صفحات الثقافة

كيف نفك شيفرة خطاب الشمولية أو الفاشية؟/ ألبين واجنر

ترجمة: عبدالله الحيمر

عندما أعلن الرئيس الروسي بوتين يوم الخميس 24 فبراير/شباط 2022، عند الفجر أنه يريد «حماية الناس ضحايا الإبادة الجماعية من جانب كييف» و»تحقيق نزع النازية من أوكرانيا» يكرر فكرة مهيمنة معروفة منذ عام 2014. ومن المفارقات هنا، أن إدانة «النازية» ترقى إلى استخدام الخطاب الثنائي ـ «النازيون الجدد الأوكرانيون» الذين يمثلون الشر المطلق، والطفيليات اللذين يجب القضاء عليهما. لكن هذه الحرب ليست مجرد حرب كلامية، بل هي أيضا حرب صور ينوي الأوكرانيون الفوز بها. وهكذا أخذت الرواية الرسمية للدولة الأوكرانية هذا الكاريكاتير (انظر الصورة) كرد على البيان الروسي.

في ارتباط ضمني مع هذا السياق، هل من الممكن وضع قائمة من العناصر المميزة للفكر والخطاب الشمولي؟ ما هي السمات ذات الصلة والمميزة للفاشية؟ حاول العديد من المفكرين الإجابة على هذا السؤال. وهكذا درس اللغوي فيكتور كليمبير عن كثب، لغة الرايخ الثالث، واقترح الكاتب جورج أورويل المفهوم الخصب لـ»اللغة الجديدة» وأخيرا المفكر أومبرتو إيكو، في عمله الذي يعرف بالفاشية، عن أهدافها وخصائصها. هذه العناصر تسمح لنا بوضع عدة نقاط. من ناحية، يظهر أن التفكير الشمولي يعرّف من حيث المبدأ على أنه استبعاد لتنوع وتعدد الأفكار. وفقا للمجلس الوطني للمقاومة، فإن صفة «الشمولية» تنطبق على المجال السياسي على النحو الذي يعمل عليه: «أسلوب الحزب الواحد الذي يحظر أي معارضة منظمة أو شخصية، والاستيلاء على جميع السلطات، ومصادرة جميع أنشطة المجتمع، وإخضاع جميع الأنشطة الفردية لسلطة الدولة». أكثر بمهارة، وبشكل أكثر دقة، فإن الفلسفة الأساسية هي التي «تلتقط أو تحاول التقاط جميع عناصر الظاهرة، التي تشمل أو تحاول أن تشمل جميع عناصر الكل». هناك بالفعل توافق دلالي بين التمثيل السياسي الذي لدينا للشمولية وجذر الكلمة التي تشير إلى التفكير الكلي/ الشمولي» مع استبعاد تنوع الفكر كمبدأ.

دور الشخصية

في محاضرته الأخيرة، يقدم الطبيب بوريس سيرولنيك أحد أهم الباحثين الفرنسيين في المجال «العصبي – النفسي» قراءة لمقاومة «الدوكسا» الشمولية. ووفقا له، فإن التفكير الكسول والببغائي (تغريد الببغاء وتكراره) لذيذان ومطمئنان، وهما يجلبان فوائد عاطفية. على العكس من ذلك، فإن عمل تطوير التفكير النقدي له آثار أقل بهجة، ولا يوقظ شعورنا بالانتماء. لهذا السبب هناك وجود انحراف سيميولوجي حقيقي تحبه الأنظمة الشمولية: إيماءات التعرف المحددة (إيماءات التحية، على وجه الخصوص) وقواعد اللباس المحددة (الزي الرسمي/ أو الرموز) واللغة المنسقة (التشوهات النحوية والدلالية التي تلوث اللغة المنطوقة): وبالتالي، سيتم استخدام أشكال الأسلوب والاستعارات بتردد أعلى، على وجه الخصوص من أجل فصل العالم إلى قطبين، وهما «نحن « ضد» الآخرين». عملت الفكرة إلى حد كبير من قبل محلل الخطاب روث وداك. هذا هو السبب أيضا في أن خطابات اليمين المتطرف يمكن أن تبدو مطمئنة للغاية.

ما هي العلاقة بين الفاشية والشمولية؟

يذكرنا أومبرتو إيكو بأن كلمة «الفاشية» (شمولية غامضة، ومجموعة من الأفكار الفلسفية والسياسية المختلفة، ومكان يضج بالتناقضات).هي عبارة عن شكل من أشكال الكلام يتكون من إعطاء كلمة أو تعبير معنى أوسع، أو أكثر تقييدا من معناه الخاص ـ لكن أيضا توفيقية: إنها أيديولوجية متجانسة أقل من مجموعة الأفكار السياسية والفلسفية المتناقضة في بعض الأحيان، لذلك فإن مصطلح الفاشية «غامض» (المصطلح الإنكليزي المستخدم من قبل السيميولوجيين) أي دون مخطط واضح أو دقيق. في الواقع، يتم تنظيم اللغة الشمولية شيئا فشيئا، في ما يسمى بفترة ما قبل الفاشية (التي نمر بها في الوقت الحالي، علاوة على ذلك، كما تشير المؤرخة لوديفين بانتيني) التي تربط ممارسة السلطة السياسية والتصرفات اللغوية من أجل تنفيذ استراتيجيات الإقناع والإغراء لمتلقي الخطب، التي تردد بشكل خاص أعمال برادفورد فيفيان، لكن لكي تعمل هذه المجموعة، فإنها تتطلب أيضا تجسيدا للخطاب من قبل شخصية القائد الكاريزمي.

عبادة كاريزما الزعيم

وهكذا أطلق على بينيتو موسوليني لقب «رجل العناية الإلهية» بالإضافة إلى DUCE ، والتي يمكن ترجمتها إلى «الزعيم ». كان لقب هتلر مكافئا تقريبا: «Mein Führer» يمكن ترجمته إلى « تحيا قائدي». كان ستالين «الرجل الحديدي» و «الأب الصغير للشعب». في الآونة الأخيرة، أصبح الرئيس البرازيلي بولسونارو ينادى «يا ميتو» ولا يزال أردوغان «الريس» (الرئيس). وراء هذه الألقاب تكمن الرغبة في أن يصبح مترجما لرغبات وطموحات «الشعب الحقيقي» كفكرة نحلم بها مجتمعين، لكن يمكن، بحكم التعريف، أن نكون متنوعين فقط.

مفهوم الفاشية عند أومبرتو إيكو

في مقالة بعنوان «Ur-Fascism» من عام 1955، يبيّن الأكاديمي والكاتب الإيطالي أومبرتو إيكو، أن من الممكن ملاحظة الاختلاف في استخدام كلمة «فاشية» في الفرق بين وصف الألمان والإيطاليين لها. وفيها يعرض 14 ملمحاً أساسياً للفاشية، فالشعب، بوصفه كيانا وطنيا، مجرد وهم خيال ؛ هذا ما تذكره أعمال آن ماري ثيس الباحثة والمؤرخة الأدبية الفرنسية المتخصصة في التاريخ الثقافي لأوروبا المعاصرة بشكل ملحوظ. الزعيم الشمولي، سواء كان أقصى اليمين أو أقصى اليسار، يضع نفسه على أنه الوحيد القادر على معرفة ما يزعج الطبقة «البروليتارية» أو «الشعبية» أي الشخص الذي كان ينبغي أن يحصل على الراحة المادية والاجتماعية التي تتمتع بها البورجوازية الصغيرة، لكن حركته التصاعدية كانت مقيدة وتباطأت، أو حتى توقفت بسبب السياق، ما خلق إحباطا حقيقيا. هذا القائد نفسه قادر على تحديد شر المجتمع، لتقديم الإجابة النهائية. لديه الاجوبة لأنه البطل. وفي كثير من الأحيان، تتجسد هذه الاستجابة في شكل «دخيل» يجب القضاء عليه بأكبر قدر ممكن من الفعالية، تحت عقوبة رؤية «العصر الذهبي» لكن يمكن الوصول إليه. غالبا ما يتم تمثيل هؤلاء الدخلاء كمعارضين للتقليدية. في عالم شمولي، لا يمكن أن يكون هناك تقدم في المعرفة: الحقيقة قد ذكرت بالفعل بشكل نهائي. بالطبع، لا يمكن تحدي استراتيجيات طفولة الجماهير في هذه البيئة، حيث يكون صانع القرار قويا للغاية. علاوة على ذلك، يمكن أيضا رؤية رفض الديمقراطية البرلمانية من خلال هذه العدسة.

الخوف من الاختلاف

تذكرنا الصحافية التركية إيس تيملكوران، بواحد من أكثر العناصر المميزة للفكر الشمولي: الموت بسبب اللامبالاة. وهكذا نلاحظ كلمة كثيرا ما تسمع عن معارضي أردوغان: «أنه يرقد في سلام، كان عليه فقط أن لا يعارض أردوغان». وبهذا المعنى، ما زلنا نرى إلى أي مدى توضح اللغة أو تصف أو تعزز الهيكل الاجتماعي الشمولي، من خلال إظهار الحالة. هنا، من خلال أسلوب يضرب به المثل، يتم قطع مسافة معينة، ما يسمح بإظهار الوجود المطلق للموت والعجز في مواجهة النظام – وأيضا أن الموت، بطريقة معينة، يبدو أنه يجلب التحرر الوحيد الممكن، هذا في حد ذاته خطاب مأساوي للغاية. وبالتالي، فإن وفاة الآخرين مبررة وموافق عليها، خاصة أنها لا تشكك في النظام الذي يتم الإعراب عنه فيه.

يتحدد الاخر حول الانتماء إلى المحموعة، باسثناء جميع اولئك الذين ليس لهم نفس التصور المعروف للهوية عند كل من روجرز بروباكر وفريديك كوبر.

الفاشية لها على الأرض خيال مجموعة واحدة، تتجسد في الخطاب، تجمعها المعتقدات، لكن أيضا الخصائص الجسدية المفترضة: الجنس والجندرية والسلوكيات. باختصار: الهوية، سواء كانت طبيعية أو ثقافية، أو وطنية بشكل واضح – لأن هذا هو أحد التخيلات الرئيسية للفاشية. وبالتالي، يتم نقل المرأة إلى صورة الطاعة والخضوع والترهيب والتعيين لدور اجتماعي تقليدي محدد. من وجهة النظر هذه، تتحقق ابنة الرئيس ترامب أو أردوغان من خانات الخضوع المثالي للنظام الأبوي بامتياز. الهوية الدينية هي أيضا نقطة التجمع (والانفصال). بالنسبة لأردوغان، هناك «مسلمون حقيقيون» كما هو الحال بالنسبة للآخرين هناك «مسيحيون حقيقيون». بغض النظر عن الفترة، هناك الأنماط الأساسية نفسها التي تختلف وفقا للثقافات والجغرافيا. إن الإذلال والترهيب والوصم هي محور عملية تحديد الآخرين – مع ما يترتب على ذلك من عنف شديد.

التشوهات اللغوية لإنهاء التفكير النقدي

في عالم شمولي، يصبح كل التفكير النقدي لا يطاق. يتم عيشه على أرض الواقع كخيانة، وكعدوان يجب الدفاع فيه عن أنفسنا والقتال ضده. هذه الظاهرة معقدة لأنها تمس أساس روح الحقيقة. وهكذا تغرق الفاشية في عيب النسبية. على أي حال هي أحد العناصر الرئيسية المكونة لها: بما أن كل شيء يستحق، فلا شيء يستحق. وكما تذكرنا الصحافية التركية إيس تيملكوران، فإن الطفرة التحولية التي مرّ بها الإدراك البشري والتي تجعل من الممكن تفتيت الواقع. قد سار بشكل جيد بحيث أصبحت مسألة الأخلاق خالية من المعنى، بل من الاهتمام. أصبحت الحقائق والحقيقة مملة. وكما يذكرنا به فيلسوف العلوم ‏ والفيزيائي الفرنسي إتيان كلاين بحق في حديثه عن مدح الفروق الدقيقة: «بالنسبة للفروق الدقيقة إنه أمر مزعج بعض الشيء والأشخاص الذين يتحدثون دون الفروق الدقيقة يعطون انطباعا بأنهم على حق».

أهمية الفروق الدقيقة وفقا لإتيان كلاين

بالإضافة إلى ذلك، فإن التشوهات الدلالية والتخفيضات النحوية، تؤدي إلى إفقار اللغة من أجل الحد من التفكير المعقد/ أو من التفكير النقدي بشكل مفرط. إن الاستخدام المبتذل للتعبيرات الملطفة «الأضرار الجانبية» و «الدجاج المستزرع» وما إلى ذلك.. والتناقضات «الكربون الأخضر» و«بيئة الإنتاج».. تحيد من تفكيرنا النقدي. كما لاحظت السيميولوجية إيلودي ميلكزاريك في كتابها :»تهدف هذه الاستراتيجيات إلى تسهيل الخطاب، على وجه الخصوص لتعزيز الإجماع والتأييد، الكلمات نفسها يمكن أن تلوث لغة بأكملها». في الواقع، حذر الكاتب والفيلسوف الألماني فيكتور كليمبرر من ذلك قائلا: «يمكن أن تكون الكلمات مثل جرعات صغيرة من الزرنيخ: نحن نبتلع دون رعاية، ويبدو أنه ليس لها أي تأثير، والآن، بعد مرور بعض الوقت، يتم الشعور بالتأثير السام». هناك مثل هذا الهوس بتوافق الآراء والخوف من الخلاف، بحيث انتهى الأمر بهذا الخلاف إلى خصخصته حرفيا، خاصة من قبل بعض القنوات الإخبارية التي ثبت باستمرار مباشرة.

شبكة الفكر الشمولي

تشير الأمثلة المختارة طواعية إلى الأنظمة الاستبدادية السابقة (النازية، على سبيل المثال) من الواضح أن التفكير الشمولي لا ينحصر جغرافيا في قارات قليلة بعيدة عن قارتنا، أو مؤقتا إلى عصر بعيد عن قارتنا. لقد أظهرت الأشهر الأخيرة كيف يمكن للديمقراطيات أيضا أن تقع بسرعة في شبكة التفكير الشمولي. إن انطباع ما قبل الفاشية الذي وصفته لوديفين بانتيني والسيسيولوجي أوغو بالهيتا، على سبيل المثال، تم توضيحه على نطاق واسع في خطابات دونالد ترامب، أو جاير بولسونارو، أو حتى فلاديمير بوتين، الذي يمكنه الانتقال بسرعة من اللغة إلى الأفعال، كما تظهر لنا الأخبار بشكل مأساوي، في ما يتعلق بأوكرانيا. من وجهة النظر هذه، يبدو اقتباس جيل دولوز عن الفاشية الجديدة مناسبا لنا :

«الفاشية القديمة، الحالية والقوية كما هي في العديد من البلدان، ليست المشكلة الجديدة. يتم إعداد الفاشيات الأخرى لنا. الفاشية الجديدة بأكملها تترسخ، مقارنة بالفاشية القديمة تصبح نوعا من وجوه الفولكلور لا غير».

ترجمة بتصرف عن موقع The Conversation

ألبين واجنر: باحث من جامعة رين الفرنسية/ بمشاركة السيمولوجية إيلودي لاي ميلكزاريك.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى