سياسة

قمّة طهران: تفاهمات أقل وعثرات أكثر -مقالات مختارة-


كان واضحاً أن القمة الثلاثية التي جمعت قادة إيران وروسيا وتركيا لن تفلح في إنجاز اختراق نوعي يتطابق مع الآمال التي عُلقت عليها، خاصة من جانب طهران وموسكو أكثر ربما من أنقرة. التوقيت تزامن مع انفضاض قمة جدّة التي عقدها الرئيس الأمريكي مع قادة مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والعراق والأردن، وكانت طهران وموسكو بحاجة إلى إظهار طراز موازٍ من الاستقطابات الدولية في الميادين الجيو – سياسية والاقتصادية والعسكرية. الوجود التركي في القمة اتسم باعتبارات متمايزة بسبب عضوية أنقرة في الحلف الأطلسي أولاً، وكذلك لأن برامجها في سوريا لا تتلاقى بقدر ما تتناقض مع الأجندات الإيرانية والروسية، هذه الأخيرة التي يمكن أن تتناقض بدورها على صعيد الانتشار العسكري في الأراضي السورية تحديداً.

———————————-

قمّة طهران: وهن الأضاليل وسطوة المساومات/ صبحي حديدي

بين طرائف القمة الثلاثية الإيرانية/ الروسية/ التركية طراز كان معلَناً خلال الخطب التي ألقاها إبراهيم رئيسي وفلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان؛ بصدد الملفّ السوري إجمالاً، ثمّ خصوصاً حول التواجد العسكري لكلّ من إيران وروسيا وتركيا على الأراضي السورية. لا أحد من الرؤساء الثلاثة ضمّ قواته العسكرية إلى صنف «الوجود الأجنبي»، معتبراً من جهة أولى أنه إنما يستجيب لطلب شرعي من النظام السوري؛ وغامزاً، تالياً وضمنياً، من قناة الآخرين الذين لا يتمتعون بتلك السمة الذهبية الخاصة بـ«شرعية» التواجد.

لا أحد كذلك ألمح إلى أنّ الجيوش الإيرانية والروسية والتركية المرابطة هنا وهناك في سوريا هي، في أوّل المطاف ونهايته، قوى احتلال صريح مباشر، لا شرعية على الإطلاق يمكن أن تغطيه أو تجمّل قبائحه ومصائبه. ولا أحد من الفرسان الثلاثة نطق بما يمكن أن يفضي إلى حقيقة ساطعة بسيطة، تفيد بأنّ فوارق نسبية فقط تميّز الاحتلالات الإيرانية والروسية والتركية عن الاحتلالَين الأمريكي (في المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، وفي منطقة رميلان النفطية، وقاعدة عين العرب/ كوباني…)، والإسرائيلي على امتداد الجولان المحتل.

طراز آخر من الطرافة، السوداء هذه المرّة وغير المعلَنة رغم أنها جلية، هي مقادير التوتر والشحن والتضاد والتجاذب بين الاحتلالات الثلاثة، على أصعدة لا تبدأ من اللوجستيات العسكرية الأبسط ولا تنتهي عند أجندات المصالح الجيو – سياسية والأمنية والاقتصادية الأعقد. وبهذا فإنّ أيّ مستوى متقدّم من تفاهم طهران وموسكو على اعتماد الريال الإيراني والروبل الروسي في التعاملات التجارية والاستثمارية بين البلدين، على حساب الدولار بالطبع؛ لن ينعكس في حال مماثلة من التفاهم حول انتشار القوات الروسية في موازاة انتشار القوات الإيرانية، في هذه أو تلك من بقاع سوريا.

تركيا من جانبها لا تكره إقناع روسيا بأن تغضّ النظر عن عمليتها الوشيكة في الشمال السوري، ولكنّ صمت الكرملين لا يبدّل الكثير في برامج قاعدة حميميم الروسية وجداول قصف إدلب والمناوشات المتفرقة بين الوحدات الروسية المتقاطعة مع مساحات تواجد الاحتلال التركي وفصائل المعارضة السورية المسلحة الموالية لأنقرة؛ ولا يغيّر الكثير، أيضاً، في قواعد الاشتباك المستقرة مع ميليشيات موالية لطهران أو تابعة لها مباشرة. اللافت أكثر، لكنه ليس الأشدّ غرابة، أن تواصل القاذفات الإسرائيلية طلعات القصف في العمق السوري، إلى درجة استهداف المفارز الإيرانية المرتبطة بالفرقة الرابعة في قلب دمشق، فلا يُحدث ذلك كلّه أي أثر في قمة طهران الثلاثية.

فإذا وضع المرء جانباً أضاليل بحث الملفّ السوري في قمة طهران الثلاثية، بعد أن يكون المرء ذاته قد أخذ بعين الاعتبار الحصيلة العجفاء الهزيلة لمسار أستانا، منذ إطلاقه مطلع 2017 وحتى الساعة؛ فإنّ الهموم الثنائية أو الثلاثية، منفردة أو مجتمعة، التي جعلت اللقاء ممكناً في الأصل، تبدو أقرب إلى تحصيل حاصل يداني درجة الصفر من حيث البناء على ما سبق القمة، وما سيليها: في الاعتبارات الجيو – سياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية كافة، كما يجوز القول من دون كبير تحفظ.

كلا الدولتين، إيران وروسيا، واقعة تحت عقوبات أمريكية وأوروبية وأممية شديدة الوطأة، ولا منفذ نجاة منها على النحو الجذري الذي يصنع فارقاً عملياً؛ بل تسير الحال من سيء إلى أسوأ مع انصراف الصين والهند عن النفط الإيراني إلى الخام الروسي الأرخص، ومع تعطّل الدور الروسي في مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني. تركيا تستثمر الوقت الضائع، حتى من دون الاضطرار إلى اللعب فيه، إذْ لم تكن بحاجة إلى قمة طهران كي تنجز نصراً دبلوماسياً مشهوداً بصدد الإفراج عن الحبوب والأسمدة الأوكرانية.

وَهَنُ الأضاليل اجتمع، إذن، مع سطوة المساومات؛ فكان طبيعياً ألا تنتهي القمّة إلى ما يتجاوز المزيج الفاسد بين هذه وتلك.

القدس العربي

———————–

مستقبل سورية بعد قمة طهران/ محمود علوش

على مدى السنوات التي أعقبت انخراط تركيا مع روسيا وإيران في منصة أستانة في 2017، سعت موسكو إلى إيجاد أرضيةٍ مشتركةٍ مع أنقرة للتوفيق بين أهدافهما الجيوسياسية المتناقضة في سورية، فضلاً عن لعب دور ضابط الإيقاع في التنافس التركي الإيراني. بقدر ما كان التعاون التركي الروسي مهماً في إيجاد هذه المساحة وتطويرها بعد ذلك إلى تنسيقٍ في مجالات وقضايا إقليمية أخرى، مثل ليبيا وجنوب القوقاز والتعاون الدفاعي، فإن طهران ودمشق نظرتا إليه على أنه حدّ من طموحات نظام الأسد باستعادة السيطرة على المناطق التي لا تزال خاضعة للمعارضة. ومن جهة ثانية، ضغط على المصالح الجيوسياسية الإيرانية في البلاد. مع ذلك، اكتسبت منصّة أستانة أهمية في إدارة عملية التنافس بين الدول الثلاث، بالنظر إلى دورها في تطبيع الوضع الأمني في مناطق كثيرة، عبر اتفاقات وقف إطلاق النار وتحويل هذه القوى إلى دول ضامنة، فضلاً عن إضعاف الدور الغربي في الصراع.

في هذا السياق، أكّدت قمة طهران التي جمعت الأسبوع الماضي الرؤساء الإيراني إبراهيم رئيسي والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، استمرارية هذه الشراكة، لكنّها اكتسبت، هذه المرّة، أهمية أكبر مقارنة بالقمم السابقة المماثلة، كونها تأتي في خضم تحولات إقليمية ودولية كبيرة تؤثّر على طبيعية الدينامية التي تسير بها الشراكة. فمن جانبٍ، تسعى إيران إلى الاستفادة من تحوّل الاهتمام الروسي نحو حرب أوكرانيا بهدف تعزيز حضورها السياسي والعسكري والاقتصادي في سورية. ومن جانب آخر، تسبب دعم تركيا أوكرانيا بطائرات مسيرة والقيود التي فرضتها على حركة وصول القوات الروسية إلى سورية عبر البحر والجو، بزيادة الضغط على العلاقات التركية الروسية. رغم استراتيجية التوازن التي تنتهجها أنقرة في الصراع الروسي الغربي، إلّا أنها بدت مُصمّمةً على الاستفادة من التحوّل الروسي لتحسين موقفها في سورية. نتيجةً لهذا التصميم، تُلوح أنقرة منذ فترة بشن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وتعتقد أن الظروف الراهنة تبدو مناسبةً لفرض واقع جديد في حربها ضد المشروع الانفصالي الكردي.

لقد حققت الدول الثلاث أهدافاً مختلفة من منصّة أستانة. عزّزت روسيا دورها القيادي في سورية ودفعت تركيا وفصائل المعارضة التي تدعمها إلى التخلي عن مشروع إطاحة نظام الأسد والانخراط جزئياً في جهودها لإنهاء الصراع. وبالنسبة لإيران، شكّل التحول التركي إقراراً بفشل جهود إطاحة الأسد. أما أنقرة، فاستطاعت، إلى حد كبير، التفرّغ لمواجهة المشروع الانفصالي الكردي. مع ذلك، كانت الشراكة الثلاثية، على الدوام، عرضة لتضارب المصالح. يكمن السبب في ذلك في أنّ هذه الشراكة كانت في الواقع نتاج شراكتين متناقضتين. الأولى، روسية ـ إيرانية ترتكز على مصلحة مشتركة في دعم استمرارية نظام الأسد وتقويته، لكنّها تتنافس في التأثير عليه. والثانية، روسية ـ تركية تتجاوز في دوافعها الجغرافيا السورية، لكنّها قيّدت قدرة دمشق وطهران على استعادة السيطرة على ما تبقى من مناطق المعارضة. علاوة على ذلك، كان الدور القيادي لروسيا يحدّ من نطاق أنشطة إيران في سورية من خلال الشراكة مع إسرائيل والعلاقة التعاونية مع تركيا.

في الوقت الراهن، لا تزال موسكو تولي أهميةً للشراكة مع أنقرة، لكنّ العزلة الغربية التي تعرّضت لها بعد حرب أوكرانيا تدفعها إلى التركيز بشكل أكبر على تطوير العلاقة مع إيران إلى شراكة استراتيجية. يتطلع بوتين إلى الاستفادة من تجربة إيران الناجحة في التعايش عقوداً طويلة مع العقوبات، وتطوير مجالات الشراكة معها لتشمل قطاعاتٍ مختلفة، منها الطاقة التي تُعد أحد المجالات الرئيسية في الصراع الروسي الغربي. كذلك ترغب موسكو في اقتناء الطائرات المسيّرة الإيرانية لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا. من شأن ذلك أن يُقلّص من المزايا التي تحصدها تركيا من منصّة أستانة. تُبرز المعارضة الروسية الإيرانية الموحّدة لرغبة تركيا في شن هجوم جديد ضد الوحدات الكردية كيف أن موسكو باتت تميل إلى الأخذ بالاعتبار موقف إيران تجاه الدور التركي في سورية. نتيجة لذلك أيضاً، ستجد إسرائيل صعوبة في مواصلة عملياتها العسكرية ضد الوجود الإيراني في سورية.

في غضون ذلك، تجد القوى الثلاث مساحة مشتركة للتفاهم عليها في هذه المرحلة، وهي الدفع باتجاه الانسحاب الأميركي من شمال شرق سورية وتحجيم المشروع الانفصالي الكردي. أدّى الانسحاب الأميركي من أفغانستان واتجاه واشنطن إلى تخفيف انخراطها في المنطقة إلى طرح تساؤلات حول مستقبل الوجود الأميركي في سورية. استطاعت قمّة طهران وضع قضية الوحدات الكردية في إطار تفاوضي ثلاثي من خلال الاتفاق على التعاون في مكافحة الإرهاب. لا يزال هذا الاتفاق غير واضح، ومن المحتمل أن يفشل، في نهاية المطاف، بالنظر إلى عدم استعداد أنقرة للقبول بعودة منطقتي تل رفعت ومنبج في غرب الفرات إلى سيطرة النظام. يكمن التحدّي الرئيسي في كيفية ترجمة التوافق الثلاثي حول التعاون في مكافحة الإرهاب على أرض الواقع.

على الرغم من خلافاتهم، حرص بوتين ورئيسي وأردوغان على التعبير عن رغبتهم بمواصلة التعاون في سورية. ويُشكل اتفاق سوتشي الذي توصلت إليه أنقرة وموسكو في عام 2019 بخصوص منبج وتل رفعت أرضية مناسبة للشروع في مفاوضاتٍ بشأن التسوية المحتملة. على عكس موسكو التي سعت باستمرار إلى التأكيد على مراعاتها الهواجس الأمنية التركية بخصوص المشروع الانفصالي الكردي، كانت طهران تتجنّب تبني هذا الخطاب لعدم منح شرعية للوجود العسكري التركي في سورية. مع ذلك، أصبح الخطاب الإيراني اليوم أكثر واقعية في مقاربة الدور التركي. لقد أبدت طهران، خلال زيارة وزير خارجيتها أخيراً أنقرة، استعدادها للعب دور الوساطة بين أنقرة ودمشق. وهناك تفسيرات عديدة لهذا التحول في الخطاب الإيراني أن طهران تسعى إلى ترطيب علاقاتها مع أنقرة على أمل إبعادها عن الانخراط في تكتل إقليمي مع إسرائيل ودول الخليج لمواجهة نفوذها في سورية والمنطقة. ثانياً، ترى إيران في الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا فرصةً لتعزيز حضورها في الشمال السوري. والتعاون مع تركيا في مكافحة الوحدات الكردية يُقلل من مقاومة أنقرة طموحاتها.

مع انشغال روسيا في حرب أوكرانيا التي تبدو طويلة، لا يستطيع بوتين تحمّل أي اضطراب في التوازن السوري، والذي سيتطلب منه استثمار مزيد من الموارد العسكرية هناك. في نهاية المطاف، الاستراتيجية الروسية والإيرانية في سورية واضحة. بقاء الأسد في السلطة ومساعدته على استعادة السيطرة على كلّ البلاد. انطلاقاً مما سبق، ستبقى الشراكة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية في سورية مترابطة في المستقبل المنظور، حتى لو قرّرت أنقرة المضي في خطة عمليتها العسكرية. وفي ما يتعلق بالعلاقة الروسية الإسرائيلية في سورية، فإنّ مستقبلها مرهون بمسار الصراع الروسي الأوكراني. في حال نجحت موسكو والغرب في وضع حد للصراع بشروط روسية، فإنّ من المرجح أن يعود بوتين إلى الوضع السابق في العلاقة مع كلّ من إيران وإسرائيل في سورية. خلاف ذلك، سيُكرس الوضع الجديد الناشئ بين إيران وروسيا.

العربي الجديد

——————–

روسيا في سوريا… «سيف ذو حدين»/ ابراهيم حميدي

ماذا سيحصل إذا قررت أميركا الانسحاب المفاجئ من شمال شرقي سوريا؟ ماذا لو نفذت تركيا تهديداتها بالتوغل شمال سوريا؟ ماذا لو تم بالفعل، عقد صفقة يتم تداولها سراً بتسليم حقول نفط دير الزور إلى دمشق مقابل معلومات من الأخيرة عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس؟

واقع الحال أن روسيا تستعمل هذه السيناريوهات لدفع خصوم ومتحاربين إلى البحث عن ترتيبات معينة وملء الفراغ الأميركي. موسكو دائما تحاول الموازنة بين الأعداء. تستخدم سوريا منصة لأهداف تفاوضية في ملفات أخرى في الإقليم والعالم. تفعل ذلك منذ سنوات بين إيران وإسرائيل. اجترعت بعض التسويات في الجنوب السوري، دون أن تصل إلى صفقة نهائية في البلاد. لا توقف التموضعات والمسيرات الآتية من طهران عبر حدود الإمداد. ولا تشغل منظومات صواريخها ضد القصف القادم من تل أبيب. هذه المعادلة باتت معروفة، وإن شابتها تهديدات وتحديدات عدة، آخرها التوتر الحالي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد بسبب تصريحات الأخير عندما كان وزيراً للخارجية عن «جرائم حرب» روسية في أوكرانيا وضغوطات موسكو على الوكالة اليهودية في روسيا. لذلك، كان القصف الإسرائيلي الأخير ضد أهداف سورية و«مسيرات إيرانية»، بمثابة إشارة «لبيدية» بالتصميم على تنفيذ «الخطوط الحمر».

منذ التدخل المباشر نهاية 2015، كانت السياسة الروسية في سوريا عبارة عن «سيف بحدين». فيها كثير من العسكرة بين الأعداء وقليل من السياسية. تسويات مع الفرقاء الأجانب واستهتار بالفرقاء السوريين. الإعلام والسياسة، غطاء الخيار العسكري ومستلزمات الطروحات الأمنية. في «الدويلات» السورية الثلاث، القائمة تحت «المظلة الروسية»، هناك ترتيبات بين واشنطن وموسكو، وبين أنقرة وموسكو، وبين تل أبيب وموسكو، وبين طهران وموسكو. هناك أيضاً، خط سياسي وهمي بين الأطراف السورية. كان مربوطا في جنيف قبل أن تقرر موسكو قطعه لأنها غاضبة من سويسرا والغرب و«توحدهما» ضدها بسبب أوكرانيا.

جديد «سياسة الحدين»، ما تقوم به روسيا سراً بين دمشق وأنقرة وبين دمشق والقامشلي. كيف؟

بعد الارتباك الأميركي خلال الانسحاب من أفغانستان وبعد التردد خلال إدارة دونالد ترمب، باتت إدارة جو بايدن أكثر استقراراً في بقائها العسكري شمال شرقي سوريا. لكن هناك حالياً ثلاثة تطورات:

الأول، بعد الهجوم على أوكرانيا، حاول الجيش الروسي أكثر من مرة اختبار نظيره الأميركي لدفع واشنطن لحوارات سياسية وعسكرية ثنائية وفك العزلة بسبب أوكرانيا، علما بأن اتفاقا عسكرياً ينظم العلاقة بينهما في سوريا منذ 2017.

الثاني، يريد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن يستثمر تنامي أهمية دوره بسبب «مستنقع أوكرانيا» لتوجيه ضربة قاصمة لأكراد شمال سوريا.

الثالث، الرئيس بايدن وعد عائلة الصحافي تايس بالتواصل مباشرة مع فريق الرئيس بشار الأسد بحثا عن معلومات عن الصحافي المفقود منذ حوالي عقد. وبين الأفكار المتداولة تسليم نفط دير الزور لدمشق كبداية تفاوضية، علما بأن مبعوثي ترمب كانا عرضا في صيف 2019، انسحابات عسكرية من شمال شرقي سوريا مقابل إطلاق تايس.

وجدت موسكو في هذه الإشارات، فرصة. رتبت محادثات أمنية غير علنية بين دمشق وأنقرة، ترمي للوصول إلى ترتيبات وتعاون بين الطرفين ضد «حزب العمال الكردستاني» والإرهاب شمال سوريا. وأحد الخيارات المطروحة فعلاً، إحياء اتفاق أضنة الذي وقع في 1998 وسمح للجيش التركي بالتوغل بعمق خمسة كيلومترات في العمق السوري لملاحقة مقاتلين أكراد. طبعاً، سوريا تغيرت والإقليم تغير والعالم تغير. المفاوضات المدفوعة روسيا ترمي إلى البحث عن صيغة معدلة للاتفاق. ولا شك أن القمة الثلاثية في طهران التي لامستها زيارة وزير خارجية سوريا فيصل المقداد، أعطت دفعة إضافية لخط أنقرة – دمشق تحت خيمة موسكو.

اللافت وغير المفاجئ، أن موسكو تقوم بالوقت نفسه برعاية اتفاق آخر، بين دمشق و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يفترض أن الخط الأول من الوساطة يقوم ضدها أو على الأقل ضد المكون الأساسي فيها وهي «وحدات حماية الشعب» الكردية. هنا، رعت قاعدة حميميم محادثات لتطبيق مذكرة تفاهم كانت أنجزت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بين قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي ومدير الأمن الوطني اللواء علي مملوك. وقتذاك، ترددت «قسد» في تطبيق كل بنود الاتفاق – المذكرة بعدما وافقت أميركا على تأجيل الانسحاب وتمديد البقاء. أما الآن، فباتت «قسد» مستعدة لتنفيذ هذه البنود، بحيث تم نشر 574 جندياً سوريا في مناطق مختلفة قرب المالكية والمثلث السوري – العراقي – التركي، وعين العرب (كوباني) وعين عيسى ومنبج في ريف حلب، بحيث تكون «رادعا» للشهوات التركية.

يواكب كل ذلك، تفكير في عواصم غربية بضرورة البدء بوضع «خطة بي» كي يكون الانسحاب العسكري الغربي منظما في حال حصوله، لعدم تكرار تجربة أفغانستان. كما تواكب ذلك، نصائح غربية لـ«قسد» بضرورة البحث عن اتفاقات وترتيبات مع دمشق «لأننا سنغادر عاجلاً أو آجلاً». أما دمشق، فإن كل المعلومات تفيد بأنها لم توافق إلى الآن على إجراء محادثات سياسية. الترتيبات العسكرية ممكنة، لكن التنازلات السياسية غير واردة. صحيح أن مفاوضات بين دمشق والقامشلي في 2018، أظهرت خلافات حول مستقبل «قسد» والإدارة الذاتية والمعابر الحدودية واللغة والرموز، لكن إلى الآن لا تزال دمشق متمنعة على جرعات اللقاح الروسي الذي تكرره موسكو في كل مناسبة.

أميركا أجرت تدريبات واستنفارات وإنزالات واغتيالات شرق الفرات. إسرائيل قصفت «مسيرات إيرانية» قرب دمشق. «مسيرات تركية» قصف أهداف كردية شمال سوريا. ومسيرات «معارضة» استهدفت قاعدة حميميم غرب البلاد. طائرات روسية قصف «المنطقة التركية» شمال غربي البلاد. كل هذا يتم في سوريا، بعد ساعات من القمة الثلاثية في طهران والوساطة التركية بين أوكرانيا وروسيا لعقد «صفقة الحبوب»، ونجاح موسكو في «وأد» مسار جنيف بين الأطراف السورية. عناصر معقدة تساهم في تعقيد شيفرة اللغز السوري بدلا من تفكيكها، وتعظيم المعاناة وسراب المآلات السورية.

الشرق الأوسط

—————————–

قمة طهران تخرق حظر واشنطن وتوصل موسكو إلى مضيق هرمز/ محمد نون

يمكن وصف قمة طهران الثلاثية بأنها قمة الـ 70 مليار دولار. فالاستثمارات التي خصصها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قطاع النفط والغاز الإيراني وصلت إلى 40 مليار دولار، وتم البدء بتنفيذ اتفاق اعتماد الروبل الروسي والريال الإيراني بديلا عن الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي .فيما أبرم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تمديد عقد شراء الغاز الإيراني لمدة خمسة وعشرين عاما إضافية، واتفق مع إيران على رفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 30 مليار دولار سنويا، أي أكثر بثلاثة أضعاف مما هو عليه اليوم، وتمثل هذه الاتفاقيات خرقا معلنا للحظر الأمريكي على إيران.

كما يمكن وصف القمة بأنها قمة أمنية-عسكرية بامتياز، إذ خرجت بدعوة موحدة لمطالبة واشنطن بسحب القوات الأمريكية من شرق الفرات في سوريا، ويبدو أنها استطاعت أيضا تأجيل أو إبعاد شبح عملية عسكرية تركية تهدد أنقرة بالقيام بها شمالي سوريا ضد من تصفهم «المجموعات الإرهابية».

ويفتح هذا التأجيل المجال أمام وساطة إيرانية بمساعدة روسية لإطلاق حوار بين أنقرة ودمشق بهدف الوصول إلى ضبط الحدود السورية التركية ومحاربة «الجماعات الإرهابية بكافة مسمياتها».

مفاجأة بوتين النفطية

الاندفاعة الكبيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نحو إيران جعلت روسيا في قلب صناعة النفط والغاز الإيرانية باستثمارات بلغت 40 مليار دولار تم الإعلان عن الاتفاق بشأنها بين شركة غاز بروم الروسية وشركة النفط الوطنية الإيرانية بالتزامن مع وصول بوتين إلى طهران لحضور القمة الثلاثية مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان ضمن آلية أستانة حول سوريا.

وسيشكل تاريخ توقيع الاتفاقية يوم الثلاثاء في 19 تموز/يوليو 2022 بقيمة 40 مليار دولار، علامة فارقة جدا ومحطة مفصلية، فهذه هي أكبر اتفاقية للاستثمار الأجنبي في اقتصاد إيران وقطاع النفط والغاز فيها، وهي أكبر بعشرة أضعاف من قيمة الاستثمار الروسي السابق في حقول النفط الإيرانية والتي كانت بقيمة 4 مليارات دولار.

وبذلك سيغطي الاستثمار الروسي لوحده (40 مليار) ما نسبته 25 في المئة مما تحتاجه إيران من استثمارات نفطية يبلغ مجموعها الكلي 160 مليار دولار.

لذلك يمكن القول إن مفاجأة بوتين في إبرام اتفاقية النفط والغاز الإيراني شكلت الرد الأول المباشر لكن غير الوحيد على ما كان أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته الأولى إلى إسرائيل ثم المملكة العربية السعودية من أنه «لن يترك الفراغ لروسيا والصين في الشرق الأوسط» وذلك بعيد مشاركته في قمة جدة للأمن والتنمية يوم السبت 16 تموز/يوليو 2022 أي قبل ثلاثة أيام فقط عن موعد قمة طهران الثلاثية.

روسيا عند

مضيق هرمز بموافقة إيران

هذه الصفقة الكبرى لتطوير الحقول النفطية الإيرانية الجنوبية تعني موافقة إيرانية على حضور روسي قوي على ضفتها الخليجية جنوباً، على مقربة من مضيق هرمز الاستراتجي وهو أهم شريان لمرور النفط والغاز المسال في العالم وتتقاسم السيطرة عليه إيران وسلطنة عُمان.

فالاستثمار الروسي سيغطي حقل الغاز لجزيرة كيش، الحقل النفطي بارس الشمالي وأيضا حقل بارس الجنوبي الذي كان من المفترض أن تستثمره شركة توتال الفرنسية لكنها انكفأت بسبب العقوبات الأمريكية على إيران.

ويشمل الاستثمار الروسي أيضا مشاريع المشتقات النفطية والغاز المسال وإنشاء أنبوب لتصدير الغاز والتعاون العلمي والتقني وصناعة الأجهزة الحساسة والمتطورة في صناعة النفط.

موسكو واستباق

فوائد الاتفاق النووي

اتفاق الاستثمار الروسي النفطي الكبير مع إيران أعطى طهران مساحة مناورة أكبر لعدم الاستعجال في التوصل إلى اتفاق لإعادة إحياء الاتفاق النووي أو ما يسمى بخطة العمل الشاملة، كما أنه أعطى روسيا قوة للمناورة والمطالبة بضمانات لاستثناء الاستثمارات الروسية في إيران من الحظر والعقوبات الأمريكية على روسيا، وهي قضية كانت أصرت عليها موسكو في المفاوضات النووية عند بدء الحرب في أوكرانيا قبل أشهر وأدت حينها إلى تعطيل التوصل لاتفاق.

وهكذا تكون موسكو قد حجزت لنفسها حصة وازنة من قطاع النفط والغاز الإيراني سواء تم أو تأخر التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي الذي تنتظره الشركات الأوروبية للعودة إلى السوق الإيرانية وتخشى من فقدان المزيد من الفرص كما حصل مع توتال في حقل بارس الجنوبي.

وفي موازاة ذلك أبقت طهران الباب مفتوحا أمام حصول اختراق في المباحثات النووية وذلك من خلال دعمها للجهود التي تبذلها دولة قطر حيث ترى الخارجية الإيرانية «أن المباحثات النووية التي استضافتها الدوحة كانت جيدة على عكس ما تقوله الإدارة الأمريكية وتركت الباب مفتوحا لاستكمال المحادثات مع جميع أطراف الاتفاق النووي». كما ترى طهران أن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يعمل بجدية على تمهيد الطريق لاستكمال المباحثات النووية، وأن تبادل الرسائل مع واشنطن ما يزال مستمرا بصورة غير مباشرة عبر الوسيط الأوروبي.

قمة ثلاثية توازيها قمم ثنائية

قمة طهران بين رئيسي وبوتين واردوغان الثلاثية، حفلت أيضا بقمم ثنائية: قمة إيرانية-روسية جمعت المرشد الأعلى علي خامنئي ببوتين بحضور رئيسي، وقمة إيرانية-تركية جمعت خامنئي باردوغان بحضور رئيسي أيضا وقمة روسية-تركية جمعت بين بوتين واردوغان.

هذه القمم أعطت زخما للتعاون المشترك بين الدول الثلاث حول سوريا عبر استكمال العمل في آلية تفاهمات أستانة، وذلك بموازاة جهد تبذله إيران للتوسط بين تركيا وسوريا وهذا ما تجسد في دعوة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان لوزير الخارجية السورية فيصل المقداد للحضور إلى طهران حيث عقدا مباحثات ثنائية قبل أن ينتقلا إلى لقاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حيث جرى التأكيد على «بسط الدولة السورية سيادتها وتحقيق الأمن على كامل أراضيها بما فيها الحدود».

وكان واضحا أن الجانب الإيراني تعهد للجانب التركي بمساعدته في «محاربة الإرهاب والدفاع عن أمن تركيا» الذي اعتبره المرشد خامنئي أنه من أمن إيران، داعيا اردوغان إلى اعتبار «أمن سوريا من أمن تركيا وعدم القيام بعملية عسكرية في الشمال السوري لأنها ستكون ضررا البلدين ونفعا المجموعات الإرهابية» كما قال.

وبناء على ذلك تم بحث آليات التعاون العسكري والأمني بين رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية محمد باقري ووزير الدفاع التركي خلوصي آكار الذي كان ضمن الوفد المرافق للرئيس رجب طيب اردوغان.

وحملت قمة طهران الثلاثية واجتماعاتها الثنائية رسالة عسكرية واضحة إلى البنتاغون الأمريكي وإدارة بايدن، فخرجت بإجماع القادة الثلاثة رئيسي، بوتين واردوغان على المطالبة «بخروج القوات الأمريكية من منطقة شرق الفرات السورية الغنية بالثروات النفطية».

واكتسبت هذه الدعوة أهمية خاصة لكون تركيا هي حليف للولايات المتحدة الأمريكية وعضو فاعل في حلف شمالي الأطلسي «الناتو» الداعم لأوكرانيا بالتجهيزات العسكرية الحديثة لمقاتلة الجيش الروسي .

الاتفاقيات في طهران

والأصداء في واشنطن

أصداء هذا الحدث ترددت في وزارة الدفاع الأمريكية فأطلقت تحذيرا من التعاون العسكري الإيراني الروسي في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، وسارع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى تقديم النصح لإيران بـ«عدم تزويد روسيا بطائرات مسيرة قتالية» بينما اعتبر رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي «أن قيام إيران بتزويد روسيا بطائرات مسيرة قتالية أو أي أنظمة قتالية أخرى هو أمر غير سديد».

ويمكن القول إن ما يزيد في حالة القلق الأمريكي هو الرؤية العلنية الإيرانية التي اتفقت مع الرواية الروسية لسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتمثلت في قول المرشد الأعلى علي خامنئي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «أذا فُتح الباب أمام حلف الناتو فإنه لا يعرف الحدود، ولو لم تبادروا لمنعه من التوسع نحو أوكرانيا فسيقوم بعد مدة بالتذرع بقضية جزر القرم ويشن الحرب عليكم».

هذا الموقف يعني برأي كثيرين أن إيران لن تتوانى عن تزويد روسيا بالامكانات العسكرية التي اكتسبتها في مجالات عديدة بما فيها الطائرات المسيرة وبذلك ستدخل السوق الدولية في بيع الأسلحة، خاصة بعد إعلان إسرائيل عن قيامها بتزويد دول أوروبية في حلف الناتو بطائرات مسيرة قتالية متطورة في صفقة بيع بلغت قيمتها 200 مليون دولار.

والمتابع لسياسة التسلح الإيرانية يلاحظ دائما تكرار قيادتها العسكرية القول إنها مستعدة لوضع إنجازاتها في متناول أصدقائها، وهذا ما يحصل مع حزب الله في لبنان الذي يمتلك مسيرات من صناعة إيرانية أدخلها مؤخرا في معادلة غاز المتوسط، فكيف والأمر مع روسيا التي تواجه الناتو انطلاقا من أوكرانيا لتغيير معادلة القطبية الأحادية في العالم ورفع الحظر والعقوبات الاقتصادية الأمريكية؟

التباعد بين روسيا وإسرائيل

والواضح أن السياسة الإيرانية ستقترب أكثر من روسيا التي بدأت تبتعد عن إسرائيل بعد قيام وزارة العدل الروسية بالطلب من محكمة موسكو الإقليمية وقف نشاط وحل الوكالة اليهودية في الأراضي الروسية بتهمة «انتهاك القانون» علما أن تلك الوكالة هي الراعية الرسمية لهجرة اليهود من روسيا إلى فلسطين المحتلة.

كما أن موسكو غاضبة من الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا والداعم لرئيسها فولوديمير زيلنسكي.

وتسعى طهران مع بوتين إلى وقف الغارات الإسرائيلية في سوريا، وتقصدت إيران تذكير الرئيس التركي اردوغان «بخطر إسرائيل وبأن القضية الفلسطينية هي القضية الأساس للعالم الإسلامي» وذلك في انتقاد ضمني للتقارب الحاصل بين أنقرة وتل أبيب.

المشهد بين بوتين وبايدن

المشهد كان مختلفا بين حرارة استقبال وتوديع رئيسي لبوتين في طهران، وبرودة قبضة كف الاستقبال بين بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جدة.

فبعيد مغادرة بايدن لمدينة جدة أعلنت السعودية أن يدها ممدودة للتفاهم نحو إيران، وعند توديع بوتين في طهران أعلنت إيران عن تمسكها بعلاقة طيبة مع السعودية وبقية دول المنطقة بعدما أرست دعائم تعاون استراتيجي مع روسيا وتركيا.

وتعزز ذلك باتفاق القادة الثلاثة رئيسي، بوتين واردوغان، على الاستمرار في العمل معا ضمن آلية أستانة التي سيعقد اجتماعها المقبل في موسكو، على أن يتم قبل ذلك تحقيق نتائج ملموسة لمعالجة الملفات الشائكة في المنطقة بما يرسخ مفهوم التعاون لتحقيق الأمن الإقليمي في إطار علاقة يريدها بوتين ديناميكية ومتنامية مع إيران وتركيا، فالأولى جارته على بحر قزوين حيث تجهد أوروبا لشراء الغاز منه عبر اتفاق وقعته مع آذربيجان لتعويض الغاز والنفط الروسي وخاصة عبر خط أنابيب باكو (آذربيحان)-تفليس (جورجيا)-جيحان (تركيا). والأخيرة جارة روسيا على البحر الأسود المتصل ببحر مرمرة ثم المتوسط وصولا إلى المحيط الأطلسي وحلفه الخصم اللدود لروسيا.

وهكذا أظهرت قمة طهران تشابك المصالح بالجغرافيا السياسية ونزاع الطاقة وأنابيب النفط والغاز وخطوط النار.

القدس العربي

—————————

قمة بوتين في طهران تحد للعزلة الغربية وتأكيد بقاء شراكاته حتى مع حلفاء أمريكا/ إبراهيم درويش

أثناء رحلته إلى إيران في 19 تموز/يوليو، عمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ترسيخ التحالف الإيراني-الروسي الذي ظهر كثقل موازن كبير للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء خصوم الغرب.

التقى مع آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، الذي أصدر إعلانا لدعم حرب بوتين في أوكرانيا من النوع الذي لم تصله حتى البلدان الأخرى القريبة من روسيا حتى الآن. كما عقد بوتين لقاء قمة ثلاثيا مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ونظيره التركي، الرئيس رجب طيب اردوغان، الذي كان موجودا أيضا في العاصمة الإيرانية، طهران. ورأت صحيفة «نيويورك تايمز» (19/7/2022) أن زيارة بوتين بلورت تصميمه على صد محاولات معاقبة وعزل روسيا، والانخراط مع زملائه أعداء أمريكا مثل إيران ومع دول أخرى مثل تركيا – العضو في الناتو – التي تعتبر تحالفاتها أكثر تشابكا. وذهب دعم المرشد الأعلى أبعد من الدعم الحذر الذي قدمته الصين للكرملين، فقد تبنى خامنئي مزاعم بوتين بأن الغرب لم يترك له أي مجال سوى التحرك العسكري. وكانت تصريحات الإيرانيين وزيارة بوتين هي صورة عن إمكانية تحول العلاقة المشحونة بين البلدين والقائمة على الشك إلى شراكة حقيقية. وقال علي فائز، مدير القسم المختص بإيران في مجموعة الأزمات الدولية: «لا تزال روسيا وإيران لا تثقان ببعضهما البعض، لكنهما الآن بحاجة إلى بعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى. لم تعد هذه شراكة اختيار، بل تحالف بدافع الضرورة». ولسنوات، كانت روسيا حريصة على عدم الاقتراب أكثر من اللازم من إيران، حتى مع وجود علاقة عدائية للبلدين مع الولايات المتحدة وتعاونهما عسكريا بعد تدخل روسيا في الحرب الأهلية في سوريا. بالنسبة لبوتين، حالت محاولاته لبناء علاقات مع إسرائيل والدول العربية دون إقامة تحالف كامل مع طهران.

أوكرانيا غيرت كل شيء

لكن الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير غير المعادلة. وبدأت العلاقة الودية بين البلدين حتى قبل بدء الحرب، حيث كانت التوترات الروسية مع الغرب تتصاعد. في كانون الثاني/يناير، ذهب الرئيس الإيراني إلى موسكو. ثم التقى الرجلان الشهر الماضي مرة أخرى في قمة إقليمية في تركمنستان، حيث سعى الزعيم الروسي إلى تعزيز الدعم من الدول المطلة على بحر قزوين. ومن السابق لأوانه معرفة مدى قدرة إيران حقا على مساعدة روسيا في الحفاظ على اقتصادها طافيا وسط الثقل الساحق للعقوبات الغربية – أو ما إذا كانت المنافسة في سوق الطاقة العالمية أو المصالح السياسية المتباينة قد تعرقل شراكتهما. وفي الوقت الحالي فهناك الكثير ما يربط بين إيران وروسيا، فحسب صحيفة «التايمز» (19/7/2022) يحكم كلا البلدين رجال يتمتعون بسلطات شبه غير محدودة – وينظر كلاهما إلى الغرب على أنه قوة شريرة ومفسدة، كما وتتمتع الدولتان بعلاقات وثيقة منذ سنوات عديدة. وحسب أندريه كورتونوف، رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي، الذي يقدم المشورة لوزارة الخارجية: «هذه زيارة مهمة لبوتين شخصيا. الكرملين لا يريد أن يسمح لنفسه بالعزلة دوليا». فقد أغلقت ما يقرب من 900 شركة غربية عملياتها في روسيا منذ بداية الحرب وأدى حظر الطيران الدولي إلى عزل البلاد. ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، وصف العقوبات الاقتصادية بأنها التكلفة الحتمية لما وصفه برفض الخضوع للغرب. وقال لوسائل إعلام إيرانية «هذا هو الثمن الذي تدفعه بلادنا وإيران مقابل استقلالهما وسيادتهما». وأضاف معيدا صياغة مقولة للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: «لدينا قول مأثور في روسيا: ما لا يقتلنا، يجعلنا أقوى’». كما ويتم الترويج للزيارة في روسيا على أنها إنشاء ائتلاف جديد مناهض للغرب. وقال يفغيني بوبوف، مذيع التلفزيون الحكومي، إن الدولتين ستشكلان «محور الخير». إشارة ساخرة إلى وصف الرئيس جورج بوش الابن في عام 2002 لإيران والعراق وكوريا الشمالية بـ «محور الشر». ولطالما روجت الأصوات الموالية لإيران في الشرق الأوسط لفكرة أن «تحالف الاستقرار» – البلدان التي تركز على الاستقرار الداخلي على حساب حقوق الإنسان أو الحريات الشخصية – سيصبح مهيمنا مع انهيار الغرب لا محالة. وسيضم هذا التحالف روسيا وإيران وحلفاء إيران مثل حزب الله في لبنان. وستهيمن عليه الصين، وهو الأمر الذي يقول العديد من هؤلاء الأيديولوجيين إنهم يفضلونه على الهيمنة الأمريكية. وتقدمت إيران مؤخرا بطلب للانضمام إلى مجموعة بريكس التجارية للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. تم تقديم هذه الخطوة في موسكو كدليل على فشل المحاولات الغربية لعزل روسيا، حيث يمثل الأعضاء الحاليون أكثر من 40 في المئة من سكان العالم وحوالي 25 في المئة من الاقتصاد العالمي. قال كورتونوف: «إذا تعاونت جميع الدول المعزولة فلن تكون معزولة».

توترات

لكن هذا التجمع الجديد لا يخلو من التوترات. ويقال إن المتشددين الدينيين في إيران يعارضون الاقتراب الشديد من روسيا، وهي دولة علمانية تزداد فيها قوة الكنيسة الأرثوذكسية. على الجانب الآخر، فإن الطموح الجيوسياسي الرئيسي لإيران، تدمير إسرائيل، لا تشاركه فيه روسيا والصين، بشكل علني على الأقل. والأهم من ذلك، يعتقد أن إيران تتضرر اقتصاديا بعد أن تخلت الصين والهند عن نفطها لصالح الصادرات الروسية المخفضة الأسعار. كما أبرز انفصال بوتين الحاسم عن الغرب أوجه تشابه أخرى بين روسيا وإيران، حيث يصور قادتهما بلديهما على أنهما يخوضان صراعا بطوليا لمقاومة الهيمنة الأمريكية. كتب مايكل يونغ، خبير الشرق الأوسط في مركز أبحاث كارنيغي: «بالنسبة لقادة إيران، فإن النصر لا يتعلق فقط بهزيمة الطرف الآخر، إنه يتعلق بالمثابرة على المسار الأيديولوجي. والأمر نفسه ينطبق على روسيا في مواجهة عالم غربي أقوى».

سوريا

وجاءت المحادثات في طهران في إطار اجتماعات منتظمة بين روسيا وإيران وتركيا لبحث الحرب في سوريا، فقد جاء اردوغان ولديه طلب من الروس والإيرانيين بدعم عملية عسكرية في شمال سوريا ضد المقاتلين الأكراد الذين تراهم أنقرة تهديدا لأمنها. وقال المحلل الروسي فلاديمير سوتنيكوف لوكالة «فرانس برس» ان «توقيت هذه القمة ليس صدفة. تريد تركيا إجراء عملية خاصة في سوريا مثلما تنفذ روسيا عملية خاصة في أوكرانيا». ولم يحصل اردوغان على دعم موسكو وطهران ولكنه عاد باتفاق وافقت فيه روسيا على رفع الحصار عن الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود وتسهيل عملية تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية لتخفيف أزمة الغذاء العالمية التي تحمل أمريكا وأوروبا بوتين مسؤوليتها بسبب غزوه لأوكرانيا. وهذا لا يعني تخليه عن خطته للعملية العسكرية التي يراها ضرورية لمحاربة الإرهابيين وإنشاء مناطق آمنة لعودة اللاجئين السوريين، في محاولة منه لتخفيف حدة التوتر الداخلي بسبب استخدام المعارضة ورقة اللاجئين السوريين وفي ظل حملات انتخابية وأوضاع اقتصادية غير مواتية له وتهدد حظوظه في الرئاسة العام المقبل.

ما بين بايدن وبوتين

واللافت أن زيارة بوتين للمنطقة جاءت مباشرة بعد زيارة الرئيس جو بايدن وتعهد فيها بعدم تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها التقليديين، ولم تكن زيارة بايدن للسعودية بالتحديد وبوتين لطهران لتحدث لولا حرب أوكراينا، فالأول جاء بحثا عن طرق لتخفيف أسعار النفط وتخفيف الضغوط عليه، وبهذا تحولت الرحلة إلى نكسة كبيرة للمصالح الأمريكية، ما يؤكد ما كان يشتبه فيه الكثيرون منذ فترة طويلة: يمكن للحلفاء المفترضين عدم احترام الولايات المتحدة وإحراجها وتقويضها متى شاءوا، كما ناقش الزميل بمعهد بروكينغز وأستاذ الأبحاث المساعد في الدراسات الإسلامية في جامعة فولر الدينية، شادي حميد في مقال نشرته مجلة «ذي أتلانتك» (22/7/2022). وبالنسبة لبوتين فقد جاء ليظهر انه ليس معزولا والكشف عن فشل الجهود الأمريكية لعزله. وأعلن السفير الروسي في طهران قبل فترة أن البلدين أصبحا الآن «قلعة واحدة». وتزعم الولايات المتحدة أن إيران تخطط لإرسال مئات من الطائرات المسيرة إلى روسيا واستخدامها في الحملة العسكرية في أوكرانيا، فيما وقعت شركة النفط الروسية غازبروم اتفاقية مع شركة النفط الحكومية.

ورأت صحيفة «الغارديان»(19/7/2022) أن إيران وروسيا تشعران ان اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة يتراجع رغم إعلان بايدن أن بلاده لن تغادر المنطقة وتتركها للصين وروسيا والهند، وفي الفراغ أعاد بوتين تأثير بلاده فيها. ومع ذلك فهناك من فرق بين زيارة بايدن وبوتين، فالأخير جاء ليشهد تراجع تأثير بلاده بالمنطقة حسب بوبي غوش في موقع «بلومبيرغ»(19/7/2022). وقال إن بوتين عليه ألا يظل واهما من أن زياراته هي على قدر أهمية زيارات بايدن وخاصة عندما يزور إيران. وإذا كان هناك شيء، فقد أدت الحرب في أوكرانيا لتراجع وضعية بلاده في المنطقة، بدلا من تقديمها حلولا جيوسياسية واقتصادية وأمنية للمشاكل التي خلفتها الولايات المتحدة من خلال فكها الإرتباط بالمنطقة. و«أصبحت روسيا الآن مصدر أزمات جديدة». وإن كان محرجا للرئيس بايدن أن يضرب قبضته بقبضة ولي العهد السعودي الذي تعهد يوما أن يجعله منبوذا فمن المحرج أكثر لبوتين أن يطلب أسلحة (طائرات مسيرة) من دولة منبوذة على مستوى العالم. وأضاف أن هدف بوتين متواضع، فهو يريد أن يحافظ على توازن القوة في سوريا التي تدعم فيها القوات الروسية والإيرانية والتركية الأطراف المتصارعة. في ظل المتطلبات التي تواجه جيشه في أوكرانيا، فبوتين ليس بحاجة إلى مشاكل تقلب الميزان في سوريا وتتطلب منه إرسال مزيد من القوات إلى هناك، في إشارة إلى تهديدات اردوغان بحملة عسكرية جديدة. ومن جهة أخرى، رأت صحيفة «ديلي تلغراف»(20/7/2022) أن قمة طهران هي بمثابة مواجهة متعمدة لزيارة بايدن الأخيرة إلى إسرائيل والسعودية، وهما خصمان رئيسيان لطهران في المنطقة. وأكدت على تداعيات العلاقة الجديدة وتأثيرها على دول أوروبا التي تتلقى الغاز والنفط الروسي. ورأى كون كوفلين في «تلغراف» (21/7/2022) أن عزلة موسكو الدولية بدت في الدعم الضئيل الذي اجتذبته في تصويت الأمم المتحدة في آذار/مارس لإدانة الغزو الأوكراني. ولم تنضم إلى روسيا سوى أربعة أنظمة استبدادية أخرى هي كوريا الشمالية وإريتريا وسوريا وبيلاروسيا، ولهذا فبوتين بحاجة ماسة إلى حلفاء جدد. ولا شك أن هذا هو الهدف الأساسي من زيارته إلى طهران. والغرض الحقيقي من قمة طهران هو استكشاف ما إذا كان من الممكن لهذه القوى المتنافسة أن تضع خلافاتها جانبا وتتحد في القضية المشتركة المتمثلة في مقاومة الضغط الغربي. وخلافا لصورة الضعف والعزلة التي اتسمت بها تحليلات المعلقين الغربيين رآى أخرون أن أمريكا هي المتراجعة، كما تحليلات بايدن كما ورد في مقال لجوش روغين في صحيفة «واشنطن بوست»(20/7/2022) قال فيه إن زيارة الرئيس بايدن الشرق الأوسط أزالت أي مظهر للقيادة الأمريكية وأنها تحاول معالجة الأزمة في سوريا. محذرا أن سياسة الإهمال هذه تضر بالمصالح الأمريكية والإقليمية وتهدد بوضع مسؤولية الأمن الإقليمي في عهدة كل من روسيا وإيران. ولاحظ الكاتب أن بايدن لم يذكر سوريا ولا مرة واحدة أثناء رحلته التي استمرت أربعة أيام في المنطقة، مع أن الزيارة قدمت باعتبارها صورة عن تواصل الإدارة مع المنطقة والتي حققت فيها قوى مثل إيران وروسيا تأثيرا واسعا.

لا يزال لبوتين شركاء

وناقش كل من ستيفن كوك وبيث سانز في مجلة «فورين بوليسي» (20/7/2022) أن واشنطن كانت تنظر إلى الرئيس بوتين، قبل الغزو لأوكرانيا على أنه أصبح سيد اللعبة الجيوسياسية. إلا أن الحرب كشفت عن روسيا ضعيفة، الأمر الذي سيقوض حتما نفوذ بوتين العالمي. ومع ذلك، على الرغم من كل أوجه القصور العسكرية الروسية والجهود الغربية لجعل موسكو منبوذة دوليا، فإن بوتين لا يظل لاعبا قادرا في الشرق الأوسط فحسب، بل لديه أيضا شركاء راغبون هناك. وزيارته لطهران دليل على هذا. وإذا كانت زيارة بايدن الأخيرة إلى السعودية تهدف جزئيا إلى تعزيز هذا النظام في عصر تنافس القوى العظمى، فلا يبدو أنه حقق كل هذا القدر. هذا لأن قلة في الشرق الأوسط يريدون الاختيار بين واشنطن وموسكو – أو واشنطن وبيجين. وفي هذه اللحظة، تتلاقى مصالح السعوديين مع الروس بكثير من مصالحهم مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأمن الإقليمي. وخارج الخليج، يرفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيضا عزل موسكو. بين عامي 2017 و 2021 كانت روسيا أكبر مورد للأسلحة لمصر تليها فرنسا وإيطاليا. كما تعاونت مصر وروسيا، إلى جانب الإمارات، في ليبيا، حيث قاتل جيش موسكو الخاص، مجموعة فاغنر، إلى جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر. وبشكل عام، لا يريد قادة مصر – مثل قادة الخليج – أن يضطروا إلى الاختيار بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. في بعض النواحي، يعود هذا إلى «الحياد الإيجابي» للرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، حيث سعى إلى استغلال الخلاف بين القوى العظمى للحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدة. ويعلق الكاتبان أنه بالرغم من كل ما حدث في أوكرانيا، فالشرق الأوسط لا يبدو مختلفا تماما عما كان عليه قبل أن تبدأ الدبابات الروسية في الدخول للأراضي الأوكرانية. وهذا لا يبرز ضعف الولايات المتحدة كثيرا بل بالأحرى حقيقة أن موسكو تشترك في مجموعة منفصلة من الأهداف المشتركة مع جميع شركاء واشنطن تقريبا في المنطقة، من ارتفاع أسعار الطاقة إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب. هذا يختلف تماما عن عودة الحرب الباردة التي يستنتجها بعض المحللين. إنها بدلا من ذلك بيئة فوضوية وأكثر تحديا لصانعي السياسة الأمريكيين الذين ما زالوا متناقضين بشأن الشرق الأوسط. فمن منظور كل من السعوديين والمصريين والإماراتيين والأتراك والإسرائيليين وغيرهم، تعتبر روسيا لاعبا شرعيا بطرق لا يرجح أن تغير فيها الزيارة الرئاسية الأمريكية السريعة من الحال وفي أي وقت قريب.

القدس العربي

———————-

قمة طهران بين تلاقي المصالح وتعارض المبادئ/ عبد الحميد صيام

هل جاءت قمة طهران بين الزعماء الثلاثة، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، ومضيفهم الإيراني إبراهيم رئيسي، نوعا من الرد القوي على قمة جدة التي دعا إليها الرئيس الأمريكي بايدن والتي انتهت إلى فشل ذريع ومخجل للرئيس الذي وصلت نسبة الرضى عن أدائه إلى أدنى مستوى؟ ما من شك أن ذلك كان حاضرا في ذهن الرئيس الروسي بوتين الذي يريد أن يضيق حلقات الحصار الغربي على بلاده ويوسع من دائرة علاقاته بالدول التي تناهض سياسة الهيمنة الأمريكية أو غير راضية عن سياستها أو على الأقل تفضل أن ترى توازنا أفضل في العلاقات الدولية بعيدا عن الهيمنة الأمريكية الأوروبية.

لكن ما الذي يجمع بين الدول الثلاث في هذا الوقت علما أنها تختلف فيما بينها على كثير من القضايا ومن بينها سوريا؟ لكنها تجاوزت مؤقتا ما يفرقها واقتربت من بعضها في لقاء طهران لأن كل زعيم من هؤلاء يريد أن يحقق مكاسب مهمة فيما يراه مصلحة لبلاده واستراتيجيتها على المدى المنظور.

ولو شبهنا مصالح الدول بثلاث دوائر متساوية، وأن الدوائر الثلاث تداخلت فيما بينها في منطقة المصالح المشتركة وتباعدت فيما يفرقها عن الدولتين الأخريين لاكتشفنا أن الأجزاء المتداخلة من الدوائر الثلاث ممثلة للمصالح المشتركة صغيرة وغير كافية لتحويل المصالح الآنية إلى رؤى استراتيجية مشتركة تكون نواة لتشكيل إطار جديد وثابت قادر على التأثير في العلاقات الدولية واصطفافات الدول الكبرى. وسنحاول أن نسلط الضوء على ما جمع الدول الثلاث في هذه المرحلة رغم خلافاتها في كثير من المسائل العقائدية والتحالفات والتوجهات.

– تلتقي الدول الثلاث أولا على ضرورة إعادة تشكيل نظام دولي جديد لا تكون فيه الولايات المتحدة وتوابعها من الأوروبيين، الآمر الناهي والمهيمن على منظومة العمل الدولي. وبما أن الولايات المتحدة تمر في حالة ضعف داخلي وتراجع في وضعها الدولي واهتزاز في ثقة حلفائها بعدما تخلت عن العديد منهم كان آخرهم حكومة عبد الغني في أفغانستان، إذن لا بأس أن يتم التقارب أكثر من محور روسيا والصين والدول المتوسطة القوى مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها. إن أي تراجع لنظام الأحادية القطبية لصالح التعددية القطبية يصب في مصالح هذه الدول.

– من مصلحة الدول الثلاث إبقاء الولايات المتحدة خارج المعادلة السورية والاستمرار في الاستحواذ على هذا الملف عبر «مسار أستانا» القائم على هذا الثالوث الذي تمكن من إقصاء جميع الدول الأخرى. تتفق الدول الثلاث على أن رؤيتها غير موحدة في هذا الملف لكنها مقتنعة أن الحوار بينها من شأنه أن يبرّد الملف السوري ويحوله من مواجهات بالمدفعية والطائرة إلى موضوع هام يجب حله بالتفاهم بين الدول الثلاث التي لا تستطيع أي منها حسمه على انفراد عبر اقتلاع الآخرين. إيران تأمل من اللقاء أن تصلب الموقف الروسي المائع من انتهاكات إسرائيل للسيادة السورية واستهداف قواتها في كل أجزاء سوريا واختيار روسيا أن تنظر إلى الجهة الأخرى وفي أحسن حالاتها تعبر عن القلق. كما تريد إيران أن تباعد بين تركيا وإسرائيل قدر الإمكان. تركيا تريد من الطرفين أن يتفهما أكثر وضعها الأمني على الحدود ودعم نيتها في القيام بعملية عسكرية ضد قوات حزب العمال الكردستاني المصنف «جماعة إرهابية» لدى أنقرة. والغريب أن حزب العمال يحظى بدعم روسي وأمريكي إضافة إلى دعم النظام السوري. تركيا جاءت إلى القمة وتأمل أن تحقق مزيدا من التفهم والاعتراف بشواغلها الأمنية. أما روسيا فتريد أن تبقي على مسار أستانة للدول الثلاث كنقطة تقاطع لأي حل مستقبلي للأزمة السورية قائم على أساس الاعتراف بسيادة سوريا ووحدة أراضيها.

– الأزمة الأوكرانية لعبت لصالح إيران وتركيا معا، وروسيا بحاجة إلى تمتين العلاقات مع أي محور يناهض المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. تركيا أصبحت الوسيط الدولي المقبول لنقل القمح الأوكراني الروسي من الموانئ المحاصرة. وستوقع روسيا وأوكرانيا وتركيا اتفاقية لنقل شحنات القمح تحت إشراف الأمم المتحدة. هذه خطوة يستفيد منها الطرفان ماديا ومعنويا. سيتم تخفيف الضغط على روسيا واتهامها بالتسبب في أزمة الغذاء العالمية ويضع تركيا في موقع فريد كجسر مقبول بين الدول المتضررة من الأزمة وروسيا وبالتالي تخفيف حدة أزمة الغذاء.

– تعتبر روسيا وإيران من أكبر منتجي ومصدري النفط والغاز في العالم. فإذا كانت قمة بايدن في جدة تهدف إلى رفع كمية الإنتاج من أجل تخفيض الأسعار التي بدأت تصل مستويات غير مسبوقة فإن من مصلحة قمة طهران أن تكوّن تحالفا آخر ضمن مجموعة «أوبيك +» للرد على المخطط الأمريكي. أي اتفاق بين إيران وروسيا يتعلق بالنفط والغاز بحاجة إلى موقف تركي إيجابي لأن إيران تصدر جزءا أساسيا من نفطها وغازها عبر الأراضي التركية وهو ما يساهم بطريقة أو بأخرى من تخفيف آثار الحصار على إيران.

– روسيا وتركيا تدعمان الموقف الإيراني في ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي المبرم مع الدول الست عام 2015 والمعتمد بقرار مجلس الأمن الدولي 2231 (2015). ما تريده إيران من القمة تشكيل حالة ضغط على الولايات المتحدة وحلفائها وتوجيه رسالة قوية بأن عدم العودة للاتفاق يعني مباشرة اقترابا إيرانيا شديدا من محور روسيا-الصين ومجموعة دول بريكس. تركيا تطمح في الانضمام لمجموعة بريكس حيث تتلاقى المصالح التركية الإيرانية بالانضمام لتكتلات إقليمية صاعدة تشكل رصيدا إضافيا لروسيا والصين اللتين تقتربان من الإطاحة بالأحادية القطبية التي تربعت على قمتها الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية في بداية العقد الأخير للقرن العشرين.

– من الناحية الأمنية تتوافق مصالح الدول الثلاث بأن أمن المنطقة لا يمكن الاعتماد فيه على الولايات المتحدة التي فشلت مرارا وتكرارا في حماية حلفائها. كذلك لا يمكن الركون لأدوات الولايات المتحدة في المنطقة وخاصة الكيان الصهيوني. إن أمن المنطقة مسؤولية دول المنطقة بدعم من حلفاء لا تاريخ كولونياليا لهم. إسرائيل لا تستطيع أن تحمي نفسها ولو كان الأمر كذلك لما احتاجت كل هذه المساعدات الأمريكية والأسلحة المتطورة والقبب الحديدية والاتفاقيات المتواصلة مع الولايات المتحدة كان آخرها بيان القدس التطميني. فكيف للخائف أن يحمي غيره من ثلة الخائفين؟ أمن المنطقة يصنعه أبناء المنطقة وعلى هذه الدول أن تعيد النظر في علاقاتها مع جيرانها وخاصة إيران وتركيا، وهو ما يتجسد الآن في إعادة ترتيب العلاقات بين إيران ودول الجوار وخاصة مع السعودية بوساطة عراقية وبين السعودية والإمارات مع تركيا. وللعلم فإن علاقات إيران بقطر وعُمان والكويت ممتازة ولا حاجة للعزف على وتر مقطوع اسمه «البعبع الإيراني» كمبرر للارتماء في الحضن الصهيوني. الحلقة الفارغة في الأمن الإقليمي هي غياب مصر كقوة استراتيجية تستطيع أن تشكل الضلع الثالث لأمن المنطقة مع إيران وتركيا بدل الاستناد إلى إسرائيل. إن منظمومة أمنية إقليمية تشترك فيها إيران وتركيا والسعودية ومصر وبدعم من روسيا والصين تشكل البديل الأكثر صدقية من الاعتماد على الامبراطورية العجوز التي تتابع الهبوط نحو الهاوية داخليا وخارجيا وكل محاولات الترقيع لن تجديها شيئا.

صحيح أن الخلافات بين دول القمة الثلاث ما زالت قائمة ولا يمكن حلها في لقاء أو لقائين، ولكن تقاطع المصالح في أكثر من ملف سهل اللقاء بين روسيا المحاصرة والتي تخوض حربا شرسة مع التحالف الغربي بأجمعه ومع إيران المحاصرة اقتصاديا ومع تركيا عضو الناتو والمتورطة في ملفات كثيرة وتبحث عن دور إقليمي أكبر بسبب وضعها الجيوسياسي النادر الذي أهلها لتكون نقطة تقاطع قوية بين الغرب والشرق وآسيا وأوروبا والدول الإسلامية والغرب المتوجس من كل ما هو إسلامي.

القدس العربي

—————————

قمة طهران تقلب الطاولة على نظام العقوبات الاقتصادية الغربي/ إبراهيم نوار

في القمة السابعة لدول حوار «أستانة» بشأن عملية السلام في سوريا، التي حضرها رؤساء إيران وروسيا وتركيا، كان الكلام عن السلام في سوريا، بينما تركز الفعل في مجالات التعاون الاقتصادي، وقلب الطاولة على نظام العقوبات الأوروبية والأمريكية، وهو النظام الذي أدى لانفجار ثلاث أزمات عالمية في وقت واحد، هي أزمات الغذاء والطاقة والتمويل، ترافقت مع أزمتين كبيرتين هما أزمة تغير المناخ، وأزمة انتشار فيروس كورونا. نظام العقوبات ضد روسيا وإيران على وجه الخصوص يهدف إلى كسر إرادة الدولتين، وإجبارهما على الركوع. لكن رؤية الزعيم الإيراني علي خامنئي، التي يعتبرها أساس التعاون المشترك بين الدول الثلاث، تنصرف إلى أن القوى الغربية ضعيفة، وأن تأثيرها غير فعال في دول مثل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وأن حلف الأطلنطي هو مصدر تهديد من الضروري مواجهته. خامنئي نقل هذه الرؤية، التي تمثل أيضا أساس سياسة حكومة رئيسي، إلى كل من بوتين واردوغان عندما استقبل كل منهما في طهران. وإلى جانب ما تم الاتفاق عليه بخصوص سوريا، من مطالبة القوات الأمريكية بالرحيل نهائيا، وضرورة تجنب أعمال عسكرية يمكن أن تضر بعملية السلام، وتستفيد منها الجماعات الإرهابية، فإن قمة طهران طورت عددا من الاتفاقات في تجارة القمح والغذاء، وفي استثمارات النفط والغاز، وفي التخلي تدريجيا عن الدولار الأمريكي في تسوية المعاملات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف، وتوسيع نطاق التجارة، يمكن اعتبارها بداية جديدة وقوية لمجموعة أستانة، التي تطلق عليها إسرائيل إسم «محور الشر».

القمح والغذاء والأسمدة

مع اختتام قمة طهران أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاق الرؤساء الثلاثة على ضرورة أن يرفع الغرب حصاره عن الأسمدة والحبوب الروسية إذا كان صادقا في رغبته لحل مشكلة الغذاء العالمية. وكان بوتين قد أجرى محادثات ثنائية مع الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، تضمنت «قضية الحبوب» تم التوصل بعدها إلى تفاهم حول بعض القضايا العالقة، حيث قال إنه إن روسيا مستعدة لتقديم الدعم في تصدير الحبوب الأوكرانية، إلا أن مشكلة الغذاء حول العالم لا تقتصر على الحبوب الأوكرانية فحسب، وإنما تتعلق كذلك، وبشكل أساسي، برفع القيود المتعلقة بتصدير الأسمدة والحبوب الروسية، وتابع بوتين: «لقد اتفقنا على كافة الإجراءات مع المنظمات الدولية، ولم يعترض أحد بما في ذلك الولايات المتحدة، والحديث يدور عن كميات ضخمة من الحبوب الروسية أيضا، حوالي 30 مليون طن في هذا العام، و50 مليون طن في العام المقبل».

وفي السياق نفسه أكد الرئيس التركي أن بلاده ستواصل التعاون مع الجانب الروسي في ملف تصدير الحبوب من أوكرانيا، ذلك أن تعقيدات أمن الملاحة في البحر الأسود، وتوفير الحماية للسفن التجارية، وضمان عدم استغلال السفن في نقل الأسلحة، وتدقيق بلد المنشأ، هي مسؤوليات تتطلب أقصى درجات الدقة والحذر والتعاون المتبادل بين شركاء الاتفاق الرباعي بشأن تصدير الحبوب (تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة). وبمقتضى الاتفاق تتولى تركيا إنشاء مركز لتنسيق التصدير في إسطنبول يشرف على حركة الشحنات المصدرة عبر البحر الأسود. ويهدف الاتفاق إلى إخراج نحو 20 مليون طن من الحبوب المحجوزة في الصوامع الأوكرانية عبر البحر الأسود، جنبا إلى جنب مع السماح بتصدير الحبوب الروسية.

وكان البنك الدولي قد حذر من خطورة استمرار تداعيات الأزمة الأوكرانية، وقال أنها أدت فعلا إلى سقوط 95 مليون شخص جدد في هوة الفقر، وإلى إضافة 50 مليون إلى المعاناة من الجوع الشديد هذا العام. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى سرعة إيجاد حل يسهل وصول الحبوب والسلع الغذائية إلى المستهلكين الأشد احتياجا في كل أنحاء العالم. وبسبب ضغوط الكثير من الدول النامية والتجمعات الاقتصادية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فإن الاتحاد الأوروبي بدأ في إعداد حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا، تتضمن فرض حظر على تصدير السبائك الذهبية، في مقابل التراجع عن الحظر المفروض على تصدير الحبوب والسلع الغذائية والأسمدة من روسيا إلى دول العالم. وقد ساعدت ضغوط من داخل دول الاتحاد الأوروبي، من دول مثل المجر والتشيك، على إعادة النظر في نظام العقوبات. فقد قال بيتر فيالا رئيس وزراء التشيك أن القاعدة الأساسية في نظام العقوبات هو أن يقع تأثيرها الأكبر على روسيا وليس على الدول التي فرضت العقوبات. ولذلك فإن قواعد حزمة العقوبات الجديدة للاتحاد الأوروبي تتضمن إتاحة الحبوب الروسية والأسمدة، وإلغاء العقوبات المرتبطة بتمويل تجارة الحبوب، وتأجير السفن، والتأمين عليها، ونقلها من روسيا إلى طرف ثالث. وقال جوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي أن تصدير الحبوب أصبح «مسألة حياة أو موت».

تخفيف القيود على النفط والغاز

على الرغم من العقوبات المفروضة على النفط والغاز من روسيا وإيران إلى بقية أنحاء العالم، فإن صادرات إيران زادت بنسبة 30 في المئة خلال الأشهر الأخيرة، كما استمر الإنتاج الروسي في التدفق بمعدلات مرتفعة، مع تحول جوهري في التجارة من الغرب إلى الشرق، خصوصا إلى كل من الصين والهند. ومع أن العالم كله يدفع ثمن أزمة الطاقة الناتجة عن العقوبات، فإن أوروبا، وخصوصا ألمانيا وإيطاليا، أصبحت هي الضحية الأساسية لنظام العقوبات الذي بدأته الولايات المتحدة وطالبت دول العالم بالالتزام به. قوة الولايات المتحدة هنا تنبع من أن الدولار ما يزال حتى الآن هو العملة الرئيسية لتسوية تجارة النفط بين البائعين والمشترين.

وقد شهدت قمة طهران ثلاثة تطورات مهمة على صعيد قلب المائدة على نظام العقوبات. التطور الأول هو التوسع في التجارة البينية للطاقة بين كل من روسيا وإيران من ناحية وتركيا من الناحية الأخرى. فقد تم الاتفاق على بدء جولة جديدة من المفاوضات الثانية بين أنقرة وكل من طهران وموسكو، للتوصل إلى اتفاقات طويلة المدى، تغطي 25 عاما من الإمدادات من النفط والغاز، حتى لا تتعرض تركيا لأزمة طاقة لفترة ممتدة، وأن تضمن استمرار الإمدادات الآمنة إلى الصناعة وقطاع الكهرباء والوقود اللازم لتشغيل السيارات ووسائل النقل، وتلبية احتياجات الاستهلاك العائلي.

التطور الثاني يتمثل في الاتفاق الضخم الذي وقعته شركة غاز بروم الروسية بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار حقول الغاز الإيرانية، بما فيها حقل كيش وحقل فارس الجنوبي. وتستحوذ غاز بروم بذلك الاتفاق على ما يقرب من 25 في المئة من مجموع الاستثمارات في قطاع الغاز الإيراني، وهو ما يضمن استمرار توسيع طاقات الإنتاج، وتجنب الضغوط التي يمكن أن تمارسها الشركات الأجنبية.

أما التطور الثالث والمهم الذي ترافق مع قمة طهران، فقد كان الإعلان عن اتجاه كل من الولايات المتحدة وأوروبا لتعديل نظام العقوبات النفطية المفروضة على روسيا، بما يسمح بالتدفق الحر لإمدادات النفط الروسي، في مقابل تحديد سقف لأسعاره في السوق، بهدف حرمان الخزانة الروسية من مزايا ارتفاع الأسعار، إلى جانب أن رخص أسعار النفط الروسي بهذا الأسلوب سيؤدي إلى انخفاض تكاليف الطاقة في الدول الصناعية الغربية، ومن ثم تخفيض معدل التضخم، طبقا لما قاله واللي أدييمو نائب وزير الخزانة الأمريكي أمام مؤتمر «معهد أسبن» للأمن قبل أيام. وقد علق الاتحاد الأوروبي على اقتراح وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي في الأسواق، بأن ذلك غير ممكن حاليا نظرا لوجود عقود تأمين على شحنات النفط الروسي، حتى شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل على الأقل. ومن ثم فإن تماسك الموقف الروسي والايراني، وفتح أسواق جديدة لتصدير النفط بعيدا عن أوروبا والولايات المتحدة، خلق حقائق جديدة في السوق أضعفت نظام العقوبات، مما أدى إلى اقتراح تعديله، بواسطة الدول التي فرضته. وفي حال إصرار الولايات المتحدة على وضع سقف لسعر البترول الروسي، فإن شركات التأمين وصناديق التحوط الأوروبية والأمريكية، هي التي ستدفع لروسيا فرق السعر!

التخلي عن الدولار وتعزيز التجارة

من الظواهر الملفتة للنظر أن مسألة التقليل من هيمنة الدولار على المعاملات التجارية بين الدول تنتشر انتشار النار في الهشيم، في اللقاءات الاقتصادية الثنائية أو المتعددة الأطراف بين دول العالم المختلفة، خصوصا الدول النامية، مثل مجموعة بريكس، أو الدول الأفريقية أو دول أمريكا اللاتينية. السبب في ذلك أن الولايات المتحدة تستخدم الدولار كسلاح سياسي ضد من يختلف معها، وتلجأ إلى فرض عقوبات منفردة. وكان موضوع التخلي عن الدولار أحد أهم الموضوعات التي أثارها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي مع كل من بوتين واردوغان. وقال خامنئي أن «إلقاء الدولار في المزبلة» يجب أن يتم تدريجيا وعلى مراحل. وفي هذا السياق تم التوصل إلى اتفاقات بين البنوك المركزية للدول الثلاث على تعزيز التجارة المشتركة مع استخدام العملات المحلية، وتقليل التسويات بالدولار الأمريكي. وأعلن محافظ البنك الإيراني علي صالح عبادي، مع افتتاح القمة إطلاق نظام للتبادل بين الريال الإيراني والروبل في بورصة طهران للأوراق المالية. وقبل انعقاد القمة بيومين وقع بنك «مللي ايران» وبنك «سبربانك» الروسي اتفاقا يقضي بتعزيز التجارة، واستخدام العملات المحلية في المعاملات بين البلدين. كما تدرس السلطات المصرفية في البلدين تصميم نظام للتحويلات المصرفية على غرار نظام «سويفت» ولكن باستخدام العملات وبطاقات الائتمان المحلية.

وقال رئيس غرفة التجارة الايرانية الروسية هادي تيزهوش تابان إن التنفيذ الصحيح لمذكرة التفاهم المالي والمصرفي بين البلدين وتسهيل التجارة البينية سيؤدي إلى ارتفاع حجم التجارة. وقد سجلت الأرقام التي أعلنها مكتب الممثل التجاري الروسي في طهران أن حجم التجارة بين البلدين ارتفع بنسبة 31 في الأشهر الأخيرة، بعد أن تجاوز 4 مليارات دولار في العام الماضي.

ويركز البلدان في الوقت الحاضر على الانتهاء من مشروع الممر التجاري بين الشمال والجنوب. وفي هذا السياق فإن إيران تسعى إلى إنشاء مشروع خط السكك الحديد الواصل بين ايران وروسيا «رشت- استرا» لفائدة التجارة الإقليمية وتسهيل وصول بضائع روسيا ودول آسيا الوسطى إلى المحيطين الهندي والأطلنطي. كذلك تتطلع إيران إلى تعزيز التجارة المشتركة مع تركيا. ويقدر الرئيس التركي أن قيمة المبادلات التجارية يمكن أن تتضاعف إلى 3 أمثال ما هي عليه حاليا لتبلغ 30 مليار دولار سنويا.

القدس العربي

————————–

قمة طهران الثلاثية: إعلان ممول للدول المشاركة عبر المشهد السوري وتصعيد مدروس/ حسام محمد

رغم مشهد التوافق بين زعماء إيران، روسيا وتركيا في القمة الثلاثية التي شهدتها طهران منتصف الأسبوع الفائت، إلا أن الخبراء رأوا تناقضات واختلافات بين القادة، وأن أطراف محور أستانة اجتمعوا للحفاظ على المكاسب السابقة، ومحاولة كل زعيم منهم العودة ببعض المكاسب الأحادية الجديدة تماشيا مع التطورات الإقليمية والدولية.

حمل البيان الختامي لثلاثي أستانا الخاص بسوريا العديد من البنود، من أبرزها، التأكيد على وحدة الأراضي السورية واستقلالها، ورفض المحاولات الرامية لخلق حقائق جديدة على الأرض تحت ستار مكافحة الإرهاب، بما في ذلك محاولات الحكم الذاتي غير المشروعة.

كما أدانت كل من تركيا وإيران وروسيا، وفق وكالة «الأناضول» الوجود المتزايد للتنظيمات الإرهابية وأنشطتها وأذرعها في مختلف مناطق سوريا.

المؤتمرون شددوا كذلك على ضرورة تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا لضمان حقهم في العودة ودعمهم في هذا الإطار.

كما أدان القادة، الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سوريا، مؤكدين أنها انتهاك للقانون الدولي والإنساني ولسيادة سوريا، وتعمل على زعزعة استقرار المنطقة وتصعد التوترات فيها.

وشدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على ضرورة عدم وجود خطوات تتضارب مع السيادة السورية، معتبرا أن القمة أكدت ضرورة توفير أرضية من أجل عودة فورية للاجئين السوريين من دول أخرى.

رئيسي، اعتبر كذلك أنه من المهم احترام حق تقرير المصير بالنسبة إلى السوريين عبر حوار داخلي، ومصير سوريا يجب أن يحدده شعبها بدون تدخل جهات أجنبية، وأضاف أن «السيادة السورية خط أحمر، وأن الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة هناك هو سبب عدم الاستقرار».

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أكد من جانبه، أن بلاده «مصرة على اجتثاث بؤر الإرهاب في سوريا، وأنها تنتظر من روسيا وإيران دعما بهذا الخصوص» داعيا الأطراف الدولية لتقديم مساعدة لتركيا تسمح بالنهوض بالأعباء الإنسانية.

مشيرًا إلى ضرورة العمل على إعادة اللاجئين السوريين بشكل مشرف إلى أراضيهم وضمان عدم تعرضهم للخطر، وأوضح حسب «الأناضول» أنه وفقا للنتيجة التي خرجت بها مفاوضات عملية أستانة، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة في الوقت الحالي مغادرة مناطق شرقي نهر الفرات في سوريا.

وتابع: «نريد أن تكون روسيا وإيران معنا في مكافحة التنظيمات الإرهابية على بعد 30 كم من الحدود الجنوبية لتركيا، وعليهما إمدادنا بالدعم اللازم».

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «ناقشنا ضرورة وضع إطار يسمح ببدء حوار سياسي بين الدولة السورية والمعارضة والشعب» مشيرا إلى ان مهمة روسيا وإيران وتركيا هي اعتماد «إجراءات ملموسة» لتعزيز الحوار بين الأطراف السورية.

كما اعتبر، أن الجهود التي تبذلها روسيا وتركيا وإيران لحل الأزمة في سوريا «فعالة بشكل عام» وأن هذه الأطراف متفقة على أن الأزمة السورية لا يمكن حلها إلا من خلال الدبلوماسية، كما اقترح بوتين، عقد قمة أستانة المقبلة حول سوريا في روسيا، داعيا نظيريه الإيراني والتركي لحضورها.

قمة الثلاثة بنود

رغم الدبلوماسية الكبيرة التي أظهرتها قمة طهران، إلا أن التحليلات وقراءات الخبراء، ترى أن ثلاثي أستانة حاول عبر هذه القمة ترحيل الخلافات وأن هذا اللقاء جاء تحت حكم الضرورة جراء تقلبات المشهد العالمي، وحماية للمصالح، خاصة مع العقوبات الكبيرة المفروضة على الأنظمة الحاكمة في روسيا وإيران، في حين حاولت تركيا العودة ببعض المكاسب، مستفيدة من دبلوماسيتها الخارجية التي تنشط بشكل ملحوظ منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

الباحث في القضايا الدولية محمود إبراهيم، قال لـ«القدس العربي»: «يمكننا وسم قمة طهران بأنها تشاورية، فهي ليست تنفيذية ولا تقريرية» مشيرا إلى أن أقصى ما يمكن للقمة فعله في سوريا، هو تمسكها على مضض بتفاهمات أستانة التي تضم وجود طرفين أحدهما النظام السوري، والمعارضة في الطرف الآخر.

ولخص المتحدث، قمة طهران بـ 3 بنود، وهي:

البند التركي: إجراء لقاء ضروري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمناقشة العرض الأوروبّي الخاص بِسلاسل التوريد عبر البرّ الأوكرانيّ، والبحر الأسود، مع العلم أن قمّة طهران حلت مشكلة استحالة قدرة الرئيس التركي الذهاب إلى روسيا حاليًا، وَكذلك استحالة استضافة /بوتين في أنقرة.

أما بما يخص العملية العسكرية التركية في سوريا، والتي ستطال مناطق تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» رأى الباحث أن العملية التركية مقررة قبل قمة طهران، ما يعوقها هو تحديد منطقة التمدد المسموح به لقوات المعارضة السورية المسلحة.

البند الإيراني: تسعى طهران إلى مسابقة الزمن لجني نتائج حرب لم تنته بعد في أوروبا الحرب في الأوكرانية، إضافة إلى تنسيق عمليات الفراغ الأمريكي، معتبرا أن طهران تحاول الاصطياد في توقيت لا وجود للأسماك فيه.

البند الروسي: كانت الزيارة مهمة للرئيس الروسي بهدف «الدعاية» وكسر العزلة الدولية التي فُرضت على بوتين بِلقائه رئيس دولة مهمّة عضو في الناتو الرئيس التركي- اردوغان.

مشهد جديد

الباحث في الشأن الإيراني ضياء قدور، رأى من جانبه ولادة مشهد سوري جديد، سيكون لتركيا اليد العليا فيه، خاصة بعد تراجع التأثير الروسي، وإبقاء النفوذ الإيراني دونما غطاء جوي يحميه.

لذلك، في حال فشل طهران في استغلال الفراغ الروسي الحاصل في سوريا، فإنها سوف تلجأ للحفاظ على مشهد توزع القوى والسيطرة العسكرية الدولية على الأقل في الوقت الحالي، حتى لا تتداعى تغييرات المشهد الميداني السوري إلى نتائج قد تعرض طهران لمخاطر جسيمة تفقد فيها كل مكتسباتها السابقة.

ورأى قدور، أن الجهود التي تعمل عليها إيران لإحداث تقارب بين تركيا والنظام السوري، ما هي إلا مناورة سياسية هدفها يتلخص بمحاولة طهران تأخير العملية العسكرية التركية في سوريا.

إذ ان إيران في الوقت الراهن لا ترغب في تقارب الأسد مع دولة أخرى، في الوقت الذي تتحكم فيه هي بزمام الأمور، وتسيطر على مفاصل النظام داخليا، وتقود عنه العملية التفاوضية.

قمة خلافات وتناقضات

الملف السوري، يعد من الملفات الأساسية في القمة وحتى الآن بدا التأثير الروسي الإيراني أكثر فاعلية لكبح العملية وإيقافها قد تكون وفقَ تفاهمات غير معلنة، بالتالي أنقرة استغلت المنصة سياسياً لتوجيه رسائل للولايات المتحدة الأمريكية.

وفي ذلك، يرى الباحث في الشؤون السياسية يمان دابقي، أن قمة طهران، أظهرت حجم الخلافات والتناقضات في مصالح ثلاثي أستانة، حتى بات التعقيد هو سيد المواقف، معتبرا أن نقطة الخلاف الأبرز حول مفهوم محاربة الإرهاب، ونقطة الالتقاء الوحيدة التوافق على قسمة النفوذ الأمريكي شرق الفرات الذي التقط اليوم الإشارة وأطلق تصريحات داعمة لقسد.

مشيرا إلى وجود تركيز ملحوظ من قبل الأطراف المجتمعة على مناطق شرق الفرات بغية الضغط على النفوذ الأمريكي هناك، وقد يحمل هذا الضغط عدة تفسيرات وتأويلات قادمة حول مستقبل الشرق السوري وتفاعلاته مع نفوذ واشنطن وذراعها هناك «قوات قسد».

إضافة إلى الحفاظ على الوضع السياسي والعسكري القائم، وهنا يبرز التناقض بين الجميع بين رغبة تركية لتغيير خرائط السيطرة، وتمدّد إيراني جديد، وبين رغبة روسية في الحفاظ على نفوذها، في أن روسيا أعادت زخم دور إيران في سوريا، ومنحتها هامش مناورة كانت قد فقدته سياسياً منذ العام 2019.

كما سعت قمة طهران وفق دابقي إلى تثبيت ديمومة ودوامة مسار «أستانا» كبديل عن جنيف بدعم إيراني روسي وصمت تركي، إضافة إلى محاولة الدول المعنية حصر الحل السوري، ضمن ثلاثي أستانة، وتشديد على استبعاد وتحجيم التدخل الدولي ودعم عودة طوعية.

تصعيد وروسيا ترفض التنازل

مركز جسور للدراسات، رأى أن قمة طهران لم ينتج عنها تفاهُمات محددة، مرجحا مزيدا من التصعيد الروسي في إدلب، بغرض التأثير على مَسار المفاوضات مع تركيا، وإعادة التوازن لها، وتأسيسها على قاعدة الالتزامات المُتبادَلة في الملف السوري، والمنصوص عليها في مذكرات التفاهُم المُوقَّعة بين الجانبين بين عامَي 2019 و2020.

بالتالي، قد تشهد إدلب-شمالي سوريا، المزيد من القصف الجوي والهجمات المدفعية التي قد تطال حتى محيط المواقع العسكرية التركية، مقابل ردود من فصائل المعارضة المسلحة تتمثَّل باستهداف تحصينات متقدمة وغرف عمليات، وعمليات توغُّل برية نوعية ومحدودة، أي أن التصعيد سيكون منضبطاً مع الحرص على عدم الدخول في مواجهات مفتوحة.

تعليق أمريكي وقلق إسرائيلي

استقبلت الولايات المتحدة الأمريكية القمة الثلاثية في طهران التي كان الرئيس الروسي أحد أركانها، على اعتبار زيارة بوتين بأنها دليل على عزلته وعزلة روسيا الدولية، وعجز منظمته العسكرية.

واعتبر رئيس مجلس الأمن القومي للاتصالات الإستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي، أن زيارة بوتين لإيران تدل على أن لا نية لديه لإيقاف الحرب في أوكرانيا، كاشفا عن عزم واشنطن تكثيف العقوبات على موسكو في المرحلة المقبلة.

إسرائيليا، بدا القلق واضحا على الحكومة الإسرائيلية، إذ قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي رام بن براك، في حوار إذاعي: إسرائيل تخشى أن يعوق التقارب الروسي الإيراني عملياتها العسكرية في سوريا.

القدس العربي

————————

ماذا تريد موسكو من القمة الثلاثية في طهران؟/ صادق الطائي

بالرغم من كون القمة الثلاثية التي عقدت في طهران جاءت في إطار مفاوضات «أستانا» لحل الأزمة السورية، إلا أن التوقيت ومكان انعقاد القمة قُرأ على نحو مختلف. إذ أشار عدد من المراقبين إلى أن قمة طهران جاءت ردا على قمة الأمن والتنمية التي انتهت أعمالها في جدة قبل ذلك بأيام، فقد رشح عن القمة السعودية موقف إدارة الرئيس بايدن الداعم لتجييش دول المنطقة ضد موسكو والعمل على تقليم أظافرها وتجريدها من أقوى أسلحتها وهو سلاح الطاقة، بالإضافة إلى دعم قيام حلف أو اتفاق أمني خليجي إسرائيلي للوقوف بوجه التمدد الإيراني. طهران استضافت يوم الثلاثاء 19 تموز/يوليو 2022 قمة ثلاثية ركزت على ملف النزاع في سوريا وجمعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان. وقد أشار محللون إلى النقطة المحورية في الملف السوري وهي الحملة العسكرية التي يهدد اردوغان بإطلاقها منذ شهرين، وهو لا يريد خوض هذه العملية بدون الحصول على ضوء أخضر روسي – إيراني نظرًا لتقاطع المصالح بين الأطراف الثلاثة في هذا الملف. وقد توقعت مصادر سياسية تركية، أن تكون العملية العسكرية التركية المحتملة ضد ميليشيا «قسد» الكردية وما تسميه أنقرة إرهاب حزب العمال الكردستاني «PKK» له الأولوية القصوى بالنسبة لأنقرة، في وقت ما زالت تشهد فيه الساحة السورية الكثير من التحركات العسكرية الروسية بالتوافق مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية والجيش السوري، رفضًا لهذه العملية وفي مواجهتها. فهل حصل اردوغان على التوافق والتفاهم مع نظيريه الإيراني والروسي على قيام العملية العسكرية، بعد أن أُطلقت تصريحات روسية وإيرانية في أكثر من حين تبدي تفهمهما للقلق التركي جراء وجود (إرهابي) في مناطق شمال سوريا؟

لكن عددا من الصحف الأوروبية أشارت إلى إن الأزمة السورية لن تكون المحور الوحيد المطروح على طاولة القمة الثلاثية في طهران، بل ربما لن يكون الموضوع السوري هو الملف الأهم في أجندات هذه القمة، فالمصلحة الإيرانية الأساسية هي موازنة المحور الجديد الذي يتشكل بين إسرائيل ودول الخليج بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط. أما بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن حربه على أوكرانيا تهيمن على سياسات بلاده الخارجية. ليتبقى اردوغان الذي تمثل القضية السورية بالنسبة له ملفا في مقدمة أولويات الأمن القومي التركي.

وقد أعربت الدول الثلاث في البيان الختامي الصادر يوم 20 تموز/يوليو الجاري عن تصميمها «على مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية» ورفض «كل المحاولات لخلق واقع جديد على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية. والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافة إلى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة».

أوكرانيا المحور وسوريا الهامش

يبدو إن الملف الأهم الذي تمت مناقشته في طهران هو المواجهة المفتوحة بين روسيا والغرب، ومن ثم جملة تداعيات الحرب في أوكرانيا على جل تلك الملفات الإقليمية ومنها بالضرورة الأوضاع في سوريا. وكذلك العقوبات الغربية القاسية على روسيا، والحصار الكبير من دول الناتو ضدها إبان الحرب الأوكرانية، لذلك رأى محللون أن قمة طهران كانت ردا جيوسياسيا على قمة جدة، إذ كتب بورزو داراغاهي مراسل الشؤون الدولية في صحيفة «الاندبندت» البريطانية حول توقيت ومكان القمة الثلاثية قائلا إنّ «الدول الثلاث ستسعى إلى إظهار عدم جدوى المحاولات الأمريكية لاحتوائها. وأن توقيت قمّة طهران يبدو وكأنه اختير ليتبع مباشرة زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، والتي تعرّضت للكثير من الانتقادات». وأضاف أن «طهران كانت زبونا دائماً لشراء الأسلحة من الصين وروسيا، لكنها أثارت قلق الدبلوماسيين الغربيين والشرق الأوسط مؤخرا عبر الاستثمار في برنامج محلي لإنتاج الطائرات المسيرة، وأن إيران افتتحت مصنعا للطائرات المسيّرة في طاجيكستان في أيار/مايو الماضي كجزء من جهودها في توسيع صناعة الأسلحة، بعد تخفيف العقوبات الدولية عنها عام 2020».

طهران بدورها كانت تركز على محاور أخرى، أبرزها مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، إذ أن أولويات طهران اليوم الخروج برؤيا مشتركة تتعلق بما وصل إليه الحال في مباحثات فيينا لأن هذا الأمر يشكل قلقًا إيرانيًا لارتباطه بالكثير من المسائل المتعلقة بحلحلة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها إيران جراء العقوبات الغربية، وأيضًا عدم الإفراج عن أرصدتها المحتجزة غربيًا والتي ترتبط بالوصول إلى اتفاقات جديدة حول المشروع النووي الإيراني وليس قبل ذلك.

التهرب من عقوبات الغرب

كثر كلام المراقبين حول مدى استفادة موسكو من خبرة طهران في المناورة والتملص من العقوبات الغربية، والنجاح في فتح خطوط تجارة خفية بعيدا عن قبضة العقوبات الأمريكية والغربية، إذ تعد طهران صاحبة خبرة طويلة استمرت لعقود في هذا المضمار، لذلك يعتقد بعض المراقبين أن موسكو ستتعاون مع طهران في هذا الشأن بشكل وثيق نتيجة التشابه الكبير بين الموقف الروسي والإيراني فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة عليهما، والتي كان لها تأثير خانق على اقتصاد البلدين، حيث حاول الغرب تطويق القوتين بحزمة عقوبات مكبلة لأي مسارات تنموية في محاولة لكبح نفوذهما المتمادي في المنطقة.

وقد أشار بعض المحللين إلى أن بناء موقف موحد ضد تلك العقوبات، واستحداث إستراتيجيات وسياسات جديدة للتحايل عليها بما يديم حالة العناد والندية في مواجهة المعسكر الغربي، يمثل هدفا رئيسيا للقاء الأخير الذي سبقته زيارات متبادلة بين موسكو وطهران، وهو ما كشفه بشكل صريح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني بثت يوم 18 تموز/يوليو الجاري، إذ كشف عن إمكانية كل من روسيا وإيران بناء تعاون قوي من أجل تقليل عواقب العقوبات، وأضاف أن البلدين اعتادا تلك العقوبات منذ عقود، وأنهما كيفا أوضاعهما معها بشكل جيد لتطوير وتحسين رفاهية شعوبهما، مؤكدًا أنهما سيبتعدان بمرور الوقت عن التعامل بالدولار في إطار التعاون الثنائي بينهما.

وقال بيسكوف «إن كان التعاون بين البلدين ضرورة إستراتيجية خلال السنوات الماضية، فإن المستجدات التي شهدتها الساحة طوال العامين الماضيين أعطت دوافع إضافية لتعميق هذا التعاون ليشمل كل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية» كما أكد المتحدث باسم الكرملين على إن طهران شريك قوي لموسكو التي تعتز بعلاقتها الجيدة والمتطورة معها.

وقد أشار كون كوفلين المحرر التنفيذي للشؤون الدفاعية في صحيفة «التلغراف» البريطانية إلى أن «بوتين في حاجة ماسة إلى حلفاء جدد. ولا شك أن هذا هو الهدف الأساسي من زيارته إلى طهران». وأضاف «بصرف النظر عن الحفاظ على الحملة العسكرية الروسية للاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية، فإن الهدف الرئيسي الآخر لبوتين هو كسب الدعم لجهوده للتهرب من تأثير العقوبات الغربية، وكثيرا ما ندد الزعيم الروسي بالعقوبات ووصفها بأنها إعلان حرب اقتصادية من الغرب، وهو يبحث يائسا عن طرق للالتفاف على هذه الإجراءات». وذكّر كوفلين بأن «إيران، التي تمتلك سنوات عديدة من الخبرة في التهرب من العقوبات الغربية، عرضت بالفعل مساعدة روسيا على بيع نفطها في الأسواق الدولية باستخدام النظام المصرفي والمالي السري الذي وضعته طهران بالفعل للتهرب من العقوبات الغربية».

كما قال جاك واتلينغ، الخبير في شؤون الحرب في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مؤسسة بحثية مقرها لندن؛ إن «الطائرات المسيرة الإيرانية ستكون مفيدة لروسيا فيما يخص الاستطلاع وربما استخدامها كذخيرة عند الحاجة لتفجير أهداف، ويمكنها أن تأخذ وقتها في تحديد الأهداف المناسبة والاشتباك معها» وأضاف «فضلا عن توفير طائرات مسيرة، بإمكان إيران أيضا أن تساعد روسيا في التملص من العقوبات وربما التعاون في تصنيع منظومات أسلحة قد تكون أقل اعتمادا على سلاسل الإمداد التي تمر عبر دول غربية».

وربما بقي ملف التنافس الإيراني الروسي في مجال الطاقة ملفا خفيا في قمة طهران، إذ إن كلا البلدين منتج للنفط والغاز، وكانت المنافسة بينهما قد احتدمت مع بدء الحرب في أوكرانيا نتيجة قيام موسكو بتحويل المزيد من صادراتها النفطية إلى الصين والهند بأسعار مخفضة مما شكل ضربة للصادارات الإيرانية لأهم زبونين من مستهلكي النفط الإيراني. وقال هنري روم نائب رئيس قسم الأبحاث في مجموعة أوراسيا «على الصعيد الاقتصادي، أدت الحرب إلى توتر علاقات موسكو وطهران إلى حد كبير. أذ أخذت موسكو تبتلع حصة طهران في سوق الطاقة الخفي، كما أن لديها موارد أقل لطرحها في مشروعات في إيران». لكن بدا ان هناك حلا لهذه الأزمة بالتزامن مع زيارة بوتين لقمة طهران، إذ وقعت شركة النفط الإيرانية الوطنية وغازبروم الروسية مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار تساعد غازبروم بموجبها شركة النفط الإيرانية الوطنية على تطوير حقلي غاز وستة حقول نفط، فضلا عن المشاركة في مشروعات الغاز الطبيعي المسال ومد خطوط أنابيب لتصدير الغاز.

القدس العربي

————————-

هل جمدت تركيا عمليتها العسكرية في سوريا مقابل انتصار دبلوماسي في «ممر الحبوب»؟/ إسماعيل جمال

على الرغم من أن اللقاءات الثنائية التي جرت بين زعماء روسيا وتركيا وإيران جاءت على هامش قمة «مسار أستانة» حول الملف السوري، إلا أن نتائج اللقاءات الثنائية كانت أهم وحملت مخرجات أكثر مما أفرزه بيان النسخة السابقة من «قمة أستانة» بدون تسجيل أي قرارات هامة تتعلق بالملف السوري سواء بمساره العسكري أو السياسي أو ملف «العودة الطوعية للاجئين» وهي المسارات الثلاثة الأساسية التي بحثتها القمة.

وعلى الرغم من أن الأجندة الأساسية للقمة كانت تتعلق بمصير العملية العسكرية التي تهدد تركيا منذ أشهر بتنفيذها ضد الوحدات الكردية شمالي سوريا، برز رفض روسي وإيراني مجدداً رغم تأكيد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إصرار بلاده على تنفيذ العملية في خلاف علني بين البلدان الثلاثة التي نجحت في احتواء الخلافات والخروج ببيان ختامي «مكرر» عن النسختين السابقتين من قمم مسار أستانة.

هذا المشهد دفع كثيرين للاعتقاد بأن الأطراف الثلاثة ورغم استمرار خلافاتها حول الملف السوري إلا انها اتفقت على تحييد الخلافات قدر الإمكان وعدم القيام بأي تغيير في خريطة السيطرة العسكرية لمنع حصول أي صدام عسكري أو سياسي وذلك من أجل الحفاظ على المكتسبات التي حققها كل طرف في المباحثات الثنائية التي جرت بين البلدان الثلاثة والاتفاقيات الواسعة التي جرى توقيعها.

وفي هذا الإطار، يعتقد أن تركيا «جمدت» أو «أجلت» العملية العسكرية التي تهدد بتنفيذها في تل رفعت ومنبج شمالي سوريا في ظل رفض روسي وإيراني، وذلك لرغبتها في عدم الدخول في صدام مع روسيا وتحديداً في هذه المرحلة حيث جرت قمة طهران قبيل أيام قليلة من الموعد المقرر للتوقيع على الاتفاق الروسي الأوكراني برعاية تركية لتصدير الحبوب من أوكرانيا إلى العالم وهو ما تعتبره تركيا «انتصاراً دبلوماسياً» كبيراً على الصعيد الدولي.

وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حققه مسار المفاوضات حول ممر الحبوب طوال الأسابيع الماضية إلا أنه لم يتم الإعلان عن حل جميع العقبات وتحديد موعد توقيع الاتفاق إلا بعد يوم واحد من قمة طهران التي يعتقد أنها شهدت مباحثات مكثفة بين اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حول هذا الملف وهو ما مكن من التوصل إلى اتفاق فعلي أتاح الإعلان عن موعد نهائي لتوقيع اتفاق الحبوب في إسطنبول.

هذا التزامن فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول ما إن كانت روسيا ربطت تحقيق تقدم في اتفاق تصدير الحبوب بتراجع تركيا عن تهديداتها بتنفيذ عملية عسكرية في شمالي سوريا، لا سيما وأن تركيا تولي أهمية كبيرة في هذه المرحلة لتحقيق «انتصار دبلوماسي» من خلال الإعلان عن نجاحها في حل أزمة الحبوب العالمية وإنقاذ العالم من خطر «المجاعة» الذي حذرت منه الأمم المتحدة.

ويولي الرئيس التركي أولوية كبيرة جداً لهذا الاتفاق الذي يعتبره مثالاً على نجاح الدبلوماسية التركية و«قوة تركيا على الصعيد العالمي وليس على الصعيد الإقليمي فقط» كما يعتبره ورقة مهمة يمكن الحديث عنها في أروقة السياسة الداخلية قبيل موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، وهو ما يدفع نحو تغليب أولوية عدم الدخول في صدام مع روسيا وتمهيد الطريق للتوقيع على اتفاق تصدير الحبوب و«تجميد» أو «تأجيل» العملية العسكرية في سوريا.

والجمعة، وقعت روسيا وأوكرانيا رسمياً اتفاقاً لتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية عبر البحر الأسود مروراً بالمضائق التركية وصولاً إلى الأسواق العالمية، وذلك بوساطة تركية وبحضور الأمم المتحدة في خطوة وصفتها أنقرة بـ«التاريخية» وتأمل أن تمهد لمفاوضات أوسع لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وبينما لا يعتبر التوقيع على اتفاق الحبوب غاية تركية نهائية في الملف الأوكراني، فإن مصالحها مع روسيا لتحقيق إنجاز في مساعيها للوساطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تدفع للاعتقاد بأن أنقرة ستبقى حريصة على أن لا تدخل في صدام عسكري أو سياسي مع موسكو في الملف الأوكراني في الفترة المقبلة أيضاً وهو ما يدفع أكثر للاعتقاد أن العملية العسكرية التركية المتوقعة يمكن ان تشهد مزيدا من التأجيل.

ومقابل «تجميد» العملية التركية، فإن مخرجات القمة كانت أشبه باتفاق على الحفاظ على الوضع القائم عسكرياً، وهو ما يمكن تركيا أيضاً من الحفاظ على الوضع القائم في إدلب والمناطق الآمنة وتجنب المخاوف من حصول هجوم جديد للنظام وبالتالي موجة لجوء جديدة، إلا أن الطائرات الروسية التي قصفت إدلب، الجمعة، وقتلت 7 مدنيين أكدت مجدداً أن لا ضمانات سياسية قطعية تحكم سير الأحداث عسكرياً على الأرض في سوريا وأن الميدان قابل لأي تغيرات مفاجئة في أي لحظة.

القدس العربي

——————————-

فشل اجتماع طهران يفجّر جبهات الشمال السوري

تابعت فصائل المعارضة السورية السبت، الرد العسكري على المجزرة التي ارتكبتها الطائرات الروسية عندما نفذت غارة مزدوجة على بلدة الجديدة بريف جسر الشغور الغربي الجمعة، راح ضحيتها 7 مدنيين بينهم 4 أطفال، بالتزامن مع ردود فعل منددة بالمجزرة.

ويحمل تفجّر جبهات الشمال المتواصل منذ يوم الجمعة، مؤشرات على فشل الاجتماع الثلاثي الذي عقد في طهران قبل ايام، في وقت طالب المجلس الإسلامي السوري المعارض، تركيا، بمراجعة علاقاتها مع روسيا.

هجوم نوعي

وفي السياق، نفّذت “قوات المغاوير” المنضوية في “حركة التحرير والبناء” أحد مكونات تكتل “الجيش الوطني” المدعوم تركياً، هجوماً نوعياً على مواقع قوات النظام في جبهة بلدة تادف بريف حلب الشرقي، فجر السبت، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام، حسب بيان للحركة.

وقال مصدر في الحركة لـ”المدن”، إن عناصر المغاوير نفذوا الهجوم باستخدام قذائف صاروخية محمولة على الكتف، استهدفوا بواسطتها عدداً من الدشم والبيوت التي تتمركز بداخلها عناصر النظام، سقط على إثره 5 قتلى على الأقل فضلاً عن 6 جرحى، مضيفاً أن إحدى الدشم المستهدفة تحوي بداخلها رشاشاً من عيار “23”، ما أدى إلى تدميره ومقتل وجرح طاقمه.

وأضاف أن هجوماً ثانياً نفذه فصيل “أحرار الشرقية” التابع للحركة، باستهدافه بصاروخ موجه سيارة عسكرية للنظام على محور منطقة القنطري شمالي الرقة، أدى إلى مقتل وجرح من كان بداخلها.

فشل أستانة

ورأى المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد بالتصعيد الروسي، دليلاً على فشل قمة طهران الثلاثية، التي “اتضح خلالها تناقض الرؤى للدول الثلاث الراعية لمسار أستانة، وفشل روسيا بإقناع تركيا بالتراجع عن عمليتها العسكرية ضد الوحدات التركية في شمالي شرقي سوريا”.

وقال الأسعد لـ”المدن”، إن التصعيد الروسي الذي بدأ مع نهاية القمة “يُقرأ على أنه رسالة روسية تحذيرية لتركيا، التي ترى في وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) منظمة إرهابية، مع وضوح إصرارها على عمليتها العسكرية وفشل روسي-إيراني بإقناعها بالتراجع عنها، في حين نظرة كلتا الدولتين إلى قسد مختلفة تماماً عن نظرة أنقرة”.

وأضاف أن رسالة موسكو لأنقرة بالتصعيد مفادها واضح ولا يحتاج إلى تأويل، وهو أن مناطق سيطرة الجيش التركي غير آمنة، والقصف الروسي سيتوسع مع أول رصاصة تركية تُعلن عن بدء العملية.

واعتبر الأسعد أن صواريخ فصائل المعارضة التي طاولت مدينة القرداحة رداً على المجزرة إضافة إلى الاستهداف اليومي من قبل الجيش التركي لـ”قسد”، هي “تمهيد حقيقي للمعركة التركية”، معرباً عن اعتقاده أنها “لن تكون هجومية من الجيش التركي، وإنما تصادمية مع روسيا وإيران اللتين كشفتا عن المستور برؤيتهما الحقيقية لقسد”، وهو تحديداً ما أدركته أنقرة، التي ستعمل على ذلك التمهيد لفترة زمنية، قبل أن تُقحم جيشها مباشرة بالمعركة الشاملة.

مراجعة الاتفاقيات

من جانبه، طالب المجلس الإسلامي السوري تركيا باتخاذ موقف واضح من المجزرة التي ارتكبتها الطائرات الروسية بقرية الجديدة.

وقال المجلس في بيان، إن “الضامن الدولي الذي يتولّى حماية هذه المنطقة مُطالب بموقف واضح تجاه هذا القصف الهمجي الذي يعتبر خرقاً لجميع الأعراف الدولية في حماية المناطق التي يضمن سلامتها دولياً”، مُطالباً تركيا بـ”مراجعة اتفاقياتها وسياستها مع من يقتل الأطفال السوريين في مهدهم”.

كما توجّه المجلس ببيانه إلى الفصائل المعارضة والشارع الثوري قائلاً إن “هذه الدماء يجب أن تُلّهب بندقية الثورة وتحرك الشارع الثوري لأنه أولى من غيره بالرد على هذه المجزرة”، معتبراً أن واجب السلاح الذي يحملونه هو حماية السوريين في مناطقهم، ومنع “عدو الله وعدوهم من قتل نسائهم وأطفالهم في بيوتهم”.

وأكد البيان أن ما يتعرض له الشعب السوري من قصف همجي على يد الروس والإيرانيين تحت سمع وأنظار النظام السوري، هو “مجزرة دولية وجريمة حرب مكتملة الأركان”، متهماً المجتمع الدولي بالمحافظة على النظام الذي يمارس جريمة إبادة جماعية مستمرة على مرأى ومسمع العالم منذ أكثر 10 سنوات.

من جهتها، نددت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بالمجزرة الروسية. وقالت المديرة الإقليمية للمنظمة في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا أديل خضر، إن مقتل 5 أطفال وجرح 9 آخرين في إدلب، هو “تذكير مدمر بأن الحرب على الأطفال في سوريا لم ينتهِ”، مضيفة أن الأطفال في سوريا، خصوصاً شمالي غربي سوريا، “مستمرون بدفع الثمن الباهظ للعنف في البلاد”.

—————————-

ناشونال إنترست: كيف فشل الغرب في عزل روسيا؟

كومبو ثلاثي يجمع الرئيس الإيراني و أردوغان وبوتين.

على الرغم من عزلة روسيا بشكل متزايد عن الغرب وبعض المؤسسات التي يقودها الغرب، فإن القمة الثلاثية التي حضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طهران مؤخرا وجمعته بنظيريه التركي والإيراني تشير إلى ظاهرة مختلفة ومقلقة تماما، وهي حصول روسيا على تأييد الصين وإيران، على الأقل، وحياد قطاع كبير من العالم غير الغربي، وفق تقرير نشره موقع “ناشونال إنترست” (National Interest) الأميركي.

وكان بوتين قد منح الضوء الأخضر لاتفاق تصدير الحبوب عبر موانئ في البحر الأسود -وهو أول اتفاق رئيسي بين موسكو وكييف منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.

ويحدد الاتفاق -الذي تفاوضت عليه أوكرانيا وتركيا وروسيا والأمم المتحدة- إطارا لاستئناف شحنات الحبوب من أوكرانيا إلى أنحاء العالم.

وتنص الاتفاقية على إنشاء “مركز مراقبة” يعمل به مسؤولون من الأمم المتحدة وتركيا وروسيا وأوكرانيا في إسطنبول لمراقبة وتنسيق صادرات الحبوب من ممر بحري آمن.

ولم تُنشر تفاصيل الاتفاق في الحال، إلا أن مسؤولين روسا كانوا قد أصروا في السابق على إخضاع السفن الأوكرانية التي تحمل الحبوب إلى خارج البلاد للتفتيش من قبل البحرية الروسية في رحلة العودة، لخشيتهم من أن هذه السفن يمكن أن تُستغل في تهريب المعدات العسكرية إلى أوكرانيا.

وأُوكل للجيش التركي، بموجب النسخة النهائية للاتفاقية، مهمة فحص السفن الأوكرانية الواردة.

غير أن ميخايلو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، نفى وجود اتفاق مباشر من الناحية الفنية بين بلاده وروسيا. وعوضا عن ذلك، وقع البلدان “اتفاقا مماثلا” مع تركيا والأمم المتحدة.

ومع ذلك، فإن الصفقة تعد أول اتفاق “موضوعي” -وإن كان بالوكالة- بين موسكو وكييف منذ بداية الحرب، طبقا لتقرير ناشونال إنترست.

وأشار الموقع الأميركي إلى زيارة فلاديمير بوتين إلى إيران الثلاثاء الماضي، والتي حصل أثناءها على دعم طهران له. ففي بيان أصدره بالمناسبة، أعلن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي دعم بلاده للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، قائلا -في تغريدة على تويتر- “لو لم تبادر روسيا بالتصرف لكان الطرف الآخر قد بدأ بشن الحرب”.

دعم إيراني صريح لروسيا

وأنحى الزعيم الديني الإيراني باللائمة على حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ووصفه بأنه “كيان خطير”، مضيفا أن الغرب يعارض تماما وجود “روسيا قوية ومستقلة”، وأنه إذا أُتيح مجال للناتو “فلن يعترف بأي حدود”.

وبحسب تقرير الموقع، فقد توج اتفاق الحبوب أسبوعا من الدبلوماسية الروسية التي يقول الخبراء إنها كانت تهدف إلى إظهار أن الحملة الغربية لعزل موسكو اقتصاديا وسياسيا قد باءت بالفشل.

وتعليقا على القمة الثلاثية التي جمعت بين الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والإيراني إبراهيم رئيسي والروسي بوتين يوم الثلاثاء الماضي في طهران، أعرب جون درينان من المعهد الأميركي للسلام عن اعتقاده بأن “الروس سوف يفسرون انعقاد الاجتماع بأنه دليل على أنهم ليسوا معزولين في الواقع، وأنهم لا يزالون لاعبا رئيسيا في الشرق الأوسط”.

ويخلص التقرير إلى أن روسيا ظلت معزولة بشكل متزايد عن الغرب وبعض المؤسسات التي يقودها الغرب، إلا أن اجتماعات بوتين في طهران تشير إلى ظاهرة مختلفة ومقلقة تماما، وهي أنه رغم المحاولات المستمرة من قبل صانعي السياسة الأوروبيين والأميركيين لحشد جبهة عالمية موحدة ضد الكرملين، فإن قطاعا كبيرا من العالم غير الغربي حافظ على حياده أو -كما في حالة الصين وإيران- أيد صراحة تعامل روسيا مع الصراع.

المصدر : ناشونال إنترست

—————————-

قمة طهران الثلاثية.. كيف عادت الأطراف بما جاءت من أجله؟/ عريب الرنتاوي

لم تكن قمة طهران الثلاثية، التي جمعت الرئيس الروسي بنظيريه الإيراني والتركي الأسبوع الفائت، مصممة في الأصل، لتكون ردا على سلسلة القمم الثنائية والمتعددة، التي عقدها الرئيس الأميركي، جو بايدن، في كل من القدس وبيت لحم وجدة، لكن مصلحة طرفين منها: روسيا وإيران، التقت على الحاجة لتبديد نتائج جولة بايدن الشرق أوسطية، وإلقاء ظلال كثيفة من الشك والتشكيك بأهمية تلك النتائج، لا سيما وأن القمة في طهران جاءت بعد أيام قلائل من جولة بايدن وقمة جدة و”إعلان القدس” على وجه الخصوص.

القمة الثلاثية كانت مقررة مسبقا، وبهدف رئيس: درء الانهيار الأمني في شمال سوريا، في ضوء تطورات الوضع الميداني وتهديدات أنقرة بتنفيذ اجتياح خامس للمنطقة، وإنشاء حزام أمني على حدودها الجنوبية مع سوريا، وهي جاءت من ضمن “مسار أستانا”، وحملت “الرقم 7” في سلسلة من القمم المماثلة، لكنها سرعان ما ستصبح محمّلة بدلالات وأهداف أخرى.

في مضمون القمة وعلى هامشها، يمكن القول، إن الاجتماعات الثنائية التي أجراها القادة، والتي تركزت على العلاقة الثنائية بين بلدانهم، لم تكن أقل أهمية من اللقاء الثلاثي ذاته، والذي وإن نجح في إبعاد شبح اجتياح تركي فوري للشمال السوري، لم يبدد الخلافات والمخاوف بين الأطراف، لا سيما في دمشق، الحاضر الغائب عن القمة، بدلالة أن أردوغان، وفور عودته لبلاده، أعاد التأكيد مجددا، بأن العملية العسكرية التركية ما زالت خيارا مطروحا على الطاولة، برغم التحذيرات الروسية، وبالأخص الإيرانية، الصارمة من مغبّة الإقدام على خطوة من هذا النوع.

في الجانب الثنائي، الروسي الإيراني، بدا واضحا إن البلدين الذين يواجهان أشد العقوبات الأميركية والغربية عموما، وجدا نفسيهما في وضعية هبوط اضطراري على مدارج التنسيق والتعاون الثنائي، لكأن تطورات الأزمة الأوكرانية، تدفع بهما دفعا، لتعزيز التلاقي وتحييد قضايا الخلاف. ولقد توقعنا في بواكير الأزمة الأوكرانية، أن تتخفف موسكو من حذرها في مدّ يد التعاون مع طهران، وفي شتى المجالات، دون حساب للمخاوف والتحذيرات الغربية، ونقول اليوم، إن إيران إذ تذهب بعيدا في انفتاحها على موسكو في حقل الطاقة (صفقة الأربعين مليار دولار) وفي ميدان السلاح (الطائرات المسيّرة) وفي مجالات النقل والترانزيت والربط الإقليمي، فإنها تستشعر “فائض قوة” يُمكّنها من إدارة ملف مفاوضات فيينا مع المجتمع الدولي، من موقع أفضل.

في المقابل تجد تركيا، “العضو الناشز” في حلف الناتو، نفسها من جديد، أمام لحظة افتراق مع دول الحلف ومرجعياته. فهي لا تأبه للعقوبات الدولية – الأميركية، بخاصة المفروضة على إيران، وتفاخر باتفاق رئيسها مع نظيره الإيراني على رفع التبادلات التجارية بين البلدين من سبعة مليارات إلى ثلاثين مليار دولار في المستقبل القريب، ولا تمانع في إصدار بيانات التنديد بمنظومة العقوبات الدولية بين الحين والآخر، لا سيما حين تصدر عن جانب واحد، في إشارة حصرية للولايات المتحدة.

أما مع روسيا، فإن تركيا ما زالت تفضل أن تلعب دور “الوسيط”، مع أنها لا تقف على مسافة واحدة من الأطراف المتصارعة في أوكرانيا، وهي أقرب إلى كييف منها إلى موسكو، ويفاخر “بيرقدارها” بأن طائراته المسيّرة، باتت “رمزا للمقاومة الأوكرانية”. تركيا التي أخفقت وساطتها في وقف الحرب والشروع في مفاوضات سلام حول الأزمة الأوكرانية برمتها، لا تمانع في نقل هذه الوساطة إلى ميدان الحبوب و”الأمن الغذائي”، وتسعى لإنجاز ترتيبات خاصة بضمان سلاسل الإمداد وتأمين طرقه البحرية وتحديدا من الموانئ الأوكرانية وعبر البحر الأسود.

لقد خرجت أطراف القمة الثلاثة، بما جاءت من أجله. روسيا عززت قدرتها على مقاومة “الضغوط القصوى” التي تفرضها واشنطن والغرب عليها وقطعت شوطا إضافيا على طريق جذب إيران إلى دوائر تحركها ومجالها الحيوي، وضمنت تأييدا صريحا لحربها على أوكرانيا من أعلى مرجع إيراني، فيما تركيا التي تكاد تفقد دورها كمنصة وكريدور” للطاقة في ضوء العقوبات الغربية على النفط الروسي، تسعى في البحث عن خيارات بديلة، تمكنها من اجتياز ضائقتها الاقتصادية على مبعدة أقل من عام على انتخابات رئاسية حاسمة، أما إيران فقد غدت أكثر اطمئنانا لسلامة جناحيها التركي والروسي، الحاسمين لجهة ضمان قدرتها على الوقوف في وجه الضغوط الأميركية، ونجحت في تجنيب حليفها السوري، مخاطر تهديد أمني كبير من الجارة الشمالية، وإن إلى حين.

ماذا عن سوريا؟

لا نعرف الكثير مما دار خلف الأبواب المغلقة بهذا الشأن، ولا في المفاوضات التحضيرية التي سبقت القمة ورافقتها، كل ما نعرفه، أن “شبح اجتياح تركي خامس”، قد تراجع إلى الخلف، ونعرف أيضا، أن الأطراف الثلاثة، وبرغم خلافاتها، اتفقت على مطلب واحد: انسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا الشرقي. بوتين اعتبره وجودا مزعزعا لاستقرار سوريا وسلامة أراضيها ووحدتها الترابية، فضلا عن اتهامه واشنطن بـ”سرقة” النفط والمقدرات السورية. إيران اعتادت النظر إليه كوجود احتلالي معاد لها ولحلفائها، وهي التي طالما “تحرّشت” به عبر وكلائها. أما أردوغان فلم يكتف بمطالبة واشنطن سحب قواتها، بل وأعرب عن أمله في أن تمد موسكو وطهران، يد العون له في حربه على “الإرهاب”، مع أنه في مواضع أخرى، لم يتردد عن اتهام البلدين بدعم منظمة “بي كي كي” التي تعتبرها أنقرة، التهديد الأكبر لأمنها واستقرارها.

ونقول إن لكل طرف دوافعه الخاصة، الكامنة وراء هذه المطالبة الجماعية، فموسكو في خضم حرب كونية متعددة المجالات مع واشنطن، محورها أي “نظام عالمي جديد” سينشأ بعد أزمة أوكرانيا. وطهران وضعت منذ زمن، هدف إخراج القوات الأميركية من “غرب آسيا” وليس من الشمال الشرقي لسوريا فحسب. أما تركيا، فهي غاضبة و”متضررة” من الوجود الأميركي، الحامي للكيانية الكردية في هذه البقعة من سوريا حصرا، مع أنها دولة “حاضنة” للقوات الأميركية على ترابها الوطني.

وفقا لمصادر سورية مطلعة ومقربة من النظام، فإن مداولات قمة طهران حول الأزمة السورية، ذهبت أبعد من حدود مناطق انتشار “قسد” والعملية التركية في شمال سوريا، وربما تكون قد انصبت على فتح مسار تفاوضي بين أنقرة ودمشق حول الملف السوري من مختلف جوانبه، وأن الجانبين الإيراني والروسي تعهدا لتركيا بمساعدتها على معالجة ملفات أخرى شائكة، ومن بينها سلامة الحدود وتأمينها، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، وهو الملف الذي بات يضغط على أردوغان وحزبه، ويتحول إلى “كرة نار” تتصدر جدول أولويات الرأي العام التركي.

ولا تستبعد المصادر أن تكون الأطراف قد تداولت سيناريو عودة دمشق وأنقرة إلى “اتفاق أضنة – 1998″، أو نسخة معدلة عنه، تستجيب للتطورات الناشئة في العشرية الفائتة، وبما يضمن عودة الجيش السوري للانتشار على طول الحدود مع تركيا، ومعالجة القضية الكردية في الإطار السوري، نظير ضمانات بحفظ أمن الحدود وتسهيل عودة اللاجئين، ودونما حاجة لإنشاء منطقة آمنة أو أمنية، أو إعادة “هندسة الديموغرافيا” السورية في الشمال.

وتدلل المصادر على جدية البحث في المسألة السورية وشموله بالزيارة غير المجدولة التي قام بها وزير الخارجية السوري إلى طهران، للاطلاع من نظيره الإيراني على نتائج مداولات الزعماء الثلاثة، وتمهيد الطريق لإدماج القيادة السورية في هذا المسار لاحقا. وتكشف المصادر عن لقاءات تمت على هامش مناسبات دولية، جمعت مسؤولين سياسيين سوريين وأتراك، أما اللقاءات على المستوى الأمني، فلا أحد من الطرفين ينكر وقوعها.

في مختلف الأحوال، وبصرف النظر عن دقة التقديرات بشأن “نافذة فرص” بين دمشق وأنقرة، فإن الأطراف اتفقت على ما يبدو، على إنجاز سلسلة من الخطوات الفورية في الشمال السوري، تبدأ بالعودة إلى “تفاهمات سوتشي” 2019، و2020، والتي اقتضت انسحابا كرديا بعمق 30 كم، بما فيها من مراكز المدن، وانتشار الجيش السوري عوضا عنها، وتسليم الطريق “M4″، والمناطق الواقعة شماليه حتى الحدود مع تركيا للجيش السوري. وهي تفاهمات تعذّر تنفيذها سابقا من جانب الكرد، الذين تفصلهم عن دمشق هوة عميقة من انعدام الثقة، ورغبة دفينة في الاحتفاظ بمكتسبات العشرية الفائتة من السنوات.

الموقف من واشنطن

واشنطن واكبت عن كثب، مجريات قمة طهران وما تمخض عنها من تفاهمات واتفاقات، وهي ترقب بدقة سلوك الأطراف الثلاثة في سوريا، واشنطن أعادت تأكيد موقفها الداعم للكرد بوصفهم حليفا موثوقا في الحرب على الإرهاب. أما قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال مايكل كوريلا فقد اختار زيارة محافظة الحسكة في توقيت متزامن، والاجتماع بقائد “قسد” مظلوم عبيدي، في خطوة تبعث بمزيد من رسائل الاطمئنان لإطفاء القلق الكردي المتفاقم على وقع التهديدات التركية والتفاهمات الثلاثية في طهران.

ومما لا شك فيه، أن التفاهمات الثلاثية حول مصير الحركة الكردية والوضع في شرق الفرات والجزيرة، إن قُدّر لها الاستمرار والانتقال إلى حيز التنفيذ، ستُلقي بتحديات إضافية أمام الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، بل وستطرح أسئلة من العيار الثقيل عن السياسة الأميركية حيال سوريا، فإن ذهبت واشنطن بعيدا في حمياتها للكرد وتسليحهم وتدريبهم، قامرت بمزيد من التأزم في علاقاتها بحليف أطلسي وازن، بحجم تركيا، مدعوما هذه المرة باثنين من أشد خصومها: إيران وروسيا، وإن قامرت بالتخلي عن الكرد، تكون قد خسرت ما تبقى من صدقيتها في الإقليم، وعززت الانطباع الراسخ في أذهان كثيرٍ من حلفائها العرب: “المتغطي بأميركا عريان”، وفقا لعبارة الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك.

الحرة

————————

هذه أهم ورقة متبقية للغرب يمكنه أن يلعبها في مواجهة روسيا/ ماري ديجيفسكي

لا توحي تصرفات الرئيس بوتين أنه مستعد للتخلي عن آفاق استئناف العلاقات مع الدول الغربية

من الملاحظ أن كثيراً من الرسائل يتم تبادلها في الآونة الأخيرة حول العالم، وذلك جهد يشكر عليه زعيما كل من الولايات المتحدة وروسيا. ولكن وفيما أن المؤشرات الصادرة عن الولايات المتحدة كانت وفي أغلبيتها رسائل مباشرة، كانت  الرسائل الصادرة عن موسكو تشي بأن هناك كثيراً من الأمور المعقدة [البارزة] التي تجري هذه الأيام.

فيما يلوح موعد إجراء الانتخابات النصفية الأميركية في الأفق، قام الرئيس جو بايدن بجولة على بعض دول الشرق الأوسط في رحلة مثلت عودة إلى سابق عهد السياسات الأميركية [في تلك المنطقة]. فبعد فترة من الانقطاع تعود في جزء منها إلى مساعي الرئيس دونالد ترمب لإعادة تشكيل [تحديد] الأولويات الأميركية في الخارج، إضافة إلى جهود من سبقه مثل الرئيس باراك أوباما، والرئيس جورج دبليو بوش، لصرف التركيز الأميركي بعيداً عن أوروبا والشرق الأوسط من أجل الإنشغال [الاستدارة إلى الشرق] بما يجري في مناطق آسيا والمحيط الهادئ والصين، سعى الرئيس بايدن [في جولته الأخيرة] لتحويل مسار السياسات الأميركية وتوجيهها نحو المسارات التي كانت معتمدة في العقود الماضية.

في عامه الأول كرئيس للولايات المتحدة سار الرئيس بايدن على خطى كثير من اتجاهات السياسات الخارجية الأميركية – التي لم تكن موضع ترحيب- التي عمل على إرسائها الرئيس ترمب، ومن ضمنها قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وهو كان مصيباً ومبرراً، ولكنه نُفذ على نحو سيئ، إضافة إلى النهج الخجول [المتساهل] في التعامل مع التدخل الروسي في سوريا. ولكن كل ذلك انتهى في تاريخ 24 فبراير (شباط) مع بدء الاجتياح الروسي لدولة أوكرانيا.

الولايات المتحدة الأميركية جددت التأكيد ومن دون تأخير التزامها الدفاع عن أوروبا عبر حلف الأطلسي. وكان لرحلة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط- وهي الرحلة الأولى له إلى المنطقة منذ بلوغه سدة الرئاسة الأميركية، أن أعادت تأكيد الالتزام الأميركي بدعم إسرائيل، إضافة إلى طي الشقاق مع السعودية، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018، معيداً التأكيد على استمرار الدعم الأميركي لتلك المنطقة.

وكان بايدن يسعى للحصول في مقابل ذلك على التزام تلك الدول زيادة إنتاج النفط من أجل تحقيق استقرار أسواق النفط العالمية والعمل على خفض الأسعار. في زمن الرئيس بوش، كانت إدارته ترغب ربما في العمل على خفض نطاق التدخلات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط عبر إنهاء الاعتماد الأميركي على الطاقة المستوردة من تلك المنطقة، وهو أمر لم يتم تقديره كثيراً خلال فترتيه الرئاسيتين، لكن الاجتياح الروسي لأوكرانيا والعقوبات الدولية [التي فُرضت على روسيا] التي تلت ذلك قامت بتغيير صورة أسواق الطاقة العالمية رأساً على عقب.

الأمر الوحيد الجديد، وعن طريق الصدفة، ويمكن اعتباره استمرارية لعهد ترمب، كان رحلة الرئيس الأميركي الجوية الفريدة والمباشرة بين الأراضي الإسرائيلية والسعودية، والتي ترتبت على الاتفاق الإبراهيمي الذي كان قد بدأ عملية كسر الجليد بشكل مبدئي بين إسرائيل ودول الخليج العربية. غير ذلك، فقد شكلت الزيارة عملية عودة إلى النهج القديم وإشارة إلى أن عملية فك الارتباط الأميركي مع قضايا المنطقة قد انتهت الآن. جولة الرئيس بايدن لم تكن مجرد فرصة للقول للناخبين الأميركيين إن رئيسهم كان يفعل كل ما هو متوقع من رئيس أميركي في الشرق الأوسط وأبعد منه، بل أيضاً، الغمز من القناة الروسية بأن الولايات المتحدة الأميركية قد عادت إلى المنطقة، إذا صح الحسبان بأنها غادرتها في يوم من الأيام. 

ولكن وفيما كانت الطائرة الرئاسية الأميركية الأولى تغادر واشنطن، أعلن في موسكو أن الرئيس فلاديمير بوتين كان في طريقه لزيارة إيران، وحطت طائرته هناك بعد مجرد يومين على عودة الرئيس بايدن إلى بلاده.

ما الرسائل التي يمكن لزيارة خارجية واحدة أن تبعث بها؟ فقد تضمنت زيارة بوتين إلى إيران مجموعة من الرسائل المختلفة. إذ تعتبر زيارة بوتين إلى إيران رحلته الخارجية الثانية فقط منذ بدء اجتياح أوكرانيا، وكانت الرحلة الأولى زيارة قام بها إلى كل من الجمهوريتين السوفياتيين السابقتين طاجيكستان وتركمانستان، حيث شارك بوتين في أعمال قمة دول بحر قزوين.

كان مثيراً في تلك الزيارة عاملان أساسيان هما التوقيت والوجهة. فربما ليست هناك أي دولة أخرى في العالم تسود علاقات الولايات المتحدة معها هذا المستوى من السوء مثل العلاقة مع إيران، فليس بين البلدين علاقات دبلوماسية منذ اندلاع “الثورة الإسلامية” هناك وأزمة الرهائن التي تلت، وروسيا تدرك ذلك تماماً. ولا بد من الإشارة إلى أن علاقات روسيا نفسها مع إيران لا يمكن اعتبارها علاقة تسير على أفضل ما يرام، لاعتبارها جاراً لا يمكن التنبوء بمواقفه. فموسكو تتعامل مع طهران بحذر، ولقد نجح الجانبان في التوصل إلى تسوية، وكان من شأن ذلك تلطيف العزلة الدولية التي تعيشها إيران مما ساعد طهران على تأمين الحصول على ما تحتاجه من الطاقة وسد أي عجز تعانيه أيضاً.

لكن ومن خلال زيارته إلى إيران لم يكن الرئيس بوتين يقدم “عدو عدوه” على أنه صديق، خصوصاً وأن روسيا تعتبر الحرب الأوكرانية “حرباً بالوكالة” يخوضها كل من حلف الأطلسي والولايات المتحدة ضدها. من خلال تلك الزيارة حاول بوتين أيضاً التأكيد على دور روسيا ووجودها على المستوى الإقليمي. وتضمنت زيارة الرئيس بوتين اجتماعاً مع كل من الرئيس الإيراني والمرشد الأعلى، لكن الأهم من ذلك كانت القمة الثلاثية التي عقدت مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث كان التوتر بين الدول الثلاث في سوريا في صلب المحادثات، إضافة إلى مسألة إمكانية التوصل لترتيبات لتسهيل عملية تصدير الحبوب الأوكرانية عن طريق البحر.  

الكثير وربما الكثير جداً يثار حول سياسة روسيا الخارجية واستدارتها نحو الشرق كرد على نبذها من قبل الدول الغربية بعد اجتياحها أوكرانيا. إلى حد ما، فإن بوتين لطالما اجتهد لموازنة علاقات بلاده بين الغرب والشرق. فإحدى أولى السياسات الخارجية التي انتهجها كرئيس لروسيا كانت العمل من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي لتسوية وضع حدود بلاده مع الصين [التي كان متنازع عليها]، وقامت روسيا بعقد صفقات لتوريد الطاقة إلى الصين منذ ذلك الوقت.

وبدلاً من القيام بانعطافة مفاجئة، كان هناك تطور تدريجي في تلك العلاقة. وعندما تحرك حلف الأطلسي نحو الشرق وقامت الدول الغربية بفرض العقوبات على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، كانت روسيا مهتمة بإظهار حوزتها على البدائل لعلاقاتها مع الدول الغربية. هذا البحث [عن علاقات] أصبح أكثر إلحاحاً بالطبع منذ الاجتياح الروسي لأوكرانيا. 

ولكن ليس كل ما يلمع ذهباً. بداية فإن الاجتياح الروسي لأوكرانيا لم يضعف وضع موسكو المالي، كما لم ينجح في عزلها دبلوماسياً بحسب الحسابات الغربية. فقد كان للعقوبات التي فرضت على قطاع الطاقة الروسي مفعول معاكس على وضع المالية الروسية، وفيما لم تحصل موسكو إلا على دعم تأييد خجول لحربها، فإن مجموعة من الدول، بما فيها الصين والهند وغيرهما في الشرق الأوسط وأفريقيا، فضلت عدم التنديد بالخطوة الروسية أيضاً. فكثيرون من هؤلاء يرون أن النزاع هو مسألة إقليمية ويفضلون، ولأسباب مختلفة، أن يبقوا على علاقاتهم الطيبة مع روسيا.

هذا ولم تكن الانعطافة الروسية، وفي كل الأحوال نحو اختيار الدول غير الغربية مكتملة كما سعت [موسكو] إلى تصويرها. في طهران، كان الرئيس بوتين يناقش إضافة إلى أمور أخرى، ترتيبات قد تسمح لأوكرانيا بتصدير مخزونها من الحبوب عن طريق البحر. لماذا، وخصوصاً خلال الحرب المستعرة، يمكنك أن تطرح السؤال، قد تقوم روسيا بعدم استخدام كل الأسلحة المتوفرة في ترسانتها وبما فيها مخزونات الحبوب الأوكرانية؟ ولماذا أيضاً هي لم تقم حتى بقطع واردات الغاز والنفط عن الاتحاد الأوروبي حتى قبل أن تبدأ أوروبا بفرض عقوبات على موسكو، ولكنها قامت بذلك اليوم، على خلاف ما توقعه كثيرون، واستأنفت تزويد أوروبا بالغاز عن طريق أنبوب خط السيل الشمالي واحد؟

دعوني هنا أقوم ببعض التخمينات العشوائية. أولاً، إن روسيا ربما تترك مسألة قطع تصدير الغاز تماماً عن أوروبا خياراً محتملاً لاحقاً (ربما لاستخدامه ورقة في فصل الشتاء)، أو أن تستخدم ذلك كورقة مساومة في مرحلة الحل النهائي للمسألة الأوكرانية. ثانياً، إن روسيا تبدو متخوفة وبشكل صادق من أن يتم تحميلها مسؤولية نقص الغذاء على المستوى العالمي، بسبب قلقها ربما من أن حال عدم الاستقرار التي قد تنشأ قد تؤثر على دول تشتري منها وارداتها من الطاقة بنسبة أكبر من أي اعتبارات إنسانية لديها، وربما أيضاً لأن فساد مخزونات الحبوب في أوكرانيا قد يؤدي إلى تغيير المواقف بشكل مؤثر أكثر ضد روسيا في الأمم المتحدة.  

السبب الثالث، هو ربما لأن روسيا تعلم أن الحرب في أوكرانيا، قد سمحت بفضح حقيقة قوتها العسكرية، وقد أدت إلى ضرب مصداقيتها ومكانتها كدولة عظمى خارج المعسكر الغربي. ورابعاً، وفيما يبدو أن روسيا بصدد القيام بانعطافة نحو الشرق، ولكن الهدف من ذلك أن تثبت موسكو للدول الغربية أن لديها خيارات أخرى. في الواقع، لا يبدو أن روسيا مستعدة للقضاء على كل احتمالات استئناف العلاقات مع الدول الغربية وعودتها إلى سابق عهدها. فهي لا تزال تعتبر نفسها، وتود أن ينظر إليها على المدى البعيد على أنها قوة أوروبية. وفيما تتواصل الحرب الأوكرانية، ربما تكون هذه أهم أوراق المساومة المتاحة أمام الدول الغربية.

—————————

كيف ستتصرف أنقرة بعد قمة طهران؟/ سمير صالحة

نعيش على أعصابنا منذ أواخر شهر أيار المنصرم. العملية العسكرية التركية الخامسة في الشمال السوري قد تبدأ في كل لحظة. لكن أنقرة لم تأخذ ما تريده من روسيا وإيران في قمة طهران. العكس هو الصحيح نحن رأينا المزيد من العناد والتصلب في مواقف البلدين. التحقت واشنطن وتل أبيب وبرلين وغيرها من العواصم في رفض العملية التركية ضد مجموعات قسد فكيف ستتصرف القيادات التركية بعد الآن؟

اتفاقيات وعقود استراتيجية بين روسيا وإيران تقول إن التنسيق والتعاون في ذروته بالمقابل هناك وساطة إيرانية بين تركيا ودمشق ووساطة روسية بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام ودعوات من أقطاب أستانا لانسحاب أميركي يعرقل فرص الحل والتسويات في سوريا. فمن الذي يحفر للآخر وأين سيقع ما هو غير متوقع؟ هل الهدف هو إعادة إحياء آلية أستانا أم إعلان وفاتها والبحث عن صناعة مشهد سياسي جديد في سوريا بعدما عدنا إلى مسرحية التنافس على الاحتماء بالإعلام لقلب المعادلات والتوازنات على الأرض؟

تمنح الأجواء والمتغيرات الإقليمية قمة طهران أهمية إضافية. لكن التقارب الإيراني الروسي الصيني في المنطقة ونتائج قمة جدة الموسعة هو الذي يقلق واشنطن وليس القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية في طهران.

فشلت واشنطن في التقريب بين الأتراك وقسد في سوريا ورفضت قيادات كردية سورية العرض الأميركي الذي نقله السيناتور غراهام بالانسحاب وتسليم بعض المناطق للقوات التركية. فهل تنجح موسكو وطهران في التقريب بين أنقرة والنظام في دمشق وهل يكفي أن نقول إن قدوم وزير خارجية النظام على عجل إلى العاصمة الإيرانية وقبل مغادرة الوفود يحمل معه رسائل تحول في المواقف والسياسات وإننا أمام الجديد في لعبة النقلات السياسية والعسكرية فوق الأراضي السورية؟

هناك من أصر على وصف قمة طهران الثلاثية الأخيرة بالتاريخية رغم أننا لم نشاهد بعد هذه الإنجازات الكبيرة التي يتحدث عنها البعض ورغم أن الأطراف المشاركة نفسها لم تعلن أنها أنجزت اختراقات سياسية وأمنية حقيقية في التعامل مع ملف الأزمة السورية.

بيان قمة طهران الختامي كرر نفسه وجاء مشابها لبيانات سابقة تعودنا عليها في أستانا وسوتشي وغيرها من المؤتمرات الإقليمية والدولية حول سوريا في طهران، كان هناك قمة ثلاثية على طريقة “الفيس فوود”. اجتماعات قصيرة ومختزلة وأكل جاهز يسهل مغادرة كل طرف الطاولة بأسرع ما يكون، وبيان ختامي مركب صاغت كل دولة مقاطع معينة فيه وتم تركيبه وترتيبه بما يرضي الأطراف المشاركة.

قمة طهران جاءت على عجل بالنسبة لإيران تحديدا التي كانت تريدها عملية رد سريع على جولة بايدن الشرق أوسطية واللقاءات العديدة التي أجراها على هامش قمة جدة التي شعرت القيادة الإيرانية أنها تؤسس لمعادلات إقليمية جديدة ستكون هي المتضرر الأول فيها.

عندما شعرت الدول الثلاث أنها تسير نحو انسداد في المواقف وابتعاد عن المتوقع والمأمول، التقت حول انتقاد أميركا وإسرائيل في سياستهما السورية وممارساتهما على الأرض للخروج من الورطة الإنجازات كانت ثنائية أكثر مما أن تكون ثلاثية تخرج آلية أستانا من أزمة الجمود والتراجع لصالح آلية سوتشي التركية الروسية وهي نقطة الفشل الأولى بالنسبة لإيران التي كانت تسعى لاسترداد موقعها أمام الطاولة الثلاثية في سوريا فوجدت نفسها ملزمة بالتنسيق مع روسيا والجلوس تحت مظلتها في مواجهة السياسة التركية. الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومطالبة أميركا بمغادرة شرق الفرات كانت القواسم المشتركة التي قربت الدول الثلاث، رغم أن أسباب اللقاء وأهدافه وجدول أعماله كان ينبغي أن يكون مختلفا تماما. منظومة دول الأستانا لم يعد لها أي تأثير في ملف الأزمة السورية وما أعلنه الرئيس التركي حول البحث عن سبل جديدة لتفعيل دورها يعني بشكل آخر وضع باقة الزهور فوق هذا الضريح الذي كان يحتضر منذ أشهر ووافته المنية في الطريق الى طهران .

قصد أردوغان طهران بهدف إقناع بوتين ورئيسي بما يقوله ويريده في شمالي سوريا وفوائد ذلك على الجميع. لكنه وجد تفاهما روسيا إيرانيا بانتظاره يحاول إقناعه بالتراجع عن تمسك تركيا بعمليتها العسكرية الخامسة في شمال شرقي سوريا مقابل تعهدات بإسقاط ورقة قسد من يد واشنطن عبر توفير الحماية لها تحت علم النظام أولا ثم تسهيل استرداد الأخير لمناطق نفوذ المجموعات الكردية بالتنسيق مع بعض القبائل والعشائر العربية ثانيا وحسم موضوع التباعد بين الأطراف في ملفات الوضع القائم في إدلب ومشروع المنطقة الآمنة ومسألة عودة مئات الآلاف من اللاجئين إلى أرضهم وملف إدخال المساعادت الغربية التي ستوضع كلها في سلة تسوية واحدة يحركها هدف إقناع تركيا بقبول العودة إلى بنود اتفاقية أضنة عام 1997 بدلا من التمسك باتفاقيات تشرين الأول 2019 التي وصلت إلى طريق مسدود مع روسيا وأميركا على السواء. ردة فعل دمشق وواشنطن في المرحلة المقبلة ستساعدنا على معرفة وجود سيناريو من هذا النوع لكن مؤشرات حديث أردوغان عن تنسيق محتمل بين أنقرة وطهران في مجالات التصنيع العسكري رغم تعارض ذلك مع التحالفات التي بنتها أنقرة غربيا وانفتاحها الأخير على العديد من العواصم العربية وإسرائيل يكاد يوحي أن احتمال بروز تفاهم من هذا النوع كبير جدا وأن واشنطن هي التي ستكون المتضرر الأول والأكبر فيه. طبعا هذا ما قد يحدث في المرحلة القصيرة المقبلة حيث إن أبرز نتائج قمة طهران لم يكن رفض الوجود الأميركي اللاشرعي في سوريا والمطالبة برحيله. بل تحميل واشنطن مسؤولية فتح الطريق أمام حالة انفصالية لا بد من التصدي لها من خلال سحب ورقة حليفها المحلي من يدها ودفعها الى خارج لعبة التوازنات هناك. لكن على المدى الطويل على الأطراف الثلاثة أن يتحسبوا لردة الفعل الأميركية الإسرائيلية أيضا التي لن تقبل أن تخرج إيران تحديدا أقوى مما هي عليه اليوم في المشهد السوري.

ذهب الرئيس التركي إلى طهران لإقناع القيادات الروسية والإيرانية بضرورة العملية لكنهما كانا من يحذر من خطورة ارتدادات عمل من هذا النوع على وحدة سوريا وتماسكها. فهل حصلت أنقرة على ما تريده في ممر الحبوب الأوكرانية وأعطت موسكو ما تريده هناك مقابل تفاهمات جديدة في المشهد السوري؟

ما إن انتهت اجتماعات طهران حتى وقعت حادثة دهوك. التوقيت لا يمكن فصله عن حصيلة قمة العاصمة الإيرانية. هل شعرت القيادة الإيرانية أن هناك ترتيبا تركيا روسيا ما على حسابها في سوريا فقررت الرد في العراق؟ تقديرات موقف تركيا عديدة تدعو للبحث عن أصابع إيران حيال ما جرى في زاخو. فطهران لن تقبل بحصول مساومات تركية روسية استراتيجية البعد على حساب مصالحها ونفوذها في ملف تعتبره في صلب سياساتها وتموضعها الإقليمي.

هناك من يريد الاقتراب منك ليس لمواساتك بل ليتأكد أنك تتألم!

تلفزيون سوريا

———————-

قمّة طهران.. إلى أين تتجه العملية السياسية؟/ محمد السكري

تزامنت قمّة طهران الأخيرة في إطار مسار أستانا، على صعيد الرؤساء مع تعطّل العملية السياسية أي اللجنة الدستورية لأول مرّة منذ بداية المسار في تشرين الثاني/ نوفمبر، 2019. مع أنّه يُعنى بالملفات الأمنية والاقتصادية لا سيما تلك الخاصة بالعملية العسكرية التركية ومساعي المنطقة الآمنة، إلّا أن الملف السياسي السوري لم يغب عن مخرجات القمّة فقد أشار لبيان جنيف (1) والقرارات ذات الصلة لا سيما القرار الأممي (2254) كمرجع أساسي للعملية السياسية واستمرار العمل والتنسيق وصولاً لإيجاد حل مستدام.

اللافت، عدم الإشارة إلى مصير النظام السوري أو الانتقال السياسي، من قبل الدول الثلاثة. في حين، كان التركيز على مسارٍ سياسي يحافظ على سيادة الدولة ووحدة الأراضي السورية، لربما هذه محاولة لترحيل الملفات الخلافية لا سيما مصير رئيس النظام السوري “بشار الأسد” وماهية العملية السياسية. لعلّ الخلاف المركزي في هذا المحور حول طبيعة العملية السياسية، أي القراءات المتباينة للقرارات الدولية بين ما نتج عن مؤتمر سوتشي الروسي، والمسار الذي ترعاه الأمم المتحدة، مع ذلك كان هناك تماهٍ تركي مع موسكو وطهران في الانتقال لسلة الدستور رغبةً منها في ربط المسار السياسي بتطورات “تجميد النزاع”.

مع ذلك، لم ينتج عن إدارة هذه التقاطعات أي بوادر للتقارب، بل عمّقت الفجوة وأفقدت العملية السياسية جوهرها لا سيما حول “الانتقال السياسي” الذي على ما يبدو بات خارج إطار الطرح كلياً مع أنّه في صلب القرار كنتيجة ومحصلة. لكن القراءة الروسية-الإيرانية مختلفة بشكل كامل فروسيا باتت غير مقتنعة لحدٍ بعيد حتّى بالمسار الذي فرضته كأمرٍ واقع مع تراجع الاهتمام الأميركي لا سيما خلال ولاية الرئيس السابق “دونالد ترامب” وهذا ما دفعها لأن تصبح جزءًا من التعطيل أكثر من أنها جزء من الحل، متماهية مع الموقف الإيراني.

فعلى سبيل المثال؛ صرّحت روسيا على المستويين الفني والرئاسي كان آخرها على لسان المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، في كانون الأول/ ديسمبر، 2021 بأنّ الغرض من اللجنة الدستورية يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في سوريا، وهذه كانت نقطة ارتكاز تعّبر بوضوح عن النظرة الروسية للقرارات الدولية التي لطالما تشير لها؛ أي أنّها لا تخرج عن إطار تشكيل “حكومة تكنوقراط” مع إبقاء الهيمنة للنظام السوري على شكل السلطة وإدارة الحكم.

    المؤشرات قد تدل، بأنّ المطلوب ليس تقديم النظام التنازلات، بل المعارضة خاصةً على صعيد أجندة التفاوض، وآليات الخطاب الذي بالفعل قدمت المعارضة فيه تنازلات كبيرة كان آخرها وصف وفد النظام بـ “وفد الجمهورية العربية السورية”

ومن هنا، يمكن الإشارة إلى نقطة عدم التقاطع بين الموقفين التركي والروسي، فتركيا قد تكون تنازلت عن فكرة الانتقال السياسي وما يتبعه من تحوّل ديمقراطي، الذي قد يرافق العملية السياسية بما في ذلك مصير رئيس النظام السوري، لكنها تدعم بقوّة ضرورة إشراك المعارضة في السلطة، وقد يكون الهدف من ذلك غير مرتبط فقط بضرورة التوصل لتفاهم أو حل، بقدر الحفاظ على مكاسبها التي حققتها في سوريا، والتي لا بدّ أن تمر عبر المشاركة في السلطة والتأثير في الحياة السياسية السورية بالقدر الذي يساعدها على تنفيذ أو تمرير سياستها والحفاظ على استدامة “المنطقة الأمنية” التي تريدها أي طوق عمقها الجيواستراتجي في الأراضي السورية.

لذا، تعتبر موسكو، هذا الطرح غير مقبول، مما يدفعها لمعارضة أي عملية عسكرية تركية، فالقضية بالنسبة لها غير مرتبطة فقط بتوزع النفوذ، وإنما الخشية من الاستثمار التركي من هذا التوسع لينعكس على العملية السياسية، وهذا يفضي لمنح أنقرة نقاطا بالمجان على حساب منافسيها. مما يعني أنّ طبيعة هذه العملية التي تتوافق عليها الأطراف غير موجودة من الأساس. ما يعزز القول بأنّها مجرد غطاء لاستمرار حالة إدارة الوقت والتمترس النسبي خلف المنجزات المرحلية التي تحققت على الصعيد النفوذي.

الحقيقة، أنَّ جوهر العملية السياسية بالنسبة لقوى الصراع بالقياس إلى الملفات المركز عليها هي أدوات بناء الثقة أي؛ التعافي المبكر، فكلِ دولة تنظر لهذا المسار بكونه مؤصّلا لمرحلة قادمة قد تفتح الأفق أمام جملة من المتغيرات. بالتالي، قد تساهم في إحداث خرقٍ بصرف النظر عن ماهيته. تركيا، ترنو لأن يساهم المسار في إنماء المناطق التي تسطير عليها وإعادة اللاجئين السوريين وبناء المنطقة الأمنية التي تريدها، وتنظيم ومأسسة عمل هياكل المعارضة، لا سيما على صعيد الإنماء والإدارة والحوكمة. في حين، موسكو تأمل بأنّ التعافي قد يمنحها القدرة على التحرك في خضم تحريك ملف إعادة إنتاج النظام على الصعيد الدولي والإقليمي لا سيما في إطار مسار تطبيع العلاقات الذي يشهد مداً وجزراً.

صحيح، أن لإيران وجهة نظر مختلفة عن روسيا، إلّا أنّها متماهية معها لحدٍ بعيد، في الأصل طهران موقفها أكثر صلابةً من موسكو، إذ ترفض إشراك المعارضة في السلطة على جميع المستويات. لكن، يبدو أنّ تعقّد المشهد جعلها منساقة مع الموقف الروسي، طالما أن المسار السياسي لن يؤدي إلى النتائج المرغوب بها. وهنا، يكمن التركيز الإيراني، على مسار التعافي في تقويض العقوبات الاقتصادية التي تستهدف شخصيات مرتبطة بها بشكل شللي، والاستفادة منه في الاستثمار بملف المساعدات الإنسانية لأجل إعادة الإعمار لا سيما بشأن المشاريع التي تشرف عليها في دمشق ومحيطها.

على أيّ حال، كل هذه المعطيات تُشير بأنّ مخرجات قمّة طهران على الصعيد السياسي، توحي برغبة العودة إلى اللجنة الدستورية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة النظر بملفين؛ الأول، مرتبط بالمكان الذي بات لدى روسيا تحفظات حوله في انعكاسٍ للحرب الأوكرانية. الثاني، بتقليل الهوّة بين وفدي النظام والمعارضة.

والمؤشرات قد تدل، بأنّ المطلوب ليس تقديم النظام التنازلات، بل المعارضة خاصةً على صعيد أجندة التفاوض، وآليات الخطاب الذي بالفعل قدمت المعارضة فيه تنازلات كبيرة كان آخرها وصف وفد النظام بـ “وفد الجمهورية العربية السورية” في بيانٍ صحفي للمرّة الأولى خلال تعطيل روسيا للجنة الدستورية.

————————-

مستقبل سورية بعد قمة طهران/ محمود علوش

على مدى السنوات التي أعقبت انخراط تركيا مع روسيا وإيران في منصة أستانة في 2017، سعت موسكو إلى إيجاد أرضيةٍ مشتركةٍ مع أنقرة للتوفيق بين أهدافهما الجيوسياسية المتناقضة في سورية، فضلاً عن لعب دور ضابط الإيقاع في التنافس التركي الإيراني. بقدر ما كان التعاون التركي الروسي مهماً في إيجاد هذه المساحة وتطويرها بعد ذلك إلى تنسيقٍ في مجالات وقضايا إقليمية أخرى، مثل ليبيا وجنوب القوقاز والتعاون الدفاعي، فإن طهران ودمشق نظرتا إليه على أنه حدّ من طموحات نظام الأسد باستعادة السيطرة على المناطق التي لا تزال خاضعة للمعارضة. ومن جهة ثانية، ضغط على المصالح الجيوسياسية الإيرانية في البلاد. مع ذلك، اكتسبت منصّة أستانة أهمية في إدارة عملية التنافس بين الدول الثلاث، بالنظر إلى دورها في تطبيع الوضع الأمني في مناطق كثيرة، عبر اتفاقات وقف إطلاق النار وتحويل هذه القوى إلى دول ضامنة، فضلاً عن إضعاف الدور الغربي في الصراع.

في هذا السياق، أكّدت قمة طهران التي جمعت الأسبوع الماضي الرؤساء الإيراني إبراهيم رئيسي والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، استمرارية هذه الشراكة، لكنّها اكتسبت، هذه المرّة، أهمية أكبر مقارنة بالقمم السابقة المماثلة، كونها تأتي في خضم تحولات إقليمية ودولية كبيرة تؤثّر على طبيعية الدينامية التي تسير بها الشراكة. فمن جانبٍ، تسعى إيران إلى الاستفادة من تحوّل الاهتمام الروسي نحو حرب أوكرانيا بهدف تعزيز حضورها السياسي والعسكري والاقتصادي في سورية. ومن جانب آخر، تسبب دعم تركيا أوكرانيا بطائرات مسيرة والقيود التي فرضتها على حركة وصول القوات الروسية إلى سورية عبر البحر والجو، بزيادة الضغط على العلاقات التركية الروسية. رغم استراتيجية التوازن التي تنتهجها أنقرة في الصراع الروسي الغربي، إلّا أنها بدت مُصمّمةً على الاستفادة من التحوّل الروسي لتحسين موقفها في سورية. نتيجةً لهذا التصميم، تُلوح أنقرة منذ فترة بشن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وتعتقد أن الظروف الراهنة تبدو مناسبةً لفرض واقع جديد في حربها ضد المشروع الانفصالي الكردي.

لقد حققت الدول الثلاث أهدافاً مختلفة من منصّة أستانة. عزّزت روسيا دورها القيادي في سورية ودفعت تركيا وفصائل المعارضة التي تدعمها إلى التخلي عن مشروع إطاحة نظام الأسد والانخراط جزئياً في جهودها لإنهاء الصراع. وبالنسبة لإيران، شكّل التحول التركي إقراراً بفشل جهود إطاحة الأسد. أما أنقرة، فاستطاعت، إلى حد كبير، التفرّغ لمواجهة المشروع الانفصالي الكردي. مع ذلك، كانت الشراكة الثلاثية، على الدوام، عرضة لتضارب المصالح. يكمن السبب في ذلك في أنّ هذه الشراكة كانت في الواقع نتاج شراكتين متناقضتين. الأولى، روسية ـ إيرانية ترتكز على مصلحة مشتركة في دعم استمرارية نظام الأسد وتقويته، لكنّها تتنافس في التأثير عليه. والثانية، روسية ـ تركية تتجاوز في دوافعها الجغرافيا السورية، لكنّها قيّدت قدرة دمشق وطهران على استعادة السيطرة على ما تبقى من مناطق المعارضة. علاوة على ذلك، كان الدور القيادي لروسيا يحدّ من نطاق أنشطة إيران في سورية من خلال الشراكة مع إسرائيل والعلاقة التعاونية مع تركيا.

في الوقت الراهن، لا تزال موسكو تولي أهميةً للشراكة مع أنقرة، لكنّ العزلة الغربية التي تعرّضت لها بعد حرب أوكرانيا تدفعها إلى التركيز بشكل أكبر على تطوير العلاقة مع إيران إلى شراكة استراتيجية. يتطلع بوتين إلى الاستفادة من تجربة إيران الناجحة في التعايش عقوداً طويلة مع العقوبات، وتطوير مجالات الشراكة معها لتشمل قطاعاتٍ مختلفة، منها الطاقة التي تُعد أحد المجالات الرئيسية في الصراع الروسي الغربي. كذلك ترغب موسكو في اقتناء الطائرات المسيّرة الإيرانية لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا. من شأن ذلك أن يُقلّص من المزايا التي تحصدها تركيا من منصّة أستانة. تُبرز المعارضة الروسية الإيرانية الموحّدة لرغبة تركيا في شن هجوم جديد ضد الوحدات الكردية كيف أن موسكو باتت تميل إلى الأخذ بالاعتبار موقف إيران تجاه الدور التركي في سورية. نتيجة لذلك أيضاً، ستجد إسرائيل صعوبة في مواصلة عملياتها العسكرية ضد الوجود الإيراني في سورية.

في غضون ذلك، تجد القوى الثلاث مساحة مشتركة للتفاهم عليها في هذه المرحلة، وهي الدفع باتجاه الانسحاب الأميركي من شمال شرق سورية وتحجيم المشروع الانفصالي الكردي. أدّى الانسحاب الأميركي من أفغانستان واتجاه واشنطن إلى تخفيف انخراطها في المنطقة إلى طرح تساؤلات حول مستقبل الوجود الأميركي في سورية. استطاعت قمّة طهران وضع قضية الوحدات الكردية في إطار تفاوضي ثلاثي من خلال الاتفاق على التعاون في مكافحة الإرهاب. لا يزال هذا الاتفاق غير واضح، ومن المحتمل أن يفشل، في نهاية المطاف، بالنظر إلى عدم استعداد أنقرة للقبول بعودة منطقتي تل رفعت ومنبج في غرب الفرات إلى سيطرة النظام. يكمن التحدّي الرئيسي في كيفية ترجمة التوافق الثلاثي حول التعاون في مكافحة الإرهاب على أرض الواقع.

على الرغم من خلافاتهم، حرص بوتين ورئيسي وأردوغان على التعبير عن رغبتهم بمواصلة التعاون في سورية. ويُشكل اتفاق سوتشي الذي توصلت إليه أنقرة وموسكو في عام 2019 بخصوص منبج وتل رفعت أرضية مناسبة للشروع في مفاوضاتٍ بشأن التسوية المحتملة. على عكس موسكو التي سعت باستمرار إلى التأكيد على مراعاتها الهواجس الأمنية التركية بخصوص المشروع الانفصالي الكردي، كانت طهران تتجنّب تبني هذا الخطاب لعدم منح شرعية للوجود العسكري التركي في سورية. مع ذلك، أصبح الخطاب الإيراني اليوم أكثر واقعية في مقاربة الدور التركي. لقد أبدت طهران، خلال زيارة وزير خارجيتها أخيراً أنقرة، استعدادها للعب دور الوساطة بين أنقرة ودمشق. وهناك تفسيرات عديدة لهذا التحول في الخطاب الإيراني أن طهران تسعى إلى ترطيب علاقاتها مع أنقرة على أمل إبعادها عن الانخراط في تكتل إقليمي مع إسرائيل ودول الخليج لمواجهة نفوذها في سورية والمنطقة. ثانياً، ترى إيران في الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا فرصةً لتعزيز حضورها في الشمال السوري. والتعاون مع تركيا في مكافحة الوحدات الكردية يُقلل من مقاومة أنقرة طموحاتها.

مع انشغال روسيا في حرب أوكرانيا التي تبدو طويلة، لا يستطيع بوتين تحمّل أي اضطراب في التوازن السوري، والذي سيتطلب منه استثمار مزيد من الموارد العسكرية هناك. في نهاية المطاف، الاستراتيجية الروسية والإيرانية في سورية واضحة. بقاء الأسد في السلطة ومساعدته على استعادة السيطرة على كلّ البلاد. انطلاقاً مما سبق، ستبقى الشراكة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية في سورية مترابطة في المستقبل المنظور، حتى لو قرّرت أنقرة المضي في خطة عمليتها العسكرية. وفي ما يتعلق بالعلاقة الروسية الإسرائيلية في سورية، فإنّ مستقبلها مرهون بمسار الصراع الروسي الأوكراني. في حال نجحت موسكو والغرب في وضع حد للصراع بشروط روسية، فإنّ من المرجح أن يعود بوتين إلى الوضع السابق في العلاقة مع كلّ من إيران وإسرائيل في سورية. خلاف ذلك، سيُكرس الوضع الجديد الناشئ بين إيران وروسيا.

العربي الجديد

———————

صفقة سياسية مقابل العملية التركية شمالي سوريا.. ما العرض الروسي الإيراني لتركيا؟/ فراس فحام

تعمل كل من روسيا وإيران على استثمار النفوذ الميداني الذي اكتسبتاه مؤخراً في شمالي سوريا، من أجل تحقيق غايات سياسية، تتمثل في إنجاز صفقة مع تركيا، من شأنها أن تعزز العمل المشترك بين ضامني مسار أستانا، بحسب ما كشفته مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا.

وخلال شهري حزيران/ يونيو، وتموز/ يوليو 2022، زادت القوات السورية الموالية لروسيا وإيران من انتشارها في كل من تل رفعت ومنبج وعين العرب بريف حلب، بالإضافة إلى منطقة عين عيسى في محافظة الرقة، حيث تشكل المناطق المذكورة النطاق الجغرافي للعملية التركية التي تلوّح أنقرة بتنفيذها ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مما أعطى طهران وموسكو قدرة أكبر على التحكم بمستقبل قسد والتفاوض عليه مع الجانب التركي.

عرض روسي – إيراني على تركيا خلال القمة الثلاثية

قدمت روسيا وإيران عرضاً للجانب التركي خلال القمة الثلاثية التي جمعت الدول الضامنة لمسار أستانا، في العاصمة الإيرانية طهران بتاريخ 19 تموز/ يوليو 2022، تضمن التراجع عن ممانعة العمليات العسكرية ضد تنظيم قسد لكن وفق شروط محددة.

وأفاد مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا أن المقاربة الإيرانية – الروسية، تقوم على ما يلي:

التغاضي عن النشاط العسكري والأمني التركي ضمن عمق يصل إلى 30 كيلومتراً على الحدود السورية التركية، على أن يتم الأمر ضمن اتفاق ذو صبغة سياسية بمشاركة النظام السوري.

تشترط طهران وموسكو أن تتعهد أنقرة بمراجعة موقفها من دعم المعارضة السورية التي تطالب بإسقاط النظام السوري.

التعاون بين الأطراف الثلاثة على إنجاز حل سياسي وفق مسار أستانا، والعمل المشترك على نقل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية إلى دول أوروبية أو آسيوية ذات موقف حيادي تجاه روسيا.

أبدت روسيا وإيران استعدادهما لتقديم امتيازات اقتصادية لتركيا في حال الموافقة على الطرح الثنائي، تتمثل في ملفات الطاقة والتبادل التجاري والسياحة.

وفي حال التوافق بين الأطراف الثلاثة، فإن طهران وموسكو لن تعارضا العمل المشترك مع تركيا ضد “قسد” والنفوذ الأميركي في شمال وشمال شرقي سوريا.

ولم تتوصل أنقرة وطهران وموسكو إلى اتفاق نهائي خلال القمة، حيث تمتلك تركيا تصوراً مختلفاً لإنجاز العمليات العسكرية في شمال سوريا، يقوم على تولي فصائل مقربة من أنقرة الانتشار في المناطق التي سيتم إخراج “قسد” منها.

ورجّح المصدر أن التصعيد الذي تقوده الميليشيات المدعومة إيرانياً في العراق ضد القواعد العسكرية التركية، بالإضافة إلى عودة الهجمات الجوية الروسية إلى محافظة إدلب، إنما هي محاولات لإلقاء مزيد من الضغوطات على تركيا للتأثير على قرارها.

روسيا وإيران تعولان على استدامة التوتر الأميركي – التركي

أظهرت التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغن خلال عودته من قمة طهران الثلاثية في 20 تموز/ يوليو الجاري، استياءً تركياً من الدور الأميركي في سوريا، على اعتبار أن واشنطن تقدم الدعم لقسد، ورفضت إفساح المجال الجوي أمام العمليات العسكرية التركية.

وطالب أردوغان القوات الأميركية بالانسحاب من شمال شرقي سوريا، مشيراً إلى أن ما وصفه “محاولات التنظيمات المدعومة من أميركا خداع الجيش التركي برفع علم النظام السوري، هي محاولات فاشلة”.

وبحسب مصادر ميدانية متطابقة، فإن القوات الأميركية التي تقود التحالف الدولي في سوريا، تقوم بجولات في مقر الفرقة 17 بريف الرقة بشكل متلاحق، مع ترجيح أن يكون الهدف منها تأسيس قاعدة عسكرية في المنطقة التي تخضع لسيطرة “قسد”، إلا أن تلك القوات لم تتخذ من مقر الفرقة قاعدة لها حتى اللحظة.

ونقل موقع “أكسيوس” الأمني الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين، معلومات تفيد بأن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي “إيال هولاتا” طلب من نظيره الأميركي “جيك سوليفان” الضغط على تركيا لعدم شن عمليات عسكرية شمال سوريا، “تجنباً للإضرار بالأكراد على المستوى البعيد، وهذا سيصب في مصلحة إيران”.

وفي منتصف تموز/ يوليو 2022، أقر مجلس النواب الأميركي تعديلاً لميزانية وزارة الدفاع، يتضمن قيوداً على تزويد تركيا بطائرات إف 16، ويشترط تقديم تعهدات بعدم استخدام الطائرات في حال بيعها لتركيا في عملية اقتحام المجال الجوي اليوناني، بالتوازي مع الدعم الذي توفره القوات الأميركية المنتشرة على الأراضي اليونانية لدعم الأخيرة في التوترات المستمرة مع الجانب التركي، بسبب الخلاف على الحدود البحرية بين تركيا واليونان.

ويبدو أن كل من روسيا وإيران تعولان على استمرار رفض أميركا لوقف الدعم عن “قسد”، واستمرارها في ممانعة أي عمليات عسكرية تركية ضد التنظيم، من أجل تغيير أنقرة لموقفها وقبولها في نهاية المطاف بعقد صفقة ثلاثية هدفها إنهاء “قسد” بالكامل وفق ضوابط سياسية محددة

تلفزيون سوريا

————————–

قمة طهران: مصافحات فوق الطاولة وركلات من تحتها/ سمير التقي

وأنا أتابع اللقاء الثلاثي في طهران، خطر لي اقتراح أن يضع الصحافيون كاميرات ليس فقط فوق الطاولة، بل وتحتها. ورغم أن المنظر من تحت الطاولة لن يشرح قلوبهم، فإنه سيكون قطعاً أقرب للحقيقة الصحافية.

فوق الطاولة بدا المنظر وردياً، إذ تطلبت صياغة البيان المشترك جهداً هائلاً لتلميع الطاولة وتغطية بصمات الركلات من تحتها. وأكد البيان الالتزام بسيادة سوريا، ومكافحة الإرهاب، ومنع محاولات خلق حقائق جديدة على الأرض بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي، وضد الاستيلاء على عائدات النفط شرق الفرات. ودعا لزيادة المساعدات لجميع السوريين من دون تمييز وتسييس، إذ لا حل عسكرياً. وأكد البيان الدور المهم للجنة الدستورية مع إدانة استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية.

وبذلك وفق البيان، مشكلة سوريا الوحيدة هي في وجود 900 جندي أميركي، إضافة إلى القصف الإسرائيلي! وإلا فهي سمن وعسل. فيا لسخف منطق التكاذب. لكن لا جواب عمن يشتري نفط شمال سوريا ولا من يقوض السيادة السورية؟.

على الأرض وتحت الطاولة كان الأمر مختلفاً تماماً، بل كان يذخر بالركل واللبط.

أولى الركلات السياسية كانت بين روسيا وإيران، إذ تستمر روسيا في التغاضي عن الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية. هذا رغم أن روسيا قد بدأت مؤخراً في تقليص هوامش استخدام الطيران الإسرائيلي رداً على موقفها من أوكرانيا. لكن إسرائيل مستمرة في القصف بشكل محرج لروسيا بشدة.

ثانياً، احتجاج إيران على شروط روسيا للاتفاق النووي، والتي أدت، في النهاية، إلى خسارة نافذة ذهبية كانت متاحة لها. وثمة ركلات بالتأكيد بسبب كسر روسيا لأسعار نفطها وانخفاض صادرات إيران للصين تاركة ما يقرب من 40 مليون برميل من النفط الإيراني على ناقلات نفط في البحر، تبحث عن مشترين.

وتشترك روسيا وإيران في ركلات ضد تركيا، إذ تريدان حصر هجوم القوات التركية على مناطق تواجد القوات الأميركية، الأمر الذي يعني عملياً، فتح الطريق لسيطرة قوات النظام على هذه المناطق، وخروج أميركا وتركيا من الساحة السورية خاويتا اليدين. وتدرك تركيا حجم الفخ المنصوب.

انها ميلودراما سوريالية. فقوات النظام السوري تقف متلاصقة مع القوات الكردية والروسية والإيرانية والأميركية، وبجانب آخر تقف القوات التركية وحلفاؤها من قوات المعارضة السورية. وفي حين كان السلاح يصطك بشكل يصم الآذان، كان المجتمعون في طهران يتحدثون عن الحلول السياسية في سوريا.

وبعد، ثمة ركلات تجري بين تركيا وإيران بسبب الدور القديم المتصاعد لإيران في دعم “حزب العمال الكردستاني”. هذا السر المعلن تم تبطينه بشكل مضحك في البيان المشترك حول إدانة كل أشكال الإرهاب. وثمة ركلات إيرانية – تركية متعلقة بقلق تركيا من التحول الديموغرافي والتشيّع الكثيف في حلب وريفها والميليشيات الشيعية المحتشدة على حدود السيطرة التركية.

أما الركلات بين روسيا وتركيا، فحدث ولا حرج. إذ لا يتوقف الأمر على بيع أوكرانيا مسيّرات بيرقدار التي أصبحت أسطورة في أوكرانيا، بل بدور تركيا في الحرب الزاحفة لإضعاف روسيا في القفقاس ووسط آسيا وليبيا وسوريا وصولاً للانشقاق المتسارع لكازاخستان بعيداً من روسيا بدعم غربي وتركي.

فالركلات هنا أبعد بكثير من سوريا البائسة، بل تتعلق مباشرة بالجيو-استراتيجيا الطويلة الأمد لوسط آسيا. لكن بوتين مكره لا بطل لتأمين تصدير الحبوب.

ولم تكن الدلالات لتنقص بعض المشاهد فوق الطاولة، فبعد حربه على أوكرانيا لم يعد بوتين في موقع “وسيط القوة الإقليمي”، بل صار يلملم الأصحاب من كل حدب وصوب، من مالي إلى كوريا الشمالية. ولا أدل على ذلك من مقارنة مشهد المسافة الكبيرة بين مقعد الرئيس فلاديمير بوتين وفي غياب العلم الروسي في لقائه بالمرشد الأعلى، بطول الطاولة التي جلس عليها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع الرئيس بوتين في موسكو. ولا يقل عن ذلك دلالة مشهد انتظار بوتين لرجب طيب أردوغان في غرفة الاستقبال.

نعم، ما لم يُقل في هذا اللقاء أهم بكثير مما قيل. إذ يتم اللقاء في ظل تصاعد التوتر الإيراني – الإسرائيلي، والحديث الأميركي عن تشكيل “هيكل إقليمي قوي” في مواجهة طهران من جهة والذي يلقي من دون شك امتعاضاً كبيراً من روسيا بالطبع.

وبالرغم من الإشارة إلى اهتمام الطرفين بالعلاقات الاقتصادية والعسكرية، وبالرغم من قول علي خامنئي أنه “يجب سحب الدولار الأميركي تدريجياً من التجارة العالمية”، والعمل على تشكيل سوق موازية للسوق التي ترعاها الولايات المتحدة، لم يترجم ذلك الكلام حتى بتصور نظري لشراكة عسكرية مضادة أو تحالف اقتصادي موازٍ للسوق الدولية إلخ … لذلك فلئن كان المقصود أن تكون قمة طهران الرد المشترك علي قمة جدة، فيا لها من خيبة!

تتمثّل مشكلة أنقرة الكبرى اليوم في أنّ قياداتها توجّهت من قمّة مدريد الأطلسية حيث تمّ الاتفاق على الكثير من القرارات والتدابير العسكرية والسياسية ضدّ روسيا بشكل مباشر وإيران بشكل غير مباشر، إلى العاصمة الإيرانية طهران حيث القمّة الثلاثية التركية – الروسية – الإيرانية المشتركة لبحث تعاون وتنسيق استراتيجيَّين مرتبطين بالكثير من المسائل الإقليمية، حيث أكد المجتمعون للمرة السابعة أن لا حل في سوريا إلا بالسياسة.

مضت تركيا في سياسة متعدّدة الأقطاب. لكن مع تباعد الأقطاب تضيق قدراتها على التأرجح والجسر بينها. وبعد عودته من قمة الأطلسي، والتي كان من بين أهدافها إلزام إيران بتغيير سياساتها والتراجع عن تهديد أمن واستقرار دول المنطقة، كيف يمكن لأردوغان أن يدخل على الخط في نقاش بين طهران وموسكو حول حلف إقليمي جديد في مواجهة السياسات الغربية؟ وكيف له أن يوفق بين ذلك وبين انفتاحه الواسع على كل من إسرائيل والدول العربية الخليجية؟

على الأرض سرعان ما عاد الصراع إلى سياقه القديم، كالعادة مسيّرات تقصف قاعدة حميميم من مناطق تحت السيطرة التركية، وكالعادة رد تركي لاختراقات قوات النظام يوقع قتلى في صفوف قوات النظام، وكالعادة يُقتل الأطفال السوريون بقصف روسي انتقامي، وكالعادة تستمر المصافحات والركلات!

الجديد في الموضوع أن مساحة التلاقي فوق الطاولة تضيق بشدة. إذ لم تعد روسيا وسيط القوة المسيطر. وانقضى عهد “سلم بوتين” الإقليمي Pax Putina في الشرق الأوسط، ليصعد بدلاً من ذلك ضجيج السلاح من تحت الطاولة.

يعلمنا التاريخ، أنه في ظل هكذا احتدام، يصبح التكاذب أقصر طريق نحو الصدام، رغم أن الكثيرين لا يزالون يجدونه أحفظ لماء الوجه.

النهار العربي

——————————-

=====================

تحديث 27 تموز 2022

——————————

قمّة طهران.. اتفاقات وتفاهمات لا تشمل سورية

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

استضافت العاصمة الإيرانية، طهران، في 19 تموز/ يوليو 2022، القمة السابعة لقادة دول مسار أستانة الذي تأسس إثر توافق روسي – تركي، أفضى إلى إنهاء معركة حلب الشرقية في كانون الأول/ ديسمبر 2016، وإجلاء فصائل المعارضة عنها، وقد انضمت إيران إلى هذا التوافق لاحقًا. ورغم أنّ الاجتماع كان مخصصًا، كعادته، لبحث المسألة السورية، فإنّ قادة الدول الثلاث استغلوا المناسبة لمناقشة العلاقات الثنائية، وأهم القضايا على الساحتين الإقليمية والدولية، مثل حرب أوكرانيا، وأزمة الغذاء والطاقة؛ ما أعطى القمةَ أهميةً إضافية.

أولًا: الأزمة السورية

سيطرت أنباء العملية العسكرية التركية في شمال سورية على مجريات قمة طهران، حيث تُجري تركيا منذ أسابيع استعدادات لإطلاق عملية عسكرية من أجل إنشاء منطقة آمنة عمقها 30 كيلومترًا. وتعود فكرة إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري إلى عام 2012، إلا أنّ هذه الفكرة غدت أكثر إلحاحًا بالنسبة إلى تركيا في الشهور الأخيرة لسببين؛ يتمثّل أحدهما بتحوّل قضية اللجوء السوري في تركيا إلى موضوع نقاش عامّ مع تفاقم الأزمة الاقتصادية واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّرة في حزيران/ يونيو 2023، واستغلالُ المعارضة التركية هذه القضية من أجل إضعاف موقف حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002 ودفع الناخبين بعيدًا عن التصويت له. وتقول الحكومة التركية إنها تهدف، في حال إنشاء منطقة آمنة إلى إعادة توطين نحو مليون لاجئ سوري من أصل 3.7 ملايين موجودين حاليًّا في تركيا. أمّا السبب الآخر الذي تسوقه تركيا لتبرير عمليتها العسكرية، فهو إبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن الحدود التركية. وتتشكل “قسد”، في غالبيتها، من وحدات حماية الشعب الكردية؛ وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره تركيا جناحًا سوريًّا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرب عصابات ضد تركيا منذ عام 1983. ومنذ تأسيس “قسد” في أواخر عام 2014، تحوّلت إلى شريك الولايات المتحدة الأميركية الرئيس على الأرض في سورية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي تسيطر حاليًّا على معظم الأراضي السورية في شرق نهر الفرات، والتي تشكّل نحو 30% من إجمالي مساحة سورية، إضافة إلى احتفاظها بجيوب منعزلة في مناطق غرب الفرات، أهمها منبج وتل رفعت، وبعض الأحياء الطرفية لمدينة حلب أيضًا.

خلال الفترة 2016-2019، قامت تركيا بثلاث عمليات توغّل رئيسة في شمال سورية؛ الأولى “درع الفرات” عام 2016، وقد سيطرت خلالها القوات التركية وفصائل المعارضة السورية المتحالفة معها على مثلث جرابلس- الباب- إعزاز، وعملية “غصن الزيتون” عام 2018 التي سمحت لتركيا بالسيطرة على منطقة عفرين وطرد قوات حماية الشعب الكردية منها، وعملية “نبع السلام” التي جرت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في مناطق شرق الفرات، حيث سيطرت تركيا على شريط عمقه 30 كيلومترًا وطوله 100 كيلومتر بين رأس العين وتل أبيض. وقد جرت كل هذه العمليات بتوافقات تركية – أميركية أو تركية – روسية، لمنع حصول احتكاكات على الأرض بين هذه الأطراف الدولية.

حاولت تركيا الاستفادة من فرصة انعقاد قمة طهران لإقناع شريكيها في مسار أستانة بعدم الاعتراض على العملية العسكرية التي تنوي القيام بها في شمال سورية لإنشاء المنطقة الآمنة، لكنها لم تنجح في ذلك في ضوء غياب أيّ معطيات تسمح بالتوافق فيها؛ إذ تُبدي روسيا وإيران معارضة شديدة لأي عملية عسكرية تركية في مناطق غرب الفرات، في حين تعارض الولايات المتحدة مثل هذه العملية في مناطق شرق الفرات. وقد بدا واضحًا التركيز التركي على منطقتَي تل رفعت ومنبج اللتين تسيطر عليهما “قسد”. وتتهم تركيا “قسد” باستخدام المنطقتين لاستهداف المناطق التي تبسط تركيا سيطرتها عليها في شمال سورية بهجمات أدّت إلى سقوط ضحايا، خصوصا في عفرين. وقد لوحظ تزايد القصف الروسي لمناطق المعارضة المدعومة تركيًا في إدلب بعد قمة طهران، وتزايد التعزيزات التي يرسلها النظام والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه إلى المنطقة، في إشارة واضحة إلى الاعتراض على أي عملٍ عسكري تركي غير متوافق فيه.

إضافة إلى الخلاف على العملية العسكرية التركية المحتملة في شمال سورية، يعاني مسار أستانة الخاص بسورية حالةَ شللٍ في شقّه السياسي، بعد أن استنفد الأغراض التي نشأ من أجلها، وأهمها تهميش مسار الحل السياسي المستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254؛ إذ يواجه المسار الدستوري الناتج منه حالة تعطل كامل بعد الفشل في تحقيق أيّ تقدّم خلال ثماني جولات من التفاوض، فالنظام يشارك في هذه المفاوضات شكليًّا، و”رفعًا للعتب” فقط. وقد أعلن موفد الأمم المتحدة، غير بيدرسون، أخيرًا، عن تأجيل اجتماعات الجولة التاسعة التي كانت مقرّرة في الفترة 25-29 تموز/ يوليو 2022، بسبب امتناع وفد النظام عن التوجه إلى جنيف، وذلك بعد أن طالبت روسيا بنقل مقر المفاوضات إلى مكان آخر، بذريعة خروج سويسرا عن الحياد في أزمة أوكرانيا نتيجة التزامها بالعقوبات الأوروبية على روسيا. كما شملت المناقشات في طهران الخلاف بين شركاء مسار أستانة حول آلية إيصال مساعدات الأمم المتحدة إلى الشمال السوري عبر معبر باب الهوى مع تركيا، والتي لم يجرِ تمديدها في وقت سابق من الشهر الجاري إلّا ستةَ أشهر؛ بسبب المعارضة الروسية في مجلس الأمن.

ثانيًا: مسار العلاقات الثنائية لأطراف القمة

شكلت القمة مناسبة لزعماء الدول الثلاث لمناقشة سبل تطوير علاقاتهم الثنائية وتنسيق المواقف بشأن بعض القضايا الإقليمية والدولية التي تمسّ مصالحهم.

1. العلاقات الإيرانية – الروسية

حاول الرئيس الروسي، خلال وجوده في طهران، إحداث نقلة نوعية في علاقات بلاده بطهران، فالبلدان يواجهان ضغوطًا أميركية متزايدة ويخضعان لعقوباتٍ قاسية؛ روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، وإيران بسبب ملفّها النووي. ورغم وجود انقسام في إيران من حيث علاقتها بروسيا؛ إذ يتهم تيار إيراني روسيا بأنها تستخدم إيران ورقةً تفاوضية في العلاقة مع الغرب، وبأنها تغضّ النظر عن الاستهداف الإسرائيلي المتكرّر لمواقع إيرانية في سورية، فضلًا عن وجود تضاربٍ في المصالح في سوق الطاقة الدولية، حيث صار النفط الروسي ينافس النفط الإيراني في أسواق الصين والهند نتيجةً التخفيضات الكبيرة التي تقدّمها روسيا لبيع نفطها بسبب العقوبات الغربية، فإنه بدا واضحًا أنّ البلدين في طور الارتقاء بمستوى علاقاتهما السياسية والاقتصادية نتيجة تأزّم العلاقة مع الغرب.

وكان التبادل التجاري بين روسيا وإيران قد شهد زيادة في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران في أواخر عام 2018؛ إذ ارتفع من 1.74 مليار دولار في عام 2018 إلى نحو 4 مليارات دولار في عام 2021. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تبعه من عقوبات غربية على روسيا، وتراجع فرص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، خلق فرصًا جديدةً في العلاقات الثنائية. ففي قطاع الطاقة، وقّع البلدان في قمة طهران مذكرة تفاهم تقوم من خلالها شركة غازبروم الروسية باستثمار في حقول النفط والغاز الإيرانية بمبلغ مقداره 40 مليار دولار، في مذكرة تُعدّ الأكبر من نوعها في تاريخ صناعة النفط الإيرانية.

وتشمل هذه المذكرة تطوير حقل غاز بارس الشمالي وكيش وستة حقول نفطية أخرى، وسوف تستثمر شركة غازبروم الروسية 10 مليارات دولار لتطوير هذه الحقول، فضلًا عن استثمار 15 مليار دولار لزيادة الإنتاج في حقل بارس الجنوبي لإنتاج الغاز، ومبادلة الغاز والمنتجات النفطية والاستثمار في إكمال مشروع إيران للغاز الطبيعي المسال (Iran LNG). وعلى مستوى تطوير العلاقة المصرفية والمالية، صرّح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أثناء لقائه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بأنّ بلاده تمكّنت من زيادة التبادل التجاري مع إيران بنسبة 40%؛ وتخطط لزيادته إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة. وفي لقاء الرئيس الروسي المرشدَ الإيراني قال إنّ بلاده وإيران بصدد إحلال العملات الوطنية محلّ الدولار في علاقاتهما التجارية، مضيفًا أنّ البلدين يخططان لإيجاد آليات وأساليب في هذا الشأن. وقد أعلنت إيران عن بدء التعاملات المالية بين البلدين باستعمال الروبل الروسي والتومان الإيراني في التجارة الثنائية، بحيث يمكن للمصدرين الإيرانيين بيع الروبل الذي يحصلون عليه في السوق الإيراني بأسعار توافقية ليشتريها الموردون من أجل توريد السلع الروسية إلى إيران.

2. العلاقات التركية – الإيرانية

ثمّة تضارب كبير متعلق بمصالح البلدين في سورية، وبقضايا إقليمية ودولية أخرى كالعراق والصراع بين أرمينيا وأذربيجان. وعلى الرغم من ذلك، لم تتأثر العلاقات التجارية بين تركيا وإيران. وفي ذروة الصراع في سورية عام 2012، تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 22 مليار دولار. وخلال فترة العقوبات التي فرضتها إدارة باراك أوباما على إيران (2010-2015) مثلت تركيا نافذة إيران الاقتصادية ورئتها المالية الرئيسة؛ إذ كانت إيران بمعزل عن النظام المصرفي العالمي وتحويلات الدولار. وفي عام 2015، وقّع الطرفان اتفاقية للمعاملات التجارية التفضيلية أزالوا بموجبها الرسوم الجمركية عن نحو 300 سلعة تجارية؛ في محاولة لرفع حجم التجارة البينية. وفي عام 2017، وقّع البلدان اتفاقية لاستخدام العملة الوطنية في التبادل التجاري بينهما.

    في ذروة الصراع في سورية عام 2012، تضاعف حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران ليصل إلى 22 مليار دولار

وخلال السنوات الخمس الأخيرة شهدت الاستثمارات الإيرانية في تركيا نموًّا كبيرًا؛ إذ بات الإيرانيون أكبر مشترٍ للعقارات في تركيا، وفقًا لتقرير مركز الإحصاء التركي الصادر في كانون الثاني/ يناير 2022، واحتلّوا المرتبة الأولى في تأسيس الشركات فيها، فقد أسسوا 1019 شركة في عام 2018، و978 شركة في عام 2019. وتُعد تركيا فوق ذلك وجهة مفضّلة للسياح الإيرانيين، إذ فاق عددهم في تركيا عام 2019، قبل تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، عدد زوار العتبات الشيعية في النجف وكربلاء.

وخلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، طهران لحضور قمة أستانة أخيرا، وقّع ثماني اتفاقيات ثنائية للتعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والرياضية، في مقدّمتها تعزيز مذكرة اتفاقية التجارة التفضيلية الموقعة، في عام 2015، بين مؤسستَي دعم وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التركية والصناعات الصغيرة والمجمعات الصناعية الإيرانية، والتي تقضي بخفض تعرفة الاستيراد، وإنشاء معامل ومصانع مشتركة، وبناء واحات تقنية، وتطوير قطاعات النقل والزراعة والطاقة، بما فيها تمديد وتوسيع اتفاقية نقل الغاز مدة 25 عامًا. وبحسب الرئيسين الإيراني والتركي، تقرر في قمة طهران رفع حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين إلى 30 مليار دولار.

3. روسيا وتركيا واتفاقية تصدير الحبوب من أوكرانيا

شكّلت قمة طهران أيضًا مناسبة لعقد لقاء روسي – تركي على مستوى القمة، هو الأول منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022. ورغم أنّ الطرفين يقفان على طرفَي نقيض في هذه الحرب؛ إذ تؤيد تركيا حكومة كييف وتزوّدها بالأسلحة، خصوصا الطائرات المسيّرة من طراز بيرقدار التي أدّت دورًا مهمًّا في إبطاء التقدّم الروسي في أيام الحرب الأولى، فإنّ تركيا رفضت الالتزام بالعقوبات الغربية على روسيا، ونجحت في فصل مسار العلاقات التجارية مع روسيا عن موقفها في الحرب الأوكرانية. ونتيجة لذلك، وافقت روسيا على استضافة تركيا مفاوضات تصدير الحبوب من أوكرانيا وعلى اعتبارها، إلى جانب الأمم المتحدة، ضامنًا للاتفاق الذي يبدو أن الطرفين توصلا إليه خلال لقاء طهران بين الرئيسين بوتين وأردوغان. فبعد يومين من قمّة طهران، وقّعت روسيا وأوكرانيا في إسطنبول اتفاقيةً، برعاية الأمم المتحدة وتركيا، تتيح لأوكرانيا إعادة فتح موانئها على البحر الأسود من أجل تصدير الحبوب. وقد اعتبرت هذه الاتفاقية، رغم وجود توقعات متعلقة بتعثر تنفيذها بين الفينة والأخرى، نجاحًا كبيرًا للدبلوماسية التركية في ظل أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت؛ بسبب عجز أوكرانيا، التي تُعد خامس أكبر مصدر للقمح في العالم، عن تصدير إنتاجها.

خاتمة

لم تنجح قمة طهران في إحراز تقدّم بخصوص حل المسألة السورية؛ إذ تمسّك شركاء مسار أستانة بمواقفهم المعروفة من الأوضاع السياسية والميدانية في سورية، وإن اتفقوا جميعًا على سلبية الدور الأميركي فيها. لكن القمّة شكّلت مناسبة لتطوير العلاقات الثنائية بين أطراف المسار، خصوصا في المجال الاقتصادي؛ فقد جرى التوصل، على هامش القمة، إلى اتفاقات يُرجَّح أن تعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدان الثلاثة، خصوصا أنها تتشارك في مواجهة أزمات اقتصادية كبرى. ويواجه بلدان من بين هذه البلدان الثلاثة عقوبات غربية صارمة، في حين تتسم علاقة الطرف الثالث (وهو تركيا) بالغرب بالتعقيد. ويبدو أن مسار أستانة، الذي نشأ لإدارة الصراع في سورية، قد تحوّل إلى منصةٍ لإدارة علاقات الدول الثلاثة ببعضها حيال قضايا وملفات أوسع تبدأ بالتجارة وتمتد إلى السياسية والأمن الغذائي والطاقي.

العربي الجديد

—————————-

قمم الشرق الأوسط .. لا توازنات ولا ترتيبات/ غازي دحمان

السؤال بعد انقشاع غبار القمم التي شهدتها المنطقة: ما الهدف من انعقاد هذه القمم، التي كشفت مخرجاتها أنه كان في الوسع إجراؤها في إطار مستوياتٍ أدنى من الرؤساء، حتى إن لجاناً فنية كان يمكنها الوصول إلى النتائج نفسها، ولكن بضماناتٍ تنفيذية أكبر؟ ألم يكن بالإمكان استبدال البيانات الرنانة، التي لم تأت بجديد، بتصريحاتٍ لمسؤولين برتب أصغر، ألم يكن ذلك أكثر إكراماً للمنظومة الشرق أوسطية، بل للنظام الدولي الحالي!

استقبلت طهران قمة زعماء مناكفة الغرب، وعينها، وعيون ضيوفها، على واشنطن. لم تكن القمة سوى شكل من التحرّش بواشنطن لم يجد عاقدوها سوى هذه الطريقة، لإيصال مطالبهم لها، ثلاثتهم، إيران وروسيا وتركيا، يقفون على خط الانطلاق صوب مفاوضاتٍ ترفض واشنطن فتح بابها في هذه اللحظة، وترفض إجراء التسويات المطلوبة إلا وفق شروطها، أو لتقديرها أن الظروف لم تنضُج بعد، ما دامت الأطراف الأخرى غارقةً في الأزمة، وتحاول كتم ألامها إلى حين.

لم تكن سورية سوى الذريعة للقاء طهران، فمعلوم أن الأمور دخلت مرحلة الستاتيكو منذ زمن، ووضعت أطراف اللعبة، موسكو وطهران وأنقرة، قواعد وقوانين إدارة هذا الستاتيكو، ولن تؤثر في هذه الوضع محاولات تركيا إجراء تغيير بسيط في خريطة السيطرة، ضمن مناطق منبج وتل رفعت، لا تقع بالأصل ضمن النفوذين الروسي والإيراني. واللافت أنه على الرغم من تركيز البيان الختامي على الوضع في سورية إلا أن الأطراف بقيت على مواقفها من العملية التركية؛ فلا تركيا تراجعت عن القيام بالعملية ولا روسيا وإيران تراجعتا عن رفضهما العملية التركية!

والمفارقة، أيضاً، أن النتيجة الوحيدة العملانية التي تمخّضت عنها اجتماعات بوتين أردوغان كانت سماح روسيا لأوكرانيا بتصدير المواد الغذائية المحاصرة في موانئ البحر الأسود، وهي خطوةٌ أرادت منها روسيا فتح ثغرةٍ في باب التفاوض مع الغرب، ما يعني أن روسيا استثمرت قمة طهران، لإيصال رسالة إلى الغرب عن طريق تركيا .. أين الشرق الأوسط من ذلك كله؟

وكانت قمة جدة قد انتهت إلى بيانٍ ليس له طعم التحالفات، ولا يحمل نكهة الاستقطابات، فلماذا أجهد بايدن الثمانيني نفسه للحضور إلى المنطقة، ولم يحقق حتى أدنى مطالبه الملحّة التي تتمثل بزيادة تصدير نفط المنطقة لامتصاص غضب الناخب الأميركي، من ارتفاع أسعار البنزين، قبل الانتخابات النصفية لتجديد الكونغرس، وكل ما جرى إنجازه في هذه القمة بيان ختامي يدعو، مجرّد دعوة، إلى الحفاظ على المعادلات القائمة في المنطقة، ورفض محاولات التأثير على الاستقرار “الهش” الذي هو في الأصل ناتجٌ من توافقات وتفاهمات بينية إقليمية، وليس بحاجة لحضور الرئيس الأميركي.

في قمة جدة أيضاً كانت عيون الحاضرين صوب أميركا، لكن ليست أميركا جو بايدن، بل أميركا التي ستأتي بعد أول انتخابات رئاسية أميركية، وكأن عهد بايدن قد استنفد أدواته وإمكاناته، ليس بسبب سن الرجل، بل لأن أميركا، وحتى قبل عهده، تنتظر وصول إدارة أكثر إبداعاً من الإدارات السابقة التي لم تفعل شيئا طوال العقود الأخيرة سوى الفرجة على صعود الصين إلى مركز القوّة الأولى عالمياً، وربما انتظار هذا الوصول، رغم ما تبديه تلك الإدارات من ممانعة، لتسليمها قيادة العالم الذي أتعب أميركا والأميركيين، لكن لا الصين وصلت أو ستصل إلى هذا المركز، ولا الأميركيون اجترحوا أدوات ورؤى جديدة لقيادة العالم.

لم تنتج قمتا جدة وطهران أي معطياتٍ جديدة يمكن البناء عليها لصنع مساراتٍ جديدة في السياسات الإقليمية والدولية، لا هياكل ولا أطر أمنية وعسكرية وسياسية جرى التوافق عليها، ولا مؤشّرات عن توافقات وتسويات فيما يخص أكبر قضيتين متفجرتين في الشرق الأوسط، الفلسطينية والسورية، حيث لا ترتيبات جديدة بخصوص عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية المجمدة، بل أعلنت قمّة جدة رسميا موت القضية الفلسطينية، بوصفها محرّكاً للسياسات العربية، فيما دفنت قمّة طهران القضية السورية، وشرعنت التقسيم الحاصل بحكم الأمر الواقع!

إذاً، ما الداعي لانعقاد هذه القمم على أرض الشرق الأوسط؟ ثمّة ما يلفت الانتباه في التوازنات الدولية الحاصلة في هذه اللحظة؛ فأوروبا باتت منحازةً كليّة لجانب واشنطن. أما آسيا، فتكاد التوازنات تكون فيها متساوية، حيث تتعاطف الصين والهند مع روسيا فيما تتبع اليابان وكوريا النسق الغربي، وقد أثبتت الحرب الأوكرانية اهتمام الفاعلين الدوليين بهاتين المنطقتين بدرجةٍ كبيرة. إما لتعزيز التوازنات أو خلخلتها وإعادة بنائها على ضوء تغيير المعادلات لصالح واشنطن وموسكو أو ضدّهما.

ظلت منطقة الشرق الأوسط خارج هذه المعادلات، فلا واشنطن بقيت حارسة لحراكاتها وضابطة لتفاعلاتها، ولا موسكو، بقدراتها التكنولوجية والمالية المتواضعة استطاعت إغواء هذه المنطقة للانضواء تحت تبعيّتها، حتى لو أرادت هذه الدول، فإن موسكو لا تملك الأدوات اللازمة للقيام بهذا الفعل، كما أن المنطقة نفسها لم تستطع التوصل إلى صيغ توافقية وتسويات دائمة تؤهلها لتشكيل منظومة، أو شبه منظومة، قادرة على الاكتفاء أمنياً وسياسياً بدون مساعدة الآخرين على احتواء أزماتها.

قمّتا جدة وطهران هما التعبير الأكثر دلالة عن منطقةٍ تعيش على حافة الفراغ، وتتعيش أنظمتها على الخلافات، التي لم يعد أحد يعرف مصادرها، بهذا المعنى، فهذه المنطقة تصلح لأن تكون منابر للفاعلين الدوليين، ليقولوا من خلالها ما يرغبون بقوله لبعضهم، من دون أن يترتب على ذلك أية التزامات على هؤلاء الفاعلين تجاه هذه المنطقة التي تشدّ الرحال إلى مساراتٍ مجهولة.

العربي الجديد

————————

تحديات ما بعد قمة طهران/ فراس رضوان أوغلو

كل يغني على ليلاه، هذا ما أفرزته قمة طهران الروسية التركية الإيرانية نعم هناك بيان ختامي مشترك لكن لا جديد فيه، نعم هناك استمرار لاتفاق أستانا لكن لا جديد فيه، فكل من طهران وأنقرة تسعيان لجذب وكسب روسيا نحوها أكثر فأكثر للاستفادة من الوضع الإقليمي الجديد بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ومن الواضح أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو سياسة التكتلات السياسية والاقتصادية فالرئيس الأميركي يلتقي بحلفائه في جدة وبوتين يفعل نفس الشيء في طهران وتبقى تركيا بيضة القبان في المنطقة.

تركيا المنتشية بنجاحها في إقناع الطرفين الروسي والأوكراني بتوقيع اتفاقية وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من  الموانئ الأوكرانية وبوادر حل لمعضلة كانت تؤرق المجتمع الدولي تصطدم مع العراق بما سمي قضية قصف منتجع دهوك في الشمال العراقي، وبغض النظر عن التحليلات التي قيلت عن هذا العمل ومن كان وراءه وغايته وأهدافه إلا أن على تركيا التعامل معه بشكل جدي وباهتمام بالغ، وعليها أن تنجح في هذا الملف كما نجحت في ملف الحبوب لتثبت للمجتمع الدولي قوتها وقدرتها وثقلها السياسي على حل مشاكلها بشكل عام في منطقة لا تخلو من تطورات يومية سلبية أم إيجابية، أما فيما يخص الشمال السوري وتحديداً بعد إعلان تركيا التريث عن العملية العسكرية التي كانت تعتزم القيام بها فعليها إثبات أن التوقف جاء لتوافقات مع الأصدقاء وأن هناك مكاسب سياسة أو ميدانية ستحصل عليها لاحقاً وإلا فإن هذا التوقف جاء نتيجة ضغوطات لم تقدر عليها أنقرة وهذا يعني تقدماً ملحوظاً لصالح طهران الرافضة للعملية، وهذا التراجع سينعكس على الداخل التركي المقبل على انتخابات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها حرجة وصعبة وهامة للغاية.

لا شك أن قمة طهران تعتبر رداً بروتوكولياً لروسيا على قمة جدة وتأتي ضمن استراتيجية روسيا وهي التحول نحو الشرق بعد العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا، ولذلك سعى الرئيس بوتين لإظهار أن روسيا ما زال لديها حلفاء وأصدقاء أقوياء ويأتي تأكيد بوتين بالشكر لتركيا على جهودها في حل مشكلة الحبوب العالقة عند الشواطئ الأوكرانية وحتى الحبوب الروسية، ليظهر للعالم أن ادعاءات الغرب على أن روسيا تستخدم الحبوب كسلاح للضغط على المجتمع الدولي ما هو إلا ادعاء غير صحيح، وأيضاً لتثبت لهم أنه ليس جميع أعضاء الناتو متفقين في مسألة العقوبات على روسيا أو اعتبار روسيا نفسها عدواً للناتو، وتركيا أكبر دليل على ذلك، وعلى صعيد آخر تريد روسيا إثبات أنها ما زالت على سياسة دعمها لحلفائها في مجالات عدة وهذا طبعاً يقصد به إيران التي تتشابه بكثير من الأمور مع روسيا، فكلاهما أصبحا عدواً للغرب وكلاهما تحت العقوبات الغربية وكلاهما منافسان غير مرغوب بهما للولايات المتحدة الأميركية لملء أي فراغ في منطقة الشرق الأوسط، وأما على صعيد الملف السوري فتؤكد روسيا على وحدة موقفها مع إيران في رفض العملية العسكرية التي تعتزم تركيا القيام بها ضد قسد في الشمال السوري وتفضل الحل السياسي عبر الأصدقاء، وهذا الحل لا بد أن يمر عبر دمشق الممثل المعترف به في الأمم المتحدة للدولة السورية ومجرد زيارة بوتين لطهران يظهر للغرب على أنه زعيم الشرق وأنه قادر على تشكيل تكتلات سياسة وحتى اقتصادية وفق الحاجة للرد على الغرب وخاصة أن بلاده تمتلك مفتاح الطاقة الذي يعد مصدر قوة إضافة للقوة النووية الهائلة التي تمتلكها.

إيران التي استبقت القمة بإعلان الشركة الوطنية الإيرانية للنفط توقيع وثيقة تفاهم قيمتها 40 مليار دولار مع شركة غازبروم الحكومية الروسية بعيد وصول الرئيس بوتين إلى طهران يعطي انطباعاً على أن طهران لم تعد تفكر في الاتفاق مع شركات الغرب، وأنها حسمت أمرها نحو روسيا ولعل هذا الاتفاق نوع من التراضي بين روسيا وإيران بعد بيع موسكو النفط بأسعار مخفضة لكل من الصين والهند والذي أثر سلبا على مبيعات إيران لتلك الدولتين، وأيضا نجحت روسيا بأن تضع يدها على مصدر طاقة يعد الأكبر بعد المخزون الروسي وبهذا نجحت روسيا بإبعاد الغرب عن تلك الحقول في الوقت الحالي ونجحت إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية والغربية وإنشاء تكتل طاقي اقتصادي مع روسيا.

ويمكننا اعتبار قمة طهران بأنها أوضحت الرؤية الاستراتيجية الخاصة لكل دولة من الدول الثلاث المشاركة، وأنه رغم تباين الأهداف والأولويات بين تلك الدول إلا أنها نجحت في إصدار بيان ختامي مشترك، ولكن لا يمكن اعتبار أن القمة كانت ناجحة تماماً فالاختلاف ما زال قائماً في ملفات عدة بين دول القمة الثلاث، فتركيا ورغم إعطائها فرصة للأصدقاء من أجل إيجاد حل سياسي بدلاً من العملية العسكرية في سوريا إلا أنها لم توقف الاستعدادت العسكرية لتلك العملية، وأنها لن تنتظر أو تأخذ إذناً من أحد على حسب تعبير وزير الخارجية التركي، وحتى الرؤية السياسية للحل في سوريا فتركيا ترى وفق البيان الختامي ضرورة إنهاء الأزمة السورية وفق حلول مستدامة ووضع آلية عمل لصوغ دستور جديد للدولة السورية وأن على المعارضة والنظام الجلوس وبدء الحوار من أجل ذلك بينما ترى روسيا ضرورة محاربة أي تحرك انفصالي من أي جهة كانت وضرورة عودة جميع المناطق إلى سيادة سوريا وهذا ما تتفق فيه مع إيران التي تريد إعادة تموقعها في المنطقة مع الشريك الروسي.

————————-

قمة طهران الثلاثية.. حوار المصالح والتناقضات

قسم الدراسات

عُقدَت، في 19 تموز/ يوليو، ثلاثة اجتماعات في طهران، ثنائية وثلاثية، ضمّت رؤساء الدول الراعية لمسار “آستانة”، روسيا وتركيا وإيران، التي ترتبط بعلاقات متشابكة، تقوم على أساس المصالح المشتركة من جهة، وعلى مصالح متنافسة من جهة ثانية.

وعلى الرغم من أن التصريحات المعلنة أكدت تخصيص قمة طهران لبحث الملفّ السوري، خاصة مع تصاعد الحديث عن العملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري؛ فإن المحادثات الثنائية والثلاثية ذهبت إلى الاهتمام أكثر بملفات العلاقات الاقتصادية بين الدول الثلاثة، وركزت على تعزيز التبادل التجاري الثنائي، من دون أن تحقق نتائج ملموسة على صعيد القضية السورية، مع الإشارة إلى أن هناك دلالاتٍ لافتة تضمنتها تصريحات القادة بخصوص الملف السوري على هامش القمة.

أولًا: السياقات الخاصة بقمة طهران

انعقدت القمة في ظروف إقليمية ودولية متوترة وغير مستقرة، وجاءت بعد قمة جدّة للأمن والتنمية، التي جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن بزعماء عرب، واكتسبت أهمية كبرى في ظل تصاعد الصدام بين الدول الغربية وروسيا على خلفية غزو جيشها لأوكرانيا.

ويتأتى السياق الخاص بالقمة الثلاثية من تناقض مصالح الدول الثلاثة في ملفات عديدة؛ فروسيا وإيران تدعمان نظام الأسد، عسكريًا وسياسيًا، وتشتركان في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي، سواء بسبب الملف النووي الإيراني أو الغزو الروسي لأوكرانيا، في حين أن تركيا عضو في التحالف الغربي “ناتو” الذي يواجه روسيا في الأزمة الأوكرانية، وهي أيضًا أبرز دول الجوار خصومة مع النظام وأظهرها دعمًا للمعارضة السورية.

وفي الوقت نفسه، تجمع روسيا وإيران مصلحة مشتركة في استثمار الكارثة السورية في صراعهما مع الغرب، سواء في سياق التنافس الإقليمي أو في قضية المفاوضات النووية بالنسبة إلى إيران، وفي سياق الحرب الأوكرانية بالنسبة إلى روسيا. وكلاهما يريد تحقيق مصالح خاصة بهما، وهو ما يفسر اتفاقهما في هذه القمة على المطالبة بخروج القوات الأميركية من مناطق شرقي الفرات.

  أما بالنسبة إلى تركيا، فقد جاءت قمة طهران بالتزامن مع إعلان نيتها القيام بعملية عسكرية محدودة، في منطقتي تل رفعت ومنبج، بما يوسع نفوذها من جهة، ويقطع الطريق على مشروع الكيان الكردي في الشمال السوري، الذي تقوده الميليشيات الكردية (قسد)، لإبعاد خطرها من المناطق الحدودية وتهديدها للأمن القومي التركي، من جهة ثانية، وبالرغم من أن روسيا وإيران تعارضان العملية العسكرية التركية، فإنهما تجدان في ضغط أنقرة لتنفيذ الهجوم فائدةً تتمثل في دفع ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” التي يهيمن عليها مقاتلو ميليشيا “وحدات الحماية الكردية”، إلى اللجوء إلى النظام السوري وروسيا، لحمايتها من الهجوم التركي، أو لتخفيف آثاره على الأقل، إن حصل. وفي هذا السياق، برزت جهود طهران بالعمل على بلورة موقف موحد مع موسكو، لمحاصرة الدور التركي وما يحمله من تحدّيات لكلا الطرفين.

وبخصوص الملفّ السوري، تتمسك الدول الثلاثة بمسار آستانة، الذي أُطلق في العام 2017 بهدف التوصل إلى ترتيبات حل سياسي يتوافق مع مصالحها، من خلال فرض تهدئة الجبهات أولًا، تحت عنوان “خفض التصعيد”، وتمكين النظام من استعادة السيطرة لاحقًا على تلك المناطق، وهو ما أدى في الواقع إلى موجات من التهجير القسري رافقتها عمليات تغيير ديموغرافي، ويعكس استمرارُ تمسّك الدول الثلاثة بهذا المسار تفاهماتِها على مجمل المصالح المشتركة، لا على المسألة السورية فقط، وقد ترافق إعلان تمسكها بمسار آستانة مع تعطيل النظام السوري اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، بطلب روسي، وفي هذا السياق، حققت قمة طهران نتائج ملموسة على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الثلاث، وكانت هناك نتائج سياسية كذلك، ولكن ليس من بينها أي توافق في المسألة السورية.

ثانيًا: أهمّ أولويات أجندة القمة

طغت على أجندة القمّة كثيرٌ من الأولويات التي تختلف وتتمايز بحسب مصالح هذه الدول وانشغالاتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وأبرز هذه الأولويات -وفق ما تضمنه البيان الختامي للقمة وتصريحات القادة على هامشها- ما يلي:

1 – التأكيد على الدور الريادي لمسار آستانة، في الحلّ السلمي والمستدام للأزمة السورية، وتشديد القادة على استحالة تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ما دامت الولايات المتحدة تثير الفوضى، بدلًا من معالجة المشاكل، وتولي الأولوية لضمان مصالح إسرائيل، وهو ما يعكس رغبة روسيا وإيران في أن يكون مسار آستانة بديلًا لمسار جنيف، بالرغم من حاجتهما إلى غطاء الشرعية الأممية المستمد من مسار “جنيف”.

2- إصرار طهران على دعم النظام السوري، لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، وتأكيد الحضور القوي للجيش السوري على هذه الحدود الدولية، والضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها، واتهامها بـ “نهب الثروات والموارد السورية”، وجاء حضور وزير خارجية النظام السوري فيصل مقداد إلى طهران في يوم القمة، لإبراز موقف النظام من شرعية وقانونية وجود روسيا وإيران في سورية، واعتبار أن الوجود التركي في سورية غير شرعي، وهو ما عبّر عنه رفض المقداد للهجوم التركي المحتمل، و”سياسات التتريك والتدخلات التركية في شؤون سورية”.

3- لم تتمكن تركيا من استثمار القمة، ووساطتها في ملفّ تسوية أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية، للحصول على موافقة روسيا وإيران على العملية العسكرية التي تسعى أنقرة لإطلاقها في الشمال السوري لطرد قوات (قسد) من منطقتي تل رفعت ومنبج، على الرغم من تضمين بيانهم الختامي “تصميمهم على الوقوف في وجه المخططات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سورية وسلامتها الإقليمية”، وتصريح كل من روسيا وإيران بأنهما تدركان مخاوف تركيا الأمنية.

وعلى الرغم من الموقف التركي السلبي من نظام الأسد، فإنّ أولويات تركيا تكمن في الحفاظ على أمنها القومي، ومنع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، إضافة إلى حرصها على عودة قسم كبير من اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وكذلك فتح طريق تجارتها البرية مع دول الخليج عبر سورية. وهي مصالح قد تدفع تركيا إلى القبول باستعادة النظام سيطرته على منطقة شرق الفرات.

ثالثًا: مظاهر التنافس والتوافق بين أطراف القمة

حققت القمة توافقات سهلة، من خلال اللقاءات الثنائية على تعزيز العلاقات الاقتصادية ورفع وتيرة التبادل التجاري، في حين برز الخلاف بين الأطراف في الملف السوري.

وعلى الرغم من توافق إيران مع روسيا في ملفّ غزو أوكرانيا وتقاربهما، كنظامين يعانيان العزلة الغربية ويواجهان العقوبات، وعلى الرغم من سعيها لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الكرملين، بالتزامن مع بروز احتمال بلورة تكتل عربي – إسرائيلي بدعم أميركي في المنطقة لمواجهة التهديد الإيراني؛ فإن طهران لا تزال ترتاب من بعض المواقف الروسية في الاتفاق النووي، ومن غضّ الطرف الروسي عن العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف مواقع قواتها وميليشياتها في سورية.

أما بالنسبة إلى روسيا، فإن في حضور بوتين القمة رسالةً للغرب، مفادها بأنّ روسيا حاضرة في الساحة الدولية، ويبقى القلق الروسي الأكبر من الغاز الإيراني الذي يشكل بديلًا سريعًا لغازها، وذلك على الرغم مما قيل عن مذكرة تفاهم وقعتها “غازبروم” الروسية في طهران، لاستثمارات في الغاز بقيمة 40 مليار دولار، ومن دعوة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى مبادرات اقتصادية جديدة لإقامة سلاسل توريد جديدة، مثل ممر “شمال – جنوب” الممتد من سان بطرسبورغ إلى المحيط الهندي، ومن الهند إلى “فلاديفوستوك” مرورًا بإيران. ومن جهة أخرى، تتعارض مصالح إيران وروسيا في بعض القضايا، مثل التنافس على بيع النفط للأسواق في الصين.

أما تركيا، الطرف الثالث في القمة، والعضو في حلف الناتو، والذي ينازعهما على النفوذ في سورية وفي جنوب القوقاز ووسط آسيا، فلا يمكن أن يكون شريكًا كاملًا لهما، وقد برز ذلك في الضغط عليه لوقف العملية العسكرية في شرق الفرات، وفي دعوته إلى التنسيق مع نظام الأسد لحماية حدوده، كما لا يمكن لهما التعويل على تموضع تركي جديد، يبعده عن حلفائه التقليديين في الغرب.

وعلى الرغم من توقيع الوزراء الأتراك على هامش القمة 8 اتفاقيات، و10 مذكرات تفاهم، مع نظرائهم الإيرانيين، من شأنها تعزيز العلاقات بين البلدين، ومن أهمّها تمديد اتفاقية تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا لمدة 25 عامًا؛ فإن اختلاف طهران وأنقرة في الساحة السورية لا تحلّه الاتفاقات الاقتصادية، ففي الوقت الذي كان الرئيس التركي يدلي بتصريحاته من طهران، بشنّ عملية عسكرية في سورية، نظّمت ميليشيا “فيلق المدافعين عن حلب” المدعومة من إيران عرسًا جماعيًا، في بلدتي ‎نبّل والزهراء الشيعيتين شمالي حلب، وقالت في صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي: “هو رسالة لتركيا. إننا باقون في هذه الأرض وسندافع عنها، وها هنا نقيم الأفراح ونزف 260 عريسًا، ولا نكترث بتهديداتكم أبدًا”.

في ما يتعلق بالعلاقة الروسية مع تركيا، أفاد البيان الرئاسي الروسي بأنّ أبرز محاور اللقاء الثنائي هي “الجوانب الرئيسية للتعاون الروسي – التركي، والتقدّم المحرز في تنفيذ المشاريع الرائدة في المجال التجاري والاقتصادي، وآليات العمل المشترك في الوضع حول أوكرانيا”. ورأى الكرملين أنّ تسوية قضية تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، وفقًا لمخرجات المفاوضات التي عُقدت أخيرًا في إسطنبول، بين الوفود العسكرية لروسيا وتركيا وأوكرانيا وممثلي الأمم المتحدة، تشكّل أحد العناصر الرئيسية لمواصلة التنسيق مع أنقرة. ومن المعروف أنّ تركيا لا تلتزم بالعقوبات الغربية على روسيا، وهي منفذ خارجي، تجاري ومالي، لموسكو ضد الحصار الغربي.

وهكذا، إذا ما دققنا في أهداف أردوغان في سورية، وأهداف خامنئي بمواجهة النظام العربي، وأهداف بوتين للتشويش على بايدن، فإننا سرعان ما نكتشف أنّ الأطراف الثلاثة اجتمعت لأغراض ومصالح عدة، بعضها متوافق، وبعضها الآخر يتسم بالتنافس أو بالتناقض؛ إذ تشكل سورية نقطة الخلاف الأساسي بين الدول الثلاث، ففي حين تعمل روسيا وإيران على استعادة النظام السيطرة على كامل الأرض السورية، وشرعنته دوليًا، تجد تركيا مصلحتها في ضمان أمن حدودها بتعزيز نفوذها في الشمال السوري، لإنهاء خطر قيام كيان كردي، وتأمين المنطقة الآمنة، لإعادة الآلاف من اللاجئين السوريين، واحتواء ضغط المعارضة التركية على هذا الصعيد، واسترضاء الشارع التركي قبيل الانتخابات المفصلية القادمة، وهذه الأهداف من غير الممكن تحقيقها في ظل وجود أميركي يعوق تنفيذ خططها على هذا الصعيد.

ولا أدلّ على التناقض بين الأطراف الثلاثة في القمة من عبارة “محاربة الإرهاب في سورية”، التي تضمنها البيان الختامي المتفق عليه، فالكل يستخدم سورية أرضًا لمحاربة الإرهاب، لكن كل طرف يحدد “الأطراف الإرهابية”، وفق مصالحه وهواجسه الأمنية؛ فروسيا -كما إيران- تعتبر كل من عارض نظام الأسد إرهابيًا، وتركيا يقلقها إرهاب الميليشيات الكردية ومشروعها، وهي طرف يحظى بدعم إيران وروسيا وأميركا بنسب متفاوتة، وكلٌّ حسب مصالحه، وفي حين يتحدث البيان عن العمل المشترك في “مكافحة الإرهاب”، يتابع كل طرف حربه ضد خصومه “الإرهابيين”، الذين يعدّهم شركاء آخرون في القمة الثلاثية أدواتٍ ضرورية لتحقيق مصالحه.

رابعًا: حول الآفاق المستقبلية لمسار آستانة

تشير معطيات خلافات الدول الثلاثة على الأرض السورية إلى أن بينها، من المشكلات والتعقيدات ولها من المصالح الذاتية، ما يجعل من وضع الأوراق السورية في عهدتها أقرب منه إلى تعزيز الصراع لا حلّه، فمن جانب، لا يمكن أن تقبل إيران بأي حل سياسي لا يكون الأسد في مركزه، فيما يمكن لروسيا أن تقبل بآلية تدريجية، تصل في نهايتها إلى الأهداف الإيرانية ذاتها. أما تركيا، فقد تحوّل هدفها اليوم إلى إيجاد تسوية سياسية تنهي التوتر على حدودها الجنوبية، وكحل آني سريع، فهي تسعى إلى شريط حدودي آمن شمال سورية، يكون مأوًى لنحو مليون سوري يقيمون حاليًا في تركيا، ويمكن أن تخفف عودتهم من حدة أزمة اللاجئين في السياق الانتخابي الشرس خلال العام المقبل.

ولا يبدو أن مثل هذه المواقف يمكن أن تُنتج حلًا قابلًا للحياة للمسألة السورية، وبالرغم من أن الملف السوري سيكون محور قمة موسكو لاجتماع مسار آستانة القادم الذي أعلن خلال قمة طهران؛ فلا يتوقع حدوث اختراق حقيقي يتضمّن حلًا أو خريطة حل عادل وناجز وقابل للحياة. ومع غياب أي رؤية دولية جادة، فإنّ ما فعلته قمة طهران أنها أكّدت “احتكار” المسألة السورية من جانب، وكررت أولوية المصالح المرتبطة بكل من دولها الثلاث، وإنّ إصرار روسيا وإيران على دعم نظام الأسد يعني أن لا جدوى ولا مستقبل لأيّ من الحلول، ولا سيما في ظلّ سلبية المجتمع الدولي وانشغاله بأولوياته التي لم تعد سورية جزءًا منها، كما ظهر واضحًا بعد جولة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط.

لقد انتهت قمة طهران بحصاد سياسي واقتصادي وفير، في ما يخص الدول الثلاث، إلا أنّ وفرة هذا الحصاد لا تشمل السوريين ولا قضيتهم في ما اتفق عليه أطراف آستانة الثلاثة، وهو أن تبقى هدنة وقف إطلاق النار قائمة (هاجمت روسيا ريف إدلب، وأوقعت قتلى وجرحى، وردت فصائل المعارضة بقصف مواقع عدة للنظام)، وبوجود الهدنة ينتفي وجود الحلول، ومن ثم لا بأس من ترحيل الخلافات حول القضية السورية إلى لقاءات قادمة، ذلك أن ما تريده روسيا وإيران هو التأكيد أنّ قمة طهران قد أنتجت ردًا مناسبًا على قمة جدة الخليجية الأميركية.

وهكذا، لا تمثّل القمة الثلاثية في طهران أي تحوّل يتعلق بتسوية دولية في إطار الإعداد للمسألة السورية. ولا شيء سيتحرك في هذا الملف، وفي ملفات أخرى ذات صلة، قبل أن تظهر النتائج الدولية للحرب في أوكرانيا، وما ستنتجه الحرب من موازين قوى، وقد يُحدّد حينذاك شكل التسوية في سورية ومضمونها.

مركز حرمون

————————-

قمة طهران والعملية العسكرية التركية في سوريا/ عمر كوش

أظهرت قمة طهران الثلاثية، التي جمعت الثلاثاء الماضي، كلاً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، أن الموقفين الروسي والإيراني لم يتغيّرا حيال العملية العسكرية التي يُلوّح بها الساسة الأتراك، منذ مدّة، للقيام بها في مناطق من الشمال السوري، وحددها بعضهم بالمنطقة الواصلة بين تل رفعت ومنبج، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث لم يخفِ المسؤولون الإيرانيون رفضهم ومعارضتهم للعملية التركية، وجاء ذلك على لسان رئيس النظام الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي اعتبر أن “الخطوات العسكرية لا تحل الأزمة السورية”، بل تفاقمها، في حين ذهب المرشد الأعلى للنظام، علي خامنئي، إلى القول إن “أي عمل عسكري في سوريا سيعود بالضرر على المنطقة بكاملها”. أما الروس فيبررون معارضتهم للعملية التركية تحت ذريعة أن أي عمل عسكري من شأنه أن “ينتهك سيادة الأراضي السوريّة، ومبدأ التسويّة السوريّة”، وكأن هناك تسوية بالفعل، وأن السيادة التي يتشدقون بها مصانة من طرفهم ومن طرف كل من إيران والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل وسواها.

ولم تتغير تصريحات المسؤولون الأتراك، الطامحة للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري، بعد انفضاض قمة طهران، إذ قال الرئيس أردوغان إن خيارها “ما يزال مطروحاً على الطاولة”، بينما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا “لا يمكنها البقاء مكتوفة الأيدي في سوريا”، وإننا “لم نأخذ الإذن من أحد لتنفيذ عملياتنا هناك، ولن نفعل”، وأكد أن “العملية العسكرية ستنطلق بين ليلة وضحاها بشكل مفاجئ”. يضاف إلى ذلك أن الاستعداد للعملية مستمر على مختلف المستويات، حيث ناقش مجلس الأمن القومي التركي في اجتماع ترأسه الرئيس أردوغان، الخميس الماضي، التحضيرات الجارية للعملية العسكرية المحتملة في شمالي سوريا، الأمر الذي يشي بأن الساسة الأتراك لن يتخلوا بسهولة عن العملية العسكرية التي يسعون إلى تنفيذها في سوريا، وأنهم مستمرون في العمل على تهيئة الظروف المناسبة لها سياسياً، وخاصة على المستوى الدولي والإقليمي.

ولا شك في أن تصريحات المسؤولين الأتراك، المترافقة بإرسال تعزيزات عسكرية على الأرض في الشمال السوري، تعبر عما يطمحون إليه ويسعون إلى تنفيذه، لكنها قد تصطدم بالواقع، وبالمواقف الإيرانية والروسية المعارضة لها، وبالتالي فإنهم باتوا في موقف لا يحسدون عليه، لأنهم من جهة أولى، لا يمكنهم القيام بعملية عسكرية واسعة من دون الحصول على موافقات دولية بشأنها، بمعنى وجوب أن تكون الأطراف المتدخلة بالشأن السوري، خاصة إيران وروسيا وأميركا، راضية عن سير وأهداف العملية التي ينوون القيام بها، وهم من جهة ثانية، بحاجة داخلية إلى تحقيق إنجاز ما في الملف السوري، وبما يتطلب القيام بعمل عسكري في الشمال السوري تحت يافطة محاربة التنظيمات الإرهابية، التي تضع تركيا في خانتها كلاً من حزب العمال الكردستاني التركي، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وسائر مخرجاته المدنية المتمثلة بالإدارة الذاتية، والعسكرية المتمثلة بوحدات حماية الشعب الكردية، فضلاً عن أن القيادة التركية تريد تحقيق إنجاز ما في ملف اللاجئين السوريين في تركيا، خاصة أنها مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية في حزيران/ يونيو المقبل، وقد بدأت حملاتها الانتخابية مبكراً، وأول الملفات التي دخلت بقوة في البازار الانتخابي التركي، هي قضية اللاجئين السوريين في تركيا، لذلك يريد حزب العدالة والتنمية الحاكم أن يقدم نفسه للناخب التركي على أنه قادر على حل هذه القضية، من خلال إعادة مليون لاجئ سوري أو أكثر إلى مناطق في الشمال السوري، وبالتالي بات قادة هذا الحزب يشعرون بأهمية القيام بعملية عسكرية فيه، من أجل إنشاء “منطقة آمنة” تؤوي اللاجئين السوريين، حسبما يخططون.

وإذا كانت العملية العسكرية التي تهدد تركيا القيام بها في الشمال السوري، تبدو كأنها حاجة داخلية للقيادة السياسية، فضلاً عن أن غايتها هي حماية الأمن القومي التركي، إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالظروف والتوازنات الدولية، وبمدى تأثيرها على الوضع في سوريا وتوازنات القوى المسيطرة على الأرض، وخاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، واضطرارها لسحب بعض قوتها العسكرية من سوريا، الأمر الذي أحدث فراغاً سارعت إيران بميليشياتها المتعددة إلى إشغاله، فيما لا ترغب الولايات المتحدة الأميركية أن تنخرط في الوضع السوري أكثر، لأن تركيزها بات منصباً على الوضع في أوكرانيا، وبالتالي فإن كلاً من روسيا والولايات المتحدة وإيران تريد استمرار الوضع الراهن القائم في سوريا، ولكل طرف أسبابه الخاصة، لذلك تعارض أي عملية عسكرية قد تقوم بها تركيا، كونها قد تفضي إلى تغير التوازنات السائدة في سوريا.

ويتمايز الموقف الأميركي عن الموقفين الروسي والإيراني في أن ساسة الإدارة الأميركية يحرصون على عدم إغضاب الساسة الأتراك، وعلى ألا تحدث أزمة بين بلادهم وتركيا بسبب الوضع في سوريا، كونهم بحاجة إلى تركيا ودورها في حلف الناتو لمواجهة روسيا ومعاقبتها على غزوها لأوكرانيا، لذلك قام السيناتور ليندسي غراهام، مؤخراً، بمبادرة وساطة بين تركيا والإدارة الذاتية وقسد، وذلك من أجل تفادي قيام تركيا بعملية عسكرية في مناطق شرقي الفرات، حيث يوجد جنود أميركيون هناك.

وتحاول كل القوى المتدخلة في الشأن السوري تسويق معارضتها للعملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري من باب الرغبة في الحفاظ على استمرار الوضع الراهن في سوريا، لأن ذلك يدعم حفاظها على مناطق النفوذ لكل منها، لكن معارضتها قد تنحصر فقط في الإطار السياسي في حال تنفيذ تركيا عمليتها العسكرية، وخاصة إن لم تتعدَّ العملية المنطقة الواصلة بين منبج وتل رفعت، حيث تقع هذه المنطقة خارج حسابات الولايات المتحدة ولا يوجد فيها جنود أميركيون، فيما لن تغامر روسيا بعلاقاتها المتشعبة والهامة مع تركيا بالرد على عمليتها إن كانت محدودة، وتبقى إيران كذلك محكومة بشرط العلاقات الهامة مع تركيا وعلى مختلف المستويات. وبسبب هذه الاعتبارات يصرّ الساسة الأتراك على أن عمليتهم العسكرية “ما تزال مطروحة على الطاولة”، بعد قمة طهران، وأنها قد “تحدث بين ليلة وضحاها”.

————————-

بين مساوئ الرعب وفوائد الخوف البنّاء في بلاد الشام/ راغدة درغام

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقائهما الأسبوع الماضي في طهران، أنه ليس مُعجَباً أبداً بفكرة الكرملين بإيكال سوريا الى إيران ولن يقبل بها على الإطلاق. بل أكثر، حسبما نقلت مصادر وثيقة الاطلاع على القمّة الثلاثية الروسية – التركية – الإيرانية التي تظاهرت وأنها تُحيي عملية آستانة للسلام في سوريا. السيد أردوغان لطّف إنذاره لإيران بأن أنقرة لن تقبل بما تصمّمه طهران لنفوذٍ عارمٍ لها في سوريا ومدّها الدعم على طريقتها للرئيس السوري بشار الأسد، قائلاً إنها مجرّد تمنيات لا مستقبل لها. وعندما أراد أن يوضح أكثر، قال إن أي محاولة لبسط سيطرة إيران على سوريا إنما تتناقض مباشرة مع المصالح القومية لتركيا- وأنقرة جدّيّة جدّاً عندما يتعلق الأمر بمصلحتها القومية.

أما القيادة الإيرانية، فإنها أبلغت السيد بوتين أنها جاهزة ومستعدة وقادرة على السيطرة على سوريا وإنقاذ الأسد. السيد بوتين اعترف أن سُلّطة وقوة روسيا في سوريا تتآكل بسبب انشغال موسكو بالعمليات العسكرية في أوكرانيا وأن موسكو ليست متحمّسة اليوم لزيادة نفوذها في سوريا. تقبّل السيد بوتين إنذار السيد أردوغان لإيران على مضض، وأخذ علماً أن الرئيس التركي يلعب أوراقه اليوم بثقة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تنتمي اليه تركيا، وعبر تقديم نفسه وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا. إنما ما أبلغه الرئيس الروسي الى القيادات الإيرانية هو أن روسيا ستبقى حليف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الاستراتيجي، وأن الكرملين يقدّم الى القيادات الإيرانية كامل الدعم لصلاحيات واسعة لها في سوريا تحلّ مكان روسيا في هذا المنعطف، بغض النظر عن رأي وتهديد السيد أردوغان. بل أكثر. ما أكده السيد بوتين هو موافقته على أن لبنان مرتبط مئة في المئة بالقرار الإيراني، وأن الكرملين يتفهّم ويفهم المصالح الإيرانية في لبنان ويقرّ بأن مستقبل لبنان لا يمكن فصله عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

لم تكن قمّة طهران ردّاً على قمّة جدّة كما ظن البعض. كانت قمّة محاولة التفاهم ثلاثياً على الأدوار في سوريا، ولم يتم الاتفاق. الإيجابي الوحيد الذي صدر عن قمّة طهران هو الاتفاق على استمرار الحوار. فلا اختراق لجهة تقريب وجهات النظر أو تنظيم نفوذ الدول الثلاث في سوريا، ولا تراجع في خطط أي من الأطراف الثلاثة العسكرية منها أو الاستراتيجية.

أردوغان تمسّك بمواقفه ولم يبدِ أي استعداد للتعاون مع روسيا في سوريا مؤكداً أن تقويم مصالح تركيا لم يتغيّر، وأن تركيا لن تتراجع عن القيام بعمليات عسكرية داخل سوريا عند الحاجة. طلب من نظيره الروسي ألاّ يضغط عليه أو على تركيا، لأن لا مجال لأخذ خطوة الى الوراء.

ما أكده أردوغان لبوتين هو أنه يأمل ويتمنى كثيراً بألاّ تقع مواجهة بين تركيا وروسيا في سوريا، وأنه يعتزم أن يجد دائماً لغة مشتركة بين الدولتين والقيادتين لتجنّب المواجهة، حسبما أكّدت المصادر المطلِعة على اللقاء. أما إيران، فإنها أمرٌّ آخر وأسلوب التعاطي مع أدوارها في سوريا مختلف وهو ينطلق من اعتبار أنقرة أن محاولات طهران للسيطرة على سوريا تتعارض تماماً مع مصالح تركيا القومية.

فكرة بوتين أن يجعل من إيران اللاعب الأقوى في سوريا والضامن للنظام في دمشق اصطدمت برفضٍ قاطع من أردوغان وصعّدت الشكوك التركيّة من المخططات الإيرانية. هذه الفكرة لا تعجب الولايات المتحدة ولا إسرائيل لكن إيران تريدها بشدّة وتعتبرها حيويّة لمشروعها الإقليمي أتت “هدية” لها من الحرب الروسية على أوكرانيا.

نصْب الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاكم الأمر الواقع في سوريا قد يكون مشروع توريط لإيران، لكن القيادة الإيرانية تعتبره إنجازاً استراتيجياً تريده طهران لأنه يضعها على البحر المتوسط. امتداد خطوط المواجهة الإيرانية المباشرة مع إسرائيل من لبنان الى سوريا أمرٌ تريده طهران في زمن السلم كما في زمن الحرب لأنه يشكّل لها أدوات مقايضة وجبهات مواجهة. وهذا يناسبها تماماً اليوم لا سيّما أن القيادة الإيرانية واثقة تماماً من نفسها في وجه إسرائيل عسكرياً وليس فقط تهادنياً. ثم أنها لا تفكّر بمجرّد معطيات اليوم، فإيران تبني لبنة لبنة دورها في ذلك الحلف الثلاثي أي الترويكا الصينية – الروسية – الإيرانية.

أثناء لقاء الرئيسين الروسي والإيراني في طهران، طلب الرئيس إبراهيم رئيسي تصعيد الضغط الروسي في موضوع المحادثات النووية في فيينا والهادفة الى إحياء الاتفاقية النووية JCPOA لعام 2018 والتي وقّعتها الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا مع إيران. لكن رئيسي أكّد لبوتين أن إيران لن تتخذ أيّة خطوات تجعلها تبدو ضعيفة في نظر الولايات المتحدة والعالم. قال إن طهران جاهزة لبعض التنازل إنما ليس في مسألة إصرارها على شطب “الحرس الثوري” الإيراني من قائمة الإرهاب، ولا في إصرارها القاطع على عدم السماح للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بأن تسيطر على مستقبل الصناعات النووية في إيران. فالأمل يتضاءل والضوء في نهاية نفق المحادثات النووية بات باهتاً.

ما تحدّث الرئيسان في شأنه بكل شغف واهتمام هو تلك المعاهدة الثنائية الشاملة بين روسيا وإيران والتي بدأ الإعداد لها لأن إتمامها بأسرع ما يمكن مهمّ جدّاً للطرفين لأسباب عديدة. وبحسب المصادر المطلِعة تحدّث الرئيسان عن قيام بوتين بزيارة رسمية الى طهران في أواخر هذه السنة بهدف توقيع تلك المعاهدة الثنائية التي تشابه المعاهدة الاستراتيجية التي وقعتها إيران مع الصين.

فالتقويم الروسي والإيراني لمستقبل المحاور في الشرق الأوسط هو أن الولايات المتحدة تتراجع في لغة وإجراءات المحاور فيما الترويكا تتقدّم ببراغماتية وعناية وحذر وعزم وتصميم. زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الشرق أوسطية لم تفلح في محو تطوّر بالغ الأهمية في الدول الخليجية العربية وفي مقدمها السعودية وهو الاستقلالية التي تبنّتها هذه الدول في أعقاب تجربتها مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ونائبه حينذاك جو بايدن. وطالما أن السعودية لم تعد الى الفلك الأميركي بالطريقة التقليدية، فإن المحور المرجو بقيادة أميركية يبقى ضعيفاً. زيارة بايدن لم تحقق اختراقاً في هذا الأمر، ولذلك موسكو وطهران ليستا قلقتين كثيراً، لا أمنياً ولا نفطيّاً.

ما يثير قلق موسكو هو مستقبل “أوبك+” لأن ذلك سيؤثِر في روسيا بصورة مباشرة. وموسكو تتطلّع بحذر واهتمام الى الاجتماعات المقبلة لمنظمة الـ”أوبك” في أيلول (سبتمبر) المقبل.

عودةً الى تركيا، تَقلق روسيا من رؤية ومشروع رجب طيب أردوغان بشمولية وليس فقط في سوريا. تدرك أن الحزام الأمني الذي يريده أردوغان لتركيا داخل الأراضي السورية بات موضع إصرار أكبر من أردوغان لأنه يرى أن الفرصة مواتية جدّاً لتنفيذه، أولاً بسبب إنشغال روسيا بأوكرانيا، وثانياً بسبب انشغال أميركا بروسيا وبأوكرانيا وبإيران، وثالثاً لأنه استعاد نفوذه وتموضعه داخل حلف شمال الأطلسي لأن “الناتو” في حاجة اليه.

هذا لا يعني أن الرئيس التركي بات محصّناً ومقبولاً تماماً لدى دول “الناتو” أو لدى جيرته لا سيّما عندما ترتكب تركيا أخطاء فادحة ناتجة من عجرفة أردوغان كما حدث في آخر عمليات اقتحام الأراضي العراقية بالذات في مأساة قصف المنتجع العراقي بكردستان الذي أسفر عن مقتل مدنيين. بغداد حمّلت أنقرة مسؤولية القصف لكن أنقرة نفت مسؤوليتها.

المشكلة أعمق وهي تكمن في ثقة أردوغان أن تركيا فوق المحاسبة فيما تلاحق ما تصنّفه الإرهاب الكردي في العراق وسوريا، وأنها نجحت في إخضاع الدول الأورويية مثل السويد بإصرارها على رفض عضويتها في “الناتو” ما لم تتخذ استوكهولم إجراءات طالبت بها أنقرة.

كلمة أخيرة عن قمّة طهران التي حضرها غيابياً “حزب الله” بصفته الذراع الأقوى لإيران داخل سوريا وفي لبنان. الرئيس التركي لا يتعرّض مباشرة لـ”حزب الله” تقليدياً لكنه سيفعل إذا ما اضطر في سوريا حين تبدأ إيران تنفيذ مشروع بوتين هناك.

“حزب الله” يتربّص ليتموضع، إما بجانب إيران أو بالنيابة عنها- حسبما تتطلّب الظروف. إنه يهادن عندما تحتاج طهران المهادنة، ويصعِّد عندما ترتأي القيادة الإيرانية أن الوقت حان. أجندته ليست من أجل استفادة لبنان، ولذلك حوّل مستقبل ثروة الغاز والنفط الى ذخيرة لـ”المقاومة” بدلاً من أن تكون وسيلة انتشال اللبنانيين من كارثة الانهيار الاقتصادي التي تدمّرهم.

“بارومتر” “حزب الله” اليوم يفيد بأنه قد يعرقل ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – الإسرائيلية ليس فقط بموجب مراقبته لنتائج المفاوضات النووية الإيرانية، وإنما أيضاً لأنه يريد أمرين أساسيين آخرين هما: أولاً، ضمان حصته من الثروة بدلاً من اعتبارها ثروة سيادية ذلك لأنه لا يعترف بسيادة الدولة ولا حتى بالوطن لبنان. وثانياً، “حزب الله” يرفض أي ترسيم أو مراقبة لأيّة حدود لبنانية – سورية، ولذلك، إنه يخشى فكرة ترسيم الحدود البحرية لأنها تكبّل تحركاته البحرية والبرية وبالذات عمليات التهريب التي يتطلّبها المشروع الإيراني المدعوم روسياً في سوريا بمباركة فلاديمير بوتين شخصياً.

لمن سخرية القدر أن يكون خيار صفقة أميركية – إيرانية – إسرائيلية نووية وأمنية وتهادنية أفضل بكثير لبلادٍ مثل سوريا ولبنان بكل ما تمنحه لإيران ولإسرائيل من أدوات هيمنة واستقواء، مما هو خيار المواجهة العسكرية. فواضح أن روسيا وإيران اتخذتا قرار مصادرة سوريا ولبنان لغاياتهما ومصالحهما القومية وفي حساباتهما التصدّي لإسرائيل هناك حسب الحاجة. أما إدارة بايدن، فإنها ما زالت تتأرجح بين التمنيات بصفقة مع إيران، وبين التردّد بالضغط على طهران وعلى “حزب الله” خوفاً من الانتقام، وبين التهديد باستعادة عقوبات الضغوط القصوى على إيران التي تبناها دونالد ترامب، وبين إلقاء كل اللوم على ترامب لأنه مزّق الاتفاقية النووية مع طهران.

الفرز مستمر، وسط بلبلة سياسية عالمية، يرافقه كثيرٌ من الرعب وقليلٌ من الأمل والخوف البنّاء. لربما أفضل الأحوال في هذا المنعطف هو استمرار الوضع الراهن Status quo في المنطقة العربية بكل سيّئاته في بلاد الشام.

 النهار العربي

 ———————-

هل سيشارك الأسد في قمة أستانة القادمة؟/ إبراهيم الجبين

لم تعكس الصور المشتركة التي التقطها الزعماء الثلاثة؛ التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني إبراهيم رئيسي والروسي فلاديمير بوتين، المشاركون في قمة أستانة التي عقدت في طهران الأسبوع الماضي حقيقة التباينات الكبيرة في المواقف في ما بينهم. وكانت أولى آثار تلك التناقضات في المصالح والرؤى القصف الروسي على الشمال الغربي السوري ضد المدنيين والذي أوقع أربعة أطفال أشقاء من بين القتلى والجرحى من جهة، والقصف التركي الذي استهدف قوات الأسد من جهة أخرى.

كان رئيس النظام السوري بشار الأسد الحاضر الغائب كالعادة. غير أن غيابه هذه المرة كان مختلفا، فداعمه الأكبر بوتين لم يعد كما كان في السابق. قد يكون أقل حصانة سياسيا واقتصاديا، لكنه أكثر شراسة عسكريا وأكثر تشبّثا برؤية روسيا للكيفية التي يمكن بها تحقيق مصالحها في أوروبا وآسيا وبالطبع في سوريا وحول العالم. بالمقابل فهو اليوم أكثر حاجة من ذي قبل للتمسك بحلفائه النافعين.

لا أحد يتحدث عن الرئيس الإيراني، فإيران مشروعها واضح ولم يعد يقبل المزيد من التأويل، بينما تبدأ من عند بوتين الذي عرض استضافة قمة أستانة القادمة في روسيا، مشاكل أردوغان مع الأسد.

صحيح أنه أضاف إيران، إلّا أن بوتين حين يقول إن بلدان الزعماء الثلاثة تريد رؤية “إجراءات ملموسة” في الملف السوري، فهو يدرك أن هذا لن يقع على عاتقه هو والإيرانيين، وبالتالي من خلفهم الأسد، إذاً هو يرمي الكرة إلى ملعب أردوغان الذي يطالبه بالضغط على المعارضة السورية للمزيد من الإجراءات ”الملموسة“.

الخلافات بين الإيرانيين والروس والأتراك في تلك القمة، حول القمح والمسيّرات والنفط والأمن، أكبر من الملف السوري، وأكبر من النظام السوري

ورغم أن الروس أوقفوا اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، إلا أن بوتين لوّح بإمكانية المساعدة في أعمال تلك اللجنة دون انقطاع.

وكان الرئيس الروسي أكثر الثلاثة إيضاحا حول ما تمت مناقشته في قمة طهران، والتي يبدو أن سوريا لم تكن على رأس جدول أعمالها. فالتبادل التجاري بين موسكو وطهران بالعملات الوطنية بدلا عن الدولار، وتطور العلاقات الاقتصادية الروسية – التركية “رغم كل شيء” كما قال بوتين حرفيا، كان أهم بكثير من بحث شؤون المفاوضات السورية – السورية المتوقفة.

“رغم كل شيء” التي استعملها بوتين تظهر تماما ما الذي كان يتعرض له الرئيس التركي في طهران، فحليفاه الروسي والإيراني يريدان منه طي صفحة الخلاف مع النظام السوري، والتعامل بواقعية كما يقولان مع أن هذا النظام باق، وأنه لا بد من إشراكه في المباحثات اليوم أو غدا.

المرشد الإيراني علي خامنئي سرّب لوكالة “فارس” ما قاله لأردوغان خلال اجتماعهما في طهران؛ إن “العملية العسكرية التي تعتزم تركيا إطلاقها في سوريا من شأنها أن تزعزع استقرار المنطقة”. وكان خامنئي غير متحفظ حين قال إنه يعتبر أمن تركيا من أمن إيران، وأن على تركيا التعامل بذات المنطق مع أمن سوريا، والدخول في مباحثات مع السوريين.

ربما لهذا السبب تم استدعاء وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى طهران على عجل، للقاء نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان. فالنظام في دمشق يعوّل على المراحل السياسية قطعة قطعة، ولا يرى ضرورة للنهب الاستراتيجي، فهذا يمكن لحلفائه الكبار القيام به. وبالنسبة إليه فإن قمة أستانة هذه فرصة لوقف العملية التركية ضد ميليشيات “قسد” التي يهيمن عليها حليف آخر للأسد هو حزب العمال الكردستاني التركي في الشمال السوري لا أكثر.

وفي الآونة الأخيرة قامت تلك القوات الكردية بعقد اتفاقات جديدة مع جيش الأسد، بحيث سلمته العديد من المناطق ورفع عليها علمه، كي يمتنع الجيش التركي عن استهدافها، ولكن هذا لم يحصل فقد شن سلاح الجو التركي هجمات في عين العرب استهدفت قواعد لجيش الأسد، وصرّح أردوغان قائلا إن “قسد لن تخدعنا برفع علم النظام السوري في المناطق التي تسيطر عليها”.

رغم أن الروس أوقفوا اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، إلا أن بوتين لوّح بإمكانية المساعدة في أعمال تلك اللجنة دون انقطاع

بطبيعة الحال فإن الأسد لا يريد وليس في برامجه لا الحالية ولا المستقبلية الدخول في مواجهة عسكرية مع تركيا، أما حؤوله دون استهداف الأتراك لـ”قسد” فهذا جزء من الترتيبات التي يعمل عليها لإعادة بسط سيطرته على كامل التراب السوري وإضعاف الأطراف جميعا، بمن فيهم من يبدون كحلفاء.

انظر على ماذا حصل في طهران؛ فقد توافق الرؤساء الثلاثة في البيان الختامي للقمة على رفض أي شكل من أشكال تقسيم سوريا، وعلى التمسك بسيادتها ومنع محاولات خلق واقع جديد على الأرض بما في ذلك ما تعرف بمبادرات الحكم الذاتي، وما تتضمنه من نهب لعائدات النفط شرقي الفرات.

وبقدر ما تطمئن هذه الكلمات السوريين على عدم السماح بمشروع انفصالي في الشمال والشمال الشرقي من سوريا، فهي تطمئن الأتراك أيضا وتظهر كرسالة قادمة من دمشق بأن الأسد لن يسمح للأكراد في النهاية بتجاوز الخط الأحمر.

بدت تلك أولى الإشارات التي يريد الروس من الأتراك التقاطها للتفكير في تطبيع علاقاتهم مع الأسد، غير أن الأتراك لا ينظرون إلى الأسد والملف السوري كلّه إلا كقضية أمن قومي، أي أنها لا تختلف بأي صورة عن مسارهم في مكافحة الإرهاب، سواء إرهاب حزب العمال الكردستاني أو إرهاب داعش، وهذا المسار الأمني لم يتوقف التنسيق حوله بين الجانبين التركي والسوري، رغم بعض التعثر، إلا أنه باب مفتوح لا يرى الأتراك أنفسهم مضطرين لتعزيزه بتنسيق سياسي.

المشكلة الأبرز كانت بين الروس والإيرانيين، فالروس وافقوا على إدانة الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، لكنهم هم من يسيطرون على المجال الجوي السوري بالكامل، والتنسيق بينهم وبين الإسرائيليين قائم على قدم وساق قبل وبعد أن تشن إسرائيل أي ضربات تستهدف الميليشيات الإيرانية وأذرعها وذخائرها في سوريا، ناهيك عن خلافات حول النفط والاتفاق النووي تزعج العلاقات الروسية – الإيرانية.

الخلافات بين الإيرانيين والروس والأتراك في تلك القمة، حول القمح والمسيّرات والنفط والأمن، أكبر من الملف السوري، وأكبر من النظام السوري، والقرار الذي اتخذه الزعماء الثلاثة من قبل بتنظيم تلك الخلافات وتعزيز المشتركات “رغم كل شيء”، كفيل بإنقاذ تفاهم أستانة، ومدّه بجرعة حياة حتى وقت قريب. وهذا يجعل من الأسد ضيفا حضوره أو غيابه لا يقدمان أو يؤخران في شيء. إلا اللهم في ما يتعلق بمعرفة الروس والإيرانيين أن هناك من يضغط على أردوغان في تركيا للشروع في التطبيع مع الأسد، لكن هذه المرة ليس من أطراف المعارضة بل من التيار الإسلامي الموازي الذي يحاول السير على خطى حماس، وليس تصريح فاتح أربكان رئيس حزب “الرفاه من جديد”، وابن الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، الأخير عن ضرورة إعادة الملايين من اللاجئين السوريين  في تركيا إلى بلادهم بالتنسيق مع الدولة السورية فالحرب قد انتهت إلا إفصاحا أوليا بما يدور من جدالات حادة حول ذلك لم تُحسم بعد.

كاتب سوري

العرب

—————————–

شكل جديد للنفوذ التركي في سوريا.. هل تستغل أنقرة الأوضاع الحالية؟/ محمد وسام

دور مريب أكبر من كل الأدوار السابقة التي لعبتها أنقرة داخل الملف السوري خلال السنوات الماضية، من المرتقب أن تلعبه خلال المرحلة الحالية مستغلة فيها تراجع فرص الحل السياسي في سوريا، إضافة إلى عوامل وظروف عدة.

المشروع التركي

مطامع تركية باتت معلنة في الشمال السوري، فمن منطقة آمنة من أجل ترحيل أكثر من مليون لاجئ سوري، إلى عملية عسكرية تريد تنفيذها من أجل توسيع سيطرتها عسكريا وسياسيا في الملف السوري.

تسعى تركيا لاستغلال كل الأوراق المتاحة أمامها، وتوظيفها بما يخدم مصالحها داخل الأراضي السورية. فلا تضيع فرصتها داخل الأزمة الأوكرانية بعد الغزو الروسي، فتلعب على المتناقضات بين أطراف الصراع لكسب أوراق جديدة لمصلحتها. هي أيضا تستغل تبديد فرص الحل السياسي في سوريا لإحداث متغيرات جديدة على الأرض، من خلال التصعيد العسكري لتعزيز مكتسباتها على حساب إطالة أمد الصراع في سوريا.

اشترك ليصلك آخر الأخبار و التحليلات عن طريق الواتس آب

صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، تحدثت في تقرير لها عن تضاؤل الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، لافتة إلى أن “الحقيقة المروعة” للسوريين، هي أن التقسيم الفعلي سيستمر طالما ترفض دمشق قبول أي تنازلات سياسية، إضافة إلى بقاء القوى الأجنبية في البلاد، وفي مقدمتهم القوات التركية في الشمال السوري.

الصحيفة أشارت إلى دور تركيا “المتعمق” في تشكيل مستقبل شمال سوريا، موضحة أن دور أنقرة يمثل أكبر بصمة تركية في دولة عربية منذ انهيار “الإمبراطورية العثمانية” في عام 1918.

كذلك أضافت الصحيفة، أن الحكومة التركية تدرب وتدفع رواتب أكثر من 50 ألف مقاتل سوري، في وقت نشرت قواتها داخل سوريا، وأنشأت قواعد عسكرية ضخمة وبنت جدارا حدوديا، كما تسعى إلى إعادة مئات آلاف السوريين في وقت قريب.

قد يهمك: حضور عربي مختلف.. ما حقيقة طرح الفيدرالية في سوريا؟

الصحفي المختص في الشأن التركي، سركيس قصارجيان، يرى أن سياسات أنقرة تقوم على المتغيرات السياسية والإقليمية والدولية، حيث أن “أحلام الرئيس التركي في شمال سوريا والعراق ليست جديدة“.

دور أنقرة السلبي

يقول قصارجيان، في حديث خاص لـ“الحل نت“: “أنقرة في الأساس هي أحد مشاكل الأزمة السورية وليس طرفا للحل فيها“.

وحول طرح تركيا لمشروع المنطقة الآمنة كحجة لتوسيع نفوذها في سوريا، يضيف قصارجيان: “نتذكر أن أنقرة طرحت مشروع المنطقة الآمنة منذ بداية الأزمة السورية، وهو لم يلق قبولا، لا على المستوى الإقليمي، ولا على المستوى الدولي. ما لم تنجح أنقرة في تحقيقه عندما كانت المفوض من قبل “أصدقاء سوريا” لن تنجح في تحقيقه اليوم وحيدة“.

أردوغان والانتخابات

قصارجيان، يعتقد أن السياسية التركية تتوجه حاليا للداخل التركي بشكل أكبر، وذلك  بشكل يمكن أن يتوافق مع آمال الرئيس التركي في الاستمرار في الحكم لفترة رئاسية ثالثة بعد انتخابات العام القادم “وهو ما يبدو مستحيلا بدون حل أزمة اللاجئين“.

ويشير الصحفي المختص بالشأن التركي إلى أن: “أمام أردوغان طريقين، إما الاتفاق مع دمشق لحل هذه المشكلة، وهو ما يبدو صعباً حاليا في ظل السقف العالي للمطالب السورية لتطبيع العلاقات، وإما إلهاء الرأي العام التركي بوجود مشروع تحقيق هدفين بمشروع واحد: التخلص من اللاجئين والتخلص من الكرد القاطنين على الحدود مع سوريا، لكن بتقديري هذا المشروع في الأساس، هو وسيلة للضغط على دمشق فقط وليس قابلاً للتحقق على المدى المنظور، لأن هذه المناطق تفتقر لأدنى درجات الأمان والاستقرار والمقومات الاقتصادية“.

دور تركيا شمالي سوريا

ومنذ 2016، شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، كان أولها “درع الفرات” (بين مدينتي اعزاز وجرابلس)، التي قامت ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرت بموجبه تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على مناطق في شمال غربي سوريا مثل مدن جرابلس والباب، التي كانت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، وتلاها ما أسمته تركيا بـ“غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019. هذه المناطق كانت تابعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتشكل فيها “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لـ“حزب العمال الكردستاني” في سوريا، وهو الحزب المحظور في تركيا.

ومؤخرا انخفضت نبرة التهديدات بشأن شن عملية عسكرية في الشمال السوري، لا سيما مع الرفض المستمر من قبل الأطراف الفاعلة في الملف السوري للعملية العسكرية التركية المحتملة.

انخفاض نبرة التهديدات

في تأكيد على تبدد العملية، عقد “مجلس الأمن القومي التركي” مساء الخميس الماضي، اجتماعا لبحث آخر تطورات التحركات العسكرية التركية في مناطق من الشمال السوري، والملفت أنه لم يتطرق إلى التأكيد على أن العملية ما زالت قائمة.

المجلس اكتفى بالاطلاع على معلومات عن العمليات المتواصلة، ضد التهديدات والمخاطر القادمة من “حزب العمال الكردستاني“، مؤكدا أنه بحث اتخاذ تدابير إضافية ضد التهديدات.

مراقبون للوضع الميداني في سوريا، يؤكدون أيضا أن العملية التركية لا يمكن أن تتم دون موافقة أميركية وروسية، بحكم عوامل كثيرة.

الحل نت

———————–

سوريا: ما هي خطة أردوغان الكبرى؟/ مروان شلالا

بعد قمته مع رئيسي وبوتين في طهران

يوفر الدور المدني والعسكري المتزايد لأنقرة في شمال سوريا لها جسرًا لمحاربة القوات الكردية. ولكن إذا توسع أكثر، فقد يجتذب المزيد من التدقيق الدولي.

إيلاف من بيروت: مع اقتراب المساء عبر الحدود التركية مع سوريا، يتحول تدفق حركة المرور عبر نقطة التفتيش الحدودية أونشوبينار إلى مجرى لا يتوقف. من خلال قناة واحدة، تندفع الشاحنات المغبرة شمالًا عائدة إلى تركيا، بعد إفراغ حمولتها. من خلال معبر آخر، يعود موظفو الخدمة المدنية وعمال الإغاثة الأتراك إلى منازلهم بعد يوم عمل في سوريا التي دمرتها الحرب.

تنقل سيارات الدفع الرباعي رجال شرطة المرور المرهقين وخبراء التخلص من القنابل. تقوم الحافلات الصغيرة بتوصيل العاملين الصحيين والمعلمين الذين ينزلون لإبراز وثائق هويتهم لمسؤولي الهجرة. ومع ذلك، فإن المزيد من المركبات تحمل مسؤولي الجمارك والشؤون الدينية. يبدو أن كل أذرع الدولة التركية تقريبًا حاضرة أثناء رحلة العودة من شمال سوريا إلى مقاطعة كيليس التركية – حتى موظفي وزارة الرياضة.

يقول مسؤول تركي: “أي مؤسسة يمكنك التفكير فيها هنا [في تركيا]، فهي موجودة هناك”. ويقدر أن 300 عامل تركي وحوالي 200 شاحنة وسائقيها يمرون كل يوم داخل وخارج معبر أونشوبينار – واحد من ثمانية على طول الحدود البالغ 900 كيلومتر.

دور متعمق

إنه مشهد يعكس دور تركيا المتعمق في تشكيل مستقبل شمال سوريا بعد شن توغلات عسكرية لصد المسلحين الأكراد من وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، من المنطقة الحدودية. منذ أن توغلت الدبابات التركية لأول مرة في سوريا قبل ست سنوات، أصبحت العملية العسكرية، بمرور الوقت، مهمة تمس تقريبًا جميع مجالات الأمن والحياة المدنية في ثلاثة جيوب، والتي تضم مجتمعة نحو مليوني سوري.

إنها تمثل أكبر بصمة تركية في دولة عربية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في عام 1918، وقد تكون على وشك أن تكبر حيث حذر الرئيس رجب طيب أردوغان من أنه يريد بسط سيطرة أنقرة بهجوم جديد. إذا تابع تهديداته، فسوف يكدس مزيدًا من التدقيق على استراتيجية تركيا طويلة المدى ودور الجهات الأجنبية الفاعلة في سوريا، بعد أكثر من عقد من الصراع في الدولة العربية.

على مدى العامين الماضيين، أصبحت تجزئة البلاد حالة راهنة غير مستقرة بعد حملة رئيس النظام السوري بشار الأسد القاسية لسحق الانتفاضة الشعبية في عام 2011 وتدويل الحرب الأهلية، ما أدى إلى تقسيم الأمة بين فصائل سورية متنافسة تعتمد على الدعم الأجنبي. وبدعم من روسيا وإيران والميليشيات المتحالفة مع إيران، استعاد الأسد السيطرة على جزء كبير من البلاد لكنه يترأس دولة ممزقة. تم دفع فلول المعارضة إلى الشمال، حيث يعتمدون على القوة العسكرية التركية والمساعدات المالية. في الشمال الشرقي، تسيطر الميليشيات التي يقودها الأكراد على أكثر من خمس مساحة البلاد، بدعم أميركي وحماية فعالة من نحو 800 جندي أميركي.

تجمد الصراع مع الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية المحتضرة وتضاءل اهتمام الغرب. الحقيقة المروعة للسوريين هي أن التقسيم الفعلي سيستمر طالما يرفض الأسد قبول أي تنازلات سياسية وبقاء القوى الأجنبية في البلاد.

تقول دارين خليفة، محللة الشؤون السورية في مجموعة Crisis: “لا أحد يحب أن يقول ذلك بصوت عالٍ لأنه مثير للجدل سياسيًا ولا يريد الأميركيون أن يشعروا بأنهم يساهمون في ذلك، والأتراك لا يريدون أحدًا أن يقول ذلك. لكن في الواقع، تحفز ديناميكيات ومخاطر الصراع القوى الأجنبية على البقاء في سوريا. وطالما فعلوا ذلك، فمن المرجح أن يستمر المأزق الحالي ويشبه تقسيمًا فعليًا [للبلد]”.

استيلاء تركي

في المناطق الثلاث التي تقع تحت إشراف أنقرة، يتعلم تلاميذ المدارس السورية اللغة التركية لغةً ثانية. يتم علاج المرضى في مستشفيات بنتها تركيا وتضيء الكهرباء مولدة في تركيا. الليرة التركية هي العملة المهيمنة وتستخدم خدمة البريد التركية المملوكة للدولة لتحويل الرواتب إلى العمال السوريين وتوطين الحسابات المصرفية للمجالس المحلية. تشرف مكاتب ولاة المحافظات الحدودية التركية على عمليات التوظيف والطرد في المناطق السورية المجاورة.

على الجبهة الأمنية، تدرب تركيا وتدفع رواتب أكثر من 50 ألف مقاتل سوري، ونشرت قواتها داخل سوريا، وأنشأت قواعد عسكرية ضخمة على الحدود وجدارًا حدوديًا بطول 873 كيلومترًا. فالهدف العسكري الرئيسي لأنقرة في المنطقة هو إضعاف الميليشيات الكردية التي استغلت فوضى الصراع، ودورها الحاسم في المعركة ضد داعش. لقد أقاموا إداراتهم المدنية الخاصة في منطقة غنية بالعديد من الموارد الطبيعية لسوريا، بما في ذلك النفط والغاز والأراضي الزراعية. لكن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، وهي ميليشيا ذات جذور ماركسية لينينية تشن تمردًا منذ عقود ضد الدولة التركية. مثل تركيا، تصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. لكن مما أثار استياء أنقرة هو وقوف واشنطن إلى جانب الأكراد في الحرب ضد داعش.

يريد أردوغان توفير ما يسمى بالمناطق الآمنة لتشجيع عودة نحو 3.7 ملايين لاجئ سوري فروا إلى تركيا، بعدما أصبح وجودهم غير محبوب محليًا. وأدت العمليات إلى دخول جنود أتراك إلى مناطق قتال أجنبية، وهذا يكلف أنقرة مليارات الدولارات. العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة وأوروبا والقوى العربية. وجهت اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان وخاطر بوقوع اشتباكات أوسع مع الأسد وداعميه الخارجيين.

مع ذلك، أخبر أردوغان أعضاء البرلمان في يونيو أنه يخطط “لمرحلة جديدة” من هدفه المتمثل في إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كم من الحدود لطرد الأكراد من منبج الاستراتيجية غرب نهر الفرات، ومن تل رفعت، وهي بلدة أصغر تقع إلى الغرب. قال: “سنخلي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين، وسنفعل الشيء نفسه مع المناطق الأخرى خطوة بخطوة”.

الغرب لا يفهم

يقول دبلوماسيون غربيون إن هناك مؤشرات قليلة على نشاط عسكري تركي كبير يشير إلى أن عملية ضد القوات الكردية باتت وشيكة، وحذرت روسيا وإيران والولايات المتحدة من أي توغل أعمق في سوريا قد يؤدي إلى اندلاع نوبة صراع أوسع. لكن في داخل سوريا، كان القادة الأتراك يخبرون سلطات المعارضة المحلية بتجهيز مقاتلي الجيش الوطني السوري، كما يقول محمود أليتو، رئيس المكتب السياسي لهذا الجيش. يضيف أن تركيا نشرت المزيد من القوات والأسلحة عبر الحدود. يقول: “خلال الشهر الماضي، كانت تركيا جادة بشأن العملية”، ويصر على أن الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا لا يتبع أجندة أنقرة، وسيواصل مقاومة الأسد بدعمها أو بدونه. لكنه يقر بأن جيوب المعارضة في الأراضي تعتمد على رعاتها الأتراك.

مع ذلك، هناك تناقض بين السوريين عندما يناقشون الحياة تحت وصاية تركيا. بالنسبة للأشخاص الذين فروا من البراميل المتفجرة، والهجمات الكيماوية، والحصار، وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد، أو أهوال داعش، هناك تقدير بوجود استقرار نسبي. لكن هناك أيضًا شكاوى من انعدام الأمن والمظالم الاجتماعية والاقتصادية. فرت أسماء من حلب في عام 2016 عندما شنت قوات الأسد المدعومة من روسيا هجومًا مدمرًا على المدينة السورية، ووصلت إلى أعزاز، وهي بلدة حدودية تحت سيطرة تركيا، قبل عامين. تقول: “لا أستطيع أن أقول إننا نشعر بالأمان التام في اعزاز، لكن إذا قارنتها بمناطق أخرى، فستشعر بأمان أكبر”، لكنها تشكو ندرة الوظائف وحجم نفوذ تركيا على السلطات المحلية. تضيف: “يعرف معظم الناس أن تركيا هنا من أجل مصالحها الخاصة، لا مصالح السوريين”.

لكن ماذا لو انسحبت تركيا؟ وتضيف أسماء: “سنشعر بالخوف لأن تركيا تظل الخيار الوحيد لنا وإلا ستأتي روسيا والأسد”.

يصر مسؤول تركي كبير على أن أنقرة، كما يزعم المنتقدون، لا تحاول “تغيير نسيج الدولة”، قائلًا: “كثير من الأصدقاء العرب والغربيين لا يفهمون هذه النقطة. يتساءل الناس لماذا فتحنا فروعًا لبعض الكليات الدينية وبعض الجامعات التركية هناك. كانت هذه هي المناطق التي قمنا بتأمينها من داعش. أي نوع من التفكير الديني نفضل؟. من دون الاستثمار التركي في المدارس والعيادات وفرص العمل، لا أمل في عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم”.

خوف أنقرة

لكن خوف أنقرة الأساسي هو أنه كلما طالت فترة إحكام وحدات حماية الشعب سيطرتها على الأراضي، زادت فرصة سعيها لتأسيس شكل من أشكال الوطن الكردي – وهي فكرة لعنة بالنسبة لدولة قضت أربعة عقود في محاربة الانفصاليين في الداخل. يعتقد المحللون أن هناك عدة عوامل وراء توقيت تهديدات أردوغان بشن هجوم جديد، بما في ذلك فكرة أن الحرب الروسية في أوكرانيا صرفت انتباه موسكو والغرب، فضلًا عن رغبة الرئيس في حشد المؤيدين قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو 2023 في موعد أقصاه. وقت تفاقم الاضطرابات الاقتصادية في تركيا.

مع ذلك، فإن تركيا، في جوهرها، “تعتبر بصدق وحدات حماية الشعب الكردية تهديدًا للأمن القومي ولا يأخذها أحد على محمل الجد”، كما يقول خليفة، محلل شؤون سوريا. يضيف: “سواء كنا نتفق على ذلك أم لا، فهذه مسألة منفصلة. لكن الجميع في أنقرة، سواء أكانوا أردوغان أو أي قيادة أخرى، ما زالوا يفكرون في ذلك ويمكنهم التصرف بناءً عليه”.

برزت وحدات حماية الشعب كقوة مقاتلة خلال معركة كوباني بعد أن سيطرت داعش على المدينة الحدودية السورية ذات الأغلبية الكردية خلال هجوم الجهاديين عبر العراق وسوريا في عام 2014. وأصبحت الشريك المفضل للولايات المتحدة لنقل المعركة إلى داعش في شمال شرقي سوريا، تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو تحالف من المقاتلين يهيمن عليه المسلحون الأكراد تم تسليحهم وتدريبهم من قبل واشنطن.

في أنقرة، شاهد المسؤولون الأتراك بجزع الميليشيات الكردية تحصل على الأراضي والأسلحة والمكانة الدولية. ويقدر خليفة أن قوات سوريا الديمقراطية – التي تتهم تركيا بالاحتلال – تسيطر على جيش قوامه 100 ألف وتدير إدارة مدنية من نفس الحجم.

أمر أردوغان القوات بعبور الحدود لأول مرة في عام 2016 في هجوم على مدينة جرابلس السورية، ظاهريًا لاستهداف داعش ولكن أيضًا لمنع أي تقدم للمسلحين الأكراد. جاءت تلك العملية بعد أسابيع من نجاة أردوغان من محاولة انقلاب، وكانت بمثابة بداية لسياسة خارجية أكثر حزمًا وتدخلًا. وأمرت أنقرة بشن هجمات مماثلة في عامي 2018 و 2019، حيث تقاتل القوات التركية إلى جانب وكلائها السوريين. وشنت تركيا عملية رابعة في عام 2020 لعكس المكاسب التي حققتها قوات الأسد حول إدلب في الشمال الغربي، وهي جيب آخر للمعارضة يقطنه 4 ملايين شخص. تمتلك أنقرة سيطرة أقل على إدلب، التي تديرها هيئة تحرير الشام، وهي حركة إسلامية تصنفها أنقرة وواشنطن كمنظمة إرهابية. لكن تركيا في الواقع هي الحامي النهائي للمنطقة. انتهت تلك الاشتباكات بتوصل تركيا وروسيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وظلت الخطوط الأمامية الرئيسية راكدة منذ ذلك الحين، مما يؤكد تأثير الجهات الأجنبية على مصير ملايين السوريين.

مسؤوليات متفاوتة

اليوم، تتحمل أنقرة درجات متفاوتة من المسؤولية عن أكثر من 9 ملايين سوري، بما في ذلك اللاجئين داخل تركيا، أي أقل بقليل من نصف سكان الدولة العربية قبل الحرب. يقدر مراد يشيلتاش، المحلل في Seta، وهي مؤسسة فكرية تركية لها صلات وثيقة بأردوغان وحكومته، أن التدخل في سوريا يكلف أنقرة حوالي ملياري دولار سنويًا. ويضيف أن تركيا لديها ما بين 4000 و 5000 جندي داخل المناطق التي تسيطر عليها ونحو 8000 جندي حول إدلب.

ويقول إن أنقرة تتصارع مع التناقض بين رغبة تركيا المعلنة في سوريا موحدة – ليس أقلها منع أي شكل من أشكال الدولة الكردية – بينما تدرك في الوقت نفسه أن “تركيا كذلك… في نهاية المطاف تقويض السلامة الإقليمية المحتملة لسوريا “.

يضيف أن الخيارات هي حكم مباشر، من شأنه أن يمنح تركيا مجالًا أكبر لحل المشاكل الاقتصادية والأمنية على الأرض، لكنه سيكون في الواقع ضمًا ؛ يحكم “خلف الخط”، مما يمنح أنقرة نفوذًا دون أن تتورط في أي شكل من أشكال الحكومة ؛ أو الخروج منها ووضع ثقتها في إدارة محلية موالية لتركيا للحفاظ على النظام.

في الوقت الحالي، تسعى تركيا إلى مزيج من الأولين، كما يقول يشيلتاش، مضيفًا: “إذا كنت تسألني من هو الرئيس، فبالطبع تركيا هي الرئيس”. ويقول إن “الخريطة الحالية” لا تسمح باستراتيجية خروج، بينما يقترح أن الاستيلاء على مدينتي تل رفعت ومنبج الشماليين سيعزز أهداف أنقرة الأمنية والاقتصادية على المدى الطويل.

نجاح روسي كبير

أي عملية جديدة ستكون مليئة بالمخاطر. هناك تقارير تفيد بأن مقاتلي الأسد المدعومين من روسيا والميليشيات المتحالفة مع إيران يحشدون حول منبج وتل رفعت. وحذرت قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد من أنها ستنسق مع دمشق لمواجهة أي هجوم.

على الرغم من حربها في أوكرانيا، يقول المسؤولون الأتراك والغربيون إن هناك مؤشرات قليلة على أن الموقف الروسي في سوريا قد تغير. ويقدر دبلوماسي غربي أن عدد القوات الروسية يتراوح بين 2000 و 5000، المفتاح هو الدعم الجوي لنظام الأسد.

بالنسبة لروسيا، سوريا نجاح كبير… كما يقول جيمس جيفري، سفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والمبعوث السابق إلى سوريا: “لا أعتقد أنهم سيخاطرون بذلك وينسحبون”.

لم يؤد التدخل الروسي في سوريا في عام 2015 إلى تحويل الحرب لصالح الأسد فحسب، بل عزز أيضًا نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وأمن قواعدها البحرية والجوية في البحر الأبيض المتوسط.

كما يرى جيفري احتمال ضئيل لانسحاب الولايات المتحدة في أي وقت قريب، خاصة بعد كارثة انسحابها من أفغانستان. ويعتقد أن الوضع الراهن يناسب جميع الأطراف الخارجية إذا حافظ على استقرار هش مع خطوط أمامية مجمدة. ويقول: “إنهم يفضلون التعايش مع هذا الالتزام العسكري الفوضوي الذي لا يحقق أي شيء سوى منع الطرف الآخر من الانتصار وخلق أوضاع أمنية أكثر خطورة بالنسبة لهم”. “هذا هو حساب التفاضل والتكامل.”

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير الحسابات في أنقرة هو إذا استفادت المعارضة من تراجع شعبية أردوغان للفوز في الانتخابات المقبلة. تشارك معظم الأحزاب التركية الرئيس مخاوفه بشأن الميليشيات الكردية لكنها تنتقد قراره بدعم المتمردين السوريين. قالت جميع الأحزاب الكبيرة إنها إذا فازت بالسلطة، فإنها ستعيد العلاقات مع دمشق، وهي خطوة يقولون إنها ستكون مقدمة لإعادة السوريين إلى الوطن.

لكن الخبراء يجادلون بأن قلة من اللاجئين سيعودون إلى دولة محطمة يحكمها النظام الاستبدادي الذي فروا منه. وأضافوا أن الأسد من المرجح أن يطالب بانسحاب القوات التركية، مما يزيد من خطر أن تصبح المناطق الحدودية مرة أخرى ملاذًا للميليشيات الكردية. في كلتا الحالتين، يعتقد العديد من السوريين أن تركيا ستظل على المدى الطويل لأنهم لا يرون نهاية لأزمة بلادهم.

يقول عبد الغني الشوبك، وهو مسؤول سوري معارض: “الوضع سيبقى على هذا النحو”. لم يعد السوريون يملكون القرارات. الولايات المتحدة تقول كلمتها وهناك روسيا وإيران وتركيا “.

———————–

العلاقات الإيرانية-الروسية.. ترسيخ إيران في سوريا وتركها معزولة

المونيتور – ترجمة: ربى خدام الجامع

زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جولته الخارجية الثانية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، العاصمة طهران في 19 تموز الحالي، وهناك التقى بالمسؤولين الإيرانيين. وعلى الرغم من أن زيارته أسعدت المتشددين في إيران كثيراً، فإن موسكو بدت أكثر طرف استفاد من تلك الزيارة.

استُقبل الرئيس الروسي بحفاوة بالغة خلال إقامته القصيرة بطهران، في الوقت الذي لم تُبد فيه عواصم كثيرة في العالم رغبتها بفرش السجاد الأحمر له بسبب غزوه لأوكرانيا. وعلى الرغم من عدم إجراء مراسم استقبال خاصة له عند وصوله، فإن ذلك منح زيارته المصداقية التي أصبحت بأمس الحاجة إليها، بحسب ما ذكره كبار المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم الرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد الأعلى علي خامنئي، خلال اجتماعاتهم بالرئيس الروسي.

إيران السباقة وروسيا الرابحة

يمكن اعتبار الترحيب ببوتين بمثابة مكسب كبير لموسكو، خاصة إذا علمنا أن زيارته لطهران أتت بعد أيام قليلة من زيارة بايدن للشرق الأوسط، والتي التقى فيها بقادة عرب وإسرائيليين.

إلا أن ذلك ليس كل شيء، وذلك لأن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، أصبح أول زعيم في العالم يصدق وبشكل رسمي التبريرات التي ساقتها روسيا لتشن حربها على أوكرانيا، وذلك عندما قال مخاطباً الرئيس الروسي: “بالنسبة لأوكرانيا، إن لم تبادروا، فسيكون الطرف الآخر هو البادئ بالحرب من خلال مبادرته بها”. كما وصف خامنئي حلف شمال الأطلسي بالكيان الخطير وأضاف: “لو لم يتم إيقافه في أوكرانيا، فسيشن حرباً مماثلة في القرم”.

القرم تعتزم إبرام اتفاقية مع النظام لاستقطاب السياح السوريين

بيد أن المرشد الأعلى لم يقم -في الحقيقة- بأكثر من ترديد التصريحات التي أطلقها بوتين في التاسع من أيار خلال الاحتفال بالذكرى السابعة والسبعين ليوم النصر في موسكو.

وبعد مرور ساعة على ذلك، استغل الرئيس رئيسي لقاءه ببوتين لتأييد الفيتو الروسي ضد تمرير المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود للمقيمين بشمال غربي سوريا، حيث قال: “إن إرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا للضغط على حكومة تلك البلاد، لن يضمن استقرارها”.

إذ في مجلس الأمن الدولي، وتحديداً في الثامن من تموز الجاري، صوتت روسيا ضد تمرير المساعدات، أملاً منها بمساعدة نظام الأسد في دمشق على استعادة السيطرة على آخر معقل للثوار في سوريا.

تنازلات اقتصادية

وبعيداً عن القضايا السياسية، وعد بوتين بالتعاون مع إيران على الصعيد الاقتصادي خلال تلك الزيارة، ويشمل ذلك توقيع عقد قيمته 40 مليار دولار من قبل شركة غازبروم بهدف الاستثمار في حقول النفط والغاز الإيرانية، إلا أنه من الواضح بأن هذا الوعد لن يتم الوفاء به على ما يبدو، نظراً للضغوطات المالية التي تتعرض لها روسيا بسبب العقوبات الغربية القاسية المفروضة عليها.

وحول ذلك يخبرنا حميد رضا عزيزي وهو باحث لدى المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، وخبير بالعلاقات الإيرانية-الروسية، أنه حتى بعيداً عن المال والاقتصاد: “تتنافس إيران وروسيا في مجال الطاقة، ولهذا من غير المتوقع أن تدخل روسيا في عملية من شأنها أن تزيد عائدات إيران في مجال الطاقة، لأن ذلك لا بد أن يضر بمصلحتها”.

إيران تتعلق بالعباءة الروسية

وبالرغم من ذلك، يبدو كأن صناع القرار في طهران قد وضعوا ثقتهم في أصدقائهم الروس، إذ ذكر علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي للشؤون الدولية في مقابلة أجريت معه بتاريخ 22 تموز الجاري: “إن سلوك السيد بوتين وقناعاته التي تترجمها أفعاله، تنبع من إيمانه بالروحانيات.. وفي حالات كثيرة، ساعدت روسيا إيران عبر مدها بتقنيات متطورة.. في الوقت الذي بقي فيه الأوروبيون تابعين للولايات المتحدة طوال السنين الماضية”.

يرسم ما ذكره ولايتي صورة دقيقة للاستراتيجية التي يتبناها القادة السياسيون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ يرى قادة إيران أنه من الأفضل الانحياز لروسيا في خضم هذه الظروف، حتى لو حرمهم ذلك من الأسواق العالمية بما أن العقوبات بقيت مفروضة عليهم.

ويفضل هؤلاء أن يروا في روسيا تلك الدولة التي ستعوضهم يوماً ما وذلك عبر تقديمها لتنازلات تخدم صالحهم في سوريا. إذ خلال لقائه ببوتين، تحدث خامنئي لأول مرة حول ضرورة سحب الولايات المتحدة لقواتها الموجودة شرقي الفرات، فرد بوتين على هذا المطلب الإيراني بصيغة إيجابية، لكن نبرته أصبحت ألطف بعد ساعات خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمعه بالرئيسين رئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. إذ في الوقت الذي اتهم فيه بوتين الولايات المتحدة بزعزعة استقرار الدول، وصف فيه وجود القوات الأميركية في سوريا بأنه “غير شرعي” ومزعزع للاستقرار أيضاً، وهذا قد يخدم إيران في ترسيخ نفوذها في سوريا.

وفي الوقت ذاته، لم تكن روسيا على استعداد لتقديم مثل تلك التنازلات لإيران خلال السنوات القليلة الماضية، بيد أن التغيرات الحاصلة في الظروف الدولية والإقليمية أجبرت موسكو على الرضوخ لإيران في سوريا، وذلك لتحقيق أهدافها الكبرى المتمثلة على سبيل المثال بزيادة اعتماد إيران على روسيا، وهذا مهم لإيران بنسبة كبيرة، وذلك لأن الحكومة الإيرانية استأنفت خلال الأشهر الماضية المحادثات الساعية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وهذا ما يشير إلى أنهم يفضلون الحصول على تنازلات أمنية بدلاً من التنازلات الاقتصادية. فقد حرمت إيران نفسها خلال الأشهر الماضية من الاستفادة اقتصادياً من العقوبات التي سترفع عنها في حال إحياء الاتفاقية التي تعرف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وذلك عندما ربطت تلك المحادثات الخاصة بالملف النووي بقضايا أمنية وكذلك بمصالح الحرس الثوري الإيراني.

لذا لا عجب، في ظل هذه الظروف، أن يسمح المخططون الاستراتيجيون الروس لإيران بترسيخ وجودها في سوريا لإبقاء طهران تحت السيطرة مع ازدياد عزلتها الدولية.

 المصدر: المونيتور  

تلفزيون سوريا

————————-

====================

تحديث 29 تموز 2022

——————–

قمة طهران و”الإرهاب” في سوريا/ رضوان زيادة

اجتمع رؤساء الدول الثلاث الضامنة لما يسمى “مسار أستانا” تركيا وروسيا وإيران في طهران، وحظيت هذه القمة باهتمام إعلامي كبير، طبعا ليس بسبب الاهتمام بسوريا فجأة وإنما بسبب حضور الرئيس بوتين لها في أول لقاء بين الرئيس الروسي خارج موسكو منذ بدء حربه على أوكرانيا ودولة عضو في حلف الناتو وهي تركيا، وهو ما اعتبر فرصة للمفاوضات حول تصدير القمح الأوكراني الذي يفوق على 22 مليون طن من القمح تمنع روسيا تصديره من الموانئ الأوكرانية وهو ما سينعكس كأزمة غذاء عالمية خاصة على دول الشرق الأوسط وأفريقيا التي تعاني من نقص الحبوب منذ بدء الحرب على أوكرانيا.

بالعودة إلى سوريا في القمة كان مثيرا ولافتاً ما جاء في البيان الختامي عن “وحدة الأراضي” السورية وعن “محاربة الإرهاب في سوريا” فالكل يستخدم سوريا أرضا لمحاربة الإرهاب لكن الكل يفهم الإرهاب كما يرغبه ويعنيه، فروسيا كما إيران تعتبر كل من عارض نظام الأسد إرهابيا وجب قصفه وقتله كما فعلت منذ تدخلها العسكري في سوريا عام 2015 كما مارست إيران حملة أمنية شرسة لتساعد نظام الأسد في اعتقال المعارضين وتعذيبهم حتى الموت مع بدء الثورة السورية عام 2011 حيث أعارت نظام الأسد خبرتها في قمع الثورة الخضراء في إيران عام 2008 والتي زجت خلالها إيران ميليشيات موالية لها على الأرض من اعتقال المعارضين وسحلهم في الشوارع وقتلهم ومن ثم اتهام مجموعات مسلحة بالقيام بذلك كي تضيع المسؤولية القانونية كليا وكي تشيع الرعب والخوف في نفوس المتظاهرين السلميين، وقد طبق الأسد هذه الاستراتيجية بحرفيتها مع ما يسمى ميليشيا الدفاع الوطني والشبيحة وغيرهم من الميليشيات الحكومية التي أبدعت في إدخال الرعب لدى المتظاهرين السلميين السوريين ومن ثم القيام بقتلهم وتعذيبهم باستراتيجية مسكونة بحقد طائفي لا حدود له، ومتحركة على مبدأ اللامسؤولية القانونية الكاملة على كل ما تفعله عبر القتل والتعذيب لأي مشارك في هذه المظاهرات دون محاسبة أو عقاب، فقد أصبح القتل مشروعا تماما بل وتشجعه الحكومة وتكافئ من يقوم به ضد هؤلاء “الإرهابيين” وربما ما ظهر في فيديو مجزرة التضامن عينة بسيطة جدا مما مارسته هذه الميليشيات من عام 2011 وحتى عام 2015 وربما بشكل أقل بعد ذلك.

أما تركيا فمفهومها للإرهاب مختلف كليا إذ هي تعني قسد أو ما يطلق عليها قوات سوريا الديمقراطية التي هي النسخة السورية الحرفية من حزب العمال الكردستاني في سوريا والتي تهدف إلى بناء حكم ذاتي لها مستقل في سوريا وتخاف اليوم من العملية العسكرية التركية التي تحدث عنها الرئيس التركي مرارا مما دفعها للتحالف مع نظام الأسد ضد تركيا، ولذلك كان طريفا أن يتحدث البيان عن مكافح الإرهاب لكن دون تحديد ما هو الإرهاب حقاً خاصة أن معظم الشعب السوري بما فيها المعارضة السورية تعتبر أن الحكومة السورية هي التي تمارس إرهاب الدولة على مستويات لم يسبق لها مثيل من خلال قصف بالبراميل المتفجرة والقصف العشوائي والاعتقال والتعذيب حتى الموت إلى غير ذلك مما وثقته كل التقارير الدولية كتقارير الأمم المتحدة وتقارير المنظمات الدولية ولذلك كيف يقوم الرؤساء الثلاثة بإصدار بيان يعرفون تماما أن تطبيقه يجري على عكسه وأن كل طرف على الأرض ينفذ وفقا لما يريد وفق معادلة تغيير الحسابات على أرض الواقع، برأيي هذا أكبر دليل على فشل هذه القمة حيث يستمر هذا المسار في تكرار الكذب حول سوريا دون أن يكون هناك توجه لقبول ما يرغب به الشعب السوري من حقه في تغيير حكومته واختيار رئيسه عبر انتخابات نزيهة وديمقراطية وهو ما يؤكد مجددا ما رددته البيانات الدولية الجوفاء منذ سنين حول “الحل السياسي” في سوريا وحول “وحدة الأراضي السورية” بينما التقسيم هو الحل والخيار الوحيد على الأرض.

تلفزيون سوريا

———————–

بعد قمة طهران هل تعقد روسيا وإيران تحالفا استراتيجيا؟/ هدى رؤوف

تطرح زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لطهران منذ أسابيع قليلة، كثيراً من الأسئلة، ليس لجهة عودة الشرق الأوسط ساحة للتنافس بين المصالح الغربية، وأن المنطقة لم تعد أهميتها تقتصر فقط على تخوّف الغرب من التهديدات الإرهابية العابرة لهم، بل لأن زيارة بوتين في الجانب الآخر تُلقي الضوء على شكل العلاقات بين روسيا وإيران، وكيفية إدارتها على النحو الذي يعكس تفاهمات قوية في مواجهة واشنطن. لكن، ما زال بينهما كثير من التناقضات والتنافسات، التي تصل في كثير من الأحيان إلى التعارض بما جعلها تسمّى علاقة الأعدقاء.

ومن ثمّ وفي ظل التقارب الأخير بين روسيا وإيران في ظل تعرّض كليهما للعقوبات الأميركية والغربية، ومحاولة العزلة سواء الإقليمية أو الدولية، هل يمكن في إطار الزيارة الأخيرة لبوتين القول إن العلاقات الروسية – الإيرانية قد تتطور إلى تحالف استراتيجي، أم ستظل قائمة على تحركات تكتيكية في مواجهة موقف الولايات المتحدة تجاه كل منهما؟

هنا يمكن الوقوف على نتائج الزيارة، ومن ثمّ تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف بين الطرفين. بداية، تضمّنت الزيارة التي قام بها بوتين إلى طهران لقاءً بمسؤولين إيرانيين، منهم المرشد الإيراني، في 19 يوليو (تموز)، كما عقد بوتين أول اجتماع مباشر له منذ الحرب مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لمناقشة صفقة من شأنها استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية في البحر الأسود، وكذلك الصراع في شمال سوريا.

من جهة روسيا قد تدور نتائج الزيارة حول إرسال رسالة للغرب بشأن خططها وسياستها لإقامة علاقات استراتيجية أوثق مع إيران والصين والهند في مواجهة العقوبات الغربية.

وبالنسبة إلى إيران، حاولت الاستفادة من اللقاء مع بوتين، على المستوى الداخلي والدولي، فعلى المستوى الدولي، كررت نفس الخطاب المناهض للغرب، وانتقاد السياسات الأميركية وحلف الناتو، على اعتبار أنه سبب رئيس لتهديد الأمن الإقليمي، حيث دعا خامنئي إلى تعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا، وأبلغ بوتين أن البلدين بحاجة إلى توخي اليقظة ضد ما اعتبره “الخداع الغربي”.

واتفق الطرفان على استخدام عملتيهما الوطنية عند التعاملات التجارية في ما بينهما، في محاولة للترويج لصورة المناهض للولايات المتحدة، حيث قال خامنئي خلال اللقاء يجب رفع الدولار الأميركي عن التجارة العالمية “ويمكن القيام بذلك تدريجاً”.

من جهة أخرى، استفادت إيران من اللقاء الروسي بمحاولة الضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات من أجل إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية.

وهناك كثير من التناقضات التي ما زالت تحملها العلاقات بين روسيا وإيران، فمن جهة، ميل روسيا المتزايد نحو الصين في الأشهر الأخيرة أدّى إلى انخفاض كبير في صادرات الخام الإيراني إلى الصين، التي كانت مشترياً رئيساً للنفط الإيراني، حتى في ظل استمرار العقوبات الأميركية، ومن ثمَّ فإن تراجع صادرات إيران من النفط الخام إلى الصين أدى إلى استبعاد حصة إيران من السوق في كل من الصين والهند. ولتعويض إيران عن تلك الخسائر وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها نحو 40 مليار دولار.

أمّا داخلياً، ستضمن إيران توريد القمح الروسي لها، لا سيما في ظل أزمة الغذاء العالمية المحتملة بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن ثمَّ يمكن لطهران أن تتفادى مزيداً من السخط الشعبي الداخلي المتزايد ضمن دوائر وفئات كثيرة، سواء بفعل الأزمة الاقتصادية والتضخم وتراجع مستويات الدخل أو الفساد، وسوء الإدارة المنعكس في أزمات نقص المياه والجفاف وكورونا. ومن ثمَّ يمكن للنظام الإيراني ضمان الحد الأدنى من مستويات المعيشة للمواطنين في ظل ما هو متوقع من أزمة غذاء عالمية.

ومع ذلك هناك كثير من التناقضات التي لا يمكن لأي من روسيا أو إيران إغفالها، التي ستؤثر في مصالح كل منهما ودرجة الثقة في ما بينهما، بالتالي تحول دون تطور العلاقات التكتيكية إلى تحالف استراتيجي. ففضلاً عن الخبرات التاريخية بينهما، التي أسهمت في إدراك العقلية الإيرانية بأن روسيا كانت ضمن القوى الدولية التي استغلت الموارد الإيرانية، نجد أن كلاً من البلدين لديه علاقات مع الأطراف المنافسة، فمن جهة طهران تسعى لفتح علاقات مع دول الخليج، في الوقت الذي تحافظ روسيا على علاقتها بإسرائيل، وتوظفها كنوع من الكوابح للوجود الإيراني بسوريا.

ومن جهة أخرى ستظل إيران وروسيا منافسين في سوق الطاقة يمكن لأي منهما أن يكون بديلاً سواء في السوق الأوروبية أو للصين والهند. وأخيراً، لن تتغافل إيران عن محاولة روسيا عرقلة الوصول إلى الاتفاق النووي مع الغرب عام 2015، بحسب التسجيل المسرب لوزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف، ومحاولتها عرقلة إحياء الاتفاق مع إدارة جو بايدن، حينما طالبت بضمانات في بدايات الحرب الأوكرانية.

إجمالاً، توظف كل من روسيا وإيران علاقتها في مواجهة خصومهما فقط، وليس هناك مجال لتحالف استراتيجي بينهما.

اندبندنت عربية

—————————

اللاجئون السوريون في تركيا وخطاب العنصرية/ حسن النيفي

حين ترتفع سخونة الحديث عن اللاجئين السوريين في تركيا، غالباً ما تحضر مسائل عديدة، باعتبارها الدوافع الكامنة وراء خطاب العنصرية، منها ما هو ذو صلة بالحالة الاقتصادية والبطالة والتضخم المالي، إذ غالباً ما يتم إدراجها في المسببات التي تجعل من قضية اللاجئين السوريين أمراً شاغلاً ومقلقاً ليس للسوريين فحسب، بل للرأي العام التركي على العموم، ولئن كان من المتعذر استبعاد تلك المسائل أو نفي حضورها لدى الجمهور العام، إلّا أن ذلك لا يمنع من مقاربات أخرى، ربما كانت غائبة في غالب الأحيان.

ثمة مسألتان لا بدّ من التأكيد عليهما، الأولى: أن تركيا هي الدولة التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين

(أربعة ملايين لاجئ) وقد أُدرج هؤلاء اللاجئون تحت بند الحماية المؤقتة، كما تنبغي الإشارة في هذا السياق إلى أن الحكومة التركية قد أتاحت تسهيلات هائلة لعبور اللاجئين من خلال حدودها الممتدة على مسافة 900 كم مع الحدود السورية، فخلال الأعوام 2012 – 2013 – 2014، كان بإمكان أي مواطن سوري العبور إلى الأراضي التركية سواء من خلال المعابر الرسمية أو غير الرسمية، وسواء أكان المواطن السوري يحمل وثيقة سفر أم لا. أمّا المسألة الثانية فتتجسّد في أن حرية الحركة والنشاط التي أُتيحت للسوريين في تركيا لم تتوافر في أي بلد آخر، ففي الفترة الممتدة ما بين 2011 – 2015، كانت المدن التركية مسرحاً فسيحاً لحراك سياسي سوري متعدد الأشكال والاتجاهات، سواء على مستوى تشكيل التجمعات أو الأحزاب أو إقامة الندوات وورشات العمل، ولعله من طرائف السوريين في تركيا أنْ أطلقوا على مدينة غازي عينتاب اسم (عاصمة السياسة السورية) نظراً لكثرة ما يجري فيها من حراك سوري، أمّا على مستوى العمل المدني والإغاثي فإن معظم ما يسمى (منظمات مجتمع مدني) قد أسست وتشكلت وافتتحت مكاتب لها على الأراضي التركية، ولعله من الضروري الإشارة إلى أن الحكومة التركية لم تمارس أي شكل من أشكال التضييق على مجمل أشكال النشاط والحراك السوري طوال الفترة المشار إليها، إذ إن مجمل الأنشطة السياسية وسواها كانت تُقامُ بشكل علني سواء في قاعات الفنادق أو المكاتب الخاصة أو في أي مكان آخر، وقد استمرت هذه الحالة حتى محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تموز 2016.

كان يمكن لهاتين المسألتين أعلاه، أن تتحوّلا إلى ميّزتين يمكن استثمارهما من جانب السوريين في التأسيس لعلاقات سياسية واجتماعية مع الشعب التركي قد تفضي إلى مآلات غير التي نجدها في الوقت الراهن، ولعله من الضروري التأكيد على أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة كان ما يزال يحظى في تلك الفترة بزخم شعبي نسبي، وكذلك بدعم سياسي ومالي دولي، وكان مقرّه في إسطنبول، كما شهد العام 2014 تشكيل الحكومة السورية المؤقتة، وكان مقرها في مدينة غازي عنتاب، ولعل هاتين المدينتين هما الأكثر حضوراً لحراك السوريين آنذاك، وكان يمكن للائتلاف والحكومة المؤقتة، باعتبارهما الكيانين الرسميين الأبرز في تمثيل ثورة السوريين، أن يُشرعا في إقامة جسور من العلاقات المتوازنة مع كل القوى السياسية التركية، وأن ينطلقا في تلك العلاقات من مبدأ المصلحة الوطنية السورية التي تقتضي التعريف بجوهر القضية السورية وإظهار أوجه العدالة والمشروعية والمطالب المحقة التي جسّدت المعين القيمي لثورة السوريين أمام كل شرائح الشعب التركي وليس أمام الحكومة التركية أو الحزب الحاكم فحسب. ما لم يخطر ببال الائتلاف والحكومة المؤقتة آنذاك ولا الآن، أن تركيا بلد ذو نظام ديمقراطي يشهد تعددية حزبية وقائم على مبدأ تداول السلطة، وأن فوز أحد الأحزاب في الانتخابات بنسبة (52 في المئة) ووصوله إلى سدّة الحكم لا يلغي دور بقية الأحزاب ولا يمكنه اختزال الدولة بالسلطة، كما فات من تصدّروا الكيانات الرسمية للمعارضة آنذاك أن أولويات المصلحة الوطنية تكمن في حيازة التأييد والنصرة لقضية الشعب السوري من جانب الشعب التركي كافة ممثلاً بأحزابه السياسية ومنظماته الاجتماعية والثقافية وليس الاقتصار على التنسيق مع طرف سياسي واحد فقط، ولعل المؤسف في الأمر أن أكثر من مسؤول تركي، سواء أكان من السياسيين أو من مراكز الأبحاث والفعاليات الثقافية أومأ إلى السوريين في أكثر من مناسبة، مشيراً إليهم بضرورة إدراكهم أن تركيا ليست هي حزب العدالة والتنمية فقط، كما عبر أكثر من مسؤول من الحكومة التركية عن امتعاض الشعب التركي واستخفاف الطيف السياسي عامة بالممارسات التشبيحية التي تصدر من مسؤولين في المعارضة الرسمية، باعتبار تلك الممارسات من مورثات الاستبداد وتتنافى مع الأعراف الديمقراطية، كما أراد بعض المسؤولين الأتراك إبلاغ السوريين أن حزب العدالة والتنمية ليس حزب البعث كما هو في سوريا، وأن أحزاب المعارضة التركية ليست أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وأن عقلية التشبيح لن تجعلكم أكثر احتراماً في نظر الآخرين، ولكن يبدو أن شهوة الارتهان لدى المعارضة السورية كانت أقوى من أيّ نزوع مخالف.

لعلها من الحقائق المؤلمة أن تكون المعارضة الرسمية السورية قد كرّست منظوراً خاطئاً للعلاقة مع الجانب التركي، إذ لم ينبثق هذا المنظور من مبدأ المصلحة الوطنية والندّية، حيث تكون القضية السورية هي الموشور الذي يوجّه العلاقة ويرسم ملامحها ومساراتها، وليس المصالح الشخصية القائمة على التبعية والولاء الشخصي، ولا يحتاج السوريون الكثير من الأمثلة والوقائع ليدركوا أن قسماً كبيراً من قيادات المعارضة السورية الرسمية بات همّهم إثبات حسن سلوكهم وخالص ولائهم للجانب التركي أكثر من همّهم وحرصهم على القضية السورية، وذلك انطلاقاً من مصالح شخصية لا تبتعد كثيراً عن التمسّك بمنصب أو وظيفة أو موقع مسؤولية، وهذا يؤدي من الناحية العملية إلى استثمار القضية السورية في خدمة المصالح الشخصية وليس العكس.

قد تبدو النتيجة الفعلية لوجود الأجسام الرسمية للمعارضة في تركيا طوال أكثر من عقد من الزمن، مخيّبةً للآمال – على مستوى التأثير الشعبي أو الجماهيري، ولعله من غير المستغرب أن نجد معظم الشرائح السياسية والشبابية التركية، سواء في الجامعات أو المراكز ذات الطابع الثقافي أو الفني أو الاجتماعي، تكاد تجهل الكثير عن الوجه الناصع للقضية السورية، بل ربما اختزل الكثير منهم  جوهر القضية السورية على أنه صراع مسلّح بين داعش ونظام الأسد فحسب، وبناء على تلك النظرة فإن أي معارض سوري للنظام فهو بالضرورة يجب أن يكون مقاتلاً وفقاً لنظرة الشارع التركي، وربما هذا هو السرّ في العبارة التي يرددها الكثير من الأتراك في أية حالة احتكاك أو مشاحنة مع لاجئ سوري: (لماذا تركتم بلادكم وهربتم، اذهبوا وقاتلوا في بلادكم). لا شك أن  سبب هذا الانطباع الخاطئ لا يكمن حصره في حيّز النوايا السيئة للآخر، بقدر ما يمكن إرجاعه إلى عدم قدرة السوريين على الوصول للآخر والتأثير في صياغة قناعاته، وكذلك بعدم قدرتهم على الظهور كأصدقاء لكل القوى السياسية التركية وليسوا محسوبين في صف حزب واحد فقط.

لعل الفيديو الذي تداولته وسائل التواصل مؤخراً، والذي يظهر فيه الشاب السوري أحمد كنجو وهو يناقش مجموعة من المواطنين الأتراك حوله، يؤكّد بوضوح أن مصداقية أيّ قضية عادلة لا تكمن في ماهيّتها المجرّدة فحسب، بل بماهيّة من يمثلها ويدافع عنها أيضاً.

تلفزيون سوريا

——————–

بعد “قمة جدة”: أبعاد الحراك الدبلوماسي في طهران/ فاطمة الصمادي

على وقع محاولات عزلها سياسيًّا، تنشط طهران في ساحات دبلوماسية موازية وتستضيف قمة بين ثلاث دول يسعى قادتها لتعزيز المصالح المشتركة وتعظيم أدوارها في القضايا والأزمات الدولية والإقليمية. من طهران، تؤكد أنقرة وقوفها ضد العقوبات على إيران وسعيها لتعزيز التبادل التجاري مع جارتها التي تنافسها في ساحات عدة، وتسمع رفضًا إيرانيًّا لنيَّتها القيام بعمل عسكري في شمال سوريا، وتجتمع مع روسيا وإيران بغية بحث قضايا معقدة في مقدمتها سوريا. أما روسيا فتتقدم نحو إيران مدركة حاجتها لتعطيل تأثير العقوبات الأميركية وتدخل سوق الطاقة الإيرانية باتفاقية ضخمة

بعد يومين على انعقاد قمة جدة للأمن والتنمية، كانت طهران تستقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من سعي بعض التحليلات إلى الفصل بين الحدثين، والقول ببرنامج زيارات معد بصورة سابقة على جولة بايدن شرق الأوسطية، إلا أن طبيعة النشاط السياسي والدبلوماسي الذي شهدته وتشهده المنطقة يقول بعكس ذلك، ورغم تشابك الملفات بالنسبة لدولة مثل تركيا إلا أن هذه الزيارة وتوقيتها يقولان بمصالح ترجحها تركيا وتسعى من أجلها إلى تعزيز العلاقة مع طهران في القمة التي جاءت ضمن إطار “عملية أستانا للسلام” الرامية لإنهاء النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011، وعقب توعد أنقرة بالقيام بعملية عسكرية في شمالي سوريا. أما روسيا، فتأتي زيارة رئيسها، فلاديمير بوتين، إلى طهران باعتبارها ثاني زيارة خارجية له بعد شنِّ الغزو الروسي على أوكرانيا، في فبراير/شباط 2022.

هناك معطيات عديدة تجعل من “قمة طهران” ردًّا جيوسياسيًّا قويًّا، على زيارة الرئيس الأميركي لشركائه الأساسيين في الشرق الأوسط، بعد الإعلان الأميركي عن عزم واشنطن على عزل روسيا وإيران سياسيًّا. وفي القمة الثلاثية التي تجمع بوتين بالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ستكون سوريا وأوكرانيا وصادرات الحبوب من أبرز الموضوعات التي ستناقشها المحادثات في طهران.

جولة بايدن واستهداف إيران

حمل المقال الذي كتبه بايدن في الواشنطن بوست مفاتيح شرحت أهداف زيارته قبل أن تبدأ من إسرائيل، وكان من أهمها:

    عزل إيران ودفعها للعودة لتطبيق الاتفاق النووي.

    العمل مع الشركاء والحلفاء في المنطقة لضبط الأنشطة النووية الإيرانية.

    دعم وحماية إسرائيل والدفع نحو تعزيز وتيرة التطبيع.

    مواصلة الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على إيران.

وسعت إسرائيل إلى توظيف الزيارة لتعزيز التعاون الأمني ضد إيران، وهو ما قد يشير إلى تصاعد الهجمات وحروب الظل بمشاركة ومباركة أميركية.

بوضوح، سعى الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال جولته شرق الأوسطية ليقدم تطمينات أمنية وسياسية لإسرائيل، لكن ما جرى الحديث عنه بشأن بناء تحالف أمني شرق أوسطي -كان من الواضح أنه يستهدف إيران بصورة أساسية- لم يصل إلى نتيجة. فقد سارعت الإمارات لنفض يدها من مثل هذا التحالف وخرجت من الأردن تصريحات مشابهة، وأرسلت العربية السعودية رسالة مفادها أنها تمد يدها إلى طهران. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تسارع وتيرة التطبيع بين إسرائيل ودول عربية وفي مقدمتها السعودية، وهو ما ترى فيه طهران تهديدًا أمنيًّا مباشرًا علَّق عليه وزير الدفاع الإيراني، العميد محمد رضا آشتياني، بقوله: إن إتاحة موطئ قدم للكيان الصهيوني في المنطقة لن يؤدي إلا لزعزعة الأمن. ووصف الوجود الأميركي في المنطقة بأنه “استفزازي وأن جولة بايدن الأخيرة في المنطقة لا تأتي في إطار تعزيز الاستقرار والأمن المستدام الإقليمي”.

وبمواجهة السعي الأميركي لـ”عزل إيران”، تواصل طهران تكرار رفضها للمفاوضات المباشرة مع واشنطن ولا ترى جدوى في ذلك، وكشف رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية في إيران، كمال خرازي، للجزيرة أن بلاده لا قرار لديها بتصنيع قنبلة نووية رغم أن لديها القدرات الفنية لذلك، وأنها أجرت مناورات موسعة بهدف ضرب العمق الإسرائيلي في حال “استهداف منشآتنا الحساسة”.

تدرك طهران أن سؤال الأمن والاستقرار سؤال محوري في الخليج ولذلك فهي ترى أن “منطقة الخليج بحاجة إلى آلية أمنية تحول دون هيمنة أية قوة، سواء إقليمية أو عالمية. ويتطلب تحقيق هذا الهدف وضع جميع دول المنطقة على جدول أعمالها إجراءات لبناء الثقة في مجالات مثل إدارة موارد المياه، وحماية البيئة، والأمن النووي، والأمن الطاقوي، والسياحة، والتعاون الاقتصادي، والتجارة، والاستثمار، والقضاء على الفقر، وتمكين المواطنين”. ويتحدث رئيس المجلس الإيراني الإستراتيجي للسياسات الخارجية، كمال خرازي، عما يسميه “تعزيز الحوار الأخوي والصريح بين دول المنطقة، بمنأى عن الوجود والتدخل الأجنبي، مفتاحًا لحل المشاكل”. ولذلك، فإن المحادثات السعودية-الإيرانية التي أنجزت عدة جولات في بغداد ويُتوقع أن تنتقل إلى المستوى الدبلوماسي قد تكون هي المنشودة لتعزيز هذا الحوار.

تركيا والعقوبات على إيران

حال وصوله إلى طهران، اجتمع الرئيس التركي مع القائد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران وكذلك مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ورغم مسحة التعاون الاقتصادي البارزة في المحادثات؛ حيث جرى توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي بين البلدين وجرت إعادة التأكيد على الهدف القديم/الجديد برفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 30 مليار دولار، رغم ذلك فقد برزت الأبعاد الجيوسياسية في هذه الزيارة بصورة كبيرة.

في هذا اللقاء وقبله، أكد خامنئي على مجموعة من القضايا، أهمها:

    لقد دافعنا على الدوام عن مواقف تركيا الداخلية ووقفنا ضد التدخل في شؤونها.

    القضية السورية تُحل بالتفاوض.

    وحدة الأراضي السورية وأن عملًا عسكريًّا في الأراضي السورية لن يصب في مصلحة أمن تركيا ولا سوريا.

    الترحيب بعودة قرة باغ إلى أذربيجان، لكن الجمهورية الإسلامية قطعيًّا ستعارض سياسة إغلاق حدود إيران وأرمينيا، لأن هذه الحدود هي طريق اتصال يعود لآلاف السنين.

    فلسطين هي قضية المسلمين الأولى وتوجه بعض الدول نحو الكيان الصهيوني لن يقف في وجه الشعب الفلسطيني الذي ستؤول الأمور  إلى صالحه.

أما أردوغان، فقد صرح من طهران:

    كنا -ولا نزال- ضد العقوبات على إيران.

    ندعم توقعات إيران المشروعة في الاتفاق النووي.

    نشجع الشركات التركية على الاستثمار في إيران.

    موقف تركيا من وحدة أراضي سوريا واضح.

    في قمة أستانا، الموضوع السوري مطروح بصورة خاصة على جدول الأعمال ونأمل أن نحقق نتائج طيبة.

روسيا: الأمن والاقتصاد

وصل بوتين إلى طهران واستقبله وزير النفط الإيراني، وجاءت زيارة بوتين بعد يوم على إعلان شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) وشركة غازبروم الروسية عن توقيع مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها حوالي 40 مليار دولار، وُصفت بأنها أكبر صفقة وقَّعتها إيران في مجال النفط، وتختص بتطوير ثلاثة حقول غازية و6 حقول نفطية إيرانية، وبذلك تدخل روسيا رسميًّا وبقوة على سوق الطاقة الإيرانية. وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أنه قد يتم بعد فترة وجيزة، التوقيع على معاهدة تعاون شاملة بين روسيا وإيران. وفي منتصف يونيو/حزيران 2022، تم تسليم النسخة الروسية من نص هذه المعاهدة الشاملة إلى الجانب الإيراني. ويتوقع بعد إجراء بعض التعديلات الإضافية “مع مراعاة رأي الجانب الإيراني، أن يتم الاتفاق عليها، سيكون من الممكن التوقيع عليها في المستقبل القريب”.

ويحضر أيضًا ما تحدثت عنه الولايات المتحدة الأميركية من سعي روسيا لشراء طائرات مسيرة إيرانية وهو ما نَفَتْه إيران في وقت سابق. وقد توعدت واشنطن طهران في حال ثبت بيعها مسيَّرات إلى موسكو.

وفي اجتماعه مع الرئيس الروسي، ركز خامنئي على عدد من القضايا:

    التعاون طويل الأمد بين إيران وروسيا.

    الناتو كيان خطر.

    “إيران ليست سعيدة بما يحدث للناس العاديين في الحرب، لكن، في قضية أوكرانيا، لولا الخطوة الروسية لقام الطرف الآخر بإشعال فتيل الحرب”.

    أنَّ “دول الناتو لا تعرف حدودًا، ولو فُتح الطريق أمامها، ولم تتم مواجهتها في أوكرانيا، لأشعلت فتيل الحرب بعد فترة بذريعة شبه جزيرة القرم”.

    التعامل بحذر مع “السياسات الخادعة للغرب”.

    يجب طرد الأميركيين من شرق الفرات.

    يجب حذف الدولار تدريجيًّا من المعاملات المالية العالمية.

أما الرئيس الروسي، فقد أشار خلال لقائه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى أن العلاقات الثنائية تشهد تطورًا كبيرًا وتسير بوتيرة جيدة وهناك أرقام قياسية لحجم التجارة بين موسكو وطهران. ولعل تطورات أوكرانيا وموجة العقوبات غير المسبوقة على روسيا جعلتها تتقارب مع إيران وتجد كثيرًا من المشتركات مع الجمهورية الإسلامية. وكان من الواضح أن الموقف من حلف الناتو يتصدر المواقف السياسية للبلدين. وفي الربع الأول فقط من العام الحالي، ارتفع حجم التجارة البينية بين البلدين بنسبة 10%، وبلغ 4 مليارات دولار.

وبدا تركيز طهران على قضية الإرهاب في علاقتها مع روسيا، وهو ما برز في حديث الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال اجتماعه مع بوتين؛ حيث قال: “الآخرون يدَّعون أنهم يحاربون الإرهاب لكن التعاون الثنائي أثبت أننا صادقون في وعودنا”. وإضافة إلى الأبعاد السياسية، تعوِّل طهران على دور اقتصادي من خلال منظمة شنغهاي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتقدم نفسها ميدان تعاون حيوي ومتعدد المجالات.

البيان الختامي المشترك

في البيان المشترك، أعرب رؤساء إيران وروسيا وتركيا عن التزامهم الراسخ بسيادة سوريا ووحدة أراضيها، رافضين الجهود المبذولة لخلق حقائق جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك “مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة”، ومواجهة أجندات انفصالية تهدف إلى إضعاف السيادة، وسلامة أراضي سوريا. وأدان البيان استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سوريا، وأكد البيان على ضرورة الحفاظ على الهدوء من خلال تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب، داعيًا المجتمع الدولي لتحمل مزيد من المسؤولية في تقاسم أعباء إسكان اللاجئين السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم.

 خلاصة

على وقع محاولات عزلها سياسيًّا، نشطت طهران في ساحات دبلوماسية موازية واستضافت قمة لثلاث دول مؤثرة يسعى قادتها لتعزيز المصالح المشتركة وتعظيم أدوارها في القضايا والأزمات الدولية والإقليمية. تؤكد الدول الثلاث أنها صاحبة القول الفصل بالنسبة لسوريا وترسل رسائل بمعارضة السياسة الأميركية في الإقليم. من طهران، تؤكد أنقرة وقوفها ضد العقوبات على إيران وسعيها لتعزيز التبادل التجاري مع جارتها التي تنافسها في ساحات عدة، وتسمع رفضًا إيرانيًّا لنيتها القيام بعمل عسكري في شمال سوريا، وتجتمع مع روسيا وإيران بغية بحث قضايا معقدة في مقدمتها سوريا. أما روسيا، فتتقدم نحو إيران مدركة حاجتها لتعطيل تأثير العقوبات الأميركية وتدخل سوق الطاقة الإيرانية باتفاقية ضخمة، وهي السوق التي سبق لشركة “توتال الفرنسية” أن هجرتها بفعل ضغط العقوبات الأميركية، حين انسحبت رسميًّا، عام 2018، من مشروع بملايين الدولارات وذلك بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي. 

نبذة عن الكاتب

فاطمة الصمادي

باحثة وأستاذة جامعية أردنية مختصة في الشأن الإيراني، حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة علامة طباطبائي في إيران. لها عدد من الكتب والأبحاث المتعلقة بالشأن الإيراني. تعمل حاليا باحثا أول في مركز الجزيرة للدراسات وتشرف على الدراسات المتعلقة بإيران وتركيا ووسط آسيا.

—————————

شبكات التحالف التركية ضد إيران وحزب العمال الكردستاني/ عمر أوزكيزيلجيك

تبرز تركيا في الآونة الأخيرة على جبهات متعددة في مجالات مختلفة بقوة وبما يتوافق مع سياساتها ومصالحها الإقليمية. فعلى سبيل المثال هناك الجبهة الأقرب ضد روسيا على الأراضي السورية، وكذلك في كل من ليبيا وكاراباخ وأوكرانيا. إضافة إلى نقاط النزاع حول الملف السوري مع الولايات المتحدة الأميركية. على أن تركيا تنتهج استراتيجيات متقاربة بشكل لافت حيال تعاطيها مع بعض الدول وبعض الأطراف الفاعلة غير الحكومية. فلا تنحصر مجابهة كل من إيران ومنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في نقاط التماس فحسب، بل تعمل تركيا على بناء شبكتي تحالف منفصلتين في ذات السياق. فبينما تشكل تركيا بالفعل جزءا من شبكة تحالف غير رسمية ضد حزب العمال الكردستاني تضم أتراكا وعربا وأكرادا؛ تعمل تركيا على بناء شبكة تحالف مماثلة ضد إيران تضم إلى جانب العرب والأتراك الطرف الإسرائيلي. ويمكن لنا القول إن الشبكة الأخيرة قد أبصرت النور مؤخرا.

تحظى تركيا بموقع تتفاوت أهميته عالميا وشرق أوسطيا، فموقعها وقوتها وقدراتها قد تبدو متوسطة على مستوى دولة، إلا أنها على المستوى العالمي تتمتع بالحقوق الدولية من حيث الحراك والتدخل الدولي. هذا التكوين في الدولة التركية يمنحها إمكانات وامتيازات خاصة من ناحية، ومن ناحية أخرى يخولها الاضطلاع بأدوار تفوق مساحتها الجغرافية.

يمكننا بداية أن نستذكر شبكات التحالف ضد الإرهاب والتي لطالما كانت تركيا جزءا منها. ففي الفترة التي بدأت بحكم رئيس الوزراء السابق “تورغوت أوزال” تم التنبه إلى أن الوجود العسكري التركي بمفرده في ساحة القتال ضد الإرهابيين هو فعل مجانب للصواب وأنه من الضروري العمل مع الأكراد ضد حزب العمال الكردستاني. وفي هذا السياق فقد حظي كل من رئيس العراق السابق جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني بدعم من تركيا شمل سفر هذه الشخصيات عبر عواصم العالم بجواز سفر تركي. وكان من ثمار هذا التعاون؛ العمليات المشتركة التي نفذتها القوات التركية وقوات البيشمركة الكردية ضد حزب العمال الكردستاني. والتي تكبدت قوات البيشمركة إثرها مئات الضحايا. على أن التغييرات التي شهدتها الحكومة التركية لاحقا أدت إلى تراجع في وتيرة العمليات وخلقت نوعا من الضبابية حيالها..

على أننا نرى أن تركيا قد أعادت تفعيل هذا التعاون في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يتجلى في الدعم الذي تقدمه البيشمركة للقوات التركية في عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني شمال العراق. ففي حين أننا نشهد تقدما للجيش التركي في مناطق الشمال، نلاحظ أن قوات البيشمركة تقوم بقطع منافذ التراجع والإمداد على حزب العمال الكردستاني من الجنوب. إضافة إلى حراكها من الجنوب إلى الشمال في محاولات لدخول مناطق سيطرة حزب العمال الكردستاني. وإلى جانب الدعم المقدم من قوات البيشمركة، تقدم حكومة إقليم كردستان العراق الدعم اللوجستي والاستخباراتي لتركيا. في الواقع إن مشاركة بيشمركة “روج آفا” في الخطوات التي اتخذتها الإدارة الكردية ضد مناطق حزب العمال الكردستاني يحمل أهمية مختلفة. ذلك أن أفراد هذا التنظيم هم سوريون قام الفرع القُطري للحزب في سوريا بإقصائهم ونفيهم. وفي نفس الوقت لا يستطيع هؤلاء الأشخاص العودة إلى سوريا بسبب الجرائم الشنيعة التي قام بها الحزب ضد الأكراد في سوريا. الأمر الذي يجعل مكونات هذا التنظيم عناصر موثوقة متل قبل الإدارة التركية للقتال ضد حزب العمال الكردستاني. خاصة وأن استشهاد عناصر من بيشمركة “روج آفا” يظهر أنهم قد لعبوا دورا مهما في الهجمات التي نفذها حزب العمال الكردستاني ضد التنظيم.

ولا تقتصر تركيا على التحالف مع حكومة إقليم شمال العراق فحسب، بل تعمل على التنسيق مع الأكراد في تركيا ليلعبوا دورا كحماة للثغور. حماة الثغور هؤلاء هم أكراد محليون تدعمهم تركيا ويكون تحركهم العسكري بالتنسيق معها، في حين تكون تبعيتهم الرسمية لقوات الدرك التركي. يعتبر هذا المكون عنصرا هاما يشارك بفاعلية في جميع عمليات الجيش التركي، كما يعتبرون أعداء شرسين لحزب العمال الكردستاني.

وبالحديث عن التحالفات التي قامت بها تركيا في سوريا، فقد قامت تركيا بالتنسيق مع الجيش الوطني السوري التابع للحكومة السورية المؤقتة ضد وحدات حماية الشعب “YPG” (فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا). كما قد شكلت تركيا تحالفات مع المكونات العربية والكردية والتركمانية في الجيش الوطني السوري. وقامت بالتعاون والتنسيق مع الجيش الوطني السوري بعمليتي غصن الزيتون ونبع السلام ضد وحدات حماية الشعب. وقد شهدت هذه العمليات قتال السوريين والأتراك جنبا إلى جنب حتى تحرير قسم من أراضي الشمال السوري من وحدات حماية الشعب  “YPG”.

وعلى الرغم من عدم وجود ارتباط مباشر بين حلفاء تركيا في كل من سوريا والعراق، إلا أن هناك تحالفا طبيعيا بين الأكراد والأتراك والعرب أيضا ضد حزب العمال الكردستاني. ويمكن أن نضيف هنا أن وجود هذه التحالفات شكل دعما لتركيا في حربها لمكافحة الإرهاب على الحدود فيما قد يشكل غيابها تهديدا لقدرة تركيا في العمل على مكافحة الإرهاب على الشريط الحدودي للبلاد.

وبالبحث حول التحالفات التركية ضد إيران، نجد أن شبكة التحالفات التي أنشأتها تركيا ضد إيران تشابه تلك التي أنشأتها ضد حزب العمال الكردستاني من حيث عدم تعيين اسم للتحالف أو حتى وجود علاقات بين أطرافه. وتبرز هنا القاعدة الذهبية في الشرق الأوسط حيث لا يمكن أن تجتمع تركيا وإيران في منطقة واحدة. إذ حيث تحل إيران لا يمكن أن تجد تركيا والعكس بالعكس. إن تركيا وإيران مع أقدم حدود شهدت تغييرات عبر التاريخ لطالما كانتا مثل الزيت والماء لا يلبثان أن ينفصلا.

وبالنظر إلى نتائج الانتخابات الأميركية التي أفرزت الرئيس الأميركي “جو بايدن” وإلى التغييرات التي يشهدها سوق الطاقة العالمي فإنه من المنتظر أن تنتهج إيران سياسات أكثر عدائية تجاه الشرق الأوسط. وفي ذات السياق تعطي هجمات ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على مصافي النفط في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فكرة عن مستقبل المنطقة. فيما تعتبر محاولات إيران اغتيال المواطنين الإسرائيليين في تركيا مؤشرا خطيرا..          

وفي إطار حربها مع إيران فقد اعتمدت إسرائيل ودول الخليج منذ البداية على الولايات المتحدة الأميركية، على أن رغبة الولايات المتحدة في التركيز على المواجهة مع الصين وتحويل ثقل قوتها عن الشرق الاوسط باتجاه آسيا تدريجيا بات يخلق مخاوف جدية لدول المنطقة التي تخشى أنها لن تتمكن من مواجهة العدو الإيراني في حال انقطع الدعم الخارجي عنها.

بالرغم من امتلاك كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ميزانيات ضخمة لأنظمة الأسلحة المتطورة، إلا أن العملية العسكرية التي تضطلع بها الدولتين في اليمن أبرزت إخفاقا عسكرا جديدا لكل من الدولتين. ومن ناحية أخرى لا يمكن أن نتجاهل أن إسرائيل تمتلك أكبر منظومة جوية في الشرق الأوسط والتي تمكنها من ضرب إيران في مواقع مختلفة بل قد قامت بالفعل بتوجيه ضربات جوية لقواعد إيران على الأراضي السورية. ولكنها وكما تبين في الآونة الأخيرة من حربها في غزة ولبنان لا تمتلك القدرة على التوغل والبقاء في أي من مواقع أعدائها في الشرق الأوسط.

على الجهة الأخرى تبرز تركيا كقوة وحيدة استطاعت أن تحقق نجاحا عسكريا في مواجهة إيران وتوقف تمددها في المنطقة. حيث وجهت القوات التركية بالتنسيق مع حلفائها في الجيش الوطني السوري ضربات قوية لإيران على الأراضي السورية. وبفضل الدعم  القوي الذي تتلقاه تركيا من سكان المناطق التي تدخلها؛ نجد أنها وعلى العكس من إسرائيل يمكنها البقاء والتمدد في تلك الأراضي. كما أن الحلفاء المحليين لتركيا في حربها ضد إيران هم السوريون الذين شهدوا حربا شرسة مع النظام المدعوم من قبل إيران في السنوات العشر الماضية. ويعتمل في قلوبهم حقد كبير على إيران بسبب دعمها للنظام، فمنذ العام 2011 وقفت إيران إلى جانب النظام السوري في حربه ضد شعبه وارتكبت بحق هذا الشعب أفظع الجرائم.

وكما هو الأمر مع دول الخليج وإيران تتوقع تركيا أن تبدي إيران عدائية أكثر في قابل الأيام، حيث تشكل حماية إيران لحزب العمال الكردستاني وكذلك للميليشيات الشيعية في إقليم جبل سنجار في العراق من جهة ونجاح تركيا في الجمع بين العرب السنة في تحالف مشترك وخطة موحدة مع الأكراد مؤشرا واضحا على أن كل من تركيا وإيران يقفان على طرفي نقيض في تطورات المشهد السياسي في بغداد.

ولأن تركيا تدرك أن المستقبل يحمل توترا أكبر في العلاقات مع إيران، إضافة إلى احتمالية بقائها بمفردها في مواجهة إيران، دفعها ذلك إلى تطبيع علاقاتها مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويعتبر هذا التطبيع الذي قامت به تركيا حجر أساس لتحالف لم يتم تسميته بعد يجمع كل من العرب والأتراك وإسرائيل ضد العدو الإيراني المشترك.

ولا يفوت تركيا في هذا الصدد ما تشهده من تعزيز العلاقات والتحالفات بين كل من إيران وحزب العمال الكردستاني الذين تربطهما علاقات قوية أصلا، إذ ليس من قبيل الصدفة أن تقدم إيران الدعم والحماية لحزب العمال الكردستاني في كل من سوريا والعراق. على أن شبكتي التحالف اللتين أنشأتهما تركيا مع حلفاء مختلفين لمواجهة أعدائها تعتبران شبكتين منفصلتين مستقلتين كليا عن بعضيهما، وتشكل تركيا العامل المشترك الوحيد فيهما. وفي حال أريد تمكين هاتين الشبكتين لتحقيق انتصارات ضد كل من إيران وحزب العمال الكردستاني فيجب أن يتم العمل على جمعهما في تحالف قوي واحد.

تلفزيون سوريا

———————

أنقرة تصدم المعارضة السورية:هل اقتربت مبادرة طهران من أهدافها؟/ عقيل حسين

كانت تصريحات وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو التي أدلى بها الأربعاء، حول امكانية التعاون مع النظام السوري ضد القوات الكردية في شمال سوريا، مفاجئة وصادمة لجمهور المعارضة السورية، الذي لم تُخفِ ردود فعله الغضب وخيبة الأمل، رغم كل التفسيرات التي قُدمت حول هذه التصريحات وحاولت التخفيف من وقعها والتقليل من أهميتها.

أوغلو وفي حديث متلفز على قناة “تي في 100” التركية، قال إن بلاده أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من شمال وشمال شرق سوريا، مضيفاً “سنقدّم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.

مناورة تركية؟

وبينما رأى البعض في هذا التصريح ردة فعل تجاه التعزية التي قدمتها الولايات المتحدة ل”قسد”، بعد مقتل قيادية فيها نتيجة غارة جوية تركية السبت، اعتبر مراقبون آخرون أنه يأتي في سياق الوساطة الايرانية لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتعبيراً عن تقدم تحققه هذه الوساطة.

ورداً على سؤال حول مصير العملية العسكرية التركية المحتملة في شمال سوريا، تجنب أوغلو الحديث عن إصرار بلاده على شنّ العملية، وهو الموقف الذي دأبت أنقرة على ترديده باستمرار، مكتفياً بانتقاد روسيا والولايات المتحدة بهذا الخصوص، وقال إن “الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب”.

ويعتبر المحلل السياسي السوري باسل معراوي أن الموقف التركي الجديد يمثل “مناورة” تركية في إطار مواجهة التضييق الذي تُواجَه به من قبل شركائها في الملف السوري، مستبعداً أن يكون بمثابة تغير جوهري في موقفها من المسألة السورية.

ويقول ل”المدن” تعليقاً على ما أدلى به الوزير التركي، إن “جميع الخصوم توحدوا ضد الموقف التركي في سوريا، ومن اللافت أن كلاً من روسيا وإيران والولايات المتحدة ونظام الأسد كانوا متفقين في معارضة العملية العسكرية التي هددت تركيا ولا تزال بشنها ضد قسد، الأمر الذي وضع أنقرة في موقف كان يتطلب منها التحرك بشكل غير تقليدي”.

ويضيف أن تركيا ومن خلال هذا الموقف الجديد تقول للنظام في دمشق “تعالَ وتحمل مسؤولياتك في إزالة الإرهاب المتمثل بالتنظيمات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني”، وهو الأمر ذاته الذي طلبه أوغلو من الحكومة العراقية في تصريحاته، وإلا فإن أنقرة لن تقبل باستمرار التهديدات التي يتعرض لها أمنها القومي انطلاقاً من شمال سوريا والعراق، ما يجعل تحركها القادم في حال عدم الاستجابة لها، وهذا ما سيحصل غالباً، مبرراً ومشروعاً.

ويشير معراوي أيضاً إلى المفاوضات الجارية بين دمشق والجانب الكردي من أجل نشر قوات تابعة لجيش النظام في مناطق سيطرة قسد، قائلاً: “تحاول أنقرة قطع الطريق على أي تعاون بين الطرفين ضدها، وسبق للرئيس التركي أن أكد أن تغيير الأعلام والرايات لن يجعل قسد في مأمن، وبالتالي فإما أن يكون وجود قوات النظام حقيقياً وتتحمل دمشق بناء عليه المسؤولية القانونية والسياسية لهذا الوجود، أو لا يجب أن يكون من أصله”، وبهذا السياق “نفهم قول الوزير أوغلو بأن الدعم الذي ستقدمه تركيا لهذه الخطوة هو دعم سياسي وليس غير ذلك ولا يتجاوز هذا السياق”.

تغيير جوهري

لكن تقدير السياق الذي تأتي فيه تصريحات تشاووش أوغلو لا يبدو محل اتفاق في أوساط المعارضة السورية، خاصة بعد التأكيدات التركية المستمرة على وجود تعاون أمني مع النظام من جهة، والحديث عن وساطة إيرانية لتطبيع العلاقات السياسية بين دمشق وأنقرة من جهة أخرى.

ويرى الكثيرون أن موقف تركيا يظهر اقتراباً من الموقف الإيراني، ليس فقط لناحية عدم توجيه أوغلو النقد لطهران خلال حديثه الأربعاء عن مواقف الدول الأخرى، حيث اكتفى بمهاجمة موسكو وواشنطن واتهمهما بعدم الايفاء بتعهداتهما الخاصة بمكافحة الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي، بل وكذلك من خلال تأكيده على أن بلاده “أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة”.

ويرى المحلل السياسي نصر اليوسف أن “اللهجة الودية” التركية المفاجئة تجاه النظام السوري هي نتيجة قمة الدول الراعية لمسار أستانة التي عُقدت في طهران، وللجهود الإيرانية الحثيثة للتقريب بين دمشق وأنقرة.

ويقول ل”المدن” إن “انتشار قوات النظام في المناطق التي هددت تركيا بشن عملية عسكرية جديدة فيها سيكون بمثابة إرضاء لأنقرة التي ستنظر للأمر كخيار مقبول يغنيها عن الحرب، فهي معنية بالحصول على العنب وليس الانشغال مع الناطور”. ويضيف “يجب ألا ننسى هنا أن التواصل الأمني بين الطرفين لم ينقط”ع، وأن “تركيا اعتبرت على الدوام أن وجود النظام على حدودها أفضل بالنسبة لها من وجود قسد، كما أن هذا سيكون من مصلحة روسيا وإيران، لأن قواتهما ستكون موجودة مع قوات النظام في المناطق التي ستخرج منها قسد في حال تم تنفيذ هذا الحل”.

لا موقف

لكن ورغم أن الأجواء السياسية كانت تمهد لمثل هذا التطور، إلا أن أوساط المعارضة بدت مصدومة بعد تصريحات أوغلو، حيث عبر الكثير من الثوار والناشطين السوريين عن غضبهم حيالها، بينما لم يصدر أي موقف عن المؤسسات الرسمية أو القوى السياسية الفاعلة.

وكشفت مصادر في الإئتلاف الوطني ل”المدن”، أنه سيتم مناقشة هذه التصريحات خلال اجتماع الهيئة السياسية الذي بدأ صباح الخميس، لكنها استبعدت أن يصدر موقفاً صريحاً منها، خاصة وأن الاجتماع سيكون مغلقاً ومخصصاً لمناقشة انتخابات الهيئة الرئيسية أو التمديد لها.

لكن اليوسف يستبعد أن يكون هناك أي موقف لمؤسسات المعارضة، سواء السياسية أو العسكرية، من هذا التحول التركي “لأنها غير قادرة على مخالفة إرادة أنقرة وتوجهاتها”. ويقول: “المعارضة الرسمية تابعة تماماً في موقفها للموقف التركي ولا تملك من أمرها شيئاً، وهي ستسير حسب ما ترسم لها أنقرة، وإذا قررت تركيا أن دخول النظام إلى مناطق سيطرة قسد أمر صحيح فستقر المعارضة السورية بذلك دون تردد”.

يبدو أن الديبلوماسية الإيرانية تحقق نتائج سريعة واختراقات غير مسبوقة على صعيد التواصل والتفاهم بين أنقرة ودمشق، وإذا كانت تصريحات وزير خارجية تركيا الأخيرة قد اعتبرت مفاجئة، فإن مجمل التطورات التي شهدتها الساحة مؤخراً تؤكد أن هذه التصريحات لم تكن سوى نتيجة للحراك النشط الذي قامت به إيران في الملف السوري ويبدو أنه بات منتجاً.

المدن

————————

من جدة إلى طهران.. قمم عابرة فوق حرب متناسلة/ منير الربيع

يحتاج تقييم القمة العربية الأميركية في جدّة إلى مرور وقت لقراءة نتائجها وانعكاساتها. من حيث الشكل لم تخرج القمّة بسياقات واضحة حول استعادة تعزيز العلاقات أو بناء عناصر الثقة الأميركية الخليجية والسعودية تحديداً. واشنطن في ظل إدارة جو بايدن لا تبدو قادرة على تقديم الكثير. والسعودية لا تبدو مضطرّة لتقديم أي هدية لهذه الإدارة الأميركية طالما أن كل المؤشرات تفيد بأنها من أضعف الإدارات وستمنى بخسارة مدوّية في الانتخابات النصفية، بينما يبقى الرهان على عودة الجمهوريين وتعزيز العلاقات معهم. لكن أيضاً من حيث المضمون ثمة مؤشرات تفيد بأنه قد حصلت بعض الاتفاقات في مندرجات القمة وهي التي تحتاج إلى وقت لتبدأ بالظهور.

ما بعد ذلك، ثمة مساع متعددة لدى الأطراف المتناقضة لاستعادة طريق الحوار. فواشنطن وطهران تريدان العودة إلى تجديد المفاوضات، الإدارة الأميركية تبدو حريصة على توقيع الاتفاق النووي، في حين إيران تنقسم إلى رأيين، رأي يؤيد تحصيل الاتفاق، وأبلغ الأميركيين باستعداده للقبول بعدم رفع العقوبات عن الحرس الثوري مع القبول برفع العقوبات عن المؤسسات التي يستفيد منها الحرس مالياً. بينما ثمة رأي إيراني آخر يرفض الذهاب إلى توقيع الاتفاق طالما أن الإدارة ضعيفة وأي اتفاق لن يوافق عليه الكونغرس وسيتم نقضه من قبل الجمهوريين فيما بعد، يفضل أصحاب هذا الرأي في إيران إبرام الاتفاق مع الجمهوريين وضمان الموافقة عليه في الكونغرس كي لا تعمل أي إدارة جديدة على نقضه كما  حصل مع دونالد ترامب.

لم تخرج قمّة جدّة بمواقف واضحة أو ذات سقف مرتفع ضد إيران، لا بل إنها استبقت بمواقف اعتبرت ليّنة  تجاه طهران من خلال إعلان مسؤولين خليجيين رفض الانخراط في أي تحالف أمني أو عسكري بمواجهة طهران. ما يعني إسقاط ما كان سُمي بالناتو العربي. هذا من شأنه أن ينعكس في تجديد جولات الحوار الإيرانية السعودية، والتي ستنتقل من الطابع الأمني إلى الطابع السياسي والديبلوماسي وصولاً إلى التمهيد لعقد لقاءات بين وزيري خارجية البلدين، والبحث في استعادة فتح السفارات. كل ذلك يؤشر إلى الاتجاه نحو مرحلة من الحوار السياسي، بين إيران ودول الخليج، في محاولة للتأسيس لنوع جديد من التعاطي السياسي والإقليمي. أي حوار من هذا النوع، سيشمل البحث في ملفات متعددة، أبرزها اليمن وتجديد الهدنة فيها مع استمرار البحث بالوصول إلى حلّ سياسي، ولا يمكن إغفال الواقع العراقي والوضعين اللبناني والسوري عن أجندة هذه المفاوضات.

اللافت أنه في ظل الإيجابيات الخليجية تجاه طهران ولو من حيث الشكل، تبقى العبرة في النتائج وفي ما يمكن تحقيقه وتحصيله من طهران ويتعلق بالحفاظ على أمن المنطقة. ما تزال اللهجة تصعيدية من قبل الإسرائيليين تجاه إيران، أولاً من خلال الإعلان الدائم والمستمر لرفض وصول إيران إلى مرحلة امتلاك سلاح نووي، وثانياً استمرار التهديدات الأمنية والعسكرية بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني. مع الاستمرار الإسرائيلي في توجيه ضربات إلى مواقع وقواعد إيرانية في سوريا. هنا لا بد من السؤال عن ماهية الموقف الإسرائيلي من الحوار الخليجي الإيراني، وإذا ما سيكون هناك عناصر تخرّب هذا الحوار وتمنع حصول أي تقارب. لا سيما أن هناك قناعة لدى جهات متعددة في منطقة الشرق الأوسط أن كل هذا التصعيد الكلامي والسياسي والأمني بين إيران وإسرائيل لا بد أن يؤدي إلى انفجار في أي لحظة من اللحظات، في هذه الحال، تلعب دول الخليج ورقة قوية، تقوم على عدم الدخول في المواجهة أو تحفيزها أو المشاركة بها مع محاولة الحصول على المزيد من التنازلات الإيرانية في هذا الوقت. وتوفر مقومات الحماية لنفسها في حال تدهورت الأمور بين إيران وإسرائيل.

في هذا السياق، برز موقف لملك الأردن عبد الله الثاني ولا بد من التوقف عنده، عندما أشار إلى العمليات الإرهابية التي تتعرض لها الحدود الأردنية من قبل ميليشيات إيرانية، من حيث المضمون فإن هذا الموقف يترطب بما قاله الملك الأردني سابقاً عن الحاجة إلى تشكيل ناتو عربي، وكان هذا التصريح غداة لقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن. حالياً يندرج موقف ملك الأردن بالسعي إلى فرض نفسه على طاولة التفاوض ومع إيران خصوصاً من خلال الإشارة إلى العمليات التي تقوم بها فصائل تابعة لها، هذا من جهة. أما من جهة ثانية فإن أبعاد هذا الحديث ترتبط بالبحث عن إقامة منطقة آمنة في الجنوب السوري، على غرار المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا إلى إقامتها وتعزيزها في الشمال السوري.

ختاماً، من غير المنطقي وضع معادلة قمّة جدة في مقابل قمّة طهران. لا سيما أن دول الخليج لن تتخلى عن علاقاتها بروسيا، وهي تستمر بالتحاور مع إيران، والعلاقة مع تركيا ما تزال جدية في مرحلة ما بعد استعادتها. قمة طهران كان لها مهمات وظيفية أخرى، ترتبط بمحاولة روسيا تحصيل عدد من المواقف الإقليمية، في مقابل سعي تركيا للحصول على ضمانة بشأن المنطقة الآمنة، مقابل تلويح إيران بأن لديها العديد من الأوراق والعلاقات القادرة على استخدامها. مهمة القمم والحوارات التي ستفتح، أنها ستفرض إيقاعاً جديداً في التفاوض السياسي من خلال البحث عن حلول وعن تنازلات متبادلة، إذ لم يعد من الممكن استيعاب المزيد من فترات أو إطالة أوقات الاستنزاف الزمني دون نتائج، وما لم يكن هناك نتائج واضحة وجدية، فلا بد من توقع الانفجار، لأن تداعيات حرب أوكرانيا لن تبقى فيها.

تلفزيون سوريا

———————–

تركيا والنظام السوري.. “نبرة جديدة” تثير التساؤلات والجدل

ضياء عودة – إسطنبول

أطلق وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قبل يومين، تصريحات “لافتة” هي الأولى من نوعها بخصوص علاقة بلاده مع النظام السوري، الأمر الذي أثار جدلا وتساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء هذه “النبرة الجديدة”، وما إذا كانت ستفرض مشهدا مغايرا للعلاقة بين أنقرة ودمشق، خلافا لما كانت عليها السنوات الماضية.

وقال جاويش أوغلو، حسب ما نقلت وكالة “الأناضول”، في رده على سؤال بشأن العملية العسكرية التركية المحتملة في شمالي سوريا، وموقف كل من واشنطن وموسكو منها: “الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب”.

وذكر الوزير التركي أن بلاده أجرت سابقا محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة، مضيفا: “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.

وتابع: “من الحق الطبيعي للنظام (السوري) أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين”.

وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها هكذا نوع من التصريحات السياسية من جانب أنقرة حيال العلاقة مع النظام السوري، حيث اقترح الإعلان في السابق عن وجود اتصالات أمنية واستخباراتية فقط، بعيدا عن أي تواصل سياسي أو نية لفتح قنوات اتصال.

ولا تعترف تركيا بالنظام السوري منذ سنوات طويلة كجهة شرعية تمسك زمام أمور الشعب السوري، وتتمسك حتى الآن بهذا الموقف، بحسب ما أشارت إليه تصريحات مسؤوليها، على رأسهم الرئيس، رجب طيب إردوغان، خلال الفترة الأخيرة.

وفي المقابل، يصف النظام السوري الوجود العسكري التركي في البلاد بـ”الاحتلال”، وسبق أن طالبت وزارة خارجيته أنقرة بالخروج “كونها لم تدخل بناء على طلب الحكومة السورية”، كما هو الحال بالنسبة لروسيا وإيران.

وتعتبر تركيا إحدى الدول الفاعلة في الملف السوري، سياسيا من خلال مسار “أستانة”، وآخر يتعلق بـ”سوتشي”، كما أنها تستضيف أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري.

أما عسكريا فيظهر الدور الفاعل جليا، استنادا إلى الواقع الميداني المفروض من قبل قواتها والفصائل السورية التي تدعمها على طول الحدود الشمالية لسوريا.

“سياقات ولا مصالح”

وترتبط تصريحات جاويش أوغلو بثلاثة سياقات زمنية خاصة بسوريا، الأول أنها تأتي بعد أسبوع من القمة الثلاثية في طهران، والتي جمعت رؤساء تركيا وروسيا وإيران رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي.

أما السياق الثاني فقد جاءت عقب إبداء طهران نيتها الوساطة بين أنقرة ودمشق، في مسعى لإبعاد شبح العملية العسكرية التي تهدد بتنفيذها الأولى في شمال البلاد.

وفي حين يتعلق السياق الزمني الثالث بالتطورات المتعلقة بالعملية التركية المحتملة على الأرض، تتجه الأنظار إلى قمة “سوتشي” التي ستجمع إردوغان وبوتين في الخامس من أغسطس المقبل، على أن تتناول سلسلة من القضايا المشتركة، في مقدمتها الملف السوري.

وأثار “الدعم السياسي” للنظام السوري من أجل “إخراج الإرهابيين”، كما تحدث الوزير التركي حالة من الجدل الواسعة بين أوساط السوريين المعارضين للأسد، معتقدين أن الأمر يعتبر “بداية لإعادة تطبيع العلاقات”.

لكن الباحث التركي ومدير “معهد إسطنبول للفكر”، باكير أتاجان يرى أن حديث جاويش أوغلو يأتي ردا على الادعاءات التي صدرت، خلال الأيام الماضية، بأن أنقرة تدعم “تقسيم سوريا”، وأن “لها مصالح وأطماع داخل الأراضي السورية”، لذلك هي بحاجة للعملية العسكرية الجديدة.

ويضيف أتاجان لموقع “الحرة”: “القصد من التصريح أن تركيا تدعم عدم تقسيم سوريا وأيضا الحفاظ على وحدة الشعب. لم يقصد جاويش أوغلو بقاء نظام الأسد. الدعم يختلف عن التعاون وإعادة العلاقات”.

وقبل يومين كانت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية قد نشرت تقريرا ناقشت فيه خطة تركيا في سوريا، بالتزامن مع التهديدات بعملية عسكرية بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود الشمالية للبلاد.

وأوضح التقرير أن الوضع الحالي في شمال غربي سوريا، يعكس دور تركيا “الفعّال” في رسم مستقبل المنطقة، بعدما نفذت عمليات عسكرية سابقة لدفع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بعيدا عن الحدود.

كما سلّط الضوء على الأدوار التي تلعبها المؤسسات التركية في شمال سوريا، من إدارة خدمات وصحة وتعليم وغير ذلك، فيما نقل عن مسؤول تركي لم يسمه “نفيه الشديد” أن بلاده تسعى لتغيير النسيج الاجتماعي لسوريا، مؤكدا أن “العديد من الأصدقاء العرب والغربيين لم يفهموا التوجه التركي”.

“قطع طريق”

وعلى مدى الأشهر الماضية كانت الكثير من وسائل الإعلام التركية، من بينها المقربة من الحكومة قد تطرقت إلى طبيعة العلاقة الحالية بين تركيا والنظام السوري، وعما إذا كان هناك أي احتمالية لعودة العلاقات، كما حصل بين أنقرة ودول أخرى، مثل الرياض وأبو ظبي.

في أبريل الماضي تحدثت صحيفة “حرييت” عن “مناقشات” حكومية تجري للشروع في حوار مع حكومة النظام السوري، بشأن 3 موضوعات “مهمة”.

وهذه المعلومات لم يصدر حولها أي تعليق رسمي من أنقرة أو دمشق، وهما الطرفان اللذان يقفان على طرفي نقيض منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011.

ونقلت الصحيفة المقربة من الحكومة، عن مصادر لم تسمها، حينها أن “الحكومة التركية ترى أن دور أنقرة في الأشهر الأخيرة، وخاصة تجاه حل الحرب الأوكرانية وتركيز روسيا هناك قد يكون توقيتا جيدا لحل المشكلة السورية”.

وتشير المصادر إلى أن تركيا “في جميع اتصالاتها مع الإدارة السورية” تؤكد على 3 أشياء لا غنى عنها، وهي “الحفاظ على البنية الأحادية (وحدة الوطن)، ضمان أمن اللاجئين العائدين”، إضافة إلى “نشاط حزب العمال الكردستاني”.

وهذه المعلومات سبق أن تطرقت إليها وسائل إعلام تركية، خلال الأشهر الماضية، لكن ضمن سياق “التواصل الاستخباراتي” بين سوريا وتركيا الذي لم ينقطع، وأكده المسؤولون مرارا.

الباحث السياسي التركي، طه عودة أوغلو يقول إن اللافت في تصريح جاويش أوغلو الأخير أنه جاء بعد أيام أيام قليلة من القمة الثلاثية لرؤساء الدول الضامنة لمسار (أستانة) حول سوريا (روسيا وتركيا وإيران).

وفي هذه القمة بدا لافتا على هامشها الزيارة التي أجراها وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد، ولقائه نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

ويضيف الباحث لموقع “الحرة”: “زيارة المقداد طرحت تساؤلات حول أسباب  الموقف التركي الجديد”.

ويمكن القول إن “استياء أنقرة من مماطلة واشنطن وموسكو من دعمها في عمليتها العسكرية في سوريا هو أحد الأسباب التي دفعها للإدلاء بهذه التصريحات الجديدة، التي تأتي مغايرة للتصريحات التركية السابقة”.

وفي السابق كان الحديث ينحصر في “التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين واستبعاد تطبيع العلاقات مع النظام (سياسيا)”.

ويتابع عودة أوغلو: “يبدو أن أنقرة تريد قطع الطريق عن أي محاولات روسية للتقارب بين النظام السوري وقسد، وهذه بالمفهوم التركي ضربة لمحاولات قسد للالتفاف على الخطوات التي تقوم بها تركيا لتوجيه ضربة للتنظيم الإرهابي”، حسب تعبيره.

“نبرة مودة”

في غضون ذلك يعتبر الباحث المختص بالشأن التركي والعلاقات الدولية، محمود علوش أن تصريحات وزير خارجية تركيا “تكتسب أهمية كبيرة، كونها المرة الأولى التي تتحدث بها أنقرة صراحة بنبرة مودّة تجاه النظام السوري”.

ويعكس هذا التحول أمرين رئيسيين، حسب ما يقول الباحث لموقع “الحرة”.

ويضيف: “الأول هو الذي طرأ على موقف تركيا في الصراع السوري، نتيجة لتغيّر أولوياتها من إسقاط الأسد إلى التركيز على مخاطر المشروع الانفصالي الكردي من جهة، ونتيجة كذلك للتحوّلات التي طرأت على طبيعة الصراع في السنوات الست الأخيرة والانتصار العسكري الذي حققه الأسد وحلفاؤه”.

وهذا التحول بدأ عمليا بالظهور منذ دخول تركيا في شراكة مع روسيا وإيران في 2017 ضمن منصة أستانة.

ويوضح علوش أن الشراكة “فرضت على أنقرة تبني نهج جديد يقوم على التعاون التنافسي مع الفاعلين الرئيسيين في المشهد السوري وهما موسكو وطهران”.

“روسيا وإيران تسعيان لاستغلال حاجات تركيا الأمنية في سوريا، من أجل دفعها للانخراط في حوار سياسي مع دمشق”.

ويتابع الباحث أن التحول الثاني الذي يمكن قرائته من تصريح جاويش أوغلو يأتي على صعيد الموقف التركي في مسألة تل رفعت ومنبج.

وتمثل السيطرة على منبج وتل رفعت في ريف حلب “أولوية تركية في الوقت الراهن”.

ويشير علوش إلى أن “الأتراك يلوحون منذ فترة بعملية عسكرية جديدة، لكنّهم واجهوا معارضة روسية وإيرانية شديدة. في نهاية المطاف، لا يوجد خيار آخر سوى إبرام تسوية إذا ما أرادت الأطراف الثلاثة الحفاظ على الشراكة الثلاثية”.

“نهج جديد”

وقبل “الوساطة” التي عرضتها إيران، مؤخرا كانت روسيا قد أعلنت عن ذات الشيء في عام 2019، إلا أن العلاقات بين أنقرة ودمشق بقيت على حالها دون أي تقدم.

وعلى هامش اجتماعات “أستانة” الأخيرة دعا كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي أصغر خاجي، إلى “بذل جهود أكبر من أجل تمكين الجيش السوري من الانتشار على حدود تركيا، لمعالجة المخاوف الأمنية لدى القيادة التركية، في إطار اتفاقية أضنة المبرمة بين البلدين”.

وأشار خاجي في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية إلى “ضرورة اعتماد إطار اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا، والتي تلزم دمشق بعدم السماح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا”.

ويوضح الباحث علوش أن “أحد الخيارات التي يطرحها الروس والإيرانيون على تركيا هو دخول النظام السوري إلى منبج وتل رفعت وإخراج المقاتلين الأكراد منهما”.

و”يُمكن أن يكون ذلك حلا وسطا لكل الأطراف، لكنّه سيكون مكسبا كبيرا للنظام”.

واعتبر الباحث أن “أنقرة يبدو أنها تميل إلى مثل هذا الخيار، وأنها تمضي قدما في نهج جديد سيؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة العلاقات مع دمشق، لكنّ ليس في المستقبل المنظور”.

ومع ذلك فإن “الموافقة التركية المحتملة على دخول النظام السوري إلى تل رفعت ومنبج وتمهيد الأرضية لإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى سوريا. كلها خطوات من شأنها أن تُساعد في تعبيد الطريق في هذا الاتجاه”، حسب حديث الباحث.

ضياء عودة – إسطنبول

————————-

حين يعترف نظام الأسد بعمالته/ عبد القادر المنلا

في إطار الاستعدادات للعملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري، يجند النظام كل أبواقه ووسائل إعلامه المحلية و”الحليفة” ليس للحديث عن العملية ذاتها، أو عن خطورتها وتأثيرها على السيادة السورية وتبعاتها المستقبلية، وإنما لتخوين السوريين ممن شاركوا في الثورة عليه من خلال تكثيف الحديث عن “العملاء”.

بداية سنكتشف أن كل أنواع الاحتلالات وكل الانتهاكات للسيادة الوطنية وكل التهديدات الإسرائيلية والتركية لا تستوقف النظام ولا تأخذ حيزاً من تفكيره، إلا في إطار التدليل على عمالة خصومه، فما يهم النظام بالدرجة الأولى هو تكثيف الحديث عن الثورة بوصفها الأداة التي دمرت سوريا واستجلبت الأجنبي.

ويبدو أن تشويه الثورة وتخوين كل من شارك فيها لا يزال الشاغل الأساسي للنظام الذي لا يزال يتعامل مع كل من طالب بإسقاطه على أنه العدو والخصم الأول والأخير رغم كل الأعداء المفترضين ورغم المؤامرة الكونية ورغم اعتداءات الدول المباشرة ولا سيما إسرائيل على الأراضي السورية.

وعلى الرغم من انتصاراته العسكرية المزعومة، فما يزال احتمال الإطاحة بالأسد قائماً، ولهذا يكرس النظام كل دفاعاته العسكرية والإعلامية لمجابهة هذا الخطر ومحاولة القضاء عليه تماماً، وعندها فقط يمكن للأبواق أن تسكت وأن تتراجع الآلة العسكرية تماماً بصرف النظر عن المآل المتوقع لسوريا، فكل ما حدث من تحولات كبرى تهدد سوريا الأرض والشعب والممتلكات والثروات لا يشغل بال النظام، الثورة وحدها هي من هدد القصر الجمهوري وشخص الرئيس، ولهذا فإن مفهوم العداء لسوريا يحصره النظام بأي خطر محتمل على رئيسه وليس بالمخاطر الكبرى التي تهدد مصير سوريا.

ما يهم النظام هو التأكيد على أن معارضته كانت الخطأ التراجيدي الذي أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه، وفتحت شهية الدول الإمبريالية كأميركا وأوروبا، وأصحاب الأحلام التوسعية الإمبراطورية كتركيا، لسرقة السيادة السورية واقتطاع أجزاء من البلد الجريح لتضمها إلى ممتلكاتها، وبالتالي فإن تصفية المعارضة والمعارضين هي الهدف الأعلى..

وكما فعل النظام عندما حمل الثورة مسؤولية الدمار الذي طال معظم المدن السورية، فهو يحملها أيضاً مسؤولية التدخل الخارجي.

هنا لا بد من ملاحظة أن النظام لا يرى حتى النصف الفارغ من كأس الحقيقة، -كما يفعل دائماً- فهو يقوم بتحليل المقدمات بشكل منطقي وواع بما تتطلبه الحالة الوطنية، ولكن عندما يصل إلى النتائج يكسر مسطرة القياس العقلي والوطني ويلجأ إلى الكذب والتلفيق وتزوير الحقائق الدامغة التي لا مجال لنكرانها، ويستبدلها بحقائقه التي يفرضها بالقوة..

لا يمكن للنظام أن ينكر أنه كان سباقاً للاستعانة بالأجنبي، ليس فقط من خلال طلب دعم سياسي أو مادي أو عسكري غير مباشر، بل من خلال التدخل العسكري المباشر والمتدرج، بدأ بحزب الله منذ بداية الثورة، والذي وضع كامل ثقله لقتال الثوار وقتل المواطنين السوريين الخارجين على النظام، ومن ثم التدخل الإيراني المباشر أيضاً بكل ما يملكه الحرس الثوري من قدرات، بالإضافة إلى عشرات الميليشيات التي جندها طائفياً لذبح السوريين، وأخيراً جاء التدخل الروسي بأسطول طيرانه العسكري وبأسلوب الأرض المحروقة ليحقق ما عجز النظام وحزب الله وإيران والميليشيات معاً على تحقيقه.

كل ذلك لا يراه النظام استعانة بالأجنبي، لا يراه خيانة وعمالة، بل يرى العميل هو من لم يجد ملاذاً إلا تركيا التي لم تقدم أصلاً دعماً حقيقياً على الأرض إلا بما يتناسب مع مصالحها، لم تقاتل تركيا ضد النظام كما فعل حزب الله وإيران روسيا، ولم تضرب مناطق الموالاة على سبيل المثال، وبالتالي لا يمكن اعتبار التدخل التركي تدخلاً بالمقارنة مع تدخلات الدول التي جلبها النظام، ومع ذلك يصر الأخير على التعامل مع تركيا على أنها دولة احتلال ومع روسيا وإيران على أنهما حليفان وداعمان ومنقذان لسوريا، وبالتالي فهو يحصر حق التحالف بنفسه، ويرفض حق الآخرين بالتحالف مع دولة أخرى رغم أن الفارق كبير بين شكلي التحالف.

يفرق النظام في هذا السياق بين التدخل الشرعي، أي ذلك الذي كان بطلب من الحكومة “الشرعية”، والتدخل غير الشرعي الذي جاء بطلب من المعارضة، وهو أمر يدين النظام بحد ذاته، من حيث احتكاره الشرعية بالقوة في الوقت الذي فقد فيه الشرعية وتحول إلى ميليشيا أكثر تطرفاً وإرهاباً وخيانة للسوريين من كل الميليشيات الأخرى، لأنه احتكر سلاح الدولة، ودعمَ الدول الحليفة، واحتكر الإعلام والاقتصاد ووضع المواطنين رهينة تحت تهديد سلاحه.

يراكم النظام في كل أزمة تعترضه دلائل إدانته بنفسه، ولكنه يحاول أن يستخدم أدلة إدانته ضد خصومه، وما يروجه اليوم عن العملية العسكرية التركية المرتقبة ما هو إلا جزء من تخريجاته الروتينية التي تهدف للتملص من الاستحقاق الأساسي في الدفاع عن السيادة وتبرير قتل السوريين بذريعة العمالة.

يحدد إعلام النظام هوية العملاء: فالأكراد عملاء لأميركا، والجيش الوطني عميل لتركيا، وتحرير الشام فصيل عميل لإسرائيل، ولقطر وللسعودية، وهؤلاء جميعاً عملاء لأميركا وإسرائيل، وإسرائيل عميلة الإمبريالية العالمية، وعندما يريد أن يرد على الدول لا يفعل شيئاً إلا بقصف المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته تحت ذريعة ضرب العملاء، لأنه يحدد مفهوم العمالة بكل من عارضه من السوريين، أما الدول التي لم تتحالف معه ولم تؤازره في قتل السوريين فهي دول إمبريالية متآمرة، متخلفة حاقدة ودكتاتورية ولا داعي لمواجهتها..

اللافت في هذا السياق أن النظام يعتمد في تخوين خصومه على ذات الأسس التي يبرئ نفسه من خلالها غير أنه يحول عمالته إلى عمل وطني بحت وفعل بطولي، ومن أجل ذلك فما عليه إلا أن يلعب بالمصطلحات فيحول التبعية والعمالة إلى صداقة، والتعامل مع جهات خارجية إلى تحالف.

كما يميع النظام مفهوم الدولة، ومفهوم الشرعية ولا يطبق على نفسه ذات المعايير التي يطبقها على خصومه، ولا على الدول الأخرى التي تحتاج إلى تحالفات حقيقية بحكم تعرضها للحرب، ففي أوكرانيا يتدخل بوتين دون طلب من الحكومة الشرعية، بل يتدخل بهدف إسقاط الحكومة الشرعية، فتصبح استعانة الحكومة الأوكرانية الشرعية بحلفائها خيانة في عرف النظام، ما يحلله النظام على نفسه يحرمه على غيره، مما يجعله منفلتاً من أي معيار منطقي أو أخلاقي أو وطني أو إنساني..

كل ما تفعله الآلة الإعلامية لنظام الأسد يدل على أن الأخير لا يخاف إلا من السوريين، فالأسد ونظامه يقدمان كل التنازلات للقوى المحلية والإقليمية والدولية، وللميليشيات الأجنبية، ولكنهما لا يقدمان تنازلاً واحداً لسوريا وشعبها وإن تطلب ذلك حرق سوريا بما فيها ومن فيها.

كل من يعمل لصالح أجندة دولة أخرى هو بالتأكيد عميل ومرتزق، وبهذا المقياس يبدو النظام الأكثر عمالة وارتزاقاً وإجراماً من بين كل الميليشيات المنتشرة على الأرض السورية، وخطابه الإعلامي يدينه أولاً ويعد بمنزلة الاعتراف غير المقصود بتلك العمالة التي لا يمكن إنكاره

—————————-

التقارب بين روسيا وإيران مستمر في النمو/ آنا بورشفسكايا

نظراً إلى القدرة المثبَتة لروسيا وإيران على عرقلة الأولويات الغربية بشكلٍ مشتركٍ في الشرق الأوسط، يجب معاملة كلا البلدين كجزءٍ من المجموعة الاستراتيجية نفسها.

شكلت زيارة فلاديمير بوتين لـ طهران في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر رحلته الأولى خارج الحدود السابقة للاتحاد السوفيتي السابق منذ أن غزت قواته العسكرية أوكرانيا. ويعكس خيار الرئيس الروسي الأهمية التي يوليها لتحسين العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.

والتقى بوتين خلال زيارته بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، وكذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقام بوتين بهذه الزيارة للمشاركة في قمة طهران في سياق “عملية أستانا” لعام 2017. وقد تأسس هذا المنتدى بين تركيا وروسيا وإيران في عاصمة كازاخستان عام 2017، وشكّل بالنسبة إلى موسكو بديلاً عن مؤتمر جنيف للسلام بشأن سوريا. ومنطقياً، تصدّرت سوريا – وبشكل أكثر تحديداً موافقة روسيا وإيران على توغل تركي آخر في شمال غرب البلاد – جدول أعمال القادة.

أكثر من رسالة إلى الغرب

في الوقت الحالي، جرى تفادي الغزو التركي. وبالنسبة لبوتين، كان للقمة نتيجة أخرى مهمة بشكلٍ خاصٍ وهي دعْم خامنئي العلني للحرب في أوكرانيا. فقد ردد المرشد الأعلى الإيراني رواية بوتين بشكل شبه حرفي قائلاً: “لو لم تكن قد اتخذْتَ المبادرة بنفسك، لكان طرفٌ آخر قد أخذ زمام المبادرة وتسبب باندلاع الحرب”. وأضاف: “حلف الـ”ناتو” هو كيان خطير”.

وأظهرت القمة أن العلاقة الوثيقة مع إيران ستكون الآن أكثر أهمية بالنسبة لموسكو. ويشكل هذا التقارب الخطوة التالية الطبيعية، وليس فقط بسبب عزلة روسيا عن الغرب. وفي الواقع، شهدت العلاقة الثنائية نمواً متواصلاً قبل أن توصلها الحرب في سوريا إلى ذروة غير مسبوقة.

وإذاً، لم تتعلق رحلة بوتين حصراً بتوجيه رسالة إلى الغرب مفادها أنه ليس وحيداً. فروسيا وإيران تستعدان لتطوير علاقاتهما السياسية والاقتصادية. وفي وقتٍ سابق، أوضحَ كبار المسؤولين الروس أن القمح في البلاد متاح للدول الصديقة، ومن المحتمل أن تكون روسيا مستعدة لتزويد إيران بالمزيد من القمح. وواصلت الدولتان أيضاً مناقشة سبل التحايل على العقوبات من خلال إنشاء ممر نقل بري بحري بين الشمال والجنوب، يربط روسيا بالخليج العربي، والذي من شأنه أن ينقل البضائع الروسية إلى الهند.

وبعد القمة، صدّق بوتين أيضاً على بروتوكول للتجارة الحرة بين إيران و”الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” – أي البديل الخاص ببوتين عن “الاتحاد الأوروبي” – وبالتالي اتخذ خطوة أخرى نحو إنشاء منطقة تجارة حرة بين روسيا وإيران. ونوقِش هذا الاحتمال للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأخيراً، أفادت بعض التقارير عن توقيع صفقة نفط وغاز بين إيران وشركة “غازبروم” التي تملكها الدولة الروسية، ولكن التفاصيل ما زالت غامضة. وفي حين زعمت بعض التقارير أن القيمة المحتملة لهذه الصفقة تبلغ 40 مليار دولار، إلّا أن شركة “غازبروم” لم تعلن بنفسها عن رقم محدد.

مجموعة استراتيجية

سيكون المعلِّقون محقين في الإشارة إلى أن الخطاب الرسمي الروسي والإيراني بشأن الصفقات الاقتصادية مبالَغ فيه، ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يمكن أن تساعد روسيا وإيران اقتصاد بعضهما البعض. ولكن الأمر خارج عن الموضوع إلى حدٍ ما.

ولن تنفصل روسيا عن إيران – سواء في سوريا أو في أي مكانٍ آخر. ومن جهته، سيستمر بوتين في الاعتماد على الانقسام الطويل الأمد في الغرب، الذي لم يعرف قادته حرباً على الأراضي الأوروبية بالحجم والضخامة التي تشهدها أوكرانيا اليوم. وما كان ينبغي لأحد أن يتفاجأ من مهاجمة القوات الروسية لميناء أوديسا بعد يومٍ واحدٍ فقط من توقيع موسكو اتفاقاً كان من المفترض أن يرفع الحصار الروسي على البحر الأسود ويخفف من أزمة الغذاء في العالم. فهكذا تخوض روسيا الحرب.

وفي غضون ذلك، يتقدّم برنامج طهران النووي بسرعة، وفقاً لرئيس “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” رافائيل غروسي. ويقول كمال خرازي، مستشار خامنئي في السياسة الخارجية، إن إيران أصبحت الآن بلداً بلغَ العتبة النووية. ويواصل القادة الغربيون طوال الوقت الاعتماد على روسيا في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من غزو بوتين لأوكرانيا.

وحين يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يؤدي التغاضي عن روسيا وإيران باعتبارهما جهتين فاعلتين ضعيفتين إلى السماح للبلدين باتخاذ مبادرة استراتيجية في بعض الأماكن مثل سوريا. ومعاً، لا يزال بإمكانهما عرقلة المصالح الغربية وتهديد الأمن الإقليمي. وتشكل روسيا وإيران، أكثر من السابق، جزأين لا يتجزآن من المجموعة الاستراتيجية نفسها.

Anna Borshchevskaya

آنا بورشفسكايا هي زميلة “آيرا وينر” في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط.

آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في “برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر” حول “منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط”، ومؤلفة الكتاب “حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أمريكا”..

وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع “ناينتين فورتي فايف” (19FortyFive).

——————————-

تحديات ما بعد قمة طهران/ فراس رضوان أوغلو

كل يغني على ليلاه، هذا ما أفرزته قمة طهران الروسية التركية الإيرانية نعم هناك بيان ختامي مشترك لكن لا جديد فيه، نعم هناك استمرار لاتفاق أستانا لكن لا جديد فيه، فكل من طهران وأنقرة تسعيان لجذب وكسب روسيا نحوها أكثر فأكثر للاستفادة من الوضع الإقليمي الجديد بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ومن الواضح أن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو سياسة التكتلات السياسية والاقتصادية فالرئيس الأميركي يلتقي بحلفائه في جدة وبوتين يفعل نفس الشيء في طهران وتبقى تركيا بيضة القبان في المنطقة.

تركيا المنتشية بنجاحها في إقناع الطرفين الروسي والأوكراني بتوقيع اتفاقية وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية وبوادر حل لمعضلة كانت تؤرق المجتمع الدولي تصطدم مع العراق بما سمي قضية قصف منتجع دهوك في الشمال العراقي، وبغض النظر عن التحليلات التي قيلت عن هذا العمل ومن كان وراءه وغايته وأهدافه إلا أن على تركيا التعامل معه بشكل جدي وباهتمام بالغ، وعليها أن تنجح في هذا الملف كما نجحت في ملف الحبوب لتثبت للمجتمع الدولي قوتها وقدرتها وثقلها السياسي على حل مشاكلها بشكل عام في منطقة لا تخلو من تطورات يومية سلبية أم إيجابية، أما فيما يخص الشمال السوري وتحديداً بعد إعلان تركيا التريث عن العملية العسكرية التي كانت تعتزم القيام بها فعليها إثبات أن التوقف جاء لتوافقات مع الأصدقاء وأن هناك مكاسب سياسة أو ميدانية ستحصل عليها لاحقاً وإلا فإن هذا التوقف جاء نتيجة ضغوطات لم تقدر عليها أنقرة وهذا يعني تقدماً ملحوظاً لصالح طهران الرافضة للعملية، وهذا التراجع سينعكس على الداخل التركي المقبل على انتخابات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها حرجة وصعبة وهامة للغاية.

لا شك أن قمة طهران تعتبر رداً بروتوكولياً لروسيا على قمة جدة وتأتي ضمن استراتيجية روسيا وهي التحول نحو الشرق بعد العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا، ولذلك سعى الرئيس بوتين لإظهار أن روسيا ما زال لديها حلفاء وأصدقاء أقوياء ويأتي تأكيد بوتين بالشكر لتركيا على جهودها في حل مشكلة الحبوب العالقة عند الشواطئ الأوكرانية وحتى الحبوب الروسية، ليظهر للعالم أن ادعاءات الغرب على أن روسيا تستخدم الحبوب كسلاح للضغط على المجتمع الدولي ما هو إلا ادعاء غير صحيح، وأيضاً لتثبت لهم أنه ليس جميع أعضاء الناتو متفقين في مسألة العقوبات على روسيا أو اعتبار روسيا نفسها عدواً للناتو، وتركيا أكبر دليل على ذلك، وعلى صعيد آخر تريد روسيا إثبات أنها ما زالت على سياسة دعمها لحلفائها في مجالات عدة وهذا طبعاً يقصد به إيران التي تتشابه بكثير من الأمور مع روسيا، فكلاهما أصبحا عدواً للغرب وكلاهما تحت العقوبات الغربية وكلاهما منافسان غير مرغوب بهما للولايات المتحدة الأميركية لملء أي فراغ في منطقة الشرق الأوسط، وأما على صعيد الملف السوري فتؤكد روسيا على وحدة موقفها مع إيران في رفض العملية العسكرية التي تعتزم تركيا القيام بها ضد قسد في الشمال السوري وتفضل الحل السياسي عبر الأصدقاء، وهذا الحل لا بد أن يمر عبر دمشق الممثل المعترف به في الأمم المتحدة للدولة السورية ومجرد زيارة بوتين لطهران يظهر للغرب على أنه زعيم الشرق وأنه قادر على تشكيل تكتلات سياسة وحتى اقتصادية وفق الحاجة للرد على الغرب وخاصة أن بلاده تمتلك مفتاح الطاقة الذي يعد مصدر قوة إضافة للقوة النووية الهائلة التي تمتلكها.

إيران التي استبقت القمة بإعلان الشركة الوطنية الإيرانية للنفط توقيع وثيقة تفاهم قيمتها 40 مليار دولار مع شركة غازبروم الحكومية الروسية بعيد وصول الرئيس بوتين إلى طهران يعطي انطباعاً على أن طهران لم تعد تفكر في الاتفاق مع شركات الغرب، وأنها حسمت أمرها نحو روسيا ولعل هذا الاتفاق نوع من التراضي بين روسيا وإيران بعد بيع موسكو النفط بأسعار مخفضة لكل من الصين والهند والذي أثر سلبا على مبيعات إيران لتلك الدولتين، وأيضا نجحت روسيا بأن تضع يدها على مصدر طاقة يعد الأكبر بعد المخزون الروسي وبهذا نجحت روسيا بإبعاد الغرب عن تلك الحقول في الوقت الحالي ونجحت إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية والغربية وإنشاء تكتل طاقي اقتصادي مع روسيا.

ويمكننا اعتبار قمة طهران بأنها أوضحت الرؤية الاستراتيجية الخاصة لكل دولة من الدول الثلاث المشاركة، وأنه رغم تباين الأهداف والأولويات بين تلك الدول إلا أنها نجحت في إصدار بيان ختامي مشترك، ولكن لا يمكن اعتبار أن القمة كانت ناجحة تماماً فالاختلاف ما زال قائماً في ملفات عدة بين دول القمة الثلاث، فتركيا ورغم إعطائها فرصة للأصدقاء من أجل إيجاد حل سياسي بدلاً من العملية العسكرية في سوريا إلا أنها لم توقف الاستعدادت العسكرية لتلك العملية، وأنها لن تنتظر أو تأخذ إذناً من أحد على حسب تعبير وزير الخارجية التركي، وحتى الرؤية السياسية للحل في سوريا فتركيا ترى وفق البيان الختامي ضرورة إنهاء الأزمة السورية وفق حلول مستدامة ووضع آلية عمل لصوغ دستور جديد للدولة السورية وأن على المعارضة والنظام الجلوس وبدء الحوار من أجل ذلك بينما ترى روسيا ضرورة محاربة أي تحرك انفصالي من أي جهة كانت وضرورة عودة جميع المناطق إلى سيادة سوريا وهذا ما تتفق فيه مع إيران التي تريد إعادة تموقعها في المنطقة مع الشريك الروسي.

تلفزيون سوريا

————————

رهان على مهمة مستحيلة: تغيير السلوك الإيراني/ رفيق خوري

 الغرب الذي يواجه روسيا في أوكرانيا يبدو خائفاً من مواجهة طهران بالقوة وعاجزاً عن الدبلوماسية

الغرب الذي أعادته الحرب الروسية إلى سياسة القوة مصاب في التعامل مع إيران بمرض لا شفاء منه: إدمان الضعف وتصنع السذاجة. يقول له رفاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن طهران جعلت الوكالة “عمياء” حول تطورات مشروعها النووي، ويعلن كبير مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي ورئيس المجلس الاستراتيجي للسياسة الخارجية كمال خرازي أن “طهران قادرة فنياً على صنع قنبلة نووية، لكنها لم تتخذ قراراً بعد لتنفيذ ذلك”، ويؤكد الخبير الاستراتيجي محمد جواد لاريجاني أنه “إذا قررت إيران صنع سلاح نووي فلا أحد يستطيع وقفها”، ويفاخر قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي بأن بلاده ستكون في المستقبل القريب بين “القوى العالمية”.

لكن واشنطن وباريس ولندن وبرلين لا تزال تراهن على إحياء الاتفاق النووي لمنع إيران من صنع القنبلة، ولا تزال تأخذ بكلام الملالي على “فتوى” من خامنئي تحرم حيازة سلاح نووي. وهي “فتوى” تحدث عنها الرئيس السابق حسن روحاني اقتباساً من خطاب للمرشد الأعلى، لا من نص فتوى، فضلاً عن أن أية فتوى تنسخها فتوى أخرى. فالقنبلة أمر واقع، وأوهام الحيلولة دونها عبر تلبية ما تطلبه طهران ينطبق عليها المثل الروسي القائل: “فات الوقت على تمني الصحة الجيدة لشخص وأنت تسير في جنازته”.

لا بل إن عواصم الغرب وبعض العواصم بالشرق الأوسط مستمرة في الرهان على “اعتدال” إيران، ومطالبتها بـ”تغيير السلوك والحد من النفوذ الإقليمي والتخلي عن البرنامج الصاروخي الباليستي”.

وهذه مهمة مستحيلة حتى في أية صفقة معروضة على طهران، فالعداء لأميركا من “أسس الثورة الإسلامية” حسب الإمام الخميني، و”نشر الثورة” في المنطقة هو مهمة الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري بالذات حسب دستور الخميني. وقوة إيران ليست فقط بالأسلحة والحرس الثوري والجيش، بل أيضاً بالنفوذ في المنطقة. وما يسميه الغرب والعرب “السلوك المزعزع للاستقرار بالمنطقة” هو أعلى المراحل في صنع السياسة الإيرانية، فماذا تفعل جمهورية الملالي إذا تخلت عن دورها في العمل بكل الوسائل لإخراج القوات الأميركية من “غرب آسيا” وعن نفوذها الإقليمي؟ وكيف تغير سلوكها المزعزع للاستقرار من دون أن تخسر دورها؟ وكيف ترمي ورقة فلسطين والعداء لإسرائيل من يدها وهي الورقة الثمينة التي أدخلت دولة شيعية فارسية إلى قلب العالم العربي السني؟

يقول الخبير الأميركي من أصل إيراني كريم سادجادبور في مقال نشرته “فورين أفيرز” إن مشكلة إيران اليوم هي أن “عليها أن تنفتح بحذر، لكن الانفتاح يمكن أن يدمرها”. وهي في رأيه تحاول “إقامة إمبريالية عبر إنشاء ميليشيات تحت عنوان مقاومة الإمبريالية”، لكنه يتحدث عن “نصر إيران الفارغ، والثمن الكبير للهيمنة الإقليمية”.

ويروي ما قاله نوري المالكي حين كان رئيساً للوزراء في العراق لسفير أميركي: “أنت لا تعرف كيف يمكن أن يكون الأمر سيئاً إلى أن تكون عربياً مضطراً للعيش مع الفرس”. ويعتقد “أن قوة إيران التي تبدو صاعدة في المنطقة ستبرهن على أنها سريعة النزول”، لماذا؟ لأن “استراتيجية إيران العظمى ستهزم، لا بواسطة أميركا وإسرائيل، بل بواسطة الشعب الإيراني الذي دفع الثمن الكبير من أجلها”.

المفارقة أن خامنئي الذي يتصور أن إيران تقود العالم في مواجهة أميركا، ولها “اليد العليا في المنطقة”، لا يملك حلاً لأخطر أزمة اقتصادية واجتماعية في الداخل، ولا يجد علاجاً سوى قمع المتظاهرين على الرغم من الاعتراف بأنهم “أصحاب حق”. والمفارقة الأكبر أن الغرب الذي يواجه روسيا في أوكرانيا يبدو خائفاً من مواجهة إيران بالقوة وعاجزاً عن المواجهة حتى بالدبلوماسية.

اندبندنت عربية

————————-

هل حضر دور إسرائيل في سورية أمام «قمة طهران»؟

كشفت جهات ناشطة في مجال الأمن القومي في إسرائيل عن أن لقاء قمة طهران؛ الذي جمع مصالح مشتركة عديدة، أظهر وجود خلافات أيضاً بين الأطراف الثلاثة المشاركة فيه، فضلاً عن التناقضات الكثيرة في المصالح، مع رفض للحملة التركية المزمعة شمال سوريا وتجاهل للوجود الإسرائيلي من خلال الضربات العسكرية.

جاء هذا التقدير خلال حلقة نقاشية في «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب، بمشاركة عدد من الدبلوماسيين والجنرالات السابقين والخبراء، الذين نقلوا عن مسؤولين إسرائيليين وأجانب بعض التفاصيل عن مجريات تلك القمة والتي بينت مدى الخلافات والتناقضات بين الأطراف الثلاثة.

في السياق السوري؛ رأى الإسرائيليون أن «القمة الثلاثية في طهران شهدت اهتماماً إيرانياً روسياً بثني تركيا عن نيتها إطلاق عملية جديدة في شمال سوريا. فالسيطرة الكردية (للفرع السوري من حزب العمال الكردستاني) هناك، تشكل تهديداً أمنياً لأنقرة». وقالوا إن «إيران تخشى من أن تؤدي عملية عسكرية تركية أخرى إلى تقويض سيطرة الرئيس الأسد في سوريا وتوسيع الوجود العسكري التركي في منطقة مدينة (تل رفعت) شمال محافظة حلب، بجوار بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين تعدّان منطقة نفوذ لإيران والميليشيات التي تدعمها».

وأكد المشاركون أن خامنئي حذر خلال لقائه مع إردوغان بأن «أي عملية عسكرية في شمال سوريا ستضر حتماً بتركيا وسوريا والمنطقة بأسرها، وستفيد الإرهابيين». ويبدو من تصريحات الطرفين أن إيران وروسيا لم تتمكنا من إقناع الرئيس إردوغان بالتراجع عن نيته الشروع في عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا.

وأشاروا إلى خلافات في الرأي حول الساحة السورية بين إيران وروسيا، في سياق استمرار النشاط الإسرائيلي في سوريا. ولفتوا إلى أنه في الملخص الرسمي للاجتماع الثلاثي، الذي نشره الكرملين، لم يرد ذكر إسرائيل أو الهجمات الإسرائيلية في سوريا، رغم أن القضية أثيرت في المحادثات من قبل إيران التي طالبت بوقف العمليات الإسرائيلية. ورغم الخلاف بين الدول الثلاث، فإنه يبدو أنها تعترف بضرورة التوصل إلى نوع من الاتفاق من أجل الحفاظ على مصالحها في سوريا.

وقال التقرير إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وجدوا في لقائهم فرصة لمواجهة العقوبات الغربية التي يخضعون لها بدرجات متفاوتة، لإظهار الشراكة بينهم. لكن من المشكوك فيه أن يستطيعوا تشكيل محور متماسك مناهض للغرب، يمكنه التعامل بنجاح مع التحديات التي تواجههم على الساحات الداخلية والإقليمية والدولية.

ومما جاء في التقرير أن الخلافات تجلت أكثر في اللقاءات الثنائية التي جرت بين الرؤساء الثلاثة، ومع المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي. وورد فيه أن اللقاء الثنائي بين بوتين وخامنئي رأيا فيه فرصة لتوسيع التعاون بين روسيا وإيران ضمن استراتيجية «التوجه إلى الشرق»، التي تبنتها القيادة الإيرانية في السنوات الأخيرة في ظل عزلة طهران المتزايدة. وفي الأشهر الأخيرة، أجرى البلدان سلسلة من المشاورات بشأن إمكانية التعاون في مواجهة العقوبات الغربية، بناءً على تجربة إيران في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية. وتم التوقيع على اتفاق بين شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة النفط الحكومية الروسية «غازبروم»، بقيمة نحو 40 مليار دولار لصالح الاستثمار المشترك في مشروعات النفط والغاز.

وقال المسؤولون الإسرائيليون إنه «من المشكوك فيه للغاية ما إذا كانت لدى روسيا القدرة على استثمار مثل هذه المبالغ الكبيرة في تطوير حقول النفط والغاز في إيران في الوقت الحاضر. وعلاوة على ذلك، لا يزال البلدان متنافسين أكثر من أنهما شريكان في مجالات الطاقة. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، تعرض حجم صادرات النفط الخام الإيراني إلى الصين لضربة شديدة بسبب بيع النفط الروسي للصين بسعر مخفض».

ورأى التقرير أن «الأزمة في أوكرانيا توفر فرصة لإيران لتعميق التعاون العسكري مع موسكو، ويبدو أن الجوانب العسكرية تمت مناقشتها أيضاً خلال الزيارة، حيث كان أحد أعضاء الوفد الروسي المرافق لبوتين هو رئيس جهاز المخابرات الرئيسي في الجيش الروسي. وخلال الزيارة، تم تبادل مسودة اتفاقية للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، تتضمن بنداً حول التعاون العسكري – الفني. ويفترض أن تحل هذه الاتفاقية محل الاتفاقية السابقة بينهما، والتي تم توقيعها لأول مرة عام 2001، وتم تمديدها مرات عدة لحين انتهاء مفعولها في عام 2020، وإلى ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، قيدت روسيا التعاون العسكري بينها وبين إيران خوفاً من رد الفعل الغربي». غير أن هذا القيد لم يعد قائماً، «وقد تقترح روسيا على إيران تقنيات عسكرية متطورة لم يتم توفيرها لها حتى الآن».

وقال التقرير: «تملك طهران مصلحة واضحة في تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الكرملين، ويأتي ذلك، جزئياً، في رد على الأفكار المطروحة لإنشاء نظام دفاع إقليمي في الشرق الأوسط بقيادة واشنطن. ويثير هذا الاحتمال قلقاً كبيراً في طهران، لا سيما في ظل استمرار الجمود في المحادثات النووية والخوف من مزيد من التصعيد بينها وبين الغرب». من جهتها، ترى روسيا أن هذا النوع من الأنظمة الدفاعية بقيادة واشنطن يشكل تهديداً لمصالحها الإقليمية.

وفي هذا السياق، «لا تزال أنقرة تقف على الحياد، وفي حين أن عملية التطبيع في المنطقة مع إسرائيل تقربها من المحور الذي تقوده واشنطن، فإن الخلافات العميقة مع هذه الجهات ومع الجهات الفاعلة الأخرى، تجعلها أقرب إلى روسيا وإيران».

وأشار التقرير الإسرائيلي إلى أن «زيارة بوتين جرت على خلفية تقارير في الولايات المتحدة، تفيد بأن إيران تعتزم تزويد روسيا بمئات الطائرات المُسيرة لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا. ولكن، من المشكوك فيه ما إذا كانت لدى إيران القدرة على إنتاج مئات الطائرات المُسيرة المتقدمة خلال وقت قصير، وبالتالي، حتى لو اشترت روسيا الطائرات المُسيرة من إيران، فلن يكون حجمها كبيراً».

الشرق الأوسط

———————-

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى