سياسة

مقالات تناولت الموقف الإيراني من الأزمة السورية

عن الأسد الممزق بين طهران وموسكو/ عمر قدور

عندما يصل إلى دمشق المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن، سيقوم بمهمة صارت مألوفة هي التفاوض من أجل عقد اجتماع جديد “فاشل” للجنة الدستورية، واللجنة الدستورية كما هو معلوم بمثابة التذكار الوحيد الباقي من قرار مجلس الأمن 2254. صار مألوفاً أيضاً أن يكون بيدرسن قد مهد لزيارته عبر موسكو وطهران، فهو أجرى محادثات هاتفية مع ميخائيل بوغدانوف وعلي أصغر خاجي، نائب وزير الخارجية الروسي ومساعد وزير الخارجية الإيراني على التوالي.

يمكن وصف مساعي بيدرسن بالسيزيفية، فهو يحاول من جديد رفع صخرة اللجنة الدستورية، ربما مع إشاعة آمال متجددة عن تعاطٍ إيجابي من قبل وفد الأسد، لتعود صخرة الآمال إلى الأسفل كما في كل جولة سابقة. وإذا واتته الشجاعة يرمي باللوم على وفد الأسد، من دون أن يصل به الشطط إلى لوم داعميه، إذ يفترض المنطق البسيط أن مَن أتوا به إلى طاولة المفاوضات قادرون على إجباره على التفاوض الجاد. أثناء اجتماعات الجولة السادسة على سبيل المثال، التقى بيدرسن بعلي أصغر خاجي، وكانت موسكو مواكبة للاجتماعات، وهكذا تبددت المسؤولية عن تعطيل المفاوضات بينهما، وكان رميها على وفد الأسد مَخرجاً لعدم إغضاب أيّ منهما.

من المفروغ منه أن بشار الأسد لا يريد التفاوض مع سوريين، رغم إصراره اللفظي على أن التفاوض ينبغي أن يكون سورياً خالصاً. لكن ما هو أصيل فيه يلاقي التكتيكات الإيرانية أو الروسية، أو كليهما معاً. من موقعه هذا، يبدو بشار كمن لا يريد أن يسجّل لنفسه موقفاً مرناً أمام المجتمع الدولي، من قبيل استقبال بيدرسن بلا “ضغوط” روسية وإيرانية، إذا كان مسموحاً له من قبل الطرفين التحرك ضمن هذا الحد المتدني لاتخاذ القرار. بعبارة أخرى، إذا كان بشار مستفيداً من مظلة الوصيين لتهربه من المفاوضات، ومستفيداً أحياناً من تضارب مصالحهما، فذلك ليس بلا ثمن لهما على حسابه، بل يقلّص إلى حد كبير فرصه في قبض ثمن خاص به لقاء “مرونته” عندما يُكره عليها.

تفصيل صغير، ثبتت تفاهته حتى الآن، مثل اللجنة الدستورية يُظهر كيف أن الوصاية المزدوجة من شأنها تعطيل أية عملية سياسية مهما تدنى أفقها. الاتفاق الروسي-الإيراني في الأهداف العامة غير متوفر في تفاصيل سيطرة الطرفين على الأسد، وسيطرة كل منهما على مناطق أو قطاعات نفوذ. الاتفاق العام لا يمنع المنافسة، وهي قائمة على نحو يختلف عما هو مطلوب دولياً وإقليمياً، بمعنى أنها منافسة تتحاشى التصادم والاشتباك، ولغاية الآن ينهش طرفاها في جثة الأسد، ولا نية “أو ضرورة” لينهش أحد منهما الآخر.

لا جدال في استفادة بشار من الوصاية الروسية-الإيرانية، فأي طرف منهما لن يستطيع التضحية به من دون التنسيق التام مع الآخر، ومن المستبعد إلى حد كبير جداً أن تتطابق مصالحهما وصفقاتهما الخارجية إلى درجة اتفاقهما على التغيير. الغرب عموماً، وعلى رأسه واشنطن، لم يعد يطالب بالتغيير، ولا يبدي أدنى استعداد لدفع ثمن من أجله. الأثمان الموضوعة، علناً أو سراً، تقتصر على تحفيز موسكو أو طهران ضمن صفقات أوسع، وعلى تقديم فتات تطبيع مع الأسد ينقذ سلطته فقط من الشلل الاقتصادي التام.

لا يُعرف مثلاً على نحو مؤكد ما إذا كان التساهل الأمريكي الأخير في عقوبات قيصر ضمن تفاهم مع موسكو، أو من بين رسائل إيجابية إلى طهران لإعادتها إلى مسار فيينا. والخلاف الأمريكي-الإسرائيلي قد يبقى حاضراً مع آثاره العملية الواضحة، فتل أبيب تريد بشار الأسد لروسيا من دون إيران، بينما لا تمانع واشنطن بقاء شقه الإيراني من ضمن ملحقات الاتفاق النووي تاركةً الميدان لتنافس الحليفين، وقد لا تمانع في الوقت نفسه أن يستمر الطيران الإسرائيلي في تقليص مكاسب طهران من واشنطن.

هذه الوضعية مرشّحة للاستمرار ما دام الوضع مضبوطاً بالتوازنات وتقاسم النفوذ الحاليين، ويصعب ضمن هذه المعطيات تصور تطورات دراماتيكية على النحو الذي يتمناه متحمسون للتطبيع مع بشار وإعادة اعتماده دولياً بسرعة. قد يصح القول بأن الوصايتين أديتا مهمتهما بالإبقاء على بشار، وبسحب فرضية تنحيته من الأجندات الدولية، وهذا أقرب منالاً من إعادة الشرعية له، ومن التطبيع المقرون أولاً بإعادة الإعمار.

وإذا كان التطبيع سيمضي بطيئاً ومتدرجاً، وهو الاحتمال الأرجح حالياً، فإن كل خطوة ستتطلب تفاهماً بين موسكو وطهران، على افتراض بقاء بشار بعيداً تماماً عن اتخاذ القرار. هنا ستبدأ الخطوات الصغيرة بالمس بقطاعات النفوذين الروسي والإيراني، وبالمفاضلة بينهما، ما سيفتح الباب على الخلافات التي قد تعرقل المسيرة بأكملها. يصعب، على سبيل المثال، تصورُ تخلي طهران عن أهدافها الاقتصادية بعدما ضخت من المساعدات أرقاماً أعلى بكثير مما أنفقته موسكو على تدخلها العسكري، ويصعب أن تقبل باسترداد ما أنفقته فحسب مع نيلها الشكر والثناء على رحيلها وفق سيناريوهات عربية شديدة التفاؤل.

قد يطالعنا بعد أشهر خبر وصول المبعوث الدولي إلى دمشق لبحث استئناف أعمال اللجنة الدستورية، دائماً بعد فشل الجولات السابقة بسبب تملص وفد الأسد من التفاوض، وقد ينجح بصعوبة في انتزاع موعد أبعد مما يأمل. ثم قد يُنظر إلى الأسد وحليفيه كأساتذة في فن التسويف والمماطلة، وإلى الغرب كمتواطئ في العملية. ذلك كله يعكس الواقع بأمانة، فبشار ضَمِن أقصى طموحاته ببقائه، وما تبقى رهن بإرادة حليفين لن يُنتَزع من أحدهما، ووجودهما معاً بقدر ما يضمن بقاءه سيعقّد طبيعته والتطبيع معه. اضطرار المبعوث الدولي، كل مرة، للاتصال بموسكو وطهران على حدة لا يشرح بديهية غياب القرار المستقل، بل يشرح ما سيكون عليه الحال من تعقيد مع خطوات ليست لتزجية الوقت على غرار اجتماعات اللجنة العتيدة. أما اتصالات بشار الهاتفية برئيس هنا أو ملك هناك فهي قد تؤنس عزلته، العزلة التي تكون أشد وطأة عندما يجتمع بالإيراني أو الروسي.

المدن

—————————

إيران في سورية: من التمدّد إلى التحصّن

قسم الترجمة

غالبًا ما تصدرت مشاركة إيران في الحرب الأهلية السورية عناوين الصحف في إسرائيل. لا سيما في سياق ما يسمى بحملة جيش الدفاع الإسرائيلي بين الحروب (الاختصار العبري هو مابام)، التي تضمنت محاولات لمنع إيران من إنشاء قواعد عسكرية في سورية، وإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود الإسرائيلية-السورية، والحيلولة دون نقل أسلحة دقيقة إلى حزب الله. لكن التدخل الإيراني في سورية تجاوز حدود الصراع الإسرائيلي الإيراني. نتيجة لانتفاضة “الربيع العربي” والحرب الأهلية السورية، نجحت إيران في ترسيخ نفسها في مناطق بعيدة عن الحدود الإسرائيلية السورية، وبسط نفوذها في سورية أبعد من المجال العسكري.

منذ البداية، كان ينظر الحرس الثوري الإسلامي إلى الحرب الأهلية السورية على أنها تهديد خطير. في الواقع، منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، كان التحالف مع سورية ركيزة مهمة في سعي إيران للهيمنة الإقليمية. كانت سورية، ولا تزال، العمود الفقري الحيوي في حماية أهم الركائز الإستراتيجية لإيران في الشرق الأوسطـ، أي حزب الله. على عكس الميليشيات الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية، فإن حزب الله ليس مجرد منظمة بالوكالة في خدمة إيران. في الواقع، يُعد التنظيم اللبناني أعظم نجاح للجمهورية الإسلامية في جهودها لتصدير أيديولوجيتها الشيعية الثورية في الشرق الأوسط. لذلك، عندما واجه نظام بشار الأسد خطرًا وجوديًا، على إثر اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، سارعت طهران إلى التدخل عسكريًا لإنقاذه. ومن البداية، أمرت إيران حزب الله بمساعدة قوات النظام السوري، ولكن عندما اتضح أن ذلك لن يكون كافيًا، لم تتردد إيران في استخدام قواتها. بعد التدخل الروسي الإيراني المشترك في أيلول/ سبتمبر 2015، بلغ عدد قوات الحرس الثوري الإيراني في سورية ذروته بحوالي (8,000 إلى 10,000)، بالإضافة إلى ما بين (5,000 إلى 6,000) جندي من الجيش الإيراني النظامي [1].

عندما تحول اتجاه الحرب الأهلية السورية لصالح الأسد، بدأت إيران بسحب قواتها من هذا البلد، واعتمدت بشكل رئيس على وكلائها. وفقًا لتقديرات مختلفة، في صيف عام 2018، قاد حوالي (2,000) من الوحدات الخاصة في قوات القدس عشرات الآلاف من المقاتلين من مختلف الميليشيات في سورية، معظمهم من الجماعات الشيعية من العراق وأفغانستان وباكستان. وأنشأت إيران أيضًا ميليشيات شيعية محلية، مثل ميليشيا الإمام الحجاج وجيش المهدي في محافظة حلب، ولواء رقية في محافظة دمشق، وقوات الإمام الرضا في حمص. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، قدِّر عدد السوريين في هذه الميليشيات الشيعية بنحو (5,000 إلى 8,000) مقاتل.  هذا بالإضافة إلى مقاتلي حزب الله، الذين يسيطرون على مواقع عسكرية في جميع أنحاء سورية [2]. وقد نشر مركز جسور الذي يتخذ من إسطنبول مقرًا له، في كانون الثاني/ يناير 2021، خريطة أظهرت أن إيران والميليشيات التابعة لها تستحوذ على (131) موقعًا عسكريًا في سورية منتشرة في عشر محافظات، (38) منها في درعا وحولها، و(27) في دمشق، و(15) في حلب، و(13) في دير الزور، و(12) في حمص، و(6) في حماة، و(6) في اللاذقية، و(5) في السويداء، و(5) في القنيطرة، و(4) في إدلب [3]. وبالإضافة إلى ذلك، يسيطر حزب الله على (116) نقطة عسكرية إضافية في جميع أنحاء سورية. وتشير التقديرات إلى أن حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى تسيطر على نحو 20 في المئة من حدود سورية [4].

ومع ذلك، فإن التدخل الإيراني في سورية يمتد إلى ما هو أبعد من المجال العسكري. منذ عام 2013، عمّقت إيران قبضتها على القطاعين المدني والاقتصادي في سورية. وكان الهدف من هذا الجهد جعل مهمة دفع إيران إلى الخروج من سورية في أعقاب الحرب الأهلية مستحيلة. ولعل القرار الذي اتخذ في عام 2019 ببناء شبكة للسكك الحديدية من غرب إيران إلى ميناء اللاذقية في سورية عبر العراق هو التعبير الأكثر بروزًا وأهمية في هذا السياق: فقد حددت إيران بوضوح الأهمية الاستراتيجية لميناء اللاذقية، الذي سيوفر لصادرات النفط الإيرانية الوصول المباشر إلى البحر الأبيض المتوسط. والواقع أن الشركات الإيرانية كانت تسعى إلى الحصول على مصالح إدارية في الميناء من قبل التوقيع على هذا الاتفاق [5].

كذلك تستولي الشركات الإيرانية تدريجيًا على الأسهم في سوق العقارات بدمشق، من خلال شبكات المؤسسات الإيرانية، وتجار العقارات، والبنوك المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. وتقدّم طهران قروضًا مريحة لأعضاء الميليشيات الراغبين في شراء عقارات في سورية، حيث تحول المقاولون ورجال الأعمال وأعضاء الميليشيات الإيرانيون في الأعوام الأخيرة إلى شركات عقارية، في مواقع استراتيجية في العاصمة السورية [6]. كما تبني إيران أيضًا مركزًا تجاريًا من (12) طابقًا في دمشق، من المفترض أن يستضيف (24) شركة إيرانية [7].

وتمكنت إيران من ترك بصمتها على جانبين مهمين من جوانب المجتمع السوري: الدين والتركيبة السكانية (الديموغرافيا). منذ بداية تدخلها في سورية، حاولت إيران اكتساب النفوذ ضمن المجتمع العلوي وتقريبهم من فرع الشيعة الإمامية (الإثني عشرية)، وهو الشكل المهيمن من المذهب الشيعي في إيران. وكجزء من هذا الجهد، قامت إيران ببناء مزارات شيعية في سورية، واستخدمتها كمراكز للتلقين والتوجيه. كما سعت إيران إلى زيادة حجم وثقل المجتمع الشيعي في سورية من خلال منح الجنسية السورية للشيعة الأجانب، ومعظمهم من الأفغان، وإنشاء أحياء محددة لهم في دمشق. وبالإضافة إلى ذلك، شجعت إيران أسر مقاتلي الحرس الثوري على الهجرة والاستيطان في محافظة دمشق[8]. ونتيجة لذلك، أصبحت الأحياء الشيعية معاقل مؤيدة لإيران في قلب العاصمة السورية، ذات طابع خاص ينعكس، على سبيل المثال، في أحداث عاشوراء. وقد لاقى هذا التطور انتقادات من سكان هذه الأحياء القدماء، واستخدم البعض وسائل التواصل الاجتماعي للتنديد “بالتوسع الإيراني في دمشق” و “محاولات إيران للتلاعب بالتركيبة السكانية (الديموغرافية) لكثير من أحياء دمشق لصالحها”. وقد ذهب البعض إلى أن “إحياء ذكرى عاشوراء ليس غريبًا على السوريين، ولكن هناك من يحاول المبالغة في المسألة وإلباسها معنى آخر” [9].

وكذلك تم تغيير أسماء الشوارع والمواقع في هذه الأحياء بطريقة تعكس مصالح القوة المهيمنة الجديدة في المنطقة. على سبيل المثال، تم تغيير اسم شارع “التين” في غرب حي “السيدة زينب” بريف دمشق الجنوبي، إلى شارع “الحوراء”، وهو أحد ألقاب زينب ابنة علي بن أبي طالب. وتم تغيير اسم السوق الواقع غربي الحي إلى “الفاطمية” نسبة إلى فاطمة، زوجة علي (والدة زينب). بالإضافة إلى كتابة الشعارات الفارسية وتعليق صور مقاتلي المليشيات الموالية لإيران الذين قُتلوا خلال الحرب الأهلية السورية على الجدار المحيط بمرقد السيدة زينب وسط الحي [10].

وأنشأت إيران مراكز ثقافية في جميع أنحاء دمشق، مصممة لنشر أجندة الجمهورية الإسلامية في سورية. على سبيل المثال، ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية في كانون الأول/ ديسمبر 2020 أنه خلال كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير سيقيم عدد من المراكز الثقافية في دمشق احتفالات تذكارية بمناسبة الذكرى السنوية لاغتيال قاسم سليماني، قائد قوة القدس، الذي قتِل في كانون الثاني/ يناير 2020. وكذلك قدّم المركز الثقافي العربي في حي كفر سوسة (جنوب غرب دمشق) معرضًا تضمن ملصقات وصورًا لسليماني، كجزء من حدث بعنوان “قصة حب”. وقد نُظِمت هذه المناسبات التذكارية تحت رعاية مركز الفكر والفنون الإسلامية في طهران والمستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق [11].

لا يقتصر وضوح النفوذ الإيراني في سورية على دمشق وحدها، فهناك أيضًا نفوذ من خلال المراكز الثقافية والمؤسسات الدينية التي أنشأها المبشرون/ الجواسيس الإيرانيون في مناطق أخرى من سورية، من ضمن ذلك محافظة دير الزور الشمالية الشرقية. تستضيف هذه المراكز الثقافية أيضًا الأحداث التي تمليها طهران، مثل حفل تذكاري لسليماني أقيم في “المركز الثقافي الإيراني” في دير الزور، في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2020 [12].

دير الزور منطقة استراتيجية لإيران تربط المصالح الإيرانية في العراق بسورية ولبنان. وتقوم شبكات على صلة بإيران بتهريب الأسلحة والمخدرات والتبغ (الدخان) من العراق عبر بلدة البوكمال، المعبر الحدودي السوري إلى لبنان. لذلك، تحاول طهران تعزيز قبضتها على المنطقة من خلال الحرس الثوري الإيراني، وأيضًا من خلال تجنيد الشباب السوريين الذين يعيشون في هذه المنطقة ذات الغالبية السنية، عبر توفير الحوافز المادية والمساعدات الإنسانية، فضلًا عن الخدمات الطبية والتعليمية والثقافية. وفقًا للمركز السوري لحقوق الإنسان، تنمو في دير الزور بالفعل خصائص مستعمرة إيرانية أو حتى محمية[13]. وعلى عكس بقية سورية، فإن وجود الجنود الإيرانيين في دير الزور ظاهر جدًا. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من ألف جندي إيراني عملوا في دير الزور في أيلول/ سبتمبر 2020، إضافة إلى مئات من مقاتلي الميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان [14].  في عام 2018، أفادت التقارير أن إيران كانت تقيم قاعدة عسكرية بالقرب من البوكمال تسمى “الإمام علي”، وأكدت صور الأقمار الصناعية لعام 2019 أن هذه القاعدة كانت نشطة بالفعل [15].  في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تم الإبلاغ عن مقتل أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، سالم شهدان، مع ثلاثة من جنوده في هجوم بطائرة من دون طيار بالقرب من البوكمال [16].  وفي أوائل حزيران/ يونيو 2021، قُتل ضابطان من الحرس الثوري الإيراني، حسن عبد الله زاده ومحسن عباسي، في كمين نصبه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على طريقهما من دير الزور إلى تدمر [17].

في الأعوام الأخيرة، عززت إيران أيضًا اتفاقياتها الاقتصادية والتجارية مع النظام السوري، في حين وسعت سيطرتها على القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والمصرفية في البلاد. على سبيل المثال، في عام 2013، وقعت الحكومة السورية اتفاقية بقيمة (3,6) مليار دولار مع إيران، لشراء المنتجات النفطية. وفي اتفاق آخر، تعهدت دمشق بتقديم خط ائتمان قدره بليون دولار لشراء الكهرباء والسلع الأخرى من إيران. في أوائل عام 2017، وقعت الحكومة الإيرانية والكيانات الاقتصادية القريبة من الحرس الثوري اتفاقيات اقتصادية واسعة النطاق مع عماد خميس، رئيس الوزراء السوري آنذاك، منحت إيران، من بين أمور أخرى، ترخيصًا لبناء شبكة هاتف خليوي في سورية، وعقود إنتاج الفوسفات، و(5,000) دونم من الأراضي الزراعية، و(1000) دونم لبناء مشاريع الغاز والنفط [18]. ونصّ الاتفاق أيضًا على إطار لإنشاء غرفة تجارية مشتركة بين سورية وإيران، تشكل في الواقع الذراع الاقتصادي لإيران في سورية، وقد أنشئت بالفعل في 29 كانون الثاني/ يناير 2019، عقب اجتماع لمنتدى الأعمال السوري الإيراني [19].

وأخيرًا، يستثمر النظام الإيراني أيضًا في غسيل أدمغة الأطفال والشباب السوريين، من خلال التعليم غير الرسمي. ومنذ أيلول/ سبتمبر 2020، يقدّم “المركز الثقافي الإيراني” دورات دراسية مجانية لتعليم الأطفال السوريين اللغة الفارسية، لا سيما في دير الزور [20].  بالإضافة إلى ذلك، وتحت رعاية اللجنة الشعبية للصداقة السورية الإيرانية، ومقرها دير الزور، تنشط أفرع عدة للحركة الكشفية في جميع أنحاء سورية وتحمل أسماء شيعية، مثل “كشافة الإمام المهدي في سورية” أو “. كشافة الولاية”. وعلى غرار المراكز الثقافية الإيرانية المتناثرة في جميع أنحاء سورية، يموّل مكتب المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق أنشطة الكشافة أيضًا ويشرف عليها. وكجزء من هذه الأنشطة، يخضع الشباب للتدريب على عمليات الأسلحة والقيام بمواكب عسكرية تحمل الأعلام الإيرانية، وصور الخميني وخامنئي، ورموز إيرانية شيعية أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم الزعماء الشيعة الدينيون بدور نشط في التعليم وتعليم المتدربين مبادئ المذهب الشيعي. وينضم معظم خريجي هذه الحركات الشبابية إلى إحدى الميليشيات الموالية لإيران في سورية بعد سنّ (16) عامًا [21].

بعد ما يقرب من عقد من الزمان على بدء التدخل الإيراني في الحرب الأهلية السورية، يمكن القول إن وجود الجمهورية الإسلامية في سورية هو أمر واقع. ستكون مهمة القضاء على الوجود الإيراني في سورية صعبة للغاية، وربما مستحيلة. في ظل ظروف الفوضى التي عمّت سورية، نشر الأخطبوط الإيراني أذرعه واستقر في بنية الدولة السورية. وهكذا يبدو أن الجمهورية الإسلامية، على غرار ما حققته من نجاح في تحويل الحرب الأهلية اللبنانية إلى نقطة انطلاق لتوسيع نفوذها الإقليمي في الثمانينيات، استغلت المأساة السورية لتعميق وتقوية ما أطلق عليه الملك عبد الله، عاهل الأردن عام 2004 بـ “الهلال الشيعي” [22].

اسم المقال الأصلي      Iran in Syria: From Expansion to Entrenchment

الكاتب  إيدو ياهيل، Ido Yahel

مكان النشر وتاريخه      مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط والأفريقية، The Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies، 17 حزيران/ يونيو 2021

رابط المقال       https://bit.ly/3FIV1fc

عدد الكلمات     2454

ترجمة  وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

[1] – مجيد رافي زاده، “القوات الإيرانية تفوق عدد قوات الأسد في سورية”، معهد جاتستون، 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.

[2] – نادر أوسكوي، “الاستراتيجية الإيرانية المتطورة في سورية: صراع يلوح في الأفق مع إسرائيل”، المجلس الأطلسي، أيلول/ سبتمبر 2018، ص. 2؛ ونوار صبان، “حقائق: النفوذ والتواجد الإيراني في سورية”، المجلس الأطلسي، 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

[3] – الخريطة معروضة في: “خرائط – 477 موقعًا للقوات الأجنبية في سورية”، [عربي] عنب بلدي، 6 كانون الثاني/ يناير 2021.

[4] – فابريس بالانش، “فشل نظام الأسد في استعادة السيادة الكاملة على سورية”،3433 Policy Watch، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 10 شباط/ فبراير 2021.

[5] – “Syria Update”، مركز التحليل والبحوث العملياتي، 4-10 تموز / يوليو 2019.

[6] – المصدر السابق.

[7] – سارة دعدوش، “بعد دعم الأسد، تتنافس إيران وروسيا على النفوذ وعلى غنائم الحرب”، واشنطن بوست، 20 أيار/ مايو 2021.

[8] – إفرايم كام، “الرهانات الإيرانية في سورية”، منشور خاص، معهد دراسات الأمن القومي، 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

[9] – “غرباء على التراب السوري”، [عربي] صحفيون سوريون مجهولون، 16 أيلول / سبتمبر 2020.

[10] – “غياب الزي العسكري ووجود رموز إيرانية في السيدة زينب على أبواب دمشق”، الشرق الأوسط، 24 كانون الأول/ ديسمبر 2020.

[11] – “إيران تحيي ذكرى اغتيال سليماني في مراكز ثقافية سورية”، [عربي] عنب بلدي، 29 كانون الأول / ديسمبر 2020.

[12] – المصدر السابق.

[13] – “حرب النفوذ … سر قصف دير الزور”، [عربي] أمان، 28 شباط/ فبراير 2021.

[14] – علا الرفاعي، وعلي العليلي، “التوترات الروسية الإيرانية في دير الزور”، تحليل السياسات، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 4 أيلول/ سبتمبر 2020.

[15] – تري ينجست، “إيران تبني نفقًا جديدًا تحت الأرض لإيواء الصواريخ: مصادر استخباراتية”، فوكس نيوز، 10 كانون الأول/ ديسمبر 2019.

[16] – مصادر: مقتل قائد في الحرس الثوري الإيراني شرقي سورية، “[عربي] عنب بلدي، 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

[17] – راز زيمت، “أضواء على إيران- 27 أيار/ مايو 2021 -10 حزيران/ يونيو 2021″، مركز مائير عاميت للمعلومات الاستخباراتية والإرهاب.

[18] – “من الدعم العسكري للثقافة والاقتصاد: إيران تسيطر على مفاصل سورية بأكملها”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 17 تموز / يوليو 2019.

[19] – عمار ياسر حمو، “من الدمار إلى إعادة التأهيل: طهران تعزز حضورها الاقتصادي في سورية من خلال الكيانات المشتركة”، [عربي] سورية مباشر، 10 شباط/ فبراير 2021.

[20] – “الحملة الإيرانية للترويج للغة الفارسية في شمال شرق سورية”، الشرق الأوسط، 1 حزيران/ يونيو 2021.

[21] -كشافة الإمام المهدي.. إيران تملأ خزان مقاتليها من الأطفال السوريين، [عربي] عنب بلدي، 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

[22] – روبن رايت وبيتر بيكر، “العراق والأردن يرون تهديد الانتخاب من إيران”، واشنطن بوست، 8 كانون الأول/ ديسمبر 2004.

مركز حرمون

———————————-

سورية بين إيران وتركيا/ مروان قبلان

استأثر الصراع السعودي – الإيراني بكثير من الاهتمام خلال السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق، وفي أثناء ثورات الربيع العربي، خصوصا في سورية واليمن، مغيبًا صراعًا لا يقل أهميةً بين القوتين الإقليميتين الأكبر في المنطقة: تركيا وإيران. والواقع أن التنافس التركي الإيراني بدأ مباشرةً بعد غزو العراق، والذي صادف وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في أنقرة عام 2002، وعودة تركيا إلى تركيز أنظارها على المنطقة العربية. وفي غياب دور عربي، تركّز التنافس التركي الإيراني في العراق، لكن بشكل أكبر في سورية. وفيما أقرّت تركيا بنفوذ إيران في العراق لأسباب جغرافية وتاريخية ومذهبية، رفضت إيران الإقرار بنفوذ تركيا في سورية، بل دخلت معها صراعًا صفريا حوَّلَ، بعنفه، ثورة 2011 إلى صراع وكالة، أودى بسورية تقريبًا.

مع ذلك، وعلى الرغم من الانقسام الحادّ والدموي الذي خلّفه هذا الصراع في سورية، حيث تمايز السوريون في ولاءاتهم بين الطرفين، وقاتلوا بضراوة تحت رايتهما، أبدت تركيا وإيران حرصًا شديدًا على منع تحوّل حرب الوكالة السورية إلى صدام مباشر بينهما. الأهم من ذلك، أن العلاقات التجارية بين الطرفين لم تتأثر، ففيما كان السوريون يتناحرون وينتحرون، كانت خطوط التجارة التركية – الإيرانية تزدهر وتتطوّر. وفي عز أيام الحرب السورية، تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين، ليصل الى 22 مليار دولار سنويًا. وفي ذروة العقوبات الأميركية (2012 – 2013) مثلت تركيا نافذة إيران الاقتصادية ورئتها المالية الرئيسة، فساعدتها في الالتفاف عليها، وهي القضية التي تورّط فيها بنك “خلق” التركي، وقد دانته محكمة أميركية الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول) بتحويل ما قيمته 20 مليار دولار من الذهب إلى إيران، في إطار ما عرفت بصفقة “الذهب مقابل النفط”، حيث كانت إيران محجوبةً عن النظام المصرفي العالمي وتحويلات الدولار. وفي 2015، وقع الطرفان اتفاقية للمعاملات التجارية التفضيلية، أزالا بموجبها الرسوم الجمركية عن نحو 300 سلعة تجارية في محاولة لرفع حجم التجارة بينهما إلى 35 مليار دولار. وفي 2017، وقع البلدان اتفاقيةً لاستخدام العملة الوطنية في التبادل التجاري بينهما.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة، شهدت الاستثمارات الإيرانية في تركيا نموا غير مسبوق، إذ يعدّ الإيرانيون اليوم ثاني أكبر مشتر للعقارات في تركيا، بعد العراقيين، واحتلوا المرتبة الأولى في تأسيس الشركات فيها (أسّسوا 1019 شركة عام 2018 و978 شركة عام 2019). ويعتقد مهتمون أن جزءا من هذه الشركات يمثل واجهة للنظام الإيراني لتجاوز العقوبات الأميركية، ويتوقعون أن تصبح تركيا أكبر مُستقطبٍ لشركات “الأوفشور” الإيرانية، إذ تعمد إيران إلى نقل جزء كبير من نشاط واجهاتها التجارية من دبي، بسبب مخاوفها من تطور الشراكة الإماراتية -الإسرائيلية. وتعد تركيا فوق ذلك وجهةً مفضّلة للسياح الإيرانيين، وقد فاق عدد هؤلاء في تركيا عام 2019 عدد زوار العتبات المقدسة في النجف وكربلاء. سياسيا، كان لافتا معارضة إيران القوية للمحاولة الانقلابية التي وقعت في تركيا عام 2016، وتضامن تركيا مع الحكومة الإيرانية في مواجهة الاحتجاجات التي شهدتها إيران عام 2018، وتضامنها أيضا مع حكومة عادل عبد المهدي في مواجهة انتفاضة تشرين الأول في العراق عام 2019.

ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تقاربا أكبر بين البلدين نتيجة تدهور علاقاتهما بالولايات المتحدة وتراجع الوضع الاقتصادي في كليهما، على الرغم من أن التنافس بينهما انتقل إلى ساحات أخرى (أفغانستان وأذربيجان). وتمثل زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إلى طهران يوم أول من أمس (الاثنين) تطورا لافتا بهذا الخصوص، وهو يمهد بذلك لزيارة يقوم بها قريبا إلى طهران الرئيس أردوغان، ويتوقع أن تسفر عن تحولات مهمة في العلاقات بين البلدين.

هل يسوؤنا أن نعرف أن هذا حال العلاقات الايرانية – التركية فيما كان السوريون يقتتلون؟ بالتأكيد، نعم. أما الآن، وقد صرنا إلى ما صرنا إليه، فتقتضي مصلحة السوريين، خصوصا بعد أن صار قرارهم، نظاما ومعارضة، في يد غيرهم، تشجيع كل تقارب بين رعاتهم، يفيد في حقن دمائهم، ويوقف تشريد مزيد من أبنائهم، وتدمير ما تبقى من بلادهم، وأن يتخلّوا عن وهم أن استمرار هذا الصراع سوف يمنحهم فرصة أفضل لتحقيق نتائج مغايرة.

العربي الجديد

—————————————————

قراءة في “التحالف الغادر” بين إيران وإسرائيل/ إياد الجعفري

إن قصَر أحدنا قراءاته للأخبار، في إحدى الأيام، على تلك المُتعلقة بالصراع الإيراني – الإسرائيلي المُحتدم، دبلوماسياً واستخبارياً، وسيبرانياً، وفي بعض الأحيان، عسكرياً وإن بصورة غير مباشرة، سيخرج على الأغلب بإيحاء أولي مفاده أن الحرب بين الطرفين باتت قاب قوسين أو أدنى. لكن تاريخ العقود الثلاثة الأخيرة، وبصورة خاصة منذ عام 2005، وحتى اليوم، تغلب عليه، في معظم تلك السنوات، ذات السمات التي ميّزت العلاقة الغريبة بين الطرفين، والتي تثير الجدل دوماً لدى كثير من المراقبين، وسط تشكيك بجدية كل من إيران وإسرائيل في التورط بصدام مباشر بينهما.

يكفي مثلاً أن نراجع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن يومي الجمعة والسبت 26 و27 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، لنجد عناوين من قبيل، “إسرائيل تصعد رسائل التهديد بالخيار العسكري ضد إيران.. قيادي يهدد بالدمار… والجيش يوسع (بنك أهدافه)”، “الحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران تقترب (خطوة) من المواجهة العسكرية”، و”إسرائيل تهدد بهجوم على مواقع إيران النووية”، و”تحذير استخباري إسرائيلي: إيران قريبة من السلاح النووي”.. إلى آخره من العناوين التي توحي بأن الصراع شبه الساخن بين تل أبيب وطهران، يكاد يتحول إلى حرب مباشرة، في أية لحظة.

لكن تاريخاً يمتد لأكثر من 30 عاماً، سادت فيه تلك الأجواء على صعيد الخطاب المتبادل بين إيران وإسرائيل، دون أن يتحول المشهد إلى حرب مباشرة، يجعل المراقبين يتريثون في اعتبار الوضع الراهن مؤشراً لحرب مرتقبة، بل ربما على العكس، فكلما صعّد الطرفان من لهجتهما تجاه الآخر، كان ذلك مرتبطاً باستحقاق تفاوضي، كما هو حاصلٌ اليوم، إذ من المرتقب استئناف مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، يوم الاثنين 29 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

هذه الازدواجية الغريبة، المستديمة على ما يبدو، لعلاقة تقوم على التهديد المتبادل، لكنها لا ترقى إلى مرحلة المواجهة المباشرة على مدار أكثر من ثلاثة عقود، تستحق بحق توصيفها بأنها لغز غامض، كما وصّفها الأكاديمي الأميركي من أصل إيراني، تريتا بارزي، الخبير في السياسة الخارجية الأميركية، وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز.

بارزي هذا، كان له مجهود استثنائي في محاولة سبر أغوار هذه العلاقة (الإيرانية – الإسرائيلية)، في محاولة لتقديم قراءة من خارج صندوق المتعارف عليه من القراءات السائدة في أوساط المحللين والمراقبين، الذين يفسرونها بوصفها نتيجة صرفة للخصومة الأيدلوجية (الدينية) عميقة الجذور بين الجانبين.

ففي كتابه الذي يعود إلى عام 2006، وعنوَنه باسم “التحالف الغادر أو الخائن”، أو حسب الترجمة العربية “حلف المصالح المشتركة – التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة”، يعتقد بارزي أن العداوة المستحكمة بين إيران وإسرائيل، اليوم، هي أكثر ارتباطاً بالتغيرات في موازين القوى بالشرق الأوسط، وبالمنافسة الاستراتيجية بين الطرفين، منها، بالبعد الأيدلوجي – الديني الذي اعتمدته “الدولة الإيرانية” بعد الثورة الإسلامية عام 1979.

ورغم أن الكتاب صدر قبل عقدٍ ونصف من اليوم، إلا أن خلاصاته المثيرة للاهتمام، مفيدة جداً لفهم الكثير من التناقضات غير المفهومة في منطقتنا، من قبيل مثلاً، تلك الشراكة الغرائبية بين طهران وتل أبيب في الرغبة ببقاء نظام الأسد مستمراً في السلطة بدمشق، رغم أنه يسهم بإتاحة المجال لإيران في دعم ذراعها اللبناني -حزب الله، الذي يشكّل واحداً من أبرز التهديدات للأمن القومي الإسرائيلي، وفق الخطاب المُصدّر للرأي العام، في تل أبيب.

وقد يكون أبرز ما يميّز الجهد الذي بذله بارزي في مؤلفه، هو استناده للحديث المباشر مع مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين وأميركيين، كانوا خلال عقود، مشاركين في صنع السياسة الخارجية لبلادهم، أو على مقربة كبيرة منها. وكان من أبرز من تحدث إليهم بارزي، محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السابق، ومهندس الاتفاق النووي مع القوى الكبرى عام 2015. والذي كان عام 2006 سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة بنيويورك.

وينوه بارزي في كتابه، إلى أن المقابلات التي أجراها مع المسؤولين الإيرانيين على وجه الخصوص كشفت بواطن الأمور التي نادراً ما كانت تُناقش علناً في إيران.

كما تحدث بارزي إلى وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، شلومو بن عامي، والرئيس السابق للموساد، إفرايم هالفي، ومدير المخابرات العسكرية السابق، عموس جلعاد.

وكان من أبرز من تحدث إليهم، أميركياً، مستشار الأمن القومي السابق، زبينغو بريجينسكي، ووزير الخارجية السابق، كولن باول، وكذلك أحد أبرز رجالات الخارجية الأميركية، دينيس روس.

ويستعرض بارزي، في مؤلفه طبيعة العلاقة الغريبة بين إسرائيل وإيران، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، منذ عام 1948، وحتى عام 2006، تاريخ إنجاز الكتاب.

ويخلص بارزي إلى خلاصة مفادها أن طهران وتل أبيب بحاجة لتصوير صراعهما الاستراتيجي الجوهري بأنه صراع أيدلوجي (ديني). فالهاجس الرئيس لدى صناع القرار بطهران، على صعيد السياسة الخارجية الإيرانية، كان وما يزال، منذ نهاية ستينيات القرن الماضي (عهد الشاه)، وحتى اليوم (مروراً بعهد الخميني وخامنئي – الثورة الإسلامية)، هو الهيمنة على المنطقة، وأن تكون إيران ذات أهمية استراتيجية لدى واشنطن، بصورة تجعل طهران لاعباً إقليمياً رئيسياً في الشرق الأوسط. ومنذ عهد الشاه، كانت طهران تدرك أن غايتها تلك لا يمكن أن تتحقق دون مراعاة البعد الأيدلوجي. لذلك لم يعترف الشاه رسمياً بإسرائيل، رغم الضغوط الأميركية – الإسرائيلية عليه طوال أكثر من عقدين من العلاقات شبه الرسمية، ومن زيارات رؤوساء وزراء إسرائيل إلى طهران، ديفيد بن غوريون، وغولدا مائير. فالشاه الأخير لإيران، محمد رضاه بهلوي، لم يكن يريد أن يخسر الشارع. ذاك الشارع ذاته، الذي استخدمته الثورة الإسلامية الخمينية لاحقاً، للتعبئة والتجييش في خدمة مشروعها للهيمنة في المنطقة.

ويشير بارزي، إلى أن علاقة متينة، سرّية، ربطت شاه إيران الأخير، بإسرائيل، كانت تستند إلى معادلة “عدو عدوي صديقي”. فالعداوة المشتركة للعرب، والخطر السوفييتي (في زمن الحرب الباردة)، كان القاسم المشترك بينهما. ويقول إنه لمن دواعي السخرية أنه عندما دعا القادة الإيرانيون إلى تدمير إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي (بعد الثورة الإسلامية)، كانت إسرائيل واللوبي المؤيد لها في واشنطن يحاولان التأثير في صانع القرار الأميركي كي لا يلتفت للخطاب الإيراني، حيث استمرت المصلحة الاستراتيجية المشتركة، التي جمعت الطرفين، وجعلتهما يواصلان تعاونهما السرّي، وغير المباشر، في بعض الأحيان.

ويوضح بارزي أن تلك العلاقة (الإيرانية – الإسرائيلية) تعرضت لزلزال جيوستراتيجي، عام 1991، حينما انهار الاتحاد السوفييتي، ودُمّر الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية. حينها، تبادل الطرفان الشكوك، وبات كل طرف يرى في الآخر ندّاً استراتيجياً في المنطقة، بعد زوال “العدو المشترك”. وتغيّر موقف الساسة الإسرائيليين الذين أخذوا يضغطون على نظرائهم الأميركيين كي لا يتواصلوا مع إيران مطلقاً، بذرائع من قبيل عدمية خطاب نظام الملالي الإيراني، الأمر الذي أثار استغراب رجال السياسة الأميركيين، الذين تعجبوا من تبدل الموقف الإسرائيلي.

يزخر كتاب بارزي بالمواقف والأحداث المثيرة للاهتمام، والصادمة، حينما نقرأها من زاوية التكثيف التاريخي الذي استخدمه المؤلف، بحيث وضع تلك الأحداث في مواجهة بعضها، ليُرينا حجم التناقضات بين الخطاب الرسمي للإيرانيين والإسرائيليين، وبين السياسة الفعلية التي تُمارس وراء الكواليس. لذا يصعب الإحاطة بتلك التفاصيل المهمة، في مقال واحد. لكن قد تكون أبرز خلاصة تهمنا، كمراقبين في المنطقة، تلك التي قال فيها بارزي، إنه ما من مرة كانت فيها الأهداف الأيدلوجية والاستراتيجية لإيران على المحك، إلا وسيطرت المقتضيات الاستراتيجية لدى طهران. فالأيدلوجية، مجرد أداة للتعبئة وتجييش الرأي العام في خدمة المشروع الإيراني للهيمنة في المنطقة.

خلاصات كتاب بارزي ما تزال صالحة، في معظمها، للإسقاط في يومنا هذا. بل وقد تكون أصبحت أكثر وضوحاً بعدما باتت الشراكة الإيرانية – الإسرائيلية، في إبقاء نظام الأسد على قيد الحياة، مثالاً صارخاً على التناقض بين الخطاب والفعل بين الطرفين. ولا يعني ذلك بطبيعة الحال، أن الإيرانيين والإسرائيليين، يدّعون الخصومة فقط، بغاية إقناع الرأي العام العربي بذلك، كما يقول بعض كتّاب الرأي في منطقتنا، لكنه يعني، دون أدنى شك، أن الصراع بين هاتين القوتين في منطقتنا، هو صراع على الهيمنة، وليس صراعاً على الوجود، كما يحاولان تصويره.

تلفزيون سوريا

—————————-

================

تحديث 09 كانون الأول 2021

————————-

إيران والتفاوض على حافة الهاوية.. إما التنازل أو الانفجار/ منير الربيع

لم يكن أحد يتوقع أو يتوهم بأن الجولة الأولى من المفاوضات الإيرانية مع القوى الدولية حول الملف النووي الإيراني ستصل إلى نتيجة واضحة. لا يمكن حصر الملف النووي الإيراني بالتفاوض مع الأميركيين، فذلك يعني أمن العالم من الصين إلى روسيا وغيرها من الدول. ولذلك يجد الإيراني نفسه بحاجة إلى إبقاء كل الخطوط مفتوحة مع القوى المختلفة، أما رفع السقف بالتلويح برفع التخصيب فغايته تحصيل مزيد من المكتسبات السياسية في المنطقة، لأنه عندما يقترب الإيراني جدياً من إنتاج سلاح نووي فإن الصين وروسيا هما أول من سيواجه هذا التحول.

لذلك فإن خريطة أو مسار إيران في لعبة التفاوض يفترض بها أن تراعي مواقف كل من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النجاح بالوصول إلى اتفاق مع واشنطن. ما تسعى إليه إيران هو الوصول إلى اعتراف دولي بنفوذ طهران في منطقة الشرق الأوسط. هي تريد غطاءً لمستوى معين من النفوذ في المنطقة، على الرغم من نفي شمول هذه المفاوضات للصواريخ الباليستية والمشروع الإيراني خارج حدود طهران. ولنفترض أن الاتفاق على النووي قد حصل، فلا بد له من مقومات الاستمرار وهو ما يدعمه التفاهم على المستوى الإقليمي، وإلا لن يكون لديه أية قدرة على الاستمرار.

لا يمكن التوقع لهذه المفاوضات أن تؤدي إلى نتائج سريعة. هي تحتاج إلى فترة زمنية يعرف الإيراني كيف يستثمر بها، وربما الرهان على الوقت والزمن هو من أبرز تكتيكات التفاوض بالنسبة إلى طهران. وأكثر ما يبرع به الإيرانيون هو فتح هوامش أخرى وخلفية للمفاوضات بعيداً عن المفاوضات المباشرة، ونمطهم لا يذهب باتجاه القطع بل يحاول المراكمة بشكل دائم على أي خيط على الرغم من استثماره بالوقت. في هذه المرحلة لا يمكن للوقت أن يكون حليفاً له أو يصب في صالحه بظل التطورات القائمة. يستعجل الإيرانيون الوصول إلى اتفاق.

إلى جانب التفاوض المباشر، والمفاوضات الخلفية، ثمة تفاوض بالنار أيضاً، من تفجير مفاعل نطنز، إلى استهداف القاعدة الأميركية في التنف، وهذه من أساسيات قواعد التفاوض، ولكن في نفس الوقت هناك إصرار إيراني على الاستمرار بفتح خطوط التواصل مع واشنطن لمنع حصول تطور عسكري إسرائيلي ضد إيران في ظل التصعيد بالمواقف الإسرائيلية وآخرها لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي يقوم بتحشيد المواقف الدولية ضد طهران ويزيد من تحذيراته بأن الإيرانيين يقتربون من الوصول إلى امتلاك القنبلة النووية، وسط تهديدات عسكرية باستهداف المشروع النووي الإيراني.

تجيد إيران التفاوض على حافة الهاوية. هي حتماً لا تريد الوصول إلى وقف المفاوضات أو الشعور بأي خطر أمني أو عسكري قد يهدد أراضيها أو مفاعلها النووية. لذلك فإن كل هذا التحشيد والتصعيد هدفه إرساء قواعد جديدة للاتفاق وليس التصعيد في سبيل المواجهة. في الجولة التفاوضية الأولى وجد الإيرانيون أنفسهم في حالة انعزال عن القوى الأخرى، حتى فرنسا التي كانت تسعى بكل جهودها إلى توقيع الاتفاق لم تجد نفسها قادرة على اتخاذ مواقف مناصرة لطهران. هذا الأمر هو الذي دفع إيران إلى تقديم سلفة على الحساب للفرنسيين من خلال طلب استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي. كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحتاج إلى موقف يساعده خلال زيارته إلى دول الخليج، وتحديداً السعودية، لم يكن لديه مجال سوى اللجوء إلى طهران للحصول على تلك الورقة، والتي من الواضح أنها ورقة بلا ثمن، ولا سيما أن السعودية نجحت في تحديد الأسباب الأساسية للأزمة اللبنانية والتي ترتبط حصراً بإيران ومشروعها. نجح ماكرون بالحصول على ورقة من إيران، لكنها ورقة ألزمته في الاقتراب أكثر من الموقف السعودي، خصوصاً عندما صدر بيان سعودي فرنسي مشترك يتحدث عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وهي رسالة واضحة لحزب الله، بالإضافة إلى تطبيق القرارات الدولية، وعدم جعل لبنان منطلقاً لتهديد دول المنطقة. هذا الموقف يعدّ انقلاباً في المعايير اللبنانية بحال أرادت فرنسا تعزيز حضورها.

كل هذه الملفات ترتبط بمسار التفاوض الإقليمي بين واشنطن وطهران، في حين نجحت السعودية بانتزاع موقف واضح من ماكرون بأنها شريكة في صنع القرار الإقليمي، ما يعني إشراكها ضمناً في مفاوضات فيينا. تلك المفاوضات التي ستشهد المزيد من التصعيد الميداني، على وقع التهديدات الإسرائيلية المتوالية، وبالمقارنة مع الموقف الفرنسي السعودي فحينها يمكن للبنان أن يكون ساحة التفاوض بالنار في المرحلة المقبلة.

تلفزيون سوريا

——————-

في جديد العلاقات بين النظام السوري وإيران/ عمار ديوب

الإعلان عن تأسيس بنك إيراني سوري مشترك. زيارة وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، سيد رضا أمين، دمشق. زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، (ونائبه) إيران. أخبار عن تأسيس ضاحية جنوبية في جنوب مدينة دمشق، في بلدة الست زينب، وتوسعتها لتصل إلى مطار دمشق الدولي.

هذه الأخبار جديدة على العلاقة بين الدولتين، وتأتي في حُمّى المحاور الجديدة في المنطقة، والتي تشير إلى تحييد إيران، ولن نقول عزلها، وبما يؤدّي إلى إعادة النظام السوري إلى محيطه العربي. أيضاً يأتي تعزيز هذه العلاقة مخالفاً للمصالح المتبادلة والعلاقات المتينة بين روسيا وإسرائيل، حيث سمحت موسكو لتل أبيب بمزيدٍ من العمليات العسكرية ضد المواقع الإيرانية، بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، موسكو أخيراً. يضاف إلى ذلك التصعيد الإسرائيلي ضد إيران على وقع المفاوضات النووية، والتململ الأميركي الواسع من السياسات الإيرانية، ورفض التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي رفض الخطوات المعلنة أخيراً بين دمشق وطهران.

تتعارض العلاقة الجديدة هذه، في وجهٍ منها، مع السياسة الروسية في سورية. الأخيرة تعتبر نفسها المهيمنة على النظام، وأن تطوير العلاقة بين النظام وإيران، ولا سيما بالشقّ الاقتصادي، أو محاولة السيطرة على مطار دمشق، وهو المقصود بالتأسيس لتلك الضاحية، لن تتقبّله موسكو. ربما يحاول النظام وإيران، بخطواتهما هذه، الضغط على روسيا، لإبعادها عن إسرائيل، والبحث عن جديدٍ في شراكة قوية معها بعيداً عن التضحية بمصالح إيران.

الحراك العربي الواسع لاستقطاب النظام، واعتماد سياسة الخطوة خطوة، لم تعد سياسة أميركية، بل وكذلك تستخدمها الدول العربية ضمن خطوات التطبيع. تأتي الأشكال الجديدة من العلاقة الإيرانية والنظام السوري معاكسة للخطوات العربية نحو الأخير، وهناك رفض أوروبي وأميركي للتطبيع معه، وبالتالي يخطئ النظام السوري وإيران باعتمادهما هذه الخطوة “التصعيدية”.

تهدف إيران إلى تقوية أوراقها التفاوضية، والاستمرار في سياسة حافّة الهاوية، مستفيدة من إعلانات أميركية سابقة، تفيد بالانسحاب من المنطقة، وتعتقد بنفسها أنها الدولة الأقوى إقليمياً، وتريد فرض نفوذها. وضمن ذلك، يمكن تحليل رفع مستوى العلاقة مع النظام السوري، إذ إنّ زيارة وزير الخارجية السوري، (ونائبه والوفد المرافق لهما)، تمّت بدعوة إيرانية، وضمن إطار السياسات الإيرانية، والتي تواجه ضغوطاً شديدة، وتبدأ بالمفاوضات النووية، والتي ترفضها إسرائيل، وتذمرت من وثيقتي إيران إلى المفاوضات كل من روسيا والصين، وتبدو أميركا غير متفائلة بالوصول إلى الاتفاق، كما تفيد تصريحات دبلوماسييها. ولا تعير سياسة إيران هذه انتباهاً إلى التغيير الكبير في السياسات الأميركية التي أكدت على بقائها في سورية، والوقوف إلى جانب رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ودعم الموقف الخليجي الرافض هيمنة حزب الله على لبنان.

ستستغل إيران السياسة الأميركية لتعزيز علاقاتها مع روسيا، وستدفع بالأخيرة إلى التشدّد أكثر فأكثر مع الولايات المتحدة، وهناك تأزماتٌ دوليةٌ بين الدولتين، وتتعلق بأوكرانيا أيضاً. إيران ستستغلّ ذلك كله، وستستمر بسياساتها ذاتها، ومنها الجديد في العلاقة مع النظام السوري. يخشى الأخير العلاقة الوثيقة بين الروس وإسرائيل. أما العلاقة التاريخية بين طهران ودمشق، فتدفعه إلى الاستجابة للسياسة الإيرانية، ومعاندة الروس والإسرائيليين، والضغط على المحور العربي الذي يشمل خطوط الغاز والكهرباء، وكذلك المحور الإماراتي ليقدّما مزيداً من التنازلات تجاهه، وألا تكون على حساب مصالحه مع إيران. تؤكد كثرة المتغيرات في المنطقة على تعدّدية المحاور، مع ضرورة التأكيد على عدم تبيّن هيمنة أحدها في الأشهر المقبلة.

لا تخطئ إيران بشكل كلّيٍّ، حينما لا ترى حرباً قادمة على طاولة السياسة الأميركية. إنها تستمر بالتمسك بالاتفاق النووي السابق، والوجود الإقليمي والصواريخ الباليسيتة، ورفع العقوبات، والحفاظ على التطوّر النووي الذي أحرزته بعد انسحاب أميركا منه في 2018. تتجاهل المواقف الإيرانية هذه، المستندة إلى ما سبق، أن إدارة بايدن تعلن أنها ستزيد العقوبات ضدها في حال أخفقت المفاوضات النووية. وهنا يأتي الدور الإسرائيلي الذي يُعلن جهاراً نهاراً رفضه الاتفاق النووي، وأنه أصبح مستعدّاً لضربات عسكرية قوية في الداخل الإيراني، ولن يكتفي في سورية.

تمعن إيران في مواقفها؛ ففي سورية شنّت، أخيراً، هجمات بطائراتٍ مسيرة على قاعدة التنف، والآن تعزّز علاقتها القوية مع النظام السوري، ولا تسعى نحو تخفيف الأزمة اللبنانية التي دخل على خطها الرئيس الفرنسي، ماكرون، عبر زياراته إلى الخليج واستقالة وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، وإجراء اتصال بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي.

لا يتبنّى كاتب هذا النص احتمالاً واحداً للسياسات الإقليمية في المرحلة المقبلة، ولكن ما هو شديد الوضوح أن المواقف الأميركية والإسرائيلية ضد إيران ستتصاعد. أيضاً لن تقبل روسيا تقوية علاقة طهران بدمشق، على الرغم من المواقف الأميركية المستجدّة تجاه النظام السوري، والتي صارت تزيد عما ساد عدة سنوات، وتتحدّد بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتأمين الإمدادات الإنسانية، بالإضافة إلى مساءلة النظام السوري، والتمسّك بالقرارات الدولية من جديد، ولا سيما قرار مجلس الأمن 2254. أميركا وأوروبا تؤكّدان مجدّداً على رفض التطبيع مع النظام السوري، وغير مرحّبتين بالتطبيع العربي معه كذلك، والأخير سيجد نفسَه في موقف ضعيفٍ إذاً، ويزيد من ذلك مجاراته إيران في المشاريع الأخيرة.

لا تضع الإدارة الأميركية إسقاط النظام الإيراني ضمن أوراقها السياسية. ولهذا لن تتجه إلى دعم السياسة الإسرائيلية في مهاجمة إيران عسكرياً، وأيضاً ترفض ذلك روسيا، وبالتالي الممكن حالياً، ولا سيما أن المفاوضات النووية تتّجه نحو الفشل، أن تتضاعف العقوبات الاقتصادية على إيران، وربما تشنّ إسرائيل عمليات محدّدة، ومحدودة، ضد الصناعة النووية الإيرانية، بما يُبطئ من السرعة في الوصول إلى القنبلة النووية، وهذه العمليات لن ترفضها أميركا، وربما توافق عليها روسيا أيضاً.

قد يشجّع عدم الوصول إلى الاتفاق النووي أميركا وروسيا على خطواتٍ أقوى، لتحجيم الوجود الإيراني في سورية، وحصر إيران في إطار حدودها الطبيعية. وهذا يعني أن الأشكال الجديدة من العلاقة بين طهران ودمشق لن يُكتب لها النجاح، وربما تدفع روسيا وإسرائيل إلى التشدّد ضد النظام السوري نفسه، وهذا سيُقرّب بدوره من العلاقة الروسية الأميركية، والبحث عن صفقةٍ ما، يكون عنوانها تغييراً كبيراً في طبيعة النظام السوري، وتقليص الوجود الإيراني بشكل كبير.

في كل الأحوال، لا يمكن للمنطقة أن تذهب نحو علاقاتٍ أكثر استقراراً، وتسمح للمحاور الجديدة بالعمل ومحاربة الإرهاب الداعشي بشكل حاسم، من دون الوصول إلى حلٍّ سياسي في سورية، وتقليص الوجود الإيراني في سورية وفي كل المنطقة. الخلاصة أن الأشكال الجديدة من التدخل الإيراني في سورية تعدُّ سياسةً خاطئة، وتزيد من المواقف الدولية والإقليمية الرافضة لإيران وللتطبيع مع النظام السوري.

العربي الجديد

———————-

واشنطن تستبق مفاوضات فيينا..بورقة العقوبات والقناة الاماراتية

أكد إنريكي مورا ممثل الاتحاد الأوروبي، والذي يرأس الجولة السابعة من المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية، أن أطراف الاتفاق النووي الإيراني سيجتمعون في فيينا الخميس، بعد التشاور مع حكوماتهم مؤخراً.

وكان دبلوماسيون أوروبيون قد حثّوا طهران على العودة بمقترحات واقعية بعد أن تقدم الوفد الإيراني الأسبوع الماضي بمطالب عديدة اعتبرتها أطراف الاتفاق الأخرى – بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا- غير مقبولة.

لكن إيران قالت إنها لم تتلقَّ أي مقترح بنّاء للتقدم في المفاوضات النووية، متهمة الأطراف الأوروبية بالسلبية. وقال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان في اتصال مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، إن بلاده جادة في المفاوضات بهدف التوصل لاتفاق جيد، واصفاً المقترحات الإيرانية بأنها تتطابق تماماً مع الاتفاق النووي وتفاهمات الجولات السابقة في فيينا.

واعتبر الوزير أن المواقف “السلبية” للدول الأوروبية غير بناءة، وأنها ستؤدي إلى تعقيد الوضع وإبطاء عملية التوصل إلى الاتفاق، مضيفا “لم نتلقّ حتى اللحظة أي مقترح بناء للتقدم في المفاوضات”.

وشدد عبد اللهيان على أن برنامج إيران النووي سلمي، وأن إزالة القلق من هذا البرنامج ترتبط بشكل مباشر برفع العقوبات. كما أشار إلى أن طهران تواصل تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأنها سترسل وفداً إلى فيينا للقاء مسؤولي الوكالة.

ونقلت وكالة “إسنا” الايرانية عن وزير خارجية إيران قوله إن طهران ستبقى في فيينا طالما كان ذلك ضرورياً للتوصل إلى اتفاق.

من جهته، كشف مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية مهدي صفري الخميس، عن الإفراج عن أرصدة إيرانية تقدر ب3.5 مليارات دولار خلال الفترة الأخيرة. وقال إن دولة أخرى ستفرج قريبا عن جزء من الاستحقاقات الإيرانية، من دون الكشف عن اسم هذه الدولة وحجم الأرصدة التي ستفرج عنها.

وبينما أعلنت الولايات المتحدة أن مبعوثها بشأن إيران روبرت مالي يعتزم المشاركة في هذه الجولة من المحادثات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن “بعض القضايا الشائكة التي واجهتنا في ما يتعلق باحتمال العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة تم حلّها أو هي في طريقها إلى الحل” في جولات المحادثات السابقة.

وقال للصحافيين في واشنطن مساء الأربعاء: “كنا نأمل أن نجد الإيرانيين عائدين إلى فيينا باستعداد للعمل على تسوية تلك القضايا العالقة بناء على التقدم المحرز في الجولات الأولى إلى السادسة. لكن ليس هذا ما وجدناه. نأمل أن تمضي الجولة الثامنة بشكل مختلف”.

وفي السياق، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن واشنطن تتحرك صوب تشديد تطبيق العقوبات على إيران في حال تعثر المحادثات. وأضافت أن وفداً رفيع المستوى سيتوجه إلى الإمارات الأسبوع المقبل، لبحث مدى التزامها بالعقوبات ضد إيران.

وقالت الصحيفة إن الوفد سيضم رئيس مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة أندريه جاكي. وأضافت إنه سيحذر الشركات والبنوك الخاصة في الإمارات من أنها “ستواجه مخاطر بالغة”، إذا استمرت المعاملات الخاضعة لعقوبات.

وتابعت أن “الإمارات حليف رئيس للولايات المتحدة، ولكنها أيضا ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، وتعد قناة للمعاملات التجارية والمالية لطهران مع الدول الأخرى”.

المدن

——————————–

انسحاب إيران من جنوب سوريا وهم… وقائع ووثائق تُثبت توسعها!/ عاصم الزعبي

سيطرت قوات النظام السوري، مع نهاية تموز/ يوليو 2018، على محافظة درعا، بعد اتفاقٍ برعاية روسية، وموافقة إقليمية ودولية، في محاولةٍ لإيجاد حلٍّ للصراع في المحافظة الجنوبية التي تُعدّ البوابة الكبرى للوصول إلى السعودية ودول الخليج العربي، والتي تسبّب إغلاقها لسنواتٍ، بخسائر لمختلف الأطراف.

وكان أحد أهم البنود التي تم الاتفاق عليها، ابتعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية، وعن الحدود مع الجولان السوري، مسافةً لا تقلّ عن 80 كم، وسط خوفٍ من تغلغل الميليشيات بشكلٍ عابر للحدود، نحو السعودية، ودول الخليج العربي.

في 7 تموز/ يوليو 2020، وُقِّعت اتفاقية عسكرية بين النظام السوري وإيران، لتعزيز التعاون العسكري، وتتضمن تطوير أنظمة صواريخ للدفاع الجوي الإيراني، ونشرها في سوريا، خاصةً بعد الاستهداف المتكرر لمواقع عسكرية إيرانية في الأراضي السورية.

وبموجب هذه الاتفاقية، قام الحرس الثوري الإيراني بنشر بطاريات صواريخ للدفاع الجوي، في فوجٍ عسكري سوري بالقرب من بلدة جباب في شمال محافظة درعا، والتي تبعد عن الحدود الأردنية نحو 80 كم، والذي يُعرف بالفوج (89)، ويشرف على هذه الصواريخ ضباط وعناصر من الحرس الثوري الإيراني، ويعملون بشكلٍ مستقلٍّ عن السوريين فيه.

وتتم حراسة الفوج من قبل قواتٍ خاصةٍ تابعة لحزب الله اللبناني، ويُعدّ مهماً للإيرانيين، لأسبابٍ عدة، إذ تتبع له قطعات عسكرية عدة، محيطة به، كما أن له مداخل ومخارج عديدة، ما يمنح سهولةً في الحركة والتمويه، فهو يشرف من جهةٍ على الطريق الدولي “أوتستراد دمشق-درعا”، ويشرف من جهةٍ ثانيةٍ على طريق دمشق-درعا القديم، الذي يحاذي العديد من المدن والبلدات في المحافظة، بالإضافة إلى قرب الفوج من العاصمة دمشق، والتي لا تزيد المسافة بينهما عن 30 كم.

وهناك ميزة أخرى، هي وجود مستودعات يستخدمها الحرس الثوري لتخزين الأسلحة، تُعرف بمستودعات “777”، وهي محصّنة طبيعياً أسفل إحدى التلال، ما يقيها من خطر الضربات الجوية. وكان الفوج قد استُخدم من قبل النظام لقصف الغوطة في ريف دمشق بصواريخ أرض-أرض، خاصةً في العام 2013.

لا ينحصر هذا الوجود في منطقة جباب، إنما في مناطق أخرى، كالصنمين، حيث يسيطر الإيرانيون على الفرقة التاسعة هناك، وهي فرقة قوات خاصة، شاركت في العملية العسكرية الأخيرة في درعا البلد، وكان قصفها أشد فتكاً من قصف الفرقة الرابعة، خاصةً من جهة مخيم درعا، وحي طريق السد، وحاولت أكثر من مرةٍ اقتحام هذه الأحياء.

لم تخرج الميليشيات الإيرانية من جنوب سوريا، حتى تعود إليه، ولم تتعدَّ التفاهمات الإقليمية والدولية لإخراجها، ما يعلن عنه الروس، وحتى الإيرانيون، عن أنه ليس لديهم وجود في جنوب سوريا، ولا يتعدى كلامهم أن يكون ذرّاً للرماد في العيون، لإيهام العرب والمجتمع الدولي بأن روسيا تسيطر كلياً على مفاصل الجنوب كلها، في حين لا تعدو هذه السيطرة أن تكون شكليةً فحسب، ولها مهمة تلميع النظام السوري، لإعادة دمجه عربياً وإقليمياً.

وفي الحقيقة، كل ما فعلته إيران هو سحب قسمٍ من عناصرها من غير السوريين، بينما يتوزّع آخرون ليذوبوا في القطعات العسكرية التابعة للنظام السوري، كلما اقتربت هذه القطعات من الحدود، ولتظهر علناً في القطعات التي تبعد عن الحدود نحو 80 كم.

عملت إيران، منذ العام 2012، على التغلغل الهادىء في الجنوب السوري بشكلٍ عام. فبالإضافة إلى الوجود العسكري، تعمل في اتجاهاتٍ أخرى أكثر أهميةً، إذ جنّدت العديد من الأشخاص لشراء الأراضي والعقارات في مناطق مختلفة من درعا، وخاصةً على الطريق الدولي الواصل بين دمشق ومعبر نصيب الحدودي، بالإضافة إلى عقارات سكنية في مختلف المدن والبلدات.

ويؤكد قيادي سابق في المعارضة المسلحة في درعا أن “الميليشيات الإيرانية وحزب الله استطاعوا تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين السابقين عبر الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية من جهة، وعبر تجنيد مباشر في صفوف حزب الله من جهة ثانية”، ويوضح أن “العناصر المجندين في صفوف الحزب يعملون بطريقة المناوبات لمدة 15 يوماً في العمل و15 يوماً إجازة”.

وتمكنت الميليشيات من الوصول إلى دوائر حكومية خاصة مديرية المصالح العقارية عن طريق بعض الموظفين من خلال سماسرة لتثبيت شراء عقارات لصالحهم بأسماء سماسرة سوريين. أما بالنسبة لمعبر نصيب فهناك مفرزة للمخابرات الجوية وهي أحد أذرع حزب الله في الجنوب السوري. بحسب القيادي.

واستفادت إيران من تسوية 2018، وبقاء عددٍ كبير من مقاتلي المعارضة من دون عملٍ، أو رواتب، فعمدت إلى تجنيد أعدادٍ كبيرة منهم تقدَّر، حسب ناشطين داخل المحافظة، بنحو ألفي شخصٍ من أبنائها، يتوزعون في مناطق مختلفة، ولهم مهام مختلفة، ويتقاضون رواتب تصل إلى 250 دولاراً شهرياً. وقد أكد تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال صادر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، هذا الأمر.

وورد في التقرير، أنّ حزب الله وإيران يفهمان “أنّ اللعبة الفائزة هي لعبة الأرض: تحتاج إلى دمج نفسك في المجتمعات، وتحتاج إلى بناء وجود، وإلى أن تكون جزءاً من الاقتصاد والبنية التحتية المحلية، وهذا الوجود، بالإضافة إلى لبنان، سيكون نقطة ارتكاز الصراع المقبل”.

لذلك، عمل الإيرانيون على شراء ولاء هؤلاء المقاتلين، كما قاموا بشراء ولاء كثيرين من الموظفين الحكوميين، في الدوائر الحكومية كلها في المحافظة، بدءاً من مديرية المصالح العقارية، وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي.

ومن جهةٍ ثانية، فقد عمل الإيرانيون على تشييع عددٍ كبيرٍ من الأهالي، مستغلّين حالة الفقر التي خلّفتها الحرب، وتُعدّ بلدة قرفا في ريف درعا الشمالي، أهم بؤر العمل على تشييع أبناء حوران، فهي مسقط رأس اللواء رستم غزالي، المقرَّب سابقاً من حزب الله اللبناني. وحالياً، يعمل عدد من أقاربه على نشر التشيّع، بدعمٍ لا محدود من إيران وحزب الله.

وقدّمت إيران مبالغ كبيرة من أجل ذلك، ولا تزال تفعل حتى الآن، وقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط، في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، عن تقريرٍ جديدٍ للاستخبارات الإسرائيلية، أن “النشاط الإيراني آخذ في الاتّساع حالياً، خصوصاً في منطقتَي جنوب سوريا وشرقها، وكذلك بالقرب من الحدود مع لبنان، حيث تقوم جهات بشراء بيوت وأراضٍ بأعداد هائلة، ويأتون بسكّان جدد من إيران، أو من مجموعات سكانية شيعية أخرى من بلدان عدة في المنطقة، مثل العراق وأفغانستان واليمن، وغيرها، كما يستغلّون الضائقة المالية للسكّان المحليين، فينشئون الجمعيات الخيرية لإغرائهم”.

ويضيف التقرير أن “جهاتٍ إيرانيةً، أرسلت في الشهور الأخيرة، حقائب مليئة بالدولارات إلى جهات عدة في البلدات السورية الجنوبية، في منطقتَي حوران والجولان، بغرض تجنيدها لأهدافها السياسية والعقائدية، وهذه الأموال وصلت إلى عددٍ من قادة المجتمع في مدينة السويداء، أبناء الطائفة العربية الدرزية، الذين عُرف بعضهم بتأييدهم للنظام، وراحوا يظهرون تحولاً نحو إيران وحزب الله اللبناني. كما وصلت الأموال إلى قادة بلدة قرفا التي نجحت إيران في تحويلها من المذهب السنّي إلى المذهب الشيعي، وإلى جهاتٍ أخرى تسعى إلى تجنيدها، أو تشييعها، واستخدامها في تسهيل مهمات حزب الله”.

تشير وثيقة مسرّبة من فرع الأمن العسكري في درعا، حصل رصيف22 على نسخةٍ منها، إلى قيام القيادي في حزب الله المعروف بالحاج ولاء، وهو لبناني الجنسية، بتشكيل مجموعات عدة في مناطق متفرقة في درعا والقنيطرة، في العام 2018، تعمل على تسهيل عمل حزب الله الأمني، وتشرف على تجارة المخدرات، وعلى تجنيد المقاتلين. وتم تشكيل المجموعات خلال اجتماع للحاج ولاء في حقل كريم للرمي في منطقة اللجاة، شمال شرق درعا.

الوثيقة:

ويُعدّ الحاج ولاء رجل المهمات الصعبة لحزب الله في جنوب سوريا، ويتبع من حيث التسلسل القيادي للحاج هاشم “منير علي النعيم”، وهو قيادي في الحزب، لبناني الجنسية أيضاً. ويُعدّ الحاج ولاء مسؤولاً عن إنشاء مقرّات الحزب، ومشرفاً على نقل السلاح والذخيرة.

ويتنقل الحاج ولاء، الذي لا يتجاوز الثلاثين من عمره، حسب ما أكد شهود رأوه في منطقة اللجاة، لرصيف22، بين مناطق عدة، منها السيدة زينب في ريف دمشق، وقيادة الفرقة التاسعة في الصنمين، والفوج 137 التابع للفرقة السابعة في منطقة زاكية في ريف دمشق الغربي، وهو مقرّ عمليات رئيسي للميليشيات الإيرانية، سبق وزاره قائد فيلق القدس الإيراني الراحل قاسم سليماني، بين عامي 2015 و2016.

    نفّذ حزب الله، وميليشيات إيران، انسحاباتٍ وهميةً من محافظة درعا، خاصةً بعد التسوية الأخيرة، كان هدفها إيهام الدول الإقليمية والمجتمع الدولي بالابتعاد عن الحدود الأردنية

ونفّذ حزب الله، وميليشيات إيران، انسحاباتٍ وهميةً من محافظة درعا، خاصةً بعد التسوية الأخيرة، كان هدفها إيهام الدول الإقليمية والمجتمع الدولي بالابتعاد عن الحدود الأردنية، وعن حدود الجولان السوري، في محاولةٍ لإعادة علاقات النظام بالدول العربية من جهة، ولتخفيف العقوبات الأمريكية، ومحاولة تجنّب القصف الإسرائيلي، من جهةٍ أخرى، في وقت تُثبت الوقائع زيف ما يتم ادّعاؤه عن إخلاء الجنوب السوري من هذه الميليشيات.

رصيف22

سوريا.. “الحرس الثوري” يعزز نفوذه بزيارة “مفاجئة” وتسويات على الهامش

ضياء عودة – إسطنبول

في زيارة لافتة ومفاجئة وصل قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، إسماعيل قآاني، قبل أيام إلى مدينة البوكمال السورية الواقعة في أقصى جنوب شرقي البلاد. وبحسب ما ذكر الحساب الرسمي لميليشيا “فاطيمون” عبر تطبيق “تلغرام”، فقد التقى الأخير بعناصرها واجتمع بهم مع نائبه، فلاح زاده.

ونشرت الميليشيا صورا لقاآني، في السادس من ديسمبر الحالي، لكنها لم تحدد بدقة تاريخ وصوله إلى سوريا، فيما ذكرت شبكات محلية سورية أن اجتماعه مع العناصر كان في مركز نصر بمحافظة دير الزور. 

وأضافت شبكة “دير الزور 24” أن قآاني زار أيضا مراكز ميليشيا “فاطميون” في مدينة البوكمال ومحيطها، “للاحتفال بتخريج دفعات مقاتلي الميليشيا في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي”. 

ورغم أن زيارته إلى سوريا والبوكمال على الخصوص ليست الأولى من نوعها، إلا أن السياق الذي تأتي فيه يثير عدة تساؤلات. وبينما يراها محللون عسكريون “اعتيادية وتفقدية”, أشار آخرون ممن تحدث إليهم موقع “الحرة” إلى أنها تصب في إطار ترتيبات جديدة للمنطقة. 

وفي مطلع يونيو 2018، تمكنت الميليشيات المحلية والأجنبية الموالية لإيران وبمشاركة قوات النظام السوري، من السيطرة على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي بعد أشهر من المعارك مع تنظيم داعش.

واتسمت الفترة التي أعقبت السيطرة، بالتوتر العسكري والأمني على نحو دائم. فالمدينة التي تشكّل أبرز قواعد طهران في سوريا ونقطة الوصل في ممرها البري باتجاه البحر المتوسط تشهد بين الفترة والأخرى ضربات جوية مجهولة المصدر، تارة بالطائرات المسيرة وأخرى بالحربية. 

وفضلا عن ذلك أصبحت البوكمال الطريق الرئيسي، بحسب تقارير غربية، لمشروع إيراني عمره ثلاثة عقود يهدف إلى تأمين قوس نفوذ من العراق عبر سوريا إلى المتوسط. 

“أحداث بالتزامن” 

في الوقت الذي أعلنت فيه ميليشيا “فاطميون” عن زيارة قآاني، طرأت عدة أحداث عسكرية على الميدان السوري، أولها القصف الذي تعرضت له مواقع عسكرية في البوكمال في السابع من ديسمبر الحالي، بحسب ما أورد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. 

وفي ذات التوقيت، لكن إلى أقصى غربي البلاد، هزت انفجارات عنيفة مرفأ اللاذقية للمرة الأولى منذ عام 2011. ووفق وكالة الأنباء السورية “سانا” فقد تعرضت حاويات تجارية لـ”عدوان إسرائيلي”، بحسب تعبيرها. 

ولم تتبن إسرائيل ضربات من هذا النوع، لكن ذلك يأتي ضمن سياسة عدم التعليق، التي تتبعها منذ سنوات. 

في المقابل، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن قصف مرفأ اللاذقية استهدف أسلحة وقطع منظومات دفاع جوي، كانت تحاول إيران إدخالها إلى سوريا خلسة. 

وكان اللافت، إلى جانب ما سبق، أن الإعلان عن زيارة قائد “فيلق القدس” جاء عشية إعلان النظام السوري البدء بعمليات “التسوية” في مدينة البوكمال، وذلك بعد الانتهاء من إجرائها في مدينتي دير الزور والميادين. 

وهذه الخطوة تعتبر الأولى من نوعها من جانب النظام السوري. أولا من ناحية استهداف التسويات لمناطق الشرق السوري من جهة، وثانيا كون المنطقة المستهدفة تعتبر معقلا بارزا للميليشيات الإيرانية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني. 

ويقول الصحفي السوري، عهد صليبي، إن “التسويات” التي بدأها النظام السوري في البوكمال تجري في مبنى الشبيبة ومنطقة أخرى بالقرب منه. 

ويضيف صليبي لموقع “الحرة” أنه “لا توجد أعداد كبيرة للراغبين بالتسوية حتى الآن. قد نشهدها في الأيام المقبلة، كما حصل في الميادين ودير الزور خلال الأسابيع الماضية”. 

من جهته، قال “المرصد السوري” إن المسؤول عن الميليشيات الموالية لإيران في مدينة البوكمال المعروف بـ “الحاج عسكر” رفض فتح الصالات لقوات النظام من أجل إجراء عمليات “التسوية”.

وأكد “المرصد السوري” أنه “لم تعرف الأسباب، بينما أقدمت قوات النظام السوري عقب ذلك على نصب خيم من جهة الكراج عند مدخل مدينة دير الزور”. 

أما الناطق باسم “لجان المصالحة في سوريا”، عمر رحمون، فيقول إن القصد من تسويات البوكمال هو “استيعاب من يريد العودة إلى حضن الوطن، ومن يرغب أيضا بطي صفحة الماضي تحت سقف القانون”. 

ولم يعلق رحمون على جدوى التسويات في مناطق تخضع بالمجمل لسيطرة الميليشيات الإيرانية، معتبرا في حديثه لموقع “الحرة”، أن “التسوية أمر ضروري، لأننا نعيش آثار حرب وهذه الآثار لابد من تسويتها ومعالجتها”.

ماذا يريد قآاني؟ 

منذ تعيينه خلفا لقاسم سليماني، أجرى قآاني ثلاث زيارات إلى سوريا، آخرها في يوليو الماضي.

وفي ذلك الوقت نشرت وسائل إعلام تابعة للحرس الثوري الإيراني صورا له مع مقاتلين من ميليشيا “فاطميون”، وأشارت إلى أن الزيارة بقصد “تفقّد مقرات اللواء”. 

وتوصف “فاطميون” بأنها رأس حربة إيران في المعارك التي تخوضها، سواء بالعراق أو سوريا أو ساحات أخرى، وبين اليوم والآخر تنشر صورا لعناصرها في البلاد عبر حسابها الرسمي في تطبيق “تلغرام”. 

وكانت قبل أسبوعين قد أعلنت عن مناورات مشتركة أجرتها في منطقة البادية السورية، وقالت إنها بهدف التصدي لتنظيم “داعش”. 

ويشير الضابط المنشق عن النظام السوري، إسماعيل أيوب، إلى أن “منطقة دير الزور بالكامل، وحتى البوكمال، هي ضمن ملاك سيطرة ميليشيات الحرس الثوري”.

ويضيف لموقع “الحرة” أنه “من الطبيعي أن يزور قآاني تلك المنطقة ويتفقد المناطق، خاصة التي تعرضت للقصف من قبل الطائرات المسيرة”. 

ويؤكد أيوب أن “تواجد قادة الحرس الثوري في سوريا أمر طبيعي، ولا غرابة في الموضوع. حتى الآن، لا يوجد قرار دولي بطرد المليشيات الإيرانية من سوريا، بل على العكس تعزز الأخيرة من وجودها في مناطق واسعة من البوكمال وصولا إلى باقي المحافظات السورية”. 

لكن مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية، حسن راضي، يرى أن “زيارات قاآني إلى سوريا بالتحديد تأتي في إطار تطورات كبيرة في الداخل الإيراني من جهة والخارج من جهة أخرى”.

ومن بين هذه التطورات، الحراك الدولي لتوحيد صفوف دول الخليج، وأيضا الحراك العربي للتقارب مع نظام بشار الأسد، وهي “خطوات تزعج إيران، وتجعلها تقرأ المشهد الكامل على أن النظام السوري يبتعد عنها”. 

وبحسب مدير المركز الأحوازي “تتخوف إيران من المستقبل، وتتحرك أمنيا وعسكريا في المنطقة. لها أوراق كبيرة في العراق وسوريا وتخشى أن تتعرض لأي ضربة عسكرية مقبلة”.

ويتابع “بذلك قد تكون الزيارة تصب لرفع معنويات الميليشيات من جهة ولتعزيز مكانتها، وربما إعطاء أجندات معينة في حال دقت ساعة الصفر”.

“إمبراطورية أمنية وعسكرية”

وأشار تقرير سابق نشر في موقع “أتلاتنيك كونسيل” إلى أن إيران تمكنت من بناء “إمبراطورية عسكرية وأمنية” في محافظة دير الزور شرقي سوريا عقب تدخلها في الصراع الدامي هناك لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط.

وكان التدخل الإيراني قد أصبح جليا في سوريا، بين عامي 2013 و2018، عندما تدخلت لمساعدة النظام السوري في حربه ضد المعارضة، وعندما شاركت كذلك في محاربة تنظيم داعش شرقي سوريا، بغية فرض وجودها ونفوذها هناك.

وقد يكون أبرز هدف حققته إيران في دير الزور هو سيطرتها على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي مع العراق، الأمر الذي مكّن نظام طهران من تحقيق الحلم الذي تمنّته، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، وهو إقامة ممر بري يوصلها إلى البحر الأبيض المتوسط ​​ولبنان عبر سوريا والعراق.

ضياء عودة – إسطنبول

———————————-

====================

تحديث 10 كانون الأول 2021

———————-

مفاوضات فيينا ولعبة الوقت/ بشير البكر

جولة جديدة من مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، والهدف منها تدارك الفشل الذي عرفته الجولة السابعة التي انتهت يوم الجمعة الماضي، ولم تدم أكثر من أربعة أيام، وسجلت تراجعا كبيرا عما حققته الجولات السابقة التي بدأت في إبريل/ نيسان الماضي. وبدلا من استئناف المباحثات من حيث توقفت في يونيو/ حزيران الماضي، أراد لها الوفد الإيراني أن تبدأ في الجولة السابعة على أرضيةٍ مختلفة، تمثلت في تقديم اقتراحاتٍ لم تحظ بالقبول من الأطراف الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، في مجموعة 5+1، كما أنّ روسيا والصين فوجئتا بمدى تراجع إيران عن الاتفاقات السابقة. وتلخص العرض الإيراني الجديد في مسودتين: ركّزت الأولى على رفع كامل للعقوبات الدولية المفروضة على إيران، تلك المتعلقة بالاتفاق النووي، وما سبقه أو جاء بعده. ومثّل ذلك تراجعاً بنسبة 80% عن حلولٍ عرضتها طهران في الجولات الست السابقة من المحادثات مع حكومة حسن روحاني، قبل أن تصل الحكومة الحالية إلى الحكم وتغيّر بنية الوفد المفاوض، وتسلّم رئاسته إلى نائب وزير الخارجية علي باقري كني، المعارض للاتفاق النووي أصلاً، ولذلك تبدّل منهج التفاوض كلياً. وحسب الوفود الأوروبية، كانت المسودة الثانية بشأن الالتزامات النووية الإيرانية متشدّدة للغاية. وكشف دبلوماسي أوروبي أنّ الإيرانيين أزالوا كلّ لغة التسوية المتفق عليها مسبقاً بشأن الخطوات التي سيتخذونها لمراقبة برنامجهم النووي. ومن الناحية العملية، يوافقون على قيودٍ أقلّ على برنامجهم النووي من تلك التي وافقوا عليها في اتفاق عام 2015 مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والحفاظ على التطويرات الكبيرة التي قامت بها طهران منذ ذلك الحين، في بناء أجهزة طرد مركزي متطوّرة وتخصيب اليورانيوم، بما يتجاوز بكثير ما سمح به الاتفاق الأصلي.

ومن الناحية النظرية، انتهت الجولة السابعة، وعادت الوفود إلى بلدانها للتشاور. لكن من الناحية العملية، بدت شقّة الخلافات كبيرة. وترى واشنطن في المقترحات الجديدة أنها صادرت جميع الحلول الوسط التي قدّمها الأوروبيون والولايات المتحدة بشكل خاص. وهي لذلك تشكّل مصدر خلاف كبير بين واشنطن وطهران، يصل إلى حد إعلان مسؤول كبير في الخارجية الأميركية أن بلاده تستعد لاحتمال عدم العودة نهائياً إلى الاتفاق النووي. وبغض النظر عن نجاح الجولة الثامنة أو فشلها، تبدو واشنطن أمام اللحظة الحرجة أكثر من أي وقت مضى، وهي مطالبةٌ بموقف حاسم وسط ضغوط إسرائيلية، وإجماع أوروبي، على أن إيران تمارس لعبة كسب الوقت، ومن بين ما تفكّر به الولايات المتحدة استمرار تشديد العقوبات، لكنّها بدأت تتحدّث صراحة، في الآونة الأخيرة، عن خياراتٍ أخرى، وحذّرت من اللجوء إلى وسائل غير الدبلوماسية، وأنّ هناك ثمناً ستدفعه إيران إذا مضت في انتهاك الاتفاق وتسريع برنامجها النووي.

وغير بعيد عن هذه التجاذبات، شهدت منطقة الخليج تطوراً مهماً، تمثل في زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإمارات وقطر والسعودية، وهي الزيارة التي تركزت على صفقتي أسلحة فرنسية كبيرتين لكلّ من أبوظبي والرياض، الأمر الذي أزعج طهران، لأنّها كانت تعتبر أنّ علاقاتها الخاصة مع باريس قد جذبت فرنسا إلى طرفها، لكنّ تحرّك ماكرون بعث رسالة واضحة، فحواها أنّ فرنسا تؤيد معسكر الدول التي ترى أنّ إيران تنتهك الاتفاق النووي وتسرّع من برنامجها النووي، وتعزّز ذلك بعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد إلى باريس. وظهر التغير في الموقف الفرنسي حين ضغطت باريس من أجل استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، قبل وصول ماكرون إلى الرياض، وهو الذي يساهم في فتح الباب لعودة خليجية إلى لبنان من موقع قوة، وليس حسب شروط حزب الله.

العربي الجديد

—————————

تعويل أوروبي على «الواقعية»… وطهران ترفض التنازل في فيينا

منسق المحادثات يؤكد صعوبة المهمة… والسفير الروسي يتحدث عن «أجواء بنّاءة»

فيينا: راغدة بهنام

غاب التفاؤل عن منسق المفاوضات النووية مع إيران، للمرة الأولى منذ انطلاق جولات التفاوض في أبريل (نيسان) الماضي، وظهر الدبلوماسي الإسباني أنريكي مورا أمام الصحافيين بعد انتهاء الاجتماع الرسمي للجنة 4+1 مع إيران في فيينا، ليقول بأنه الآن يقارب المفاوضات «بواقعية»، وأنه «لا يمكن الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم»؛ لأن «المهمة صعبة للغاية والفروقات التي نسعى لردمها كبيرة».

وكان الوفد الإيراني برئاسة علي باقري كني، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، قد قدم الأسبوع الماضي مقترحات للتفاوض على أساسها، وصفتها الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وواشنطن بأنها غير جادة ولا يمكن أن تكون أساساً للتفاوض. وحذرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس عشية استئناف الجولة السابعة، من أن الوقت يمر للتوصل لاتفاق وأنها «الفرصة الأخيرة» للقيام بذلك.

وتوقفت المفاوضات الجمعة الماضي، بطلب من الدبلوماسيين الأوروبيين الذين غادروا إلى العواصم للتشاور. وعقدت بعد ظهر أمس اجتماعات ثنائية لمناقشة المقترحات الإيرانية وتقديم مقترحات بديلة أو مقابلة لها، ومن المقرر أن تعقد اليوم اجتماعات للجنتي الخبراء المعنيتين ببحث الالتزامات النووية ورفع العقوبات الأميركية. ويأمل الوسطاء الأوروبيون أن يرسموا صورة أكثر وضوحاً للموقف الإيراني الجديد بهدف إكمال المفاوضات أو وقفها.

ورغم أن الطرف الإيراني رفض القبول بإكمال التفاوض من حيث توقفت المفاوضات في الجولات الست الماضية مع الفريق الإيراني السابق برئاسة عباس عراقجي، إلا أن مورا بقي يتحدث، أمس، عن ضرورة أن تشكل تلك المسودة «أرضية مشتركة» للتفاوض. ولكن باقري كني خرج بعد الاجتماع ليتحدث عن ضرورة البحث «عن أرضية ضرورية» لإكمال التفاوض بنجاح؛ ما يشير إلى استمرار رفض الطرف الإيراني التفاوض على أساس ما تم الاتفاق عليه سابقا خلال ثلاثة أشهر من جولات مكثفة من التفاوض بين مطلع أبريل و20 يونيو الماضي.

وقال باقري كني كذلك، إن إيران ستفاوض «بناءً على موافقها السابقة»، في موقف يشير بصراحة إلى عدم استعداد الوفد الإيراني تقديم أي تنازلات تطالب بها الأطراف الغربية. وبدورها، نقلت «رويترز» عن مسؤول إيراني، قالت، إنه مطلع على المحادثات، إن «إيران ستتمسك بمطالبها، وإنه لا بد من رفع كامل العقوبات دفعة واحدة في عملية يمكن التحقق منها»، مضيفاً أن اتخاذ «قرار سياسي» لإحياء الاتفاق أمر في أيدي الأميركيين.

في المقابل، بدا المنسق الأوروبي للمحادثات غير واثق مما إذا كان الوفد الإيراني قد عاد بمواقف أكثر ليناً ومقترحات تكون مقبولة لدى الأطراف الغربية، وكرر أكثر من مرة أنه «علينا الانتظار لنرى ما الذي سيحصل في الأيام المقبلة». وحتى عندما حاول أن يبدو متفائلاً، أعقب ذلك بتوضيح أعاد الواقعية لكلامه. وقال «بعد مشاورات في العواصم، ما شعرت به هذا الصباح هو شعور متجدد بوجود هدف يتم العمل عليه لدى كل الوفود. ما إذا كان هذا الأمر سيتم تأكيده، يجب أن ننتظر الأيام المقبلة لنرى».

وشدد مورا في حديثه للصحافيين على عامل الوقت الذي يعطي شعوراً «بالإلحاح»، لاستكمال لمفاوضات بسرعة، وقال، إنه «من المهم العمل بجدية» لمحاولة التقدم إلى الأمام. ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت هذه الجولة قد تكون الأخيرة في حال لم يتم تحقيق أي تقدم فيها، قال مورا إنه «يجب تحديد ما نعنيه بتقدم»، وبأنه لذلك لا يمكن الرد على السؤال.

ومن جهته، تحدث السفير الروسي لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف عن «أجواء بنّاءة». ولكن الولايات المتحدة التي لم يصل وفدها بعد إلى فيينا، بدأت بالاستعداد لتشديد العقوبات على إيران ابتداءً من الأسبوع الماضي، فيما يوحي بأنها لا تتوقع أي تقدم في هذه الجولة. وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن وفداً من الخزانة الأميركية مستعد لبدء جولة إلى الدول التي لديها تعاملات تجارية واقتصادية مع إيران، مثل الصين وماليزيا وغيرهما، لتحذير الشركات هناك من تعرضهم لعقوبات أميركية في حال عدم وقف التعامل التجاري مع إيران. ولكن المسؤولين الأميركيين حرصوا على التأكيد أن المسار الدبلوماسي سيبقى مفتوحا أمام إيران للعودة للاتفاق النووي.

وكان الوفد الأميركي برئاسة روبرت مالي قد تأخر في الوصول وهو لم يبلغ بعد الأطراف الأوروبية بموعد وصوله، إلا أنه من المتوقع أن ينضم للمفاوضات بشكل غير مباشر يومي السبت أو الأحد. وأكدت مصادر مشاركة في المفاوضات لـ«الشرق الأوسط»، أن تأخر الوفد الأميركي في الوصول ليس له «أسباب سياسية»، وأنه سينضم إلى المحادثات قريباً.

وفي محاولة إيرانية على ما يبدو لتخفيف التوتر وغضب الأطراف الغربية، أعلنت طهران أن وفداً من المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية سيتوجه إلى فيينا قريباً، لإجراء محادثات مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي لبحث التعاون بين الطرفين المتوقف تقريبا منذ فبراير (شباط) الماضي. وكان غروسي قد توجه إلى طهران قبل بضعة أيام لبحث خروقات إيران النووية المتزايدة، ولكن عاد خالي اليدين، وقال إنه لم يتمكن من الحصول من الإيرانيين على أي تعهدات.

وتلعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية دوراً أساسياً في مراقبة امتثال إيران لالتزامات الاتفاق النووي. ويعقد المسؤول الأميركيون والأوروبيون المشاركون بالمفاوضات النووية اجتماعات دورية مع غروسي لبحث مدى تقدم برنامج إيران النووي ومدى عدم تعاونها. وعقد مورا اجتماعاً مع غروسي، عشية استئناف الجولة السابعة من المفاوضات، ووصف دور الوكالة أمس بأنه «أساسي»، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك علاقة عمل «جيدة» بين الوكالة وإيران.

وكان مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل قد أجرى اتصالا عشية استئناف المفاوضات بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. وكتب بوريل على «تويتر» أنه تحدث مع عبد اللهيان «بناءً على طلبه»، وأنه أوصل إليه رسالة «ملحة بضرورة تحقيق تقدم بشكل أكبر بكثير في المفاوضات لإعادة العمل بالاتفاق النووي». ولكن وسائل إعلام إيرانية نقلت أن عبداللهيان انتقد في مكالمته مع بوريل، المواقف الأوروبية «المتشددة والسلبية وغير البنّاءة»، مضيفاً بأنه أبلغ بوريل أن «هذه البيانات تعقد الوضع وتبطء من عملية التوصل لاتفاق».

وبحسب بيان للخارجية الإيرانية، أنتقد عبداللهيان «عدم فاعلية» الغرب في محادثات فيينا. وقال «حتى الآن لم نتلق أي مقترحات بنّاءة، تدفع بالمحادثات إلى الأمام. وهذا يتعارض مع إعلان حضورهم في المفاوضات بفيينا».

وتحاول روسيا والصين لعب «دور الوسيط» مع إيران لإقناعها بتليين مواقفها، وقد عقد الوفد الإيراني قبل اجتماع اللجنة المشتركة الرسمية اجتماعا ثلاثيا مع الوفدين الصيني والروسي من دون أن يخرج منه شيء. وكان باقري كني قد زار موسكو عشية استئناف المحادثات وقبل سفره إلى فيينا، والتقى هناك بنائب وزير الخارجية الروسي الذي تحدث عقب اللقاء إلى مالي لإبلاغه بنتائج الزيارة.

وقدم الجانبان الإيراني والأميركي، روايات متباينة بشأن الموقف الروسي والصيني من مقترحات إيران. وأفادت وكالة «إيسنا» الحكومية، بأنه «رغم المعارضة الأوروبية – الأميركية، لكن روسيا أعلنت من الممكن أن تكون المقترحات أساس المفاوضات. على ما يبدو أن الصين لا تعارض رغم أنها قالت إنها تدرس المقترحات الإيرانية».

———————–

مفاوضات فيينا تستأنف..وبايدن يطلب تحضير العقوبات على إيران

طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من فريقه مباشرة “التحضيرات” في حال فشل المحاولات الدبلوماسية على صعيد الملف النووي الإيراني، بحسب ما أعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي الخميس.

وقالت بساكي: “نظراً لاستمرار تقدم البرنامج النووي الإيراني، طلب الرئيس من فريقه الاستعداد لاحتمال فشل السبل الدبلوماسية. هذا يتطلب تحضيرات”. وأضافت أن الإدارة الأميركية “بصدد تحضير عقوبات جديدة ضد إيران في حال فشل المفاوضات النووية”.

من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، إن “مسؤولين من الخارجية والخزانة الأميركية سيتوجهون إلى الإمارات لمناقشة تطبيق القطاع الخاص للعقوبات على إيران وهناك وفود أخرى ستزور دولاً أخرى”.

وأكد أن الإدارة الأميركية أجرت “محادثات رفيعة المستوى مع الصين حول تطبيق العقوبات الأميركية والدولية على إيران وهم يعرفون موقفنا والصين تشاطرنا موقفنا بالعودة المتبادلة إلى الالتزام بالاتفاق النووي”. وأضاف “نعمل على تحديد الكيانات التي تخرق العقوبات على إيران وتحذيرها من مغبة القيام بذلك”.

وقال المتحدث: “نناقش مع شركائنا، ومن بينهم الإسرائيليون، الخطط البديلة في حال فشل الدبلوماسية”، تزامنا مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس العاصمة واشنطن. واعتبر أن “التصعيد الإيراني سيضع الدبلوماسية على محك ما إذا كان يمكنها تحقيق غايتها”. لكنه أكد أنه “في الوقت الحالي نركز على الدبلوماسية لرؤية ما إذا كان يمكن العودة المتبادلة الى الالتزام بالاتفاق النووي”.

ونفى برايس تصريحات صدرت عن مسؤول إيراني، زعم فيها رفع العقوبات عن مليارات الدولارات من أموال طهران المجمدة وفقا للعقوبات وقال: “لم نفرج ولا شركاؤنا عن أية أموال مجمدة لإيران”.

وفي وقت سابق الخميس، اختتم اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي في فيينا، بمشاركة أطراف الاتفاق، وهي إيران وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا.

وقال منسق الاتحاد الأوروبي في مفاوضات فيينا إنريكي مورا إنه يتعامل بواقعية مع الجولة الجديدة. وأضاف أن هذه الجولة صعبة بالنظر إلى اختلاف وجهات النظر بين الوفود، ولأن الوقت محدود. وأكد في الوقت ذاته جدية كل الأطراف في الوصول إلى اتفاق.

وأوضح مورا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستلعب دوراً مهماً لمراقبة أنشطة إيران في حال الوصول إلى اتفاق، مثمناً التعاون والتواصل الراهن بين طهران والوكالة. وأكد أنه لمس لدى كل الوفود المفاوضة شعوراً بضرورة الوصول إلى اتفاق لإحياء خطة العمل المشتركة، مشيراً إلى أن الأيام المقبلة كفيلة بتأكيد أو نفي ذلك.

واستؤنفت الجولة السابعة من المفاوضات بعد دورة الربيع التي جرت في نيسان/أبريل، وتوقفت في حزيران/يونيو، بسبب انتخاب رئيس إيراني جديد. ولم تستأنف سوى في 29 تشرين الثاني/نوفمبر. وكانت المحادثات انفضت الأسبوع الماضي عندما أبدى مسؤولون أوروبيون وأميركيون استياءهم من مطالب قدمتها الحكومة الإيرانية.

وقال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري إن لدى بلاده جدية وإرادة حقيقية لأجل مفاوضات جادة، وإنها لا ترى عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق في حال توفر الأسس اللازمة.

وأضاف باقري في تصريح عقب انتهاء اجتماع اللجنة المشتركة الخميس، أن رد الطرف المقابل على المقترحات الإيرانية سيتضح خلال اجتماعات اللجان المختصة، منوهاً إلى أن الطرف المقابل شارك في مفاوضات اليوم بشكل أكثر جدية مما مضى.

وانتقد المسؤول الإيراني واشنطن قائلاً إنها تمارس “إجراءات تخريبية غير بناءة” خلال المفاوضات و”الكل يدين ذلك”، مشيرا إلى أن حل الخلاف حول رفع العقوبات يتطلب إرادة جادة واستعداداً من الطرف الآخر. وأكد أن رفع العقوبات سيخلق فرصة جادة للتقدم في المفاوضات، خاصة بشأن الإجراءات النووية.

—————————

موسكو:وجود القوات الأميركية في سوريا يخفض فعالية مكافحة الإرهابيين

قال رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف إن “الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا، يقلل من فعالية القتال ضد الإرهابيين”، مضيفاً أن القوات الروسية مستمرة، إلى جانب قوات النظام السوري، في غاراتها على “الجماعات الإرهابية”.

وقال غيراسيموف في تصريح أمام الملحقين العسكريين للدول الأجنبية الخميس، “لم تتخلَ الجماعات المسلحة غير الشرعية عن خططها لتوسيع مناطق نفوذها، ويسهم في ذلك الوجود العسكري غير المشروع للولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى في سوريا، ما يقلل من فعالية محاربة الجماعات الإرهابية”.

وأضاف أن “القوات الجو-فضائية الروسية تواصل إلى جانب قوات النظام السوري، غاراتها على الجماعات الإرهابية”، فيما تقدم في الوقت نفسه “المساعدة في عودة اللاجئين واستعادة البنية التحتية للحفاظ على سلامة الأراضي السورية ووحدتها”.

وتابع غيراسيموف: “في منطقة خفض التصعيد في إدلب، يجري العمل مع الجانب التركي لتنفيذ الاتفاقات القائمة والحفاظ على وقف الأعمال العدائية”.

وجاء تصريح المسؤول العسكري الروسي بعد يومين على إجراء القوات الأميركية المتمركزة في سوريا، مناورات عسكرية في ريف دير الزور شرقي سوريا، بمشاركة عناصر من حزب العمال الكردستاني.

ونقلت وكالة “الأناضول” التركية عن مصادر محلية الأربعاء، أن العشرات من القوات الأميركية و3 دبابات وعدداً من العربات المدرعة، شاركوا الثلاثاء في مناورات استخدمت فيها الذخيرة الحية حيث تم إطلاق النار على أهداف محددة مسبقاً. وأضافت المصادر “كما شارك في المناورات التي استمرت يوماً واحداً، عشرات من عناصر الحزب العمال الكردستاني الذين حضروا إلى ساحة المناورات بعرباتهم المدرعة”.

وأوضحت المصادر أن المناورات جرت في بادية بلدة أبو خشب القريبة من معبر بلدة الصالحية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وهي أحد أهم نقاط تمركز القوات الروسية والمجموعات التابعة لإيران.

وتقول الولايات المتحدة إن استمرار وجود قواتها في سوريا هدفه مكافحة تنظيم داعش. وفي أول تصريح بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي بمؤتمر صحافي في 28 كانون الثاني/يناير، إن “رؤيتنا حول هدف القوات الأميركية في سوريا والعراق، هي مواصلة التعامل مع تهديد داعش”.

وتتوزع القوات الأميركية في 26 موقعاً بمحافظات دير الزور، والحسكة، والرقة، وحمص، والقامشلي، كما تمتلك 23 قاعدة عسكرية، حيث يتركز وجودها بشكل رئيس على آبار النفط. وتمثل الولايات المتحدة أكبر داعم لقوات سوريا الديمقراطية في الحملة ضد داعش في سوريا.

المدن

———————————

================

تحديث 16 كانون الأول 2921

——————

بايدن والخروج من مأزق فيينا/ رانيا مصطفى

دخلت الدول المعنية بمفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني 2015، في 3 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جولة صعبة من استكمال المفاوضات المتوقفة في يونيو/ حزيران الماضي، وقد تغير الظرف الدولي والإقليمي، وانتقلت الأجواء من التفاؤل، في بداية المفاوضات في إبريل/ نيسان 2021، إلى التشاؤم، حيث انقلبت طهران على ما تم التوصل إليه من توافقات في جولات النصف الأول من العام الحالي (2021)، والتي نالت رضا الأوروبيين، أي قبل انتخاب إبراهيم رئيسي، رئيساً لإيران، وصعود المحافظين الأكثر تشدّداً، وتعيين علي باقري كني كبيراً للمفاوضين الإيرانيين، وهو أحد أكبر منتقدي اتفاق 2015. صعّد الوفد الإيراني من شروطه نحو رفع كامل العقوبات الاقتصادية الأميركية، وضمان استمرارية الاتفاق، وأن يقرّه الكونغرس الأميركي، إضافة إلى استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم، وإعلانها الشهر الماضي امتلاك 30 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجة 60%، ومصادقة البرلمان الإيراني على زيادة تخصيب اليورانيوم؛ بالتالي لا تكترث طهران بالمفاوضات، وقبلت بها كسباً للوقت، لتطوير قدراتٍ تلقائيةٍ على تفعيل السلاح النووي، وعدم فرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ جديدة عليها. وبناء على ذلك، تستعد واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون للبحث عن الخيارات البديلة للضغط على طهران.

تبرز هنا حجم الورطة التي أوقع بها ترامب بايدن، نتيجة انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران، وتطبيق سياسة “الضغوط القصوى” عبر فرض العقوبات الاقتصادية على قطاعات النفط والتعدين والمصارف. تبيَّن لإدارة بايدن، بالتجربة، عدم نجاعة العقوبات الاقتصادية وحدها في تشكيل ضغوط كافية لكبح جماح إيران النووي، والتي باتت تتفنن في إيجاد سبلٍ للتغلب عليها، يصعب متابعتها. كانت إيران مستعدّةً مسبقاً للعقوبات. وعلى ذلك، بنت علاقات اقتصادية استراتيجية مع دول المنطقة، مكّنتها من التغلب على مشكلة العقوبات إلى حدّ ما، فهي تصدّر معظم نفطها إلى الصين، بأسعار أرخص من السوق العالمي، في ظل ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وتصدّر منتجات الغاز والمكثفات ومشتقات نفطية، عبر الصين والإمارات إلى دول العالم، وتصدّر الغاز إلى تركيا، وهناك تجارة بينية معتبرة بين البلدين. وتُضاف إلى ذلك براعة إيران في إيجاد طرق بحرية غير مباشرة، عبر سفن غير مرصودة بأجهزة التتبع.

حتى اللحظة، لم تنجح إدارة بايدن في تشكيل ضغوط حقيقية على طهران، حيث فشلت في رفع منسوب إنتاج النفط لتخفيض الأسعار عالميا، الأمر الذي رفضته دول الخليج، خصوصا السعودية، الأكثر تأثيراً في منظمة أوبك، لأنه سيتسبّب لها في خسائر كبيرة. كما أن تخفيض أسعار النفط لا يضمن ثني طهران عن برنامجها النووي وبرنامجها للصواريخ، ولا عن مشروعها المليشياوي التوسّعي، والذي بات يحاصر دول الخليج، في اليمن خصوصاً، ولا يوقف استفزازاتها المستمرّة في الخليج، بل العكس، سيزيدها كردِّ فعل مباشر أو غير مباشر على أي ضغوطٍ في المنطقة تُمارس على طهران.

تريد إيران أن تثبت أنها دولة إقليمية، ونووية، وإنْ غير معلنة، كإسرائيل والهند وباكستان، وتريد اتفاقاً يكون في مصلحتها من جهة إزالة العقوبات اللازمة لتعويم الاقتصاد وعودتها الشرعية إلى أسواق التجارة العالمية، لكن من دون تقديم تنازلات كبيرة في برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي ومشروعها المليشياوي في المنطقة. وتراهن على الرغبة الدولية في العودة إلى الاتفاق النووي، وعلى التلويح بمعدّلات تخصيب مرتفعة لليورانيوم، وعلى تأزيم الاستقرار الإقليمي والملاحة في الخليج، وعلى محدودية خيارات بايدن وعجزه عن إيقاف صادرات النفط الإيرانية، في ظل إتقان طهران طرق التهريب، وحصولها على دعم دول مجاورة، وقدرتها على الانتقام.

تعتقد طهران أن إدارة بايدن لن تتورّط في عمل عسكري ضدّ مواقعها النووية، ولن تسمح لإسرائيل بذلك، وأن واشنطن تحتاج إيران في أفغانستان، وتحتاجها إلى جانب الهند وباكستان النوويتين لمحاصرة الصين. وتُجازف طهران في بناء تصوراتها على فكرة أن أميركا تنسحب من الشرق الأوسط لمصلحة المواجهة مع الصين، وأن الملف الإيراني هامشي بالنسبة لها؛ لكن بايدن الذي رفع شعار “عودة أميركا”، ردّاً على شعار الانكفاء الترامبي “أميركا أولاً”، يفتش عن مخرجٍ لورطته في مفاوضاته مع إيران، والتي تتم بشكل غير مباشر، حيث رفض الإيرانيون الجلوس مع الأميركيين وجهاً لوجه، وقبلوا بالأوروبيين والروس والصينيين.

على بايدن أن يجد مخرجاً يحفظ ماء وجهه، أمام ناخبيه ومعارضيه؛ وهو، إلى جانب التركيز على الضغط على إيران في المفاوضات، يحاول البحث في كيفية جعل العقوبات على طهران ذات جدوى؛ لذلك عليه إدارة جملة ملفاتٍ معقدةٍ ومتشابكة، وصياغة خلطةٍ تخرجه من المأزق. بدأ بالتركيز على الإمارات، كون شركاتها تلعب دوراً كبيراً بالتجارة مع إيران، فهي ثالث دولة تستورد من إيران بضائع بقيمة 4.6 مليارات دولار، وبحجم تداول تجاري بيني وصل العام الماضي إلى 9.6 مليارات دولار. وعليه البحث في المهمة الأصعب، وهي تقديم تنازلات إلى الصين، أكبر مستورد للنفط الإيراني، بالتوازي مع إقناع السعودية بالموافقة على رفع منسوب إنتاج النفط، وتخفيض الأسعار، والذي سيكون في مصلحة الصين، ويسمح لها بإيجاد بدائل عن النفط الإيراني الرخيص. يجري ذلك كله بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، إلى واشنطن، لمناقشة الخطط البديلة في حال الفشل، أي القيام بعمل عسكري محدود، حيث لا ترغب واشنطن بنشر مزيد من القوات في المنطقة، وربما الاكتفاء بالهجمات الإسرائيلية السيبرانية على طهران، باعتبار أن إسرائيل أكثر المتضرّرين من أن تصبح إيران دولة نووية، لأنه سيقلل من حماسة هجرة اليهود إلى إسرائيل.

الملف المؤلم لطهران، إذا ما تم المساس به، هو ملفّ المليشيات الشيعية الموالية لها؛ ما زالت إدارة بايدن تفصل هذا الملف عن عملية المفاوضات النووية، باعتبار أن واشنطن مستفيدةٌ من الدور التفتيتي الذي تقوم به هذه المليشيات الطائفية في الشرق الأوسط، طالما أنها تحت سيطرة الأميركيين ونظرهم، في العراق ولبنان وسورية، وفي اليمن، تهدّد أمن دول الخليج، ولا يمكن حلها من دون التنسيق مع واشنطن. هذا يعني أن ملف المليشيات الشيعية ورقة مهمة بيد واشنطن أيضاً، للضغط على دول الخليج. ومن غير المستغرب، بعد كل هذا التصعيد المتبادل والضغوط، أن يصل الأميركيون والإيرانيون بوساطةٍ أوروبية، ودور روسي وصيني، إلى صيغة اتفاقٍ ما، يخفّف بعض العقوبات الاقتصادية عن طهران، التي تعاني من ضغط داخلي شعبي؛ وهذا لا يلغي حقيقة أن إيران على عتبة أن تصبح دولةً نووية، لكنها قد تقدّم تنازلات، تشمل بعض المليشيات الموجودة في أربع دول عربية.

العربي الجديد

————————

إسرائيل لا تريد إيران في الساحل السوري/ منير الربيع

على صعيد واسع، ثمة معادلة واضحة يتم تداولها، أشارت إليها تقارير ودراسات متعددة، فإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب، ستكون منطقة الشرق الأوسط أمام حرب مشتعلة. يدعم أصحاب هذه النظرية وجهات نظرهم بالنظر إلى عدد من الدول العربية ودول الخليج التي تحاول ترتيب العلاقة مع إيران لتجنّب أي تصعيد. لم تعد مقومات المعركة منحصرة بطهران، والتي وصلت إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، وهو ما تسعى إلى تكريسه في حال توصلت إلى اتفاق مع واشنطن. هنا لا بد من إلقاء نظرة شاملة ودقيقة على ما يجري بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في أوكرانيا. ولا بد من إلقاء نظرة على التطورات بين الصين وتايوان.

بين إيران وواشنطن كل التصريحات والقواعد السياسية التي يحتكم إليها الطرفان مشهودة سابقاً وأصبحت متكررة إلى حدّ بعيد حتى إنها وصلت إلى حدود الملل، بناء على تصريحات جامدة والجميع يحفظها عن ظهر قلب، بأن واشنطن تركز على التفاوض الدبلوماسي مع إيران ولا تجد نفسها منعدمة الخيارات الأخرى ولكنها تصر على الدبلوماسية. في حين المسؤولون الإيرانيون يكررون مواقفهم أيضاً والتي تنقسم إلى قسمين، الأول هو رفض الإملاءات ورفض تقديم التنازلات واشتراط رفع العقوبات كمقدمة للاتفاق، أما القسم الثاني يتعلق بقادة الحرس الثوري الذين يهددون بتسوية إسرائيل بالأرض في حال قررت القيام بأي اعتداء.

هذا التصريح الأخير، يتوقف عنده كثير من المحلليين السياسيين والعسكريين بنوع من السخرية، هؤلاء الذين يعرفون أن طهران تنتهج مسلك التفاوض على حافة الهاوية، لا يمكن لمسؤوليها إطلاق مثل هذه التصريحات التصعيدية والمهددة إلا بعدما تكون إيران قد تأكدت من تحقيق خروقات سياسية أساسية في مسار المفاوضات وبالتالي أصبح وضع التفاوض أقرب إلى الاتفاق أو أن طريقه معبدة. لأنه لو كانت الأجواء سلبية جداً والمخاطر الأمنية والعسكرية جدية فإيران تلجأ إلى التراجع خطوة إلى الوراء في مثل هذه الحالات.

بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الصراع الأوكراني، لا يبدو المشهد متكرراً، فما يجري يختلف جذرياً عن الغزو الروسي لجورجيا في العام 2008، أهمية جورجيا بالنسبة إلى موسكو معنوية أكثر منها استراتيجية مقارنة مع أوكرانيا، فجورجيا موطن ستالين. أما أوكرانيا فهي نافذة روسيا أو الاتحاد السوفييتي سابقاً إلى البحر وإلى أوروبا، وهي المعبر الأساسي للغاز الروسي. كل الحشود العسكرية والتصريحات التصعيدية لا تعني بالضرورة استعداد الطرفين للذهاب إلى حرب، الموقف قد يكون مشابهاً لأزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي.

يبقى الوضع الأخطر هو الصراع الصيني الأميركي، لا سيما في ضوء التحشيدات والتوترات في تايوان، والذي تعتبره الصين معركتها الوجودية، ولا يمكنها التفريط بالقبول بأي نزعة استقلالية للإقليم. هذا الصراع هو الذي يدفع واشنطن إلى استعجال الوصول إلى اتفاق مع كل من روسيا وإيران لأنه يريدهما إلى جانبه في معركته بمواجهة الصين. وحتماً لكل هذه التطورات انعكاسات في منطقة الشرق الأوسط، والتي يمكن قراءتها انطلاقاً من التصعيد الإسرائيلي الواضح ضد إيران وممارسة مزيدٍ من الضغوط في سبيل إقناع الأميركيين بتنفيذ ضربة عسكرية ضد  طهران، وهو ما تستخدمه واشنطن كعنصر من عناصر التفاوض والضغط على الإيرانيين.

على وقع هذه التطورات، وسعت إسرائيل الأسبوع الماضي من نطاق عملياتها العسكرية في سوريا، وقد استهدفت أحد العنابر في مرفأ اللاذقية والخاضع لسيطرة الإيرانيين، لا يمكن لإسرائيل تنفيذ مثل هذه الضربة في منطقة تعتبر خاضعة لسيطرة روسية كاملة من دون موافقة موسكو، أهمية هذه الضربة وأبعادها أنها تستهدف الوجود الإيراني في الساحل السوري، ما يعني أنه ممنوع على إيران أن تكون موجودة هناك، وثانياً أنه ممنوع على إيران التمتع بأي منفذ بحري على البحر الأبيض المتوسط، وثالثاً أن هذه الضربة تأتي كاستكمال لضربة إسرائيلية حصلت سابقاً قبل أشهر لأحد أكبر وأبرز المواقع الإيرانية في صافيتا. مثل هذه الضربات ستكون مستمرة في المرحلة المقبلة سواء تم التوصل إلى اتفاق نووي أم بقيت المفاوضات متعثرة. فبعد الوصول إلى الاتفاق سيكون التفاوض بالنار على ترسيم مناطق النفوذ.

تلفزيون سوريا

———————-

 إسرائيل وإيران وروسيا في لعبة عضّ أصابع السوريين! مركز حرمون للدراسات. سميرة المسالمة

تحاول روسيا التحايل على حرج توصيف القصف الإسرائيلي في الأراضي السورية كعدوان خارجي، بتوصيفه بأنه قصف غير شرعي أو لا إنساني، وذلك في تخلٍّ واضح عن مكانتها، كشريكة أو كصديقة للنظام السوري، بحسب اتفاقية 1980، أو كحليفة حسب اتفاقية 1994، أو ضمن مسؤولية مظلة الدفاعات الجوية الروسية (إس 300) التي سلمتها إلى دمشق عام 2018، متعمدة تجاهل أن القصف الإسرائيلي هذه المرة كان في منطقة اللاذقية، أي قرب قاعدتها العسكرية حميميم.

بهذا التمييز أو التلاعب في التسمية، بين القصف الشرعي وغير الشرعي، تُحدد روسيا، أيضًا، طبيعة كل رد وحكمه، للتغطية على دورها في الحرب ضد السوريين، حيث “الشرعي”، بالنسبة إليها، هو ما تمارسه قواتها ضد السوريين المعارضين لحكم بشار الأسد، منذ بداية تدخلها العسكري في أواخر عام 2015، والذي يشمل، وفق مشروعيتها، استخدام كامل قواتها ومختلف أنواع أسلحتها في قصف بيوت السوريين المدنيين، وأسواقهم وخيمهم ومدارسهم ومستشفياتهم. أما ما هو “غير شرعي”، ويمكن إدانته “إعلاميًا فقط”، دون الحاجة إلى استخدام القوة في صده، بالنسبة إليها، فهو القصف الإسرائيلي للقوات الإيرانية وأسلحتها في سورية، بحسب تعبير المبعوث الروسي الخاص لسورية ألكسندر لافرينتييف في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، حين برّر عدم الرد العسكري على الضربات الإسرائيلية المتكررة، بأن “استخدام القوة غير بناء، لأنه لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سورية”، وبذلك توضح روسيا أنّ صد الاعتداءات الإسرائيلية ليس من مهمات قواتها أو أسلحتها أو مظلة دفاعاتها الجوية في سورية.

تفهم إيران تلك التصريحات الروسية الهادئة ضدّ القصف المتكرر لإسرائيل على مواقع قواتها، وقوات الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها، بأنها تمثل رسائل عدة، منها:

أولًا أنها بمنزلة بوابة عبور مفتوحة، أو متفاهم عليها، بين الجانبين الصديقين (روسيا وإسرائيل).

ثانيًا أنها تدخل، إضافةً إلى التفاهم الروسي-الإسرائيلي على ذلك، ضمن طبيعة النزاع، أو التنافس، بينها وبين موسكو على “شرعية” وجودها في سورية من جهة، وعلى حجم حصة كل منهما فيها، من جهة ثانية.

وثالثًا أنّ ما يجري يشكل محاولة للحدّ من قدرتها على استخدام وجودها العسكري غير المرغوب “إسرائيليًا”، كورقة ضغط على المجتمع الدولي في ملفاتها الخارجية. وهنا تمارس إيران اللعبة الروسية ذاتها، بالرغم من اختلاف الجبهات التي تحاول إيران التصدي لها، أو ليّ ذراعها، مقابل الإفراج عنها كدولة غير مارقة في المنطقة، تستعيد قدرتها الإقليمية وتنزع عنها قيد العقوبات الدولية المفروضة عليها، أميركيًا وأوروبيًا.

أما بخصوص واقع استمرار القصف الإسرائيلي على المواقع أو القواعد، أو قوافل التسلّح، الإيرانية، في سورية، فله أكثر من بعد ثنائي؛ إذ يمكن فهمه كجزء من معركة إقليمية لصياغة خارطة المنطقة بكاملها، وهو ما يتمثل ليس فقط بالتصارع الإسرائيلي-الإيراني، المعلن أو الصريح والمباشر، وإنما أيضًا بذلك الصراع الخفي، المباشر وغير المباشر، بين الدول الثلاث الإقليمية (إيران وتركيا وإسرائيل) في الجغرافيا السورية، وعلى النفوذ في سورية، أو على تقرير مستقبل سورية.

ولكن ما يميز إسرائيل هنا، عن الطرفين الآخرين، أمورٌ: أولًا أنها تحتل جزءًا من الأرض السورية، وهو هضبة الجولان منذ عام 1967، منذ 65 عامًا، التي تم ضمها إلى إسرائيل؛ وثانيًا أن مستقبل سورية يشكل همًا لإسرائيل أكثر من الطرفين الآخرين، لأنه يمس مباشرة بوجودها، أو بما تسميه أمنها القومي، لا سيّما أنها دولة مجاورة؛ وثالثًا أنها الطرف الإقليمي الأقرب للدولتين الكبريين المتحكمتين في الصراع السوري، أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، مع ملاحظة أن إسرائيل لها أسهم كبيرة أو مقررة في صياغة الدور الأميركي في سورية؛ ورابعًا أنها إزاء الطرفين الإقليميين الآخرين (تركيا وإيران) تتمتع بعلاقات عادية مع الأولى، وعدائية مع الثانية، مع ملاحظة أن لكل طرف منهما مشكلة مع الطرفين الآخرين؛ خامسًا أن إسرائيل تعدّ الوجود العسكري لإيران، وميليشياتها، تهديدًا لأمنها القومي، ولهذا فهي تعمل مباشرة على قضم الوجود العسكري لإيران وحلفائها، كما تعمل على إبعاد ذلك الوجود عن حدودها، من دون أن تذهب إلى كسره أو إخراجه نهائيًا، وذلك حرصًا منها على استثمار الوجود الإيراني في زعزعة الاستقرار في البلدان المجاورة، وهو ما فعلته في العراق وسورية ولبنان، وهو ما استفادَت منه إسرائيل، وبنت من خلاله استراتيجية جديدة في تقاربها مع الدول العربية.

ضمن هذه الاعتبارات، يمكن فهم الضربات الإسرائيلية المتوالية لما تعتبره قواعد أو مخازن أسلحة أو قوافل ذخائر عابرة لجماعات عسكرية إيرانية، أو تابعة لها، من الميليشيات المتعددة الموجودة في سورية، منذ العام 2013، على أنه محاولة للاستفراد بسورية، كموقع جغرافي حدودي معها آمن من وجود أي منافس عليه، وهذا ما يفسر اشتراطها في مباحثاتها مع روسيا إبعاد أية قوات إيرانية، أو تابعة لإيران (من الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها) عن حدودها، على الرغم من أن عبور إيران تلك الحدود لم يكن في غياب إرادتها، أو على الأقل فهو تم بموافقة صامتة من حليفتها الولايات المتحدة الأميركية.

في المقابل، إن ايران عملت، من جهتها، على ضبط إيقاع ردات فعلها على الضربات الإسرائيلية، وفقًا لبضع قواعد، منها تعزيز وجودها في المناطق السورية البعيدة عن الحدود، والتركيز على الوجود في بعض نقاط الحدود العراقية السورية، وأيضًا انتهاج سياسة عدم الرد على الضربات الإسرائيلية، لا في سورية ولا في العراق، ولا في إيران ذاتها، وأنها ظلت على الدوام تحاول ركوب القضية الفلسطينية لشرعنة وجودها في سورية، بادعاء “مقاومة إسرائيل”، فيما هي تشتغل لتعزيز نفوذها الإقليمي، والإبقاء على “الكريدور” الشيعي موصولًا بين طهران وبغداد وبيروت ودمشق وإنجاح خطتها في شق المجتمعات العربية على أسس طائفية – مذهبية.

باختصار، لا يهمّ إسرائيلَ تصنيفُ القصف (شرعي أو لا شرعي)، المهمّ أنها تشتغل لتوسيع حصتها في المنطقة، على حساب تحجيم الوجود الإيراني، فيما إيران ما زالت تنتظر الزمان والمكان المناسبين للرد، وفي كل الأحوال، يحاسَب الشعب السوري على الفاتورة الباهظة لصراع الأطراف الإقليمية على أرضه، من دمه وجسده.

مركز حرمون

———————

====================

تحديث 20 كانون الأول 2021

————————-

رفع العقوبات عن إيران والنظام السوري/ بشير البكر

رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، هو البند الرئيسي بالنسبة لإيران في مفاوضات فيينا. وتطالب طهران واشنطن بالإفراج عن 10 مليارات دولار في القريب العاجل كتعبير عن حسن النوايا، باتجاه تطبيع العلاقات وتسهيل عمليات التفتيش على منشآتها النووية. ولا تزال الإدارة الأميركية رافضة للمطالب الإيرانية، ولكن من غير المستبعد أن تلين، وتتنازل أمام إيران، وهناك معلومات إيرانية تتحدث عن خطوات من هذا القبيل.

وقال مدير وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية، علي نادرين، في تغريدة منذ نحو أسبوعين، إن إحدى الدول أفرجت عن 3.5 مليارات دولار من الموارد المالية الإيرانية المجمّدة. ولم يكشف عن هذه الدولة التي لا يمكن أن تقوم بذلك بلا موافقة أميركية.

رفع العقوبات والإفراج عن الأموال تنعكسان مباشرة على الوضع في سوريا، لأن بعض العقوبات على طهران على صلة مباشرة بدعم النظام السوري، ومن ذلك شركات تعمل في سوريا، أو تقدم الدعم المباشر للنظام أو تشارك تجاريا معه، وهناك عقوبات مفروضة على الدولة الإيرانية بسبب دعم النظام، ومثال ذلك الشركات التي تقوم بالصناعات العسكرية، والتي فرضت عليها أميركا آخر سلسلة عقوبات مطلع العام الحالي، وجاء في بيان الخارجية الأميركية، أن “انتشار الأسلحة التقليدية الإيرانية يشكل تهديدًا مستمرًا للأمن الإقليمي والدولي، كما يتضح من استمرار الدعم العسكري الإيراني وعمليات نقل الأسلحة المؤكدة التي تغذي الصراع المستمر في سوريا ولبنان والعراق واليمن وأماكن أخرى”.

وتحدث مسؤولون في الإدارة السابقة عن أن جزءا من الأموال التي تم الإفراج عنها من قبل إدارة باراك أوباما ذهبت إلى تمويل الإرهاب الإيراني في سوريا. ولا يقتصر الأمر على الحرب ضد الشعب السوري، بل لتمويل بنية اقتصادية تربط سوريا بإيران.

ومن المعروف أن العلاقات بين النظام السوري وحليفه الإيراني شهدت توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية واسعة خلال العقد الأخير، وفي هذا المسار افتتح يوم الإثنين الماضي وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، سيد رضا فاطمي أمين، المركز التجاري الإيراني في المنطقة الحرة بمدينة دمشق، بعد أكثر من سنتين على إعلان إنشائه. وتعول طهران على أن يرفع المركز سقف التبادل التجاري بين النظام السوري وإيران، والتي تصل حاليًا إلى ثلاثة مليارات دولار أميركي، حسب الأرقام الإيرانية.

ورافقت افتتاح المركز زيارة اقتصادية قام بها وفد إيراني إلى دمشق، في إطار عقد اتفاقيات تضم عدة مشروعات اقتصادية، وجرت اجتماعات ما يسمّى بـ”الملتقى الاستثماري التأسيسي السوري – الإيراني”، وذلك من قبيل التحضير لرفع العقوبات عن إيران، وهناك مشروعات أخرى تنتظر دعما كبيرا، منها منطقتان حرتان مشتركتان بين النظام وإيران في حمص واللاذقية.

والرابح الأساسي من هذه المشاريع هي طهران. صحيح أنها تثبّت دعائم النظام اقتصاديا وسياسيا، إلا أن هناك فوائد اقتصادية تجنيها، مستفيدة من انخفاض أجور اليد العاملة السورية، كما أنها تتمتع بامتيازات الاستثمار في المناطق الحرة، مثل إلغاء الرسوم الجمركية على منتجاتها. وتتركز معظم الاستثمارات على الصناعات المتعلقة بإعادة الإعمار، مثل مواد البناء. وفي حال بدأت عملية إعادة الإعمار، ستكون المواد التي أنتجتها المصانع الإيرانية، متاحة وقريبة من سوق التصريف، وذات كلفة منخفضة. وبالتالي، سيغرق السوق السوري بالبضائع الإيرانية، لتنافس تلك البضائع مثيلاتها السورية، وخاصة أن البضائع المنتجة في المناطق الحرة السورية، أو المستوردة وفق اتفاقية التجارة الحرة مع إيران، تتمع بإعفاء جمركي يصل في بعض الأحيان إلى 100%.، كما ستنافس المنتجات الإيرانية مثيلاتها من المنتجات المستوردة مثل الصينية، وستكون فرص دخول الشركات الأجنبية الأخرى أو المحلية في المناطق الحرة محدودة بشكل كبير.

وهناك بعض العمليات المؤجلة بسبب العقوبات، وإذا تم إفساح المجال لتدفق المال والنفط والغاز الإيراني بحرية، فإن سوريا مهددة بالابتلاع في ظل الهجوم الإيراني الذي ازداد شراهة في الأعوام الأخيرة، فهناك عمليات استملاك واسعة للعقارات والأراضي في محافظات دمشق، حلب، الرقة، دير الزور. وكل هذا يجري بسرعة في وقت يرفض النظام فكّ العلاقة الاستراتيجية التي تربطه مع الجانب الإيراني، وهو من جملة الشروط التي تضعها بعض الدول، قبل اتخاذ خطوات تطبيعية معه، بل على العكس يعزز علاقاته الاقتصادية مع إيران.

تلفزيون سوريا

————————-

ضاحية جنوبية لدمشق..مَن هو سماحة السيد؟/ عمر قدور

من حيث الشكل، جاءت زيارة وزير خارجية الأسد يوم الاثنين إلى طهران وكأنها تتويج سياسي لحراك اقتصادي مكثف بين الجانبين في الآونة الأخيرة، وكان فيصل المقداد قد اتصل بنظيره وزير الخارجية الإيراني في الثامن عشر من الشهر الفائت، وقيل أن الاتصال بحث “فضلاً عن الأوضاع السياسية ذات الاهتمام المشترك” التعاونَ بين البلدين اقتصادياً وسياحياً، ثم ليشير في مؤتمر صحافي عقده أمس مع نظيره إلى أن العلاقات الاقتصادية كانت محور لقائه مع الرئيس الإيراني! قبل أسبوع، افتتح وزير الصناعة الإيراني معرضاً للمنتجات الإيراني في مدينة المعارض جنوب دمشق، وفي الوقت نفسه انطلق مؤتمر الملتقى الاستثماري الإيراني-السوري، ليعقب زيارته الإعلان عن تأسيس بنك إيراني-سوري يتبع لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية.

وعندما يبحث المقداد مع نظيره الإيراني التعاون السياحي فإن أول وآخر ما يتبادر إلى الذهن هي وفود الحجيج الإيراني إلى المقامات الموجودة في سوريا، إلا إذا كان أفراد الميليشيات التابعة لفيلق القدس يدخلون سوريا بوصفهم سواحاً. قد يُعدّ وفق الأخبار الأخيرة تهريبُ الأسلحة الإيرانية في شاحنات الخضار نشاطاً اقتصادياً، لكن ضجة ثارت تحسباً من نوايا إيرانية تهدف إلى الاستيلاء على معامل القطاع الخاص السوري، بشرائها على خلفية الأزمة الاقتصادية، أو بدمج عمليتي الشراء والإكراه معاً على منوال عمليات الاستيلاء المشابهة التي قام ويقوم بها الأسد. وكانت غرفة صناعة دمشق قد استبقت الحراك الإيراني بالطلب من الصناعيين موافاتها بأوضاع المنشآت المتضررة أو المتعثرة، من أجل عرضها على المستثمرين.

قبل شهر، كانت ضجة أخف قد ثارت على خلفية تجدد النشاط الإيراني بشراء العقارات في محيط دمشق الجنوبي، وصولاً إلى مطارها الدولي، ما أدخل إلى التداول تعبير “الضاحية الجنوبية”. عمليات الشراء الجديدة توسعت على جانبي طريق المطار، بعدما كانت قد بدأت بنجاح ساحق في الجهة الغربية منه، أي من جهة بلدة السيدة زينب. فالحرس الثوري سيطر على البلدة ومحيطها، والصحافة الإيرانية أشادت منذ سنة بالجهود الإيرانية التي أثمرت عن “إقناع” الجهات السورية المسؤولة بتحويل منطقة “قبر الست” إلى “مدينة السيدة زينب”، بعد أن شهد محيط الضريح توسعاً ضخماً جداً لا يتناسب مع أكبر عدد متوقع للزوار، ومع تغيير شبه كلي للبنية الديموغرافية لسكان “منطقة القبر” وسكان البلدة المجاورة المسماة على اسم السيدة زينب.

التمدد إلى الضفة الأخرى لطريق المطار بات متعدد الأشكال، فهناك المنشآت الصناعية في الغوطة الشرقية، وهي بمعظمها قد تضررت إلى حد كبير بفعل القصف الذي نالته المنطقة طوال سنوات. هناك أيضاً العقارات السكنية، ومنها المتضرر بالقصف ولا يملك أصحابه الأموال اللازمة للترميم أو إعادة البناء، ومنها ما صار مهجوراً لأسباب عديدة بينها اضطرار أصحابها إلى الهرب من البلاد. أراضي الغوطة الزراعية لم تعد في منأى عن الأطماع الإيرانية، وفي البعض منها على الأقل الذي تم شراؤه وُضعت مفارز عسكرية من الميليشيات، قد يتكفل وجودها بترهيب الجيران وإجبارهم على بيع أراضيهم بأسعار تتهاود مع كل عملية توسع جديدة.

الحديث هو عن عمليات شراء واسعة مستمرة، طالت حتى على الأقل مساكن وأراضٍ في بلدات “المليحة” و”المرج” و”حتيتة التركمان” و”دير العصافير” و”مزارع شبعا” و”زبدين”. لتضاف إلى نظيراتها في الجهة الأخرى من طريق المطار، وفي الوسط بين الجهتين تبدو “جرمانا” مستثناة حتى الآن من الأطماع الإيرانية، لا لسبب سوى غلبة الدروز فيها، وانصراف النشاط الإيراني في الوسط الدرزي جنوباً إلى مدينة السويداء. من هناك أيضاً، من سهل حوران وجبله، تتوالى الأخبار عن نشاط إيراني في السويداء ودرعا، وأشارت تقارير استخباراتية إسرائيلية إلى وصول الحقائب الإيرانية المملوءة بالدولارات إلى بعض وجهاء السويداء ونظرائهم في درعا لتأثيرهم في اجتذاب أنصار محليين لطهران.

في أواخر أغسطس الماضي، نشر موقع اندبندنت بنسخته الفارسية تقريراً يرصد بعض عمليات شراء العقارات، ومساهمة حزب الله فيها ضمن محاولة زيادة نفوذه في المناطق الحدودية. يشير التقرير إلى شراء أكثر من 370 قطعة أرض في محيط الزبداني، وما لا يقل عن 505 قطع من الأرض في منطقة الطفيل. على الحدود العراقية شرقاً، استطاعت الميليشيات تعزيز حضورها وسيطرتها بعمليات شراء مركّبة تتضمن التشيع، من خلال العلاقة مع رؤساء العشائر الذي أعلن واحد منهم تغيير اسم عشيرته لتصبح “البقّارة الحسينية”. في الجنوب أيضاً، يُقال أن بلدة “قرفا” التابعة لدرعا، بلدة رستم غزالي التي تولى قمع ثورتها بنفسه، قد تحوّل الذين بقوا من سكانها من المذهب السني إلى الشيعي تحت ضغط الفاقة.

إذاً، تسارعَ تدفق حقائب الدولارات الإيرانية في الشهور الأخيرة، رغم آثار العقوبات الخانقة على الاقتصاد الإيراني. بل يبدو كأن طهران تسابق الوقت لشراء مناطق شاسعة متصلة من الأراضي السورية، أكثرها حيوية وأهمية ما قد يصبح “ضاحية دمشق الجنوبية” بما تحمله التسمية في دلالاتها اللبنانية، يليها في الأهمية التمركز في الجنوب السوري على غرار الجنوب اللبناني، من دون البدء بمظاهر عسكرية تستفز رداً إسرائيلياً.

في كل الأحوال، لا يُنتظَر أن يحقق التبشير الشيعي الإيراني نجاحات مؤثرة في التوزع المذهبي في سوريا، والتعويل هو على توطين شيعة غير سوريين في المناطق التي يُستحوَذ عليها. الطريف في المؤتمر الصحافي أمس للمقداد “مع نظيره الإيراني” اتهامه الولايات المتحدة بنقل المئات من الإرهابيين الأفغان إلى سوريا! بينما ما نشط على الأرض حقاً هي عمليات نقل الشيعة الأفغان “الهزارة” لتوطينهم في سوريا، وإذا كانت طهران قد تمكنت أيام الوجود الأمريكي في أفغانستان من تجنيد واستقدام عشرات ألوف الهزارة فإن عودة حكم طالبان “السُنية”، مع تدهور الوضع المعيشي لعموم الأفغان، قد يجعل أرقاماً مضاعفة منهم ضحايا المخطط الإيراني في سوريا وأدوات له.

يبقى أن يُتوَّج ذلك كله باتفاق نووي يفرج عن الأرصدة ومبيعات النفط، ويتغاضى عن التوسع الإيراني، مع عدم التوصل إلى حل يعيد اللاجئين السوريين من دول الجوار على الأقل. الهدف لا يتوقف عند إنشاء ضاحية جنوبية لدمشق، حيث الحافز الطائفي التاريخي موجود هنا بقوة، بل يمتد الطموح لتكون دمشق بأكملها ضاحية شمالية للمركز الجديد، وحيث “سماحة سيد” لا نعرف من يكون يأنف من مجرد المقارنة بينه وبين ذلك النائم في عسل الرئاسة. 

المدن

—————————

تغلغل أم استيطان إيراني في سوريا؟/ عمر كوش

لم يتوقف النظام الإيراني عن تنفيذ مخططاته التوسعية في سوريا بالرغم من الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لمواقع وجود قواته وميليشياته الطائفية المتعددة الجنسيات، ومن التنافس على مناطق النفوذ في الجغرافيا السورية مع النظام الروسي، فضلاً عما يشاع عن وجود تفاهمات روسية إسرائيلية، وعن ذرائع الأنظمة العربية المطبّعة مع نظام الأسد، التي تتحدث عن أن هرولتها نحو التطبيع معه تصبّ في سياق محاولتها إبعاد هذا النظام عن المحور الإيراني، وإعادته إلى الحضن العربي الفارغ من كل شيء سوى الاستبداد وقمع الشعوب.

وليس جديداً التغلغل الإيراني المتعدد الوجوه في سوريا، والذي يدخل في إطار مشروع الهيمنة الفارسية على بلدان المشرق العربي، بل يمتد إلى سنوات عديدة، وخاصة بعد اندلاع الثورة السورية، لكن وتيرة التغلغل وسبل توطيده ازدادت في الآونة الأخيرة، وتجسدت في تجدد عمليات التغيير الديموغرافي والهندسة الاجتماعية، كما نشطت بشكل حثيث حركة التشيّع في مختلف مناطق سوريا، وبدت تلك العمليات واضحة للعيان في معظم مدن وأرياف محافظات حلب وحمص وحماة وتدمر ودير الزور ودرعا والسويداء والقنيطرة.

ولم يكتف النظام الإيراني بتعزيز حضوره العسكري داخل الأراضي السورية عبر إرسال ضباط وعناصر من الحرس الثوري وميليشيات فيلق القدس وسواهما، بل قام باستقدام ميليشيات شيعية لبنانية وعراقية وأفغانية وغيرها، إلى جانب الميليشيات الشيعية التي قام بتشكيلها وتدريبها وتمويلها في سوريا، وبزجها جميعاً في الحرب الدائرة منذ سنوات دفاعاً عن نظام الأسد، ثم سعى إلى توسيع عمليات النفوذ الاجتماعي وتثبيته في سوريا، عبر تحويله وجوده العسكري والميليشياوي إلى تغلغل اجتماعي واستيطاني، حيث قامت شبكاته العاملة في سوريا بتنفيذ مخططات توطين عديدة، وهي تسعى في أيامنا هذه إلى استكمال إحداث “ضاحية جنوبية” في منطقة “السيدة زينب” في جنوبي دمشق، على غرار الضاحية الجنوبية في بيروت المحتلة إيرانياً بواسطة ذراعها في لبنان حزب الله، الذي يعتبر رئيسه حسن نصر الله أن لبنان جزء من إيران.

وبناء على ذلك، تجري عمليات شراء العقارات والأراضي في محيط مدينة دمشق الجنوبي، وتمتد إلى المناطق والبلدات القريبة من مطارها الدولي، حيث شملت عمليات الشراء مختلف البلدات والمناطق الواقعة على جانبي طريق المطار، إلى جانب تأسيس جمعيات خيرية ومؤسسات اجتماعية في مدينة دمشق وريفها، وتجري عمليات مشابهة في مختلف مدن ومناطق سوريا، بالإضافة إلى أن عمليات التخريب المجتمعي باتت تستهدف الجيل الناشئ، حيث تقوم مجمعات ومراكز ثقافية وتعليمية في غرس الرؤية الإيرانية للتعاليم الشيعية في عقول الأطفال السوريين، كما تقوم بتقديم دورات لتعلم اللغة الفارسية، وإرسال وفود إيرانية لإلقاء محاضرات ودورات حول المذهب الشيعي.

كما أن الحرس الثوري الإيراني يتولى أعمال متنوعة في المناطق الشرقية والجنوبية، مثل تشكيل لجان إغاثية توزّع مساعدات على عائلات عناصره وعائلات الميليشيات، وبعض الفقراء المسجلين في قوائمها، وفتح مستوصفات مجانية، ويقوم بعدد من الأنشطة الاقتصادية مثل تشغيل آبار النفط في البادية، وحراسة أعمال وخطوط التهريب عبر الحدود مع العراق وسوى ذلك.

ويلتقي المسعى الإيراني مع ما يقوم به نظام الأسد من تغيير مصائر سكان مدينة دمشق وعمرانها، عبر التدمير الواسع النطاق لأحياء بأكملها، وخاصة تلك التي شهدت حراكاً احتجاجياً ضده خلال الثورة السورية، لذلك عمد إلى تهجير سكان المجتمعات المحلية المناهضة له قسرياً، إضافة إلى طرح وتنفيذ مشاريع يُراد منها إعادة تشكيل علاقة مدينة دمشق مع النسيج العمراني والسكاني لضواحيها، تحت مسمى إعادة التنظيم، وبغية الاستيلاء على حقوق السوريين الذين هجرهم قسرياً من أماكن عيشهم وسكناهم.

غير أن النظام الإيراني يريد من تعزيز تغلغله الاستيطاني، وتوطيد نفوذه في سوريا تحقيق أهداف عديدة، أولها، توفير البيئة الاجتماعية الحاضنة من أجل تأمين خطوط التواصل والإمداد بين أذرع شبكته الأخطبوطية، الممثلة بالميليشيات والقوى السياسية التابعة لها في كل من العراق ولبنان، وتوفير القدرة على مدها بالأسلحة والذخائر والمال وسوى ذلك، والذي يتم عبر تأمين الطريق التي تبدأ من إيران وتمرّ بالأراضي العراقية لتصل إلى لبنان عبر الأراضي سوريا. وثانيها، تعزيز العمق الاستراتيجي لهذا الطريق عبر توسيع نطاق مناطق النفوذ على جانبيه، وثالثها، تعزيز الوجود الإيراني بالقرب من الحدود الإسرائيلية والأردنية، ورابعها، الاستعداد لإشغال الفراغ التي سيخلفه الانسحاب الأميركي المحتمل من سوريا.

وتحقيقاً لمساعيه التوسعية في سوريا، لم يلتزم النظام الإيراني بالتفاهمات التي أبرمها مع النظام الروسي عام 2018، حول إبعاد القوات الإيرانية والميليشيات مسافة 85 كم من كل المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل، وذلك بعد رعاية النظام الروسي للتسويات التي فرضت على فصائل المنطقة الجنوبية من سوريا، وجرت بموافقة نظام الأسد، وحظيت بدعم الولايات المتحدة والأردن، إذ تشير تقارير ميدانية إلى أن القوات الإيرانية وميليشياتها زادت من نقاط تمركزها في هذه المنطقة، ووصل عددها إلى ما يقارب تسعين نقطة تمركز، فيما لم يكن عددها يتعدى الأربعين نقطة في عام 2018.

ويستفيد النظام الإيراني، من أجل زيادة تمدده وتغلغله في سوريا، من أدوات ووسائل متعددة، مستغلاً عمليات التهجير القسرية الواسعة التي أدت إلى تهجير وتشريد ملايين السوريين من أماكن عيشهم وسكنهم، وسماح نظام الأسد له بالتصرف في أملاك النازحين والمهجرين، لذلك لا يجد نظام الملالي صعوبة في توطين أفراد وعائلات ميليشياته بدلاً منهم، إلى جانب استغلاله الانهيار الاقتصادي والمعيشي للسوريين داخل مناطق سيطرة النظام، وحجم الدمار في البنى التحتية في مختلف المدن والبلدات والقرى السورية، نتيجة الحرب الشاملة التي يخوضها نظام الأسد وحليفه الروسي والإيراني ضد غالبية السوريين.

ولا شك في أن الأمر لم يعد يقتصر على التغلغل الإيراني في سوريا، بل يتعداه إلى نهج استيطاني إيراني فيها، لذلك يُعتبر النظام الإيراني من أخطر القوى الأجنبية الفاعلة في القضية السورية وأشدها تأثيراً على النسيج الاجتماعي السوري وتماسكه، كونه يعمل على تثبيت وتوطيد نفوذه في سوريا، من خلال إتباع نهج التغيير الديموغرافي والمجتمعي في المناطق التي تسيطر عليها قواته والميليشيات التابعة له، وتوطين أفرادها وأسرهم فيها، بالتنسيق مع نظام الأسد، الذي يعوّل على أن يتحول المستوطنون الجدد إلى جزء من كتلة طائفية متراصة وموالية، تطبيقاً لما قاله بشار الأسد من أن سوريا ليست لمن يحمل جنسيتها، بل لمن يدافع عنها، أي أنها باتت في معياريته ليست للسوريين، بل له ولمن يدافع عن بقائه في السلطة إلى الأبد.

تلفزيون سوريا

———————-

إسرائيل وإيران وروسيا في لعبة عضّ أصابع السوريين!/ سميرة المسالمة

تحاول روسيا التحايل على حرج توصيف القصف الإسرائيلي في الأراضي السورية كعدوان خارجي، بتوصيفه بأنه قصف غير شرعي أو لا إنساني، وذلك في تخلٍّ واضح عن مكانتها، كشريكة أو كصديقة للنظام السوري، بحسب اتفاقية 1980، أو كحليفة حسب اتفاقية 1994، أو ضمن مسؤولية مظلة الدفاعات الجوية الروسية (إس 300) التي سلمتها إلى دمشق عام 2018، متعمدة تجاهل أن القصف الإسرائيلي هذه المرة كان في منطقة اللاذقية، أي قرب قاعدتها العسكرية حميميم.

 بهذا التمييز أو التلاعب في التسمية، بين القصف الشرعي وغير الشرعي، تُحدد روسيا، أيضًا، طبيعة كل رد وحكمه، للتغطية على دورها في الحرب ضد السوريين، حيث “الشرعي”، بالنسبة إليها، هو ما تمارسه قواتها ضد السوريين المعارضين لحكم بشار الأسد، منذ بداية تدخلها العسكري في أواخر عام 2015، والذي يشمل، وفق مشروعيتها، استخدام كامل قواتها ومختلف أنواع أسلحتها في قصف بيوت السوريين المدنيين، وأسواقهم وخيمهم ومدارسهم ومستشفياتهم. أما ما هو “غير شرعي”، ويمكن إدانته “إعلاميًا فقط”، دون الحاجة إلى استخدام القوة في صده، بالنسبة إليها، فهو القصف الإسرائيلي للقوات الإيرانية وأسلحتها في سورية، بحسب تعبير المبعوث الروسي الخاص لسورية ألكسندر لافرينتييف في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، حين برّر عدم الرد العسكري على الضربات الإسرائيلية المتكررة، بأن “استخدام القوة غير بناء، لأنه لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سورية”، وبذلك توضح روسيا أنّ صد الاعتداءات الإسرائيلية ليس من مهمات قواتها أو أسلحتها أو مظلة دفاعاتها الجوية في سورية.

 تفهم إيران تلك التصريحات الروسية الهادئة ضدّ القصف المتكرر لإسرائيل على مواقع قواتها، وقوات الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها، بأنها تمثل رسائل عدة، منها:

أولًا أنها بمنزلة بوابة عبور مفتوحة، أو متفاهم عليها، بين الجانبين الصديقين (روسيا وإسرائيل).

ثانيًا أنها تدخل، إضافةً إلى التفاهم الروسي-الإسرائيلي على ذلك، ضمن طبيعة النزاع، أو التنافس، بينها وبين موسكو على “شرعية” وجودها في سورية من جهة، وعلى حجم حصة كل منهما فيها، من جهة ثانية.

وثالثًا أنّ ما يجري يشكل محاولة للحدّ من قدرتها على استخدام وجودها العسكري غير المرغوب “إسرائيليًا”، كورقة ضغط على المجتمع الدولي في ملفاتها الخارجية. وهنا تمارس إيران اللعبة الروسية ذاتها، بالرغم من اختلاف الجبهات التي تحاول إيران التصدي لها، أو ليّ ذراعها، مقابل الإفراج عنها كدولة غير مارقة في المنطقة، تستعيد قدرتها الإقليمية وتنزع عنها قيد العقوبات الدولية المفروضة عليها، أميركيًا وأوروبيًا.

أما بخصوص واقع استمرار القصف الإسرائيلي على المواقع أو القواعد، أو قوافل التسلّح، الإيرانية، في سورية، فله أكثر من بعد ثنائي؛ إذ يمكن فهمه كجزء من معركة إقليمية لصياغة خارطة المنطقة بكاملها، وهو ما يتمثل ليس فقط بالتصارع الإسرائيلي-الإيراني، المعلن أو الصريح والمباشر، وإنما أيضًا بذلك الصراع الخفي، المباشر وغير المباشر، بين الدول الثلاث الإقليمية (إيران وتركيا وإسرائيل) في الجغرافيا السورية، وعلى النفوذ في سورية، أو على تقرير مستقبل سورية.

 ولكن ما يميز إسرائيل هنا، عن الطرفين الآخرين، أمورٌ: أولًا أنها تحتل جزءًا من الأرض السورية، وهو هضبة الجولان منذ عام 1967، منذ 65 عامًا، التي تم ضمها إلى إسرائيل؛ وثانيًا أن مستقبل سورية يشكل همًا لإسرائيل أكثر من الطرفين الآخرين، لأنه يمس مباشرة بوجودها، أو بما تسميه أمنها القومي، لا سيّما أنها دولة مجاورة؛ وثالثًا أنها الطرف الإقليمي الأقرب للدولتين الكبريين المتحكمتين في الصراع السوري، أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، مع ملاحظة أن إسرائيل لها أسهم كبيرة أو مقررة في صياغة الدور الأميركي في سورية؛ ورابعًا أنها إزاء الطرفين الإقليميين الآخرين (تركيا وإيران) تتمتع بعلاقات عادية مع الأولى، وعدائية مع الثانية، مع ملاحظة أن لكل طرف منهما مشكلة مع الطرفين الآخرين؛ خامسًا أن إسرائيل تعدّ الوجود العسكري لإيران، وميليشياتها، تهديدًا لأمنها القومي، ولهذا فهي تعمل مباشرة على قضم الوجود العسكري لإيران وحلفائها، كما تعمل على إبعاد ذلك الوجود عن حدودها، من دون أن تذهب إلى كسره أو إخراجه نهائيًا، وذلك حرصًا منها على استثمار الوجود الإيراني في زعزعة الاستقرار في البلدان المجاورة، وهو ما فعلته في العراق وسورية ولبنان، وهو ما استفادَت منه إسرائيل، وبنت من خلاله استراتيجية جديدة في تقاربها مع الدول العربية.

ضمن هذه الاعتبارات، يمكن فهم الضربات الإسرائيلية المتوالية لما تعتبره قواعد أو مخازن أسلحة أو قوافل ذخائر عابرة لجماعات عسكرية إيرانية، أو تابعة لها، من الميليشيات المتعددة الموجودة في سورية، منذ العام 2013، على أنه محاولة للاستفراد بسورية، كموقع جغرافي حدودي معها آمن من وجود أي منافس عليه، وهذا ما يفسر اشتراطها في مباحثاتها مع روسيا إبعاد أية قوات إيرانية، أو تابعة لإيران (من الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لها) عن حدودها، على الرغم من أن عبور إيران تلك الحدود لم يكن في غياب إرادتها، أو على الأقل فهو تم بموافقة صامتة من حليفتها الولايات المتحدة الأميركية.

في المقابل، إن ايران عملت، من جهتها، على ضبط إيقاع ردات فعلها على الضربات الإسرائيلية، وفقًا لبضع قواعد، منها تعزيز وجودها في المناطق السورية البعيدة عن الحدود، والتركيز على الوجود في بعض نقاط الحدود العراقية السورية، وأيضًا انتهاج سياسة عدم الرد على الضربات الإسرائيلية، لا في سورية ولا في العراق، ولا في إيران ذاتها، وأنها ظلت على الدوام تحاول ركوب القضية الفلسطينية لشرعنة وجودها في سورية، بادعاء “مقاومة إسرائيل”، فيما هي تشتغل لتعزيز نفوذها الإقليمي، والإبقاء على “الكريدور” الشيعي موصولًا بين طهران وبغداد وبيروت ودمشق وإنجاح خطتها في شق المجتمعات العربية على أسس طائفية – مذهبية.

باختصار، لا يهمّ إسرائيلَ تصنيفُ القصف (شرعي أو لا شرعي)، المهمّ أنها تشتغل لتوسيع حصتها في المنطقة، على حساب تحجيم الوجود الإيراني، فيما إيران ما زالت تنتظر الزمان والمكان المناسبين للرد، وفي كل الأحوال، يحاسَب الشعب السوري على الفاتورة الباهظة لصراع الأطراف الإقليمية على أرضه، من دمه وجسده.

مركز حرمون

———————-

روسيا وإسرائيل في الأزمة السورية حد من نفوذ إيران على أرض سوريا/ ماركوس بيكِل

تسعى روسيا وإسرائيل في سوريا لتحقيق مصالح مشتركة بوضع حد لسياسة التوسع الإيرانية. تحليل الباحث ماركوس بيكل لموقع قنطرة مؤكدا أن إسرائيل ترى الأسد ضامنا لحدودها.

كان اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في مدينة سوتشي دافئًا وودِّيًا. حيث قال نفتالي بينيت في أوَّل لقاء جمعهما في نهاية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2021 في هذه المدينة المطلة على البحر الأسود: “أستطيع أن أقول لك باسم مواطني إسرائيل إنَّنا ننظر إليك باعتبارك صديقًا حقيقيًا للشعب اليهودي”. ومن جانبه، وصف فلاديمير بوتين العلاقات الروسية-الإسرائيلية بأنَّها “فريدة” وشدَّد على أنَّ “حوارنا وعلاقاتنا تقوم على أساس روابط عميقة جدًا بين شعبينا”.

لقد أتاحت هذه الزيارة لنفتالي بينيت – بعد أربعة أشهر من تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة سلطتها – الفرصة ليثبت أنَّ هذه العلاقة الجيِّدة القائمة بين البلدين لا تزال قائمة بصرف النظر عن رحيل بنيامين نتنياهو عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

وكذلك أوضح فلاديمير بوتين ونفتالي بينيت أنَّ هذه العلاقة الجيِّدة تؤتي ثمارها أيضًا في المواقف الصعبة – وأخيرًا وليس آخرًا بالنظر إلى سوريا، حيث تسعى إسرائيل إلى منع زيادة قوة الميليشيات الإيرانية، في حين أنَّ روسيا تقف بشدة إلى جانب الرئيس بشار الأسد منذ تدخُّلها في الحرب السورية في عام 2015. وهكذا فقد أشار بوتين إلى أنَّ هناك وعلى الرغم من بعض المشكلات المتعلقة بالوضع في سوريا “قواسمَ مشتركةً وفرصًا للتعاون أيضًا”، خاصةً فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب.

لقد حدَّد هذا المسار وزيرُ الخارجية الإسرائيلي الجديد يائير لبيد ونظيره الروسي سيرغي لافروف في أيلول/سبتمبر 2021 أثناء لقائهما في موسكو، حيث قال لافروف: “نحن ضدَّ تحوُّل سوريا إلى ساحة مواجهة بين أطراف ثالثة، ولهذا السبب فنحن لا نريد أن يتم استخدام الأراضي السورية من أجل شنِّ هجمات ضدَّ إسرائيل أو أي طرف آخر”.

مئات الهجمات على مواقع موالية لإيران في سوريا

 وبهدف ضمان عدم تعارض القوَّات الجوية الإسرائيلية والروسية مع بعضها في سوريا فقد وضعت روسيا وإسرائيل منذ فترة طويلة ما يعرف باسم “آلية تجنُّب الاشتباكات العسكرية”. وتنصُّ هذه الآلية على عقد اجتماعات منتظمة بين ضبَّاط عسكريين من كلا الطرفين وإنشاء خطّ مباشر بين مراكز القيادة العسكرية الإسرائيلية والجيش الروسي.

فقد تعرَّضت في عام 2018 العلاقات الروسية الإسرائيلية لاختبار صعب نتيجة إسقاط المضادات الجوية السورية طائرة مقاتلة روسية، وذلك إثر ردِّها على غارة جوية إسرائيلية واشتباهها بأنَّ طائرة استطلاع روسية هي طائرة حربية إسرائيلية، وقد أسفر إسقاط الطائرة الروسية عن مقتل جميع أفراد طاقمها الخمسة عشر.

رئيس النظام السوري بشار الأسد مقابل حليفه المقرَّب جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. Syriens Präsident Bashar al Assad und Irans Außenminister Jawad Zarif; Foto: picture-alliance/AP/SANA

الحفاظ على مسافة ولكن فقط بسبب كورونا: رئيس النظام السوري بشار الأسد مقابل حليفه المقرَّب جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. يرى ماركوس بيكل في تحليله أنَّ من مصلحة إسرائيل وروسيا الحدَّ من نفوذ إيران في سوريا. جدَّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت التأكيد على التعاون بين بلديهما أثناء لقائهما في مدينة سوتشي. يشكِّل النفوذ الإيراني في سوريا تهديدًا خاصًا بالنسبة لإسرائيل، ولكن إسرائيل تنظر في الوقت نفسه إلى الأسد باعتباره ضامنًا لعدم تزايد قوة الميليشيات الإسلاموية عند حدودها الشمالية.

تُظهر هذه الاجتماعات الأخيرة المعقودة على أعلى المستويات أنَّ تلك الأوقات العصيبة قد باتت من الماضي – ولم يبقَ أي شيء من التوتُّرات، التي أُثيرت في الصيف بين الجانبين من خلال تصريحات الأدميرال الروسي فاديم كوليت، نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا. فقد ادَّعى فاديم كوليت في شهر تمُّوز/يوليو 2021 أنَّ الجيش السوري أسقط أكثر من عشرة صواريخ إسرائيلية بالقرب من حلب وحمص بصواريخ أرض جو روسية، مما أثار تكهُّنات بأنَّ روسيا لم تعد مستعدة لتحمُّل حرب إسرائيل بالوكالة ضدَّ إيران في سوريا.

لقد قامت إسرائيل منذ بداية الحرب في سوريا قبل عشرة أعوام بمئات الهجمات الجوية على مواقع الميليشيات الموالية لإيران. وكثيرًا ما تستهدف غارات سلاح الجو الإسرائيلي أيضًا قوافل نقل السلاح إلى حزب الله اللبناني المرتبط ماليًا وسياسيًا بإيران. ففي شهري تشرين الأوَّل/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2021 فقط، وقعت سبعُ هجمات على مراكز قيادية وقوافل بالقرب من حمص وطرطوس – وتحديدًا في أماكن غير بعيدة عن قاعدة حميميم الجوية الروسية.

ولكن نادرًا ما ينجح الجيش السوري في إصابة الصواريخ الإسرائيلية بواسطة أنظمة دفاعٍ جوي باتت قديمة من طراز إس أيه 17 وإس أيه 22 مستوردة من روسيا. ففي بداية شهر أيلول/سبتمبر 2021، على سبيل المثال، سقط صاروخ دفاعي سوري في مكان غير بعيد عن تل أبيب، في حين أنَّ الطائرات الإسرائيلية المقاتلة من طراز إف 16، التي أطلقت قبل ذلك عشرات الصواريخ في محيط دمشق، قد عادت إلى قواعدها سالمة.

أمَّا إشارة فاديم كوليت إلى استخدام صواريخ الدفاع الروسية المتوسطة المدى من طراز بوك 2 إم إي في شهر تموز/يوليو 2021، فقد بات يتم تفسيرها بمعنى أنَّ موسكو أرادت استغلال تغيير السلطة في واشنطن والقدس من أجل اختبار العلاقة بين نفتالي بينيت والرئيس الأمريكي جو بايدن. فقد بات من الواضح بعد لقاء نفتالي بينيت وفلاديمير بوتين أنَّ: لا موسكو ولا القدس مهتمَّتان بتغيير قواعد اللعب الحالية في سوريا.

بوتين يريد علاقات جيَّدة مع إسرائيل – حتى بعد نتنياهو

 وهذا يعني أنَّ روسيا تدعم – مثلما تفعل منذ بداية تدخلها العسكري في عام 2015 – الرئيس السوري بشار الأسد في استعادته السيادة الكاملة على أراضيه جنبًا إلى جنب مع إيران، التي ضمنت قمع ميليشيات المعارضة من خلال إرسالها حرسها الثوري وحزب الله، وأنَّ بإمكان إسرائيل أن تواصل غاراتها على قوافل السلاح المرسلة لحزب الله وعلى مواقع الميليشيات الموالية لإيران من دون التعرُّض لانتقادات روسية.

غير أنَّ العلاقة بين حليفتي بشار الأسد إيران وروسيا لا تخلو تمامًا من النزاعات، خاصةً في المنطقة الحدودية مع الأردن وإسرائيل، حيث بدأت الثورة على دكتاتورية الأسد في عام 2011: فعلى الرغم من أنَّ اتفاق وقف إطلاق النار المعقود بواسطة موسكو في شهر أيلول/سبتمبر 2021 ينصُّ على عودة القوَّات الحكومية السورية إلى مدينة درعا البلد ودمج مقاتلي ميليشيات المعارضة في القوَّات المسلحة النظامية، ولكن على العكس مما كان يريده النظام في دمشق فقد تم وقف دخول الجماعات الموالية لإيران.

وعدا ذلك فإنَّ اللواء الثامن التابع لقوَّات الفيلق الخامس النظامية -وهو وحْدةٌ شكَّلتها روسيا من ميليشيات معارضة وافقت على وقف إطلاق النار مع النظام- يبقى منتشرًا في المنطقة التي كانت تسيطر عليها -حتى المعارك العنيفة في الصيف- وحدات مناهضة للأسد، علمًا بأنَّ أنصار الأسد كثيرًا ما يصفون هذا اللواء بأنَّه “عصابة لصوص”.

وبما أنَّ سيرغي لافروف قد ميَّز بوضوح أثناء لقائه يائير لبيد بين المصالح “غير المشروعة” والمصالح “المشروعة، مثل المصالح الأمنية الإسرائيلية”، فهذا يبيِّن أنَّ حكومة فلاديمير بوتين حريصة على حفاظها على علاقات جيِّدة مع إسرائيل وحتى بعد ترك بنيامين نتنياهو منصبه. وتشير إلى ذلك أيضًا زيارة الملك عبد الله الثاني إلى موسكو في شهر آب/أغسطس 2021، التي احتل الوضعُ في درعا البلد الواقعة على الحدود مع الأردن مساحةً واسعةً منها. وكذلك لقد التقى نفتالي بينيت بالملك عبد الله الثاني في عمان مباشرة بعد توليه منصبه، كإشارة إلى التقارب بعد إهمال نتنياهو العلاقات مع الأردن بوضوح.

الغوطة الشرقية – صور معلقة على جدار لِـ بوتين وَ الأسد – دمشق – سوريا. Syrien Ost Ghouta Putin Assad Wandbilder FOTO REUTERS

تقارب موسكو -المدافعة عن الأسد- مع إسرائيل: هل تحجِّم روسيا نفوذ إيران في سوريا؟ في الوقت الذي تباعدت فيه إيران وروسيا على الأرض السورية ازداد التقارب بين موسكو وتل أبيب. البلدان يتوحدان في مقاومة النفوذ الإيراني وحضورها في البلد الذي مزقته الحرب الأهلية.

ولهذا السبب فقد يؤدِّي لقاء نفتالي بينيت مع فلاديمير بوتين إلى زيادة نفوذ روسيا في الشرق الأوسط. لقد عزَّز بوتين في الأعوام الأخيرة علاقات بلاده مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتَّحدة ومصر، وجميع هذه الدول تعتبر من الحلفاء التقليديين للولايات المتَّحدة الأمريكية. وهذه الدول الثلاث تقف في طليعة التحالف العربي المعادي للثورة، والذي تشعر إسرائيل أيضًا بأنَّها تابعة له منذ إقامتها علاقات دبلوماسية مع الإمارات والبحرين قبل عام.

بإمكان هذا التحالف أن يُشكِّل الأساس لهيكل أمني إقليمي يجب عليه يومًا ما أن يستمر من دون وجود القوة العسكرية الأمريكية وذلك نطرًا لانسحاب الولايات المتَّحدة الأمريكية التدريجي من المنطقة. أمَّا تقارب الأردن والإمارات من الأسد مؤخرًا (2021) فيُبيِّن أنَّ هذا التقارب ممكن أن يؤدِّي على المدى المتوسط إلى قبول سوريا من جديد في جامعة الدول العربية.

وسيكون ذلك من دون شكّ من مصلحة إسرائيل، التي تحاول الحدّ من نفوذ إيران في سوريا – ولكنها كانت تنظر دائمًا إلى الأسد باعتباره ضامنًا لعدم تزايد قوة الميليشيات الإسلاموية عند حدودها الشمالية.

ماركوس بيكِل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

ماركوس بيكل خبير في شؤون الشرق الأوسط ومدير مكتب مؤسَّسة روزا لوكسمبورغ الألمانية في تل أبيب بإسرائيل.

————————————–

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى