شعر

الأرضُ هنا مُظلمة وشاقّة/ تاكيس سينوبولوس

■ ■ ■

أرَق

الوقتُ وأنا الآن

في غرفة من أربعة جدران. 

هنا لا مكان لتتركَ ولو ظلّك

الذاكرة والصوت غبارٌ

الكذبة الحيّة هي الحقيقة الميتة

الشفاه الحيّة هي الأقوال الميتة

ما حسبتَه كائناً ولم يكن

ما قد كان رغم ذلك،

مفتاحٌ في الباب

حديقةٌ مضاءة في الخارج

فناءٌ يَتَفَتّت

سيّارة بِأضواء عُلويّة

نافذة

عتمة

الساعة ضائعةٌ ضائعة

الوقت ضائع في معانَقات مُتَخَيَّلة

يجلب الآن إلى الذهن المتجمِّدَ

حواراتٍ أفعالاً مُتَخَيَّلة

أوجاعاً مُتَخَيَّلة

وهماً

واحداً

مؤبَّداً.

ماذا ستربح؟ 

ماذا سنربح إذا أدرنا المفتاح في القفل؟

سمعتُ الأقوال الصامتة وهي تحوك شباكها

سمعتُ القُبل المُتَخَيَّلة

سمعتُ السيّدة ميخائيليذو تنزل

سلالم بيتها درجة درجة 

سمعتُ صفيراً على الأشجار 

سمعتُ لم أسمع رأيتُ لم أرَ

الآن أرحل

مثل حيوان برّيّ جريح في الليل

الليل يستمرّ ولا يُذْعِن

الليل يبتلع جبالاً متراصفة

الليل يتسلّق الحُطام

كلّ الحطامات تغنّي الدم القديم

وكلّها حاضرة الآن وموجودة

لا شيء يُقتل فوراً.

سمعتُ الجار يدقّ المسامير في الكرسيّ

سمعتُ العصفور الذي كان يقفز 

من غصنٍ إلى غصن

لولا ظلّي لَكنتُ ذهبت 

إلى هذا البيت أو ذاك 

لَتسكّعتُ 

في هذه الطريق أو تلك

هذه الأيادي أو تلك

كانت لتلمسني

هذه العيون أو تلك 

كانت لتنظر إليّ

ولَكنتُ استجبتُ للنظرة 

ولَكان قد أتى الفراغ

مرآةً

زجاجاً حيث تتفحّص وجهك

وجهَ الآخر الذي يَعبُر غريباً

الأشياءَ خلفك التي تراها معكوسة 

لَكنتُ انتظرتُ

في هذه الزاوية محدّقاً بالزاوية الأخرى

ثم العكس

بلا ضجيج

بلا تسرّع 

في ساعة كان كلّ شيء فيها ليكون مُغْلَقاً

حيث كان الجميع سيرحلون كي لا يعودوا

حيث كانوا سيرجعون جميعاً 

مصمّمين على أن يرحلوا ثانية

راحلين وعائدين أبداً

مستنيرين الآن بهموم فرديّة

متحرّكين دوماً في الحركة الدائمة 

راسمين دوماً

حدودهم.

لا شيء يُقتَل فوراً

الكرسي يلزم لتجلس

الكأس تلزم لتشرب

والقميص لتلبسه

الزرّ لتُطفئ أو تشعل الضوء

الحبر الورق أو الممحاة

دفتر الحسابات 

دفتر أرقام هواتف الأصدقاء 

كلها تصلح لشيء

يوماً ستصلح لشيء.

قد تنزل إلى المستودَع

لتجد غرضاً

ربما تنزل أكثر

هناك حيث تنزل السيدة ميخائيليذو الآن 

وتستنير رجلاها إلى الركبتَين 

هناك حيث تستنير الحديقة

تلمع الأشجار فجأة 

هناك حيث تُسمَع خطواتٌ جديدة

والخطوات القديمة تَخفُت 

هناك حيث يُسمَع الصوت

ثمّ الصوت الآخر

هناك حيث تضيع قبلات متخيَّلة

هناك حيث الفناءُ يَتَفَتّت

في الساعة الضائعة في الوقت الضائع 

حيث الحاضر ليس حاضراً

حيث ينقلع الماضي

ينتقل بحركات جافية

هناك حيث تدفع أو تقبض

بالعملة القديمة

أو بالعملة الجديدة

لتكرار معاملات تجاريّة عقيمة

حركات عقيمة

في عالم لا يصلح لشيء

هناك حيث ترى نفسك

كميتٍ يحمل تابوته

هناك حيث ترى الآخر

يجمع الضوء من ملابسه 

يتلاشى وحده 

في عالم عقيم

حيث لا شيء يُقتَل فوراً. 

ماذا ستربح؟

ما حسبتَه كائناً ولم يكن

ما قد كان رغم ذلك 

الساعة ضائعة ضائعة

الوقت ضائع في عُقَد متخَيَّلة

في أفعال متخيَّلة

فوق

نافذة مفتوحة

ظلام

المكان خلف النافذة خلف الظلام

المكان الذي تحلم به وأنت تنظر ــ إلامَ تنظر؟

وإذ تنظر تضيع

تغرق تغرق أكثر فأكثر

بينما تُضاء النافذة فجأة

بينما يضيء وجهُك الآن

وتوجَد 

هنا

طاولة

كرسيّ

جامِدان

فطورك

قهوة

أوّل 

الأخبار.

■ ■ ■

ثلاث شجرات تحت الضوء 

الاثنتان لك ولي والثالثة لصديقنا

الغائب. ليست شجرات الربيع. 

لكنّها بالنسبة لك أشجار منعِشة.

بالنسبة لي عارية تماماً في الضوء. أمّا بالنسبة لصديقنا 

فمَن يعرف؟ لعلّها تعود إلى ذاكرته

بصور أخرى. 

ثلاث شجرات عاديّات قد لا

تعني شيئاً. 

قد تشبه أيدينا عندما افترقنا

ورحل صديقنا إلى موطنه البعيد. 

أمّا الآن تحت الضوء 

فالشجرات هي وجوهنا الثلاثة ــ

بالنسبة لي. قد تكون بالنسبة لك شجرات المحبّة. 

وقد تعني لصديقنا شيئاً عن

علاقات الناس.

ثلاث شجرات، ليست شجرات الربيع. أقولها صراحة.

الضوء الموجود اليومَ مباغتٌ جدّاً

كأنّه يأتي من داخل أشياء العالم هذا

لأجلنا نحن الثلاثة فقط. والعقل 

الذي يرى الشجرات عارية هكذا 

يجهد ليعطيها معنى ما. شيئاً، في النهاية، 

مِن هذا أو ذاك ممّا كنّاه.

لكنّني لا أعرف إن كنّا حقّاً موجودين. حتّى أنت

وأنا وصديقنا الغائب. قد تكون إذاً

هذه الشجرات الثلاث بكلّ بساطة ذريعة لقصيدة.

أقصد أن أقول إنّنا بثلاث شجرات في الضوء

نكتب لا شكّ قصيدة.

■ ■ ■

الجسد والعدم

حلمٌ مطويٌّ في الحلم 

النهارُ رمادٌ الليلُ لا شيء

الحجرُ الذي تتعثّر به وتصحو

رويداً رويداً تأخذك خطواتك إلى الجبال

قمر لا مثيل له

يعبر أحاجي الغابات

أَبْهاء الأشجار

نعم وحدةٌ

وجسد

مليء بالسكينة والعدم.

■ ■ ■

المحترق

انظروا، دخل في النار! قال أحد

الحشد. أدرنا أنظارنا بسرعة. كان 

حقّاً ذاك الذي أشاح 

بوجهه حين كلّمناه. والآن 

يحترق. لكنْ لا يصرخ للنجدة.

أُحجم. أفكّر أن أذهب إلى هناك. أن ألمسه

بيدِيْ. فأنا بطبيعتي 

مجبول على الدهشة.

مَن هو هذا الذي يتهالك

بشهامة؟ جسده البشريّ

ألا يؤلمه؟

الأرض هنا مُظلمة. وشاقّة. 

أخاف. نارُ غيرِكَ لا تقلّبها

قالوا لي.

أمّا هو فقد كان يحترق وحده.

وحده تماماً. وبقدر ما كان يختفي

كان وجهه يزداد لمعاناً.

يتحوّل شمساً.

في زمننا كما في أزمنة

سالفة هناك ناس وسط النار وآخرون 

يُصَفِّقون. 

الشاعر ينقسم إلى الاثنين. 

* ترجمة من اليونانية: روني بو سابا

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى