتعلق بالثراء، لن يكون أي مواطن ثريًا لدرجة تمكنه من شراء مواطن آخر، ولا يوجد فقير لدرجة أنه يضطر إلى بيع نفسه” [وهو قول وارد في العقد الاجتماعي لروسو]. وعلى إثر ذلك؛ قُبض عليها بتهمة مخالفة قوانين “الجرائم الإلكترونية” في البلاد.

سوريون يتظاهرون ضد الأسد والانتخابات الرئاسية المقبلة في مدينة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون هذا الشهر. الصورة، عمر الحاج قدور/ وكالة الصحافة الفرنسية- صورة جيتي

كانت هناك لحظة من التوتر في اللقاء الخاص مع الصحفيين، عندما سأل أحدُهم الأسدَ: كيف سيتعامل الرئيس مع غضب مؤيديه بسبب بؤس الاقتصاد؟ فقاطعه مستشار رئاسي بغضب، لكن الأسد سمح للرجل بالتحدث، وأجاب بأنه كان على علم بآلام الناس. لكنه قدم تأكيدات غامضة فقط بأن الوضع سوف يتحسن، ولم يكن هناك خطط واضحة لمساعدته في القيام بذلك.

غالبًا ما تظهر أسماء، زوجة الأسد الأنيقة المولودة في بريطانيا، علنًا، للإيحاء بأن الحياة في سورية تسير بشكل طبيعي. وفي خطاب للمشاركين في مسابقة وطنية للعلوم، روّجت أسماء للتعليم عبر الإنترنت، قائلة إنه “يوفر الوقت والجهد والمال، فضلًا عن تحقيق العدالة”، ويمكن أن يجعل المعلومات “متاحة لجميع الطلاب في جميع المناطق”، وفقًا لوكالة الأخبار الحكومية. ولكنها لم تتطرق إلى كيفية دراسة الطلاب عبر الإنترنت، مع انقطاع التيار الكهربائي!

الأسد وزوجته أسماء يساعدان في زراعة الأشجار في الريف السوري، في كانون الأول/ ديسمبر. صورة سانا، عبر وكالة حماية البيئة

ليس بعيدًا عن قصر الأسد، يكسب أحد الرجال (وهو أبٌ لتسعة أطفال) ما يعادل 5 دولارات في اليوم، من بيع الخضار. حيث يضع صناديق من الباذنجان والبطاطا والتفاح على الأرض، ويبيعها ويكسب قوت عائلته حتى في أسوأ أعوام الحرب. قال الرجل إن أسعار المواد الغذائية ارتفعت العام الماضي بسرعة كبيرة، فصار ينوّع بضاعته لتغطية نفقاته؛ فصنع دبس الرمان والباذنجان المخلل، لكنه توقف عندما أصبح من الصعب جدًا الحصول على غاز للطهي. ولم يعد قادرًا على تحمّل تكاليف المدرسة، لذلك ترك اثنان من أبنائه المدرسة، وهاجر آخر إلى ألمانيا، وهو يرسل إلى أهله ما يكفي من المال لدفع الإيجار. ومع ذلك، فإن ابنًا آخر يقضي ثلاث إلى خمس ساعات يوميًا في الانتظار في طابور، للحصول على نصيب الأسرة من الخبز الرخيص المدعوم من الحكومة. وقال: حتى الكماليات البسيطة أصبحت نادرة. وأوضح: “قبل أسابيع قليلة، اشتريت دجاجة. أعدّت زوجتي منها ثلاث وجبات”.

السوريون الذين كانوا يُعدّون طبقة وسطى أصبحوا فقراء

وسيم، الذي يعمل في إحدى الوزارات الحكومية، قال إن راتبه وراتب وزوجته كانا يسمحان لأسرهم بسهولة بشراء الخبز والوقود وغاز الطهي والملابس، حتى قبل بضع أعوام، عندما سيطر جهاديو الدولة الإسلامية على مساحة من البلاد وكانت المعارك لا تزال مستعرة. لكن مع انهيار العملة، الذي بدأ في أواخر عام 2019، تضاءل دخلهم، وهو الأمر الذي أجبرهم على تناول طعام أبسط وشراء ملابس مستعملة. افتتح قبل زمن قريب متجرًا للعطور كان يديره، بعد أن ينهي وظيفته اليومية لزيادة دخله. ولكن هذا العمل لا يترك له الوقت الكافي للانتظار في طابور الخبز، لذلك يشتري الخبز غير المدعوم، وهو (6) أرغفة مقابل (35) سنتًا، بمعدل أغلى بستة أضعاف من الخبز العادي.

لقد تركته نضالاته يكفر بتركيز الحكومة على القضايا السياسية التي لا تؤثر في حياته اليومية، مثل النضال ضد إسرائيل. وقال: “نسمع يوميًا تصريحات من بشار الأسد وحكومته حول المقاومة والسيادة الوطنية. لكن الحكومة تغلق آذانها وعينيها عن أوجاعنا، ولا تبدي أي اهتمام بظروفنا المعيشية”.

اسم المقال الأصلي Having Won Syria’s War, al-Assad Is Mired in Economic Woes بعد أن ربح الحرب في سورية.. الأسد غارق في المصاعب الاقتصادية

الكاتب* بن هبارد وهويدا سعد،Ben Hubbard and Hwaida Saad

مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز،The New York Times، 23/2/2021

رابط المقال http://nyti.ms/3ko6k3h

ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

* بن هبارد: رئيس مكتب بيروت. أمضى أكثر من اثني عشر عامًا في العالم العربي، ومن ضمنها في سورية والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية ومصر واليمن. وهو مؤلف كتاب “محمد بن سلمان: صعود محمد بن سلمان إلى السلطة”.

مركز حرمون

———————————-

بعد أن انتصر في الحرب السورية، الأسد غارق في المشاكل الاقتصادية

ترجمة د/راتب شعبو

في لقاء خاص مع صحفيين موالين للحكومة، سُئل الأسد عن الانهيار الاقتصادي في سوريا: انهيار العملة الذي أضر بالرواتب، وعن الارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية والنقص المزمن في الوقود والخبز.

فأجاب، بحسب شخصين على دراية بالموضوع: “أعلم“. “أنا أعرف“.

لكن لم يكن لديه خطوات ملموسة يقدمها لوقف الأزمة سوى طرح هذه الفكرة: يجب على القنوات التلفزيونية إلغاء عروض الطهي حتى لا تغري السوريين بصور طعام ليس في مقدورهم الحصول عليه.

مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للحرب الأهلية في سوريا، فإن التهديدات المباشرة للسيد الأسد ليست فقط الفصائل المتمردة والقوى الأجنبية التي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد، بل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أعاقت إعادة إعمار المدن المدمرة، وأفقرت السكان، وتركت عددًا متزايدًا من السوريين يكافحون للحصول على ما يسد الرمق.

الاجتماع الخاص للأسد مع الصحفيين السوريين الشهر الماضي، والذي لم يتم الإبلاغ عنه من قبل، قدّم نظرة نادرة غير مألوفة لقائد بدا منفصلاً عن المخاوف الحقيقية التي تزعج شعبه وعاجزًا عن فعل أي شيء حيالها. علمت صحيفة نيويورك تايمز بما دار في الاجتماع من شخص كان قد أطلع على مجريات الاجتماع من قبل العديد من الصحفيين، كما تم تأكيد التفاصيل من قبل أحد الذين حضروا الاجتماع.

حتى في أحاديثه الخاصة، ظل الأسد متمسكًا بالتفاهات التي تميز خطاباته العامة. كان يرتدي بدلة سوداء ويتحدث بهيئة رسمية، فألقى باللوم على مجموعة من القوى تسببت في ويلات سوريا: “وحشية” الرأسمالية العالمية، و“غسيل الدماغ” بسبب وسائل التواصل الاجتماعي و“النيوليبرالية” الغائمة التي تقوض قيم البلاد.

ولكي لا يقلق أحد، أكد للصحفيين أن سوريا لن تصنع السلام مع إسرائيل أو تقبل زواج المثليين. ولكن ليست هذه هي القضايا التي يقلق معظم السوريين بشأنها اليوم.

يمر الاقتصاد السوري بأسوأ أحواله منذ بدء الحرب في عام 2011. فقد وصلت الليرة السورية هذا الشهر إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار في السوق السوداء، مما أدى إلى انخفاض قيمة الرواتب وارتفاع تكلفة الواردات. زادت أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف في العام الماضي. وقد حذر برنامج الغذاء العالمي هذا الشهر من أن 60٪ من السوريين، أي 12.4 مليون شخص، معرضون لخطر الجوع، وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق.

يكرس معظم السوريين الآن وقتهم لإيجاد الوقود لطهي الطعام ولتدفئة منازلهم، والوقوف في طوابير طويلة للحصول على الخبز. انقطاع التيار الكهربائي مستمر، حيث تحصل بعض المناطق على بضع ساعات فقط من الكهرباء في اليوم، وهذا يكفي بالكاد لشحن الهواتف المحمولة.

اضطرت النساء اليائسات إلى بيع شعرهن لإطعام أسرهن. قالت أم لثلاثة أطفال مؤخراً في صالون لتصفيف الشعر بالقرب من دمشق، بعد أن اشترطت عدم الكشف عن هويتها، مثل آخرين تمت مقابلتهم في هذا المقال، وذلك خوفاً من الاعتقال: “كان علي أن أبيع شعري أو جسدي“. قالت إن زوجها، وهو نجار، مريض ويعمل بشكل متقطع، وأنها كانت بحاجة إلى مازوت لتدفئة المنزل ومعاطف شتوية لأطفالها. وقد اشترت بالمبلغ (55 دولاراً) الذي حصلت عليها مقابل شعرها، والذي سيستخدم في صنع الشعر المستعار، جالونين مازوت وملابس لأطفالها ودجاجة مشوية، وهي المرة الأولى التي تتذوقها أسرتها منذ ثلاثة أشهر. بكت هذه السيدة من العار لمدة يومين بعد ذلك.

انخفاض العملة يعني أن الأطباء يكسبون الآن أقل من 50 دولاراً في الشهر. وقد صرح رئيس نقابة الأطباء، مؤخراً، إن الكثير من الأطباء يسافرون إلى الخارج للعمل، إلى السودان والصومال، لأنهما من بين الدول النادرة التي تسمح بدخول السوريين، لكن اقتصاد هاتين الدولتين ضعيف.

المهنيون الآخرون يكسبون أقل بكثير. قال موسيقي من دمشق: “ما يهم الناس، أكثر من أي شيء آخر، هو الطعام والوقود“. “كل شيء باهظ الثمن بشكل غير عادي والناس يخافنون أ، يتكلموا“.

الأسباب متعددة ومتداخلة: الدمار والنزوح والعقوبات وانهيار النظام المصرفي في لبنان المجاور، حيث كان يحتفظ الأثرياء السوريون بأموالهم، وعمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا.

ليس أمام الأسد مخرج سهل. معظم حقول النفط في البلاد ومعظم أراضيها الزراعية تقع في الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه القوات التي يقودها الأكراد بدعم من الولايات المتحدة.

عمل حلفاء سوريا، روسيا وإيران، الكثير لمساعدة الأسد على الفوز في الحرب، لكن كلاهما يعاني من مشاكل اقتصادية خاصة بهما ويمكنهما تقديم القليل من المساعدة. روسيا تستمر في تقديم مساعدات عسكرية كبيرة لسوريا ولكن مساعداتها الإنسانية محدودة.

صرح السفير الروسي في سوريا ألكسندر إيفيموف لوكالة الأنباء الروسية ريا نوفوستي هذا الشهر إن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم صعب للغاية“. لكنه قال إن تقديم الدعم “صعب للغاية” لأن روسيا أيضاً تعاني من الوباء ومن العقوبات الغربية.

في الأسبوع الماضي، بعد أن اعتقلت شابة إسرائيلية كانت تتجول في سوريا، ساومت الحكومة السورية على إطلاق سراح راعيين سوريين و60 ألف جرعة من لقاح فيروس كورونا، كما دفعت إسرائيل لروسيا 1.2 مليون دولار مقابل ذلك.

على الرغم من هذه المشاكل، لا يزال الأسد مستمراً. بعد ما يقرب من عقد من القتال، وصلت الحرب إلى طريق مسدود، حيث يعيش حوالي ثلثي البلاد ومعظم سكانها تحت حكومة الأسد. وهو الآن يتطلع إلى الأمام، على أمل أن يؤدي الفوز في انتخابات رئاسية زائفة هذا الربيع إلى إقناع خصومه بالتخلي عن آمالهم في تغيير النظام وقبوله كزعيم لسوريا الآن وفي المستقبل.

لم يرد مكتب الأسد على طلب للتعليق على هذا المقال، ولم يرد على أسئلة حول لقائه بالصحفيين. المثابرة على عدم التلميح للمعارضة هو جزء من استراتيجية الأسد.

في الشهر الماضي، نشرت هالة الجرف، زهي مذيعة أخبار سابقة في التلفزيون الرسمي السوري، اقتباسًا من جان جاك روسو على فيسبوك ردًا على سؤال “ما هي الأمة؟” وكتبت: “فيما يتعلق بالثراء، لا ينبغي لأي مواطن أن يكون ثريًا بما يكفي لشراء آخر، ولا أن يكون فقيراً بما يكفي ليضطر إلى بيع نفسه“. على إثر ذلك تم القبض عليها لمخالفتها قوانين “الجرائم الإلكترونية” في البلاد.

كانت هناك لحظة من التوتر في الاجتماع الخاص مع الصحفيين عندما سأل أحدهم كيف سيتعامل الرئيس مع الغضب بين مؤيديه بسبب الاقتصاد السيئ. قاطعه مستشار رئاسي بغضب، لكن السيد الأسد سمح للرجل بالتحدث وأجاب بأنه على علم بآلام الناس. لكنه قدم تأكيدات غامضة فقط بأن الوضع سوف يتحسن، دون أن يقدم خططاً واضحة تساعد على ذلك.

غالبًا ما تظهر زوجة الأسد الأنيقة المولودة في بريطانيا، أسماء، علناً في إشارة إلى أن الحياة في سوريا تسير بشكل طبيعي. وقد روجت مؤخرًا أمام المشاركين في مسابقة وطنية للعلوم، للتعليم عبر الإنترنت، قائلة إنه “يوفر الوقت والجهد والمال، فضلاً عن تحقيق العدالة” ويمكن أن يجعل المعلومات “متاحة لجميع الطلاب في جميع المناطق“، كما ذكرت وكالات الأنباء الحكومية. لكنها لم توضح كيف يمكن للطلاب الدراسة عبر الإنترنت دون كهرباء.

ليس بعيدًا عن قصر الأسد، يكسب أب لتسعة أطفال ما يعادل 5 دولارات في اليوم من بيع الخضار. من بسطة فقيرة عليها صناديق مليئة بالباذنجان والبطاطا والتفاح كان يعيل عائلته حتى خلال أسوأ سنوات الحرب. لكنه قال إنه خلال العام الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسرعة كبيرة لدرجة أنه قام بتنويع عروضه لتغطية نفقاته. لقد صنع دبس الرمان ومخلل الباذنجان، لكنه توقف عندما أصبح من الصعب جدًا الحصول على غاز للطهي. إنه اليوم غير قادر على تحمل الرسوم المدرسية. اثنان من أبنائه تركا المدرسة، وهاجر آخر إلى ألمانيا وصار يرسل لهم ما يكفي من المال لدفع الإيجار. ومع ذلك، فإن ابناً آخر يقضي ثلاث إلى خمس ساعات يومياً منتظراً في طابور للحصول على نصيب الأسرة من الخبز الرخيص والمدعوم من الحكومة. وأضاف إنه حتى الرفاهيات البسيطة أصبحت نادرة.

قال: “قبل أسابيع قليلة اشتريت دجاجة“. “أعدت زوجتي منها ثلاث وجبات“.

لقد أصبح السوريون الذين كانوا يعتبرون من الطبقة المتوسطة فقراء.

وسيم، الذي يعمل في وزارة حكومية، قال إن راتبه مع راتب زوجته كان يكفي لشراء الخبز والوقود وغاز الطهي والملابس، حتى في السنوات التي سيطر فيها جهاديو الدولة الإسلامية على مساحة من البلاد. وكانت المعارك لا تزال مستعرة. لكن مع انهيار العملة، الذي بدأ في أواخر عام 2019، تضاءل دخلهم، مما أجبرهم على تناول طعام أبسط وشراء ملابس مستعملة. افتتح مؤخرًا متجرًا للعطور يديره بعد دوامه في الوظيفة لزيادة دخله. فلا يبقى لديه الوقت للانتظار في طابور للحصول على الخبز، لذلك يشتري الخبز غير المدعوم (35 سنتًا للكيس المكون من ستة أرغفة)، وهو أغلى بست مرات.

حاله هذا جعله يكره تركيز حكومته على القضايا السياسية التي لا تؤثر على حياته اليومية، مثل النضال ضد إسرائيل، ويقول: “نسمع يوميا تصريحات من الرئيس بشار الأسد وحكومته حول المقاومة والسيادة الوطنية“، مضيفاً، “لكن الحكومة أغلقت آذانها وعينيها ولا تبدي أي اهتمام بظروفنا المعيشية“.

Having Won Syria’s War, al-Assad Is Mired in Economic Woes – The New York Times (nytimes.com)

مقال مترجم عن نيويورك تايمز

موقع نواة

———————————-

لغزدولار الحوالاتفي سوريا/ إياد الجعفري

فيما يواصل سعر صرف الليرة السورية انهياره المتواصل، ليلامس عتبة 3600 لكل دولار أمريكي، مساء الأربعاء، وهو أدنى سعر في تاريخ الليرة على الإطلاق، تظهر تبعات هذا الانهيار بشكل متسارع على القدرة الشرائية لدخول السوريين المتهاوية، بصورة كارثية، وسط تساؤل ملحّ، يصعب أن تجد إجابة مقنعة بخصوصه: لماذا لا ترفع سلطات النظام سعر صرف “دولار الحوالات” عبر القنوات الرسمية والمُرخّصة؟

ذلك أن دخول الدولار عبر القنوات المُرخّصة، قد يعني زيادة عرض العملة الصعبة في السوق السورية، مما قد ينعكس تحسناً في سعر صرف الليرة، أو على الأقل، لجماً لتدهورها. ناهيك عن أن دخول الحوالات عبر القنوات المُرخّصة، الخاضعة لسيطرة مصرف سورية المركزي، سيتيح للأخير، أن يرمم الاستنزاف من العملة الصعبة في خزينته، إن اعتمد استراتيجية الاستئثار بالدولارات القادمة ضمن الحوالات، ومنح أصحابها ما يعادلها بالليرة السورية. وسيكون أصحاب تلك الحوالات راضين جداً، بإجراء المركزي، إن منحهم قيم حوالاتهم، بالليرة السورية، وفق سعر الصرف الرائج في السوق. وبذلك تتحقق مصلحة الطرفين، المركزي، والمواطن السوري المكلوم، الذي يعيش على ما يرسله له قريبه المُغترب أو المُهجّر.

لكن المركزي اعتمد بدلاً من ذلك، وعلى مدار معظم السنوات الثماني الماضية، سياسة غريبة، تقوم على فرض سعر صرف رسمي لـ “دولار الحوالات” يقلّ كثيراً عن سعر الصرف الحقيقي، الأمر الذي أدى إلى نشوء سوق سوداء قوية، توسعت على مدار السنوات الفائتة، لتستحوذ على معظم القطع الأجنبي المحوّل إلى سوريا. أضرّت هذه السياسة بطرفين، المركزي الذي خسر القطع الأجنبي المتأتي عن الحوالات الخارجية، وأصحاب الحوالات الذين يخضعون لابتزاز سماسرة السوق السوداء، ويحصلون على دولاراتهم بسعر صرف أقل من السعر الحقيقي، لكنه أفضل بكثير من السعر الرسمي.

وللتوضيح كمثال. يحدد المركزي منذ حزيران/يونيو الفائت، السعر الرسمي لصرف “دولار الحوالات”، بـ 1250 ليرة. أي ما يعادل 35% من قيمة الدولار الحقيقية في السوق، التي لامست الـ 3600 ليرة، مساء الأربعاء. فيما تُسلّم قنوات “السوق السوداء” “دولار الحوالات” الواحد، بأسعار تتراوح ما بين 3250 و3470 و3500 ليرة، وفق مصادر تحدثنا إليها، مساء يوم الأربعاء. أي أن سماسرة الحوالات في السوق السوداء السورية، يربحون في كل دولار واحد ما بين 100 إلى 350 ليرة سورية.

بينما يندر أن تجد من يحوّل مثلاً عبر “ويسترن يونيون”، الشركة العالمية المُرخصة في الداخل السوري، والتي تصرف “دولار الحوالات” بالسعر الرسمي، أي بـ 1250 ليرة لكل دولار. وهي الشركة التي يستفيد المركزي من الحوالات المرسلة عبرها، إذ يحصل على الدولارات مقابل أن يحصل أصحاب الحوالات على قيم حوالاتهم بالليرة السورية. فلماذا لا يرفع المركزي السعر الرسمي لـ “دولار الحوالات” ليصبح مثلاً بـ 3400 ليرة، على أن يتم تسليمها بالليرة عبر مكاتب شركة “ويسترن يونيون”؟ هكذا إجراء سيؤدي بطبيعة الحال، إلى تحول جزء كبير من أصحاب الحوالات، إلى التحويل عبر الشركة المشار إليها، وهو ما سيصب في مصلحة المركزي، فلماذا لا يقوم المركزي بذلك؟، ولماذا يصرّ منذ سنوات على استراتيجية اعتماد سعر رسمي لـ “دولار الحوالات” أقل بكثير من سعر الصرف الحقيقي؟

على هذا السؤال، الذي يبدو أشبه باللغز، تجد الكثير من الأجوبة، يقابلها الكثير من علامات الاستفهام، والتعجب أيضاً.

إحدى أشهر الأجوبة، تلك التي وردت على لسان الدكتور عابد فضيلة، رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، الخاضعة للنظام، والذي قال في حديث صحافي مع إذاعة “ميلودي إف إم”، الثلاثاء، بهذا الخصوص، إن المركزي يخشى إِذا رفع “دولار الحوالات” أن يرفع تجار السوق السوداء أسعارهم بالمقابل، وأن يضاربوا عليه، للاستحواذ على القطع الأجنبي المتأتي من الحوالات الخارجية. وهي الإجابة التي لطالما مررها مسؤولون محسوبون على النظام، طوال السنوات الفائتة. فالاعتراف بالسعر الحقيقي للصرف، ستكون كلفته أكبر من عائد تحصيل القطع الأجنبي المتأتي عن الحوالات. وتبدو هذه القناعة أشبه بالنظرية، التي لم تثبت صحتها على صعيد التطبيق العملي، في الحالات المشابهة. فمثلاً، في مصر، وعشية تعويم الجنيه المصري، في خريف 2016، كان هناك سعران لصرف الدولار مقابل الجنيه، سعر في السوق السوداء، وآخر أقل من نصف قيمته لدى الجهات الرسمية وتلك الخاضعة لها كالبنوك. وحينما تم تعويم الجنيه، ورُفع السعر الرسمي إلى حوالي الضعف، وتمت إتاحة المجال لبيع الدولار عبر البنوك ومكاتب الصرافة، من دون قيود معقّدة، اختفت بشكل شبه كامل، السوق السوداء، وتوحّد سعر الصرف. وبغض النظر عن الآثار السلبية لخطوة تعويم الجنيه المصري على القدرة الشرائية للمصريين، يبقى أن وجود سعرين للصرف، رسمي منخفض وآخر أعلى منه في السوق السوداء، حالة مشوهة، لا يمكن البناء عليها أبداً في أي مسعى للإصلاح الاقتصادي. التجربة ذاتها تكررت قبل أيام فقط، حينما اعتمدت الحكومة السودانية سياسة تعويم مُدار للجنيه السوداني، فأتاحت بيعه عبر المصارف، بسعر يقارب السعر الرائج في السوق السوداء، حيث قفز السعر الرسمي حوالي 7 أضعاف. وحتى ساعة كتابة هذه السطور، تؤشر النتائج الأولية، إلى تضعضع السوق السوداء، وربما اختفائها.

وبالعودة إلى الحالة السورية، قد تجد إجابة أخرى يقدمها القائلون بها بوصفها تفسيراً لإصرار المركزي بدمشق على الإبقاء على “دولار حوالات” رسمي منخفض للغاية. وهي أن “قانون قيصر” سيعيق أي حوالات بالقطع الأجنبي، ويمنعها من الدخول إلى سوريا. وبالتالي، نعود إلى المعادلة السابقة، وهي أن تكلفة الاعتراف بسعر الصرف الحقيقي، أعلى من عائد الحصول على القطع الأجنبي المتأتي من الحوالات. وهي أيضاً نظرية من غير المفهوم كيف تم تبنيها. إذ أن الشركة العالمية الوحيدة المُعتمدة في مناطق سيطرة النظام، والتي تعمل في مجال الحوالات المالية من مختلف دول العالم – ويسترن يونيون- هي شركة أمريكية. ولا توجد أية قيود على عملها، سوى القيد الذي يضعه المركزي ذاته، والذي يجبر الشركة على تسليم الحوالات بسعر الصرف الرسمي المنخفض للغاية. وحتى الآن، لا توجد قيود مفروضة على الحوالات المالية إلى سوريا، ضمن حِزَم قانون “قيصر” المُعتمدة.

لكن هناك إجابة ثالثة، حيال لغز “دولار الحوالات” الرسمي المنخفض للغاية، وإصرار المركزي عليه. إجابة قد تختصر المشهد في سوريا. إذ يقول العارفون بنشاط السوق السوداء، إن متنفذين ورجال مخابرات وشبيحة كبار، ينشطون في هذه السوق، التي تُدير أكبر القطاعات الخدمية في سوريا اليوم. فالاقتصاد السوري المتهاوي، بزراعته المنهارة، وصناعته المدمرة، وخدماته المُهشّمة، لم يبق فيه نشاط يستحق الاستثمار، حقاً، إلا المتاجرة بالعملة، وتمرير الحوالات والقطع الأجنبي مقابل عمولة. ذلك القطاع، وفق أولئك العارفين بهذه السوق، حسب وصف “عابد فضيلة” نفسه، يمثّل نشاطاً بملايين من الدولارات يومياً. ووفق تصريحات قديمة لحاكم مصرف سورية المركزي، الأسبق، أديب ميالة، فإن حصيلة الحوالات اليومية، كانت تتراوح ما بين 3 إلى 7 ملايين دولار. أي بحد أدنى، حوالي 100 مليون دولار شهرياً. أي ما يعادل 1.2 مليار دولار سنوياً. إنه قطاع مثمر للغاية، فكيف نريد من أصحاب القرار الحقيقي من المتنفذين داخل أروقة النظام، بأن يسمحوا للمركزي بالاستحواذ عليه؟ ببساطة، لغز “دولار الحوالات” يعلم إجابته، أصحاب القرار الحقيقي من المتنفذين داخل أروقة النظام، أولئك الذين يستثمرون بموارد السوريين، وأموالهم، وعلى حسابهم. أما أن يحلّق سعر صرف الدولار فتحلّق معه الأسعار، وتُلهب جيوب المُلتاعين من هذا الشعب.. فهذا آخر هموم مالكي جواب هذا اللغز. لغز “دولار الحوالات”، العصيّ على الفهم.

المدن

————————————

«نيويورك تايمز»: هكذا تحولت الأزمات الاقتصادية في سوريا إلى شوكة في ظهر الأسد

بعد عقد من الحرب السورية، أصبحت الأزمة الاقتصادية في سوريا التهديد الأكبر الذي يواجه الرئيس السوري بشار الأسد الآن، لكن اجتماعه الأخير كشف أنه لا يملك حلولًا ملموسة لمحنة بلاده القاسية، حسب ما خلص إليه تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أعدَّه الصحفيان بن هوبارد وهويدا سعد.

في البداية استعرض الصحفيان ما دار في لقاء خاص للرئيس السوري بشار الأسد مع صحفيين موالين للحكومة، إذ سُئل الرئيس السوري عن الانهيار الاقتصادي في سوريا، والذي عكسه انهيار العملة الذي أضرَّ بالرواتب، والارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية، والنقص المزمن في الوقود والخبز.

وردَّ الأسد: «أعرف»، وفقًا لشخصين مطلعين على المناقشة. لكنه لم يقدِّم خطوات ملموسة لحل الأزمة بخلاف الطرح الآتي: يتعين على القنوات التلفزيونية إلغاء برامج الطبخ حتى لا تضايق السوريين بصور أطعمة لا قِبَل لهم بها.

اقتصاد الناس

الأزمات الاقتصادية.. التهديد الحقيقي

ووفقًا للتقرير، مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للحرب الأهلية في سوريا، لم تعد الفصائل المتمردة والقوى الأجنبية التي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد هي التهديد المباشر للأسد. لكن الأزمة الاقتصادية الطاحنة هي التي أعاقت إعادة إعمار المدن المدمرة، وأفقرَت السكان، وتركت عددًا متزايدًا من السوريين يكافحون لنيَل ما يَسُدُّون به رَمَقَهُم.

ولفت التقرير إلى أن الاجتماع الخاص مع الصحفيين السوريين الشهر الماضي، والذي لم يُعلن عنه من قبل، عرض نظرة نادرة غير مألوفة لقائد بدا منفصلًا عن المخاوف الحقيقية التي تقضُّ مضاجع شعبه وعاجزًا عن فعل أي شيء حيالها. وعلمت صحيفة «نيويورك تايمز» بالمناقشة من شخص أحاطه عديد من الصحفيين بالمناقشة، وأكد أحد الحاضرين التفاصيل مباشرة.

حتى في حديثه الخاص، لم يتخلَّ الأسد عن الأفكار المُبْتَذَلَة التي أضحت سمة لخطاباته العامة. ووقف الأسد مرتديًا بدلة سوداء مُتقمصًا شخصية المحاضر وألقى باللوم على مجموعة من القوى في الويلات التي تعانيها سوريا: «وحشية» الرأسمالية العالمية، و«غسيل الأدمغة» الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي و«الليبرالية الجديدة» التي تقوِّض قِيم البلاد.

وخوفًا من أن يتسلل القلق إلى أحد الحضور، أكَّد الأسد للصحفيين أن سوريا لن تصنع السلام مع إسرائيل أو تقنن زواج المثليين. لكن تلك القضايا ليست هي ما يشغل بالَ معظم السوريين.

سوريا وانهيار العملة

وأوضح التقرير أن اقتصاد سوريا بات أسوأ مما كان عليه منذ بدأت الحرب في عام 2011. وفي الشهر الجاري، بلغ الجنيه السوري أدنى مستوياته على الإطلاق مقابل الدولار في السوق السوداء، الأمر الذي أدَّى إلى انخفاض قيمة الرواتب وارتفاع تكاليف الواردات.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف في العام الماضي. وحذَّر برنامج الغذاء العالمي هذا الشهر من أن 60% من السوريين، أو 12.4 مليون شخص، معرَّضون لخطر الجوع، وهو أعلى رقم سُجل على الإطلاق.

ويُكرس معظم السوريين الآن أيامهم في السعي لإيجاد الوقود اللازم لطهي الطعام وتدفئة منازلهم، والوقوف في طوابير طويلة للحصول على خبز البيتا (الخبز السوري التقليدي). وأصبح انقطاع التيار الكهربائي أمرًا مألوفًا كل يوم، وتحصل بعض المناطق على التيار الكهربائي لبضع ساعات فقط في اليوم، وهو ما يكفي بالكاد لشحن الناس هواتفهم المحمولة.

مضطرة لبيع شعري أو جسدي

وألمح التقرير إلى أن بعض النساء اليائسات اضْطُررن إلى بيع شعرهنَّ لإطعام أسرهنَّ. وتقول أم لثلاثة أطفال مؤخرًا في صالون لتصفيف الشعر بالقرب من دمشق، شريطة عدم الكشف عن هويتها، مثل آخرين قابلتهم الصحيفة، خوفًا من الاعتقال: «كنتُ مضطرة لبيع شعري أو جسدي». وقالت إن زوجها، وهو نجَّار، كان يعاني المرض ويعمل من حين لآخر، وكانت بحاجة إلى وقود لتدفئة المنزل ومعاطف شتوية لأطفالها.

وقد اشترت السيدة، بمبلغ 55 دولارًا الذي حصلت عليه مقابل بيع شعرها الذي سيُستخدَم في صنع الشعر المستعار، جالونين من وقود التدفئة وملابس لأطفالها ودجاجة مشوية، وهي المرة الأولى التي تتذوق فيها أسرتها لحم الدجاج خلال ثلاثة أشهر.

وظلت السيدة تبكي من الشعور بالخجل (لأنها باعت شعرها) ليومين بعد ذلك.

ونوَّه التقرير إلى أن انخفاض العملة يعني أن الأطباء يكسبون الآن ما يعادل أقل من 50 دولارًا في الشهر. يقول رئيس نقابة الأطباء، مؤخرًا، إن أطباء كُثر يلجأون إلى السفر إلى الخارج للعمل، وتحديدًا إلى السودان والصومال، من بين الدول النادرة التي تسمح بسهولة بدخول السوريين، لكن اقتصادهما ضعيف. بينما يكسب المهنيون الآخرون أقل من الأطباء بكثير.

وقال أحد الموسيقيين من دمشق إن: «شُغل الناس الشاغل الآن هو الحصول على الطعام والوقود»، مضيفًا أن: «كل شيء أصبح باهظ الثمن على نحو غير عادي ويخشى الجميع من التفوُّه بكلمة».

أسباب عديدة

وأفاد التقرير أن أسباب ذلك متعددة ومتداخلة: الضرر الواسع النطاق والتشريد الناجم عن الحرب، وتشديد العقوبات الغربية على حكومة الأسد وشركائه، وانهيار مصرفين في لبنان المجاورة، حيث يحتفظ السوريون الأثرياء بأموالهم، والإغلاق المرتبط بمكافحة فيروس كورونا المستجد.

وليس أمام الأسد من مخرج سهل؛ إذ تقع معظم حقول النفط في البلاد وكثير من أراضيها الزراعية في المنطقة الشمالية الشرقية، التي تسيطر عليها قوات يقودها الأكراد مدعومة من الولايات المتحدة.

ولفت التقرير إلى أن أقرب حلفاء سوريا، روسيا وإيران، بذلا قصارى جهدِهما لمساعدة الأسد على الفوز بالحرب، ولكن كل منهما لديه مشاكله الاقتصادية الخاصة، ولا يستطيع أي منهما أن يقدم كثيرًا من المساعدة. وفي حين واصلت روسيا تقديم مساعدة عسكرية كبيرة إلى سوريا، كانت مساعداتها الإنسانية محدودة.

قال السفير الروسي في سوريا ألكسندر إيفيموف لوكالة الأنباء الروسية ريا نوفوستي هذا الشهر إن: «الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا اليوم صعب للغاية»، لكنه أكد أن إرسال الدعم بات «أصعب» لأن روسيا أيضًا، حسب ما ذكر، تعاني من جائحة كورونا والعقوبات الغربية.

وفي الأسبوع الماضي، بعد أن اعتُقِلت شابة إسرائيلية كانت تتجول في سوريا، استخدمتها الحكومة السورية ورقة مُساوَمة لتأمين إطلاق سراح راعيين سوريين والحصول على 60 ألف جرعة من لقاح فيروس كورونا، والتي دفعت إسرائيل مقابلها 1.2 مليون دولار لروسيا.

ورغم هذه المشاكل، لا يزال الأسد يُمسك بزمام الأمور في سوريا. وبعد ما يقرب من عقد من القتال، وصلت الحرب إلى طريق مسدود، مع حوالي ثلثي البلاد ومعظم سكانها تحت سيطرة حكومة الأسد نظريًّا.

والآن يتطلع الأسد إلى المستقبل، على أمل أن يؤدي الفوز في انتخابات رئاسية زائفة من المقرر عقدها هذا الربيع إلى إقناع خصومه بالتخلي عن الآمال في تغيير النظام وقبوله زعيمًا لسوريا الآن وفي المستقبل. ولم يرد مكتبه على طلب التعليق على هذا التقرير، بما في ذلك الأسئلة المتعلقة باجتماعه مع الصحفيين.

إستراتيجية الأسد

ويعتقد الكاتبان أن جزءًا من إستراتيجية الأسد تتمثل في كبح أي تلميح للمعارضة. وفي الشهر الماضي، نشرت هالة جرف، مذيعة أخبار سابقة في التلفزيون الرسمي السوري، اقتباسًا للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو على صفحتها على الفيسبوك ردًا على سؤال: «ما هو الوطن؟» وكتبت مقتبسة جواب روسو: «ألا يبلغ مواطن من الثراء ما يجعله قادرًا على شراء مواطن آخر، وألا يبلغ مواطن من الفقر ما يجعله مضطرًا لبيع نفسه!».

وأُلقِي القبض عليها لمخالفتها قوانين «الجرائم الإلكترونية» في البلاد.

وأضاف التقرير أن لحظة من التوتر سادت الاجتماع الخاص مع الصحفيين عندما سأل أحدهم كيفية تعامل الرئيس مع غضب مؤيديه بسبب تدهور الاقتصاد. وعلى الفور قاطعه مستشار رئاسي بغضب، ولكن الأسد سمح للصحفي بالكلام وأجاب بأنه يشعر بمعاناة الشعب. ولكنه لم يقدِّم سوى تطمينات غامضة بأن الوضع سوف يتحسن، ولم تكن هناك خطط واضحة لمساعدته على القيام بذلك.

وكثيرًا ما تظهر زوجة الأسد الأنيقة المولودة في بريطانيا، أسماء الأسد، علنًا في إشارة إلى أن الحياة في سوريا تسير على ما يرام. وخاطبت مؤخرًا المشاركين في مسابقة علمية وطنية، وروَّجت للتعلم عبر الإنترنت، قائلة إنه: «يوفر الوقت والجهد والمال، فضلًا عن تحقيق العدالة» وكذلك يتيح «المعرفة لجميع الطلاب في جميع المناطق»، وفقًا لما ذكرته دائرة الأنباء الحكومية. ولم تتطرق زوجة الأسد إلى كيفية دراسة الطلاب عبر الإنترنت في ظل انقطاع التيار الكهربائي.

فقر مدقع في سوريا

ويتابع التقرير: ليس بعيدًا عن قصر الأسد، يقف أب لتسعة أطفال في كشك بسيط يكسب منه ما يعادل 5 دولارات في اليوم من بيع الخضروات، ويقف وسط صناديق على الأرض مليئة بالباذنجان والبطاطس والتفاح.

لكنه قال إن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بسرعة كبيرة خلال العام الماضي لدرجة اضطرته إلى تنويع منتجاته لتغطية نفقاته. فقد صنع دبس الرمان ومخلل الباذنجان، لكنه توقف عندما أصبح من الصعب جدًّا الحصول على وقود الطهي.

وأوضح أنه لم يعد قادرًا على تحمل الرسوم المدرسية، لذلك توقف اثنان من أبنائه عن الدراسة، فيما هاجر ثالث إلى ألمانيا ليرسل إلى أبيه ما يكفي لدفع الإيجار. ومع ذلك، فإن ابنه الرابع يضطر لقضاء ما يتراوح من ثلاث إلى خمس ساعات يوميًّا منتظرًا في طابور طويل للحصول على حصة الأسرة من الخبز الرخيص المدعوم من الحكومة.

وقال: «حتى الكماليات البسيطة لم تعد متوافرة»، مضيفًا: «قبل أسابيع قليلة اشتريت دجاجة أعدَّت منها زوجتي ثلاث وجبات».

لقد تحول السوريون من الطبقة الوسطى إلى فقراء.

يقول وسيم، الذي يعمل في وزارة حكومية، إن راتبه بالإضافة إلى راتب زوجته كان يسمح لأسرتهم بتحمل نفقات الخبز والوقود وغاز الطهي والملابس، حتى قبل بضع سنوات عندما سيطر جهاديو الدولة الإسلامية على مساحة من البلاد. وكانت المعارك لا تزال مستعرة.

لكن مع انهيار العملة، الذي بدأ في أواخر عام 2019، تضاءل دخلهم، مما أجبرهم على تناول أطعمة أرخص وشراء ملابس مستعملة. وقد افتتح وسيم مؤخرًا متجرًا للعطور يديره عقب انتهاء عمله الحكومي لزيادة دخله. غير أن ذلك لا يمنحه وقتًا كافيًا للانتظار في طابور للحصول على الخبز، لذلك يضطر لشراء الخبز غير المدعوم والذي يزيد سعره ستة أضعاف عن الخبز المدعوم، 35 سنتًا لكيس من ستة أرغفة.

ولم تترك له معاناته من أجل لقمة العيش سوى القليل من الصبر على تركيز الحكومة على القضايا السياسية التي لا تؤثر في حياته اليومية، مثل النضال ضد إسرائيل.

وقال: «نسمع كل يوم تصريحات من الرئيس بشار الأسد وحكومته عن المقاومة والسيادة الوطنية. لكن ظروفنا المعيشية لم تجد من الحكومة سوى آذان صُمّ وأعين عمي ولم تبدِ أي اهتمام بنا وبأحوالنا»، حسب ما يختم التقرير.

كاتب: Ben Hubbard and Hwaida Saad

مصدر: Having Won Syria’s War, al-Assad Is Mired in Economic Woes

——————————-

هذا ما يجب أن يتضمنه قيصر2″!/ عدنان علي

تشير مصادر عدة في العاصمة الأميركية واشنطن الى أن “فريق عمل قيصر” يعمل على إعداد نسخة جديدة من قانون قيصر الذي بدأ العمل به في يونيو حزيران الماضي. وسيكون القانون الجديد باسم (قيصر2) حيث من المنتظر تقديمه إلى الكونغرس قريباً.

وحسب المصادر، فإن النسخة الجديدة التي تعكف لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري في الكونغرس على إعدادها، تتضمن مجموعة إجراءات لسد الثغرات في القانون السابق، مع الإشارة إلى وجود توافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن ضرورة تشديد العقوبات على النظام السوري وحلفائه سواء كانوا أفراداً أو كيانات.

وبالتزامن مع هذه التحضيرات، سوف يتم تنظيم لقاءين في مارس آذار المقبل، الأول على شكل طاولة مستديرة لمناقشة السياسة الأميركية العامة في سوريا، يشارك فيها مسؤولون ودبلوماسيون من بينهم فريد هوف، المبعوث الخاص إلى سوريا في عهد الرئيس باراك أوباما، ومديرة متحف المحرقة في واشنطن، إضافة إلى شخصيات من المعارضة السورية، على أن يرفع المشاركون توصيات بشأن سوريا الى الإدارة الأميركية والكونغرس. واللقاء الثاني سيُشارك فيه مسؤولون من الإدارة الأميركية، بينهم مستشار الأمن القومي جيك ساليفان، وسيركز على عمل فريق “قيصر”.

وكان ساليفان ووزير الخارجية أنطوني بلينكن، أكدا أن سياسة واشنطن تجاه سوريا ستكون مختلفة عن سياسة إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، والتي ساهمت بشكل كبير في مفاقمة الأوضاع في سوريا.

والواقع أن هذا الشعور السائد في واشنطن، وفي غيرها، بأن العقوبات السابقة التي تتراكم ضد النظام منذ عام 2012 سواء من جانب الولايات المتحدة أم الاتحاد الأوروبي، لم تؤت أُكُلها حتى الآن، هو ما يدفع إلى التفكير باتخاذ إجراءات أشد على أمل أن يؤدي ذلك إلى خنق النظام اقتصاديا، ومحاصرته سياسيا، ودفعه تاليا إلى الانهيار أو تقديم تنازلات سياسية، تسهم في الحل النهائي.

غير أن المتتبع لأثر هذه العقوبات على نظام الأسد، ولما شابهها من عقوبات على أنظمة أخرى مثل العراق في عهد صدام وعلى إيران وكوبا وكوريا الشمالية، لا بد أن يدرك أن العقوبات مهما اشتدت وتنوعت، غير كافية وحدها لإسقاط نظام ديكتاتوري، أو حتى دفعه إلى تغيير سلوكه بشكل جدي، خاصة حين يكون هذا النظام مدعوما من قوتين كبيرتين: دولية (روسيا) وإقليمية (إيران)، فضلا عن حماية نفسه بشبكة مافيوية أمنية طائفية واسعة داخليا وإقليميا، متشاركة معه في القمع والفساد.

وتطول العقوبات المفروضة حاليا على النظام السوري أكثر من نحو 300 مسؤول وأكثر من 70 كياناً تابعين للنظام، بمن فيهم رأس النظام وأفراد عائلته، ووزير خارجيته، لكن أثرها الملموس لم يظهر سوى على الشعب السوري في الداخل، بينما يزداد أمراء وأثرياء الحرب الممسكون بقوت الناس ثراءً، كما تواصل الآلة العسكرية والأمنية للنظام حروبها وقمعها على كل الجبهات.

ومن نافل القول إن النظام لا يعبأ بمعاناة شعبه مهما اشتدت، ويمكنه أن يقتطع دون أن يرف له جفن، اللقمة من فم الناس، لتأمين احتياجات آلته العسكرية، بل ومراكمة ثروات أتباعه داخل البلاد وخارجها، ثم الصراخ بأن العقوبات الدولية هي السبب في جوع الناس وحرمانهم من احتياجاتهم الأساسية.

يجب أن يشعر كل مسؤول فاعل في النظام بالخطر الشخصي عليه، لكي يفكر بالقفز من مركبة النظام

لا شك أن المطلوب هو التفكير بطريقة مختلفة لإيذاء النظام بشكل موجع، واستهداف رموزه بشكل مباشر، ليس اقتصاديا وسياسيا وحسب، بل جسديا أيضا، لأنهم ببساطة يستطيعون التملص من تبعات العقوبات أينما تكن، ولا يكترثون بمعاناة شعبهم. يجب أن يشعر كل مسؤول فاعل في النظام بالخطر الشخصي عليه، لكي يفكر بالقفز من مركبة النظام، بما في ذلك دراسة إمكانية استهداف بعض مسؤولي النظام من المتورطين بارتكاب جرائم حرب بشكل شخصي، على غرار استهداف قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وبعض قادة تنظيم “داعش” أو التنظيمات المتطرفة الأخرى في سوريا من جانب طائرات التحالف الدولي. وينبغي على الناشطين في الجالية السورية بالولايات المتحدة الدفع بهذا الاتجاه، ومحاولة تضمينه بالنسخة الجديدة من قانون “قيصر”. وبخلاف ذلك فان أية عقوبات جديدة مهما كانت قاسية، لن تسهم في ضعضعة النظام أو تغيير سلوكه، بل قد تسهم فقط في زيادة معاناة المواطنين السوريين.

والنقطة التي يجب أن تطرح هنا، لماذا يكون لمسؤولي النظام، خاصة المتورطين بجرائم حرب مثبتة، حصانة من الملاحقة والاستهداف؟ ما هي الحماية القانونية لهم، بينما هناك شبه إجماع دولي على تجريمهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية؟.

تلفزيون سوريا

————————-

أسواق سوريا فارغة والأسعار ملتهبة.هل منثورة اقتصادية؟/ عقيل حسين

لم يتردد أبو خالد، تاجر التجزئة الحلبي الذي يمتلك محلاً متوسطاً لبيع المواد الغذائية في سوق “جب القبة”، عن الإدلاء بشهادته حول الوضع الاقتصادي البائس في البلاد، والذي انعكس انخفاضاً حاداً على الحركة التجارية. وعلى الرغم من أنه طلب عدم التصريح بإسمه الحقيقي خشية انتقام النظام، إلا أنه كان متحمساً لقول الكثير.

ربما ساعد على ذلك خروج المشاهير من الفنانين والكتاب الموالين للنظام على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد مؤخراً للحديث عن الوضع المعيشي المتردي في مختلف أنحاء سوريا، مع الارتفاع الجنوني في الأسعار والانخفاض الحاد بقيمة الليرة، ما أدى إلى مستويات غير مسبوقة من التضخم، في ظل تزايد نسبة البطالة.

يعتقد الكثيرون أن النظام يتسامح عن عمد مع انتقاد الحالة الاقتصادية الصعبة من أجل تنفيس غضب السوريين، خشية أن يؤدي المزيد من التضييق والكبت إلى الانفجار، لكن هذا الانفجار الشعبي في مناطق سيطرته لا يبدو احتمالاً وارداً في الواقع، بالنظر إلى القبضة الأمنية المشددة من جهة، والإرهاق الذي نال من السوريين بعد عشر سنوات من الحرب التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة طاولت الجميع، وجعلت حتى المقيمين خارج مناطق سيطرته غير متحمسين لتنفيذ أي شكل من أشكال الاحتجاج.

لكن أبو خالد الذي تحدث إلى “المدن” الخميس، أكد “أن السوريين قد بدؤوا احتجاجاً من نوع خاص من خلال التوقف عن التوجه إلى الأسواق لشراء الحاجات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، لكن حتى هذه المواد بات المواطن يقتصد جداً في شرائها”.

ويضيف أنه “حتى الأمس القريب، ورغم المعاناة الشديدة، إلا أن الأمور بقيت في الحد الأدنى من المعقول، بحيث وفّر لي عملي في تجارة المواد الغذائية ما يكفي من الدخل لتأمين مصاريف عائلتي، أما حالياً، ومنذ شهر تقريباً، فقد انتقلت إلى مرحلة الخسارة بسبب الانخفاض الكبير جداً في حركة البيع، إلى درجة بات معها الاستمرار في فتح المتجر مع ما يتطلبه من مصاريف عمل خاسر بامتياز”.

وعن السبب الذي يدفعه لمواصلة العمل رغم ذلك، يقول أبو خالد: “أولاً الأمل في أن يكون كل يوم أفضل من سابقه، لكن السبب الأهم هو الخوف من اعتبار النظام أن الإغلاق هو نوع من الإضراب، وهذا الهاجس يسيطر على جميع من أعرفهم من التجار والبائعين، وبالتالي لا أعتقد أنه يمكن أن يحدث أي شكل من أشكال الإضراب”.

ورغم الانخفاض النسبي في سعر صرف الدولار الخميس في السوق السورية، مسجلاً 3800 ليرة، بعد كسر حاجز ال4000 ليرة بداية الأسبوع، إلا أن ذلك لا يُعتبر مؤشراً جيداً بالنسبة لتجار التجزئة. ويقول أبو خالد إن “التذبذب المستمر في سعر الصرف، وكذلك الانخفاض الضئيل الذي يسجل في بعض الأيام مقابل الارتفاع الحاد غالباً أرهق الجميع وتسبب بخسائر كبيرة لهم، ما أجبرهم على التوقف عن استجرار مواد جديدة لن يتمكنوا من بيعها غالباً”.

ولا تقّل معاناة سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة عن معاناة المقيمين في مناطق سيطرة النظام، فزيادة الأسعار لا يحكمها فقط عدم استقرار سعر صرف الدولار، حسب أبو فايز، النازح إلى مدينة إعزاز الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني شمال حلب، “بل إن تعدد السلطات وانتشار الحواجز التي تفرض الرسوم على نقل البضائع والمواد بين منطقة وأخرى، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود…، كلها عوامل تسهم في زيادة التكلفة التي يضيفها المنتج والتاجر على سعر المادة عند البيع، ما يرهق حتى الذين ما زال بإمكانهم الشراء، وهي فئة تتضاءل نسبتها بين السوريين باضطراد”، كما يقول.

وحتى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ورغم تفاوت درجة المعاناة نسبياً بينها، إلا أنه من غير المتوقع أن يكون هناك أي تحرك شعبي إحتجاجاً على هذا الواقع، كما يقول أبو فايز، وهو عاطل عن العمل منذ وصوله إلى هذه المدينة قبل ثلاثة أعوام مهجّراً من ريف حمص الشمالي، “بالنظر إلى شعور الجميع باليأس وعدم الجدوى” حسب وصفه.

أمر يتفق معه الخبير الاقتصادي أحمد عزوز، الذي اعتبر في تصريح ل”المدن”، أن “الأمر لا يمكن مقاربته وفق معادلات اقتصادية، فالسوريون اليوم أمام مشكلة سياسية أمنية متجذرة، وهي بحاجة إلى حل جذري”.

ويضيف أن “النظام لن يسمح بأي حركة احتجاجية من أي نوع في مناطق سيطرته، بما في ذلك الإضراب، وعليه فإن أكثر ما يمكن توقعه على هذا الصعيد هو انخفاض حركة التبادل وتراجع الحركة التجارية إلى مستويات متدنية، إلى حد أنه يمكن أن تتوقف بشكل كامل تقريباً، أما الحديث عن حركة احتجاجية شعبية فيبقى مستبعداً”.

لكن الناشط السياسي عبد الله حمدان يرى أن “الوضع الاقتصادي الخانق سيدفع بالنهاية إلى تفجر غضب شعبي قد لا يكون بالمستوى الذي تأمله المعارضة، بحيث نشهد ثورة شعبية حتى لو كانت أسبابها اقتصادية في مناطق سيطرة النظام، وذلك بسبب القبضة الأمنية التي يطبقها دائماً، لكن بالتأكيد سيكون هناك رد فعل قد يصل إلى مرحلة الإضراب، حتى وإن كان غير منظم، ففي النهاية لن يتمكن الناس من الاحتمال أكثر”.

واقع اقتصادي ومعيشي يزداد تدهوراً في مختلف أنحاء سوريا، وتحديداً في مناطق سيطرة النظام الذي يمارس تضييقاً أمنياً شديداً يفاقم الغضب لكن يجعل من التعبير عنه أمراً خطيراً، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن كل الاحتمالات تبقى واردة في النهاية.

المدن

—————————

======================

تحديث 06 اذار 2021

————————

متى يعود حافظ الأسد؟/ عمر قدور

مع هبوط الليرة السورية إلى مستوى مخيف غير مسبوق، سلّمت صفحة موالية بانتهاء حلول الأرض، متوسلةً حلول “السماء” بمخاطبة حافظ الأسد: انهض يا أبا الفقراء، فشعبك أضحى بين أنياب الضباع. صفحة “شبكة أخبار حمص الأسد 24/24” التي نشرت هذا التضرّع لديها حوالى 260 ألف متابع، وهي لم تبخل عليهم بأقوال للإمام علي تبشّرهم بالفرج بعد الصبر، أو تنص على أن الصبر والصمت وانتظارَ الفرج أفضلُ عبادة!

كان موالون وصفحات موالية قد دأبوا في الأشهر الماضية على مناشدة بشار التدخل لوضع حد للتدهور المعيشي، فهو بموجب تلك المناشدات سيلجم الفاسدين من حوله، وسيعرف كيف يتصدى للمؤامرة الكونية المتعينة بالعقوبات الاقتصادية. إخراج بشار من دائرة المسؤولية عما آلت إليه الأمور لا يقف لدى الجميع عند تنزيهه عن الأخطاء، ففي المقابل كان ثمة إصرار على قدرته على معالجة الوضع، إذا قرر وضع ثقله من أجل ذلك. أي أن التبرئة تندرج في عملية مقايضة، أو هي بمثابة رشوة ضرورية لعلها تحفّزه على فعل ما يجب فعله بصفته الدولة ومالكها معاً.

هكذا تأتي مخاطبة حافظ الأسد تعبيراً عن اليأس من وريثه، بل من المرجح أنها ذروة اليأس التي تقتضي عودة ذلك “الرب”، أو عودة الإمام الغائب. ما يحدث في الواقع قياميّ، أو يدنو من تصورات موروثة عمّا قبل القيامة. إنه البؤس الذي لا يُطاق، والذي يجوز اعتباره تمهيداً لقيامة حافظ الأسد العائد لإنقاذ شعبه. وإذا أعطتنا المخاطبة مادة للسخرية، يبقى الأهم فيما تعبّر عنه من عجز لا يرى بصيص أمل سوى في اللامعقول.

خارج معسكر الموالاة، وتعبيراته الإعلامية التي لا ينبغي أخذها غالباً على محمل الصدق، من المحتمل جداً أن يكون كثر من الواقعين تحت سيطرة الأسد يصبّرون أنفسهم بطريقة مشابهة. من المحتمل جداً أن هؤلاء أيضاً ينتظرون معجزة من الغيب، إذ لا يرون خلاصاً بأقل من معجزة، مثلما من المحتمل أن يلجؤوا إلى مقولات دينية تناسب معتقداتهم، وتحثهم بالطريقة ذاتها على الصبر والانتظار. إنهم سيستعينون بالمقولات التي تناسب أوضاعهم، وتشجعهم على فعل ما يفعلونه حقاً أو ما لا يفعلونه، لتقدّم لهم السلوى بأنه الوحيد الذي يمكن فعله.

لاستجداء الغيب هذه المرة وقع مختلف، أقوى مما كان عليه في أي وقت. إننا لا نستطيع دحضه بعقلانية واقعية يمكن صرفها مباشرة، أي يمكن البرهان ولو شكلياً على احتمال تحققها ونجاعتها. ليس لدينا سيناريوهات ممكنة التحقق لنطرحها كبديل، وأقصى ما ينتظره بعض العقلانيين حدوث معجزة من نوع آخر، كأن تتفق الدول المتحكمة بالشأن السوري على دفن الحقبة الأسدية وفتح صفحة جديدة، وهو افتراض في مقام المعجزة حتى الآن.

باستثناء عبارات المواساة والتعاطف، المطعّمة أحياناً بأمل غامض أو مخادع، لا يملك أحد ما يقدّمه للعالقين في الجحيم السوري. لا أحد مثلاً يجرؤ على نصحهم بالثورة، فالسلطة التي لا تكترث بهمومهم المعيشية تحتفظ بما يفيض عن حاجتها من المخابرات والشبيحة الجاهزين لقمع أي احتجاج. لا ثورة جياع، وعندما ينهش الجوع إلى حد لا يُطاق المستويات الدنيا والوسطى من جهاز القمع فسنشهد على الأرجح حالات من الفلتان والفوضى تتجلى بارتكاب الجرائم، ولن تأخذ طابع الانتفاضة ولن تكون موجهة ضد السلطة.

جرّب سوريون قبل عشر سنوات امتلاك قرارهم ومصيرهم، عبّروا عن ذلك بهتاف “الشعب يريد..”، لكنهم سرعان ما اضطروا إلى طلب النجدة من قوى الخارج. لم يأتِ “المنقذ” الخارجي بسبب استغاثاتهم؛ أتى وبقي بموجب مصالحه وبموجب صراعات النفوذ الدولية والإقليمية. بعض الذين هتفوا “الشعب يريد..” انتهى بهم المطاف إلى هتاف “يا الله ما لنا غيرك”، وبعضهم الآخر صمت نهائياً. قلائل فقط بقوا على عادتهم في بيع الوهم “الثوري”، ونراهم يخترعون بين الحين والآخر معجزة سيأتي بها أولئك المنقذون، أو حتى سيأتي بها حلفاء الأسد.

ذلك الدرس الماثل الطازج لن يشجع ضحايا المجاعة على الظن بأنهم قادرون على فعل شيء، وفوق الدرس السوري لدينا الدرس العراقي أيام العقوبات على صدام حسين، حيث بلغ التدهور المعيشي مستويات أقسى مما هو الحال عليه حتى الآن في سوريا، ومع قسوتها أفادت الإحصائيات آنذاك بتزايد عدد الباحثين عن السلوى في الغيبيات. اليوم، هناك إلى الجوار درس لبناني لم يكن متوقعاً، هو أيضاً درس في ترك البلد الذي كان السوريون يرونه محظوظاً بالرعاية والاهتمام الدوليين والإقليميين.

بينما كانت تلك الصفحة الموالية تطالب حافظ الأسد بالنهوض والعودة لإنقاذ شعبه من الضباع، كانوا سوريون آخرون يستذكرون تحرير مدينة الرقة من قوات الأسد قبل ثماني سنوات، ويستذكرون على نحو خاص تحطيم التمثال الضخم لحافظ الأسد وقيام أحد رجال المدينة بالتبول عليها أمام الحشد. في وعي الذين حطموه، لم يكن تمثالاً، كان صنماً وفق التعبير الشعبي الذي يُقصد به “الوثن-الإله”، وهو مطابق من الجهة الأخرى لمفهوم موالين يطالبونه بالقيامة الآن.

نفترض أن الموالي الذي يطالب وثنه بالنهوض والعودة أقل غباء من أن ينتظر تحقق أمنيته، ومن المؤسف أنه لا يستطيع تمثّل المروية القديمة عن أولئك الذين كانوا يأكلون أصنامهم عندما لا تأتي لهم بالرزق، وإلا كانت تماثيل حافظ الأسد الموجودة في كل حيّ وقرية تكفلت بسدّ جزء من المجاعة الحالية. حسبه أن يمضي مع منطقه إلى الآخر، فإذا كان بشار قد امتنع عن تلبية مناشداته، ثم امتنع أبوه عن القيام والعودة، ربما حان الوقت كي يشهر يأسه المدقع الخالي من الأوهام.

قبل عشر سنوات، كان هذا الموالي يفترض أن غيره سيُباد أو يُعتقل أو يُهجَّر، وسيكون هو سيداً في بحبوحة على أنقاض الضحايا. كان الصامت على المقتلة يُمنّي نفسه بالنجاة، وبأنها أيام صعبة وتنقضي ليستتب الهدوء بعدها. ليس من الشماتة تذكير هؤلاء البؤساء بكل ذلك، في الأصل لا ينفع التذكير ما لم يفهموا من تلقاء أنفسهم درس الخسارة المعممة ويقتلوا ذلك الوثن الذي في رؤوسهم.

المدن

——————-

هكذا يوقف الأسد انهيار الليرة/ عدنان عبد الرزاق

هوت الليرة السورية إلى حضيض جديد، بتسجيلها 4000 ليرة للدولار، لتضيف، مؤشرات الانهيار وبطلان قبول التداول، إلى خسائر العام الماضي التي زادت عن 211% وقت هوت من 900 ليرة للدولار مطلع 2020 إلى 2800 نهاية العام وترفد سجل التضخم الحافل بتراجعها 80 ضعفاً منذ بداية الثورة، بينما لم يزد سعر الدولار عن 50 ليرة منتصف عام 2011.

ربما المخاوف من العقوبات الجديدة، أوروبياً وأميركياً، هي المستجدات السياسية والنفسية، ليكون الخلل بالعرض والطلب، هو العنوان الأبرز لعوامل تهاوي سعر صرف الليرة السورية.

فبلد لا ينتج الدولار، بعد توقف السياحة وعرج الميزان التجاري وشلل التحويلات الخارجية، ويستهلك الدولار لشراء المواد الأولية والسلع والمنتجات، وبمقدمتها القمح والمشتقات النفطية، مصير عملته التدهور المستمر.

هذا بالظروف الطبيعية، فماذا إذا أضيف، أن هذا البلد يعيش حرباً منذ 10 سنوات، هربت خلالها الاستثمارات وتهدمت المنشآت وتراجع الإنتاج وتبدد الاحتياطي النقدي، وفرضت عليه عقوبات طاولت المنشآت والمسؤولين وحتى المصرف المركزي، فحينذاك، يبقى استمرار العملة على قيد التداول هو الغريب، وليس من غرابة بأي تدهور وقيعان جديدة، يصل إليها سعر صرف الليرة السورية.

إذاً، بحال كما في سورية، لا أفق أمام نظام الأسد لبيع أو تأجير ما تبقى من ثروات، بعد صدور قانون قيصر وشلل حلم النظام السوري بتبديد مزيد من مقدرات السوريين، أو التطلع إلى طريق إعادة الإعمار، للرشى والاختلاط والاستمرار.

كما، بالوقت ذاته، لا أمل بإحياء الموتى، من استثمارات هاربة أو قطاعات مهدمة، ما يجعل سؤالين إثنين يتوثبان على الشفاه.

الأول، ما هي التوقعات للعملة السورية وأثر استمرار التراجع في حياة السوريين؟

والثاني، كيف يمكن لنظام الأسد أن يتدخل بالسوق النقدية، لمنع الجياع من النزول للشارع، أو تقليل نسبة الجريمة والسرقات والخطيئة، إذا استمر الفقر والحرمان وتهاوي سعر الليرة؟

في محاولة الإجابة عن السؤال الأول، أغلب الظن أن الليرة ستستمر بمشوار تهاويها، وربما ليس من قاع تستقر عليه، بواقع توفر جميع عوامل انهيار العملة، الاقتصادية والنفسية وحتى السياسية المرشحة للتصاعد.

هذا يعني أن نسبة الفقر لن تتوقف عند 83% بعد أن زادت الأسعار أكثر من 30% خلال الشهرين الماضيين وتراجع سعر الصرف بأكثر من 40% ولم يحدث تحسين للدخول التي أكلها التضخم النقدي ولم يعد يزيد متوسط الأجور والرواتب، عن 14 دولاراً، في حين تكاليف المعيشة ووفق مراكز من دمشق، تزيد على 175 دولاراً.

وأما كيف يمكن للنظام السوري التدخل لوقف انهيار الليرة، فثمة طرق تقليدية عدة، بعد تجريب تجريم كل من يتعامل بغير العملة السورية. بيد أن السؤال حول نجاعتها أو قدرة حكومة دمشق على القيام بها.

فمثلاً، يتم رفع سعر الفائدة المصرفية على الإيداع، فيذهب فائض السيولة إلى خزائن المصارف فيعتدل المعروض النقدي وتتحسن الليرة.

لكن هذا الحل مستحيل لأسباب كثيرة، أهمها أن سعر الفائدة مهما ارتفع، لا يمكن أن يوازي نسبة التضخم، ما يعني خسائر محققة لكل مودع، هذا إن فرضنا جدلاً أن نظام الأسد قادر على منح أسعار فائدة مرتفعة، أو لديه خطط لتوظيف إيداعات المصارف بأقنية استثمارية يفوق عائدها سعر الفائدة.

طبعاً إن لم نشر إلى أن نظام الأسد يعتمد عكس هذا التوجه من خلال التمويل بالعجز، عبر طبع عملات جديدة، كانت فئة الخمسة آلاف آخرها قبل شهرين، من دون أي معادل نقدي أو إنتاجي وخدمي.

أو، طريقة أخرى، أن يتدخل المصرف المركزي بالسوق بشكل مباشر، فيبيع الدولار بسعر منافس، عبر شركات الصرافة أو من خلال نوافذ المصارف الحكومية، فيكسر السعر تباعاً ويلحق الخسائر بالمضاربين، إن كان هناك مضاربون كما يبرر مجلس النقد والتسليف.

بيد أن هذا الحل غير ممكن أيضاً، لأن خزائن المصرف المركزي خاوية من القطع الأجنبي، بعد تبديد نظام الأسد نحو 18 مليار دولار، على الحرب والرشى منذ مطلع الثورة عام 2011، إذ ووفق البنك الدولي، لا يزيد الاحتياطي الدولاري بمصرف سورية المركزي، عن 700 مليون منذ عام 2016، وربما بتكليف حكومة الأسد رجال الأعمال استيراد القمح والمشتقات النفطية وانسحابه من التدخل بالسوق النقدية، دليل على إفلاس المصرف المركزي من العملات الأجنبية.

——————–

أملاً في إنقاذ الخزانة… قرار بمصادرة أملاك المتخلفين عن الخدمة في جيش الأسد

نشرت صحيفة الغارديان، أمس، 5 آذار/مارس، تقريرًا ذكرت فيه أنّ “حكومة بشار الأسد التي تعاني ضائقة مادية، وتتطلع إلى جمع الأموال بأيّ طريقة ممكنة، أعلنت تغيير مادة في القانون خاصة بالتجنيد الإجباري، خلال الشهر الماضي”. وأضافت الصحيفة أنّ القانون يقول إنّه “يجب على أولئك الذين لم يؤدوا الخدمة العسكريّة، من هم تحت سن الثالثة والأربعين، أن يدفعوا ثمانية آلاف دولار أمريكي، وإلّا فسيفقدون ممتلكاتهم دون إشعار أو أيّ حق في الاستئناف”.

وكانت هيومان رايتس ووتش قد قالت في مقال للباحثة سارة الكيّالي نشرته الشهر الماضي إنّ هذا التعديل الجديد “يخلق عقبات إضافيّة للسوريين الذين يفكرون في العودة إلى بلادهم”. وأكمل المقال متحدثًا عن التجنيد العسكري الإلزامي: “الكثير من الرجال هربوا من سوريا تجنبًا للتجنيد العسكري، والذي لا ينطوي على خطر الموت فحسب، بل يعد أيضًا بـ[التورط في ممارسة] انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان. انتهاكات لطخت تصرفات القوات المسلّحة السوريّة منذ بدء النزاع”.

ما هو هذا التعديل؟

بثت وزارة الإعلام السوريّة مقطع فيديو يظهر فيه “رئيس فرع البدل والإعفاء” في مديرية التجنيد العامة العميد إلياس بيطار متحدثًا عن التعديل الجديد. قال إنّ كلّ من تجاوز سن الثانية والأربعين ولم يؤد الخدمة العسكريّة أو لم يُعفَ منها، سواء أكان داخل سوريا أو خارجها، عليه دفع مبلغ يساوي ثمانية آلاف دولار أمريكي. وفي حال عدم تسديد المبلغ خلال ثلاثة أشهر من بلوغه سن الثالثة والأربعين فإنّ السلطات يمكنها أن تحجز تنفيذيًا على ممتلكاته دون سابق إنذار، وفي حال لم يكن لديه أملاك وعقارات فيمكن تنفيذ “الحجز الاحتياطي على أملاك أهله وذويه”.

 وأكد العميد بيطار إنّ قوانين صارمة سوف يتخذها القضاء أو وزارة المالية أو الهيئة العامة للضرائب والرسوم، وتقوم بموجبها بالحجز التنفيذي على ممتلكات وأصول كلّ من لا يدفع بدل الإعفاء من الخدمة، أو بالحجز الاحتياطي على أموال أهله وذويه، وذلك بموجب كتاب صادر عن شعبة التجنيد.

وفي اتصال هاتفي مع موقع “روسيا اليوم”، أكّد بيطار أنه “يمكن إلقاء الحجز على أموال المكلف الممتنع عن تسديد تلك القيمة، وكذلك يمكن إلقاء الحجز على أموال فروعه وأصوله (الأبناء والآباء)”.

وبحسب روسيا اليوم، فإنّ ما قاله “رئيس فرع البدل والإعفاء” يخالف القانون السوري، إذ ذكرت أنّ القانون 39 لعام 2019، كما نُشر في الجريدة الرسميّة، يؤكد أنّه لا يجوز الحجز سوى على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمكلف الممتنع عن الدفع.

في ضوء ذلك، قال المحامي ورئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونيّة أنور البني في اتصال هاتفي مع موقع مهاجر نيوز إنّ التصريحات الأخيرة غير قانونيّة وتهدف إلى تخويف الناس بالدرجة الأولى، وذلك ضمن “خطة مدروسة وتوجيهات من النظام السوري” لدفع بعض الأشخاص إلى بيع أراضيهم ودفع البدل خوفًا من مصادرة الأملاك، وأضاف أنّ “مصادرة الأملاك بهذه الطريقة غير القانونيّة تندرج ضمن (تصنيف) جرائم حرب”.

كما أصدرت هيئة القانونيين السوريين مذكرة حول تصريحات مسؤول النظام الأخيرة، قالت فيها إنّ أهداف هذا القرار هي “رفد خزينة النظام والاستيلاء على العقارات استكمالًا لجريمة التغيير الديمغرافي”. وأضافت المذكرة أنّ النظام يهدف بهذا الإجراء الأخير إلى “تخفيف الأزمة الماليّة التي يعيشها”.

ومن المتوقع ان يتأثر بالقرار نحو مليون سوري ممن اضطروا للجوء، بحسب إحصاءات للأمم المتحدة عام 2015 نقلتها مجلة تايم الأمريكية، التي قالت إن نحو 25% من اللاجئين السوريين في الخارج (مقدر عددهم بـ4.2 مليون) هم رجال بين الثامنة عشرة والتاسعة والخمسين. ومن المرجح أن يكون هذا الرقم قد زاد خلال السنوات الخمس المنقضية. وهذا ما يجعل الحصيلة المبدئية لتطبيق القرار نحو ثمانية مليارات من الدولارات.

ليست المرة الأولى

في ظل تعثر نظام الأسد اقتصاديًا وعدم قدرته على سدّ احتياجاته الماليّة، ففضلًا عن الرشاوى والأموال التي يتحصل عليها بشكل غير شرعي من المواطنين، وفضلًا عن الدعم الإيراني والروسي المتواصل للنظام الحاكم في دمشق، استصدرت الحكومة السوريّة  قوانين عديدة تستهدف الحصول على أموال السوريين.

في العام 2018 أصدر بشار الأسد القانون رقم 10 الذي سمح لحكومته بمصادرة أو هدم ممتلكات المعارضين. وفي العام 2019 صادر النظام ممتلكات مزارعين في ريف حماة، وقام بتدمير أراضيهم الزراعيّة وبيعها في المزاد العلني، حسب صحيفة الغارديان.

وفي الفترة ما بين نيسان 2019 وتموز 2020، أصدرت محكمة الجنايات الرابعة التابعة للنظام السوري أحكام إعدام وحجز أموال وأملاك بحق عشرات المقاتلين من مدن وبلدات ريف دمشق، حسب صحيفة عنب بلدي. ويذكر في هذا السياق أيضًا أنّ سعر الحصول على جواز سفر سوري يتراوح ما بين 300 و800 دولار أمريكي،  وهو سعر يعجز معظم السوريين عن توفيره.

رصيف 33

—————————–

ما بعد الخمسة آلاف ليرة سورية…/ أيمن الشوفي

بعد عامين على طباعتها، قررت الحكومة السورية أن تزجّ بورقة نقدية جديدة من فئة الخمسة آلاف ليرة في السوق المحلية، وكأنها أعجوبة باهرة كانت تحتفظ بها إلى وقت الشدائد، فإذا بها تسرّع من الانهيار الاقتصادي، حيث سجلت الليرة السورية تراجعاً غير مسبوق في قيمتها. وهذه نتيجة طبيعية لزيادة المعروض النقدي الذي لم ينشأ عن زيادة مماثلة في المعروض السلعي والخدمي العام.

الانهيار سمة ونتيجة

ذاك الانهيار لم يكن غائباً عن أعين مدبّري الشأن الاقتصادي، ولم يكن مفاجئاً لهم على أي حال، لكنه جاء قاصماً لظهور الناس، معرّياً حقيقة إفلاسهم العام، متطاولاً على قوة دخولهم الشرائية المتواضعة، حابساً القليل مما يمتلكون داخل جيوبهم، معرّضاً مصائرهم الى مزيد من الخراب، فيما يتفنن نظامهم السياسي في تقليب وجوهه، وممارستها عليهم بصورة دورية. سوّغ حاكم المصرف المركزي طرح تلك الفئة النقدية الجديدة، بربطها باستبدال العملة التالفة، ونفى أن تكون كتلةً نقدية تضخمية. غير أن المزيد من العملات شبه المهترئة من فئتي الألف، والخمس مئة ليرة ظهرت في العديد من المبادلات التجارية، ولا سيما في أماكن تبديل العملات ومكاتب الصيرفة. وقد اكتفت روسيا وإيران، الحاصلتان على المركز الأول والثاني تباعاً في حجم الاستثمارات والهبات والمزايا الاقتصادية الممنوحة من السلطة السورية، بالفرجة على نموذج الدولة السورية الفاشلة، التي لا تمانع من إطلاق النار على قدميها مقابل حصولها على برهة إضافية من الزمن..

أما اللاعبون الأساسيون في الشأن السوري، فقد ربطوا جيداً الحل الاقتصادي بالحل السياسي، بحيث يكون من المستحيل على النظام السوري بصيغته القائمة إيجاد مخرج حقيقي للانهيار الاقتصادي القائم منذ سنوات. فسوريا اليوم حصلت على مراكز عالمية متقدمة في مستوى انتشار الجريمة، والتضخم، وارتفاع نسبة المخاطر الاستثمارية… وأما نظامها السياسي فلا يزال يكابر، علّه يمرر الانتخابات الرئاسية القادمة بصناديق اقتراع محليّة، مضمونة النتائج.

نصائح في زمن الانهيار

ترتبط مقولة “الرئيس جيد، لكن المحيطين به سيئون” بحافظ الأسد، مؤسس النظام القائم حالياً، وهي مقولة سياسية أخذت بعداً اجتماعياً واسعاً أثناء تغوّل الدولة الأمنية في الثمانينيات والتسعينيات الفائتين، ووجد فيها الناس ملاذاً آمناً لمداراة خيبتهم إزاء إحداث أي حراك مجتمعي حقيقي يقود إلى تغيير في إدارة البلاد. ثم استمرت هذه المقولة داخل إرهاصات الوعي المجتمعي للعامة خلال حكم الابن، وطفت أكثر على السطح أيام اشتداد الأزمة الاقتصادية. لكن وفي أواخر شهر شباط/ فبراير، نُقل عن بشار الأسد بعد اجتماعه بصحافيين موالين له، ما لعله طرفة، وهو اقتراحه بإلغاء برامج الطهي من القنوات التلفزيونية السورية، تماشياً مع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وبجيوب الناس.

عملياً، فالمناطق التي آثر قاطنوها السكينة منذ العام 2011، هي المناطق نفسها التي تتلقف الآن أكثر من غيرها نتائج الانهيار الاقتصادي، وانهيار عملة البلاد. هناك بعض التدوينات والمنشورات الساخطة أو الساخرة التي تجوب رحاب مواقع التواصل الاجتماعي بلا كلل، من دون أن تثمر فعلاً قابلاً للقياس أوالتأثير على خيارات النظام السياسية.

زيادة في الأجر لا الأجور؟

عام 2020، قدّر ستيف هانكي أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز حجم التضخم في سوريا بنحو 264 في المئة، فكيف به الآن؟! وكيف سيكون بعد زيادة أجور العاملين في الدولة، والتي يُرَوّج لها منذ مطلع العام الحالي على أنها زيادة غير مسبوقة؟ وهي لن تكون بأي حال زيادةً حقيقية على القوة الشرائية للدخول، وإنما زيادة تضخمية سيجري تمويلها غالباً من الكتلة النقدية الجديدة التي خرجت إلى التداول مؤخراً، ما قد يدفع بالاقتصاد السوري المعلول إلى وذمة تضخمية جديدة، وستبقى الهوّة بالغة الاتساع بين متوسط الدخول، والمستوى العام لأسعار السلع والخدمات، مع كنس نهائي لبقايا الطبقة الوسطى التي ردم وجودها تدريجياً انهيار عملة البلاد، واقتصادها على السواء.

مقالات ذات صلة

حياة السوريين الحالية، أو كيف “تؤرنبُ صقراً”؟

ويبدو من الصعوبة بمكان أن تعترف السلطة السورية بخلو وفاضها من أي حلول حقيقية لتغيير المعادلة الاقتصادية والمعيشية الراهنة، او التفكير ببلوغ حل توافقي للنكبة السورية ينقذ ما يمكن إنقاذه من بقايا حياة. وأما موسكو وطهران فيرجح أنهما غير مستعدتان لاحتمال هذا النظام إلى ما لا نهاية، ولن يتغير هذا المعطى العام حتى مع مزيد من المكاسب الاستثمارية. فإيران تستعد لإطلاق مشغل الهاتف الخلوي الثالث في البلاد، وقد عبّدت السلطة السورية أمامها الطريق “لغَرْف” الأرباح مباشرةً بعد قرار وضع مشغل الخلوي الثاني (MTN) مؤخراً تحت الحراسة القضائية، وقبله تمّ وضع المشغل الأول (SYRIATEL) العائدة ملكيته إلى رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري، تحت الحراسة القضائية أيضاً. أما السوريون فلا زيادة حقيقية على أجورهم المالية، وإنما قد يُزاد أجرهم عند الله، لا لشيء، وإنما جزاء ما احتملوه. 

السفير العربي

——————————-

================

تحديث 10 أذار 2021

——————–

كيف تستفيد روسيا من “خنق” سوريا… اقتصاديا/ سحر حويجة

برر السفير الروسي في دمشق الكسندر يفيموف سبب عدم تقديم بلاده الدعم المالي للنظام السوري، وصرح أن الوضع صعب للغاية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، ووصف حال الاقتصاد السوري بالاستنزاف العام، وأضاف أنه رغم أهمية الدعم متعدد الأوجه، إلا أن روسيا تعمل على تعزيز جهودها العسكرية لمحاربة الإرهاب. ونوه أن روسيا نفسها تحت تأثير العقوبات، وتعاني ركوداً اقتصادياً بسبب جائحة كورونا، على الرغم من إعلان روسيا عن مشاريع استثمارية كبيرة في سوريا والتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد.

ليس خافياً على أحد، أن سلسلة الأهداف التي تسعى لها روسيا من تواجدها في سوريا، تذهب أبعد من النظام واستمراره.  ففي الوقت الذي يشكل لها النظام ضمان استمرار المصالح الروسية وتمددها، تشير الوقائع، على أنه كلما ضعف النظام واستنزف قدراته كلما قويت شوكة روسيا وازدادت مكاسبها العسكرية والاقتصادية والسياسية، حيث لا انفكاك ولا بديل للنظام السوري عن الدعم الروسي، خاصة مع زيادة الخناق على الدعم الإيراني للنظام، سواء بسبب العقوبات والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران، أم بسبب الاتفاق على تحجيم الوجود الإيراني بالاتفاق بين أمريكا وإسرائيل وروسيا، عبر مسلسل طويل من الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية. هذا الواقع المعقد يجعل من حلم تمدد إيران وتوسعها في سوريا كابوساً؛ فالتواطؤ الروسي مع هذه الضربات يسعى لإضعاف وتحجيم إيران، وإعادة اقتسام الغنائم لصالح روسيا.

في الوقت ذاته تعمل روسيا على احتواء إيران، ووضعها تحت جناحيها لتدور بفلكها، بعد أن سدت جميع المنافذ بوجهها، و أضعفت هامش مناوراتها. فروسيا التي تسيطر على الأرض بقواعدها العسكرية، وتتدخل على الصعيد العسكري لخلق معادلات جديدة تزيد من نفوذها وتوغلها في مفاصل الحياة السورية وتدخلها في هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يضمن ويعزز سيطرتها.

سلم تطور العلاقات الاقتصادية الروسية مع سوريا

منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 1915عملت روسيا إلى جانب الدعم العسكري على تمتين العلاقات الاقتصادية التي كانت متواضعة بين الجانبين، وعملت على تأسيس علاقات اقتصادية طويلة الأمد. من المعروف أن دمشق احتفظت دوماً بعلاقات سياسية جيدة مع موسكو، لكن علاقاتهما الاقتصادية اكتسبت أهمية أكبر بعد اندلاع الاحتجاجات في 2011 ؛ فوفقاً لبيانات رسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا في العام 2010 نحو ‏مليار دولار أمريكي، لكنه ارتفع بعد اندلاع الاحتجاجات في عام 2011 إلى نحو 2 مليار دولار.

في عام 2013 وقعت الحكومة السورية اتفاقاً مع شركة “سيوزنفتاغاز”   (Soyuzneftegaz)  الروسية من أجل الحفر والتنقيب عن النفط والغاز، قبالة الساحل السوري، وفقاً لعقد يستمر لمدة 25 عاماً.

هذه الاتفاقية تحقق أحد أهداف روسيا للاستثمار في قطاع الطاقة السوري، حتى يكون لها حصة فيه بدلاً من التنافس معه، باعتبار أن سوريا مكان محتمل، لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، وهو ما يهدد هيمنتها على تصدير الغاز للقارة الأوروبية.

بعد أن تمكن النظام بمساعدة حليفيه روسيا وإيران، من استعادة سيطرته على نسبة 70 بالمائة من أراضي سوريا، وفي سياق عملية التفاوض المتعثرة، دخلت روسيا في سباق التنافس مع إيران، على اقتسام الكعكة السورية، وكان واضحاً أن روسيا تقبض ثمن كل خطوة تدعم بها النظام، واتجهت بقوة نحو الاقتصاد حيث استطاعت روسيا، استمالة حيتان المال، وصبت سيولتهم المالية في بنوكها، وعقدت ما شاءت من صفقات وعقود، ترهن فيها البلد لمصالحها.

أخذت تطالب النظام بمستحقاتها من الديون قبل أن يدخل قانون قيصر حيز التطبيق، وروسيا عالمة بحجم الخلاف بين حيتان المال ورامي مخلوف في الصراع على الحصص، والتنافس على النفوذ الاقتصادي. وتبين مع الوقت كيف أن روسيا أخذت تلعب على التناقضات القائمة بين مخلوف والسلطة، لتصل الى مبتغاها ليس المالي فحسب، بل السياسي أيضاً في سوريا.

واستغلت روسيا فترة السبات الانتخابي في أمريكا التي امتدت لمدة ستة أشهر، وأصابت السياسة الأمريكية الخارجية بالشلل، لتعزيز مكانتها واستثمار نفوذها وفرض وقائع جديدة، حيث زار لافروف على رأس وفد روسي دمشق وشدد حينها على أن إعادة الإعمار في سوريا لها أولوية، بعد أن انتصرت على الإرهاب بدعم روسيا.

وبالفعل، وقعت روسيا مع النظام عدة اتفاقيات استراتيجية، في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية في البحر المتوسط، واستخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر، كما وقعت “ترانس غاز” مع حكومة النظام اتفاقية لاستئجار مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً.

ولم تقتصر الاتفاقيات بين الطرفين على البترول والغاز والطاقة وحسب، بل شملت جوانب أخرى، منها الحبوب والأغذية، حيث بموجب هذه الاتفاقيات، أصبحت روسيا الدولة الأولى في تصدير مادة القمح لسوريا، إضافة إلى الاتفاق على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني أن القمح الذي يشكل المادة الأساسية في قوت السوريين، بات بيد روسيا بشكل شبه تام.

إضافة لذلك حازت على اهتمام القيادة الروسية عقود إعادة الإعمار، وكشفت مؤسسة الإسكان على لسان مديرها “أيمن مطلق” على أنها توصلت مع شركات روسية إلى مراحل متقدمة من النقاش حول المشاريع الإسكانية. وأعلن في وقت لاحق ممثل مركز المصالحة الروسي، على أن بلاده تقوم بدراسة مشاريع، تتعلق بإعادة الإعمار، بهدف عودة اللاجئين. وهكذا استطاعت روسيا أن تعقد من الاتفاقات ما تريد، وترهن سوريا مقابل تعهدها بدعم وجود النظام، لكن لو فرضنا أنها تخلت عن النظام، ونكصت بوعدها هل بإمكان النظام أن يفعل شيئاً! إلى أين المفر! ما يراهن عليه النظام هو أن روسيا لن تجد بديلاً أفضل منه، ولن تتخلى عنه! إلا أن روسيا التي أبرمت هذه الاتفاقيات لتصبح أوراقا إضافية بيدها، فعلت ذلك لتثبت قدرتها على التحكم بالنظام والضغط عليه لتساوم المجتمع الدولي على مستقبل سوريا، بانتظار معرفة وجلاء الموقف الأمريكي الجديد، بقيادة الرئيس بايدن. نعم أبرمت روسيا هذه الاتفاقيات مع وقف التنفيذ، بحجة قانون قيصر الذي يسلط سيف العقوبات على الدول والشركات التي تدعم النظام السوري، فهي لن تستطيع إدخال المواد والأجهزة التي تمكنها من تنفيذ هذه المشاريع! أما النظام فما دفعه إلى إبرام هذه الاتفاقيات هو الأزمة السياسية والعسكرية والاقتصادية وضرورة تحقيق الاستقرار للبدء بإعادة الإعمار، خشية من تجدد اندلاع النزاعات المسلحة خاصة مع أمريكا.

استثمار روسيا للواقع الاقتصادي المزري لخدمة أهدافها

عمل النظام السوري بشكل مستمر على نقل عبء الأزمة الاقتصادية الخانقة، والعقوبات المفروضة عليه إلى عاتق الشعب السوري، حتى أصبح أكثر من 80 بالمائة منه مهدداً بالجوع، وصارت سوريا بأسفل قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم. حاول النظام الاستثمار بوضع الشعب المزري، ودعا إلى زيادة الدعم والمعونات  سواء من الدول على شكل مساعدات أو من اللاجئين بضخ العملة الصعبة إلى أهاليهم في سوريا لإنقاذهم من الموت جوعاً، حتى أن النظام استخدم وباء الكورونا من أجل الضغط على الخارج لدعمه ورفع العقوبات عنه. إضافة لذلك استغل النظام الوضع المعيشي الصعب وانهيار الاقتصاد وتفشي البطالة، لعسكرة الشارع والتجنيد في صفوف الجيش.

أيضاً عملت روسيا على استغلال الوضع الاقتصادي المذري، لتحقيق أهدافها في التغول أكثر في المجتمع السوري، وتعزيز نفوذها العسكري والأمني. فمنذ أن بدأت روسيا تدخّلها العسكري المباشر في سوريا عام 2015 عملت على خضوع النظام السوري عسكرياً وأمنياً لقراراتها، لكن ذلك لم يمنعها من المضي في مسار موازٍ لتشكيل كيانات عسكرية تابعة لها، بصورة مباشرة، لضمان الولاء العسكري لها على المدى الطويل.

وتحقيقاً لهذه الاستراتيجية، شكلت روسيا فرقة النمر بقيادة الضابط البارز في قوات النظام سهيل الحسن، وأغدقت عليه العتاد والدعم. كما أنشأت الفيلق الخامس، الذي فتح أبوابه للمتطوعين والمنشقين سابقاً، وحتى للمقاتلين السابقين في صفوف الجيش الحر، ممن انخرطوا في التسويات والمصالحات في المناطق التي كانت يُهجَّر سكانها، وذلك كملجأ لهم يعيدهم إلى النظام، ولكنه يحميهم من انتقامه في الوقت نفسه. وبناء على ذلك يعد الفيلق الخامس تشكيلاً عسكرياً كبيراً، تابعاً للنظام السوري رسمياً، ويأتمر بأوامر قاعدة حميميم الروسية عملياً، ويتلقى من روسيا دعماً مادياً ولوجستياً وعسكرياً، ويوجد في عدة محافظات سورية.

تجنيد الشباب السوري كمرتزفة

إن البطالة والفقر المدقع والوضع الاقتصادي المزري، كانت من أهم العوامل لنجاح روسيا في تجنيد آلاف المرتزقة وإرسالهم إلى الجهة التي تريدها، بما يخدم مصالحها وسياستها التوسعية عبر العالم، حيث كشف تقرير مفصّل صادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، عن قيام شركات أمنية روسية بتواطؤ مع النظام السوري بتجنيد ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل سوري، لغرض القتال في ليبيا، دعماً لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ضد قوات “حكومة الوفاق”.

انتشرت عمليات التجنيد في كافة المحافظات السورية، ولاقت رواجاً كبيراً بدءاً من مدينة السويداء وانتقالاً فيما بعد إلى القنيطرة ودرعا ودمشق وريفها (جنوباً)، وحمص وحماة (وسط)، والحسكة والرقة ودير الزور (شمال شرق البلاد)

ورغم المصير الأسود الذي ينتظر هؤلاء المرتزقة، والنيل من سمعتهم وانتمائهم الوطني إلا أن الظروف الاقتصادية المزرية، والرواتب المغرية التي قدمتها روسيا لهم، كانت كفيلة بجذبهم وتجنيدهم ليشكلوا ظهيراً عسكرياً لدعم روسيا ليس في الداخل السوري فحسب، بل خارج الحدود.

 الخلاصة

استنزفت روسيا  النظام رغم الأزمة الخانقة التي يعيشها، حين طالبت بديونها ثمناً للسلاح الذي استخدم لاستعادة المناطق وحماية النظام. ورهنت سوريا عبر الاتفاقات والعقود والقواعد العسكرية، بالمقابل كان دعمها المالي والاقتصادي محصوراً بالقوى الموالية لها التي تأتمر بأمرها كقوات نمر والفيلق الخامس والمرتزقة. وبعد كل ما حصلت عليه وكل الوعود التي قدمتها لدعم النظام، أخذت تُحمل النظام مسؤولية الوضع الاقتصادي القائم، وتتخلى عن التزاماتها اتجاهه، لتترك الباب مفتوحاً على المساومات والضغوط بما يناسب مصالحها.

About the Author: Sahar Hawija

سحر حويجة محامية وكاتبة وسجينة سياسية سابقة بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي. نشرت العديد من اﻷبحاث القانونية والسياسية وعشرات المقالات، وصدر لها كتاب المرأة السورية في ظل النزاع (٢٠١٦) عن دار الرحبة

صالون سوريا

—————————–

سوريا والعيش في وفرة العتمة/ هيفاء بيطار

بداية قبل التحدث عن الانقطاع شبه التام للكهرباء في سوريا، لا بد للأمانة أن نذكر أن هناك تمييزاً في توفر الكهرباء في سوريا، فمثلاً مشروع دُمر في دمشق مدلل جداً إذ تأتي الكهرباء أربع ساعات متواصلة أو أربع ساعات ونصف الساعة وتنقطع ساعتين (أو ساعة ونصف)، بينما في أطراف دمشق وفي بعض الأحياء الفقيرة المغضوب عليها (لأن النظام يعتبرها انتفضت عليه) تأتي الكهرباء ثلث ساعة في اليوم كله.

بالنسبة لوطن الظلام سوريا أتابع بشكل يومي حياة الناس في ظل انقطاع الكهرباء الطويل، ويمكنني أن أعطي صورة تفصيلية عن حالة الساحل السوري (الذي يُعتبر مُدللاً نسبياً)، حيث تنقطع الكهرباء خمس ساعات وتأتي ساعة واحدة ليعود القطع خمس ساعات، وفي أحسن الأحوال تنقطع الكهرباء أربع ساعات لتأتي ساعة واحدة، وغالباً ما يتم اختزال ساعة الكهرباء إلى نصف ساعة فقط! أحد الأصدقاء في اللاذقية قال لي اكتبي عن تسونامي الكهرباء، وسألته ماذا يعني بتسونامي فقال لي: بعد انتظار خمس ساعات في ظلام مطبق جالسين في البيت مشلولين من الحركة وما أن تأتي الكهرباء نصف ساعة أو ساعة حتى ينتفض كل الشعب السوري ويصبح مثل خلية النحل، من يريد أن يشحن هاتفه الخليوي، ومن يريد أن يكون محظوظاً ويُسخن ماء ليستحم، ومن تريد أن تكمل وجبة الغسيل في الغسالة وهو منقوع فيها لعدة أيام بسبب انقطاع الكهرباء.

ويلاحظ المتابعون لكتابات السوريين في الداخل على مواقع التواصل الاجتماعي أن مشكلة انقطاع الكهرباء تحتل القسم الأكبر من التذمر والشكاوي، وقد وصل الغضب بالبعض وعدم تحمل هذا العيش في الظلام أنهم أصبحوا يكتبون شتائم فاحشة بحق وزير الكهرباء ومؤسسة الكهرباء.

طبعاً على السوري أن يجد حلاً لانقطاع الكهرباء الدائم وهنالك عدة حلول بديلة ، فالسوري الثري أو موفور الحال يشتري بطارية كهرباء سعرها قرابة مليون ليرة سورية وقد تحتاج لأجهزة إضافية (إنفيرتر)، ويصل المبلغ إلى مليون وثلاثمئة ألف، لكن حتى هؤلاء لا يستفيدون من هدر نحو مليون ونصف ثمن بطارية كهربا تضيء لهم غرفة المعيشة (أي أنها لا تستطيع تشغيل براد أو غسالة أو آلة تدفئة كهربائية)؛ فوظيفة هذه البطارية (بسعر مليون وثلاثمئة ألف) إضاءة غرفة المعيشة والمطبخ، وتستمر الإضاءة حوالي ساعتين على أقصى حد لأنه لا يوجد أساساً كهرباء كي تتمكن البطارية من شحن وتخزين الكهرباء. يضطر هؤلاء أن ينتقلوا إلى المستوى الثاني (وهو الذي يلجأ له معظم الشعب) استعمال اللدات الكهربائية التي تعمل على بطارية رخيصة نسبياً (مئتا ألف ليرة سورية)، وهذه اللدات عبارة عن كهارب صغيرة جداً وضوؤها واخز وحاد ومُخرش للعين ويُحدث أذى لشبكية العين تماماً كما يحدثه لحام الكهرباء (أي تسبب ما يشبه حروقاً في الشبكية). هذه اللدات سرعان ما ينوس ضوؤها وتنطفئ بعد ساعة أو ساعة ونصف لأن البطارية الصغيرة التي تشحنها تكون قد فرغت من الشحن أو لم تستطع أن تختزن أو تشحن كمية كافية من الكهرباء خلال ساعة أو أقل  وقد سألت مختصين في تركيب اللدات الكهربائية وأجمعوا جميعاً أنه يتوجب كل شهر أو كل شهر ونصف الشهر شراء بطارية جديدة لتشغيل اللدات؛ فهذه البطاريات صناعة صينية غالباً ورخيصة جداً وسريعة العطب (وأحب أن أذكر أنني خلال عيشي في اللاذقية من 2011 وحتى 2019 اضطررت أن أشتري ثماني بطاريات).

إذاً لم يبق من حل للسوري كي يتغلب على العتمة سوى الشموع، وسعر الشمعة الواحدة بعرض الإصبع ألف ليرة سورية وتذوب تماماً بعد نصف ساعة، لذا على أسرة سورية كي تؤمن إنارة رومانسية بالشموع لأولادها كي يدرسوا أن تستهلك عشر شموع أو عشرين على الأقل أي عشرة آلاف أو عشرين ألف ليرة سورية. ومعظم الأسر السورية (حوالي 80 بالمئة) تعيش تحت خط الفقر وعاجزة حتى عن تأمين شموع ليدرس أولادها.

ثمة مشكلة خطيرة تنجم عن العيش في ظلام شبه دائم هي التأثير النفسي للظلام على نفوس الناس خاصة على الأطفال، فالكثير منهم لديهم رهاب العتمة، وكنت على تواصل مباشر مع أسر سورية فقيرة لديها أطفال يبدؤون بالبكاء والصراخ وتنتابهم نوبات ذعر حين تنقطع الكهرباء لساعات طويلة؛ فتنتابهم حالة عصبية من الهياج والصراخ وتكسير كل ما تفع أيديهم عليه. وقد أقنعت أهلهم أن يقصدوا طبيباً نفسانياً؛ لكن ذلك الذصديق قال لي يومها بأسى كبير: “لا حل لمشكلة هؤلاء الأطفال الذين يُعانون من رهاب العتمة سوى الشراب المنوم”. قلتُ لصديقي الطبيب النفسي: “يعني كأنك تعطيهم مخدراً كي يناموا!” قال: “هل عندك حل آخر؟ هل نترك هؤلاء الأطفال يتقصفون رعباً من العتم، من ظلام دامس يعمي القلوب قبل العيون”. وحكى لي عن طفل حالته شديدة من رهاب العتمة اضطر أن يعطيه أدوية مضادة للاكتئاب!

هؤلاء الأطفال يدرسون في مدارس بائسة في صفوف مُعتمة (لأن الكهرباء مقطوعة)، وبما أن الدولة العتيدة بسبب وباء كورونا قد اتخذت إجراء أن يكون هناك دوامان صباحي ومسائي كي تخفف من ازدحام الطلاب في الصف فإن العديد من الأطفال يدرسون في العتمة (أرسلت إحدى المدرسات صورة لصف في مدرسة عبارة عن لوحة سوداء تماماً)، وبعض الطلاب تعرضوا للسقوط وهم ينزلون الدرج في المدرسة وأصيب العديد منهم بكسور.

سوريا بلد الظلام (ما عدا بعض الشوارع المدعومة كمشروع دمر في دمشق) الذي يسكنه المسؤولون.

الجرائم المُروعة التي تحدث في كل مناطق سوريا والتي يكون الظلام الدامس شريكاً لها، لم نعهدها في المجتمع السوري من قبل  عدا عن السرقة وأحياناً القتل بهدف السرقة فإن هناك تنوعاً مُخيفاً في تلك الجرائم. فمنذ أسابيع قام شابان بإقتحام شقة امرأة تعيش وحيدة في بناية من خمسة عشر طابقاً وهي ثرية وحاصلة على الجنسية الكندية. قاموا بربطها على كرسي وحرقها بعد أخذ كل مصاغها وأموالها وكل ما استطاعوا حمله من أثاث البيت. هذا الفحش في الإجرام (أن يقتلوها حرقاً) يدل على تشوه نفسي كبير وأحقاد مروعة أحدثتها ظروف معينة في نفوس بعض الشباب السوريين.

ليس الفقر وحده سبب هذا التوحش في الإجرام بل مظاهر التباهي والاستعراض والعهر التي يمارسها أثرياء الحرب على مرأى ناس فقراء ينتظرون ساعات في طابور الخبز ليحصلوا على خبز تعاف الدواب أكله، وحين يرى الشباب والمراهقون خاصة أن أحداً من أثرياء الحرب أحيا عيد ميلاد لابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات وكلفه الحفل خمسين مليون ليرة سورية، وينشر صور الحفل على الفيس بوك؛ فإن هذه المظاهر من الوقاحة والتباهي بالثراء الفاحش تولد أحقاداً ونقمة في نفوس الشبان الجياع العاطلين عن العمل والذين لا يشعرون بقيمتهم وينتظرون فرصة ليهجّوا من بلد الظلام والظلم.

في الواقع لا أحد من السوريين يصدق أن مشكلة الكهرباء وانقطاعها شبه الدائم هو بسبب الحرب في سوريا والجماعات الإرهابية التي تخرب شبكة توليد الكهرباء (كما ضج خبر أن قرشاً قضم خط الإنترنيت في سوريا لذلك انقطع. الناس ليسوا أغبياء، الكل يعرف أن قطع الكهرباء غايته إذلال الناس وإلا لماذا الكهرباء متوفرة بشكل شبه دائم في مشروع دمر في دمشق! ولماذا فجأة تصبح سوريا كلها منارة بالضوء حين يكون هناك خطاب لرئيس أو شخصية سياسية مُقدسة! لا أنسى ذات يوم لم تنقطع الكهرباء في بيتي ثلاثة أيام متواصلة مع أن البناية قربي غارقة في العتمة، وأصابتني حالة من القلق والعصبية وتبين أن السبب هو زيارة السيدة وزيرة الشؤون الإجتماعية لمدينة اللاذقية لثلاثة أيام وأن الفندق الذي تقيم فيه يتشارك مع البناية التي أسكنها بخط الكهرباء، شعرت بالقهر والذل ولم أحس بالفرح أبداً.

المُخزي ما وصل إليه السوري من ذل ومهانة. كان السوري يُنفث عن قهره بشتم وزارة الكهرباء أو لعن هذا العيش الذليل حتى أن أحدهم كتب: “لا عزاء لنا سوى صور الأطفال في مخيمات النزوح أقدامهم غارقة في الثلج والوحل، هذا عزاؤنا الوحيد في بيوتنا المظلمة.”

صدر مرسوم أن كل من يتهكم ويشتم ويكتب كتابات توهن الشعور القومي للموطن السوري سيُعاقب وستعتبر كتابته جريمة إلكترونية لأنه يوهن عزيمة الأمة (ويا لها من عزيمة مُصانة بالكهرباء والغاز والراتب الذي يؤمن حياة كريمة وحرية التعبير والكلام…) كم آلمني أن الكثيرين من السوريين ارتعبوا وتوقفوا عن كتابة يبثون من خلالها قهرهم، وقد كتبت امرأة كانت لامعه في انتقاد وضع الكهرباء في سوريا بكتاباتها الجريئة الصادقة خفيفة الظل، كتبت (وكان وقتها عيد الحب) نحن ووزارة الكهرباء غرام دائم، أحلى عيد حب مع وزارة الكهرباء.

تم التدجين بالكامل. تذكر السوريون أن للحيطان آذاناً وأن الفيس بوك مُراقب وكل كلمة يكتبونها قد تجرجرهم إلى فروع الأمن بتهمة (وهن شعور الأمة) وصارت عبارات من مثل (نيالو مات وارتاح) و (نحن أموات ولسنا أحياء…) أقوال يومية في حياة معظم السوريين .سوريا وطن الظلام وأن تقتل نور الأمل وحب الحياة في نفوس الناس وتُجرمهم على كلمات كتبوها فهذا هو الموت.

About the Author: Haifa Bitar    

هيفاء بيطار: روائية وقاصة سوريّة

—————————-

الليرة عزتنا”! سيميائيات ودلالات الإفلاس العام بعد عشر سنوات/ جمال الشوفي

قبل عام ونيف من اليوم، خرج طلاب وطالبات الجامعات في مدينة السويداء، من جيل الشباب الباحث عن موقع قدمٍ له على سلّم الحياة والجدارة والاستحقاق لعلمه وحياته ومستقبله، خرجوا في تظاهرات سلمية عُمّمت على كل سورية، كان عنوانها “بدنا نعيش”، مطالبين الحكومة بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية، على أثر ارتفاع الأسعار غير المسبوق، في ذلك الحين، مع هبوط سعر صرف الليرة أمام الدولار من 500 لعتبة الألف ليرة!

ولغايةٍ في نفس يعقوب، ولدراية خبيثة بالمستوى السيكولوجي العام لدى عموم المجتمع المنهار، اقتصاديًا وقيميًا، تم استثمار حاجات الناس العامة، بالتعاون مع بعض المنتفعين من شريحة “محدثي النعمة” من تجار الأزمات والحروب، وأطلقت حملة إعلامية مضادة ممنهجة ومدروسة، عنوانها “الليرة عزتنا“، بحيث يمكن لأي شخص أن يشتري بليرة واحدة أيّ سلعة معروضة في أماكن معينة، خلال مدة محددة. وكانت النتيجة انزياح أنظار المجموع العام من المجتمع عن مطالب الشباب المتظاهر، حيث دفعت الحملة عموم البسطاء إلى الانفكاك من حول مطالبهم الحقة، والسعي لاقتناص فرصة شراء أي سلعة (أدوات كهربائية أو “بنطال جينز”..) بليرة واحدة فقط! من عند التجار المتفقين سلفًا على موعد إطلاق الحملة ونهايتها، للدلالة على قيمة الليرة “معنويًا” خلاف قيمتها السوقية! وكانت نهاية الحملة، كما هو متوقع، بانفكاك حملة “بدنا نعيش” ومطالب الشباب الحقة في تظاهرتهم السلمية التي تحمل في طياتها أبعاد التغيير السياسي، وما ينتج عنه من تحسين في الوضع المعاشي العام، وشعورهم بعدم جدواها!

الدلالة الأوضح، من تباين الحملتين ومستوى العمل الإعلامي عليهما، تبدّت اليوم، فعلى الرغم من الوضع المعيشي في الداخل السوري الكارثي، فإن عنوان الوضع العريض البحث عن حلول فردية للاستمرار على قيد الحياة فقط، بعد أن فقد المجموع العام الثقة في إمكانية التغيير على المستوى السياسي والاقتصادي بالضرورة. وهذه مفارقة ذات دلالات اجتماعية ونفسية عامة، تشير إلى مستوى الإرهاق النفسي والوهن العام المصحوب بالعجز والاستسلام الشعبي وانتظار الحلول السحرية، خاصة أن المجموع العام بات يعتقد قطعيًا أن الحل لم يعد بيد السوريين، بقدر ما هو بيد الدول الكبرى، هذا في مقابل تحمّل واقع معيشي بات كارثيًا، بحمله وتركته، نتيجة استمرار آلة الحرب والقتل والتهجير والدمار في عموم الأرض السورية منذ سنوات دون حلّ لها.

فقبل عام، كان الدولار بألف ليرة، وسعر كيلو السكر والرز وسطيًا 250 ليرة، والبرغل والفواكه والخضار الكيلو نحو 300 ليرة… وكان مايك فغالي، عرّاب تصدير وجبات الوهم للشعوب المقهورة، يتنبأ بعودة الليرة لعزها لما قبل 2011، وبأن اقتصاد سورية سيصبح من أقوى اقتصادات المنطقة، والأخبار تتحدث عن حجم الاستثمار الروسي في غاز البحر المتوسط السوري، وعن عائدات إعادة الإعمار القادمة إلى سورية! ولكن اليوم، واليوم بات مهزلة سياسية وإعلامية معًا، قد قارب سعر صرف الدولار 4000 ليرة، وتضاعفت أسعار السلع ثماني مرات عن العام السابق، وبات ما يزيد عن 85% من سكان سورية دون خط الفقر، والوقود من محروقات وغاز وبنزين، ومثلها مواد التموين الأساسية كالسكر والرز والخبز ونادرًا الزيت، تُصرف على بطاقة تسمى “ذكية”، تحدد للأسرة -بحسب عدد أفرادها- كمية احتياجاتهم اليومية والشهرية بطريقة متذاكية تسمى “القطّارة التموينية”. فمتوسط الراتب الشهري 60000 ليرة (15 دولار) لا يكفي لتأمين أبسط حاجيات الكفاف الأسرية لأيام معدودة! وما زال البعض يخاتل بمقولة “الليرة عزتنا”، ويبيع الوهم النفسي خلاف الواقع المعاشي السائد، والأهم من هذا كله الاستمرار في تخدير المجتمع، وكسر إرادة الشباب المعنوية أمام صخرة الواقع المعيشي!

السؤال المطروح اليوم: هل يمكن للإرادة وحدها أن تحقق إجماعًا شعبيًا قادرًا على إحداث مفارقة مجتمعية كما في العام 2011؟ وهل يمكن لإرادة الشباب منفردة أن تعيد الروح السورية للانتفاض من خدرها، إذا ما فكّروا في تنظيم حملات مدنية سلمية لرفض الواقع الحياتي المدقع والمطالبة بتغييره اليوم، دون أن يكون هناك جدول عمل سياسي مرافق لقواه السياسية والمجتمعية بالضغط بذات الاتجاه؟

كمقدمة للإجابة على هذه الأسئلة، من الضروري العودة للمفارقة المحدثة بين حملة “بدنا نعيش”، والحملة الإعلامية المضادة “الليرة عزتنا”؛ فثمة دلالات دقيقة تشير كلّ منها إلى اتجاه سلوكي ونفسي، يمكن أن يؤخذ منهجيًا بعين الاعتبار في أي عمل شعبي تغيري. فقيمة الليرة تعني قيمة الدخل الوطني، و”الليرة عزتنا” دلالة أولى على ارتباط كرامة المواطن بقيمة دخله العملي والإنتاجي المعبّر عنه بسعر قيمة عملته المحلية، وهذا بالمبدأ أمرٌ جوهري مهمّ وضروري، لكن تحوّله إلى بيع الوهم وتخدير الشعوب، واستثمار وجدانهم البسيط وحاجتهم الطبيعية، ليصبحوا أفرادًا يبحثون عن حلول فردية فقط بلا إرادة جمعية، هو الدلالة الإعلامية! وهذا يعني -وفقًا لمعطيات الواقع الراهن وهبوط قيمة الليرة لهذا المستوى المتدني اليوم-أنها ليست سوى شعار بلا مضمون، كما شعار الوحدة والحرية والاشتراكية. فالواقع السياسي السوري قد عرف طوال عقود بأن كل من يحاول الخروج عن منظومة الاستبداد هذه وزيف شعاراتها، ولو كان ذلك برأي مختلف، يٌتّهم بالعمالة والخيانة الوطنية ووهن نفسية الأمية والعمل ضد الاشتراكية، ويكون مصيره المعتقلات! ويصبح عبرة لغيره من بقية شرائح المجتمع حتى لا تجرؤ على الخروج عن سياسة الخوف التي حكمت المجتمع بالحديد والنار عقودًا! فكيف الحال اليوم وتُهمة الإرهاب سهلة التداول، وتكفير وتهجير جيل الشباب هو العمل المنهجي المعمول به سلطويًا، بعد أن حطم السوريون حاجز الخوف هذا العام 2011، فكان مصيرهم التهجير والموت في المعتقلات والدمار العام، ليصبح من تبقى في سورية بين خيارين ليس إلا: إما أن يجد المصير الذي أحاق ببقية السوريين، وإما أن يكتفي بحدود ما تقدمه له الحكومة ونظامها من فتات قوته اليومي دون التفكير بأي تغيير ممكن!

في مقابل هذا، كانت حملة “بدنا نعيش” دلالة على استمرار إرادة الحياة والحقوق الشبابية، ورفض الشباب الاستسلام لمصيرهم الذي رسمته لهم سلطة وحكومة الأمر الواقع، وعلى ارتباط المعنى الحقوقي والحياتي بأبسط أشكاله المطلبية الجمعية كحلٍّ للمعضلة السورية الداخلية، بعد طول استعصائها السياسي. ولكن أتت النتائج خلاف ما هو متوقع، حيث كان الأثر الإعلامي لحملة “الليرة عزتنا” الواهية قادرًا على إيقاف المعنى الحقوقي والسياسي لإرادة الشباب! وهذا دلالة على المستوى النفسي المجتمعي العام الذي بات بأدنى مستوياته الإرادية، إضافة إلى استمرار تكريس الحالة السورية على وضعها الراهن لمصلحة قلة من المنتفعين، من متنفذي السلطة والحكومة وأجهزتها التابعة لها والتجار المرتبطين بفلكهم، لتبقى الأزمات تغذي جيوبهم، وليذهب الشباب إلى الجحيم من خلال تحويلهم إلى مرتزقة في ليبيا وغيرها، و/أو عمّال في تجارة الممنوعات والمخدرات!

المفارقة الأشد وضوحًا هي استمرار المنهجية السلطوية التي عملت على تزيف مقولات الحرية والإرادة الشعبية وإفراغها من مضمونها تاريخيًا، وإفلاس الاقتصاد والليرة حاليًا بحلولها الممارسة للعام العاشر على التوالي، بينما لم تزل إرادة الشباب التواقة للحرية والحياة الكريمة تحاول استعادة معناها وفكرها وثقافتها الدالة على استحقاق الحياة بجدارة، مصرة على التواصلية الحوارية واللغوية، من دون تراجع أو استسلام مع المحيط المجتمعي العام على أرضية أحقية تأمين الحاجات الأولى في الحياة الكريمة والآمنة! وأيضًا ممارسة وجدانها الوطني بالتمسك بحقهم بالتجمع السلمي المطلبي، بالرغم من خطر الاعتقال والملاحقة الأمنية، والإشهار برفضهم لممارسات السلطة وعدم انصياعها لأي حل مقترح للمعضلة السورية! فإن كانت عين السلطة ما زالت ترقب بحذر أي حراك في الشارع، وتعمل على تفنيده بألف طريقة وطريقة، فإن أطيافًا سياسية سورية معارضة عريضة ما زالت غارقة في خلافاتها المكررة إلى اليوم، مكتفية بوهم حلولها ومسلماتها الأيديولوجية المفترضة، دون النظر إلى متغيرات الواقع الحالي ومراجعة سياساتها وخطط عملها، وهذا افتراق ومغايرة!

إذا كانت السيميائية (السيمولوجيا) تعدّ دراسات حديثة وعصرية تدرس في أحد أوجهها دلالة ترابط اللغة، ومنها الإعلام، مع الحدث والمجريات الواقعية، لتقيم الرابطة الفعلية بين معطيات الواقع بشموله السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي، وبين اللغة منطوقًا وكتابة وإعلامًا، فهل يمكن أن نتساءل عن دور الإعلام السوري وكتله السياسية المعارضة وعن خططها ومنهجيتها في كيفية تعاملها مع الداخل السوري، في مقابل وموازاة إعلام السلطة؟ وهل يحق لنا أن نحمّل المتبقي في الداخل، وخاصة الشباب، تركة وعبء قساوة المرحلة الحالية، دون مشاركة مسؤولة من خبراء السياسة عن حلّ سياسي يُفضي إلى إمكانية استعادة الروح السورية تضامنها وقواها الذاتية، بدلًا من ارتهانها للسكون النفسي الجمعي هذا، أو للمشاريع الخارجية المشبوهة، أو لسياسة الإفلاس المحلي للسلطات بمقولات بلا مضمون، كالمقاومة والممانعة و”الليرة عزتنا”؟ وهل يحقّ لنا اليوم، بعد هذا الانهيار العام، أن نكرر خلف “الماغوط”، على لسان أحد أبطال قصصه، الذي يبيع الجرائد المحلية مناديًا: “الوطن بليرة”، كدلالة لا على قيمة الوطن المتخم بالكوارث بذاته، بقدر الإشارة إلى قيمة المواطن فيه؟ والوطن برمته مرتهن لمن يريده مفلسًا وطنيًا من قبل صنّاع السياسة وتجار الأزمات والمتحكمين في وجدان الناس إلى اليوم؟ والسؤال الأوضح: هل واقعٌ، بهذه المعطيات، يحتاج إلى علوم حديثة كالسيميائية لدراسته واستخلاص نتائجه الممكنة للعمل؟ أم يحتاج إلى قليل من المسؤولية الوطنية، معارضة و/أو سلطة!

عجبي! … فالإفلاس لا دلالة عليه سوى الإفلاس بذاته.

مركز حرمون

————————-

السوريون أحياء لكنهم لا يعيشون/ عامر فياض

بالرغم من حجم الخسائر والأذى الكبير الذي ألحقته الحرب الطويلة في الاقتصاد السوري، إلا أن الأشهر الأخيرة، التي أعقبت أزمة كورونا وتطبيق قانون قيصر، أجهزت على ما نجا من ذلك الاقتصاد وعلى الواقع المعيشي للناس، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، حيث ازداد حجم التضخم بشكلٍ غير مسبوق وتوالت انهيارات الليرة السورية يوماً بعد يوم ليتضاعف سعر صرف الدولار خلال نحو عام من 600 إلى 3300 ليرة، وهو ما أعدم القدرة الشرائية عند معظم الناس وجعلهم يترحمون على السنوات الماضية التي -رغم قساوة الحرب وشبح الخوف من الموت- كانوا خلالها، على الأقل، يتدبرون لقمة عيشهم التي باتوا اليوم مهددين بالحرمان منها.

المضحك المبكي

تصدرت سورية قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، وتقدر الأمم المتحدة أن 90 % من الشعب السوري بات يعيش تحت خط الفقر (دخل الفرد 1,90 دولار يومياً)، ما يعني أن عائلة مكونة من أربعة أفراد ستحتاج إلى  8 دولارات (27 ألف ليرة) يومياً لتكون فقيرة، ورغم ذلك يعتبر هذا الرقم ضرباً من الخيال وحلماً مستحيلاً،  فهو يعادل نصف الدخل الشهري لغالبية موظفي القطاع الحكومي، ويشكل تقريباً ربع متوسط دخل معظم موظفي القطاع الخاص.

في أحد أحياء دمشق، داخل محل لبيع الخضار والفاكهة يعلِّق موظفٌ حكومي، خلال تبضعه، ساخراً من انعدام قدرته الشرائية: “راتبي الشهري لا يشتري سوى 10 كيلو باذنجان و12 كيلو كوسا”. تؤيده سيدة كانت تدفع ثمن أربعة أكياس ضئيلة الحجم: “هذه الأكياس كلفتني ربع راتب زوجي، وإذا أكملت تسوقي اليوم فلن يتبقى من ذلك الراتب أي ليرة”.

وعن مأساة دخلها الشهري تتحدث أم ضياء (45 عاماً) وهي نازحة تقيم في دمشق وتعيل ثلاثة أطفال: “راتبي في الوظيفة الحكومية 46 ألف ليرة، يكفيني فقط ثمناً للسجائر. أما دخل عملي المسائي في محل لبيع الألبسة فهو60 ألف ليرة، يذهب بأكمله إيجاراً للمنزل البائس الذي نسكنه، لذا نعتاش فقط على بعض المساعدات المالية التي يرسلها أقاربي من الخارج”.

وبالرغم من أن دخل مدرس الموسيقى وعازف العود يزن (40عاماً) يُعد أفضل من غيره بكثير، إلا أنه يبقيه في صف الفقراء. ويتحدث بسخرية عن أجور المدرسين في المعاهد الخاصة بدمشق: “أجر  ساعة التدريس 2000 ليرة في أحسن الأحوال، وهو لا يكفي لشراء سندويشة شاورما أو علبة متة،  فما جنيته من عمل يومٍ كاملٍ أنفقته في  شراء عشر بيضات دجاج وكيلو سكر وعلبتي سجائر من أردأ الأنواع”. ويقارن المُدرس الواقع الحالي بواقع ما قبل الحرب: “حتى عام 2011 كنا نتقاضى 500 ليرة (10 دولارت) لقاء ساعة التدريس، ولو أنني اليوم أمارس عملي هذا في أي دولة أخرى لأصبحت من الأثرياء”. لكن المدرس يبرر للمعاهد عدم رفع رسم الاشتراك الشهري لطلبتها لأنها بذلك “ستغلق أبوابها وستخسر أغلب الطلاب الذين يعجز ذووهم عن دفع أي مبلغ إضافي، بعد أن أصبح  تعلم الموسيقى نوعاً من الترف ورفاهية لا داعي لها”.

أساسيات تحولت إلى كماليات

بيوت السوريين التي كانت مشرعة لاستقبال الضيوف لتجود عليهم بالكثير من كرم الضيافة، خلت اليوم من أبسط متطلبات الحياة لتبخل حتى على سكانها، الذين باتوا عاجزين عن تقديم فنجان قهوة أو رغيف خبز لضيوفهم، حيث تخلى الكثير منهم عن معظم أساسيات المعيشة التي تحولت إلى كماليات، كالخضار والفاكهة التي يحدثنا أبو رامي (صاحب سوبر ماركت في مدينة جرمانا) عن واقع مبيعاتها: “فيما مضى كانت طعام الفقراء، ويزِنون منها ما يعجزون عن حمله، لكن معظم زبائننا اليوم أصبحوا يشترونها بتقشف شديد (أوقية، نصف كيلو) وأحياناً يكتفون بما يشبه العيِّنات منها (خيارتان، باذنجانة، ثلاث بصلات صغيرة، تفاحتان، رأس ثوم.. الخ). فيما يجبر المعدمون على شراء التالف منها بأسعارٍ مخفضة”. ويرى أبو رامي أن تحليق أسعارها بشكل يفوق كل التوقعات، جاء نتيجة تصديرها للخارج -كونها تحقق أرباحاً أفضل لتجار الأزمات- وارتفاع تكاليف النقل وأسعار الأسمدة والمبيدات التي لم تعد متوفرة وبات من الصعب استيرادها في ظل قانون قيصر.

“آخر مرة دخل لحم الخروف لمطبخنا كانت منذ ستة أشهر، فيما تمتعنا قبل أسبوعين بنصف كيلو جوانح (أدنى قطع الفروج سعراً). نرفه أنفسنا كل حين بشراء كيلو تفاح أو برتقال، أما الأجبان والمعلبات والموالح والأطعمة الجاهزة وبعض الخضراوات والفاكهة فقد ألغيناها من حياتنا بشكل كامل”. هكذا تصف أم محمود الواقع المعيشي لعائلتها، التي لم تقف حالة تقشفها عند ذلك الحد، حيث تضيف: “استغنينا عن التوابل وبهارات الطعام بأكملها، لنكتفي ببعض الفلفل الأسود في أحسن الأحوال. تخلينا عن عادات قلي الأطعمة لأن أسوأ نوع زيت نباتي تجاوز سعر الليتر منه  6500ليرة. نقنن في مادة السكر بشكل كبير وقد تخلينا عن صناعة الحلويات المنزلية. نضيف لعلبة اللبن الكثير من الماء لنزيد كميته. وإلى جانب ذلك اختصرنا عدد مرات شرب القهوة والشاي لمرة واحدة في اليوم بعد أن كنا نشربها لأكثر من ثلاث مرات”.

ونتيجة عجز الناس حتى عن شراء لحم الفروج، الذي وصل سعر كيلو الشرحات منه إلى 9500 ليرة، “بات بعضهم يلجأ لشراء ما يسمى بـ”الأقفاص” (الرقبة وعظم الظهر) والتي كانت تباع بسعر شبه مجاني كطعام للقطط والكلاب”. هذا ما يؤكده أبو هشام، صاحب محل لبيع الفروج، مضيفاً: “أصبحت كميات اللحوم التي نأتي بها من المسلخ قليلة جداً وذلك خوفاً من تعرضها للتلف، حيث تبقى في البراد لأيام عديدة  نتيجة ضعف الاقبال على شرائها. وبعد أن كان الناس يحسدوننا على مهنتنا هذه أصبحت اليوم لا تحقق أي أرباحٍ تُذكر ولا تعود علينا سوى بالتعب والمعاناة”.

أما لحم الخاروف، الذي كان الناس فيما مضى يوزعونه بكرم في الأعياد و الأضاحي والمناسبات والنذور، فقد حرموا اليوم حتى من شم رائحته ولا يسعهم سوى النظر إليه بغصّةٍ وألم، بعد أن حلّقَ سعر كيلو الهبرة منه إلى 23 ألف ليرة، فيما بلغ سعر كيلو هبرة لحم العجل 18 ألف.

ويعود سبب الغلاء الفاحش في أسعار اللحوم بحسب أبوهشام “لارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة وتناقص كميات استيرادها، بالإضافة لعدم توفر الأعلاف البديلة والمصنعة محلياً، وتضرر قطاع الزراعة بشكل كبير وغياب المساحات المزروعة، هذا إلى جانب نفوق أعدادٍ كبيرة من الثروة الحيوانية، نتيجة ظروف الحرب، وتصدير وتهريب جزء كبير منها، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما قلص نسبة وجودها في الأسواق المحلية”.

وقد أكد رئيس جمعية اللحامين إدمون قطيش في حديث لإذاعة “ميلودي إف إم” أن الثروة الحيوانية في سورية آيلة للانقراض، وستستمر أسعار اللحوم بالارتفاع  ما لم تتأمن الأعلاف، وتُدعم من قبل الحكومة، ويتم زراعة 80 إلى 90٪ من الأراضي من قبل وزارة الزراعة.

“فوق الموتة عصّة قبر” 

لم يكتف السوريون بمعاناتهم مع تردي الواقع الاقتصادي والمعيشي بل تهافتت أزمات الوقود والكهرباء والغاز والخبز وغيرها لتضيف على حياتهم البائسة معاناة يومية لا تحصى ولتحملهم أعباءً اقتصادية إضافية. فقد أسهمت أزمة المحروقات في ارتفاع أجور المواصلات والنقل بشكلٍ مخيف، كما أثرت على دخل سائقي سيارات النقل والتاكسي، وعن ذلك يحدثنا أبو وديع ( 56 عاماً/ سائق سيارة أجرة): “نهدر وقتاً طويلاً أمام الكازيات على حساب وقت عملنا في انتظار تعبئة القليل من الوقود، ونضطر أحياناً لشرائه من السوق السوداء، ما يجبرنا على رفع تعرفة النقل، وهو ما أثر على عملنا الذي تراجع بشكل كبير، حيث تخلى الكثيرون عن خدماتنا بعد عجزهم عن دفع نفقات إضافية”.

وفي ظل تفاقم تلك الأزمة يغيب اليوم مازوت التدفئة عن معظم البيوت،  حيث لم تحصل كثير من العائلات على مستحقاتها من المازوت المدعوم (200 ليتر بسعر 38 ألف)، والذي كان من المفترض توزيعه مع بداية فصل الشتاء الذي شارف على الانتهاء، وهو ما ترك الناس يعيشون تحت وطأة خيارين أحلاهما مر: تحمل ظروف البرد القارس، في ظل غياب جميع وسائل التدفئة البديلة، أو اللجوء إلى السوق السوداء كحال عائلة طارق (36 عام) الذي يصف معاناته: ” والداي العجوزان مريضان، ولأن البرد يفاقم وضعهما الصحي سوءاً، أُجبرنا على شراء 200 ليتر  بسعر 1350 ليرة للتر الواحد، وقد كلفنا ذلك نحو 270 ألف ليرة، ما يعادل مجموع راتب والدي التقاعدي لستة أشهر”.  ويضيف بقهر وحزن : “هذه البلاد أصبحت ملكاً لتجار الأزمات وأثرياء الحرب فقط، إذ كيف نُحرم من مازوت التدفئة فيما  يتوفر بسخاء في السوق السوداء التي تجد فيها كل شيء تعجز الحكومة عن تأمينه كالبنزين والغاز والخبز وغير ذلك ؟”.

ويبقى لأزمة انقطاع الكهرباء، التي تغيب لأربع ساعات لتحضر ساعتين، الأثر السلبي الأكبر في حياة الناس، فإلى جانب معاناتهم اليومية، في انتظار شحن الهواتف والبطاريات، وتسخين الماء وتشغيل بعض الأجهزة الكهربائية المنزلية، يُجبرون على شراء لوازم الإنارة البديلة، كبطاريات الشحن والليدات، والتي قد تكلفهم راتب شهرٍ كاملاً وأكثر.

كما أدى هذا الواقع إلى شلل حركة الكثير من المهن والأعمال كورشات النجارة والحدادة والمعامل والمصانع الصغيرة وغيرها، فقد انتظر النجار أبو خالد خمس ساعات لينهي عملاً يحتاج لتشغيل المنشار الكهربائي لمدة نصف ساعة. وقد كان فيما مضى يتدبر أمر العمل بالاستعانة بمولدة للكهرباء لكن غياب المازوت حرمه من ذلك.

وفي مشهد يومي غريب نجد سامر (39 عاماً) بعد منتصف الليل منهمكاً في عمله داخل مصبغة لغسل وصباغة الثياب  في محاولة لاستثمار توفر الكهرباء، التي برمج حياته معها، حيث يغادر عمله خلال انقطاعها ويعود مع قدومها، فينام نوماً متقطعاً، ولا يعرف نهاره من ليله.

ويبقى سؤال “كيف يعيش الناس في سورية؟”، الذي يُطرح كل يومٍ آلاف المراتو سؤالاً يؤرِق ويحيِّر الجميع، فهؤلاء الناس غيروا منطق الحياة وطبيعتها، إذ كيف يمكن لهم أن يبقوا أحياءً وهم لا يعيشون؟.

About the Author: Amer Fayyad

عامر فياض موسيقي وكاتب سوري – دمشق

—————————

شتاء سوري طويل دون تدفئة/ محمد المحمد الصالح الواوي

رغم أن قسماً كبيراً من البشر حول العالم يعشقون فصل الشتاء، ويفضلونه على بقية فصول العام، إلا أن جزءاً من المواطنين السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة واللاجئين منهم في المخيمات باتوا يربطون هذا الفصل بالمعاناة في ظل البرد وبالحرمان من الدفء.

وبعد انقضاء شهري كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير)، واقتراب فصل الربيع، تمضي عائلات سورية ليالي صعبة كلما انخفضت درجات الحرارة، وتساقط المطر أو تشكل الجليد. ينتظر عابد من سكان “معضمية الشام” بريف دمشق، وصول رسالة تعبئة مازوت من شركة “تكامل” تزوده برقم للتواصل مع الموزع، إلا أنها لم تصل رغم تسجيل طلبه منذ أيلول الماضي. وعن تجربته يقول عابد: “كرهت كل ما يتعلق بالشتاء، خصوصاً عند تشكل موجات الصقيع، حصلت العام الماضي على 200 ليتر وفق دفعتين، في كل دفعة 100 ليتر، الأولى في كانون الثاني والثانية في آذار (مارس)، ادخرت منهما 75 ليتراً، بدأت استعمالها بتقشف وحذر شديدين خلال موسم الشتاء الحالي”. ويضيف “لم تكن عائلتي تشعل المدفأة إلا ساعة أو ساعتين كحد أقصى ليلاً؛ خشية نفاد كمية المازوت، ومعظم المساء كنا نلتحف بالبطانيات ونرتدي ثياباً سميكة درءاً للمرض”.

وأعلنت شركة “محروقات” في آب (أغسطس) الماضي عن استمرارها بتسجيل البطاقات وتوزيع مادة مازوت التدفئة لموسم شتاء 2020-2021، عبر البطاقة الإلكترونية العائلية بمعدل 200 ليتر لكل عائلة للدفعة الأولى في جميع المحافظات، على أن يتم توزيع الدفعة الثانية بكمية 200 ليتر بعد استكمال الدفعة الأولى. وتدير شركة “تكامل” مشروع البطاقة الذكية (الإلكترونية)، وهو يهدف إلى أتمتة توزيع المشتقات النفطية وغيرها من المواد والخدمات على العائلات والآليات في سورية، وهو مشروع عائد لوزارة “النفط والثروة المعدنية”. كما أعلنت مديرية فرع دمشق لشركة “محروقات” بأنه سيتم بدء توزيع مادة مازوت التدفئة مع دخول شهر أيلول (سبتمبر) 2020.

وتتطابق معاناة عابد مع آلاف الأسر السورية التي لم تحصل على مخصصاتها من مازوت التدفئة حتى الآن، ما يضطر بعضها للاحتيال على البرد عن طريق وسائل تدفئة أخرى، كالمدافئ التي تعمل على الغاز المنزلي، لكنه حل غير مجد، خاصة في الأرياف، إذ أصبحت مخصصات كل أسرة سورية أسطوانة غاز كل شهرين تقريباً، كما أن الأفضلية للطبخ وتسخين المياه خلال البرد، وهي في كل الأحوال لا تكفي لأكثر من عدة أسابيع تبعاً لعدد أفراد الأسرة وحجم الاستهلاك.

ويعتمد كثير من المواطنين على المدافئ الكهربائية، لكن الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي وعدم الالتزام ببرنامج التقنين المعتاد وهو رسمياً أربع ساعات قطع مقابل ساعتي وصل في ريف دمشق مثلاً، ما يعني أن ساعات التغذية، بحسب البرنامج، هي 8 ساعات، إلا أن الواقع يخالف ذلك، مع التعطل المستمر في الشبكة الكهربائية، وغياب عدالة التوزيع بين المناطق، بين دمشق وريفها مثالاً، وقد تحصل بعض البلدات والمدن على أقل من ساعتين أحياناً.

وتشتري بعض العائلات ممن تملك قدرة مالية أفضل الحطب للتدفئة، إذ تراوح سعر طن الحطب في بعض المحافظات ما بين 80 إلى 130 ألف حسب النوع والجودة. وتحتاج العائلة، حسب عدد الأفراد وكمية الاستهلاك، إلى ما بين 3 إلى 5 طن، بسعر يتجاوز 500 ألف ليرة سورية، وهي أسعار لا تتناسب كلياً مع متوسط الأجور، الذي يقترب من 60 ألف ليرة سورية في القطاع الحكومي.

وأطلقت “وزارة النفط والثروة المعدنية” منتصف شهر كانون الثاني (ينانير) من العام الجاري خدمة الرسائل النصية القصيرة لتوزيع مادة مازوت التدفئة في محافظتي دمشق وريفها. وأوضحت الوزارة، في بيان صحفي نقلته وكالة “سانا” للأنباء الحكومية، أنه سيتم إرسال رسالة نصية من الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات) إلى الرقم الشخصي للمواطن المعني يتم من خلالها إعلامه بدخول طلبه ضمن جولة التوزيع. وتتضمن الرسالة اسم سائق الصهريج ورقم جواله ليتمكن مالك البطاقة الالكترونية من التواصل مع السائق بشكل مباشر لاستلام مخصصاته. وأكدت الوزارة أن التوزيع حالياً محصور بطلبات البطاقات التي لم تستلم الدفعة الثانية من الموسم السابق وسيتم الانتقال بعد تنفيذ هذه الطلبات للطلبات الجديدة وبحسب أقدمية التسجيل.

ومع تأخر الحصول على مخصصات مازوت التدفئة المدعوم سعرها من الحكومة السورية، لجأت إسراء من سكان منطقة ركن الدين بدمشق إلى شراء حاجتها من المادة عبر “السوق السوداء”. ويبدو أن الفرق السعري كبير، إذ يبلغ سعر ليتر المازوت المدعوم 185 ليرة سورية تقريباً، في حين وصل سعر الليتر في “السوق السوداء” إلى 1300 ليرة سورية في حال توفره، مع وجود مخاطر قانونية على البائع والمشتري للتلاعب وبيع مادة مدعوم سعرها من الدولة بحسب القوانين السورية.

وكشف مصدر في شركة محروقات لتلفزيون “الخبر” المحلي منتصف كانون الثاني من العام الجاري، أنه “بلغت نسبة توزيع مادة مازوت التدفئة في مدينة دمشق 18% من مجمل الطلبات التي سجلت على المادة”. وبين المصدر أن “انخفاض الكميات الواردة من مادة المازوت أدى إلى انخفاض توزيع طلبات مازوت التدفئة إلى 35 طلباً في اليوم الواحد بدمشق، بينما كان يتم توزيع 68 طلباً باليوم الواحد العام الماضي”.

وقال مصدر في محافظة ريف دمشق لموقع “أثر برس” المحلي بداية شباط (فبراير) الجاري، إن عدد البطاقات التي وزعت مازوت التدفئة عليها بلغ 175 ألف بطاقة، من أصل 653 ألف بطاقة صادرة عن ريف دمشق”، أي بنسبة أقل من الثلث، مشيراً إلى أنه في حال استمر التوزيع بهذا البطء فسنحتاج إلى عشرة أشهر لانتهاء توزيع الدفعة الأولى من مخصصات المازوت. وأضاف أنه يصل إلى ريف دمشق يومياً نحو 36 طلب مازوت، يوزع منها بحدود 20 إلى 22 طلباً للتدفئة، أي بحدود 500 إلى 600 ألف ليتر يومياً وما تبقى لباقي القطاعات، مبيناً أن عملية التوزيع مستمرة لتحصل كافة الأسر على مستحقاتها. ووزعت لجان المحروقات الفرعية في بعض المحافظات مثل درعا وحلب 100 ليتر فقط لكل عائلة في محاولة إسعافية مع صعوبة توزيع 200 ليتر فوراً.

بعد أشهر من الانتظار بفارغ الصبر، وصلت رسالة نصية إلى أحمد من سكان منطقة الكسوة بريف دمشق، ليتواصل مع الموزع في منطقته، وبالفعل حصل على 200 ليتر دفعة واحدة، يقول أحمد مبتسماً في حديثه الخاص معنا: “أنا محظوظ فعلاً، لكنني اضطررت إلى بيع 100 ليتر منها، بسبب تردي وضعي المعيشي، ومرض طفلي”.

وصرحت أكجمال ماجتيموفا ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، في حزيران (يونيو) من العام الماضي، إنه وبعد تسع سنوات من الصراع المسلح، يعيش أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر البالغ دولارين في اليوم بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية. بحسب ما نقلت وكالة “رويترز” للأنباء.

About the Author: Mohammad Wawi     

محمد المحمد الصالح الواوي: صحفي سوري

————————————-

لم يتبقَّ شيءٌ للبيع غيرُ كليتي”/ هيـّــام كـرم

صار مألوفاً في الآونة الأخيرة أن تكثر في شوارع دمشق المكتظة بالمارة ملصقات على الجدران تحوي إعلاناتٍ من قبيل “مريض يحتاج متبرعاً بكلية زمرة دم A+”، مع وضع أرقام هواتف علنية للتواصل، أو إعلاناتٍ لمواطنين يبدون استعدادهم للتبرع بأعضائهم. هذه الوفرة في الإعلانات تتجاوز الحاجة الطبيعية للتبرع بالكلى لتصل إلى مستوىً آخر يتعلق برواج تجارة الأعضاء في سوريا.

بعد سنواتٍ من الحرب، بات معظم السوريين يصارعون من أجل البقاء بعد دمار اقتصاد بلادهم والتدهور المتسارع للأوضاع المعيشية يوماً بعد يوم، حيث لاتتناسب الأجور والرواتب مع المصاريف، مما اضطرهم إلى ضبطٍ صارمٍ للنفقات. وقد حصلت انزياحات كبيرة للطبقة الوسطى باتجاه خانة الفقر، فبات أكثر من 93 بالمئة من السوريين في حالة فقر وحرمان ومايقارب 60 بالمئة يعيشون في حالة فقر مدقع، وفقاً لتقرير الأمن الغذائي في سوريا لعام 2019 والذي أنجزه “المركز السوري لبحوث السياسات” بالتعاون مع “الجامعة الأمريكية في بيروت”؛ كما يواجه نحو 700 ألف طفل سوري خطر الجوع بناءً على أحدث تقريرفي العام المنصرم لمنظمة “أنقذوا الأطفال”. وقد أصبحت الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص، تحتاج إلى 732 ألف ليرة شهرياً لتغطية حاجيات الاستهلاك الأساسية، وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء في نهاية عام 2020 لتتضاعف بنسبة 192% خلال العام ذاته.

ومع تردي الخدمات الصحية والطبية، اضطر العديد  من الفقراء إلى بيع ممتلكاتهم بتأمين تكاليف العلاج؛ يقول الدكتور فراس الضمان، الطبيب المقيم في مدينة السلمية: “هذا قهر كبير! تمَّ  استدعائي  إسعافياً إلى  منزل  أحد  المرضى، وهو  موظف  متقاعد، المفاجأة  المؤلمة  أنَّ  الغرفة  التي  يستلقي  فيها  المريض  كانت  لا تحتوي  سوى  حصير  قديمة  وحيدة مع  كرسي  بلاستيكي وطربيزة  صغيرة  قديمة؛ هم  كل  الأثاث  الموجود  في  غرفة  الاستقبال  التي  يعيش  فيها  المريض  وعائلته؟! الموظفون السوريون  يبيعون  أثاث  بيوتهم  كي  يحتفظوا  بكراماتهم في الوقت الذي  يبيع  فيه  المسؤولون  السوريون  كراماتهم  لِيحتفظوا  بأثاث  بيوتهم  و مكاتبهم ؟!”

لكن بعد الأثاث، ماذا يتبقى للبيع من أجل التداوي وإكمال حياة سُدَّت كل سبل الخلاص فيها! هل أصبح قدر السوري أن يأكل من لحمه ودمه؟ هذا هو حال  زوجين  سوريين عرضا كليتيهما للبيع في أواخر عام 2020، وفقاً لصحيفة البعث الرسمية، قبل أن يتم حذف التحقيق بعد أيام من نشره. وبحسب التقرير فإنّ تجارة الأعضاء باتت رائجة جداً في البلاد نتيجة الفقر وغياب الرقابة، وذكرت الصحيفة أنّ عاملاً مياوماً  تعرّض منزله للدمار نتيجة المعارك في حرستا بريف دمشق، ثم انتقل مع عائلته إلى منزل للإيجار، واضطر لبيع كليته بمبلغ 30 مليون ليرة سورية، ليجري عملية قلب مفتوح لابنه، وتسديد الديون المتراكمة عليه؛ وسرعان ما قامت زوجته بدورها بعرض كليتها للبيع بالمبلغ ذاته لتتمكن العائلة من شراء منزل صغير وسيارة  يعمل عليها الزوج.

بالإضافة إلى الإعلانات الطرقية، تتيح منصات التواصل الاجتماعي إمكانية بيع وشراء الأعضاء البشرية؛ علا ابراهيم وغسان ابراهيم من درعا، والدان للطفلتين، شهد وآية، المصابتين بفقدان حاستي السمع والنطق، وتحتاجان لزراعة حلزون في الأذن، بكلفة 40 مليون ليرة سورية لكل طفلة، ولم يجدا مساعدة من الجمعيات الخيرية، ما دفعهما لعرض كليتيهما للبيع على مجموعات الفيسبوك المتخصصة بالبيع والشراء. يقول والد الطفلتين غسان: “عندما تعيش مع طفلتيك وتنظر إلى الأطفال من حولك وهم بحالة صحية جيدة، تقول في نفسك ماذا أريد من نفسي، أنا عشت عمري لأمنحهن الحياة ولتعيشا حياة سليمة وطبيعية مثل أي طفل سليم.”

تتيح الصفحات الخاصة على الفيس بوك الفرصة للمحتاجين والمهتمين بيع الأعضاء البشرية؛ لتحتل دمشق وبعدها ريف طرطوس المرتبة الأولى من حيث نسبة المعلنين عن بيع الكلى من خلال هذه الصفحات خلال النصف الأول من العام المنصرم في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام،  في حين تنتشرإعلانات بيع مشابهة على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بمناطق الشمال السوري حيث يعرض من خلالها الشبان عضواً أو أكثر من أجزاء أجسامهم لقاء مبلغ مالي بسيط.

إحدى الصفحات تحمل إسم “إعلانات بيع الأعضاء_البشرية”، كان آخر تحديث لها في نيسان الماضي أبلغت فيه متابعيها أن العرض فاق الطلب، لكن عروض بيع الكلى استمرّت في التعليقات، وتراوحت أعمار العارضين بين 25 و47 عاماً، ونسبة العروض من قبل الذكور تفوق مثيلاتها من قبل الإناث.

كتب شخصٌ يُدعى “جمال” يبلغ من العمر 34 سنةً، أنه يريد بيع كليته أو حتى كبده، مؤكداً أن صحته ممتازة وبحسب الصفحات المخصصة بتجارة الأعضاء البشرية على الفيسبوك، يتراوح سعر الكلية الواحدة بين 60 – 70 ألف دولار خارج سوريا (نحو 175 مليون ليرة سورية) وهذا السعر بحسب تسعيرات شهر شباط الماضي، أي أنه من المرجح بأنه قد ارتفع كثيراً، بينما يتراوح السعر داخل سوريا، بين 10 آلاف و20 ألف دولار وفق سعر الصرف (30 – 60 مليون ليرة فقط) بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، أي 3000 ليرة لكل دولار.

لايقتصر هذا التفاوت في السعر على استغلال حاجة سوريي الداخل بل يمتد ليطال  اللاجئين في دول الجوار؛ حيث  نشرت  قناة (سي بي إس) الأمريكية  مؤخراً تقريراً مصوراً، التقت خلاله عدداً من اللاجئين السوريين الذين تعرّضوا لعمليات نصب واحتيال بعد بيع أعضائهم لشبكات الإتجار بالأعضاء مقابل مبالغ لم يتم دفع سوى نصفها. في فيلمها المعنون بـ (بيع الأعضاء للبقاء على قيد الحياة) أجرت القناة الأمريكية تحقيقاً شمل منشوراتٍ على الفيسبوك تعرض أموالاً للاجئين مقابل الكلى والأكباد، مشيرة إلى أن التحقيقات قادت إلى اكتشاف قصص مأساوية عن عمليات بيع الأعضاء يديرها سماسرة أتراك وأن شبكات الإتجار بالأعضاء لا تزال تعمل على نطاق واسع وتتاجر بمعاناة اللاجئين السوريين الذين يعيشون في ظروف سيئة ويتعرضون للاستغلال. فيما أشارت هيئة الإذاعة البريطانية  (البي بي سي) في تحقيقٍ آخرٍ إلى أن الأطباء يجرون العمليات الجراحية في منازل مستأجرة تم تحويلها إلى عياداتٍ مؤقتة.  ولم يكن لبنان بعيداً عن هذه “التجارة الرائجة”، فمنذ عام 2013  نشرت مجلة “ديرشبيغل” الألمانية  تقريراً عن قيام مجموعات مختصة بإقناع الكثيرمن اللاجئين السوريين ببيع أعضائهم مقابل مبالغ زهيدة جداً، ووصل ثمن “الكلية” -على سبيل المثال- إلى سبعة آلاف دولار أمريكي فقط، وغالباً ما كان اللاجئون يقومون ببيع أعضائهم من أجل شراء بعض مستلزمات الحياة اليومية.

يعاقب القانون السوري تجارة الأعضاء بالحكم بالسجن والأشغال الشاقة وبدفع غرامات مالية، في حين أن التبرع بالأعضاء مجاناً متاح، كما أنّ زرع الكلى ضمن المشافي الخاصة ممنوع، بينما يُسمح به في المشافي الحكومية وسط إجراءاتٍ مشددةٍ تتعلق بتحليل الأنسجة وموافقة لجنة خاصة وقاضٍ شرعي؛ لكن الفساد المستشري في مفاصل الدولة يتيح لتجار الأعضاء البشرية تسهيل المعاملات، تحت غطاء التبرع الذي يتيحه القانون.

تجارة بيع الأعضاء البشرية، وخاصة الكلى، ليست جديدة، لكن الحكومة تصمت عنها؛ وهي وإن صرحت في إعلامها، نظراً لأن حجم الظاهرة أقوى من نفيها، فإنها تلقي المسؤولية على دول تقول إن هدفها التآمر على النظام الحاكم بكل الوسائل. فقد كان آخر حديث رسمي عن تجارة الأعضاء في سوريا عام 2015 عندما كشفت وزارة الداخلية، عن ضبط حالات تجارة بالكلى على الصعيد الداخلي والخارجي، وأن سوريا أصبحت من دول المنشأ بجرائم الاتجار بالأشخاص، بعدما كانت من دول العبور، حسب تصريح معاون وزير الداخلية حسان معروف. ومنذ بداية 2015 حتى نيسان 2016، تم توثيق أكثر من 18 ألف حالة اتجار بالأعضاء البشرية في سوريا بحسب رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق حسين نوفل، و أشار نوفل إلى أن عدد حالات الإتجار بالأشخاص، التي تم ضبطها في العام 2014، بلغت نحو ألف حالة، معظمها لشبكات تعمل خارج البلاد، وتتواصل مع سوريين في الداخل. وفي منتصف عام 2015 أعلن نقيب أطباء سوريا،عبد القادر الحسن، عن فصل خمسة أطباء وإحالتهم إلى التأديب لتورطهم في تجارة أعضاء البشر.

كما كشفت صحيفة ديليميل  البريطانية عن اعتماد تنظيم داعش في سوريا والعراق على الاتجار بالأعضاء البشرية لتمويل نشاطاته، كما قام التنظيم بتجنيد أطباء أجانب لاستئصال الأعضاء الداخلية، ليس فقط من جثث مقاتليها، وإنما أيضًا من الرهائن الأحياء ومن بينهم أطفال، ووفقاً للصحيفة يتم تهريب الأعضاء إلى بلدان مجاورة من بينها تركيا قبل أن تباع لأوروبا وغيرها، لدرجه أن هناك أكثر من 13 ألف فرنسي ينتظرون متبرعين، فالقرنية بفرنسا تباع بـ 1170 يورو وأما القلب 1050 والكلية 2500 يورو.

وغالباً ما يتم تهريب الكلى عبر الحدود، كما يتم تهريب القرنيات أو غيرها، أو يقوم هؤلاء بالاتفاق مع زبائن عرب لزرع الكلية ضمن سوريا، وهي مسموحة لكن دفع الرسوم يكون بالقطع الأجنبي، إلا أن هذه العمليات توقفت نتيجة إجراءات كورونا، ولذلك يتم البيع لمتلقي محلي وبسعر منخفض لا يلبي طموح المتبرعين.

بينما اختار البعض الموت الرحيم لإنهاء حالة الذل والتشرد بدلاً من الموت البطيء، تبدو خيارات السوريين حالياً متراوحةً بين قعر الفقر وقعر القبر. وتكثر القصص اليومية المشابهة لقصة رجلٍ مقيم في حي جنوب الثكنة في مدينة حماه، حيث أقدم على محاولة حرق نفسه وزوجته وأولاده بجرة غاز قبل أن يتدخل بعض الشبان وينقذوه؛ باعت هذه العائلة كل ما تملك لبناء غرفة على سطح أحد الأبنية ليعيشوا فيها، لكن تم هدمها على أنها مخالفة بناء. لا تمتلك الحكومة السورية حلولاً اقتصادية لمأساة الشعب الذي تحكمه، وهي لا تأبه للمواطن السوري إن باع أعضاءه أو حرق نفسه، وتصمت راضية عن هذه الحلول طالما لا تمس بقاءها في السلطة، تاركة السوريين، الذين كانت سبباً في أزمتهم، ريشة في مهب  الريح ؟

About the Author: Hiam Karm   

هيـّــام كـرم: كاتبة سوريّة

————————–

الفقر يدفع النساء لبيع شعرهن في سوريا/ حسانة سقباني

تعد السنة الأخيرة من أسوأ الأعوام اقتصادياً التي مرت على سوريا خلال سنوات الحرب مما زاد من تأزم الوضع المعيشي لمعظم الأسر، ووصول نسبة الفقر إلى 90 في المائة مع انعدام فرص تحسين دخل الأسرة والارتفاع الفاحش في الأسعار. أدى هذا الوضع إلى لجوء الكثير من النساء إلى بيع  شعرهن أو  شعر بناتهن بسبب الحاجة المادية لتغطية نفقات الاحتياجات الأساسية من توفير المازوت للتدفئة أو مستلزمات المدارس أو بسبب الحاجة لتأمين دواء وعلاج أو حتى لتوفير الطعام.

فاطمة أم  لثلاث فتيات، واحدة منهن من ذوي الاحتياجات الخاصة وتحتاج إلى علاج ودواء بشكل مستمر؛ أجبرتها الظروف الاقتصادية السيئة إلى بيع شعر ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات. وتقول السيدة الثلاثينية: “اضطررت لقصه وبيعه لأحضر الطعام والدواء لها ولأخواتها، وبسبب اضطراري للمال قبلت بيعه بثمن بخس رغم أنه كثيف وطبيعي منسدل لأسفل ظهرها، في البداية لم تقبل المسؤولة في مركز الحلاقة والتجميل شراءه بسبب العروض الكثيرة التي تأتيها من قبل النساء لبيع شعرهن، وعندما رأته وافقت على شرائه ولكن بمبلغ زهيد.” وتضيف بحرقة: “لو كان في حقيبتي ثمن ربطة خبز لما قمت ببيعه حينها.”

قبل عامين كانت تجارة الشعر الطبيعي في سوريا تقتصر على البيع والشراء في صالونات الحلاقة والتجميل وبشكل محدود. أما في الفترة الأخيرة مع  تزايد عروض بيع الشعر بشكل كبير، أصبح هناك من يعمل في بيع وشراء الشعر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حسب “هادي” الذي يملك صالون للحلاقة النسائية في المزة والذي أضاف: “خلال السنة الأخيرة زاد بيع الشعر بشكل كبير، سابقاً كان يعرض علي شراء الشعر قرابة السبع مرات في الشهر، أما خلال السنة الأخيرة  فقد  بلغت عروض البيع نحو 50 مرة شهرياً من مختلف المحافظات عبر الصفحة الرسمية للمركز.”

ويشير “هادي”  أنه في بداية العام الدراسي ومع تزايد المصاريف بالنسبة للعائلات السورية تزامناً مع الظروف الاقتصادية المنهارة في البلاد، تزايد  بشكل ملفت عدد النساء اللواتي يعرضن شعر بناتهن للبيع، ومعظمهن كان يبيع شعر ابنته ليشتري لها المستلزمات الدراسية من قرطاسية وغيرها. ويشارك “هادي”  إحدى القصص الإنسانية التي صادفته: “في بداية العام الدراسي زارتني سيدة تطلب قص شعر ابنتها البالغة من العمر 9 سنوات لبيعه. عندما بدأت في القص، بدأت الفتاة بالبكاء وقالت لوالدتها أنها سوف تشتري بكل المبلغ أغراض المدرسة، لتبدأ السيدة بالتحدث عن ظروفها المادية وحاجتها للمال وعدم وجود معيل مع الارتفاع الفاحش بالأسعار مما اضطرها لبيع كل أغراض منزلها وما تملك”.

يُباع الشعر الطبيعي بالغرام، ويختلف سعر الشراء حسب نوع الشعر، ويتراوح سعر الغرام من 200 إلى 400  ليرة شراء من صاحبة الشعر، و يباع أيضاً بالغرام من 3000 إلى 3500  ليرة سورية ( 1 دولار). أقل وصلة شعر يبلغ سعرها في السوق 700 ألف ليرة سورية (230 دولاراً) وقد تصل للمليون ليرة (330 دولاراً) في الصالونات التي تقع في الأحياء الراقية.

تشتري الوصلة من صاحبة الشعر بين 70 – 100 ألفاً وتباع بين 700 ألف إلى المليون حسب وزنها وطولها، والطلب الكبير يكون على شعر الأطفال لأنه يكون كثيفاً وغزيراً ويكون طبيعياً غير معرض لصبغ أو حرارة السيشوار، وعلى أساس ذلك يقدر نوع الشعر كنخب أول أو ثاني أو ثالث.

كان يعتمد في سوريا في صنع وصلات الشعر أو الباروكات على الشعر المستورد من الهند والبرازيل الذي يخضع لمعالجة ويقوى ويصبح صالحاً لمدة سبع سنوات؛ بينما الشعر المحلي لا يخضع لمعالجات مما يجعل استمراريته لا تتجاوز السنتين في حال تم الاعتناء به. وبسبب الظروف الراهنة وصعوبة استيراد الشعر من الخارج، وحتى في حال الاستيراد فبعد الجمركة يصبح ثمن وصلات الشعر مرتفعاً جداً مما يقلل الطلب عليها. لذلك ومع انتشار ظاهرة بيع الشعر أصبح الإقبال على الشعر المحلي أكبر حسب أحد العاملين في تجارة الشعر الطبيعي مع الإشارة إلى نوعية الشعر السوري الممتازة وانخفاض سعره مقارنة بالمستورد.

مع ازدهار تجارة الشعر الطبيعي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المجموعات والصفحات العامة لعروض البيع والشراء، تحوي منشورات بيع الشعر الطبيعي وأغلبهم  لفتيات صغيرات ترفق مع صورة لشعر الفتاة قبل قصه ويطلب تسعيره، مع إرفاق عبارات مثل “جاهز للقص عند طلب الزبونة” أو تنشر صور لضفائر شعرهن مقصوصة  لإيجاد السعر الأفضل. تقول سناء (40 عاماً) والمقيمة في جرمانا في ريف دمشق، والتي عرضت شعر ابنتها للبيع مع إرفاق صورة لضفائر شعرها الذهبي الطويل: “عرضت شعر ابنتي للبيع لأجمع لها المبلغ اللازم لإجراء عمل جراحي في العين اليمنى ولم أكن أرغب بقبول المساعدات المادية من أحد، لتبدأ التعليقات السلبية والشتم من بعض الناس دون الالتفات لسبب وراء ذلك”.

يدير هذه المجموعات أشخاص يعملون كصلة وصل بين البائع والشاري، وجد هؤلاء مهنة جديدة تدر عليهم  دخلاً إضافياً. فمثلاً (هدى “22 عاماً” التي تدرس في كلية الهندسة المقيمة  في منطقة “دف الشوك” في ريف دمشق) أنشأت مجموعة على الفيسبوك تشتري من خلالها الشعر الطبيعي  وتبيعه، وجدت من خلالها مردوداً مادياً يساعدها على تغطية نفقاتها الجامعية، وتشرح الشابة: “بعد شراء الشعر والاتفاق على المبلغ، نقوم بمعالجة الشعر وحبكه ليصبح جاهزاً لنقوم ببيعه.”

تشير الشابة إلى أن انتشار بيع الشعر الطبيعي سبب ارتفاع السعر التي تحصل عليه صاحبة الشعر عما قبل السنتين الماضيتين، لأن النساء أصبحن يعرفن أن الشعر يباع بالغرام بينما قبل ذلك كانت السيدة تبيع شعرها بالجدولة كاملة بمبلغ معين، فأصبح سعر وصلات الشعر مغرياً نوعاً ما للنساء اللواتي يعانين من ضائقة مالية.

About the Author: Hasana Saqbani       

حسانة سقباني

————————–

موجة سخرية من حملة «أسبوع بلا سكر» لوزارة الصحة في سوريا

بعد اختفائه من الأسواق وارتفاع أسعاره، أطلقت وزارة الصحة لدى حكومة النظام السوري حملة “أسبوع بلا سكّر”، بحجة الوصول إلى “مجتمع صحي أفضل”، ما أثار موجة من السخرية وجدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت وزارة الصحة إن الأسبوع المقبل هو تحدي (أسبوع بلا سكر) ضمن حملة توعية صحية تشمل إقامة فعاليات مجتمعية ومحاضرات تثقيفية وتوزيع نشرات إرشادية حول مضار السكر الأبيض على الصحة العامة وضرورة اتباع نمط حياة صحي للوقاية من الأمراض.

وأوضح مدير المشافي في وزارة الصحة د. أحمد ضميرية، في نص الحملة التي أعلن عنها المكتب الاعلامي التابع لوزارة الصحة السورية، أن الحملة التي تطلقها الوزارة يوم الجمعة المقبل تأتي ضمن مشروع صحي طويل المدى.

وستنطلق الحملة عبر ماراثون من مقر وزارة الصحة في ساحة النجمة حتى ساحة الأمويين، وتشارك فيها مجموعة من الأطباء والرياضيين، وتتضمن نشاطات عدة تهدف لتشجيع الأشخاص على ممارسة الرياضة، إضافة إلى نشر الرسائل والكتيبات التوعوية والمعلومات الصحية.

واصطدم إعلان الحملة بعاصفة من الردود الساخرة، حيث كتبت رولا شاليش على أحد إعلانات الحملة “أسبوع بلا رز وأسبوع بلا زيت وأسبوع بلا مازوت وأسبوع بلا كهربا وأسبوع بلا غاز.. لأنهم كمان مضرين بالصحة… هيك بتعيش الحكومة بسلام مع المواطنين”، بينما ردت سامية الدوز “الواضح أنها حملة تمهيدية لشي أكبر من أنو يكون مجرد خوف على صحتنا.. ممكن أسبوع بلا سكر وأسبوع بلا أكسجين”. وتساءلت مها سراح قائلة “شو رأيكم أنكم تعملوا تحدي أسبوع بلا سرقة ونشوف تأثيرها على صحتنا؟”، وكتبت رؤى جميل “بدأنا بالسكر وبكرا منكمل عالخبز والزيت.. لا عيني لا أنتم أمنوا لنا متطلبات الحياة ونحن براسنا نهتم بصحتنا”، فردت عليها رزان شوقي قائلة “لو يعملوا شي أسبوع بلا بلد ويطلعونا شعب كلو برا البلد ونرتاح من فهمهم وهضامتهم”.

وكتب سعيد الجزار: “سخيفين، يعني الناس قدرانة تشتري سكر! بعدين النظام الغذائي الصحي هو آخر هم الناس، يا دوب مأمنين ربطة الخبز… ينطبق عليكم المثل القائل… الطبل بدوما والعرس بحرستا”.

ودعت لينا العبد وزارة الصحة للاهتمام بشؤون المشافي الخارجة عن الخدمة، أو الخارجة عن الرقابة، بدل خدمة الأهالي وإرشادهم للاستغناء عن السكر المفقود أصلاً، وكتبت أيضاً “يا وزارة الصحة لو تهتموا بالمشافي الواقفة، والمشاكل اللي بتصير فيها.. مو أحسن من هيك حملات، لأن وزارة التموين إجباري خلتنا نقنن من الرز والسكر والسمنة والزيت”.

———————–

“أسبوع بلا سكّر”: موتوا يا سوريين بكورونا قبل السكّري

“أسبوع بلا سكر” هي الحملة التي أطلقتها وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، للترويج لنمط حياة صحي في البلاد، في وقت لا يتوافر فيه معظم السلع والخدمات الأساسية أصلاً، بما في ذلك السكر الذي يتم توزيعه على المواطنين عبر البطاقة الذكية بموجب كيلوغرام واحد للشخص شهرياً.

وأثارت قضية السكر تحديداً جدلاً واسعاً في الداخل السوري الشهر الماضي، إثر فضيحة سرقة مديرة إحدى صالات المؤسسة السورية للتجارة في مدينة حمص، لكمية 6 أطنان من السكر وتخزينها في منزلها، ضمن قضية فساد لم تعرف كافة تفاصيلها حسبما اشتكت وسائل الإعلام المحلية حينها.

    #ماراثون يوم الجمعة القادم يعلن انطلاق حملة #تحدي_أسبوع_بلا_سكر ستطلق #وزارة_الصحة حملة توعية صحية الأسبوع القادم…

    Posted by ‎وزارة الصحة – المكتب الإعلامي‎ on Monday, March 8, 2021

وإلى جانب طوابير الغاز والخبز والانقطاع الدائم للكهرباء، حذر معلقون من أن المبادرة التي تقوم بها وزارة الصحة، قد تكون تواطؤاً مع وزارة التموين والتجارة الداخلية، تمهيداً لانقطاع مادة السكر نهائياً من الأسواق أو رفع سعرها إلى حد لا يمكن للسوريين الحصول عليها، خصوصاً أن 80% من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر حسب إحصاءات الأمم المتحدة فيما يقدر عدد الذين يهددهم الأمن الغذائي بنحو 60% حسب تقديرات برنامج الأغذية العالمية.

على أن مبادرة وزارة الصحة لا تخلو من بُعد دعائي آخر، فهذه الجهود تنضم إلى جهود سابقة مثل إقامة مهرجانات سياحية وحفلات فنية وفعاليات للتسوق في مختلف مدن البلاد، للقول أن الحرب انتهت وباتت تحتضن فعاليات مدنية حاشدة بما في ذلك سباق الماراثون الذي ترعاه الوزارة الأسبوع المقبل تحت شعار: “نحو مجتمع صحي أفضل سكر أقل نشاط بدني أكثر صحة أفضل حلاوة السكر عصحتك مرّة كونوا كتار”.

وأوضح مدير المشافي في وزارة الصحة الدكتور أحمد ضميرية أن الحملة التي تطلقها الوزارة تأتي ضمن مشروع صحي طويل المدى يتضمن عدة برامج لعادات غذائية غير صحية يمارسها معظم الناس وستبدأ بأضرار السكر الأبيض وأهمية الابتعاد عنه، حيث ستنطلق الحملة بماراثون من مقر وزارة الصحة في ساحة النجمة حتى ساحة الأمويين، ويشارك فيه مجموعة من الأطباء والرياضيين، ويتضمن عدة نشاطات تهدف إلى تشجيع الأشخاص على ممارسة الرياضة، إضافة إلى نشر رسائل توعوية ومعلومات صحية وبروشورات توعوية.

وبالطبع ليس من الغريب أن تأتي تلك الدعوة المستهترة بأرواح السوريين في ظل جائحة كورونا المستمرة. فالنظام منذ اليوم الأول لانتشار الجائحة عالمياً، عمد إلى نشر سردية تقول أن البلاد خالية من الفيروس قبل أن يصدر إحصاءات للإصابات شككت بها المنظمات الدولية بما في ذلك منظمة الصحة العالمية. وتوازى ذلك مع لوم السوريين على إصابتهم بالفيروس في حال حصول ذلك، بالقول أن السوريين جهلة ويحتاجون للوعي ولا يلتزمون بإجراءات التباعد الاجتماعي التي “نصحت” بها الحكومة.

ومع وضع فكرة الطوابير والحاجة اليومية للعمل وغيرها من التفاصيل التي تحكم موضوع الوقاية من كورونا في البلاد، جانباً، يجب القول أنه لا يمكن أن يلتزم السوريون بهذه الإجراءات، طالما يرون السلطة نفسها تستهر بها، عبر الدعوة لمثل هذه الفعاليات الجماهيرية في الشوارع والساحات، خصوصاً أنها تتضمن عادة مبادرات للتسوق الرخيص، فيما يعتقد أنه جزء من إعادة تدوير الفساد بالشراكة بين النظام ورجال أعمال مرتبطين به.

    ياريت لو حدا يذكر وزارة الصحة أنو في عالم عم تموت يومياً بسبب كورونا والاطباء عم يحذروا من موجة تالتة. 🙆‍♀️ تطلق…

    Posted by ‎الست جاكلين‎ on Monday, March 8, 2021

    الصحة راح تطلق حملة “أسبوع بلا سكر” أحد الشباب علّق عالموضوع: “إحنا “بلا سكر” من زمان مو بس أسبوع.. بس الوزارة توها تاقررت تعمل الحملة” سؤالنا: كيف يعلق وينظر الديريون لحملة “أسبوع بلا سكر” #هنا_ديرالزور

    Posted by ‎هنا دير الزور‎ on Tuesday, March 9, 2021

    عجبتني مبادرة أسبوع بلا سكر يلي مطبولة الدنيا فيها أي شيء مفيد للصحة أكيد نحنا معه بس القصة ماتروح باتجاه آخر وبكرا يطلعولنا بمبادرة أسبوع بلا كهرباء وأسبوع بلا ماء وأسبوع بلا خبز ….

    Posted by ‎دمشق الياسمين‎ on Wednesday, March 10, 2021

    تحدّي اسبوع بلا سكّر اسلوب جديد من الحكومة لتسلبها علينا بكرا بيعملوا تحدي اسبوع بلا خبز ، تحدي اسبوع بلا أكل انو…

    Posted by ‎يوسف سابا‎ on Tuesday, March 9, 2021

    باسمي .. و باسم الحب الجميل و الايام يللي بينا على قولة اب وديع وبما انو عم يهتمو بصحتنا و اسبوع بلا سكر بكرا خدني…

    Posted by Hassan Alzaki on Tuesday, March 9, 2021

———————–

====================

تحديث 11 أذار 2021

————-

الدولار يقترب من 4 آلاف ليرة.. كيف يعيش السوريون بمناطق النظام؟

يحاول موسى العبد الله تنظيم مشترياته وفق راتبه الشهري الذي استلمه من معتمد الرواتب في مدينة حلب شمالي سوريا بداية مارس/آذار الجاري، لكنه يكتشف أن راتبه البالغ 60 ألف ليرة سورية (ما يعادل 15 دولارا أميركيا) لا يكفيه سوى 5 أيام.

ويعود العبد الله (اسم مستعار) بعد جولة في أسواق المدينة بأكياس تحمل بعض الخضار والفواكه، ويؤكد -خلال حديث للجزيرة نت- أنه دفع 15 ألف ليرة ثمنا لها، وهو ربع راتبه بالضبط.

والعبد الله موظف حكومي في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ويمتلك قدما وظيفيا يمتد إلى 15 عاما قضاها في سلك التربية والتعليم، أما اليوم فهو بحاجة إلى 5 أضعاف راتبه لتأمين مصاريفه اليومية من الطعام والشراب وفواتير الماء والكهرباء، بعيدا عن أي رفاهية.

وحالة العبد الله في مناطق سيطرة النظام بسوريا هي حالة عامة لمعظم أفراد ما يمكن أن تسمى الطبقة الوسطى في المجتمع السوري التي تعتمد على مردود مادي من أجور الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص، وأصبحت تواجه غلاء الأسعار وفقدان القدرة الشرائية بعد انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي واقترابه من حاجز 4 آلاف ليرة سورية للدولار الواحد.

أسعار السوق

وبحسب جولة على أسعار سوق المواد الغذائية من اللحوم والخضار بتاريخ (5 مارس/آذار) في مدينة حلب، فقد بلغ سعر كيلو لحم الغنم 21 ألف ليرة سورية، وسعر طبق البيض 6 آلاف ليرة، بينما بلغ سعر كيلو البندورة (الطماطم) 1200 ليرة، وكيلو البطاطا 750 ليرة، وكيلو التفاح ألف ليرة، وهذه الأسعار لا تتناسب مع ذوي الدخل المتوسط أمثال الموظفين الحكوميين.

لكن أسواق المدينة -ورغم توافر معظم السلع- تشهد ركودا كبيرا، وقلة في حركة البيع والشراء يعزوها التجار إلى الانهيار المتسارع في قيمة الليرة السورية، ولا سيما بعد طرح مصرف سوريا المركزي ورقة نقدية جديدة من فئة 5 آلاف ليرة.

هذه الأسعار التي جعلت المدنيين يحجمون عن الشراء تضاعفت 2000% منذ نحو 10 سنوات، وفق ما أعلن المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، وهو تاريخ بداية الثورة السورية التي يصفها إعلام النظام بالأزمة.

ونقلت صحيفة “الوطن” السورية الموالية للنظام، عن مدير إحصاءات التجارة الخارجية والأسعار في المكتب بشار القاسم، أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك وصل إلى 2107.8% حتى أغسطس/آب 2020، وذلك مقارنة بعام الأساس 2010.

سعر صرف الدولار الواحد اقترب من حاجز 4 آلاف ليرة سورية مع توقع استمرار انهيار قيمة الليرة (الفرنسية)

التضخم الجامح

ومن المرجح أن تستمر حالة انهيار قيمة الليرة السورية، مما يعمّق من أزمات المدنيين الذين يسكنون في مناطق سيطرة النظام السوري، يعزز ذلك الحالة الضبابية للحل السياسي في سوريا والعقوبات الأميركية والأوروبية على حكومة النظام والشركات الاقتصادية الداعمة له.

ويرى المحلل الاقتصادي الدكتور أسامة قاضي أن مشوار التضخم الاقتصادي في سوريا بدأ منذ تأخر النظام السوري في الاستجابة لمطالبة الثورة، واستخدام الآلة العسكرية والاستعانة بجيوش الدول لإنهاك الجسد الاقتصادي السوري المتعب أصلا قبل عام 2011، وهو ما استدعى انفلات الأسعار من عقالها وهبوط المستوى المعيشي للمواطن السوري، والدخول في مرحلة مخيفة من الجوع والفقر لم يسبق لها مثيل في تاريخ سوريا المعاصر.

ويصف قاضي البنك المركزي السوري بأنه تحوّل إلى فرع أمن يملك محل صرافة كبير يحتكر سوق الصرافة، ويفرض أسعاره بقوة الأمن والبطش وإغلاق محال الصرافة، ويزج بالصرافين في السجون بحجة ضبط سعر الصرف، كما أن من مهامه طباعة عملة لا قيمة لها بفئات 5 آلاف و10 آلاف، مرجحا أن يطبع السنة القادمة ورقة 20 ألف استجابة للتضخم السوري الجامح.

وبحسب قاضي، فإن استمرار التضخم بمعدل 50% كل عام يعني أن سعر الليرة السورية عام 2025 سيصل إلى 14 ألفا و500 ليرة للدولار الواحد، وعندها سيصل التضخم ما بين 2011 و2025 إلى 29 ألف بالمئة.

المصدر : الجزيرة

—————————-

سامر الفوز يرث طريف الأخرس..محتكر السكر الجديد/ مصطفى محمد

يعيد النظام السوري ترتيب الحالة الاقتصادية التي كانت تحت قبضة حفنة قليلة من رجال أعمال يقودهم الوكيل السابق لأعمال آل الأسد، رامي مخلوف، بتمكين طبقة من الأثرياء الجدد من مفاصل الاقتصاد، في تغيير فرضته البيئة الاقتصادية المضطربة نتيجة الحرب.

عملية الإزاحة عن المشهد الاقتصادي التي بدأت بمخلوف، بلغت أكثر المقربين السابقين من آل الأسد، طريف عبد الباسط الأخرس، شقيق فواز الأخرس والد أسماء زوجة بشار الأسد، مالك مصانع السكر (الشرق الأوسط للسكر) والزيوت والمطاحن واللحوم وغيرها من شركات المواد الأساسية، إلى جانب البنوك وشركات التأمين.

فبعد مضي أكثر من عام على صدور قرار الحجز الاحتياطي على أموال الأخرس وأبنائه المنقولة وغير المنقولة، بدأت الأنباء تتوارد عن اقتراب موعد الإعلان عن افتتاح مصنع كبير لتكرير السكر الأبيض يمتلكه رجل الأعمال الصاعد سامر الفوز بالشراكة مع رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة حمص، لبيب الإخوان.

وحسب وكالة أنباء النظام (سانا)، يبلغ حجم رأس مال المصنع الجديد في مدينة حسياء الصناعية، 350 مليون دولار أميركي، بطاقة إنتاجية تُقدر بمليون طن سنوياً. ومن المُرتقب أن يقوم رئيس وزراء النظام حسين عرنوس بتدشين المصنع، ما يُعطي تصوراً واضحاً عن حجم الآمال التي يعلقها النظام على هذا المشروع “الخاص”.

ووفق معلومات متداولة على نطاق ضيق، فإن سامر الفوز (مالك الأسهم الأكبر للمصنع الجديد) يخوض منذ سنوات حرباً تنافسية مع الأخرس، أهم محتكري استيراد وتصدير السكر، ومن فصولها حادثة اختطاف مرهف ابن طريف الأخرس في منطقة عاليه اللبنانية، في أواخر العام 2019.

وكما هو واضح للباحث الاقتصادي يونس الكريم، يبدو أن سامر فوز خرج من تلك الحرب منتصراً. ويوضح ل”المدن”، أن “دور الأخرس الاقتصادي يتجه للاندثار، وهو ما ظهر واضحاً من خلال قرار النظام تجميد حساباته المصرفية وحساب مجموعته الاقتصادية (حجز احتياطي) أواخر العام 2019″، مشيراً إلى الأنباء عن إلغاء القرار في ما بعد، غالباً بعد تسوية.

ويقول الكريم: “قرار الحجز الاحتياطي وإن تم التراجع عنه، إلى جانب العقوبات البريطانية التي طاولته، دفعت الأخرس إلى الانسحاب تدريجياً من السوق السورية، وكان سامر فوز هو البديل لاستمرار الهيمنة على سوق السكر”. ويضيف أن “موقف الأخرس غير الواضح من حرب ابنة شقيقه (أسماء الأسد) على مخلوف، شوّه الارتباط المصلحي بينهما، وخفف درجة الحماية الممنوحة له”.

ويبدو أن للعلاقات القوية التي تربط سامر الفوز بالإمارات ودول أخرى دور كبير في وقوع الخيار عليه، لتأمين مادة السكر التي تستهلكها السوق السورية بنسب مرتفعة، ويعتقد الكريم أن توفر السيولة الأجنبية لدى الفوز إلى جانب علاقاته الخارجية، سيجعل من توريد السكر إلى السوق السورية أمراً هيناً إلى حد ما.

ويمكن إدراج كل ذلك، في إطار سعي الأسد إلى خلق طبقة جديدة من رجال الأعمال، بولاء مطلق، وقابلية أسهل لتلقي الأوامر، وفي سبيل تحقيق ذلك، لم يجد الأسد وزوجته أفضل من أمراء الحرب لملء الفراغ.

ويرى الخبير الاقتصادي سمير طويل أن سامر الفوز بات بغياب مخلوف، متصدراً للمشهد الاقتصادي السوري، وذلك بحكم الحظوة التي يمتاز بها، إلى جانب علاقاته الخارجية القوية، ويقول ل”المدن”: “يريد النظام من الفوز أن يحل أزمة تأمين مادة السكر للسوق السورية، التي تعاني من نقص كبير منها”.

ويوضح أنه بسبب أزمة السكر أطلق النظام حملة “أسبوع بدون سكر”، في حركة بائسة تعكس مدى نقص مخزون هذه المادة، نتيجة تراجع الإنتاج المحلي (سكر أحمر)، ونقص الدولار اللازم لتمويل عمليات استيراد السكر الأجنبي.

وبناءً على ذلك، يعزو الطويل دخول سامر الفوز إلى سوق السكر، إلى الحاجة الاقتصادية، منهياً بالقول: “القراءة الأولية تؤشر إلى ذلك، أي الموضوع لا علاقة له بالصراع بين رجال أعمال النظام”.

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض في العام 2011، عقوبات على الأخرس، باعتباره واحداً من ممولي النظام السوري، ومن ثم أعلنت كندا وسويسرا وبريطانيا عن اتخاذ الإجراء ذاته.

المدن

———————

الفوسفات السوري..بين حاجة إيران وهيمنة روسيا/ ضياء قدور

أفادت وسائل إعلام سورية مؤخراً عن مواصلة الميليشيات الإيرانية عملية نقل مادة الفوسفات من منطقة خنيفيس السورية إلى إيران، بمساعدة مليشيات الحشد الشعبي في العراق.

وأكد تقرير نشره موقع تلفزيون سوريا، أن العديد من الشاحنات التي وصل عددها إلى 16 شاحنة بقدرة تحميلية تصل ل 30 طناً للشاحنة الواحدة، تدخل الأراضي العراقية عبر معبر البوكمال الحدودي، ليتم نقلها إلى إيران تحت حماية المليشيات الموالية لها في العراق.

وتضاربت التحليلات حول السبب الحقيقي الذي يكمن وراء سعي إيران لنقل هذه الكميات من الفوسفات من مناجم السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم)، التي أصبحت الآن تحت سيطرة الشركات الروسية والصربية، بعد أن وقع النظام السوري معها عقوداً اقتصادية طويلة الأمد ومجحفة بحق السوريين (بحصة 30 في المئة للنظام، 70 في المئة للشركات المستثمرة).

ليست المرة الأولى

إن مراجعة بسيطة للمواقع الإيرانية المعنية بمتابعة واردات مادة الفوسفات إلى إيران قد تقدم صورة تقريبية حول أسباب السعي الإيراني المتواصل لاستيراد مادة الفوسفات من سوريا.

ورغم أن أسلوب النقل البري مختلف هذه المرة، لكنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها نقل مادة الفوسفات من سوريا إلى إيران. ففي 19 حزيران/يونيو 2020، أفادت وكالة أنباء التلفزيون الإيراني في محافظة بوشهر عن رسو أول سفينة حاملة للتربة الفوسفاتية في ميناء بوشهر، بقدرة تحميلية تصل ل20 ألف طن، دون ذكر تفاصيل أكثر عن مصدر هذه الحمولة.

وفي 26 تموز/يوليو 2020، تحدثت وكالة أنباء “إرنا” الحكومية في تقرير، عن وصول سفينتين محملتين ب40 ألف طن من مادة الفوسفات السوري إلى ميناء بوشهر عبر الطريق البحري، وذلك بهدف تأمين النقص الحاد في المواد الأولية التي تعاني منها معامل إنتاج الأسمدة الكيماوية في محافظة بوشهر.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن إحصائيات التبادل التجاري الإيراني مع دول المنطقة بشكل عام تؤكد أن التعامل التجاري مع إيران يعتبر تعاملاً سلبياً ومن جانب واحد فقط (أي لصالح الإيرانيين دون غيرهم)، وهذا ما تؤكده مؤشرات التبادل التجاري بين إيران من جهة والعراق وسوريا من جهة أخرى، حيث نشهد دائماً ارتفاعاً في الصادرات الإيرانية إلى هذه الدول دون أن يتناسب بشكل منطقي مع واردات هذه الدول إلى إيران.

لكن في بعض الحالات، تضطر إيران لاستيراد بعض المواد الأولية لبعض المصانع والوحدات الإنتاجية، كالفوسفات السوري، لتشغيل هذه الوحدات بهدف زيادة الإنتاج والتوظيف والصادرات.

لذلك تُعدّ واردات الفوسفات السورية مهمة جداً للقطاع الزراعي الإيراني، حيث تعاني التربة من نقص مادة الفوسفور، مما يضعف الأوراق والسيقان ويقلل من التمثيل الضوئي للنباتات، وبالتالي يقل ثمار النباتات والأشجار بشكل كبير.

نهم إيراني على الفوسفات السوري

إن إلقاء نظرة على كمية التربة الفوسفاتية اللازمة لإنتاج الأسمدة الكيماوية بما يتوافق مع طاقة وحدات الإنتاج الإيرانية القائمة، والتي تصل لنحو 530 ألف طن، تظهر مدى النهم الإيراني على مادة الفوسفات التي استوردت منها إيران في عام 2019 حوالي 218 ألف طن من سوريا والأردن وجنوب إفريقيا، بحسب تصريح سابق لعلي رضا هادي، المدير العام لمكتب الاستثمار والمشاريع بوزارة الصناعة والمعادن والتجارة.

في خضم ذلك، تبقى ملاحظة أن الكميات المستوردة من الفوسفات لا تتناسب طرداً مع طاقة الوحدات الإنتاجية وحاجة السوق الإيرانية التي تعاني بين الفينة والأخرى من نقص حاد في المواد الأولية اللازمة لإنتاج الأسمدة الكيماوية، مما يدفعها لاستيراد هذه الكميات من سوريا معتمدة طرق مختلفة كالنقل البحري والبري.

النهم الإيراني على الفوسفات السوري لم يقف عند هذا الحد، بل وصل إلى مراحل متقدمة، عندما أشار علي رضا نظري، عضو اللجنة الزراعية والموارد الطبيعية في البرلمان الإيراني، في تصريح لموقع “تحليل البازار” الإيراني في 14 كانون الأول/ديسمبر 2020، إلى الحصول على ترخيص شراء 200 مليون طن من تربة الفوسفات من سوريا، وذلك من أجل حل مشكلة نقص الأسمدة الفوسفاتية بالكامل في السنوات المقبلة.

حرب الفوسفات القادمة

لا تنكر المواقع الإيرانية أن مادة الفوسفات السورية قد أصبحت بيد روسيا بشكل شبه كامل، من دون أن تخفي امتعاضها من هذا الواقع المرير، خاصة بعد دخول شركات صربية، بموافقة روسية ضمنية على الأغلب، للاستثمار أيضاً في هذا القطاع الحيوي الذي يدر القطع الأجنبي على نظام الأسد في خضم الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها.

لكن على أرض الواقع، يشير استمرار التواجد العسكري الإيراني في منطقة خنيفيس الغنية بالفوسفات، والتوسّع الواضح لسيطرتها العسكرية على كبرى مناجم الفوسفات في سوريا (المناجم الشرقية بالتحديد)، إلى الإصرار الإيراني للحصول على قطعة من الكعكة السورية، التي تقول إيران إنها حُرمت منها حتى الآن.

لذلك، فإن تهريب مادة الفوسفات السورية عبر الطريق البري، وإن كانت بكميات محدودة لا تؤمن سوى نسبة ضئيلة من حاجة السوق الإيرانية ويشتمل على العديد من المخاطر الأمنية المنتشرة على هذا الطريق، يبدو أنها ستستمر في الوقت الحالي على هذا النحو، مما قد يفتح الباب واسعاً أمام اشتعال صراع النفوذ في سوريا على ثروات هذا البلد، التي قسمت ب”شكل غير عادل” كما يراها الحليف الإيراني لنظام الأسد.

—————————-

خيارات السوريين تزداد صعوبة..الجوع أو المواد المغشوشة/ منصور حسين

بعد انتشار عادات غذائية جديدة لم تكن معروفة في سوريا سابقاً، حتى بعد سنوات من الحرب، فقد انتشرت خلال الأشهر الأخيرة وعلى نطاق واسع ظاهرة بيع واستهلاك المواد غير المطابقة للمواصفات الصحية، بعضها مهرب وبعضها يتم إنتاجه في مصانع غير مرخصة تنتج المعلبات والمشتقات الحيوانية والزيت وغيرها من المواد الغذائية.

وتشهد تجارة المواد الغذائية المغشوشة أو منتهية الصلاحية انتعاشاً كبيراً وإقبالاً من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وغالباً ما تُباع هذه السلع بأسعار رخيصة تناسب دخل المواطن الذي قضى التضخم على أكثر من ثمانين في المئة من قدرته الشرائية، في ظل الارتفاع الجنوني بالأسعار وما يوازيه من انعدام القدرة الشرائية للفرد.

الغلاء ينعش سوق البضائع المغشوشة

بدأت تجارة المعلبات والألبان والأجبان وغيرها من المنتجات الغذائية التي لا تحمل علامة تجارية محددة، تتسع مؤخراً لتشمل المحال التجارية في الأسواق الشعبية، وتعرض على رفوف البقاليات بطريقة علنية، بعد أن كان بيعها مقتصراً على البسطات فقط.

ويوضح حميد أ. صاحب محل لبيع المواد الغذائية في القسم الشرقي من مدينة حلب، أن الكساد وتراجع الطلب على البضائع النظامية بأصنافها المتعارف عليها، نتيجة الضائقة المادية التي يعاني منها السكان، دفعته للاتجار بالبضائع الرديئة والمهربة.

ويقول: “يبلغ سعر صحن البيض المحلي 9500 ليرة، بينما يبلغ سعر صحن البيض الايراني 6500 والتركي 7800، أما سعر ليتر الزيت النباتي عباد الشمس فقد تجاوز 10000 ليرة، بينما المغشوش يباع بسعر 4000 ليرة. وبالنسبة إلى اللبن فهناك المغشوش المصنوع في المعامل واللبن القروي، وبالرغم من المعرفة المسبقة بالأضرار الصحية للمصنع إلا أن الاقبال عليه أكبر من الطبيعي نتيجة اختلاف السعر الذي يصل أحياناً إلى 500 ليرة”.

ويضيف أنه “حتى هذه المواد أصبح لديها سوقها وتجارها وورشها المختصة التي تعتمد على المواد الأولية التي تتأثر بسعر صرف الدولار، حيث ارتفع سعرها بنسبة 40 في المئة خلال الأسابيع القليلة الماضية، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأصلية”.

وتتفق الشهادة السابقة مع متابعة “المدن” لحركة الأسواق، وآراء السكان من مختلف المناطق السورية، حيث يعتبر أبو عدنان من سكان حماة، أن الأوضاع المعيشية الراهنة والغلاء يتطلب المزيد من إجراءات التقشف، وتجنب المزيد من السلع والمواد الغذائية وحتى استبدال المواد الأساسية بأخرى منخفضة السعر.

ويضيف “تخلينا عن المعلبات منذ سنوات، ونحاول تقليص شراء المواد الغذائية قدر المستطاع، خاصة المعكرونة والبقوليات والسكر وغيرها، نتيجة ارتفاع سعرها الذي لا يطاق، والتزوير في مدة صلاحيتها، أما بالنسبة إلى مواد التنظيف فنفضل اقتناء أصناف من الدرجة الثانية أو الثالثة محلية الصنع التي تكون أسعارها أقل بنسبة 40 في المئة”.

وبالرغم من إعلان وزارة التجارة الداخلية التابعة لحكومة النظام، ضبط عشرات الحالات لمثل هذا النوع من المواد بشكل يومي، وتنظيم ضبوط تموينية بحق منشآت صناعية ومحال تجارية تتلاعب بالمواصفات، أغربها كان الخميس، حيث أعلنت عن تنظيم ضبط بحق صاحب مصنع للمواد الغذائية في حماة، جراء العثور على حشرات حية “صراصير” داخل قطع الشوكولا. إلا أن ذلك لم يمنع من اتهامها بالفساد وتحميلها مسؤولية غض الطرف عن انتشار وتوسع تجارة المواد غير الصالحة للاستهلاك أو الاستخدام البشري.

ويعتبر كثير من تجار التجزئة أن معظم الضبوط التي يُعلن عنها “خلبية” أو أنها منظمة بحق صغار التجار والصناعيين الذين لا سند لهم في الدولة، أما الكبار فلا تتجرأ هذه الدوريات على الاقتراب منهم.

ويقول أبو عباس، صاحب مركز بيع تجزئة في حي باب الحديد بحلب: “إذا ما أرادت الحكومة فعلاً محاربة انتشار هذه السلع فعليها البدء بمستودعاتها التي تعتبر رمزاً لسوء التخزين، حيث تعج أكياس الرز والسكر والطحين بالحشرات والقوارض، ناهيك عن الرطوبة والتلاعب بالوزن من خلال فتح الأكياس والعبوات من قبل موظفين وافراغ جزء منها”.

وعن مصادر وأنواع المواد غير النظامية التي بدأت بالانتشار في السوق المحلية، يجيب أبو عباس: “كثيرة هي المصادر الموردة لهذه السلع، أبرزها المنتجات المهربة والتي تكون في غالبيتها ايرانية المنشأ تأتي من العراق وتسيطر على سوق الألبان والمعلبات والمنظفات. وبضائع مجهولة المصدر، وهذه تعني أنها دخلت المراكز الجمركية لكن أوراقها أتلفت، أو البضائع المسروقة من المخازن والمستودعات الحكومية وهي تباع إما سراً من قبل مسؤوليها أو من خلال تجار صغار يشترونها منهم، أو منتجات غير صالحة للاستهلاك البشري تباع بالأصل عن طريق المزادات كعلف، لكنها تذهب للأسواق المحلية”.

ونظراً لغياب الرقابة فقد انتشرت ظاهرة معامل إنتاج محلية غير مرخصة تستثمر بالدرجة الأولى في صناعة الزيوت والسمن والألبان والأجبان وباقي المشتقات الحيوانية وغيرها، إضافة إلى وجود ورش متخصصة بتزوير صلاحية المعلبات والمواد منتهية الصلاحية، وهذه المصانع والورش باتت تنتشر بكثرة في مختلف المدن السورية، عدا المصانع المرخصة والحكومية التي تنتج أغذية غير مطابقة للمواصفات.

وبحسب تقديرات حكومية واقتصاديين، فقد تجاوزت نسبة البضائع المغشوشة ومجهولة المصدر حاجز الستين في المئة في السوق السورية، بنسبة زيادة مئتين في المئة عما كانت عليه عام 2017، مقابل انخفاض جودة المواد التي تشرف على بيعها وتوزيعها المؤسسات الحكومية، نتيجة سوء التخزين ومع ذلك فإن هذه المواد تحظى برواج كبير.

مع ارتفاع نسبة التضخم ومعدلات الفقر والبطالة، يجد الكثيرون من السوريين أنفسهم مضطرين للاعتماد على المواد غير الصالحة أو غير المطابقة للمواصفات في غذائهم، متجاهلين كل المخاطر الصحية التي يمكن أن تتسبب بها، والتي يعتبرون أنها أقل خطراً من الموت جوعاً.

——————————

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى