سياسة

الأزمة السورية -تطورات الموقف التركي والتطبيع مع النظام- الاحتمالات، النتائج

يتم تحديث هذا الملف دوريا، أنظر في الأسفل

أردوغان وتجديد الأدوار الإقليمية/ نجيب جورج عوض

كرَّر الرئيس التركي مؤخراً أنه مستعد للتطبيع مع نظام الأسد ولإعادة العلاقات مع دمشق. وقد برر هذا بأنه لا ثوابت في السياسة ولا عداوات دائمة. وقد بدأت منابر النظام التركي المختلفة تمهِّد لعملية التصالح والالتفاف البنيوي وتهيئ الرأيين العامين التركي والعالمي لها. وقد بدأ الطرفان أصلاً باجتماعات متكررة على المستوى الأمني والعسكري لتهيئة بنود اتفاق وتفاهمٍ شامل ينطلق من الجانب العسكري وينتهي بالسياسي. هذا لا شك تغيير سياسي واستراتيجي عميق وستكون له تداعيات تخبرنا كثيراً عما ستؤول إليه التوازنات في المنطقة خلال العام القادم. السؤال هنا: ما الذي دفع النظام التركي لهذا التغيير البنيوي ولماذا في هذا التوقيت؟

علينا أولاً أن ننتبه أن أردوغان يتهيأ لخوض معركة انتخابات رئاسية في ربيع العام القادم. وهو يدخل تلك الانتخابات في ظل ضغوطات شعبية متنامية ضده بسبب سياساته الاقتصادية والمالية المتردية وبسبب عداواته الشاملة مع جميع الدول المحيطة بتركيا في الإقليم وفي شرق البحر الأبيض المتوسط. ولهذا، ورغبةً في تقديم أوراق تجديد دوره أمام صنَّاع القرار وملاَّك الشرق الأوسط، فقد قام بالتصالح مع إسرائيل ومن ثم حاول أن يلعب دوراً توفيقياً ما بين روسيا وأوكرانياً لإرضاء الأوروبي ولتبيان أهمية دور تركيا كنقطة عبور للغذاء والطاقة من أوكرانيا تجاه العالم. كما وجه أنظاره نحو العالم العربي، فتقارب مع الإمارات والسعودية وقرَّر تحجيم دور الإخوان المسلمين وتقييد يدهم. وها هو يمد يده للمصالحة مع مصر، الأمر الذي سيعني تنسيقه معها لتقاسم إدارة الملف الليبي. كل هذا كي يعيد أردوغان تبييض صفحته وتنشيط شعبيته أمام صنَّاع القرار الدوليين ليبقى في سدة السلطة في تركيا للسنوات القليلة القادمة على الأقل.

إنَّ هذه المعطيات الداخلية ما هي إلا النصف الأول من معادلة إرهاصات وتفاصيل المشهد الجيوسياسي العام في المنطقة. النصف الثاني الذي يشرح لنا انعطافة أردوغان تجاه سوريا ومصر لها أيضاً أسباب تعود للمتغيرات الكبيرة التي تمر بها المنطقة مؤخراً. منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، انخرطت روسيا بكل قوتها في وحول التعقيدات الجيوسياسية والأدوار الروسية في البلقان والشرق الأوسط. هناك مؤشرات كثيرة تفيد بأنَّ روسيا تزمع على مغادرة المشهد السوري عسكرياً وربما إدارياً أيضاً. في عام 2015، دخلت روسيا إلى المشهد السوري وأمسكت ملف إدارته لوحدها وبتفويض رسمي أميركي – إسرائيلي وعربي – خليجي وقبول إيراني وتركي.

قام الروسي بإدارة الشأن السوري بشكلٍ مباشرٍ ويومي لدرجة أنَّه جوَّف النظام السوري ونقل كرسي الرئاسة السورية إلى موسكو. كان هذا الدور مطلوباً للجم التأثير والحضور الإيراني الذي بلغ ذروته وقتها في المشهد السوري وعبّر عن نفسه عسكرياً وإثنياً واقتصادياً وسياسياً ولوجستياً وإدارياً بل وديموغرافياً أيضاً. دخلت روسيا المشهد كعامل توازن مهمته ضمان أمن إسرائيل ومصالح حلفاء أميركا في المشهد السوري وإرضاء تركيا بالتفاهم معها على إدارة الشمال السوري، وبإرضاء العرب ودول الخليج من خلال محاولة رعاية الوجود السني والحفاظ على مصالحه وعلى توازن حضوره في المشهد السوري المُتفَرسن والمُتشيِّع بشكلٍ حثيث.

لعب الروسي هذا الدور في سوريا حتى اندلاع الخلاف مع الأميركي حول المصالح الروسية وحدودها في ضوء اقتراب إدارة بايدن (أوباما) الأميركية من الاتفاق مع إيران وإطلاق يدها مجدداً بشكلٍ كلي في العالم العربي وشرق المتوسط. قاد هذا الخلاف وقتها إلى تعليق مفاوضات الاتفاق النووي وأدخل روسيا وأميركا في كباش دموي على الأرض الأوكرانية. بات الروسي غير مستعدٍ أبداً للعب الدور الذي طلب منه أن يلعبه في سوريا منذ عام 2015، فهو لا يعتقد أنه ينال أي مقابل أو مكسبٍ له من هذا الدور.

وعليه، فإنَّ خروج الروسي من المشهد السوري يعني أن هناك حاجة ماسَّة لإيجاد لاعبٍ آخر يتمُّ تفويضه بإدارة ملف ضمان التوازن وقواعد اللعبة. من سيقوم بملء هذا الفراغ؟ من الأفضل أن يكون البديل عربياً طبعاً. عبَّر السعوديون عن عدم رغبتهم بالانخراط في الملفات السورية واللبنانية وسواها في الوقت الحالي مركزين على بناء علاقاتٍ ودورٍ دولي وشبكات علاقات مع حلفاء جدد، مثل الروسي والصيني وشرق آسيا.

لهذا، راحت دولة الإمارات العربية المتحدة تتولى عملية الدخول إلى المشهد السوري من باب الاقتصاد والتنمية ومساعدة سوريا على إعادة الإعمار. ولكن دور الإمارات لا يتجاوز تلك العوامل. هناك حاجة لحضور آخر له تأثير عسكري وأمني إسلامي سني قوي يمكنه أن يوازن الحضور الشيعي الإيراني المتسلل بسرعة إلى بنية سوريا. وأفضل لاعبٍ يمكنه أن يحقق هذا التوازن هو التركي ذو الحضور الإسلامي السني النافذ والمؤثر في المنطقة.

إن قررت مطابخ صناعة القرار التمديد لرئاسة رجب طيب أردوغان وإعادة تأهيل دوره، ستدخل تركيا إلى المشهد السوري بغطاء وضوء أخضر روسي وعربي – خليجي وبدعم إسرائيلي – أميركي. بل إن الإيراني لن يمانع (وإن كان لا يرغب) بوجود التركي، فهو يحافظ على علاقة تواصل لم تنقطع مع تركيا. أما الثمن الذي سيدفعه أردوغان للنظام السوري مقابل هذا، فهو إعادة أراضي الشمال السوري إلى إدارة النظام في دمشق.

وقد بدأ أردوغان هذه العملية بإطلاق قواته العسكرية ضد قوات «قسد» في الشمال السوري كي يدفعها لتسليم إدارة وحماية مناطق وجودها لقوات النظام. وهو سيقوم لاحقاً بتنسيق إعادة إدلب ولواحقها إلى كنف النظام وسيكون ممثلاً للصوت العربي والسني على طاولة إدارة ملف سوريا في المستقبل.

هل يعني هذا أن تركيا قد تنال إذناً بلعب أدوار أخرى في بلدان عربية مجاورة؟ إن نجح التركي في سوريا، فلن تمانع الدول المقررة لمصير المنطقة من أن يلعب دوراً أيضاً في لبنان، خاصة أنَّ السعودية قالتها مراراً إنها غير متفرّغة حالياً في استراتيجيتها الجيوسياسية للخوض في تفاصيل المشهد اللبناني. ستكون تركيا عندها هي المعادل السني للحضور الشيعي الإيراني.

قد يُسر الكثير من السوريين والعرب من خروج روسيا من المشهد السوري ودخول التركي بديلاً عنه إليه. ولكن، في اللعبة الجيوسياسية، علينا أن نراقب لنرى آلية إدارة اللاعب الجديد للملف الذي يديره وطبيعة شبكة العلاقات المتبادلة التي سينسجها في سياق المشهد المذكور.

(*) باحث وأكاديمي سوري معارض، متخصص في الفلسفة والعلوم الإنسانية

——————————-

روسيا تذكر تركيا:قسد مقابل تحرير الشام

في ظل التلويح التركي بعملية عسكرية برية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق سوريا، تخوض روسيا عمليات تفاوضية بهدف وقف العملية، وذلك بالضغط على قسد من أجل تحقيق الشروط التركية، والمتمثلة بشكل أساسي بإبعادها عن الحدود السورية- التركية مسافة 30 كيلومتراً.

تذكير روسي

وعقد قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايك اجتماعاً مع القائد العام لقسد مظلوم عبدي في مطار القامشلي العسكري، عارضاً عليه المطالب التركية وحذره من جدّية التهديدات التركية هذه المرة في حال عدم تحقيقها، إلا أن صحيفة “الوطن” أكدت عدم الوصول لأي نتائج حتى الآن.

تلك الشروط والتي من ضمنها إعادة انتشار النظام مكان قوات قسد المنسحبة في حال حصوله، هي من أساسيات التفاهمات التي تطالب بها تركيا، روسيا بعد اتفاق سوتشي 2018، واتفاق 2019 الثلاثي الروسي-الأميركي- التركي، لكن في المقابل ذكّر المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف الجانب التركي بأن هناك تفاهمات يجب على الأخير تنفيذها.

وقال لافرنتييف لوكالة “تاس” الروسية، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “لا يقول شيئاً عن تنفيذ الاتفاقات الخاصة بإدلب شمال غرب سوريا”، موضحاً أنها إبعاد تحرير الشام وكذلك الفصائل المعارضة المدعوم من تركيا، عن الطريق الدولي “إم4″، وبالتالي مزيداً من قضم المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.

مناورة روسية

ويوضح الكاتب السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو أن إبعاد قسد هذه المسافة مقابل الشريط الحدودي التركي-السوري من خلال الجهود الروسية ليست هي المطلب الأساسي لتركيا، وإنما دخول القوات التركية إلى تلك المناطق وهدم التحصينات والمعسكرات ومخازن الأسلحة التابعة لقسد.

ويقول كاتب أوغلو ل”المدن”، إن “تركيا لن تنطلي عليها الحيل الروسية”، موضحاً أنها تعهدت القيام بذلك في 2019، لكن بعد انتظار 3 سنوات حصل العكس، حيث تمركزت الوحدات الكردية بشكل أكبر ضمن تلك المناطق وهاجمت الداخل التركي، وما تفجير إسطنبول وهجوم مرسين وأيضاً القذائف التي تتساقط على المدن التركية، إلا دليل على عدم جدية موسكو بإخراج فعلي وحقيقي لقسد، وفق تعبيره.

ويصنّف كاتب أوغلو الجهود الروسية بأنها تأتي في إطار المناورة السياسية، مؤكداً أن أنقرة تسعى إلى الحفاظ على ما حقّقته من مكتسبات مع حلفائها، وبالتالي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من البدء بالعملية العسكرية التي قال إنها قريبة جداً.

أنصاف الحلول

لكن الباحث في العلاقات الروسية-التركية بسام البني يرى في المسعى الروسي لتحقيق المطالب التركية وإبعاد قسد، تفهماً روسياً لهواجس تركيا الأمنية في مقابل تفهم تركي لهواجس موسكو الأمنية بوجود تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب على حدود مناطق سيطرة النظام.

ويقول البني ل”المدن”، إن موسكو متمسكة بالاتفاق وإبعاد تحرير الشام عن الطريق الدولي “إم-4” وبالتالي إذا نجحت في إقناع قسد بإبعاد قواتها المسافة المتفق عليها، فإنه يصبح على تركيا لزاماً أن تفي بتعهداتها أيضاً، لأن روسيا لا تقبل بأنصاف الحلول. وفي الوقت نفسه، يرى البني أن تحقيق المطلب التركي مرتبط بالتفاهمات الروسية مع الولايات المتحدة وليس فقط مع قسد، وبالتالي فإن تحقيقه هو أمر معقد وليس سهل الحدوث.

ويتفق الباحث السياسي محمود علوش مع البني، ويوضح ل”المدن”، أن الإشارة الروسية إلى إدلب، مهمة جداً، وتعكس رغبة موسكو بأن يكون أي اتفاق تصل إليه مع قسد، مقترناً مع تحركات تركية من أجل تحجيم دور ونفوذ تحرير الشام في إدلب. لكن علوش يرى أن أنقرة ستواجه صعوبات كبيرة في تحقيق المطلب الروسي، وما سيعقب ذلك من صراع مع الفصائل المعارضة على الأرض.

——————————

نيران متقاطعة للدول الخمس في سوريا/ رياض معسعس

تسيطر دول خمس على سوريا منذ أن قرر رئيس النظام السوري بشار الأسد أن يستعين ببعضها ضد ثورة السوريين الذين حاولوا إسقاط نظامه، بينما تقوم أخرى بحربها في الجهة المعاكسة أي دعم المعارضة ولكن ليس لإسقاط النظام بل لغايات أخرى. وتتشابك المصالح، وتتعقد العلاقات، وتتبدل الارتباطات. وتتعذر على المراقب العادي أن يتتبع الخيوط المتداخلة بعضها ببعض كي يفهم ما الذي يجري على الأرض السورية خاصة وأنها تزداد تعقيدا كلما طال الزمن.

القوى الموجودة في سوريا

في واقع الأمر فإن القوى المتواجدة بشكل فعلي وعملياتي في سوريا هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا كقوتين عالميتين، وتركيا وإيران كقوتين إقليميتين، وإسرائيل كقوة غائبة حاضرة في الأراضي والأجواء السورية. وللتمكن من الفهم لا بد من تفكيك المعضلة إلى العناصر التي تحكم على هذه الدول أن تستمر في حروبها في سوريا، حيث تختلف هوية الأعداء، وتأمين المصالح حسب كل دولة.

إيران والحلم الفارسي

يحدو الإيرانيين حلم قديم في استعادة امبراطورية فارس حيث كانت سوريا الممر الذي لا مفر منه لمحاربة مصر، واليونان أعداء فارس. أو محاربة مملكة تدمر في عهد ملكتها زنوبيا.

وتعتبر إيران أن فارس تمتد من خراسان إلى الشاطئ السوري على البحر المتوسط، ولم يخفها المسؤولون الإيرانيون بأنهم باتوا يسيطرون على خمس دول عربية منها سوريا. لكن حديثا لم تتدخل في سوريا عنوة بل متحالفة مع نظام الأسد الأب الذي وقف إلى جانبها في حربها على العراق، وبطلب من وريثه المهتز على كرسيه بعد أن كاد الثوار السوريون أن يسقطوه عن كرسيه بعد أن اهتز.

وكان بينهما تعاون عسكري وخاصة فيما يخص تمرير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى حزب الله في لبنان عبر سوريا. لكن صرخة الأسد»واخامنئاه» جاءت لنظام الملالي» كما يقول المثل السوري: «شحمة على فطيرة» ليتغلغلوا في الجسد السوري ويتمكنوا من تثبيت أقدامهم في بلد يعتبرونه الأكثر حيوية بالنسبة لهم، فمخططات إيران تسعى من خلالها تمتين «القوس الشيعي» أو «المحور الشيعي» من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق. مع برنامج للتشيع متبع في كل الأمكنة التي تتواجد فيها. وقد قامت خلال السنوات العشر الأخيرة ببناء قواعد عسكرية، وثكنات خاصة لكل ميليشيا جلبتها من أفغانستان، وباكستان، والعراق، وحزب الله اللبناني يتزعمها جميعا فيلق القدس من الحرس الثوري. وتملكت الكثير من العقارات والأراضي وخاصة حول العتبات المقدسة.

إسرائيل وقنبلة إيران النووية

الحرب الإسرائيلية في سوريا تقتصر على ضرب المنشآت الإيرانية، وأماكن تواجد القوافل العسكرية، ومخازن الأسلحة، ضمن مخاوف من وصول المزيد من الأسلحة لحليف إيران الأول في المنطقة: حزب الله.

ورغم أن إسرائيل لعبت دورا كبيرا في الحفاظ على سلامة النظام السوري خلال نصف قرن ونيف، لأنه أفضل نظام سوري لم يقم بأي هجوم على الأراضي المحتلة منذ العام 1973. لكن هذا لم يغفر للنظام السوري إيواء الميليشيات الإيرانية على أرض سوريا، فتقوم دولة الاحتلال بقصف مطاراته وموانئه كما فعلت في مطار دمشق وحلب، ومرفأ اللاذقية عدا عن التوغل العسكري في الأراضي السورية من جهة الجولان المحتل لملاحقة عناصر حزب الله. لكن الهم الأكبر لها هو امتلاك إيران لقنبلة نووية لأنها ستقلب موازين القوى والاستراتيجيا في الشرق الأوسط ككل.

وقد قامت بعدة عمليات داخل العمق الإيراني باغتيالات لأشخاص لهم علاقة بالبرنامج النووي مباشرة هذا من ناحية، وتوظف كل طاقاتها الدولية للحؤول دون توقيع اتفاق نووي مع إيران.

الولايات المتحدة و «داعش»

تقلبت السياسة الأمريكية كثيرا في المسألة السورية، فمع انطلاقة الثورة كان الموقف الأمريكي يدعم الثورة والثائرين وخاصة الجيش الوطني الحر، ودعمته في البداية بالأسلحة لكن سرعان ما تغير موقفها خاصة بعد ما تمكنت جبهة النصرة «تحرير الشام» المصنفة إرهابية من الاستيلاء على الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية.

وبالطبع غير موقفها من النظام السوري، ورغم تهديدها للنظام بعد استخدامه الأسلحة الكيميائية إلا أن إدارة أوباما فضلت عدم إثارة حفيظة إيران حليف النظام السوري لإتمام عملية التوقيع على الاتفاق النووي.

ومع تمدد «داعش» وسيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية، شكلت الولايات المتحدة تحالفا دوليا لمحاربة «داعش»، بالاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، ودخلت بذلك بخلاف شديد مع تركيا التي تصنف «قسد» منظمة إرهابية متحالفة مع حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» وتحاربهما. وتحافظ واشنطن على قوات لها في سوريا لدعم الحكم الذاتي للأكراد من ناحية، ولها عين مراقبة الوجود الروسي وقواعده المنتشرة على الأرض السورية، وعين أخرى على العراق بعد أن سحبت قواتها منه.

تركيا ومشكلة الأكراد

التدخل التركي في سوريا ودعمها للجيش الوطني والمعارضة المتمثلة بالائتلاف الوطني سببه الأساسي هو خشيتها من قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية يكون حزب العمال الكردستاني طرفا فيها مما يهدد أمنها القومي.

وتسعى اليوم إلى تحرير عدة مناطق منها عفرين في عملية غصن الزيتون، وتل أبيض في عملية نبع السلام، وهي تتأهب لعملية جديدة تهدف إلى تحرير منبج والمناطق المحيطة وهذا ما اعترضت عليه الولايات المتحدة، وروسيا، وإيران. لكن تركيا المتضررة الأولى من الوجود الكردي المسلح على حدودها مصرة على بناء شريط عازل على طول الحدود السورية التركية بعمق 30 كم، وضرب القوات الكردية المسلحة وخاصة البي كي كي في سوريا والعراق، وبحثت مع الروس العملية للحصول على الضوء الأخضر الذين اشترطوا التطبيع مع النظام السوري أولا وهذا ما نوه عنه أكثر من مسؤول تركي.

التجهيزات للعملية تبدو وشيكة وخاصة بعد توجيه أصابع الاتهام لقوات سوريا الديمقراطية بأنها وراء تفجير إسطنبول مؤخرا.

روسيا وحلم المياه الدافئة

تبقى روسيا هي الأقوى والأكثر تغلغلا في الأزمة السورية، ولديها مصالح كبيرة في سوريا فهي تمتلك اليوم أكبر القواعد العسكرية والبحرية في حميميم وطرطوس ومستعدة للدفاع عن النظام السوري الذي طلب منها التدخل بعد العام 2015 لحماية نظامه الذي لم تستطع إيران وكل الميليشيات الموالية من الوقوف في وجه المعارضة المسلحة التي كانت تسيطر على مساحات كبيرة من سوريا. فمصالحها الاستراتيجية كبيرة خاصة وجودها في المياه الدافئة على البحر المتوسط الذي كان حلما لكل القياصرة الروس. كما أنها تخشى تمدد الميليشيات الإسلامية المتطرفة كـ»داعش» وسواها لتصل إلى الشيشان وروسيا، خاصة وأن الكثير من المقاتلين الشيشان التحقوا بالميليشيات الاسلامية المتطرفة في سوريا. ضف إلى ذلك فروسيا اليوم تحتاج إلى العمق السوري خاصة بعد غزوها لأوكرانيا في حال تطور الوضع العسكري وتستفيد من عناصر من قوات سورية موالية للقتال إلى جانبها في أوكرانيا.

وتسعى من خلال وجودها في سوريا تجربة أسلحتها الحديثة في المدن والبلدات السورية وحتى مخيمات اللاجئين، وتسيطر اليوم على العملية السياسية في سوريا عبر اجتماعات سوتشي وآستانا لتحييد مسار جنيف ومساعي الأمم المتحدة في إيجاد حل سلمي حسب القرار 2254.

وهكذا يبدو المشهد المتشابك حاليا في سوريا والذي إلى الآن لم يتبين لأحد الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والنظام يقف موقف المتفرج على بلد لا سيادة فيها.

كاتب سوري

——————————–

واشنطن: “نعارض بشدّة” شنّ عملية عسكرية تركية جديدة في سورية

أعلن البنتاغون أنّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أبلغ نظيره التركي خلوصي أكار، بأنّ واشنطن “تعارض بشدّة” شنّ أنقرة عملية عسكرية ضدّ الأكراد في شمال سورية.

وشنّ سلاح الجوّ التركي في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني سلسلة غارات في شمال شرقي سورية استهدفت مواقع لمقاتلين أكراد ينتمون إلى منظمات تصنّفها أنقرة “إرهابية”.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، عزمه على شنّ هجوم برّي ضد الأكراد في شمال سورية “عندما يحين الوقت لذلك”.

والأربعاء، قالت وزارة الدفاع الأميركية في بيان، إنّ أوستن دعا في مكالمة هاتفية أكار “إلى خفض حدّة التصعيد، وأبلغه بأن البنتاغون يعارض بشدّة شنّ عملية عسكرية تركية جديدة في سورية”.

تقارير عربية

مؤشرات لاقتراب الهجوم البري التركي: البداية بتل رفعت

وأضاف البيان أنّ الوزير الأميركي قدّم لنظيره التركي تعازيه في ضحايا التفجير، الذي وقع في إسطنبول في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني وأسفر عن ستة قتلى وأكثر من 80 جريحاً.

من جهته، أبلغ وزير الدفاع التركي خلوصي أكار نظيره الأميركي، بأن “تركيا تقوم بعمليات مكافحة الإرهاب من أجل ضمان أمن شعبها وحدودها، في إطار حقوقها في الدفاع عن النفس الناجمة عن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”، وفقًا لما نقلته وكالة “الأناضول” عن بيان لوزارة الدفاع التركية.

وبحسب البيان، فإن أكار شدد على أن التعاون والتضامن في مكافحة الإرهاب سيسهمان في إحلال السلام والأمن الإقليميين والعالميين. وأكد أن تركيا مستعدة للتعاون في مكافحة “داعش” وجميع التنظيمات الإرهابية الأخرى.

وأشار إلى أن “الهدف الوحيد للعمليات العسكرية التركية هو الإرهابيون، وأن إلحاق الأذى بقوات التحالف أو المدنيين أمر غير وارد على الإطلاق”.

ويبدو أن تل رفعت ستكون الهدف الأول لفصائل المعارضة السورية والجيش التركي لطرد “قسد” منها، في حال فشَل الجهود السياسية التي تُبذل لتفادي العملية العسكرية التي تتوعد بها أنقرة منذ أكثر من أسبوعين، إثر تفجير ضرب إسطنبول، يؤكد الأتراك أن “وحدات حماية الشعب” تقف وراءه مع حزب العمال الكردستاني فيما نفى الطرفان أي علاقة لهما بالهجوم.

ومن المرجح أن يتكرر سيناريو مطلع العام 2018، حين طرد الجيش التركي “الوحدات” الكردية من منطقة عفرين شمال غربي حلب، بعملية “غصن الزيتون”، وسيناريو أواخر 2019 حين سيطر الجانب التركي على بلدتي تل أبيض ورأس العين شرقي نهر الفرات.

وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الجنرال بات رايدر، قد حذّر الثلاثاء من أنّ شنّ أنقرة عملية برية في سورية من شأنه أن “يعرّض للخطر” مكتسبات الحرب ضدّ تنظيم “داعش” في هذا البلد، داعياً الحكومة التركية إلى ضبط النفس.

(فرانس برس، الأناضول، العربي الجديد)

دلالات

——————————-

كأنها نهاية عشر سنوات من تطعيم حربين أهليتين!/ ياسين الحاج صالح

أخذت الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني بتصدير الحرب الأهلية في تركيا إلى سوريا منذ العام الثاني للثورة السورية، 2012. في تشرين الثاني من هذا العام حرضت تركيا وسلّحت تشكيلات مسلحة سورية معارضة للنظام لهجوم طائش على بلدة رأس العين ذات الأكثرية الكردية التي وقعت قبل ذلك بقليل، ولسبع سنوات بعد ذلك، تحت سيطرة الجناح السوري للحزب الكردي التركي.

بدأت هذه السيطرة في تموز من عام 2012 نفسه، حين أمدّ النظام الأسدي بالسلاح التنظيم الأوجلاني المتمرس بالقتال، وسلّمه مناطق الأكثرية الكردية في شمال غرب وشمال شرق البلد. وراء هذا التسليم والاستلام أن التنظيم يعتبر أن معركته الأساسية مع الحكم التركي وليس النظام السوري الذي كانت جمعته به روابط طيبة طوال ثمانينيات القرن العشرين ومعظم تسعينياته. وكان غرض النظام من هذا التسليم التفرغ لمواجهة البؤر النشطة للثورة السورية، وكذلك الفصل بين الاحتجاجات العربية والكردية، وإعطاء اليد العليا في البيئات الكردية للتنظيم الأشد انعزالية تاريخياً عن البيئات السورية الأخرى، بما فيها الكردية السورية.

وقع ذلك في بداية انهيار الإطار الوطني للصراع السوري الذي كان حتى ذلك الوقت صراعاً سورياً سورياً، سلمياً ثم سلمياً ومسلحاً، وكان من جملة تغيرات متزامنة يصعب ألا يدل تزامنها على انعطاف كبير في سياسة مواجهة الثورة، والأرجح في تقديري أنها تدل على انتصار الحزب الإيراني في مراتب الحكم الأسدي العليا. مما جرى في شهر تموز الفاصل ذاك اغتيال ضباط خلية الأزمة (آصف شوكت وهشام اختيار وداود راجحة وحسن تركماني)، وهو عملية تصفية داخلية على أرجح تقدير؛ وأول استخدام للبراميل المتفجرة ترمى عبر طائرات الهيلوكوبتر؛ والتوسع في استخدام الطيران لقصف المدن والبلدات المتمردة؛ ولعله أول استخدام لصواريخ سكود ضد المدن كذلك؛ وبدء انحسار الاحتجاجات السلمية التي كانت بؤرها متكاثرة حتى ذلك الوقت، ووصلت في الشهر نفسه إلى نحو 800 بؤرة. والواقع أن جملة هذه التحولات الانعطافية لم تأت من فراغ. فعدا أن النظام كان تحت ضغط متصاعد من قبل ثورة مسلحة وسلمية كانت لا تزال متسعة المراتب، فإن شهر تموز نفسه شهد انشقاق رئيس الوزراء الأسبق رياض حجاب ونجاحه في الخروج إلى الأردن، ثم اقتحام مجموعات معارضة مسلحة مدينة حلب والسيطرة على أحيائها الشرقية.

وقد يكون الشهر نفسه هو كذلك نقطة تحول التسرب السلفي الجهادي إلى سوريا إلى تدفق، وبعد أن كان من الحدود العراقية والحدود اللبنانية، صار أساساً من الحدود التركية. ومن غير المحتمل أن ذلك جرى دون غض نظر، إن لم يكن التسهيل، من طرف السلطات التركية التي ربما عولت على أن يواجه الجهاديون الجوالون التنظيم الكردي، وهو ما جرى فعلاً، وربما النظام السوري، وهو ما جرى بقدر أقل. لكن أولئك الغرباء الجانحين كانوا، قبل كل شيء، كارثة على الثورة السورية التي وجدت نفسها محارَبة على جبهتين، جبهة النظام وحماته الإيرانيين، وجبهة الجهاديين الجوالين الذين ساقتهم دينامية تطرف قوية، ليست منفصلة عن كونهم بلا رابط حي بأرض ومجتمع، نحو مزيج مسموم من الدين والجريمة. كان هناك ثائرون سوريون يواجهون داعش، وقد واجهوه بالفعل وطردوه من مناطق في شمال حلب وغربها في مطلع 2014، لكن لم يكن ثمة ثائرون سوريون مستعدين لمواجهة داعش وحده ودون النظام، مثلما أراد الأمريكيون. وحده التنظيم الأوجلاني كان مستعداً ذلك. وهو ما اعتُمد بدءاً من أيلول 2014، وقت التدخل الأمريكي المباشر في سوريا.

    تبدو الانعطافة التركية في سبيلها إلى تقديم شيء كبير جداً لنظام صغير، بغرض حل مشكلة أصلها في تركيا: الصراع ضد الحركة القومية الكردية

هذا وضع الأمريكيين والأتراك، الحليفين في الناتو، في موقعين متقابلين في سوريا. وكان مما دفع في هذا الاتجاه أن الأمريكيين بدأوا منذ وقت مبكر من عام 2013 النظر إلى الصراع السوري من منظور محاربة الإرهاب (الإسلامي)، بينما كان لا يزال الأتراك أقرب إلى ما بدا أنها السياسة الدولية حيال «الربيع العربي»، أي الإيجابية حيال الثورات والتغيير المتوقع في سوريا مثلما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن. والأرجح أن رغبة الأتراك بحكم سني في جوارهم القريب كان عاملاً إضافياً في سياستهم السورية. وعلى هذا الحساب كخلفية، اعتمدت تركيا سياسة الباب المفتوح بخصوص اللاجئين السوريين حتى مطلع 2016، حتى بلغ عدد اللاجئين فيها فوق ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف، أكثر من نصف مجموع اللاجئين السوريين، نحو سبعة ملايين.

بعد إسقاط داعش في الرقة على يد الأمريكيين ووكيلهم قوات حماية الشعب، وتوسع مناطق سيطرة التنظيم الكردي في سوريا، صار الحكم التركي أكثر توتراً. إرهابيوه هم التنظيم الأوجلاني المتعاون مع الأمريكيين، وإرهابيو الأمريكيين هم الجهاديون الذين تساهل الأتراك في أمر تدفقهم إلى سوريا في سنوات سابقة.

تركيا التي تدخلت في سوريا عسكرياً منذ آب 2016، بعد عام من الروس وعامين من الأمريكيين، أطلقت عمليتين عسكريتين ضد التنظيم الكردي: «غصن الزيتون» عام 2018 واحتلت فيها عفرين ومناطق مجاورة لها، ثم «نبع السلام» عام 2019 واحتلت راس العين التي تقدم ذكرها. عبر هاتين العمليتين انتقلت الحرب الأهلية التركية إلى سوريا على يد طرفيها الرئيسيين، بعد أن كانت الحكومة التركية تخوضها عبر وكلاء. استمر اعتماد وكلاء سوريين، يطلق عليهم اسم الجيش الوطني الذي لا يبدو أن له من اسمه نصيب، لا من جهة الوطنية ولا من جهة الجيش، على ما شهد التوسع الصاعق لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في مناطق سيطرة هؤلاء الوكلاء في تشرين الأول الماضي.

اليوم تتسابق الأخبار عن عملية عسكرية تركية واسعة ضد «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) ذات العماد الكردي، مع أخبار تتكرر عن استعداد الرئيس التركي عن لقائه ببشار الأسد، بغرض مرجح هو ترتيب سيطرة النظام الأسدي المباشرة على الأراضي السورية التي تسيطر عليها قسد، على ما صار الأتراك يصرحون به علناً. لكن هناك في الحد الأدنى أربعة ملفات كبيرة على درب المصالحة بين النظامين، ليست قوات قسد غير واحد منها. أولها ملف اللاجئين الذين يتسابق الحكم التركي مع معارضيه في المزايدة على إعادتهم إلى سوريا. الثاني ملف المعارضة الرسمية في الائتلاف، وعمادها من الإخوان المسلمين، ويبدو أنه سيجري التضحية بهم وبأجسامهم السياسية والإعلامية مثلما جرى لمعارضين مصريين، معظمهم من الإخوان كذلك. الملف الثالث هو مناطق سيطرة «الجيش الوطني» الذي عمل كتابع لتركيا طوال سنوات، لكن قد يتجاوز عدد سكان هذه المنطقة المليون، والرابع هو ملف قسد الذي يطفو على السطح أكثر من غيره، لكن في منطقة سيطرتها يعيش ربما خمسة ملايين، يفضل أكثرهم الوضع الحالي على عودة النظام. في المحصلة، تبدو الانعطافة التركية في سبيلها إلى تقديم شيء كبير جداً لنظام صغير، بغرض حل مشكلة أصلها في تركيا: الصراع ضد الحركة القومية الكردية.

عشر سنوات ونيف بعد تطعيم حربنا الأهلية بالحرب الأهلية التركية، يبدو طرفا الحرب الأخيرة راضيين من الغنيمة بالإياب. تركيا تريد من النظام ابتلاع قسد التي لا تكاد قيادتها تمانع في أن تبتلع. ربما تكسب تركيا شيئاً صغيراً، ويربح النظام شيئاً أكبر. من يخسر هما الطرفان الآخران في الحرب الأهلية في البلدين: من عولوا في صراعهم التحرري على النظام الأسدي الذي كان منهمكاً في قتل محكوميه، ومن عولوا على حكم تركي ينكر العدالة على جزء من محكوميه في صراعهم من أجل العدالة.

كاتب سوري

————————————–

أردوغان والأسد، صفقة سترضى عنها إيران/ إبراهيم الجبين

لم يكن ينقص مسار التطبيع التركي مع نظام الأسد، والذي تم الاعتراف ببعده الاستخباراتي، ويتبقى منه التطبيع الدبلوماسي الذي أكثر المسؤولون الأتراك من الحديث عنه، سوى هجوم صحيفة “البعث” السورية الناطقة باسم الحزب الحاكم الأربعاء الماضي على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن أعلن الأخير بساعات، ولمرة جديدة، أن اللقاء بينه وبين بشار الأسد سيحدث عاجلا أو آجلا.

ماذا أرادت الصحيفة التي يمرّر من خلالها النظام رسائله أكثر من غيرها بصب لعناتها على الرئيس التركي، ونعته بـ”العثماني غير الوفي لتعهداته”؟ إن كان النظام السوري يريد بالفعل تطبيع علاقاته مع تركيا بعد قطيعة دامت عقدا من الزمن، فما الذي يعنيه قول محرر “البعث” “بين ليلة وضحاها انقلب أردوغان على نفسه، وعلى من دفعه ليكون طرفا في الحرب الإرهابية على سوريا”؟

كما أن انتقادات أردوغان للولايات المتحدة الأميركية لدعمها حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابيا وفي الوقت ذاته تعتبره في سوريا “شريكا على الأرض”، ممثلا بما تعرف باسم “قسد”، لم تمنع السوريين في دمشق من مواصلة استثمارهم في لحظة الضرورة السياسية والأمنية التي تعيشها تركيا، فهذا الموقف على حد وصف الصحيفة “لن ينفع الآن، لأنه جاء كنتيجة حتمية للغرور السياسي الذي سيطر على هواجس أردوغان وأحلامه بإعادة المجد العثماني البائد”.

المفارقة أن الداعم الأكبر لحزب العمال الكردستاني وواجهته “قسد” التي يهيمن عليها فرع الحزب السوري “حزب الاتحاد الكردي”، ليس الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، بل نظام الأسد نفسه، وكان أبرز دعم قدّمه لهذا الحزب بعد إسهامه في تدريبه وتمويله سواء في سوريا أو في معسكراته في سهل البقاع اللبناني، هو إخلاء ثلاث محافظات كبرى في سوريا، وتسليمها بالكامل بثرواتها ونفطها ومياهها وسكانها إلى ميليشيا أجنبية تركية.

◘ في الواقع من سيدفع الثمن مجددا لن يكون سوى الأكراد، لقبولهم لعب دور الورقة بيد اللاعبين، فتقليص خارطة هيمنة حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، لن يزعج الأسد فالمهمة التي أرادها من هذا الحزب قد انتهت

كانت تلك إستراتيجية مزدوجة تهدف إلى الضغط على تركيا من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على نقل الصراع بين المواطنين السوريين من ثنائية الشعب مقابل الأسد إلى الشعب مقابل الشعب بمكوناته المختلفة، حتى لو تطلب الأمر استجلاب ميليشيا من غير الجنسية السورية، كما حصل مع حزب الله اللبناني ولواء “فاطميون” وغيره من الألوية التي دعمت جيش الأسد في تمشيط سوريا وقمع المواطنين تحت رايات مختلفة، محاربة الإرهاب، والدفاع عن المزارات الشيعية في سوريا إلى آخر تلك السلسلة الدامية.

قبل عام من الآن، وعلى ورق هذه الصحيفة، كتبنا أن التطبيع السوري التركي سيكون حلا لمشكلة واحدة يعاني منهما الطرفان ستتفاقم حتى تدفعهما إلى التحالف لوضع حد لها، مشكلة حزب العمال الكردستاني. بدا الحديث عنها نوعا من استشراف احتمال نفاه الكثيرون، مستبعدين أن يضطر الأسد إلى قمع حلفائه في “قسد” أو أن يجد أردوغان نفسه مختارا أو مجبرا على الخيار ذاته لحسم الحالة التي وجدها على حدوده الجنوبية والتي أفاد منها كثيرا في بادئ الأمر، حين كانت نوعا من المصيدة التي تجمّع فيها كل أعداء تركيا من الأكراد، بعد أن كانوا متفرقين في البلدان، وباتت ما تعرف باسم “الإدارة الذاتية” في شمال سوريا، المكان المناسب ليلوذوا به ويقيموا فيه دويلة ترفع صور زعيمهم عبدالله أوجلان الذي يقبع في سجنه التركي.

كانت تلك الحالة مؤقتة لكافة الأطراف، لكل من شجّع عليها ودعمها، بدءا من الولايات المتحدة التي أرادت محاربة إرهاب داعش بإرهاب كردي تركي عابر للحدود، لكنها لم تتكلّف حتى عناء رفع هذه الميليشيا من قوائم الإرهاب في وزاراتها، وهي تدرك أن لهذا الاستخدام ساعة ميقاتية ستحين عاجلاً أو آجلاً.

الأسد من جانبه، لم يقبل ولن يقبل بما تطلبه منه “قسد” ومجلسها الديمقراطي الملفق، ولن يوافق على انضمام لواء كردي إلى جيشه وإلا لكان ضم إلى صفوفه كتائب عصائب الحق وحزب الله اللبناني وغيرها، ما الذي سيجعله مضطرا إلى شيء كهذا؟ كما أنه لا يجد نفسه مجبرا على الموافقة على أي مطلب آخر يتمثل في ما تعتبره “قسد” حقوقا سياسية قومية للأكراد، ولو كان سيوافق على ذلك لتقبّل ما تطلبه منه المعارضة السورية المقيمة في دمشق التي تنادي بأقل من ذلك بكثير.

ثالث الثلاثة هو الرئيس التركي الذي ترك حالة الشمال السوري تتطور حتى نضجت، وتمكّن ببراعة من استخدامها في مفاوضات انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، حتى أنه فرض عليهما إدخال تعديلات دستورية ترغمهما على تصنيف المنظمات المشابهة إرهابية، ليشمل ذلك حزب العمال الكردستاني، وما يزال قائما شعور بالحاجة إلى استمرارها حتى العام القادم لاعتبارات انتخابية محلية، وكذلك لملفات أخرى تتصل بروسيا وهو ما سيوصلنا إلى إيران حتما.

◘ الداعم الأكبر لحزب العمال الكردستاني وواجهته “قسد” التي يهيمن عليها فرع الحزب السوري “حزب الاتحاد الكردي”، ليس الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، بل نظام الأسد نفسه

لم تمانع إيران من صفقة التطبيع التي عقدها حزب الله مع إسرائيل، من أجل الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، ولن تمانع من تطبيع سوري تركي مشابه، فالإيراني لديه فلسفة مختلفة للقياس، وسبق له أن اشترى بنفسه السلاح من عدوّه الرئيسي المعلن (إسرائيل) خلال الحرب العراقية الإيرانية.

وإيران تتلاقى مع تركيا في الحلف الأوراسي، وفي الجانب المتعلق بالإسلام السياسي ودوره في المنطقة، لكنهما تتفارقان في قضايا كثيرة في مقدمتها حدود نفوذ كل منهما، والذي باتت سوريا رقعة أساسية له.

أي عمل عسكري في شمال سوريا ستقدم عليه تركيا، من دون الاتفاق مع الأسد، ومن خلفه إيران، لن يرضي القادة في طهران، وأي عمل من هذا النوع بوجود اتفاق مسبق، سيكون هدية مسمومة لإيران اعتادت على تجرّعها بإرادتها، حتى حين.

ولهذا كله تنصح صحيفة “البعث” الرئيس التركي قائلة “من الضروري ألا يغامر أردوغان أكثر من ذلك، ولا يغامر بأي عمل عسكري مهما كان حجمه. لكن لا يظنّن أردوغان أن الثمن سيكون قليلاً، بل على العكس لأن للدولة السورية شروطها الخاصة”.

وفي الواقع من سيدفع الثمن مجددا لن يكون سوى الأكراد، لقبولهم لعب دور الورقة بيد اللاعبين، فتقليص خارطة هيمنة حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، لن يزعج الأسد فالمهمة التي أرادها من هذا الحزب قد انتهت، لكنه يريد ثمنا لذلك في المقابل. ولن تدافع الولايات المتحدة عن “شركاء الأرض” الأكراد، فقد خذلتهم في شمال العراق، سواء في استفتاء الاستقلال الذي أعلنه مسعود بارزاني، أو خلال الشهرين الماضيين في حالة استهدافهم من قبل الإيرانيين عسكريا وصولا إلى تهديد إسماعيل قاآني باجتياح عسكري بري لكردستان العراق.

والحالة الجديدة التي ستنشأ في الشمال السوري، والتي ستملأ الفراغ فيها فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا، ستكون بدورها مؤقتة، لكن ذلك لا يمنعها من اعتبارها تمهيدا إضافيا لطريق التطبيع مع دمشق والذي يتبادل فيه الطرفان السوري والتركي شروطا سيقال عنها حينها إن لكل حادث حديث.

كاتب سوري

—————————–

حين يضع الأكراد مصيرهم على موائد الآخرين/ فاروق يوسف

قاتل الأكراد في العراق زمناً طويلاً من أجل إقامة دولتهم التي شهدت النور على شكل إقليم مستقل يتمتع بحماية أميركية منذ عام 1991، حين فرضت الولايات المتحدة حظراً على الطيران العراقي فوق المناطق الكردية. وكان ذلك نوعاً من التعويض لما تعرض له الأكراد في حملة الأنفال التي قام بها النظام السابق من أجل استرداد الإقليم الكردي بعد حرب تحرير الكويت.

أما بعد الغزو الأميركي وإسقاط النظام السياسي العراقي عام 2003، فقد صار الوضع مختلفاً، إذ تمتع الإقليم الكردي باستقلال مترف من خلال ما فرضه نظام المحاصصة الطائفية من استحقاقات مالية، صارت تُدفع إلى الإقليم الكردي من غير أن تحتج بغداد على استقلال الإقليم الذي لم يكن يسمح للعراقيين بالدخول إليه إلا إذا كان لديهم كفيل مقيم فيه. الأدهى من ذلك أن الإقليم استقل بثرواته، ولم يكن ذلك ليثير غضب حكومة بغداد لولا استفتاء الانفصال الذي دعت إليه حكومة الإقليم عام 2017. كان ذلك حدثاً مفصلياً بالنسبة إلى علاقة أكراد العراق ببغداد وبالعالم ممثلاً بالولايات المتحدة.

تخطى الأكراد يومها خطوطاً حمراً لم يكونوا على بيّنة من وجودها، بعدما أعماهم حلم الوطن القومي عن رؤية الواقع الذي يحيط بهم. ورغم أن الأكراد قد تراجعوا عن مشروع الانفصال في العراق بسبب سلبية الموقف الأميركي والغضب الإيراني التركي المزدوج وموقف بغداد المتشدد في رفضه، فإنهم لم يتخلوا عن استضافة أفواج من المقاتلين المسلحين من أكراد إيران وتركيا على الأراضي العراقية، رغبة منهم في تقديم الدعم إلى من تعتبرهم الدولتان خطراً إرهابياً يهدد سلامة أمنهما ووحدة أراضيهما. 

ولأن حكومة بغداد لاهية بأزماتها عن متابعة ما يجري على الأراضي التي تقع تحت سيطرة حكومة كردستان وعاصمتها أربيل، فإن الحكومتين الإيرانية والتركية لم تتقدما بشكاوى رسمية من خلال القنوات الدبلوماسية إلى حكومة تعرفان جيداً أنها لن تقوى على إزاحة مقاتل واحد من البيشمركة (قوات الدفاع الكردية) من مكانه، ولا في إمكانها أن تمنع حكومة كردستان من فتح حدود العراق الشمالية والشرقية أمام “المتمردين الأكراد في الدولتين”، بل لجأتا إلى معالجة الأمر بنفسيهما من خلال القصف المنظم لقواعد التنظيمات المعادية، وهما تعرفان جيداً أن في ذلك ما يُرضي حكومة بغداد سراً ويجعلها في موقف أقوى في أي مفاوضات، يكون الأكراد طرفاً فيها في المستقبل.

غير مرة احتجت الحكومة العراقية على القصف التركي لأراضي الإقليم، وفي المقابل كانت بياناتها عن القصف الإيراني لا تنطوي على أي تنديد بقدر ما كانت تدعو إلى التهدئة. وفي الحالين، فإن ما يُستشف من الموقف العراقي أن هناك رغبة لدى حكومة بغداد في إضعاف حكومة كردستان من أجل دفعها إلى التراجع كلياً عن طموحاتها في إقامة وطن قومي للأكراد شبيه بإسرائيل، والتعامل مع الأمر الواقع من خلال نظام المحاصصة الذي تعتبره الأحزاب الشيعية الموالية لإيران فرصتها لمد نفوذها على كامل التراب العراقي في ظل حماية إيرانية، تنهي بالكامل مفعول اتفاقية التفاهم الاستراتيجي الموقعة مع الولايات المتحدة أثناء ولاية نوري المالكي.

عبر مراحل مختلفة، لم يكن حزبا “الديموقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني” قليلي حيلة في البحث عن جهات خارجية تدعم موقفهما في الصراع مع حكومة بغداد، والاستفادة القصوى من نظام المحاصصة من غير الخضوع لشروطه السياسية. فـ”الديموقراطي الكردستاني” الذي يتزعمه مسعود البارزاني، كانت الطريق بينه وبين إسرائيل سالكة دائماً، حتى أن إيران اتهمت غير مرة حكومة أربيل بإقامة قواعد للموساد الإسرائيلي على أراضيها، أما “حزب الاتحاد الوطني” الذي تديره عائلة طالباني فلم يحدث يوماً ما أن ضعفت علاقته بإيران. لذلك فقد وقع عليه الاختيار ليحظى بمنصب الرئاسة في العراق. وهو منصب فخري له دلالات رمزية عملت إيران من خلاله على الدفع بالعراق بعيداً من الإجماع العربي في أي قرار يتعلق برفض سياساتها التوسعية المعادية للعرب. 

لذلك يمكن اعتبار القرار الذي تبناه مجلس النواب العراقي، بتحريك قوات في اتجاه الحدود العراقية مع تركيا وإيران، حركة مسرحية يُراد منها التمهيد لإجراءات إيرانية مشددة ضد الإقليم الكردي من غير الحاجة إلى التنسيق العلني مع بغداد. ذلك ما كشفت عنه الحشود العسكرية الإيرانية على الحدود مع الإقليم، وهو ما ينذر بوقوع مواجهة على الأرض لن تتمكن قوات البيشمركة التي سبق لها أن هُزمت غير مرة أمام التنظيم الإرهابي “داعش” من الصمود فيها. أما تركيا التي يُقال إنها لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية داخل أراضي الإقليم، فإنها هي الأخرى لا تحتاج إلى إذن من بغداد لاجتياح مناطق بعينها في الإقليم، وهي المناطق التي يُقيم فيها حزب العمال الكردستاني معسكراته.

يحدث كل هذا من غير أن تصدر عن حكومة الإقليم، وهي جزء من صراع كردي ــ كردي داخلي، أي إشارة تؤكد من خلالها أنها ستعمل على تصحيح أخطائها وتتراجع عن سياستها في استضافة ودعم المقاتلين الأجانب الذين لا تعتبرهم كذلك. ألا يعني ذلك الموقف الصامت والكسول والمتراخي نوعاً من الانتحار؟ فالمكاسب غير المسبوقة التي حصل عليها أكراد العراق يمكن أن تتبعثر بسرعة، ولن يكون أمامهم سوى أن يعودوا إلى سابق عهدهم مقاتلين تتوزع مصائرهم بين الجبال. 

———————————

هل ثمة استراتيجية عسكرية تركية جديدة في التعامل مع قسد؟/ العقيد عبد الجبار عكيدي

مع استمرار الحديث عن العملية العسكرية التركية في شمال غرب سوريا واحتدام التكهنات حول موعد البدء بها أو التراجع عنها، يبدو أن ما يجري في الميدان من الناحية الفعلية يوحي بأن ثمة استراتيجية تركية جديدة تحاول تجاوز الأطر والخطط القتالية التقليدية ساعيةً لتحقيق أهدافها دون انتظار الأضواء الخضر من الأطراف الدولية المعنية، سواء أكانت بينها الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا اللتان ما تزالان ترفضان أي عملية عسكرية برّية تفضي إلى اجتياح مدن أو بلدات تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

لعله من المفيد ذكره أن شركاء أنقرة في محور أستانا، وخلال اللقاء الثلاثي في التاسع عشر من تموز الماضي في طهران، قد أكدوا للرئيس أردوغان رفضهم المطلق لأي عملية عسكرية برية تستهدف قسد، لكنهم في الوقت ذاته أبدوا موافقتهم على أن تقوم تركيا بعمليات جوية انتقائية ومحدودة ضدّ أهداف نوعية لقسد سواء أكانت تلك الأهداف مواقع عسكرية أم شخصيات قيادية، ولعل هذه الموافقة الروسية الإيرانية لم تبتعد عن موقف أميركي مماثل بعدم الاعتراض على استهداف الطيران التركي لمواقع تابعة لقسد في العمق السوري، إلّا أن تفجير إسطنبول وتداعياته على مستوى الرأي العام التركي ربما دفع الحكومة التركية إلى ضرورة اللجوء إلى استراتيجيات جديدة تجنّبها لعبة المناكفات الدولية وانتظار التوافقات، وكان لا بدّ – حينئذٍ – لوزارة الدفاع التركية من أن تبدأ بمقاربات عسكرية غير تقليدية، تتمثل بحرب جوية من حيث الشكل إلّا أن تأثيرها على الأرض قد لا يختلف كثيراً عما تحدثه العملية البرية.

    ما كان لتركيا أن تفوت الفرصة التي منحتها إياها الولايات المتحدة باستخدام المجال الجوي الذي تسيطر عليه لاستهداف تلك التنظيمات في مناطق شرق الفرات

الاستخدام الواسع لسلاح الجو الأميركي في أثناء غزو العراق عام 2003 ولمدة 39 يوماً قبل الاجتياح البري، قدم تجربة جديدة في مهمات القوى الجوية التي تجاوزت التمهيد الناري للمعركة إلى القضاء شبه الكامل على القوات ومقار القيادة والسيطرة وغرف عمليات الجيش العراقي السابق، ويبدو أن نجاح هذا النوع من العمليات العسكرية  أسس لاعتمادها لاحقاً من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة  في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) 2014، ويبدو أن الجيش التركي قد استفاد من هذه التجربة وبدأ يعتمدها لأول مرة  في تعامله مع حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي (قسد) حيث لم يسبق لتركيا أن استخدمت مثل هذا النوع من العمليات ضد هذه التنظيمات لا في سوريا ولا في شمال العراق، وشنت خلال عمليتها التي دخلت أسبوعها الثاني غارات تدميرية أكثر منها تمهيدية، وواسعة أكثر من كونها محدودة، وشاملة أكثر من كونها انتقائية كان لها تأثير كبير جعل قيادات قسد تستنجد بالشرق والغرب وحتى بنظام الأسد المتهالك والمنهار.

ما كان لتركيا أن تفوت الفرصة التي منحتها إياها الولايات المتحدة باستخدام المجال الجوي الذي تسيطر عليه لاستهداف تلك التنظيمات في مناطق شرق الفرات وبعمق 70 كم، وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ الجيش الأميركي، إذ لم يسبق أن منحت أميركا هذا الإذن لأي جيش آخر من قبل، بالمقابل لم يشأ أن يكون الروس خارج هذا التنافس والاستقطاب فمنحوا للأتراك هوامش أكبر للتعامل مع قسد وقادة حزب العمال الكردستاني في مناطق نفوذها بدليل أنها سمحت للجيش التركي باستهداف المناطق الواقعة تحت نفوذها مثل تل رفعت ومطار منغ العسكري عدة مرات، سجل فيها مرتين على الأقل قتلى من قوات النظام المنتشرة في مواقع متداخلة مع مواقع قسد.

وقبل الحديث عن المقاربة الجوية التركية لا بد من التوضيح من الناحية العسكرية أن العملية الجوية التركية المستمرة لا يمكن اعتبارها تمهيداً نارياً يسبق العملية البرية كما جرت العادة في العمليات القتالية التقليدية، وما ينفي عنها هذه الصفة أن التمهيد الناري الذي يسبق العملية البرية له محددات ومراحل متلاحقة تبدأ بالتأمين ثم التمهيد يليها الدعم وتنتهي بالمرافقة النارية، ويكون بضربات متلاحقة ومتتالية وبغزارة ودقة كبيرة وتشترك فيها جميع صنوف الأسلحة من طيران ومدفعية وضربات صاروخية، يبدأ من أول طلقة ولا ينتهي إلا باقتحام الحد الأمامي المعادي، ومن أهم القرائن الدالة عليه أنه يبدأ بالقصف المركز على الحد الأمامي المعادي وبعمق 5 كم قد يصل حتى عمق 12 كم أحياناً، والقرينة الثانية الدالة على التمهيد الناري أنه يستهدف بشكل أكبر نقاط الاستناد على الحد الأمامي والوسائط النارية للعدو ومقار القيادة والعمليات وعقد الاتصالات وأعشاش الذخيرة والقوى الحية، ولكن ما يحصل من عمليات لسلاح الجو التركي لا ينطبق على تلك القرائن.

إن لعبة الحرب التي يقوم بها الجيش التركي والتي تعتمد بشكل رئيسي على جهد استخباراتي وعملياتي مترافق مع استطلاع متواصل وبتعاون دولي، تعتبر ذات فعالية وفائدة كبيرة من حيث تحقيق أهدافها بالقضاء على الوسائط النارية لتلك التنظيمات في عمق الأراضي السورية، وتدمير مقار القيادة ومقار الاتصال وخطوط الإمداد ومستودعات السلاح وتدمير الأنفاق وغرف العمليات وبالتالي تصبح مقار القيادة وقيادات التنظيم مستهدفة على كامل مساحة الجغرافية السورية ولا تقتصر على مناطق محددة.

    من خلال هذه العملية الجوية تسعى قيادة الجيش التركي إلى اصطياد الأدمغة التي تدير تلك التنظيمات وتدبر وتخطط للعمليات التخريبية

إن العمليات العسكرية التي تهدف للسيطرة على مساحات أكبر من الأرض لخلق مساحة أكبر من الأمان لا تستطيع أن تلغي الأعمال التخريبية لتلك التنظيمات الإرهابية داخل الأراضي التركية، بينما من خلال هذه العملية الجوية تسعى قيادة الجيش التركي إلى اصطياد الأدمغة التي تدير تلك التنظيمات وتدبر وتخطط للعمليات التخريبية وبالتالي خلخلتها من الداخل وخلق مساحة أوسع من عدم الاطمئنان والثقة بكل من حولهم تؤدي إلى حالة من التوتر والتخبط في اتخاذ القرارات والإعداد لأي أعمال نوعية تخريبية في الداخل التركي.

من كل ما سبق يمكننا اعتبار أن هذا النوع من العمليات الجوية لا تقل أهمية عن العملية العسكرية البرية، بل يمكن التأكيد على أنها تتفوق عليها، ما يعني أنه قد يكتفي صانع القرار التركي بها.

يبدو أن الأميركان والروس قد سمحوا للأتراك بأكبر وأوسع غارات جوية ممكنة لكن لازال التحفظ قائما على العملية البرية دون أن يعني ذلك ان هذا الخيار أصبح لاغياً، بل يتوقف على نتائج المباحثات التي يجريها الجانبان الأميركي والروسي مع قيادات قسد من أجل الاستجابة لشروط تركيا لكي تعدل عن خيار الهجوم البري، إلا أن المعطيات تشير إلى رفض قسد الرضوخ للشروط التركية والتوجه للتصعيد ما يوحي بتصعيد تركي قد يؤدي إلى حدوث العملية البرية بالفعل.

العقيد عبد الجبار عكيدي

كلمات مفتاحية

———————————

في خلفيات انفتاح أنقرة على دمشق! / فايز سارة

مثل كل الحالات السابقة التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية، ومنها ذهاب الأردن والإمارات والبحرين والسودان وعُمان وغيرها من البلدان العربية نحو الانفتاح على نظام بشار الأسد، وإعادة تطبيع العلاقات معه، تسعى تركيا للذهاب في المسار نفسه بعد سلسلة من لقاءات كبار المسؤولين الأمنيين لدى الطرفين، وبعض التواصل الدبلوماسي لوزيري الخارجية، صعوداً إلى المستوى السياسي، ممثلاً في تصريح للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أكد فيه إمكانية لقاء مع بشار الأسد في سياق إعادة ترتيب العلاقات بين أنقرة ودمشق.

ورغم وحدة الهدف في تجارب الانفتاح على نظام الأسد، فإن لكل واحدة من تلك التجارب حيثياتها وخصوصياتها، لكنها جميعاً باستثناء التجربة التركية، التي لم تبدأ بعد، وصلت إلى نتيجة تكاد تكون واحدة؛ وهي أنه لا نتائج حقيقية وجدية في علاقات الدول مع نظام الأسد، والسبب واحد من اثنين؛ الأول كامن في طبيعة العلاقات المحدودة بين البلد المعني ونظام الأسد، كما في مثال مملكة البحرين وعُمان، والتي في غالبها تقتصر على علاقات دبلوماسية وقنصلية، وواقع الحال السوري يضيف محدودية أخرى نتيجة الظروف، ولا سيما السياسية والأمنية التي يغرق فيها نظام الأسد بعد عشر سنوات من الحرب في سوريا وحولها. والسبب الثاني مرتبط بعوامل منعت تطور انفتاح بعض البلدان على نظام الأسد، كما هو حال دولة الإمارات والأردن جار سوريا على الحدود الجنوبية، والأهم في هذه العوامل يكمن في سياسات نظام الأسد وممارساته، وخاصة في المستويين السياسي والأمني، إضافة إلى ما صارت إليه أوضاع سوريا من خراب وتدمير القدرات والإمكانيات المادية والإدارية، وقتل واعتقال وتهجير وتشريد ملايين السوريين، وتكريس سياسة التشبيح ومخالفة القانون لدرجة اشتغال رسميين في صناعة وتهريب المخدرات، وجعلها بين أعمالهم الأساسية.

رحلة تركيا التي توشك أن تبدأ في الانفتاح على نظام الأسد، محاطة أكثر من سابقاتها جميعاً بأسباب تجعلها محدودة النتائج، إن لم نقل محكومة بالفشل في الظروف القائمة؛ لأن الأمر لا يتعلق بالأقوال والنيات، بل بالوقائع والمعطيات على الجانبين، والتي تطرح صعوبات تواجه تركيا في انفتاحها، تمنع الوصول إلى نتائج مُرضية يجري الحديث عنها، ما لم يتم معالجة الصعوبات.

إن دوافع أنقرة للتوجه نحو انفتاح على دمشق، لا تتصل باستراتيجية تركيا التي قامت عليها نهضة تركيا الراهنة بالانفتاح على العالم المحيط، وتصفير المشاكل معها، والتي كانت دافع تركيا في مصالحتها مع السعودية والإمارات ومصر، ولا تكمن في مكاسب تحققها تركيا من وراء الانفتاح على نحو ما هي عليه الخلفية في علاقات الدول، حيث إن تركيا من أكثر الدول معرفة بما هو حال نظام الأسد من ضعف وقلة إمكانات وانهيار في المصداقية وتبعية لحماته، مما يجعل التوجه نحو الانفتاح مرتبطاً بضغوط وظروف آنية، تختلط في العوامل الداخلية والخارجية، والأبرز في الأخيرة ضغوط روسيا من أجل تطبيع العلاقات التركية مع النظام في دمشق، مما يساعد موسكو في تأمين انسحاباتها الجزئية من سوريا في ظل استمرار حربها في أوكرانيا من جهة، والمساهمة في منع تغول وسيطرة إيران في سوريا، ويتوافق الضغط الروسي في أحد جوانبه مع ضغوط داخلية جوهرها المطالبة بتعديل السياسات التركية في الموضوع السوري، سواء لمسعى كسب مزيد من أصوات الأتراك في الانتخابات المقبلة في عام 2023 لتأمين فوز إردوغان لفترة رئاسية جديدة، أو لجهة إرضاء أطراف في المعارضة حول توازن الموقف التركي من الأسد بعد انحياز طويل لمعارضته دون نتائج ملموسة، وتخفيف تكلفة ومسؤوليات الحضور التركي في الملف السوري، وكلها تتطلب إجراء تبدلات في مواقف أنقرة، التي ترى أوساط فيها أن الانفتاح يفسح المجال لتمدد اقتصادي نحو السوق السورية وعبرها إلى بلدان عربية مجاورة، مما يساهم في معالجة بعض جوانب الأزمة الاقتصادية والمعيشية الراهنة، ويؤدي إلى تحسين الظروف الاقتصادية – الاجتماعية في تركيا.

وكما هو واضح في خلفيات الانفتاح، فإنه لا شيء فيها يتصل بالهم الرئيس للحكومة التركية في الموضوع السوري، وفيه بندان رئيسيان؛ موضوع قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، وعودة اللاجئين «الطوعية» إلى سوريا، وإذا كانت تركيا ماضية في موضوع إعادة اللاجئين بصورة منفردة، فإن الموضوع الثاني يحتاج إلى جهد مختلف، وتشارك أطراف بمستويات متعددة، حيث ترى تركيا أن قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، التي يشكل أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي نواتها الصلبة «جماعة إرهابية»، كما تصفهم تركيا باعتبارهم امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وتتخوف من وجودهم في المنطقة، وتتطلع إلى طردهم من حدودها مع سوريا أو انتقالهم إلى مكان أبعد، ولا يملك نظام الأسد أي قدرة على التأثير في الموضوع؛ ليس بسبب انعدام الإمكانات فقط، بل لعجزه وحلفائه الروس والإيرانيين عن التأثير على الدعم الأميركي لـ«قسد».

وإذا كان الانفتاح على دمشق عديم النفع في موضوع «قسد»، ولا تحتاج تركيا في موضوع إعادة اللاجئين، وقليل النفع في مجالات أخرى، فإنه يشكل عبئاً على وجود تركيا في الشمال الغربي الموصوف بأنه منطقة سيطرة تركية، مكرسة بوجود قوات تركية، وجماعات مسلحة حليفة رغم صراعاتها البينية مع وجود حاضنة اجتماعية واقتصادية داعمة ومساندة للدور التركي في سوريا وفي شمالها خاصة، ومن الصعب أن تتخلى أنقرة عن وجودها في الشمال ودورها في الملف السوري لمجرد انفتاح على نظام له بنية عقائدية متشددة مغلقة ذات حمولات قومية طائفية، مرتهن، ومستمر بمساعدة قوى خارجية تفرض سيطرتها وإرادتها على ما تبقّى من الدولة والمجتمع في سوريا.

وسط الصورة العامة لخلفيات الانفتاح التركي المرتقب على نظام الأسد، يمكن القول إنه لن يكون انفتاحاً طبيعياً يلبي احتياجات السياسات التركية العامة، بل سيكون انفتاحاً محدوداً وموسمياً، يتجاوب مع ضغوط، تعتقد تركيا بضرورة إرضاء أصحابها توافقاً مع مصالحها في التأثير على نتائج انتخابات 2023، وستحافظ أنقرة وسط مسار انفتاحها الذي سيكون محدوداً، وقد لا يتعدى المجال الإعلامي سياساتها المعلنة في شمال شرقي سوريا وأقلها دفع قوات «قسد» بعيداً عن الحدود التي يمكن ملء فراغها عبر توافقات، دعمت عملية تركيا الجوية الأخيرة، وستدعم العملية البرية المقبلة، كما دعمت كل العمليات التركية السابقة في سوريا، وسط كلام عن الانفتاح التركي على دمشق، وربما القيام ببعض الخطوات فيه.

————————

قيادي كردي يكشف لأورينت 4 أمور مستحيلة الحدوث في إطار العملية التركية المرتقبة ضد قسد

أورينت نت – إبراهيم هايل

كشف مصدر كردي لـ أورينت نت، وجود “4 مستحيلات” لا يمكن أن تحدث في إطار العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد ميليشيا قسد في شمال شرق سوريا، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أعطت الميليشيا رسالة “مبطنة” بوجود بديل عنها من الممكن أن يستلم زمام الأمور في مناطق سيطرتها.

وقال الكاتب والقيادي في تيار المستقبل الكردي علي تمي، في تصريح لأورينت نت، إن هناك 4 أمور من المستحيل أن تتحقق في الشمال السوري، وهي: تدخّل النظام عسكرياً لحماية ميليشيا قسد، وإلغاء أنقرة لعملياتها العسكرية البرية داخل سوريا، وتدخل أمريكي لحماية قسد من أي هجوم تركي محتمل، ومغامرة موسكو بمصالحها الجيوسياسية مع أنقرة لصالح قسد.

وأضاف تمي أن النظام لن يتدخل لحماية ميليشيا قسد مهما كلف الأمر، مشيراً إلى أن ميليشيا أسد اشترطت على قسد خلال اجتماع عُقد مؤخراً بينهما في مطار القامشلي، انسحاباً كاملاً من الشريط الحدودي، بالإضافة إلى تسليم آبار النفط التي تسيطر عليها.

ولفت تمي إلى أن الميليشيا رفضت هذه المطالب، وبالتالي فشلت المفاوضات بين الطرفين، بينما لجأت قسد للتحضير عسكرياً لمعركة مرتقبة مع الجيش التركي.

وبيّن أن أنقرة لن تلغي عمليتها بالكامل بل إنها ربما تتريث حالياً لدراسة الجوانب الإقليمية والدولية للعملية وردود الأفعال عليها.

جزء من إدلب مقابل عين العرب

وذكر القيادي الكردي أن الروس يطلبون جزءاً كبيراً من إدلب مقابل التنسيق مع النظام والتخلي عن عين العرب للأتراك، موضحاً أن هناك خلافات تركية-روسية حول عمليات الجيش التركي الجوية الأخيرة، إذ إنهم بالرغم من سماحهم بالضربات الجوية إلا أنهم لم يعطوا الضوء الأخضر لتوغّل بري.

وحول الموقف الأمريكي بيّن تمي إلى أن الأمريكان سحبوا موظفيهم من شمال سوريا، حيث يبدو موقفهم بالنسبة للأتراك أفضل من الموقف الروسي بما يخص العملية العسكرية، خاصة أنهم علقوا عملياتهم المشتركة مع ميليشيا قسد ضد داعش ما يدلّ على وجود خلافات بين الطرفين.

واستدرك تمي أن أمريكا وجهت رسالة لميليشيا قسد من شأنها أن تكسر غرورها، إذ جاء الإعلان الأمريكي قبل يومين عن مقتل قيادي في تنظيم داعش على يد الجيش الوطني في درعا بمثابة رسالة للميليشيا بأن البديل عنها جاهز.

وتابع: “الأمريكان لن يحموا قسد لو حدث تدخل بري، إلا أنهم لن يسمحوا بالوقت ذاته لأحد بالاقتراب من آبار النفط”.

هل تغامر موسكو بمصالحها مع أنقرة؟

وحول التنسيق بين موسكو وأنقرة فيما يخص الوضع في شمال سوريا، أشار تمي إلى أن هناك خلافاً بين الطرفين كان قد تكشّف قبل فترة عندما قصف الطيران الروسي عدداً من المناطق في أرياف حلب وإدلب، إلا أن ذلك لا يعني أن موسكو ستغامر بمصالحها وتتدخل لحماية ميليشيا قسد.

ولفت إلى أن روسيا استفادت من تركيا جيوسياسياً عبر تحويلها لمركز لبيع غازها المتعثر إثر العقوبات الغربية المفروضة عليها، فيما فتحت أنقرة أجواءها للطيران الروسي عدة مرات، وهذا يدل على مصالح مشتركة بين البلدين.

ويرى تمي أنه بالمحصلة فإن الروس يحاولون انتزاع أكبر قدر ممكن من الأوراق قبل العملية المرتقبة، ويستخدمون الأتراك بهدف ابتزاز ميليشيا قسد وإخراجها من المنطقة، وكذلك للضغط من أجل التنسيق مع النظام، إلا أن هذا مستبعد في الوقت الحالي من قبل الأتراك وفق تمي.

انحسار مرتقب لنفوذ ميليشيا قسد

من جهته، يرى وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات، أنه من الواضح أن هناك جملة من التفاهمات والمصالح الدولية ستغير خريطة النفوذ في مناطق شمال سوريا وخاصة في عين العرب وتل رفعت ومنبج.

وقال علوان في تصريح لأورينت نت إن هذا التغيير سيكون على حساب مناطق سيطرة ونفوذ ميليشيا قسد التي يبدو أنها ستشهد انحساراً في مناطق السيطرة، حيث سيكون ذلك محل توافق إقليمي ودولي وجزءاً من التطمينات التي تطلبها تركيا والتي تتفهمها الأطراف الإقليمية والدولية.

وأشار علوان إلى أن هناك محاولات وساطة من قبل روسيا لتحقيق هذا الانحسار الأمني وتحقيق الضمانات الأمنية لتركيا دون اللجوء إلى خيار المواجهة العسكرية.

إلا أن علوان يرى أن هناك تعنتاً من قبل ميليشيا قسد التي ترفض تقديم أي تنازلات فيما يخص مناطق نفوذها الأمني، الأمر الذي لن تقبل به تركيا، وكذلك هو الحال بالنسبة لكل من روسيا وأمريكا اللتين تريان أنه من غير المقبول استمرار المحاولات الاستفزازية لميليشيا قسد.

وأكد الباحث علوان أن تلك الاستفزازات التي تقوم بها الميليشيا سواء بما يخص قيامها بعمليات إرهابية ضد المعارضة السورية أو في الداخل التركي، وكذلك بعدم قبولها مشاركة الأطراف السياسية الأخرى سواء الكردية أو العربية في شمال شرق سوريا، من شأنها أن تحدد النهج القادم ضد الميليشيا التي شدد على أنها لا تدرك المصالح الإقليمية والدولية.

إضعاف ميليشيا قسد

بدوره، يعتقد الباحث السياسي رشيد حوراني أن ميليشيا قسد تدفع اليوم ثمن تعنتّها الذي أبدته بعدم التعاون والسير قدماً في الحوار الكردي-الكردي برعاية وإشراف أمريكا، وبالتالي اليوم استطاعت تركيا توظيف كافة الأحداث والمعطيات وخاصة مع الروس لجني ثمار ذلك لصالحها والقضاء على المهدد الأمني لها.

وحول أبعاد العملية العسكرية التركية، قال حوراني في تصريح لـ أورينت نت، إن عمليات تركيا العسكرية ضد الميليشيا وكان آخرها المخلب-السيف بدأت منذ أيار الماضي، إلا أن تركيا لم تتمكن آنذاك من شن عملية عسكرية برية ضد قسد.

وتابع: “بدأت تركيا باستهداف قسد بالمسيّرات إلى أن رأت الظروف مناسبة لبدء عملية ضدها أو لتحقيق مطالبها”، لافتاً أن تركيا لن تتراجع عن العملية قبل إضعاف ميليشيا قسد على الأقل بشرياً ومادياً من خلال استهدافها لمصافي النفط وطرحها ضرورة تقاسمه وفق آلية يتم الاتفاق عليها مع بقية الفاعلين.

تركيا تتوعد الميليشيا

والسبت، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستكمل حتماً الشريط الأمني الذي تنشئه على حدودها الجنوبية.

وقال أردوغان: “حتماً سنكمل الشريط الأمني ​​البالغ عمقه 30 كم والذي ننشئه على طول حدودنا الجنوبية”. وأشار إلى أن الهجمات التي تتعرض لها تركيا لن تتمكن من ثنيها عن تحقيق هذا الهدف.

وأضاف: “عشرات آلاف الأرواح التي فقدناها خلال الحرب على الإرهاب، والتي كلفت بلادنا ما يقرب من 40 عاماً والخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي عانينا منها تظهر أمامنا اليوم بنفس الطريقة، لأنهم لم يُحاسَبوا في الماضي”.

والجمعة شدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على أنه لا فرق بين التنظيمات الإرهابية التي تسعى لتقسيم سوريا، مؤكداً أن جميعها يُشكّل تهديداً لتركيا وللسوريين.

وأكد جاويش أوغلو دَور تركيا في تطهير المناطق المكتظة بالإرهابيين، قائلاً: “مثلما طهّرنا شمال سوريا من داعش فنحن بحاجة إلى مواصلة عملياتنا لتطهير المنطقة من تنظيم PKK الإرهابي وأذرعه.

وأردف بأن هذا التنظيم الإرهابي “يشكل خطراً على أمن تركيا خصوصاً منذ العامين الأخيرين”، مستشهداً بالهجمات الإرهابية التي نفذها التنظيم داخل الأراضي التركية.

google news icon تابعوا آخر أخبار اورينت عبر Google News

قيم هذا المقال 6 1

التعليقات

————————-

المخلب التركي في العراق وسورية/ بشير البكر

تخطو تركيا خطوة كبيرة باتجاه إقامة منطقة عازلة بعمق 30 كلم على الحدود الجنوبية مع سورية، ويبدو من التطورات الميدانية في الأسبوعين الأخيرين أن ميزان القوى بدأ يميل لصالح أنقرة التي درجت على القيام بعملية واسعة كلما أحسّت أن حزب العمال الكردستاني عاد إلى المشهد بقوة، ولذلك أطلقت، في العشرين من الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، عملية عسكرية هي الأوسع منذ “نبع السلام” 2019، في إطار ما أسمته “مخلب السيف”، وشملت سلسلة من الضربات الجوية والقصف المدفعي المتواصل ضد مواقع الحزب في شمال العراق، ووحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرقي سورية. وتهدف العملية إلى تحجيم “الكردستاني” عسكريا، وإبقائه في حالة دفاعية.

وفي سياق كل عملية عسكرية، تجسّ تركيا نبض الأطراف الدولية والإقليمية، صاحبة المصالح والحضور العسكري في كل من سورية والعراق، وهي روسيا والولايات المتحدة وإيران، وتعمل على تحقيق أهدافها من دون مواجهة معها، وقد تلقت ضوءا أخضر من واشنطن في عملية أكتوبر/ تشرين الأول 2019 التي أطلقتها في شمال شرقي سورية، لكن الأمر غير وارد اليوم، لأن الرئيس جو بايدن، على عكس سلفه دونالد ترامب، في ما يخص الموقف من قوات سورية الديمقراطية (قسد)، التي دعمها منذ بداية وصوله إلى البيت الأبيض، وهذا ما يفسّر التوتّر الحالي بين واشنطن وأنقرة بسبب الضربات التركية التي أصابت مواقع “قسد”، وألحقت بها خسائر مهمة، بما فيها التي تقع على مسافة قريبة من نقاط تمركز القوات الأميركية. وعلى ما يبدو أن الطرف الأميركي تعاطى مع هذه المسألة على نحوٍ يختلف عن السابق، وسارع للضغط على “قسد”، وتقدّم بمبادرة تهدئة يشرف عليها منسّق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، والمهم فيها أنها جاءت بعد لقاءات بين واشنطن وأنقرة التي طرحت شروطا لإلغاء العملية العسكرية البرّية المرتقبة. وتطالب تركيا بتطبيق بنود اتفاق أكتوبر 2019، والذي يتضمّن انسحاب “قسد” بشكل كامل بعمق 30 كم جنوب الحدود التركية، بما في ذلك منبج، عين العرب، وتل رفعت، ووقف نشاطات “العمّال الكردستاني” وإنهاء وجود عناصره على طول الشريط الحدودي.

وعلى الجبهة التركية الروسية، تبدو أنقرة مصرّة على العملية رغم انتقادات موسكو، ولذلك استأنفت القصف بعد دورة اجتماعات أستانا، في الـ22 من الشهر الماضي، وحضرتها وفود الدول الراعية في سورية، تركيا، إيران، وروسيا ووفدا النظام السوري و”الائتلاف الوطني”، وكانت بعض التقديرات ترى أن اللقاء قد يواجه الفشل في أسوأ أحسن الأحوال، بسبب الخلاف بين أنقرة وموسكو حول عمليات القصف التركي التي استهدف بعضها مواقع للنظام. واللافت أن تركيا أعلنت أنها أبلغت روسيا بقرارها استئناف عمليات القصف، وتنتظر اللحظة المناسبة للتدخل البرّي الواسع بهدف إقامة منطقة آمنة على طول الحدود الجنوبية بعرض 30 كلم، وهذا يعني أن العملية سوف تتجاوز الوحدات الكردية إلى الاشتباك مع النظام، عندما يقترب التدخل التركي من تل رفعت ومنبج في ريف حلب.

لا يمكن إخراج العملية الحالية من الحسابات الانتخابية التركية، فحزب العدالة والتنمية الذي يواجه وضعا اقتصاديا صعبا منذ ثلاثة أعوام يعمل على تعويض ذلك من خلال تحقيق إنجازات خارجية. وكان الرئيس التركي أردوغان قد حسب هذه المسألة، وعمل خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على إجراء مصالحات بين بلاده وكل من السعودية والإمارات وإسرائيل، وأخيرا بدأ العمل على تطبيع العلاقات مع مصر بعد لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش حفل افتتاح المونديال بوساطة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد.

—————–

 درس دموي لأكراد سوريا/ عمو قدور

الرأي السائد أن أكراد سوريا، ممثَّلين بقسد ومسد، على وشك تلقي ضربة كبيرة، إما حرباً بعملية برية تركية، أو سلماً بالانصياع لشروط ومطالب أنقرة. قد لا يتحقق أسوأ التكهنات في القريب العاجل، لارتباطه بقرار واشنطن الانسحاب من سوريا، لكنه بات مطروحاً بقوة مقترناً بعدم إيجابية واشنطن تجاه التغيير في سوريا، لا إزاء الأكراد فحسب. يقوّي من لامبالاة واشنطن الخاصة بالأكراد أنها لا ترى عداوة بينهم والأسد، بل هناك تعاون وتنسيق في العديد من الجبهات الأخرى، على انفراد أو بوساطة موسكو.

بعد عقد من رحلة الصعود، قد لا تكون النهاية وشيكة، إلا أن مآل تجربة قسد صار شبه متوقع، وفي أحسن حالاته لن يكون متناسباً على الإطلاق مع التضحيات الكردية الجسيمة. من دون أن ننسى في هذا السياق التضحيات الجسيمة المقدَّمة من قبل باقي السوريين، بمن فيهم أولئك الذين ساندوا الأسد ودفعوا غالياً وسيدفعون ثمن بقائه. في دفع الأكراد الثمن الباهظ، أسوة بباقي السوريين، أول الدروس عن فشل “الخيار الثالث”، الخيار الذي ربما يصادف حظاً أفضل عندما تكون هناك سلطة ومعارضة ضمن حراك سياسي مدني، أما حظه في صراع مركَّب شديد الضراوة فهو ماثل أمامنا وأمام أصحابه.

في الخيار الثالث، وهو قد طُرح للتداول متأخراً، هناك مفارقة لجهة تذكيره بالنموذج الكردي العراقي من قِبل منظومة حزب العمال التي لا تخفي عداءها لحكم البرزاني في إقليم كردستان. كما هو معلوم أتاحت وتتيح الظروف العراقية للإقليم لعب دور مرجِّح أحياناً ضمن الصراع أو التنافس الشيعي-السنّي، وأهم ما في الخصوصية العراقية أن دور الإقليم مرسوم دستورياً، مع ملاحظة ضرورية تتعلق باتفاق الطرفين السنّي والشيعي على رفض استقلال الإقليم. أيضاً، مما يجعل طرح الخيار الثالث سوريّاً شديد الخفة تجاهله ما يتطلب من استقلالية واكتفاء بالحدود الحالية، وترجمة ذلك فكّ ارتباط قسد ومسد بحزب العمال الكردستاني الأم.

كنا، بخلاف الاستقلالية والاكتفاء بالجغرافيا الحالية، قد شهدنا دعاوى كردية مفادها أن السيطرة على الشمال السوري بأكمله مرحلة في المعركة الكبرى، حيث سيصبح الشمال بمثابة قاعدة خلفية لحرب التحرير في تركيا. في لحظة النشوة تلك انساق كثر من الأكراد وراء الأوهام القومية، وهي لا تنفصل “كما في نظيرتها العربية” عن أوهام التوسع والهيمنة واستعادة “الماضي التليد”. في هذا درس بليغ عن الفشل في إدارة النصر، فلم يكن الخطاب المحايث له مطَمْئناً لغير الأكراد، فوق استخدامه للاستقواء على خصوم حزب العمال في الوسط الكردي نفسه.

نقترب من الذكرى الرابعة للغزو التركي لعفرين، وقد أوضح حينه استعدادَ واشنطن وموسكو للتضحية بمناطق من سيطرة قسد ضمن صفقات دولية وإقليمية، وعلى رأسها المنطقة ذات الأغلبية الكردية الأعلى. خلال هذه السنوات الأربع تراجع خطاب النصر إلى خطاب المظلومية التقليدي، حيث تحتل صدارته نظرية المؤامرة واستحضار تفاهمات دولية قديمة دفع الأكراد ثمنها. هكذا تبدو المؤامرة قدَراً، مثلما هو قدَرٌ ألا يكون للأكراد حلفاء موثوقون.

لا يختلف خطاب المظلومية الكردي عن نظيره العربي، إذ يحوّل الهزيمة إلى نوع من الفرادة التي تتحلى بها المجموعة، وهي ستبقى ضحية التآمر بسبب الخطر الذي تمثّله بالنسبة للآخرين جميعاً. هذا وإن كان يسهّل تقبّل الهزيمة، بل يجمّلها أحياناً، فإنه في جميع التجارب المشابهة يمنع نقد أصحاب المظلومية أنفسَهم، بما أن العلّة مقيمة في المؤامرة إياها. هنا أيضاً درسٌ نرى آثاره اللاحقة في البدء كل مرة من عتبة الصفر، ثم على الأرجح تكرار الأخطاء، لأن التجربة السابقة لم توضع تحت المساءلة والنقد.

ولخطاب المظلومية وظيفة تتعدى تعزية الذات الجماعية المجروحة، إنها وظيفة تبرئة الذين يتحملون على الأقل قسطاً من المسؤولية من أبناء الجماعة نفسها. المفارقة الماثلة في التجربة الكردية أيضاً أن يكسب هؤلاء مزيداً من الاصطفاف وراءهم، بدل خضوعهم للمساءلة التي يُفترض أنها من طبيعة العمل في الشأن العام. والتبرئة تقتضي أن الفكرة القومية ذاتها كانت وتبقى صالحة، وما يعيقها هو تآمر الخارج، من دون انتباه إلى الفشل الذريع لتجارب مشابهة في المنطقة، ومن دون انتباه إلى نماذج بدت ناجحة كالنموذجين الإيراني والتركي، إلا أنهما على اختلافهما يتعثران بعيداً عن الحلول الديموقراطية في إيجاد حلول لقضايا الإثنيات.

للنموذج التركي تحديداً أهمية لما فيه من فشل مزدوج، فشل “حرب التحرير” التي يخوضها حزب العمال، وفشل الحكومات التركية المتعاقبة في تصفية الحزب وتصفية القضية الكردية. ثمة رأي كردي شائع ينص على أن الانتصار هناك سيقوّض الدولة التركية، وإلى جواره رأي يرى استحالة قبول الدول الكبرى انهيارها. في العقود الأربعة الأخيرة، ثم في العقد الأخير خاصة، تعززت هيمنة الشقيق الأكبر الكردي-التركي على نظيره السوري، ما ربط الأخير بقضية الأول باعتبارها “القضية المركزية”، ولأن حل القضية المركزية على مقاس الأحلام القومية غير متاح فإن هذه الوضعية في أحسن الأحوال تضحّي بالشقيق الأصغر خدمة للأكبر، وفي أسوأ الأحوال وأكثرها شيوعاً تجعل من تضحياته بلا جدوى تُذكر.

فك الارتباط العسكري بالمركز الكردي-التركي سيحدث قسراً بموجب التفاهمات المخابراتية بين أنقرة والأسد، وعودة قسد إلى كنف الأخير ستكون تتويجاً لذلك الفصل. يبقى الأهم ذلك الارتباط الذي لا يمكن فصمه بقوة العسكر والمخابرات، ولن يقتصر على جانبه العاطفي فقط ما لم يخضع الجانب العملاني منه للنقد. إن أبلغ خاتمة نراها في التسويق مؤخراً لكون العودة إلى الأسد أفضل من تركيا والفصائل التابعة لها، وهذا بقدر ما يحتمل من الصحة يحتمل فشل التجربة والقول أن ثمن التضحيات هو صفر.

المصيبة في المفاضلة الأخيرة أنها تعمل لصالح الأسد ضد أي مشروع للتغيير في سوريا، ما دام البديل أسوأ منه فيما يخص الأكراد. والمصيبة الأكبر أن هذه الخلاصة مكتوبة منذ عشر سنوات عندما تخلى الأسد عن مناطق لتسيطر عليها قسد، بل قبل ذلك بسنوات عندما كانت مخابراته تحذّر المعارضين الأكراد من التعاون مع نظرائهم العرب بدعوى أن المعارضين العرب لن يكونوا أرأف بهم إذا تسلموا السلطة. أدّت قسد دورها لتصدُق نبوءة المخابرات، أما شراذم المعارضة “العربية الإسلامية” فقد تفوقت على تنبؤات رجال المخابرات، وإذا كان من درس كردي “بفضل الانتظام والانضباط” ينبغي التفكر فيه فإنه من المستحيل تقريباً استخلاص درس ما من الفضيحة المسماة معارضة.

————————-

7 خيانات أميركية للأكراد في مائة عام… هل تخذلهم مجدداً بسوريا؟

لندن: إبراهيم حميدي

لن تكون المرة الأولى، وعلى الأغلب ليست الأخيرة، التي يتعرض فيها الأكراد لـ«خيانة» أميركية أو غربية، في حال لم يكن الرد على توغل تركي أو على استمرار القصف الجوي ضد «أهداف كردية» في شمال سوريا، في مستوى توقعاتهم ومطالبهم.

في القرن الماضي، تغير ميزان القوى العالمي والإقليمي. انهارت الإمبراطورية العثمانية، وتقهقرت فرنسا وبريطانيا في العالم والمنطقة العربية، وتصاعد النفوذ الأميركي. لكن أربعة أمور بقيت «ثابتة»، هي:

أولاً، استمرار حلم نحو 40 مليون كردي بتأسيس كيان أو إدارات مستقلة في الدول الأربع التي يعيشون فيها، تركيا وسوريا والعراق وإيران، من دون أي منفذ بحري.

ثانياً، إجماع هذه الدول الأربع على التنسيق ضد الأكراد رغم الخلافات الكثيرة فيما بينها.

ثالثاً، استعمال القوى الكبرى أو الإقليمية الأكراد أداة في صراعاتها ضد بعضها بعضاً، ولتحقيق أهداف معينة، وبينها اعتماد التحالف الدولي بقيادة أميركا عليهم مكوناً أساسياً في الحرب ضد «داعش».

رابعاً، تغيرت الإدارات الأميركية وتكررت الخيانات، وتغيرت القيادات الكردية في المساحات الجغرافية، وبقيت الطعنات.

خيبات ولدغات

هنا تذكير بسبع خيبات كردية ولدغات غربية – أميركية، خلال مائة عام:

1) بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وخروجها خاسرة من الحرب العالمية الأولى، خصصت «معاهدة سيفر» في 1920 مساحة للأكراد في تركيا، كي يقيموا حكماً ذاتياً على منطقة خارج سوريا والعراق وإيران.

وبعد معارضة أنقرة وسطوع نجم مصطفى كمال أتاتورك ودعم واشنطن، واجه الأكراد طعم أول طعنة في «معاهدة لوزان» في 1923، التي فتحت الباب لباريس ولندن لتقاسم جناحي «الهلال الخصيب» في سوريا والعراق، وذهبت وعود «معاهدة سيفر» أدراج الرياح. فالمنطقة التي وعدتهم الدول العظمى بها في شرق الأناضول، ذهبت نهائياً إلى جمهورية تركيا الوليدة.

وكما هو حال أميركا، غازلت بريطانيا أتاتورك بأنها فضلت العلاقة مع أنقرة على حساب دعم «جمهورية أرارات» الكردية. وأدى هذا إلى هجرة كبيرة للأكراد من جنوب تركيا إلى دول مجاورة، خصوصاً شمال شرقي سوريا. وغالباً ما استعملت دمشق «البعثية»، لاحقاً، موضوع الهجرة في خطابها ضد الأكراد، فقالت وتقول «ليسوا سوريين».

2) بعد عقود من الثورة والهجرة الكردية في تركيا، قامت أميركا بدعم أكراد العراق ضد نظام عبد الكريم قاسم بعد تسلمه الحكم في 1958، ثم دعمت الانقلاب الذي أطاح به في فبراير (شباط) 1963.

واتبع النظام البعثي الجديد في العراق نهجاً صارماً ضد الأكراد. وعندما جنح أكثر باتجاه الاتحاد السوفياتي، تعاونت واشنطن مع طهران المحكومة يومها من الشاه، في تسليح الأكراد ودعمهم بهدف زعزعة الأوضاع في العراق. وتكرر الدعم في السبعينات، ليس بهدف إنشاء دولة كردية، بل لخلق قلاقل داخل العراق للتشويش على أي تقارب سوري – عراقي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من المعادلة العربية.

ورعت أميركا اتفاقاً بين صدام حسين، ممثلاً عن الرئيس أحمد حسن البكر وشاه إيران في ديسمبر (كانون الأول) 1975، فقامت طهران بالتخلي عن دعمها لأكراد العراق، بمباركة من إدارة الرئيس الأميركي الجديد جيرالد فورد.

وحسب قول وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، فإن الدعم العسكري للأكراد لم يكن أبدا هدفه انتصار الأكراد بقدر ما كان يرمي إلى إضعاف حكم بغداد. وتضمن تقرير «لجنة بايك» إلى الكونغرس الأميركي تفاصيل ذلك والتأكيد على أن «هذه السياسة لم تُنقل إلى عملائنا (الأكراد)، الذين شجعناهم على الاستمرار في القتال».

طعنات التسعينات… ومكاسبها

3) تعرض أكراد العراق لأكثر من طعنة أميركية في الثمانينات والتسعينات. فإدارة الرئيس رولاند ريغان التزمت الصمت على استعمال بغداد أسلحة كيماوية في كردستان العراق.

أما إدارة جورج بوش الأب، فقد شجعت العراقيين على التحرك ضد بغداد بعد حرب الخليج عام 1991، ثم تخلت عنهم. ودعا بوش نفسه «الجيش العراقي والشعب العراقي إلى تولي زمام الأمور بأنفسهم، لإجبار الديكتاتور صدام حسين على التنحي»، لكنه لم يفعل الكثير عندما هب الشيعة في جنوب العراق والأكراد قرب حدود سوريا. غير أن أميركا فرضت حظراً جوياً سمح بانتعاش الكيان الكردي في النصف الثاني من عقد التسعينات. وقوبل هذا الصعود للمولود الكردي بتنسيق سوري – تركي – إيراني لمنع تحولهم إلى «دويلة كردية» على الحدود تلهم أبناء جلدتهم في هذه الدول.

4) بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أمر الرئيس جورج بوش الابن بغزو العراق. وحصل تنسيق مع الأكراد وقياداتهم السياسية، وباتوا بين الرابحين الرئيسيين من تغيير النظام العراقي. وتعززت مكاسبهم لدى اعتماد أميركا عليهم في الحرب ضد «داعش».

وفي 2017، أراد رئيس إقليم كردستان السابق، مسعود البارزاني، الإفادة من دعم التحالف بالمضي خطوة في إقامة الكيان الكردي، فأراد تنظيم استفتاء لتقرير المصير واستقلال الإقليم. وجاءت الصدمة أو الخيانة، عندما أعلنت أميركا بوضوح تحفظها على هذه الخطوة.

5) بعد التغيير في العراق في 2003 وبروز الكيان الكردي، انتعشت طموحات أكراد سوريا وانتفضوا في مارس (آذار) 2004، لكن تحركاتهم لم تحظ بأي دعم غربي. قبل ذلك بسنوات، عندما حشدت تركيا جيشها على حدود سوريا في 1998 وطالبت بطرد زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان من دمشق، دعمت واشنطن وحلفاؤها موقف أنقرة، علماً بأن «العمال» مدرج على قوائم الإرهاب الغربية. أوجلان خرج من سوريا وتعرض «العمال» إلى ضربات التنسيق الأمني بين دمشق وأنقرة إلى حين ظهور الاحتجاجات في سوريا في 2011، حين قررت دمشق تسهيل بروز دور الأكراد ضد المعارضة الأخرى.

السحر والساحر

6) انقلب السحر على الساحر. قوي الأكراد وضعفت دمشق، وتحالفت أميركا مع الأكراد في قتال «داعش» المتمدد بعد 2014 ووفرت لهم دعماً عسكرياً وغطاءً جوياً، واعتمدت في شكل أساسي على «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لـ«العمال الكردستاني». وبعد هزيمة «داعش» جغرافياً بالتعاون بين التحالف والأكراد، تشكلت مظلة جوية سمحت بتأسيس إدارة ذاتية وقوة عسكرية وسيطرة على ربع مساحة سوريا ومعظم الثروات الاستراتيجية في شمال شرقي البلاد.

وأقلق ظهور هذا الكيان المسمى بـ«روج أفا» (غرب كردستان) أنقرة ودمشق وطهران، فغيرت تركيا من أولوياتها في سوريا، من «إسقاط النظام» إلى التمدد في الأراضي السورية، وعقدت تسويات مع روسيا في أعوام 2016 و2018 و2019 سمحت بـ«تقطيع أوصال» الكيان الكردي في شمال سوريا ومنع وصوله إلى مياه البحر المتوسط.

حصل هذا بدعم روسي وصمت أو عجز أميركي. لكن الخيانة الجديدة حصلت لاحقاً.

7) في نهاية 2019، قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب فجأة سحب قواته من حدود سوريا وتركيا. واعتبر الأكراد هذا القرار خيانة أميركية بتغريدة «ترمبية». وسمح هذا بتوغل تركي سريع وهز أركان «الإدارة الذاتية» وقواتها وحربها ضد «داعش».

بعد مفاوضات ماراثونية، عقدت اتفاقات أميركية – تركية وروسية – تركية، حصلت أنقرة بموجبها على تعهدات من القوتين الكبريين بسحب «وحدات حماية الشعب» الكردية من الحدود إلى وراء عمق 30 كلم.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يقول حالياً، إن واشنطن وموسكو لم تلتزما اتفاقات العام 2019، وسبق أن صعد ضربات المسيرات (الدرون) ضد «أهداف كردية». وهو يراهن حالياً على قوة موقفه بسبب حرب أوكرانيا وحاجة واشنطن وموسكو إليه، كي يشنّ عملية جديدة ضد الأكراد السوريين.

ملامح «خيانة» أميركية جديدة تلوح في الأفق. فالأميركيون لم يوقفوا الأتراك عن شن ضربات بالمسيرات، ولم يوقفوا القصف الجوي العنيف. والأكراد، يراهنون على «داعش»، أو على اهتمام الغرب بعدم انبعاث التنظيم. ويقول الأكراد إن الحرب ضدهم ستجعلهم يتخلون عن قتال «داعش». وهناك من يلوّح بفتح مخيم «الهول»، الذي يسمى «دويلة داعش»، لدفع أميركا للتحرك لصالح الأكراد. أما الروس، فإنهم ينقلون رسائل الإذعان من أنقرة إلى القامشلي، وهي: انسحاب «وحدات حماية الشعب» من المدن الرئيسية والمناطق الحدودية شمال سوريا، والترحيب بانتشار مؤسسات الدولة السورية وحرس حدودها.

دمشق، من جهتها، مرتاحة من الخيانات الأميركية والطعنات الروسية والضربات التركية. وهي لا تستطيع الترحيب بكل هذا، بل أغلب الظن أنها ستصدر بيان إدانة لـ«العدوان التركي». وهي مسرورة في باطنها مما يتعرض له الأكراد. وأضعف الإيمان، أن هذا «العدوان» سيجلب الأكراد ضعفاء إلى طاولة التفاوض المُرّة.

طريق الأكراد إلى دمشق، نهر معبد بالخيبات والنكسات.

———————————

نداء أوجلان: مآلات أثر بعد عين/ صبحي حديدي

لا يستوي، بالطبع، أن يكون «حزب العمال الكردستاني»، الـPKK، هو الآمر بتنفيذ العملية الإرهابية في قلب إسطنبول، أو أن يكون أحد جيوب التنظيم قد بادر إليها بمعزل عن ستراتيجية استهداف عليا جديدة ضدّ أهداف مدنية تركية، أو أن تصحّ على أيّ نحو فرضيات تقول إنّ التفجير وأدوات تنفيذه نتاج نظرية مؤامرة من جانب أجهزة استخبارية داخل تركيا أو في محيطها الإقليمي. الفوارق هنا تتجاوز صحيح المنطق من عدمه، في مستوى أوّل، لتعبر مباشرة إلى مستوى ثانٍ أمتن منطقياً وأكثر استقراراً في شبكة الاعتبارات المعقدة التي تكتنف حاضر الحزب، غير المنفصل عن ماضيه القريب أو البعيد.

فهل انقضت سنوات كثيرة على ما سُمّي «دعوة تاريخية» أطلقها عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي لـ»العمال الكردستاني» من سجنه في جزيرة إمرالي؛ وتُلي نصّها على نحو طقسي واحتفالي أمام عشرات الآلاف من الأكراد الأتراك غصّ بهم منتزه نوروز في مدينة ديار بكر؟ كلا، بالطبع، إذْ لا يزيد عمر ذلك النداء عن 9 سنوات؛ تبدّلت خلالها أحول التنظيم ومساحات انتشاره العسكري وهيمنته السياسية في كلّ من تركيا وسوريا والعراق وإيران، من دون أن تتبدل جوهرياً وتناسبياً تكتيكات الحزب وقسط غير قليل من ستراتيجياته.

ففي مدينة الرقة السورية، بعد أن تحررت من الإرهاب الداعشي؛ وكذلك في جبال قنديل شمال العراق، حيث تتمركز نواة القيادات الميدانية للحزب؛ من اليسير أن يلاحظ المراقب غياب ترجمة نداء أوجلان على أرض الواقع، خاصة حين تكون أبرز صياغاته هذه المناشدة، على سبيل المثال: «فلتسكت المدافع، ولتنطق الأفكار». يسير، أيضاً، أن يستخلص المرء ذاته عقم البحث عن منعكسات واقعية لما تمخضت عنه مفاوضات جزيرة إمرالي بين السلطات التركية وأوجلان من خريطة طريق تتلمس حلّ المسألة الكردية في تركيا، وما اقترن بها من تدابير غير مسبوقة؛ مثل إلقاء السلاح، وانسحاب قرابة 2000 مقاتل من تركيا إلى جبال قنديل، وإحقاق حقوق الأكراد على نحو ملموس ونوعي…

وليس إفراطاً في تحكيم المنطق البارد، التاريخي والسياسي على حدّ سواء، أن كلّ وأيّ اتفاق تعاقدي بين الأكراد وأنظمة الشرق الأوسط، أو حتى القوى العظمى الإقليمية والدولية ذات الصلة، قابل لأن يُقرأ على هدي واقعة فارقة في تاريخ الـPKK  أقرب إلى محكّ قياسي: سنة 1998 حين رضخ نظام حافظ الأسد إلى الضغوط التركية وأبعد أوجلان خارج سوريا، بعد إقامة في كنف النظام امتدت 18 سنة. يومها غادر أوجلان إلى موسكو، قبيل الذهاب بمحض إرادته إلى العاصمة الإيطالية روما، حيث أطلق تصريحه الشهير: «الـ PKK حزب وُلد في تركيا، وتحوّل إلى منظمة في سوريا، وهو في طريقه لمغادرة موسكو… من أجل تأسيس دولة».

ولقد بدا، يومذاك، أنّ هذا الزعيم الحالم، الثائر، اللينيني، الغيفاري، و«يسوع الأكراد» كما أسمته صحيفة «لوموند» الفرنسية ذات مرّة… تناسى الحكمة الكردية الأعرق التي تقول إنّ الجبال وحدها صديقة الكردي؛ ولعله تغافل عامداً عن حقيقة أنّ تلك الجبال تنفكّ بين الحين والآخر عن الصداقة، فتنقلب إلى مقابر جماعية لأكراد قتلى على أيدي أعدائهم، أو جيرانهم، أو أبناء بلدهم، أو أبناء عمومتهم… سواء بسواء. وحين تمكنت الاستخبارات التركية من الإيقاع به، في نيروبي، فإنها لم تنجح لولا مساعدة مباشرة من الاستخبارات الإسرائيلية، واستخبارات غربية وشرقية وأفريقية أخرى.

«نضالنا لم يكن ضدّ أيّ عرق أو دين أو جماعة. نضالنا كان ضدّ كلّ أنواع الضغط والقهر. ونحن اليوم نستفيق على شرق أوسط جديد، وتركيا جديدة، ومستقبل جديد»، قال أوجلان في ندائه التاريخي ذاك؛ الذي من المحزن أنّ مآلاته، اليوم، تبدو أقرب إلى أثر بعد عين!

القدس العربي

———————–

مصادر أوروبية في باريس : إردوغان أصبح حاجة غربية كما أنه حاجة روسية

السؤال الذي يقلق العديد من عواصم العالم ذات الصلة بالعمليات العسكرية التي تقوم بها تركيا بعد أسبوع من التفجير الإرهابي في «جادة الاستقلال» في إسطنبول، يدور حول معرفة ما إذا كان الرئيس رجب طيب إردوغان سينفذ تهديده بإطلاق عملية عسكرية برية واسعة ضد مواقع «وحدات حماية الشعب» الكردية شمال سوريا. ثم هناك سؤال رديف يتناول المواقف الدولية من خطط إردوغان العسكرية؛ خصوصاً الأميركية والروسية والأوروبية، فهل ستغض الطرف وتترك الرئيس التركي يهاجم المناطق الكردية التي تشرف عليها «وحدات حماية الشعب» حليفة الغرب والتي لعبت دوراً رئيسياً في محاربة «داعش» وطرده من المنطقة الكردية كافة؟

ترى مصادر أوروبية واسعة الاطلاع في باريس أن الرئيس التركي «يوظف ما جرى في إسطنبول من أجل تحقيق خطط قديمة قوامها إقامة شريط عرضه 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية ــ التركية، الذي تسكنه أكثرية كردية». إلا إن الرفض الأميركي والغربي والروسي بشكل عام منعه حتى اليوم من تحقيق ذلك. بيد أن المعطيات، وفق هذه المصادر، تغيرت اليوم من زاويتين: الأولى؛ ترتبط بالهجوم نفسه الذي وفر للرئيس التركي الذريعة التي يبحث عنها للقيام بعمليات عسكرية ردعية بحجة محاربة الإرهاب والدفاع عن النفس وحماية الشعب التركي. والثانية حاجة الغربيين اليوم وأكثر من أي يوم مضى إلى تركيا. ودعت هذه المصادر إلى النظر في ردود الفعل الروسية والغربية على الضربات الجوية التي أوقعت عشرات القتلى للاستدلال على ما يمكن أن يكون عليه رد فعل هذه الأطراف لمنع إردوغان من إطلاق عملية برية واسعة

حتى اليوم؛ جاءت ردود الفعل على الضربات الجوية، كما وصفتها هذه المصادر، «مائعة». فالطرفان الأكثر تأثيراً على تركيا؛ وهما الولايات المتحدة وروسيا، كانا «متساهلين» مع أنقرة ولم تأت بياناتهما مطلقاً على «التنديد» أو «الإدانة»، وهو ما ينطبق كذلك على المواقف الأوروبية التي جاءت «فردية»؛ بحيث لم يصدر أي رد فعل عن الاتحاد الأوروبي بصفته مجموعة؛ أكانت «المفوضية» أم «رئاسة الاتحاد» أم «مسؤول السياسة الخارجية والأمن»

صحيح أن موسكو؛ بلسان المبعوث الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ثم الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، نبهت إلى «زعزعة الاستقرار» في شمال سوريا ودعت إلى «ضبط النفس» والامتناع عن «تصعيد التوترات» و«استخدام القوة المفرطة»، إلا إنها في الوقت نفسه أعربت عن «تفهمها مخاوف تركيا المرتبطة بأمنها»

ومن جانبها؛ اكتفت واشنطن بإبلاغ أنقرة «قلقها الشديد» بشأن العمليات العسكرية وانعكاساتها على «الاستقرار» وعلى محاربة «داعش» وأكدت «معارضتها» أية أعمال عسكرية «غير منسقة» بالتوازي مع طلبها من «شركائها السوريين عدم شن هجمات أو التصعيد»

أما الأوروبيون فقد تفاوتت ردودهم بين الإعراب عن «القلق» و«ضبط النفس»؛ كفرنسا التي قالت وزيرة خارجيتها إنها «تتفهم القلق الأمني لتركيا» في مواجهة الإرهاب. وفي المقابل؛ فإن ألمانيا حثت أنقرة على الرد «بطريقة متكافئة» مع «احترام القانون الدولي» والحرص على «حماية المدنيين» وتجنب «مفاقمة التوتر». ووفق وزيرة الداخلية؛ نانسي فيزر، فإن ألمانيا «تقف إلى جانب تركيا» في الحرب على الإرهاب. وجاء رد فعل السويد، على لسان وزير خارجيتها، مشابهاً؛ إذ قال لصحيفة سويدية من باريس، أول من أمس، إن تركيا «دولة تتعرض لهجمات إرهابية، والدول التي تتعرض لمثل هذه الهجمات تملك حق الدفاع عن نفسها». وباختصار؛ فإن الأوروبيين يريدون من تركيا «ضبط النفس» والاكتفاء بردود «متناسبة» لا أحد يفهم معناها أو المعايير التي تحددها؛ وما إذا كانت أعداد القتلى، أم الأسلحة المستخدمة، أم أنواع الهجمات (صاروخية، جوية، أرضية…)، مع التعبير عن «تفهمهم» ما تقوم به، ولكن ضمن «ضوابط»

حقيقة الأمر أن الاهتمام الروسي والغربي اليوم عنوانه مسار الحرب الروسية على أوكرانيا ومصيرها وما له تبعات جذرية على الطرفين. وترى المصادر المشار إليها أن «كل ما من شأنه إضعاف موقفهم يعد (ثانوياً)»، مضيفة أن إردوغان أصبح اليوم «حاجة غربية كما هو حاجة روسية». وبكلام آخر؛ فإن الرئيس بوتين «يحتاج إلى إردوغان مقدراً حاجة بايدن له». وتفصيل ذلك أن الرئيس التركي عرف كيف يستفيد من الحرب الروسية ليتبع سياسة «متوازنة»؛ بحيث أبقى خطوطه مفتوحة مع الجميع. فضلاً عن ذلك، فقد لعب دوراً في اتفاقية إخراج الحبوب الأوكرانية ولم يتوان في تطبيق الاتفاقية التي تنظم العبور في المضائق البحرية (الدردنيل ومرمرة والبسفور). لكنه في المقابل، لم يطبق العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وبقي «محاوراً» لبوتين بعد تراجع الوساطتين الفرنسية والألمانية. وبالنظر إلى هذه العناصر؛ فإن الغربيين يجدون أنفسهم «مغلولي اليدين» في تعاملهم مع إردوغان؛ الأمر الذي يفسر «تراخيهم» في الرد على ضرباته العسكرية الجوية وربما التساهل أيضاً إزاء عملية برية يتحضر لإطلاقها

بيد أن الصورة لا تكتمل إلا مع الأخذ في الحسبان أن أنقره تمسك بمفتاح انضمام السويد وفنلندا إلى «الحلف الأطلسي»، وقد قبلتا كلتاهما عضوين ولم تتبق سوى مصادقة البرلمانين التركي والمجري على هذا الانضمام. يذكر أن استوكهولهم وهلسنكي وقعتا مذكرة تفاهم ثلاثية في يونيو (حزيران) الماضي مع تركيا بشأن مطالب الأخيرة منهما لجهة «التعامل مع الإرهاب»، وأن الزيارات عالية المستوى من هاتين العاصمتين لأنقرة تتواتر من غير أن يلين موقف إردوغان الذي يجد أن الفرصة سانحة لابتزاز العضوين الجديدين و«الحلف الأطلسي» والاتحاد الأوروبي معهما. وبالنظر إلى هذه العناصر، يبدو مستبعداً اليوم أن تسعى العواصم الغربية؛ وعلى رأسها واشنطن، إلى الوقوف في وجه تركيا في حال عزمت حقيقة على القيام بعملية برية شمال سوريا. وأمس؛ كتبت صحيفة «لو موند» الفرنسية المستقلة أنه «من الصعب تصور أن الغارات التي شنتها المقاتلات التركية لم تحظ بضوء أخضر من الروس والأميركيين الذين يسيطرون على المجال الجوي شمال سوريا»

————————————

 واشنطن تلتفّ على مطالب أنقرة | «قسد» لا تلين: رفض متجدّد للعرض الروسي/ علاء حلبي

لا يبدو، إلى الآن، أن الزيارة الثانية لقائد القوات الروسية في سوريا إلى معاقل «الإدارة الذاتية» الكردية في الشمال، آتت أكُلها. إذ لا تزال هذه الأخيرة على موقفها المتذبذب، الرافض لإخلاء الشريط الحدودي لصالح الجيش السوري، والمنفتح في الوقت عينه على ترك مناطق بعينها مقابل ضمانات بتحصين مشروع «الذاتية». والظاهر أن «قسد» تُراهن في ذلك على «فترة السماح» التي منحتْها أنقرة لواشنطن، والتي تحاول في خلالها الأخيرة التحايل على المطالب التركية، من دون نتيجة حتى الساعة

بعد زيارة هي الثانية من نوعها لقائد القوات الروسية في سوريا، ألكسندر تشايكو، إلى الحسكة، ولقائه مسؤولين من «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، على رأسهم مظلوم عبدي، لم تنجح الجهود الروسية، على ما يبدو، في تحقيق الاختراق المطلوب، في ظلّ تمسّك «قسد» ببقاء قوّاتها في المناطق الحدودية مع تركيا، ورفضها تسليم تلك المناطق للجيش السوري، وفق اتّفاقات سابقة تعود إلى عام 2019. وتُرجع مصادر كردية ذلك، في حديث إلى «الأخبار»، إلى تمسّك تُبديه قيادات «قسد» بالموقف الأميركي الذي تأمل أن يكون أكثر حزماً. وتَلفت المصادر إلى أن ما ناقشه تشايكو مع عبدي لم يَخرج في إطاره العام عن الطرح الروسي الهادف إلى تشريع الباب أمام انفتاح تركي – سوري، وإعطاء دفعة لمسار «أستانا» عن طريق تشجيع الحوار بين دمشق و«قسد»، وتسليم المناطق الحدودية للجيش السوري. ويحظى هذا الطرح بقبول لدى كلّ من دمشق التي أبدت مرونة في الحوار، شرط عدم مناقشة فكرة الاعتراف بـ«الإدارة الذاتية»، وأنقرة التي ترى أن سيطرة الجيش السوري على الشريط الحدودي تفي بالغرض، وتبعد «الخطر الكردي»، ما يفسّر الحشود والتعزيزات الحكومية السورية، التي يتمّ توزيعها على نقاط عديدة قريبة من خطوط التماس مع مواقع سيطرة الفصائل التابعة لأنقرة في الشمال.

على أن «قسد» ترى في العرض الروسي خطوة أولى على طريق «وأد الإدارة الذاتية» المدعومة أميركياً. ومن هنا، يأتي رفضها تسليم الشريط الحدودي من دون مقابل، وإبداؤها استعداداً لترك مناطق بعينها مقابل تعهّدات كفيلة بتحصين مشروع «الذاتية»، وهو أمر مرفوض في موسكو ودمشق. وفي هذا الإطار، تشير المصادر الكردية إلى أن واشنطن سعت إلى ترسيخ هذه الإدارة كأمر واقع، من دون توفير الشروط اللازمة لاستمرارها بمعزل عن الإرادة الأميركية، سواء عبر السماح بإقامة نظام اقتصادي دائم ومتكامل لا يعتمد على المساعدات، أو حتى الوقوف بوجه أنقرة في سبيل ذلك، الأمر الذي يبقي قضية «الذاتية» ورقة بيد الأميركيين. وبحسب مصادر كردية تحدّثت في وقت سابق إلى «الأخبار»، فقد حاول هؤلاء، بدلاً ممّا تَقدّم، إحياء خطّة ربط المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية اقتصادياً، وهو ما أكده مسؤول تركي رفيع المستوى، في تصريحات إلى قناة «الجزيرة» القطرية، أوضح فيها أن الولايات المتحدة عرضت إعادة هيكلة «الذاتية»، وإبعاد الشخصيات التي ترفضها أنقرة منها، نظير استمرار الوضع القائم.

    «قسد» ترى في العرض الروسي خطوة أولى على طريق «وأد الإدارة الذاتية»

في المقابل، وجدت تركيا الفرصة سانحة لربط المبادرة الأميركية بإجراءات أخرى تتعلّق بسحب ملف النفط من يد الأكراد، وهو ما يتيح لها «ضرب عصفورين بحجر واحد»؛ فمن جهة تتخلّص من أحد أبرز مصادر تمويل «قسد»، ومن جهة أخرى تتقدّم خطوة نحو دمشق عبر الوفاء بتعهّدات أطلقتها سابقاً بمساعدة الحكومة السورية في استعادة مصادر النفط. غير أن هذا الطرح يعني في المحصّلة خروج القوات الأميركية، كونها هي التي تتحكّم فعلياً بالموارد النفطية، ما من شأنه إعادة الأمور إلى النقطة الصفر. وفي هذا السياق، يَبرز تصريح عبدي الذي قال لوسائل إعلام كردية، عقب لقائه تشايكو، إنه لم يحصل حتى الآن على «ضمانات سواء روسية أو أميركية تمنع الهجوم التركي المرتقب، على الرغم من الموقف المعارض للعملية من قِبل موسكو وواشنطن»، معيداً الحديث مرّة أخرى عن إمكانية «التعاون بين قسد والجيش السوري لصدّ الهجوم»، في تكرار لمواقف سابقة لـ«قسد» خسرت بسببها مناطق عديدة.

في هذا الوقت، وعلى رغم استمرار التهديد بتوغّل بري، إلّا أن التصريحات التركية حملت في طيّاتها تبريداً مقصوداً للأجواء، عبر الحديث عن مهلة منحتها أنقرة للحلّ السياسي، الذي سيحقّق لها، في حال نجاحه، مكاسب كبيرة من دون أيّ خسائر بشرية محتملة، ستكون مكلفة جداً في ظلّ ارتباط الملف السوري بالانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في شهر حزيران من العام المقبل. ويعني ذلك أن تركيا ستُواصل السعي إلى تسوية سلمية، توازياً مع استمرار الهجمات الجوية والقصف المدفعي على مواقع «قسد»، من دون أن تغلق الباب في الوقت عينه أمام تحرّك برّي سيستهدف بشكل أساسي منبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني)، والتي تعني السيطرة عليها ربط مناطق سيطرة أنقرة في الشمال السوري.

بيدرسن في دمشق: محاولة جديدة لإحياء «الدستورية»

على وقع التصعيد العسكري في الشمال السوري، يزور المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، دمشق، آملاً في إحياء المسار الأممي للحلّ في سوريا (اللجنة الدستورية)، والمُجمَّد منذ نحو ستة أشهر، على خلفية رفض دمشق عقد الاجتماعات في جنيف، التي تخلّت عن حياديتها، وانضمّت إلى لائحة الدول التي تفرض عقوبات على موسكو. ويعوّل بيدرسن، الذي يلتقي خلال الزيارة وزير الخارجية فيصل المقداد، والرئيس المشترك للجنة مناقشة تعديل الدستور أحمد الكزبري، والسفير الروسي في دمشق ألكسندر يفيموف، على إمكانية استئناف اجتماعات «الدستورية»، بعد ثماني جولات سابقة لم تصل إلى نتيجة، وتَبِعها تجميد لهذا المسار، الذي يحظى بدعم أميركي كونه موازياً لـ»مسار أستانا» الذي تحاول واشنطن إفشاله.

كذلك، يتطلّع بيدرسن، وفق تصريحات سابقة له، إلى إحياء مبادرته «خطوة مقابل خطوة»، والتي تقضي بتقديم تسهيلات لدمشق نظير خطوات محدَّدة. وكانت هذه المبادرة تعرّضت للإجهاض قبل أن تولد، في ظلّ رفض دمشق لها، واعتبارها إيّاها بوّابة لشرعنة الوجود الأميركي في سوريا. غير أن المبعوث الأممي يبدو هذه المرّة أكثر ثقة حول إمكانية تطبيقها، بعد إجراء تعديلات عليها، وحصوله على دعم من دول عدّة لها، ليبقى الأمر معلّقاً بنتائج جولاته المكوكية بين دمشق وموسكو وأنقرة وواشنطن، ودول الاتحاد الأوروبي.

————————–

 مظلوم عبدي: أميركا منعت عملية تركية… وقائد القوات الروسية زارني للتوسط مع أنقرة

قائد «قوات سوريا الديمقراطية» قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه لن يذهب إلى دمشق قبل نضج ظروف الحل السياسي

لندن: إبراهيم حميدي

قال قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب «خانت» حلفاءها في «قسد» لدى عدم وقوفها ضد التوغل التركي في نهاية 2019، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية لم تسمح إلى الآن بعملية برية تركية.

وسُئل عن قلقه من تعرّض قواته لـ«خيانة» أخرى، فأجاب «نحن دائماً قلقون، ولكن نأمل بأن تفي الإدارة الأميركية الجديدة بوعودها وبالتزاماتها وأن لا تسمح لتركيا بالقيام بأي عملية». وأشار إلى أن طائرات تركية «دخلت إلى منطقة دير الزور واستهدفت (مخيم الهول) بعمق 80كلم في الداخل. كل الأجواء السورية كانت مفتوحة»، وأن أميركا لم تفعل شيئاً سوى الإدلاء بتصريحات.

وكشف عبدي عن مضمون محادثاته مع قائد القوات الروسية، العماد الأول ألكسندر تشايكو، الذي زاره في مقره شرق الفرات، ووساطته مع أنقرة، قائلاً «يمكن أن نقول إن روسيا حالياً في موقف محايد بيننا وبين تركيا، وتحاول أن تجعل اتفاق سوتشي للعام 2019 ساري المفعول، وأن تعالج الخروقات التي تحصل. نحن من جهتنا لدينا ملاحظات كثيرة جداً على تركيا والخروقات الكثيرة التي تقوم بها». وقال رداً عن سؤال، إن «قسد» جزء من «المنظومة الدفاعية للجيش السوري بشكل عام. لكن لدينا شروطاً وتفاصيل. فلدينا أكثر من 100 ألف مسلح مضى عليهم عشر سنوات وهم يقاتلون، وهم في حاجة إلى حل دستوري وحل قانوني. (قسد) يجب أن يكون لها دور وخصوصية ضمن الجيش». وأضاف «نحن نرسل وفوداً إلى دمشق (للتفاوض). وأنا أريد الذهاب إلى دمشق عندما تنضج الظروف للحل». وهنا نص الحديث الذي جرى عبر تطبيق «زووم» مساء أول من أمس:

> أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) رسميا وقف التعاون مع التحالف في قتال تنظيم «داعش»، ولاحظنا في الوقت ذاته أن قوات التحالف والأميركيين سيّروا مجموعة دوريات على نقاط التماس بالتعاون مع «قسد». هل تستطيع شرح الأمر لنا؟

– لتُفهم الأمور بشكل دقيق، صرّحنا بأن القصف التركي المستمر واستهداف القوات التي تقوم بتسيير الدوريات أدى إلى توقف هذه العلميات. كان الوضع كذلك، وفي فترة قصف الطائرات بشكل خاص تراجع تسيير الدوريات وأصبح يجري بقدر الإمكان. حالياً، بدأ العمل المشترك من جديد. كان الأمر يتعلق بالوضع الأمني، وبما أنه تحسن قليلاً عاد التعاون المشترك.

> إذن، عاد العمل بين قوات «قسد» والتحالف إلى الوضع السابق، سواءً فيما يتعلق بمحاربة «داعش» أو فيما يتعلق بالدوريات.

– بالضبط، عاد إلى ما قبل 20 من الشهر.

> لاحظنا في الأيام الأخيرة أن القصف التركي المكثف تراجع عما كان عليه سابقاً. ما هو سبب تراجع هذا القصف؟ هل هو بالفعل نتيجة ضغط أميركي على أنقرة؟

– أظن أن الضغط الأميركي على أنقرة كان له تأثير إلى حد ما، ومع مرور الوقت تزايد الضغط الدولي على أنقرة. أنقرة قامت بخروقات لتفاهمات كانت أجرتها، سواءً مع روسيا أو مع أميركا، وهذا نتج منه ضغط كبير أدى إلى انخفاض القصف. والعامل الثاني، بصراحة، هو أننا كقوات عسكرية كنا أعددنا تحضيراتنا بشكل جيد. على سبيل المثال، منطقة كوباني (عين العرب) ومنبج وتل رفعت تعرضت لقصف شديد جداً بطائرات «إف – 16» وآلاف الاستهدافات بالمدفعية، ومع ذلك لم تخسر قوات «قسد» أي جريح في هذه المنطقة. الأتراك لم يحصلوا على النتيجة المرجوة. ولا حتى على صعيد المدنيين والبنية التحتية في محافظة الحسكة.

> هناك من يعتقد أنه كان هناك ضوء أخضر أميركي غير معلن بأن تركيا «سُمح لها» بأن تضرب وتقصف لمدة 10 أيام؛ لذلك شاهدنا تدميراً للبنية التحتية للغاز والنفط، وقصفاً قريباً من القواعد العسكرية الأميركية. هل لديك أي معلومات عن هذا الاحتمال؟ وما تعليقك؟

– لا نستطيع القول إن هناك ضوءاً أخضر أو تنسيقاً بين القوات العاملة على الأرض، ولكن انتقادنا بشكل دقيق لقوات التحالف يعود إلى كونهم موجودين على الأرض، فلو قاموا بالتزاماتهم بشكل جيد لما كان حصل قصف بهذا المستوى. كان موقفهم ضعيفاً ضد الهجمات؛ لأن الأتراك، مثلما صرحت وزارة الدفاع (البنتاغون)، عرّضوا الجنود الأميركيين للخطر.

> هل دخلت الطائرات التركية بالفعل الأجواء السورية؟ هناك من يقول إنها دخلت إلى فوق دير الزور تقريباً؟

هم دخلوا إلى منطقة دير الزور، فبلدة مكمن تقع على بعد 70كلم داخل الحدود، واستهدفوا مخيم «الهول» بعمق 80كلم في الداخل. كل الأجواء السورية كانت مفتوحة.

> أميركا لم تفعل شيئاً لوقفهم؟

– بالطبع، ما عدا التصريحات الصحافية.

> أميركا أو الغرب خانوا الأكراد 7 مرات خلال 100 عام. هل لديك بالفعل قلق من «خيانة» أميركية أو أن تتخلى واشنطن عن الأكراد بعد التضحيات الكبيرة في قتال «داعش» وبعدما سقط عدد منهم في الحرب ضد التنظيم؟ هل هناك خوف أو قلق من «خيانة» أميركية؟

– العملية السابقة كانت في 2019، في ذلك الوقت كان هناك تنسيق بين إدارة ترمب والأتراك على أساسه الحملة، وأسميناها خيانة. حالياً، صرحوا بأن إدارة بايدن لن تسمح بدخول عسكري بري وبتدمير المنطقة. وبصراحة، حتى الآن ومنذ 2019 كان هناك ضغط من الإدارة الأميركية إلى أقصى حد حتى لا تقوم تركيا بعمليات عسكرية برية جديدة، ولم يسمحوا في ذلك.

نحن دائماً قلقون، ولكن نأمل بأن تفي الإدارة الأميركية الجديدة بوعدها وبالتزاماتها السابقة الموجودة مع تركيا، وأن تفي الإدارة الجديدة بالتزاماتها وألا تسمح لتركيا بالقيام بأي عملية.

> قلت قبل أيام إن هذا القصف أو هذا التصعيد التركي هو اختبار لإدارة بايدن. هل أنت مطمئن بعدما حصل لنتيجة الاختبار؟ وهل أنت مطمئن بأنه ليست هناك خيانة أميركية؟

– حتى الآن نجد أن الأميركيين وجميع المؤسسات الأميركية تواصلوا بشكل مباشر مع الأتراك، ونستطيع القول إننا طلبنا منهم أن يستمروا في الضغوط ليلاحظ الأتراك، وبالأخص إردوغان، أنه ليس بإمكانهم القيام بأي عملية إذا كانوا يريدون الاستمرار في السلطة والاحتفاظ بالحكم خلال الانتخابات المقبلة.

> أحاول أن أجعلك تقول كلمة «خيانة». ألست قلقاً من الخيانة؟

– لنكون واضحين، هذا للآن لم يحصل. نحن قلقون، ونرى صراحة أن الموقف الأميركي غير كافٍ، ولكن نترك الأمر للزمن.

> هناك اتفاقات بين روسيا وتركيا وأميركا في عام 2019 كما تعرف. وتركيا تقول، إن «قسد» لم تنفذ تعهداتها بالانسحاب إلى عمق 30 أو 32كلم. هل صحيح أن «قسد» لم تنفذ التعهدات، أم أن الصورة غير ذلك؟

– الجميع يعرف أننا التزمنا بالاتفاقات بحذافيرها. ومنذ 2019 إلى اليوم، الضامنون الروس موجودون، وهم مسؤولون عن الاتفاقية. ومع الأميركيين هناك اتفاقية مع الجانب التركي.

> ماذا فعلتم عملياً من جانبكم فيما يتعلق بتنفيذ تفاصيل البنود؟

– أولاً، وقبل كل شيء، بالنسبة للأتراك كانت حجتهم الأساسية هي وجود تهديد للأمن القومي التركي. وحتى الآن، وخارج بعض الأمور الاستثنائية، نحن كـ«قوات سوريا الديمقراطية»، ردنا كان بشكل العام، أننا لم نقم حتى الآن بأي عملية تهدد الأمن القومي التركي من هذه المناطق. فلا عمليات عسكرية بشكل مباشر ضد تركيا من هذه المناطق تحديداً.

> هم طلبوا سحب قوات «وحدات حماية الشعب» الكردية وسحب السلاح الثقيل، أليس كذلك؟

– هذه القوات غير موجودة في هذه المناطق. بشكل رسمي، من يتواجد على الحدود، أي القوات الموجودة حالياً هي قوات الجيش السوري، وهي تنتشر على كامل الحدود.

> قلتم إنكم لم تهددوا أمن تركيا. طبعاً تركيا تقول إن تفجير إسطنبول نُفذ من قبل بعض الأشخاص الذين لهم علاقة بـ«قسد» أو «وحدات حماية الشعب» الكردية، وهي تقول إن لديها الأدلة. ولكن، أعرف أن أميركا وبريطانيا ودولاً أوروبية تقول إنه ليس لديها أدلة كهذه، وتركيا لم تقدم هذه الأدلة. هل قُدمت لكم الأدلة التركية عن وجود علاقة لـ«قسد» بتفجير إسطنبول؟

– المشكلة في الأساس هي أن الأتراك لا يتعاونون مع أحد، ولم يعطوا معلومات إلى الجانب الأميركي. المعلومات تقول إنهم لم يتعاونوا، وهم يعطون المعلومات من طرف واحد وعبر الإعلام، ويريدون من العالم أن يصدق معلوماتهم. صرحنا من جهتنا بأننا نعتبر العملية إرهابية، وأنه ليس لنا أي علاقة بتلك العملية.

أعطيك معلومة جديدة: نحن نعتمد على المعلومات التي تقدمها تركيا عبر الإعلام وليس بشكل رسمي. اليوم أنهينا القسم الأول من التحقيق في كل المعلومات التي أعطتها تركيا وسلمناها إلى كل المعنيين بالأمر، بمن فيهم الجانب الأميركي، وبعض المعلومات قدمها الأتراك من جديد، والتحقيق صدر خلال فترة قصيرة جداً. ومن التحقيقات أثبتنا أن لا علاقة لنا بهذه العملية من جميع الجوانب. ما توصلنا إليه أن الأشخاص الذين قدم الأتراك أسماءهم، قسم منهم من مدن كانت مع «داعش»، ونحن أعطيناهم التحقيقات، وسلمناهم الأسماء بالتفصيل مع الصور، والبنت التي قامت بالعملية قامت قبلها بفترة قصيرة بزيارات عدة إلى عفرين، حيث يقيم أخوها وعمها وعدد من أفراد عائلتها.

> عفرين تحت سيطرة الأتراك؟

– نعم. قياديون في ما يسمى الجيش الوطني وأشخاص آخرون كانوا قبل ذلك موجودين وطردناهم من المنطقة قبل 2018، ثم انتقلوا إلى مناطق أخرى. الأشخاص الذين قدم الأتراك أسماءهم لهم روابط مع الفصائل المسلحة الموجودة في جرابلس ومناطق أخرى. قدمنا الأسماء الآتية من جرابلس وعفرين مع الأدلة، ونكمل الجزء الثاني من التحقيق في الأيام القليلة المقبلة.

> من يقف وراء العملية في اعتقادك؟

– لا نريد أن نتهم أحداً، لكن ما نعرفه أن لها علاقة بالمناطق المحتلة من قِبل تركيا، عفرين وجرابلس، وأشخاص ترددوا إلى تلك المناطق. ولدينا أدلة بأن قسماً من المتفجرات أتى من تلك المنطقة، وأسماء الأشخاص ذاتهم وردت ضمن الدائرة الضيقة، وأرادوا أن يقوموا بعمليات خارج مناطقنا. هم موجودون في منطقة عفرين وجرابلس، ولهم يد في تلك المسألة، والتحقيق يجب أن يثبت أن «قسد» لا علاقة لها.

> طبعاً، اليوم حصل قصف على موقع تركي من عفرين؟

– ليس عندي علم بذلك.

> ماذا عن المحادثات مع روسيا؟ قرأنا في الإعلام أن الأتراك سرّبوا معلومات كثيرة، وقائد القوات الروسية وصل إلى القامشلي. بعيداً عن هذا التفصيل، ماذا عرض عليكم الروس بالضبط بعد التصعيد التركي؟

– لنصحح أولاً هذه المعلومة. يقولون، إنه جاء من مطار القامشلي. عندما يزورونا يأتون إلى قواعدنا.

> هل يمرون عبر الحواجز الأميركية لزيارتكم؟

– يأتون إلى قواعدنا.

كانوا في زيارتنا، والقيادة الروسية جاءت إلينا، وأنهينا اجتماعاتنا قبل فترة قصيرة مع قائد القوات الروسية، العماد الأول ألكسندر تشايكو. تركيا تتهم روسيا بأنها لم تفرض علينا الالتزام ببنود اتفاقية سوتشي العام 2019. ومن جانبها روسيا تحاول أن تجعل الأتراك يلتزمون ببنود الاتفاقية. يمكن أن نقول، إن روسيا حالياً في موقف محايد بيننا وبين تركيا، وتحاول أن تجعل الاتفاقية سارية المفعول، وأن تعالج الخروقات التي تحصل. نحن من جهتنا لدينا ملاحظات كثيرة جداً على تركيا والخروقات الكثيرة التي تقوم بها.

على سبيل المثال، هم يتحدثون عن 30كلم، بينما في الفترة الأخيرة هم دخلوا إلى عمق 70 – 80كلم، وأقاموا بنية تحتية، ولديهم القوة العسكرية والمدنيون، وهذه كلها خروقات. من جانبنا نطلب منهم أن يلعبوا دورهم بأن يجعلوا تركيا تلتزم بالاتفاق. بالطبع تركيا لديها ملاحظات علينا، منها أننا نهدد الأمن القومي. ونحن من جانبنا نلتزم، حتى لو كانت هناك خروقات فردية كرد فعل. من جانبنا سنلتزم باتفاقات 2019. نحن رسمياً غير موجودين على الحدود حتى يُطلب منا أن ننسحب إلى عمق 30كلم. قوات أمن الداخل (الأسايش) موجودة، ولكن هؤلاء خارج الاتفاقية. الأسايش سيتواجدون في كل الأماكن، فهم ليسوا مشمولين بمسألة الانسحاب وجدول الانسحاب، والناس تحرس بيوتها، وقوات الحماية المجتمعية هي قوات مدنية. قوات «قسد» ملتزمة من الأساس بالاتفاقيات.

وبالمجمل، اجتماعاتنا مع الجانب الروسي هي لدراسة الخروقات التي نطلب منهم بشأنها أن يلتزموا بالاتفاقات، وأيضاً تركيا لديها ملاحظات علينا.

> قيل إن روسيا عرضت انسحاب قوات «قسد» من كوباني ومنبج، مقابل أن تنتشر قوات النظام عوضاً عنها.

– سأعطيك معلومة: بالأساس، قوات النظام الموجودة في هذه المناطق أكثر من قواتنا (نحو ضِعف عدد قواتنا). قوات النظام موجودة في كوباني ومنبج وتل رفعت، والنظام له وجود كافٍ في تلك المناطق. وحتى حالياً، إذا حصل هجوم على كوباني ومنبج، فإن ذلك سيكون مشكلة للنظام أكثر من أن يكون مشكلة بالنسبة لنا. قوات النظام موجودة على الحدود، وهي التي ستكون مستهدفة. وعندها على النظام أن يتخذ قراراً إما بالانسحاب وعدم القتال وترك تلك المناطق للجيش التركي والانسحاب منها، أو أن يقاتل. فهم موجودون هناك مع دباباتهم ومدافعهم وأسلحتهم الثقيلة. وإذا قارنا وجودهم هناك بقواتنا، فهم القوات الأساسية. حالياً ليس هناك أي ضرورة لانسحاب قواتنا ودخول قوات النظام لأنها موجودة. وإذا أرادوا أن يتحدثوا عن قوات «الأسايش» أو «قوات الأمن الداخلي» أو المؤسسات المدنية الموجودة ومؤسسات الإدارة الذاتية، فلدينا الناس هي التي تحرس نفسها، فهذا أمر آخر، ونحن لن ننسحب.

> اللقاء مع قائد القوات الروسية تم في قاعدة الرميلان أم في مزرعة الوزير؟

– أعفني من الجواب.

> هل صحيح أن إيران أيضاً حرّكت قواتها في ريف حلب، وباتت تطرح نفسها كشريك على الأرض؟

– حالياً، الإيرانيون موجودون في منطقة تل رفعت والشهباء، ونبل والزهراء بريف حلب. أما في شرق الفرات والجزيرة، فهم غير موجودين بشكل رسمي، بل مع النظام.

> ماذا عن المحادثات مع دمشق؟ نعرف أنك وقّعت مذكرة أو ورقة في 2019 بينك وبين رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، ثم حدث اتفاق على انتشار في مناطق محددة. هل نفذ هذا الاتفاق بشكل كامل؟

– نعتبر أن ما اتفق عليه نُفذ بشكل كامل، سواء مع النظام أو مع روسيا التي تم الاتفاق بينها وبين تركيا والآخرين. نعتبر أنه تم الالتزام بالاتفاق بشكل كامل؛ لأننا لم نتفق على عودة مؤسسات النظام. فقط اتفقنا على حرس الحدود ووجود النظام على الحدود، والتزمنا بذلك، وساعدناهم على أن ينتشر الجيش على كامل الحدود. وحالياً لا نحتاج إلى أي اتفاقات إضافية. وحتى موضوع حرس الحدود، المسألة بشأنه منتهية. وفيما يتعلق بالمؤسسات الأخرى؛ فذلك يحتاج إلى اتفاقية. وفي الفترة الأخيرة، هناك نقاط نتفق فيها مع النظام، فيما يتعلق بالسيادة الوطنية وبالحدود وبالعَلم والرموز الوطنية. نحن متفقون على هذه النقاط الأساسية: الحفاظ على وحدة الأراضي السورية بشكل عام، وجعل المفاوضات أو الحوار ضمن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. في المسائل الأساسية نحن متفقون. المشكلة هي في المسائل الأخرى الإدارية، مثل موضوع التعليم مثلاً.

> لكن هناك خلافات حول اللغة الكردية ومستقبل «قسد» والإدارة الذاتية؟

– بشكل عام، وكمثال، نحن لسنا ضد أن تكون «قسد» جزءاً من المنظومة الدفاعية للجيش السوري بشكل عام. لكن لدينا شروطاً وتفاصيل. فلدينا أكثر من 100 ألف مسلح مضى عليهم عشر سنوات وهم يقاتلون، وهم في حاجة إلى حل دستوري وحل قانوني. «قسد» يجب أن يكون لها دور وخصوصية ضمن الجيش. الأمور العامة متفقون عليها، لكن عند التفاصيل هناك مشاكل؛ ما يجعل الأمر يأخذ وقتاً.

> يبدو أن دمشق تطالب بأن ترسلوا إليها كمية أكبر من النفط. فأنتم ترسلون إلى الشيخ مقصود في حلب كمية نفط أكبر، ولكن مناطق الحكومة تعاني من أزمة كبيرة في فيول والطاقة.

– سأعطيك معلومة: تركيا تهدد تل رفعت والشيخ مقصود، وبالتزامن مع التهديدات التركية اليومية النظام فرض حصاراً شديداً على هذه المناطق، حصار بكل ما للكلمة من معنى. فهو لا يسمح بمرور المازوت والطحين والطعام، والناس هناك جائعون ويعانون من البرد، ولا كهرباء لديهم؛ لأن الكهرباء تعتمد على المولدات، والأفران معطلة، وهذا منذ أن بدأ الأتراك بتهديداتهم. وهذا غير مقبول، ولا نعتبره بادرة حسن نية. وإذا استمر ذلك سنضطر إلى الرد بالمثل.

> ما هو مستوى الدمار من القصف التركي للبنية التحتية للغاز والنفط؟

– القصف كان بهدف إخراج مؤسسات من الخدمة، مثل المؤسسة الوحيدة التي تنتج الغاز المنزلي والتي خرجت من الخدمة بعد تعرضها للقصف بشكل مباشر، وكثير من المصافي. أكثر من 50 في المائة من تلك القطاعات تضررت، وما زالت قيد التصليح وإعادة الإعمار.

> كما نعرف، اللواء مملوك وهاكان فيدان، مدير الاستخبارات التركية، التقيا في موسكو في شهر يوليو (تموز)، وجرى لقاء آخر في كسب بين ضباط من الأمن السوري والأمن التركي. هل أنت قلق من التعاون الأمني السوري – التركي؟ وهل تعتقد أن هناك تنسيقاً أمنياً بين أنقرة ودمشق، خصوصاً فيما يتعلق بكيفية مواجهة «قسد»؟

– لنكن دقيقين: أولاً، نحن نعرف أن الدولة السورية بشكل عام وأن دمشق هي ضد الاحتلال التركي للمزيد من الأراضي السورية، وهذا موقف وطني بشكل عام. ولكن، نحن قلقون. وما نعتبره غير وطني هو أنه عندما تنفذ تركيا تهديداتها يجب أن تكون أولويتنا مقاومة الاحتلال والوقوف معاً ضد محاولة الاحتلال. في النهاية، تركيا تحاول احتلال جزء من الأراضي السورية، سواء كوباني أو منبج أو تل رفعت أو المناطق الأخرى، ونحن نرى أن موقف دمشق من هذه النقطة ضعيف. هم يحاولون الاستفادة من بذلك بدلاً من الوقوف معاً ضد الاحتلال التركي. يريدون استغلال الوضع للضغط على المناطق التي يمكن أن نتحاور حولها مستقبلاً، مثل منبج ودير الزور والرقة والمناطق الأخرى. هذه مسألة أردت إثارتها؛ لأن هذا ليس موقفاً وطنياً. ولكن، بشكل عام، نحن نعرف أنه تمت لقاءات كثيرة، وهم لا ينكرون ذلك. هناك لقاءات، وأحياناً نسمع أن تركيا تطلب منهم أن تنسق معهم لضرب أهداف محددة، ونسمع منهم أنهم ضد هذا الأمر، ونتمنى أن يكون ذلك صحيحاً بحيث لا يكون هناك أي اتفاق أو تنسيق أمني ضدنا في هذه المناطق. ولكن، هناك – حسب ما تم نقله لنا وما ورد في الإعلام أيضاً -، رفضاً من قِبل الرئيس السوري بشار الأسد للقاء إردوغان إلى ما بعد الانتخابات التركية. نعتبر هذا الموقف صحيحاً، وسيساعد على حل المشكلة السورية؛ لأن إردوغان همه النجاح في الانتخابات والقضاء على الحركة الكردية بشكل خاص. وأمامه خياران: إما القيام بعملية عسكرية ما، يعلن بعدها عن انتصار عسكري مزعوم يستثمره في الداخل من أجل النجاح في الانتخابات، أو أن يتفق مع دمشق على حساب القضية الكردية، وهذا يستثمره أيضاً في الانتخابات. الموقف الأخير للرئيس الأسد كان موقفاً عاقلاً بأنه رفض الالتقاء بإرودغان إلى ما بعد الانتخابات التركية.

> حسب معلوماتي، أنك ترفض الذهاب إلى دمشق. لماذا ترفض الذهاب إلى دمشق، وما هي شروط ذهابك إليها للتفاوض؟

– نحن نرسل وفوداً إلى دمشق. وأنا أريد الذهاب إلى دمشق عندما تنضج الظروف للحل، وأريد أن يكون ذهابي إلى دمشق يساعد في الوصول إلى حل سلمي للأزمة الموجودة، وهذه تحتاج إلى جملة من الزيارات والتمهيد حتى تنضج الظروف بحيث ينتج منها الحل السياسي للأزمة.

———————–

قريباً… “المخلب-السيف” التركي في شمال سوريا/ أحمد رياض جاموس

بعد أسبوع واحد من وقوع الانفجار في شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول التركية، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي أدى إلى مقتل ستة مدنيين وعشرات الجرحى، انطلقت الغارات الجوية التركية لضرب مواقع عسكرية تابعة لقوات قسد، على طول الشريط الحدودي وفي عمق سيطرتها فلي شمال سوريا، وجاء ذلك بعد اعتراف منفذة التفجير بأنها تلقت أوامرها من حزب العمال الكردستاني، وفق ما صرح مسؤولون أتراك.

تصنف أنقرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ميليشيات إرهابيةً، وتعدّها أحد فروع حزب العمال الكردستاني في سوريا، لذا ومنذ منتصف الشهر الفائت، ركّزت ضرباتها الجوية في عملية أطلق عليها مسؤولون أتراك “المخلب-السيف”، مؤكدين أنها ستتجاوز الاستهداف الجوي إلى اجتياح بري برفقة فصائل الجيش الوطني التابع للمعارضة السورية، لنحو ثلاث مدن رئيسية هي “تل رفعت، عين العرب كوباني، ومنبج”، خاصةً أن رد قسد أزعج تركيا كثيراً، إذ أوقع ضحايا مدنيين في قضاء قرقميش التابع لولاية غازي عينتاب جنوب تركيا، بالإضافة إلى ضحايا في مدينه أعزاز شمال سوريا نتيجة الصواريخ والقذائف التي استخدمتها.

تركيا والموقف الدولي

تشترط تركيا لإيقاف العملية ضد قوات قسد، انسحاب الأخيرة من منبج وعين العرب وتل رفعت، كما اشترطت عودة مؤسسات النظام السوري بديلاً من قوات قسد، بما فيها القوات الأمنية وحرس الحدود، بالإضافة إلى تسليم قسد قادةً وأعضاء بارزين من حزب العمال الكردستاني لأنقرة.

    تشترط تركيا لإيقاف العملية, انسحاب قسد من منبج وعين العرب وتل رفعت، كما اشترطت عودة مؤسسات النظام السوري

في المقابل، تعدّ قسد هذه الشروط مرفوضةً جملةً وتفصيلاً، إذ أكدت عبر بيان مكتب الدفاع في الإدارة الذاتية الجناح المدني لقواتها، أن “الرد سيكون قاسياً إذا ما استمرت الهجمات التركية”.

وتحاول روسيا لعب دور الوسيط بين أنقرة وقوات قسد عبر اقتراحها نشر قوات من الفيلق الخامس -الذي تشرف عليه في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام- على الشريط الحدودي، بالإضافة إلى عودة مؤسسات النظام إلى تلك المناطق، وهو ما رفضته قسد.

أما بالنسبة إلى الموقف الأمريكي، فقد أنهى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الجدل حول تذبذب الموقف الأمريكي، إذ أبلغ نظيره التركي الأربعاء 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، معارضة أمريكا القوية لعملية عسكرية تركية جديدة في سوريا، وعبّر عن قلقه من تصاعد الوضع في البلاد بما في ذلك الضربات الجوية التركية التي هدد بعضها على نحو مباشر سلامة الأفراد العاملين مع شركاء محليين في سوريا لهزيمة داعش، وكان موقع “المونيتور الأمريكي”، قد أكد انتقال مسؤولين أمريكيين من شمال شرق سوريا إلى كردستان العراق بالتزامن مع الضربات الجوية التركية.

يرى الخبير العسكري العميد أحمد الرحال، أن “سحب الموظفين الأمريكيين إلى أربيل لا يعني أن أمريكا موافقة على العملية، إنما هو إجراء بهدف حماية موظفيها وعناصرها”.

ويلفت في حديثه لرصيف22، إلى أن “واشنطن تريد إمساك العصا من المنتصف من خلال عدم انتقاد أنقرة من جهة وعدم التخلّي عن قسد من جهة أخرى، إذ تحاول التوفيق بين الأطراف، مع الإشارة إلى أن تركيا تنتقد أمريكا جراء تسليحها قوّات قسد، وهذا الانتقاد يُفهم منه عدم التوافق بين أنقرة وواشنطن، خاصةً أن الأخيرة ترى العملية الجوية التركية شمال شرق سوريا كافيةً للرد على تفجير إسطنبول، وأن تركيا في عملية التأديب هذه قد تخطت حدود أمنها القومي”.

وكان سلاح الجو التركي قد أعلن عن استهداف “أكثر من 70 مقاتلةً حربيةً ومسيّرةً، العديد من المنشآت الحيوية شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى عدد من القياديين والعناصر، إذ تم استهداف 471 هدفاً، بينها خمس محطات نفطية في ريف القامشلي، وملاجئ وأنفاق ومستودعات، توزعت في مناطق شمال العراق في جبل قنديل وأسوس وهاكورك، وعين العرب وتل رفعت ومناطق في دير الزور شمال شرق سوريا، زيادةً على تحييد 254 إرهابياً”.

يقول رحال إن “تركيا قادرة بإمكانياتها العسكرية وحلفائها على القيام بعمل عسكري منفرد من دون تنسيق مع الحلفاء، ولكن السؤال، هل تستطيع أنقرة أن تتحمل تبعات العملية وردود الأفعال الروسية والأمريكية والإيرانية؟”.

ويضيف: “الروس أنشأوا نقطةً عسكريةً في عين العرب، وهذا يُقرأ بمفهومين اثنين: الأول استبدال قوات قسد بقوات روسية، والثاني هو رسالة لأنقرة بأن روسيا تمنع أي عمل عسكري تركي، مع الإشارة إلى أن روسيا تعرض انتشار الفيلق الخامس أيضاً في مناطق تل رفعت وعين العرب ومنبج، إلا أن أنقرة ترفض الانتشار الشكلي لقوات النظام، ما يدل على خلافات بين دمشق وأنقرة وموسكو”.

نساء شمال سوريا ممنوعات من الميراث… لا “الشريعة” تشفع ولا أهلها يساعدون

مخطط تقسيم سوريا على قدم وساق… مستوطنات “تركيا” شمالاً تنتظر “طاعة اللاجئين”

“الجواز لا يحمينا حين نتلعثم”… هكذا يعيش السوريون المجنّسون في تركيا!

تقارب تركي مع الأسد

تغيّرت السياسية التركية في علاقتها مع نظام الأسد بشكل كبير، وتبدل الخطاب من فكرة إسقاط النظام إلى فكرة القضاء على الكيان الانفصالي فقط، والذي تعدّه تركيا الخطر الوحيد على أمنها القومي، وتدعم تلك السياسة التفاهمات الروسية-التركية التي تبدو أنها أكثر انسجاماً من التفاهمات مع أمريكا، الداعم الرئيسي لقسد.

    تركيا قادرة على القيام بعمل عسكري منفرد من دون تنسيق مع الحلفاء، ولكن السؤال، هل تستطيع أنقرة أن تتحمل تبعات العملية وردود الأفعال الروسية والأمريكية والإيرانية؟

في آب/ أغسطس الفائت، أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جملة تصريحات تناولت تأكيدات على حصول تواصل ما بين جهاز الاستخبارات السوري والتركي بخصوص مكافحة الإرهاب، كما أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بشكل متزامن مع تصريحات أردوغان، إلى أن “بلاده ستقدم كل أنواع الدعم السياسي للنظام السوري في مواجهة قسد لإبعادها عن الحدود التركية”.

في الإطار نفسه، تحاول روسيا فرض واقع تقاربي ما بين دمشق وأنقرة، بهدف عودة العلاقات السياسية، وتمثلت في طلب روسيا من تركيا التنسيق مع دمشق لحل قضية التنظيمات الكردية الانفصالية وملف اللاجئين خلال قمة سوتشي الأخيرة.

وفي إطار سعيها إلى كسب الانتخابات المقبلة، سحبت الحكومة التركية ورقة المفاوضات مع النظام، وورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة، إذ وعدت باستكمال إنشاء مشروع المنطقة الآمنة شمال سوريا، وتوسيعها بعمق 30 كيلومتراً، لإعادة مليون لاجئ سوري إلى إليها.

رسائل التطبيع

يقول محمد طاهر أوغلو، الصحافي والباحث في الشأن التركي، لرصيف22، إن “حديث تركيا عن إمكانية التطبيع مع النظام السوري يحمل رسائل للداخل التركي أولاً في ظل محاولة المعارضة تسلّم زمام الملف السوري، والذي يُعدّ على رأس أجندة القضايا الداخلية، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في حزيران/ يونيو 2023”.

ويضيف: “هناك دلالات أخرى تتعلق باعتقاد تركيا بأن تمرير هذه الرسائل مهم بالنسبة إلى روسيا، التي تجري محادثات معها حول العملية البرية المحتملة، وكذلك إلى النظام السوري في الدرجة الثانية في سبيل عدم التعاون إطلاقاً مع قسد وغيرها، بمعنى أن تركيا تحاول جر النظام نحوها بدلاً من أن يستجيب لنداء قسد فيتحالف معها”، مشيراً إلى أن “تركيا تحاول إغراء النظام في سبيل عدم رؤية أي تعاون بينه وبين قسد، ولذلك تركز أيضاً على مسألة وحدة الأراضي السورية، وعدم السماح لقسد ووحدات الحماية بتقسيم بعض أجزاء سوريا أو السيطرة عليها”.

يتوقع أوغلو، أن “هذه النقطة لو تحققت، فإنها في المقابل ستضع مصير إدلب ومناطق المعارضة على المحك، فتسلُّم قوات النظام مناطق منبج، تل رفعت وعين العرب، يعني اشتراطه السيطرة كذلك على مناطق الشمال السوري الأخرى، وسحب البساط من تحت قوات المعارضة الحليفة لتركيا”.

عجز دمشق

    تحاول روسيا التقريب بين دمشق وأنقرة، بهدف عودة العلاقات السياسية، من باب التنسيق لحل قضية التنظيمات الكردية

يبدو أن روسيا قادرة على أن تعيد رسم خريطة النفوذ الأمني بالضغط على النظام في حال حلوله مكان قسد، كي لا يكون النظام عامل قلق مزعجاً، وألا يسبب أي تهديد للأمن القومي التركي، إلا أن السؤال الأهم يكمن في مدى قدرة النظام على عدم تهديد دول الجوار أمام ترهل منظومته، ووجود الحليف الإيراني من جهة، ومدى رغبته في منح الحكومة الحالية التي يقودها أردوغان ورقةً رابحةً مع اقتراب الانتخابات التركية أمام المعارضة التي لطالما عُرفت بموقفها الداعم لنظام الأسد، والإشكال الأهم، هو قبول قسد بالوساطة الروسية؟

يجيب الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، بالقول، إن “المتوقع هو عدم قبول قسد الانسحاب من المناطق الثلاث الخاضعة لسيطرتها، فيما تركيا ستبدأ عمليات عسكريةً بريةً محدودةً وستستمر في عملياتها الجوية، أما النظام فهو عاجز عن القيام بأدوار أمنية داخل مناطق قسد، لأنه مستنزَف أمنياً وعسكرياً، وعاجز عن ضبط هذه المناطق والأهم من ذلك عدم وجود إرادة حقيقية لديه أصلاً”.

يرى علوان في حديثه إلى رصيف22، أن “فتح تركيا باب الحوار مع النظام مبني على أساس دعمها للحل السياسي الذي توافقت عليه المجموعة الدولية والمعارضة والنظام، كما أن تركيا غالباً ما تنطلق بما يناسب مصالحها خاصةً الأمنية منها، فهي تنظر إلى الملف السوري من ناحيتين:

– الأولى أن هناك تهديداً -وهو الأخطر لتركيا- من حزب العمال الكردستاني والميليشيات التابعة له سواء في شمال سوريا أو شمال العراق، وتهديدات تتعلق بالأمن القومي التركي تستهدف المصالح التركية.

– أما التهديد الثاني فهو من قبل النظام السوري الذي ما زال حتى هذه اللحظة يعلن في خطابه الرسمي معاداة تركيا والمصالح التركية، لكن علاقة تركيا بالنظام متعلقة بوساطة روسية تضمن لتركيا بالفعل عدم تهديد النظام لمصالحها وأمنها القومي على الشريط الحدودي، وأن ينخرط في موضوع محاربة الإرهاب ضمن التوافق الذي تدفع إليه تركيا، فموضوع الانفتاح السياسي التركي هو مفيد خارجياً وداخلياً لكن ليس بالضرورة أن يؤدي إلى نتائج، لأن النظام عادةً ما يفشل في تقديم أي تطمينات لدول الجوار أو أي تغيير في سلوكه.

أين المعارضة؟

شنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية شمال سوريا؛ درع الفرات 2016 وغصن الزيتون 2018 ونبع السلام 2019، واستطاعت عبر هذه العمليات الحد من نفوذ قسد على الحدود الجنوبية لتركيا، من عفرين غرباً إلى عامودا شرقاً، بما يتضمن محافظة دير الزور الغنية بالنفط، إلا أن تركيا وعبر شرطها الأخير باستبدال قوات قسد بقوات النظام مع استعدادها للحوار مع دمشق، فتحت الباب أمام جملة من التساؤلات عن رغبتها في إبعاد قوات المعارضة عسكرياً ومدنياً من مناطق عين العرب ومنبج وتل رفعت.

    مصالح المعارضة السورية تتقاطع في كثير من الأمور مع السياسة التركية، فهل تتخلّى أنقرة عنها لصالح الاستفادة مما يُمكن أن يقدم لها النظام السوري؟

يوضح علوان، أن “مصالح المعارضة السورية تتقاطع في كثير من الأمور مع السياسة التركية، لأن المعارضة السورية أيضاً هي في موضع العداء المستمر للمجموعات الانفصالية والنظام”، نافياً “فكرة تخلي الجانب التركي عن المعارضة، فاستثماره في المعارضة هو استثمار توافق مصالح”.

وينبه إلى أن “تركيا تفضّل دخول المعارضة إلى هذه المناطق (عين العرب كوباني ومنبج وتل رفعت)، فنموذج المناطق المحررة اليوم هو نموذج ممتاز بالنسبة لتركيا على مستوى أمنها، إلا أن من الممكن، ضمن الضغوط الدولية وضمن الضغط الروسي بالذات، أن تختبر تركيا موضوع جدية التسوية الروسية ومدى قدرتها على ترجمتها على أرض الواقع أم لا”.

ورقة “داعش”

تستغل “قسد” ورقة تنظيم داعش، الورقة الأقوى بالنسبة لها، في محاولة منها لكبح جماح الاستهداف التركي، إذ أعلن قائد قوات قسد، مظلوم عبدي، أن العمليات العسكرية ضد تنظيم “داعش” توقفت بسبب الهجمات التركية، كما أعلن تعليق التنسيق مع قوات التحالف في شأن محاربة التنظيم، وتشرف قسد على سجون ومخيمات تضمّ آلاف المنتسبين إلى “داعش” من عناصر وأمراء محليين وعرب وأجانب.

ويرى أوغلو، أن ملف داعش شمال شرق سوريا، هو جوهر المسألة بالنسبة إلى أمريكا التي تعارض أي عمل عسكري في تلك المناطق، فهي تزعم بأن ذلك سيقوض مكافحة “شركائها” لداعش، وتالياً هذا الملف يُعدّ ورقة ضغط مثمرةً بالنسبة إلى قسد.

ويتوقع “تكثيفاً في التعويل على هذه الورقة، والتهديد بالتخلي عن مسؤوليتها في مكافحة التنظيم”، لافتاً إلى أنه ربما سنشهد محاولةً لإعادة إحياء “خلايا نائمة” أو ربما “ميتة” بالأحرى، في سبيل إقامة الحجة على تركيا بأن خطر داعش لا يزال قائماً، وأن قسد “شريكة” أمريكا، لذا يجب أن تواصل حربها أو وظيفتها في تلك المناطق لمواجهة هذا الخطر.

——————————————-

أهداف أنقرة الأربعة في سوريا/ فراس رضوان أوغلو

من الواضح التغيير والصعود بآن واحد في مستوى التصريحات السياسية لقادة الدبلوماسية التركية من السياسيين الأتراك في الملف السوري، والذي يُعد الملف الأقوى من بين باقي الملفات التي يتم تناولها على الصعيد الداخلي استعداداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أغلو وتصريحه الأخير في البرلمان التركي أمام لجنة التخطيط والميزانية عن إمكانية رفع التواصل بين أنقرة ودمشق إلى المستوى الدبلوماسي (في حال تقييمها ووجود بيئة مناسبة لهذا الأمر) بعد أن كانت الاتصالات والتواصل عبر أجهزة الاستخبارات التركية ونظيراتها لدى النظام السوري ما هي إلا دليل على استمرارية النهج السياسي الجديد لتركيا في الملف السوري، ولو عدنا قليلاً إلى الوراء فسنجد تصريحات لنفس الوزير يدعو فيها لإيجاد تفاهم بين النظام والمعارضة وفق القرار 2254 لأنه لا حل في سوريا إلا الحل السياسي، لكن في هذه المرة تكلم رئيس الدبلوماسية التركية عن أهداف استراتيجية أربعة تخص تركيا وهي، الحفاظ على وحدة التراب السوري، وثانيها إزالة كل أنواع الإرهاب من المناطق المتاخمة للحدود التركية، ويمكن عد هذين البندين بمطالب قديمة متجددة وأما عن الهدفين المتبقين الثالث والرابع وهما الاستقرار الدائم على أسس الحل السياسي، والأخير وهو العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم فكلاهما يمكن عدهما مستجدين ولكن وفق الرؤية الجديدة للملف السوري، مع التحفظ على مقدار واقعية تحقيق كل هذه الشروط مع كل المتغيرات الدولية والإقليمية القائمة في الآونة الأخيرة.

إذا ربطنا هذه التصريحات بما يجري على الصعيد الإقليمي والدولي فسنجد أن تركيا تريد هذا الحل توافقاً مع روسيا على المستوى الاستراتيجي بين الطرفين، فالتطورات المستجدة في الحرب الروسية الأوكرانية ترخي بظلالها على الملف السوري بكل تأكيد، ففي الأمس القريب صرح بوتن بأن تركيا ممكن أن تكون مركزاً لتجمع الغاز وبيعه، ولهذا الأمر تداعيات كبيرة لكن بشكل إيجابي على الاقتصاد التركي الذي يمر بأوقات ليس جيدة، وعليه فإن التقارب الروسي التركي يزداد من يوم لآخر على حساب التباعد النسبي بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، التي أرسلت قبل فترة وجيزة وفداً رفيع المستوى من موظفي الخزانة الأميركية لمناقشة العقوبات الغربية على روسيا ومدى ومقدار تطبيق تركيا لهذه العقوبات، رغم أن هذه الأخيرة صرحت في عدة مناسبات بأنها لن تطبق تلك العقوبات لكن التدفق المالي الكبير من قبل الشركات الروسية نحو تركيا بدأ يزعج واشنطن، وخاصة أن تركيا حليف عسكري للولايات المتحدة الأميركية وأيضا للناتو.

أما على الصعيد الإقليمي وتحديداً العربي منه فبهذه التصريحات المتناسقة والمتتالية فيما بينها وكأن تركيا تحاول أن تمسك العصا من المنتصف، كي توازن علاقاتها بين الدول العربية الداعمة للنظام السوري وبين تلك الداعمة للمعارضة السورية، وخاصة أن تركيا تربطها علاقات قوية وجيدة مع كلا الطرفين وفق تشابك للمصالح وبشكل معقد مع كلا الطرفين، فالجزائر مثلا والتي تدعم سياسياً النظام في سوريا لديها تشابك مصالح مع تركيا في ليبيا التي تدعم بدورها المعارضة السورية، إضافة للعلاقات القوية مع دول الخليج العربية التي تتناقض نوعاً ما في رؤيتها السياسية للملف السوري، وهذا يدل على أن أنقرة تتفهم المواقف المتناقضة للعواصم العربية وفق رؤية براغماتية حقيقية تراعي فيها مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية بشكل متوازن قدر الإمكان.

ويبقى السؤال المهم هو هل التفاهم بين النظام والمعارضة في سوريا حسب ما تريده أنقرة أمرٌ ممكنٌ في ظل وجود عقبات كبيرة، وحقيقة رغم التغير الحاصل بالموقف التركي في الملف السوري، فإيران التي لها دور فاعل وكبير في الأرض السورية لديها خلافات كبيرة في ملفات عدة مع تركيا، فهل من الممكن أن تتجاوب معها في هذا الطرح، وهناك العقبة الثانية والأصعب لتركيا وهي الولايات المتحدة الأميركية التي تدعم قسد المصنفة لدى تركيا على لائحة الإرهاب، إضافة لما تقوم به قسد من اتفاقات سياسية مع النظام في دمشق ضد تركيا وفصائل المعارضة المدعومة من قبلها، فكيف لهذا التفاهم الذي تريده تركيا أن يتحقق، وأخيراً هل يُفهم من هذه التصريحات بأن تركيا قد تخلت تماماً عن عمليتها العسكرية التي كانت تنوي القيام بها في الشمال السوري والتي تعارضها كلٌّ من روسيا والنظام السوري والولايات المتحدة الأميركية معتمدةً على الفكرة  القائلة ضع الكرة في ملعب الآخرين.

تلفزيون سوريا

——————————–

=================

تحديث 08 كانون الأول 2022

———————-

درس دموي لأكراد سوريا/ عمر قدور

الرأي السائد أن أكراد سوريا، ممثَّلين بقسد ومسد، على وشك تلقي ضربة كبيرة، إما حرباً بعملية برية تركية، أو سلماً بالانصياع لشروط ومطالب أنقرة. قد لا يتحقق أسوأ التكهنات في القريب العاجل، لارتباطه بقرار واشنطن الانسحاب من سوريا، لكنه بات مطروحاً بقوة مقترناً بعدم إيجابية واشنطن تجاه التغيير في سوريا، لا إزاء الأكراد فحسب. يقوّي من لامبالاة واشنطن الخاصة بالأكراد أنها لا ترى عداوة بينهم والأسد، بل هناك تعاون وتنسيق في العديد من الجبهات الأخرى، على انفراد أو بوساطة موسكو.

بعد عقد من رحلة الصعود، قد لا تكون النهاية وشيكة، إلا أن مآل تجربة قسد صار شبه متوقع، وفي أحسن حالاته لن يكون متناسباً على الإطلاق مع التضحيات الكردية الجسيمة. من دون أن ننسى في هذا السياق التضحيات الجسيمة المقدَّمة من قبل باقي السوريين، بمن فيهم أولئك الذين ساندوا الأسد ودفعوا غالياً وسيدفعون ثمن بقائه. في دفع الأكراد الثمن الباهظ، أسوة بباقي السوريين، أول الدروس عن فشل “الخيار الثالث”، الخيار الذي ربما يصادف حظاً أفضل عندما تكون هناك سلطة ومعارضة ضمن حراك سياسي مدني، أما حظه في صراع مركَّب شديد الضراوة فهو ماثل أمامنا وأمام أصحابه.

في الخيار الثالث، وهو قد طُرح للتداول متأخراً، هناك مفارقة لجهة تذكيره بالنموذج الكردي العراقي من قِبل منظومة حزب العمال التي لا تخفي عداءها لحكم البرزاني في إقليم كردستان. كما هو معلوم أتاحت وتتيح الظروف العراقية للإقليم لعب دور مرجِّح أحياناً ضمن الصراع أو التنافس الشيعي-السنّي، وأهم ما في الخصوصية العراقية أن دور الإقليم مرسوم دستورياً، مع ملاحظة ضرورية تتعلق باتفاق الطرفين السنّي والشيعي على رفض استقلال الإقليم. أيضاً، مما يجعل طرح الخيار الثالث سوريّاً شديد الخفة تجاهله ما يتطلب من استقلالية واكتفاء بالحدود الحالية، وترجمة ذلك فكّ ارتباط قسد ومسد بحزب العمال الكردستاني الأم.

كنا، بخلاف الاستقلالية والاكتفاء بالجغرافيا الحالية، قد شهدنا دعاوى كردية مفادها أن السيطرة على الشمال السوري بأكمله مرحلة في المعركة الكبرى، حيث سيصبح الشمال بمثابة قاعدة خلفية لحرب التحرير في تركيا. في لحظة النشوة تلك انساق كثر من الأكراد وراء الأوهام القومية، وهي لا تنفصل “كما في نظيرتها العربية” عن أوهام التوسع والهيمنة واستعادة “الماضي التليد”. في هذا درس بليغ عن الفشل في إدارة النصر، فلم يكن الخطاب المحايث له مطَمْئناً لغير الأكراد، فوق استخدامه للاستقواء على خصوم حزب العمال في الوسط الكردي نفسه.

نقترب من الذكرى الرابعة للغزو التركي لعفرين، وقد أوضح حينه استعدادَ واشنطن وموسكو للتضحية بمناطق من سيطرة قسد ضمن صفقات دولية وإقليمية، وعلى رأسها المنطقة ذات الأغلبية الكردية الأعلى. خلال هذه السنوات الأربع تراجع خطاب النصر إلى خطاب المظلومية التقليدي، حيث تحتل صدارته نظرية المؤامرة واستحضار تفاهمات دولية قديمة دفع الأكراد ثمنها. هكذا تبدو المؤامرة قدَراً، مثلما هو قدَرٌ ألا يكون للأكراد حلفاء موثوقون.

لا يختلف خطاب المظلومية الكردي عن نظيره العربي، إذ يحوّل الهزيمة إلى نوع من الفرادة التي تتحلى بها المجموعة، وهي ستبقى ضحية التآمر بسبب الخطر الذي تمثّله بالنسبة للآخرين جميعاً. هذا وإن كان يسهّل تقبّل الهزيمة، بل يجمّلها أحياناً، فإنه في جميع التجارب المشابهة يمنع نقد أصحاب المظلومية أنفسَهم، بما أن العلّة مقيمة في المؤامرة إياها. هنا أيضاً درسٌ نرى آثاره اللاحقة في البدء كل مرة من عتبة الصفر، ثم على الأرجح تكرار الأخطاء، لأن التجربة السابقة لم توضع تحت المساءلة والنقد.

ولخطاب المظلومية وظيفة تتعدى تعزية الذات الجماعية المجروحة، إنها وظيفة تبرئة الذين يتحملون على الأقل قسطاً من المسؤولية من أبناء الجماعة نفسها. المفارقة الماثلة في التجربة الكردية أيضاً أن يكسب هؤلاء مزيداً من الاصطفاف وراءهم، بدل خضوعهم للمساءلة التي يُفترض أنها من طبيعة العمل في الشأن العام. والتبرئة تقتضي أن الفكرة القومية ذاتها كانت وتبقى صالحة، وما يعيقها هو تآمر الخارج، من دون انتباه إلى الفشل الذريع لتجارب مشابهة في المنطقة، ومن دون انتباه إلى نماذج بدت ناجحة كالنموذجين الإيراني والتركي، إلا أنهما على اختلافهما يتعثران بعيداً عن الحلول الديموقراطية في إيجاد حلول لقضايا الإثنيات.

للنموذج التركي تحديداً أهمية لما فيه من فشل مزدوج، فشل “حرب التحرير” التي يخوضها حزب العمال، وفشل الحكومات التركية المتعاقبة في تصفية الحزب وتصفية القضية الكردية. ثمة رأي كردي شائع ينص على أن الانتصار هناك سيقوّض الدولة التركية، وإلى جواره رأي يرى استحالة قبول الدول الكبرى انهيارها. في العقود الأربعة الأخيرة، ثم في العقد الأخير خاصة، تعززت هيمنة الشقيق الأكبر الكردي-التركي على نظيره السوري، ما ربط الأخير بقضية الأول باعتبارها “القضية المركزية”، ولأن حل القضية المركزية على مقاس الأحلام القومية غير متاح فإن هذه الوضعية في أحسن الأحوال تضحّي بالشقيق الأصغر خدمة للأكبر، وفي أسوأ الأحوال وأكثرها شيوعاً تجعل من تضحياته بلا جدوى تُذكر.

فك الارتباط العسكري بالمركز الكردي-التركي سيحدث قسراً بموجب التفاهمات المخابراتية بين أنقرة والأسد، وعودة قسد إلى كنف الأخير ستكون تتويجاً لذلك الفصل. يبقى الأهم ذلك الارتباط الذي لا يمكن فصمه بقوة العسكر والمخابرات، ولن يقتصر على جانبه العاطفي فقط ما لم يخضع الجانب العملاني منه للنقد. إن أبلغ خاتمة نراها في التسويق مؤخراً لكون العودة إلى الأسد أفضل من تركيا والفصائل التابعة لها، وهذا بقدر ما يحتمل من الصحة يحتمل فشل التجربة والقول أن ثمن التضحيات هو صفر.

المصيبة في المفاضلة الأخيرة أنها تعمل لصالح الأسد ضد أي مشروع للتغيير في سوريا، ما دام البديل أسوأ منه فيما يخص الأكراد. والمصيبة الأكبر أن هذه الخلاصة مكتوبة منذ عشر سنوات عندما تخلى الأسد عن مناطق لتسيطر عليها قسد، بل قبل ذلك بسنوات عندما كانت مخابراته تحذّر المعارضين الأكراد من التعاون مع نظرائهم العرب بدعوى أن المعارضين العرب لن يكونوا أرأف بهم إذا تسلموا السلطة. أدّت قسد دورها لتصدُق نبوءة المخابرات، أما شراذم المعارضة “العربية الإسلامية” فقد تفوقت على تنبؤات رجال المخابرات، وإذا كان من درس كردي “بفضل الانتظام والانضباط” ينبغي التفكر فيه فإنه من المستحيل تقريباً استخلاص درس ما من الفضيحة المسماة معارضة.

المدن

——————————-

العملية التركية في سوريا: هل تغيّر شيء؟

رأي القدس

خلال فترة التحشيد العسكريّ الأخير الذي قامت به تركيا للفصائل السورية المحسوبة عليها في الشمال السوري، وكذلك لوحدات من الجيش التركي على الحدود، شهدنا تطوّرات سياسية مختلفة عن المرّات الكثيرة السابقة التي تأهبت فيها أنقرة لاجتياح برّي للمنطقة الحدودية السورية.

تمثّل ذلك، بداية، على المستوى التركي، بتصريحات للرئيس رجب طيب اردوغان، وعدد من مسؤولي الحكومة والمعارضة، تمهّد لإمكانية حصول تقارب مع النظام السوري، بما في ذلك إمكان حصول لقاء مع رئيسه بشار الأسد، وتمثّل، على المستوى الروسيّ، برعاية اتفاق مبدئي يسمح لأنقرة بإدخال جيشها إلى مناطق يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني (تحت مسمّياته العديدة) مقابل تسليم تلك المناطق للنظام.

شهد الموقف الأمريكي من تركيا نوعا من التقارب بعد العملية الإرهابية في إسطنبول التي اتهم بها «الكردستاني»، وبدأ مع لقاء مغلق بين الرئيس جو بايدن، بنظيره التركي اردوغان، ضمن كواليس قمة العشرين التي عقدت منتصف الشهر الماضي في اندونيسيا، وقال «البيت الأبيض»، حينها، إن بايدن عزّى اردوغان وقال إنه «يقف إلى جانب حليفنا في الناتو».

بعد إعلان أنقرة عزمها تنفيذ العملية العسكرية المذكورة ظهرت تصريحات أمريكية «خفيفة» تناشد تركيا التراجع عن الاجتياح، وتناظر ذلك مع سحب دبلوماسيين أمريكيين من مناطق الإدارة الذاتية، وكذلك إعلان وزارة الدفاع الأمريكية، الثلاثاء الماضي، تقليص عدد دوريات جنودها مع عناصر الكردستاني في الشمال، وهي إشارات فهمتها أنقرة إيجابيا، على أنها موافقة ضمنية، أو غض نظر، أو تقبّل للغضب التركيّ.

ظهرت بعد ذلك مواقف أوروبية، من ألمانيا وفرنسا، تدعو أنقرة لوقف الهجوم، كما ظهرت إشارات عديدة إلى أن مواقف الفرقاء «عادت إلى قواعدها»، التي شهدناها تتكرر على مدى السنوات الماضية.

قام «الكردستاني»، كما هو معتاد، بانتقاد الموقف الأمريكي غير الحازم، وإيقاف التعاون مع «التحالف الدولي»، وطالب، مجددا، النظام السوري بحماية مناطقها، وناشد موسكو، كما فعل مرارا، التوسط.

بعد ذلك توجهت تعزيزات عسكرية روسية لمناطق في محافظة حلب، وكذلك محيط مدينة «عين العرب» (كوباني)، على الحدود، وسيّرت دورية في المنطقة برفقة مروحية، وخلال 48 ساعة، حسب «المرصد السوري»، دخلت 240 شاحنة متتالية تابعة لـ«التحالف الدولي»، الذي تقوده أمريكا، إلى شمال وشرق سوريا قادمة من معبر الوليد الحدودي، محملة بمدافع وأسلحة رشاشة ثقيلة ومعدات عسكرية وذخائر، وصهاريج وقود، وعبّرت واشنطن، عبر وزير دفاعها لويد أوستن، عن «معارضتها القوية» لأي عملية عسكرية تركية جديدة في سوريا.

تشير تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، التي طالب فيها أمريكا بإبداء التفهم إزاء عملية عسكرية جديدة «قد تطلقها بلاده في سوريا»، إلى عدم إمكان حصول العملية التركية من دون موافقة أمريكية صريحة، أما تصريحات وزير الدفاع الأمريكي فإشارة ممكنة إلى أن «البنتاغون» يتبنى موقفا أكثر تشددا في الموضوع السوري من الأجهزة الدبلوماسية، التي تراهن على التعاون التركي في الأولوية الكبرى حاليا، وهي أوكرانيا.

تبدو المسألة الأوكرانية حاضرة في التبدّلات الجزئية التي جرت مؤخرا، فموسكو، التي كانت تفضّل سيطرة الأمريكيين، وحلفائهم الأكراد، على مناطق «الإدارة الذاتية»، على توسّع نفوذ تركيا العسكري في سوريا، اقتربت من فكرة توجيه ضربة للأمريكيين عبر أنقرة، بطريقة يستفيد منها النظام السوريّ أيضا، أما «البنتاغون»، فوجد في هذه الفائدة الممكنة لروسيا والنظام، أمرا يجب مواجهته، وهو ما حصل، على ما تبيّن الأحداث.

القدس العربي

—————————-

فخّ العقيدة السياسية/ علي العبدالله

أتاحت التهديدات التركية بتنفيذ عملية عسكرية برية ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في تل رفعت ومنبج وعين العرب، على خلفية الاعتراض التركي على التطلعات السياسية الكردية عامة، والكردية التركية خاصة، فرصة للكشف عن خلل في التصورات السياسية المعتمدة في مواجهة الاستحقاقات السياسية لدى الطرفين التركي والكردي، وعن ضرورة إعادة النظر ووضع تصوّرات بديلة على أسس مختلفة، لحمتها وسداها تصور مستقبلي يلمح كل مصالح دول المنطقة وشعوبها، ويؤسّس لحالة استقرار وازدهار شاملة، تنهي الخصومات المديدة التي فقدت جدواها في ضوء النتائج السلبية المدمّرة لهذه الخصومات وآليات إدارة الصراع والدوران في حلقة مفرغة استنزفت قدرات المنطقة، البشرية والمادّية، واستنفدت خيراتها.

لا تشكّل حالة التعدّد العرقي والقومي في تركيا حالة فريدة، فدول كثيرة تحتوي تعدّدا عرقيا وقوميا أكثر وأعقد؛ حيث المشكلة ليست في التعدّد، بل في السياسة المتّبعة للتعاطي معه وفي طبيعة النظرة إليه، أهي نظرةٌ منفتحةٌ مبنيةٌ على المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، أم ضيقةٌ مبنيةٌ على التركّز حول ذات قومية وإنكار الحق في المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات على بقية أبناء الوطن الواحد من الأعراق والقوميات الأخرى، كما هو الحال في النظرة التركية إلى التعدّد داخلها التي تميزت بسلبية حادّة وإنكار ممنهج ومواجهة صلبة وعنيفة منذ قيام الجمهورية التركية، بدءا بالقواعد السياسية التي أقام الجنرال مصطفى كمال، الملقب بأتاتورك (أبو الأتراك)، عليها الجمهورية عند إعلانها في أكتوبر/ تشرين الأول 1923، بإعلائه العرق التركي، بلغ الإعلاء حد العنصرية (الجنس التركي أصل البشرية والحضارة بأسرها)، و(يا لسعادة من قال أنا تركي)، وعدم الاعتراف بالأعراق والأقوام الأخرى داخل حدود الدولة التركية الناشئة (26 جماعة عرقية وقومية)، والتفافه على التعدّد العرقي والقومي، باعتبار كل مسلم في الجمهورية “تركيا” وغير المسلم غير تركي، والاعتراف بوجود أقلياتٍ غير مسلمة؛ وتكريسه موقفه هذا بتعيين ممثلين عن الأقليات الدينية، نائبين أرثوذكسيين ونائب أرمني، باعتباره مسيحيا، في البرلمان الأول (1923)، ونائباً يهودياً في برلمان (1935- 1939)، وفق النظام المللي العثماني. وقد تجسّدت النزعة الإقصائية في القمع العنيف لكل محاولات التعبير عن الذات القومية المختلفة، ولكل مطالبة بحقوق قومية، صغيرة أو كبيرة، والذي أصاب الكُرد بشكل خاص، ردّا على سعيهم إلى تحقيق ذاتهم القومية عبر ثوراتهم المتتالية التي جعلتها كتلتهم الكبيرة وتجمعهم الجغرافي ممكنة ومؤثرة.

لقد زرع أتاتورك، بموقفه السلبي من الأعراق والقوميات غير التركية، قنبلة في أساس الجمهورية، نقطة ضعفٍ مقيمة، كعب آخيل، ومشكلة دائمة انعكست سلبا على الاستقرار الداخلي وعلى صلابة الدولة، ورقة اسُتغلت ضد الدولة التركية في الصراعات الجيوسياسية من الخصوم هزّت استقرارها، وأضعفت مقاومتها الضغوط الخارجية ودفعتها إلى التنازل في ملفات حيوية للأمن القومي؛ وبندا ثقيلا على جدول أعمال الحكومات التركية المتعاقبة، يمينية كانت أم يسارية أم إسلامية، مشكلة استنزفت قدرات الدولة وخيراتها وكرّست هشاشتها، مواجهات دامية استمرت عقودا راح ضحيتها آلاف المدنيين والعسكريين ودمرت مئات القرى والبلدات وهدرت فيها مليارات الدولارات. قنبلة لم تحاول الحكومات التركية المتعاقبة تفكيكها في ضوء طبيعة الدولة التركية ودور الجيش كحارس للنظام ومصالحه التي نمت على خلفية دوره في محاربة “الإرهاب” الكردي، وتحوّل الموقف من المطالب الكُردية إلى ورقة للمزاودة السياسية بين الأحزاب التركية، فالأحزاب التركية، يسارية ويمينية وإسلامية، التي حكمت تركيا؛ من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب العدالة والتنمية؛ مرورا بحزب الحركة القومية، اختلفت على كل شيء، واتفقت على عدم التنازل للكُرد، مع تباينٍ في أسلوب التعامل معهم. ربط الأول القضية بالتخلف الاقتصادي والاجتماعي للكُرد، واعتمد الأطر القانونية في مواجهة الحراك الكردي، في حين ربطها الثاني بتنافسات وصراعات جيوسياسية واعتمد مزيجا من الشدّة واللين، القوة العارية والإصلاحات الهامشية. وربطها الثالث بمؤامرة غربية لتفتيت تركيا، واعتمد القوة بما في ذلك الاغتيالات، شكّل فرق اغتيال تحت اسم “الذئاب الرمادية” للقيام بهذه المهمة.

وما طبول الحرب التي يدقّها النظام التركي الآن إلا امتداد نمطي لسياسات الحكومات التركية المتعاقبة خلفيتها رفض الإقرار بالتعدّد العرقي والقومي في الدولة التركية.

على المقلب الآخر، حزب الاتحاد الديمقراطي، وجناحه العسكري، وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، يتحمل جزءا هاما من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في شمال شرقي سورية، على خلفية التصوّرات والخطط التي أطلقها وطبقها في مناطق سيطرته، بدءا من تأسيس الإدارة الذاتية وتبعاتها، تشكيل برلمان ووضع دستور خاص وقضاء وأحوال شخصية وقوانين عقوبات ومناهج تعليم خاصة وفرض ضرائب وتحصيل جمارك على السلع المستوردة، وتطبيق رؤاه العقائدية والأخلاقية من دون الأخذ بالاعتبار أنها ليست محلّ توافق أو إجماع، لا محليا ولا وطنيا، والسيطرة على مناطق شاسعة من الأرض السورية، بما في ذلك مناطق إما ليس فيها كُرد أو نسبتهم فيها قليلة، وفرض قراراته على سكان هذه المناطق، التجنيد الإلزامي، تحت عنوان الحماية الذاتية، وبرامج تعليم غير متفق عليها، بما في ذلك فرض تدريس اللغة الكردية في مناطق ليس فيها كُرد، والاستحواذ على الثروات الطبيعية. فرض نفسه كحاكم على مناطق واسعة من الأرض السورية شرق نهر الفرات وغربه، وفشل في تجنّب التمييز العرقي والقومي، إن في الإدارة واتخاذ القرارات أو في الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية، والبطش بالمخالفين من كل الأعراق والقوميات. واستفزازه تركيا عبر الاستعانة بمقاتلين من حزب العمّال الكردستاني، ورفع راياته وصور قائده المعتقل في سجن في جزيرة إيمرلي التركية، عبدالله أوجلان، والسماح لهذا الحزب بممارسة دور واسع في وضع الخطط والإمساك بدفّة القيادة، وعمله، حزب الاتحاد، بتوجيه العمّال الكردستاني، على توسيع سيطرته على طول الحدود السورية التركية، بما في ذلك السعي للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، لضمان التواصل مع العالم الخارجي، وتحويل الشريط الحدودي إلى قاعدة خلفية للعمال الكردستاني ومعركته في تركيا.

ليس الاعتراض هنا على علاقة حزب الاتحاد بحزب العمال الكردستاني، فهذا يمكن تفهمه في ضوء التوجهات القومية، هذا السلوك موجود عند أصحاب الدعوات القومية، كما العرب في تشكيلهم تنظيماتٍ قومية عربية، الاعتراض على السياسة وإدارة الصراع، خصوصا بعدما تبيّن أن لإشراك حزب العمّال في رسم السياسات والخطط تبعات سلبية كبيرة إن على العلاقة مع السوريين، الكُرد، من خارج حزب الاتحاد، وغير الكُرد، أو على العلاقة مع القوى الخارجية، الإقليمية والدولية، التي تصنف “الكردستاني” منظمة إرهابية. وانخراطه، حزب الاتحاد، في علاقة عدائية مع المعارضة السورية بجناحيها السياسي والعسكري.

لم يغير الحزب المذكور سياساته بعد تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو يُعِد النظر فيها ويقوّم خللها ونقاط ضعفها، حتى بعد تعرّضه لهزائم قاسية في عفرين وتل أبيض ورأس العين، بحيث يقلّص الهوّة مع المعارضة السورية، ويحتوي الاستفزاز التركي، بل استمر في السياسات نفسها والخيارات ذاتها.

كانت الحصافة تقتضي من حزب الاتحاد الديمقراطي إدارة المنطقة التي سيطر عليها جناحه العسكري من دون تغيير طابعها السياسي بتأسيس الإدارة الذاتية ووضع دستور وقوانين .. إلخ، فالتوازنات المحلية والإقليمية والدولية لا تشير إلى وجود فرصة لقيام إدارة ذاتية واستمرارها؛ وأن يتوقع أن يجلب التأسيس ردود فعل عدائية وتحرّكات ميدانية ضد الإدارة، وتقتضي (الحصافة) الإعلان عن رؤيته للحل في سورية والانخراط في حوار مع القوى السياسية السورية حولها، أجرى حوارات داخل مناطق سيطرته ومع شخصيات وقوى سورية معارضة في أوروبا على خلفية تأكيد صحة موقفه وتوسيع دائرة شرعية مشروعه وقد تلت ندوات عقدها داخل مناطق سيطرته اعتقال مخالفين تحدّثوا في الندوات، وانتظار الجلوس إلى طاولة الحل السياسي لطرحها أحد الخيارات الوطنية، واستخدام السيطرة ورقة ضغط على هذه الطاولة لتحقيق كل مطالبه أو بعضها، كما كانت قواعد الصراع والاشتباك تستدعي منه عدم توسيع دائرة الخصوم عبر ضرب الحراك الشعبي الكردي المنخرط في فعاليات الثورة السورية، بداية، وتصعيد عملياته ضد حواضن المعارضة، قصفاً ومفخّخات، ومنعه الأحزاب الكردية المنخرطة في المجلس الوطني الكردي من العمل في مناطق سيطرته. تاليا، كان الانفتاح، وتقبل الآخر المختلف، جسرا للحصول على غطاء شعبي سوري مهما كانت قوته ومستواه، كما يقتضي عدم استعداء تركيا عبر إبراز ولائه لقيادة “الكردستاني” وتنفيذ خططه وبرامجه المعادية للنظام التركي، فالمنطق والحصافة السياسية يقولان بقراءة الواقع والتوازنات والتحرّك ضمن الممكن، مع العمل على تطوير الواقع وتوسيع دائرة الممكن.

قد تكون الظروف مؤاتية لضغط سياسي أو لعمل عسكري تركي، جوي أو جوي برّي، في ضوء تشابك الملفات وتقاطع المصالح الذي تشهده اللحظة السياسية الراهنة إقليميا ودوليا، لكنها ليست النهاية، والحصيف من يفكّر بالخطوة التالية، فالكُرد في تركيا، والمنطقة، ليسوا حالة مؤقتة. وقد شهدت العقود الأخيرة على مدى إصرارهم على تحصيل حقوقهم القومية، ما يعني أن الجرح سيبقى ينزف على حساب الدول والشعوب، وأن خيار الإنكار والرفض لحقوق الأعراق والقوميات وصفة لاستمرار المواجهة ونزف الدماء، وإن الحل المنطقي والعملي هناك في تركيا مع أعراقها وقومياتها. وهذا يستدعي من الطرف الثاني تمهيد الطريق للطرف الأول عبر الإعلان عن القبول بخطواتٍ تحتوي التوتر مع تركيا، وعرض مخرج عملي يحدّ من مخاوفها الوهمية والحقيقية

العربي الجديد

————————-

الخيارات السياسية التركية بعد التفجير في إسطنبول/ أمجد أحمد جبريل

على الرغم من التوقيت الحرج للتفجير في إسطنبول (13/11/2022)، وتداعياته المحتملة على الانتخابات التركية الوشيكة، وتصاعد انتقادات أنقرة موقفيْ الولايات المتحدة وروسيا، ووجود فرصةٍ حقيقية أمام تركيا لتوظيف انشغال العالم بقضايا أخرى، فإن ثمّة قيودًا ربما تؤخّر، قليلًا، قرارًا تركيًّا بشنّ “عمليةٍ برّية واسعة” تشمل أجزاء من منطقة شرق الفرات، خصوصًا عين العرب (كوباني)، مع إمكانية بدء “عملية برّية محدودة أو متدرّجة”، تستهدف تل رفعت ومنبج، ريثما تؤتي الضغوط التركية على واشنطن وموسكو أكلها، ما قد يؤدّي إلى تأجيل “الاجتياح البرّي الموسع”، إذا أثمرت السياسة التركية في تحقيق أهدافها بإبعاد مسلّحي قوات سورية الديمقراطية (قسد)، عن الحدود لمسافة 30 كيلومترًا.

مكاسب تركية من الأزمة الأوكرانية

في إطار تقييم احتمال تغير/ استمرارية السياسة التركية بعد التفجير في إسطنبول، تجاه “المسألة السورية” خصوصًا، وتجاه إقليم الشرق الأوسط عمومًا، ثمّة أربعة عوامل تحدّد التحرّكات التركية في هذه المرحلة؛ أولها يتعلق بكيفية ترجمة أنقرة مكاسبها من الأزمة الأوكرانية، في توسيع مساحة حركتها الإقليمية، خصوصًا في شمال سورية، عبر فرض توازنات أنقرة الجديدة على كل من واشنطن وموسكو وطهران؛ إذ باتت معظم الأطراف تحتاج أنقرة وأدوارها في الوساطة ورعاية المفاوضات (سواء في اتفاقية الحبوب، أم تبادل الأسرى، أم استضافة الحوار الاستخباراتي بين الولايات المتحدة وروسيا)، وأصبح بمقدور الفاعل التركي أن يمارس الضغط على واشنطن والعواصم الأوروبية ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عبر قرار أنقرة المؤثّر في مسألة عضويتي السويد وفنلندا في الحلف.

كما صار بإمكان أنقرة المساومة بصورة أفضل مع موسكو، والضغط لتعديل صيغ التفاهم وتقاسم النفوذ بينهما، في الملف السوري؛ حيث تلعب روسيا دور الفاعل الدولي الأبرز هناك، منذ تدخّلها العسكري أواخر سبتمبر/ أيلول عام 2015؛ إذ تريد أنقرة إبعاد تهديدات حزب العمّال الكردستاني وامتداداته السورية عن الحدود مع تركيا، في مقابل موافقة تركيا على التقارب مع نظام بشار الأسد، وهي نتيجة تخشاها واشنطن، وتفضّل تفاهمًا بين “قسد” وتركيا، منعًا لاستفادة موسكو في تعزيز دورها في الشمال السوري، ما يمكن أن يضغط على الدور الأميركي مستقبلًا.

تناغم تركي إيراني ضد أكراد سورية والعراق

بسبب حجم النفوذ والوجود الإيرانييْن في سورية، وكون طهران دولةً ضامنة في مسار آستانا (إضافةً إلى روسيا وتركيا)، ليس بوسع أنقرة تجاهل الموقف الإيراني، على الرغم من أن تفجير إسطنبول زاد من قدرة تركيا في الضغط على إيران. كما أن المظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها إيران منذ مقتل الشابة الكردية مهسا أميني تُضعف موقف إيران إقليميًّا، نسبيًّا، بسبب تركيزها على قمع هذه الاحتجاجات والتصدّي لمزاعم الدعم الخارجي الذي تحظى به (من أميركا وإسرائيل والسعودية).

وفي حين استقوى الموقف الإيراني بموسكو على الموقف التركي، في القمّة الثلاثية بطهران (19/7/2022)، وبرز تأكيد مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي على “وحدة الأراضي السورية”، و”أولوية التفاوض لحل المشكلة السورية”، وأن “أي عملٍ عسكري هناك لا يصبّ في مصلحة أمن تركيا ولا سورية”، فإن تداعيات التفجير في إسطنبول وتوقيته الحرج أدّيا إلى تزويد تركيا بأوراق ضغط إضافية على واشنطن وموسكو وطهران.

وإلى ذلك، تعزّز المنطق التركي لتسويغ عملية برية في شمال سورية أكثر بعد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد (14/11/2022)، وتهديده بشنّ حملة عسكرية لضرب الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة (المتمركزة في إقليم كردستان العراق)، ما لم تنزع حكومة محمد شياع السوداني سلاحها ويتم تفكيك تجمعاتها بالكامل.

وهذا يعني تحليليًّا أن أنقرة تحاول توظيف نتائج زيارة قاآني في تسويغ شنّ عملية تركية برّية محدودة؛ فإذا كان من حقّ إيران ضرب الجماعات الكردية في كردستان العراق، بدعوى تأثيرها على مظاهرات الداخل الإيراني، فلماذا يُحرَم على تركيا القيام بالشيء نفسه في سورية على الحدود التركية المباشرة، ما يكشف تناغمًا في توقيت التحرّكين التركي والإيراني ضد الجماعات الكردية في سورية والعراق، على نحو يُذكّر برفض طهران وأنقرة استفتاء كردستان العراق، وتصريحات خامنئي لدى استقباله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أوائل أكتوبر/ تشرين الأول 2017) بأن هذا الاستفتاء “خيانة للمنطقة، وتهديد لمستقبلها؛ إذ لا يمكن الوثوق بأميركا والقوى الأجنبية، التي تعمل على إيجاد إسرائيل جديدة في المنطقة”.

توظيف أنقرة حصاد التطبيع/ الانفتاح الإقليمي

يتعلق العامل الثالث، الذي يعزّز قدرة تركيا على شنّ “عملية برّية محدودة” في شمال سورية، بحصاد سياسة الانفتاح والتطبيع التركية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والإمارات والسعودية ومصر؛ إذ يبدو أن أنقرة ماضيةٌ في توطيد علاقاتها مع إسرائيل، كما يظهر من تعيين شاكر أوزكان تورونلار سفيرًا جديدًا لتركيا في إسرائيل، مقابل تعيين إيريت ليليان سفيرةً لإسرائيل لدى أنقرة. ثم استقبال الرئيس أردوغان وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس قبل الانتخابات الإسرائيلية أخيرا، واتصال زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، بعد فوزه في الانتخابات وتكليفه بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، بالرئيس التركي لتعزيته بضحايا تفجير إسطنبول، وتهنئة أردوغان نتنياهو بفوزه الانتخابي، والتأكيد على “استمرارية العلاقات التركية الإسرائيلية على أرضية المصالح المتبادلة، وعلى أساس مراعاة كل طرف حساسيات الآخر”.

على صعيد آخر، تتسارع خطوات التطبيع التركي المصري، ولا سيما بعد لقاء رئيسي البلدين، أردوغان وعبد الفتاح السيسي، في الدوحة على هامش افتتاح مونديال قطر 2022، (كما يظهر من تصريحات المسؤولين الأتراك عن إمكانية إعادة النظر في العلاقات بمصر وسورية، والسعي إلى مزيد من التطبيع مع مصر، وتوالي الاجتماعات الأمنية والاستخبارية بين البلدين). وعلى الرغم من ضعف مكانة مصر الإقليمية مقارنةً بتركيا وإسرائيل، تستمر محاولات القاهرة لتطمين اليونان وقبرص؛ إذ تجمع آلية تعاون بين هذه الدول الثلاث في المجالات العسكرية والسياسية وتنسيق المصالح في شرق المتوسط.

بيد أن محدودية أدوات المساومة والضغط المصرية/ العربية، تُضعف تأثير أي اعتراضات عربية على السلوك التركي في سورية أو العراق أو ليبيا أو شرق المتوسط؛ إذ يُرجّح أن تنجح أنقرة في النهاية (عبر علاقاتها مع روسيا وإسرائيل خصوصًا)، في تفكيك كلّ التحالفات الإقليمية المضادّة لها، وإضعاف قيمة التعاون المصري/ السعودي/ الإماراتي مع اليونان بوصفه ورقة ضغط على أنقرة، وهو ما ينطبق أيضًا على “منتدى غاز المتوسط”، الذي تريد أنقرة الانضمام إليه، بُغية تحجيم مساحة الحركة أمام اليونان، ناهيك عن الطموح التركي في التحوّل إلى مركز إقليمي لعبور الطاقة إلى أوروبا، ولا سيما بعد تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن احتمال إعادة توجيه إمدادات غاز خط “نورد ستريم” إلى البحر الأسود، ما يعني تحويل تركيا إلى دولة ممرّ للغاز الروسي نحو أوروبا، وتحمّس الرئيس أردوغان للفكرة، واقتراحه منطقة “تراقيا”، شمال غرب تركيا، بوصفها المنطقة الأنسب للمشروع.

هل يعيق الداخل التركي “عملية برّية واسعة” في شمال سورية؟

يتعلّق العامل الرابع، وربما الأهم، في التأثير على السياسة التركية الإقليمية بالأبعاد/ البيئة الداخلية، والخشية من حصول تراجعات اقتصادية، ولا سيما في ظل موسم انتخابي ساخن ومعقّد، يُخشى فيه من التأثير على جيوب المواطنين، ومن ثم اتجاهاتهم التصويتية في الانتخابات المقبلة؛ فإزاء تعاظم التحديات الاقتصادية (ارتفاع معدلات التضخّم، وغلاء الأسعار، وانخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار الأميركي، وارتباك السياسات المالية التركية عمومًا، وتفاقم تداعيات الأزمة الأوكرانية دوليًّا وإقليميًّا)، لن يكون مناسبًا الانزلاق غير المدروس نحو “انخراط برّي واسع” في سورية، ولا سيما على ضوء محدودية نتائج العمليات التركية الأربع السابقة (“درع الفرات” أغسطس/ آب 2016، “غصن الزيتون” يناير/ كانون الثاني 2018، “نبع السلام” أكتوبر/ تشرين الأول 2019، “درع الربيع” مارس/ آذار 2020).

وصحيحٌ أن نهج السياسة التركية “الجديدة”، خصوصًا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، 15 يوليو/ تموز 2016، أصبح يميل نحو أجندةٍ قومية (تتمحور أساسًا حول الأمن القومي والمصالح القومية، كما يعكسه انخراط أنقرة في أزمات سورية وليبيا وحصار قطر وشرق المتوسط وأذربيجان)، فإن “الثقافة الاستراتيجية التركية”، ولا سيما لدى الكماليين والقوميين الأتراك، لا تزال تراعي، قدر الإمكان، الابتعاد عن “الانخراط الأمني/ العسكري” الواسع والمباشر، في شؤون إقليم الشرق الأوسط، ولا سيما في حال غياب التفاهمات مع القوى الدولية المؤثّرة في الإقليم، خصوصًا أميركا وروسيا، على نحوٍ يكبح إطلاق يد تركيا في استهداف حزب العمال الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، ويحدّ من إمكانية فرض رؤية أنقرة في “مكافحة الإرهاب” على الفاعلين الدوليين؛ فالأرجح أن “مكافحة الإرهاب” ستبقى موضوعًا خلافيًّا بين السياسات الدولية والإقليمية، وفي حين تسعى كل الأطراف الدولية والإقليمية، بدون استثناء، لتوظيف هذا الملف، فإنه يصعب تصوّر نجاح أنقرة في القضاء على تهديدات حزب العمال الكردستاني وامتداداته المختلفة، بدون مقاربةٍ تصالحية، تجعل الأبعاد الأمنية والعسكرية جزءًا من مقاربة استراتيجية أشمل، ما يؤكد حاجة حزب العدالة والتنمية إلى العودة للبحث عن حلول لمعضلة الأكراد (كما فعل بين عامي 2005 – 2015)، حينما استخدم الحزب سياسته الإقليمية في الانفتاح على الأكراد العراقيين وتعزيزه الترابط الاقتصادي مع شمال العراق، كفرصة ووسيلة لدفع التطورات الداخلية، بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية لجنوب شرق تركيا وتسوية “المسألة الكردية”.

وعلى الرغم من وجاهة هذا الطرح، فلا يزال بعضهم يعتقد أن البيئة الدولية مؤاتية لكي تفرض تركيا رؤيتها، عبر إطلاق “عملية برّية متدرّجة”، تعزّز قدرة أنقرة على تعديل مواقف موسكو وواشنطن، بما يخدم تحشيد الداخل التركي خلف حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، ودعم التحالف مع القوميين الأتراك الذين يؤيدون استخدام القوة لمواجهة تهديدات الأمن القومي والمصالح التركية.

وإجمالًا لما سبق، يبدو أن ذهاب تركيا نحو سيناريو “عملية برّية واسعة” تشمل أجزاء من منطقة شرق الفرات، ناهيك عن فكرة إنشاء “حزام أمني/ منطقة فاصلة”، على طول الحدود التركية السورية، ليس مضمونًا في نتائجه وارتداداته على الداخل التركي، سواء اقتصاديًّا أم أمنيًّا أم سياسيًّا، ولا سيما إذا تغلّب الطموح على القدرات والحسابات الدقيقة. كما أن هذه العملية ربما تكون لها تداعياتها على زيادة الخلافات/ التوترات في العلاقات التركية مع روسيا والولايات المتحدة، في “مرحلة انتقالية” يمرُّ بها النظامان الدولي والإقليمي، ما يجعلها حبلى بالمفاجآت والمتغيرات المتشابكة، التي قد تعرقّل الصعود الإقليمي التركي، أو بلوغ أنقرة طموحها في أن تصبح من أكبر عشرة اقتصادات في العالم، وتحقّق بالتالي “مكانةً عالمية مرموقة”.

يبقى القول إن سلوك أنقرة وطهران بعد الأزمة الأوكرانية يطرح سؤالًا استراتيجيًّا مركّبًا، “فهل تسمح تداعيات (اللحظة الأوكرانية) وبروز الدوريْن التركي والإيراني، بتحوّلهما فاعليْن إقليمييْن مهيمنيْن يتفوقان في تأثيرهما على إقليم الشرق الأوسط، على كل من واشنطن وموسكو؟ وهل يمكن أن يصبّ ذلك في مصلحة العرب أم سيكون على حسابهم، وماذا عليهم القيام به حاليًا ومستقبلًا، لإدارة علاقاتهم مع الفاعليْن التركي والإيراني؟”.

—————————–

الليرة السورية تحت مقصلة الضربات التركية/ إياد الجعفري

سريعاً، ظهر أثر العملية العسكرية التركية على سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار. بل إن هذا الأثر ظهر في بعض المناطق قبل حتى أن تبدأ العملية التركية. تحديداً، بعيد انفجار اسطنبول في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت. فالسوق السوداء في المنطقة الشرقية، وشمال غرب سوريا، استقرأ بصورة مباشرة الأثر المرتقب لذاك التفجير. وحلّق الدولار في إدلب والقامشلي والحسكة، ليرتفع على حساب الليرة بنسبة 3.66%، في الأسبوع التالي لذاك الحدث. قبل أن يلحق به “دولار دمشق”، في الأسبوع الذي تلاه، وعلى وقع العملية العسكرية التركية، ليرتفع بنسبة 3.17%، حتى مساء أمس السبت.

قبل تفجير اسطنبول، كان يمكن لحظ مؤشرات تفيد بأن أثر العوامل التي دفعت الليرة للانهيار، منذ بداية الصيف الفائت، قد وصل إلى أقصاه. وتقلصت نسبة تراجع الليرة في الشهر الأخير. لكن الاحتمالات المستقبلية التي خلقتها تطورات التفجير والعملية العسكرية التالية له، دفعت بنسبة تراجع الليرة إلى الازدياد، مجدداً.

ومنذ منتصف تموز/يوليو الفائت، دفعت جملة عوامل، سعر صرف الليرة إلى الانهيار، بنسبة تراجع شهري بوسطي 9%، في العاصمة دمشق، وذلك على مدار الأشهر الثلاثة التالية. أبرز تلك العوامل، كانت المستويات المرتفعة للتضخم العالمي وانعكاساتها على حجم الحوالات القادمة إلى الداخل السوري، إلى جانب تأثير الارتفاع العالمي في سعر صرف الدولار. أُضيف إليه عامل ازداد حدة في الصيف الفائت، تمثّل في تصاعد وتيرة الصراع بين أمراء الحرب والميليشيات الناشطة في مناطق سيطرة النظام، على الموارد وخطوط التهريب ومصادر الدخل، بصورة لم يستطع النظام، حتى الآن، وضع حدٍ لها، وإن استطاع لجمها ومنعها من الخروج عن زمام السيطرة كلياً. لكن هذا الصراع أثّر بطبيعة الحال، على النشاط الاقتصادي ومصادر القطع الأجنبي، في نقاط التماس، خاصة بالمنطقة الشرقية. قبل أن ينتصف أيلول/سبتمبر، ويُضاف عامل جديد يتمثّل بالحاجة للقطع الأجنبي من جانب حكومة النظام، لتمويل شراء المزيد من المحروقات والنفط الخام والغاز، استعداداً لفصل الشتاء، من دون أن ننسى تمويل شراء القمح أيضاً، في الفترة ذاتها. كل تلك العوامل تضافرت معاً لتحقيق نسبة انهيار وصلت إلى نحو 27% في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، على مدى الأشهر الثلاثة التالية لمنتصف تموز/يوليو الفائت. لكن أثر تلك العوامل وصل إلى أقصاه، كما أشرنا. وتقلصت نسبة التراجع الشهرية لليرة في دمشق وباقي مناطق سيطرة النظام، من وسطي 9% إلى وسطي 6.7%. إلا أن تعاملات أسواق العملة في الأسبوعين الأخيرين، غيّرت تلك المعادلة. وارتفعت مجدداً نسبة تراجع الليرة بصورة نوعية، في عموم البلاد، وبصورة خاصة، في مناطق سيطرة النظام.

وقد كان جلياً أن تراجع سعر صرف الليرة في دمشق، كان نتيجة لتراجعه في شمال وشرق البلاد. وفي حال استمرار هذا الأثر لفترة طويلة، فهذا يعني أننا قد نكون أمام تراجع شهري بنسبة تتجاوز الـ 12%، في قيمة الليرة السورية، بصورة خاصة، في مناطق سيطرة النظام، التي فقدت أسعار الصرف فيها، مناعتها المفروضة أمنياً، أمام تقلبات أسعار الصرف في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي جرتها وراءها.

ويعلم العاملون في أسواق العملة في مناطق سيطرة النظام، أن أبرز مصادر الدولار في تلك الأسواق، تأتي من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، مما يفسّر انجرار سعر الصرف في دمشق، وراء نظيره في إدلب والحسكة والقامشلي، وإن بقي دولار الشمال والشرق أعلى بنحو 170 ليرة للدولار الواحد، مقارنة بنظيره في دمشق. لكن نسبة التراجع في أسعار الصرف هي نفسها، كما توضح حصيلة التغيرات خلال الأشهر الثلاثة السابقة.

وتشكل الاستراتيجية التركية الجديدة المتمثلة في استهداف منشآت النفط والغاز، في “شرق الفرات”، عامل ضغط استثنائي على مصادر القطع الأجنبي في تلك المنطقة. فالأضرار الناجمة عن الضربات التركية في تلك المنشآت، وتكاليف إصلاحها، وتراجع الإنتاج النفطي، والحاجة لاستيراد الغاز من “كردستان العراق”، نتيجةً لتلك الضربات، يعني ازدياداً في الطلب على الدولار في شرق البلاد، وهو ما سينعكس على أسعار الصرف في عموم الأراضي السورية.

وسيزداد هذا الضغط على مصادر القطع الأجنبي، بصورة أكبر، إن فشلت المساعي الأمريكية والروسية في إقناع تركيا بالعدول عن القيام بعمل عسكري برّي. إذ أن حدوث اجتياح برّي، وضبابية مصير بعض المناطق الخاضعة للسيطرة “الكردية”، سيؤدي إلى المزيد من التحوط بالدولار، من جانب التجار وأصحاب الملاءة المالية، في شمال وشرق البلاد، مما سيزيد من شح الدولار في الأسواق، وسينعكس بدوره، أيضاً، على أسعار الصرف في عموم الأراضي السورية.

وهكذا تقف الليرة السورية على شفا قاعٍ جديدٍ غير مسبوق، يتوقف عمقه على التطورات الميدانية والسياسية التي ستحدث في شرق وشمال البلاد، خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة.

المدن

————————

المخلب التركي يربك واشنطن/ محمد العزير

حظيت العملية العسكرية التركية ضد الفصائل الكردية في شمال شرق سوريا والتي تطلق عليها انقرة اسم “المخلب- السيف” باهتمام واسع في العاصمة الأميركية التي بدا التناقض واضحًا فيها بين تحفظ رسمي ملفت وبين اهتمام اعلامي واسع واكب العملية اخباريًا وتحليليًا وركز على مصير القوات الكردية المتحالفة مع أميركا ومستقبل دورها في مكافحة تنظيم “داعش” اذا نفذت تركيا هجومها البري لإنشاء شريط حدودي بعمق ثلاثين كيلومترًا كما اعلن رئيسها رجب طيب اردوغان (راجع المدن).

وفي حين تقارب الإدارة الأميركية التطورات بتحفظ، وأكتفت ببيانين مقتضبين صدرا عن وزارة الخارجية الأسبوع الماضي يعربان عن قلق واشنطن العميق من التطورات ويدعوان الى التخفيف من التصعيد والعنف من اجل حماية المدنيين ودعم الهدف المشترك المتمثل في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وأعرب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عن قلقه من أن يؤدي الهجوم التركي الى الحد من قدرة “قسد” على مواجهة “داعش”، تشير التقارير الإعلامية الى أن مسؤولي الخارجية والبنتاغون ومجلس الأمن القومي يجرون اتصالات مكثفة على أكثر من مستوى لإبقاء الوضع تحت السيطرة وعدم احداث تغييرات ميدانية تقلب الوضع القائم.

لم تتفق وسائل الإعلام الأميركية التي تابعت الموقف على مقاربة تحليلية متناسقة، وتراوحت تقديراتها بين قدرة واشنطن على ضبط الأوضاع وبين عدم قدرتها على التأثير على تركيا، مع انها أجمعت على التشكيك في مسؤولية الفصائل الكردية السورية عن انفجار إسطنبول الذي أودى بحياة ستة اشخاص وجرح 80 آخرين في الثالث عشر من هذا الشهر، وعلى مسارعة اردوغان الى التذرع به لتنفيذ حملته العسكرية الواسعة التي كانت مخططة في أواسط الشهر الماضي وتمكنت المساعي الأميركية من منعها في حينه.

وقال موقع “بوليتيكو” في تحليل مطوّل ان الانفجار وفّر لأردوغان ذريعة للتوغل في عمق الشمال السوري كما كان يريد منذ وقت طويل، ونقل عن الخبير في معهد الشرق الأوسط والأستاذ في جامعة سان لورانس هاورد ايسنستات قوله أن “الموقف الآن يناسب فرضية تركيا حول مصالحها الأمنية في سوريا، وحاجة اردوغان نفسه للظهور قويًا عشية الانتخابات المقررة الصيف المقبل، وقدرة أميركا وروسيا على التأثير محدودة ولن تكون كافية لوقف العملية”. وتوقع التحليل أن لا تقاوم واشنطن بحزم العملية التركية، “لأنها تحتاج الى موافقة انقرة على انضمام السويد وفنلندا الى حلف الناتو”، فيما تريد موسكو تعزيز موقع اردوغان على أمل قبوله ببشار الأسد كحاكم شرعي لسوريا مما يساعد في انهاء ما تبقى من الحرب، وهذا السيناريو سيعني انهما ستقفان جانبًا بينما تقوم تركيا بقتل المزيد من الأكراد، حلفاء أميركا”.

وأورد الاعلام الأميركي اخبار القصف التركي القريب من المواقع الأميركية في قاعدة “شاموكا” عقب دعوة البنتاغون الى تخفيف التصعيد، وتزامن ذلك مع هجوم صاروخي على القاعدة الأميركية “غرين فيلج” في منطقة الشدادي ليل الجمعة حيث اطلقت قذيفتان لم تؤديا الى إصابات او اضرار، وقد ادان البنتاغون الهجوم وقال الناطق باسم القيادة المركزية العقيد جو بوتشينو أن هجمات من هذا النوع تعرض المدنيين وقوات التحالف للخطر و”تقوض الاستقرار والأمن الذي تم التوصل اليهما بعناء شديد في المنطقة”. وكانت القاعدة نفسها تعرضت لهجوم بأربعة صواريخ في التاسع عشر من الشهر الماضي.

وفي حين ابرزت التقارير الاتهام التركي للقوات الأميركية بالتواطؤ مع منفذي الإنفجارـ لأن أميركا شريكة عسكرية للفصائل الكردية على حد تعبير وزير الداخلية سليمان صويلو الذي اعتبر التنديد الأميركي بالتفجير كـ “القاتل الذي يكون اول العائدين الى ساحة الجريمة”، افردت مساحة جيدة لقائد “قسد” الجنرال مظلوم عبدي الذي أجريت معه مقابلات عدة دعا فيها الرئيس جو بايدن لوقف الهجوم التركي معتبرًا ان الولايات المتحدة لا تقوم بكل ما يمكنها لمنع اردوغان من تنفيذ تهديداته مذكرًا بأن بايدن تعهد اثناء حملته الانتخابية بعدم التخلي عن الاكراد كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب! وقال ان مسؤولية واشنطن الأخلاقية والإنسانية حماية المدن والعائلات الكردية التي قدمت 12 الف شهيد لمواجهة “داعش” في سوريا.

بين الإدارة المحرجة بحاجتها الى تركيا في أولوية الملف الأوكراني، وبين الإعلام المتوجس من التخلي عن الاكراد بعد سنوات تحالفهم الوثيق مع اميركا، يتابع الأميركيون وقائع أزمة متجددة تتداخل فيها عناصر التشويش التي تزيد منها المشاحنات الحزبية التي لم تعد تقف عند الشاطئ كما كانت في السابق عندما كان للإدارة اليد الطولى في تقرير السياسة الخارجية.

المدن

———————

عن خيارات قسد بعدما عزلتها أنقرة/ عبدالناصر العايد

أظهرت ردود الأفعال الإقليمية والدولية، على الحرب الجوية التي تشنها أنقرة على قوات سوريا الديموقراطية، أن تركيا نجحت في عزل تلك القوات عن مصادر الدعم المحلية والخارجية، وتضييق الخناق عليها سياسياً وميدانياً، بحيث أن خروجها من مأزقها الحالي وكسر العزلة لن يكون ممكناً من دون اتخاذها قرارات جذرية بشأن وجودها وشكله، تتأرجح بين حل نفسها مع مكاسب متواضعة، أو ركوب سياسة حافة الهاوية والانطلاق نحو مغامرة أوسع محفوفة بالمخاطر.

الافتقار المتزايد للقاعدة الشعبية

من المعروف جيداً إن طموح قسد القائم على طرح قومي لا يتمتع بقاعدة شعبية كافية، فنسبة السكان الأكراد في شمال شرقي سوريا لا تقارن بنسبة المكوّن العربي، وتنازع قوات سوريا الديموقراطية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، على هذا الجمهور، أحزاب المجلس الوطني الكردي، المرتبطة بدورها بحكومة إقليم كردستان العراق. ويشير مراقبون في تلك المنطقة إلى حركة هجرة مستمرة للأكراد خارج سوريا تشبه الاستنزاف، ناهيك عن عمليات النزوح الجماعي بسبب العمليات العسكرية. فمدينة كوباني، على سبيل المثال، التي نزح أهاليها إلى تركيا إبان الهجوم عليها من قبل تنظيم داعش، ما زال أغلبهم هناك، بينما توزع سكان عفرين، وهي المعقل الأبرز للأكراد في سوريا، على شتى المناطق من حلب إلى الحسكة وإقليم كردستان بُعيد العملية التركية التي أسفرت عن احتلال المنطقة.

وقد لوحظ أن الفترة الأخيرة، شهدت محاولة مستجدة لقيادة قوات سوريا الديموقراطية لإيجاد هذه القاعدة في صفوف المكون العربي عبر استرضائه ومحاولة إشراكه قدر الإمكان في السلطة والإدارة. لكن هذه المحاولات اصطدمت على الدوام بالجناح القومي المتصلب في تلك القوات، والذي يريد الحفاظ على السيطرة المطلقة على مفاصل القوة العسكرية والمدنية والاعتماد على ما تبقى لهم من المقاتلين والداعمين الأكراد حصراً. وقد يكون ذا مغزى إن سلاح الجو التركي قد كثف هجماته في الأيام الماضية في محافظة الحسكة، واستهدف العديد من المواقع الجديدة في العمق، مثل قاعدة المو كمان داخل الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور ذات الصبغة العربية الكاملة، والتي يطاولها القصف للمرة الأولى، وهي إشارة ذات مغزى للسكان المحليين العرب، خاصة لجهة تزامنه مع الموعد المفترض لواحد من أكبر الاجتماعات الشعبية التي نظمتها قسد والذي كان يفترض أن يلتقي فيه أكثر من 6000 وجيه من العشائر العربية مع القيادة الكردية وأن يصدر عنه عدد من القرارات لتصحيح العلاقة بين الطرفين وحل القضايا الإشكالية مثل المشاركة في السلطة والثروات وتخفيف الإجراءات الضاغطة على المكون العربي وإصدار عفو عام يستفيد منه الآلاف من المعتقلين من هذا المكون. وقد أدى الهجوم التركي لتأجيل هذا الاجتماع إلى أجل غير مسمى، وهو أمر يبدو أنه هدف مقصود بحد ذاته.

واشنطن لا تنسحب لكنها لا تدعم قسد

منذ أن قرر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، سحب القوات الأميركية من سوريا وتراجعه عن ذلك، تخلخل الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية، وبرز البعد الوظيفي لها على حساب فكرة التحالف الاستراتيجي التي كان قادة تلك القوات يروجون لها. ووفق معطيات شبه أكيدة، كانت إدارة جو بايدن قد قررت الانسحاب من سوريا عقب الانسحاب من أفغانستان مباشرة، لكن ظروفاً متعددة أدت إلى تأجيل ذلك، مثل الانتقادات التي وجهت للانسحاب المتسرع من كابول والحرب الأوكرانية الروسية. ومع تواصل الضغط التركي على الجانب الأميركي، استطاعت أنقرة الحصول مؤخراً على تفويض باستخدام القصف الجوي على نطاق واسع، كبديل عن الاجتياح البري الذي لا تستطيع واشنطن تحمل تبعاته، خصوصاً أن قواتها وقواعدها ما زالت منتشرة في تلك المنطقة ولا يمكنها غض النظر عن عمليات برية تجري بقربها. ومن التطورات التي تسترعي الانتباه في القصف التركي الأخير، إنه شمل مواقع لقسد في محيطي جبل كرتشوك الذي يعد مقر القيادة الاستراتيجية لقوات سوريا الديموقراطية، وملاذ القيادات المبتعثة من جبل قنديل، والتي تبعد كيلومترات قليلة عن قاعدتين أميركيتين رئيسيتين في رميلان والمالكية. وهو أمر لا يمكن أن يحدث من دون أن تكون القيادة الأميركية على علم مسبق به، بل وبمجمل العملية، وتحذيرها لرعاياها من السفر إلى تلك المنطقة يفيد بأكثر من الاطلاع، أي بالموافقة.

ولا يبدو أن هذا التفويض الأميركي سيكون مؤقتاً أو مرتبطاً بحدث محدد، مثل تفجير إسطنبول أو الهجمات التي نفذتها قسد عبر الحدود على الأراضي التركية. فسياق الأحداث السابقة يقول إن أي تفويض باستهداف منطقة، تحصل عليه أنقرة، تجعله بأساليبها الخاصة مستمراً ودائماً، وهذا يعني أن قوات سوريا الديموقراطية لن يمكنها الاحتماء بعد اليوم بالقوات الأميركية في المناطق التي شهدت القصف، حتى لو لم تنسحب منها.

موسكو تتربص ولا تدعم

منذ بداية تدخلها في سوريا، تنظر موسكو إلى الجزيرة السورية ونفطها وغازها على إنها الجائزة الاقتصادية التي ستحصل عليها في النهاية. وكان هدفها الأبرز هو السيطرة على المنابع النفطية هناك وانتزاعها من تنظيم داعش، لكن القوات الكردية المدعومة أميركياً، سبقتها إليها، وما زالت العقود المبرمة بين نظام الأسد وشركات روسية يديرها مساعدو بوتين، سارية المفعول. وعليه، فإن موسكو يناسبها وضع مزيد من الضغوط على الأكراد لدفعهم بعيداً من واشنطن وبناء تحالف معها تفوز بموجبه بسلة الغذاء والنفط. وقد شمل القصف التركي الأخير، مناطق شمال حلب، مثل منغ وعين دقنة ومارع التي تقع فعليا تحت النفوذ الروسي. وفي تصريحاتها حول العملية أبقت موسكو الباب موارباً للجوء قادة قسد إليها، مع علمهم المسبق بحدود ما يمكن أن تقدمه، وهو ليس أكثر من نوع هلامي من اللامركزية، على أن تبقى السلطة العليا للنظام، وهو مطلب ثلاثي لنظام الأسد وتركيا وإيران معاً.

نظام الأسد يفضل التقارب مع تركيا

عندما أعلنت تركيا في وقت سابق هذا العام، نيتها شن هجوم في شمال سوريا ضد القوات الكردية، لجأت الأخيرة إلى عقد تفاهم مع نظام الأسد تنتشر بموجبه بعض قواته على نحو رمزي على الحدود لمنع اجتياحها من جهة، ولإيجاد أرضية للتعاون بينهما من جهة أخرى على قاعدة مناوأة أنقرة. لكن عدم حدوث تلك العملية، ومغازلة تركيا لنظام الأسد وفتح قنوات التفاوض معه، قطعا الطريق على ذلك التحالف المفترض. ويبدو أن نظام الأسد وجد مصلحة أكبر في التفاهم مع تركيا، من التحالف مع قوات سوريا الديموقراطية، التي لن يستفيد فعلياً من أي تسوية معها بما في ذلك على صعيد الثروات الاستراتيجية التي تترصدها موسكو كما أسلفنا وستستولي على نصيب كبير منها. كما أن نظام الأسد ليس في وارد تقديم تنازلات ذات صيغة اثنية للأكراد، خشية أن تفتح عليه باب مطالبات مماثلة لا تنتهي لمختلف الجماعات الأخرى في البلاد. وفي الخلاصة، نجحت تركيا هنا أيضاً، وعزلت قسد عن النظام، الذي لم يبدر منه ما يفيد برفض تلك العملية على الرغم من الأنباء المؤكدة بأن الهجمات قد أدت إلى مقتل عدد من ضباطه وجنوده، وهو الأمر الذي أرادت قوات سوريا الديموقراطية إحراج نظام الأسد به من خلال تقديم العزاء له بهؤلاء القتلى، لكن من دون فائدة.

يظهر هذا المشهد أن قسد عارية من الحلفاء والأصدقاء، وخلا بعض المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام المتعاطفة، فإننا لا نستطيع العثور على حليف واحد يمكنها الركون إليه. وهي أمام خيارين: إما الصراع بما يتوافر لديها من قوة، وانتظار تقلب الأحداث والظروف على أمل أن تجلب لها حليفاً جديداً أو تجديد الدعم الأميركي لها، خاصة في ميدان مكافحة التطرف. وإما البحث عن سبيل لكسر العزلة، وهذا لن يتأتى سوى بإجراء راديكالي وجذري يغير من وضعية تلك القوات إلى الأبد… ويخطر لنا في الحالة هذه، أحد أمرين: الرضوخ لمطالب النظام وروسيا وعقد تسوية تطيح الطموح القومي لتلك القوات، أو شن عملية عسكرية داخل تركيا بالتآزر مع الجناح القنديلي لحزب العمال الكردستاني وخلط الأوراق على مستوى المنطقة بأكملها، وهو الخيار الذي يلمح إليه بين الفينة والأخرى بعض قادة قسد وقادة حزب العمال الكردستاني.

المدن

————————

أردوغان يستثمر في ضعف بوتين/ بسام مقداد

يرى بعض المحللين السياسيين  أن أردوغان لم يكن ليقدم على عمليته العسكرية الأخيرة دون إخطار “صديقه” الروسي واتهامه بالتقصير، لو لم يكن على قناعة بأن بوتين أصبح قليل الحيلة. لكن أردوغان بدأ قصف شمال العراق وسوريا دون إخطار بايدن وبوتين بعمليته، وأعلن عن التحضير لعملية برية في الشمال السوري تلي القصف الحالي الذي يتوقع بعض الخبراء أن ينتهي أواخر العام الحالي، من دون أن يلتفت إلى الإعتراضات الأميركية والروسية الصريحة والجدية على مثل هذه العملية. فقد سبق الإعتراض الروسي على العملية البرية التركية المحتملة مثيله الأميركي، حين أعلن الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتيف على هامش إجتماع منصة أستانة الأخير أن التحركات التركية قد تؤدي إلى تصعيد العنف، وأعرب عن أمله في أن تجد أنقرة “وسائل أخرى لحل الأزمة”.

الإعتراض الأميركي الأخير جاء في التصريح المكتوب الذي وزعه في 23 الجاري مدير المكتب الصحافي في البنتاغون الجنرال باتريك رايدر، حيث رأى أن القصف التركي للشمال السوري في إطار عملية “المخلب ــــــ السيف” يمثل تهديداً لأمن العسكريين الأميركيين، وتفاقم الوضع في شمال سوريا والعراق يعرض للخطر سنوات من التقدم في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي.

كما وزع في اليوم عينه الناطق الصحافي بإسم الخارجية الأميركية نيد برايس بياناً مكتوباً دعا فيه إلى “خفض التصعيد الفوري في شمال سوريا”، وأعرب عن “القلق الأميركي العميق” من العمليات العسكرية الأخيرة التي تزعزع الوضع، وتهدد “هدفنا المشترك” في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، وتعرض للخطر السكان المدنيين والعسكريين الأميركيين. وأضاف برايس بأن الولايات المتحدة تتفهم مخاوف تركيا المشروعة بشأن أمنها حيال الإرهاب، لكنه أعرب عن القلق العميق “الذي رددناه بانتظام”  بشأن عواقب التصعيد في سوريا على القتال ضد الدولة الإسلامية، وعلى سلامة المدنيين على جانبي الحدود.

روسيا تعترض على العمليات العسكرية التركية، وتلوم أردوغان لإتهامها بعدم تنفيذ تفاهمات 2019، وتواصل التعبير عن رغبتها المزمنة في خروج تركيا من حلف الناتو. فقد نقلت وكالة الأنباء الإلكترونية الروسية riafan عن المؤرخ التركي محمد بيرينجيك قوله لوكالة نوفوستي أن الوقت مناسب لطرح مسألة خروج تركيا من حلف الناتو بعد إنفجار إسطنبول. ونقلت الوكالة في 16 الجاري عن نوفوستي قول المؤرخ بأن الولايات المتحدة تقف وراء الإنفجار في إسطنبول. إضافة إلى إتهام الولايات المتحدة بالوقوف وراء الإنفجار، قال المؤرخ بأنها تدعم علناً حزب العمال الكردستاني الإرهابي PKK. ويقول بأن واشنطن تخصص ميزانية للحزب، وهو ما يعتبره دليلاً لا شك فيه على أن الأميركيين يقومون بتدريب مقاتلي الحزب.

ويقول المؤرخ أن الولايات المتحدة تهدد الأتراك في شرق المتوسط أيضاً، وتحاول كسر شوكة أنقرة بواسطة الأعمال الإرهابية. ويرى أن تركيا لا تستطيع القضاء على هذه التهديدات وهي في منظومة الناتو. ويعتقد أن خروج تركيا من الناتو مسألة ملحة الآن وتربط بأمنها.

هيئة تحرير صحيفة NG الروسية نشرت في 23 الجاري نصاً بعنوان  “حول العملية الخاصة التركية والمثال الروسي”، وأردفته بآخر ثانوي “الأعمال الروسية عجلت في التفكيك الفعلي لمنظومة الموازين وقوى التوازن”. قالت هيئة التحرير أن الرئيس التركي أعلن بأنه سيقضي على التهديد الذي تشكله التنظيمات الكردية المسلحة، ولا يجروء أحد على الوقوف بوجه بلاده وهي تحارب الإرهاب. وأشارت إلى أن الزعيم التركي برر العملية الخاصة الجديدة بالقول أن روسيا “لم تنفذ وترفض تنفيذ تعهدها بتنظيف شمال سوريا والعراق من الإرهابيين”. والحديث يدور حتى الآن عن الضربات الجوية وإستخدام المدفعية، لكن أردوغان لم يستبعد إستخدام القوات البرية أيضاً.

تقول هيئة التحرير أن العملية الخاصة التركية هي رد على التفجير في إسطنبول منذ مدة قريبة. وترى أن تركيا لم تكن حليفاً لروسيا في الأشهر الأخيرة، لكنها بقيت، وهو أمر ليس قليل الأهمية، الطرف الذي لا يفرض عقوبات، مسترشداً بمصالحه الخاصة فقط. وعلى الأرجح أن العلاقات الروسية التركية ستستمر لأن موسكو وأنقرة تخطتا خلافات أكثر عمقاً في الماضي القريب. لكن أردوغان يعرف بالتأكيد متى وبأي شكل يمكنه الكشف عن مطالبه من روسيا، ويبدو أن الوقت ملائم لذلك الآن.

وترى هيئة التحرير أن الزعيم التركي يستفيد من برودة العلاقات الروسية مع الغرب لزيادة نفوذه، وطموحاته يعرفها الجميع جيداً. فهو يروج باستمرار لأفكار “العالم التركي”، تركيا دولة إقليمية قوية، لاعب ذو أهمية في البحر المتوسط والشرق الأوسط والقفقاز وآسيا الوسطى، وعلى نطاق أوسع في العالم الإسلامي. وهو مستعد للدفاع عن هذه المكانة والمصالح التي يعلنها بكافة الوسائل، بما فيها العسكرية، ولم يخف ذلك قط. وعلى كافة الأطراف أن تعرف وزن من تعزز، وهي تقبل بدور الرئيس التركي كوسيط في مختلف العمليات، من المفاوضات بين موسكو وكييف إلى “صفقة الحبوب”.

لم توضح هيئة التحرير لماذا تسمي القصف التركي على الشمال السوري والعراقي “العملية التركية الخاصة”، لكنها تقارن في نصها القصف التركي مع “العملية العسكرية الخاصة” الروسية، وتفادت بذلك  (وهي الصحيفة الموالية، بالرغم من تسميتها “الصحيفة المستقلة”)، ذكر كلمة “حرب” وإدراجها على قائمة “عميل أجنبي. وتتساءل هيئة التحرير ما إن كان أردوغان بحاجة ليشعر بثقة أكثر في النفس لكي يلجأ إلى استخدام القوة في سوريا والعراق، وتجيب بالإيجاب هي نفسها عن تساؤلها. وأتاح لها هذا التساؤل “المتواضع” فتح النار على الناتو ومعاييره المزدوجة في إدانة إستخدام القوة حين يتعلق الأمر بأحد أعدائه ــــ روسيا الآن، والإمتناع عن ذلك حين يتعلق بأحد أعضائه ـــــ تركيا.

موقع قناة التلفزة الأميركية currenttime التي  تبث من براغ، نشر في 22 الجاري نصاً بعنوان “”روسيا ضعيفة”. هل ينشب صراع جديد بين بوتين وأردوغان”. طرح الموقع على رئيس تحرير أسبوعية Poistne الروسية البوليتولوغ التتري رسلان آيسين السؤال ما إن كان ينضج صراع جديد بين بوتين وأردوغان. قال رسلان بأنه يعتقد بأن إتجاهاً جديداً من الصراع بين الزعيمين ينضج بشكل أو بآخر، وذلك لأنه كان يجري تأجيل كل حلول التناقضات بين روسيا وتركيا: من منطقة البحر الأسود إلى سوريا والعراق وليبيا، وإلى أوكرانيا. وبالنسبة لتركيا حان الوقت الآن، حيث شعر أردوغان أن بوتين قد ضعف،  ولن يكون بوسعه  الرد كما فعل في العام 2015 وحتى في العامين 2016 ــــــ 2017، حين كانت هناك اشتباكات حقيقية بين أنصار روسيا وتركيا، وحتى بين التشكيلات المسلحة الرسمية للطرفين.

ويرى رسلان أن أردوغان يعالج الآن مشكلة بالغة الأهمية بالنسبة له ــــــ مشكلة الأكراد السوريين. معظم الكرد الأتراك متدينون، وغالبيتهم من أنصار الحزب الحاكم في تركيا، ولذلك يعتقد بأن أردوغان سوف يمارس الضغط على بوتين، ومن غير المحتمل أن يتمكن بوتين من الرد بشيء ما جدي.

المدن

————————

قسد بين سيف أنقرة ومخلب الأسد/ عمر قدور

الأخبار الواردة من خطوط التماس بين قسد والمناطق الخاضعة لنفوذ أنقرة تحدثت عن تصعيد شديد في القصف التركي بدءاً من يوم السبت الفائت، حيث استهدفت موجة القصف الأخيرة مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأهداف العسكرية والاقتصادية، خاصة ما يتصل باستخراج وتكرير النفط الذي تعتمد عليه بشدة الإدارة الذاتية الكردية. ظهْر الأحد كانت طائرة قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو تحط في القامشلي، ليفاوض قائد قوات قسد مظلوم عبدي على الانسحاب 30 كيلومتراً عن الحدود التركية تفادياً لتوغل تركي بري.

حسب صحيفة “الوطن” التابعة للأسد، رفض عبدي العرض الذي قدّمه تشايكو، والذي ينص على نشر الفيلق الخامس في الشريط الحدودي الذي تنسحب منه قسد، وينص أيضاً على “عودة الجهات المختصة السورية ومؤسسات الدولة إلى تلك المناطق بشكل كامل”. أي أن مضمون العرض الروسي يجهز على المنظومة الكردية بشقيها؛ العسكري الذي يُقصى بعمق 30 كيلومتراً، والمدني ممثَّلاً بالإدارة الذاتية التي سيتم تقويضها تحت عنوان “عودة مؤسسات الدولة بشكل كامل”.

يخيّر الاقتراح الروسي قسد بين السيف التركي والمخلب الأسدي، بالاستفادة من تسمية أنقرة لعمليتها العسكرية الحالية بـ”المخلب-السيف”. وتجوز قراءته كاستغلال في حده الأقصى لمأزق قسد الحالي، مثلما تجوز قراءته كاقتراح لا يتوقع أصحابه أن ينال القبول، وهو بهذا المعنى لا يعدو كونه مؤشراً على موافقة موسكو الضمنية على العملية التركية.

الاقتراح الروسي، من حيث الشكل، يستأنف محادثات تتجدد من وقت لآخر بين قسد والأسد، واصطدمت في المرات السابقة برفض قسد الشروط التي تعيدها كلياً إلى هيمنة الأسد وتقوّض مشروع الإدارة الذاتية. الجديد في هذه المرة أن قائد القوات الروسية لم يذهب إلى القامشلي مفاوضاً باسم موسكو أو الأسد فحسب؛ إنه للمفارقة ذهب حاملاً الشروط التي توافق عليها أنقرة.

في الأصل، لا خلاف حسب المتداول حول انسحاب قسد بعمق 30 كيلومتراً، إذ أشيع أن السفير الأمريكي في أنقرة قدَّم العرض ذاته للسفير التركي تفادياً للعملية البرية. العرض الأمريكي أرأف بحال قسد من نظيره الروسي، ويدعم رفضها الأخير لو كانت أنقرة موافقة عليه. إلا أن ترتيب تقديم المقترحين يشي برفض أنقرة الأمريكي وتفضيلها الروسي لاعتبارين؛ الأول ثقتها بحافز موسكو الخاص للالتزام بالتطبيق، وثانيهما أنها تفضّل عودة المؤسسات التابعة للأسد على بقاء الإدارة الذاتية.

في الإطار التفضيلي نفسه، يجوز القول أن العملية العسكرية التركية تستهدف الحليف الأمريكي بقدر ما تستهدف قسد، وأنقرة دأبت على التصريحات التي تصب في منحى معادٍ للوجود الأمريكي، وإن من زاوية التصويب على الدعم الأمريكي لقسد. الردود الأمريكية التي تركز على أهمية التحالف مع قسد لمحاربة داعش هي أيضاً بعيدة عن بؤرة الخلاف الرئيسي أو الصراع الصامت، فأنقرة لا تريد دوراً كبيراً لواشنطن، تستفيد منه قسد، في التسوية المستقبلية حول سوريا.

وما تسعى إليه أنقرة يخالف أحياناً، لا على طول الخط، سياسة البيت الأبيض. كان ترامب أكثر وضوحاً في التعبير عن انتفاء الحاجة لبقاء قواته في سوريا بعد القضاء على داعش، وهو رأي صار يبرز ويتوارى بموجب الحسابات الأمريكية الروسية ليس إلا. في كل الأحوال ليس هناك ما يردع مبدئياً واشنطن عن تقديم تنازلات لأنقرة، لكن ليس إلى الحد الذي يلبي الطموح التركي، وبسبب تلك الحسابات لا يبدو الآن هو الوقت المناسب لمنحها مناطق نفوذ جديدة على حساب قسد.

إن أية منطقة نفوذ جديدة، تقدِّمها واشنطن لأنقرة بخلاف التوقعات، لن تفي بالغرض سوى مؤقتاً لأنها لا تكفي لتحقيق الهدف النهائي التركي، الهدف الذي يصعب تصور إنجازه من دون إنسحاب أمريكي تام من سوريا، وتالياً فقدان ورقة الضغط المباشر الأمريكية. لذا لا يُتوقع أن تتوقف أنقرة عن سعيها لضرب قسد والإدارة الذاتية ما بقيت تجربتهما موجودة، وهو سعي يزداد إصراراً ويكتسب شعبية لدى الجمهور التركي بذرائع من نوع التفجير الأخير في اسطنبول، لكنه يتغذى من سياسة تركية مستدامة.

بدوره، ربْطُ التصعيد التركي الأخير بحسابات أردوغان الانتخابية يبقى صائباً، على ألا نرى في تحقيقه المكسب المتوقع نهايةَ ما يطمح إليه. فمع عدم الاكتراث الذي تبديه واشنطن إزاء الشأن السوري، هناك مساحة لطموح تركي إلى وراثة جزء من مناطق النفوذ الأمريكي الحالية، ومن ثم إلى لعب دور أكبر في التسوية المستقبلية. برحيل القوات الأمريكية، تبقى تركيا اللاعب الذي يجب على موسكو وطهران إرضاؤه في التسوية، وهو أيضاً ما يمنح قيمة أكبر لإمساكها بفصائل المعارضة وائتلافها.

التمهيد لهذا السيناريو بدأ فعلاً بالتواصل المخابراتي بين أنقرة والأسد، وبعدم استبعاد التواصل السياسي بما فيه لقاء أردوغان-الأسد عندما تنضج الظروف بينهما. ومن المرجح بشدة أن المفاوضات بلغت مرحلة متقدمة تجعل أنقرة تتبنى علناً مطلب سيطرة الأسد على مناطق سيطرة قسد الحالية، فهي بهذا التبني تعتبره شريكاً موثوقاً أكثر من “الحليف” الأمريكي، وتمهد لاعتباره شريكاً موثوقاً في تفاهمات لاحقة لا تتعلق بالأكراد وحدهم. على الأرضية ذاتها يأتي الحديث المتجدد عن تفاهمات سوتشي التي مضى عليها أربع سنوات من دون التزام مختلف الأطراف بها، والعودة إليها قد تعطي أنقرة على حساب قسد وفق مقايضة يستفيد منها الأسد على جبهة إدلب.

أمس الاثنين، بمواكبة من الطيران الروسي، وصل رتل عسكري من قوات الأسد إلى كوباني، ليتمركز في نقاط كانت تتمركز فيها قسد. هذا الرتل لن يكون بمثابة دعم للقوات الكردية التي حاول قادتها مؤخراً، وفي مناسبات سابقة مشابهة، استنفارَ حمية الأسد بالقول أنه مسؤول عن حماية الحدود. يدخل جنود الأسد كوباني برغبة تركية، وقد يكون السيناريو المؤقت للحل هجيناً؛ تراجعٌ لقسد عن الحدود تحت المظلة الأمريكية، وخارجها تقاسمٌ بين سيف أنقرة ومخلب الأسد. لاحقاً، سيبقى السيف مسلطاً، والمخلب سيبقى متحفزاً واثقاً من استعادة الطريدة التي أفلتها.

المدن

———————-

ثمن لقاء أردوغان الأسد/ بسام مقداد

لن تقتصر على طرف واحد الأضاحي التي ستدفع ثمن لقاء اردوغان الأسد الذي تتكثف في الأيام الأخيرة توقعات عقده. إضافة إلى الكرد الذين يدفعون الثمن الأكبر لكل حدث في الشرق الأوسط، يبقى السؤال عن نصيب كل من  سوريا وأوكرانيا في ما سيترتب عليه هذا الحدث، وكيف سيتعامل كل منهما مع عواقبه. فالإلتفافة التركية نحو الأسد لم تفاجىء أحداً، خاصة بعد مصافحة أردوغان مع السيسي على هامش الإحتفال في إفتتاح المونديال في قطر ولقاءاته السابقة مع ولي العهد السعودي وزميله الإماراتي. الأوكران لن يختلف الأمر عليهم كثيراً، فهم يخوضون حرباً شرسة ضد الروس، ولن تشكل فارقا طائرة أو سفينة أو وحدة عسكرية روسية إضافية يسمح أردوغان بعبورها مضائقه إلى جبهة القتال، بعد تفرغ بوتين، ولو جزئياً، من إنهماكه العسكري في سوريا. أما السوريون، وكما تشير كل الأحوال المزرية لمعارضتهم، فعلى الأغلب سوف تقع على كاهلهم المرهق أوخم العواقب بعد أن يتفرغ الأسد من الهم التركي، سيما إذا نجح بوتين في دفع الكرد إلى حضنه. 

الحديث عن لقاء أردوغان الأسد ليس جديداً، بل يتم التداول به منذ الصيف، وإن كانت دمشق نفت حينها إمكانية حدوثه. وسائل إعلام روسية عديدة نشرت في آب/أغسطس المنصرم أنباء احتمال عقد مثل هذا اللقاء، ولم يخف الإعلام الموالي ترحيبه بهذا الإحتمال الذي يحقق ما يدفع إليه بوتين منذ زمن. فقد نشرت صحيفة NG في العاشر من ذلك الشهر نصاً بعنوان ” يبحثون عن نقطة إرتكاز للتقارب بين أردوغان والأسد”، وأردفته بآخر ثانوي “التقارب السوري التركي يضع التشكيلات الكردية تحت الضربة”. تحدث كاتب النص عن توقعات ظهرت في وسائل إعلام عربية بشأن إحتمال تعديل إتفاقية أضنة العام 1998، قد تتمخض عنها إستعادة قنوات الإتصال بين أنقرة ودمشق، بعد أن ظهرت في قمة بوتين إردوغان حينها في منتجع سوتشي بوادر عدم رفض أردوغان إحياء هذه القنوات. ويشير الكاتب إلى أن مصادر صحيفة عربية أكدت أن موسكو وأـنقرة بحثتا فعلا في القمة حينها مثل هذا التعديل للإتفاقية.

يشير الكاتب إلى ما نصت عليه الإتفاقية من تعهد دمشق بعدم السماح بأي نشاط لحزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية، والسماح لأنقرة بعبور قواتها الحدود السورية على عمق 5 كلم لتحييد اليساريين الأكراد الراديكاليين. وواصل الكاتب نقله عن مصادر الصحيفة العربية التي قالت أن تعديل الإتفاقية يجب أن يعكس الحقائق السياسية الجديدة ويتيح للأجهزة السورية والتركية فرصة توسيع رقعة تعاونها. لكن عكس الحقائق الجديدة تعبير فضفاض لا يتيح معرفة منحى تعديل الإتفاقية.

في تواصل مع كاتب النص في الصحيفة إيغور سوبوتين، سألته “المدن” عن رأيه في ما يتداوله الإعلام هذه الأيام عن إحتمال اللقاء بين أردوغان والأسد. قال سوبوتين بأن التقارير الواردة في الصحافة التركية تفيد بأن الضربات الأخيرة لأنقرة في شمال سوريا بدأت بعد تنسيق ضمني مع نظام الأسد. ويقال  أن دورًا خاصًا لعبه الاجتماع الأخير لرئيس جهاز المخابرات الوطني التركي هاكان فيدان مع الرجل الأول في جهاز المخابرات السورية علي مملوك. والشائعات عن مثل هذه الإتصالات بين الرجلين تجول منذ زمن، وهو يعتقد أن العلاقات راسخة بين أجهزة المخابرات في البلدين.

ويرى سوبوتين أن موضوع التقارب مع الأسد يرتبط في تركيا باقتراب موعد الانتخابات العامة. فالتقارب، حسب فهم الساسة الأتراك، يفتح المجال أمام العودة “الطوعية الإجبارية” إلى سوريا لجميع اللاجئين السوريين الذين استقروا في تركيا خلال الحرب الأهلية. ويعتقد أن المحادثات رفيعة المستوى ممكنة بين أنقرة ودمشق، وسوف “تعطي ثمارها” في الداخل التركي. لكنه “موضوع آخر” كيف ستفسر تركيا هذه الخطوة لقادة المعارضة السورية.

موقع zerkalo الأذري الناطق بالروسية نقل عن الناطق الصحافي بإسم الكرملين قوله لوكالة تاس بأن لقاء الرئيسين التركي والسوري قد يعقد في روسيا بوساطة من الرئيس الروسي بوتين، لكن مثل هذه الإتفاقات ليست متوفرة بعد.

موقع الأعمال الإلكتروني الروسي BFM نشر في 23 الجاري نصاً قال فيه بأن أردوغان إفترض إمكانية حدوث لقاء مع الأسد، والصحافة التركية تكتب أن روسيا قد تكون مكان التواصل بين الرجلين. وينقل الموقع عن أردوغان قوله في رد على سؤال صحافيي وكالة نوفوستي عن إمكانية حصول مثل هذا اللقاء “ممكن. ليس في السياسة زعل. بوسعنا القيام بمثل هذه الخطوة في ظروف ملائمة”. وينقل عن الصحافة التركية قولها بأن اللقاء قد يجري العام القادم، وأن روسيا تريد أن تكون مكان عقده.

ينقل الموقع عن كبير الباحثين في معهد بريماكوف للإقتصاد العالمي والعلاقات الدولية ألكسي مالاشنكو قوله بأنه، حتى لو كانت تقارير الصحافة ليست شائعات، فإن الإحتمال ضعيف لعقد مثل هذا اللقاء. وقال بأن مثل هذا اللقاء “تقريباً مستحيل” بعد ما حدث الآن من قصف تركي لسوريا بسبب حزب العمال الكردستاني. ورأى أن الوقت ليس الأفضل للقاء، ولا يعرف هل هي مبادرة أردوغان أم “همس أحد بأذن الأسد”، “لكن الأمر ليس جدياً الآن”. وبدا الرجل وكأنه قد صدم بسؤال لم يتوقعه فجاءت تعابيره متقطعة، قصيرة ولاهثة وهو يقول بأن اردوغان شخص غير متوقع “إطلاقاً، فإذا قرر، لسبب نجهله، أن يذهب إلى اللقاء، فسوف يذهب. لكن هل سيذهب الأسد، 95% سيذهب، إلا أن الأمر كله متوقف على أردوغان الذي “لايمكن توقعه”.

هيئة تحرير الصحيفة NG المذكورة نشرت في 24 الجاري نصاً جديداً بعنوان “لماذا أردوغان مستعد لتخطي عقد من القطيعة مع الأسد”، وأرفقه بآخر ثانوي “التبادل الجيوسياسي يتيح لروسيا نقل المجموعة السورية إلى الإتجاه الأوكراني”.

تقول هيئة التحرير أن أردوغان والأسد كانت تربط بينهما يوماً ما صداقات أسرية، لكن الخصومة وقعت بينهما مع الحرب الأهلية السورية، ويتبادلان منذ العام 2012 التهم بالتصعيد في إراقة الدماء. في 23 الجاري صرح أردوغان أنه مع المصالحة، وقال “لا توجد في السياسة خلافات أبدية. يحل وقت حين يتعين تقييم الأمور جيداً والتمعن وتغيير المقاربة. مسترشدين بمصالح تركيا، نحن على إستعداد لإعادة النظر في العلاقات مع البلدان التي لدينا مصاعب معها في عدد من القضايا”.

بعد أن تستعرض هيئة التحرير المراحل التي مر بها الصراع بين دمشق وأنقرة، تختتم نصها بالتوقف عند إجتماع منصة أستانا الأخير، وتعتبر أن الإجتماع أثبت إنتهاء مهمتها، وآن الأوان للحوار المباشر بين أنقرة ودمشق. ورأت أن المنصة تعقد منذ العام 2017 لقاءاتها بحضور الرؤساء، لكن اللقاء 19 الأخير مثّل إيران فيه مستشار وزير، ومثل تركيا سفير، أما روسيا فمثلها مبعوث خاص. تركيا قيمت عالياً التقدم الذي تحقق، لكنها تتهم موسكو في عدم تنفيذ إلتزامات العام 2019 في إبعاد الفصائل الكردية من تل عفر ومنبج. أستانا لعبت دورها، لكن إمكانياتها قد استنفذت، والمستقبل هو للحوار المباشر بين أنقرة ودمشق. وترى أن الإسلاميين والفصائل الكردية يمكن للجيش السوري أن يقضي عليهم، والحكومة المركزية توحد سوريا. وهذا سيتيح لروسيا تخفيض وجودها العسكري، وبموافقة تركيا، يمكنها نقل سفن حربية من المتوسط إلى البحر الأسود لتعزيز الضغط على أوكرانيا.

————————-

في خلفيات انفتاح أنقرة على دمشق!/ فايز سارة

مثل كل الحالات السابقة التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية، ومنها ذهاب الأردن والإمارات والبحرين والسودان وعُمان وغيرها من البلدان العربية نحو الانفتاح على نظام بشار الأسد، وإعادة تطبيع العلاقات معه، تسعى تركيا للذهاب في المسار نفسه بعد سلسلة من لقاءات كبار المسؤولين الأمنيين لدى الطرفين، وبعض التواصل الدبلوماسي لوزيري الخارجية، صعوداً إلى المستوى السياسي، ممثلاً في تصريح للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أكد فيه إمكانية لقاء مع بشار الأسد في سياق إعادة ترتيب العلاقات بين أنقرة ودمشق.

ورغم وحدة الهدف في تجارب الانفتاح على نظام الأسد، فإن لكل واحدة من تلك التجارب حيثياتها وخصوصياتها، لكنها جميعاً باستثناء التجربة التركية، التي لم تبدأ بعد، وصلت إلى نتيجة تكاد تكون واحدة؛ وهي أنه لا نتائج حقيقية وجدية في علاقات الدول مع نظام الأسد، والسبب واحد من اثنين؛ الأول كامن في طبيعة العلاقات المحدودة بين البلد المعني ونظام الأسد، كما في مثال مملكة البحرين وعُمان، والتي في غالبها تقتصر على علاقات دبلوماسية وقنصلية، وواقع الحال السوري يضيف محدودية أخرى نتيجة الظروف، ولا سيما السياسية والأمنية التي يغرق فيها نظام الأسد بعد عشر سنوات من الحرب في سوريا وحولها. والسبب الثاني مرتبط بعوامل منعت تطور انفتاح بعض البلدان على نظام الأسد، كما هو حال دولة الإمارات والأردن جار سوريا على الحدود الجنوبية، والأهم في هذه العوامل يكمن في سياسات نظام الأسد وممارساته، وخاصة في المستويين السياسي والأمني، إضافة إلى ما صارت إليه أوضاع سوريا من خراب وتدمير القدرات والإمكانيات المادية والإدارية، وقتل واعتقال وتهجير وتشريد ملايين السوريين، وتكريس سياسة التشبيح ومخالفة القانون لدرجة اشتغال رسميين في صناعة وتهريب المخدرات، وجعلها بين أعمالهم الأساسية.

رحلة تركيا التي توشك أن تبدأ في الانفتاح على نظام الأسد، محاطة أكثر من سابقاتها جميعاً بأسباب تجعلها محدودة النتائج، إن لم نقل محكومة بالفشل في الظروف القائمة؛ لأن الأمر لا يتعلق بالأقوال والنيات، بل بالوقائع والمعطيات على الجانبين، والتي تطرح صعوبات تواجه تركيا في انفتاحها، تمنع الوصول إلى نتائج مُرضية يجري الحديث عنها، ما لم يتم معالجة الصعوبات.

إن دوافع أنقرة للتوجه نحو انفتاح على دمشق، لا تتصل باستراتيجية تركيا التي قامت عليها نهضة تركيا الراهنة بالانفتاح على العالم المحيط، وتصفير المشاكل معها، والتي كانت دافع تركيا في مصالحتها مع السعودية والإمارات ومصر، ولا تكمن في مكاسب تحققها تركيا من وراء الانفتاح على نحو ما هي عليه الخلفية في علاقات الدول، حيث إن تركيا من أكثر الدول معرفة بما هو حال نظام الأسد من ضعف وقلة إمكانات وانهيار في المصداقية وتبعية لحماته، مما يجعل التوجه نحو الانفتاح مرتبطاً بضغوط وظروف آنية، تختلط في العوامل الداخلية والخارجية، والأبرز في الأخيرة ضغوط روسيا من أجل تطبيع العلاقات التركية مع النظام في دمشق، مما يساعد موسكو في تأمين انسحاباتها الجزئية من سوريا في ظل استمرار حربها في أوكرانيا من جهة، والمساهمة في منع تغول وسيطرة إيران في سوريا، ويتوافق الضغط الروسي في أحد جوانبه مع ضغوط داخلية جوهرها المطالبة بتعديل السياسات التركية في الموضوع السوري، سواء لمسعى كسب مزيد من أصوات الأتراك في الانتخابات المقبلة في عام 2023 لتأمين فوز إردوغان لفترة رئاسية جديدة، أو لجهة إرضاء أطراف في المعارضة حول توازن الموقف التركي من الأسد بعد انحياز طويل لمعارضته دون نتائج ملموسة، وتخفيف تكلفة ومسؤوليات الحضور التركي في الملف السوري، وكلها تتطلب إجراء تبدلات في مواقف أنقرة، التي ترى أوساط فيها أن الانفتاح يفسح المجال لتمدد اقتصادي نحو السوق السورية وعبرها إلى بلدان عربية مجاورة، مما يساهم في معالجة بعض جوانب الأزمة الاقتصادية والمعيشية الراهنة، ويؤدي إلى تحسين الظروف الاقتصادية – الاجتماعية في تركيا.

وكما هو واضح في خلفيات الانفتاح، فإنه لا شيء فيها يتصل بالهم الرئيس للحكومة التركية في الموضوع السوري، وفيه بندان رئيسيان؛ موضوع قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، وعودة اللاجئين «الطوعية» إلى سوريا، وإذا كانت تركيا ماضية في موضوع إعادة اللاجئين بصورة منفردة، فإن الموضوع الثاني يحتاج إلى جهد مختلف، وتشارك أطراف بمستويات متعددة، حيث ترى تركيا أن قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، التي يشكل أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي نواتها الصلبة «جماعة إرهابية»، كما تصفهم تركيا باعتبارهم امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وتتخوف من وجودهم في المنطقة، وتتطلع إلى طردهم من حدودها مع سوريا أو انتقالهم إلى مكان أبعد، ولا يملك نظام الأسد أي قدرة على التأثير في الموضوع؛ ليس بسبب انعدام الإمكانات فقط، بل لعجزه وحلفائه الروس والإيرانيين عن التأثير على الدعم الأميركي لـ«قسد».

وإذا كان الانفتاح على دمشق عديم النفع في موضوع «قسد»، ولا تحتاج تركيا في موضوع إعادة اللاجئين، وقليل النفع في مجالات أخرى، فإنه يشكل عبئاً على وجود تركيا في الشمال الغربي الموصوف بأنه منطقة سيطرة تركية، مكرسة بوجود قوات تركية، وجماعات مسلحة حليفة رغم صراعاتها البينية مع وجود حاضنة اجتماعية واقتصادية داعمة ومساندة للدور التركي في سوريا وفي شمالها خاصة، ومن الصعب أن تتخلى أنقرة عن وجودها في الشمال ودورها في الملف السوري لمجرد انفتاح على نظام له بنية عقائدية متشددة مغلقة ذات حمولات قومية طائفية، مرتهن، ومستمر بمساعدة قوى خارجية تفرض سيطرتها وإرادتها على ما تبقّى من الدولة والمجتمع في سوريا.

وسط الصورة العامة لخلفيات الانفتاح التركي المرتقب على نظام الأسد، يمكن القول إنه لن يكون انفتاحاً طبيعياً يلبي احتياجات السياسات التركية العامة، بل سيكون انفتاحاً محدوداً وموسمياً، يتجاوب مع ضغوط، تعتقد تركيا بضرورة إرضاء أصحابها توافقاً مع مصالحها في التأثير على نتائج انتخابات 2023، وستحافظ أنقرة وسط مسار انفتاحها الذي سيكون محدوداً، وقد لا يتعدى المجال الإعلامي سياساتها المعلنة في شمال شرقي سوريا وأقلها دفع قوات «قسد» بعيداً عن الحدود التي يمكن ملء فراغها عبر توافقات، دعمت عملية تركيا الجوية الأخيرة، وستدعم العملية البرية المقبلة، كما دعمت كل العمليات التركية السابقة في سوريا، وسط كلام عن الانفتاح التركي على دمشق، وربما القيام ببعض الخطوات فيه.

الشرق الأوسط

———————-

هل تستطيع أميركا وقف هجوم تركيا على شمالي سوريا؟/ نادين ماينزا

في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، شنت تركيا “عملية المخلب ـ السيف”، وهي حملة واسعة من الضربات الجوية على شمال شرقي سوريا. استهدفت تركيا أكثر من 265 موقعًا، بما في ذلك البنية التحتية المدنية، ودمرت مدرسة ومستشفيات وصوامع حبوب ومحطات كهرباء ومياه ومنشآت نفطية.

وأدى هجوم أنقرة إلى مقتل ثمانية وعشرين شخصا بينهم 14 مدنيا. كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو الغارة الجوية على القاعدة المشتركة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة (داعش) وقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، على بعد 130 مترًا فقط من القوات الأميركية.

فيما دعت الولايات المتحدة إلى وقف التصعيد، واصلت تركيا الضربات الجوية التي تستهدف قوات الأمن التي تحرس مخيم الهول، الذي يضم أكثر من 50 ألفًا من أقارب عناصر “داعش”. لحسن الحظ، هرب عدد قليل فقط من العائلات وأعيد القبض عليها فيما بعد من قبل قوات الأمن.

أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن خطط لغزو بري لشمالي سوريا. خلال الغزو التركي في عامي 2018 و 2019، وثقت منظمات متعددة فظائع مروعة، حيث استهدفت القوات المدعومة من تركيا والأخيرة الأقليات الدينية والعرقية، بما في ذلك الأيزيديين والمسيحيين والكرد، وخاصة النساء.

قالت منظمة مراقبة الإبادة الجماعية، “لقد ارتكبت تركيا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في شمالي سوريا. في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا، تعرض المدنيون لجرائم مروعة ضد الإنسانية ارتكبتها القوات التركية والميليشيات المدعومة من تركيا”.

وشهدت إيمي أوستن هولمز، التي كانت زميلة في مركز ويلسون آنذاك، أن أفراد الأقليات الدينية “قُتلوا، واختفوا، وخطفوا، واغتصبوا، واحتُجزوا، وتم إجبارهم على تغير دينهم، واحتُجزوا مقابل فدية حتى تدفع عائلاتهم مبالغ باهظة بالمقابل لإطلاق سراحهم. تم تدمير أماكن عبادتهم وتشويهها ونهبها. حتى مقابرهم تعرضت للهدم والتخريب”.

استمرت جرائم الحرب هذه حتى بعد انتهاء الغزو، مع ارتكاب الفظائع في المناطق التي ترزح تحت حكم الفصائل الإسلامية المدعومة من تركيا. حذر محققو جرائم الحرب التابعون للأمم المتحدة من أنه “يجب على تركيا كبح جماح المتمردين السوريين الذين تدعمهم في شمالي سوريا والذين ربما قاموا بعمليات خطف وتعذيب ونهب لممتلكات المدنيين”.

لماذا يجب أن تهتم الولايات المتحدة بما يكفي بشمال شرقي سوريا لوقف الهجمات التركية المستمرة وغزو آخر؟. بدايةً، كانت قوات سوريا الديمقراطية الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في محاربة “داعش”. دخلت وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) في شراكة مع الولايات المتحدة لأول مرة خلال معركة كوباني، التي انتهت في كانون الثاني (يناير) 2015 وحولت مجرى الأمور كأول انتصار على “داعش”. مع استمرار الدعم الأميركي الجوي وبالسلاح، استعادوا بشجاعة مدن منبج والرقة ومناطق أخرى من “داعش”، وبلغت ذروتها بمعركة الباغوز الأخيرة في شباط / فبراير 2019. عند هذه النقطة، كانت هذه القوات قد انضمت إلى قوات سوريا الديمقراطية، ذات الغالبية العربية وتشمل وحدات من المسيحيين السريان والآشوريين كذلك.

في حين أن تركيا تصر على أنها الشريك الأكثر فاعلية في القتال ضد “داعش”، فمن الواضح أن أنقرة كانت متواطئة في نمو التنظيم. في الواقع، قال بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط، في عام 2019 إن 40 ألف مقاتل أجنبي انضموا إلى (داعش) “جاءوا جميعًا عبر تركيا.” علاوة على ذلك، تم القضاء على “داعش” تقريبًا قبل الغزو التركي عام 2019، وقد مكّنت هجمات أنقرة المستمرة منذ ذلك الحين “داعش” من إعادة البناء.

تأسيس الإدارة الذاتية

بينما كانت قوات سوريا الديمقراطية تحرر المناطق من خلافة “داعش”، كانت تعمل أيضًا على تمكين المواطنين المحليين من بناء نظام حكم ذاتي، يسمى الآن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. من خلال تنظيم كل حي من خلال الكومينات، التي تضم عادة حوالي 100 عائلة (لا يزيد عن 300)، انتخب السكان رؤساء مشاركين من الذكور والإناث ونواب رؤساء مشاركين وأنشأوا عشر لجان منفتحة على جميع السكان لإدارة شؤونهم الخاصة. يتم دمج العديد من الكومينات لإنشاء منطقة فرعية، وتشكل العديد من المناطق الفرعية معًا مقاطعة، يليها كانتون، ومنطقة، وأخيراً الإدارة الذاتية. لدى الحكومة الإقليمية والإدارة الذاتية ثلاثة فروع للحكومة يديرها قادة منتخبون: المجلس التنفيذي، والمجلس التشريعي، ومجلس العدل.

يتم تضمين الأعضاء من كل عرق ودين بعناية في قيادة الإدارة الذاتية، مع الرؤساء المشاركين ونواب الرؤساء المشاركين الذين يمثلون جميع أطياف المجتمع، بما في ذلك المسلمين الكرد والعرب، والمسيحيين السريان الآشوريين، والمسيحيين الأرمن، والإيزيديين، والعلويين والشركس والتركمان وآخرين، ويكون نصف القادة من النساء.

في عام 2020، من خلال العمل مع فريدوم ريسرتش فواندشن، قضيت شهرًا واحدًا في شمال شرقي سوريا لأبحث عن الحكومة في أربع من الأماكن السبع، وقمت بزيارة برفقة أعضاء اللجان والرؤساء المشاركين لكل مستوى من مستويات الحكومة. لقد وجدنا أن الإدارة الذاتية لديها بالفعل تمثيل زائد للأقليات الدينية والعرقية في المناصب الرسمية، مما خلق مجتمعًا يتم فيه الترحيب بالجميع بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس. في الواقع، لدى الإدارة الذاتية ثلاث لغات رسمية: الكردية والعربية والسريانية.

الإدارة الذاتية ليست حكومة تم إيجادها على عجل ولكنها ديمقراطية مخططة بعناية تملأ الفراغات الأمنية وفي الحكم التي تتطور عادة عندما يتم القضاء على الجهات الفاعلة السيئة. تخيل لو أنه تم ملء الفراغات الأمنية والحكمية في سهل نينوى وسنجار من قبل السكان، بما في ذلك مجتمعات الأقليات الدينية والعرقية المتنوعة التي تعيش هناك، بدلاً من الفصائل الإيرانية التي تدخلت لتقليص الفجوة. لقد أثبتت لنا الإدارة الذاتية أن الحكم هو السبيل لتحقيق مكاسب دائمة خلال العمل العسكري. هذه هي الطريقة التي نوقف بها “حرب أبدية”.

حرية دينية ملحوظة

تعلمت لأول مرة عن هذا المجتمع الرائع وظروف الحرية الدينية المذهلة ومن اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية (USCIRF)، حيث عملت لمدة أربع سنوات، بما في ذلك كرئيس خلال عامي الأخير. في لجنة الحريات الدينية الدولية، سلطنا الضوء على الظروف في الإدارة الذاتية بجلستي استماع. في كلتا الجلسات وفي العديد من التقارير، قارنت لجنة الحريات الدينية الدولية بين الظروف الإيجابية في ظل الإدارة الذاتية ودور المنطقة كملاذ للأقليات الدينية والمناطق الإشكالية في ظل نظام الأسد والاحتلال التركي وهيئة تحرير الشام، وهي جماعة جهادية.

خلال رحلة إلى شمال شرقي سوريا في أيار/ مايو الماضي، قمت بزيارة كنيسة مبنية حديثًا معظمها من الأشخاص الذين حولوا ديانتهم إلى الديانة المسيحية. لقد صُدمت لرؤية الزهور المرسلة مرفقة برسالة تهنئة من منظمة إسلامية للأئمة. (أين يحدث ذلك أيضًا؟) في وقت لاحق من ذلك الأسبوع في الرقة، التقيت بأفراد من الجالية المسلمة القادمة من افتتاح كنيسة مسيحية أرمنية في وسط المدينة. من الصعب تصديق أن بعض هذه المناطق كانت جزءًا من خلافة “داعش” قبل خمس سنوات فقط.

تبرير الغزو

مع انهيار الاقتصاد التركي، أصبح أردوغان الآن لا يحظى بشعبية كبيرة في الداخل التركي. إنه يستخدم التهديد الوهمي المتمثل في “الإرهاب” المنبثق من الحدود الجنوبية لتركيا لحشد الدعم قبل انتخابات العام المقبل، على الرغم من عدم وجود هجمات حدودية غير مبررة من سوريا. قدم هجوم إسطنبول الرهيب في 13 تشرين الثاني / نوفمبر الذريعة المثالية لأردوغان لتوجيه الاتهامات ضد حزب العمال الكردستاني، وبالتالي لشعب شمال شرقي سوريا (الذين ليسوا من حزب العمال الكردستاني). بينما لا يبدو أن المشتبه به كردي، وهناك العديد من الادعاءات المتضاربة التي لا معنى لها. يُعرف أردوغان باتهامه زوراً للمعارضين الكرد بأنهم أعضاء في حزب العمال الكردستاني، لذا فإن هذا ليس بالأمر الجديد.

يجب على الولايات المتحدة ألا تسمح باستخدام كذبة أردوغان كذريعة لغزو شمال شرقي سوريا. في حين أن الكثيرين في شمال شرقي سوريا كانوا منتسبين إلى حزب العمال الكردستاني في الماضي، فإن الانتماء إلى الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ليسا جزءًا من حزب العمال الكردستاني. بنى سكان شمال شرقي سوريا حكومتهم لتأمين مستقبل لعائلاتهم وليس لاستهداف تركيا. إنهم يمثلون تهديدًا لتركيا بقدر تهديد تايوان للصين. إن تركيا هي التي تهدد الحرية والسلام والأمن في سوريا. الأمر متروك للولايات المتحدة والمجتمع الدولي لجعل عواقب غزو سوريا أكبر من أن تتحملها تركيا.

المقال كتبته نادين ماينزا لصحيفة ذا ناشيونال إنترست وترجمته نورث برس

——————————

الغزو الرّوسي كمحفّز لإيران وتركيا ضدّ الأكراد/ عبدالوهاب بدرخان

حشد “الحرس الثوري” الإيراني قوات مدرّعة ووحدات خاصة، مهدّداً باجتياح إقليم كردستان العراق لإنهاء وجود أحزاب كردية إيرانية معارضة فيه، ما لم يقم الجيش العراقي والبيشمركة بهذه المهمة، أقلّه بإبعاد تلك الأحزاب عن الحدود التي بات “الحرس” يشترط أن يتولّى الجيش تأمينها مع البيشمركة، لا أن تنفرد الأخيرة بذلك، ما يشير إلى تراجع غير مسبوق في الثقة بين طهران وأربيل، وحتى بينها وبين السليمانية التي اعتُبرت دائماً أقرب إليها.

في الوقت نفسه، تواصل تركيا حشد قواتها على الحدود مع سوريا استعداداً لعملية عسكرية برّية هدفها توسيع “المنطقة الآمنة” وإبعاد أكراد “قوات سوريا الديموقراطية” إلى عمق 30 كيلومتراً في الشمال السوري. لكن العملية التركية واجهت منذ بدء الحديث عنها رفضاً روسياً – إيرانياً وممانعة أميركية لا تزال حتى الآن لفظية. غير أن ظروف حرب أوكرانيا وحاجة موسكو إلى تسهيلات كثيرة تقدمها أنقرة بدّلتا الموقف الروسي، فأصبح أقرب إلى قبول الأمر الواقع وإلى نقل الشروط التركية إلى الأكراد، وبالتالي نصحهم بالموافقة عليها، وصولاً إلى مصارحتهم بأن أميركا وروسيا لا ترغبان في مواجهة الجيش التركي، بل إن روسيا لن تستطيع منع العملية التركية متى بدأت.

لا جديد عملياً في هذه التطوّرات بالنسبة إلى الأكراد، إذ اعتادوا على أن تتوصّل الدول إلى تسويات في ما بينها على حسابهم، وقد عاشوا خلال المئة عام الماضية يغتنمون الفرص التي تلوح لتحقيق حلمهم بـ”دولة مستقلّة” معترف بها، أو لإقامة “كيانات مستقلة” على طريق هذه “الدولة”، لكنهم عانوا أيضاً خيبات أمل طوال تلك الحقبة من كل القوى الدولية التي دعمتهم وظنّوا أنها تدعم هدفهم الاستراتيجي، ثم اكتشفوا أنها استخدمتهم لتحقيق أهداف ضد الدول الأربع (تركيا، إيران، العراق وسوريا) التي يشكّلون جزءاً من سكانها. والواقع أن نمط الاستخدام والخذلان مرشّح للاستمرار، فالأكراد يستغلّون استخدامهم في تطوير قدراتهم ما دام لا خيارات أخرى متاحة لهم، أما القوى الدولية والإقليمية فتستثمر خذلانهم في تحصيل مكاسب اقتصادية أو استراتيجية مع الدول المعنية.

معروفٌ أن “الحرس” الإيراني يتذرّع بأن الاحتجاجات الشعبية في كردستان إيران تبرّر الذهاب إلى العراق لتصفية المعارضين الأكراد، متجاهلاً أن الاحتجاجات باتت تشمل جميع الأقليات الأخرى (البلوشية والآذرية والعربية) التي تعاني التهميش والاضطهاد والبطش، بل إن قضايا “المرأة والحياة والحرية” تستحث جانباً كبيراً من الفرس أنفسهم.

لكن كردستان إيران تبقى بالنسبة إلى طهران مهد هذه الاحتجاجات التي اندلعت بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني تحت التعذيب لدى “شرطة الأخلاق” (منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي)، وهذا كافٍ لإقلاق سلطات الملالي التي لا تنسى أن كردستان إيران كانت، تاريخياً (جمهورية مهاباد 1945)، مصدر الحراك في مختلف مواطن الأكراد في الدول الأربع كما في المهاجر. لذلك تركّز السلطات الآن على إخماد انتفاضة الأكراد، ظنّاً بأنها فقط نتاج تحريض من قيادات الأحزاب المعارضة (الحزب الديموقراطي الكردستاني وهو أقدمها، وحزب “كوملة” اليساري، و”حزب الحياة الحرّة”/ “بيجاك”، ومنظمة “خبات” القومية) اللاجئة منذ الثمانينات في كردستان العراق وتعرّضت مقارها ومعسكراتها أخيراً لقصف إيراني كثيف. الأرجح أن ضرب المعارضين في العراق لن يكسر الانتفاضة داخل إيران، لكن طهران تتخذها ذريعة للإيحاء بأن أزمتها خارجية بحتة، وتنتهزها فرصة لتصفيتهم.

يسود الدوائر الدبلوماسية اعتقاد بأن غزو روسيا لأوكرانيا بات “مُلهماً” لدول أخرى، لذلك يثير التهديد باجتياح إيراني برّي المخاوف في أربيل كما في بغداد، لأنه مرشح لتقويض الوضع القائم بين الإقليم والدولة العراقية الاتحادية، وبالتالي كان لا بد من الرضوخ للتهديدات والشروط التي حملها قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني ولم تزعج حكومة محمد شياع السوداني التي تتوزّع ميليشيات إيران معظم حقائبها، إلا أنها أقلقت أكراد الإقليم إزاء حملة تأمين الحدود التي قد تتسبّب بقتال كردي – كردي ما دامت البيشمركة ستشارك فيها. لكن المفارقة التي انكشفت في السياق أن إيران لا تدفع باتجاه “إنهاء وجود كل الجماعات المعارضة لدول الجوار على الأراضي العراقية”، بل تريد أولوية لتأمين حدودها من دون أن تكون معنية بالحدود التركية، لأن “الحشد الشعبي” (أي إيران) يدعم وجود “حزب العمال الكردستاني” (بي كي كي) وقتاله المزمن ضد الجيش التركي انطلاقاً من شمال العراق.

الاجتياح التركي لشمال سوريا ليس مجرّد تهديد، فله سوابق في عمليات “درع الفرات” (2016) و”غصن الزيتون” (2018) و”نبع السلام” (2019)، وتسعى أنقرة هذه المرّة إلى الوصل بين “مناطقها” وتوسيع رقعتها. في كل مرّة كانت تجد سبيلاً للحصول على موافقة أميركية و/ أو روسية، أو على صمت وتغاضٍ، وفيما هي تنسّق مع موسكو تقول إنها “لا تطلب إذناً من أحد”، ما يُفهم بأنه موجّه ضد الأميركيين الذين يدعمون أكراد “قسد” الذين قاتلوا تنظيم “داعش” وتعتبرهم أنقرة “إرهابيين” بسبب وجود “حزب العمال الكردستاني” في صفوفهم، وقد اتهمته بالضلوع في تفجير شارع الاستقلال في اسطنبول. ما يستدعي التساؤل هنا: لماذا لم يحاول الأكراد الانضباط في مناطق سيطرتهم، ولماذا لم يهتم الجانب الأميركي بضبطهم لمعالجة الهواجس التركية، وهل وعدهم بدعم إقامة “كيان” خاص بهم، وإذا كانت هناك فعلاً تعهّدات أميركية وروسية لتركيا منذ 2019 بالعمل على انسحاب الأكراد من تل رفعت ومنبج وعين العرب/ كوباني فماذا كانت دوافع عدم تنفيذها؟

تخشى واشنطن تداعيات العملية التركية وأثرها على وجودها في شمال شرقي سوريا وعلى محاربة “داعش”، خصوصاً أن لا قنوات حالياً للتفاهم مع روسيا على حدود التحرّك التركي. من جانب آخر تبدو تركيا مندفعة إلى عمليتها البرّية كجزء من تفاهمها مع روسيا على إجراء مصالحة بينها وبين النظام السوري، لكنها تتطلّع إلى مصالحة مشروطة أولاً بالتزام دمشق ضبط الأكراد وعدم استخدامهم ضدّها، وثانياً باستمرار الوجود التركي في الشمال إلى حين التوصّل إلى حلٍّ سياسي للأزمة السورية. وإذا نجحت تركيا بتغليب الأمر الواقع وإبعاد خطر “قسد” عن أراضيها، فليس واضحاً ما سيكون عليه ردّ الأكراد، إذ إنهم هدّدوا بالتخلّي عن محاربة “داعش” وبإطلاق مقاتليه المعتقلين لديهم، لكن سيخسرون عندئذ كل دعم أميركي، كما أن رضوخهم لمطالب الأتراك (والروس) سيُفقدهم التمدّد الجغرافي الذي حقّقوه بين 2015 و2019 وسيُضعف موقفهم في أي تفاوض مع النظام الذي رفض أطروحاتهم لحل سياسي والضمانات التي يريدونها للوضع العسكري والإداري الذي أنشأوه في مناطقهم.

النهار العربي

————————–

في مواجهة جميع الأعداء

مايكل يونغ

فلاديمير فان ويلغنبرغ صحافي ومؤلّف هولندي مقيم في إربيل ومتخصص في الشؤون الكردية. شارك مع هارييت ألسوب في تأليف كتاب بعنوان The Kurds of Northern Syria: Governance, Diversity, and Conflicts(أكراد شمال سورية: الحكم والتنوع والصراعات)، صدر في العام 2019 عن دار نشر أي. بي. توريس، ومع مايكل نايتز في تأليف كتاب بعنوان Accidental Allies: The U.S.–Syrian Democratic Forces Partnership Against the Islamic State(حلفاء عرضيون: الشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية). أجرت “ديوان” مقابلة معه مطلع كانون الأول/ديسمبر لمناقشة الهجمات التي تنفّذها الحكومة الإيرانية ضدّ المناطق الكردية في سياق الاحتجاجات المُندلعة في جميع أنحاء البلاد منذ أسابيع، إضافةً إلى التهديد التركي بإطلاق عملية عسكرية جديدة ضدّ القوات الكردية في شمال سورية.

مايكل يونغ: العامل الكردي هو من الأبعاد التي لا تُسلَّط عليها الأضواء بالقدر الكافي في الاحتجاجات الإيرانية. كانت مهسا أميني، التي أشعلت وفاتها الاحتجاجات، كردية، وتدخّل النظام الإيراني عسكريًا في المناطق الكردية بعد اندلاع الاحتجاجات. هلا تشرح لنا ما هي طبيعة العلاقة اليوم بين الجمهورية الإسلامية والأكراد، مع الإشارة إلى أنه في العام 1979، بعيد انطلاق الثورة، اندلعت انتفاضة في المناطق الكردية الإيرانية؟

فلاديمير فان ويلغنبرغ: في الواقع، الاسم الحقيقي لمهسا أميني هو جينا أميني، لكن لم يُسلَّط الضوء على هذه المعلومة بسبب القيود المفروضة على إطلاق أسماء كردية على الأشخاص في إيران. وعلى الرغم من أن الأكراد الإيرانيين ليسوا معروفين جيدًا في الغرب ولا يحظون بالاهتمام نفسه كما الأكراد في العراق وسورية الذين ذاع صيتهم من خلال معاركهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن لديهم تاريخًا طويلًا من النضال في سبيل الحصول على الحكم الذاتي داخل إيران، ويشكّلون تيارًا كرديًا ذا نزعة قومية شديدة. أُنشئ الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وهو من الأحزاب الكردية الإيرانية الأساسية، في العام 1945. وبعد عامٍ، أسّس جمهوريةً كردستانية لم تعمّر طويلًا في مهاباد بقيادة زعيمه الكاريزماتي قاضي محمد، إذ لم تصمد هذه الجمهورية سوى سنة واحدة. ومن الأحزاب الكردية البارزة الأخرى حزب كومله الاشتراكي-الماركسي الذي أسّسه مثقّفون أكراد في خريف 1969. وخلال الثورة ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي، أمِل الأكراد الإيرانيون بالحصول على شكل من أشكال الحكم الذاتي، لكن بعد سيطرة الإسلاميين، لم يكن آية الله روح الله الخميني مستعدًا لمنح الأكراد أي حقوق على الإطلاق. وقد تواصل القتال بين القوى الثورية الكردية والقوى الأمنية الإيرانية حتى العام 1983. ولم تسمح الجمهورية الإسلامية الجديدة للأكراد بالمشاركة السياسية الحرّة، على الرغم من وجود أكراد في الحكومة والبرلمان الإيرانيَّين.

اغتالت إيران أيضًا عددًا من القادة الأكراد بعد العام 1979، من بينهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عبد الرحمن قاسملو في النمسا خلال مفاوضات السلام مع الجمهورية الإسلامية في العام 1989، وخلفه صادق شرفكندي في ألمانيا في العام 1992. وقد تسبب ذلك بفراغ على مستوى القيادة لدى الأحزاب الكردية الإيرانية، وبمزيد من الانقسامات. في نهاية المطاف، انتقل حزب كومله والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني إلى كردستان العراق في ثمانينيات القرن العشرين، خلال الحرب الإيرانية العراقية. علاوةً على ذلك، عانى الحزبَين من الانشقاقات والانقسامات الداخلية، على الرغم من قيامهما مؤخرًا بتوحيد صفوفهما من جديد، وقد أقدم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني على هذه الخطوة قبل احتجاجات 16 أيلول/سبتمبر التي اندلعت بعد وفاة أميني، فيما أعاد حزب كومله توحيد صفوفه بعد اندلاع الاحتجاجات.

فضلًا عن ذلك، ثمة حزب الحياة الحرة الكردستاني الذي أُنشئ في العام 2004، وهو من فروع حزب العمّال الكردستاني في تركيا. ومن الأحزاب الأخرى حزب الحرية الكردستاني الذي تأسس في العام 1991، وهو الأصغر حجمًا، ومقرّه في كردستان العراق، وقد أدّى دورًا مهمًا في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية والقوات العراقية في بردي في تشرين الأول/أكتوبر 2017، بعد استفتاء الاستقلال في كردستان العراق في أيلول/سبتمبر 2017. وأبدى الأكراد الإيرانيون أيضًا تضامنًا واسعًا مع الاستفتاء. وفي العام 2018، أنشأت خمسة أحزاب كردية إيرانية مركزًا للتعاون من أجل تنسيق أنشطتها على نحوٍ أفضل.

في 8 أيلول/سبتمبر 2018، شنّ الحرس الثوري الإسلامي في إيران أول هجوم صاروخي عبر الحدود على الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في كويه، ما أسفر عن مقتل ثمانية عشر شخصًا على الأقل. فضلًا عن ذلك، أُعدِم رامين حسين بناهي، العضو في حزب كوملة، في اليوم نفسه. وقبل يوم من الهجوم، لقي ثلاثة مقاتلين من مجموعة تابعة لحزب الحياة الحرة الكردستاني مصرعهم في اشتباك. وقد اعتُبر الهجوم بمثابة رسالة موجّهة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ومفادها أنه بإمكان إيران أن تضرب الآن خصومها خارج الحدود الإيرانية، وكذلك رسالة موجّهة إلى الأحزاب الكردية التي أرادت إقامة علاقات مع الولايات المتحدة. اندلعت احتجاجات واسعة في إيران عقب مقتل أميني، وانطلقت احتجاجات واسعة النطاق داخل محافظة كردستان الإيرانية. وقد عمدت إيران، بهدف تحويل الأنظار عن أوضاعها الداخلية، إلى شنّ هجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ على حزب الحرية الكردستاني، وحزب كومله والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني منذ 16 أيلول/سبتمبر، وقصفت حدود إقليم كردستان العراق، حيث يتمركز أيضًا مقاتلو البشمركة التابعون للأحزاب الكردية الإيرانية.

يونغ: كما ذكرتَ آنفًا، شنت إيران أيضًا هجمات على مواقع كردية إيرانية داخل العراق. ما مدى قوة هذه المجموعات في العراق، وما هي علاقتها بالأكراد العراقيين الذين يرتبط حزباهما الأساسيان عادةً بعلاقات جيدة مع إيران؟

فان ويلغنبرغ: خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين، فرّ آلاف الأكراد الإيرانيين إلى العراق، ولا تزال أعداد كبيرة منهم تعيش في المخيمات، ومنها مثلًا المخيمات في كويه. علاوةً على ذلك، تملك معظم الأحزاب الكردية الإيرانية قواعد ومعسكرات (ومقاتلين) في إقليم كردستان. فحزب كومله مثلًا لديه قاعدة قرب السليمانية تعرضت لهجوم، في حين طالت الهجمات الأخيرة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في كويه، وحزب الحرية الكردستاني في بردي (وهي أقرب إلى كركوك). في ما خلا حزب الحياة الحرة الكردستاني التابع لحزب العمّال الكردستاني، والذي يعمل في أراضٍ خاضعة لسيطرته على طول الحدود، تتمركز باقي الأحزاب الكردية داخل مناطق خاضعة لسيطرة الحزبَين الكرديَين العراقيَين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. في العموم، كانت لهذه الأحزاب علاقات جيدة مع الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من أنه سادت بين الطرفَين أيضًا خلافات وتشنجات خلال الحرب الإيرانية العراقية.

طالبت إيران بنزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية، أو حلّها، وهدّدت بشنّ عمليات عابرة الحدود. في هذا الإطار، يتمثّل الخيار الأفضل بالنسبة إلى إيران في نقل الأحزاب الكردية الإيرانية خارج البلاد، كما حدث مع منظمة مجاهدي خلق المعارِضة الإيرانية، التي انتقلت إلى ألبانيا من العراق، حيث كان تتخذ مقرًا لها بعد العام 1986. لكن حتى الآن، لم يرضخ أكراد العراق للضغوط المُمارسة عليهم من أجل حلّ الأحزاب، واتفقوا مؤخرًا مع بغداد لإرسال قوات إضافية إلى الحدود مع إيران.

يونغ: ما احتمالات تدخل إيراني على الأرض في العراق؟

فان ويلغنبرغ: من الصعب تحديد ذلك. فاحتمال قيام إيران، عند شعورها بالتهديد جرّاء أي اضطرابات داخلية، بشنّ هجوم بريّ محدود عابر للحدود، ممكن دائمًا. وخلال السنوات القليلة الماضية، نفذّت تركيا هجمات عدّة في كردستان العراق ضدّ حزب العمّال الكردستاني. لكن الاحتمال الأكثر ترجيحًا على ما يبدو يتمثّل في أن تواصل إيران استهداف الأحزاب الكردية الإيرانية بالطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، التي تُعدّ أقل كلفة وتخلّف الأثر التهديدي نفسه وتُبقي حكومة إقليم كردستان تحت الضغط. لا تشكّل الأحزاب الكردية الإيرانية في الوقت الراهن تهديدًا وجوديًا لإيران ولا يمكنها منع حملة القمع المتواصلة في محافظة كردستان الإيرانية، التي أسفرت عن مقتل الكثيرين. لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أن مزاعم الحكومة الإيرانية بأن الأحزاب الكردية انفصالية غير صحيحة. فعلى سبيل المثال، لطالما روّج الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني للديمقراطية في إيران والفدرالية في كردستان. وامتنعت الأحزاب الكردية عن الانخراط عسكريًا في الاحتجاجات، خشية أن تستخدم إيران ذلك لإحداث انقسامات داخل الحركة الاحتجاجية (مستغلةً المشاعر القومية الإيرانية ضد الأكراد). وسبق أن شهدنا توترات في الشتات الإيراني بين أكراد وفرس على خلفية أعلام ورموز كردية.

يونغ: يواجه أكراد سورية احتمال حدوث تدخل عسكري تركي جديد في شمال سورية. ما احتمالات حدوث ذلك، نظرًا إلى أن الولايات المتحدة وروسيا ترغبان على ما يبدو في تجنّب مثل هذه النتيجة؟ وما الخطوات التي تقوم بها روسيا تحديدًا؟

فان ويلغنبرغ: لا يمكن إعطاء جواب قطعي هنا. فمن جهة، قد تنفّذ تركيا عملية محدودة بالقرب من منبج وكوباني. لكن كلما طال انتظار الأتراك لإطلاقها، كلما بات احتمال حدوثها قريبًا مستبعد. ومن جهة أخرى، قد تشنّ تركيا هجومًا بريًا في الربيع، حين تصبح الظروف الجوية أفضل، وسيكون هذا قريبًا من انتخابات حزيران/يونيو 2023. تجدر الملاحظة في هذا السياق أن الحزب الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان فقد الدعم الشعبي ويتعيّن عليه حشد أعداد إضافية من الناخبين القوميين.

لكن يبدو أن روسيا والولايات المتحدة تعارضان أي تدخّل بري، على الأقل علانيةً. طالبت قوات سورية الديمقراطية، وهي عبارة عن تحالف بين مجموعات مسلحة تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية، اتخاذ موقف أقوى، وأكدّت أنه لا يكفي لردع تركيا. علاوةً على ذلك، تحاول روسيا استخدام التهديد التركي لبناء علاقات أوثق بين دمشق وأنقرة ضد وحدات حماية الشعب، أو إجبار وحدات حماية الشعب/قوات سورية الديمقراطية على التخلي عن مزيد من الأراضي لصالح الحكومة السورية. وتريد دمشق أن تغادر القوات التركية شمال غرب سورية، في حين تريد أنقرة وضع حدّ لمشروع الحكم الذاتي الذي يقوده الأكراد السوريون من قوات سورية الديمقراطية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية. أضف إلى ذلك أن دمشق وأنقرة على حدّ سواء ترغبان في إنهاء الشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية. وتريد تركيا إعادة السوريين إلى سورية وسط تنامي العداء التركي ضدّ اللاجئين السوريين، على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية.

كانت المشاعر المعادية للاجئين أيضًا إحدى الأسباب التي جعلت حزب العدالة والتنمية يخسر إسطنبول وأنقرة لصالح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية الأخيرة. ويريد حزب الحركة القومية، الشريك في ائتلاف حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، أن يتصالح حزب العدالة مع الرئيس السوري بشار الأسد، لكن القاعدة الإسلامية للحزب ترفض ذلك. لكن بعد اللقاء الذي جمع أردوغان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بات هذا الخيار البديل ممكنًا أكثر، إذ إن الاجتماع كشف عن استعداد الرئيس التركي للتصالح مع خصومه السابقين. وصرّح أردوغان بأنه قد يجتمع مع الأسد حين يصبح الوقت مناسبًا. في هذا السياق، قال المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف لوكالة الأنباء الروسية تاس يوم الاثنين إن الاجتماع يتطلّب تحضيرًا، لأن أردوغان طالب الأسد بالتنحي سابقًا.

يونغ: هل يمكن أن تواصل الولايات المتحدة احتضان وحدات حماية الشعب، التي تعتقد أنها حليف قيّم ضد أي جماعة ناشئة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، نظرًا إلى معارضة تركيا الشديدة لهذه الوحدات؟

فان ويلغنبرغ: يمكن للولايات المتحدة منع أي توغّل تركي من خلال ممارسة ضغوط اقتصادية وفرض عقوبات. فاقتصاد أنقرة في حالة هشة وأردوغان بحاجة إلى أصوات، لكن في الوقت نفسه يحتاج الأميركيون والأوروبيون إلى التعاون التركي حول الملف الأوكراني. لذلك، فالوضع مختلف عما كان عليه في العام 2019، عندما تمكّنت الولايات المتحدة من الحدّ من توغّل تركيا في رأس العين وتل أبيض. علاوةً على ذلك، تخشى أوروبا من إمكانية أن تسمح تركيا للاجئين السوريين بالتوجّه نحو أوروبا. وحتى لو شنّت تركيا عملية بالقرب من كوباني ومنبج، سيكون من الممكن أن تبقى القوات الأميركية في محافظتَي الحسكة ودير الزور. قد يفرّ الأكراد في كوباني إلى الرقة والحسكة، أو يتوجهون نحو المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. مع ذلك، سيكون من الصعب على وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية إبقاء علاقاتهما مع الولايات المتحدة، لأن عددًا كبيرًا من قادة قوات سورية الديمقراطية هم من كوباني. وفي حال وقعت عفرين وكوباني بيد الأتراك، سيكون منطقيًا أكثر أن تحسّن قوات سورية الديمقراطية علاقتها مع روسيا ودمشق من أجل منع أي توغّل تركي. لكن من المستبعد أن تعترف دمشق بأي شكل من أشكال الحكم الذاتي المحلي، في حين طالبت روسيا قوات سورية الديمقراطية، كما يُزعم، بسحب وجودها العسكري من الحدود إلى الطريق الدولي M4، الذي يمتّد بموازاة الحدود مع تركيا بين اللاذقية وسراقب، وتسليم المنطقة الخاضعة لسيطرتها للحكومة السورية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.

——————————

محور أستانا” فرصة ذهبية لأنقرة في ضرب خصومها/ أحمد عاصي

لم تثمر الاجتماعات الأخيرة المتعلقة بالملف السوري على ما يبدو، فيما يتعلق بالسوريين أنفسهم، إلا أنها تبدو الآن أكثر من أي وقت مضى فرصة للدول الضامنة لتحقيق أهدفها، التي تتقارب حينا وتتنافر في أحيايين أخرى. تشير المعطيات إلى توافقات بين العواصم الثلاثة، أو ما يعرف بالدول الضامنة لاجتماعات أستانا أنقرة وطهران وموسكو على ضرب قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وتلك فرصة ينتهزها الأتراك للحصول على ضمانات من الشركاء والخصوم في آن معاً.

تبدو علمية المخلب – السيف التي أطلقتها أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا والعراق هي مقدمة التحركات التركية واستمرارها وتطورها إلى عملية برية أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى، نظراً لجملة من المحددات التي تدعم الموقف التركي من قبل شركائها في أستانا، إذ تتقاطع المصلحة التركية الإيرانية في ضرب القوات الكردية والتي تعتبرهم طهران أحد المحركين الرئيسيين للحراك الشعبي في إيران إضافة إلى الهجمات المتكررة التي يستهدف فيها تركيا، وكان آخرها التفجير في شارع الاستقلال في منطقة تقسيم وسط إسطنبول، بعد أن أظهرت التحقيقات التي كشفت عنها الاستخبارات التركية، عن ضلوع عناصر منتمين إلى حزب العمال الكردستاني بالتفجير، كما كشفت عن تلقي منفذة الهجوم تدريبات على أيدي أمنيين في حزب العمال، في مناطق يسيطر عليها التنظيم الذي تصنفه أنقرة بالإرهابي في عين العرب ومنبج، وهي المنطقة التي تلوح أنقرة باستهدافها في العملية العسكرية المقبلة.

أما إيران التي يتوسع فيها الحراك الشعبي وينتشر كالنار في الهشيم في عموم المدن الإيرانية، على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني على أيدي الشرطة الأخلاقية، وتتهم طهران الأكراد بدعم هذا الحراك نتيجة انتماء الشابة مهسا إلى المكون الكردي، ما يجعلها تغض الطرف عن تحركات أنقرة في سوريا ضد هذه التنظيمات، رغم أن حكومة طهران تقمع المعارضة الكردية المسلحة في كردستان إيران، إلا أنها تدعم ميليشيا حزب العمال الكردستاني والتنظيمات القريبة منه في العراق وسوريا، كما أنها تستخدم هذه الميليشيات لضرب الوجود التركي في شمال العراق وشمال سوريا.

وعلى الرغم من الضغط التركي وبعض التفاهمات بين أنقرة وطهران، لم تنخرط إيران في أي محاولة حقيقية لقمع حزب العمال الكردستاني، وفي المقابل استهدف الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني الموالي للحزب الديمقراطي الكردستاني بشدة من قبل قوات الأمن الإيرانية، وقد تغض إيران الطرف عن التحركات التركية ضد حزب العمال في سوريا نتيجة الحراك الذي يعصف في المدن الإيرانية.

العلاقات الروسية التركية والحرب الأوكرانية

أما روسيا التي تشير تصريحاتها إلى أنها ليست بصدد معارضة تركيا، كما كانت تفعل دائماً، وتكتفي بلعب دور الوساطة والتلميح لجميع الأطراف بضبط النفس، فترى أن قوات سوريا الديمقراطية، التي لم توافق على المساعي الروسية لإجراء مصالحة سياسية مع نظام الأسد، والتي تضمن حماية “قسد” من التمدد التركي ونشر قوات النظام على الحدود السورية التركية، وهو ما سعت إليه موسكو خلال الفترة الماضية؛ إلا أن قسد بقيت مصرة على تعطيل هذا المسار، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق مع القوات الأميركية والتحالف الدولي في المنطقة، وهو ما يزعج موسكو، التي تسعى للتمدد في شمال شرقي سوريا حيث منابع النفط والثروات، وهو ما أشارت إليه تحركاتها الأخيرة مع انحسار القواعد الأميركية في شمال شرقي سوريا.

وما يعزز موقف أنقرة وضمان غض الطرف الروسي، التنسيق عالي المستوى بينها وبين موسكو، خلال الحرب الأوكرانية، والذي كانت له نتائج إيجابية على العلاقات بين الطرفين، من خلال الموقف التركي الحيادي، وعدم دخول أنقرة في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا، ونجاح الرئيس التركي في إنجاز اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا برعاية الأمم المتحدة، واتفاق إنشاء مركز للغاز الروسي على الأراضي التركية، ما يجعل العلاقات الروسية التركية في أحسن حالاتها وتلك فرصة ثمينة يمكن لأنقرة اللعب عليها وضمان سكوت الروس عن توغلها البري في مناطق سيطرة قسد.

واشنطن والموقف المتردد

لا يبدو الموقف الأميركي ثابتاً تجاه ما يحصل في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث يعلن المسؤولون في واشنطن عن مخاوف من أي عملية عسكرية ضد “قسد”، بحجة تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة، في حين يبدي آخرون أحقية أنقرة بحماية حدودها الجنوبية من أي هجمات، وحقها في الدفاع عن أمنها القومي، خصوصا بعد تفجير إسطنبول.

حيث قال منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، إن تركيا تواصل مواجهة تهديد إرهابي، ولها الحق في الدفاع عن نفسها. في حين قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” باتريك رايدر، إن العمليات العسكرية التركية “تهدد أمن الجنود الأميركيين في سوريا، نتيجة استهداف القوات التركية مواقع لقسد تنتشر فيها القوات الأميركية”، وعبّر عن قلق “البنتاغون” إزاء تصاعد التوتر شمالي سوريا والعراق وفي تركيا، زاعماً أن “التوتر المتصاعد يهدد التقدم الذي يحرزه التحالف الدولي منذ سنوات لإضعاف وهزيمة داعش، وأن الغارات الجوية التركية الأخيرة في سوريا تشكل تهديداً مباشراً لأمن الجنود الأميركيين ممن يعملون مع الشركاء المحليين، حسب تعبيره.

فرصة ذهبية لأنقرة

وأمام تلك العوامل والمعطيات ومواقف الدول الفاعلية تبدو أنها فرصة ذهبية لأنقرة لمواصلة عملياتها العسكرية، ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما تؤكده تصريحات المسؤولين الأتراك، حيث يقول وزير الدفاع خلوصي أكار: “إن العملية البرية قادمة لا محالة وإن عملية المخلب السيف مستمرة لضرب أهداف المجموعات التي يصفها بالإرهابية” إضافة إلى التحركات على الميدان حيث أفادت مصادر خاصة لتلفزيون سوريا أن الاستعدادت للعملية العسكرية مستمرة وتم توزيع محاور القتال على مجموعات الجيش الوطني، إضافة إلى التعزيزات العسكرية التركية التي رصدتها حسابات إعلامية متجهة إلى الأراضي السورية عبر معبر باب السلامة، بانتظار ساعة الصفر التي قد يتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة. 

تلفزيون سوريا

———————-

أردوغان والأسد وفرص المصالحة/ محمود علوش

أحدث تلويح تركيا المتجدد بشن عملية عسكرية برية ضد وحدات حماية الشعب الكردية هزة في معادلة الصراع على الشمال السوري وأضفى غموضاً على مستقبل الستاتيكو العسكري القائم في هذه المنطقة منذ عملية نبع السلام التركية قبل ثلاث سنوات. لكنّ الاندفاعة التركية الحالية في الصراع مع الوحدات أدّت إلى تحريك المياه الراكدة في مسار الحوار بين أنقرة والنظام. منذ أن أبدت الأخيرة نهجاً منفتحاً تجاه النظام في أغسطس آب الماضي، أجرى رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان زيارة سرية إلى دمشق وبحث مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك إمكانية عقد لقاء تركي سوري على مستوى وزيري الخارجية، لكن اشتراط النظام بعد ذلك انسحاب القوات التركية من سوريا مقابل الانفتاح على الحوار مع أنقرة أدّى إلى تجميد هذا المسار. بالنّظر إلى أن الهاجس الأمني من الوحدات الكردية ورغبة الرئيس رجب طيب أردوغان في تحقيق تقدم في عملية إعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى أراضيهم قبل الانتخابات التركية المقبلة لعبا دوراً رئيسياً في التحول التركي تجاه نظام الأسد، فإن أردوغان يأمل أن يؤدي إعادة العلاقات مع دمشق إلى تعاون أمني معها في مكافحة الوحدات الكردية ومساعدته في تهيئة الأرضية المناسبة لإعادة طوعية وآمنة للاجئين.

في حين أن النظام لم يُبد استجابة لرسائل الود التركية، فإن روسيا، التي تسعى لإنجاح مسار الحوار بين أنقرة ودمشق تضغط في الوقت الراهن على الأسد لتخفيف شروطه من أجل تجنّب سيناريو توغل تركي جديد من شأنه أن يُعقد فرص إعادة العلاقات بين البلدين في المستقبل المنظور. لدى موسكو أسباب أخرى أيضاً لدفع مسار الحوار التركي السوري. بفعل انغماس روسيا في حرب مع أوكرانيا لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لها، يُثار الكثير من الشكوك حول مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا وقدرة موسكو على مواصلة لعب دور ضابط الإيقاع بين تركيا والوحدات الكردية من جهة وبين تركيا والنظام السوري وإيران من جهة ثانية. يعتقد الروس أن إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق تساعدهم في الحد من المخاطر الناجمة عن تراجع دورهم في سوريا على المدى البعيد. كما يتخوفون من أن يؤدي إخلال تركيا بموازين القوى العسكرية في الشمال السوري إلى تراجع شهية أردوغان لتقديم تنازلات لدمشق خصوصاً إذا ما استطاع البقاء في السلطة بعد الانتخابات. علاوة على ذلك، تٌبدي موسكو اهتماماً بشكل متزايد في توظيف الانعطافة التركية مع النظام من أجل ممارسة مزيد من الضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا.

رغم أن أردوغان بدا واقعياً في الأسابيع الأخيرة باستبعاد تحقيق خرق في مسار القطيعة مع دمشق قبل الانتخابات المقبلة، فإنه أبدى مؤخراً استعداده لعقد لقاء قريب مع الأسد ويُعول على التلويح بخيار العملية البرية ضد الوحدات الكردية كوسيلة لدفع موسكو إلى ممارسة مزيد من التأثير على الأسد من أجل الانفتاح على أنقرة. حتى الآن، ما يزال الأسد يُبدي معارضة شديدة لجهود الوساطة الروسية وقد سرّب مؤخراً عبر مصادر لوكالة رويترز أنه يُقاوم الضغوط الروسية عليه لعقد اجتماع مع أردوغان. في ضوء أن الأسد يحتاج إلى انفتاح تركي عليه من أجل إضفاء مزيد من الشرعية على نظامه في الخارج بعد إعادة بعض الدول العربية العلاقة معه، فإنه يُعارض الانفتاح الحالي على أنقرة من منطلق أن مثل هذا الأمر سيُعزز موقف أردوغان الانتخابي خصوصاً إذا ما كان الهدف التركي انتزاع اعتراف من دمشق بمشروعية الوجود العسكري التركي في سوريا من بوابة الهاجس الأمني، وطرح قضية اللاجئين في الوقت الذي يسعى فيه أردوغان للإظهار للداخل التركي أنّه مُصمم على معالجة هذه المسألة ويعمل على إضعاف المشروع الذي تقدمه المعارضة التركية لحل مسألة اللاجئين مع دمشق في حال وصولها إلى السلطة.

علاوة على ذلك، ينبغي عدم تجاهل التأثير الذي تحاول إيران ممارسته على النظام السوري لعرقلة جهود إصلاح العلاقات مع تركيا. رغم أن طهران أبدت استعدادها لتسهيل عملية الحوار بين الطرفين، إلآّ أنها تُريد أن يكون هذا الحوار مشروطاً بالانسحاب التركي من سوريا. كنتيجة للضغوط التي تتعرض لها روسيا بفعل حربها في أوكرانيا، فإن إيران تطمح إلى ملء فراغ تراجع روسي في سوريا. كما أنه انطلاقاً من تنافسها الإقليمي مع تركيا في سوريا والعراق، فإنها تخشى أن تؤدي إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى تعزيز المصالح التركية في سوريا على حسابها. بالنّظر إلى أن إيران عملت على مدى سنوات من انخراطها في الحرب السورية على تعزيز حضورها الطائفي في بعض المناطق من خلال تهجير سكانها، فإنها ستقاوم أي جهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى هذه المناطق. حقيقة أن التأثير المتزايد لإيران على النظام السوري تجعل من الصعب إنجاح مشروع إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم في المستقبل المنظور.

بيد أن رهان الأسد على الانتخابات التركية ينطوي على مخاطر قد تؤدي إلى نتائج عكسية. فمن جانب، يعمل إصرار الأسد على التمسك بمطلب الانسحاب التركي على دفع أردوغان إلى المضي بخيار العملية البرية. ومن جانب آخر، لم تعد تركيا تُعاني من عزلة إقليمية كما كان الوضع في السابق ونجحت في العامين الماضيين في تفكيك عزلتها الإقليمية وتعظيم دورها ومكانتها الجيوسياسية في السياسة الخارجية العالمية. على صعيد آخر، أدّت الضغوط الداخلية المتزايدة على أردوغان بفعل قضية اللجوء السوري، وترويج المعارضة التركية لمشروع إعادة العلاقات مع دمشق في حال وصولها إلى السلطة، إلى الضغط على أردوغان لإحداث تحول في السياسة السورية. لكنّ إمكانية بقائه في السلطة بعد الانتخابات قد تؤدي إلى تراجع شهيته على تقديم تنازلات كبيرة لدمشق. إذا كان تركيز أردوغان على ضمان فوزه في الانتخابات جعله أكثر براغماتية في إعادة مقاربة العلاقات مع خصومه الإقليميين، فإن الفرصة لإحداث تحول مع دمشق من واقع الضغط قد تتراجع بعد الانتخابات عندما يتراجع هذا الضغط. في ضوء ذلك، قد يجد الأسد أن الرهان على تحول سياسي تركي في الانتخابات أكثر ضرراً عليه من الانفتاح الفوري على أردوغان.

بالنظر إلى الدور المهم الذي تلعبه روسيا في رعاية المسار الجديد بين أنقرة ودمشق، فإنها تُشكل الآن الضمانة الرئيسية لإمكانية إنجاح هذا المسار أو التعجيل به. في ظل أن الحديث الراهن يتمحور حول إمكانية عقد لقاء بين الأسد وأردوغان لا يُمكن أن تُساعد على الفور في إتمام مسار جديد بين أنقرة ودمشق، إلآّ أنه سيُساعد في إزالة عقبة رمزية، لكنّها مُهمة. لا يبدو أردوغان محاوراً مفضلاً لدمشق، لكنّه لم يُظهر تردداً في فرض واقع عسكري جديد في شمال سوريا عندما يشعر بالحاجة لذلك. لقد سبق أن تحدى الضغوط الأميركية والروسية عليه في عملية نبع السلام قبل ثلاث سنوات واستطاع إجبار موسكو وواشنطن على التفاوض معه لإنهاء العملية. والآن، لن يكون مُتردداً في تكرار الأمر ذاته.

تلفزيون سوريا

————————–

هل ثمة سياسة أميركية في سوريا؟/ عدنان علي

خلال حوار صحفي مع موقع “المونيتور” الأميركي قبل أيام، اشتكى القائد العام لقوات “قسد” مظلوم عبدي، من أنه ليس لدى الولايات المتحدة سياسة واضحة في سوريا، ويقتصر هدفها على محاربة تنظيم “داعش”، بينما الواقع في سوريا أعقد من ذلك بكثير، ويتطلب من دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، ولديها قوات على الأراضي السورية، أن يكون لها سياسة أوسع من ذلك، خاصة مع تداخل مصالح أطراف محلية وإقليمية ودولية عديدة في القضية السورية.

ومن المفهوم أن عبدي لم يكن يقصد أنه ليس لدى واشنطن “رأي” معين في التطورات السورية المختلفة، لكن المقصود، وبنظر العديد من المراقبين أيضا، وليس عبدي وحده، أنه لا يوجد “انخراط” أميركي جدي في أية مسألة سورية، باستثناء محاربة “داعش”، وما عدا ذلك لا يتعدى مجرد تسجيل مواقف لا قيمة لها على أرض الواقع، في ظل انخراط القوى المنافسة بكل ثقلها لصالح هذا الطرف أو ذاك.

وإذا استعرضنا المواقف الأميركية منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، فسنجد أنها “رخوة” وذات طابع “إعلامي” أكثر منها سياسة جدية ذات أهداف محددة، بالرغم من انهماك أكثر من مسؤول أميركي من الدرجتين الثانية والثالثة في تحديد بعض الأهداف الأميركية في بعض المراحل، إضافة إلى محاربة تنظيم الدولة، مثل الحد من التمدد الإيراني، ودعم الحل السياسي المستند إلى قرارات مجلس الأمن.

وإذا استعرضنا الموقف الأميركي خلال السنوات الماضية، نلاحظ أنه منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في سوريا، افتقدت السياسة الأميركية للحزم، وكانت دون توقعات المحتجين، رغم اعتماد قوات النظام على القمع المفرط في محاولة لإخماد تلك الاحتجاجات في مهدها. وبعد نحو ثلاثة أشهر من القمع الأمني، وبعد سقوط مئات الضحايا، وصف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بشار الأسد بأنه “فاقد للشرعية”، ولكنه لم يدعه للتنحي قبل شهر آب أغسطس 2011، وذلك خلافا للرئيس المصري حسني مبارك الذي دعاه للتنحي منذ الأيام الأولى للاحتجاجات في بلاده، برغم أنه كان محسوبا كحليف واشنطن.

وجاءت الخطوة العملية الأولى من جانب واشنطن بعد 3 أشهر أخرى، أي في أكتوبر تشرين الأول حين سحبت واشنطن سفيرها في دمشق، خوفا على سلامته، وليس كموقف من النظام السوري. وأبرز ما اشتهر به عهد أوباما هو “الخط الأحمر” الذي إذا تجاوزه النظام، فسوف تعيد الولايات المتحدة حساباتها مما يجري في سوريا، وكان يعني استخدام النظام للأسلحة الكيماوية. ولكن مع استخدام النظام فعلا للسلاح الكيماوي في آب أغسطس 2013 في الغوطة الشرقية، والذي ذهب ضحيته نحو 1400 قتيل، كانت استجابة إدارة أوباما بطيئة ومترددة، لينتهي الأمر بصفقة مع الروس لتجريد النظام من أسلحته الكيماوية، وصرف النظر عن الضربة العسكرية. وقاوم أوباما كل الضغوط عليه من داخل إدارته والكونغرس، ومن حلفائه العرب والأتراك للتدخل العسكري في سوريا، تماشيا مع ما عرف لاحقا بـ”مبدأ أوباما” القاضي بعدم التدخل العسكري في مناطق الصراع.

أما دخول القوات الأميركية إلى سوريا، فلم يكن هدفه مواجهة قمع النظام للمحتجين أو مساندة المعارضة السورية، بل لمواجهة تنظيم “داعش” التي استدعت بدء الغارات الجوية ضده في سبتمبر أيلول عام 2014، تحت مسمى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.

أما عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، فلعل أبرز ما ميزه حيال سوريا، هي تقلباته المستمرة، وحرصه على الابتعاد عن سوريا وسحب قوت بلاده منها، إذ لم يكن يرى التدخل الأميركي هناك “استثمارا ناجحا” من وجهة نظر عالم البزنس الذي ينتمي إليه.

ورغم أن ترامب استخدم بدوره مصطلح “الخط الأحمر” بعد الهجوم الكيماوي على خان شيخون عام 2017، وعمد وقتئذ إلى إطلاق صواريخ كروز ضد أهداف في سوريا، ليصف لاحقا بشار الأسد بـ”الحيوان”، ويهدده بدفع ثمن باهظ بعد استخدامه مرة أخرى أسلحة كيماوية في مدينة دوما، حيث أطلقت البحرية الأميركية للمرة الثانية صواريخها، على مواقع في دمشق وحمص، إلا أن سياسة ترامب استقرت أخيرا على ضرورة الانسحاب الأميركي من سوريا، باعتبارها “قضية خاسرة” قائلا بوضوح إنه لا يهتم بمن يملا “الفراغ” الذي يتركه الانسحاب الأميركي، ولا يمانع أن تقوم أي دولة أو مجموعة دول بذلك، باستثناء إيران التي يقلق تمددها إسرائيل.

وباستثناء كثير من التصريحات الطنانة، ومحاولات نقل القضية السورية إلى مجلس الأمن ضمن مشاحنات ومساجلات مع روسيا، ظلت واشنطن تتحدث لفترة طويلة عن دعم لوجستي للمعارضة السورية وتبنّت برنامجاً “سرياً” لدعم بعض الفصائل التي تم تصنيفها على أنها معتدلة، ضمن شروط كثيرة، بينها عدم محاربة النظام السوري، وهو البرنامج الذي أوقفه ترامب على أية حال، لتتبخر بعدها مجمل مجموعات المعارضة التي تلقت دعما عسكريا أميركيا، باستثناء “جيش مغاوير الثورة” الذي ترك للمساهمة في حماية قاعدة التنف الأميركية عند مثلث الحدود السورية -العراقية -الأردنية.

أما في عهد إدارة جو بايدن الحالية، فقد حاول بعض المسؤولين الأميركيين، تحديد بعض النقاط التي ترتكز عليها هذه السياسة مثل المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، والحالي إيثان غولدريتش، اللذين قالا إنه ليس لدى واشنطن سياسة لتغيير النظام في دمشق، وإنما تريد تغييرات في الحكم، وإنه لن تكون هناك أموال لإعادة الأعمار، ولن يكون هناك تطبيع سياسي مع النظام ولا عودة الشرعية له قبل تغيير سلوكه، إضافة طبعا إلى محاربة “داعش” وانسحاب القوات والميليشيات الإيرانية من سوريا، ودعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة بشأن حل سياسي للحرب السورية.

واليوم، وبعد أكثر من 10 سنوات على أحداث سوريا، ومع التصعيد العسكري في الشمال السوري، يتضح مجددا أن السياسة الأميركية بلا فاعلية حقيقية باستثناء قدرتها على ممارسة بعض الضغوط على تركيا، والحد من التمدد الإيراني في شرق الفرات، دون الانخراط في أي مسعى جدي، سياسي أو عسكري، لإنهاء المحنة السورية، وهو ما ينقسم المحللون حول أسبابه، وهل مرده غياب الرؤية الاستراتيجية، وتحديد الأهداف والتصميم على بلوغها، كما يليق بدولة عظمى مثل الولايات المتحدة، أم إن هذا الأداء الذي يبدو مضطربا وقليل الفاعلية، هو سياسة واعية بحد ذاته، الهدف منها تشجيع تفاقم الأوضاع في سوريا، وتدحرجها نحو الأسوأ، بغية تحقيق أهداف استراتيجية تخص حليفتها الوثقى في المنطقة، إسرائيل. على الأرجح أن الاحتمال الثاني هو الصواب.

تلفزيون سوريا

———————-

الاستدارة التركية نحو دمشق.. الرهان والفرص والتحديات/ محمود عثمان

شكلت الاستدارة التركية الأخيرة نحو نظام الأسد صدمة كبيرة لدى كثيرين، فقد ظلت أنقرة على مدار عقد من الزمن في مقدمة الداعمين للمعارضة السورية، حتى إنها اصطدمت عسكريا أكثر من مرة مع قوات الأسد، وكان الرئيس أردوغان من أشد معارضي نظام الأسد، بعد أن رفض الأخير سماع نصائح أنقرة بتحكيم العقل والاستجابة لمطالب شعبه، وعوضا عن ذلك وجه جيشه وأجهزة مخابراته، وسخر جميع إمكاناته لقمع المتظاهرين السلميين، مُشعلا حربا تسببت في مقتل وتشريد الملايين، وتدمير سوريا، وتحويلها إلى ساحة لتصفية الحسابات، ومرتعا للإرهاب العابر للحدود وتجارة المخدرات، ليعيش السوريون مأساة إنسانية قل نظيرها في التاريخ البشري.

دوافع الاستدارة التركية نحو دمشق

في بدايات الانتفاضة السورية عام 2011، حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما نظام الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية، واعتبرها خطا أحمر لن يسمح بتجاوزه. لكن نظام الأسد، مدفوعا من الإيرانيين، استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنييين في الغوطة وخان شيخون، متحديا أوباما وخطوطه الحمر”!.

لكن نظام الأسد، ورغم التغاضي الدولي عن جرائمه، والدعم الإيراني اللامحدود، ظل عاجزا عن الاستمرار في الحكم والتصدي لانتفاضة شعبه، وبدا يومئذ وكأنه آيلٌ للسقوط، فطلبت إدارة أوباما من روسيا التدخل لمنع سقوطه المبكر !..

وشكل وصول جو بايدن، إلى السلطة، عاملا مؤثرا أدى إلى تغييرات جذرية في السياسة الخارجية التركية، خصوصا بعد تعيين بريت ماكغورك، المعروف بمواقفه السلبية تجاه تركيا وعلاقاته الوثيقة مع القوى الانفصالية الكردية، مسؤولا عن منطقة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، إذ زادت مخاوف أنقرة من تنامي الدعم الأميركي للأكراد في شمال شرقي سوريا، وهذا ما حصل بالفعل، حيث لم تنقطع قوافل الأسلحة الأميركية المقدمة لـ”قسد”.

وكانت أنقرة متوجّسة أصلًا من الخطاب الحادّ الذي تبنّاه بايدن خلال حملته الانتخابية تجاه أردوغان، حين دعا إلى دعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان.

ثم جاء التدخل العسكري الروسي، فأدركت أنقرة أن سياسة تغيير النظام في دمشق التي تبنّتها منذ 2011 غير واقعية، كما دفع التحالف الذي أنشأته واشنطن مع “قسد” إلى تغيير أولويات أنقرة في سوريا، فقد سعت إلى دفع التهديدات التي تواجه أمنها القومي عبر ضبط الحدود ومنع نشوء كيان انفصالي كردي على حدودها الجنوبية. وأدى ذلك إلى تمهيد الطريق أمام تفاهمات تركية روسية كان جوهرها تخلي أنقرة عن سياسة تغيير النظام في دمشق مقابل تعاون موسكو في منع قيام كيان كردي في سوريا.

منذ ذلك الوقت، نفَّذت تركيا ثلاث عمليات عسكرية شمال سورية: عملية “درع الفرات” في آب 2016، وعملية “غصن الزيتون” في شباط 2018، وعملية “نبع السلام” في تشرين الأول 2019، وأدّت هذه العمليات إلى تقطيع أوصال أي كيان كردي محتمل على الشريط الحدودي مع سوريا.

ومن الجدير ذكره في هذا السياق، نجاح المعارضة التركية في تشكيل رأي عام ضاغط، يرى مصالحة نظام الأسد ضرورة لا بد منها، بل يراها مفتاحا لحل جميع مشكلات تركيا!.

الاستدارة التركية نحو نظام دمشق

على هامش مشاركته في قمة شنغهاي، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبته بلقاء رئيس النظام بشار الأسد، قائلا:” لا توجد عداوات أبدية في السياسة”.

وذكرت وكالة “رويترز” أن رئيس المخابرات التركية عقد اجتماعات متعددة مع نظيره السوري “علي مملوك” في دمشق في الأسابيع الأخيرة، في مؤشر على جهود تبذلها روسيا للتقريب بين تركيا ونظام الأسد بعد القطيعة بين الطرفين.

وأخبر أردوغان الصحافيين في أثناء عودته من رحلة خارجية: “تحتاج المعارضة والنظام في سورية للتصالح”، وأضاف: “هدف تركيا في سوريا ليس هزيمة الأسد، ولكن التوصل لحل سياسي والدعوة للحوار السياسي” مع النظام في دمشق.

وكان الرئيس التركي قال بعد أسبوع من مصافحته للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي، إن تركيا يمكن أن “تضع الأمور في مسارها الصحيح مع سوريا”.

وبغض النظر عن طبيعة الاشتراطات والمطالب، فإن حاجة الطرفين إلى إحداث تحول في العلاقة بينهما، والمكاسب التي يتطلعان إليها، هي من يُحدد فرص النجاح.

وترسم أنقرة  مسارها الجديد من خلال عدّة مراحل، تبدأ بإنهاء القطيعة السياسية مع دمشق، وإجراء تواصل سياسي على المستوى الرئاسي كحد أقصى أو على مستوى وزراء الخارجية كحد أدنى. ثم اتخاذ بعض الخطوات المهمة التي تُلبي احتياجات الطرفين، من أبرزها توقيع اتفاق أو بروتوكول ثنائي لإعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم الأصلية، وضمان عدم تعرّضهم للاضطهاد، وتحديث اتفاقية أضنة، والشروع في تعاون أمني بين أنقرة ودمشق ضد حزب العمال الكردستاني وفروعه السورية، فضلاً عن تقديم تركيا بعض التنازلات الأساسية التي يُريدها النظام، كاستعادة السيطرة على المعابر الحدودية والطرق الدولية التي تسيطر عليها المعارضة، فضلاً عن عودة الأجهزة المدنية للحكومة السورية إلى محافظة إدلب. ثم تليها المرحلة الأصعب، وهي مرحلة التسوية السياسية بغرض التوصل إلى اتفاق سلام يُنهي الحرب في سوريا.

تحديات التقارب التركي مع النظام السوري

رغم التوجّه التركي نحو الانفتاح على النظام السوري ومصلحة الأخير الواضحة في التفاهم مع تركيا، بهدف تجريد المعارضة السورية من حليفها الرئيس، فإن عقباتٍ عديدة تعترض سبيل هذا التقارب:

أولًا، يحاول النظام السوري استغلال حاجة حزب العدالة والتنمية الانتخابية إلى حل موضوع اللاجئين والأكراد بفرض شروطٍ يصعب على تركيا قبولها، منها مطالبة أنقرة بوضع جدول زمني للانسحاب من الأراضي السورية، والتخلي عن دعم المعارضة، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل مصنفة على قوائم الإرهاب عالميا، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب، وهي مطالب أقرب ما تكون إلى شروط تعجيزية. مقابل ذلك تطلب تركيا من النظام الانخراط في مفاوضات جدّية مع المعارضة للوصول إلى تسوية سياسية، وهو شرط لن يقبل به النظام.

ثانيًا، ما زالت الولايات المتحدة صاحبة الكلمة الفصل في مناطق شرق الفرات، وما زالت واشنطن متمسّكة بتحالفها مع “قسد”، وما لم تصبح جزءا من أي تفاهم بشأن سوريا، فالأرجح أن النظام والروس لن يكونوا قادرين على تنفيذ أيّ تعهدات يقطعونها للأتراك بخصوص تحييد “قسد” في مناطق شرق الفرات.

ثالثا، الضغوط الإيرانية على نظام الأسد، إذ تخشى طهران من تأثير التقارب بين أنقرة ودمشق على نفوذها ومكتسباتها في سوريا.

رابعا، استكملت أنقرة جميع التجهيزات للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري، بعد تحميل قسد مسؤولية تفجير إسطنبول، وذكر خبراء عسكريون أن الجيش التركي جاهز للتوغل برا شمالي سوريا، حيث ينفّذ بالفعل قصفا مدفعيا وجويا.

لكن الحكومة قالت أيضا إنها مستعدة لإجراء محادثات مع دمشق إذا ركزت على أمن الحدود، حيث تريد أنقرة إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية عن الحدود ونقل اللاجئين إلى “مناطق آمنة”.

خلاصة، مما لا شك فيه أن الرئيس رجب طيب أردوغان يمتلك مهارات دبلوماسية عالية، مكّنته من تجاوز عقبات كبيرة في علاقات بلاده الخارجية. لكن المناورة التي يقوم بها على الساحة السورية حاليا، تنطوي على مخاطر كبيرة جدا.

صحيح أن الخطوات التي سيتخذها ستكون حاسمة في تقرير مصير الأزمة السورية، لكن فرص نجاحها محاطة بمعطيات سياسية بالغة التعقيد، ليس أولها كون مخاطبه بشار الأسد، لا يملك قراره السياسي بشكل كامل ومستقل، ولن يكون آخرها، فيتو واشنطن التي لا تبدو متحمسة لوضع الأزمة السورية على سكة الحل.

—————————————-

من «لوزان» إلى «الإردوغانية»: أكراد تركيا لا يستقرّون/ محمد نور الدين

يشكِّل أكراد تركيا النسبة الأكبر من الأكراد المتوزّعين جغرافيّاً على ثلاث دول أخرى، هي: إيران والعراق وسوريا. وعددهم في تركيا يخضع فقط للتقديرات و«الدراسات»، إذ إن إحصاء السكّان الدوري الذي يجري في هذا البلد، منذ عام 1923، لا يشمل الأعراق والقوميّات ولا المذاهب. فـ«معاهدة لوزان»، الموقّعة في 24 تموز من ذلك العام، اعترفت بوجود أقليّات دينية هي المسيحية واليهودية، لكنّها لم تعترف بوجود أقليّات عرقية أو مذهبيّة. بذلك، خسر الأكراد أولى معاركهم مع الأكثرية التركية، تماماً كما خسر العلويون معركتهم مع الأكثرية السُنيّة. ولإسقاط الأكراد والعلويين من تصنيف الأقليّات أهميّة قصوى، إذ يحقّ لتلك المعترَف بها في «لوزان»، أن تمتلك لغتها ومدارسها وصحفها، أي أن تمتلك هويّتها. ونتيجة لذلك، افتقد الأكراد هويّتهم. وشكّل ما تقدَّم جوهر الصراع الذي انفتح بينهم وبين الأكثرية التركية، والذي كان في أساس الاضطراب وعدم الاستقرار وإراقة الدماء المستمرّ منذ مئة عام.

تتفاوت «التقديرات» بالنسبة إلى عدد الأكراد، بين مَن يقول إن عددهم يبلغ بين خمسة إلى سبعة ملايين نسمة، وبين الأكراد أنفسهم الذي يقدّرون عددهم بـ 12 إلى 15 مليوناً، مقارنةً بحوالي سبعة ملايين في إيران، وخمسة ملايين في العراق، ومليونَين في سوريا.

وكان «مَحو» الأكراد من خريطة «لوزان» سبباً في اندلاع انتفاضات وثورات وتمرّدات مباشرةً أعقبت إعلان الجمهورية، للمطالبة بالاعتراف بالهوية الكردية وخصوصيّة الشعب الكردي. وقد تفاقم الاضطهاد الرسمي ضدّهم، كون ما لا يقلّ عن ثلثهم ينتمي إلى المذهب العلوي غير المعترف به أيضاً. وبذلك، التقى في الكردي – العلوي اضطهادان، أضيف إليهما اضطهاد ثالث، لأن معظم قواعد الحركات اليسارية الشيوعية والاشتراكية التي تعاظمت في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، من المنتمين إلى النزعتَين الكردية والعلوية. وغالباً ما كانت الانتفاضات الكردية تتماهى مع الاحتجاجات العلوية، بحيث لم يَعُد يُعرف بدقّة ما إذا كانت الثورات ذات منطلق كردي أو علوي، وغالباً ما كانت تَجمع الصفتَين.

وقد شهد الاعتراف بالهوية الكردية من عدم الاعتراف بها مفارقاته الأكبر في عهد مؤسّس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك. فبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في عام 1918، أَطلق مصطفى كمال حرب التحرير الوطنية، التي انضمّ إليها الكُرد، بعد وعود مؤكدة تاريخيّاً من «أتاتورك» بمنْحهم حكماً ذاتيّاً في جنوب شرق البلاد عام 1922، علماً أن «اتفاقية سيفر»، عام 1920، بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، والسلطان العثماني، لحظت منْح الأكراد حكماً ذاتيّاً، لكن «معاهدة لوزان» جاءت لتنسف الاتفاقية المذكورة، ومعها وعود الحكم الذاتي، ليخرج الأكراد من «لوزان» بخفّي حنين، ولتبدأ بالتالي مرحلة طويلة مليئة بالانتفاضات والتمرّدات، كان أبرزها ثورة الشيخ سعيد بيران الكردي عام 1925، والتي انتهت بإعدامه؛ ومن ثمّ انتفاضة آغري الأولى والثانية في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات. وبعد ثورة الشيخ سعيد، اتّخذت السلطات التركية إجراءات أضعفت الوجود الكردي في مناطقهم، مِن مِثل تهجير السكان إلى أماكن بعيدة واستبدالهم بسكّان أتراك. وظهرت، خلال ثورة آرارات في عام 1930، تصريحات لوزير الداخلية التركي، محمود عزت بك، عكست حقداً جارفاً على العرق الكردي، إذ قال: «التركي هو السيّد والمالك الوحيد في هذه البلاد، وللأتراك غير الأنقياء (أي الأكراد) حقّ واحد هو أن يكونوا عبيداً وخَدَماً».

لعلّ الحدث الأشهر في تاريخ الأكراد انتفاضة ديرسيم في عام 1936، التي جمعت الصفتَين العلوية والكردية بقيادة سيد رضا. وقد سُحقت الثورة بدموية قاسية، وأُعدم سيد رضا في 15 تشرين الثاني عام 1937، ليعقبها سكون دام أكثر من ثلاثة عقود. وفي 7 كانون الأوّل 1936، قال وزير الداخلية التركي، شكري قايا، أمام البرلمان، إن أصل الأكراد هم الأتراك الذين في الجبال. ومنذ ذلك الحين، شاع مصطلح «أتراك الجبال» في ذروة انعكاس الإنكار للهوية الكردية.

كان الإحياء الكردي متلازماً لظهور الحركات اليسارية في الشارع، كما في الجامعات في السبعينيات. ومن كلية الحقوق في أنقرة، انطلق الوعي الكردي الجديد مع الطالب عبد الله أوجالان الذي شكّل نواة الحركة القومية الكردية على قاعدة يسارية ماركسية، فكان تأسيس «حزب العمّال الكردستاني» عام 1978، الذي شكّل محطّة حاسمة في تاريخ الحركة الكردية. وقد جعلت ماركسية «العمّال» قادة الحزب بزعامة أوجالان على طرفَي نقيض أيديولوجي مع الفئات الكردية المحافظة في تركيا، كما مع الأحزاب الكردية التقليدية في شمال العراق، وعلى رأسها «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، بقيادة الملّا مصطفى بارزاني. مع ذلك، نجح «العمّال الكردستاني» في كسْب جانب كبير من الرأي العام الكردي في الداخل التركي، كما في الدول الأخرى. وكان له الدور الأبرز في بلورة الوعي الكردي، وإبرازه؛ وجاء في مقدمة مطالبه العمل على إقامة دولة كردية مستقلّة في تركيا.

وعلى الرغم من العامل الخارجي في الحركة الكردية في العقود الأولى من عهد الجمهورية، غير أنّه برز بصورة أكثر وضوحاً مع إطلاق «حزب العمّال الكردستاني» الرصاصة الأولى، في 15 آب 1984، على مخفر للقوى الأمنية التركية في قرية أروح. فانتقلت معظم قيادات الحزب، وفي مقدّمها عبد الله أوجالان، للعيش خارج تركيا، ولا سيما في سوريا، كما أُنشئت معسكرات تدريب للمقاتلين الأكراد في كل من سوريا ولبنان. وشكّل 15 آب 1984، بدايةً لواحدة من أكبر عمليات التمرّد الكردية على الدولة التركية، عندما أَطلقت مجموعة من المقاتلين الأكراد الرصاصة الأولى التي استهدفت مخفراً تركيّاً في قرية أروح في جنوب شرق البلاد، لتبدأ مواجهة عسكرية هي الأطول بين الأكراد والجيش التركي، لا تزال مستمرّة حتى اليوم، وأودت بحياة أكثر من 40 ألفاً من الطرفَين من عسكريين ومدنيين. ولم تخرج المسألة الكردية من كونها المشكلة الأساسية بين تركيا وسوريا، إلّا مع مطالبة أنقرة، في أيلول – تشرين الأوّل عام 1998، بضروة إخراج أوجالان من سوريا، وهو ما حصل في النصف الأوّل من تشرين الأوّل، بمغادرة زعيم «العمّال الكردستاني» إلى اليونان ومن ثم إلى روسيا وإلى اليونان مجدّداً فكينيا، حيث اعتُقل في 15 شباط 1999، في عملية مشتركة للاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والتركية، ونُقل إلى تركيا. حُكم على أوجالان بالإعدام، لكن أنقرة أَلغت، تحت ضغط الاتحاد الأوروبي، هذه العقوبة، واستبدلتها بالمؤبد، فيما لا يزال الرجل يقبع في زنزانة في جزيرة إيمرالي النائية في بحر مرمرة. ونتيجة لإخراجه من سوريا، تحسّنت العلاقات بين البلدَين، ووقّعت «اتفاقية أضنة» الشهيرة، في 20 تشرين الأول 1998، لتنظيم العلاقات الأمنية بين أنقرة ودمشق.

وبعد الغزو الأميركي للعراق والضغوط التركية على مقاتلي الحزب، استغلّ «الكردستاني» الفوضى في العراق وتمركز معظم قادته وعناصره في منطقة جبال قنديل، في المثلّث التركي – الإيراني – العراقي. وفي فترة الاعتقال، طوّر أوجالان من نظرية الدولة الكردية في اتجاه التخلّي عنها، والدعوة، بدلاً من ذلك، إلى إقامة كونفدراليات داخل كل دولة في تركيا والعراق وإيران وسوريا بين المكوّن الكردي والأكثرية الحاكمة، على أن تقوم لاحقاً كونفدرالية كردية عامّة تجمع بين الكونفدراليات الكردية الأربع.

لم يقتصر حضور الحركة الكردية في تركيا على الجانب العسكري ومع بداية التسعينيات، بدأت تنخرط في العملية البرلمانية. وبما أن النظام الانتخابي التركي كان يحول دون دخول الحزب الذي يحصل على أقلّ من 10%، البرلمان، فقد ترشّح الأكراد على لوائح أخرى، ولا سيما تلك العائدة لوريث «حزب الشعب الجمهوري»، «الحزب الاجتماعي الديموقراطي»، بزعامة أردال إينونو. ومن ثمّ كان الفائزون يعودون إلى أحزابهم الأصلية. لكن هذه الوسيلة، التي كانوا مضطرّين إليها، كانت تخسّرهم أكثر من نصف عدد النواب الذي يمكن أن يستحقّوه. ولم تكن التجربة البرلمانية للأكراد ناجحة؛ فقد كانت أحزابهم تتعرّض للإغلاق الدائم من جانب المحكمة الدستورية بذريعة دعْم الإرهاب، ليؤسّسوا في كل مرّة أحزاباً جديدة غيرها، وهكذا دواليك. كما تعرّض النواب الأكراد للاعتقال أكثر من مرّة.

وكانت الوعود التي أطلقها حزب «العدالة والتنمية» بُعيد وصوله إلى السلطة عام 2002، مثار ترقُّب من جانب الأكراد. فقد اعترف إردوغان، في صيف عام 2005، بوجود قضيّة كردية في تركيا. ولكن اعترافه لم يُترجَم على أرض الواقع، وبقيت معظم المطالب الكردية حبراً على ورق. على أن الاعتراف هذا لم يكن الأوّل من نوعه، إذ سبقه إليه رئيس الوزراء، سليمان ديميريل، في خريف 1991، عندما اعترف بـ«الواقع الكردي»، ومن ثم رئيسة الوزراء، طانشو تشيللر، التي دعت إلى تطبيق نموذج الباسك في تركيا، ورئيس الوزراء، مسعود يلماز، الذي قال إن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يمرّ من ديار بكر، أي الاعتراف بالقضيّة الكردية. لكن ما تقدَّم لم يَعْدُ كونه وعوداً كاذبة لكسْب الصوت الكردي، بسبب اعتراض الدولة العميقة المتمثّلة بالمنظومة الإسلامية التركية على منْح الأكراد أيّ نوع من أنواع الحكم الذاتي أو أيّ مطالب تتعلّق باللغة الكردية، بذريعة أن مشكلة الكرد ليست مشكلة سياسية أو ثقافية، بل مشكلة أمنية يتطلّب حلّها استخدام القمع والبطش. وترى النخب القومية (علمانية كانت أو إسلامية) أن أيّ «تنازل» للأكراد، سيفتح الطريق أمام قيام دولة كردية مستقلّة على حساب الوطن التركي.

وشهد عام 2015 نقطة تحوّل مهمّة، فترشّح الأكراد ليس بصفة مستقلّين أو في لوائح أحزاب أخرى، بل كحزب مستقلّ هو «حزب الشعوب الديموقراطي»، والذي استطاع أن ينال 13.12% مع ثمانين نائباً، وبالتالي التمثّل في البرلمان بكامل قوّته، وهو ما كان يحدث للمرّة الأولى. وكان لذلك نتائج سياسية مهمّة جداً ستترك أثرها على الحياة السياسية والتوازنات في البرلمان. إذ حَرم الفوز بهذه الطريقة، «العدالة والتنمية» الحاكم، من «سرقة» عدد كبير من النواب الأكراد، فخسر الحزب حينها، للمرّة الأولى، الأكثرية المطلقة في البرلمان (276)، ونال 258 نائباً.

لكن رئيس الجمهورية، رجب طيب إردوغان، ضغط من أجل إعادة الانتخابات بعد أربعة أشهر. وخلال هذه الفترة، عَرفت تركيا واحدة من أكثر مراحلها دموية، عندما صعّد الجيش حملته على «حزب العمّال الكردستاني» والمدن الكردية في جنوب شرق تركيا، واعتقل العديد من أنصار «الشعوب الديموقراطي»، لينجح الحزب الحاكم في الفوز مجدّداً بالأكثرية النيابية، في انتخابات الأوّل من تشرين الثاني من ذلك العام، حاصداً 317 نائباً. لكن، مع هذا، نجح «الشعوب الديموقراطي» في الفوز، ونال 10.76% (59 نائباً)، وتكرّر انتصاره في انتخابات 2018، حين حصد 11.70% (67 نائباً). بهذه النتائج، تحوّلت الحركة الكردية المؤيّدة لعبد الله أوجالان، إلى رقم صعب في المعادلة السياسية الداخلية. ولولا دعم حزب «الحركة القومية» – من منطلق عرقي – لحزب «العدالة والتنمية»، لكانت سلطة الأخير قد انتهت منذ عام 2015.

تواجه الحركة الكردية، اليوم، تحدّيات كثيرة في الطريق إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرَّرة في حزيران المقبل (وربّما قبل ذلك). فجميع المؤشرات واستطلاعات الرأي تدلّ على أن فرص إردوغان للفوز بالرئاسة، غير مضمونة، في حال توحّد المعارضة حول مرشّح مشترك واحد، إذ تدلّ النتائج على إمكانية تعادل مرشّحي السلطة والمعارضة، بما يعادل 40%-42%. لكن فوز مرشّح مشترك للمعارضة يصبح مؤكداً في حال تأييد ناخبي «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي له، فينال على الأقل 52%-54%. لذلك، تبدو الأشهر المقبلة حبلى بمفاجآت وتطوّرات في الصراع على الصوت الكردي، حيث أعلن «تحالف العمل والحرية» اليساري الذي يضمّ الحزب الكردي، أنه سيتقدَّم، في الدورة الأولى، بمرشّح خاص به، مؤجّلاً الحسم إلى الدورة الثانية لمعرفة إلى من سينحاز الناخب الكردي، مع الإشارة إلى أن إردوغان يجد في الحالة الكردية متنفّساً له، ليَظهر بمظهر الزعيم الوطني وقائد الأمة التركية من خلال الحملات العسكرية في شمال العراق وشمال سوريا وفي الداخل التركي لاستهداف عناصر «العمّال» و«امتداداته». كما تستهدف الحكومة التركية الواقع السياسي الكردي في البرلمان والبلديات، من خلال إقالة رؤساء البلديات الأكراد، وتعيين موالين لـ«العدالة والتنمية» بدلاً منهم. أيضاً، يحاول إردوغان أن يستخدم قدْر الإمكان ورقة اعتقال عبد الله اوجالان لتوجيه رسائل ضغط للحركة الكردية عشيّة كل انتخابات رئاسية أو نيابية أو بلدية.

الاخبار

—————————

«روج آفا»: دولة الوهم/ حسين الأمين

في الأيام الأخيرة من تشرين الثاني 1978، وبعد عدّة اجتماعات سرّية عقدها مجموعة من الطلاب الأتراك الماركسيين من أبناء القومية الكردية، في منطقة ديار بكر في جنوب شرقي تركيا، تمّ تأسيس «حزب العمال الكردستاني» (PKK)، واختير أحد الطلاب المؤسّسين، عبدالله أوجلان، رئيساً له. مذّاك، تبنّى الحزب هدفاً أكبر منه، وهو إنشاء دولة «كردستان الكبرى المستقلّة»، والتي تقع على أجزاء من الأراضي العراقية والإيرانية والسورية والتركية. خاض «PKK» سنوات طويلة من الصراع السياسي، ثمّ المسلّح لاحقاً، مع الحكومة في تركيا، حيث النفوذ الأكبر للقوى الكردية. انتهت المرحلة السابقة من هذا الصراع بنفي أوجلان إلى سوريا، وانسحاب معظم عناصر «العمال» جنوباً باتجاه الأراضي السورية، وجزء من الشمال العراقي. بعد سنوات، ونتيجة تفاهمات بين الحكومتين السورية والتركية، انتقل أوجلان إلى روسيا، ومن هناك إلى إيطاليا، التي أُخرجَ منها أيضاً من قِبَل الحكومة، ما دفعه إلى الاختباء في السفارة اليونانية في كينيا، قبل أن يلقي الأمن الكيني القبض عليه، ويُنقل إلى تركيا، حيث حُكم عليه بالإعدام، ثمّ بالسجن المؤبّد بعد إلغاء حُكم الإعدام في القوانين التركية.

الحُكم للعسكر

تُعدّ «وحدات حماية الشعب» الكردية، والتي شكّلت لاحقاً نواة «قوات سوريا الديموقراطية»، اليد الضاربة لـ«العمال» في عموم «روج آفا»، أي مناطق شمال سوريا. ويرجّح بعض الباحثين المتخصّصين أن يكون عام 2004، هو تاريخ تأسيس «الوحدات» بعد التظاهرات الكردية ضدّ الحكومة السورية، إلا أنها ظلّت سرّية قبل أن تخرج إلى العلن في تموز 2012. على أن «حماية الشعب» هي نسخة معدّلة من «كتائب الحرية الكردستانية»، التي تأسّست عام 1984، ثمّ أُعيد تسميتها «جيش التحرير الشعبي الكردستاني». أُنشئت معسكراتها الأولى عام 1982 في تركيا والعراق وسوريا وإيران، ثمّ في العام 1998 حُصرت في شمال العراق، حيث طُوّرت بمساعدة أميركية مباشرة. وخلال السنوات اللاحقة، أقام «العمال» مخيّمات ومعسكرات عديدة في الجبال التي تمتدّ عبر الحدود، فيما المعسكرات الأساسية والدائمة، والتي منها تجري قيادة العمليات العسكرية، تقع في جبال قنديل في العراق. تقدّم «الوحدات» نفسها على أنها «تناضل من أجل تحقيق حرّية جميع القوميات السورية، وتنظّم نفسها في غرب كردستان للوقوف في وجه أيّ تدخل خارجي وداخلي»، لكن الواقع يثبت أن «حماية الشعب» هي الجناح المسلّح لـ«العمال»، حصراً، ومنها انبثقت «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» بين العامين 2014 و2015. كما اعتمدت في تعييناتها المُنتسبين القدامى إلى الحزب من الجنسية السورية، وقادتها هم مَن يتحكّمون بمختلف مفاصل الحياة في الجزيرة السورية، بما فيها التعيينات في «قسد» و«مسد».

«روج آفا» لا «أخوّة الشعب»

على رغم أن فلسفة أوجلان تعتمد مبدأ «أخوّة الشعب»، أي التعايش بين مختلف القوميات والديانات والطوائف في المناطق التي يعيش فيها الأكراد، إلّا أن هذا ليس ما يجري تماماً اليوم على الأرض. خلال السنوات الأخيرة، كان يمكن بسهولة ملاحظة خريطة جغرافية مرفوعة في مكاتب معظم المسؤولين الأكراد في سوريا، ومنشورة في معظم منصّاتهم الإعلامية والإلكترونية، تعبّر في الواقع عن الهدف الذي يسعى إليه «الأبّوجية» – نسبة إلى أوجلان المعروف باسم «أبّو» في الأوساط الكردية – وهو تأسيس دولة «كردستان سوريا»، أو «روج آفا – غرب كردستان»، والمحدّدة جغرافياً من سيمالكا عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق وتركيا، وصولاً إلى مشارف البحر في جبل الأكراد في اللاذقية. وتقود هذه المنطقة، قياداتُ الظلّ القادمة من جبال قنديل في العراق. وعلى رغم أن هؤلاء لا يظهرون في وسائل الإعلام، إلّا أن بعض أسمائهم متداوله محلياً، مثل نور الدين صوفي وباهوز أردال. وخلال السنوات الأخيرة، وتحت تأثير الانتشاء بمواجهة «داعش» وتلقّي الدعم الأميركي، نُقلت أحاديث عن لسان قياديين أكراد، تبيّن الاستراتيجية العميقة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، الفرع السوري لـ«العمال»، والتي تعتمد على تأسيس إدارات محلّية لإدارة شؤون المنطقة، وإشراك المكوّنات المحلّية فيها كالعرب والمسيحيّين وغيرهم، شكلياً، إلى حين فرضها كأمر واقع، ومن ثمّ المطالبة باستقلالية إدارية لها تَمثّلاً بتجربة كردستان العراق، ومن ثمّ تهيئة الظروف للمطالبة بـ«حق إقرار المصير للشعب الكردي»، وتأسيس «كردستان سوريا».

تعاون مع كلّ «الأعداء»

على رغم تصنيف تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى، «العمال» كـ«منظمة إرهابية»، إلّا أن هذا لم يمنع إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، من التعاون مع الحزب الكردي، وإنْ بطريقة غير مباشرة. كذلك، تعاون «التحالف الدولي»، والذي تقوده الولايات المتحدة، بشكل مباشر وعلني مع «قسد»، فيما اعتبرت واشنطن القوى الكردية شريكة لها في الحرب على «داعش» في سوريا، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، حين قال: «لدينا علاقة جيدة جداً مع الأكراد، ونحاول مساعدتهم كثيراً». من جهته، نسج العدو الإسرائيلي علاقات أكثر متانة مع القوى الكردية المختلفة. وبحسب تقرير نشرته «رويترز» في العام 2017، فإن «إسرائيل تقيم روابط سرّية مع الأكراد في مجال الاستخبارات والأعمال والمجال العسكري منذ ستينيات القرن الماضي». وفي العام نفسه، قال رئيس حكومة العدو آنذاك، بنيامين نتنياهو، إن «إسرائيل تؤيّد جهود الشعب الكردي المشروعة لقيام دولته»، لكنه أكّد أن تل أبيب «تعتبر حزب العمال الكردستاني تنظيماً إرهابياً». وفي السياق نفسه، كانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية نقلت عن النائب السابق لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال يائير غولان، قوله إنه «لا يصنّف حزب العمال الكردستاني منظّمة إرهابية»، وإنه حين ينظر إلى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، «فإن وجود كيان كرديّ مستقرّ يصبح مسألة ليست سيئة»، بحسب تعبيره. كما كانت لوزيرة العدل الإسرائيلية السابقة، إيليت شاكيد، تصريحات مشابهة في كانون الثاني 2016، حيث قالت إن «علينا أن ندعو صراحة إلى إقامة دولة كردية، وسوف تفصل هذه الدولة بين إيران وتركيا وتساعد إسرائيل».

إلى ذلك، حاز الفرع السوري لـ«العمال»، فضلاً عن فروع الدول الأخرى، دعم بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات. وقد سُجّلت عدّة زيارات لضباط سعوديين واماراتيين إلى منطقة السيطرة الكردية في الشمال والشرق، بين عامي 2014 و2018. وفي حين تعهّد الإماراتيون حينها بدعم «قسد» استخباراتياً وأمنياً وتقنياً، فإن السعودية اضطلعت، من جهتها، بترتيب العلاقة الكردية مع العشائر العربية المحلّية، وضبط إيقاعها، بعد اقترابها من الانفجار عدة مرات. ولا يخفى أن هذا «التعاون» هدف إلى الضغط على تركيا، في مقابل دعم الأخيرة لـ«الإخوان المسلمين»، كما وإلى الحؤول دون سيطرة الجيش السوري والقوى الحليفة له على مزيد من الأراضي شرق الفرات، وخصوصاً تلك التي تحوي المعابر الحدودية مع العراق، وحقول النفط والغاز.

تركيا تقطّع «كردستان سوريا»

مع تمكّن القوى الكردية في الشمال السوري، وعودة خريطة «روج آفا» إلى الواجهة، شرَع الأتراك في إعداد الخطط وتنفيذها بمواجهة ذلك المشروع. وفي هذا السياق، كانت عملية «درع الفرات» في العام 2016، والتي هدفت إلى السيطرة على كلّ من جرابلس والباب وأعزاز، لقطع الطريق على قوات «قسد» المتقدّمة من منبج وعين العرب (كوباني) باتجاه عفرين، العاصمة المفترَضة للدولة الكردية في سوريا. وفي العام 2018، شنّت تركيا عملية «غصن الزيتون»، فاحتلّت خلالها مدينة عفرين في شمال غربي سوريا، وبذلك حطّمت «الحلم الكردي» بالوصول من عفرين إلى أرياف إدلب انتهاءً إلى جبال اللاذقية. ولاحقاً، في العام 2019، دشّنت أنقرة عملية «نبع السلام»، بهدف تقطيع أوصال السيطرة الكردية، وعزل مناطق الجزيرة عن ريفَي الرقة وحلب، إلّا أن هذه العملية لم تُستكمل بعد الضغوط التي تعرّضت لها تركيا من الأميركيين والإيرانيين والروس، وعقد تفاهم بين الرئيسين التركي والروسي، وانتشار الجيش السوري في بعض المواقع شرق الفرات. واليوم، يتهدّد القوى الكردية خطر إطلاق القوات التركية هجوماً جديداً في المنطقة، ستكون نتائجها وخيمة عليها، خصوصاً بعدما ثبت ضعفها العسكري أمام الجيش التركي والفصائل السورية المسلّحة المدعومة من أنقرة.

هشاشة سياسية وعسكرية

بعد مضيّ نحو 10 أعوام على التجرية الكردية في شمال سوريا وشرقها، يمكن القول إنها فشلت على الصعيدين السياسي والعسكري. سياسياً، مع بداية الأزمة السورية، كانت تربط «العمال» علاقات إيجابية بالحكومة السورية، إلّا أن الدخول الأميركي إلى المنطقة من بوابة معركة عين العرب (كوباني)، دفع القوى الكردية إلى الانقلاب على دمشق. وعلى الرغم من وجود تيار داخلها يريد تحقيق نوع من التوازن، إلّا أنه جرى تهميشه، وهو لا يَلقى اليوم أيّ تجاوب من القيادات النافذة في الحزب، وفي مقدّمها العسكرية. هكذا، ربطت القوى الكردية مصيرها بالوجود الأميركي، وسعت إلى استغلال التنسيق العسكري مع دمشق وموسكو، للحصول على اعتراف بإدارتها الذاتية. واليوم، هي تدرك أن أيّ انسحاب أميركي سيعني انقضاضاً عسكرياً مباشراً عليها من قِبل الأتراك والفصائل المسلحة، مع الإشارة إلى وجود تيّار متطرّف داخلها يفضّل هذا السيناريو على تسليم المنطقة للجيش السوري. وعلى صعيد البيت الكردي الداخلي، لم يُحسن «الاتحاد الديموقراطي» بناء علاقات عميقة مع حكومة كردستان العراق، لعدّة اعتبارات، منها الخلافات القائمة بين أربيل و«العمال» الذي يتّخذ من جبال قنديل مقرّات له، ودعم الإقليم أحزاب «المجلس الوطني» الذي يناصبه «الاتحاد» العداء، إضافة إلى علاقته الجيدة بالحكومة التركية.

على الصعيدَين الأمني والعسكري، تعرّضت القوات الكردية لعدّة انتكاسات، بدءاً من سقوط مدينة عفرين وعشرات القرى في محيطها في العام 2018، مروراً بسقوط مدينتَي رأس العين وتل أبيض في العام 2019، بعد 5 أيام فقط من بدء العملية العسكرية التركية. ما حصل حينها، أثبت الهشاشة العسكرية لـ«قسد»، التي تضمّ غالبية عربية مطلقة في بنيتها العسكرية، فيما يمسك أبناء المكوّن الكردي بالمفاصل القيادية، وهو ما يشكّل إحدى نقاط الضعف الأساسية، حيث لا وجود لعقيدة قتالية واحدة. وخلال الأيام الأخيرة، بدا أن الخوف منتشر في صفوف «قسد» بشكل لافت، إلى حدّ يمكن القول معه إنه «إذا تعرّض مقاتلوها لهجوم واسع، لن يستطيعوا الصمود»، بحسب ما يقول مصدر عسكري رفيع في المنطقة لـ«الأخبار»، مضيفاً أنه «إذا ما استمرّ القصف التركي طويلاً، فإن مصير القوى الكردية سيكون على المحكّ، وليس مُستبعداً أن يهرب قادتهم الأساسيون خارجها»، كاشفاً أن «بعض هؤلاء يُخرجون عائلاتهم وذويهم من مناطق الخطر إلى مناطق سيطرة الدولة السورية لحمايتهم».

وإضافة إلى ذلك، خلع العديد من عناصر «قسد» بزّاتهم العسكرية، وارتدوا الملابس المدنية، في بعض القرى الواقعة على خطوط التماس، خوفاً من الاستهداف التركي. ويؤكد المصدر العسكري أن «التركي مُمسك بالمنطقة استخباراتياً، وهو يعرف مواقع قسد، ومخابئهم وبيوت قادتهم، ويستهدفهم باستمرار، مدركاً أن أكثر ما يؤلمهم هو مصادرهم المالية الأساسية، وهي حقول النفط والغاز، لذا هو قام باستهداف عدد كبير منها، وهو بذلك من جهة أخرى يحاول الضغط على الحكومة السورية التي تستفيد جزئياً من بعض الحقول». ويفيد المصدر بأن «قسد قامت بالفعل، منذ نحو أسبوعين، بإطلاق سراح مجموعات صغيرة من مسلّحي داعش المحتجزين لديها، في سياق ابتزاز الأميركيين والغرب والإيرانيين والروس، والحكومة السورية، لدفعهم إلى الضغط على تركيا لوقف هجومها».

وفي السياق نفسه، تكشف مصادر سورية مطّلعة أنه «في لقاءات قادة القوى الكردية العديدة مع اللواء علي مملوك، يَظهر بوضوح مدى خوفها من الأتراك من جهة، ومدى تعلّقها بمسألة السلطة المحلّية وممارسة شكل من أشكال الفيدرالية بضمانة أميركية». وفي المقابل، تلفت المصادر إلى أن «المطلب التركي الأول هو تفكيك قسد ودمج عناصرها ضمن القوات السورية النظامية، وهذا ما تجيب عليه دمشق بأنه ليس بيدها، بسبب الاحتلال الأميركي الذي يؤمن الدعم والغطاء لقسد، وتقول للأتراك إن الأميركيين حلفاؤكم ويمكنكم طلب ذلك منهم، وليس منا». وتضيف أن «الجيش السوري حذر جداً من إعادة تجربة العام 2019 عقب نبع السلام، حيث انتشر الجيش على بعض خطوط التماس، وصار في موقع المدافع عن قسد أمام الأتراك، بينما القوات الكردية تقصف بالمدافع من خلف الجيش السوري، فتردّ القوات التركية على مواقع الجيش!»، مؤكّدة أن «القوات السورية قادرة على السيطرة على المنطقة خلال وقت قصير، لكن الدولة ليست في وارد خوض قتال ضد قسد، وهي لا تريد التورّط في معركة داخلية ذات أبعاد عرقية».

الفساد يأكل الإدارة

على الصعيد الإداري، استأثرت «الإدارة الذاتية» بالمناصب الأساسية، ومنحتها للأكراد الحزبيين بشكل خاص. كما تعمّدت استبعاد أبناء العشائر العربية الوازِنة، وحتى المسيحيين من أبناء المنطقة، معتمِدةً على شخصيات مغمورة تشتريها بالمال لتكون ممثّلة صوَريّة للمكوّنات الاجتماعية الأخرى. كذلك، لم تحقّق «الذاتية» أيّ نجاحات على مستوى الخدمات؛ إذ لم تبدِ جدّية في التعامل مع ملفّ إعادة إعمار الرقة على رغم سخاء المموّلين والداعمين لها، ولم تقم بترميم مشاريع الريّ التي دمّرتها الحرب في دير الزور ومنبج والطبقة، ولم تطلق أيّ خطط تنموية حتى في الحسكة التي تعدّ معقلها الأساسي، فيما فشلت في حلّ مشكلة انقطاع مياه الشرب عن مليون مدني في المدينة ومحيطها، وتوفير مصدر مائي بديل. أمّا على الصعيد الاقتصادي، فتُعتبر المداخيل المتأتّية من بيع النفط السوري لشركات أميركية ومهرّبين مختلفين، المصدر الرئيس لتمويل الإدارة. إلا أن قطاع النفط والغاز يهيمن عليه «العمال»، وهو يتلقّى وارداته كاملةً، ويقتطع نحو 12% منها لصالح «الذاتية»، بينما يذهب بما تبقى الى خزينته التي يستثمرها في التمويل والتسليح. كما تعتمد «الذاتية» على الدعم المالي الخارجي، غير المُعلن غالباً، بسبب الحساسيات مع تركيا. ويصل إلى «قسد» أيضاً جزء من إيرادات حملات الدعم التي ينظّمها «العمال» في دول العالم، إضافة إلى جزء من الضرائب التي تجمعها من المدنيين. كذلك، تمّ فرض نوع من «الخوّات» على كبار التجار والصناعيين والمزارعين الذين يعملون ضمن مناطق سيطرة «الذاتية»، فيما بدا لافتاً تكرار هروب مسؤولين محلّيين وفي أيديهم حقائب الدولارات.

الاخبار

——————————-

أكراد سوريا: رهانات السلم والحرب/ أيهم مرعي

الحسكة | حرصت الأحزاب الكردية السورية، في فترة ما قبل الحرب، على تلافي استخدام مصطلح “روج أفا” أو “كردستان سوريا”، في مختلف خطاباتها السياسية آنذاك، مع تأكيد اعتبار نفسها جزءاً من الحركة السياسية الوطنية، وحصْر أهدافها في تأمين حقوق الكرد الثقافية، وهو ما اعتُبر بمثابة انتفاء لوجود قضية كردية، ينادي أصحابها بتأسيس “كردستان سوريا”، كما هي الحال في العراق وإيران وتركيا. وكانت الحركة السياسية الكردية المنقسمة على بعضها إلى عدد كبير من الأحزاب، المصطفّة في تيارَين أساسيَين هما “التحالف الديموقراطي الكردي” و”الجبهة الديموقراطية الكردية”، تمارس نشاطها سرّاً، قبل أن تتحوّل إلى العلن منذ عام 2000. كما أنها لم تكن على قطيعة مع الحكومة السورية، التي حرصت في كثير من الأحيان على حضور احتفالات الكرد بأعياد النوروز، وتأمين الحماية اللازمة لهذه الاحتفالات. لكن هذا التناغم الظاهري لم يحفر على ما يبدو في العمق – وفق ما أظهرته أزمات العقد المنصرم -، على رغم محاولة شخصيات كردية بارزة، في مقدمها رئيس أقدم الأحزاب الكردية، عبد الحميد حاج درويش، الذي وصل إلى عضوية مجلس الشعب عام 1990، خلْق مساحات عمل مشتركة مع دمشق، لم تُبقِ القوّة الكردية الرئيسة المسيطرة على المشهد راهناً، أيّاً منها، بفعل “سياساتها الخاطئة والبعيدة عن الواقع والتي لا تنسجم مع تطلّعات الشعب الكردي”، كما وصفها حاج درويش نفسه عام 2018.

مع بدء الحرب في سوريا، توزّع الأكراد على تيّارَين سياسيَين: الأول هو “المجلس الوطني الكردي” الذي انضمّ إلى “المجلس الوطني السوري” المعارض، ولاحقاً إلى “الائتلاف السوري” المعارض؛ والثاني “حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي، الذي قرّر تشكيل قوات عسكرية، وإعلان “إدارة ذاتية” مؤقّتة لإدارة مناطق الشمال السوري، ضمن ما سُمّي حينها “التيار الثالث”، أي غير المصطفّ لا مع الحكومة ولا مع المعارضة. ومع تطوّر الأحداث، اتّجه “المجلس الكردي” نحو تعميق تحالفاته مع المعارضة الخارجية، فيما سعى “الاتحاد – PYD” إلى التفرّد بشؤون الكرد في الداخل، محاوِلاً في الوقت نفسه الانفتاح على المعارضة الداخلية الممثَّلة في “هيئة التنسيق الوطنية” المعارضة، ومتحالِفاً مع “تيار قمح” بزعامة المعارض هيثم مناع، من دون أن يتجاوز هذا التحالف حدود المظاهر، ما عجّل في انفراط عقده بعد أشهر قليلة من إعلانه. وعلى رغم إعلان “الإدارة الذاتية المؤقّتة”، المشكَّلة من الـ”PYD”، عام 2013، أن “الإدارة المؤقّتة لا تهدّد وحدة سوريا، ولا أمن دول الجوار، وأُسِّست بهدف تخفيف الأعباء عن كاهل الشعب، والاعتماد على الذات إلى حين انتهاء الأزمة التي تمرّ بها البلاد”، إلّا أنها سرعان ما شعرت باشتداد عودها، وتخلّت عن كلمة “مؤقّتة”، وأنشأت تحالفاً عسكرياً باسم “قوات سوريا الديموقراطية”، وسياسياً باسم “مجلس سوريا الديموقراطية”، وذلك في العامَين 2014 و2015، إثر دخول الأميركيين كحليف لها، بقوات عسكرية إلى مناطق سيطرتها.

هكذا، اندفع الأكراد بأحلامهم بعيداً، وأعلنوا تشكيل “فيدرالية شمال وشرق سوريا” عام 2016، ما دفع “رئيس مجلس سوريا الديموقراطية” حينها، هيثم المناع، إلى الاستقالة من منصبه اعتراضاً على ذلك الإعلان، الذي صدرت أيضاً بيانات حكومية ومعارضة رافضة له، وعادّةٌ إيّاه توجّهاً انفصالياً. وبناءً عليه، اضطرّ “الاتحاد” إلى مراجعة خطوته، قبل أن يعلن، بالاستناد إلى نصيحة أميركية، التراجع عن “الفيدرالية”، وتشكيل “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، في أيلول 2018، بوصْفها نموذجاً للحلّ السياسي في سوريا. ومع أن “PYD” تخلّى عن مصطلح الفيدرالية في تسمياته الرسمية، إلّا أنه واصل ممارسة نشاطه كمتحكّم بمنطقة مستقلة سياسياً عن جغرافية البلاد، من خلال استحداث ممثّليات لها في عدد من البلدان الأوروبية، وتنظيم لقاءات مع وفود غربية، بعيداً عن أيّ تنسيق مع الحكومة المركزية.

حافظ القادة الأكراد على خطابهم السياسي المتحفّظ، وتنسيقهم الأمني والعسكري غير المعلَن مع دمشق، طيلة السنوات الأربع الأولى من الحرب. لكن إعلان الولايات المتحدة دخولها الأراضي السورية لمحاربة “داعش”، وتحديداً إبّان معركة كوباني عام 2014، مثّل نقطة البداية لاستدارة الـ”PYD” عن دمشق، وشروعها في بناء سياساتها وفق مصالح الأميركيين، واعتماداً على وجودهم كحليف عسكري لها. إلا أنّ هذا التحالف سرعان ما حرّض تركيا أيضاً على الدخول البري إلى سوريا، واحتلال مناطق جرابلس وأعزاز والباب، لقطع الطريق على ربط مناطق الحسكة وعين العرب وعفرين، والتي أُعلنت فيها “إدارات ذاتية” حينها. وفي أعقاب ذلك، تعاظم التهديد التركي للوجود الكردي، والذي تُرجم لاحقاً بعمليات عسكرية أخرجت الأكراد من عفرين ورأس العين وتل أبيض، وقطعت أوصال “الذاتية” جغرافياً.

—————————

استراتيجية الأسْرَلة… هكذا وقع الأكراد في الشّرك/ وليد شرارة

«نحن حلفاء أميركا الأكثر إخلاصاً في سوريا. لا تنسونا». يعكس هذا العنوان، الذي اختاره مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديموقراطية»، لمقاله المنشور في «واشنطن بوست» بتاريخ 3 من الشهر الحالي، المنطق العميق الذي بات يحكم الخيارات الإستراتيجية لقيادات التنظيمات السياسية التي تدّعي تمثيل الأكراد في سوريا والعراق وإيران وتركيا. لا ريب في أن خيار التحوّل إلى قوة وكيلة للتحالف الأميركي – الغربي – الإسرائيلي، تشارك في حروبه المتصاعدة، الحامية أو الهجينة، ضدّ بلدان الإقليم، في مقابل دعمه لتوجّهاتها الانفصالية، لا يلقى إجماعاً البتّة في أوساط الرأي العام الكردي ونخبه السياسية والثقافية. قطاعات معتبرة منهم تعارض مثل هذا الخيار الانتحاري لأنه سيضع الأكراد في مواجهة بقية شعوب المنطقة، وليس الأنظمة السياسية فحسب، ولأنه يضرب عرض الحائط بوشائج الأخوة التاريخية والثقافية – الاجتماعية التي تجمع بينهم وبين هذه الشعوب. إضافة إلى ذلك، هناك الكثير من المعطيات عن وجود خلافات داخل بعض الأحزاب السياسية المشار إليها سابقاً – «حزب العمال الكردستاني» على سبيل المثال -، حول وجاهة خيار الاندراج في إستراتيجية الغرب ضدّ المنطقة، أي أداء وظيفة مطابقة لتلك التي أقيم لأجلها الكيان الصهيوني، انطلاقاً من اعتبارات واقعية في الأساس تذكّر بأن الوجود العسكري الغربي فيها محكوم بالزوال مهما طال أمده، على عكس دول وشعوب المنطقة الباقية على رغم الأزمات التي تعصف بها راهناً.

من المفترض أن يدفع إدراك حقائق التاريخ والجغرافيا، القوى السياسية الحريصة فعلاً على مصالح الشعب الكردي، إلى البحث عن تسويات وتوافقات مع بلدان المنطقة تضمن حقوق هذا الشعب، وتزيل جميع المظالم وأشكال التمييز التي تعرّض لها، من دون تهديد وحدة الكيانات الوطنية القائمة. فعلى الرغم من اختلاف طبيعة أنظمة الحكم في بلدان كسوريا والعراق وإيران وتركيا، ومن الخلافات وحتى الصراعات التي تدور أحياناً بين بعضها البعض، ترسّخت قناعة في أوساط قياداتها ورأيها العام، بأن الغرب أصبح يعتمد «الورقة الكردية» كوسيلة رئيسة من وسائل زعزعة استقرارها وتهديد وحدتها الترابية. لا يعني الكلام المتقدّم رفع المسؤولية عن الأنظمة المتعاقبة في الإقليم عمّا عاناه الأكراد من اضطهاد وتنكيل في حالات عديدة، لكن النقاش ينبغي أن يتمحور حول كيفية توفير الشروط اللازمة لحلول جذرية دائمة تسمح بتغيير الواقع القائم. أمّا الخيار الآخر، أي الاستزلام للغرب المنحدر، والذي تأخذ به التنظيمات الكردية المسلّحة في البلدان الـ4 المشار إليها، فإنه كفيل بتأجيج النزاع بينها وبين هذه البلدان، وحمْل الأخيرة على المزيد من التعاون في ما بينها، للتصدّي لسياسة التخريب والتدمير الغربية وتصفية أدواتها، مع ما قد يترتّب على ذلك من أثمان تدفعها الشعوب، بما فيها الشعب الكردي.

فكرة استغلال التناقضات الإثنية والطائفية في المنطقة لإضعاف دولها المركزية بعد الاستقلالات، إسرائيلية في الأساس، ومثّلت جزءاً لا يتجزّأ من «الاستراتيجية الطرفية» التي اتّبعها الكيان الصهيوني منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والمرتكزة على السعي للتحالف مع دول الجوار غير العربية، ومع من صنّفهم «أقليات» في داخل البلدان العربية. يشير الصحافي الأميركي، جوناثان رندال، في كتابه الهام «أمّة في شقاق»، إلى أن إسرائيل أقامت علاقات في بداية الستينيات مع الملا مصطفى البرزاني، رئيس «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، وقدّمت له دعماً عسكرياً ومالياً كبيراً مع انفجار النزاع بين قواته وبين الجيش العراقي في تلك الفترة، وأن هذه العلاقات شهدت تطوّراً مستمرّاً فيما بعد. غير أن المنعطف الحقيقي في تاريخ توظيف القضية الكردية، كان الدعم النوعي والمتعدّد الأبعاد الذي وفّرته الولايات المتحدة للحركة الكردية في العراق عام 1991، بعد ما سُمّي بـ«حرب تحرير الكويت»، بدءاً بالحظر الجوّي الذي فرضته فوق كردستان، وأتاح تحوّل الأخير إلى إقليم خارج عن سيطرة الدولة العراقية. لقد أشرفت واشنطن على إنشاء شبه دولة كردية في شمال العراق تنامت قوّتها وقدراتها مع مرور الزمن، خاصة بعد الغزو الأميركي عام 2003، والذي كان مقدّمة لإعادة صياغة «الشرق الأوسط» على أسس طائفية وإثنية.

زمرة المحافظين الجدد الصهيونية، التي وقفت خلف هذا المشروع، حاولت تكرار ما جرى بعد اجتياح جيوش الغرب للإقليم إثر الحرب العالمية الأولى، عندما تمّ تقسيمه وزرع إسرائيل في قلبه. اعتبر هؤلاء أن الكيان الكردي الناشئ سيضطلع بمهام وظيفية شبيهة بتلك التي قام بها الكيان الإسرائيلي في سياق عملية التقسيم الجديدة التي خطّطوا لها. وفي الحقيقة، ومن منظور التنظيمات القومية الكردية المسلّحة في البلدان الأخرى كإيران وتركيا، وفي مرحلة متأخّرة سوريا، أضحى هذا الإقليم «قصّة نجاح»، ونموذجاً يُحتذى، وملجأً لبعضها، كالمجموعات الكردية الإيرانية أو التركية، تستخدمه كقاعدة خلفية لعملياتها في تركيا وإيران. التناقضات السياسية والأيديولوجية بين بعض تلك التنظيمات، كـ»حزب العمال الكردستاني» و»الحزب الديموقراطي»، والتي أدت إلى صدامات دموية أحياناً، لم تَحُل دون استبطان الأوّل، وغيره من المجموعات المسلّحة الكردية، لاعتقاد مفاده أن النجاح في تحقيق أهدافها منوط بمدى قدرتها على نسج تحالف مع الولايات المتحدة والغرب. ومن الجدير ذكره، هنا، أن حزب «بيجاك»، الفرع الإيراني لـ»حزب العمال» الناشط ضدّ تركيا، باشر عمله المسلّح ضدّ إيران عام 2004، أي سنة بعد غزو العراق، وأن العديد من قادته وعناصره، كإلهام أحمد مثلاً، انضمّوا فيما بعد إلى «قوات سوريا الديمقراطية»، وساهموا في الدفع نحو توثيق الصلات مع الأميركيين، ومع الإسرائيليين، كما اتّضح في فضيحة تهريب النفط السوري، بعد توقيع عقد لهذه الغاية بين أحمد ورجل الأعمال الإسرائيلي موتي كاهانا (راجع: نفط الشمال السوري بيد إسرائيل!، الأخبار، 15 تموز 2019).

لقد أدّى غزو العراق إلى انتشار مواقع عسكرية ومراكز تدريب للمجموعات المسلّحة الكردية الإيرانية في كردستان، تشنّ منها هجمات على إيران برعاية ومساندة أميركية وإسرائيلية. وقد اتّضح مع الأحداث التي تشهدها إيران أخيراً، حجم الدور الذي تضطلع به هذه المجموعات، وشبكاتها العاملة داخل أراضي الجمهورية الإسلامية. أما «قوّات سوريا الديمقراطية»، فهي استغلّت الحرب الدولية – الإقليمية ضدّ سوريا، ودورها كقوة رديفة للقوات الأميركية في الحرب على «داعش»، لتسيطر على مساحات واسعة من الشرق السوري، وأسهمت في استراتيجية واشنطن لحرمان الدولة السورية من مواردها. استلهمت جميع تلك المجموعات «التجربة الكردية العراقية»، وأهمّ دروسها هو الاندراج في الأجندة الأميركية والسعي إلى بلوغ الغايات الخاصة في إطارها. هي حرصت أيضاً على الإفادة من التناقضات بين دول الإقليم، والتقاطع أحياناً مع بعضها ضدّ بعضها الآخر، للاحتفاظ بمكاسبها وتوسيع هامش مناورتها. لكن المستجدّات المرتبطة بتداعيات الحرب في أوكرانيا على السياق الجيوسياسي الإقليمي، وما نراه من جهود روسية للتقريب بين دمشق وأنقرة، ومن اعتدال في نبرة المعارضة الروسية والإيرانية لتدخّل عسكري تركي ضدّ «قسد» في سوريا، ومن تزامن في توظيف «الورقة الكردية» في إيران وفي تركيا (تفجير إسطنبول)، جميعها عوامل قد تفضي إلى تقاطع أكبر بين دول الإقليم في مواجهة التنظيمات الانفصالية الكردية. مَن يراهن على «الوفاء» الأميركي مقابل ما قدّمه من خدمات، سيندم ولو بعد حين.

الاخبار

———————

سوريا: قسد ترفض الشروط التركية.. وواشنطن تستفز الأتراك

كشفت وسائل إعلام كردية عن فشل الوساطة الروسية في تجنيب مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عملية برية للجيش التركي، بعد رفض القائد العام ل”قسد” الشروط التركية والانسحاب من الحدود التركية-السورية.

ونقلت عن القائد العام ل”قسد” مظلوم عبدي قوله إن قواته “لن تقوم بتسليم المناطق الحدودية مع تركيا شمال شرق سوريا إلى النظام السوري، ولن تتراجع 30 كيلومتراً” عن الحدود السورية- التركية.

وأضاف عبدي أن “قسد” “لم تستلم تلك المناطق لتسلّمها، إنما استطاعت أن تحررها من تنظيم “داعش” بدماء أبناء وبنات شعبنا”، مؤكداً أنه لا يمكن تفكيك قواته في حال الوصول إلى تسوية سياسية للقضية السورية وزعم أن بمقدورها أن تكون جزءاً من المنظومة الدفاعية السورية مستقبلاً.

والاثنين، وصل قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو إلى مطار القامشلي العسكري شمال شرق الحسكة، من أجل عرض الشروط التركية مرة جديدة على قيادات “قسد” وتجنيب المنطقة عملية برية بعد فشل الجولة الأولى من المفاوضات التي تنص على انسحاب قوات “قسد” إلى جنوب الطريق الدولي “إم-4” أي مسافة 30 كيلومتراً عن الحدود التركية- السورية وانتشار قوات النظام مكانها.

في غضون ذلك، جدد التحالف الدولي ما وصفه “الالتزام بدعم الشركاء في قوات قسد”. وأكدت قيادة عمليات “العزم الصلب” في بيان الأربعاء، أن قوات التحالف تواصل القيام بدوريات أمنية مشتركة مع “قسد” شمال شرق سوريا، مضيفةً أن التحالف سيبقى ملتزماً ب “دعم الشركاء في قسد والسكان المحليين في جهودهم لبناء منطقة آمنة ومستقرة وخالية من نفوذ داعش”.

من جهتها، حذرت الولايات المتحدة على لسان مبعوثها إلى شمال شرق سوريا نيكولاس غرينغر الثلاثاء، من مغبة أي هجوم عسكري تركي على شمال شرق سوريا، مؤكداً أن واشنطن لم تمنح الضوء الأخضر من أجل عملية تركية.

ونقل موقع “كوردستان 24” عن غرينغر قوله إن واشنطن “تعارض النشاط العسكري التركي المزعزع للاستقرار في شمال شرق سوريا”، معتبراً أن هجوماً تركياً من شأنه التأثير السلبي على الأمن وجهود مكافحة “داعش”.

يأتي ذلك، بعد مهلة اعطتها تركيا للجانبين الروسي والأميركي من أجل إخراج “قسد” من مناطق منبج وتل رفعت وعين العرب(كوباني)، محذرةً من أن المهلة لن تُجدد وأن البديل سيكون عملية برية ضد هذه المناطق، وفق ما أفاد مسؤول تركي لقناة “الجزيرة”.

وقال المسؤول إن الجانب الأميركي اقترح إعادة هيكلة قوات سوريا الديمقراطية، ومنح دور أكبر للمكون العربي في إدارة منبج وتل رفعت وعين العرب.

وفي السياق، قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن وزارة الدفاع الأميركية تستعد من أجل استئناف العمليات الميدانية وتوسيعها مع “قسد” شمال شرق سوريا. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الإدارة الأميركية قولهم إن مثل تلك الخطوة ستزيد من توتر العلاقات مع أنقرة التي ستدفع بقوات برية إلى شمال سوريا غالباً رداً على القرار الأميركي، بحسب توقعاتهم.

————————————-

روسيا تشترط تقديم تنازلات بالملف الأوكراني..للسماح بالعملية التركية

وضعت روسيا شروطاً تتعلق بالملف الأوكراني مقابل تقديم تنازلات سياسية وميدانية لصالح تركيا في سوريا، بالتزامن مع عقد اجتماع ثانٍ لقائد قواتها العاملة في سوريا ألكسندر تشايكو مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مطار القامشلي شمال شرق الحسكة، من أجل عرض شروط أنقرة مرة ثانية ووقف العملية العسكرية.

وقال مسؤول تركي إن بلاده أعطت مهلة لكل من الولايات المتحدة وروسيا لإخراج “قسد” من المناطق التي تسيطر عليها في منبج وعين العرب (كوباني) وتل رفعت شمال شرق سوريا، لافتاً إلى أنقرة لن تعطي مهلة إضافية من أجل انسحابها وأن العملية العسكرية البرية ستكون البديل في حال عدم الاستجابة والانسحاب.

وأضاف المسؤول لقناة “الجزيرة” أن موسكو وضعت شروطاً تتعلق بالملف الأوكراني مقابل تقديم تنازلات سياسية وميدانية في سوريا، فيما طلبت واشنطن التعاون التركي من أجل تقليص نفوذ الميليشيات الإيرانية شمالي سوريا، لافتاً إلى أن الجانب الأميركي عرض أيضاً إعادة هيكلة “قسد” وإبعاد الأسماء التي تتحفظ عليها تركيا، مقابل التراجع عن العملية البرية.

والخميس، كشف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عن مطالبة واشنطن إعادة دراسة العملية العسكرية شمالي سوريا، لافتاً إلى أن أنقرة طلبت في المقابل الوفاء بالتعهدات المقدمة لها.

وإذ أوضح أن الولايات المتحدة اقترحت البدء بتنفيذ إعادة الهيكلية مطلع شهر كانون الثاني/يناير، في حال وافقت تركيا، لفت إلى أن أنقرة اشترطت على واشنطن إنهاء سيطرة “قسد” على منشآت النفط قبيل النظر في المقترح.

في غضون ذلك، زار وفد عسكري روسي رفيع المستوى يتقدمه تشايكو الاثنين، إلى مطار القامشلي العسكري الذي تتخذه القوات الروسية كقاعدة عسكرية شمال سوريا، والتقى مع قيادات في “قسد” من أجل طرح الشروط التركية مرة جديدة من أجل وقف العملية التركية.

وطرح تشايكو الشروط التركية القديمة وهي انسحاب قوات “قسد” عن الحدود التركية- السورية مسافة 30 كيلومتراً، والسماح بانتشار قوات النظام على طول الحدود، بعد فشل الجولة الأولى من عملية التفاوض لتلبية الشروط نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، بحسب صحيفة “الوطن” الموالية.

وكان القائد الروسي قد حذر “قسد” في الاجتماع الأول الذي ضم ضباطاً من قوات النظام السوري من جدية التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية تستهدف مناطق وجودها غرب الفرات في حال عدم الاستجابة لمطالب أنقرة.

وأخطر تشايكو قيادات “قسد” بان السبيل الوحيد من أجل وقف العملية التركية الانسحاب إلى جنوب الطريق الدولي “إم-4″، أي مسافة 30 كيلومتراً، لكن الاجتماع الذي دام نحو 3 ساعات لم يخرج بأي نتائج حسبما ذكر موقع “تلفزيون سوريا”.

وبدأت أنقرة بعد تفجير إسطنبول، عملية جويّة في شمال سوريا أطلقت عليها “المخلب-السيف”، مستهدفة “قسد” التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب “العمال” الكردستاني المسؤول عن التفجير بحسب الرواية الرسمية التركية.

واستهدفت الغارات التركية عشرات المواقع في شمال شرق سوريا بالتنسيق مع واشنطن وموسكو اللتين سمحتا باستخدام الطائرات الحربية التركية الأجواء التي تسيطران عليها هناك، وفق وكالة “رويترز”.

لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن العملية الجوية لن تقتصر على الضربات الجوية وإنما ستتبعها عملية برية سيقوم بها الجيش التركي بالعمل على إخراج “قسد” من تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني) شمال شرق سوريا.

———————————–

بوغدانوف:لقاء أردوغان الأسد مرتبط بجوهره وبالارادة السياسية

اعتبر مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف أن حدوث لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد مرتبط بالتحضير المناسب للجوهر الذي سيتناوله اللقاء والإرادة السياسية لكليهما.

وقال بوغدانوف في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” إن الرئيس التركي أبدى استعداده من أجل عقد اللقاء من خلال التصريحات التي أدلى بها مؤخراً، لكن مثل هذا اللقاء يحتاج إلى مقاربات جدية كي لا يكون لقاء من أجل اللقاء، وإنما من أجل التوصل إلى نتائج إيجابية وضرورية وخصوصاً المتعلقة بأمن سوريا وتركيا والمنطقة.

وأكد أن بلاده ترحب بحصول اللقاء بينهما، لافتاً إلى أن المحادثات تجري بين أنقرة والنظام السوري بصيغ مختلفة لا يتم الإعلان عنها بشكل دائم. وقال إن “الساحة الروسية مستعدة لاستضافة اللقاء، لكن أعيد التأكيد على أنه مرتبط بالإرادة السياسية للبلدين والتحضير المطلوب لجوهر اللقاء وفهم النتائج الإيجابية التي من الممكن أن تتمخض عنه”.

والجمعة، قال بوغدانوف إن موسكو لا تفرض وساطة على النظام السوري وتركيا من أجل عقد اللقاء بين أردوغان والأسد، مضيفاً أنه لم يتم إنجاز أي خطوات ملموسة على المستوى السياسي في هذا السياق، كما لا توجد مثل تلك الخطط، بحسب وكالة “سبوتنيك الروسية.

وكان أردوغان قد أكد أن بلاده ستُعيد تقييم العلاقات مع النظام السوري بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجري في حزيران/يونيو 2023. وقال في ختام مشاركته بقمة مجموعة العشرين: “يمكننا إعادة النظر مجدداً في علاقاتنا مع الدول التي لدينا معها مشكلات، ويمكننا القيام بذلك بعد انتخابات حزيران 2023 الرئاسية.”

وحول لقاء محتمل مع الأسد، قال أردوغان: “ليس هناك خلاف واستياء أبديّ في السياسة، ويمكننا تقييم الوضع عندما يحين الوقت وتجديده وفقاً لذلك”.

وحول العملية البرّية التركية شمال سوريا، أكد بوغدانوف أن موسكو تتفهم المخاوف الأمنية التي تهدّد الامن القومي التركي وتلك المخاطر التي “يشكلها الإرهابيون المتواجدون هناك”، مشيراً إلى أن التفهم الروسي نابع من التزام أنقرة الدائم عبر اجتماعات مسار أٍستانة بوحدة الأراضي السورية وسلامتها.

وقال إن روسيا تتحدث مع الشركاء الأتراك لوجوب فهم التداعيات المترتبة عن ردود الفعل المرتبطة بالهواجس الأمنية لمنع وقوع ضحايا مدنيين والتسبب بموجات جديدة من النازحين، مضيفاً أن “الأهم” في كل ما يجري في شمال سوريا هو التنسيق مع النظام السوري باعتبار حكومته هي “الشرعية والمسؤولة عن الأمن فوق أراضيها ولذلك فنحن ندعو من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين”.

وفي وقت سابق، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إنه “لا توجد مشكلة في توقيت التقارب بين أنقرة ودمشق وإنما في الرغبة بالتقارب بين البلدين”، موضحاً أن الوجود التركي في الأراضي السورية ودعمها للفصائل المعارضة ينعكسان بشكل سلبي على حصول التقارب.

—————————-

لافروف:تركيا تفرز فصائل المعارضة السورية الراغبة بمحاورة الاسد

شدّد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف على اهتمام بلاده في حلحلة القضايا الأمنية العالقة بين تركيا والنظام السوري، مؤكداً أن هناك مقدمات تنضج بينهما في هذا السياق.

وقال لافروف الأربعاء، إنه انطلاقاً من اتفاقية أضنة التي لا تزال سارية المفعول، فإن موسكو مهتمة بقيام تركيا والنظام السوري بتسوية القضايا الأمنية المتعلقة بالحدود المشتركة والعالقة بينهما عن طريق استئناف الحوار، لافتاً إلى أن مقدمات استئنافه تنضج.

وأوضح الوزير الروسي أن ذلك يجب أن يتم مع الأخذ بالاعتبار مخاوف تركيا الأمنية المشروعة التي كانت يعترف بها الأسد الأب والإبن، مشدداً على أن “روسيا ستعمل بحزم على منع أي تعديات على مبدأ وحدة أراضي سوريا”.

وإذ لفت إلى أن إيران وتركيا أكدتا على ضرورة المحافظة على ذلك المبدأ خلال الجولة ال19 من مسار أستانة، اتّهم الولايات المتحدة التي تدعم الوحدات الكردية في سوريا، ب”تغذية النزعات الانفصالية بين الأكراد وفقاً لمنطق فرق تسد”.

وقال إنه من المهم أن يقتنع الأكراد بضرورة الدخول في حوار مع النظام السوري من أجل “إيجاد صيغة للعيش المشترك في إطار دولة واحدة، بدلاً من الرهان على الوعود الأميركية الخادعة” حسبما ذكرت قناة “روسيا اليوم”.

من جهة ثانية، كشف لافروف عن اتفاق بين جرى بين أنقرة وموسكو من أجل فرز فصائل المعارضة المسلحة بناءً على رغبتها في الحوار مع النظام السوري.

وتقود موسكو جهوداً للوساطة من أجل ثني تركيا عن القيام بعملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق سوريا وانسحابها إلى جنوب الطريق الدولي “إم-4” أي انسحابها كما تطالب أنقرة لمسافة 30 كيلوامتراً عن الحدود التركية-السورية المشتركة.

وفي حال انتشار قوات النظام مكان القوات الكردية المنسحبة، فإن ذلك يؤكد التسريبات التي تحدثت عن سعي روسي لقيادة حوار بين النظام وتركيا من أجل العودة إلى اتفاقية أضنة 1998، وتعديلها بما يبدد مخاوف أنقرة الأمنية من وجود الوحدات الكردية على حدودها الجنوبية.

كما أبدى الرئيس التركي في وقت سابق أيضاً رغبة في إعادة فتح اتفاقية أضنة ومناقشتها مجدداً بعد أكثر من 20 عاماً على توقيعها بين الأسد الأب والرئيس التركي آنذاك سليمان ديميريل. وبقيت بنود الاتفاقية سرية ولم تخرج بشكل رسمي إلى العلن حتى الآن، لكن مصادر تحدثت عن وجود صلاحية لأنقرة بالدخول إلى عمق 5 كيلومترات في سوريا في حال تعرّضت حدودها الجنوبية لتهديدات أمنية.

————————–

وفد روسي في تركيا..لمناقشة العملية العسكرية والتطبيع مع الاسد

كشفت وزارة الخارجية التركية عن زيارة لوفد روسي إلى تركيا الخميس، من أجل إجراء مشاورات سياسية-عسكرية مع مسؤولين في الحكومة التركية. فيما جدّدت الولايات المتحدة معارضتها عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال سوريا.

وأوضحت الوزارة التركية في بيان، إن الوفد الروسي سيترأسه نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين في حين سيترأس في المقابل الوفد التركي نائب وزير الخارجية التركية سادات أونال، لافتةً إلى أنه المنتظر من الوفدين أن يناقشا على مدى يومين، ملفات إقليمية بما في ذلك سوريا وليبيا وفلسطين إضافة إلى آلية تطبيق اتفاقية شحن الحبوب الاوكرانية عبر البحر الأسود.

بدورها، قالت وسائل إعلام تركية إن الملف السوري سيتم مناقشته من قبل الوفدين بشقيه السياسي العسكري، موضحةً أن الشق السياسي سيتناول التطبيع بين النظام السوري وتركيا، في حين يتعلق الشق العسكري بالتهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية ضد قسد شمال سوريا، والشروط التركية لوقفها والعروض الروسية في المقابل.

وكانت أنقرة قد حدّدت شروطها على كل من الولايات المتحدة وروسيا لوقف العملية العسكرية ضد قسد، إذ أوضح مسؤول تركي أن بلاده طالبت بانسحاب قسد من مناطق تل رفعت وعين العرب (كوباني) ومنبج شمال شرق سوريا، وانتشار قوات النظام السوري مكان القوات المنسحبة، لافتاً إلى أن أنقرة أعطت مهلة لتحقيق الشروط وإلا فسيكون البديل هو العملية العسكرية، بحسب قناة “الجزيرة”.

وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن في وقت سابق، إن هدف بلاده هو إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، المكوّن الرئيسي ل”قسد”، عن الحدود السورية- التركية مسافة 30 كيلومتراً، لافتاً إلى أن العملية العسكرية قد تبدأ في أي وقت، وأن القرار سيٌتخذ بعد إجراء التقييمات من المراجع المعنية في تركيا.

وفي السياق، أبدت الولايات المتحدة مجدداً على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي الأربعاء، معارضتها عملية تركية جديدة. وقال كيربي إن “واشنطن كانت واضحة مع أنقرة بشأن مخاطر عملياتها العسكرية في شمال سوريا، حتى في الوقت الذي ندعم فيه حق تركيا في الدفاع عن نفسها”.

وأضاف المتحدث الأميركي “لا نريد أن نرى عمليات عسكرية تُجرى في شمال غرب سوريا، تعرض المدنيين لخطر أكبر مما هم عليه بالفعل وتهدد جنودنا وأفرادنا ومهمتنا في مكافحة تنظيم داعش”.

—————————–

طاولتان أمريكية وروسية في تركيا لنقاش العملية في سوريا

سوريا, عنب بلدي أونلاين

على وقع التهديدات التركية بعملية عسكرية قادمة داخل الأراضي السورية، يزور وفد روسي العاصمة أنقرة لبحث التطورات في سوريا، بعد أن سبقه الممثل الأمريكي الخاص السابق في سوريا، جيمس جيفري، والتقى مع مسؤولين أتراك في العاصمة التركية.

وبحسب بيان أصدرته وزارة الخارجية التركية، فإن أنقرة تستقبل في 8 و9 من كانون الأول الحالي، وفدًا برئاسة نائب وزير الخارجية الروسية، سيرغي فيرشينين.

الاجتماع بحسب البيان جاء للتباحث مع وفد تركي يترأسه نائب وزير الخارجية سادات أونال، حول قضايا سياسية أبرزها القضية السورية.

وجاءت الزيارة الأخيرة مع موجة التصعيد العسكري التركي شمالي سوريا ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تعتبرها تركيا امتدادًا لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK) المحظور والمصنف إرهابيًا.

مطالب روسية- تركية

قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بلاده اتفقت مع تركيا على “تحييد” الفصائل المعارضة التي يمكن أن تتحاور مع النظام السوري.

وأضاف خلال كلمة ألقاها في فعاليات “المنتدى الدولي لقراءات بريماكوف” بموسكو، أمس الأربعاء، أن “روسيا اتفقت مع تركيا على تحييد مجموعات المعارضة المسلحة التي يمكن أن تتحاور مع الحكومة السورية عن المجموعات الأخرى”.

ولم يقدم الوزير الروسي أي تفاصيل تشير إلى هوية هذه الفصائل، أو آلية تنفيذ هذه الخطوة.

بينما نقلت قناة “الجزيرة” القطرية، عن دبلوماسي تركي لم تسمّه، أن روسيا تجتهد لتلبية مطالب تركيا في شمالي سوريا، من أجل تجنب عملية برية من قبل الجيش التركي ضد مجموعات كردية في المنطقة.

ومن بين الشروط التركية كانت انسحاب المجموعات الكردية المصنفة على قوائم الإرهاب لديها من مدن منبج، وتل رفعت، وعين عرب، وحل مؤسسات النظام السوري محلها.

وتركز السياسة الروسية على مكاسب تريدها في شمال غربي سوريا، وصولًا إلى الطريق الدولي اللاذقية- حلب (M4).

بينما يركز الأتراك على توسيع النفوذ شمال شرقي سوريا، على حساب “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة أمريكيًا.

الأمريكيون حاضرون

المباحثات وتبادل الشروط من جانب تركيا وروسيا سبقته ببضعة أيام زيارة المبعوث الأمريكي السابق بشأن سوريا، جيمس جيفري، إلى أنقرة لإجراء مباحثات متعلقة بسوريا.

وقال جيفري إن لدى أمريكا آمال كبيرة في أن تستمر “اللجنة الدستورية” في السير على المسار السياسي، مشيدًا بموقف تركيا في دعم المسار السياسي.

وأضاف أن المرحلة العسكرية من “الصراع السوري” يجب أن تنتهي، إذ لم يعد هناك أي “منبر” يمكن أن يفوز به النظام السوري.

ويجب أن يعود النظام إلى طاولة المفاوضات والانتباه إلى “بقية المجتمع الدولي”، وهو ما تعمل عليه أمريكا مع حلفائها الأتراك في سوريا، بحسب ما قاله موقع “TRT” التركي.

موقع “AXIOS” الصحفي الأمريكي، نشر معلومات نقلها عن مصدرين لم يسمّهما أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حذرت تركيا من أن الضربات في سوريا تعرض القوات الأمريكية للخطر.

وأضاف الموقع نقلًا عن مصدريه، اللذين قال إنهما على صلة مباشرة بالاستخبارات، أن مدير وكالة المخابرات المركزية، بيل بيرنز، وجه لنظيره التركي “رسالة شديدة اللهجة”، يعارض فيها القصف التركي شمالي سوريا.

هدوء أنتجه ضغط أمريكي

قال القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، إن الضغط الأمريكي على أنقرة كان له تأثير على تراجع حدة القصف التركي شمالي سوريا.

وجاء في حديث عبدي خلال لقاء أجرته معه صحيفة “الشرق الأوسط“، الأربعاء 6 من كانون الأول، أن أنقرة “خرقت تفاهمات كانت أجرتها سابقًا، سواء مع روسيا أو مع أمريكا، ما عرضها لضغط كبير أدى إلى انخفاض القصف في نهاية المطاف”.

ونقلت قناة “الجزيرة” أيضًا عن النائب السابق في حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، رسول طوسون، أن العملية العسكرية البرية “لا مفر منها في الشمال السوري”، إلا في حال التزام واشنطن وموسكو بمطالب أنقرة.

واقترح الجانب الأمريكي، بحسب طوسون، إعادة هيكلة “قسد”، ومنح دور أكبر للمكوّن العربي في إدارة منبج وتل رفعت وعين العرب.

الوضع الميداني عاد لشكله السابق

في 20 من تشرين الثاني الماضي، شن سلاح الجو التركي غارات على نقاط متفرقة من مناطق نفوذ “قسد” في أرياف حلب والرقة، تزامنًا مع إعلان وزارة الدفاع التركية عما أسمته “وقت الحساب”.

وقالت الوزارة حينها، إن “وقت الحساب على الهجمات الغادرة قد بدأ”، في إشارة منها إلى التفجير الذي ضرب منطقة تقسيم في مدينة اسطنبول غربي البلاد.

التصعيد العسكري استمر لبضعة أيام مع استمرار توالي التصريحات على لسان مسؤولين أتراك أن العمليات العسكرية لن تقتصر على القصف الجوي، ومن الممكن أن تتدخل القوات البرية فيها.

ومع استمرار التصريحات والتلويح بعمل بري انخفضت حدة القصف الجوي، وعادت وتيرة القصف لما كانت عليه قبل بدء الضربات الجوية.

وتقتصر العمليات اليوم على قصف مدفعي وآخر جوي بين الحين والآخر تنفذه وحدات من الجيش التركي، أو “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا، ومن الجانب الآخر تستهدف “قسد” مناطق نفوذ “الوطني” شمالي حلب.

—————————

مشهد معقّد في الشمال السوري: وساطة روسية وضغط أميركي/ أمين العاصي و جابر عمر

في ظل مؤشرات على تأجيل تركيا العملية العسكرية البرية التي لوّحت بها في الشمال السوري ضد الوحدات الكردية، تتكثف الاتصالات السياسية واللقاءات بحثاً عن مخرج لهذا الوضع، مع سعي روسيا والولايات المتحدة لتجنّب حصول هذه العملية. لكن أنقرة في المقابل تضع شروطاً لقبول أي خطط أميركية أو روسية تخص مصير هذا الشمال الذي بات في قلب المشهد السوري المعقّد.

وفد روسي في إسطنبول

ويحضر ملف الشمال السوري كبند رئيسي على جدول زيارة وفد روسي إلى إسطنبول اليوم الخميس وغداً الجمعة. وأعلنت وزارة الخارجية التركية، في بيان أمس، أن الوفد الروسي سيكون برئاسة نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، أما الوفد التركي فيترأسه نائب وزير الخارجية سادات أونال.

وأضافت أنه “من المنتظر أن يناقش الوفدان ملفات إقليمية مثل سورية وليبيا وفلسطين، إلى جانب تطبيق اتفاقية شحن الحبوب عبر البحر الأسود”، من دون تقديم المزيد من التفاصيل.

من جهتها، أفادت وسائل إعلام تركية، ومنها قناة “a خبر” المقربة من الحكومة التركية، بأن الملف السوري بشقيه السياسي والعسكري سيتم تناوله في هذا اللقاء، موضحة أن الشق السياسي سيكون متعلقاً بموضوع تطبيع تركيا مع نظام بشار الأسد، أما العسكري فيرتبط بتهديدات تركيا بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في المنطقة. ومن المتوقع أن يستمع الوفد التركي لما في جعبة نظيره الروسي، وسيؤكد في المقابل شروط أنقرة لعدم إجراء العملية العسكرية البرية.

ويبدو أن الجانب الروسي يدفع باتجاه تفعيل اتفاق أبرمه مع الجانب التركي أواخر العام 2019 وينص على خروج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من الشريط الحدودي بعمق 30 كيلومتراً، وانتشار قوات النظام على الحدود ونقاط التماس.

كما تشير المعطيات والوقائع إلى أن واشنطن ترفض حتى اللحظة أي تغيير في خريطة السيطرة الميدانية في الشمال السوري، وتحاول إقناع أنقرة بإلغاء عمليتها البرية مقابل ضمانات من قبيل إعادة هيكلة “قسد” لتبديد مخاوف الأتراك من هذه القوات التي يعتمد عليها الأميركيون في محاربة تنظيم “داعش”.

وفي السياق، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، أمس الأربعاء، إن الولايات المتحدة كانت واضحة مع تركيا بشأن مخاطر عملياتها العسكرية في شمال غرب سورية، حتى في الوقت الذي تدعم فيه واشنطن حق أنقرة في الدفاع عن نفسها.

وأضاف كيربي للصحافيين “لا نريد أن نرى عمليات عسكرية تُجرى في شمال غرب سورية، إذ ستعرض المدنيين لخطر أكبر مما هم عليه بالفعل وتهدد جنودنا وأفرادنا في سورية وكذلك مهمتنا في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية”.

وفي ما يتعلق بالشروط التركية المقدمة للطرفين الأميركي والروسي، قالت مصادر دبلوماسية تركية لـ”العربي الجديد”، إن “أنقرة لم تحدد شروطاً تعد جديدة بقدر ما هي مطالب سابقة كانت قد طُرحت قبل سنوات لموسكو وواشنطن وتتعلق بمناطق الشمال السوري”.

وقالت المصادر إن تركيا “تطالب الجانب الأميركي بمنطقة تمتد إلى 30 كيلومتراً خالية من العناصر المسلحة التابعة للوحدات الكردية، وإخراج جميع قيادات حزب العمال الكردستاني من المنطقة، وإيجاد قوى محلية لإدارة هذه المناطق”.

وأوضحت أن “تركيا طالبت أيضاً الجانب الروسي بمنطقة 30 كيلومتراً خالية من مسلحي الوحدات الكردية”، مضيفة أنه “مع اقتراح روسيا قيادة وساطة مع قسد وإحلال قوات النظام السوري محل قسد في المناطق التي تهدد أنقرة بشن عملياتها فيها، شددت أنقرة على مطلبها بألا يكون انتشار قوات النظام شكلياً، وأن تقطع هذه القوات أي علاقة لها مع قسد، وهو ما يبدو صعباً نظراً للعلاقة القائمة بين الطرفين”.

وبيّنت المصادر أن “تركيا تود حسم هذه المسألة وعدم تأجيلها، على أن تقود المفاوضات الجارية مع أميركا وروسيا إما لتنفيذ المطالب التركية، أو الانتقال لوضع الجدول الزمني المطلوب لشن العمليات العسكرية الجديدة”.

وكانت قناة “الجزيرة” قد نقلت الثلاثاء عن مصدر تركي رسمي، أن تركيا أعطت مهلة محددة للجانبين الأميركي والروسي لإخراج “قسد” من منبج وتل رفعت وعين العرب. وقال المصدر إن أنقرة أبلغت واشنطن وموسكو بأن المهلة الزمنية لن تمدد، وأن البديل سيكون عملية عسكرية ضد القوات الكردية.

وبحسب المصدر، فإن الجانب الأميركي اقترح إعادة هيكلة “قسد” ومنح دور أكبر للمكون العربي في إدارة منبج وتل رفعت وعين العرب. ووفقاً للمصدر، فإن تركيا اشترطت إنهاء سيطرة “قسد” على المنشآت النفطية قبل النظر في المقترحات الأميركية.

وأضاف المصدر أن الجانب الروسي وضع شروطاً تتعلق بالملف الأوكراني مقابل تقديم تنازلات ميدانية وسياسية في سورية. وقال المصدر إن روسيا عرضت رفع الغطاء عن منطقة الشهباء في ريف حلب وعين العرب لتسهيل دخول القوات التركية إليهما.

دور روسيا في المفاوضات حول العملية التركية

وتبدو موسكو “في موقف محايد بين قسد وبين تركيا”، وفق قائد “قسد” مظلوم عبدي، الذي أكد في تصريحات صحافية أمس الأربعاء أن “الضغط الأميركي على أنقرة كان له تأثير إلى حد ما”، في إيقاف حملة القصف الجوي التركية التي استهدفت مئات الأهداف في الشمال السوري التابعة لـ”قسد”.

وتعليقاً على هذه التطورات، قال بسام اسحق، عضو المجلس الرئاسي لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) وهو الذراع السياسي لـ”قسد”، في حديث مع “العربي الجديد”: “تؤكد تصريحات المسؤولين الأميركيين في واشنطن بشأن الوضع في الشمال والشرق السوري أنهم لا يؤيدون عملية عسكرية تركية في المنطقة”.

وتابع اسحق: “لم يقدّم الطرف التركي للأميركيين أي دليل يثبت تورط قسد في التفجير الأخير في شارع الاستقلال بإسطنبول” الذي وقع في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأشار إلى “أن الأميركيين متمسكون بموقفهم المعلن بأنهم ضد أي عمل عسكري يعطل جهود “قسد” في محاربة الإرهاب في سورية”.

وأعرب عن اعتقاده بأن “الضغط التركي في شمال سورية يبدو مرتبطاً بالوضع الداخلي لديهم، ولكن الولايات المتحدة لا تبدو على استعداد للتخلي عن تواجدها العسكري في سورية في الظروف الدولية الحالية”، وفق اسحق.

وأطلقت تركيا في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عملية “المخلب-السيف” ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية في شمال وشمال شرق سورية، بعد اتهامها بتدبير التفجير الذي وقع في إسطنبول وأسفر عن 6 قتلى وعدد من المصابين، وهو ما نفاه المسلحون الأكراد.

وشملت العملية ضربات جوية ومدفعية أدت إلى مقتل عدد من قياديي وعناصر “قسد” والوحدات الكردية، فيما بقيت العملية البرية التي توعّدت بها أنقرة مؤجلة.

بين النفوذ الأميركي والروسي

وتدخل منطقتا منبج (غرب الفرات) وعين العرب (شرق الفرات)، ضمن دائرة النفوذ الأميركي، بينما تُعتبر تل رفعت (غرب الفرات) منطقة نفوذ روسي. ومن المرجح أن موسكو التي تقود وساطة حالياً من أجل التطبيع بين أنقرة ونظام بشار الأسد، لن تقف في وجه الأتراك في حال توغلهم براً باتجاه منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.

ولكن السيطرة على تل رفعت فقط، لا ترضي الجانب التركي الذي يخطط لطرد “قسد” من مناطق أكثر حيوية، مثل عين العرب ذات الغالبية الكردية من السكان، كخطوة واسعة للقضاء على هذه القوات بشكل كامل.

ورأى الباحث السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تأجيل العملية العسكرية التركية دليل على وجود سعي لإيجاد حلول، ولا سيما مع الولايات المتحدة”، مضيفاً: “تقارب تركيا مع روسيا ورقة ضغط بيد أنقرة التي تلوّح بالانضمام إلى المحور الروسي الصيني إذا لم تسمح لها واشنطن بشنّ عملية في الشمال السوري لإنشاء منطقة آمنة”.

وتابع: “ربما يشن الرئيس رجب طيب أردوغان العملية في الربيع المقبل قبيل إجراء الانتخابات في تركيا (المقررة في يونيو/حزيران 2023) ليحافظ على شعبيته من باب مكافحة التنظيمات الإرهابية”.

وإيران ليست بعيدة عما يجري في الشمال السوري فهي تملك قوات ومليشيات في ريف حلب الشمالي، في منطقتي نبّل والزهراء على التخوم الشمالية لحلب وفي محيط منطقة تل رفعت.

ويبدو أن طهران تدعم أي تحرك من شأنه إضعاف موقف الوحدات الكردية في شمال وشمال شرق سورية، ما يعني الحصول على مكاسب للنظام الذي يريد العودة إلى شرق الفرات الغني بالثروات لإنعاش اقتصاده المتهالك. ولكن الدور الإيراني في الشمال السوري يبدو محدوداً وبلا تأثير فعلي في ظل الكباش السياسي ما بين أنقرة وواشنطن وموسكو.

ولفت النقيب المنشق عن قوات النظام، الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن المقترحات الأميركية التي قُدمت إلى الجانب التركي “تزامنت مع إلغاء الكونغرس الأميركي الشروط التقييدية التي كانت موجودة لبيع تركيا مقاتلات اف 16”.

وتابع حوراني: “من الواضح أن واشنطن تحاول كسب الأتراك، ومن ثم أعتقد أن الجانب الأميركي لا يمانع بشن عملية تركية ضد مناطق تابعة للنفوذ الروسي”.

وفي السياق، ذكرت مصادر قيادية في الجيش الوطني السوري المعارض، المدعوم من تركيا، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لا جديد حول العملية العسكرية”، مضيفة: “ننتظر ما ستسفر عنه التحركات السياسية”. وذهبت المصادر إلى القول: “كل شيء وارد على الرغم من ضبابية المشهد”.

ويعد الجيش الوطني الذي يضم فصائل المعارضة في الشمال السوري رأس حربة في أي عملية عسكرية تركية برية، وهو يريد توسيع نطاق سيطرته في الشمال السوري على حساب “قسد” التي تبدو حتى اللحظة متمسكة بموقفها الرافض أي تنازل على الأرض. وتدرك هذه القوات أن خروجها من مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب يعد بداية النهاية لها، وخروجاً من المشهدين السياسي والعسكري في سورية.

العربي الجديد

—————————-

سياسي واستخباراتي..تحذيرات أمريكية لأنقرة حيال عمليتها (السيف المخلب)

وجهت الولايات المتحدة الأمركية تحذيراً سياسياً وآخر استخباراتي لأنقرة، وطالبتها بوقف عملياتها العسكرية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” في شمال شرقي سورية.

ونقل موقع “أكسيوس” الأمريكي أمس الأربعاء، عن “مصدرين مطلعين”، أن رئيس المخابرات الأمريكية بيل بيرنز، حذر نظيره التركي هاكان فيدان، من خطر الضربات الجوية التركية في مناطق سيطرة “قسد” على الجنود الأمريكيين المتواجدين بعدة قواعد في المنطقة.

وذكرت مصادر “أكسيوس” أن بيرنز حث فيدان عبر اتصار هاتفي، على عدم إطلاق عملية عسكرية برية ضد “قسد”.

بينما رفض البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية التعليق على الاتصال بين الطرفين.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، إن بلاده لاتريد أت تواصل تركيا هجماتها العسكرية شمالي سورية، حتى إن اعترفت بحق تركيا في الدفاع عن نفسها.

وأضاف كيربي، بحسب وكالة “رويترز“، أن الولايات المتحدة لا تريد عمليات عسكرية في شمالي سورية، معتبرة أنها “ستعرض المدنيين لخطر أكبر مما هم عليه، وتهدد جنودنا في سورية ومهمتنا في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية”.

التصريح الأخير لكيربي يختلف عن تصريحاته السابقة حول العملية العسكرية التركية “المخلب السيف”.

وكان كيربي في تصريحين سابقين، يؤكد على حق تركيا في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها، واصفاً إياها بأنها أصبحت “ضحية الإرهاب”.

وأطلقت تركيا عملية “المخلب السيف” في سورية والعراق ضد “قسد” و”حزب العمال الكردستاني” في 20 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، رداً على تفجير اسطنبول، الذي خلف ستة قتلى ونحو ثمانين جريحاً.

وما تزال العملية مقتصرة على الغارات الجوية والقصف المدفعي، لكن حدتها تراجعت خلال الأيام الماضية.

مفاوضات وعروض سابقة

وهددت تركيا لاحقاً بشن هجوم بري للسيطرة على عدة مناطق شمالي سورية، على حساب “قسد”، أبرزها مدن عين العرب/كوباني ومنبج وتل رفعت بريف حلب.

لكن التهديدات قوبلت برفض أمريكي وروسي، ومحاولة الطرفين الانخراط بمفاوضات مع أنقرة.

وقال مصدر رسمي تركي لقناة “الجزيرة”، الثلاثاء الماضي، إن بلاده أعطت مهلة لروسيا والولايات المتحدة، من أجل إخراج “قسد” من منبج وتل رفعت وعين العرب.

وتحدث المصدر، الذي لم تكشف القناة عن هويته، عن عرض اقترحته الولايات المتحدة على تركيا، وهو إعادة هيكلة “قسد” وإبعاد الأسماء التي تتحفظ عليها تركيا، إلى جانب إعطاء دور أكبر للمكون العربي في منبج وتل رفعت وعين العرب.

واقترحت واشنطن تطبيق هذه الخطة مطلع شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، في حال حصلت على موافقة تركيا، وطلبت تعاونها في تقليص نفوذ المليشيات الإيرانية في المنطقة.

إلا أن أنقرة اشترطت على الجانب الأمريكي إنهاء سيطرة “قسد” على المنشآت النفطية، قبل النظر في المقترح الأمريكي، بحسب المصدر.

من ناحية أخرى، لم ينجح قائد القوات الروسية في سورية، ألكسندر تشايكو، في إقناع أو إجبار “قسد” على الانسحاب من الشريط الحدودي مع تركيا بعمق 30 كيلو متراً، تنفيذاً للمطالب التركية. ووصل في مفاوضاته الأخيرة مع عبدي إلى طريق مسدود.

———————————–

مفاوضات طويلة بين الطرفين..كيف تغيرت علاقة النظام مع قسد

عاد قائد القوات الروسية في سورية ألكسندر تشايكو من القامشلي، دون حصول أي تغيير في موقف “قوات سوريا الديمقراطية”، حول المطالب التي قدمها في زيارته الأولى الشهر الماضي.

وذكر موقع قناة “الميادين” الممولة إيرانياً والمقربة من نظام الأسد، أن تشايكو التقى “قائد قسد مظلوم عبدي في مقره الذي يعدّ أيضاً قاعدة مشتركة لقسد مع التحالف”.

ولم يطرأ أي تغيير جدي على موقف “قسد”، حول انسحابها من الشريط الحدودي مع تركيا.

وقوة موقف “قسد” يعكسه الاعتماد على ورقتي دعم التحالف الدولي لها بقيادة الولايات المتحدة، وتهديدها الدائم بخطر عناصر “تنظيم الدولة” المتواجدين في سجونها.

بالمقابل، يحاول النظام في كل فرصة، عدم إعطاء “قسد” الكثير من الخيارات، بل يرفع سقف مطالبه في كل جولة مفاوضات معها، رغم العلاقات السابقة مع “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يشكل إلى جانب ذراعه العسكري (وحدات حماية الشعب)، عماد “الإدارة الذاتية” و”قسد”.

النظام أعاد التفكير في العلاقة

وشكلت عدة تطورات لدى النظام، فكرة إعادة النظر بطبيعة العلاقة مع “قسد”، بحسب مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الإستراتيجية” معن طلّاع، خلال جديثٍ لـ”السورية نت”.

أولها أن طبيعة التدخل الأمريكي وحجمه وبقاءه، أعطى “حزب الاتحاد الديمقراطي مساحة في التفاوض مع النظام من منظور عال، والعلاقة لم تصبح لاحقاً كعلاقة بين موظفين”.

و”اليوم يشعر النظام أن قسد تعامله كند”، وهذا الند لا يستطيع التعامل معه في اللحظة الحالية لأن الأمريكي يقف خلفه.

ومن خلال النظام السياسي، قد يتوافق النظام مع تركيا في إنجاز أي تفاهم سياسي معين، لكن حجم التفاوض مع حزب الاتحاد الديمقراطي سيكون ضئيلاً جداً.

ولن يعطي النظام “قسد” حتى على المستوى الإداري الكثير وسيتمسك أكثر، لأنه “يرى أن هذا الجسم فقدَ الثقة رغم أنه ما زال بالإمكان استخدامه كورقة ضاغطة ضد تركيا”.

استطاع الروس وقوات الأسد منذ عملية “نبع السلام” التركية ضد “قسد” في تشرين الأول / أكتوبر 2019، الانتشار بمناطق سيطرة “قسد” ومنها مدن وبلدات خرجت عن سيطرة النظام منذ العاملين 2012 و2013.

ومنحت العملية العسكرية التركية (المخلب السيف) فرصة لروسيا والنظام، للضغط على “قسد”، من أجل زيادة تواجدهم في مناطق سيطرتها، وهو أسلوب اتبعه الروس مع كل تهديد عسكري تركي ضد “قسد”.

ومازالت عملية المخلب السيف مقتصرة على الغارات الجوية والقصف المدفعي منذ إطلاقها في 20 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مع تأكيدات تركيا بقرب العملية البرية، ومعارضة كل من روسيا والولايات المتحدة.

“الند يرد”

اللقاء الأول لتشايكو مع عبدي منذ إطلاق تركيا عمليتها (المخلب السيف) كان في 27 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، وطلب من عبدي حينها انسحاب “قسد” مسافة 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية – التركية، ودخول قوات من جيش الأسد إلى المنطقة.

وذكرت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، بأنه لم يحصل أي اتفاق بشأن انتشار قوات الأسد في المنطقة، وأن “الطلب هو رسالة تركية أخيرة قبل بدء العملية البرية”.

لكن “قسد” لم تتراجع عن موقفها بعدم سحب قواتها من الشريط الحدودي، رغم الضربات التركية وما رافقها من ضغط ومفاوضات من قبل الروس والنظام.

وفي لقائه مع صحيفة “الشرق الأوسط” المنشور، اليوم الأربعاء، قال عبدي، إن قوات الأسد الموجودة في الشريط الحدودي “هم القوات الأساسية وتبلغ ضعف” قواته، مشيراً إلى أنه إذا حصل هجوم على عين العرب ومنبج “فإن ذلك سيكون مشكلة للنظام أكثر من أن يكون مشكلة بالنسبة لنا، قوات النظام موجودة على الحدود، وهي التي ستكون مستهدفة”.

وأضاف عبدي، أنه في حال هجوم تركيا برياً على عين العرب ومنبج، فإن “على النظام أن يتخذ قراراً إما بالانسحاب وعدم القتال وترك تلك المناطق للجيش التركي والانسحاب منها، أو أن يقاتل”.

وذكر عبدي أنه لا يوجد ضرورة لانسحاب “قسد” ودخول قوات الأسد لأنها موجودة بالأصل، أما قوات الأمن الداخلي التابعة له (الأساييش) أو مؤسسات “الإدارة الذاتية” المدنية “فهذا أمر آخر، ونحن لن ننسحب”.

مراحل العلاقة بين الطرفين

منح النظام في العام 2012 أحزاباً كردية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي”، سلطة إدارية في ثلاثة مناطق، هي محافظة الحسكة مع بقاء مع الأماكن تحت سيطرته كالمربعات الأمنية ومطار القامشلي، ومدينة عين العرب/ كوباني شمال شرقي حلب، وعفرين شمال غربي حلب، وجميعها تقع بالقرب من الحدود التركية  (ثلاثة كينتونات وهي الجزيرة وعين عرب وعفرين).

وكان “الاتحاد الديمقراطي” قد أسس “مجلس شعب كردستان”، إلى جانب أحزاب كردية أخرى أواخر 2011.

توسع “حزب الاتحاد الديمقراطي” لاحقاً في آلية إدارة هذه المناطق، وشُكل ما يسمى “الإدارة الذاتية الديمقراطية المؤقتة” في تشرين الثاني / نوفمبر 2013.

ثم أسست هذه الإدارة مطلع العام 2014 ثلاثة مجالس تشريعية وتنفيذية، في “كيتونات الجزيرة وعفرين وعين العرب”، اقتصر عملها على إدارة بعض الخدمات بهذه المناطق بالتنسيق مع النظام.

لكنها استمرت بالتمدد حتى أصبحت هي صاحبة الكلمة العليا في مختلف الصعد الإدارية والخدمية والأمنية والعسكرية.

من ناحية أخرى فإن  تشكيل “وحدات حماية الشعب” لـ”قسد” في تشرين الأول / أكتوبر 2015 إلى جانب عدة فصائل عسكرية كردية وعربية وآشورية، وتلقيها دعماً كبيراً من “التحالف الدولي لقتال “تنظيم الدولة”، وسيطرتها على مناطق جديدة على حساب التنظيم، وعلى رأسها أماكن تواجد آبار النفط، منح “الإدارة الذاتية” (الاتحاد الديمقراطي) سلطة واسعة ودوراً أكبر في الساحة السورية.

حتى أنه في آذار 2016، طُرح مشروح فيدرالية شمال شرق سورية  “فيدرالية روج آفا”.

وتجري مفاوضات بين النظام و”قسد” بشكل مستمر، قدم خلالها الطرفان مطالب، إلا أنهما لم يتوصلا إلى صيغة تفاهم أو اتفاق محدد.

وقال الباحث معن طلّاع، إن حجم التنازل لدى النظام “تضاءل جداً خاصة بعد وضوح الندية من قبل قسد”.

والند الذي سلمه النظام بضعة مناطق عام 2011 و2012، ليركز على قمع الثورة السورية بباقي المحافظات السورية، أصبح الآن يملك آلاف المقاتلين ويحاول أن يفرض شروطه.

فعبدي لا يمانع أن تكون “قسد جزءاً من المنظومة الدفاعية للجيش السوري بشكل عام”، لكن لديه شروط وتفاصيل، بحسب ما جاء في حديثه لصحيفة “الشرق الأوسط”

وذكر عبدي أن قواته تتجاوز 100 ألف عنصر، وأمضوا عشر ستوات في القتال، وهم بحاجة إلى حل دستوري وقانوني، فـ”قسد يجب أن يكون لها دور وخصوصية ضمن الجيش، الأمور العامة متفقون عليها (أي مع النظام)، لكن عند التفاصيل هناك مشاكل ما يجعل الأمر يأخذ وقتاً”.

وأكد عبدي أن “قسد” ترسل وفوداً إلى دمشق وأنه يريد الذهاب إلى دمشق “عندما تنضج الظروف للحل”.

وتعتبر تركيا “وحدات حماية الشعب” التي تشكل عماد “قسد”، امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب، وشنت عدة عمليات عسكرية ضدهما في سورية والعراق آخرهم (المخلب السيف).

————————–

ماذا يريد أردوغان من الشمال السوري؟/ عمرو فاروق

لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أرودغان يثير الجدل بشأن مواقفه وقراراته السياسية في المنطقة العربية، والتي اشتعلت مؤخراً منذ إعلانه استمرار التدخل العسكري في الشمال السوري، تحت غطاء عملية “المخلب – السيف”، التي دُشّنت بسلسلة غارات جويّة استهدفت مناطق عين العرب (كوباني) وعين عيسى وتل رفعت في الريف الحلبيّ، بالتزامن مع غارات مماثلة على منطقة عين دقنة في ريف حلب الشماليّ.

استغلت اسطنبول تفجير “ميدان تقسيم”، في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، للترويج للعمل العسكري في الشمال السوري، بعد اتهامها “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، و”وحدات حماية الشعب الكردي”، بالوقوف خلف تلك العملية المسلحة التي نفذت في أكثر مناطقها رواجاً للسياحة الداخلية.

العملية العسكرية البرية المرتقبة، التي ألمح إليها الرئيس التركي، تهدف إلى إعلان نجاح أنقرة في إنشاء “منطقتها الآمنة” في شمال سوريا، وتطهير المدن الواقعة على طول حدودها الجنوبية من الميليشيات التابعة لـ”حزب العمال الكردستاني”، والتي من شأنها دفع “قوات سوريا الديموقراطية” إلى تعليق دورها في مواجهة تنظيم “داعش”.

وضعت أنقرة “وحدات حماية الشعب الكردي” على قوائم الإرهاب، وتعد المكون الرئيسي لـ”قوات سوريا الديموقراطية” التي تسيطر على مناطق واسعة من الشمال السوري، وتتلقى دعماً سياسياً ولوجستياً من الولايات المتحدة على امتداد السنوات الماضية، باعتبارها شريكاً أساسياً في تفكيك الخلايا “الداعشية”.

ولا تزال الكواليس المختبئة خلف الأبواب المغلقة بين تركيا والولايات المتحدة وروسيا، على المستوى السياسي والدبلوماسي والأمني، لم تحقق أي نتائج إيجابية في ما يخص العملية البرية العسكرية المرتقبة، في ظل إدانة واشنطن وموسكو للهجمات الجوية الأخيرة في سوريا والعراق.

وتتضمن أجندة المشروع التركية في الشمال السوري، مجموعة من المصالح على مستوى السياسة الداخلية،أهمها محاولة ترميم سمعة “حزب العدالة والتنمية” التي تراجعت لأدنى مستوياتها خلال السنوات الأخيرة، نتيجة التدهور الاقتصادي، وانهيار قيمة الليرة التركية، فضلاً عن آمال أردوغان في الاستمرار لولاية رئاسية ثالثة، وبسط نفوذه الخارجي في بناء ما يعرف “تركيا الكبرى”، أو “الدولة العثمانية الجديدة”.

تحت مزاعم مواجهة تنظيم “داعش”، ومحاصرة “التهديد الكردي”، وصناعة المنطقة الآمنة بمسافة 30 كلم على حدوها الجنوبية، وسّعت أنقرة نفوذها السياسي والثقافي والعسكري في مناطق الشمال السوري، بعملياتها العسكرية التي بدأتها عام 2016، تحت مسمى “درع الفرات” في مدن جرابلس والباب وأعزاز، وتلتها عملية “غصن الزيتون” عام 2018، ثم عملية “نبع السلام”، التي نفذتها في مدينتي تل أبيض ورأس العين عام 2019.

تجاوزت تحركات أنقرة الأهداف السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى الأهداف الجغرافية، التي تعمل على تحقيقها وفق “استراتيجية التتريك” بهدف طمس هوية مدن الشمال السوري، ومعالمها التاريخية، وإحلالها بطابع تركي عثماني.

التغيير الديموغرافي، بدأته أنقرة، من خلال اعتماد اللغة التركية في المناهج التعليمية، والمؤسسات العامة، ووسائل الدعاية والإعلان المحلية، واستبدال أسماء الشوارع والمدارس والمستشفيات والمساجد بأخرى تركية، والتوسع في مشاريع البنية التحتية، وبناء عشرات المؤسسات التجارية، وفرض التعامل بالليرة التركية.

وفي إطار تغيير نسيج المدن السورية، استبدلت أنقرة شبكات الاتصالات الداخلية بشركات تركية، وسيطرت على المجالس المحلية، وهيئات البريد، والمدارس والجامعات والمؤسسات المالية والبنوك، والهيئات القضائية والمحاكم، والمعاهد الدينية، والشرطة المحلية، وأخضعتها لأجهزتها الاستخباراتية والأمنية، وكذلك تحكمت في تحديد نوعية المحاصيل الرزاعية، تبعاً لاحتياجاتها التسويقية والتجارية.

لا شك في أن الانسحاب الأميركي في آذار (مارس) 2019، عزز من نشر أنقرة قواتها العسكرية وتسيير دورياتها الأمنية وإطلاق طائراتها الاستطلاعية بشكل منفرد في المناطق والمدن السورية، وتدشينها لمكوّن عسكري جديد، في إطار دمج الفصائل السورية الموالية لها، المتمثلة في “الجيش الوطني” و”الجبهة الوطنية للتحرير”.

أنشأت أنقرة قواعد عسكرية ضخمة على طول حدودها الجنوبية ودرّبت وموّلت ما يزيد على أكثر من 50 ألف مقاتل سوري، وسيطرت على مناطق غنية بالثروات الطبيعة من النفط والغاز والأراضي الزراعية، بهدف صناعة حائط صد أمام بناء دولة كردية.

تبرر أنقرة تدخلاتها في العمق السوري وفق “اتفاقية أضنة”، التي تمنحها الحق في القيام بعملياتها المسلحة لحماية حدودها وأمنها القومي، والتي أبرمتها مع النظام السوري، إبان مرحلة الرئيس حافظ الأسد في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1998، وتنص على التعاون التام بينهما في “مكافحة الإرهاب”، ووقف كل أشكال الدعم المقدم لـ”حزب العمال الكردستاني”، وإغلاق معسكراته في سوريا.

لم يخف الرئيس أردوغان تدخلاته ومطامعه في الداخل السوري، والتي نقلتها شبكة “T.R.T”، في 25 آب (أغسطس) 2022، بقوله: “سنواصل حربنا ضد التنظيمات الإرهابية في كل مكان، وسنستمر في عملياتنا العسكرية، ويمكننا أن نأتي في أي لحظة وإلى أي مكان”.

الموقف التركي الراهن، يمثل في ذاته سياسة توسعية مُخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وينذر بعواقب غير محمودة في ظل وجود ما يزيد على 900 جندي أميركي، يقاتلون إلى جانب “قوات سوريا الديموقراطية” تنظيم “داعش”، فضلاً عن الدعم المطلق من موسكو وطهران لحماية المكون الكردي، وتعهدات دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا، بالحفاظ على الهوية الكردية.

*كاتب وباحث مصري في شوؤن الجماعات الأصولية

النهار العربي

——————————

الحرب التركية على “قسد و PKK”..بين الضروري والممكن/ أسامة آغي

كثرت الآراء التي تتحدث عن احتمال قيام القوات التركية و”الجيش الوطني السوري” بشنّ حربٍ على ما يسمى الـ PKK وقوات سوريا الديمقراطية، التي يشار إليها اختصاراً ب “قسد”.

لقد تعددت تصريحات المسؤولين الأتراك حول المناطق التي ستشملها الحرب في مرحلتها التالية، وهي مناطق منبج وعين العرب وتل رفعت، في وقت بدت الدول المنخرطة بصورة مباشرة في الصراع السوري ضدّ هذه الحرب، دون أن تقدّم بديلاً مقنعاً للأتراك عن الحرب.

وزير الدفاع الأمريكي أوستن اتصل بنظيره وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، وأبلغه رفض ومعارضة الولايات المتحدة لشن تركيا الحرب على ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية، وهي في الحقيقة واجهة عسكرية لـ PKK الذي يشن عمليات إرهابية داخل الأراضي التركية، ومن الأراضي العراقية والسورية ضد الأتراك.

الرفض الأمريكي يقوم على قاعدة السياسة الأمريكية، التي يمكن تلخيصها حيال تركيا، بأنها سياسة منع الأتراك من تحقيق نهضتهم الاقتصادية والعسكرية والعلمية، وذلك كي لا تتحول تركيا إلى قوة إقليمية ودولية مؤثرة، تفرض سياسات تتوافق ورؤيتها نحو عالم متعدد الأقطاب، حيث ستؤثر هذه السياسات على مبدأ الاحتواء الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشرقي آسيا.

الرفض الأمريكي يحتاج إلى أداة تنفيذية تُزعج تركيا، وليس هناك من يزعج هذا البلد غير إرهاب حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي يطالب بفصل جنوب شرقي تركيا، لمصلحة مشروعه إقامة دولة كردية على أراضٍ تُقتطع من تركيا وسوريا والعراق وإيران.

حزب العمال الكردستاني تضعه الولايات المتحدة على لائحة القوى والحركات الإرهابية، ومع ذلك تُغمض عينيها قصداً عن اعتداءاته على تركيا، لأنه باختصار يحقق المصلحة الأمريكية باستنزاف تركيا، وهذا ما يدفع الأمريكيين إلى دعم هذه الأداة بالسلاح، ومنع تصفيتها بحجة محاربة إرهاب داعش.

كذلك عمل الروس على ثني تركيا عن شنّ حرب ضد ميليشيات قسد وفق رؤيتهم، التي تقترح أن تحلّ قوات تابعة للنظام من الفرقة الخامسة المؤيدة لروسيا محل ميليشيات قسد، لكن هذا الاقتراح رفضته الميليشيات، لأنه ببساطة يشلّ قدرتها على إزعاج الدولة التركية، ويمنعها من تثبيت ما تسميه الإدارة الذاتية.

الروس يضعون في حساباتهم لإضعاف قسد أن تدخل ميليشيات النظام وحلفها الإيراني والروسي بديلاً عن هؤلاء، إلى المناطق التي تريد تركيا طرد قسد منها، دون أن ينفذوا التزاماتهم حيال إبعاد الميليشيات المعادية لهم عن الحدود التركية لمسافة ثلاثين كلم عمقاً.

الإيرانيون هم أيضاً يرفضون أن تقوم القوات التركية بطرد الميليشيات القسدية من مناطق منبج وتل رفعت وعين العرب، فهم يرون أن التمدد التركي جغرافياً سيجعلهم لاعباً رئيسياً في أي حل سياسي خاص بالصراع في سورية، وهو أمرُ يُضعف قدرة تأثيرهم على الجغرافية السورية، وتحديداً في مناطق شرق الفرات (الجزيرة والفرات)، والذي يمرّ فيه ما يسمى هلالهم الشيعي، الذي يجهدون أنفسهم لتثبيته في هذا المناطق تأميناً لطموحهم بأن يكون لهم إطلالة على البحر المتوسط عبر الشواطئ اللبنانية والسورية.

أمام هذه الحقائق على الأرض، ما الذي يمكن أن تفعله تركيا لحماية أمنها القومي، وهل تستطيع تحقيق ذلك عبر ضغوط روسية عليها بالتقارب مع النظام الأسدي، أم أن حكومة رجب طيب أردوغان تناور إعلامياً وعبر حشودها العسكرية في سورية، للحصول على مكاسب دون حربٍ

إن الأمن القومي التركي يرتبط بالضرورة بجزء منه بمناطق الشمال السوري برمتها، وهذا يتطلب حسابات سياسية وعسكرية صحيحة، وهو ما تفعله الحكومة التركية، إذ أنها بطرحها التقارب وتصحيح العلاقات مع النظام الأسدي، إنما تسحب ورقة من يد المعارضة التركية، وهو لا يعني إغماض العين عما فعله هذا النظام بحق السوريين، الذين لجأ قرابة أربعة ملايين منهم إلى تركيا طلباً للحماية من وحشية نظام الأسد.

الحكومة التركية التي تقترب من استحقاقات الانتخابات صيف عام 2023، لن تُقدم على خطوة عسكرية غير محسوبة النتائج في الميدان، أو على مستوى ردّ الفعل الدولي على هذه الخطوة، حيث أنها لن تحتمل مواجهات ذات طابع دبلوماسي وسياسي وعقوبات اقتصادية عليها، إذا ما نفّذت خطتها بطرد قسد من المناطق الثلاث، التي تعتبر وجود قسد فيها تهديداً لأمنها القومي، بسبب إطلاق صواريخ والقيام بعمليات قصف مدفعي منها.

الحكومة التركية ستلجأ إلى تنفيذ العملية إذا أحست أن عمليات ميليشيات ال PKK تهدد الأمن التركي بصورة جدية، وأن عدم سحق هذا التهديد سيخسر حزب العدالة والتنمية الحاكم فرصة التجديد له في الانتخابات القادمة.

وفق هذا المنظور، نعتقد أن تركيا قد تذهب في أحسن الأحوال إلى عملية محدودة في تل رفعت، وفي هذه الحالة قد يُغمض الأمريكيون أعينهم عنها، وكذلك سيفعل الروس، بينما ستبقى باقي المناطق المقترحة تركياً خارج العمليات العسكرية في الظروف والتوازنات الحالية، وقد يلجأ الأتراك لشنّ عمليات أوسع ضد قسد قبل أيام من الانتخابات، إذا تيقنت حسابات العدالة والتنمية الحاكم من أن طرد ال PKK من منبج وعين العرب سيوفر لهم فرصة متينة وحاسمة في تحقيق انتصار في الانتخابات القادمة، رغم أنهم خارج معطى محاربة قسد وال PKK قادرون على هزم المعارضة التركية المشتتة والضعيفة.

ويبقى السؤال الرئيسي، هل لاتزال الحكومة التركية تفكّر بتوفير منطقة آمنة على حدودها مع سورية، من أجل عودة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها إلى هذه المنطقة؟ أم أن الأمر لا يزال بحاجة إلى توافقات دولية بتثبيت الأوضاع الحالية في كل المناطق، وفرض وقف لإطلاق النار ريثما يحين استحقاق الحل السياسي في سورية وفق القرار 2254؟

وهل هذه المنطقة الآمنة على علاقة بطرد الـ PKK وقسد من منبج وعين العرب وتل رفعت؟

أسئلة كثيرة لا إجابات عليها في ظل الوضع الدولي الحالي، الذي لا تزال فيه الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا مستمرة، لذا لا شيء في الأفق غير الممكن بحدّه الأدنى، أما الضروري فهو يحتاج إلى ظروف وشروط أخرى ليست موجودة بعد.

السورية.نت

كاتب وصحافي سوري

——————————–

أسئلة حول العملية البرية التركية في الأراضي السورية/ تورغوت اوغلو

بالتوازي مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا يزداد الارتباك داخل حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، فمن ناحية يدر الرئيس رجب طيب أردوغان العطاء بسخاء من خلال الأموال التي يجمعها من دول الخليج وغيرها، ومن أخرى يواصل تنفيذ العمليات والأعمال التي من شأنها تعبئة وتأجيج المشاعر الدينية والوطنية لدى المواطنين.

على رغم أن العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا لها ما يبررها نوعاً ما، فإن هذه الخطوة العسكرية الأخيرة كانت ذات طبيعة انتخابية بحتة، وبالفعل صرح مسؤول في “العدالة والتنمية” بأن معدلات تصويت الحزب ارتفعت بعد الهجوم الإرهابي الذي نفذ في شارع الاستقلال، والعملية العسكرية بشمال سوريا.

إمكانية حدوث عملية برية

كانت العملية إلى الوقت الحالي في معظمها جوية، حيث تقوم تركيا مرة أخرى باختبار المواقف على الأرض، وجس النبض لتنفيذ عملية برية بسوريا، وعلى رغم وجود تصريحات تركية مفادها “لن ننتظر الإذن من أي طرف بخصوص إجراء عملية”، فإن هناك قوتين عظميين في الميدان، إحداهما روسيا والأخرى هي الولايات المتحدة.

إضافة إلى ذلك، لا ينبغي التغاضي عن القوى والدول الإقليمية المؤثرة في المنطقة، مثل جامعة الدول العربية والسعودية، صحيح أننا لم نعد نسمع خلال الأيام الأخيرة عن الإعلام الموالي للحكومة تصريحات نارية حول العملية، لكن ذلك لا يعني أنها قد توقفت بالكامل، وتعالوا بنا نلق نظرة عامة على الساحة من نافذة الأسئلة.

ألم يكن بوسع تركيا شن عملية برية من دون الإعلان عنها؟

نعم، كان بإمكانها ذلك، فهناك قوات كبيرة تابعة لتركيا في شمال سوريا، وخصوصاً في غرب الفرات، كما أن هناك الآلاف من عناصر القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر، الذي يتكون من عشرات الآلاف من المقاتلين الذين تدعمهم تركيا.

وجاء في التصريحات الأخيرة أن العملية ستتم في ثلاث نقاط: منبج، وتل رفعت، وكوباني (عين العرب)، وتقع منبج وتل رفعت في الغرب من نهر الفرات، حيث تنتشر قوات تركيا والمجموعات التي تدعمها، كلتا المنطقتين قريبة جداً من خط القوات المسلحة التركية والمجموعات المدعومة من تركيا الموجودة بالفعل في تلك المنطقة.

وربما كان بإمكان تركيا التقدم إلى هاتين النقطتين تدريجاً من دون الإعلان عن نيتها في العملية، ولم يبق سوى كوباني، لكن احتمال القيام بعملية هناك كان ضعيفاً منذ البداية.

هل كان أحد سيلاحظ؟

بالطبع كان سيلاحظ، صحيح أن منبج هي آخر منطقة تربط بين شرق الفرات وغربه، وأن تل رفعت هي النقطة التي تتقاطع فيها تقريباً خنادق القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر والجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية وروسيا في ريف حلب، لكن لو تم تنفيذ العملية البرية من دون الإعلان لما كان هناك حراك دبلوماسي على غرار ما نشهده هذه الأيام، أو في الأقل لم يكن التوتر والمفاوضات أمام الجمهور بهذه السخونة.

لماذا جذبت تركيا الانتباه؟

كما ذكرت أعلاه، فإن أهم سبب هو تفعيل الأروقة الدبلوماسية وخلق أرضية تفاوضية، بل وحتى بيئة مساومة إن أمكن، وكما قلت في البداية إنه استثمار انتخابي.

فإن نشر أخبار في وسائل الإعلام الدولية بأن “تركيا شنت عملاً عسكرياً ضد سوريا” سيثير حماس الناخبين في الداخل.

ماذا تريد تركيا؟

حدث تحول في سياسة تركيا تجاه سوريا، ولو كان متأخراً جداً، لكن لن يكون من السهل التخلص من الملف السوري، الذي تحول إلى سنام ضخم مع خطابات وأفعال شبه يومية لسنوات عديدة.

تركيا تحاول خلق أرضية جديدة لجني ثمار الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي الذي نقلته إلى سوريا لسنوات، وفي هذا السياق تهدف إلى أخذ أشياء كثيرة من دون أن تدفع مزيداً من الثمن.

بعبارة أخرى، تحاول تحويل الجيش السوري الحر الذي يتألف من عشرات الآلاف من المقاتلين الذين تدعمهم إلى ورقة مساومة ضد دمشق، لإفساح المجال أمام الجماعات القريبة منه عسكرياً وسياسياً في مستقبل سوريا وضمان بقاء هذه الجماعات داخل سوريا.

كما أنها من خلال إجراء عمليات في المناطق المتاخمة للأراضي التي تستولي عليها كل من الولايات المتحدة وروسيا، تحاول أن تظهر لأصدقائها وخصومها مدى فاعليتها في الساحة السورية.

فمن جانب ترسل رسالة مفادها أن “روسيا تختارني عندما تكون بين خيارين دونك أنت”، ومن جانب آخر ترسل رسالة ثانية إلى الأكراد مفادها “لا تثقوا كثيراً بالولايات المتحدة، لأنه إذا أصبحت الأمور جادة فسيتغير الوضع”.

ويجب ألا ننسى أن دمشق غير مرتاحة لتقارب الأكراد مع الولايات المتحدة، بالتالي فإنه على رغم انزعاج دمشق من العمليات التركية في الأراضي السورية، فإن التهديد التركي المستمر للأكراد يؤثر في علاقة دمشق والأكراد لصالح دمشق.

لماذا دمشق باردة تجاه فكرة التطبيع؟

لأنها لا تثق في تركيا التي تدعم عشرات الآلاف من المسلحين المتشددين في سوريا، كما أن دمشق لم تفهم بعد ما الهدف النهائي لحكومة حزب العدالة والتنمية.

ما المشكلة التي سيتم حلها بالعملية البرية؟

لن تحل العملية أية مشكلة، بل ستطيل أمد معاناة جنوب البلاد ليعيش تحت تهديد الإرهاب.

لماذا يستهدفون القامشلي؟

وإذا كانت المشكلة هي حزب العمال الكردستاني والأكراد في سوريا، فالتساؤل فلماذا يستهدفون القامشلي حيث يشكل العرب ما يقرب من نصف السكان؟

إن المرجع الوحيد لحل المشكلة الكردية هو أنقرة، وليست المناطق الريفية في القامشلي أو الحسكة، إضافة إلى أن الأكراد هناك مواطنون سوريون، إن رؤية كل واحد منهم عنصراً محتملاً في حزب العمال الكردستاني من شأنها أن تجلب لتركيا ضرراً أكثر مما تنفع.

هل العملية البرية ممكنة؟

إذا نظرنا إلى الأوضاع الراهنة في إطار العقل والواقعية يمكننا القول إن احتمال إجراء عملية برية شاملة ضعيف للغاية. إضافة إلى ذلك، ووفقاً للأنباء التي تلقيتها من مصدر مطلع، فقد وضعت أنقرة الحظر على إجازات عناصر “الجيش السوري الحر”.

لذلك يمكنني القول، في الوقت الحالي، إن العملية البرية ربما سيتم تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

———————————

1ما خيارات المعارضة السورية في حال تطبيع تركيا علاقاتها مع نظام الأسد؟

عربي21- يمان نعمة

على وقع التصريحات التركية التي فتحت الباب أمام إمكانية التطبيع مع النظام السوري، تُطرح في أوساط المعارضة تساؤلات عن الخيارات المتاحة لإجراء تحالفات سياسية جديدة، وما إن كانت متوفرة.

وفي حال وصلت العلاقات بين النظام السوري وتركيا إلى مرحلة التطبيع الكامل، فإن ذلك سيؤدي حكما إلى خسارة المعارضة السورية لآخر الأطراف الخارجية الداعمة لها (تركيا)، وهو ما يفرض عليها، من وجهة نظر مراقبين، البحث عن الخيارات البديلة المتاحة.

المعارضة تلتزم الصمت

وحتى الآن، لم يخرج عن المعارضة السورية بشقيها السياسي (الائتلاف) والعسكري، أي تصريح بخصوص الدعوات التركية، وقال مصدر من الائتلاف طلب عدم الكشف عن اسمه لـ”عربي21″، إن الائتلاف يتجنب في الوقت الحالي التصريح على ما يجري، لأن كل التطورات الحالية لم تتحول إلى واقع ولم تخرج عن دائرة التصريحات السياسية.

لكن رغم ذلك، لا تبدو المعارضة السياسية مطمئنة، إزاء هذه التطورات، وخاصة أن تركيا تستضيف على أراضيها الائتلاف والحكومة المؤقتة وغالبية الشخصيات الفاعلة.

ما الخيارات؟

من جانبه، يرى الباحث في مركز “الحوار السوري” الدكتور أحمد قربي، أنه يجب قبل الحديث عن خيارات المعارضة في ضوء التوجه التركي الجديد، النظر إلى تشرذم المعارضة وعدم وجود رؤية واضحة لديها، والأهم من كل ذلك غياب الجسم السياسي المبادر الذي يمكن أن يبحث عن البدائل.

ويقول لـ”عربي21″ إن “ما سبق يجعل طرح أي خيار على جانب كبير من الاستحالة، لأن البحث عن تحالفات جديدة مثل الانفتاح على الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، يتطلب وجود “مبادر” سياسي، ما يعني أن على قوى الثورة إعادة هيكلة مؤسساتها (الائتلاف) لإيجاد جسم سياسي قوي”.

وعلى النسق ذاته، يشير الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل المعراوي إلى فقدان المؤسسات السياسية الثورية إلى القاعدة الشعبية.

ويقول لـ”عربي21″ إنه “بسبب السيطرة التركية الكاملة على قرار المعارضة السياسي والعسكري فإنه ليس من المتوقع أن يخرج عنها أي اعتراض على مسار التطبيع بين الدولة التركية والنظام السوري، خاصة أن المعارضة مشاركة بمسار أستانا، وموقعة على كل مخرجاته، وأي مفاوضات تخص الشأن السوري بين تركيا والنظام سيكون أساسها ومحورها ومسارها ما تم الاتفاق عليه بجولات أستانا الـ19”.

وعند هذا الجانب، يرى عضو الائتلاف السابق، الدكتور زكريا ملاحفجي، في حديثه لـ”عربي21″، أن الدخول في أي مفاوضات مع النظام، لا يعد خيارا مفيدا، لأن النظام اعتاد المراوغة.

وأبعد من ذلك، يقلل ملاحفجي من احتمالية نجاح مسار التطبيع بين النظام السوري وتركيا، ويقول: “كل ما يجري يمكن أن يكون اختباراً من جانب أنقرة لجدية النظام، وروسيا أيضا”.

وقبل أيام، قال الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتييف، إن “موسكو تعمل على تنظيم لقاء بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان”، معتبراً أن على تركيا “أن تنظر في هذا اللقاء، ونعتقد أن مثل هذا الاجتماع سيكون إيجابيا ومفيدا بشكل عام، نحن نعمل في هذا الاتجاه، وإمكانية عقد اجتماع للرؤساء في روسيا متاحة دائما، وموسكو تؤيد ذلك”.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال إنه قد يعيد النظر في العلاقات مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقرر إجراؤها في تركيا في حزيران/يونيو من العام المقبل.

وردا على سؤال حول احتمال عقده لقاء مع الأسد، قال أردوغان إنه لا يوجد استياء أو خلاف أبدي في السياسة، وذلك وفقا للتعليقات التي أدلى بها خلال رحلة عودته من بالي.

———————–

====================

تحديث 11 كانون الأول 2022

—————————

التقارب التركي السوري لا يزال بعيداً/ روبرت فورد

ثارت تكهنات إعلامية كثيرة بشأن التقارب السوري – التركي. وأشار مسؤولون روس، من بينهم المتحدث باسم الكرملين والمبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، يوم الجمعة الماضي، إلى أن موسكو تحاول ترتيب لقاء بين الرئيسين إردوغان والأسد. ولا أتوقع، من جانبي، في أي وقت قريب أن أرى صورة تجمع إردوغان «الكئيب» مُصافحاً الأسد «المبتسم» في موسكو.

يتفق الرئيسان التركي رجب طيب إردوغان والسوري بشار الأسد على قضية واحدة، ألا وهي رفض إقامة حكم ذاتي حقيقي داخل المناطق الكردية السورية. وفي اجتماع عقد نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بشأن سوريا، في العاصمة الكازاخية آستانة، اتفق الأتراك مرة أخرى مع حلفاء الأسد، من الإيرانيين والروس، على مقاومة «المزيد من الخطط الانفصالية الرامية إلى تقويض وحدة الأراضي السورية، وتهديد الأمن الوطني للبلدان المجاورة». وتعد الرسالة موجهة بالأساس إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري، وميليشيا «وحدات حماية الشعب» التابعة له، ذات الصلة بـ«حزب العمال الكردستاني»، والمعنية بالإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، تحت غطاء عسكري أميركي.

في اعتقادي، لن يبرح الأميركيون أماكنهم هناك على المدى القصير، ما لم يطلب منهم «حزب الاتحاد الديمقراطي» وميليشياته المغادرة. وقد نجح «حزب الاتحاد الديمقراطي» حتى الآن في تحقيق توازن بين واشنطن من جهة، ودمشق وموسكو من جهة أخرى، لردع أي غزو تركي واسع النطاق.

من جهتها، تحدثت روسيا عن العودة إلى اتفاقية أضنة المبرمة عام 1998، التي طرد بموجبها «حزب العمال الكردستاني» من سوريا، غير أن تحقيق هذه العودة لا يلوح في الأفق.

من جانبهما، ترفض روسيا وسوريا، حتى الآن، محاربة «حزب الاتحاد الديمقراطي» وميليشياته، ولا تزال الإدارة الذاتية قائمة.

إضافة إلى ذلك، فإننا على أعتاب عام 2023، واستعادة اتفاقية قديمة عُقدت في عام 1998، حتى وإن كان ممكناً، لن يخدم التقارب التركي – السوري. والواقع أن كلا الجانبين يشعر بسخط أعمق عما كانت عليه الحال قبل ربع قرن. ففيما يخص أنقرة، فإن لها الحق في التشكيك في مقدرة الحكومة السورية على فرض سيطرة فعلية على جميع أنحاء شمال سوريا، بل وتعجز دمشق عن مجرد بسط سيطرتها على درعا، التي تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن العاصمة، فكيف سيتسنى لها السيطرة على القامشلي التي تبعد 400 ميل عن دمشق؟

بالإضافة إلى ذلك، فإنه في 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، جعل وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، مسألة استئناف المحادثات السياسية، مشروطة بضمان العودة الآمنة للاجئين السوريين من تركيا إلى وطنهم. وشدد حقان فيدان، رئيس الاستخبارات التركية، على قضية اللاجئين عند لقائه برئيس الاستخبارات السورية، علي مملوك، في سبتمبر (أيلول) الماضي. واستمرت زيارة فيدان إلى دمشق يومين كاملين، وهي زيارة طويلة. بيد أن التصريحات التركية لا تشير إلى إحراز تقدم كبير على مسار العلاقات الثنائية.

تجدر الإشارة إلى أنه في حين رحبت حكومة دمشق رسمياً بعودة اللاجئين، صرح الأسد أيضاً في 2017 بأن سوريا صارت أقوى وأكثر تجانساً بعد رحيلهم. فهو لا يريد عودة كل هؤلاء اللاجئين. فأين سيعيشون؟ وأين سيجدون الوظائف؟ وكيف سيجدون الطعام؟ وكيف يمكن لحكومة الأسد الثقة بهم جميعاً؟

الواضح أن دمشق لن تثق بهؤلاء اللاجئين، ولن تُقدم بشأن سلامتهم ضمانات إلى فيدان وجاويش أوغلو وإردوغان. كما لن يقبل الأسد إقامة مناطق آمنة في سوريا للاجئين، تكون خاضعة للسيطرة التركية، وإنما يريد رحيل الجنود الأتراك عن بلاده. وهناك قصص كثيرة لسوريين تصالحوا رسمياً مع الحكومة، ثم تُوفوا لاحقاً تحت التعذيب قيد الاحتجاز. ويدرك 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا هذا الأمر تماماً. ولا تريد أنقرة أن تعرض البرامج التلفزيونية المسائية في جميع أنحاء العالم اللاجئين الذين يصرخون ويُرغمون تحت تهديد السلاح على عبور الحدود إلى سوريا.

في الواقع، تعد قضية اللاجئين من القضايا الضخمة، لكن هناك قضايا أخرى عسيرة أيضاً: ما العمل بشأن النازحين السوريين قرب الحدود التركية وسلامتهم؟ ما الذي ستصنعه تركيا بآلاف المقاتلين السوريين المعارضين الذين ترعاهم؟ إلى أين سيذهبون؟ من المحال تصور أن كل مقاتلي المعارضة سيستسلمون طواعية ليصبحوا تحت رحمة قوات الأمن السورية. في الوقت ذاته، ترغب أنقرة في تجنب المرارة والقتال اللذين سيعقبان تخليها عن المعارضة السورية.

في هذا الصدد، صرح وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، في أغسطس (آب) الماضي، بأنه يتعين على المعارضة السورية «التصالح» مع الأسد، ثم صرح في نوفمبر (تشرين الثاني) قائلاً إنه لا بد من إحراز تقدم بشأن هذه القضايا قبل أن تنتقل المحادثات بين أنقرة ودمشق من مستوى رؤساء أجهزة الاستخبارات إلى «مستوى سياسي» أعلى. كما تريد أنقرة من المعارضة السورية ومن الأسد قبول التسويات.

وكان معروفاً عن والد بشار، حافظ الأسد، صبره، وقد تعلم نجله منه ذلك. وتشير التقارير الإعلامية إلى أن بشار ليس في عجلة من أمره للالتقاء ومنح دفعة سياسية لصديقه القديم، رجب طيب إردوغان.

اللافت أن حكومة الأسد لم تقدم أي تنازلات سياسية خلال هذه الحرب الأهلية. وبدلاً عن ذلك، ينتظر الأسد ويتابع الهجمات الشديدة من المعارضة التركية ضد مجمل سياسة إردوغان إزاء سوريا. وتدعو أحزاب المعارضة هذه إلى انفتاح سياسي سريع تجاه دمشق. وربما يأمل الأسد في أنه إذا فازت المعارضة التركية في انتخابات يونيو (حزيران)، سوف يتمكن من التوصل إلى اتفاق للتخلي عن الدعم التركي لمقاتلي المعارضة بسهولة أكبر، ومن ثم كسب نفوذ أكبر في مواجهة «حزب الاتحاد الديمقراطي». لذا، يرفض الرئيس السوري بكل أدب دعوة بوتين للمجيء والتقاط صورة مع إردوغان. ويتعين علينا أن نتذكر أنه حتى زعماء الدول الضعيفة قد يقولون أحياناً «لا، شكراً لكم».

الشرق الأوسط

——————————–

تصادم مصالح دولية على الأرض السورية: إصرار تركي على اجتثاث «قسد» من الشريط الحدودي والأسد ينتظر المكاسب/ حسام محمد

بات الشريط الحدودي السوري-التركي من أبرز الملفات الساخنة على الساحة السورية، حراك سياسي وضغوط تركية لطرد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» من مدن منبج وتل رفعت في الشمال السوري، وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في أوقات سابقة، أن بلاده «ستكمل الخط الأمني ​​على حدودها الجنوبية مع سوريا» مشدداً على أنه «لا أحد يستطيع عرقلة هذه المساعي».

في حين قال متحدث الرئاسة التركية خلال لقاء مع قناة «الجزيرة» الناطقة بالإنكليزية: تركيا لا تطلب الإذن من أحد عندما يتعرض أمنها القومي للخطر، وإنما تكتفي بالتنسيق مع الحلفاء.

وأشار إلى أنه بموجب التفاهم التركي الأمريكي في 2019 كان يجب أن ينسحب عناصر «واي بي جي» مسافة 30 كم عن الحدود التركية باتجاه العمق السوري، وأن ذلك لم يحدث في انتهاك للتفاهم.

لكن الجهود التركية التي تضاعفت مؤخرا تصطدم بفيتو أمريكي-روسي لأي عملية تركية عسكرية برية، وهو ما أدى إلى طروحات ومفاوضات دولية تجريها موسكو مع أنقرة لثنيها عن العملية البرية مقابل حلول، يرى فيها مراقبون التفافا روسيا على المطالب التركية واستخدامها لتحقيق مكاسب أكثر، خاصة من ناحية الجغرافية والتمديد لصالح موسكو ودمشق معا.

وكانت قد أطلقت تركيا خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عملية عسكرية في شمالي سوريا والعراق تحت مسمى «المخلب – السيف» وهي عملية نفذت من خلالها طائرات حربية تركية حملة قصفٍ مكثّف على عدة مواقع لـ «قوات سوريا الديمقراطية» و«حزب العمال الكردستاني» في سوريا والعراق.

العزم التركي على تحقيق مكاسب بما يخص تحجيم تمدد قوات «قسد» في الشمال السوري، وخاصة على الشريط الحدودي، يدفعها إلى تحقيق معادلات جديدة على الساحتين الميدانية والسياسية، لعل أبرز تلك التطورات ما قاله عمر جيليك المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» في تركيا، إن تركيا قد تتعاون مع النظام السوري لمواجهة التهديدات «الإرهابية».

وقال جيليك في تصريحات للصحافيين من مقر الحزب في أنقرة، نقلتها صحيفة «ديلي صباح» التركية: تركيا والنظام السوري «قد يتعاونان في نطاق إزالة التهديدات الإرهابية تجاه تركيا، وكذلك الحفاظ على وحدة الأراضي السورية».

تطورات وملفات ساخنة تحمل في جعبتها ملامح متغيرات قد تطرأ على الساحة السورية، وصراع دولي لا تحمل الجولة الحالية له مؤشرات على توقفه عند هذا الحد، خاصة مع كثرة الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وتعقيدات المشهد واختلاف وجهات النظر والرؤى المستقبلية.

فيتو أمريكي-روسي

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عن رفضهما لأي عملية عسكرية برية تركية في الداخل السوري تستهدف قوات سوريا الديمقراطية «قسد» المدعومة من التحالف الدولي وأطراف دولية أخرى.

الرفض الأمريكي، لم يخف أحقية تركيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة الهجمات الإرهابية، إلا أن موقفها من العملية العسكرية التركية كان بـ «الرفض» إذ قال منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي «لا نريد أن نرى عمليات عسكرية تُجرى في شمال غرب سوريا، والتي ستعرض المدنيين لخطر أكبر مما هم عليه بالفعل وتهدد جنودنا وأفرادنا في سوريا وكذلك مهمتنا في مكافحة تنظيم الدولة».

وأضاف المسؤول الأمريكي: «ندرك الخطر الذي يتعرض له الشعب التركي لكننا لا نعتقد أن فكرة العمليات العسكرية في شمال غرب سوريا هي أفضل وسيلة لمواجهة ذلك الخطر».

الموقف الأمريكي من العملية العسكرية التركية، واكبه رفض روسي أيضا، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «سنعمل بحزم لضمان منع أي اعتداءات على وحدة أراضي سوريا».

لتعود موسكو للحديث مجددا عن اتفاقية «أضنة» بين تركيا وسوريا، الموقعة عام 1998 والتي تمنح أنقرة الحق في ملاحقة «الإرهابيين» داخل الأراضي السورية وصولا لعمق 5 كيلو مترات فقط، واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة حال تعرض أمنها القومي للخطر.

في حين أن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» رفض المقترح الروسي القائم على تسليم النظام السوري مناطق حدودية مع تركيا في الشمال السوري، لتجنيب المنطقة عملية عسكرية لوحت بها أنقرة.

ونقلت وسائل إعلام كردية عن مظلوم عبدي قوله إن قواته «لم تستلم هذه المناطق لتسلمها، إنما حررتها من تنظيم الدولة» الإسلامية.

وأضاف عبدي أنه لا يمكن تفكيك قواته في حال التوصل إلى أي تسوية سياسية بشأن الأوضاع في سوريا، معتبرا أن هذه القوات تستطيع أن تكون جزءا من المنظومة الدفاعية السورية مستقبلا.

النظام السوري يتنظر المكاسب

الأكاديمي والباحث في العلاقات السورية-الروسية محمود الحمزة، رأى من جانبه، أن واشنطن وموسكو تتفقان في غالبية المواقف التي تخدم النظام السوري ولا تلبي المطالب التركية، مشيرا لوجود دعم روسي-أمريكي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» وينسقان معها، وهو ما أدى إلى تصعيد الحراك والضغوط التي يقودها الرئيس التركي اردوغان على الدول الضامنة في مسار أستانا «روسيا وإيران» بالإضافة للولايات المتحدة لطرد قوات سوريا الديمقراطية من الشريط الحدودي السوري المحاذي لتركيا إلى مسافة 30 كم عن حدود بلاده.

إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن الحدود السورية-التركية يصب وفق ما قاله الحمزة لـ «القدس العربي» في صالح النظام السوري، وهو رغبة تركية أيضًا، معتبرا قوات «قسد» ذراعا لدمشق ولموسكو وواشنطن وطهران معا، وبأنها هي التهديد الأكبر للأكراد السوريين ومساعيها الانفصال يقودها حزب العمال الكردستاني.

الضغوط متعددة الجبهات التي يقودها الرئيس التركي حول هذه القضية، أدت إلى تحرك روسي عاجل رغم انشغال موسكو الكبير بحربها على أوكرانيا، بغية منع عملية عسكرية تركية برية تستهدف مواقع سيطرة قوات «قسد» على الشريط الحدودي، وهو ما أدى لطرح مبادرة روسية لتركيا، عنوانها سحب قوات قسد لقواتها العسكرية لمسافة 30 كم، مقابل الإبقاء على القوات الشرطية الكردية، وقوات النظام السوري، وهو ما رأى فيها المتحدث، التفافا روسيا على المطالب التركية، حيث أن قوات «قسد» من السهل أن تبقى في المنطقة بعد استبدال ملابسها العسكرية بالشرطية.

في حين لم يستبعد الحمزة في النتيجة النهائية، انسحابا أمريكيا وروسيا من منبج وتل رفعت في الشمال السوري لتصبح ضمن المناطق الخاضعة للسيطرة التركية وانحسار جديد في خريطة تمدد قوات «قسد» مستبعدا في ذات الوقت اضطرارا تركيا لعملية عسكرية برية.

تصادم مصالح على الأرض السورية

مصدر عسكري فضل حجب اسمه، قال لـ «القدس العربي»: فكرة الاجتياح البري للجيش التركي للمدن والبلدات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في الشمال السوري تواجه برفض أمريكي وروسي وتأييد لضربات جوية تركية محدودة ومحددة الأهداف على أهداف عسكرية لـ «قسد» في عين العرب وعين عيسى وتل رفعت.

وأشار المصدر، إلى طلب واشنطن إبلاغها عبر غرفة العمليات قبيل تنفيذ ضربات ضد مواقع «قسد» وأن الأطراف الدولية المنخرطة في ملف قوات «قسد» لا تمانع بتنفيذ اغتيالات باستخدام الطيران التركي المسير.

كما رأى أن واشنطن من الصعب أن تتخلى عن مشروع قيام الحكم الذاتي بقيادة قوات «قسد» في الشمال السوري، معتبرا أن أصل ذلك يعود لفكرة ومشروع إسرائيلي-أمريكي، وأن الغاية منه، الإبقاء على سوريا بدون مقومات دولة وذات بنية هشة وضعيفة.

في حين أن روسيا، تسعى لاستغلال حالة الفوضى الحاصلة لنشر ميليشيات الفيلق الخامس في المنطقة، أما تركيا تحاول استغلال الأوضاع الدولية، خاصة ما يفرزه الغزو الروسي لأوكرانيا، لتحقيق أهداف أمنها القومي من خلال السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، في حال تمكنها من دخول المدن الخاضعة لسيطرة قوات قسد.

المصدر، أرجع رفض النظام السوري للعملية العسكرية التركية لعدم امتلاك الأسد لأي ملفات يمكنه تقديمها لأنقرة، وأن دمشق تتمسك بموقفها لعدم منح تركيا أوراق قوة قبيل الانتخابات الداخلية.

وأن الوضع الراهن في الشمال هو عبارة عن تصادم مصالح دولية على الساحة السورية، حيث استبعد المصدر، أن يؤدي ذلك إلى إحداث متغيرات جوهرية في خريطة الصراع الحالية، خاصة مع حالة التحالف القوية التي تربط «قسد» بالأمريكان كقوى محلية في سوريا، وتمتلك خبرة ميدانية في قتال تنظيم «الدولة».

كما أن قسد تمتلك سجونا سرية لقيادات التنظيم، ممكن أن تطلق سراحهم في حال تم التخلي عنها، وبالتالي تشكيل ضغط على الأطراف الدولية لإعادة التنسيق معها.

مكاسب تركيا

مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري محمد سالم، رأى أن تركيا ستظفر بنتائج مهمة فيما لو دخلت إلى مدينتي منبج وعين العرب في الشمال السوري، وأن تغير خريطة الصراع لصالحها سيحمل في جعبته العديد من التطورات، لعل أهمها نجاح أنقرة في السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، بعد تطهيره مما تصفه تركيا بالتهديد الأكبر لأمنها القومي.

كذلك ستكون تركيا قد نجحت أيضا بتقليل مستوى الهجمات التي تنفذها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ضمن المدن والبلدات التركية.

أما فيما يخص الحلول البديلة كالعروض الروسية الأخيرة التي تضمنت انسحاب قوات سوريا الديمقراطية مع أسلحتهم من عين العرب ومنبج بريف حلب، ومقترح الإبقاء على قوات الأسايش بعد دمجمها بالمؤسسة الأمنية للنظام السوري، فقد رأى فيها سالم، مجرد عروض روسية لتحقيق مكاسب لموسكو ودمشق من هذا الأمر من خلال توسيع مناطق النفوذ الروسية ونفوذ نظام النظام السوري، وهذا ما ظهر أيضا في العرض الروسي الأخير، حيث ستصبح المنطقة تحت سيطرة قوات دمشق، مع اندماج قوات الأسايش الخاصة بقسد في المنظومة الأمنية الخاصة بنظام الأسد، الأمر الذي قد لا يكون مريحا للأتراك، لكنهم قد يقبلوه على مضض مرحلياً، وقد لا يقبلوه لصعوبة تطبيقه.

وفي دراسة، أعدها مركز «جسور» للدراسات، يظهر أن التصعيد الحالي في الموقف يمثل إحدى مراحل التفاوض بالقوة بين الفاعلين الدوليين في سوريا، ويهدف إلى وضع قسد تحت الضغط الأقصى، بحيث تكون أمام خيارين، إما سيطرة تركيا على عدّة مناطق، لا سيما تل رفعت وعين العرب (كوباني) وعين عيسى، أو سيطرة النظام عليها من دون أي عمليات قتالية. وستكون قسد في كِلا الحالتين الطرف الخاسر.

وأن السيناريو الأمثل بالنسبة لتركيا، هو ذلك الذي يخول المعارضة السورية من السيطرة على مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية.

في المقابل، فالنظام وحلفاؤه يرغبون بإنهاء جيب تل رفعت شمال حلب، والذي أُنشئ في ظروف لم تعُد قائمة حالياً، كما أن لديهم رغبة في إنهاء موقف قسد المتعنّت خلال التفاوض مع النظام. وقد ينظَر في هذا الصدد إلى استخدام تركيا للقوة بمثابة فرصة لإخضاع قسد للشروط المقبولة من قِبل إيران وروسيا.

القدس العربي

————————

شمال شرقي سورية وخريطة المصالح المتغيّرة/ طارق عزيزة

على وقع أصوات القصف التركي على مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمالا، تتواتر أنباء تربط إمكانية تنفيذ العملية العسكرية البرية التركية المحتملة أو وقفها بما ستكون عليه مواقف قوى أخرى متدخّلة في الشأن السوري، سيما روسيا والولايات المتحدة، من الشروط التركية. وقد جاء تصريح قائد “قسد”، مظلوم عبدي، عن أمله في أن تمنع الولايات المتحدة العملية التركية، وتأكيده وجود تنسيق بين روسيا والنظام السوري في هذا الشأن، ليفتح نقاشاً قديماً متجدّداً عن تعقيدات المسألة الكردية، وتداخلاتها الإقليمية والدولية.

في خمسينيات القرن الفائت، وعلى أرضية التنافس الأميركي السوفييتي على النفوذ في الشرق الأوسط، وجد الأكراد أنفسهم في خضم صراعات معقّدة، جعلت منهم حلفاء فاعلين لقوى إقليمية أو دولية حيناً، وأدوات تحرّكها تلك القوى، في غالب الأحيان، ضمن أجواء متوتّرة فرضتها الحرب الباردة. ولم يعد موضوع الأكراد شأناً يخصّهم وحدهم، إذ بات لكلّ تطوّر فيه تداعياته على السياسات الإقليمية والدولية في المنطقة. هذه الامتدادات والارتباطات الخارجية للأحزاب الكردية، وتحالف بعضها مع دول فاعلة في المنطقة أو عداؤه لها، كان من أبرز أسباب خلافاتها وحتى انشقاقاتها، التي لا تخلو من صراع على الزعامة. أتاح ذلك لبعض دول المنطقة استخدام الأكراد في صراعاتها البينية، أو ضرب بعضهم ببعض، وإضعافهم من أجل السيطرة عليهم وكبح طموحاتهم.

بوجه عام، كان نشاط كل من الأحزاب الكردية منصبّاً على الدولة التي تأسّس فيها، لكنّ المشهد تغيّر مع ظهور حزب العمال الكردستاني، بزعامة عبد الله أوجلان، فنشاط هذا التنظيم لم يقتصر على الأراضي التركية، التي شهدت تأسيسه وانطلاق عملياته الأولى، وراح يتوسّع باتجاه إيران وشمال العراق، فضلاً عن تمدّده في الأراضي السورية. وعلى هذا، أصبح طرفًا في “أزمة” سياسية وأمنيّة مزمنة تتعلّق بدول عدّة، ومارس أدواراً أرخت بظلالها على علاقات تلك الدول في ما بينها.

كانت علاقة أوجلان الوثيقة مع النظام السوري من المحدّدات الأساسية في تحركاته الإقليمية. لكنّ هذا لم يشفع له حين خضع حافظ الأسد للضغوط التركية، على خلفية تلك العلاقة، فقرّر إبعاده عن سورية، في أكتوبر/ تشرين الأول 1998، لنزع فتيل حرب وشيكة، وانتهى المطاف بأوجلان، بعد ثلاثة أشهر، معتقلاً في السجون التركية. لم يتوقّف نشاط أنصار الحزب ومحازبيه في سورية، على الرغم من طرد زعيمهم، فقد تأسّس تنظيم كردي سوري باسم حزب الاتحاد الديمقراطي سنة 2003، بدا واضحاً أنّه امتداد للحزب الأوجلاني، سواء لجهة استقطابه أنصار حزب العمّال في الأوساط الكردية السورية وتنظيمهم في صفوفه، أو من خلال أدبياته ونظامه الداخلي، الذي جعل من بين مهام أعضاء الحزب “النضال من أجل حرية القائد عبد الله أوجلان”.

بعد الثورة السورية، برز دور حزب الاتحاد الديمقراطي بقوّة، حيث سيطرت المليشيا المسلّحة التابعة له، في صيف عام 2012، على مدن وبلدات شمال شرقي سورية، التي انسحبت منها قوات النظام، وشكّل جهازاً للشرطة والأمن الداخلي، وأعاد تنظيم مقاتليه ضمن “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة”، فيما رُفِعت صور أوجلان والأعلام الحزبية على المباني الحكومية، مكان صور الأسد ورموز نظام البعث. بعدها، أعلن “الاتحاد الديمقراطي” تأسيس “الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سورية”، ما أثار حفيظة تركيا، لأن هذا التطور يعني، عملياً، سيطرة تنظيم، تقاتله منذ أكثر من 40 عاماً، على مناطق واسعة متاخمة لحدودها. لكنّ النظام السوري اتخذ موقفاً ملتبساً، مازجاً بين القبول الضمني على مضض، وإجراء مفاوضات مع ممثلي “الإدارة الذاتية”، وبين العداء الصريح والتحريض الإعلامي، وصولاً إلى اشتباكات دامية بين الجانبين بصورة متكرّرة.

تعزّزت سلطة “الاتحاد الديمقراطي”، ومن خلفه “العمّال الكردستاني” في سورية، بظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وتشكيل الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لمحاربته. ذلك أنّه عملاً بسياسة إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، أوباما، في محاربة الإرهاب، والتي تقوم على دعم مجموعات محلّية وتسليحها عوض إرسال قوات أميركية على الأرض، ازداد اعتماد الأميركيين على المقاتلين الأكراد في مواجهة “داعش”، وضمّوا إليهم مجموعات عسكرية من العرب والسريان وغيرهم، ضمن تشكيل عسكري أُعلن عنه في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، باسم “قوات سوريا الديمقراطية”. ورغم التوتر بين حليفَي الولايات المتحدة (تركيا و”قسد”)، إلا أنها حرصت على التنسيق مع كليهما، عندما تقتضي الترتيبات الأمنية ذلك.

واليوم، مع انكفاء واشنطن المطّرد وحرصها على التهدئة، نظراً إلى غياب تصوّر واضح لها في الملفّ السوري، وفي ضوء الانشغال الروسي في الورطة الأوكرانية، إضافة إلى بوادر الانعطافة في العلاقة بين أنقرة والنظام السوري، ومصلحتهما المشتركة في استعادة قوات النظام السيطرة على مناطق شمال شرقي سورية الغنية بموارد الطاقة، والتي باتت دمشق في أمسّ الحاجة إليها، تبدو الخيارات جميعها في غير صالح “قسد” وسلطة “الإدارة الذاتية”، ولا شيء يضمن استمرارهما في صيغتهما الحالية، فهل تسوّى الأمور عبر وساطة الحلفاء، أم أنّ جولة من الدماء والدمار العبثي توشك على البدء؟

العربي الجديد

————————————–

هل ثمة عملية عسكرية تركية وشيكة في سوريا؟/ أكرم البني

يبدو واضحاً تصميم حكومة أنقرة وعزمها القيام بتوغل عسكري جديد في شمال وشرق سوريا بدعوى إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود، واستكمالاً لما سمّته عملية «المخلب – السيف» التي لا تزال تطول، قصفاً بالمدفعية والطائرات المسيرة، بعض المواقع والقيادات الكردية، وذلك بعد 3 عمليات عسكرية سابقة؛ «درع الفرات 2017» و«غصن الزيتون 2018» و«نبع السلام 2019»، وجميعها مكّنت القوات التركية من السيطرة على مناطق أوسع فأوسع من الشريط الحدودي السوري.

العزم والتصميم لا يتعلقان فقط بقوة الذريعة التي تستند إليها أنقرة لمواجهة ما تعتبره إرهاباً كردياً، وكردٍّ انتقامي على التفجير الذي حصل في 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، في منطقة «تقسيم» وذهب ضحيته 6 قتلى وعشرات الجرحى، وتم تحميل مسؤوليته لوحدات حماية الشعب الكردي، وأيضاً لأن ثمة رهاناً على نجاح التوغل في ضرب عدة عصافير بحجر واحد. أولاً، توفير ما يشبه المنطقة الآمنة للضغط على اللاجئين السوريين وحضّهم على العودة، خاصة إن تمكنت القوات التركية من السيطرة على مناطق مهمة، كمنبج وتل رفعت وعين العرب «كوباني»، ثانياً، ضمان مزيد من النفوذ وحصة وازنة في المشروعات المحتملة لتقرير المستقبل السوري، ثالثاً، ضبط الوجود العسكري لفصائل المعارضة السورية التي بدأت تتنازع على الهيمنة، رابعاً، تمرير استمرار تهربها من التزامها بوضع حد لدور «جبهة تحرير الشام» المسيطرة على منطقة إدلب، خامساً، توخي تعديل الرصيد الشعبي المتراجع لحزب العدالة والتنمية الحاكم قبل الانتخابات العتيدة في يونيو (حزيران) المقبل.

صحيح أن الظرف الدولي والإقليمي يبدو ملائماً أمام حكومة أنقرة للقيام بتلك العملية العسكرية من دون توقع ردود أفعال حادة من الأطراف التي تتشارك تقرير المصير السوري، والتي تبدو منشغلة، إما بالحرب في أوكرانيا كحالتي روسيا وأميركا، وإما بأوضاع داخلية محتدمة كحالة إيران، وصحيح أن تركيا أعلنت رفضها لطلب واشنطن إلغاء التوغل العسكري، وتدرك مدى ارتفاع أسهمها والحاجة إلى موقعها في منظومة الأمن الغربي لمواجهة تداعيات الحرب الأوكرانية، لكن الصحيح أيضاً، ولنقل المرجح، أن تتريث أنقرة وتتحسب من دفع موقفها إلى الأمام وإعلان بدء التدخل العسكري من دون ضوء أخضر دولي، بداية من واشنطن، الموجودة بقواتها في المنطقة التي يشملها التوغل الجديد، ولا تزال تبدي اهتماماً بألا تضعف حليفتها «قوات سوريا الديمقراطية – قسد» أو تكسر شوكتها، فهي التي دعمتها لسنوات ومدّتها بالأسلحة لمواجهة «تنظيم داعش»، كما تعتبرها رأس حربة في ممارسة الضغوط على نظام دمشق والنفوذين الإيراني والروسي، بدليل أنها قدّمت عرضاً لأنقرة، لقاء إلغاء الخيار العسكري، يقوم على سحب قوات «قسد» إلى العمق السوري بعيداً عن الحدود التركية لمسافة 30 كيلومتراً.

وطبعاً لا يغير هذه الحقيقة تغاضي واشنطن عن الغارات الجوية المكثفة التي تقوم بها تركيا ضد مواقع الأكراد، ما دامت تأتي رداً على عمل إرهابي ضد المدنيين طالما أدانته، وما دامت تستطيع الإفادة منها في تحجيم تيار سياسي يتنامى ضمن «قسد» يدعو لتوسيع التفاهمات مع روسيا والنظام السوري، بما يتجاوز أولوية التنسيق معها، كما لا يغير الحقيقة الاتهامات التي تتصاعد عن خيانة واشنطن للأكراد، وما أشيع عن تفهم أميركي لعملية عسكرية تركية محدودة لا تحدث فارقاً كبيراً في المعادلات والتوازنات القائمة حالياً، ولا تؤدي لخلق حالة من عدم الاستقرار تستدعي تغييراً في الجهود والتكتيكات العسكرية الأميركية.

لا يختلف موقف روسيا من حيث الجوهر عن الموقف الأميركي في رفضه لتوغل أنقرة عسكرياً، وقد كثفت موسكو اتصالاتها مع الجانب التركي لإقناعه بالتخلي عن هذا الخيار، فهي المنشغلة بشدة بالحرب على أوكرانيا بعد الخسائر التي منيت بها قواتها هناك، وتحكمها خشية من أن يخلط التوغل التركي الجديد الأوراق، فيؤثر على وزنها ودورها في تقرير المصير السوري، بدليل مسارعتها لإعادة التموضع وتعزيز نقاطها العسكرية في شمال وشرق البلاد، واللافت أن موقفها لم يقم اعتباراً لكون العملية التركية تأتي في مواجهة نفوذ خصمها الأميركي، وربما تُكرهه على توجيه جزء من جهوده نحو سوريا على حساب ما يوظفه في الحرب الأوكرانية، أو حين تدرج في مواجهة إيران صاحبة الباع الطويل في سوريا، التي أعلنت غير مرة عدم موافقتها على توجه أنقرة نحو الحسم العسكري، وإن كانت إلى الآن لا تزال صامتة أو متفهمة للقصف والغارات، فربما لن تقف على الحياد عندما يعرّض التوغل التركي قوات «الحرس الثوري» والميليشيات الموالية لها الموجودة هناك لأي أضرار.

ونسأل من لا يزال يعتقد أن حكومة أنقرة سوف تتمسك هذه المرة بتصميمها وعزمها على تنفيذ توغلها العسكري في سوريا من دون توفير تفاهمات دولية وإقليمية؟ ألن يؤثر ذلك على فرص نجاحها وإمكانية تحقيق الأهداف المتوخاة؟ وماذا عن الخسائر المحتملة وحسابات التكلفة والثمن حين تلجأ الأطراف الدولية إلى سلاح العقوبات أو تغض النظر عن مقاومة كردية قادرة على إدارة حرب عصابات منظمة؟ ثم هل من ضامن ألا يغدو توغلها سبباً إضافياً لزيادة أعداد اللاجئين السوريين، وليس لإقامة منطقة آمنة وتخفيف ضغطهم على مجتمعها؟

وأخيراً، ألا يحتمل أن تزيد تلك النتائج من تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وتشجع الأتراك المترددين على حسم خيارهم ضد الحزب الحاكم في الانتخابات المرتقبة؟

والحال، من دون رضا دولي وإقليمي يطمئنها، من المرجح أن تتمسك حكومة أنقرة بلغة التهديد والوعيد، وبالقصف والغارات، لكن، من دون توغل عسكري لضم مزيد من الأراضي والمناطق، ولنتذكر جميعاً سيناريو الصيف المنصرم وتراجع تركيا عن تنفيذ توغلها، حين بدا ظاهرياً، قاب قوسين أو أدنى، ما يعني فتح الباب من جديد على مساومات تحاول من خلالها أنقرة كسب النقاط من دون تحريك القوات لتحسين نفوذها السياسي والأمني في سوريا، وربما توسيع المساومات لتشمل الانفتاح على النظام السوري والرهان على دوره لمواجهة قوات «قسد» وتحجيمها، حتى لو تم ذلك على حساب جماعات المعارضة السورية، خاصة تلك التي وضعت كل بيضها في السلة التركية.

الشرق الأوسط

——————————

هل ينقذ أردوغان الأسد؟/ عمر قدور

على وقع التهديدات التركية بشنّ عملية برية ضد قسد، رغم تراجع التصعيد في الأيام الأخيرة، وصل أول أمس الخميس سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي إلى اسطنبول. وكان قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو قد عاد قبل أسبوع لزيارة القامشلي، والتقى قائد قسد مظلوم عبدي، من أن دون أن يسفر اللقاء عن نتائج بحسب الأخير الذي يرفض إبعاد قواته كما تطالب أنقرة، لأنه ينكر أصلاً وجود قواته على الحدود مع تركيا.

بخلاف المعلَن حتى الآن، يشجّع استمرار الاتصالات على الاعتقاد بوجود صفقة هي محور المشاورات، وأن المحادثات تتقدم في اتجاه تسجيل تفاهم روسي-تركي، تكون واشنطن طرفاً خفيّاً فيه. الصفقة قد تعطي أنقرة منطقة نفوذ إضافية صغيرة، ربما في “تل رفعت” التي تملك موسكو القدرة على التصرف بها، بينما تمنح الأسد مناطق نفوذ على حساب قسد، خاصة لجهة إمساكه بالمنافذ الحدودية. الأهم أنه يريد، بدعم روسي، حصة معتبرة من النفط الذي تتحكم بآباره الإدارة الذاتية الكردية، وهذا أصبح بمثابة مطلب تركي أيضاً مع تكرار اتهامات أنقرة لتلك الإدارة بـ”سرقة النفط السوري لتمويل نشاطاتها الإرهابية”.

الاعتقاد السائد حتى الآن أنّ أردوغان يضغط لانتزاع نصر، مستفيداً من انشغال روسيا بورطتها الأوكرانية، ومن حاجة واشنطن إلى موافقته على طلبي انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو. لكن يتضح من الممانعة الأمريكية المعلنة أن السبيل غير ممهد لعملية برية واسعة، وما دون تلك العملية لن يكون التفاهم عليه سهلاً أيضاً، والعقدة ليست في خلاف أمريكي-روسي، هي فيما تراه واشنطن لمستقبل قسد، ولأثر عقوباتها على الأسد.

لم يعد مستغرباً أن نقول أن الصفقة مع أردوغان متاحة بقدر ما يراد له المساهمة في إنقاذ الأسد، وهو قول لا يندرج في الحديث عن مؤامرة مزعومة تُحاك في الخفاء. نحن بهذا فقط نستأنف سياقاً معروفاً وعلنياً، توالى فيه على إنقاذه العديد من القوى بموافقة أمريكية، لا تغيب عن خلفيتها الموافقة الإسرائيلية.

لإنقاذه عسكرياً، شهدنا أولاً دخول مقاتلي حزب الله وطلائع الحرس الثوري الإيراني، ثم بعد فشل هذه القوات دخل الحرس الثوري بثقله مع أكثر من ثلاثين ميليشيا شيعية، منها ما هو عراقي ومنها ما هو أفغاني. معلوم أيضاً أن إسرائيل لم تستهدف تلك الميليشيات وهي تؤدي مهمتها الإنقاذية، فالمواقع الإيرانية في سوريا أصبحت في دائرة الاستهداف بعد التدخل العسكري الروسي، أي عندما تولت موسكو مهمة الإنقاذ، ولم يعد الدور الإيراني لازماً، بل صار تحجيمه مطلوباً إسرائيلياً.

كان ذلك الإنقاذ بمراحله الثلاث منسجماً مع إعلان واشنطن “المبدئي الراسخ” عن أن الحل في سوريا لن يكون عسكرياً، والرضا الأمريكي نراه في عدم معارضة التفاهمات الروسية-التركية حول مناطق “خفض التصعيد”، ثم سيطرة الأسد عليها جميعاً باستثناء إدلب. في أقصى الحالات، أرادت واشنطن منسوباً من الضغط على الأسد يدفعه إلى التفاوض، أو يدفع حلفاؤه إلى ذلك، وبشرط مضمر هو ألا يكون الضغط تهديداً حقيقياً بإسقاطه.

دعماً لموقف واشنطن، استُخدم في العديد من المناسبات والتصريحات التخويفُ من سيناريو الفوضى التي ستعقب إسقاط الأسد أو انهياره، وتم استحضار السيناريوهات العراقية والليبية واليمنية كأدوات للترهيب. الغاية من العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية هي ممارسة ذلك المنسوب المحسوب من الضغط، وبما لا يؤدي أيضاً إلى انهيار سلطة الأسد لأسباب اقتصادية، حيث لا يمكن التكهن بما ينجم عن حالة التردي الشامل.

وفق المتوقع، كان لبنان مرشَّحاً ليلعب الدور الأبرز في تخفيف أثر العقوبات، لولا المفاجأة التي حدثت بالانهيار المالي وانفجار مرفأ بيروت. لقد قضى الانهيار أيضاً على طموحات شركاء محتملين في لبنان، كانوا متحفزين للمساعدة على التهرب من العقوبات، أو للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار في حال أُقرّت التسوية في سوريا. مع انسداد النافذة اللبنانية، قفزت إلى الصدارة تجارة المخدرات لتلعب دوراً مزدوجاً، فهي من جهة تموِّل سلطة الأسد، ومن جهة أخرى يبتز بها دولاً مستهلِكة في الإقليم وفي الغرب لتبحث له عن حلول بديلة.

لندع جانباً ما أشيع عن رفض بشار الأسد لقاء أردوغان، فالأهم أن قسماً من إعلامه ومواليه راح يحمّل قسد مسؤولية أزمة المحروقات غير المسبوقة، في تجاهل لارتباط الأزمة بشحّ التوريدات الإيرانية جراء انشغال الحليف الإيراني بمواجهة الثائرين عليه. هذا التصويب أتى بالتزامن مع التهديدات التركية، ليرسم جانباً من جوانب الصفقة كما يريدها الأسد وأنقرة معاً.

بينما تروج آراء عن حاجة أردوغان للتقارب مع الأسد، لإقناعه بعودة اللاجئين، يتجاهل أصحابها حاجة  الأسد لمن ينقذ اقتصاده المنهار، خاصة مع أزمة حكم الملالي وورطة بوتين في أوكرانيا، ما يجعل الحليفين عاجزين عن إسعافه. بهذا المعنى، إن كان هناك حقاً من خدمة انتخابية يقدّمها بشار لأردوغان فالثمن هو إنقاذ اقتصاد الأول بتمكينه من الحصول على النفط، وبتمكينه من السيطرة على المنافذ الحدودية مع تركيا ليتهرب عبرها من ضغط العقوبات، فضلاً عن فتح المعابر الداخلية بينه وبين الفصائل المدعومة تركياً.

إلى جوار كل ما يُحكى عن استغلال أردوغان الظروف، ليقتنص في سوريا مكسباً يدعمه انتخابياً، قد يصحّ بالدرجة ذاتها أو أكثر أن الظرف مواتٍ لجهة الحاجة إلى إنقاذ الأسد من انهيار اقتصاده. مطالب أنقرة، للعدول عن تنفيذ عملية عسكرية برية، تلحظ ذلك بوضوح مقدِّمة له طوق نجاة كأنها لحظة أردوغان ليفعل ما فعله من قبل شريكاه في مسار أستانة. بهذا لا يكون فحسب في موقع مَن يستغل حاجة واشنطن وموسكو له ضمن صراعهما الأوكراني، فهو يستغل أيضاً حاجتهما إلى مَن يساعد في وقف انهيار اقتصاد الأسد. لواشنطن تجارب ودية سابقة تجاه النافذة التركية لتخفيف أثر عقوباتها، منها العقوبات على إيران، وآخرها العقوبات على روسيا، يُضاف في سوريا أن معظم المطالب التركية قد تلاقي رغبة أمريكية في التخلص من عبء قسد، لأن ذهابها إلى حضن الأسد يعفي واشنطن من أي التزام أدبي إزاء أكراد سوريا، ويخلي لاحقاً انسحابَ قواتها من أية مسؤولية أخلاقية تجاههم.

المدن

———————————-

سوريا-تركيا..بين مشروعي روسيا وأميركا/ العقيد عبد الجبار العكيدي

تحولت العاصمة التركية أنقرة إلى قبلة للمبعوثين الروس والأميركيين خلال الايام الأخيرة، حيث يحاول كل طرف إقناع الأتراك بما لديه من عروض ليس فقط من أجل الاستغناء عن العملية العسكرية البرية التي يهددون بشنها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بل وربما أبعد كما تشي بذلك التطورات في الملف السوري.

التصريحات التركية الأخيرة التي أدلى بها مصدر رسمي لقناة الجزيرة، والتي تحدثت عن مبادرات من واشنطن وموسكو لثني تركيا عن تهديداتها، كشفت عن ارتفاع حماوة البازار السياسي بين جميع الأطراف الفاعلة في الملف السوري الذي يشهد منذ فترة ليست بالقليلة عروض مكثفة بين تلك الدول، ربما تعود بداياته الى قمة طهران بين قادة مسار أستانة في 19 تموز/يوليو، والتي انتهت برفض العملية العسكرية البرية التي كانت تركيا تلوح بها آنذاك واقتراح خيارات أخرى على مقاس مصالح روسيا وإيران.

ولئن كان صانع القرار التركي يسعى من خلال تنفيذ العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية لإقامة حزام أمني من الغرب الى الشرق على طول الحدود، وهذا مطلب متكرر دوماً على لسان الرئيس التركي والكثير من المسؤولين في حكومته، ولئن كان هذا المطلب هو الأهم لأنقرة على أبواب الاستحقاق الانتخابي في حزيران/يونيو 2023، إلا أنه غير مقبول تمريره بالنسبة لأطراف الصراع الأخرى، دون تحصيل مكاسب من الجانب التركي وتحقيق أهدافها التي تحتاج مساعدة أنقرة، سواء في الملف السوري أو في ملفات أخرى متداخلة، مستغلة الحاجة الملحة للقيادة التركية لتوجيه ضربة موجعة لعدوها اللدود حزب العمال الكردستاني وأذرعه، بعد التفجير الإرهابي الذي نفذه التنظيم في إسطنبول منتصف تشرين الثاني/نوفمبر.

التصريحات التركية الأخيرة اعطت مؤشر واضحاً على أن الملف السوري ليس مهملاً في أدراج الدول، ولا ملفاً خاملاً بالنسبة لها، بل قضية نشطة وورقة رابحة يحاول كل طرف مساومة الأطراف الأخرى عليها.

التنافس على كسب “التركي” بين الولايات المتحدة وروسيا لم يبدأ حديثاً كما هو معلوم، بل انطلق على الأقل مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما ظلت أنقرة تراوغ بين الغرب والشرق وإن أظهرت باستمرار أنها إلى الشرق أميل وأقرب.

ولعل أبرز مظاهر هذا الميل هو تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضرورة انسحاب القوات الأميركية من سوريا، عقب قمة أستانة في تموز، في موقف يتبنى الطرح الروسي-الإيراني على الجانب التركي بالتعاون للتضييق على الولايات المتحدة في سوريا، مقابل مساعدة أنقرة في القضاء على قسد، والتي باستقوائها بالتحالف الدولي باتت، في الوقت نفسه، مصدر إزعاج وتهديد لقوات النظام ومراكزه الأمنية في مربعاته المحاصرة في القامشلي والحسكة.

كانت تركيا في تلك اللحظة تعلن أنها تنحاز للمشروع الروسي في سوريا، وعملياً بدأت تنفذ خطوات تترجم بها موقفها هذا من خلال التوجه للتطبيع مع نظام الأسد، ومطالبة المعارضة المتحالفة معها بالتفاوض مع النظام من أجل الاتفاق على حل يفضي إلى حكومة وحدة وطنية، أي تماماً كما تريد موسكو وطهران اللتان منحتا أنقرة الحق في توسيع وتكثيف هجماتها الجوية ضد حزب العمال في مناطق نفوذهما غرب الفرات وشرقه.

لكن تفجير إسطنبول الأخير، والمطالبة بتنفيذ العملية العسكرية بسبب عدم تنفيذ اتفاق سوتشي 2019، أوضح أن لدى أنقرة خيارات أخرى يقدمها لها الطرف الأخر، وظهرت بشكل واضح من خلال توغل الطيران التركي في المجال الجوي الأميركي في ريف دير الزور حتى عمق 70 كيلومتراً لاستهداف قسد.

الجانب الروسي الحريص أكثر من أي وقت مضى على علاقته مع الجانب التركي حاول امتصاص الغضب التركي واقناعه بالاستمرار معه، طرح حلول بديلة عن العملية البرية، بينها مبادرة تنص على انتشار قوات النظام مكان قسد في تل رفعت ومحيط منبج تحديداً، أو على الأقل نشر مقاتلين من الفيلق الخامس التابع لروسيا.

الجانب الأميركي أخرج ما في جعبته أيضاً، وكان لديه مبادرات هو الآخر بالتزامن مع تصريحاته الرافضة للعملية البرية. ولذلك أوفد جيمس جيفري، الممثل السابق للرئيس الأمريكي بشأن سوريا، والذي يعتبر الشخصية الأكثر قبولاً لدى أنقرة، ليلتقي بوزير الدفاع التركي خلوصي أكار في محاولة ربما لإحياء خارطة الطريق التي رسم معالمها هو نفسه عام 2018 بخصوص مدينة منبج.

هذا أمر لا يمكن تجاهله عند محاولتنا توقع ما يمكن أن يحمله جيمس جيفري في هذه الزيارة، إلى جانب ما تم تداوله عن مقترح مقابل للمقترح الروسي بخصوص نشر قوات الفيلق الخامس في المناطق التي تريد تركيا من قسد مغادرتها، حيث توقع البعض أن يعرض المبعوث الأميركي نشر مقاتلين من قوات جيش سوريا الحر المتواجد في منطقة التنف والمدعوم أميركياً (جيش مغاوير الثورة) محل قوات قسد على الحدود.

وبينما نستطيع بأريحية توقع أن يكون جيفري يربد إحياء اتفاق منبج، فإن الحديث عن نشر قوات جيش سوريا الحر، أو ما يطرحه الروسي بخصوص مقاتلي الفيلق الخامس، تبدو فكرة غير منطقية ولا يمكن تطبيقها لعدة أسباب أهمها:

أولاً: لا مقاتلي الفيلق الخامس، ولا مقاتلي جيش سوريا الحر قادرون عسكرياً على تغطية جبهات تمتد على مساحة ما يقارب 400 كيلومتراً، بين مدينة منبج باتجاه المالكية، وليس لديهم الكوادر البشرية لتغطية هذه المنطقة التي تحتاج الى 6 فرق عسكرية بكامل قوامها وجاهزيتها لتغطيتها. وهنا لابد من التوضيح أن هذه المناطق كانت محكومة أمنياً عندما كانت تحت سيطرة النظام، وكان الاتفاق التركي السوري بأن يكون تأمين حماية الشريط الحدودي أمنياً وعسكرياً على عاتق الجانب التركي، فيما يقع على الجانب السوري فقط إمداد الشريط الحدودي بالكهرباء وانارته دون أي تواجد لجيش للنظام أو حتى عناصر الهجانة.

ثانياً: إن عناصر الفصيلين المطروحين كبديل عن قسد لا يملكون الخبرة الكافية ولا الإمكانيات التي تخولهم القيام بهذه المهمة، وليسوا من أبناء هذه المناطق ويجهلون طبيعتها الجغرافية والاجتماعية.

ثالثاً: إذا اعتبرنا أن تركيا يمكنها الوثوق بالفيلق الخامس التابع لروسيا، إلا أن قسد من غير المتوقع أن تثق به وهي تعلم أن الكثير من عناصره تتبع للفرقة الرابعة والأمن العسكري، وإذا افترضنا أن فصيل جيش سوريا الحر موثوق بالنسبة لقسد، على اعتبارهم يعملون تحت قيادة التحالف الدولي، فإنه من المؤكد عدم موثوقيته بالنسبة للجانب التركي، وهذا ما يجعل تنفيذ تلك المقترحات شبه مستحيل.

من المؤكد أن تركيا على دراية كافية بمراوغة وخداع الطرفين الروسي والأيميركي وعدم إيفائهم بتعهداتهم السابقة، سواء أكانت اتفاقية سوتشي 2019 أو التفاهمات الميدانية بين أنقرة وواشنطن التي هندسها الضيف الأميركي الذي اعتادت واشنطن على ارساله حين تتأزم العلاقة بين الدولتين لاحتواء الموقف، ولذلك فهي تريد إفهام الطرفين أنها ترغب أولاً وقبل كل شيء بتحقيق مصالحها وحفظ أمنها القومي إبعاد التنظيمات التي تعتبرها إرهابية عن حدودها، سواء عبر عملية عسكرية او اتفاق مع أميركا وروسيا يحقق لها ذلك، ومهما كان مشروع الدولتين المتنافستين في سوريا أو خارجها.

لا يمكن توقع أي مشروع ستتبنى تركيا في النهاية، وإن كانت أقرب للروسي منه إلى الأميركي بسبب دعم الولايات المتحدة لعدوها التاريخي التنظيمات الكردية الراديكالية، فإن يقينها أن الحلول النهائية تبقى بيد واشنطن سيكبح من جماح اندفاعها باتجاه موسكو ومشروعها في سوريا، لكن يبقى كل شيء معلقاً بانتظار ما سيتكشف من زيارة جيمس جيفري والوفد الروسي إلى أنقرة.

المدن

——————————–

شروط إردوغان وتمنّع الأسد/ عمر كوش

 باتت العبارة التي قالها ذات يوم السياسي البريطاني، ونستون تشرشل، “لا صداقات دائمة ولا عدوات دائمة في السياسة، بل مصالح دائمة”، تشكل المبدأ الأساس الذي درج عليه الساسة في عالمنا الراهن في علاقاتهم وسلوكياتهم، وراحوا يوجهون علاقات الدول التي يحكمونها وفق توظيفاته، ويتذرعون به من أجل تغيير مواقفهم، وتبرير ما يقومون به من أفعال، وسوى ذلك كثير.

وتدخل في هذا السياق مقولة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان: “لا خلافات أبدية في السياسة”، التي قالها في معرض إجابته على سؤال حول إمكانية لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، ورجح أن يتم اللقاء في الوقت المناسب، وأنه سيعيد النظر في العلاقات معه بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المزمع إجراؤها في حزيران/ يوينو من العام المقبل.

غير أن الجانب الروسي، الدافع باتجاه اتخاذ المزيد من خطوات التطبيع والمصالحة بين تركيا ونظام الأسد، يريد أن يلتقي أردوغان والأسد في أسرع وقت ممكن لاعتبارات عديدة، لذلك لم يتأخر في التوسط لإجراء ترتيبات اللقاء، لكن يبدو أن النظام أراد نشر ادعاءات عن رفضه وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد اللقاء، وإظهار تمنّع الأسد حياله، والزعم بأن عدم رغبته مردها رفضه تقديمه خدمة لأردوغان، يمكنه توظيفها في حملته الانتخابية، باعتبار أنه ما يزال ينظر إليه بوصفه عدواً، ولا يجب أن يقدم له أي خدمة مقابل مساعيه ورغبته في التطبيع والمصالحة، الأمر الذي دفع الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، إلى القول بأن أنقرة لا تخطّط للقاء قريب بين أردوغان والأسد، وإلى توجيه رسالة مفادها أن الأسد “إذا تصرّف بمسؤولية، وبدّد مخاوف تركيا الأمنية، وسمح للمسار السياسي السوري بالتقدم، وضمن أمن وحماية الحدود التركية السورية، فإن أردوغان مستعد للقائه”.

ويبدو أن كالن تحدث عما يمكن تسميته شروطاً تركية يجب على الأسد تلبيتها كي يتم اللقاء، وتجري المصافحة، بوصفها تتويجاً للمصالحة، على غرار تلك المصافحة التي جرت في الدوحة، بين أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، برعاية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ويتحدث المسؤولون الأتراك عن شروط للقاء أردوغان مع الأسد، في وقت يهددون فيه بشن عملية عسكرية برية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي، وذراعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، ومخرجاته العسكرية والمدنية، المتصلة بوحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية وسواها، ويتمحور هدفها ليس فقط في الرد على التفجير الإرهابي الذي وقع في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 في شارع الاستقلال في إسطنبول، بل إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، المكون الرئيسي لقسد، عن الحدود السورية التركية مسافة 30 كيلومتراً، حسبما نصت عليه التفاهمات التركية الأميركية عام 2019، التي أفضت إلى إيقاف عملية “نبع السلام”، وترفض الوحدات الكردية تنفيذها.

وفي وقت تهدد فيه تركيا بأن عمليتها العسكرية قد تبدأ في أي وقت، وأن القرار سيُتخذ بعد إجراء التقييمات من المراجع المعنية في تركيا، فإنها، بالمقابل، لم تغلق الباب أمام الدبلوماسية من أجل تحقيق أهداف عمليتها العسكرية، سواء عبر التواصل مع الروس والأميركيين أم عبر طرق باب نظام الأسد، حيث يعتقد ساستها أن التطبيع والمصالحة معه قد يحقق أهدافهم في ضرب الكيان الكردي في الشمال السوري، ويساعدهم في مسألة إعادة اللاجئين إلى سوريا، التي باتت قضية داخلية ضاغطة، وورقة مطروحة بقوة في البازار الانتخابي التركي.

غير أن نظام الأسد يريد استثمار جنوح تركيا نحو التصالح معه على مختلف المستويات، السياسية والميدانية، عبر إظهار تمنّع يبتغي منه تحقيق مكاسب أكثر. وهو أمر يصب في سياق الأنباء المتكررة عن عدم انفتاح نظام الأسد على تطبيع علاقاته مع تركيا، وذلك في محاولة لإعطاء الانطباع بأن الأسد هو من يمتلك قراره، وليست روسيا أو إيران، لكن المرجح هو أن جهات حليفة للنظام هي من تقف وراء التسريبات حول تمنّع الأسد، وذلك في إطار البروباغاندا الإعلامية الرامية إلى تلميع وتحسين صورته، والزعم بأنه ما يزال صاحب قرار.

ويبدو أن موضوع اللقاء بين أردوغان والأسد بات محسوماً، بالنظر إلى مسار تغير الموقف التركي من القضية السورية منذ نهاية عام 2016، والتفاهمات والصفقات التي أبرمتها تركيا مع الروس والإيرانيين حول الأوضاع في سوريا. ويأتي في وقت تهدد فيه تركيا بشن عملية عسكرية برية على مناطق منبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني)، في ظل ممانعة الطرفين الأميركي والروسي لأي تغيير في موازيين القوى وخرائط  السيطرة السائدة، الأمر الذي يفتح باب التجاذب بين الدول المتدخلة في الشأن السوري، لبناء تفاهمات جديدة، وتقديم تنازلات سياسية وميدانية، حيث تريد روسيا من تركيا تقديم تنازلات تتعلق بالموقف بالملف الأوكراني مقابل تقديمها تنازلات في الشمال السوري، بالتزامن مع المفاوضات التي يجريها مفاوضون روس مع قوات سوريا الديمقراطية، ويعرضون خلالها شروط تركيا مقابل عدم شنها عملية عسكرية، فيما تجري الإدارة الأميركية مفاوضات مع الطرف التركي، وتتحدث عن شروط تتعلق بتعاونه في مسألة تقليص نفوذ الميليشيات الإيرانية في شمالي سوريا، مقابل إعادة هيكلة قسد، وإبعاد أعضاء من حزب العمال الكردستاني، مقابل التراجع عن العملية البرية، وهو أمر كشف عنه أحد المسؤولين الأتراك، وأوضح أن بلاده أعطت مهلة لكل من الولايات المتحدة وروسيا لإخراج قسد من المناطق التي تسيطر عليها في منبج وتل رفعت وعين العرب، وأن العملية العسكرية البرية ستكون البديل في حال عدم الاستجابة والانسحاب.

ولا شك في أن نظام الأسد ينتظر نتائج الانتخابات العامة التركية المقبلة، معوّلاً على فوز المعارضة وخسارة حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، لذلك يحاول إظهار تمنّعه حيال التقارب التركي معه، فيما يريد أردوغان إشراك النظام في مسألة محاربة الكيان الكردي في الشمال السوري، والإسهام في إعادة ملايين السوريين، وهذان الأمران لا يمكن التعويل على نظام الأسد في إنجاز أي منهما، فضلاً عنه أنه لا يملك من أمره شيئاً، وبات مجرد نظام تابع وفاشل بكل المعايير.

تلفزيون سوريا

————————-

بعد تصريحات لافروف.. هل حقا هناك اتفاقية روسية تركية جديدة حول سوريا؟/ محمود الحمزة

تطرق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مداخلة طويلة ألقاها يوم 12/2022/ 7 في منتدى “قراءات بريماكوف” الفكرية السياسية السنوية إلى العلاقة بين تركيا وروسيا وتعاونهما مع المعارضة المعتدلة التي تقبل الحوار مع النظام الأسدي، وفهمها البعض على أنها اتفاق جديد حول سوريا. لكن الحقيقة غير ذلك.

جاءت كلمة لافروف في المنتدى السياسي الفكري الذي يحمل اسم الشخصية الحكومية البارزة ووزير الخارجية الروسي الأسبق يفغيني بريماكوف. وعادة يلقي الرئيس بوتين وكبار قادة البلاد كلمات في المنتدى ليؤكدوا على أهمية المنتدى وعلى الأفكار الاستراتيجية الصائبة -من وجهة نظرهم، للسيد بريماكوف وخاصة في الظروف الصعبة التي مرت فيها روسيا في نهاية التسعينيات عندما كان وزيرا للخارجية الروسية في عهد الرئيس بوريس يلتسين- المنبطح كليا أمام الغرب، حيث دعا بريماكوف حينها من أجل تعددية القطبية وعدم الانصياع للإرادة الأميركية والأطلسية التي تعاملت مع روسيا كدولة ضعيفة وفاشلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

ولن نتوقف عند كلمة لافروف المطولة والتي شن فيها هجوما قويا على الغرب والناتو والسياسة الأميركية وقال إنهم خدعوا روسيا وتوسعوا شرقا الى الحدود الروسية في أوكرانيا، وكذلك محاولات الأميركان والغرب عموما فرض سياستهم وقيمهم على الدول الأخرى ومنها روسيا، وأكد لافروف أن كل ما يجري من قبل الغرب ضد روسيا هو تطبيق لسياسة بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس كارتر (1977-1981) الذي قال “روسيا مع أوكرانيا- إمبراطورية، ولكن روسيا بدون أوكرانيا ليست دولة عظمى”. ويشير لافروف إلى أن الصراع بين روسيا والغرب في مجال الطاقة بدأ ليس بعد أحداث أوكرانيا 2014، بل في عام 2009 عندما اتخذت الدول الغربية حزمة الطاقة الثالثة والتي تقيد النشاط الروسي في بيع الطاقة للدول الأوروبية.

ويتحدث لافروف بصراحة عن تغير في توجهات السياسة الخارجية للدولة الروسية من الغرب الأوروبي إلى الشرق الآسيوي وذلك لأن الغرب- كما يقول لافروف- نفسه لا يريد التعاون مع روسيا. ولذلك لم يكن مصادفة أن يقول لافروف بأن روسيا تدعم انضمام البرازيل والهند لمجلس الأمن الدولي (وهما من منظمة بريكس) لكنها لا تدعم انضمام ألمانيا واليابان لسياساتهما التابعة للولايات المتحدة والمنحازة ضد روسيا. ويذكّر لافروف بكلمات أول أمين عام لحلف الناتو اللورد هاستينغز إسماي

وهو جنرال شارك في الحرب العالمية الثانية، عندما قال بأنه “يجب إبعاد الروس عن أوروبا، وإبقاء الأميركان في أوروبا، ووضع الألمان تحت الرقابة لكي لا يتسلحوا”.

وفي هذا الإطار جاء تصريح رئيس المنتدى ومدير معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية الأكاديمي ألكسندر دينكين بأن مقولة التعاون بين الشرق والغرب تتغير لتصبح التعاون بين الشمال والجنوب. وأضاف دينكين بأن تركيا تلعب دورا محوريا مستقلا في فرض نظام عالمي متعدد الاقطاب وهي دولة غربية وجزء من الناتو، وفي حال لم ينتصر الرئيس التركي أردوغان في انتخابات عام 2023، فإن تركيا ستصبح تابعة كلياً للغرب وسيتأثر النظام العالمي برمته بهذا الأمر. أي سينعكس الأمر سلبا على روسيا.

تصريحات لافروف حول سوريا:

بدأ الحديث عن مستقبل الوضع في سوريا بالقول هذا ليس سؤالا يطرح وإنما أمنية، واعترف لافروف بأن سوريا تحولت إلى ضحية للصراعات الجيوسياسية. وشن هجوما على الربيع العربي المدعوم من الغرب برأيه.

وقال إن في سوريا قوات مسلحة لدول أخرى منها من دعته حكومة الأسد ومنها ما هو موجود بشكل غير شرعي.

وأشار إلى أنه انطلاقا من تاريخ العلاقات بين تركيا وسوريا (النظام السوري) والتأثير الإيراني في سوريا وقرار الجامعة العربية بطرد النظام منها عام 2011، فإننا على قناعة بأن القوى المؤثرة على الأرض يجب أن تتحد وتتحدث مع “الرئيس بشار الأسد” وحكومته. وهكذا نشأت ثلاثية أستانا (روسيا – تركيا – إيران). وبالرغم من علاقة النظام السوري بالوجود التركي في شمالي سوريا فإن هناك ضرورة للحوار. وقد حققت – برأي لافروف – منصة أستانا والاتفاقيات الروسية التركية بموافقة النظام السوري تقدما ملحوظا في الساحة السورية (ويقصد على ما يبدو قبل كل شيء اتفاقيات خفض التصعيد التي نفذت بسرعة وخدمت نظام الأسد وكذلك وقف إطلاق النار).

وتابع لافروف بأنه: لدينا مع تركيا اتفاقيات ملموسة حول خفض التصعيد في منطقة إدلب، بين الرئيسين بوتين وأردوغان (2019)، والتي اقتضت الفصل بين المعارضة المعتدلة التي تقبل الحوار مع حكومة الأسد وبين هيئة تحرير الشام الإرهابية وأتباعها. ومن المعروف أن موسكو نجحت بمساعدة أنقرة في إقناع ممثلين عن الفصائل المسلحة للمشاركة في منصة أستانا للحوار مع ممثلي النظام السوري في نهاية 2016 مع سقوط حلب، وفي بداية عام 2017 مع انطلاق مفاوضات أستانا.

ومر لافروف على تفاصيل تتعلق بالخط الدولي M-4 وبالدوريات المشتركة، ولكن لم تنفذ كل هذه الاتفاقيات. ويقول إن شركاء روسيا الأتراك يعترفون بذلك. وقال لافروف إن الأتراك يتذكرون من الاتفاقيات أكثر شيء النقاط المتعلقة بوجود ونشاط قوات قسد الكردية في شمالي وشمال شرقي سوريا، والتي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية. وهذه القوات تحظى برعاية أميركية موجودة بشكل غير شرعي في شرقي الفرات. واعتبر لافروف أن القوى الإرهابية تعمل بكل أريحية في مناطق سيطرة القوات الأميركية.

وتحدث لافروف عن ضرورة الحوار بين النظام السوري وقوات قسد التي عليها الابتعاد عن أي تصريحات انفصالية وأن يعيشوا في دولة واحدة كما عاشوا سابقا عربا وكردا وغيرهم. ونبه القوات الكردية من أن الأميركان ليسوا شركاء موثوقين وسيخدعونهم كما تخلوا عن الرئيس حسني مبارك والحكومة الأفغانية.

وأكد لافروف بأن روسيا ستعمل بكل قوة لعدم المساس بوحدة الأراضي السورية، وأن هذا الموقف هو موقف منصة أستانا. وقال إننا نؤيد اتفاقية أضنة بين دمشق وأنقرة (الموقعة عام 1998) والتي تشكل أساسا للحوار بين البلدين مراعاة للمخاوف الأمنية التركية التي اعترفت بها القيادة السورية من أيام حافظ الأسد.

وحول اللجنة الدستورية اعتبر لافروف أن نظام الأسد اتخذ مرسوما بالعفو عن معتقلين (واعتبر لافروف ذلك خطوة إيجابية من النظام علما أن الجميع يعرفون بما فيها روسيا بأن النظام لديه مئات الآلاف من المعتقلين ويطلق سراح العشرات وأغلبهم من مرتكبي الجرائم وليس من المعارضين السياسيين أو الناشطين المدنيين) ويقول لافروف لماذا لا تتخذ المعارضة خطوة مقابل خطوة النظام تطبيقا لمبدأ بيدرسن القاضي بـ”الحل خطوة بخطوة”.

وحول توتر العلاقات بين روسيا والغرب في الشرق الأوسط قال لافروف: الغيوم دائما تغطي سماء العلاقات بين روسيا والغرب في منطقة الشرق الأوسط. واعتبر أن الربيع العربي أكبر قنبلة زرعها الغرب في المنطقة بحجة محاربة الأنظمة الديكتاتورية أو الشمولية مثل نظام صدام حسين ونظام القذافي. ولكن لافروف اعترف بأن تلك الأنظمة كانت تضيق على حقوق الإنسان ولكنها ممارسات فردية ولم يقتل خلالها مئات الآلاف من المدنيين كما حصل في المغامرات “العدوانية” (يقصد في بلاد الربيع العربي) وكما حصل في أفغانستان. وتحدث عن الصراعات في المنطقة وقال: ما زال السنة والشيعة لم يتغلبوا على تناقضاتهم.

وأكد لافروف بأن روسيا دائماً مستعدة للعمل مع الغرب في الشرق الأوسط. واتهم الغرب بأنه هو من جمد عمل الرباعي الشرق أوسطي لحل القضية الفلسطينية على مبدأ الدولتين. واعتبر أن “اتفاقيات إبراهيم” الأخيرة بين إسرائيل وبعض الدول العربية قلبت مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية عام 2003 (في قمة بيروت) رأسا على عقب.

محادثات روسية تركية حول سوريا

قام نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين على رأس وفد بزيارة أنقرة يومي 8 و 9 ديسمبر/كانون الأول لإجراء مباحثات رسمية حول العلاقات الروسية التركية وبشكل خاص حول العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمالي سوريا.

ومن المعروف أن روسيا تعترف بالمخاوف الأمنية التركية وهي حريصة جدا على العلاقات الثنائية بين البلدين وخاصة على ضوء العمليات العسكرية الروسية المتعثرة في أوكرانيا والعقوبات الغربية الواسعة ضد روسيا والتي وصلت أخيرا إلى وضع سقف لسعر النفط الروسي بحدود 60 دولاراً، والذي سيحرم روسيا من مليارات الدولارات كعائدات للنفط. ولطالما أعلن الرئيس بوتين بأن تركيا ستصبح أهم ممر للغاز الروسي إلى أوروبا الجنوبية وكذلك لاستيراد وتصدير كل ما تحتاجه روسيا مع الغرب. وكلنا يعرف الدور التركي الفاعل في ملفات إقليمية عدة إما بالتفاهم مع الروس أو بمجابهة معهم. ونجحت تركيا في توقيع صفقة تصدير الحبوب الأوكرانية برعاية منظمة الأمم المتحدة.

وبالرغم من أن روسيا ضمنا لا تؤيد العملية العسكرية التركية، لكنها تتعامل مع الأمر بدبلوماسية عالية، حيث يصرح المسؤولون في موسكو بأنهم نصحوا شركاءهم الأتراك بالتصرف بعقلانية وعدم التدخل العسكري منعا للحفاظ على هدوء الوضع وعدم التصعيد.

ولذلك جاءت مقترحات موسكو من باب تجنب الحرب وبالوقت نفسه استبدال قوات قسد الكردية بقوات إما من الشرطة العسكرية الروسية (أو بقيادة أحمد العودة كما روج أخيراً) أو قوات الأمن الداخلي الكردية أو قوات من النظام، مع انسحاب قوات قسد لمسافة 30 كلم مع كامل أسلحتها ومعداتها الثقيلة. وبالطبع تهدف السياسة الروسية إلى توسيع سيطرة نظام الأسد والإبقاء على قوات قسد على الأرض (القريبة من النظام في حقيقة الأمر) كورقة للضغط على تركيا.

أما الموقف الأميركي الذي خلق المشكلة بدعمه لقسد من جهة ورعاها، وبالوقت نفسه يعترف بمخاوف تركيا الأمنية ولا يريد أن تقوم تركيا بأي عمل عسكري شمالي سوريا. وذلك يدل على أن السياسة الأميركية هي عامل أساسي في استمرار إدارة الأزمة السورية وعدم حلها، وأصبح الهم الرئيسي لتركيا حل مشكلة الميليشيات الكردية الانفصالية. أما روسيا فالمهم بالنسبة لها أن يتحقق هدوء وانفراج في الوضع السياسي السوري لكي تقنع العالم بأن الوضع مستقر بقيادة الأسد، ومن الممكن البدء بإعادة البناء الاقتصادي بعد الحصول على المليارات من بعض الدول في الخليج وأوروبا. وهذا يبدو مستبعدا حاليا وخاصة بعد أحداث أوكرانيا.

باختصار لا أحد يفكر جديا بمساعدة السوريين للخروج من الكارثة التي أوصلهم إياها نظام الأسد مدعوما من حلفائه في طهران وموسكو، فهو لم يكتف بتدمير سوريا وتهجير أهلها وقتل واعتقال الملايين، بل حولها إلى أكبر مصنع للمخدرات من نوع حبوب الكبتاغون وأصبح خطرا على أمن المنطقة بأكملها، وذلك في وقت وصلت فيه حالة الناس في جميع المناطق السورية إلى وضع يبحث فيه المواطن عن الخبز والماء والكهرباء والدواء، بينما يأتي البعض من دول وقوى ويقول اعترفوا بنظام الأسد لأنه الحل الوحيد، متناسين كل جرائمه الكبرى ضد الشعب السوري وضد الإنسانية.

لك الله أيها الشعب السوري الجريح وعلى الشرفاء أن يقلبوا الطاولة ويقدموا شيئا جديدا متميزا لإعادة الثورة إلى ألقها الأول لأن ظروف الثورة تنضج اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولكن الشعب السوري ينتظر قوة وطنية حقيقية مستقلة تقود العمل الوطني السوري.

———————————-

ضبط الحدود يفرض التغيير السوري/ خيرالله خيرالله

مع مرور كلّ هذه السنوات على الثورة الشعبيّة في سوريا، لا بدّ من التساؤل هل في استطاعة النظام البقاء على قيد الحياة بعدما تبيّن أن سوريا تحولت إلى خطر إقليمي ومصدر قلق لكل جيرانها. أثبتت التجارب التي مرت فيها سوريا منذ انطلاق الثورة في ربيع العام 2011 أن نظام دمشق غير قادر على ضبط حدوده، هذا إذا أخذنا الأمور بحسن النية..

صارت الحدود الشمالية السورية مع تركيا، منذ سنوات، في حال تفلّت شبه كاملة. أضحت كامل الحدود مساحات عبور مهمة لتهريب المواد، المسموح بها والممنوعة، فضلا عن الأسلحة بكل أنواعها والمتفجرات. الأهم من ذلك كلّه الأشخاص. ثمة تهريب للإرهابيين ولأشخاص مسالمين وللاجئين الذين تستغلهم تركيا للضغط على أوروبا. قبل أسابيع قليلة، اكتوت تركيا نفسها بنار تسيّب حدودها مع سوريا بعد تفجير إسطنبول.

بالنسبة إلى الحدود الجنوبية مع الأردن أصبحت هذه الحدود أهم نقطة لتهريب حبوب الكبتاغون بالملايين إلى الأردن ومنه إلى دول الخليج. صارت تجارة تصدير الكبتاغون والمخدرات من أهم روافد الأموال التي يحتاج إليها النظام السوري ويستخدمها جيّدا في لعبة صراع البقاء الذي تعيش دمشق في ظلّها في الوقت الحاضر.

لم يعد ممكنا فصل تهريب الكبتاغون والمخدرات عن سياسة الضغط على دول الخليج وابتزازها عبر إغراق أسواقها وتدمير مجتمعاتها وشبابها بحبوب مخدّرة ومهيّجة تصنعها معامل النظام السوري وتهربها وتوزعها شبكات “حزب الله” اللبناني الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

ما بات لافتا في الأشهر القليلة الماضية ظاهرة تهريب السلاح إلى الأردن. هذه الظاهرة قديمة، لكنّها أخذت حديثا بعدا جديدا على الرغم من محاولات الحكومة الأردنية التغطية على هذه المعضلة الجديدة بطريقة أو بأخرى.

سيصبح تهريب السلاح مشكلة أكبر نظرا إلى أنّه يدخل ضمن الأجندة الإيرانية لنشر عدم الاستقرار في الأردن. كذلك، يبدو أن هذه السياسة قد تستفحل، كونها تندرج في سياق محاولات إيران تصدير المشاكل الداخلية التي تواجهها حاليا إلى الخارج، تحديدا نحو الأردن وبقية دول الخليج.

بالنسبة إلى الحدود الجنوبية مع إسرائيل، لا يوجد شكّ بأنّ إسرائيل تتابع وتراقب بحذر شديد الوضع في الجنوب السوري وتحديدا في محافظتي القنيطرة ودرعا وأخيرا السويداء. تطرح إسرائيل علي نفسها السؤال الرئيسي: إلى متى سيبقى نظام بشّار الأسد قادرا على التقيّد بالتزامه القديم القائم على تأمين حدودها الشمالية؟

تبدو عودة الفصائل الفلسطينية “المقاومة” التابعة لإيران إلى دمشق مؤشرا مقلقا لإسرائيل، خصوصا في ظلّ الإرهاق الذي يواجهه نظام بشّار الأسد. هل يمكن أن تمارس إسرائيل لعبة الانتظار قبل أن ينتشر السلاح الفلسطيني الممول إيرانيا في الجولان.. وهل ستقبل أن تتحول الحدود السورية إلى ما كانت عليه الحدود اللبنانية في السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي عندما كانت الفصائل الفلسطينية تطلق صواريخها وترسل الفدائيين لتنفيذ عمليات في العمق الإسرائيلي؟

يبدو مثل هذا النوع من الأسئلة مشروعا ومنطقيا في ضوء العجز الواضح للنظام السوري على ضبط انتشار “حزب الله” و”الحرس الثوري” الإيراني في الجولان السوري وتغلغله ضمن الفرقة الرابعة التي أصبحت مثل “حزب الله” اللبناني، مجرّد تابع لـ”الحرس الثوري” من ضمن ما يسمّى “الجيش العربي السوري”.

يضاف إلى ذلك كلّه، فشل روسيا في التزام تعهداتها لإسرائيل. تتعلّق هذه التعهدات بوقف التمدد الإيراني في الجنوب السوري. أجبر ذلك إسرائيل على تنفيذ عملياتها العسكريّة الأخيرة بشكل مباشر وعلى مرأى من موسكو وسمعها. ليست الضربات الإسرائيلية الأخيرة في العمق السوري، أقلّه في جانب منها، سوى رسالة إلى موسكو الغارقة إلى ما فوق أذنيها في الوحول الأوكرانيّة.

في ظلّ هذه المعطيات، وفي ظلّ تردّي الوضع الداخلي السوري إلى أبعد حدود، عاد مطروحا دوليا ما يمكن تسميته الحل الأسرع والمستدام لضمان أمن الحدود السورية للجميع. هذا يعني إعادة طرح فكرة المجلس العسكري السوري، المرشّح لأن يكون خليطا ممّا بقي من الجيش السوري والضباط العلويين والمعارضة المسلحة المعتدلة. يضاف إلى هؤلاء الآلاف من الضباط السوريين السنة المنشقين من الذين تحتجزهم تركيا ضمن معسكرات الضباط في أضنة إضافة إلى الأكراد من “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية).

لماذا بات تشكيل مثل هذا المجلس مطروحا الآن؟

الجواب في الفشل الاقتصادي للنظام السوري. بات النظام عاجزا عن تأمين الأمن الغذائي، في حده الأدنى، لما بقي من مواطنين يعيشون على أرض سوريا. سيسرّع ذلك في تحويل سوريا إلى دولة فاشلة. الجواب أيضا في التململ الواضح داخل البيئة الحاضنة للنظام، خصوصا في أوساط الطائفة العلوية التي أصبحت اليوم تمتلك ما يكفي من الجرأة لكيل السباب وتوجيه الانتقادات لبشار الأسد وزوجته واتهامهما بالفساد والفشل وعدم الاكتراث بشعبهما الذي صمد ودفع الدم في سبيل الدفاع عن نظام الأسد وما يسمّى “سوريا الأسد”.

فقد نظام الأسد ورقة التوت التي كانت يستتر بها تحت مسمى “حماية الأقليات”. هاجر أكثر من ثمانين في المئة من مسيحيي سوريا. واليوم نرى الدروز في محافظة السويداء يطالبون بإسقاط النظام ويقولون جهارا إنّ بشّار الأسد ليس حاميا للأقلّيات ولا ضامنا لها، بما في ذلك الأقلّية العلويّة التي تسيطر على سوريا منذ العام 1970.

قريبا، قد يضطر بشّار الأسد إلى استخدام القوة لقمع انتفاضة الدروز في السويداء كما فعل في المناطق السنّية في الماضي القريب.

في هذا الإطار، يبقى من اللافت عالميا، خصوصا على صعيد الدول المانحة التي ما زالت تساعد سوريا، أنّ هذه الدول باتت تعلن يوميا وفي كل محفل دولي، أن أيّ تقارب مع بشّار الأسد وأيّ اعادة قبول به شخصيا وبنظامه باتا من المستحيلات.. خصوصا إذا تم تمرير القانون المقترح حاليا أمام الكونغرس الأميركي الذي يعتبر بشار الأسد زعيما لمافيا دولية لتصنيع المخدرات وتهريبها.

هل آن أوان التغيير في سوريا بعد كلّ الذي يحدث في إيران وبعد خسارة فلاديمير بوتين حربه في أوكرانيا؟

إعلامي لبناني

العرب

—————————-

مباحثات إسطنبول:تركيا تطالب روسيا بإبعاد قسد عن الحدود

سيطرت العملية العسكرية التي يلوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إطلاقها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على المباحثات التي جرت يومي الخميس والجمعة، بين الوفد التركي ونظيره الروسي الذي أتى وفي جعبته اقتراحاً بإبعاد قسد عن منطقتين وضعتهما أنقرة كهدف رئيسي للعملية المرتقبة شمال شرق سوريا.

وقالت وزارة الخارجية التركية السبت، إن الوفد التركي طالب نظيره الروسي خلال المشاورات، بتطبيق مذكرة التفاهم الموقعة مع موسكو في تشرين الأول/أكتوبر 2019 المتضمنة إبعاد قسد عن حدودها الجنوبية.

وأوضحت الوزارة في بيان، أن الجانبين تناولا إصلاح الأمم المتحدة وتنفيذ اتفاقية إسطنبول للحبوب، والوضع في كل من أوكرانيا وسوريا وآلية الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية عبر الحدود، وملفات ليبيا والشرق الأوسط وشرقي المتوسط والعلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة.

والأربعاء، أعلنت الخارجية التركية أن وفداً روسياً سيزور تركيا يومي 8 و9 كانون الأول/ديسمبر، من أجل إجراء مشاورات سياسية-عسكرية مع مسؤولين في الحكومة التركية، موضحةً أن نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينين سيرأس الوفد الروسي فيما سيرأس في المقابل الجانب التركي نائب وزير الخارجية التركية سادات أونال.

وبحسب بيان الوزارة، فإنه جرى في المحادثات التأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا السياسية وسلامة أراضيها، وضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في البلاد على الأُسس الواردة في قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

وأكد الجانب التركي حزم أنقرة في مكافحة حزب “العمال” الكردستاني وفرعه السوري المتمثل بوحدات حماية الشعب الكردية، معتبراً أن تلك التنظيمات لا تشكل فقط تهديداً على وحدة وسلامة الأراضي السورية، وإنما على الأمن القومي التركي.

كما أكد الأتراك على أن تمديد الآلية الأممية لإيصال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود يلعب دوراً مصيرياً في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لأكثر من 4 ملايين شخص محتاج في البلاد، مشددين على أهمية مواصلة العمل بهذه الآلية.

واقترح الوفد الروسي خلال المشاورات مع الجانب التركي انسحاب قسد من منبج وتل رفعت شمال شرق سوريا مع أسلحتها والإبقاء على قوات الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة لها على الحدود، بعد دمجها مع المؤسسة الأمنية التابعة للنظام السوري، وفق ما ذكرت مصادر تركية لقناة “الجزيرة”.

من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار السبت، إن العملية العسكرية في شمال شرق سوريا هي مسألة “تكتيكات وحسابات”، مضيفاً أن القوات التركية ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة في المكان والزمان المناسبين للحفاظ على أمن الأمة التركية.

وأوضح أن حزب “العمال” الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية تنظيم واحد، مؤكداً عزم بلاده على التخلص من “ويلات الإرهابين مهما تعددت أسماؤهم وتسمياتهم”.

 وقال: “لا ينبغي لأحد أن يتوقع من تركيا التسامح مع الإرهابيين الذين يعشعشون بالقرب من الحدود”، موضحاً أن العمليات التركية خارج الحدود التركية حيّدت 4 آلاف “إرهابي” في سوريا والعراق، كما دمرت عدداً كبيراً من المقار والمخازن والأنفاق التابعة لهم.

————————————

تركيا تطالب روسيا بسحب «قسد» مسافة 30 كيلومتراً بعيداً عن حدودها

تمسكت خلال مشاورات إسطنبول بتنفيذ تفاهم سوتشي 2019

أنقرة: سعيد عبد الرازق

طالبت تركيا روسيا مجدداً بتنفيذ تعهداتها بموجب مذكرة التفاهم الموقعة في سوتشي في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بشأن وقف عملية «نبع السلام» العسكرية التركية ضد مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال شرقي سوريا. وأكدت في الوقت ذاته أن العملية العسكرية البرية المحتملة ضد «قسد» في شمال سوريا ستنفذ «في الوقت المناسب».

وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان السبت، إن تركيا جددت خلال مشاوراتها السياسية مع روسيا، التي عقدت في إسطنبول يومي الخميس والجمعة، تطلعاتها إلى تنفيذ بنود مذكرة التفاهم الموقعة مع موسكو بخصوص «وحدات (حماية) الشعب الكردية، ذراع حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا».

وكانت تركيا وروسيا وقعتا في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 مذكرة تفاهم في سوتشي أوقفت تركيا بمقتضاها عملية «نبع السلام» العسكرية التي استهدفت مواقع قوات «قسد»، التي تشكل «الوحدات» الكردية غالبية قوامها الأساسي، نصت على أن تعمل روسيا على سحب قوات «قسد» 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية في عمق الأراضي السورية وتسيير دوريات مشتركة بعمق 10 كيلومترات على جانبي المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد».

وسبق ذلك توقيع مذكرة مشابهة مع الولايات المتحدة في أنقرة. وتقول تركيا إن كلاً من روسيا والولايات المتحدة لم تلتزما بتنفيذ المذكرات الموقع عليها.

وأضافت الخارجية التركية، في بيانها، أنه تم خلال المشاورات السياسية في إسطنبول برئاسة نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال ونظيره الروسي سيرغي فيرشينين، التأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا السياسية وسلامة أراضيها، وضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في البلاد على أساس خريطة الطريق الواردة في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254.

وأشار البيان إلى أن الجانب التركي أكد، مجدداً، حزم تركيا في مكافحة «تنظيم الوحدات الكردية الإرهابي» الذي يشكل «تهديداً وجودياً ليس فقط لوحدة أراضي سوريا، بل وللأمن القومي التركي أيضاً»، مضيفاً أن تركيا تتطلع إلى تنفيذ بنود مذكرة التفاهم الموقعة مع روسيا عام 2019.

وتابع البيان أن الجانب التركي أكد، خلال المشاورات، أن تمديد الآلية الأممية لإيصال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود يلعب دوراً مصيرياً في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لأكثر من 4 ملايين شخص محتاج في البلاد، وأنه سيكون من المفيد مواصلة العمل بهذه الآلية.

وغداة المشاورات التركية – الروسية في إسطنبول، أرسلت قوات النظام مجموعة من العناصر للتبديل مع عناصر النقاط العسكرية المنتشرة على طول الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا بريف الحسكة الشمالي، بالإضافة إلى توزيع وقود ومواد لوجيستية على المواقع، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» السبت. وأشار «المرصد» إلى وصول 3 عربات «زيل» برفقة مدرعات عسكرية روسية لتأمين الحماية وعربة لمكتب العلاقات التابع لـ«قسد»، إلى مدينة الدرباسية الحدودية شمال الحسكة، وتوجهت إلى النقاط المنتشرة على طول الحدود وصولاً إلى قرية الكسرى بريف أبو راسين الشمالي، وأنها عادت إلى مطار القامشلي بعد أن قامت بتوزيع العناصر والمواد اللوجيستية على جميع النقاط العسكرية الحدودية، في ظل الحديث عن اتفاق روسي ـ تركي على انتشار قوات النظام إلى جانب قوات الأمن الداخلي التابعة لـ«قسد» (الأسايش) في عين العرب (كوباني) ومنبج لإقناع تركيا بالتراجع عن شن عملية عسكرية تستهدف هاتين المدينتين.

وكانت مصادر مطلعة على الاجتماعات التشاورية التركية ـ الروسية، كشفت لـ«الشرق الأوسط» عن عرض تقدم به الوفد الروسي بانسحاب قوات «قسد» بأسلحتهم من منبج وعين العرب (كوباني) مع الإبقاء فقط على القوات الأمنية (الأسايش) ودمجها في قوات الأمن التابعة للنظام السوري، وذلك من أجل التخلي عن العملية العسكرية البرية التي أعلنت تركيا أنها ستنفذها ضد مواقع «قسد» في كل من منبج وعين العرب وتل رفعت. وذكرت المصادر أن الجانب التركي لم يعط موافقته على المقترح الروسي وإنما طلب مهلة لدراسته، وتمسك أيضاً بانسحاب «قسد» من كل من منبج وتل رفعت وعين العرب والابتعاد عن الحدود الجنوبية لتركيا لمسافة 30 كيلومتراً كما سبق وتم الاتفاق عليه في مذكرة تفاهم سوتشي الموقعة بين الجانبين في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

وأكدت المصادر أن تركيا لم تستبعد خيار العملية العسكرية المقبلة وأن جميع الاستعدادات الخاصة بها قد اكتملت، لكنها تتيح الوقت للمشاورات الجارية مع الجانب الروسي وكذلك مع الجانب الأميركي في ظل معارضة هذين الطرفين لأي هجوم عسكري تركي جديد.

وفي هذا الإطار، أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أنه لا ينبغي لأحد وبخاصة البلدان التي «تزعزع استقرار المنطقة» (لم يسمها)، أن تتوقع من تركيا بأن «تتسامح مع الإرهابيين» قرب حدودها».

وحول العملية العسكرية المرتقبة لبلاده في شمال سوريا، قال أكار في كلمة خلال اجتماع لجنة الموازنة بالبرلمان التركي ليل الجمعة – السبت، إن «العملية هي مسألة تقنية وتكتيكات وحسابات… اتخذت قواتنا المسلحة وستتخذ جميع الإجراءات اللازمة في المكان والزمان المناسبين لأمن بلدنا وأمتنا النبيلة… لا ينبغي لأحد وبخاصة البلدان التي تزعزع استقرار المنطقة، أن تتوقع منا بأن نتسامح مع الإرهابيين الذين يعششون بالقرب من حدودنا».

وأكد أكار أن الهدف الوحيد للقوات المسلحة التركية هو أعضاء الجماعات الإرهابية، مشيراً إلى أن القوات التركية «حيدت» (قتلت) منذ مطلع العام الحالي في عملياتها داخل البلاد وفي شمال العراق وسوريا نحو «4 آلاف إرهابي، ودمرت عدداً كبيراً من المخابئ، والأوكار والمخازن والأنفاق التابعة للإرهابيين». وأضاف أنه تم القضاء على 364 «إرهابياً» منذ انطلاق عملية «المخلب – السيف» الجوية في شمال العراق وسوريا في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ووصف العملية بأنها الأكبر في السنوات الأخيرة.

في الأثناء، أعلنت الدفاع التركية مقتل مسؤول ما يسمى «قوات تحرير عفرين» التابعة لـ«قسد». وذكر بيان للوزارة، السبت، أن «القوات التركية قتلت إرهابيين اثنين من الوحدات الكردية، الجمعة، في منطقة عملية غصن الزيتون في عفرين، تبين أن أحدهما هو فهمي محمد، الذي يتولى قيادة ما يسمى بقوات تحرير عفرين التابعة للتنظيم الإرهابي».

—————————–

العملية التركية المزمعة في سوريا… هواجس إقليم كردستان بلا نهاية/ رستم محمود

بينما تتصاعد يوماً بعد آخر التطورات السياسية والميدانية بشأن العملية العسكرية البرية التركية المزمعة في شمال شرقي سوريا، فإن إقليم كردستان يجد نفسه معنياً بالأمر أكثر من أي طرف آخر، سياسياً وأمنياً واقتصادياً. فالمجريات والتبدلات التي قد تُحدثها العملية، تؤثر بعمق في الإقليم من مختلف النواحي. وقد حصل “النهار العربي” على معلومات من مصادر موثوقة، تُظهر قراءة الموقف ضمن إقليم كردستان، وآلية التعامل التي يعتزمها الإقليم حيال هذا الملف.

اقتصادياً

سيشكل الاحتلال التركي للمثلث الحدودي بين سوريا والعراق وتركيا، وشغله بفصائل سورية موالية لأنقرة، على طول الشريط الممتد من مدينة ديريك وتل كوجر، مشكلة اقتصادية كبرى للإقليم. فحدوث ذلك يعني وجود معبر تجاري بري مباشر بين تركيا والعراق، وتالياً الاستغناء عن معبر “إبراهيم الخليل” ضمن إقليم كردستان، الذي تعبر منه بضائع بقيمة لا تقل عن عشرين مليار دولار سنوياً، ويُعتبر مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة ويشغل آلاف الأيدي العاملة ضمن الإقليم، وخصوصاً في محافظة دهوك الحدودية.

في السياق نفسه، فإن حدوث ذلك يعني انقطاع الطريق التجارية بين الإقليم ومناطق شمال شرقي سوريا، عبر معبر “سيمالكا” التجاري. فطوال السنوات الماضية، كان الإقليم مصدراً تجارياً واقتصادياً ولوجستياً لتلبية حاجات قرابة خمسة ملايين سوري يسكنون تلك المنطقة، وكان الإقليم منفذهم الوحيد تجاه العالم الخارجي، بما في ذلك المساعدات الأممية والدولية التي كانوا يحصلون عليها، ما كان يوفر للإقليم ولشريحة واسعة من سكانه دورة عمل كاملة.

أمنياً

سيطرة تركيا على الشريط الحدودي ستفاقم المشكلات الأمنية للإقليم، حسبما شرح مصدر سياسي رفيع لـ”النهار العربي”، وذلك على مستويين أو جبهتين على الأقل، بحسب تعبيره.

فحدوث ذلك يعني وصول تركيا والقوات العسكرية المرتبطة بها إلى حدود مناطق سنجار داخل العراق، حيث يسكن أبناء الديانة الأيزيدية، لكن المنطقة تسيطر عليها تنظيمات مسلحة مقربة من حزب العمال الكردستاني، وتتعرض لعمليات قصف تركية متواصلة. وهذا الأمر قد يعني حدوث مواجهة مسلحة بين تركيا وتلك الفصائل داخل العراق أو عبر الحدود، وتالياً حدوث موجة جديدة من المهجرين الأيزيديين/ الأكراد إلى داخل إقليم كردستان، وبقاء “اتفاق سنجار” الذي وقعته حكومة الإقليم مع الحكومة المركزية بشأن إدارة تلك المنطقة خارج إمكان التطبيق.

على المسار ذاته، فإن سيطرة الفصائل الموالية لتركيا قد تدفع عشرات الآلاف من الأكراد السوريين إلى النزوح إلى داخل الإقليم، وهم سوف ينضمون إلى قرابة نصف مليون لاجئ كردي سوري ضمنه. والأهم من ذلك هو حدوث قلاقل أمنية للإقليم، إذ سيصير منطقة صراع مفتوح ودائم بين الفصائل الموالية لتركيا و”قوات سوريا الديموقراطية”.

البقاء في الشرنقة

الكاتب والباحث غمكين بيرتي شرح لـ”النهار العربي” أن مثل هذه العملية إنما تقوض مساعي إقليم كردستان للخروج من شرنقة الصراعات الإقليمية المتعلقة بحساسية المسألة الكردية في كل ما يحيط بها.

وقال: “الساسة في إقليم كردستان، وكما يعبرون على الدوام، وفي توافق واقعي مع حجم الإقليم وقدراته، يصرحون باقتصار مسؤوليتهم على حماية مواطني الإقليم، من دون أي قدرة على الدفاع أو نزعة للتدخل في الشؤون السياسية، الكردية منها بالذات، في الدول الأخرى، لأن من شأن ذلك أن يعيد تفكيك الحالة الفيدرالية التي يتمتع بها الإقليم، ويحطم المكاسب التي راكمها طوال السنوات الماضية. وحدوث هذا الصِدام المفتوح بين تركيا وقوات سوريا الديموقراطية على حدود الإقليم سيدفع المسألة الكردية في كل من سوريا وتركيا إلى داخل الإقليم. كما أنه سيخلي الساحة السياسية والعسكرية الإقليمية من تجربة كردية أخرى، هي تجربة قوات سوريا الديموقراطية في سوريا، التي كانت في المحصلة، ورغم التجاذبات السياسية بينها وبين الإقليم، قيمة مضافة لمصلحة الإقليم، لأنها كانت تعني تحول الأكراد إلى حقائق سياسية في المنطقة”.

عملياً، يرى مراقبون أن إقليم كردستان العراق لا يملك الكثير من الأوراق القادرة على لعب دور فعال في هذا التجاذب السياسي والعسكري في شأن شمال شرقي سوريا والعملية العسكرية التركية المرتقبة. فقد كان الإقليم يتوسط سياسياً وأمنياً بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لسنوات طويلة، خصوصاً أثناء مرحلة عملية السلام بين الطرفين (2010 – 2015). لكن انهيار تلك العملية، وبدء الجيش التركي عمليات ملاحقة مستمرة ضد مقاتلي الحزب داخل إقليم كردستان، وزيادة وتيرة المواجهات ضمن سوريا، حطمت ذلك كله.

يعتقد الساسة في إقليم كردستان أن استقرار الحياة العامة ضمن سوريا، عبر أي حل سياسي أو دستوري، يعترف بالهوية الكردية والخصوصية الكردية ضمن البلاد، سيخلق نموذجاً آخر لحل المسألة الكردية، وتالياً تحويل الأكراد إلى حالة إقليمية لا يمكن القفز عليها بأي شكل في الدول الأخرى، وحتى بالنسبة إلى القوى الدولية. مقابل ذلك، فإن أي عملية برية تركية قد تقوض مختلف أشكال الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي للإقليم، رغم بعض الحساسيات والخلافات السياسية التي بين الإقليم والحالة في شمال شرق سوريا والقائمين عليها.

النهار العربي

———————–

تركيا تعلن مخرجات “مشاوراتها” مع الروس.. ماذا جاء عن سورية؟

أعلنت وزارة الخارجية التركية مخرجات مشاوراتها مع الجانب الروسي في مدينة إسطنبول، بعدما وصل إليها وفد قادم من موسكو، قبل يومين، لبحث عدة قضايا وملفات، من بينها الملف السوري.

ونشرت الخارجية بياناً رسمياً، اليوم السبت، جاء فيه أنه وخلال المشاورات السياسية بين نائب الوزير سادات أونال ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، تم التأكيد على “توقع تنفيذ بنود مذكرة التفاهم الموقعة بخصوص حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب”.

والمذكّرة تعود إلى عام 2019، إذ تم الاتفاق عليها بين الرئيسين التركي والروسي رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، وبعد أسابيع من انتهاء عملية “نبع السلام” في شمال وشرق سورية.

ولطالما أكدت تركيا على ضرورة تنفيذ بنود هذه المذكرة، والتي تشمل بالأساس انسحاب “وحدات الحماية” مسافة 30 كيلومتراً عن الحدود الشمالية لسورية، فيما حمّلت مسؤولية عدم تطبيق بنودها في السابق للجانب الروسي، كونه الضامن.

وبحسب بيان الخارجية التركية، تم التأكيد في اجتماع إسطنبول “على الأهمية التي تولى لحماية وحدة أراضي سورية ووحدتها السياسية، وضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في البلاد على أساس خارطة الطريق الواردة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.

وذكر الوفد التركي أنه “هناك حاجة ماسة إلى تمديد آلية الأمم المتحدة لتقديم المساعدات عبر الحدود إلى سورية للوصول إلى أكثر من 4 ملايين محتاج في البلاد”.

وأشار إلى أنه سيكون من المفيد مواصلة المساعدة عبر الخطوط مع هذه الآلية، وفق بيان الخارجية التركية.

ومنذ أسابيع يؤكد المسؤولون الأتراك على أن أنقرة بصدد تنفيذ عملية برية ضد مواقع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال وشرق سورية، استكمالاً للعملية الجوية التي بدأها الجيش التركي، قبل أسابيع.

وبينما خفتت حدة الضربات التي نفذتها الطائرات الحربية التركية ضمن عملية “السيف المخلف” ساد الحديث بكثرة عن وجود خطين للتفاوض بين تركيا وروسيا من جهة وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال، أول أمس الأربعاء، خلال مشاركته في منتدى “قراءات بريماكوف” في موسكو إن بلاده ستعمل “بحزم لضمان منع أي اعتداءات على وحدة أراضي سورية”.

وأضاف لافروف أن روسيا مهتمة بعملية استئناف الحوار على أساس اتفاق أضنة بين تركيا وسورية، معتبراً أن المتطلبات الأساسية لهذه العملية نضجت الآن من أجل حل قضايا محددة لضمان الأمن على الحدود، مع الأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا، والتي يعترف بها النظام السوري، وفق قوله.

وفي ردها على ما سبق كانت “الإداراة الذاتية” قد أبدت رفضها للحديث المتعلق بتطبيق “اتفاقية أضنة”، وذلك على لسان المسؤول فيها بدران جيا كرد، أول أمس الخميس.

—————————-

أين وصلت “مفاوضات” العملية التركية في شمال سورية؟

ما تزال الكثير من التكهنات تحيط بـ”المفاوضات” الخاصة بالعملية التي تنوي تركيا تنفيذها في شمال سورية، ورغم غياب أي تعليق رسمي عن مخرجاتها، تحدث “مصدر تركي رسمي” خلال الأيام الماضية عن ماهيتها وتفاصيلها.

وتجري “المفاوضات” بشكل أساسي بين أنقرة من جهة وموسكو من جهة أخرى، وكذلك الأمر مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك يعتبر المسار الخاص بواشنطن “أكثر غموضاً”.

ومنذ أمس الخميس يجري وفد روسي زيارة إلى العاصمة التركية أنقرة، من أجل مناقشة سلسلة من الملفات، في مقدمتها اتفاق الحبوب، إضافة إلى التطورات المتعلقة بشمال سورية، والعملية التي تهدد تركيا بشنها ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

ونقلت قناة “الجزيرة” عن مصدر تركي رسمي، اليوم الجمعة، قوله إن روسيا عرضت على تركيا انسحاب “قسد” من عين العرب (كوباني) ومنبج شمالي سورية، وذلك خلال المشاورات الحاصلة في إسطنبول.

وقال المصدر التركي إن العرض الروسي يقترح الإبقاء على قوات “الأسايش” (حرس حدود تابع للمسلحين الأكراد) بعد دمجها في المؤسسة الأمنية للنظام السوري.

وأضافت أن الوفد الروسي أبلغها موافقة “قوات سوريا الديمقراطية” على المقترح، بشرط عدم حصول هجوم تركي للشمال السوري.

ووفقاً للمصدر التركي، فإن “أنقرة تدرس المقترحات التي قدمها الوفد الروسي”.

ولم يصدر أي تعليق من الجانب التركي بشأن ما يعرضه الروس، وكذلك الأمر بالنسبة لتفاصيل المفاوضات التي تجري مع موسكو، منذ أسابيع.

بدورها ذكرت الكاتبة التركية المقربة من الحكومة، هاندي فيرات، اليوم الجمعة، أن “تركيا مصممة على تأمين حدودها ومنع ممر الإرهاب. اكتملت جميع الاستعدادات للعملية البرية”.

وأضافت: “على الرغم من أن الدبلوماسية تحتل الصدارة في الوقت الحالي، إلا أن مصادري تقول: هناك وقت لكل شيء، لا ينبغي لأحد أن يتوقع التراجع عن هذا”.

وأوضحت الخارجية التركية في بيان لها، الخميس، أن الوفد الروسي المشارك في المشاورات يرأسه سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية، أما الوفد التركي فيرأسه سادات أونال نائب وزير الخارجية.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال، أول أمس الأربعاء، خلال مشاركته في منتدى “قراءات بريماكوف” في موسكو إن بلاده ستعمل “بحزم لضمان منع أي اعتداءات على وحدة أراضي سورية”.

وأضاف لافروف أن روسيا مهتمة بعملية استئناف الحوار على أساس اتفاق أضنة بين تركيا وسورية، معتبراً أن المتطلبات الأساسية لهذه العملية نضجت الآن من أجل حل قضايا محددة لضمان الأمن على الحدود، مع الأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا، والتي يعترف بها النظام السوري، وفق قوله.

وفي ردها على ما سبق كانت “الإداراة الذاتية” قد أبدت رفضها للحديث المتعلق بتطبيق “اتفاقية أضنة”، وذلك على لسان المسؤول فيها بدران جيا كرد، يوم أمس الخميس.

وقبله كان قائد “قسد”، مظلوم عبدي قد حذّر من “التطبيع الشامل” بين أنقرة والنظام السوري.

وقال لصحيفة “الشرق الأوسط” إن “هذه المقاربة تعكس مصالح حكومة أنقرة، وتحمل معها مخاطر كبيرة على مستقبل السوريين وإرادتهم”، وستكون “بعيدة عن إنتاج حل سياسي جاد”، حسب تعبيره

————————————–

بعد تدخل روسي وأمريكي.. إلى أين وصلت العملية التركية في شمال سوريا؟

دخلت العملية العسكرية التركية، التي تعرف باسم المخلب- السيف في شمال سوريا مرحلة هدوء ميداني بحسب العديد من المصادر، مع التشكيك في إمكانية استمرارها أو تطورها إلى عملية برية نظرًا للتدخل الروسي والثقل الأمريكي الكبير الذي وضع فيها في محاولةٍ لتجنب تصفية قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في المناطق المستهدفة.

وطيلة اليومين السابقين استقبلت أنقرة وفدين من واشنطن وموسكو للتباحث حول التهديدات التركية الأخيرة بالقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال سوريا، وبحسب مصادر تركية نقلت عنها وسائل إعلام، عرض الوفد الروسي على السلطات التركية انسحاب قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مع أسلحتهم من عين العرب ومنبج، مع الإبقاء على قوات الأسايش في المناطق المذكورة بعد دمجها بالمؤسسة الأمنية للنظام السوري.

وأكّد الوفد الروسي للطرف التركي موافقة “قسد” على المقترح شريطة “عدم حصول اجتياح تركي نحو منبج وعين العرب”. لكن الجانب التركي لم يقدم بعد موقفه من العرض الروسي الذي يخضع حسب المصادر للنقاش داخل دوائر صنع القرار التركية. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، صرّح سابقًا الأربعاء الماضي بأن بلاده “اتفقت مع تركيا على تحييد الفصائل المعارضة التي يمكن أن تتحاور مع النظام السوري عن المجموعات الأخرى”، دون أن يقدم تفاصيل تشير إلى هوية هذه الفصائل، أو آلية تنفيذ هذه الخطوة.

ونقلت وسائل إعلامية عن مصادر في الدبلوماسية التركية أن موسكو حريصة على “تلبية مطالب تركيا في شمالي سوريا، من أجل تجنب عملية برية من قبل الجيش التركي ضد مجموعات كردية في المنطقة”. وأشارت المصادر التركية أن مطالب أنقرة تتمثل أساسا في “انسحاب المجموعات الكردية المصنفة على قوائم الإرهاب لديها من مدن منبج، وتل رفعت، وعين عرب، وحل مؤسسات النظام السوري محلها”.

زيارة الوفد الروسي إلى أنقرة أمس الخميس واليوم الجمعة بقيادة نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشنين سبقتها زيارة وفد أمريكي برئاسة الممثل الأمريكي الخاص السابق في سوريا، جيمس جيفري، الذي التقى مع مسؤولين أتراك في العاصمة التركية. وذكرت مصادر أن الوفد الأمريكي طلب من أنقرة “التروّي” قبل الإقدام على أي خطوة عسكرية، مقابل ضمان تنفيذ مطالبها بسحب الوحدات الكردية من الشريط الحدودي بعمق 30 كيلومترًا.

أما موقع أكسيوس الأمريكي الإخباري فنقل عن مصادر خاصة به أن واشنطن سعت للوصول إلى تسوية مع تركيا، حيث “حذرت تركيا من أن الضربات في سوريا تعرض القوات الأمريكية للخطر ووجهت رسالة شديدة اللهجة تعارض فيها القصف التركي لشمالي سوريا لكنها عرضت على الأتراك في المقابل تنفيذ بعض مطالبهم في شمال سوريا، من قبيل إعادة هيكلة “قسد” ومنح دور أكبر للمكوّن العربي في إدارة منبج وتل رفعت وعين العرب”. ونتج عن هذه الضغوط الأمريكية، تراجع في حدة القصف الجوي التركي على مناطق سيطرة “قسد” شمال سوريا، وعدم الحديث عن عملية برية.

هدوء ميداني

يبدو أن التدخلات الدبلوماسية الروسية والأمريكية ساهمت في إعادة الوضع الميداني إلى سابق حاله قبل التصعيد الأخير المتمثلة في إدخال تركيا تعزيزات عسكرية جديدة وشنّ قواتها ضربات على مواقع مختلفة للقوات الكردية في أرياف حلب والرقة، تمهيدًا لعمليتها العسكرية الواسعة التي هدّدت بها بعد تفجير إسطنبول. وانخفضت طيلة الأيام الثلاثة الماضية حدة القصف الجوي، وعادت وتيرة القصف لما كانت عليه قبل بدء الضربات الجوية.

إلا أنّ بعض المتابعين يعتقدون أن هناك إمكانية لعودة التصعيد طالما لم تحقق أنقرة مطالبها، خاصةً أنها كانت تلوح بالعملية البرية في شمال سوريا منذ أشهر، فيما أصبحت ملحةً بشكلٍ كبير بالنسبة لها بعد تفجير إسطنبول ومع قرب الانتخابات التركية العام المقبل. وفي السياق نفسه نقلت وسائل إعلام عن النائب السابق في حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، رسول طوسون، تصريحه بأن العملية العسكرية البرية “لا مفر منها في الشمال السوري، إلا في حال التزام واشنطن وموسكو بمطالب أنقرة”.

 التطبيع مع النظام

تستمر الحكومة التركية في إرسال إشارات واضحة حول إمكانية التطبيع مع النظام السوري خلال الفترة القادمة، ورغم أن تقارير صحيفة أشارت خلال الأيام الماضية إلى أن جهود روسيا لجمع رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم تنجح حتى الآن، إلّا أن تركيا مستمرة في وضع مقدمات تمهد إعلان التطبيع، كان آخرها تصريح المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر جيليك أن تركيا قد تتعاون مع النظام السوري لمواجهة التهديدات “الإرهابية” والحفاظ على وحدة الأراضي السورية بحسب ما نقلته صحيفة “ديلي صباح” التركية.

وتابع جليك حديثه، بالإشارة إلى وجود محادثات مع النظام السوري على المستوى الأمني، مؤكدًا أن هذه المحادثات قد تتحول خلال الفترة القادمة إلى اجتماعات على المستوى السياسي.

—————————–

======================

تحديث 14 كانون الأول 2022

————————

جيمس جيفري: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تساوم تركيا بشأن سوريا؟

إسطنبول ـ ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا

قال المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري إن الرئيس التركي رجيب طيب أردوغان يبدو أكثر جدية عما مضى بشأن إطلاق عملية عسكرية ضد “قسد” شمال شرقي سوريا.

وأضاف في مقالة

نشرها موقع فورين بوليسي، أن الرئيس التركي لم يتخذ قرارا نهائيا بعد، لكنه بالتأكيد سيطلق شكلا من أشكال العمليات العسكرية البرية.

وأشار إلى أن التهديدات التركية بشن عمليات برية في سوريا ضد “الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني (PKK)، ووحدات الحماية الشعبية (YPG) – أثارت التوترات مرة أخرى في العلاقة الثنائية مع واشنطن”.

وأوضح أن الولايات المتحدة لديها مصالح متضاربة مع تركيا. وتتفق مصالح البلدين في عشرات القضايا، من أوكرانيا إلى السياسة النووية لحلف الناتو وإيران، ورغم العديد من المحن لكن واشنطن هي الحليف الأكثر حيوية لأنقرة، وتركيا بالنظر إلى وزنها الاقتصادي والعسكري وجغرافيتها الاستراتيجية، شريك رئيسي للولايات المتحدة في أوراسيا.

ومع ذلك يقول جيفري: أدت الخلافات حول دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب في الجهد المشترك ضد تنظيم الدولة إلى اضطراب العلاقات مرارا وتكرارا منذ عام 2016. ويتابع”تمت إعادة تسمية وحدات حماية الشعب في عام 2015 باسم قوات سوريا الديمقراطية أو قسد ، من قبل الجيش الأميركي في محاولة سطحية للتقليل من أهمية هذه الوحدات وصلاتها بحزب العمال الكردستاني المدرج على قوائم الإرهاب الأميركية” لكن ذلك لم يغير من طبيعتها كما يرى جيفري.

الأهداف التركية – الأميركية حول سوريا متشابهة

ويشير جيفري إلى أن الأهداف التركية – الأميركية المتعلقة بسوريا متشابهة بشكل عام.  وغالبا ما ينسق البلدان، بما في ذلك الموافقة على حل سياسي للصراع بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، ودعم ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري مسجل في تركيا، ومعارضة المزيد من العمليات العسكرية لقوات النظام ضد سد ضد مدينة إدلب. حتى أن واشنطن وأنقرة تعاونتا عندما قررت الولايات المتحدة دعم قوات سوريا الديمقراطية في عين العرب/كوباني ضد هجوم تنظيم الدولة في أيلول 2014.

ويوضح جيفري أن تركيا التي عادت الآن إلى المعركة ضد حزب العمال الكردستاني رأت أن هذا أمر مفهوم على أنه تهديد محتمل وأظهرت أكثر من أي وقت مضى موقفا ضد سياسة الولايات المتحدة، التي “عرّفت بشكل غير مقنع الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية بأنه “مؤقت وتكتيكي وتعاملي”. ولم تستطع واشنطن صياغة لعبة نهائية للدولة المصغرة التي ساعدت في إنشائها – لأنه يمكن القول إنها لم يكن لديها واحدة” على حد قوله.

ويلفت جيفري إلى أن السبب المباشر للأزمة الحالية هو تفجير إسطنبول مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص، وهو ما تنسبه أنقرة إلى حزب العمال الكردستاني الذي يعمل انطلاقاً من سوريا.

وعلى الرغم من أن أردوغان قد هدد سابقًا بشن عمليات برية ضد قوات سوريا الديمقراطية إلا أن واشنطن وموسكو قنعتاه بالعدول عن ذلك، إلا أنه يبدو هذه المرة أكثر جدية. ويعزو بعض المراقبين ذلك إلى الانتخابات الوطنية المقبلة في تركيا في منتصف عام 2023.

مخاوف واشنطن من العمل العسكري التركي في سوريا

وبحسب جيفري “تخشى واشنطن من أن توغلا تركيا جديدا في سوريا – لا سيما في الشمال الشرقي، يمكن أن يقوض العمليات ضد تنظيم الدولة، وعلى وجه الخصوص حراسة “قسد” لآلاف السجناء من التنظيم وأفراد أسرهم، وبالتالي يحث تركيا بعبارات أقوى على عدم شن عملية. لا يبدو أن الأتراك يستجيبون لنداء واشنطن، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنهم سمعوا نفس النغمة قبل توغلهم عام 2018 ضد قوات سوريا الديمقراطية في عفرين بسوريا، ولم يتعرضوا لأي عواقب طويلة المدى لتجاهلها ذلك الوقت”.

بشكل عام، تبدو أنقرة محبطة من أنه بعد ثماني سنوات، ما زالت لا تعرف نوايا واشنطن طويلة المدى في الشمال الشرقي (جزئيًا لأن واشنطن، بخلاف دعم قرار الأمم المتحدة 2254، لم تعلن عن أي استراتيجية شاملة).

ماذا بإمكان واشنطن أن تقدم لأنقرة؟

كانت روسيا – التي تعمل قواتها في منطقتين من المناطق التي يتطلع إليها الأتراك (عين العرب/كوباني ومنبج) والتي من المفترض أن تؤثر على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية في عام 2019 – تتفاوض مجددا بشأن الانسحاب مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي) دون نجاح كبير، بينما ناشد عبدي الولايات المتحدة، بما في ذلك على صفحات الواشنطن بوست، لوقف العملية العسكرية التركية.

اقرأ أيضا: جيمس جيفري: الانسحاب الأميركي من سوريا على الطريقة الأفغانية سيولد صدمة  

ويضيف “من المؤكد أن القيام بذلك من مصلحة واشنطن. على الرغم من أن الروس يزعمون أنهم يحاولون ردع الأتراك من خلال إقناع قوات سوريا الديمقراطية بالانسحاب، مع العلم أن حليفهم الأسد لا يريد أن تستولي تركيا على المزيد من الأراضي السورية، فإن موسكو لديها مصالح متضاربة. الانهيار التام للعلاقات الأميركية التركية الناجم عن العملية، وربما حتى انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا الفوضوي (تم بالفعل سحب موظفي وزارة الخارجية الأميركية)، سيكون في مصلحة روسيا بالنظر إلى الدور الحاسم الذي تلعبه تركيا في احتواء الفوضى ليس فقط في سوريا ولكن أيضا في ليبيا والقوقاز  والأهم من ذلك أوكرانيا، حيث قدمت تركيا أنظمة أسلحة رئيسية إلى كييف، واستخدمت اتفاقية مونترو لعام 1936 لمنع التعزيزات البحرية الروسية في البحر الأسود، وأوقفت الرحلات الجوية العسكرية الروسية. بين روسيا وسوريا مرورا بتركيا. وبالتالي ، هناك بعض الشكوك في أن موسكو قد تعطي الضوء الأخضر لتوغل في عين العرب/كوباني، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على علاقات الولايات المتحدة مع كل من تركيا والأكراد”.

لكن احتجاجات واشنطن وحدها لن تجبر أنقرة على التنحي. بدلاً من ذلك، يمكن للمسؤولين الأميركيين البناء على الترتيبات الثلاثية السابقة بين تركيا والولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية لوضع عرض حقيقي على الطاولة.

قسد شمال شرقي سوريا

تركيا تطالب روسيا بتنفيذ تعهداتها بشأن “قسد” شمال شرقي سوريا

مطالب تركيا الفورية هي أن تنسحب قوات سوريا الديمقراطية من المناطق الحدودية. كما تريد التزامات ضد هجمات حزب العمال الكردستاني من سوريا على الأراضي التركية. وهناك سوابق لهذا. في عام 2016 ، التزمت الولايات المتحدة – بما في ذلك نائب الرئيس آنذاك جو بايدن نفسه – تجاه تركيا بضمان انسحاب قوات سوريا الديمقراطية عبر نهر الفرات بعد أن استولت على منبج، بعد فشل إدارة أوباما في المتابعة، تفاوضت إدارة ترامب على انسحاب جديد لقسد من منبج في عام 2018 وكان ذلك ناججا جزئيا فقط بسبب تعنت قوات سوريا الديمقراطية والجدال الداخلي الأميركي.

في عام 2019، وافقت أنقرة وواشنطن وقوات سوريا الديمقراطية رسميا على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي إلى ما بين أربعة و 14 كيلومترا من الحدود التركية، مع تسيير دوريات عسكرية أميركية تركية مشتركة للتحقق. (تم التراجع عن هذا الاتفاق بحكم الأمر الواقع من خلال التوغل التركي في تشرين الأول2019 واتفاق بنس وأردوغان). علاوة على ذلك، حصلت واشنطن على تعهدات متكررة من قوات سوريا الديمقراطية بعدم مهاجمة تركيا من شمال شرقي سوريا. (تم تتبع الهجمات الأخيرة في تركيا إلى قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الغربي، وليس شمال شرقي سوريا).

ويشدد جيفري على ضرورة تنشيط واشنطن لهذه الالتزامات بشكل ما. “يمكن لقوات سوريا الديمقراطية الانسحاب من منبج وعين العرب/كوباني، كما سبق أن وافقت على ذلك بأشكال مختلفة، وتمديد تعهدها بعدم مهاجمة تركيا من شمال شرقي سوريا وعدم مهاجمتها من أي مكان في سوريا، مقابل وعد تركي بعدم التحرك ضد منبج. أو الشمال الشرقي. لا يزال بإمكان تركيا مهاجمة تل رفعت، لكن لا علاقة لعناصر حزب العمال الكردستاني هناك بالولايات المتحدة، وبالتالي فإن الهجوم هناك سيكون أقل زعزعة لاستقرار العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا من أي مكان آخر”.

ويختم جيفري مقالته بالقول “كانت لمبادرات مماثلة مع تركيا بشأن هذه القضايا نتائج متباينة بالتأكيد، لكن المخاطر كبيرة بما يكفي لتبرير التحدث إلى كل من الأتراك وقوات سوريا الديمقراطية على مستوى رفيع للغاية. ولكن حتى إذا نجحت واشنطن في تأجيل هجوم تركي فإنها مدينة لأنقرة – ومواطنيها، الذين يتعرض جنودهم غالبا لإطلاق النار في سوريا – بالإجابة على السؤال “كيف ينتهي كل هذا؟” لسوريا ككل”.

تلفزيون سوريا

—————————

القطار السوري الذي فات أردوغان/ خيرالله خيرالله

فات القطار السوري تركيا. يمكن لتركيا أن تكون شريكا في الحلّ أو التصعيد في سوريا، لكنه لن يكون في استطاعتها التحكّم وحدها بالوضع السوري، علما أن ذلك كان متاحا في مرحلة معيّنة، مرحلة ما بعد اندلاع الثورة السوريّة في آذار – مارس من العام 2011.

وقتذاك، كان الشعب السوري، بأكثريته، يتطلع إلى دور تركي بناء يصبّ في تخليص هذا الشعب من نظام أقلّوي يجمع بين أسوأ ما في مدرسة حزب البعث وتخلّفه من جهة وبين سيطرة أقلّية علويّة على بلد يشكل السنّة نسبة نحو 75 في المئة من مواطنيه من جهة أخرى.

بدل العمل الجدّي على إحداث التغيير المطلوب في سوريا، وكان ذلك متاحا، أضاع رجب طيب أردوغان وقته في معارك داخليّة صبت في التخلص من أقرب الناس إليه في حزب العدالة والتنمية الحاكم تمهيدا لإقامة نظام رئاسي على قياسه.

وفّرت تركيا، بسبب الطموحات الشخصيّة لأردوغان كل الوقت اللازم كي تدخل إيران على خط حماية النظام السوري من منطلق مذهبي. فعلت ذلك مباشرة وعبر ميليشيات مذهبيّة تابعة لها ولـ”الحرس الثوري” مثل “حزب الله” اللبناني وميليشيات أخرى أفغانيّة وعراقيّة. عندما وجدت إيران أنّه لم يعد في استطاعتها حماية نظام بشّار الأسد، ذهب قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” إلى موسكو في أيلول – سبتمبر 2015. نجح في جرّ الجانب الروسي إلى المشاركة مباشرة في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه. في الوقت ذاته، وضعت روسيا حدودا للتدخل التركي في سوريا وتوصّل فلاديمير بوتين إلى تفاهمات مع أردوغان رسمت خطوطا عريضة لما يستطيع كلّ منهما عمله في ظلّ معادلة تمنع سقوط بشّار الأسد وخروجه من دمشق نهائيا.

استفاق الرئيس التركي متأخرا على الوجود الكردي في الشمال السوري عبر ما يسمّى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). ما جعله يستفيق على ذلك شعور تركيا بثقة في النفس أكثر من أي وقت. يعود ذلك إلى عاملي انهماك النظام الإيراني في أزمة داخليّة لا سابق لها… وغرق بوتين في الوحول الأوكرانيّة. جعله هذا الغرق في حاجة إلى أردوغان أكثر من أي وقت.

هل يتمكن الرئيس التركي من تعويض الفرصة السوريّة التي أضاعها في العامين 2011 و2012؟ يبدو ذلك أمرا مشكوكا فيه في ضوء ما يعتبره خبراء مغامرة كبيرة، خصوصا إذا سعى أردوغان، بمبادرة منه، إلى إقامة منطقة عازلة على طول الحدود التركيّة – السوريّة في عمق ثلاثين كيلومترا.

تحتاج مثل هذه المغامرة قبل كلّ شيء إلى توافق أميركي – روسي – تركي من أجل إنشاء منطقة عازلة شمال طريق حلب – القامشلي المسمّى M4. ستعمل تركيا على أن تكون هذه المنطقة العازلة عربية مئة في المئة تقريبا وسوف تحاول إعادة ما أمكن من لاجئين عرب سوريين من السنّة إليها. ستتسبب العملية إذا حصلت بموجة نزوح كردية إلى جنوب الـM4.

يصعب التكهن برد فعل الأكراد على حملة من هذا النوع تستهدف تهجيرهم من شمال الـM4. يخشى أن تقابل ذلك حملات عنصرية يشنها الأكراد في شمال شرق سوريا. مثل هذه الحملات العنصرية الانتقامية ستجرّ في حال حصلت إلى سفك للدماء، إذ ستترتب عليها ردود أفعال للعشائر العربية في شمال الشرق السوري. فشمال الشرق يعيش أصلا حال احتقان بين العرب والأكراد. يشكو العرب هناك من ممارسات عنصرية ضدهم من قبل الإدارة الذاتية الكردية المدعومة من الأميركيين. يؤكّد ذلك ما حصل العام الماضي من اشتباكات ومعارك بين قوات الأكراد والعشائر العربية شرق الحسكة.

ليس مستبعدا أن يردّ الأكراد، في حال تعرضهم لهجوم واسع، بإطلاق الآلاف من عناصر تنظيم داعش الإرهابي الموجودين في مخيمي الهول وغويران. سيؤدي مثل هذا التسيب إلى عودة ظهور داعش بقوة على المسرح السوري. ليس سرّا أن هناك وجودا لداعش في الوقت الحاضر، لكنّ هذا الوجود محصور حاليا في المنطقة الممتدة من جنوب الفرات إلى أطراف شرق مدينة حمص وتحديدا منطقة السخنة مرورا بتدمر.

في حال ظهور داعش مجددا وبشكل واسع في ظل التدهور والعجز الاقتصادي اللذين يعاني منهما النظام سيكون هناك تدهور عسكري خطير. مرد ذلك إلى أنّ الجيش النظامي السوري يعاني حاليا من عجز لدى النظام في توفير رواتب للجنود، بل إنّه عاجز أيضا عن إطعام عناصره المنتشرة في أرجاء سوريا. ستكون للتدهور الذي سيتعرض له جيش النظام نتائج كارثيّة من بينها تسيب أمني خطير في كامل أرجاء سوريا، خصوصا في المناطق التي تخضع للنظام. بكلام أوضح، سيؤدي ضعف النظام وفشل الدولة إلى زيادة الإقبال على الانخراط في صفوف التنظيمات المتطرفة لأنها ستكون الطرف الوحيد القادر على تأمين العمل والحماية للمجتمعات المحلية.

في الأصل، لم يجبر أحد تركيا على لعب دور في سوريا في ضوء اندلاع الثورة الشعبيّة، وهي ثورة حقيقيّة وصادقة في الوقت ذاته. لكنّ تركيا تدخلت في سوريا بطريقة ارتدت عليها، إذ بات عليها الآن إعادة النظر في كلّ حساباتها، بما في ذلك حساباتها الكرديّة وتلك المرتبطة بالسوريين الموجودين في أراضيها. الأكيد أن التفاهم مع روسيا ليس كافيا لشن عمليّة واسعة. هناك حاجة إلى تفاهم في العمق مع أميركا. لكن، هل هناك من يعرف ما الذي تريده أميركا في سوريا؟ حسنا، يوجد تفاهم أميركي مع الأكراد. ما آفاق هذا التفاهم في حين ليس في استطاعة تركيا قبول قيام كيان كردي لا في سوريا ولا في خارج سوريا؟

يجد أردوغان نفسه أمام معادلة في غاية التعقيد والصعوبة. يدفع ثمن الموقف التركي المتذبذب من أحداث سوريا. ما كان ممكنا قبل عشر سنوات أو إحد عشر سنة صار في غاية الصعوبة الآن…

إعلامي لبناني

العرب

—————————

تفاؤل روسي بتراجع تركيا عن عمليتها البرية شمال سوريا

مبعوث أميركي سابق يحذّر من انهيار العلاقات بين أنقرة وواشنطن

أنقرة: سعيد عبد الرازق

بينما بحث مجلس الوزراء التركي في اجتماع برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان في أنقرة تطورات الوضع في شمال سوريا في ضوء التحركات التركية الرامية إلى القضاء على التهديدات القادمة من الجانب السوري والمشاورات التي أجريت مع الجانب الروسي الأسبوع الماضي، لمحت موسكو إلى إمكانية إقناع أنقرة بالتراجع عن عملية عسكرية لوحت بها في شمال سوريا، في حين صدر تحذير أميركي جديد من أن تلك العملية ستؤدي حال تنفيذها إلى انهيار العلاقات التركية – الأميركية.

ونقلت وسائل إعلام تركية قول المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، الاثنين، إن بلاده تواصل إقناع الجانب التركي بعدم البدء في العملية البرية في شمال سوريا، مؤكداً أن هناك نجاحات تحققت في هذا الاتجاه، و«سنبقى على اتصال».

وبحسب الإعلام التركي أيضاً، رأى المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف أن «هناك احتمالا لعدول تركيا عن القيام بعملية برية في سوريا»، على الرغم من أن أنقرة لم تقدم مثل هذه التأكيدات. ولفت إلى أن «روسيا تأمل في أن تستمع أنقرة إلى دعوة موسكو بشأن عدم جدوى العملية في سوريا». وأضاف «لا أحد يريد تصعيد التوتر، ليس فقط في منطقة شمال وشمال شرقي سوريا، لكن أيضا في جميع أنحاء المنطقة، وربما أكثر، في جميع المناطق. لذلك لا يزال هناك أمل في تخلي تركيا عن العملية».

وعقدت في إسطنبول، يومي الخميس والجمعة الماضيين، مشاورات تركية – روسية برئاسة نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال ونظيره الروسي سيرغي فيرشينين، تناولت العملية العسكرية التركية المحتملة ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا، ومساعي روسيا لتحقيق التقارب بين تركيا ونظام بشار الأسد.

وبحسب بيان للخارجية التركية، السبت، طالب الجانب التركي خلال المشاورات روسيا، مجدداً، بتنفيذ تعهداتها بموجب مذكرة التفاهم الموقعة في سوتشي في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بشأن وقف عملية «نبع السلام» العسكرية التركية ضد مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال شرقي سوريا، وسحب مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات «قسد»، مسافة 30 كيلومترا في عمق الأراضي السورية جنوب الحدود مع تركيا.

– إصرار تركي

وفي اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأحد، أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أولوية تطهير الحدود السورية مع تركيا من «الإرهابيين» بعمق 30 كيلومترا على الأقل في المرحلة الأولى بموجب تفاهم سوتشي 2019، لافتا إلى مواصلة وحدات حماية الشعب أنشطتها الانفصالية في شمال سوريا وهجماتها الإرهابية ضد تركيا.

وناقش مجلس الوزراء التركي في اجتماعه، الاثنين، برئاسة إردوغان الوضع في شمال سوريا والتطورات على الحدود ونتيجة المشاورات والاتصالات مع الجانبين الروسي والأميركي.

وفيما يتعلق بجهود التقارب بين أنقرة ودمشق، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين إن «أنقرة تدرك ضرورة التطبيع والحفاظ على العلاقات مع دمشق». وقال فرشينين إن هناك تفاهما في تركيا على ضرورة تطبيع العلاقات والحفاظ عليها بين أنقرة وجميع الدول المجاورة في المنطقة، بما في ذلك سوريا، مشيراً إلى وجود اتصالات بين أنقرة ودمشق.

وعن احتمال عقد لقاء بين إردوغان والأسد، قال فرشينين: «بالنسبة إلى قضايا تنظيم اللقاءات على مختلف المستويات، بما في ذلك على أعلى المستويات، فإننا ننطلق من حقيقة أن هذا قرار دولتين لديهما سيادة»، وأشار إلى أن مسألة التسوية السورية نوقشت بالتفصيل خلال محادثات إسطنبول، وقمنا بذلك من وجهة نظر ضمان التقدم نحو تسوية مستدامة وطويلة الأجل في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. وشدد الجانبان التركي والروسي على ضرورة «الاستعادة الكاملة لوحدة أراضي سوريا». وتابع: «في هذا الصدد، نحن دائما ندعم الحوار بين دمشق وممثلي الأكراد… وفي سياق العلاقات الثنائية بين تركيا وسوريا، نعلم أن هذه العلاقات ليست سهلة، لكننا نرى أيضا ضرورة الوصول إلى قاسم مشترك بين هذين البلدين الإقليميين المهمين. إننا ندافع عن تطبيع العلاقات انطلاقاً من حقيقة أنّ ذلك سيكون عاملاً جيداً لضمان الاستقرار والسلام في المنطقة».

– تحذير أميركي

في غضون ذلك، حذر المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري من انهيار العلاقات التركية – الأميركي جراء تهديدات أنقرة بشن عملية برية ضد قوات «قسد»، حليفة واشنطن في الحرب على «تنظيم داعش» الإرهابي، عقب التوترات الحاصلة بين الطرفين بشأن سوريا.

ولفت جيفري، في مقال بمجلة «فورين بوليسي» الأميركية، إلى أن الخلافات حول دعم واشنطن لـ«قسد» في الجهد المشترك ضد «تنظيم داعش»، أدت إلى اضطراب العلاقات مع أنقرة منذ العام 2016، وأن واشنطن تخشى توغلا تركيا في سوريا يمكن أن يقوض العمليات ضد التنظيم، وعلى وجه الخصوص حراسة قسد لآلاف السجناء من التنظيم وأفراد أسرهم.

وحث جيفري الإدارة الأميركية على تنشيط التزاماتها السابقة مع تركيا من خلال انسحاب «قسد» من مدينتي عين العرب ومنبج بريف حلب، مشيراً إلى أن واشنطن وافقت سابقاً على القيام بذلك في أشكال مختلفة.

وكان وزير الدفاع التركي التركي خلوصي أكار صرح بأن «الأميركيين طلبوا منا إعادة تقييم العملية العسكرية المحتملة ضد الإرهاب شمال سوريا، وفي المقابل طلبنا منهم الوفاء بتعهداتهم»، وذلك بعد إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أن وزير الدفاع لويد أوستن أبلغ نظيره التركي، في اتصال هاتفي، أن غارات أنقرة الأخيرة في سوريا تهدد القوات الأميركية. ودعا إلى وقف التصعيد، مؤكداً معارضة البنتاغون القوية لعملية عسكرية تركية جديدة في سوريا.

ويثير دعم الولايات المتحدة لـ«قسد» في إطار الحرب على «داعش» غضب تركيا التي تتهم حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بالتغاضي عن التهديدات التي يتعرض لها أمنها، وكذلك بعدم الوفاء بالتزاماتها بشأن سحب عناصر «قسد» من منبج ومن مناطق أخرى في شرق الفرات بموجب تفاهمات بين الجانبين في هذا الصدد.

– هجمات على «قسد»

ميدانياً، قصفت القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لأنقرة، ليل الأحد – الاثنين، بالمدفعية الثقيلة محيط مدينة تل رفعت وقرية الشيخ عيسى وحربل بريف حلب الشمالي وقرية أبين بناحية شيراوا بريف عفرين، بالتزامن مع تحليق مكثف للطائرات الحربية الروسية في أجواء المنطقة.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الاثنين، بأن طائرة مسيرة مسلحة تركية استهدفت موقعا عسكريا لقسد في محيط قرية الدبس شمال الرقة، وذلك، في ظل استمرار حالة الهدوء الحذر في مناطق شمال وشرق سوريا ومناطق ريف حلب، في ظل المشاورات بين أنقرة وموسكو والاتصالات مع الجانب الأميركي.

الشرق الأوسط

————————–

3 أسباب لـ«الشلل» السوري و«غضب إيران» أحدها/ إبراهيم حميدي

لا خلاف في أن الأزمة الاقتصادية في سوريا غير مسبوقة. لكن، ما هي أسبابها الفعلية والجديدة؟ ولماذا لا تساهم إيران في حلها كما جرت العادة في العقد الماضي؟ وهل يؤدي إلى «تنازلات سياسية» من دمشق؟

خلال السنوات الأخيرة، قيل أكثر من مرة، إن الأزمة الاقتصادية بلغت «حداً غير مسبوق». لم يكن هذا كلاماً مبالَغاً فيه. كان صحيحاً، كما هو الحال الآن. وبالفعل، غاص السوريون في عمق جديد وهوة سوداء من المعاناة، امتدت في جغرافيا البلاد، خصوصاً في مناطق سيطرة الحكومة وعاصمتها، ومع قدوم فصل الشتاء. أسعار مرتفعة، فقر جاف، لا كهرباء، خبز قليل، مشتقات نفطية نادرة، لا مدخرات، تحويلات خارجية قليلة من المغتربين، وشوارع فارغة إلا من متسولين وباحثين عن الهجرة.

يتحدث البعض حالياً عن «شلل» في دمشق. بلغت الأمور حد أن مؤسسات حكومية باتت تفكر في إغلاق أبوابها أو تقليص ساعات العمل وتمديد ساعات العطل، وخفضت جامعات ساعات التدريس أو أوقفتها، بل إن مستشفيات لها علاقة بالحياة والموت، تخطط لتقليص «ساعات العمل». ولم يكن ما حصل في السويداء وما كتب على وسائل التواصل الاجتماعي من شخصيات سورية بارزة، إلا صرخة معبرة عن العمق الجديد الذي وصلت إليه الأزمة.

– لماذا تفاقمت الأزمة الآن؟

طوال أمد الحرب، عرفت البلاد القصف والهجرة والتهجير والخطف والاختطاف والسجن والفساد وسوء الإدارة والعقوبات الغربية والعزلة السياسية والحصار وندرة المساعدات الخارجية والاستثمارات. هذه كلها أمور ليست جديدة. الجديد، هو ثلاثة أمور ساهمت في دفع سوريي الداخل إلى حافة جديدة، هي:

أولاً، الحرب الأوكرانية؛ إذ إن انشغال روسيا بهذه الحرب قلّص من إمكانيات اهتمامها بسوريا وتقديمها مساعدات، على قلتها، سواء ما يتعلق بالمشتقات النفطية أو الحبوب والمواد الإنسانية. كما أن الحرب نقلت اهتمام الدول الغربية والدول المانحة من سوريا إلى دول أوروبية قريبة منها جغرافياً وإنسانياً. وكان هذا واضحاً في تغير اتجاه المساعدات الإنسانية، وتراجع وفاء الدول المانحة بالتزاماتها بموجب مؤتمر بروكسل للمانحين الذي عقد في ربيع العام الماضي إلى الثلث، مقابل زيادة الدعم العسكري والإنساني للأوكرانيين.

ثانياً، القصف التركي. فالحملة الأخيرة من القصف التركي على شمال شرقي سوريا، ركزت على البنية التحتية للنفط والغاز، لإضعاف أعمدة «الإدارة الذاتية» التي تعتقد أنقرة أنها «كيان كردي» قرب حدودها ويهدد أمنها القومي. يُضاف إلى ذلك، أن دمشق فرضت حصاراً على مناطق نفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«وحدات حماية الشعب» الكردية في حلب، ومنعت إدخال المواد الغذائية، فردت «قسد» بتخفيض أو وقف تزويد مناطق الحكومة بالمشتقات النفطية، علماً بأن «أثرياء الحرب» والوسطاء كانوا يقومون بنقل عشرات الآلاف من براميل النفط الخام والمشتقات النفطية عبر صهاريج من مناطق «قسد» شرق الفرات إلى مناطق الحكومة غرب البلاد.

ثالثاً، غضب إيران وانشغالها. فمنذ 2011، قامت طهران بتقديم كل أنواع الدعم إلى دمشق، من ميليشيات وخبراء ومقاتلين، وأسلحة وذخيرة ودعم عسكري، وخبرات للالتفاف على العقوبات الغربية، و«خطوط ائتمان» لتمويل المواد الغذائية والمشتقات النفطية، والكثير من السفن الحاملة للنفط ومشتقاته. الجديد أن هذا توقف. فالقيادة الإيرانية وعدت القيادة السورية بحاملات نفط ومشتقاته، لكن السفن لم تصل، بل إنها لم تنطلق من إيران. في السابق، كانت السفن تصل إلى السواحل السورية رغم الإجراءات والتوقيفات والملاحقات الغربية. هذه المرة، لم تصل بعد، وتأخرت في الإقلاع (هناك كلام عن سفينة جديدة في الطريق).

طهران مشغولة باحتجاجاتها وتراجع احتمالات توقيع الاتفاق النووي. أيضاً، طهران غاضبة، ودمشق لا تعرف السبب. هل للأمر علاقة فعلا بالتطبيع العربي مع دمشق؟ هل له علاقة بالاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لمواقع وأسلحة إيرانية في سوريا؟ هل له علاقة بالتوازنات الداخلية ومراكز القرار في دمشق واتجاهاتها؟

كلها تكهنات، لا جواب واضحاً فيها. وفي موازاة البحث السوري عن تفكيك «اللغز الإيراني»، هناك أسئلة أخرى تُطرح في عواصم غربية: هل ستقود الأزمة الاقتصادية العميقة إلى انهيارات سورية كبيرة؟ هل تسفر عن تنازلات سياسية من دمشق لم تقدمها أوقات نكسات عسكرية حصلت في السنوات السابقة، وتقلص مناطق السيطرة الحكومية؟ هل تسهِّل على دمشق قبول مقاربة «خطوة – خطوة» المعروضة عليها أممياً، أي مقايضة مرونة سياسية داخلية مقابل إغراءات اقتصادية أو سياسية خارجية؟ هل تعزز مواقع مسؤولين سوريين راغبين بالإصلاح والبحث عن حلول من بوابة تنازلات جيوسياسية؟ هل يجد «أثرياء الحرب» من كل ذلك مصدراً إضافياً للفساد وتجميع ثروات جديدة؟

بانتظار ولادة أجوبة واضحة واتجاهات محسومة، نهارات السوريين تزداد قسوة، ولياليهم تزداد سواداً.

الشرق الأوسط

——————————-

بشرط.. تركيا تبدي استعدادها للعمل مع النظام السوري في 3 ملفات

جدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، يوم أمس الإثنين، التأكيد على استعداد بلاده، للعمل مع النظام السوري وإعادة العلاقات معه.

وذكر جاويش أوغلو في في كلمة ألقاها خلال مشاركته في مناقشة موازنة وزارة الخارجية التركية بالجمعية العمومية للبرلمان، أن الأجهزة الاستخباراتية تواصل اتصالاتها مع مخابرات النظام السوري منذ فترة.

وأضاف: “إذا تصرف النظام بواقعية، فنحن مستعدون للعمل سوياً على محاربة الإرهاب والعملية السياسية وعودة السوريين”.

وأشار جاوسش أوغلو إلى أن تركيا تواصل مساعيها الرامية للقضاء على الإرهاب على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، مؤكداً أن بلاده لن تسمح باستمرار PKK/ YPG في سورية والعراق، وستفعل ما يلزم لاقتلاع التنظيم.

وخلال الأشهر القليلة الماضية أبدت تركيا على لسان كبار المسؤولين استعدادها لإعادة العلاقات مع النظام السوري، وأجرت في هذا الإطار عدة اجتماعات على مستوى الاستخبارات لتقييم إمكانية رفع المحادثات إلى المستويات السياسية.

كما أشار أردوغان في تصريح أواخر الشهر الماضي، إلى إمكانية إعادة العلاقات مع النظام السوري، وتطبيعها بشكل مشابه لما يجري مع مصر، قائلاً: “يمكن أن تعود الأمور إلى نصابها مع سورية (نظام الأسد) في المرحلة القادمة مثلما جرى مع مصر، فليست هناك خصومة دائمة في السياسة”.

وتعليقاً على ذلك، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أن حديث المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم أردوغان، حول اللقاء مع بشار الأسد، لا يعني وجود خطط فورية لذلك.

وقال قالن في تصريحات لقناة “الجزيرة” الناطقة بالإنجليزية: إنه لا يعرف ما إذا كان سينعقد لقاء بين أردوغان، ورئيس النظام السوري، أو موعد هذا اللقاء في حال تقرر بالفعل، مضيفاً: “ليس لدينا خطة فورية للقاء كهذا”.

وأردف: “لكن رئيس بلادنا يوجه رسالة إلى الأسد مفادها بأنه إذا تصرف بمسؤولية، وبدد المخاوف الأمنية لتركيا، وإذا سُمح للمسار السياسي بالتقدم، ومن ثَم تم إحراز التقدم بهذا المسار، وحماية الشعب السوري، وضمان السلام والاستقرار الإقليمييْنِ، والأمن والنظام على طول الحدود التركية السورية، وما إلى ذلك، فأنا مستعد لإعطاء فرصة للقاء”.

الجدير بالذكر أن التصريحات التركية هذه يقابلها هجوم من قِبل النظام السوري، حيث وجّهت جريدة “البعث” الرسمية انتقادات لاذعة لأردوغان قبل أيام، ووصفته بـ “العثماني الحالم”، كما هاجم معاون وزير الخارجية أيمن سوسان تركيا خلال اجتماع أستانا واعتبرها أنها دولة تحتل شمال سورية.

—————————————-

هل أرجأ الأتراك التوغل في شمال سورية؟/ أمين العاصي

تتجمّع معطيات سياسية وميدانية تشير إلى أن تركيا ربما تكون أرجأت العملية العسكرية التي كانت تهدد بشنها ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الشمال السوري، في ظل رفض أميركي لها، ووساطة روسية لتسوية تلبي شروط أنقرة. فقد ساد هدوء شبه تام خطوط التماس بين مناطق النفوذ التركي ومناطق سيطرة “قسد” والنظام السوري في شمالي سورية، حتى عصر أمس الثلاثاء، بعد أيام من القصف لا سيما من الأتراك.

وكان نائب وزير الخارجية الروسي مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، قد أعلن أول من أمس الاثنين، أن روسيا تواصل جهودها لثني تركيا عن شنّ عملية عسكرية برّية في سورية، وأن الحوار معها يبدو أنه حقّق نجاحاً. وقال بوغدانوف: “الحوار متواصل، لم تشّن أي عملية برية حتى الآن، ما يعني أنها نتيجة إيجابية بحد ذاتها”.

أردوغان وطلب دعم روسيا

بدوره، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه “ناقش اتحاذ خطوات مشتركة مع روسيا وطلب دعمها في شمال سورية”. وجاء كلامه بعد استقبال رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين، أمس الثلاثاء، في المجمع الرئاسي التركي بالعاصمة أنقرة.

في المقابل، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أن بلاده لن تسمح أبداً باستمرار تواجد “العمال الكردستاني” في سورية والعراق، وأن أنقرة ستفعل ما يلزم لاقتلاع هذا التنظيم من هاتين الدولتين. وفي كلمة له أمام الجمعية العمومية للبرلمان التركي، أول من أمس الاثنين، شدّد جاووش أوغلو على أن “تركيا تواصل مساعيها الرامية للقضاء على الإرهاب على الصعيدين العسكري والدبلوماسي”.

وأشار إلى أن الأجهزة الاستخباراتية التركية والتابعة للنظام السوري تواصل اتصالاتها منذ فترة، مضيفاً: “إذا تصرف النظام بواقعية، فنحن مستعدون للعمل معاً على محاربة الإرهاب والعملية السياسية وعودة السوريين”.

وأكدت مصادر مطلعة في الشمال السوري أن “روسيا تحاول إقناع أنقرة بإلغاء العملية في مقابل تعهد موسكو بإبعاد قسد عن الشريط الحدودي السوري مع تركيا”، مشيرة إلى أن الجانب التركي “يطالب بإبعاد العشرات من قياديي قسد التابعين بشكل مباشر لحزب العمال الكردستاني ويتولون مفاصل قرار في شمال شرقي سورية”.

وكانت تركيا قد أطلقت في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عملية “المخلب – السيف” ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية في شمال وشمال شرق سورية، بعد اتهامها بتدبير التفجير الذي وقع في إسطنبول في 13 نوفمبر الماضي، وأسفر عن 6 قتلى وعدد من المصابين، وهو ما نفاه المسلحون الأكراد.

وحشدت أنقرة عسكرياً في الشمال السوري لشن عملية برية، إلا أن التحركات الدولية خصوصاً من الروس والأميركيين حالت دون بدء هذه العملية. وعلى الرغم من إرجاء أو إلغاء العملية البرية، إلا أن الوقائع تؤكد أن الجانب التركي سيستمر في استهداف شخصيات ومواقع تابعة لـ”قسد” عن طريق المسيّرات.

وفي السياق، شرح المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، الأسباب التي دفعت تركيا ربما إلى إرجاء العملية العسكرية في شمال سورية. وقال: “الأسباب التي تدفع أنقرة إلى إلغاء العملية البرية كثيرة، لعل أبرزها الوجود الروسي الأميركي في الشمال والشمال الشرقي من سورية”.

وتابع أن “هناك اعتراضاً روسياً وإيرانياً وأميركياً على العملية التركية. واضح أن الدول الثلاث لا تريد أن تسيطر تركيا على المزيد من المناطق في سورية. هذا الأمر يقلق هذه الدول، المعترضة على خطط أنقرة في شمال سورية”. ولفت جوناي إلى أن الجانب الروسي “بدأ بإقناع الوحدات الكردية بالانسحاب من المناطق التي تطالب بها تركيا لتفادي العملية العسكرية، وهذا يصب في صالح الجميع ويحقن الدماء ويمنع حدوث انتهاكات جديدة في شمال سورية”.

وبيّن أن الوضع الداخلي في تركيا “يؤدي أيضاً دوراً في إلغاء العملية في الوقت الراهن”، مضيفاً أن “تكلفة العملية مرتفعة وغير مضمونة النتائج، وربما تستجر عقوبات أميركية على أنقرة، وهو ما يفاقم المشاكل الاقتصادية في تركيا. وهناك تروٍّ في أنقرة قبل اتخاذ أي قرار على هذا الصعيد”.

ودأبت أنقرة خلال الأعوام القليلة الماضية على “تحييد” أكبر عدد ممكن من قياديي “قسد”، خصوصاً المنتمين إلى “العمال الكردستاني”، وقُتل عدد منهم بينهم أتراك وإيرانيون أكراد، بقصف من الطيران التركي المسيّر على مواقع ليست بعيدة عن الحدود السورية التركية.

وتنظر أنقرة إلى “قسد” على أنها نسخة سورية من “العمال الكردستاني” الذي يتعرض لحملات عسكرية في العراق وسورية. وتطالب أنقرة بانسحاب “قسد” من ثلاث مناطق هي: تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ومنبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي.

وحتى اللحظة، ترفض “قسد” مطالب أنقرة مستندة إلى موقف أميركي رافض تحييد هذه القوات التي تعتبرها واشنطن الذراع البرية للتحالف الدولي في محاربة تنظيم “داعش” في ما بات يُعرف بمنطقة شرقي الفرات.

منع العملية العسكرية التركية

ورأى الباحث السياسي إبراهيم مسلم، وهو مقرّب من “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية التابعة لـ”قسد”، أن “الوساطة الروسية والتدخّل الأميركي منعا العملية العسكرية التركية في شمال سورية”، معرباً عن اعتقاده في حديثٍ مع “العربي الجديد”، بأن الوساطة الروسية “حفّزت الأميركيين على التدخل كي لا تسحب موسكو البساط من تحتهم في شمال شرقي سورية”.

وأكد أنه “بالفعل هناك قائمة تركية تتضمن أسماء شخصيات تشغل مواقع قيادية في حزب العمال موجودة في سورية تريد أنقرة إبعادهم”، مشيراً إلى أن “لدى واشنطن تخوفاً من قيام تركيا بقتل قياديي قسد من أكراد سورية كما فعلت عدة مرات من خلال الطيران المسيّر”.

——————————

أردوغان يطلب الدعم من بوتين في شمال سوريا

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده طلبت دعماً من روسيا من أجل القيام بعمليات مشتركة في شمال شرق سوريا، في حين أبدى وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو استعداد تركيا للعمل المشترك مع النظام السوري.

وأضاف أردوغان للصحافيين الثلاثاء، عقب لقاء جمعه مع رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين أن تركيا طلبت الدعم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعمل على اتخاذ قرارات مشتركة، وربما العمل على اتخاذ خطوات مشتركة شمال سوريا، مؤكداً أن تركيا لن تطلب الإذن من أحد.

من جهته، قال رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب في مؤتمر صحافي عقب لقاء ثنائي وآخر على مستوى الوفود في العاصمة التركية مع فولودين، إن الأرضية الصادقة والقائمة على الثقة بين تركيا وروسيا أسهمت بشكل كبير في تطور العلاقات بين البلدين.

وأوضح شنطوب أنه بحث مع فولودين عدداً من القضايا الإقليمية والدولية إلى جانب العلاقة الثنائية التي أكد أنها وصلت إلى مرحلة متقدمة سياسياً واقتصادياً في ظل الرئيسين بوتين وأردوغان.

في غضون ذلك، قال تشاووش أوغلو أمام البرلمان التركي إن تركيا مستعدة للعمل مع النظام السوري في “محاربة الإرهاب والعملية السياسية وعودة السوريين في حال تصرّف النظام بواقعية”، مؤكداً إن جهازي الاستخبارات يتواصلان معاً منذ فترة.

وشدّد الوزير التركي على أن بلاده لن تسمح أبداً باستمرار وجود حزب “العمال” الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي لدى تركيا، في سوريا والعراق، مؤكداً أن أنقرة ستفعل ما يلزم “لاقتلاع هذا التنظيم من هاتين الدولتين”.

يأتي ذلك في وقت تلوّح أنقرة بالقيام بعملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا، بالتزامن مع جهود روسية من أجل ثني الرئيس التركي عن شنّها عبر وساطة تهدف من خلالها الى إبعاد قسد عن الحدود التركية الجنوبية مع سوريا 30 كيلومتراً كما تريد أنقرة.

وفي السياق، قال نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الإثنين، إن الاتصالات مستمرة بين موسكو وأنقرة قبل أن تبدأ العملية البرية، لافتاً إلى وجود نجاحات في هذا الاتجاه.

فيما أكد أردوغان الأحد خلال اتصال هاتفي مع بوتين، ضرورة وأولوية تطهير الحدود السورية مع تركيا من الإرهابيين بعمق 30 كيلومتراً على الأقل في المرحلة الأولى بموجب اتفاق سوتشي المبرم في العام 2019.

————————————-

إردوغان يؤكد أن بلاده «لن تطلب إذناً» لشن عمليتها السورية

الحكومة التركية تجدّد عرضَها إعادة العلاقات مع نظام الأسد

أنقرة: سعيد عبد الرازق

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس الثلاثاء، إن تركيا طلبت دعم روسيا، وناقشت اتخاذ خطوات مشتركة معها في شمال سوريا؛ حيث تسعى أنقرة لتنفيذ عملية برية. وقال إردوغان للصحافيين في أنقرة: «طلبنا دعمه (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) لاتخاذ قرارات مشتركة، وربما العمل معاً لاتخاذ خطوات معاً هنا (في شمال سوريا)»، مضيفاً أن «تركيا لن تطلب الإذن من أحد»، في إشارة إلى أنها قد تنفذ العملية العسكرية في شمال سوريا بغضّ النظر عن الاعتراضات الروسية أو الأميركية.

جاء ذلك في وقت كشفت فيه تركيا أن الاتصالات التي تجريها مع النظام السوري على مستوى أجهزة المخابرات تركز على مسألة إعادة اللاجئين. وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن الاتصالات المستمرة مع النظام السوري على مستوى أجهزة المخابرات، تتناول عودة اللاجئين ومكافحة الإرهاب والعملية السياسية. وأكد جاويش أوغلو، خلال حديثه في البرلمان التركي، ليل الاثنين- الثلاثاء، ضمن جلسات مناقشة ميزانية تركيا للعام المقبل، أن الحكومة التركية على استعداد للعمل مع النظام السوري وإعادة العلاقات معه، وأن أجهزة المخابرات تواصل اتصالاتها به منذ فترة. وتابع بأنه «إذا تصرّف النظام بواقعية، فنحن مستعدون للعمل سوياً على محاربة الإرهاب، والعملية السياسية، وعودة السوريين».

وبات ملف عودة اللاجئين السوريين أحد الملفات الساخنة والمؤرقة في الوقت ذاته للحكومة التركية، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وهو ما زاد من ضغوط المعارضة والشارع التركي في الوقت ذاته، من أجل إعادة السوريين إلى بلادهم.

وبدفع من روسيا، أبدت تركيا خلال الأشهر الماضية استعدادها لإعادة العلاقات مع النظام السوري، وعقدت في هذا الإطار اجتماعات على مستوى المخابرات، لتقييم إمكانية رفع المحادثات إلى مستويات أعلى.

وأبدى الرئيس رجب طيب إردوغان، أكثر من مرة، استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، بينما لم تبدِ دمشق حماساً لعقد مثل هذا اللقاء قبل الانتخابات في تركيا، حتى لا تمنح إردوغان «نصراً مجانياً» في السباق على رئاسة تركيا، حسب تقارير إعلامية.

وعقب جولة مشاورات تركية- روسية، عُقدت في إسطنبول، يومي الخميس والجمعة الماضيين، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين الذي ترأس الجانب الروسي في المشاورات، إن «أنقرة تدرك ضرورة التطبيع والحفاظ على العلاقات مع دمشق». وأضاف أن هناك تفاهماً في تركيا على ضرورة تطبيع العلاقات، والحفاظ عليها بين أنقرة وجميع الدول المجاورة في المنطقة، بما في ذلك سوريا؛ مشيراً إلى وجود اتصالات بين أنقرة ودمشق.

وعن احتمال عقد لقاء بين إردوغان والأسد، قال فرشينين: «بالنسبة إلى قضايا تنظيم اللقاءات على مختلف المستويات، بما في ذلك على أعلى المستويات، فإننا ننطلق من حقيقة أن هذا قرار دولتين لديهما سيادة». وأشار إلى أن مسألة التسوية السورية نوقشت بالتفصيل خلال محادثات إسطنبول التي ترأَّس الجانب التركي فيها نظيره التركي سادات أونال، و«قمنا بذلك من وجهة نظر ضمان التقدم نحو تسوية مستدامة وطويلة الأجل في سوريا، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254». وقال إن الجانبين التركي والروسي شددا على ضرورة «الاستعادة الكاملة لوحدة أراضي سوريا». وتابع: «في سياق العلاقات الثنائية بين تركيا وسوريا، نعلم أن هذه العلاقات ليست سهلة؛ لكننا نرى أيضاً ضرورة الوصول إلى قاسم مشترك بين هذين البلدين الإقليميين المهمين. إننا ندافع عن تطبيع العلاقات انطلاقاً من حقيقة أنّ ذلك سيكون عاملاً جيداً لضمان الاستقرار والسلام في المنطقة».

وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، قد قال، أخيراً، إن حديث المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم إردوغان، حول اللقاء مع الأسد، لا يعني وجود خطط فورية لذلك.

في الوقت ذاته، أكد وزير الخارجية التركي أن بلاده لن تسمح أبداً باستمرار وجود «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكوّنات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في سوريا، إضافة إلى حزب «العمال الكردستاني» في العراق، و«ستفعل ما يلزم لاقتلاعهما من هاتين الدولتين الجارتين». وأشار مولود جاويش أوغلو إلى أن تركيا تواصل مساعيها «الرامية للقضاء على الإرهاب» على الصعيدين العسكري والدبلوماسي.

وتناولت المشاورات التركية- الروسية في إسطنبول التهديد التركي بتنفيذ عملية عسكرية برية تستهدف مواقع «قسد» في شمال سوريا؛ حيث طالب الجانب التركي روسيا بتنفيذ «تفاهم سوتشي» الموقع بين الجانبين في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وسحب قوات «قسد» مسافة 30 كيلومتراً، بعيداً عن الحدود التركية.

وبينما صدرت تصريحات متفائلة عن موسكو، الاثنين، بشأن إمكانية إقناع تركيا بالتخلي عن العملية العسكرية، قال الرئيس رجب طيب إردوغان، إن بلاده تهدف إلى استكمال الحزام الأمني على حدودها الجنوبية، بهدف «إحباط المخططات الغادرة والعدائية»، على حد قوله.

وواصلت القوات التركية، في غضون ذلك، الامتناع عن المشاركة في الدوريات المشتركة مع القوات الروسية في عين العرب (كوباني) التي تطالب أنقرة بانسحاب قوات «قسد» منها. وسيَّرت القوات الروسية، الاثنين، دورية عسكرية بشكل منفرد بعد انتظار العربات التركية في قرية غريب شرق عين العرب (كوباني) شرق حلب، إلا أنها لم تأتِ للمشاركة في الدورية. وأوقفت تركيا مشاركتها في الدوريات المشتركة عقب إطلاق عمليتها الجوية «المخلب- السيف» في شمال سوريا والعراق في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على خلفية التفجير الإرهابي في شارع الاستقلال، بمنطقة تقسيم، في إسطنبول، في 13 من الشهر ذاته. وخلَّف التفجير 6 قتلى و81 مصاباً، ونسبته السلطات إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية.

وبالتزامن مع تصاعد الحديث عن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، اعتمدت المفوضية الأوروبية 4 برامج جديدة لدعم اللاجئين، وإدارة مراقبة الحدود في تركيا بأكثر من 1.2 مليار يورو، منها حزمة بقيمة 220 مليون يورو لتحسين مراقبة الحدود الشرقية لتركيا. وبذلك يصل إجمالي مساعدات الاتحاد الأوروبي المعتمدة في عام 2022 إلى 1.235 مليار يورو لمواصلة دعم اللاجئين في تركيا، وتلبية الاحتياجات الأساسية لهم، ومساعدة الفئات الأكثر ضعفاً.

وقالت المفوضية الأوروبية، في بيان، الثلاثاء، إن هذه الأموال هي جزء من 3 مليارات يورو إضافية، تم الإعلان عنها في يونيو 2021، بعد موافقة المجلس الأوروبي، بهدف مواصلة مساعدة اللاجئين في تركيا حتى عام 2023.

وتشمل حزمة المساعدة الجديدة تخصيص 400 مليون يورو لمواصلة المساعدة النقدية، لدعم اللاجئين في تلبية احتياجاتهم الأساسية اليومية، في إطار شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ. كما تم تخصيص 234 مليون يورو لمشروعات تنفيذ استراتيجية التوظيف التركية، والبرنامج الاجتماعي والاقتصادي المستدام للاجئين؛ حيث تركز المساعدة على زيادة قابلية اللاجئين للتوظيف في السوق المحلية، بما في ذلك من طريق توفير التدريب المهني والتدريب على المهارات، من بين أشكال الدعم الأخرى. كذلك تم تخصيص 381 مليون يورو لمواصلة برنامج تكميلي ركَّز على تقديم الدعم النقدي للاجئين الأكثر ضعفاً (مثل كبار السن والمعوقين وغيرهم).

ويأتي الدعم الأوروبي لتركيا في إطار اتفاقية الهجرة وإعادة قبول اللاجئين الموقعة بين الجانبين في 18 مارس (آذار) 2016.

الشرق الاوسط

—————————–

======================

تحديث 22 كانون الأول 2022

—————————

كل هذه التعقيدات السورية/ مروان قبلان

مع تزايد العقبات أمام العملية البرّية التي كانت تعتزم تركيا القيام بها لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية، تتّجه أنقرة إلى بناء تفاهماتٍ جديدة أو تطوير قديمة، بشأن سورية، مع موسكو التي تواجه بدورها وضعاً صعباً في أوكرانيا. ويبدو أن نتائج انتخابات نوفمبر النصفية الأميركية التي جاءت بعكس ما تشتهيه سفن موسكو وأنقرة لعبت دوراً في الدفع نحو مزيد من التقارب الروسي – التركي، حيث عزّزت موقف إدارة بايدن التي تبدي التزاماً أكبر من الجمهوريين بدعم الأكراد (خصوم تركيا)، ولا تملك سياسة في سورية خلا مواجهة “داعش”. أما بالنسبة إلى موسكو، فإن نصف الانتصار الذي حقّقه الديموقراطيون في انتخابات نوفمبر يعني استمرار سياسة دعم أوكرانيا حتى “هزيمة” موسكو. لم يترُك هذا على ما يبدو أمام تركيا وروسيا من خيار إلا التعاون لتحقيق مصالحهما في سورية بالنسبة إلى الأولى، وفي أوكرانيا بالنسبة إلى الثانية.

يفسّر هذا تزايد الاتصالات التركية الروسية في الآونة الأخيرة، وعلى مستويات رفيعة، في ضوء تنامي المصالح المشتركة. ويبدو واضحاً أنه كلما اشتدّت الضغوط الغربية على موسكو تزايدت فرص تقاربها مع تركيا التي تحاول بدورها الاستفادة من مأزق روسيا والغرب، لتحقيق أمنها الطاقوي أولاً، وبلوغ حلمها القديم تالياً، والمتمثل في التحوّل إلى منطقة عبور للطاقة الواصلة إلى أوروبا من مناطق آسيا الوسطى وبحر قزوين وإيران ومنطقة الخليج العربي وروسيا وحتى البحر المتوسط، عبر التفاهم مع مصر وإسرائيل. تدرك روسيا أهمية هذا الحلم بالنسبة إلى تركيا، وهي تحاول لذلك شدّها إليها أكثر عبر اقتراح إنشاء مركز لتوزيع الطاقة الروسية على أراضيها. والواقع أن تركيا صارت، في الفترة الأخيرة، الرئة التي يتنفس الاقتصاد الروسي، الواقع تحت العقوبات الغربية، من خلالها، ما يفسّر تصريحات مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل، الأسبوع الماضي، وعبّر فيها عن قلقه حيال تنامي تقارب تركيا مع روسيا، حيث بات بعض المعلقين الأوروبيين يعتبرون أن تركيا تلعب دوراً لا يقلّ أهمية عن دور إيران في دعم مجهود روسيا الحربي، إنما على المستوى الاقتصادي.

وجد هذا التقارب الكبير بين تركيا وروسيا صدىً له في سورية أيضاً، حيث تحتاج حكومة أردوغان، مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في يونيو/ حزيران المقبل، إلى تحقيق نتائج سريعة على صعيد حل مسألة اللاجئين السوريين وإنهاء التهديد الذي تمثله قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة أميركياً، على مصالح تركيا الأمنية. هنا تحاول موسكو بدورها استغلال هموم أردوغان الانتخابية، لدفعه إلى استكمال استدارته السورية، خصوصاً أن الطرفين الروسي والتركي باتا متفقين على أولوية إخراج الأميركيين من شمال شرق سورية، وإعادة النظام إلى المناطق الحدودية، وتفعيل اتفاق أضنة معدّلاً. وتلعب موسكو، منذ فترة، دور وساطة بين أنقرة والنظام السوري، بلغت ذروتها أخيراً بطرح تركيا مقترحاً تلقّفته موسكو سريعاً لإنشاء آلية ثلاثية تركية روسية سورية “لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق”.

وفيما تريد موسكو، التي يعنيها بقاء أردوغان، وإبعاد المعارضة التركية، الأقرب إلى واشنطن عن الحكم، المضي سريعاً بإنشاء هذه الآلية، يتردّد النظام السوري، الذي، وإن كانت له مصلحة فعلية في حل مشكلاته مع أنقرة باعتبار ذلك خطوة لا غنى عنها نحو استعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية، واعترافاً “بشرعيته”، وفشل جهود إسقاطه، وانفتاحاً على قطب إقليمي مهم بحجم تركيا، إلا أنه يأمل حصول ذلك مع المعارضة التركية وليس مع أردوغان. ويسود اعتقاد بأن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يواجهه النظام السوري هو فقط ما يمكن أن يغيّر موقفه بخصوص التجاوب مع مساعي أنقرة وموسكو. من هذا الباب، يغمز بعضهم من جهة إيقاف موسكو كل مساعداتها للنظام (أغلبها نفط وقمح)، وكذلك تركيز تركيا، في الآونة الأخيرة، على تدمير البنية التحتية لاستخراج النفط من مناطق شرق الفرات التي يسيطر عليها الأكراد، ما أحدث أزمة خانقة في مناطق النظام. هل لما يجري على جبهة الشمال علاقة بمقتل الزعيم الرابع لـ”داعش” في درعا، والأنباء عن تسليم جثته للأميركيين؟ من الصعب الجزم بذلك، ما يمكن الجزم به حقاً أن الوضع السوري بات معقداً إلى درجةٍ يصعب معها اجتراح حلٍّ قريب له.

العربي الجديد

————————-

النظام السوري أمام خيارات أحلاها شديد المرارة/ بسام يوسف

ربما يكون من حسن حظ السوريين الذين جافاهم الحظ منذ زمن طويل، ووقف التاريخ والجغرافيا ومصالح الآخرين في وجههم، منذ أن وصل حافظ الأسد إلى موقع الرئاسة، أقول ربما يكون لمستجدات لا علاقة لهم بها دور آخر، فتسهم بإحداث نقلة نوعية في مسار الاستعصاء الطويل الذي فرض على ثورتهم، إذ تشاء الأقدار أن ينشغل الطرفان الأساسيان اللذان أنقذا نظام بشار الأسد من الانهيار، وتدخلا في الصراع السوري بكل ثقلهما، بمشكلات كبيرة متعلقة بهما، فروسيا التي أشعلت حربها مع أوكرانيا، بدأت تتخبط في تبعات هذه الحرب، وما خططت  له أن يكون سريعاً وحاسماً، انفتح على احتمالات متعددة، ومتشعبة ويصعب على بوتين وفريقه ضبط تداعياته، وإيران التي تغرق شيئاً فشيئاً في أزمة داخلية ليست كسابقاتها باعتراف رؤوس كبيرة في الدولة وفي الحرس الثوري، والتي وقفت مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا، مع ما يعنيه هذا من عداء لأميركا وأوروبا، تقف اليوم عاجزة عن الالتزام باستحقاقات وضعها الداخلي، واستحقاقات تمدّدها في أربع بلدان عربية غارقة في مشكلات وحروب بسببها.

لم تكن إيران لتتدخل بالشأن السوري بكل هذه القوة، لولا أن ما سعت إليه في تدخلها كان يرضي أطرافاً أخرى مثل إسرائيل وأميركا، ولم تكن روسيا التي تدخلت لاحقاً لتقدم على ذلك، لولا ما يشبه تفويضاً أميركياً، منحه أوباما لها بموافقة إسرائيلية، لكن ضمن محددات وضمانات قدمتها روسيا، وحاولت أن تعمل عليها ضمن رؤيتها الخاصة، فاخترعت لقاء سوتشي واتفاق سوتشي ومسار سوتشي، والذي استغرق أكثر من خمس سنوات، ليصبح بلا جدوى، وليموت بصمت حتى دون نعيه من أحد.

بانهيار اتفاق سوتشي، وبعجز روسيا عن تحقيق الضمانات التي قدمتها لإسرائيل وأميركا في الملف السوري، وبانتهاء الود الروسي الأميركي، والذي بدأت إرهاصاته الأولى في منتصف فترة رئاسة ترامب، وراح يتصاعد حتى وصل إلى ما يشبه المواجهة المباشرة بعد إعلان بوتين الحرب على أوكرانيا، وبتراجع قدرات إيران وحصارها، واشتعال داخلها بمظاهرات تجتاحها كلها، يبدو الملف السوري أمام تغيرات قد تكون  في غاية الأهمية، لا سيما أن النظام السوري الذي كان يعتاش على الحقن الروسية والإيرانية، يبدو اليوم منهاراً تماماً.

لم يعد بإمكان روسيا الاستمرار في سوريا بالصيغة السابقة، فأعباء الحرب الأوكرانية الباهظة واحتمالاتها الخطيرة على الاقتصاد الروسي، وعلى مجمل أوضاع الاتحاد الروسي، ترغم روسيا على الانكفاء في سوريا، وعلى الانسحاب من معظم مناطق وجودها في سوريا، وحصره في قواعدها العسكرية على البحر المتوسط، هذا الانسحاب لا يستطيع الجيش السوري المتهالك أن يسد الفراغ الناتج عنه، وهو على الأرجح ما ستحاول إيران أن تفعله، لكن تمدّد إيران ليس مسموحاً من عدة جهات وفي مقدمتها أميركا، وهي بوضعها الراهن لن تكون قادرة على تحمل أعباء أخرى، لا سيما أنها تنهار في أكثر من جهة.

في هذه اللوحة تبدو تركيا هي الدولة الأكثر قدرة على اللعب في الشأن السوري، فهي الآن الطرف المدلل الذي يحتاجه الجميع، تحتاجه روسيا في حربها مع أوكرانيا، وتحتاجه أميركا وأوروبا في حربهما مع روسيا، وبالتالي فهي الطرف الأكثر حظاً بالحصول على توافق حوله،  للقيام بدور أكبر في الملف السوري، لكن ليس الأمر بهذه السهولة لها، فتركيا أولاً قادمة على انتخابات صعبة، وأردوغان لا يريد أن يجازف بأي خطوة قد تؤثر على نتائجها،  وهو أيضاً لا يريد أن يزج بجنوده في مناطق خطرة، لذلك يحاول أن يرتب صفقة مع النظام السوري، أي مع بشار الأسد، قبل أن ينهار النظام بشكل تام.

يأمل أردوغان من لقائه ببشار الأسد أن يضمن نقل سلاح قسد إلى النظام السوري، وانتقال السيطرة في المنطقة الحدودية شرق الفرات إلى سلطة النظام السوري، وهو بهذا يكون قد أبعد السلاح “الكردي” عن حدوده، وترك مهمة هذا الإبعاد لطرف آخر، ويأمل أن يتفق مع بشار الأسد على إعادة قسم كبير من اللاجئين السوريين في تركيا، وهذا ما سوف يساعده على سحب ورقة تبتزه بها المعارضة التركية، وهو يأمل أيضاً أن يتمكن مع النظام السوري، وبمساعدة الفصائل المسلحة المحسوبة على المعارضة والتابعة فعليا لتركيا، أن يبسط السيطرة على مناطق أخرى خارجة عن سيطرة النظام.

لا يبدو بشار الأسد متحمساً للقاء أردوغان، لأنه لا يثق به أولاً، ويعرف جيداً أن أردوغان يبادله عدم الثقة، ويعرف أن أردوغان لا يستطيع تعويمه حتى لو أراد ثانياً، خصوصاً أن قانون مكافحة تجارة المخدرات الذي وافق عليه الكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ، والذي اعتبر بشار الأسد طرفاً مهما في إنتاجها والتجارة بها، كان رسالة شديدة الوضوح، ويعرف بشار الأسد أيضاً، أن ما تبقى من جيشه قد أصبح عاجزاً عن القيام بما يطلبه أردوغان حول قوات سوريا الديمقراطية، وأنه لن يستطيع الوقوف في وجه إيران، فيما لو حاولت منعه من الالتزام بأي اتفاق مع تركيا، والأهم من كل هذا أن بشار الأسد لا يريد أن يساعد أردوغان في انتخاباته القادمة عبر إعادة اللاجئين، لأنه يعرف أن الورقة التي يستثمر بها خصوم أردوغان هي قضية اللاجئين، فضلا عن كون بشار لا يريد عودة أي لاجئ، سواء من تركيا أو من غيرها.

بتكثيف شديد تبدو اللوحة على النحو التالي:

    في مناطق سيطرة النظام، انهيار غير مسبوق للنظام ومؤسساته، انهيار اقتصادي شامل، عدم قدرة الدولة على ضبط عناصر الأمن والشرطة، ومنعهم من فرض الإتاوات ونهب المواطنين.

    روسيا تنسحب مرغمة من مناطق انتشارها في سوريا، ما عدا قواعدها الرئيسية.

    إيران التي اختارت الوقوف مع روسيا، وأمدّتها بالأسلحة في حربها مع أوكرانيا، لن تتمكن من معالجة مشكلاتها الداخلية.

    ما تطلبه تركيا من بشار الأسد لا يستطيع تقديمه.

كل هذا يضعنا أمام عدة احتمالات: فإما أن يترك النظام السوري ليتفسخ على مهل، مع ما يعنيه هذا من مرحلة قاسية جداً على السوريين في مناطق سيطرته، التي تشهد مرحلة انهيار شاملة تنعدم فيها شروط الحد الأدنى للحياة، وإما أن يتم الاتفاق على ترحيل بشار الأسد، والقيام بما يشبه انتقال سياسي بين أطراف من النظام نفسه، وإما أن يقبل بشار الأسد بما تطلبه تركيا منه، وهذا يعني تأجيل نهايته لكن لفترة قصيرة.

بسام يوسف

تلفزيون سوريا

—————————-

سلبيات لا إيجابيات.. ما الذي سيحققه أردوغان بالمصالحة مع الأسد؟/ ليفنت كمال

لم يعد حزب البعث بقيادة عائلة “الأسد” المالك الوحيد للسلطة في سوريا، فمع وجود ميليشيات المخدرات المدعومة من إيران، وحكم الأقلية (الأوليغارشية) الذين مكنهم “الأسد” عبر منحهم امتيازات تجارية لتمويل حربه في بداية الحرب الأهلية، وامتلكوا فيما بعد ميليشياتهم الخاصة بدعم من روسيا وإيران، والشركات العسكرية الخاصة والجماعات المسلحة السياسية الكردية التي غالباً ما تكون دمشق مستعدة للتعاون معها لتحقيق التوازن، (مع وجود كل هؤلاء) أصبحوا كلهم الآن أصحاب مصلحة في السلطة في سوريا.

ويبدو من المنطقي للوهلة الأولى أن يكون “الأسد” من بين “الأصدقاء الجدد” لأردوغان في الوقت الذي يتم فيه العمل على تحسين العلاقات مع الأعداء السابقين، مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر.

وفي حين أن إحياء العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر وأرمينيا يعطي نتائج إيجابية لتركيا على الصعيدين الإقليمي أو المالي، فهل لدى نظام الأسد مثل هذه الإمكانية؟

خطوة مثمرة للغاية

يعد تطوير العلاقات مع اقتصادين رئيسيين مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللذين يعدان من بين أكبر خمس اقتصادات في منظمة التعاون الإسلامي، خطوة مهمة للغاية ومثمرة للغاية، خاصة في الوقت الذي تأثرت فيه تركيا بشدة بموجة التضخم العالمية بسبب (كوفيد – 19)، وفي الواقع يمكن تفسير تحسين العلاقات على أنه استخدام للأرضية السياسية، التي تراجعت بمرور الوقت، لتلبية حاجة اقتصادية، إذ لا يخفى على أحد أن “أردوغان” براغماتي كبير.

وبعد أن تبدأ أنقرة في تطوير علاقاتها رفيعة المستوى مع السعودية والإمارات، ستساهم الاتفاقيات المتتالية والاستثمارات المالية في تخفيف الصورة الاقتصادية الحالية ضد أردوغان حتى موعد الانتخابات.

خلال الأسبوع الماضي فقط، وافقت المملكة العربية السعودية، على استثمار وديعة للبنك المركزي بقيمة 5 مليارات دولار في تركيا، كما أحرزت تركيا تقدماً في الاستثمار البالغ 10 مليارات دولار الذي قُرر منذ استعادة علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة، وإلى جانب تحسين العلاقات مع هذه الدولة الخليجية القوية، تحاول تركيا أيضاً تحسين علاقاتها مع مصر على أساس تضارب المصالح.

ومع وجود العديد من التفسيرات الاستشراقية المبالغ فيها، والتي تتحدث عن العلاقات بين تركيا والإخوان المسلمين، إلا أنه من المعروف جداً أن أنقرة غيرت رأيها اتجاه التنظيم بعد الانقسام الداخلي خلال السنوات الأخيرة، لذلك أنقرة كانت واثقة تماماً من أنها لن تدفع ثمناً سياسياً بعد تحسين العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر.

وإلى جانب ذلك، تريد أنقرة استقراراً في علاقاتها مع أرمينيا من أجل ممر الطاقة والتجارة الذي سيمتد إلى الدول التركية في آسيا عبر أذربيجان، يأتي اهتمام أنقرة في علاقاتها مع إسرائيل، عبر تجسيد أطروحتها السياسية القائمة على أسس اقتصادية مثل الوطن الأزرق وطرق نقل الطاقة.

يظهر في الملخص المقتضب وغير المفصل أعلاه أن جهود الرئيس التركي “أردوغان” الأخيرة لإصلاح العلاقات مع منافسيه السابقين تستند في الواقع إلى الربح.

ليس لدى الأسد ما يعطيه لأردوغان

ولكن ما الذي سيكسبه “أردوغان” من إصلاح العلاقات مع بشار الأسد، الذي أصبح الزعيم الاسمي لدولة فاشلة ومجزأة ولم يعد له تأثير أكبر من تأثير رئيس محافظة روسية؟

يعتبر “الأسد” الآن شريكا اقتصاديا تحاول حتى الصين تجنبه بسبب ارتفاع تكاليف التعامل معه، وليس لدى “أردوغان” أي مكسب اقتصادي ليأخذه من الأسد، إذ إن نظام “الأسد” الذي يشهد انهياراً خطيراً بسبب الحرب والفساد وامتلاك موارد البلاد من قبل الجماعات المسلحة والعقوبات، ليس لديه ما يقدمه لتركيا على المدى القصير أو الطويل.

إذاً، لماذا يتحدث أردوغان وبيروقراطيوه كثيراً مؤخراً عن لقاء الأسد؟

ربما يكون أحد العوامل الدافعة وراء نهج “أردوغان” لإصلاح العلاقات مع “الأسد” هو شركاء الحكومة التركية القوميين-الأوراسيين الجدد، والذين يمكن وصف العديد منهم بأنهم موالون لروسيا، إلا أن جهود هؤلاء الشركاء الجدد وحدها، ليست قوية بما يكفي لدفع “أردوغان” لاتخاذ قرار بشأن هذه المسألة.

ربما يكون “أردوغان” ودائرته من صانعي القرار قد استسلموا للهيمنة السياسية والنفسية الموالية لـ “الأسد” التي بنتها المعارضة عبر مناهضة اللاجئين في السنوات الأخيرة، وربما أرادوا تحويل ذلك إلى فرصة للخروج من سوريا.

وربما للسبب نفسه، يعتقد بشار الأسد وبيروقراطيوه أن “أردوغان” خسر الأصوات بسبب المشاعر المعادية للاجئين في تركيا، ويعتقدون أن “أردوغان” يريد التفاوض “كخطوة سياسية” لاستعادة الأصوات، وربما لهذا السبب رفضوا الاجتماع قائلين “لماذا نمنح أردوغان نصراً انتخابياً سهلاً؟ لن يكون هناك تقارب قبل الانتخابات”.

وعلى الرغم من أن هذه النظرية تبدو معقولة جدًا للوهلة الأولى، فإنه من الصعب القول إن أردوغان خاطر بهذه المجازفة لتجاوز فترة الانتخابات، وذلك لأن أنصار أردوغان الرئيسيين ما زالوا حساسين للغاية بشأن سوريا.

بينما النظرية الأخرى التي يطرحها السياسيون الأتراك الذين يملكون ميولاً أوراسية، ويستخدمون أجندة معادية للاجئين، ويقدمون أنفسهم بكونهم قوميين هي أن “تركيا يمكنها حل مشكلة وحدات حماية الشعب من خلال التعاون مع الأسد”.

وفي حين أن كثيرين يزعمون أن “أردوغان” يريد لقاء “الأسد” بناءً على هذه النظرية المعادية لوحدات حماية الشعب، إلا أن مطلباً واضحاً للغاية في تصريحات دمشق بشأن اجتماع أردوغان – الأسد يدحض هذا الادعاء بشكل قاطع، ألا وهو: الانسحاب الكامل للجيش التركي من سوريا.

وهم «الأمن القومي» هو طرح يتجاهل واقع الميدان في سوريا، إذ إن نظام الأسد موجود في الحسكة منذ عام 2012، وموجود في وسط حلب منذ عام 2015، وموجود – بالتعاون مع وحدات حماية الشعب – في الرقة وشمال وشرق حلب منذ عام 2019، ويجري مسؤولو البعث من الدائرة المقربة لـ “الأسد” محادثات مع ممثلي وحدات حماية الشعب في حلب ودمشق، واصفين المحادثات بالإيجابية.

ومن ناحية أخرى، لا يملك نظام الأسد القوة لمقاومة وحدات حماية الشعب بدون دعم روسيا، وحتى لو كان النظام يتمتع بهذه القوة، يبدو أنه الأسهل إلى دمشق العمل ضد تركيا من خلال مواصلة تعاونها الراسخ مع وحدات حماية الشعب، وتقديم تنازلات أقل لهم، لأن “الأسد” وشركاءه الذين يتقاسم معهم السلطة لا يقبلون الحل السياسي الذي تريده تركيا عبر قرار الأمم المتحدة رقم 2254.

ولا شك أن “أردوغان” ودائرة صنع القرار لديه يدركون ذلك، إلا أنه وعلى الرغم من كل هذه الدلائل، يحاول العديد من الأشخاص في تركيا ممن يطلقون على أنفسهم محللين تكوين رأي عام حول المصالحة مع نظام الأسد.

تخطت عتبة السلام غير المشروط

لا يستطيع العديد من السياسيين والمحللين في تركيا قبول حقيقة أن الأمور وصلت إلى نقطة حيث يكاد يكون من المستحيل تجديد العلاقات مع نظام “الأسد” دون شروط في “بيئة ودية”.

الأمر الأكثر إثارة للفضول هو ما ينويه “أردوغان” من لقائه مع “الأسد”، لأن لقاء “أردوغان” مع “الأسد” لن يحل أي مشكلة في سوريا، فبالنظر إلى الحقائق المالية والسياسية والميدانية المهمة، لن يحصل “أردوغان” على أي فوائد فيما يتعلق بالأمن القومي التركي.

في المرحلة القادمة، حتى لو رأينا لقاء يجمع “أردوغان” مع “الأسد” بضغط من موسكو، فلن يغير ذلك الكثير على أرض الواقع، لأن الأسد لا يملك القوة لتغيير الأمور

وفي هذه الحالة، فإن مثل هذا الوضع من شأنه أن يضر بشكل خطير بالعلاقة بين تركيا والمعارضة، ويمكن أن يتسبب ذلك في أضرار لا يمكن إصلاحها لتركيا.

——————————–

كعب آخيل التركي/ علي العبدالله

للمرّة الثانية خلال أقل من عام يعلن النظام التركي نيّته شنّ عملية عسكرية برّية على مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سورية وشمال شرقها، تنفيذاً لخطته إقامة منطقة أمنية على طول الحدود التركية السورية بطول 590 كيلومتراً، وعرض 30 كيلومتراً، من دون أن ينجح في الحصول على موافقة أميركية أو روسية للعملية العتيدة.

استثمر النظام التركي التوتر الدولي الذي أثاره العدوان الروسي على أوكرانيا، وتهديده الأمن والاستقرار الأوروبي والدولي، وموقع تركيا الجيوسياسي وعضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الضغط على طرفي الصراع، وعلى الغرب عبر تعزيز علاقاته السياسية وتعاونه الاقتصادي مع روسيا، بما في ذلك عدم التزام العقوبات المفروضة عليها، والتلويح بعرقلة انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، وعلى روسيا عبر تعزيز تعاونه العسكري مع أوكرانيا ومدّها بأسلحة متطوّرة، من مسيّرات بيرقدار وسفن وطرّادات بحرية وذخائر، واستثمار نجاحه في عقد اتفاقية تصدير الحبوب من أوكرانيا وروسيا. والضغط على الطرفين بمطالبتهما بتنفيذ بنود اتفاقات عام 2019 معهما، التي قضت بإبعاد قوات “قسد” عن الحدود مسافة 30 كيلومتراً، للحصول على ضوء أخضر لخطّته شنّ عملية عسكرية برّية على ثلاث مناطق تسيطر عليها “قسد”، تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني)، على طريق إقامة المنطقة الأمنية المذكورة، أو استدراج عروض أميركية وروسية تحقّق له بعض مطالبه. يمكن اعتبار حديث الإدارة الأميركية ودول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي عمّا يواجهه النظام التركي من تحدٍّ إرهابي، وتضامنهم معه وتحرّك واشنطن لتعزيز دور العرب في “قسد” وإدارة منطقة شرق الفرات؛ وإقرار روسيا بوجود أخطار تهدّد الأمن القومي التركي على حدودها مع سورية، ودعوته إلى التعاون مع النظام السوري لمواجهة هذا التحدّي، “سكاكر” ترضية، بحيث يستطيع الزعم أنه حقق إنجازات على طريق هدفه الرئيس: المنطقة الأمنية.

لم تثمر مناورات النظام التركي، فالتصعيد العسكري التركي الذي رافق التحرّك السياسي والدبلوماسي للحصول على الضوء الأخضر استثار ردود فعل ميدانية من الولايات المتحدة وروسيا وإيران، تمثلت في تحذيرات صريحة ومباشرة بشنّ العملية العسكرية وبإرسال تعزيزات عسكرية كبيرة، روسية وإيرانية ومن النظام السوري، إلى خطوط التماس مع المناطق الثلاث المستهدفة تركياً. وقد أقامت روسيا قاعدة عسكرية جديدة في قرية تل جيجان، ضمن مناطق انتشار “قسد” وقوات النظام في ريف حلب الشرقي، وإعلان مطالب روسية بالمقابل، كانت بنوداً في اتفاق سوتشي الروسي التركي الموقع يوم 17 سبتمبر/ أيلول 2018، وخصوصاً الفصل بين الفصائل المعتدلة والمتشدّدة وإبعاد الأخيرة، هيئة تحرير الشام بشكل خاص، عن خطوط التماسّ بعد نزع أسلحتها الثقيلة من دبابات وصواريخ ومدافع هاون وإقامة منطقة منزوعة السلاح على جانبي خط التماسّ بعرض 15 كيلومتراً وفتح طريقي حلب – اللاذقية وحلب – حماة، ورفع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سقف المطالب الروسية من النظام التركي بمطالبته بتحييد الفصائل المسلحة الرافضة للحوار مع دمشق، التي تشمل دائرة أوسع من الفصائل المتشدّدة، وتعزيز القوات الأميركية حضورها العسكري قرب خطوط التماسّ والبدء بإقامة قاعدة عسكرية قرب مدينة الرقّة وتسيير دوريات مشتركة مع “قسد” تمتد من غرب الرقّة إلى الحسكة. لقد وضع النظام التركي، بتحرّكه العسكري والسياسي، إصبعه تحت ضرسي موسكو وطهران، بإعادة فتح ملف الجماعات المتشدّدة في الشمال الغربي السوري إلى الواجهة، وفتح الباب لمساومات جديدة محرجة، بما في ذلك دعوته إلى الانسحاب من الأراضي السورية، من جهة، وزاد في توتر علاقته مع الإدارة الأميركية، من جهة ثانية.

حاول النظام التركي ابتزاز طرفي الصراع عبر استثمار أوراقه وتوظيفها معهما، حيث لوّح للتحالف الغربي بما يستطيع القيام به في الملف الأوكراني، دعم أوكرانيا عسكرياً، وتوظيف علاقاته بالطرف الروسي لمواصلة تنفيذ اتفاقية تصدير الحبوب والحدّ من حدّة أزمة الغذاء العالمية، والعمل على توفير غاز روسي للدول الأوروبية بعد وقف أوكرانيا تصديره عبر أراضيها، وتوقف خط نورد ستريم 2، والتوسّط بين روسيا وأوكرانيا من أجل وقف الحرب والذهاب نحو حل سياسي، وتمرير قرار الموافقة على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو. ومع الطرف الروسي بتوفير رئة للاقتصاد الروسي، عبر عدم التزام العقوبات الغربية وتوسيع عمليات التبادل التجاري والتوسّط في تسويق الحبوب والغاز الروسيين ونقلهما إلى الأسواق، فلدى تركيا بنية تحتية تؤهلها للعب دور مركز عالمي لتسويق الغاز ونقله، لديها سبعة خطوط لنقل الغاز المسال، سبق لها تحقيق نجاح في تحييد السعودية والإمارات ووقف معارضتهما له في سورية ووقف دعمهما “قسد” عبر الانخراط في مصالحة معهما، لكنه لم يحصل على الضوء الأخضر المطلوب لتنفيذ عمليته العسكرية، فلجأ إلى مناورات سياسية مركبة، مع الغرب بإعلان عدم تنفيذ السويد لشروطه بوقف دعم المنظمات الإرهابية، المقصود هنا المنظمات السياسية الكردية، وتسليم المطلوبين ورفع حظر بيع الأسلحة عنه، ما يثير قلق دول “الناتو” إزاء عدم موافقته على انضمام السويد إلى الحلف، ومطالبته بمساعدة دول حليفة، (دول الناتو) في مواجهة الإرهابيين، ومع روسيا بدعوتها إلى عمل عسكري مشترك في شمال سورية وشمال شرقها، ورفع سقف استعداداته لتنفيذ الرغبة الروسية بالانفتاح على النظام السوري، والانتقال من الحوار الأمني إلى الحوار السياسي عبر اقتراح خطة من ثلاث مراحل: لقاءات على مستوى قادة أجهزة المخابرات تليها لقاءات سياسية على مستوى وزراء الدفاع والخارجية، تختم بلقاء سياسي على مستوى قادة روسيا وتركيا وسورية.

وقد زاد الطين بلة استثارة تحرّكه لمصالحة النظام السوري رد فعل الحاضنة الشعبية للثورة السورية التي رأت في هذا التوجّه بيعاً لقضيتها والدفع من حسابها والتضحية بأمنها واستقرارها، في حال الاتفاق على تسليم الشريط الحدودي، حيث تقوم مخيمات النازحين، للنظام السوري، وكان قد استفزّها بعمليات الترحيل القسري للاجئين والضغط على فصائل المعارضة المسلحة للتجاوب مع خطط ثلاثي أستانة وبرامجه، فأُطلقت الاعتراضات والدعوات إلى التظاهر والاعتصام في مدن الشمال السوري وبلداته.

عكس إخفاق النظام التركي في الحصول على ضوء أخضر لعمليته العسكرية حساسية توازن القوى القائم في شمال سورية وشمال شرقها ودقته في ضوء التنافس الجيوسياسي المحتدم في الإقليم بين قوى إقليمية ودولية وتداخله مع ملفاتٍ دولية ساخنة، ما جعل المحافظة على الوضع القائم هناك مصلحة حيوية لأكثر من طرف إقليمي ودولي، من جهة، وموقع “قسد” في حسابات قوى إقليمية ودولية منخرطة في الصراع على سورية، من جهة ثانية، فـ”قسد” بالنسبة إلى الولايات المتحدة رأس حربة في ممارسة الضغط على النظام السوري، وبالنسبة إلى الأخير وإلى إيران شوكة في خاصرة تركيا، وبالنسبة إلى روسيا ورقة في المساومات مع النظام التركي.

كعب آخيل النظام التركي ونقطة ضعفه القاتلة كامنان في طبيعة تقاطعات المصالح ومحصلتها الختامية، فالقاعدة الحاكمة لحالة التقاطع تقول بميل المحصلة لمصلحة الطرف الأقوى، كذلك إن وجود ثغرات أو عوامل ضعف في بنية الدولة والنظام يجعل خسارة الطرف الأضعف في هذا التقاطع أكبر. وما يزيد من تعقيد الموقف حالة عدم الثقة السائدة بين النظام التركي وطرفي الصراع الدولي في أوكرانيا. فالولايات المتحدة لا تثق بالنظام التركي على خلفية التحولات الأخيرة في سياساته واستغلاله الظرف للضغط على حلفائه من أجل مصالح ذاتية تتعارض مع استحقاقات التحالف القائم، وروسيا لا تثق به وتتعامل معه حسب الملف والظرف المتحرّك. هذا بالإضافة إلى دور كل من النظام السوري و”قسد” في فرملة حركة طرفي الصراع نحوه. فالنظام السوري لا يريد تسهيل حركة النظام التركي، فيتشدّد في مطالبه لتحقيق المصالحة، جدول زمني لانسحاب قوات تركيا من الأراضي السورية بضمانة روسية وإيرانية، و”قسد” تتقرب من روسيا والنظام السوري للضغط على الإدارة الأميركية لدفعها إلى رد حازم على أي خطوة تركية ضدها، خصوصاً أنّ النظام التركي يصعّد عسكرياً ويظهر حماسة واستعجال مصالحة النظام السوري تحت ضغط الوقت، على خلفية اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وسعيه لسحب ورقة اللاجئين من أيدي المعارضة التركية من دون اهتمام بمستدعيات الظروف التركية الداخلية، حيث الأزمة الاقتصادية والتضخّم الكارثي يطرحان حاجة أكثر إلى التهدئة والاستقرار لجلب مستثمرين وسياح، هذا بالإضافة إلى أن الدخول في حربٍ سيستنزف الكثير من السيولة النقدية المتوافرة ويحرم خططاً وبرامج تنموية منها.

لم يبق أمام النظام التركي سوى خيار واحد: تعزيز وحدة الشعب التركي وتصليب بنية الدولة عبر إعادة النظر في سياسته الداخلية والعودة عن توجهاتٍ قادت إلى إحداث تشقاقات في جدار هذه الدولة (مركزة القرار الوطني بيد الرئيس والممارسات التسلطية وقمع حرية التعبير وملاحقة الصحافيين والتمييز العرقي والقومي)، وتبنّي سياسات منفتحة وتشاركية، كان حزب العدالة والتنمية الحاكم قد تبنّاها بين عامي 2005 و2015، والتوجّه نحو دولة الكل الوطني والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات والإقرار بحقوق الأعراق والقوميات غير التركية من أجل تعزيز التماسك الوطني وتمتين اللحمة الوطنية، وتقوية موقف النظام في وجه الضغوط الخارجية، فالمشكلة والصراع مع كُرد تركيا بدأت هناك، في الداخل التركي، وتنتهي هناك، بحل وطني توافقي يرضي الكل الوطني التركي.

العربي الجديد

—————————–

هل يلتقي أردوغان بالأسد؟/ أحمد رحّال

تصدّرت، أخيراً، أخبار عن عملية عسكرية تركية محتملة في شمال سورية، موقعاً متقدّماً في الصحف ووسائل الإعلام التركية، ما بين مشكّك ومؤكّد، وبشأن قدرة صانع القرار السياسي والعسكري في أنقرة على تجاوز “الفيتوهات” المتعدّدة التي وضعها الأميركيون والروس والإيرانيون في وجه أي تحرّك عسكري تركي في الشمال السوري. فجأة، غابت تلك الأخبار، وغابت العملية العسكرية التركية، وتصدّر المشهد خبر عن لقاء ممكن بين الرئيس التركي أردوغان مع رئيس النظام السوري بشّار الأسد. صحيح أن الخبر ليس جديدا، وجرى تناقله في السابق، لكنّ التفاصيل الجديدة المطروحة عنه، وكثافة تصريحات المسؤولين الأتراك جعلت منه موضع اهتمام من الجميع.

تحدّث أردوغان عن مراحل يجب أن تعبرها سفينة المصالحة بين تركيا وسورية، وأكد أن محطاتها يجب أن تكون مدروسة بدقة، وأن تجتاز رحلة تحضيرات اللقاء بوابة الأمن عبر لقاءات مكثفة لاستخبارات البلدين في البداية، ثم تمر السفينة لتعبر بوابات وزارتي الدفاع من الجانبين، قبل أن تصل إلى وزارتي الخارجية التي يُفترض أن توضع فيهما اللمسات الأخيرة لقمة ومحطة نهائية تتمثل بلقاء أردوغان والأسد.

مؤكّد أنّ التحرّك التركي وطلب اللقاء مع دمشق يشكلان إعادة تموضع سياسي لأنقرة، بدأت ملامحه منذ عامين تقريباً، عبر أجواء مصالحات تركية مع الرياض وأبوظبي والقاهرة، وعبر تطبيق سياسة قديمة جديدة من خلال عودة الدبلوماسية التركية لسياسة “صفر مشاكل مع الجوار” التي طرحها أحمد داود أوغلو، إبان كان وزيراً للخارجية، لكنها لم تنجح في حينها، بل وصلت تركيا إلى العكس تماماً عبر “صفر مصالحة” مع معظم الدول المحيطة بها. واليوم تتموضع بشكلٍ يحاول أن يحقّق ما فشلت به الدبلوماسية التركية بالأمس، وإن كان هذا المبدأ لم يشمل بعد اليونان و”قوات سوريا الديمقراطية” في شرقي الفرات السوري. ولم يتأتّ القرار التركي بالمصالحة مع الأسد من فراغ، بل ركنت إليه أنقرة عبر خطّة عملت عليها وزارة الخارجية الروسية، من خلال جهود مكثفة لوزيرها لافروف الذي مارس كل أشكال الضغط على أنقرة للقبول بالخطّة الروسية. وتعاملت أنقرة بإيجابيه مع الطروحات الروسية ووافقت على الخطة، لكن بعد إدخال تعديلاتٍ ومقترحاتٍ، ثم ما لبث الرئيس أردوغان أن طرح دعوته إلى قمة ثلاثية تجمعه مع الأسد، بحضور الرئيس الروسي بوتين الذي رحّب بالمبادرة التركية، واعتبرها خطوة إيجابية من نظيره التركي.

وفي تفسير التصريحات التركية ودعوة أردوغان إلى القمّة الثلاثية، يقول محلل سياسي تركي إن ما طرحه أردوغان يرتكز على خطة أنجزتها الدبلوماسية التركية، وتستند لخريطة طريق تريدها أنقرة للحوار مع دمشق، تعبر فيها عن رؤيتها للحلّ في سورية، باعتبار أنّ تركيا مدفوعةٌ بقوة إلى البحث عن حل للقضية السورية، لكونها أكبر المتضرّرين من ركود مسار المفاوضات، وغياب أي بوادر توحي بقرب الحلّ السوري، وأنّ وجود نحو خمسة ملايين سوري على أراضيها، وستة آخرين في الداخل السوري، بشكلٍ ما، هم تحت رعايتها، يجعل منهم مشكلة وأزمة للقيادة والشعب التركيين، بعكس روسيا والولايات المتحدة وإيران وباقي الدول غير المتأثرة بموضوع اللاجئين السوريين، وبالتالي على أنقرة أن تنشّط مسار الحل، وتطرح المبادرات لإبقاء ملف الحل السوري على الطاولة ومتداول بشكل دائم.

في الجانب الآخر، كان متوقعاً أن يتلقف نظام الأسد الطرح التركي ويتجاوب معه، على الأقل لتخفيف الحصار السياسي والدبلوماسي المفروض عليه، وباعتبار أنّ الدعوة قادمة من دولةٍ لطالما تحدّثت عن ضرورة إسقاط الأسد ونظامه، بل تحدّثت عن قرب الصلاة في الجامع الأموي في دمشق وزيارة قبر صلاح الدين بعد مساهمتها بإسقاط نظام الأسد، لكن ما حصل أن ردود دمشق كانت باردة ومتردّدة، بل وضعت تصريحات مقرّبين من الأسد شروطاً على أنقرة قبل البدء بأيّ مصالحة أو القبول بعقد لقاء قمة، فوزير خارجية الأسد، فيصل المقداد، اشترط الانسحاب التركي من الأراضي السورية قبل هذا اللقاء، أو على الأقل وضع الأتراك جدولاً زمنياً لخروج قواتهم وانسحابها من سورية، ثم يعقبها تعهد تركي بوقف دعم المجموعات المسلحة (بحسب تعبير المقداد). وذهبت المستشارة السياسية للأسد، بثينة شعبان، إلى أبعد من ذلك، عندما شكّكت بالنيات التركية وتصريحات المسؤولين الأتراك، عندما اعتبرت دعوة أردوغان للقاء مع الأسد غير حقيقية، ووسيلة لإغاظة أطراف آخرين (الولايات المتحدة أو قوات سوريا الديمقراطية).

وقال الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، إنّ اللقاء مع الأسد ليس مجانياً، وإنّ هناك شروطاً على دمشق التزامها قبل حصول أي لقاء على مستوى الرؤساء، والذي، كما قال، لن يكون على حساب حلفاء تركيا في المعارضة السورية، ومن  الشروط التي أكّدها كالن أن تتصرّف القيادة السورية بمسؤولية، وأن تبدد كلّ المخاوف التركية، وأن تتعامل وفود دمشق مع مفاوضات المسار السياسي بإيجابية، مع شرط تحقيق نتائج إيجابية قريبة ملموسة، وأن يضمن الأسد حماية العائدين إلى مناطق سيطرته من المدنيين، وأن تعمل دمشق على ضمان السلامة والاستقرار الإقليميين، وختم بضرورة فرض دمشق الأمن والانضباط والاستقرار على طول الحدود السورية التركية من الجانب السوري. وبقراءة سريعة لهذه الشروط، يدرك أبسط العارفين بمفاصل الوضع داخل سلطة الأسد أنّ دمشق غير قادرة على تنفيذ أيٍّ من البنود السابقة، لأنّ أي تقدّم في المسار السياسي يعني الانتقال إلى النقاش بهيئة الحكم الانتقالي وفق مدرجات قرار مجلس الأمن 2254، وأي تقدّم في المفاوضات السياسية يعني اهتزاز كرسي السلطة الذي يصادره بشار الأسد منذ 22 عاماً. أما موضوع أمان العائدين فلا قدرة لبشار الأسد على ضمانتهم بعد الفلتان الأمني الذي تعاني منه مناطق سيطرة الأسد، نظراً إلى غياب القيادة الحقيقية القادرة على ضبط عمل أجهزة الاستخبارات، إضافة إلى تنوّع مصادر القرار لدى أجهزة استخبارات الأسد، فمنها من يتبع لقصر المهاجرين في دمشق، ومنها من يتبع للحرس الثوري الإيراني، ومنها من يعمل بأوامر من قاعدة حميميم الروسية، أما ضمان حدود تركيا، فهذا الأمر من شبه المستحيل أن يلتزم به بشار الأسد، باعتبار أن كامل الحدود السورية مع الدول المجاورة أصبحت تحت نفوذ إيران أو حزب الله أو مليشيات عراقية تعمل بالأجندة الإيرانية أو خارجة عن سيطرة الأسد (قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني). وأمام تلك الوقائع، تنطبق على سلطات الأسد قاعدة “فاقد الشيء لا يعطيه”، وهو الفاقد كلّ شيء، بما فيه السيادة السورية، فكيف يتعهد لأنقرة بما طُلب منه؟

لكن تلك المعلومة عن فشل الأسد في ضمان الشروط التركية لم تفاجئ أنقرة، بحسب قول سياسيين أتراك، أكّدوا أن كل الطروحات التركية، والأحاديث عن لقاء بين أردوغان والأسد، عن إعادة مليون ونصف لاجئ سوري طوعاً إلى الداخل السوري، وغيرها من تصريحات لمسؤولين أتراك تخص الشأن السوري، غايتها فقط سحب أوراق سياسية ضاغطة من يد المعارضة التركية والاستثمار فيها داخلياً بما تبقى من وقت، ريثما يحين موعد فتح صناديق الانتخابات التركية منتصف العام المقبل، وبعدها يخلق الله ما يشاء

العربي الجديد

——————————

الائتلاف السوري محروم من مخصصاته..ومالك المبنى يهدد بطرده

للشهر الثالث على التوالي، لم يتسلم الائتلاف الوطني السوري مخصصاته المالية، الأمر الذي وضع المؤسسة في حالة من الشلل، إلى حد العجز عن انعقاد المؤتمر الدوري للهيئة العامة الذي كان مجدولاً منتصف كانون الأول/ديسمبر.

وأكدت مصادر مطلعة من داخل الائتلاف ل”المدن”، أن معظم موظفي المؤسسة والعاملين فيها قد توقفوا عن الدوام بسبب عدم الحصول على راتبهم الشهري منذ مطلع تشرين الأول/أوكتوبر، مرجحين أن تكون تركيا هي من أوقفت تحويل الكتلة المالية المخصصة لها.

ورغم أن المنحة الشهرية التي يحصل عليها الائتلاف، وتبلغ 250 ألف دولار شهرياً، تأتي من دولة قطر، إلا أنها تمر عبر وزارة الخارجية التركية.

وأكدت المصادر أن الدوحة لا تزال ملتزمة بإرسال المنحة، لكن الجانب التركي هو من يوقف إيصالها للحسابات البنكية التي جرت العادة أن يتم تحويل المبلغ إليها، في مؤشر واضح على تغير موقف أنقرة تجاه الائتلاف.

وبينما يربط البعض بين هذا الإجراء التركي والتحول في توجهات أنقرة حيال الملف السوري، وخصوصاً لجهة الانفتاح على النظام، تقول المصادر إن الأمر يتعلق بعدم الرضا عن أداء الائتلاف.

كما تكشف أن هناك سببين مباشرين من المرجح أن يكونا قد دفعا أنقرة لقطع الموارد المالية عن المؤسسة، الأول عدم انجاز المسؤولين عنها تحقيقاً يتعلق بشبهات هدر وفساد تم الكشف عنها قبل شهرين، والثاني فشل الائتلاف على صعيد الأداء السياسي.

وأكدت مصادر “المدن” أن تقارير رفعتها جهات عدة في الحكومة التركية بعد المظاهرات التي اجتاحت مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا، في أيلول/سبتمبر 2022، احتجاجاً على التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أتراك وتدعو للمصالحة بين النظام السوري والمعارضة.

التقارير، كما قالت المصادر، كشفت ضعف الفاعلية وانعدام تأثير الائتلاف على الحاضنة الشعبية في الشمال، ما استدعى تحركاً من الجانب التركي على مستويات عدة، بينها إعادة النظر بالمخصصات المالية ورواتب ومصاريف المؤسسة.

ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يتأخر فيها تحويل المستحقات الشهرية للإئتلاف، إلا أن هذه هي الفترة الأطول، الأمر الذي أدى الى تعطيل انعقاد مؤتمر الهيئة العامة وتوقف معظم الموظفين عن الدوام، بالإضافة إلى تهديد مالك المبنى الذي يستأجره الائتلاف بإخلائه، قبل أن يتدخل أحد اعضائه ويدفع الإيجارات المتراكمة ورواتب بعض الموظفين الأساسين من جيبه الخاص على سبيل الدين.

وحول ما إذا كانت هناك أي اتصالات بهذا الخصوص مع الجانب التركي والوقت المتوقع لحل هذه المشكلة، قالت المصادر إن أنقرة لم تعلق على الاتصالات بهذا الخصوص، لكن سبق وأن أبلغت رئاسة الائتلاف بتقليص الرواتب بنسبة 30 في المئة، على أن يشمل ذلك الأعضاء والموظفين.

المدن

————————-

الحراك الأميركي شرقي الفرات: قطع الطريق أمام الروس والنظام وتركيا/ أمين العاصي

تشي التحركات الأميركية المتلاحقة في الشمال الشرقي من سورية، أو ما يُعرف بـ”شرقي الفرات”، بأن واشنطن بصدد وضع ترتيبات عسكرية وأمنية جديدة، على ضوء التهديد التركي بشن عملية في الشمال السوري، وعلى خلفية النشاط المتزايد لتنظيم “داعش” في شرقي سورية وغربي العراق.

في غضون ذلك، التقى القائد العام لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، في محافظة الحسكة السورية، أمس الأول الثلاثاء، القائد العام لقوات التحالف الدولي في العراق وسورية، الجنرال ماثيو ماكفرلين، وقائد غرفة العمليات المشتركة في التحالف الجنرال كلود تيودور. وبحسب مصادر إعلامية مقربة من “قسد”، فإن “النقاش تركز على خطورة تنظيم داعش ونشاط الخلايا النائمة التابعة له”.

التحالف الدولي يسعى لتعزيز وجوده في الرقة

بيد أن التطورات المتلاحقة في شرقي الفرات تشير إلى أن زيارة قائد التحالف تندرج في سياق تحرك واشنطن لوضع ترتيبات أمنية وعسكرية على خلفية التهديدات التركية المتكررة بشن عملية واسعة النطاق تستهدف “قسد”.

وشن الجيش التركي، أواخر الشهر الماضي، حملة جوية على مئات المواقع العسكرية التابعة لـ”قسد” رداً على تفجير إسطنبول في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتُهمت هذه القوات بالوقوف وراءه إلا أنها نفت أي علاقة لها بالحادث.

ويسعى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لتعزيز وجوده العسكري في محافظة الرقة التي يقع جلها تحت سيطرة “قسد”. وكانت شبكات إعلامية محلية قد ذكرت أن التحالف بصدد إحياء لواء “ثوار الرقة” الذي كان تابعاً للجيش السوري الحر قبل أن تحيّده “قسد” تماماً بعد سيطرتها على محافظة الرقة في عام 2017 إثر طرد تنظيم “داعش” بحملة واسعة النطاق أدت إلى تدمير أغلب أحياء مدينة الرقة، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته.

وعُقد أخيراً اجتماع لم يحضره أي من قادة “قسد”، بين مسؤولين بالتحالف الدولي وقائد لواء “ثوار الرقة” أحمد علوش الملقب بـ”أبو عيسى” في الرقة، لإقناع الأخير بإعادة عناصر فصيله إلى الخدمة على أن يدفع التحالف رواتب لهؤلاء العناصر.

ووفق مصادر محلية، فإن التحالف يخطط لزيادة عناصر اللواء إلى نحو خمسة آلاف لوضعهم لاحقاً على خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية في ريف الرقة الشمالي، لتبديد مخاوف أنقرة من وجود الوحدات الكردية في المنطقة.

وكان الفصيل المذكور يضم أكثر من ألف مقاتل من أبناء عشائر محافظة الرقة، الذين كان لهم دور كبير في السيطرة على المحافظة، مطلع عام 2013، قبل خروجهم منها في مطلع عام 2014 بعد مواجهات مع تنظيم “داعش”.

وشارك الفصيل في معارك الدفاع عن منطقة عين العرب عام 2014 ضد الهجوم الذي شنه تنظيم “داعش”، وقُتل عدد من عناصره في هذه المعارك، كما شارك مع “قسد” في تحرير الرقة من “داعش” في عام 2017، ولكن “قسد” حيّدته لاحقاً بسبب خلافات حول إدارة المحافظة، إذ أراد الفصيل أن يكون له دور في هذه الإدارة إلا أن “قسد” رفضت ذلك.

ولم تكتف واشنطن بمحاولة “إعادة الروح” إلى فصيل لواء “ثوار الرقة”، فقد أكدت مصادر محلية أنها “بصدد تعزيز حضورها العسكري في المحافظة”. ولفتت المصادر إلى أن “التحالف يقيم قاعدة له في مقرات الفرقة 17 التي كانت تابعة لقوات النظام على الطرف الشمالي لمدينة الرقة”.

التصدي للمخطط الروسي

ومن شأن أي وجود أميركي في محيط هذه المدينة إفشال أي مخطط روسي لإعادة مؤسسات النظام وأجهزته إليها، فالجانب الأميركي يرفض تمكين النظام من مصادر الثروة في سورية، والرقة تضم جانباً كبيراً منها.

وهذه المحافظة التي تبلغ مساحتها أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع من أهم المحافظات الزراعية في البلاد، فضلاً عن أنها تضم سدين على نهر الفرات ينتجان الطاقة الكهربائية.

وتسيطر “قسد” على جل مساحة المحافظة باستثناء قرى وبلدات في أريافها الشرقية والغربية والجنوبية. كما تضم المحافظة اليوم عشرات آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية، خصوصاً من أرياف حلب ودير الزور وحمص، ورغم الثروات التي تمتلكها المحافظة، إلا أن سكانها يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة.

مقابل ذلك، جدد الجيش التركي، ليل الثلاثاء وصباح أمس الأربعاء، قصفه الصاروخي والمدفعي على مواقع “قسد” في الحسكة وحلب، شمالي سورية.

وقالت مصادر من “الجيش الوطني السوري” المعارض، لـ”العربي الجديد”، إن الجيش التركي قصف أهدافاً لـ”قسد” في قرى وبلدات الشيوخ وزور مغار ومزرعة أحمد منير، غرب مدينة عين العرب، بالإضافة لكوران وجيشان، شرقي مدينة عين العرب، بريف حلب الشمالي الشرقي.

وأشارت المصادر إلى أن القصف طاول مواقع غرب ناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي، كما طاول أماكن يعتقد أن “قسد” تجري فيها تحصينات وحفر أنفاق، وذلك جاء بعد هدوء استمر لأيام.

وأوضحت المصادر أن هذا التطور جاء بعد تسيير دورية روسية تركية مشتركة، مساء الإثنين الماضي، في مجموعة من القرى في منطقة عين العرب قرب الحدود مع تركيا، بعد توقف تسيير الدوريات من الجانب التركي قرابة شهر كامل على خلفية التصعيد التركي ضد “قسد”.

وفي سياق التطورات الميدانية، نقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر محلية في شمال سورية، أمس الأربعاء، أن قوات النظام أرسلت تعزيزات عسكرية إلى محيط مدن منبج وتل رفعت وعين العرب.

وقالت المصادر إن قوات النظام بدأت منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول الحالي بإرسال تعزيزات إلى نقاط عسكرية بمحيط المدن الثلاث. ويبدو أن تحركات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في شرقي الفرات، تستهدف قطع الطريق أمام أي محاولة روسية لإعادة أجهزة النظام إلى المنطقة بناءً على تفاهمات مع أنقرة.

ومن غير المحتمل أن تعرقل “قسد” أي خطوة أميركية في محافظة الرقة التي يشكل العرب الغالبية العظمى من سكانها، حتى لو أدت هذه الخطوة إلى تقليص دور “قسد” التي توفر واشنطن لها الحماية والدعم العسكري منذ تأسيسها من قبل التحالف الدولي في عام 2015.

من جهته، رأى المحلل السياسي سعد الشارع، في حديث مع “العربي الجديد”، أن زيارة قائد التحالف الدولي إلى محافظة الحسكة “تأتي لرأب الصدع مع قسد على خلفية العملية التي هددت أنقرة بشنها في الشمال السوري”، ولفت إلى أن “قسد كانت قد علّقت العمليات المشتركة مع التحالف الدولي ضد داعش، والزيارة تأكيد على العلاقة التي تربط التحالف وقسد”.

وأشار الشارع إلى “أن هناك تحركاً مريباً لتنظيم داعش في ريف الحسكة الجنوبي، وحصلت عدة عمليات إنزال جوي من التحالف الدولي في المنطقة”، كما شدد على أنه “ربما تأتي الزيارة لوضع ترتيبات أمنية للحد من نشاط التنظيم”.

وأكد الشارع أن زيارة مسؤول التحالف تزامنت مع زيارة رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى المحافظة، وعقد لقاء ثلاثي جمعه مع مظلوم عبدي والجنرال ماثيو ماكفرلين، وأوضح أنه “يبدو أن هناك تنسيقاً عسكرياً مشتركاً بين هذه الأطراف في شمال شرقي سورية وفي شمال العراق”.

بدوره، لفت مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن زيارة قائد قوات التحالف إلى محافظة الحسكة “تأتي في سياق ترتيب الأوراق على خلفية التهديد التركي لقوات قسد”، وأشار إلى أنه يعتقد أن “نشاط تنظيم داعش في شرقي سورية وغربي العراق كان حاضراً في الاجتماع الذي ضم عبدي وماكفرلين وطالباني”.

العربي الجديد

———————————

قسد-العمال الكردستاني:ذهنية المغامرة وأزمة تصدع التحالفات/ العقيد عبد الجبار العكيدي

ربما لا يولي أصحاب المشاريع العابرة للوطنية أهمية كافية أو أيّة خصوصية للمآلات التي يمكن أن تفضي إليها مشاريعهم مهما كانت نتائجها، بقدر اهتمامهم باللحظة الراهنة وما يمكن أن تمنحهم من مكاسب، وذلك بحكم التفكير الناظم للعقل المغامر الذي ما يزال هو المتحكِّم الفعلي بسلوك معظم سلطات الأمر الواقع في سوريا. ولعل حزب الاتحاد الديمقراطي والذي يتولّى القيادة الفعلية لمشروع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هو من أبرز القوى الذي تستهويه، بل ربما تتحكم بمفاصل فكره ومنظومته الإيديولوجية النزعة المغامراتية، دون وجود حسابات دقيقة للمخارج المتاحة في نهاية المآزق التي واجهته في الماضي وستواجهه في المستقبل.

لقد أتاح نظام الأسد (الأب) المجال الحيوي الكافي لحزب العمال الكردستاني ليمارس كافة أنشطته العسكرية والسياسية، بل وباتت الجغرافيا السورية ما بين عام 1980 – 1998 هي الحاضن الأبرز لمعسكراته ومجمل أنشطته التنظيمية والإدارية، حين كانت الرغبة لدى حافظ الأسد بجعل الحزب ورقة ضاغطة يلوّح بها أمام الحكومة التركية، بل وربما يساوم من خلالها على مسائل أمنية وإقليمية مختلفة، تبدأ من نشاط المعارضة السورية على الأرض التركية ولا تنتهي عند مسائل المياه وغيرها.

إلّا ان الأسد بقدر ما كان حريصاً على استثمار تلك الورقة “الأوجلانية” حينذاك، فإنه في الوقت ذاته لم يجد حرجاً من رميها أو التنصل منها بكل سلاسة حين أدرك أن استمراره لحيازتها أو استثمارها سوف يهدد أهم ركن من أركان نظامه، وأعني الجانب الأمني، لذلك لم يجد حافظ الأسد أي رادع من أن يوعز لأجهزته الأمنية بطرد عبد الله أوجلان حين أدرك جدّية تهديدات الدولة التركية باجتياح الشمال السوري إن استمر بدعم ميليشيات عبد الله أوجلان.

ولم يكتف الأسد آنذاك بقرار طرد أوجلان بل قدم للمخابرات التركية كافة المعلومات التي تساعد على إلقاء القبض عليه، ثم مضى باستدارة نوعية آنذاك تمثلت بتوقيعه على اتفاقية أضنة التي اتسمت بتنازلات مخزية ومذلة لنظام الأسد.

لم تجسد النهاية المفجعة لعلاقة حزب العمال الكردستاني مع حافظ الأسد أي منعطفاً في منظومة التفكير الأوجلانية، بل ظلت نزعة المغامرة هي الدليل الهادي لسلوكه، ولهذا ربما أتاحت له انطلاقة الثورة السورية في آذار/مارس 2011، فرصة جديدة للاصطياد بالماء العكر، بغية الحصول على مكاسب راهنة يمكن استثمارها لاحقاً، إذ قام بإنشاء جسور جديدة للتعاون من خلال ذراعه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي استجاب لأوامر نظام الأسد بكبح جماح التظاهرات المناوئة للنظام في المناطق الكردية، مقابل سماح النظام له بالسيطرة العسكرية على تلك المناطق، إلّا أن هذا المكسب القائم على التنسيق الآني مع قوات الأسد كان من الممكن تجاوزه وتخطيه أمام فرصة أخرى أتاحتها الولايات المتحدة في سياق مشروعها الرامي إلى محاربة داعش على الجغرافيا السورية.

وجدت واشنطن آنذاك في حزب الاتحاد الشريك المناسب لأسباب كثيرة، لعل أبرزها غياب الثورة عن مساحة أجندته، فضلاً عن استعداده الكامل للقيام بدور تنفيذي دون أية أبعاد سياسية ذات طابع استراتيجي قريب أو بعيد، وبناءً عليه كان تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2015، منطلقاً لتحالف بين واشنطن وحزب الاتحاد، علماً أن واشنطن كانت شديدة الوضوح من خلال تأكيدها الدائم على أن هذا التحالف المبرم لا يتجاوز الجانب العسكري، وربما كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هو الأكثر وضوحاً حين أكّد في ربيع عام 2019 وعقب إعلانه نهاية الحرب ضد داعش، على أن العلاقة مع قسد لم تعد تجد ما يبررها، وأن الانسحاب الأميركي من سوريا بات قائماً في أي وقت دون النظر إلى مستقبل قسد التي لم تكن أكثر من أداة تنفيذية لدى التحالف وفقاً لترامب.

لعل أحداً لا يجهل الأسباب الجوهرية التي أفضت إلى التوتر القائم بين أنقرة وواشنطن منذ عام 2015، والتي تتمثل بدعم واشنطن للعدو التقليدي لتركيا، ولعل اعتقاد قسد بديمومة هذا التوتر إنما يجسّد ضرباً من قصر النظر الاستراتيجي المنبثق من صميم التفكير المغامراتي لقسد، إلا أن نزعة المغامرة غالباً ما تفضي إلى نتائج معاكسة، وربما هذا هو المأزق الحقيقي الذي يشدّ الحبال على خناق قسد شيئاً فشيئاً، فما هو غائب عن منظور قيادتها أن التوتر في العلاقات بين أنقرة وواشنطن لا يمكن له أن يبلغ المدى الذي يتوهمه حزب الاتحاد الديمقراطي. وبعيداً عن جميع الحسابات الصغيرة والمرحلية، فإن تركيا تبقى بالنسبة لواشنطن دولةً إقليمية لها وزنها الكبير في الشرق الأوسط، فضلاً عن كونها عضواً في حلف الناتو، أضِف إلى ذلك وجود أكبر قاعدة عسكرية أميركية فيها (إنجرليك) في ولاية أضنة، وربما الغزو الروسي لأوكرانيا وتفاعلاته قد أضاف عوامل جديدة من شأنها أن تجعل واشنطن أكثر حرصاً على تعزيز العلاقات مع تركيا.

كل هذه العوامل وسواها قد تكون الدافع الأكبر وراء الأزمة التي تعصف بمستقبل قوات قسد في سوريا، ولئن ناور حزب الاتحاد الديمقراطي أكثر من مرة من خلال التلويح باللجوء إلى نظام الأسد، إلا أن هذه المحاولات جميعها لم تفضِ إلى شيء سوى المزيد من ازدراء السلطة الأسدية ورفضها المطلق لأي اعتراف من شأنه أن يعطي اعتباراً سيادياً لكيان قسد، أضف إلى ذلك أن الاستدارة التركية الأخيرة تجاه نظام الأسد منذ آب/أغسطس، من شأنها أن تقلّص أي أمل لقسد بتفاهم ما مع النظام الأسدي.

لعل الإرث الوحيد الذي بحوزة حزب الاتحاد الديمقراطي لعلاقته مع نظام دمشق بعد اعتقال السلطات التركية لزعيمه عبد الله أوجلان، هو فرار أبرز قادته من سوريا وعودتهم إلى بلدانهم سواء في تركيا أو إيران أو جبال قنديل، أما ما تبقى من أعضاء الحزب السوريين فقد ألقت السلطات الأسدية القبض عليهم وزجتهم في السجون لتبرهن لأنقرة التزامها ببنود اتفاقية أضنة، فيما سلم النظام السوري أكثر من 300 من قياداته وكوادره المهمة الى الجانب التركي وذلك في أوج العلاقة الذهبية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد.

فهل سيتكرر السيناريو ذاته مع قوات سوريا الديمقراطية إبان انتهاء مهمتها التنفيذية في سوريا المتمثلة بمحاربة تنظيم داعش، لعل ما يشي بذلك هو التوجه الأخير للولايات المتحدة باتجاه زيادة الدعم لبعض الفصائل من المكون العربي متمثلة بجيش سوريا الحر المتمركز في منطقة التنف، والحديث عن إعادة تفعيل ودعم لواء ثوار الرقة بقيادة احمد العثمان (أبو عيسى) الذي حلته قيادة قسد نهاية عام 2017، وصادرت سلاحه ووضعت قائده تحت الإقامة الجبرية خشيةً من الشعبية الكبيرة التي يحظى بها اللواء في محافظة الرقة.

المدن

——————————

قمة الأسد_ أردوغان_ بوتين ليست غداً/ بسام مقداد

بعد أن مهد طيلة الفترة الأخيرة وأعلن صراحة في 23 الشهر المنصرم عن إستعداده لقاء الأسد، أعلن  أردوغان في 15 الجاري إقتراحه عقد قمة ثلاثية مع بوتين والأسد. ويقترح إردوغان خريطة طريق متكاملة للقمة، إذ يمهد لها لقاء بين مسؤولي المخابرات في البلدين، يتبعه لقاء وزيري الخارجية ثم وزيري الدفاع وتأتي القمة على رأس هذه اللقاءات. قد يكون وضع اللاجئين السوريين شكل عاملاً ضاغطاً عليه عشية الإنتخابات، حيث يشكل الورقة الرابحة بيد المعارضة، لكن لا يمكن إنكار تصميم أردوغان وحسمه في إتخاذ القرارات الصعبة، وهو الذي كان يشترط سقوط الأسد لتسوية العلاقات مع سوريا. مصير الحرب على PKK أبعده أردوغان خارج الإقتراج وحسم الأمر بمتابعتها، لكن الأسئلة الأخرى التي أثارها الإقتراح تكاد لا تحصى، ويتصدرها السؤال عن مصير المعارضة السورية، سيما تلك المرتبطة بتركيا، ومعها الحرب السورية برمتها، ومصير المهجرين السوريين، وليس في تركيا فقط، ولا تنتهي عند مصير الأكراد في سوريا وإستقلالهم الذاتي وعلاقتهم بنظام الأسد.

يتضح من حديث الطرفين السوري والتركي قبل إعلان أردوغان أن القمة لن تعقد قبل نهاية الإنتخابات الرئاسية التركية السنة القادمة، ودائرة جدول أعمالها تكهن بها أحد الخبراء الروس بشؤون الشرق الأوسط في شريط فيديو نشرته وكالة نوفوستي وأوجزها بثلاث دوائر: الداخلية، الإقليمية والخارجية.

المستشرق كيريل سيميونوف نقلت عنه صحيفة الكرملين VZ تقييمه “مستقبل قمة تركيا، روسيا وسوريا”. يقول المستشرق أن أهم ما في القمة المحتملة، هو أن تركيا بدلت موقفها ومستعدة للحوار مع سوريا. في البداية كانت أنقرة ترفض الحوار مع دمشق قبل أن تجري الإنتخابات في تركيا، وليس من الواضح بعد كيف ستتقبل دمشق هذا التبدل. ومن المهم معرفة جدول الأعمال المحتمل، وما أن كان سيقتصر على المسالة الكردية في سياق الحؤول دون عملية تركية برية، أم أنه سيشمل جميع المشكلات العالقة بين البلدين. كما من المهم أيضاً معرفة ما إن كانت القمة ستتبنى شكلاً دائماً، أم ستعقد لمرة واحدة فقط. جدول الأعمال الأمثل لأجندة الحوار هو ذلك الذي يشمل على الفور جميع المشاكل التي تراكمت بين الأطراف خلال السنوات الأخيرة، مما يسمح بعدم إشراك لاعبين إقليميين آخرين في تسوية النزاعات بينهم.

يرى المستشرق أنه أمر مهم أن تكون أنقرة هي المبادرة للتعبير عن الرغبة في الإجتماع. ويؤكد أن رفض دمشق الآن للإقتراح بالقول أنها ستبدأ التفاوض بعد الإنتخابات في تركيا، سيقوض صورة سوريا على نحو خطير. علاوة على ذلك، إذا وجه الأسد أي إنذارات، لن تتقبلها تركيا تحت أي ظرف كان وستتصرف وفقاً للخطة القائمة بالفعل. وليس لدى دمشق القوة  لإجبار تركيا على الخروج من الأراضي السورية.

يتجاهل المستشرق المؤيد كلياً لما ارتكبه ويرتكبه الأسد ضد شعبه، وما سببه لأردوغان من 3,7 ملايين لاجىء(حسب خبير نونوفوستي ذاك)، فيساويه مع سواه ممن طبّع أردوغان معه العلاقات، ويقول بأن التطبيع مع سوريا هو ضمن سياسة تركيا “صفر مشاكل مع الجوار”. وسبق أن جرى التطبيع مع السعودية والإمارات ومصر، وحتى مع إسرائيل وأرمينيا. ويشير إلى أن روسيا “معنية جداً” الآن بالتعاون بين تركيا وسوريا، وذلك لأن لديها من المهمات الخارجية ما يجعلها “غير متفرغة لمراقبة كل خطوة للأسد وأردوغان”. ويرى أن أردوغان والأسد يدركان أنهما لن يتمكنا من الإتفاق من دون مشاركة روسيا. وموسكو سوف تدوّر زوايا رغبات كل من الطرفين، “فنحن علينا أن نكون وسيطاً يتمكن من تدوير الزوايا وتسوية علاقات الدول”.

التعليقات لم تكن وفيرة على مبادرة أردوغان، أو “خريطة طريق أردوغان للمصالحة مع الأسد” كما يسميها إعلام بوتين، وما هو متوفر منها على غرار “روسيا سوف تعيد علاقات الجوار إلى تركيا وسوريا” لصحيفة الكرملين المذكورة، ينتمي أغلبه إلى بروباغندا الكرملين وفي مواقعه الإعلامية، ولا يستحق التوقف عنده.

توقفنا عند مدونة ناشط لم ينشر إسمه، نشرها على موقع مدونات LiveJournal  في 17 الجاري,. يشير الكاتب إلى ما جاء في تصريح أردوغان عن توحيد أجهزة المخابرات التركية والروسية، ويقول بأن هذه المحاولات تجري خلال الشهرين الأخيرين، وعلى أرفع المستويات، “لكنها لم تسفر بالنتيجة عن شيء”.

ويبدو أن المدون رصين ويتابع الملف السوري جيداً، فيشير إلى أن أردوغان صرح في آب/أغسطس المنصرم أن أنقرة لا تسعى لإقصاء الأسد عن السلطة. وأراد بكلامه حينذاك أن يشير إلى تخليه عن سياسته في دعم الإنتفاضة ضد الأسد خلال السنوات العشر الماضية. ويشير إلى تسريبة خلال هذا الشهر من مصادر قريبة من ديوان الرئاسة التركية تقول بأن التقرب بين أنقرة ودمشق (ومع العواصم العربية الأخرى) لن يبدأ سوى بعد الإنتخابات السنة القادمة، ولا يجب إنتظار أي دينامية حقيقية الآن على هذا الإتجاه.

ويستنتج المدون من التسريبة أن تصريح أردوغان في هذه الحالة يجب تقييمه بمثابة دعاية على الصعيد الداخلي. فالضغط الداخلي على أنقرة يشتد، مطالباً بتطبيع العلاقات مع دمشق. ودعوات المعارضة التركية للمصالحة بين تركيا وسوريا تتعزز كل يوم، فالمجتمع التركي يصبح أكثر عداءاً حيال حوالي 4 مليون لاجيء سوري في تركيا.

وبعد أن يشير المدون إلى المفاوضات التي يجريها الأميركيون مع مسؤولين سوريين لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس، يقول بأن دمشق بدورها تسعى لتجديد التعاون مع أنقرة، لكن الكثيرين من الأتراك يعتبرون بأن شروط الحكومة السورية للمفاوضات ليس مع تركيا فقط، بل ومع الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية، “ليست واقعية”.

لكن إحدى العقبات الرئيسية في إطار التقارب التركي السوري، عدا عن العلاقات الشخصية بين أردوغان والأسد، يبقى العامل الكردي، برأي المدون. والرئيس التركي ركز عليه في تصريحه ــــــ المبادرة، وقال بأن تركيا لن تتسامح مع وجود مقاتلين أكراد سوريين على طول الحدود التركية. وليس من الواضح تمامًا سبب قلق الرئيس التركي بشأن بيع النفط السوري من قبل الأكراد، لكن إستطراده يوضح الأمر، فإمدادات النفط السوري الرخيص لتركيا، وكذلك إمدادات النفط العراقي الكردي، قد نضبت.

بعد أن يتحدث المدون مطولاً عن الأكراد، وخاصة عن PKK  وعملية “السيف المخلب” التركية ضده في شمال سوريا والعراق، يقول بأن هذه العملية لم تنته بعد، بل سوف تستمر بوتيرة متغيرة في شمال البلدين إلى أن يحين وقت هجوم عسكري عبر حدودهما. والعمل الإرهابي في إسطنبول لم يكن دافعاً كافياً لعملية هجوم كهذه، كان من الممكن أن تيدأ في أي ظرف بعد إنتهاء عملية “السيف المخلب”.

إلا أن تفجير إسطنبول الإرهابي من المحتمل أن يكون قد دفع تركيا للكشف عن إستراتيجيتها القتالية الجديدة في وقت أبكر مما هو مخطط له، وتمهد الحملة الحالية الطريق للعمليات البرية المستقبلية. ويقول بأنه يخاطر ويفترض بأن مجموعة التدابير والخطوات المتخذة في إطار العمليات المناهضة للكرد، هي بالذات التي ستشكل اولويات ومحددات هذه الإستراتيجية.

المدن

—————————-

مؤشرات على تجميد العملية التركية شمال سوريا

تحركات روسية وضغوط أميركية… وأنقرة تؤكد مجدداً «عدم حاجتها إلى إذن»

أنقرة: سعيد عبد الرازق

وسط غياب المؤشرات على احتمال تنفيذها في وقت قريب واستمرار المحاولات الروسية والضغوط الأميركية للتراجع عنها… أكدت تركيا مجدداً أنها لن تستأذن أحداً لتنفيذ عملية عسكرية برية هددت قبل أسابيع بالقيام بها، ضد مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن بلاده لا تحتاج إلى إذن من أي جهة لتنفيذ عمليات عسكرية ضد ما وصفه بـ«تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية الإرهابي» (أكبر مكونات «قسد» والتي تعدّها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور في سوريا) في شمال سوريا.

ونقلت وكالة «الأناضول» الرسمية، الثلاثاء، تصريحاً أدلى به أكار لصحيفة «الماساجيرو» الإيطالية، ذكر فيه، أن وحدات حماية الشعب الكردية تستهدف أمن وسلامة الأراضي التركية، وأن عمليات تركيا العسكرية في الشمال السوري تستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تخولها حق الدفاع عن نفسها.

وأضاف الوزير التركي، أن حزب العمال الكردستاني، المدرج على قوائم التنظيمات الإرهابية لدى «الناتو» والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يعمل على مغالطة المجتمع الدولي من خلال تبني أسماء مختلفة، مثل «وحدات حماية الشعب الكردية» و«قسد».

وأضاف، أن «العمال الكردستاني» وامتداده السوري «الوحدات الكردية» تنظيم واحد ولا فرق بينهما، داعياً جميع حلفاء تركيا إلى وقف دعم «التنظيم الإرهابي»، والتضامن معها في مكافحته، مشدداً على أن تركيا تستهدف فقط التنظيم الإرهابي في شمال سوريا، وليس لديها أي مشاكل مع الأكراد أو أي إثنية أخرى.

ولفت أكار إلى أن تركيا تحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وتستضيف أعداداً كبيرة من السوريين الفارين من الحرب.

في السياق ذاته، تحدثت تقارير في وسائل إعلام كردية عن ضغوط أميركية دفعت تركيا إلى التراجع عن العملية العسكرية التي هددت بها بعد التفجير الإرهابي، الذي وقع في شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم في إسطنبول في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والذي أوقع 6 قتلى و81 مصاباً ونسبته أنقرة إلى وحدات حماية الشعب الكردية ونفذت بعده عملية جوية باسم «المخلب – السيف» في شمالي سوريا والعراق.

وأفادت التقارير، بأن واشنطن تعتزم إعادة قواتها إلى المناطق التي انسحبت منها في شمال شرقي سوريا قبل 3 سنوات، في الوقت الذي يبدو فيه أن «قسد» لم تبد بعد موافقة على المقترح الروسي بسحب قواتها مع أسلحتها من منبج وعين العرب (كوباني) وتسليمها للنظام السوري، لتحقق بذلك مطالب تركيا بسحب عناصر الوحدات الكردية بعيداً عن حدودها الجنوبية بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

وبحسب مصادر تحدثت إلى مواقع كردية، تواصل روسيا وإيران وتركيا الضغط الشديد على «قسد» لتسليم عين العرب (كوباني) ومنبج للنظام السوري، وأن «قسد» تطالب بضمانات بشأن مستقبلها بعد تسليم المناطق. وأضافت، أن الضغوط الأميركية حملت تركيا على تجميد العملية البرية في شمال سوريا، لكن تبقى كل الخيارات مفتوحة، كما أن «قسد» مستعدة لأي حرب جديدة في المنطقة.

وتطالب تركيا بانسحاب «قسد» من تل رفعت إلى جانب منبج وعين العرب، بعدما طرح الجانب الروسي خلال مشاورات عقدت في إسطنبول الأسبوع قبل الماضي صيغة انسحاب «قسد» بأسلحتها من منبج وعين العرب وإحلال قوات النظام محلها، مع الإبقاء على عناصر أمن «قسد» (الأسايش) ودمجها في قوات أمن النظام.

وترددت أنباء عن أن القوات الأميركية أبلغت «قسد» بأن لديها خطة للعودة وبناء نقاط له في جميع المناطق التي انسحبت منها، بما فيها منبج وعين العرب وتل رفعت، وذلك بعدما بدأت العودة إلى الرقة وإقامة نقطة عسكرية هناك.

وكانت القوات التركية قد عادت، الاثنين، للمرة الأولى إلى تسيير الدوريات المشتركة في ريق عين العرب الغربي مع قوات الشرطة العسكرية الروسية، بعد رفض المشاركة في الدوريات منذ انطلاق العملية الجوية «المخلب – السيف» في 19 نوفمبر الماضي.

وفي الوقت ذاته، قامت قوات النظام شمال الحسكة، بحماية عربات عسكرية روسية وبمرافقة مكتب العلاقات التابع لـ«قسد»، بتبديل عناصرها في المنطقة الممتدة من عامودا إلى الدرباسية وصولاً إلى قرية الأسدية شمال بلدة أبو راسين.

وتعد هذه المرة الرابعة التي تقوم فيها قوات النظام بتبديل عناصرها وتوزيع مواد لوجيستية ووقود على جميع النقاط العسكرية المنتشرة على الحدود مع تركيا، قادمة من مطار القامشلي شمال الحسكة في إطار رفع درجة تحركاتها على الشريط الحدودي مع تركيا بحماية القوات الروسية، منذ بدء التهديدات التركية بشن هجوم بري في شمال سوريا.

——————————–

سندفع لك”.. المعارضة التركية تراسل بشار الأسد لثنيه عن لقاء أردوغان

كشفت صحيفة تركية تفاصيل رسالة بعثها حزب الشعب الجمهوري (CHP) إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد تتضمن وعوداً بسحب القوات التركية من سوريا وتقديم تعويضات مالية لثنيه عن لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبحسب صحيفة (Türkiye Gazetesi

) تضمنت الرسالة التي بعثها حزب الشعب الجمهوري إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد: “عند وصولنا إلى سدة الحكم، نتعهد بسحب جميع القوات من الأراضي السورية بما في ذلك إدلب، وتلبية جميع مطالب الحكومة السورية، ودفع تعويضات مالية”.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحزب إلى جانب الأحزاب المنضوية تحت سقف تحالف الستة، يعمل على تخريب الاجتماع المحتمل عقده بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام بشار الأسد.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الأناضول)

أردوغان: طلبت من بوتين تشكيل آلية ثلاثية لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق

وأوضحت الصحيفة بأن الأحزاب التركية المعارضة أرسلت 7 طلبات لعقد لقاء مع رئيس النظام بشار الأسد خلال الأشهر الخمس الماضية، وهي حزب الشعب الجمهوري، والحزب الديمقراطي، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب النصر، وحزب الوطن، وحزب الجيد، وحزب السعادة، وحزب الوطن.

واستطاعت الصحيفة الحصول على معلومات من وزارة خارجية النظام السوري، تفيد بأن كلاً من حسن أك غول، ومحمد غوزال منصور من حزب الشعب الجمهوري، بعثوا رسالة عبر حزب البعث الحاكم في سوريا إلى بشار الأسد.

وجاء في رسالة حزب الشعب الجمهوري: “أيام أردوغان أصبحت معدودة، ويمكن لأي لقاء أن يؤثر على مستقبل الانتخابات، لذا عند وصولنا إلى سدة الحكم، نتعهد بسحب جميع القوات من الأراضي السورية بما في ذلك إدلب، وتلبية جميع مطالب الحكومة السورية، ودفع تعويضات مالية”.

———————

لماذا تريد تركيا تطبيع علاقاتها مع النظام السوري؟

شهدت الأسابيع الماضية ذروة التصريحات التركية التي تتحدث عن إمكانية التطبيع مع نظام الأسد، وفي الوقت الذي كانت تقتصر هذه التصريحات على مستويات سياسية متوسطة، ويدور مجملها حول علاقات أمنية مع النظام السوري. جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تحدثت عن إمكانية تطبيع العلاقات واللقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.

ورغم أن تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، لم يكن ملفًا للنقاش خلال السنوات الماضية، إلا أن تحولات طرأت على الموقف التركي في الفترة الأخيرة، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية منتصف العام المقبل، مما جعل حزب العدالة والتنمية يعمل على مراجعة شاملة للسياسة الخارجية والتوجه نحو التقليل من الخلافات الخارجية. ويظهر ذلك نظرًا لترحيب المعارضة التركية، بتصريحات حزب العدالة والتنمية التي تحدثت عن إمكانية تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

واعترف مسؤولون أتراك مؤخرًا بوجود اتصالات واجتماعات ذات طابع استخباراتي مع النظام السوري، وهو ما يعد تحولًا كبيرًا في الموقف التركي تجاه النظام، والذي كانت أنقرة تقاطعه منذ أكثر من 10 أعوام بشكلٍ كامل.

وبدأت أولى الإشارات العلنية حول التطبيع مع نظام الأسد، من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع تشرين أول/ أكتوبر الماضي، حيث لم يستبعد اللقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، “عندما يكون الوقت مناسبًا”، بحسب قوله. وقبل أيام كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عرض قدمه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإجراء لقاء ثلاثي بينه وبين الأسد، بحضور بوتين.

ونقلت مصادر إعلامية تركية عن أردوغان قوله “يمكن أن تجتمع وكالات استخباراتنا أولًا، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء خارجية الدول الثلاث، وبعد ذلك يمكن أن نلتقي كقادة، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لسلسلة من المفاوضات”، مشيرًا إلى أن بوتين رأى المقترح إيجابيًا، كما أوضح أردوغان بأنه “لا يوجد خصومة أبدية في السياسة”.

مساعي الرئيس التركي لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعلانه الاستعداد للقاء بشار الأسد، تأتي نتيجة عوامل سياسية داخلية أولًا، وهي الانصياع للمعارضة التركية ومحاولة التفوق عليها، من خلال ورقة اللاجئين السوريين في تركيا. فقد أصبحت قضية اللاجئين ملفًا للاستقطاب السياسي من قبل المعارضة التركية، التي تحملهم مسؤولية الوضع الاقتصادي في تركيا. أمّا أردوغان، فهو يسعى إلى تحقيق مكسب من هذه الورقة، من خلال التقارب مع نظام الأسد والتنسيق معه لإعادة العدد الأكبر من اللاجئين.

ويسعى أردوغان، من خلال هذا التقارب والعمل على ملف اللاجئين إظهار أن العودة أصبحت “آمنة”. مع إدخال روسيا إلى الملف، بهدف التأكيد على وجود ضمانة أساسًا، وللضغط على النظام السوري الذي قد يناور في هذا الملف.

يترافق مع هذا الملف، النشاط التركي في شمال سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ووحدات حماية الشعب الكردية، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، التي انطلقت ضدها عملية عسكرية تركية إثر تفجير إسطنبول، والترابط في الملف، هو السعي التركي للسيطرة على مناطق واسعة في شمال سوريا، بهدف توطين اللاجئين فيها.

ومع انطلاقة العملية التركية “المخلب- السيف” في شمال سوريا، تحدثت مصادر تركية عن إمكانية التنسيق مع النظام السوري من أجل مواجهة قوات “قسد”. والعملية الجوية حتى الآن استهدفت الوحدات الكردية شمالي سوريا والعراق. مع حديث رسمي، عن سعي أنقرة إلى تأمين حدودها مع الشمال السوري.

وترفض موسكو وواشنطن قيام تركيا في عملية برية حتى الآن، وسط مفاوضات طويلة مع كافة الأطراف، ويمكن أن يصبح النظام السوري لاعبًا فيها. وترى بعض القوى المقربة من الحكومة التركية، كزعيم حزب الوطن دوغو برينجك، وزعيم حزب حركة القومية دولت بهتشلي، أن الحل في شمال سوريا، يكمن في فتح قناة اتصال مع النظام السوري.

—————————-

======================

تحديث 24 كانون الأول 2022

—————————-

إلى أين يأخذ المستوى الأمني التركي الملف السوري؟/ غازي دحمان

تلوح في الأفق نذر أيام صعبة على السوريين في علاقاتهم مع تركيا، سواء منهم اللاجئون، أو هياكل المعارضة، السياسية والعسكرية، التي تتخذ من تركيا مقرّا لها، أو التي تقع تحت إشرافها المباشر، وتتولى إدارة مناطق شمال غرب سورية، وذلك على وقع الانزياحات التي بدأت تشهدها السياسة التركية. ويحصل هذا التحوّل انعكاسا لديناميكيتين في السياسة التركية: إعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية لتركيا بناء على إعادة تقييم للبيئة الدولية، بفرصها ومخاطرها. وإعادة تموقع تركيا استراتيجيا، في ظل متغيرات دولية حادّة بما تتضمنه من ملامح تشكّل جديدة للنظام الدولي.

يمكن القول إن الاستجابة التركية لهذه المعطيات الجديدة اتخذت نمطين، استدراكي: الهدف منه إصلاح السياسات التي اتُّخذت في سياق التطورات التي شهدها الإقليم في العقد السابق، وأدّت إلى نتائج ذات أبعاد جيوسياسية خطيرة على تركيا وصلت إلى حد عزلها إقليميا، وقبل ذلك محاولة الانقلاب سنة 2016، ونمط استباقي: الهدف منه وضع تركيا في مكانٍ مؤثر يمنحها القدرة لأن تكون فاعلا مهما في التحكّم في اتجاهات الأحداث، ضمن قوس جيوسياسي واسع من الشرق الأوسط إلى القوقاز والبلقان. ويحتاج نجاح هذه التحولات إلى مراعاة التوازنات الحالية في البيئات المحيطة، فضلا عن التعاطي بواقعية مع أوزان اللاعبين حسب فعاليتهم وتأثيراتهم، وتغيير فلسفة السياسة للتساوق مع هذه التحولات، واستكمالا لذلك، إيجاد الأدوات القادرة على إدارة اللعبة السياسية الخارجية في بيئة صراعية متشابكة ومعقّدة.

يفسّر ذلك صعود دور المستوى الأمني التركي بدرجة كبيرة، وإدارته علاقات تركيا الخارجية، والتي يبدو أن المستوى السياسي، المثقل بحمولات أيديولوجية وطموحات سياسية ذات بعد ماضوي، عجز عن فهم اللحظة الدولية ومواكبتها، أو على الأقل، لم يدرك كنه السياق السياسي الدولي، وربما لم يستطع التكيّف والتغير في اللحظة التي أصبحت المخاطر تفوق الفرص، وبالتالي العجز عن مواجهة التحدّيات التي بدأت بالتكاثر والتعقّد وانسداد أفق حلها.

لم يكن ممكنا تفكيك هذه التعقيدات إلا من خلال دبلوماسية “الأبواب الخلفية” التي اتبعتها الأجهزة الأمنية التركية في إدارتها علاقاتها مع المحيط الإقليمي، والتي استطاعت من خلالها إعادة صيانة شبكة العلاقات الإقليمية وترشيقها، ضمن عملية مساومات معقّدة تخللتها تنازلات ضرورية هنا وهناك، وإعادة صياغة لبعض المواقف السياسية السابقة.

ولم يكن ذلك انقلابا على المستوى السياسي التركي، بل يمكن الجزم إن المستويين، السياسي والأمني، في تركيا، هما من اللون السياسي نفسه، بل بتفويض من صانع القرار التركي، إذ بعد الإغلاقات التي تسبّبت بها التضاربات في التوجهات والسياسات مع الأطراف الإقليمية، كان لا بد من البحث عن مفاتيح يمكن من خلالها فتح الأبواب المغلقة بأقل قدر من الخسائر. ومن الواضح أن تفويض الأجهزة الأمنية بذلك تضمّن صلاحيات مطلقة، وهذا ما يُستدل عليه من هامش الحرية الذي يتمتع به هاكان فيدان، رئيس الاستخبارات التركية.

ما علاقة ذلك بالسوريين؟ تشي التغيرات الجارية في السياسات التركية تجاه النظام والمعارضة، والتي تُطبق من خلالها القواعد التي ذكرناها، بأنها من صناعة المستوى الأمني بدرجةٍ كبيرة، ويدلّل على ذلك تغير مناظير الرؤية لطرفي الصراع في سورية، والتي بدأت تبتعد بشكل صريح عن المحدّدات المعروفة للسياسة التركية في المرحلة السابقة. والإشكالية في هذا الوضع أن طريقة مقاربة المستوى الأمني الملف السوري ستكون مختلفة، من خلال النظر إلى الملف من زوايا أمنية تضع بعين الاعتبار ثلاث قضايا أساسية: حماية الأمن القومي التركي، تحييد المهددات الأمنية، وتوسيع هامش المناورة، وذلك كله من خلال آليات ذات طابع أمني صرف، لا تترك للاعتبارات السياسية أي تأثيراتٍ ذات شأن.

وفق ذلك، لم يعد للاعتبارات الأيديولوجية، التي ربطت المعارضة السورية بالفاعل التركي، أي وزن وقيمة في قرارات السياسة التركية في المرحلة اللاحقة، من خلال دمج الملف السوري في إطار المشكلات الأمنية التي يجب حلها، ويبدو أن الرئيس أردوغان حيّد نفسه عن هذا الملف، أو على الأقل ينفذ التوصيات التي يقترحها عليه هذا المستوى، لضمان تحقيق النجاح، والمتمثل هنا بالتخلص من أعباء الملف السوري، أو تحويل المخاطر التي انطوى عليها إلى فرص مستقبلية.

ويتضح من السلوك السياسي التركي أن وجود السوريين في تركيا بات يهدّد مصائر النخبة التركية الحاكمة، من خلال تأثيره المباشر على نسب التصويت في الانتخابات المقبلة، وبالتالي، التقييم الأمني لذلك أن هذا الوجود هو بمثابة خطر، يجب التعامل معه بهذه الصفة، وتحييد الاعتبارات العاطفية، وبالتالي، ستجرى ترجمة التقييم بشكل صريح في مخرجات السياسة التركية، والقائمة على الترحيل الكثيف للسوريين والتضييق عليهم، وسنرى في المرحلة المقبلة تصعيداَ لهذه الإجراءات، نظرا إلى اقتراب موعد الانتخابات التركية. وينطبق الأمر ذاته على المعارضة، وخصوصا إذا رفضت الاندماج في هياكل النظام العسكرية، أو القبول بما تقدّمه روسيا في هذا المجال للمستوى السياسي في المعارضة، إذ يبدو أن أنقرة وموسكو توصلتا إلى صيغ معينة للحل السياسي في سورية، وسيجرى طرحها علنيا في المرحلة المقبلة.

باتت السياسة التركية إلى حد بعيد خاضعة لتقديرات المستوى الأمني ورؤاه، وسينعكس ذلك بدرجة كبيرة على الملف السوري، وعلى المعارضة واللاجئين السوريين، الذين يمرّون اليوم بأصعب مراحل علاقاتهم مع أنقرة.

العربي الجديد

————————–

=================

تحديث 28 كانون الأول 2022

———————-

لا أفق لمصالحة سورية – تركية/ خيرالله خيرالله

مشاكل بشار الأسد تكبر كل ساعة فهو أصبح اليوم “جنرال نورييغا” القرن الحادي والعشرين بعدما صار متّهما بتزعم نظام مصنّع للمخدرات ومروّج وداعم لها في دول الإقليم والعالم.

تروّج دمشق عبر محلليها ومسؤوليها أن الرئيس رجب طيب أردوغان مستميت لمصالحة بشار الأسد وأن المستقبل السياسي لأردوغان وتركيا، كدولة، مرتبطان بتنازل بشار الأسد وقبوله عقد لقاء مع الرئيس التركي.

ثمة أمور في حاجة إلى إيضاح بعيدا عن المبالغات. سياسيا، سيفرض الصلح مع أنقرة على النظام السوري الإعلان رسميا الاعتراف باتفاق أضنة الذي علم الشعب السوري بوجوده عن طريق الإعلام الخارجي. بناء عليه، سيضطر نظام بشّار الأسد إلى الإعلان رسميا أمام “جمهوره” أن “القائد الخالد”، على العكس ممّا يروج له، تخلى رسميا منذ سنوات طويلة عن لواء الإسكندرون لـ”المحتل التركي”. كيف ستبرر دمشق ادعاءات تحرير كل شبر من الأراضي السورية من الاحتلال التركي، ودمشق محكومة من قبل النظام نفسه الذي تخلى عن تلك الأراضي بموجب اتفاق وقّعه من أجل وقف تهديد الاجتياح التركي لشمال سوريا في العام 1998 في ظلّ وضع جيوسياسي شبيه بالوضع القائم اليوم.

في أحسن الحالات، سيفرض تجديد اتفاق أضنة الحق المعطى للجيش التركي بدخول الأراضي السورية بعمق 30 إلى 35 كلم لملاحقة “إرهابيي” حزب العمل الكردستاني. بكلام آخر، سيتخلى النظام رسميا عن أراض سورية جديدة من خلال صراعه المستميت للبقاء على كرسي الحكم في دمشق. يأتي ذلك، في وقت يوجد الجيش التركي حاليا، عبر المعارضة السورية في الشمال السوري في العمق المطلوب من تركيا.

لا يختلف عاقلان على أنّ للرئيس التركي أطماعا وأهدافا سياسية شخصية تتمثل في دخول اللعبة السياسية الدوليّة. لذلك نراه يتوسط بين روسيا والغرب في أوكرانيا.

يبدو الحل السياسي للأزمة السورية المستمرة منذ أحد عشر عاما أحد تلك المداخل المهمة التي يريد أردوغان ولوجها. ستفرض أنقرة على دمشق، من ضمن ما يسمّى المصالحة، في حال حصولها، شروطها السياسية المتعلقة بالملف السوري، وأهم تلك الشروط تطبيق القرار الدولي 2254.

يأتي ذلك في وقت تبدو فيه أنقرة مصرّة على مشاركة المعارضة في الحكم عبر عملية سياسية تصل إلى التغيير الكامل في شكل النظام السوري وهيكله.

يعلم بشار الأسد وأفراد الحلقة الضيقة المحيطة به أن القرار 2254 هو بمثابة الفخ الذي نصب له عبر تفاهم روسي – أميركي آنذاك. أجبرت موسكو بشار الأسد على القبول بالقرار. لكنّ  بشار الأسد نجح في التهرب منه من خلال ممارسة ألاعيب سياسية استوعب من خلالها بحنكة وزير خارجيته الراحل وليد المعلم والمبعوثين الدوليين ستيفان دي ميستورا وغير بيدرسون من بعده، عبر إغراقهما بالتفاصيل، والانخراط في “سلال دي ميستورا”، ومتاهات اللجان الدستورية، ولقاءات لا تنتهي للمجتمع المدني…

على الرغم من كل تلك الألاعيب، تجد سوريا نفسها تغرق اليوم في الجوع والبرد والفقر في أزمة اقتصادية لم تشهد لها مثيلا. تشكل الأزمة الراهنة أكبر خطر وجودي على البلد في حدوده الراهنة منذ اتفاق سايكس – بيكو.

إضافة إلى ذلك، يعلم بشار الأسد والحلقة الضيقة المحيطة به أن بوتين  أصبح أضعف من أن يفرض أي قرار أو أي تغيير. الرئيس الروسي  يحتاج اليوم، في ضوء ورطته الأوكرانيّة، إلى بشار الأسد كي يحافظ على ما حققه من خلال التموضع في شرق المتوسط.

بالعودة إلى المصالحة، فأنقرة تصر على العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلدهم. هذه العودة سمتها أنقرة في شهر آب – أغسطس الماضي “مناطق تجريبية” في دمشق وحمص وحماة. هذا ما يرفضه بشّار شخصيا من منطلق أن المجتمع السوري أصبح “متجانسا” بخروج هؤلاء السوريين من مناطق سيطرته. ثمّ  كيف سيستطيع النظام السوري المفلس أن يقدم أبسط الخدمات إلى العائدين من تركيا ولبنان، وهو حاليا عاجز تماما عن دفع قسم من مستحقات ذوي قتلى الشباب العلويين ومداواة جرحاهم وتوفير التدفئة والغذاء بأقل حدودهما لأهل بيئته الذين ماتوا وأصيبوا دفاعا عن النظام؟

هناك عنصر مهم آخر لا يمكن تجاهله. يتمثل هذا العنصر في أن إيران التي تسيطر على قرار بشار الأسد لن تقبل أي مصالحة أو عملية سياسية تودي إلى عودة السوريين إلى ديارهم التي هجّروا منها. إن عودة الملايين من السنة إلى مناطقهم، كما تريد أنقرة، سيفشل مشروع التغيير الديموغرافي الذي رأى النور عبر تهجير ثمانية ملايين سوري سني إلى خارج سوريا وتهجير سبعة ملايين آخرين داخليا بما سهّل على إيران استكمال فتح طريق طهران – بيروت عبر العراق وسوريا.

إضافة إلى ذلك، تروّج جهات تابعة للنظام السوري أن تركيا ستقدم بعض الخدمات إلى سوريا مثل الكهرباء وفتح المعابر التجارية لفك الحصار الدولي في حال المصالحة. هذه مجرّد أوهام. الدليل أن  كل المحاولات لدعم لبنان لتأمين ساعات إضافية من الكهرباء بتمرير الغاز المصري عبر الأراضي السوريّة باءت بالفشل بسبب رفض الإدارة الأميركية أيّ احتمال لاستفادة دمشق من عبور الغاز. فكيف ستسمح لتركيا بأن تتعاون مع نظام بشار الأسد وتساعده على البقاء؟

تكبر مشاكل بشار الأسد كل ساعة، فهو أصبح اليوم “جنرال نورييغا” القرن الحادي والعشرين بعدما صار متّهما بتزعم نظام مصنّع للمخدرات ومروّج وداعم لها في دول الإقليم والعالم. يؤكّد هذا التوجه الأميركي التعديل الجديد لقانون العقوبات على سوريا (قانون قيصر). أصبح “قانون قيصر” أشدّ إيلاما لأيّ طرف يحاول تجاوز العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. هل تخاطر تركيا أو أيّ دولة أخرى، غير روسيا وإيران وكوريا الشمالية، وتهدد اقتصادها وتتحايل على العقوبات الأميركية في سبيل مصافحة وصورة تذكارية لأردوغان مع بشار الأسد. لا مفرّ من العودة بالذاكرة دائما إلى أنّ الليرة التركية تلقت عدة ضربات مؤلمة في العامين الماضيين.

في نهاية 2022، يبدو أن دمشق ونظامها دخلا أمتارا إضافيّة في النفق الذي سيؤدي إلى نهاية تبدو معروفة بالنسبة إليهما. هل ستشهد السنة 2023  مفاجآت سورية كبرى من النوع الذي أشار إليه ابن خال بشار الأسد وشريكه السابق رامي مخلوف الموجود في نوع من الإقامة الجبرية منذ أشهر عدّة؟

إعلامي لبناني

العرب

————————–

أردوغان يعلن استراتيجية جديدة بسوريا..هل تخلى عن العملية البرية؟

كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عزم بلاده الانتقال إلى مرحلة جديدة في عملية مكافحة “الإرهاب”، “عبر تدمير البنى التحتية والموارد الاقتصادية” التي تعتمد عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا.

وقال أردوغان في خطاب أمام حكومته ليل الاثنين، إن تركيا بصدد اتخاذ خطوات جديدة لسد الثغرات الأمنية بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وذلك من أجل القضاء على التهديدات الإرهابية التي تستهدف العمق التركي انطلاقاً من هناك.

وأكد الرئيس التركي أن بلاده ستدخل مرحلة جديدة من أجل مكافحة الإرهاب القادم من الحدود مع سوريا، موضحاً أنها تتمثل بضرب البنى التحتية والموارد الاقتصادية التي يستمد منها حزب “العمال” الكردستاني في سوريا القوة لبناء وتدعيم قوته العسكرية.

وكان أردوغان قد أكد عزم بلاده إنشاء الحزام الأمني على الحدود مع سوريا بعميق 30 كيلوامتراً حتى الوصول عبر مراحل متلاحقة لاستكمال الحزام على طول الشريط الممتد على الحدود السورية-التركية بطول 600 كيلومتر، موضحاً أن المرحلة التالية بعد عمليتين بريتين قام بهما الجيش التركي ضد “قسد”، ستكون السيطرة على مناطق منبج وتل رفعت وعين العرب شمال شرق سوريا.

ويأتي حديث الرئيس التركي بعد زيارة قام بها وزير دفاعه خلوصي أكار الأحد، برفقة رئيس هيئة الأركان وقادة القوات البرية والبحرية الأتراك، إلى الوحدات العسكرية في ولاية هاتاي ومركز عمليات “درع الربيع” قرب الحدود مع سوريا، تلقوا خلالها معلومات عن آخر التطورات الميدانية، حسبما ذكرت وسائل إعلام تركية.

وكان أكار قد كشف عن محادثات يجريها مع روسيا من أجل استخدام الأجواء السورية التي تسيطر عليها القوات الروسية شمال سوريا، من أجل تنفيذ عملية محتملة ضد الوحدات الكردية هناك.

وتوقّع مراقبون مختصون بالشأن التركي، أن تحركات أكار ترجّح قيام القوات العسكرية التركية بعملية جوية جديدة على غرار عملية “المخلب-السيف” ضد مواقع تسيطر عليها “قسد” شمال سوريا، بداية 2023، موضحين أن تركيا لم تفلح بالحصول على ضوء أخضر للقيام بعملية برية، لكنها على الأرجح حصلت على موافقة لعملية جوية جديدة.

وأطلقت أنقرة عملية “المخلب-السيف” في تشرين الثاني/ نوفمبر، رداً على تفجير شارع الاستقلال المؤدي إلى ساحة التقسيم وسط إسطنبول الذي راح ضحيته 6 مواطنين أتراك، استهدفت من خلالها عشرات المواقع العسكرية التابعة ل”قسد” إلى جانب استهداف حصل للمرة الأولى لمنشآت اقتصادية نفطية، تسيطر قسد على مواردها شمال سوريا.

———————-

لماذا فشل أردوغان في تحقيق مصالحة مع الأسد؟/ فاضل المناصفة

الدبلوماسية التركية كانت متسرعة عندما خاطبت الروس مباشرة ظنا منها أن الحل يأتي من موسكو وأن الأسد سيوافق على لقاء أردوغان دون تردد وأن سوريا تحتاج إلى تركيا أكثر من حاجة تركيا إليها.

خلال اتصال هاتفي جمعه بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن أنقرة لن تحدد جدولًا زمنيًا لعملياتها في سوريا وأن حربها ضد الإرهاب ستستمر بعزم. وتأتي المكالمة الهاتفية بعد أسبوع من استهداف القوات التركية لمعاقل حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في سوريا، ردا على التفجير المميت في شارع الاستقلال بإسطنبول في نوفمبر الماضي. يأتي هذا بعد أن فشل رجب طيب أردوغان في استمالة بشار الأسد نحو مصالحة لا يرى فيها الأسد أيّ فائدة في الوقت الحالي.

رفض الرئيس السوري اليد الممدودة التي تقدم بها أردوغان لطي خلافات الماضي والترتيب لعلاقات جديدة تماما مثلما تفعل أنقرة مع أعداء الأمس، وأقصد هنا السعودية ومصر والإمارات في إطار ما يطلق عليه “دبلوماسية صفر مشاكل”. والمؤكد أن هذا الرفض قد فوّت على أنقرة الحصول على تفويض سوري يعطي ضوءا أخضرا لعمليتها العسكرية في الشمال السوري من دون أن يتم اتهامها بانتهاك السيادة ومن دون أن تشوش هذه العملية المحدودة على مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة وأن تركيا تريد ضرب عصفورين بحجر واحد: المحافظة على متانة العلاقات مع روسيا التي تتواجد عسكريا في سوريا والتصالح مع نظام تأكد انتصاره على ثورة 2011 ولم يعد من المنطقي التعامل مع الملف بنفس الأسلوب الذي تعامل به أردوغان في بدايته.

وفي نفس التوقيت الذي جاءت فيه تصريحات من أنقرة تخطب ودّ دمشق من أجل ترتيب لقاء بين الأسد وأردوغان نشرت وكالة سانا السورية الرسمية للأنباء مقالا يتحدث عن الذكرى 83 لاحتلال تركيا لما يسمّى لواء إسكندرون، وهي منطقة تقع تحت السيادة التركية، كان الإعلام السوري يتجنب إثارة الحديث عنها أيام كانت العلاقات السورية – التركية على أحسن حال.

واتهم المقال تركيا بتزييف الحقائق والوقائع في تلك المنطقة، واختتم بعبارات قوية حيث وصفت الوكالة ما تقوم به تركيا منذ 11 سنة بالمجازر والجرائم الوحشية ضد الشعب السوري. هذا المقال والذي يأتي في خضم محاولات أنقرة لطيّ خلافها مع دمشق يعبّر بوضوح عن أن سوريا تريد اغتنام الفرصة لتضع مسألة لواء إسكندرون ضمن الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات كشرط لتطبيع علاقاتها مع تركيا.

بشار الأسد وإن كان فاشلا في إدارة البلاد وعاجزا عن القضاء على فساد مسؤوليه الذي أكل الأخضر واليابس وساهم بشكل كبير في انتفاضة الشعب ضد حكمه، إلا أنه رجل يحسن قراءة الأحداث ويستعمل البراغماتية السياسية لتغيير مواقفه عندما يقتضي الأمر. ولعل قراره بعدم المضي قدما نحو العودة إلى الجامعة العربية كان نابعا من فكرة أن هذه العودة لن تقدم شيئا جديدا لسوريا ولن تكسبه شرعية دولية ولا إقليمية، بل ستدفعه إلى تقبل إملاءات خليجية تضع مصير علاقاته المتينة مع إيران على المحك، وهو أمر لا يمكن أن يحدث لاعتبارات عديدة من بينها الموقف الإيراني مما حدث في 2011 والدعم العسكري الذي ساهم في إنقاذ النظام من السقوط حين تنكر العديد من الأصدقاء له.

وفي الملف التركي يتعامل الأسد كذلك بالبراغماتية فهو يدرك جيدا أن تركيا تحتاج إلى التقارب للقضاء على الأكراد في شمال سوريا، وترغب في تمكين قواته النظامية من السيطرة بشكل جيد على الحدود المشتركة، وهي الخدمة التي لا يريد أن يقدمها الأسد دون مقابل، خاصة وأنه يعي جيدا أن تركيا وإن أرادت التقارب فهي تبحث عن مصالحها فقط وعن تطبيع أمني يضمن استقرار حدودها ويضيّق الخناق على الأكراد، إضافة إلى أنها ترغب في التخلص من موضوع اللاجئين السوريين فيها، بالمقابل سيكون هذا مكلفا للأسد الذي يتخبط في مشاكل اقتصادية وفي مجال الطاقة.

كان بإمكان أردوغان أن يستعمل بعضا من الإغراءات الاقتصادية ليبين حسن النية والمصلحة المشتركة التي يريدها من التصالح مع سوريا، كأن يعلن عن استعداد أنقرة رعاية مؤتمر إعمار سوريا، أو إغلاق الدكاكين الإعلامية الموجودة في بلاده والتي تمارس تشويشا على الأسد ونظامه، أو حتى تأجيل العملية العسكرية في شمال سوريا إلى ما بعد التقارب مع دمشق، حتى لا تتسبب في إحراج على المستوى الشعبي في سوريا.

كانت الدبلوماسية التركية متسرعة نوعا ما عندما خاطبت الروس مباشرة ظنا منها أن الحل يأتي من موسكو وليس من دمشق، وأن الأسد سيوافق على لقائه من دون تردد وأن سوريا تحتاج إلى تركيا أكثر من حاجة تركيا إليها. وبعبارة أدق كان من الخطأ التقليل من حجم الأسد ووضعه في ثوب الضعيف، والاعتقاد بأنه ينتظر طوق النجاة من أنقرة.

الفرصة لا تزال متاحة على الرغم من رفض الأسد للمصالحة، ولكن النشاط العسكري التركي في شمال سوريا ينبغي أن يكون في إطار مهمة محددة وسريعة وألا يتم التبرير من خلاله لانتهاك سيادة الأراضي السورية، كما يجب على النظام في تركيا أن يحدد موقفه وبشكل واضح من المعارضة السورية التي يرعى بعضها داخل أراضيه وأن يتم الفصل في المسائل الحدودية بالشكل الذي يضمن للأسد عدم تورطه في تطبيع قد يغيّر من جغرافية سوريا لمجرد ضمان أمن تركيا القومي، غير ذلك فإن تقارب النظامين سيبقى معلّقا إلى إشعار آخر.

كاتب فلسطيني

العرب

————————-

من ستختار دمشق.. أردوغان أم المعارضة؟/ فخري هاشم السيد رجب

صحيح أن سوريا تعاني الأمرين، وصحيح أيضا ان %20 من الأراضي السورية تعتبر فعليا تحت الاحتلال التركي المتمثل بالوجود العسكري من جهة، وبحماية العناصر المسلحة تحت رعاية تركية، ولكن الواقع التركي الداخلي يحمل اليوم الحل لإنهاء الحرب على سوريا، حيث إن الأطراف المتنازعة في الانتخابات والمتمثلة بالصراع السياسي ما بين أردوغان والمعارضة.. حيث بات عدو الطرفين المشترك هو الوقت، ذلك أن موعد الانتخابات اقترب كثيرا، فحوالي ستة أشهر فقط تفصل الأتراك عن تحديد هوية الواقع السياسي في السنوات المقبلة.

ويبدو جليا أن الورقة السورية هي الورقة التي سترجح كفة الفائز، ولم يعد خافيا على أحد ما كشفت عنه صحيفة تركيا المقربة من حزب العدالة والتنمية عن رسالة وجهها الحزب الجمهوري إلى الرئيس السوري بشار الأسد، كان الهدف منها عرقلة أي حالة من التفاهم أو التطبيع مع أنقرة تحت زعامة أردوغان، وفحوى الرسالة كان: إن حكومة حزب الشعب الجمهوري ستلبي جميع مطالب الحكومة السورية، بما في ذلك دفع التعويضات، إضافة إلى الانسحاب التام من الأراضي السورية التي احتلتها تركيا من سوريا، وقد سبق هذا الخبر معلومات مصدرها الخارجية السورية تم تسريبها إلى الإعلام، تفيد بأن حسن اكجول ومحمد غورال منصور من حزب الشعب الجمهوري قد بعثا برسالة إلى الرئيس بشار الأسد جاء فيها: أيام أردوغان معدودة، يمكن لأي مقابلة أن تؤثر في مستقبل الانتخابات، في ظل حكمنا ستتم تلبية جميع مطالب الإدارة السورية، بما في ذلك التعويض والتعهد بالانسحاب من الأراضي السورية، بما في ذلك إدلب.

والواقع أن القيادة السورية ربما لم ترد حتى اللحظة، لكنها ما زالت ترفض عروض أردوغان لعقد لقاء ثلاثي يجمع بوتين والأسد واردوغان.

جميع المعطيات تقول إن عمر الأزمة السورية لن يطول، وأن اللقاء الثلاثي قادم لا محالة، وبالرغم مما حصل، فإن لغة السياسة لها مفرداتها الخاصة المختلفة، فالرئيس السوري لا يستطيع إلا أن يتخذ قراره بالتنسيق مع روسيا وإيران لوقوفهما معه خلال الحرب وما تزالان إلى جانبه.

ما زال الجميع ينتظر القرار كمن ينتظر نتيجة امتحان، لأنه لم يعد يعني السوريين بعد كل هذا القهر والدمار والمرار إلا الخلاص. سواء أكان اردوغان أو المعارضة.. فالسوريون يبحثون اليوم عن الخلاص قبل أي شيء ولا مجال للتنازل عن أي حق، سواء في استرجاع الأراضي أو عودة الأهالي إلى مناطقهم وخروج المسلحين.

التراب اليوم سيد الموقف، والقرار قادم لا محالة.. والأكيد أن الوقت لا يخدم الأطراف التركية.

نقلا عن “القبس”

——————————–

اجتماع في موسكو يجمع وزيري دفاع تركيا والنظام السوري لأول مرة منذ عام 2011

ذكرت وكالة الإعلام الروسية، نقلاً عن وزارة الدفاع، أن وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام السوري أجروا محادثات في موسكو، اليوم الأربعاء. وهذا أول لقاء بين وزير الدفاع التركي مع نظيره في النظام السوري منذ عام 2011.

وأضافت أنه “تم بحث سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والجهود المشتركة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سورية”.

من جهتها، ذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان، أنّ الاجتماع الذي احتضتنه العاصمة الروسية موسكو، ضم وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والسوري علي محمود عباس، بالإضافة إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة.

وأضاف البيان أنّ الاجتماع التركي الروسي السوري في موسكو ناقش الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والمكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية في سورية.

وأكد اتفاق المجتمعين خلال اللقاء “الذي عقد في أجواء بناءة”، على استمرار الاجتماعات الثلاثية “من أجل ضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سورية والمنطقة”.

    Moskova’da gerçekleşen toplantıda Suriye krizi, mülteci sorunu ve Suriye topraklarında bulunan tüm terör örgütleri ile ortak mücadele çabaları ele alındı.https://t.co/4VSHXmpR4W#MSB #HulusiAkar pic.twitter.com/iwU8axcwZa

    — T.C. Millî Savunma Bakanlığı (@tcsavunma) December 28, 2022

وكان نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، قد قال، في 16 من الشهر الحالي، إنّ موسكو “تنظر بإيجابية كبيرة بشأن فكرة الرئيس التركي عقد اجتماع لقادة تركيا وسورية وروسيا الاتحادية”. ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن بوغدانوف قوله: “نجري الآن اتصالات مع الأصدقاء السوريين” بشأن هذه الفكرة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد قال، قبل يوم من تصريحات بوغدانوف، إنه اقترح على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “تشكيل آلية ثلاثية مع روسيا وسورية لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق”.

ونقلت مواقع تركية عن أردوغان قوله: “يمكن أن تجتمع وكالات استخباراتنا أولاً، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء خارجية الدول الثلاث، وبعد ذلك يمكن أن نلتقي كقادة، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لسلسلة من المفاوضات”، مشيراً إلى أن الرئيس الروسي بوتين رأى المقترح إيجابياً.

وقال أردوغان إنّ “هناك مشكلة يجب التعامل معها بشكل عاجل”، وهي “التنظيمات الإرهابية الموجودة في سورية، خاصة في الشمال السوري، التي تهدد وتستفز بلدنا من هناك، والتي تفعل كل شيء”.

(فرانس برس، رويترز، العربي الجديد)

——————————

موسكو ترفض خطة سلام «لا تقر بالواقع الجديد»… وتحذر من تسليح كييف رقمياً

غارات روسية على مدن أوكرانية تتزامن مع إحباط «هجوم تفجيري»

موسكو : رائد جبر

أكد الكرملين، الأربعاء، أنه «لا يرى خطة سلام» في المقترحات التي قدمتها أوكرانيا، وشدد على أنه لا يمكن التعامل مع أي خطة للتسوية «لا تأخذ في الاعتبار الواقع الجديد». في غضون ذلك، تزامن دوي صفارات الإنذار في عدد من المدن الأوكرانية الكبرى التي تعرضت لضربات جوية، مع إعلان موسكو إنها قتلت «عميلين للأجهزة الأوكرانية حاولا تنفيذ تفجيرات في مدينة روسية».

وجدد الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، الأربعاء، تأكيد موقف بلاده الرافض للاقتراحات الأوكرانية في إطار ما وصف بأنه «خطة سلام» تتألف من 10 بنود. وقال إنه «لا توجد خطة سلام يُزعم أن أوكرانيا اقترحتها». وكانت الخارجية الروسية رفضت قبل يومين «أفكارا أوكرانية حول خطة سلام يتم إعدادها»، وجاء تعليق الكرملين بعد أن نشرت كييف الاقتراحات التي وضعها الرئيس فولوديمير زيلينسكي وهي تدعو إلى سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية المعترَف بها دولياً، مما يعني تخلي روسيا عن المناطق الأربع التي أعلنت ضمّها، إلى جانب شبه جزيرة القرم التي استولت عليها موسكو عام 2014. وأعلنت الرئاسة الأوكرانية في وقت سابق إنها ستدعو لاجتماع دولي تحت رعاية الأمم المتحدة للبحث في «الخطة»، وقالت إن موسكو لن تكون مدعوة لهذا الاجتماع.

وجاء الرد الروسي حازما واستباقيا، إذ قال بيسكوف إنه «لا يمكن أن تكون هناك خطة سلام لأوكرانيا لا تأخذ في الاعتبار الحقائق المكرسة حاليا، مع دخول أربع مناطق جديدة إلى قوام روسيا الاتحادية (…) لا توجد خطة لا تقر بالوضع القائم، ولا يمكن أن تدعي أنها سلمية».

في الأثناء، شنت روسية سلسلة هجمات جديدة استهدفت البنى التحتية في مدن أوكرانية، وأعلنت مصادر إعلامية روسية وأوكرانية أن صفارات الإنذار دوت في غالبية المدن الأوكرانية صباح الأربعاء، بعد تحرك طائرات روسية لتنفيذ الهجوم. ولم تعلن وزارة الدفاع الروسية تفاصيل عن المواقع التي تم استهدافها. لكن مصادر أوكرانية تحدثت عن توسيع الضربات في عدد من المواقع المجاورة لخطوط التماس، وخصوصا قرب خيرسون وباخموت في الجنوب. في الوقت ذاته، أعلنت الوزارة إن القوات الصاروخية والمدفعية الروسية دمرت مستودعًا عسكريًا أوكرانيًا في منطقة زابوروجيا. وجاء في التقرير أن «مستودع أسلحة ومعدات عسكرية دمر بالقرب من قرية جوليبول في منطقة زابوروجيا».

بالإضافة إلى ذلك، ضرب الجيش الروسي خمسة مواقع قيادة للقوات المسلحة الأوكرانية في منطقة خاركيف وفي مواقع عدة داخل مقاطعة دونيتسك. ووفقا للبيان العسكري، فقد تم استهداف 72 وحدة مدفعية وقوة بشرية ومعدات عسكرية في 97 مقاطعة خلال الساعات الـ24 الماضية.

إحباط عمليات تفجير

في المقابل، كشفت هيئة (وزارة) الأمن الفيدرالي الروسي، الأربعاء، تفاصيل عن إحباط «هجوم تفجيري خططت له الأجهزة الخاصة الأوكرانية» واستهدف مواقع داخل العمق الروسي. وقالت الهيئة في بيان إن مسلحين اثنين قتلا أثناء محاولة اعتقالهما في جمهورية قبردينو بلقاريا (جنوب)، وقالت إنهما «كانا يعدان لهجوم إرهابي في مدينة تشيغيم بناء على تعليمات من جهاز الأمن الأوكراني».

ونشر الجهاز الأمني مقاطع فيديو ظهرت فيها وحدات الأمن وهي تحاول اعتقال الرجلين اللذين لم تُكشف هويتاهما، قبل أن تقع مواجهات أسفرت عن مقتلهما. وزاد البيان أنه «تم العثور في مكان الاشتباك على قنبلة محلية الصنع تعتمد على مزيج من نترات الأمونيوم ومسحوق الألمنيوم بسعة حوالي كيلوغرامين من مادة تي إن تي مع عناصر مدمرة، وبندقية هجومية من طراز كلاشينكوف ومسدس وذخيرة».

وجاء الحادث بعد مرور يومين فقط على إعلان الأمن الروسي إحباط نشاط مجموعة مسلحة أوكرانية حاولت التسلل إلى منطقة بريانسك المحاذية لأوكرانيا. وأفاد بيان بأن الجهاز الأمني قام بـ«تصفية مجموعة مسلحة من المخربين الأوكرانيين الذين حاولوا التسلل إلى الأراضي الروسية عبر منطقة الحدود الروسية الأوكرانية». وزاد أن اشتباكا مسلحا وقع بين قوات الأمن الروسي والمجموعة المسلحة، و«تمت تصفية أربعة مسلحين حاولوا اختراق أراضي روسيا».

وأوضحت هيئة الأمن الفدرالي أنه كان بحوزة المجموعة المسلحة «أسلحة أجنبية الصنع، بينها رشاشات ألمانية وذخيرة، وأجهزة اتصال، وكذلك أدوات لارتكاب أعمال تخريبية وإرهابية، وأربع عبوات ناسفة بسعة إجمالية بلغت حوالي 40 كيلوغراما من مكافئ مادة تي إن تي».

على صعيد آخر، حذر نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سيرومولوتوف، من تنشيط الغرب عمليات إمداد كييف بتقنيات رقمية لاستخدامها في «الحرب السيبرانية» ضد روسيا. وقال الدبلوماسي إن كييف «فقدت سيادتها الرقمية، وأصبحت عملياتها تخضع كلياً لإدارة حلف الناتو». وزاد أنه «لا ينبغي الاستهانة بالتهديدات المنبثقة من الفضاء المعلوماتي الأوكراني للأمن الروسي. كييف خسرت سيادتها الرقمية، وتحولت قواتها السيبرانية لأداة لحلف الناتو في مواجهتنا عبر ما يسمى جيش تكنولوجيا المعلومات الأوكراني. نحن لا نتعامل مع قراصنة محليين، وإنما مع قوات الناتو السيبرانية».

وأضاف الدبلوماسي الروسي أن «حلف الناتو زاد خلال الصراع بشكل مكثف تزويد كييف بتقنيات وأسلحة رقمية بشكل لا يمكن السيطرة عليها، وهو أمر محفوف بعواقب يصعب توقعها على العالم بأسره». وقال: «من الضروري أن نفهم بوضوح أن التهديدات التي تشكلها أوكرانيا في مجال المعلومات ذات طبيعة عالمية».

وفي وقت سابق قال الدبلوماسي الروسي، إن عدد الهجمات الإلكترونية ضد المراكز المعلوماتية الروسية ارتفع بشكل كبير بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، مشيرا إلى أن هذه الهجمات مصدرها بشكل رئيسي من بلدان أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي.

في الأثناء، خرج نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف باقتراح ناري جديد موجه لملاحقة «الخونة» الذين يعارضون الحرب في أوكرانيا. وكان السياسي الذي تحول خلال الصراع الحالي إلى واحد من أكثر «الصقور» تشددا في النخب الروسية، اقترح مجموعة من الآليات لملاحقة معارضي سياسات الكرملين، بينها مصادرة أموالهم وممتلكاتهم. وكتب الأربعاء على صفحته على «تلغرام» اقتراحا جديدا موجها إلى الهيئة التشريعية الروسية يقوم على حرمان «الخونة الذين يكرهون بلادهم لدرجة الدعوة إلى هزيمتها» من دخول البلاد، وحرمانهم من أي مصادر دخل أو ممتلكات داخل الأراضي الروسية.

وبدا أن دعوة مدفيديف موجهة تحديدا لملاحقة الروس المقيمين في الولايات المتحدة وبلدان غربية وأعربوا عن رفض قرار شن الحرب. وأوضح مدفيديف أن هؤلاء «يثيرون الاشمئزاز» و«فيما جنودنا يدافعون عن بلادنا بالسلاح في أيديهم، ويخاطرون بحياتهم يوميا، ويسطرون معجزات البطولة الحقيقية، يتمنى أصحاب هذه النزوات الفاسدة الموت لمواطنيهم والدمار لبلادهم على نحو مجاف للعقل والمنطق».

وحدد اقتراحه في «اعتبار هؤلاء الخونة أعداء للشعب، حتى لو لم يقم أحد برفع دعاوى إدارية أو جنائية ضدهم. ثانيا، لا ينبغي السماح لهؤلاء الأشخاص بالعودة إلى روسيا حتى نهاية أيامهم، ويجب عزلهم تماما عن أي مصادر للدخل في بلادنا، ولا يمكن أن تتم إعادة هؤلاء الأشخاص إلى وطنهم إلا في حالة التوبة العلنية التي لا لبس فيها، وفي بعض الحالات الأخرى من خلال العفو».

——————————-

 وزيرا دفاع تركيا ونظام الأسد ورئيسا استخباراتهما يلتقون في روسيا.. واتفاق على استمرار الاجتماعات

اجتمع في العاصمة الروسية موسكو، الأربعاء 28 ديسمبر/كانون الأول 2022، وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا، ورؤساء جهاز استخبارات البلدان الثلاثة، وأجروا مباحثات حول الملف السوري، وفقاً لما ذكره بيان من وزارة الدفاع التركية.

الوزارة قالت في بيان إن الاجتماع ضم وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والسوري علي محمود عباس، مضيفةً أن الاجتماع التركي الروسي السوري في موسكو ناقش الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والمكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية في سوريا.

وكالة الأناضول التركية الرسمية قالت إن اللقاء “عُقد في أجواء بناءة”، وإنه تم الاتفاق على استمرار الاجتماعات الثلاثية “من أجل ضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة”.

يُعد لقاء وزيرَي الدفاع التركي والسوري تطوراً لافتاً في العلاقات بين أنقرة ونظام بشار الأسد، فهو الأول من نوعه منذ سنوات، وذلك بعد سنوات من التوترات بين الجانبين دعمت خلالها تركيا المعارضة المناهضة للنظام، وعلى الرغم من عدم وجود اتصال بين أردوغان والأسد، حافظ رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدين على الاتصالات بينهم.

رئيس جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان ورئيس المخابرات السورية علي مملوك – مواقع التواصل

رئيس جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان ورئيس المخابرات بنظام الأسد علي مملوك – مواقع التواصل

كانت محطة “خبر ترك” الإخبارية التركية قد نقلت عن أردوغان قوله، الخميس 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، إنه اقترح على نظيره الروسي فلاديمير بوتين تأسيس آلية ثلاثية مع نظام الأسد لتسريع المسار الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق.

المحطة أشارت إلى أن الرئيس أردوغان قال للصحفيين بعد زيارة لتركمانستان إنه عرض على بوتين المبادرة بعقد سلسلة من الاجتماعات بين تركيا وروسيا والنظام السوري لتناول العلاقات مع دمشق.

أضاف أردوغان: “أولاً أجهزة مخابراتنا، ثم وزراء الدفاع، ثم وزراء خارجية (الدول الثلاث) يمكنهم الاجتماع. بعد اجتماعاتهم، ربما نجتمع نحن كزعماء. عرضت الأمر على السيد بوتين ولديه رؤية إيجابية بشأنه”.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2022،  كان أردوغان قد قال إن عقد لقاء مع بشار الأسد أمر ممكن، وأضاف رداً على سؤال من أحد المراسلين في البرلمان عما إذا كان بإمكانه مقابلة الأسد: “هذا ممكن.. لا مجال للنقمة في السياسة.. في النهاية، يتم اتخاذ الخطوات في ظل أفضل الظروف”.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حينما كان رئيسا للوزراء، مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في قمة بإسطنبول 2010/ رويترز

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حينما كان رئيسا للوزراء، مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في قمة بإسطنبول 2010 – رويترز

يأتي هذا في وقت كشفت فيه تقارير عن تقارب بين أنقرة ونظام الأسد، وأشارت إلى أن رئيس المخابرات التركية عقد عدة اجتماعات مع نظيره بنظام الأسد، علي مملوك، في دمشق، في مؤشر على تقدُّم جهود روسية لإذابة الجليد بين الطرفين.

يُعد الدعم التركي عاملاً رئيسياً لاحتفاظ المعارضة السورية بآخر موطئ قدم رئيسي لها في الشمال الغربي من سوريا، بعد أن أعاد الأسد سيطرته على مناطق واسعة من البلاد، بمساعدة روسيا وإيران.

لكن التقارب يصطدم بتعقيدات كثيرة، من بينها مصير مقاتلي المعارضة وملايين المدنيين الذين فر كثير منهم إلى الشمال الغربي وتركيا؛ هرباً من حكم الأسد، كما تنشر تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، قوات على الأرض في إدلب وباقي المنطقة الشمالية الغربية.

كان التقارب التركي – السوري قد بدا في حكم المستحيل بالمراحل المبكرة من الاحتجاجات ضد نظام الأسد التي بدأت عام 2011، والتي تحولت فيما بعد إلى حرب تسببت بمقتل مئات الآلاف من الأشخاص، واجتذب تدخلات من العديد من القوى الأجنبية، وقسم البلاد إلى مناطق متشرذمة.

————————-

الشمال السوري عام 2022: مطامع تركيا وصراعات الفصائل الإسلامية/ عبدالله سليمان علي

برزت مناطق الشمال السوري خلال عام 2022 باعتبارها مسرحاً لأحداث جسيمة فرضتها مصالح أمنية وسياسية عديدة ومتباينة. وبين دواعي مكافحة الإرهاب من جهة، ومقتضيات سياسة التقارب التي انتهجتها أنقرة إزاء دمشق من جهة أخرى، عاشت مدن وبلدات الشمال السوري عاماً من التطورات دفعت مصير المنطقة إلى مسارات مختلفة. ولا يزال من الصعب التكهّن بالمسار الذي قد تسلكه هذه التطورات، ولكن بات من شبه المؤكد، على الأقلّ، أن عام 2023 يحمل في طياته إرهاصات تغيير شامل لم يعد في الإمكان تأجيل حدوثه نظراً لتبدل مصالح الدول والأطراف الفاعلة في المنطقة.

خلافات وانشقاقات

مع بداية عام 2022 كانت “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وهما اسما العمليتين العسكريتين التي احتلت بموجبهما القوات التركية مدن وبلدات في الشريط الحدودي مع سوريا عامي 2016 و 2018، على موعد مع أخطر خلاف فصائلي داخل ما يسمى “الجيش الوطني السوري” الذي تدعمه أنقرة. وكاد محمد جاسم أبو عمشة، قائد فصيل سليمان شاه المعروف إعلامياً بـ”العمشات” أن يذهب ضحية هذا الخلاف بعد صدور قرار عن لجنة ردّ المظالم قضى بمنعه من تسلم أي منصب ثوريّ في قيادة الجيش أو الفصيل. غير أن القرار المدعوم من قيادة الفيلق الثالث في “الجيش الوطني السوري” لم يحصل على الضوء الأخضر التركي وبقي طيّ الأدراج.

وكان القطاع الشرقي في “حركة أحرار الشّام” أعلن انشقاقه عن الفيلق الثالث، الأمر الذي تسبب بموجة اقتتال فصائلية شكلت الفرصة الأولى لـ”هيئة تحرير الشام” من أجل جس نبض مدى قدرتها على تنفيذ المخطط الذي طالما داعب مخيلة قائدها أبو محمد الجولاني، والمتمثّل في توسيع نفوذه من إدلب باتجاه منطقة غصن الزيتون (عفرين)، لكن حسابات الجولاني في هذه التجربة لم تكن متطابقة مع الحسابات التركية، فاضطر إلى الانسحاب من القرى التي دخل إليها لمساندة القطاع الشرقي ضد “الجبهة الشامية” التي تقود عملياً الفيلق الثالث.

لكن سرعان ما أشعل مقتل الناشط السوري المعارض محمد أبو غنوم وزوجته الحامل، شرارة الاقتتال من جديد، ولكن هذه المرة بين فرقة حمزة (الحمزات) المسؤولة عن مقتل الناشط بحسب التحقيقات التي أجراها الفيلق الثالث، والأخير. ووجد الجولاني الفرصة سانحة للاستفادة من تجربة التوسّع الأولى بهدف تحقيق حلمه في السيطرة على مدينة عفرين والبقاء فيها رغم كل الضغوط الإقليمية والدولية التي استجرّتها مغامرته.

وبينما كان الجولاني يحصد نتائج الخلافات التي ضربت صفوف “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركياً، كانت “أحرار الشام” تدفع الثمن غالياً والذي تمثل في الانقسام الجديد الذي جعلها تختبر وجود قيادتين على رأسها: قيادة متمثلة بعامر الشيخ وتعتبر مقربة من “هيئة تحرير الشام”، وقيادة متمثلة بأبي سليمان الحموي تدّعي أنها تريد العودة إلى إرث القادة المؤسسين للحركة.

تهديدان تركيان لم ينفذا!

رغم الخلافات الفصائلية وما أفرزته من اقتتال بين الفصائل المحسوبة على تركيا، إلا أن الأخيرة لم تجد في ذلك ما يمنع من تكرار تهديداتها للقيام بعملية عسكرية جديدة لتنفيذ مشروع المنطقة الآمنة التي وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة للتلويح بها أواخر العام الماضي.

وأُطلق التهديد التركي الأول في شهر أيار (مايو) الماضي بالتزامن مع الكشف عن خطة رسمية تركية تهدف إلى إعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري من تركيا إلى الأراضي السورية. واستمرت هذه التهديدات في التصاعد حتى انعقاد قمة طهران بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا منتصف شهر تموز (يوليو) الماضي والتي شكلت منعطفاً هامّاً لجهة دورها في تغيير سياسة أنقرة إزاء الملف السوري.

وعادت تركيا إلى نبرة التهديد بعد الهجوم الذي استهدف منطقة تقسيم في اسطنبول وحمّلت أنقرة مسؤوليته إلى جهات مرتبطة بحزب “العمال الكردستاني” و”قوات سوريا الديموقراطية”. وقادت أنقرة عملية “المخلب السيف” منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، للردّ على هذا الهجوم وتوعدت القيام بعملية عسكرية برية، غير أن التهديدات التركية لم تجد أيّ غطاء إقليمي أو دولي لا سيما في ظل اعتراض كلّ من روسيا والولايات المتحدة عليها، الأمر الذي تركها معلّقة وربما لن يحسم أمرها إلا مع مطلع العام الجديد.

مقتل قادة “داعش”

توجّه تنظيم “داعش” منذ هزيمته الأخيرة في بلدة الباغوز ربيع عام 2019 إلى اتخاذ مناطق الاحتلال التركي في الشمال السوري ملاذاً لقادته وكوادره. وهكذا على هامش الاقتتال الفصائلي من جهة، والتهديدات التركية من جهة ثانية، كانت منطقة أطمة الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام” على موعد في شهر آذار (مارس) مع عملية إنزال أميركية أفضت إلى مقتل أبو عبدالله القرشيّ، زعيم “داعش” الثاني الذي كان تسلم قيادة التنظيم بعد مقتل أبو بكر البغدادي أواخر عام 2019.

وفي رسالة واضحة إلى أنقرة، لم تشأ الولايات المتحدة أن يمضي عام 2022 من دون أن تقوم بإجراء ميداني يعبّر عن مدى اعتراضها على أي عملية عسكرية تركية جديدة، فقامت في مطلع الشهر الجاري بتنفيذ غارة نادرة على مدينة الباب، أكبر مدن درع الفرات، استهدفت فيها قيادياً في تنظيم “داعش” يدعى أبو ياسر اليمني.

إعادة هيكلة أم تمهيد للتقارب مع سوريا؟

بعد مغامرة الجولاني في عفرين، استدعت أنقرة قادة الفصائل المسلحة الموالية لها إلى مدينة غازي عنتاب التي شهدت اجتماعاً مفصلياً أفضى من حيث النتيجة إلى اتخاذ مجموعة من القرارات التي تهدف إلى إعادة ضبط الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، على الرغم من أن الهدف البعيد لهذه القرارات لا يزال غير واضح. ويرى البعض أن الخطة التركية الجديدة تهدف إلى تأديب الجولاني وتطويقه من أجل منعه من القيام بأي مغامرة جديدة تخرج عن إطار المصالح التركية، في حين يرى آخرون أن الغاية الحقيقية لهذه الخطة ما هي إلا تمهيد الأرضية في الشمال السوري على نحو يسمح بتمرير سياسة التقارب مع دمشق.

ونصت مقررات اجتماع غازي عنتاب على بنود كثيرة قد يكون أهمها خروج “هيئة تحرير الشام” من عفرين، وهو البند الذي لم يُنفذ بعد، وتشكيل مجلس استشاري في “الجيش الوطني السوري” يمثل الفصائل المنضوية تحته وتكون مهمة التواصل مع الجانب التركي محصورة فيه، وقد نفذ هذا البند ولكنه لا يزال يُعتبر مجرد إجراء شكلي ليس له أي تداعيات حقيقية على الأرض. وكذلك تطويق دور “المجلس الإسلامي السوري” في علاقاته مع الفصائل وحلّ الخلافات بينها حيث قضى الاجتماع بمنع المجلس من القيام بمثل هذه الأدوار، وهو ما اعتبر صفعة للفيلق الثالث الذي كان يحظى بدعم المجلس الإسلامي ضد “هيئة تحرير الشام”.

وبالرغم من أن أنقرة حاولت إظهار الاجتماع وكأنه جاء استجابة لموجة الاقتتال بين الفصائل من أجل إيجاد حل نهائي لسلسلة الخلافات التي تعصف بصفوف “الجيش الوطني” التابع لها، غير أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كشف عن وجود اتفاق بين موسكو وأنقرة من أجل تحييد الفصائل التي ترفض الحوار مع الحكومة السورية للتوصل إلى المصالحة التي طالما بشرت بها أنقرة في الشهور الماضية. وقد اعتبر مراقبون أن تصريح لافروف من شأنه أن يكشف عن حقيقة الإجراءات التي تتخذها تركيا في الشمال السوري وأن الهدف منها ليس إعادة ضبط الأوضاع وتمكين الفصائل من السيطرة، بل الهدف هو إعادة ترتيب أوراق تركيا في مناطق الشمال السوري بما يتوافق مع أهداف ومصالح سياستها الجديدة الرامية إلى إحداث تقارب مع دمشق.

———————————

=================

تحديث 30 كانون الأول 2022

————————

التطبيع السوري ـ التركي… هدية بوتين لإردوغان/ إبراهيم حميدي

الاجتماع العسكري والأمني السوري – التركي، برعاية روسية، في موسكو، أول من أمس، خطوة تقارب إضافية في العلاقة بين دمشق وأنقرة من جهة، وبداية لخطوات إضافية من جهة ثانية تتوج بـ«هدية» للرئيس رجب طيب إردوغان من الرئيس فلاديمير بوتين بعقد لقاء يضم الرئيس بشار الأسد قبل الانتخابات التركية منتصف العام المقبل. لكن، هل التطبيع بين الجانبين خطوة تجميلية أم جدية؟

– مشاهد خلفية

في صيف 2011، وبعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات السورية، انقلبت العلاقة بين أنقرة ودمشق. إذ باتت تركيا ممراً وموطئاً لدعم المعارضة ضد دمشق، وباتت سوريا ساحة للعنف والفوضى والتقسيم ودعم «وحدات حماية الشعب» الكردية ضد أنقرة.

وبعد التدخل الروسي نهاية 2015، وتحول روسيا جارة لتركيا، واكتشاف أنقرة حدود دعم «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) لها، بات التعاون بين أنقرة وموسكو عنواناً أساسياً لفرض وقائع جديدة في سوريا. وبعد سنة من ذلك، باتت أولوية تركيا هي منع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، فعقدت تسويات واتفاقات مع روسيا، قطعت فيها أوصال أي كيان كردي، وأقامت جيوب سيطرة، تجاوزت مساحتها 20 ألف كيلومتر مربع (ضعف مساحة لبنان).

وبالتوازي مع انطلاق مسار آستانة في 2017 بين روسيا وإيران وتركيا، ومع تطور «التعاون العدائي» بين أنقرة وموسكو، ضغط الرئيس بوتين لتقارب بين الرئيسين الأسد وإردوغان. وفي بداية 2020، نجحت موسكو باستضافة لقاء علني بين مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ومدير المخابرات التركية حقان فيدان.

مملوك طالب بانسحابات تركية، وفتح طريق حلب – اللاذقية، وأراد فيدان تعاوناً عميقاً ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية. نجح بوتين بجمعهما، لكنه لم ينجح في فرض اختراق كبير.

– محاولة جديدة

ومع تلويح إردوغان أكثر من مرة بشنّ عملية عسكرية وتوغل شمال سوريا، واقتراب موعد الانتخابات التركية منتصف العام المقبل، وتنامي مطالب المعارضة التركية ضد اللاجئين السوريين، وتعمق التعاون التركي – الروسي بعد حرب أوكرانيا، وضع بوتين وزنه لتمهيد الأرضية بسلسلة خطوات للقاء إردوغان – الأسد قبل الصيف المقبل.

الخطوة الأولى كانت لقاء سرياً بين مملوك وفيدان في موسكو، في يوليو (تموز) الماضي؛ حيث قدّم كل طرف مطالبه. القائمة السورية هي؛ احترام سيادة سوريا، جدول زمني للانسحاب التركي، وقف دعم فصائل المعارضة و«الإرهابيين»، فتح طريق حلب – اللاذقية وباب الهوى – إدلب وامتداداتهما، إجراءات ضد العقوبات الغربية، دعم الإعمار في سوريا. أما القائمة التركية فكانت التعاون ضد «وحدات حماية الشعب» و«حزب العمال الكردستاني»، منطقة أمنية وخالية منهما بعمق 32 كيلومتراً، مناطق آمنة للاجئين لإعادة نحو مليوني شخص، التعاون في عمل اللجنة الدستورية والحل السياسي بموجب القرار الدولي 2254.

كانت الفجوة كبيرة، فانتهى الاجتماع دون الوصول إلى اختراق.

– تطبيع أم تجميل

في الأشهر الأخيرة، لم يكن السؤال بالنسبة إلى إردوغان: «هل يجتمع بالأسد أم لا؟»، بل «متى يجتمع بالأسد؟»، وأعلن أكثر من مرة أنه بات مستعداً للّقاء لأسباب كثيرة، من بينها جهود لـ«تصفير المشكلات» مع معظم دول الإقليم قبل الانتخابات. أما الأسد فكان غير مستعجل لعقد لقاء يساهم في فوز خصمه، طالما أن تركيا تشكل إحدى «الدول المحتلة» وترفض خطوة رمزية تسهل اللقاء، مثل إعلان صحافي يتضمن «استعداداً للانسحاب».

ومع تنامي التعاون الروسي – التركي في أوكرانيا واقتراب موعد انتخابات إردوغان وتعمق الأزمة الاقتصادية السورية، ضغط بوتين أكثر لاستعجال التطبيع وعقد لقاء ثلاثي يجمعه مع إردوغان والأسد، وتقديم هدية لـ«صديقه اللدود» للفوز في انتخابات الرئاسة منتصف العام المقبل.

وعليه، كان الاقتراح الروسي بعقد سلسلة من اللقاءات، تشمل؛ محادثات أمنية ثلاثية، واجتماعات بين وزراء الدفاع بحضور مسؤولي المخابرات، ولقاء ثلاثي بين وزراء الخارجية، ثم قمة ثلاثية بين الأسد وإردوغان وبوتين.

يحاول الجانب الروسي تقديم وصفات سحرية لردم الفجوة بين الجانبين في اللقاءات العسكرية والأمنية والسياسية المقبلة، من بينها كتابة جديدة لاتفاق أضنة بين أنقرة ودمشق في 1998 الذي تضمن تعاوناً ضد «حزب العمال الكردستاني» وإمكانية توغل تركي بحدود 5 كيلومترات. النص الجديد يتضمن الدمج بين اتفاق أضنة واتفاق سوتشي الذي وقع في 2019، وتضمن تسيير دوريات روسية – تركية وانسحاب «وحدات الحماية» الكردية بعمق 30 كيلومتراً ونشر قوات حرس الحدود السورية على حدود تركيا.

سياسياً، يقترح الجانب الروسي بياناً مشتركاً، يتضمن بنداً رئيسياً، هو «التزام وحدة أراضي سوريا وسيادتها» و«رفض الأجندات الانفصالية» وعودة اللاجئين.

ولدى تركيا نحو 3.7 مليون سوري، وهذا عنوان أساسي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. ويريد إردوغان سحب هذه الورقة من خصومه، لكن سيكون صعباً توقع عودة مليوني سوري.

الأسد يريد انسحاب آلاف الجنود الأتراك من سوريا، وانتهاء «الاحتلالات»، ووقف الدعم العسكري والسياسي للمعارضة، ومن الصعب قبول التحالف ضد الأكراد ولقاء مع إردوغان قبل حصول خطوة علنية في هذه الاتجاهات. موسكو وضعت قطار التطبيع بين دمشق وأنقرة على مساراته الأمنية والعسكرية والسياسية، وصولاً إلى محطته الأخيرة بين الأسد وإردوغان وبوتين. وستكون مآلات التطبيع وعمقه عنواناً أساسياً في السنة المقبلة؛ خصوصاً متابعة انعكاس ذلك على خطوات التطبيع العربي نحو دمشق، والحدود التي تسمح بها أميركا، والعقوبات المفروضة في الكونغرس الأميركي.

الشرق الأوسط

————————

لماذا التقى وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا؟

في لقاء هو الأول من نوعه منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، اجتمع، أمس الأربعاء، وزيرا دفاع تركيا والنظام السوري في موسكو، ضمن «محادثات ثلاثية» مع نظيرهما الروسي.

كانت وزارة الدفاع التركية أعلنت، قبلها، أن وزير دفاعها ورئيس المخابرات الوطنية، خلوصي أكار، وهاكان فيدان، وصلا في زيارة رسمية إلى موسكو لإجراء محادثات «مهمة» مع نظرائهم الروس، وتبع ذلك إعلان وزارة الدفاع الروسية عن انعقاد اجتماع ضم وزراء دفاع ورؤساء استخبارات الدول الثلاث لبحث «سبل حل الأزمة السورية، ومشكلة اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة في سوريا»،

هناك تطابق شبه حرفيّ بين بياني الوزارتين، حول أهداف اللقاء، وحول وصفه بـ»الطبيعة البنّاءة للحوار» و»ضرورة استمراره»، وقد تبع ذلك «خبر عاجل» من مراسل وكالة الأنباء السورية الرسمية من موسكو، أعاد فيه ما ذكر من أهداف الاجتماع، عن سبل الحل واللاجئين وجهود محاربة الإرهاب و»التأكيد على ضرورة استمرار الحوار من أجل استقرار الوضع في المنطقة».

كانت الوكالة، قد نشرت في اليوم السابق على ذلك، تغريدة لوزارة الخارجية تقول إن «طرد قوات الاحتلال الأجنبي من الأراضي السورية ليس أمرا بعيد المنال»، مع تحديد أن المقصود بذلك هي «قوات لاحتلال الأمريكي وأدواته العميلة والمرتزقة».

كما يمكن ملاحظة شواهد في المواقع المحسوبة على النظام السوري يمكن سوقها كدليل على وجود تمهيد لحصول الاجتماع الأخير، كما نشهد مع نشر تلك المواقع خبرا منقولا عن وسائل إعلام روسية، تحت عنوان «اردوغان يدعو لاتخاذ خطوة تركية روسية سورية مشتركة في محاربة الإرهاب»، ويرد في متن الخبر التصريح اللافت للرئيس التركي الذي يشير إلى أنه «بعد استكمال محادثات الاستخبارات، من الممكن أن يلتقي الرؤساء».

لا تبدو آلة الإعلام الرسميّة السورية، مع ذلك، قادرة على شطب إرث العداء الشديد لأنقرة، ففي اليوم نفسه لنشر خبر اللقاء الأخير في موسكو نشرت وكالة أنباء النظام السوري خبرا تحدثت فيه عن تجديد «قوات الاحتلال التركي عدوانها على محيط منطقة أبو راسين في ريف الحسكة الشمالي»، وأن معظم سكان البلدة قد تركوها «خوفا من القصف المدفعي العنيف المتكرر عليها من قبل قوات الاحتلال التركي والتنظيمات الإرهابية التابعة له».

معلوم طبعا أن الجغرافيا السورية مقسّمة بين جيوش دول عديدة، بل إن بعض تلك الدول تهيمن على قرارات قوى عسكرية كبرى للنظام، كما هو حال «الفرقة الرابعة»، التي يقودها ماهر الأسد، أخو رئيس النظام، والتي هي غطاء للهيمنة الإيرانية من جهة، والمسؤولة عن رعاية عمليات صناعة وتهريب المخدرات، التي أضحت مع تدهور الاقتصاد السوري أحد أهم عناصر تمويل الحلقة الضيقة للنظام.

يعاني الشعب السوري، في المقابل، من انهيار للنشاط الاقتصادي، بسبب ندرة مصادر الطاقة، وإغلاق المؤسسات العامة والخاصة أبوابها لتوقف المواصلات، وبات 90% من السوريين تحت خط الفقر و80% فاقدين للأمن الغذائي ووسائل التدفئة.

لقاء وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا، ضمن هذا السياق، هو لقاء طرفين قويين، عسكريا وسياسيا، مع طرف في حالة انعدام وزن سياسي، وضعف في القدرات العسكرية.

الواضح أن أنقرة، ثم موسكو، هما الطرفان المبادران في هذا الاتجاه، لكن الفائدة السياسية التي ستتحصل، من اللقاء التالي، إذا حصل، بين بوتين واردوغان والأسد، ستكون مجزية لرئيس النظام السوري، ولا بأس، بالنسبة إليه، أن يتقوّض أحد عناصر سرديّة النظام السوري، وحلفائه، الأثيرة حول دور أنقرة، التي كانت، منذ بداية الأحداث عام 2011، هي الراعية الكبرى للمعارضة السورية ضد النظام.

القدس العربي

————————–

هل يدفع الأكراد ثمن التقارب التركي- السوري بعد اجتماع موسكو؟

أ ف ب

بعد قطيعة استمرت منذ اندلاع النزاع في #سوريا عام 2011، جمعت موسكو الأربعاء وزيري الدفاع التركي والسوري، في خطوة سبقتها مؤشرات الى تقارب بين البلدين الخصمين من شأنه وفق محللين، أن يضع القوات الكردية أمام خيارات أحلاها مرّ.

ما هي أبرز المعلومات المتوفرة عن اللقاء وماذا عن تداعياته المتوقعة على الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أميركيا والتي تلوّح أنقرة منذ فترة بشن هجوم برّي ضد مناطق سيطرتها في الشمال السوري؟

ما المؤشرات التي سبقت عقد الاجتماع؟

قبل اندلاع النزاع عام 2011، كانت #تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسوريا. وجمعت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان علاقة صداقة بالرئيس السوري بشار الأسد. إلا أنّ علاقتهما انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات السلمية ضد النظام وقمع دمشق التظاهرات بالقوة.

وبعدما أغلقت تركيا سفارتها في دمشق في آذار 2012، كرّر إردوغان وصف الأسد بـ”المجرم”، بينما وصف الأخير نظيره التركي بأنه “لص” وداعم لـ”الارهابيين”.

قدمت تركيا دعماً للمعارضة السياسية واستضافت أبرز مكوناتها في اسطنبول، قبل أن تبدأ دعم الفصائل المعارضة المسلحة وتؤوي قرابة أربعة ملايين لاجئ على أراضيها.

ورغم أن تركيا شنّت منذ 2016 ثلاثة هجمات ضد المقاتلين الأكراد، مكّنتها من السيطرة على أراض سورية حدودية واسعة، إلا أنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع دمشق إلا بشكل محدود عام 2020، سرعان ما انتهت بوساطة روسية.

بعد سنوات القطيعة، برزت  مؤشرات تقارب تدريجاً. على هامش قمة إقليمية عام 2021، أجرى وزيرا خارجية البلدين محادثة مقتضبة غير رسمية. وفي آب/أغسطس، دعا وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إلى مصالحة بين النظام والمعارضة في سوريا.

وأقرّت أنقرة ودمشق بتواصل على مستوى أجهزة الاستخبارات. 

تزامناً مع تهديده بشن هجوم بري ضد الأكراد، قال إردوغان في تشرين الثاني، إن احتمال لقائه الأسد “ممكن”. وجدد الشهر الماضي الإشارة الى إمكان حصول اللقاء بعد اجتماعات على مستوى وزيري الدفاع والخارجية.

وتلعب روسيا، وفق محللين، دوراً أساسياً لتحقيق التقارب بين حليفيها اللذين يجمعهما “خصم” مشترك يتمثل بالمقاتلين الأكراد.

ماذا عن مضمون الاجتماع وتوقيته؟

أعلنت موسكو أن المحادثات بين وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو والتركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس تطرّقت إلى “سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين”، وكذلك “الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة”، من دون تسميتها.

وأشادت الدول الثلاث بـ”الإيجابية” خلال اللقاء. وشددت موسكو ودمشق على ضرورة “مواصلة الحوار” لإرساء الاستقرار في سوريا.

ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية الدكتور بسام أبو عبدالله لوكالة فرانس برس إن الاجتماع “رفع مستوى اللقاءات بين البلدين من مستوى أمني إلى مستوى وزاري”، مشدداً على ضرورة “محاولة الأطراف العاقلة في دمشق وأنقرة (..) تهيئة الرأي العام لمزيد من اللقاءات على مستويات أعلى” في المرحلة المقبلة.

ويشير الى ارتباط الاجتماع بـ”تطورات تتعلّق بالعملية العسكرية التركية التي كانت مقررة في الشمال، وعملت موسكو على وقفها”، معتبراً أنّ “انتقال الاجتماعات إلى وزراء الدفاع يعني أن هناك عملاً ميدانياً عسكرياً لا بدّ من تنسيقه بشكل دقيق بين الأطراف الثلاثة”.

وجاء الاجتماع بعد أسابيع من شنّ تركيا في 20 تشرين الثاني سلسلة ضربات جوية ومدفعية استهدفت بشكل رئيسي القوات الكردية، وتلويح إردوغان بشن هجوم بري لإبعادها عن حدوده.

تصنّف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، منظمة “إرهابية” وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.

وفشلت جولات محادثات متقطعة قادتها الحكومة السورية مع الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، تضمّ أبرز حقول النفط ومساحات زراعية واسعة، تريد دمشق استعادتها عاجلاً أم آجلا.

ويقول الباحث في معهد “نيولاينز” نيك هيراس لفرانس برس “يتعرض إردوغان لضغوط سياسية لشنّ عملية عسكرية في سوريا، وإعادة أكبر عدد ممكن من السوريين من تركيا” الى بلدهم  قبل موعد الانتخابات التركية في حزيران.

ويضيف “إذا منح الأسد إردوغان الضوء الأخضر لشنّ عمليات جوية ضد الأكراد، فإن حرباً ستتبعها قريباً”.

وكان أكار أفاد الأسبوع الماضي عن تواصل مع موسكو لـ”فتح المجال الجوي” السوري أمام المقاتلات التركية.

– ما السيناريو الذي ينتظر الأكراد؟

تبدو الخيارات المتاحة أمام الأكراد الذين تصدّوا بشراسة خلال سنوات النزاع لتنظيم الدولة الإسلامية، صعبة، في ظل وجود مصالح مشتركة بين الدول الثلاثة لإنهاء نفوذهم وإضعاف داعمتهم واشنطن التي اكتفت خلال الأسابيع الماضية بالتحذير من مغبة التصعيد.

ودعا مجلس سوريا الديموقراطية، الذراع السياسية لقوات سوريا الديموقراطية، في بيان الجمعة السوريين الى “مواجهة هذا التحالف وإسقاطه”.

وقال “ندين بأشد العبارات استمرار سفك الدماء السورية على مذبح انتخابات حكومة العدالة والتنمية و قرباناً لتأبيد سلطة الاستبداد في دمشق”.

ويقول الباحث الفرنسي المتخصّص في الشأن السوري فابريس بالانش لفرانس برس “الهدف المباشر للدول الثلاث هو القضاء على قوات سوريا الديموقراطية”.

تريد أنقرة، وفق بالانش، “القضاء على التهديد الكردي” قرب حدودها، بينما تسعى روسيا الى “تصفية حليف للولايات المتحدة في سوريا، أي قوات سوريا الديموقراطية، وبالتالي تقوية حليفها بشار الأسد”.

أما دمشق، فتريد “استعادة الأراضي وخصوصاً ثروتها النفطية” من الأكراد في شمال شرق البلاد والذين تحمل عليهم علاقتهم مع واشنطن، وتنتظر من تركيا “القضاء على الجهاديين في إدلب” في إشارة الى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) التي تسيطر مع فصائل أخرى على نحو نصف مساحة محافظة إدلب (شمال غرب) ومحيطها.

وفي حال رفض الأكراد تلبية مطلب أنقرة المتجدد بالانسحاب لمسافة ثلاثين كيلومتراً عن الحدود، فإن اللقاء الثلاثي سيشكل محركاً “لغزو تركي”.

ويوضح بالانش أن “الهجوم التركي ليس إلا مسألة وقت. يحتاج إردوغان الى انتصار ضد الأكراد في سوريا في إطار حملته الانتخابية”.

————————-

اللقاء الثلاثي التركي الروسي السوري: نقاشات بلا تفاهمات نهائية/ جابر عمر و عماد كركص

خطت تركيا، أول من أمس الأربعاء، أولى الخطوات نحو التطبيع مع نظام بشار الأسد، عبر لقاء على المستوى الوزاري هو الأول بين أنقرة والنظام منذ عام 2011، وتمثل باجتماع ثلاثي عقد في موسكو بين وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ونظيره في النظام السوري علي محمود عباس، ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وبمشاركة رؤساء الاستخبارات السوري علي المملوك، والتركي هاكان فيدان، والروسي سيرغي ناريشكين.

ومع تركيز أنقرة على ملف إعادة السوريين اللاجئين في تركيا إلى سورية، ومكافحة حزب العمّال الكردستاني، فإن نظام الأسد يسعى في المقابل إلى تحصيل مكاسب، أولها الاعتراف به كسلطة قائمة.

وفي حين روّجت الأطراف المشاركة إلى أن الاجتماع كان بنّاء، وتم الاتفاق على عقد لقاءات أخرى، إلا أن التسريبات دلّت على عدم التوصل إلى تفاهمات نهائية، في وقت حاولت أنقرة التشديد على أنها ستؤمن عودة آمنة للاجئين السوريين.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد ذكر منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، أنه اقترح على نظيره الروسي فلاديمير بوتين “تشكيل آلية ثلاثية مع روسيا وسورية لتسريع الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق”، وأشار إلى إمكانية اجتماع مسؤولي الاستخبارات ثم وزراء الدفاع ثم الخارجية قبل اللقاء بينه وبين الأسد.

تطبيع أنقرة والنظام: خريطة طريق لن تكون سهلة

وكشفت صحيفة “خبر تورك” التركية، أمس الخميس، أن اللقاء الوزاري الأمني الذي عُقد في موسكو تناول مسألة عودة اللاجئين وحزب العمال الكردستاني، مشيرة إلى أن “جميع الأطراف في الاجتماع أكدت أنه كان بنّاء ومهماً”. كما تناول الاجتماع، بحسب الصحيفة، “مسألة إكمال مرحلة كتابة الدستور الجديد، وإجراء انتخابات حرّة ومستقلة”، مؤكدة أن “الحل لن يكون سهلاً وكل الأطراف لديها شروط وأولويات مختلفة”.

ونقلت “خبر تورك” عن مصادر، أن “تركيا وروسيا والنظام توصلت إلى نقاط مشتركة في 7 عناوين تتعلق بمسألة التنظيمات المسلحة والعمال الكردستاني، من أصل 9 عناوين”. وأضافت أن “مسائل اللاجئين والتنظيمات المسلحة كانت المحور الأساسي للاجتماع، وأعربت تركيا عن موقفها من الكردستاني، فيما تناول النظام السوري مسألة مكافحة التنظيمات الراديكالية، ولكن لم يتم وضع خريطة طريق بهذه المسألة حتى الآن، إلا أن هناك نوايا متبادلة من أجل حلها، فيما قضية إدلب ستكون أصعب نقطة لحلها”.

وبالنسبة لقضية اللاجئين السوريين، قالت الصحيفة إن “الجانب التركي تحدث في الاجتماع عن أنه وضع خريطة طريق تتعلق بعودة السوريين بشكل آمن ومشرف إلى بلادهم”.

وذكرت أن “تركيا وروسيا طالبتا بأن تبدأ مرحلة عودة اللاجئين إلى سورية اعتباراً من فبراير/شباط المقبل، لكن النظام السوري طلب مزيداً من الوقت”. وأشارت الصحيفة إلى أن “موسكو طرحت اعتماد نماذج العودة كما يحصل من لبنان والأردن، أو أن تكون هناك نماذج وتطبيقات خاصة في ما يتعلق بالعودة من تركيا”.

تقارير عربية

سوريون يطلقون حملة للتظاهر ضدّ خطوات تركيا لتطبيع العلاقات مع الأسد

وأكدت “خبر تورك”، أن “عام 2023 سيكون حافلاً بالمفاجآت، إذ يُنتظر أن تشرف أجهزة الاستخبارات التركية والروسية والتابعة للنظام على عودة 150 ألف سوري إلى بلادهم”، مشيرة إلى أنه “طُرحت في الاجتماع مسألة إعادة الممتلكات لأهلها، والضمانات”، وإن لم يحدد ماهية الضمانات التي يبدو أنها تتعلق بعدم محاكمة من يعودون.

وفي السياق، كما ذكرت مصادر تركية مطلعة لـ”العربي الجديد”، “تركيا تدرس نتائج الاجتماع في الوقت الحالي، وبناء عليه ربما تكمل ما تحدث عنه الرئيس رجب طيب أردوغان خلال الشهر الحالي، بأن تنتقل آلية الاجتماع إلى مستوى وزراء الخارجية بين البلدان الثلاثة”.

في هذا الوقت، وصف وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو الاجتماع الثلاثي في موسكو بـ”المباحثات المفيدة”، مؤكداً ضرورة تأمين عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم. جاء ذلك في كلمة له أمس الخميس في أنقرة، خلال “اجتماع تقييم نهاية العام” الذي يتضمن فعاليات وزارة الخارجية التركية.

وأضاف الوزير التركي أن النظام السوري يرغب بعودة السوريين إلى بلادهم، مؤكداً أنه “من المهم أن يتم ذلك بشكل إيجابي مع ضمان سلامتهم”. واعتبر أنه من المهم أيضاً إشراك النظام الدولي والأمم المتحدة أيضاً في موضوع عودة اللاجئين.

وشدّد على ضرورة وأهمية التواصل مع النظام لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، ولضمان عودة آمنة للاجئين. وأضاف جاووش أوغلو أن تنظيم الوحدات الكردية “خطر” يهدد بلاده، معتبراً أن تهديده لسورية أكبر، لكونه يمتلك “أجندة انفصالية”.

وفي سياق التواصل مع النظام، قال جاووش أوغلو إن المرحلة التالية في خريطة الطريق، هي عقد اجتماع على صعيد وزيري خارجية البلدين، مبيناً أنه لم يتم بعد تحديد التوقيت بشأن ذلك. ونفى أن يكون قد تم عقد لقاء مع رئيس النظام بشار الأسد. وأكد مواصلة بلاده بحزم مكافحة الإرهاب، لافتاً إلى أن الخلافات بين أنقرة ودمشق حالت دون تأسيس تعاون بينهما في هذا المجال. وأشار إلى إمكانية العمل المشترك مستقبلاً، في حال تشكلت أرضية مشتركة بين البلدين في ما يخص مكافحة الإرهاب.

وفي ما يخص مطالب النظام بـ”خروج القوات التركية” من سورية، قال جاووش أوغلو إن الغرض من تواجد قوات بلاده هناك “مكافحة الإرهاب، لا سيما أن النظام لا يستطيع تأمين الاستقرار”. وشدّد على أن تركيا تؤكد مراراً عزمها نقل السيطرة في مناطق تواجدها حالياً، إلى سورية، في حال تحقق الاستقرار السياسي وعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد، مجدداً احترام أنقرة لوحدة وسيادة الأراضي السورية.

وحول ردود فعل المجتمع الدولي إزاء المباحثات بين أنقرة والنظام السوري، قال جاووش أوغلو إن هناك دولاً تؤيد هذا الأمر وترغب في تحوّله إلى خطوات ملموسة، مقابل وجود أخرى معارضة له أو حذرة تجاهه.

وأشار إلى أن التقدم المطلوب إحرازه لم يتحقق خلال اجتماعات أستانة واللجنة الدستورية بسبب تعنت النظام السوري، مؤكداً وجوب تفاهم النظام والمعارضة. وأضاف: “نحن الضامن للمعارضة، ولن نتحرك بما يعارض حقوقها، على العكس من ذلك فإننا نواصل مباحثاتنا للإسهام في التفاهم على خريطة الطريق التي يريدونها”.

من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إنه أكد خلال الاجتماع الثلاثي في موسكو “ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254”. وفي تصريحات أدلى بها الأربعاء، قبل عودته إلى بلاده من موسكو، قال أكار إنه “من خلال الجهود التي ستبذل في الأيام المقبلة يمكن تقديم مساهمات جادة لإحلال السلام والاستقرار في سورية والمنطقة”.

وحول فحوى الاجتماع الذي استمر قرابة ساعتين، أفاد أكار بأنهم بحثوا الخطوات التي يمكن اتخاذها “من أجل تأمين السلام، والهدوء والاستقرار في سورية والمنطقة، وتحويل التطورات فيها إلى مسار إيجابي”. وأكد أن مكافحة الإرهاب من بين أهم الأمور التي ذكرها خلال الاجتماع.

وتابع أكار: “شدّدنا (خلال الاجتماع) على احترامنا وحدة وسيادة أراضي دول الجوار، وفي مقدمتها سورية والعراق، وأن هدفنا الوحيد مكافحة الإرهاب، وليس لنا أهداف أخرى (في هذين البلدين)”. الوزير التركي أكد أيضاً أن بلاده تهدف إلى تأمين حدودها وشعبها، و”تحييد إرهابيي الوحدات الكردية و”داعش” اللذين يشكلان تهديداً على سورية كذلك”.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد ذكرت في بيان أن المحادثات تطرّقت إلى “سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين”، كما و”الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة”. وأضافت الوزارة أن “الفرقاء شددوا على الطبيعة البناءة للحوار بالشكل الذي عقد فيه وضرورة مواصلته بغية إرساء الاستقرار” في سورية.

في المقابل، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن الإدارة الأميركية “لم ولن تعرب عن أي دعم لجهود التطبيع أو إعادة تأهيل الديكتاتور الوحشي بشار الأسد”. وتابع: “لن تقوم الولايات المتحدة بترقية علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا ندعم تطبيع الدول الأخرى علاقاتها معه”.

وحثّ المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية “الدول التي تفكر في التعامل مع نظام الأسد على النظر بعناية إلى الفظائع المروعة التي ارتكبها ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي، فضلاً عن جهود النظام المستمرة لحرمان جزء كبير من البلاد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأمن”.

وأعلن المسؤول الأميركي أن واشنطن لن ترفع العقوبات عن النظام السوري أو تغير موقفها المعارض لإعادة إعمار سورية حتى يتم إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو الحل السياسي. وأضاف: “نعتقد أن التقدم السياسي الذي لا رجعة فيه، هو شرط ضروري وحيوي لإعادة الإعمار، ولم نشهد تقدماً في هذا الجانب”.

ولفت المسؤول إلى أن العقوبات الأميركية، بما في ذلك بموجب “قانون قيصر”، “أداة مهمة للضغط من أجل مساءلة نظام الأسد، لا سيما في ما يتعلق بسجله الفظيع من انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الشعب السوري”. وشدد على أن “الاستقرار في سورية والمنطقة أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان بقاء حل سياسي دائم في المتناول”.

السياسة التركية والظروف الضاغطة

وحول اللقاء الثلاثي، وصف الباحث والخبير في الشؤون الروسية طه عبد الواحد، المقيم في موسكو، مسيرة التطبيع التي بدأتها أنقرة مع النظام السوري بـ”الأمر المؤسف للغاية، لجهة أنها تثبت المفهوم السائد في عصرنا بأن السياسة محكومة بالمصالح”.

ورأى في حديث مع “العربي الجديد” أن “اجتماع موسكو جاء ضمن ظروف معينة تحكم السياسة التركية، وأنقرة باتت ملزمة بتقديم شيء لموسكو مقابل تلك الامتيازات التي تحصل عليها اقتصادياً، لاسيما في مجال الطاقة، إذ إن موسكو كانت دائماً تدعو أنقرة إلى الانفتاح على الحوار مع دمشق”.

وأشار عبد الواحد أيضاً إلى “الوضع الداخلي التركي، حيث يحاول خصوم أردوغان التصيد في سياسته حول الشأن السوري لاستغلال بعض النقاط ضده في الانتخابات وللتأثير على الرأي العام”.

وفي موضوع القوى الكردية التي تصنفها أنقرة مجموعات إرهابية، قال عبد الواحد إن “أردوغان ربما يسعى عبر الانفتاح على دمشق إلى الحصول على صلاحيات أوسع، من سلطة لا تزال للأسف شرعية من وجهة نظر القانون الدولي، والغرض من هذا تقوية موقفه في حال قرر إطلاق عملية عسكرية في مناطق شمال شرق سورية”.

ولم يستبعد عبد الواحد أن أردوغان، ضمن حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي عالمياً، وتصاعد حدة التوتر في أكثر من بؤرة في العالم، وتراجع قدرة الأمم المتحدة في التأثير على مسار تسوية الأزمة السورية، ربما يسعى عبر هذا الانفتاح إلى محاولة تحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية، وفق سيناريو لا يبتعد كثيراً عن القرار 2254، ويكمن في أساسه تسوية تضمن مصالح روسيا وتركيا في سورية ونفوذهما.

من جهته، رأى المحلل والصحافي التركي إسلام أوزكان، أنه من المحتمل أن تتسارع عملية التطبيع بين أنقرة ونظام الأسد. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”: “حتى الآن، التقدّم في علاقات تركيا مع روسيا وإيران بشكل ملحوظ منذ فترة طويلة كان ينذر بذلك بالفعل، وهذا التطبيع سيحدث بطريقة أو أخرى بسبب هذا التقدم في العلاقات، وبسبب التطورات على الساحة، وكانت العملية تسير نحو هذا الاتجاه”.

لكن أوزكان لفت إلى أن “هناك عقبات أمام التطبيع الذي قد يتعطل لأسباب عدة”، مضيفاً أن النظام في دمشق “حريص جداً على التطبيع مع تركيا لكسب الاعتراف الدولي، ولكن أيضاً دمشق طلبت من أنقرة الانسحاب من جميع الأراضي التي تحتلها ووضعت هذا كشرط مسبق للتطبيع، ويمكن لدمشق أن تؤجل هذا الشرط وتتركه إلى نهاية المحادثات، لكن هذا ليس بالشيء الذي يمكن أن تتخلى عنه في نهاية المطاف”.

وأشار أوزكان إلى أنه “لدى كلّ من الجانب السوري والتركي موقف حذر نسبياً تجاه العملية، لكن من المؤكد أن الجانبين يحتاجان واحدهما إلى الآخر، لذلك يبدو أن عملية تدريجية ستتبع، تبدأ برئيسي المخابرات ووزيري الدفاع وصولاً إلى الرئيسين، لكن يمكن تخطي بعض الروابط في هذه السلسلة إذا اتخذت الأطراف خطوات إيجابية واتفقت على مبادئ محددة”.

العربي الجديد

—————————-

تظاهرات في شمال سوريا وشمال غربها تنديداً بالتقارب بين دمشق وأنقرة

تظاهر مئات السوريين الجمعة في شمال وشمال غرب البلاد منددين بالتقارب التركي السوري، بعد يومين من استضافة موسكو وزيري دفاع البلدين في اول لقاء رسمي منذ اندلاع النزاع عام 2011.

في مدينة الباب، كبرى مدن الشمال السوري والواقعة تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة، رفع المتظاهرون رايات المعارضة ولافتات عدة، كتب في إحداها “من الأخير لن نصالح”، وفق ما أفاد مصوّر لوكالة فرانس برس.

وقال صبحي خبية (54 عاماً)، النازح من ريف دمشق خلال مشاركته في التظاهرة لفرانس برس “نحن لا نصالح ولا يمكن أن نصالح ولا نريد أن نصالح نظام (الرئيس بشار) الأسد”.

وأضاف مخاطباً تركيا “لا تكوني عوناً للأسد علينا، بل كوني معنا” معتبراً أنّ “من يريد أن يصالح فليفعل ذلك، لكن نحن لا نريد أن نصالح الأسد لأنه مجرم”.

وجمعت موسكو الأربعاء وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو والتركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس في محدثات ثلاثية تطرقت إلى “سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين”، وكذلك “الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة”، بحسب موسكو.

وجاء عقد اللقاء بعد مؤشرات عدة خلال الأشهر الأخيرة الى تقارب بين دمشق وأنقرة التي كانت تعد أبرز داعمي المعارضة السياسية والعسكرية منذ اندلاع النزاع.

ولم يستبعد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي كان دعا الأسد مراراً الى التنحي عند اندلاع النزاع ووصفه بـ”القاتل”، امكانية عقد لقاء معه.

وشهدت مناطق عدة في شمال محافظة حلب، تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة تظاهرات مماثلة، بينها أعزاز وجرابلس ومارع، تحت مسمّى “نموت ولا نصالح الأسد”، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

في مدينة إدلب (شمال غرب)، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، خرج العشرات في تظاهرة، رددوا خلالها هتافات عدة بينها “إردوغان اسمع اسمع، دم الشهداء لا يباع”.

وقالت سلوى عبد الرحمن لفرانس برس “جئت للتظاهر رفضاً لتصريحات تدعو الى التقارب مع نظام الأسد المجرم الذي هجّر الناس ويعتقل مئات الآلاف”، مضيفة “لو اجتمع العالم كله، لن نصالح النظام المجرم”.

وتلعب روسيا أبرز داعمي دمشق، وفق محللين، دوراً أساسياً لتحقيق التقارب بين حليفيها اللذين يجمعهما “خصم” مشترك يتمثل بالمقاتلين الأكراد، العمود الفقري لقوات #سوريا الديموقراطية المدعومة أميركياً.

وفي بيان الجمعة، دعا مجلس سوريا الديموقراطية، الذراع السياسية لقوات سوريا الديموقراطية، السوريين الى “مواجهة هذا التحالف وإسقاطه”. وقال في بيان “ننظر بعين الشك والريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية برعاية روسية”.

ويقول الباحث الفرنسي المتخصّص في الشأن السوري فابريس بالانش لفرانس برس “الهدف المباشر للدول الثلاث هو القضاء على قوات سوريا الديموقراطية”، التي تعتبرها أنقرة “منظمة إرهابية” وتريد إبعاد مقاتليها عن حدودها بعمق ثلاثين كيلومتراً.

ويريد الأسد، وفق بالانش، “استعادة الأراضي وخصوصاً ثروتها النفطية” من يد الأكراد في شمال شرق البلاد. وينتظر من تركيا “القضاء على الجهاديين في إدلب” في إشارة الى هيئة تحرير الشام التي تسيطر مع فصائل أخرى على نحو نصف مساحة محافظة إدلب ومحيطها.

وتشهد سوريا منذ عام 2011 نزاعاً دامياً متشعب الأطراف، تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل نحو نصف مليون شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

—————————–

الهدف المشترك بإنهاء وجود القوات الأمريكية يدفع علاقات أنقرة ودمشق من العداء إلى التحالف/ إسماعيل جمال

عقب 11 عاماً من العداء والمواجهة المسلحة المباشرة، تتجه العلاقات بين تركيا والنظام السوري تدريجياً نحو التقارب، وربما “التحالف” في ظل تلاقي المصالح، الذي دفع نحو أول لقاء على المستوى الوزاري بين الجانبين، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وما تخللها من خلافات سياسية، وقطع للعلاقات الدبلوماسية، وصولاً للمواجهة العسكرية المباشرة على أكثر من جبهة، طوال السنوات الماضية.

وعلى الرغم من أن العنوان المعلن للاتصالات المتنامية بين الجانبين والملفات التي يجري بحثها تتعلق بـ”التعاون المشترك في مكافحة التنظيمات الإرهابية”، وملف أمن الحدود واللاجئين وغيرها، إلا أن التوقعات بأن الهدف الإستراتيجي الأول للتحول في الموقف التركي يتعلق بحسابات قومية وإستراتيجية فرضتها التحولات الإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة بشكل عام، والأشهر الأخيرة على نحو خاص.

فالسنوات الأخيرة شهدت تزايد حضور القوات الأجنبية في المنطقة، بدعوى المشاركة في الحرب على التنظيمات الإرهابية، حيث انتشرت قوات أمريكية وفرنسية وأوروبية بشكل عام في سوريا، وقدمت الدعم العسكري واللوجستي لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تتهمها أنقرة بالسعي لإقامة كيان انفصالي على طول الحدود السورية مع تركيا، وهو ما تعتبره أنقرة “الخطر الإستراتيجي الأول على الأمن القومي التركي”.

ورغم سنوات من المساعي السياسية والعسكرية لإنهاء الدعم الغربي للوحدات الكردية التي تمددت على نطاق واسع في سوريا، فشلت الدبلوماسية التركية في تحقيق تقدم في هذا الإطار، حيث واصلت القوات الغربية دعم الوحدات الكردية بدعوى محاربة تنظيم “داعش”. وبينما نجحت ثلاث عمليات عسكرية تركية كبيرة في منع تمدد الوحدات الكردية وصولاً للبحر المتوسط وإنهاء سيطرتها على مناطق مثل عفرين وإدلب والباب ورأس العين وتل أبيض، إلا أن الخيار العسكري لم ينجح في إنهاء الخطر الأساسي المتمثل في إمكانية إنشاء كيان انفصالي مستقل شمال وشرقي سوريا.

ومن أجل تحقيق الهدف الإستراتيجي التركي، المتمثل في منع إقامة “كيان انفصالي”، وجدت تركيا نفسها مضطرة لتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية الواسعة، وهو الخيار الذي يواجه تعقيدات صعبة جداً من الجانبين الأمريكي والروسي، ورغم اختلاف دوافع الرفض الأمريكي والروسي للعمليات التركية، إلا أن النتيجة النهائية تتمثل في اقتناع المستوى السياسي والعسكري في أنقرة بصعوبة إنهاء خطر “الكيان الانفصالي” عبر الخيار العسكري المنفصل، وهو ما يعتقد أنه دفع للتفكير في عقد تحالف مع النظام السوري الذي يتشارك نفس المخاوف مع تركيا ويرفض فكرة تقسيم الأراضي السورية.

وفي ظل هذه الحسابات، استجدت قضية أخرى باتت على رأس الأولويات الإستراتيجية لصنّاع القرار في أنقرة، وهي توسيع أمريكا انتشارها العسكري في اليونان، وخاصة في المناطق المحاذية للحدود البرية التركية، وفي جزر مختلفة في بحر إيجه وشرقي البحر المتوسط، وهو ما اعتبره المستوى السياسي والعسكري في تركيا تهديداً مباشراً يتوجب الرد عليه بشكل إستراتيجي، وفي أسرع وقت.

هذا “الرد الإستراتيجي” يبدو أنه جاء باتجاهين أساسيين؛ الأول تمثل في زيادة عدد وعتاد القوات التركية المنتشرة في “جمهورية شمال قبرص التركية”، حيث أرسل الجيش التركي مزيداً من القوات والعتاد العسكري الثقيل، بالإضافة إلى الاستعداد لإنشاء قاعدة جوية للمسيّرات التركية، وغيرها من “الأسلحة الثقيلة” التي لم يعلن عنها.

أما الاتجاه الثاني فيتمثل في العمل بقوة على إنهاء وجود القوات الأمريكية قرب الحدود التركية في سوريا، وهو هدف تتلاقى فيه المصالح التركية والروسية والسورية فيه، حيث ترغب كافة الأطراف في إنهاء وجود القوات الأمريكية لأسباب مختلفة وخاصة بكل طرف، فالنظام السوري يسعى لاستعادة كافة الأراضي السورية والمناطق الغنية بالنفط والغاز بشكل خاص، فيما روسيا تسعى للانفراد بالنفوذ الإستراتيجي في سوريا، بينما تركيا ترغب بدرجة أساسية في إنهاء سيطرة الوحدات الكردية، وإزالة خطر إنشاء “كيان انفصالي”، يضاف إلى هدفها المستجد المتمثل في إنهاء وجود القوات الأمريكية على حدودها الجنوبية بعد تكثيف انتشارها على حدودها الغربية مع اليونان.

وفي ظل هذا التلاقي الكبير في “المصالح الإستراتيجية” للأطراف الثلاث، فإن الهدف المباشر في المرحلة الأولى لن يكون القوات الأمريكية، وإنما وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من واشنطن، وهو ما قد يظهر على شكل صفقات ميدانية أو عمليات عسكرية تدريجية يستعيد من خلالها النظام السوري مناطق من الوحدات الكردية.

ويتوقع أن تجد الوحدات الكردية نفسها أمام خيارين “أحلاهما مر”، وهما إما عقد صفقات والتخلي عن منطقة تلو الأخرى لصالح النظام السوري، أو رفض ضغوط روسيا والنظام، وبالتالي مواجهة عملية عسكرية تركية بمباركة من روسيا والنظام، والتعويل على دعم القوات الأمريكية التي لا يعتقد أنها ستكون مستعدة للدخول في مواجهة مباشرة مع موسكو وأنقرة ودمشق.

القدس العربي”

————————–

اللجنة السورية التركية الروسية..تدرس فتح الطرقات وعبور البضائع

أفادت مصادر تركية لقناة “الجزيرة” بأنّ “وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا اتفقوا في موسكو على تشكيل لجنة ثلاثية مشتركة”، كاشفة أنّ الاجتماع بحث “فتح الطرق الدولية والسماح للبضائع التركية بالمرور عبر الأراضي السورية”.

كذلك، كشفت مصادر تركية الخميس، أن وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام السوري، اتفقوا على آلية مشتركة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين بعد توفير أرضية مناسبة.

كما أشارت مصادر “الجزيرة” إلى أن الاجتماع وضع تصوراً لوجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمالي سوريا. وأعلن أنّ “اللجان المتفق عليها في الاجتماع ستبدأ اجتماعاتها نهاية كانون الثاني/يناير، والاجتماع الأول للجان سيكون في موسكو، وستعقبه اجتماعات في أنقرة ودمشق”.

وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أكد الخميس، خلال الاجتماع الثلاثي في موسكو مع نظيريه الروسي والسوري، “على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254”.

إلى ذلك، تظاهر مئات السوريين الجمعة في شمال وشمال غرب البلاد منددين بالتقارب التركي السوري، بعد يومين من استضافة موسكو وزيري دفاع البلدين في أول لقاء رسمي منذ الثورة السورية عام 2011، بحسب وكالة “فرانس برس”.

ففي مدينة الباب، كبرى مدن الشمال السوري والواقعة تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة، رفع المتظاهرون رايات المعارضة ولافتات عدة، كتب في إحداها: “من الأخير لن نصالح”، وفق ما أفاد مصوّر لوكالة “فرانس برس”.

وشهدت مناطق في شمال محافظة حلب، تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة تظاهرات مماثلة، بينها أعزاز وجرابلس ومارع، تحت مسمّى “نموت ولا نصالح الأسد”، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وفي مدينة إدلب، خرج العشرات في تظاهرة رددوا خلالها هتافات عدة بينها “إردوغان اسمع اسمع، دم الشهداء لا يباع”.

وجمعت موسكو الأربعاء، وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظيره التركي ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس في محدثات ثلاثية تطرقت إلى “سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين”، وكذلك “الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة”، بحسب موسكو.

وجاء عقد اللقاء بعد مؤشرات عديدة خلال الأشهر الأخيرة على تقارب بين دمشق وأنقرة التي كانت تعد أبرز داعمي المعارضة السياسية والعسكرية منذ اندلاع النزاع.

ولم يستبعد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي كان دعا الأسد مراراً الى التنحي عند اندلاع النزاع ووصفه ب”القاتل”، امكان عقد لقاء معه.

—————————

هل اقترب موعد زيارة الأسد إلى أنقرة؟

قال وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو إن بلاده تنوي نقل السيطرة في مناطق تواجدها حالياً إلى النظام السوري حال تحقق الاستقرار السياسي، مشدداً على ضرورة تأمين عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم.

وأوضح تشاووش أوغلو خلال كلمة في فعالية لوزارة الخارجية التركية، أن نظام بشار الأسد يرغب بعودة السوريين إلى بلادهم، مشدداً على ضرورة وأهمية التواصل مع النظام السوري لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، ولضمان عودة آمنة للاجئين.

واعتبر الوزير التركي أنه من المهم أيضاً إشراك النظام الدولي والأمم المتحدة في موضوع عودة اللاجئين السوريين.

وبخصوص التواصل مع النظام السوري، قال إن المرحلة التالية في خريطة الطريق، هي عقد اجتماع على صعيد وزيري خارجية البلدين، مبيناً أنه لم يتم بعد تحديد التوقيت بشأن ذلك.

وحول ردود فعل المجتمع الدولي على المباحثات بين أنقرة والنظام السوري، قال تشاووش أوغلو إن هناك دولاً تؤيد هذا الأمر وترغب في تحوله لخطوات ملموسة، مقابل وجود أخرى معارضة له أو حذرة تجاهه.

ونفى الوزير التركي أن يكون قد تم عقد لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، قائلاً إن ذلك لم يتم لا على مستوى الوزير ولا على أي مستوى سياسي آخر.

وأكد “مواصلة بلاده بحزم، مكافحة الإرهاب”. وفيما لفت إلى أن الخلافات بين أنقرة ودمشق، حالت دون تأسيس تعاون بينهما في هذا المجال، أشار إلى إمكانية العمل المشترك مستقبلاً، في حال تشكلت أرضية مشتركة بين البلدين في ما يخص مكافحة الإرهاب.

من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن أنقرة لن تقدم على أي خطوة من شأنها أن تضع “الإخوة السوريين” في مأزق، سواء الذين يعيشون داخل بلادهم أو في تركيا.

وأوضح في تصريح لوكالة “الأناضول”، أن تركيا لن تتخذ أي إجراء ضد الشعب السوري.

وحول الاجتماع الثلاثي في موسكو، قال أكار: “تبادلنا المعلومات والآراء حول مشكلة اللاجئين ومكافحة التنظيمات كافة الإرهابية في سوريا”.

ويبقى اللقاء الذي يجري الحديث عنه منذ فترة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأسد، مثار تساؤلات حول موعد حدوثه. وقالت صحيفة “تركيا” إن الرئيس التركي قد يلتقي بنظيره السوري خلال الشهرين المقبلين.

وأوضحت أن المرحلة التي تلي لقاءات وزراء الدفاع، هي عقد اجتماع بين وزراء خارجية أنقرة ودمشق. وتابعت أن المرحلة الأخيرة من المحادثات الثلاثية، ستتوج بعقد لقاء بين أردوغان والأسد، ويلي ذلك زيارة يقوم بها رئيس النظام السوري إلى أنقرة، يعقبها خطوة مماثلة من الرئيس التركي إلى دمشق.

من جهتها، قالت صحيفة “خبر ترك” إن عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة ستستمر على أرضية أكثر صلابة بغض النظر عن الانتخابات التركية ونتائجها، حيث أصبحت القضية الأكثر أهمية التي توحد جميع الأحزاب في تركيا، هي مشكلة السوريين وعودتهم إلى ديارهم.

وأضافت أن “أهم وسائل منع التهديد لتركيا، تعتمد على المصالحة والاتفاق الذي سيتم التوصل إليه مع دمشق، التي بدونها، وبغض النظر عن عدد القوات التركية في المنطقة، والجدران التي تبنيها، فإن الإرهابيين سيخرجون ويقومون بتفجيرات كما جرى في شارع الاستقلال في إسطنبول”.

————————-

التطبيع التركي مع الأسد..هل تخلت أنقرة عن المعارضة؟

أنتجت اللقاءات الاستخباراتية التي كان تجري بين تركيا والنظام السوري بمباركة ورعاية روسية بعيداً عن الإعلام مؤخراً، لقاءً جمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بنظيره في النظام السوري علي محمود عباس لأول مرة منذ 2011، بوجود وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

مسار طويل وصعب

وطرحت أنقرة خلال اللقاء ملفات تقضّ مضجعها الأمني متعلقة بشكل أساسي بالخطر القادم من جهة سيطرة الوحدات الكردية على مناطق سورية عند حدودها الجنوبية، إضافة لطرح مسألة اللاجئين السوريين والتي تشكل كيفية إعادتهم إلى بلادهم بالتنسيق مع النظام، بيضة القبان الانتخابية لحزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ويؤكد الباحث السياسي محمود علوش أن اللقاء هو أولى الخطوات في مسار الآلية الثلاثية التي اقترحتها أنقرة، موضحاً أن المسار المكون من ثلاثة مستويات سيتم العمل على تطويرها بشكل تدريجي، وسيكون صعباً وطويلاً.

ويقول علوش ل”المدن”، إن المستوى العسكري-الاستخباراتي هو الأهم كونه يتناول الجوانب الأكثر أهمية في أي علاقة جديدة بين أنقرة ودمشق، مضيفاً أنه في حال اتفقت الأطراف الثلاثة على شكل التعاون المحتمل في 3 مسائل رئيسية هي مكافحة الإرهاب واللاجئين والتسوية السياسية، فإنه من المرجح عندها أن تتطور اللقاءات إلى مستويات سياسية أرفع.

وكان أردوغان قد قال قبل أيام، إنه من أجل التمهيد للقاء يجمعه مع رئيس النظام السوري بشار الأسد يجب أن يلتقي وزيرا الدفاع والخارجية التركيين مع نظيريهما في النظام السوري بعد اللقاءات الاستخباراتية.

لكن علوش يوضح أن ملفات صعبة ومعقدة تعترض المسار وفي مقدمتها مستقبل الوجود العسكري التركي في شمال سوريا ومصير المناطق الخاضعة لأنقرة هناك، إضافة إلى مسألة دفع المسار السياسي للتسوية، مؤكداً أن ما يهم تركيا هو تعاون النظام وروسيا معها في ملف الوحدات الكردية وإعادة اللاجئين.

أنقرة والمعارضة السورية

ولأن قطار التطبيع التركي مع الأسد يمر حتماً من مصالح المعارضة السورية التي وضعت كل البيض، بشقيها العسكري والسياسي في السلّة التركية، فإن هناك خشية كبيرة وترقباً من السوريين ضمن مناطق سيطرتها لحجم التنازلات التي ستقدمها حكومة أردوغان للأسد على حسابها، بعد أن ترجمت ما كان تصريحات بالأمس، واقعاً ملموساً، في لقاء موسكو الثلاثي.

ويؤكد علوش أن تعاون النظام مع أنقرة لن يكون دون ثمن، وسيسعى النظام للحصول على مكتسبات كبيرة مثل تسليم بعض المناطق له ووضع جدول زمني لانسحاب تركي من شمال سوريا، لكنه يرى أنه من المبكر الحديث عن شكل التنازلات التركية، ويؤكد أن أي تحول تركي سيضعف موقف المعارضة.

بيد أن الكاتب والسياسي التركي يوسف كاتب أوغلو يؤكد أن اجتماع موسكو الثلاثي الأربعاء، لا يعني تفريطاً تركياً بمصالح الشعب السوري الذي تشكل المعارضة السورية ركناً أساسياً فيه، ولذا فأنقرة ستواصل دعم حل سياسي يلبي مصالحها ولكن ضمن الاعراف الأممية والقوانين الدولية ومن أهمها القرار 2254.

ويقول كاتب أوغلو ل”المدن”، إن “تركيا لم تتخلّ أبداً عن المعارضة، لكنها تعمل على إعادة ضبط الايقاع والتركيز على ايجاد حلول شاملة ضامنة لحقوق الشعب السوري بجميع أطيافه”، مؤكداً أن أنقرة لن تفرض على المعارضة السورية المصالحة مع النظام، لكنها ستقود جهوداً لتفعيل القرارات الأممية وإيجاد حلول دولية لضمان حقوق المهجرين واللاجئين، إضافة إلى القضايا المتعثرة بين البلدين خصوصاً العلاقات الدبلوماسية والمناطق الآمنة تحت الحماية التركية.

واعتبر أن تقارب أنقرة مع النظام ضرورة قصوى في ظل وجود ملفات مهمة عالقة بحاجة الى فتح قنوات حوار وتفاهمات مع هذا النظام الحالي المعترف به دولياً وأمنياً وأممياً، أهمها ملف محاربة التنظيمات الإرهابية المهددة للأمن القومي التركي والتي تتخذ من سوريا كمركز انطلاق لها، مؤكداً أن لقاء أكار مع نظيره عباس لا يعني بالضرورة أن لقاء أردوغان والأسد بات قريباً.

—————————

الاجتماع السوري التركي الروسي..مسار ثلاثي جديد للحل في سوريا

أوضح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أنه بحث خلال اللقاء الثلاثي الذي جمعه بوزيري الدفاع الروسي والنظام السوري تأمين السلام والاستقرار وملف مكافحة الإرهاب في سوريا، بينما وصفت دمشق اللقاء بالإيجابي، من دون ان تذكر تفاصيل.

وقال أكار لدى عودته من اللقاء الثلاثي في موسكو، إنه أكد خلال الاجتماع على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف وفق قرار مجلس الأمن 2254، مضيفاً أن هناك جهوداً ستبذل خلال الأيام القادمة للمساهمة في إحلال السلام والأمن في سوريا والمنطقة.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية أن العاصمة الروسية احتضنت الأربعاء، اجتماعاً ثلاثياً ضم أكار ووزيري الدفاع الروسي سيرغي شويغو والنظام السوري علي محمود عباس ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة.

وأوضح أكار أن اللقاء الذي دام نحو ساعتين، بحث الخطوات التي يمكن اتخاذها “من أجل تأمين السلام والهدوء والاستقرار في سوريا والمنطقة، وتحويل التطورات فيها إلى مسار إيجابي”، مؤكداً أن المجتمعين أجمعوا على مواصلة الاجتماعات الثلاثية.

وأكد الوزير التركي أن ملف مكافحة الإرهاب من أبرز الأمور التي ذكرها خلال الاجتماع، وقال: “شددنا على احترامنا وحدة وسيادة أراضي دول الجوار في مقدمتها سوريا والعراق، وأن هدفنا الوحيد مكافحة الإرهاب، وليس لنا أهداف أخرى” هناك.

وإذ اعتبر أن هدف بلاده تأمين حدودها من خطر وحدات حماية الشعب الكردية وتنظيم “داعش”، أكد أن بلاده تبذل جهوداً لوقف مزيد من الهجرة السورية إلى تركيا.

من جهتها، ذكرت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري أن الاجتماع كان ايجابياً، وقالت في بيان مقتضب إن “وزير الدفاع السوري واللواء مدير إدارة المخابرات العامة السورية” اجتمعا مع نظرائهم الاتراك وزير الدفاع التركي ورئيس جهاز المخابرات التركية في العاصمة الروسية موسكو بمشاركة الجانب الروسي، موضحةً أن الجانبين بحثا “ملفات عديدة وكان اللقاء إيجابياً”.

ونقلت صحيفة “الوطن” السورية شبه الرسمية عن مصادر في النظام تأكيدها أن الاجتماع جاء بعد سير الاجتماعات الأمنية “بشكل مقبول ووفق ما تريده دمشق” خلال الأشهر الماضية، وإلا “لما كان هذا اللقاء قد حصل”.

————————-

الأسد المشكلة والأسد الحل.. نتائج التطبيع التركي الصفرية بسبب فشل الاستراتيجية/ عبدالله الموسى

انفجرت في وجه حزب العدالة والتنمية مع اقتراب الانتخابات، مشكلات تراكمت من جراء إخفاق استراتيجية الحكومة فيما يتعلق بمسألتي الوجود السوري في تركيا والتدخل العسكري التركي في سوريا، لتتصاعد وتيرة ومستوى اللقاءات بين تركيا والنظام السوري وتبلغ ذروتها في لقاء موسكو، وتتضح الصورة أكثر بعد يوم حافل بالتصريحات الرسمية.

يقول محللون سياسيون سوريون وأتراك استمزج تلفزيون سوريا آراءهم، إن المسار الدبلوماسي بين أنقرة والنظام دوافعه وغاياته انتخابية، وهذا ما قاله المسؤولون الأتراك لقادة الجيش الوطني والائتلاف السوري المعارض. لكن دلالات التصريحات التركية يوم أمس دفعت السوريين لتوقع الأسوأ عليهم في نتائج مسار التطبيع بين تركيا والنظام، رغم قناعتهم فرادى وجماعات بصفرية جدوى المسار على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.

وبدأ “المسار الدبلوماسي” بين النظام وتركيا يأخذ شكل “عملية تطبيع” كاملة، حيث جاء لقاء موسكو يوم الأربعاء الماضي كأول تنفيذ عملي للآلية الثلاثية التي اقترحها أردوغان على بوتين، في افتراق كامل مع أبجديات سياسية وتبنٍ لاستراتيجية وطروحات المعارضة التركية على مدار السنوات العشر الماضية، وبالتالي فإن المكاسب الانتخابية المرجوة من التطبيع مع الأسد قد ترتد إلى المعارضة في حال سوّقت لنفسها بأنها صاحبة “الموقف الصحيح والثابت” من القضية السورية.

غابت النظرة الاستراتيجية في تأطير العدالة والتنمية للملف السوري، ففي حين اتخذت أنقرة موقفاً مبكراً وحاسماً من النظام السوري إلا أن هذا الموقف لم يعقبه حراك سياسي قائد، وانشغلت تركيا بموجات اللجوء الكبيرة، فأقرت قانون الحماية المؤقتة ثم وافقت على اتفاق عام 2016 مع الاتحاد الأوروبي لتصبح خزاناً للسوريين مقابل بضع مليارات وإلغاء تأشيرات دخول الأتراك إلى أوروبا، وانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا ما لم يفهمه الشعب التركي المضياف والمتعاطف حتى حين، فبعد أن فشلت تركيا في تحصيل ما طمعت به باستثناء الـ 6 مليارات دولار، راح رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية والحزب يهاجم الأوروبيين. إلا أن تصريح الـ 40 مليار

دولار أسس لمرحلة عداء السوريين، وانتفضت المعارضة مستغلة ذلك للتحريض، فكبرت كرة الثلج التي تلاحق الحزب والحكومة، ليصبح اللاجئ السوري في الفكر الجمعي التركي هو سبب المشكلة.

تركت المعارضة التركية جميع القضايا المحلية والإقليمية والدولية للمناكفة مع الحزب الحاكم، وركزت على الوجود السوري في تركيا، بأن “العدالة والتنمية” دفعوا أموال الشعب التركي للسوريين، ليتطور الخطاب إلى معاد وعنصري وتنميطي، استجاب له الشارع التركي حتى من أنصار الحزب الحاكم. قرر حزب العدالة والتنمية مواجهة خطاب المعارضة التحشيدي، فتوجه إلى ملامسة القلوب المؤمنة التركية بخطاب “المهاجرين والأنصار”، إلا أن هذا الخطاب لم يعد مجدياً بعد الأزمة الاقتصادية من جراء العقوبات والانحدار الكبير لسعر صرف الليرة.

انخراط متأخر.. ارتدادات عكسية لإخفاق الاستراتيجية

تدخل الجيش التركي عام 2016 في عملية “درع الفرات” كان ممكناً قبل ذلك بكثير وبكلفة أقل على تركيا وعلى فصائل الجيش الحر والشعب أيضاً، وكان التدخل المبكر سيعطي لأنقرة الأفضلية في قيادة أي جهود سياسية، وتأمين الدعم العسكري الدولي لفصائل الجيش الحر، وإضعاف قدرات النظام العسكرية وبالتالي وحدات حماية الشعب. وبعد أشهر من انطلاق أول عملية تركية ضد تنظيم الدولة دون الاهتمام بالمعركة الحاسمة في مدينة حلب، سيطر النظام وروسيا وإيران على المدينة لتبدأ مرحلة جديدة في الشمال السوري، فتقرر أنقرة عدم المواجهة العسكرية مع النظام والتفاوض وفق الشروط الروسية في مسار أستانا، الذي نتج عنه سيطرة الروس على أرياف حماة وإدلب، وتهجير 5 مناطق سورية إلى الشمال، وتكدس 4 ملايين سوري في منطقة إدلب ومحيطها، ومليون ونصف في مناطق سيطرة الجيش الوطني، ليبصح هذا العدد الكبير على حدود تركيا ورقة ابتزاز روسية لأنقرة، فيضطر الجيش التركي لدخول المعركة ضد النظام في مطلع العام 2020 تحت اسم “درع الربيع” ويسقط عشرات القتلى من الجنود الأتراك، وتنتفض المعارضة التركية مجدداً بخطاب جديد هذه المرة: “أردوغان يرسل أبناءنا ليقتلهم والسوريون ينعمون هنا بالمليارات”.

لا يمكن نقد السياسة والتصرفات التركية جميعها، ولا بد من الإشارة إلى أن الموقف التركي كان محط ترحيب وتقدير من الشعب السوري، لكن المثالان المذكوران أعلاه  أحدهما أمني – سياسي والثاني حكومي – إداري، يؤكدان أن غياب الاستراتيجية المتكاملة يقود إلى نتائج عكسية، وهذا ما قد يحصل في مسار التطبيع مع النظام السوري، لأنه وكما ذكر أعلاه فإن المعارضة قد تسوق المسار لصالحها والترويج لفكرة أن قناعاتهم في الملف السوري انتصرت في النهاية، كما أن التطبيع قد يتسبب بأضرار لا يمكن إصلاحها بين المعارضة السورية وأنقرة.

مسار التطبيع مع النظام لم يحدث لغايات أمنية وعسكرية لأن النظام لن يحارب أميركا، ولم يحدث لغايات اقتصادية لأن إعادة الإعمار لن تبدأ وبشار الأسد في السلطة، ولم يحدث مسار التطبيع لغايات أمنية لأن فصائل المعارضة ضبطت الحدود والتنظيمات الإرهابية منذ 5 أعوام. مسار التطبيع حدث لأن حزب العدالة والتنمية أخفق في تبرير سياسته في سوريا للرأي العام وما أعقبه من تحركات عسكرية وأمنية تركية داخل سوريا دون استراتيجية شاملة تقود تحركات مؤسسات الدولة جميعاً.

——————————-

وزير الدفاع التركي: اجتماع موسكو الثلاثي بحث حل الأزمة السورية في إطار «2254»

أنقرة ترى معارضة أميركية ـ أوروبية للتقارب… وجاويش أوغلو نفى لقاءه الأسد

أنقرة: سعيد عبد الرازق

قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إنه بحث مع نظيريه السوري علي محمود عباس، والروسي سيرغي شويغو، خلال الاجتماع الذي عُقد في موسكو بمشاركة رؤساء أجهزة المخابرات في كلٍّ من تركيا وسوريا وروسيا، أول من أمس (الأربعاء)، الخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل تأمين السلام والهدوء والاستقرار في سوريا والمنطقة وتحويل التطورات فيها إلى مسار إيجابي. وشدد على أن هدف بلاده الوحيد هو محاربة الإرهاب في سوريا، وأنه تم التأكيد على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254».

وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، من جانبه، أنه سيلتقي نظيره الروسي سيرغي لافروف، على خلفية اجتماع وزراء الدفاع، ملمحاً إلى أن الخطوة المقبلة ستكون لقاء وزراء الخارجية. ونفى ما تردد عن لقاء جمعه برئيس النظام السوري بشار الأسد مؤخراً في اللاذقية. وأشار إلى معارضة أميركية أوروبية للتقارب التركي مع دمشق.

وقال أكار في تصريحات أمس (الخميس)، حول اجتماع موسكو، إنه تم التأكيد خلال الاجتماع على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254» الصادر عام 2015.

وأضاف: «من خلال الجهود التي ستُبذل في الأيام المقبلة يمكن تقديم مساهمات جادة لإحلال السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة»، مشيراً إلى أن الاجتماع الثلاثي، الذي استمر قرابة الساعتين في موسكو، بحث الخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل تأمين السلام، والهدوء والاستقرار في سوريا والمنطقة، وتحويل التطورات فيها إلى مسار إيجابي.

وذكر أكار أنه نقل إلى المجتمعين الآراء والأطروحات ذات الصلة لبلاده، وأن «مكافحة الإرهاب من بين أهم الأمور التي ذكرها خلال الاجتماع، وشددنا خلال الاجتماع على احترامنا وحدة وسيادة أراضي دول الجوار، وفي مقدمتها سوريا والعراق، وأن هدفنا الوحيد هو مكافحة الإرهاب، وليس لنا أهداف أخرى في هذين البلدين». وتابع أنه أكد أيضاً أن بلاده تهدف إلى تأمين حدودها وشعبها، و«القضاء على إرهابيي تنظيمي وحدات حماية الشعب الكردية (أكبر مكونات قسد والتي تعدها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا) و(داعش)، وهما يشكّلان تهديداً لسوريا أيضاً».

وقال أكار: «إننا نبذل جهوداً أيضاً لوقف تدفق مزيد من النازحين من سوريا إلى تركيا»، مشيراً إلى أن المشاركين في اجتماع موسكو اتفقوا على مواصلة الاجتماعات الثلاثية.

وعُقد في موسكو (الأربعاء)، اجتماع بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة. وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن الاجتماع الثلاثي ناقش الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والمكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية في سوريا.

وأكد البيان اتفاق المجتمعين خلال اللقاء، الذي ذكر أنه عُقد في أجواء بنّاءة، استمرار الاجتماعات الثلاثية من أجل ضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة.

وفي بيان مماثل، قالت وزارة الدفاع الروسية، إن وزراء دفاع روسيا الاتحادية وسوريا وتركيا، أجروا محادثات ثلاثية في موسكو لبحث سبل حل الأزمة السورية وضرورة مواصلة الحوار لتحقيق الاستقرار في سوريا.

وقالت وزارة الدفاع السورية إن الجانبين التركي والسوري بحثا ملفات كثيرة وكان اللقاء إيجابياً. وأشارت، في بيان، إلى أن جميع الأطراف أكدوا ضرورة وأهمية استمرار الحوار المشترك من أجل استقرار الوضع في سوريا والمنطقة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد قال، في 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إنه عرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فكرة عقد اجتماع ثلاثي مع الرئيس السوري بشار الأسد، لافتاً إلى أن بوتين رحّب بالفكرة.

وأضاف إردوغان: «نريد اتخاذ خطوات مشتركة مع روسيا وسوريا. للقيام بذلك يجب أن تلتقي أجهزتنا الاستخباراتية أولاً، ثم وزراء الدفاع والخارجية وبعد ذلك نجتمع نحن القادة… الخطوات التي نتخذها حيال تطبيع العلاقات مع سوريا تأتي في إطار مصالحنا الوطنية».

ولمح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، السبت الماضي، إلى إمكانية عقد لقاء يجمعه بنظيريه الروسي والسوري.

وتوقعت مصادر دبلوماسية في أنقرة، تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن يتم قريباً عقد اجتماع بين وزيري الخارجية التركي والسوري، بعد لقاء وزيري الدفاع بوساطة موسكو، والذي جاء بعد فترة طويلة من اللقاءات بين أجهزة المخابرات في البلدين، تم تكثيفها في الأشهر الماضية، في ظل انفتاح على تطبيع العلاقات لأسباب تفرضها المصالح التركية، وأهمها مكافحة الإرهاب، وتأمين حدود البلاد الجنوبية، والحفاظ على وحدة أراضي سوريا ودفع العملية السياسية.

وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في تصريحات (الخميس)، إنه يعتزم إجراء مباحثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، على خلفية الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع ورؤساء أجهزة استخبارات تركيا وروسيا والنظام السوري.

وأضاف جاويش أوغلو أن «محادثاتنا مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والعراق والنظام السوري مستمرة… وزير الدفاع ورئيس المخابرات كانا في موسكو أمس (الأربعاء)، وسألتقي بدوري مع لافروف».

ووصف جاويش أوغلو الاجتماع الثلاثي في موسكو بـ«المفيد»، مشيراً إلى معارضة بعض الدول لتقارب أنقرة مع نظام الأسد. وقال إن «هناك الكثير من الدول التي تدعم عملية التقارب والحوار، لكن هناك من يعارضها. ولا سيما الدول التي تدعم وحدات حماية الشعب الكردية… الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لا تفضل هذا الحوار».

وشدد الوزير التركي على أهمية التواصل مع النظام السوري من أجل التوصل إلى حل سياسي لسلام واستقرار دائمين، معتبراً أن هذه العملية مهمة، كما أن التوافق على خريطة الطريق لحل الأزمة السورية بين النظام والمعارضة، مهم أيضاً.

وعن المرحلة التالية بعد لقاءي وزيري الدفاع التركي والسوري، قال جاويش أوغلو إنه «يجب التخطيط لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، لكن لا يوجد جدول زمني محدد لموعد الاجتماع… سألتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لبحث التطورات».

وعمّا تردد بشأن لقاء قد يُعقَد بين الرئيس رجب طيب إردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد في يناير (كانون الثاني) المقبل، رأى جاويش أوغلو أن يناير موعد مبكر جداً لعقد اجتماع على مستوى الرؤساء.

ونفى جاويش أوغلو ما تداولته وسائل إعلام، حول لقائه رئيس النظام السوري في اللاذقية مؤخراً.

وعلق الخبير في شؤون روسيا وسوريا محلل السياسة الخارجية أيدين سيزار، على لقاء وزيري الدفاع التركي والسوري بوساطة روسيا بعد 11 عاماً، قائلاً: «الآن على سوريا، قبل روسيا، أن تقول نعم للعملية البرية المحتملة لتركيا ضد (قسد) في شمال سوريا».

وأضاف سيزار أن اجتماع موسكو كان تطوراً إيجابياً، ويعني أن هذا الاجتماع يعني أن روسيا أقنعت الأسد بإقامة اتصال مع تركيا، مشيراً إلى أن العملية البرية التي أعلنت عنها تركيا تم تأجيلها. وعبّر عن اعتقاده أن العملية لا يمكن إجراؤها إلا بالتنسيق مع سوريا.

ولفت إلى أن هناك توافقاً على أن القضية ليست وحدات حماية الشعب الكردية فقط، لكن أيضاً المتطرفون أو التنظيمات الإرهابية، وهذا مهم أيضاً لسوريا وروسيا.

وبعد ساعات على اجتماع موسكو، قصفت القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لأنقرة، منتصف ليل الأربعاء – الخميس، بشكل مكثف قرى في شمال غربي الحسكة.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنه تم استهداف قرى محرملة وبوبي ونويحات ودادا عبد الله، بريف أبو راسين شمال غربي الحسكة، بالمدفعية الثقيلة وسط حركة نزوج جديدة للأهالي نحو الريف الشرقي الأكثر أمناً.

وجاء القصف قبل ساعات من تسيير القوات الروسية والتركية دورية عسكرية مشتركة مؤلفة من 4 عربات عسكرية من كل جانب (الخميس) من ريف الدرباسية وصولاً إلى ريف أبو راسين، مروراً بالكثير من القرى.

وكانت القوات الروسية قد سيّرت دورية منفردة في ريف عين العرب (كوباني) الشرقي (الاثنين) حيث كان من المقرر تسيير دورية مشتركة مع الجانب التركي ولكن بسبب الأحوال الجوية لم تشارك العناصر التركية رغم وصول عرباتها إلى نقطة الانطلاق.

—————————-

أخطاء المعارضة السورية في اختيار الحلفاء/ حسن الشاغل

لا شك أن المعارضة السورية، والتي نقصد بها أطياف المعارضة الرسمية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والدول الحليفة والصديقة، ارتكبت العديد من الأخطاء السياسية الفردية والجماعية وعلى كل المستويات، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب، يأتي في مقدمتها عدم توفر الخبرة السياسية في التعامل مع قضايا وملفات كبيرة على مستوى العلاقات الدولية السياسية والأمنية، فضلا عن عدم وجود -ضمن مؤسسات المعارضة- أي شخصيات مارست العمل السياسي الرسمي على ذاك النحو من الأهمية والعمق. المعارضة السورية منذ بداية تأسيسها حصلت على دعم دولي سياسي ومالي، وفي الحقيقة هي بحاجة لكل أشكال الدعم للمحافظة على بقائها واستمراريتها، وللمحافظة على الدعم لابد من توفر حليف قوي يشترك مع المعارضة السورية بالمصالح السياسية والأمنية لتكون دافعاً لتحمل الحليف أبعاد وتبعات الملف السوري دون التنازل عن الثوابت الأساسية له، وكل ذلك يتحقق بالارتباط بحليف مستقر. وانطلاقاً من ذلك نركز في هذه المقالة على أخطاء المعارضة السورية في عملية تشكيل شبكة علاقاتها الخارجية مع الدول.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المقالة لا تنتقد أي نظام سياسي لأي دولة بل تناقش بنية وواقع النظام السياسي الحالي للدول التي تتعامل معها المعارضة الآن، وتم مناقشة مثالين فقط لدول إقليمية وهما من ضمن الدول الفاعلة في الملف السوري.

في البداية لابد من التوضيح أن على المعارضة رسم مثلث هرمي للعلاقات الخارجية ترتب فيه الدول من حيث الأهمية، دول حليفة، ودول صديقة، ودول مضطرة للتعامل معها في سبيل تحقيق المصلحة من ملفات ذات أبعاد مشتركة، ودول أخرى لابد من تشبيك العلاقات معها لكسب تأييدها للثورة السورية في أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية. وتعتبر مؤسسات المعارضة ضعيفة، فهي بأمس الحاجة للعلاقات على كل المستويات بما يخدم قضايا السوريين في التطلع للحرية وإنهاء نظام الأسد والنهوض بسوريا.

لنفترض في هذه المقالة أن المعارضة السورية ارتكبت أخطاءً فادحة في عملية تأسيس تحالفاتها الدولية من جهة الاعتماد على دول أنظمتها السياسية غير مستقرة، ولم تحظ بحلفاء إقليميين أنظمتهم السياسية تتميز بالاستقرار.

تركيا نظام سياسي غير مستقر (حليف)

لا يخفى على أحد أن الحليف الإستراتيجي الأساسي للمعارضة السورية في الوقت الحالي هي الدولة التركية وخاصة الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية)، وغالبية مؤسسات المعارضة السورية تقبع داخل أراضيها، والقوات والجيش التركي والمؤسسات التركية توجد في مناطق سيطرة المعارضة في سوريا. وقد تم تصنيف تركيا تحت بند الحليف غير المستقر لعدة أسباب: أولاً، التعامل مع الملف السوري كمتغير في السياسة الخارجية، بمعنى التعامل مع سوريا قد يتغير بحسب التطورات التي قد تحدث فارقاً بالنسبة لمصالح تركيا، على سبيل المثال فيما يتعلق بالملف الأمني، أصبح احتواء وإنهاء “قسد” نقطة مهمة على صعيد الأمن القومي التركي، ومع نهاية احتواء المجموعات العسكرية غير النظامية مثل قسد ستنخفض أهمية الملف السوري لدى تركيا. ثانياً، النظام السياسي في تركيا جمهوري ديمقراطي وتغير الحزب الحاكم أو بقاؤه هي سيناريوهات قائمة، والحزب الحالي وتعامله مع الملف السوري ليس بالضرورة أن يكون مشابهاً لحزب تركي آخر. ثالثاً، الخريطة السياسية الداخلية في تركيا غير مستقرة لتعدد الأجنحة السياسية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال توجد طبقة من السياسيين وضباط الجيش لهم توجهات مؤيدة للاتحاد السوفييتي سابقاً وروسيا حالياً، أيضا بالطرف المقابل توجد طبقة كبيرة لديها توجه نحو الدول الغربية، مع التأكيد على أن منهج الدولة السياسي والاقتصادي والعسكري الحالي هو غربي. اقتصادياً يوجد جناح منظمة “التوسياد” وهي عبارة عن مجموعة من رجال الأعمال يستحوذون على 50% من الاقتصاد التركي وتربطهم بأميركا علاقات قوية، كما تحظى المنظمة بثقل سياسي كبير، فبحسب الدكتور محمد جنبكلي  في عام 1979 اختلفت منظمة التوسياد مع الرئيس التركي السابق أجاويد، فأسقطت حكومته، بعد قيامهم باحتكار السلع الغذائية مما تسبب في رفع أسعار وفقدان العديد من السلع في الأسواق، ونتج عن الأزمة في نهاية المطاف استقالة الحكومة. بالمقابل توجد منظمة “الموصياد” التي تسهم بـ 18 % من اقتصاد تركيا ولها توجه إسلامي إلى حدٍ ما، وتحاول منافسة وانتزاع سلطة منظمة التوسياد على الاقتصاد التركي. وتختلف كل الأجنحة السياسية والاقتصادية بالأدوات والأهداف لتخلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي للبلاد. ولدى الأجنحة السياسية والاقتصادية سابقة الذكر تأثير كبير على القرار السياسي في البلاد. رابعاً، طبيعة الاقتصاد التركي المستند على التصدير والخدمات مما يجعله مرتبطاً بشكل كبير بالتغيرات السياسة الخارجية للدولة، لذلك قد تضطر الدولة في بعض الأحيان لحماية تجارتها الخارجية من خلال ابتعادها عن أي سلوك خارجي قد يؤدي إلى قطع التجارة والخدمات، على سبيل المثال بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية أوقفت موسكو كل الواردات من أنقرة، حيث تعتبر روسيا مصدراً رئيسياً لموارد الطاقة لتركيا. أيضاً استغلت روسيا الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي تعاني منها تركيا، وقدمت لأنقرة عرض توريد ثلث وارداتها من الغاز مسعرة بالروبل، فضلا عن تقديم روسيا قروض للبنك المركزي التركي. وقد تضغـط روسيا على تركيا لقاء تقديم تسهيلات مالية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وقد شهدنا في الفترة الأخيرة نقلة نوعية في عملية تطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد.

كل ما تم طرحه من معطيات عدم الاستقرار في تركيا وهي حليف للمعارضة السورية سيضع الأخيرة في حالة ضعف وتشتت وعدم القدرة على اتخاذ أي موقف أو سلوك قادر على حماية مصالح المعارضة في سوريا التي ربما قد تختلف مع مصالح تركيا الحليف غير المستقر والتي تبحث عن مكتسبات خارجية. وعدم إدراك ودراسة المعارضة لكل هذه المعطيات وضعها في مأزق صعب في ظل عدم وجود حليف إقليمي بحجم تركيا تستند عليه في الوقت الحالي.

السعودية نظام سياسي مستقر (صديق)

السعودية دولة إقليمية كبيرة مؤثرة على الساحة الإقليمية والدولية، وتصنف في الوقت الحالي كصديق للمعارضة السورية ولا يمكن تصنيفها كحليف بعدما ابتعدت المعارضة عن تشبيك وتوثيق العلاقات معها، وانجرت وراء اصطفافات تبعدنا عن تحقيق مصالحنا كسوريين في الحرية والتخلص من النظام المجرم. السعودية نظام سياسي مستقر بدرجات عالية، ويرجع ذلك لطبيعة تكوين نظامها السياسي القائم على أساس الملكية، إضافة إلى كونها دولة غنية بموارد الطاقة، وتمتلك مقومات اقتصادية ضخمة ومؤثرة في الاقتصاد العالمي.

يصنف الملف السوري من ضمن الثوابت في السياسة الخارجية السعودية، لأن الأخيرة تعتبر نظام بشار الأسد فاعلاً داعماً لعدم الاستقرار في المنطقة، وحليفاً تاريخياً إستراتيجياً لإيران وامتداداً لمشروعها الطائفي والسياسي، وهذه النقطة من أهم المشتركات بين المعارضة السورية والسعودية، أيضاً الأخيرة لا تمتلك علاقات استراتيجية مع الروس، وحجم التجارة المتبادلة جداً منخفض. فالسعودية باستقرار نظامها السياسي وامتلاكها اقتصاداً قوياً ناتجاً عن امتلاكها أضخم احتياطي للنفط في العالم، وموقفها الرافض لإيران بعد تدخلها في سوريا يجعل منها حليفاً للمعارضة السورية لا غنى عنه.

يبدو أن المعارضة السورية أثناء مرحلة تأسيس علاقاتها الخارجية لم تدرس ولم تفرق جيداً بين طبيعة الأنظمة السياسية للدول التي لابد من أن تتحالف معها بشكل وثيق، وبين الدول التي تتميز بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي تاريخياً. مما وضع المعارضة في حالة من فقدان البوصلة والهدف والتراجع والانكفاء.

تلفزيون سوريا

—————————

بداية جديدة في سوريا عام 2023؟/ عمر أنهون

انتقلت الأزمة السورية في عام 2022 إلى مرحلة جديدة، كما أكدتُ في مقالات سابقة متعلقة بسوريا، ويمكننا توقع المزيد في عام 2023.

وفي هذا الصدد، فإنَّ العلاقات مع تركيا جديرة بالذكر بصفة خاصة.

كشف الرئيس إردوغان، في النصف الأول من العام، أن جهاز الاستخبارات التركية ونظام الأسد دخلا في محادثات. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الأمور أكثر تسارعاً.

ففي الآونة الأخيرة، طرح الرئيس إردوغان فكرة عقد قمة ثلاثية بينه وبين الرئيسين الأسد وبوتين، وقال إنَّه ينبغي أن يسبق هذه القمة اجتماعات لوزراء الدفاع والشؤون الخارجية.

وقد أسفرت الحرب في أوكرانيا عن نشوء نوع أكثر قوة وتنوعاً من علاقات العمل بين تركيا وروسيا.

وتريد روسيا من تركيا والأسد عقد مصالحة بينهما. ويبدو أن تركيا تقبلت بسرور أن تتولى روسيا دفة القيادة والمضي قدماً.

وفي 28 ديسمبر (كانون الأول)، اجتمع وزراء دفاع روسيا سيرغي شويغو، وتركيا خلوصي أكار، وسوريا علي محمود عباس في موسكو. وكان حقان فيدان، رئيس الاستخبارات التركية، حاضراً أيضاً. ويعد هذا أول اجتماع من نوعه منذ 11 عاماً.

في هذه المرحلة، دعونا نُلقِ نظرة موجزة على سوريا.

يسيطر الأسد، الذي انتخب رئيساً لولاية رابعة في انتخابات العام الماضي، على ما يزيد قليلاً عن نصف مساحة البلاد. ويشغل ممثله مقعد سوريا في الأمم المتحدة. ورغم ذلك ليس الأسد، في نظر الملايين من السوريين، أكثر من ديكتاتور متوحش، وسبباً رئيسياً للدمار في سوريا، وكثيرون في المجتمع الدولي يحملون نفس الرأي.

ويشهد الاقتصاد السوري تدهوراً منذ عام 2011. ومن أصل عدد السكان البالغ 23 مليون نسمة قبل الحرب، فرَّ أكثر من 7 ملايين سوري من بلادهم. وهناك ما يتراوح بين 7 و8 ملايين نازح داخلياً. وبحسب البيانات الرسمية لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، هناك 14.6 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات، و90 في المائة يعيشون تحت خط الفقر، و80 في المائة آخرون يعانون من انعدام الأمن الغذائي. كما تراجعت الليرة السورية لتقترب من أن تكون ورقة نقدية عديمة القيمة. كما أن الكهرباء والوقود شحيحان للغاية. ويواجه الشعب السوري خطراً حقيقياً بوقوع المزيد من المآسي الإنسانية، بما في ذلك المجاعة والوباء.

وكان من بين الأسباب الرئيسية لانتفاضة عام 2011 في سوريا الفساد المستشري، واحتكار النظام للثروة الاقتصادية للبلاد. ولا يزال هذا الوضع قائماً، بل هو أسوأ اليوم.

وتحتاج سوريا إلى كل قطرة من نفطها للتغلب على الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها. لكن «وحدات حماية الشعب»، الجهة الفاعلة غير الحكومية، تتحكم في مواردها الطبيعية التي تشتد الحاجة إليها، وتستخدم عائدات النفط لتمويل عملياتها العسكرية والإدارية.

ويتحكم ثلاثي آستانة (روسيا، وتركيا، وإيران) في الواقع السوري على مدى السنوات القليلة الماضية.

ويدين الأسد باستمراره في السلطة لروسيا وإيران إلى حد كبير. ورغم أن روسيا منشغلة الآن بالحرب الدائرة في أوكرانيا، وأن إيران تواجه تحديات خطيرة في الداخل، فإن أياً من البلدين لم يتراجع عن مكانته كصاحب نفوذ في الشأن السوري.

وانخرطت تركيا في الآونة الأخيرة (ونجحت إلى حد كبير) في التطبيع مع عدد من بلدان المنطقة التي كانت علاقاتها معها سيئة، والآن، تحولت إلى سوريا من أجل التطبيع.

ولقضيتي «وحدات حماية الشعب» وعودة اللاجئين، تداعيات مباشرة على تركيا، وكلتاهما مشكلة متجذرة في سوريا. وقد أصبحت هاتان القضيتان أكثر أهمية مع الانتخابات المقبلة، حيث سيكون الرئيس إردوغان في حاجة إلى كل صوت. وقد انتقد العديد من الأتراك، بمن في ذلك أنصار الحكومة المخلصون، إردوغان بسبب سياساته في سوريا.

في ظل هذه الظروف، اختارت الحكومة التركية تحولاً سياسياً جدياً للغاية، من مقاربة عنوانها «ليس مع الأسد»، إلى مقاربة «ليس من دون الأسد». وإذا تمكن الرئيس إردوغان من التحدث مع الأسد وتحقيق أي شيء يمكن اعتباره إنجازاً، فإنه سوف يُحقق نجاحاً دبلوماسياً كبيراً آخر.

ولا يعرف أحد ما قد يجلبه الغد، لكن اعتباراً من اليوم، يبدو أن الخاسرين في هذه العملية هم: الولايات المتحدة وإيران و«وحدات حماية الشعب».

ولطالما قالت الولايات المتحدة إنَّ أولويتها في سوريا هي هزيمة تنظيم «داعش»، وضمان استمرار هزيمته. وكان الشريك المحلي للولايات المتحدة في حربها ضد «داعش» هو «وحدات حماية الشعب»، التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية، وينظر إليها السوريون على أنها تهديد لوحدتهم الوطنية.

وفيما يتعلق بالموقف الأميركي من الأسد، من الواضح أن الولايات المتحدة لا تحبه. ولا يزال «قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا» نافذ المفعول. ومؤخراً، أدرجت الولايات المتحدة «مكافحة تجارة النظام السوري بالكبتاغون» ضمن قانون الإنفاق الدفاعي الذي وقعه الرئيس بايدن.

ومنذ بضعة أيام، رداً على سؤال لصحافي تركي، قال المكتب الصحافي التابع لوزارة الخارجية الأميركية إن «الولايات المتحدة لن ترفع من مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولن تدعم البلدان الأخرى في ترقية علاقاتها معه. وتحث الولايات المتحدة بلدان المنطقة على النظر بعناية إلى الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري خلال العقد الماضي. وتعتقد الولايات المتحدة أن الاستقرار في سوريا والمنطقة بأسرها يمكن تحقيقه من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين».

على أي حال، ورغم كل ذلك، لا أشك في أن الولايات المتحدة إذا اعتقدت أن الأمر يخدم مصالحها، فإنها لن تمتنع عن التعامل مع الأسد.

ولم تكن تركيا مرتاحة للغاية لوجود «وحدات حماية الشعب» والدعم الأميركي الذي تتلقاه. وأقل ما تريده تركيا هو دفع «وحدات حماية الشعب» إلى مسافة 30 كيلومتراً على الأقل من حدودها، وإنشاء منطقة آمنة هناك.

وبُغية تحقيق أهدافها، تشير تركيا إلى عملية عسكرية جديدة منذ فترة. ولا تريد الولايات المتحدة، التي استثمرت الكثير في شريكتها المحلية «وحدات حماية الشعب»، أن تلحق الأضرار باستثماراتها. كذلك، فإن روسيا ولأسباب مختلفة، لا تريد عملية تركية أيضاً.

وفي ظل هذه الظروف، تبدو تركيا على استعداد للتوصل إلى حل من خلال المحادثات بدلاً من القتال.

وكان اجتماع وزراء الدفاع في موسكو نتيجة لكل هذه الاعتبارات والتطورات.

وقد غابت إيران عن الاجتماع في موسكو، لكنها لا تزال حاضرة إلى حد كبير في سوريا. وانتشر الإيرانيون ووكلاؤهم على طول الحدود العراقية السورية، وفي محافظة دير الزور، ومنطقة البوكمال الحدودية. وهذه هي المناطق التي توجد وتعمل فيها خلايا «داعش»، كما أنها من بين أكثر المناطق استهدافاً من قبل إسرائيل.

ولن تتخلى إيران عن الوضع من دون أن تحصل على حصتها من دعمها لنظام الأسد. ولا يزال الموقف الذي ستتخذه بشأن المحادثات بين تركيا والأسد تحت رعاية روسيا غير واضح بعد.

وبالعودة إلى المحادثات بين الأتراك والسوريين، أتوقع أن تطلب سوريا من تركيا الانسحاب من أراضيها (إدلب وما يسمى مناطق العمليات)، والتوقف عن دعم الجماعات المسلحة.

في المقابل، تصر تركيا على طرد «وحدات حماية الشعب» بعيداً عن الحدود. ومن المأمول أن يسفر استبدال جنود نظام الأسد بميليشيات «وحدات حماية الشعب» على طول الحدود، عن إضعاف «وحدات حماية الشعب» والوجود الأميركي، الأمر الذي من شأنه أن يكون مناسباً سواء للأتراك أو لنظام الأسد.

وما سيحدث مع «وحدات حماية الشعب»، وأين سيكون موضع الأكراد في مستقبل سوريا، أمر يحتاج إلى إجابة. وفي مرحلة ما، أتوقع أن تشارك «وحدات حماية الشعب» أيضاً في مكان ما ضمن الإطار العام للمحادثات والمفاوضات، الذي يعني إشراك الأميركيين أيضاً.

وستحرص تركيا للغاية على الاتفاق على خريطة طريق لعودة السوريين إلى وطنهم، ولكن قد يكون هذا معقداً للغاية بسبب عدد من الحسابات.

وهناك العديد من الموضوعات الرئيسية والفرعية التي يجب مناقشتها، والعديد من المشاكل التي يجب حلها.

وعلى سبيل المثال، من بين المشاكل الرئيسية التي ينبغي تناولها، ما يحدث مع «الجيش الوطني» السوري و«هيئة تحرير الشام»: هل يضمن النظام سلامتهم؟ هل سيصدر عفو من النظام؟ هل ستكون تركيا مستعدة لأن تصبح مضيفة مدى الحياة لمقاتلي المعارضة السورية الذين يرفضون الحياة تحت حكم الأسد؟

وينبغي أن نضع في اعتبارنا أن كل ذلك سيحدث في بلد مضطرب للغاية، يقع في وسط مضطرب للغاية، حيث يمكن لكل شيء أن يصبح متعلقاً به، حتى وإن لم يكن متصلاً به منذ البداية.

إن الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا لم يكن نهاية عملية صعبة للغاية، وإنما بداية لها؛ إذ تنطوي على مشاكل كثيرة تراكمت على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية.

الشرق الأوسط

—————————

لنعيد سيرتها الأولى”.. خروج مظاهرات شمالي سوريا رفضاً للتصالح مع نظام الأسد

خرج المئات من أبناء مدن وبلدات الشمال السوري، اليوم الجمعة، في مظاهرات رافضة للتقارب التركي مع النظام السوري، حملت عنوان “انتفضوا لنعيد سيرتها الأولى”.

ورصد موقع تلفزيون سوريا خروج مظاهرات في مدن وبلدات إدلب، والباب والأتارب وعفرين واعزاز ودارة عزة في ريف حلب، وتل أبيض بريف الرقة.

وأكّد المتظاهرون على “ثوابت الثورة وأهدافها”، وعبّروا عن رفضهم لكل المخططات التي تهدف إلى تعويم النظام السوري.

ورفع المشاركون لافتات كتب على إحداها: “كبار وصغار منعرف أنه إلي بصالح قاتل خاين”، وأخرى كُتب عليها: “إذا كنت تريد المصالحة اذهب وصالح الأكراد نحن لا نصالح قاتلاً”، “لم نستهجن الموقف التركي … حليف اعداء الشعب السوري هو عدو للشعب السوري”.

وتأتي المظاهرات استجابة لدعوات أطلقتها “الفعاليات الثورية” في مدن وبلدات الشمال السوري، ردّاً على اللقاء الذي جمع وزير الدفاع ومسؤول الاستخبارات التركيان مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ورئيس المخابرات العامة للنظام السوري في موسكو.

وزير الخارجية التركي: لا يوجد رد فعل من المعارضة

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد وصف المعترضين على خطوات تركيا حول التقارب مع النظام السوري بأنها جماعات قليلة جداً و”تحركت لمصالحها الخاصة”، معتبراً أن ممثلي المعارضة السورية لم يبدون أي رد فعل.

وذكر “جاويش أوغلو” أن بعض الدول دعمت المحادثات تركية مع النظام: “هناك العديد من البلدان التي تدعم عملية الترابط هذه، وهناك من يعارضها، وهناك من يتخذ الحياد، وهناك أيضاً من يريد أن ينتج عنها خطوات ملموسة”.

———————————-

استثناء الائتلاف.. جهات مدنية وعسكرية تعلق على التطبيع التركي مع النظام السوري

علقت العديد من الجهات السورية المعارضة المدنية والعسكرية على لقاء موسكو الذي جمع مسؤولين في الحكومة التركية مع مسؤولين من النظام السوري، باستثناء الائتلاف السوري لقوى المعارضة الذي يعد أحد أبرز الممثلين السياسيين لقوى الثورة السورية.

كما أنه لم يصدر أي تعليق بخصوص التقارب التركي مع النظام السوري من الحكومة السورية المؤقتة الذراع التنفيذية للائتلاف الوطني في مناطق الشمال السوري، ولا من الهيئة العليا للتفاوض الذي تجري محادثات مع النظام السوري برعاية أممية ودولية في جنيف.

ويوم الأربعاء، التقى في العاصمة الروسية موسكو، وزير الدفاع ومسؤول الاستخبارات التركيان مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ورئيس المخابرات العامة للنظام السوري، بحضور وزير الدفاع الروسي.

وأكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن النقاش تمحور حول الحل السياسي في سوريا، بموجب القرار الأممي 2254، بالإضافة إلى تسهيل عودة اللاجئين، ووصف وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، اللقاء بـ “المفيد”، معتبراً أن “التواصل مع النظام السوري مهم لتحقيق سلام واستقرار دائمين”.

ونقلت وكالة “الأناضول” عن جاويش أوغلو قوله إن “المرحلة التالية في خارطة الطريق هي عقد اجتماع على مستوى وزيري خارجية البلدين”، موضحاً أنه لا يوجد جدول زمني محدد لاجتماع بشأن ذلك.

ووصف وزير الخارجية التركي المعترضين على خطوات تركيا تجاه النظام السوري بأنها “جماعات قليلة جداً، تحركت لمصالحها الخاصة”، معتبراً أن ممثلي المعارضة السورية “لم يبدوا أي رد فعل على خطوات أنقرة”.

حكومة هيئة الإنقاذ

وفي سياق ذلك، أعلنت “حكومة الإنقاذ” في شمال غربي سوريا أنها “ترفض وتستنكر أن يُقرر مصير الثورة السورية بعيداً عن أهلها، لأجل خدمة مصالح دولة ما أو استحقاقات سياسية تتناقض مع أهدافها”، مشددة على أن “لقاءات ومشاورات تركيا مع النظام السوري تهدد حياة الملايين من الشعب السوري”.

وقال بيان أصدرته “إدارة الشؤون السياسية” التابعة للحكومة، تعليقاً على لقاء موسكو، إن المباحثات التركية مع نظام الأسد “تأتي لأجل إحراز تقدم في ملف اللاجئين قبيل الانتخابات التركية القادمة من جهة، ولممارسة مزيد من الضغط على قوات قسد من جهة أخرى”.

وأوضحت “حكومة الإنقاذ” أن النظام السوري “لا يملك النوايا الحسنة للمشاركة بإزالة المخاوف والتهديدات الأمنية لصالح سلامة وأمن تركيا، فضلاً عن عدم قدرته على ذلك”، مضيفة أنه “السبب الرئيس في دفع ملايين السوريين للجوء”.

وأكدت على أن النظام “لم يتغير سلوكه أو يبدل نهجه ضد الشعب السوري من قتل وتشريد واعتقال، بل تجاوز ذلك بتحويل المناطق التي يسيطر عليها إلى معامل لتصدير الكبتاغون، ورعاية تجارة المخدرات”.

وأشارت “حكومة الإنقاذ” إلى أنها “تتفهم الضغوط التي تواجهها تركيا على المستوى المحلي والدولي ونتضامن معها، إلا أننا نرفض ونستنكر أن يُقرر مصير هذه الثورة بعيداً عن أهلها، لأجل خدمة مصالح دولة ما أو استحقاقات سياسية تتناقض مع أهداف الثورة السورية”.

وشدد البيان على أن “هذه اللقاءات والمشاورات تهدد حياة الملايين من الشعب السوري”، مؤكدة على أن “لا حل في سوريا ببقاء النظام أو الرضا بمشاركته، وتعويمه وإعادته لمشهد الأحداث السياسية بثٌ للفوضى، وتهديد للأمن والاستقرار العام في المنطقة، وتفريط بحق الملايين من الشعب السورية”.

إنقاذ

حكومة الإنقاذ

المجلس الإسلامي السوري

من جانبه، أكد “المجلس الإسلامي السوري” على رفض المصالحة مع النظام السوري، مشدداً على أن المصالحة “تعني أن يموت الشعب السوري ذلاً وقهراً”.

وفي بيان له عقب لقاء موسكو بين تركيا والنظام السوري، قال المجلس إن “دعوات المصالحة والتطبيع مع النظام تترى على قدم وساق”، مؤكداً على أن “الموت ونحن نتجرع السم أهون ألف مرة من أن نصالح عصابة الإجرام التي دمرت سوريا وأبادت أهلها”.

وأوضح البيان أن “مصالحة تلك العصابة تعني أن يموت شعبنا ذلاً وقهراً، وتعني بيع دماء الشهداء الذين مضوا وهم ينشدون كرامة سوريا وعزة أهلها”، داعياً إلى “الثبات الكامل على مطالب الثورة السورية، والتمسك بوثيقة المبادئ الخمسة التي أصدرها من قبل”.

وأشار “المجلس الإسلامي السوري” إلى أنه “يثمن دور الدول المضيفة للشعب السوري المهاجر”، مطالباً إياها “بضمان حقوق المهاجرين، وعلى رأسها العودة الطوعية الحقيقية الآمنة، التي لا تكون إلا بعد زوال عصابة الإجرام”.

    #بيان

#المجلس_الإسلامي_السوري حول الثبات على المبادئ

للاطلاع: https://t.co/Y5aWUFDK4P pic.twitter.com/WBu89iEyoV — المجلس الإسلامي السوري (@syrian_ic) December 29, 2022

“حركة سوريا الأم”

من جهتها، قالت “حركة سوريا الأم”، إنها تلقت ببالغ القلق أنباء التّحرّكات غير المسبوقة للجارة تركيا للانفتاح على النظام السوري، ظنّاً منها أن حل مشكلاتها المحقة في حماية أمنها القوميّ ومحاربة الإرهاب والحركات الانفصاليّة التي تنشط في سوريا يكمن في التعاون مع النظام.

وعبرت الحركة التي يرأسها الشيخ معاذ الخطيب عن رفضها بشدة أي “نهجٍ من شأنه تعويم نظام متهالك غير قادرٍ على تأمين الحاجات الأساسية للسوريّين في المناطق التي تخضع لسيطرته أصلاً، مذكرة الصديقة تركيا بأن نظام الأسد هو الأب الرّوحي للإرهاب، وبأنّ هذه الحركات خرجت من رحمه وهي صنيعة أجهزة استخباراته”.

وأضاف البيان: “نهيب بدولة قدمت الكثير وماتزال للشعب السوري المكلوم مراعاةَ المصالح التّركية في عدم العمل مع ذات النّظام الذي سبب كلّ هذه الأزمات لأنّ استمرار وجوده يعني استمرارها بالضرورة، ومراعاة مصالح ومشاعر ملايين السّوريين من الضحايا، لأنّ فقدان الأمل في تحقيق العدالة سيدفع إلى اليأس الذي لا بد أنه سيفضي إلى ما لا تحمد عقباه، وإلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار لتركيا ولدول المنطقة”.

ولفتت إلى أن “هدف النظام من هذه الاجتماعات ليس التخلي عن الأدوات التي اتخذها مطية لابتزاز تركيا والشعب السوري، بل هو إرسال رسالة للسوريين بأنّ الجميع سيرضخ لابتزازه بنهاية المطاف، والهرب من الأزمات التي تعصف به عن طريق إعطاء المزيد من الآمال الزّائفة لحاضنته التي تئنّ تحت وطأة الدّمار الذي ألحقه بالاقتصاد السوري”.

وأكدت الحركة على تمسّكها بالقرارات الدولية الداعية لتحقيق انتقال سياسيّ في سوريا حلاً وحيداً لأزمتها، فإنّها تذكر بأن أي عودة اللاجئين مرفوضة جملة وتفصيلاً ما لم تكن آمنة وطوعية، وبأن الشعب الذي قدم أكثر من مليون شهيد لن يتخلى عن مطلبه حتى تتحقق له الكرامة موفورة على أرضه.

    بيان حول الاجتماعات التركية مع النظام https://t.co/u8phdzgijd

— أحمد معاذ الخطيب (@Mouaz_AlKhatib) December 30, 2022

اتحاد إعلاميي حلب وريفها

وفي ضوء ذلك، أصدر اتحاد إعلاميي حلب وريفها بياناً للرأي العام جاء فيه، أنه “بعد قرابة 12 عاماً من انطلاق الثورة السورية وبعد ما قدمه الشعب من تضحيات نتفاجأ بتصريحات من الحكومة التركية ليست الأولى من نوعها عن تقارب سياسي مع نظام الأسد قاتل السوريين بالكيماوي وكل الأسلحة المحرمة دولياً”.

وأضاف الاتحاد في بيانه أن هناك “محاولات لإعادة تعويم النظام في الساحة الدولية رغم كل تلك المجازر والجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري لمجرد مطالبته بالحرية”.

وأكّد الاتحاد رفضه لهذه “التصريحات التي تمهد لإجراء مصالحة مع النظام الإرهابي” مطالباً السوريين في الداخل وفي كل دول العالم للنزول إلى الساحات للتعبير عن رفض هذه التصريحات والعمليات السياسية والتأكيد على الموقف الثابت.

    #بيان

للرأي العام#اتحاد_إعلاميي_حلب_وريفها

⁧#انتفضوا_لنعيد_سيرتها_الأولى⁩ pic.twitter.com/VuRPl6ksDg — اتحاد إعلاميي حلب وريفها (@aleppomu) December 29, 2022

قيادات عسكرية

وعلقت كذلك قيادات عسكرية على لقاء موسكو، من دون أن يصدر أي بيانات كاملة سواء عن الجيش الوطني العامل في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام في الشمال السوري.

وكتب حسام ياسين قائد الفيلق الثالث في الجيش الوطني: “سوريا لن تنعم بالاستقرار والقضاء على الإرهاب والمحافظة على وحدة ترابها وضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين إلا بتنفيذ القرارات الأممية وتحقيق الانتقال السياسي الكامل ورحيل نظام الأسد”.

    سورية لن تنعم بالاستقرار والقضاء على الإرهاب والمحافظة على وحدة ترابها وضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين إلا بتنفيذ القرارات الأممية وتحقيق الانتقال السياسي الكامل ورحيل نظام الأسد

    — حسام ياسين (@Aboyasinsahm) December 30, 2022

وقال مهند الخلف (أبو أحمد نور) أحد قياديي الجيش الوطني السوري، إن “الموت ونحن نتجرع السم أهون ألف ألف مرة من مصالحة تلك العصابة التي دمرت سوريا وأبادت أهلها”.

وأضاف أن “مصالحة تلك العصابة تعني أن يموت شعبنا ذلاً وقهراً، وتعني بيع دماء الشهداء الذين مضوا وهم ينشدون كرامة سوريا وعزة أهلها”.

    الموت ونحن نتجرع السم أهون ألف ألف مرة من مصالحة تلك العصابة التي دمرت سوريا وأبادت أهلها

    إن مصالحة تلك العصابة تعني أن يموت شعبنا ذلا وقهرا

    وتعني بيع دماء الشهداء الذين مضوا وهم ينشدون كرامة سوريا وعزة أهلها pic.twitter.com/74BiuUd665

— أبو أحمد نور (@abo_ahmad_noor) December 29, 2022

من جهته قال القائد العام للفيلق الأول في الجيش الوطني السوري العميد الركن معتز رسلان: “ثورتنا ثورة حرية وكرامة وهدفنا إسقاط النظام السوري المجرم وحماية أهلنا والنصر لنا بإذن الله ثورة حتى النصر”.

    ثورتنا ثورة حرية وكرامة وهدفنا اسقاط النظام السوري المجرم وحماية اهلنا والنصر لنا باذن الله # ثورة حتى النصر #

    — العميد الركن معتز رسلان (@m3tazraslan) December 29, 2022

وعلق صالح عموري قائد الفرقة 31 مشاة التابعة للجيش الوطني، “لن يقبل السوريون وأبناء الثورة أن تذهب تضحياتهم العظيمة التي قدموها خلال سنوات الثورة هباءً ولن تهدأ سوريا ولن يعود الأمان والاستقرار إليها قبل الخلاص من رأس الإرهاب في سوريا بشار الأسد وسيستمر كفاحنا في سبيل ذلك بعون الله ومدده”.

——————————–

أنقرة جاهزة لنقل سيطرة المناطق الخاضعة لها.. للنظام السوري

ذكر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده جاهزة لنقل السيطرة بمناطق وجودها في سوريا إلى سلطة النظام السوري، مؤكداً الخميس، على ضرورة تأمين عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، حسب لما ذكرته وكالة “الأناضول” الرسمية التركية.

وأتى ذلك في كلمة له، الخميس، بالعاصمة أنقرة، أثناء “اجتماع تقييم نهاية العام” الذي يتضمن فعاليات وزارة الخارجية التركية، مردفاً أن النظام السوري يرغب بعودة السوريين إلى بلادهم، زاعماً أنه “من المهم أن يتم ذلك بشكل إيجابي مع ضمان سلامتهم”.

وكان قد قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عقب لقائه نظيره السوري علي عباس ف موسكو الأربعاء، إن الاجتماع بحث “ما يمكن عمله لضمان التطور الإيجابي للوضع في سوريا والمنطقة في أسرع وقت ممكن، ولضمان السلام والهدوء والاستقرار”.

وتم خلال اللقاء الذي تواصل ساعتين في موسكو بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ومسؤولي الاستخبارات في الدول الثلاث (سوريا، تركيا، روسيا).

وأشار أكار ضمن تصريحات قبل مغادرته موسكو وعرضتها وسائل إعلام تركية صباح يوم الخميس: “من أهم القضايا التي أثرناها في الاجتماع مكافحة الإرهاب، أكدنا أننا نحترم سلامة أراضي وسيادة جميع جيراننا، خاصة سوريا والعراق، وأن هدفنا الوحيد هو محاربة الإرهاب وليس لدينا أي غرض آخر”.

وتابع: “ذكرنا أننا نهدف إلى تحييد أعضاء التنظيمات الإرهابية، مثل داعش وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، والتي تشكل أيضاً تهديداً لسوريا، قلنا إننا نبذل جهودًا لضمان أمن بلدنا وأمتنا وحدودنا، كما ذكرنا أننا نبذل جهودًا لمنع المزيد من الهجرة من سوريا إلى تركيا”.

وأكمل: “أكدنا على ضرورة حل المشكلة السورية بطريقة شاملة في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254، وبهذا المعنى، فإننا نعتبر أن الأعمال التي سيتم تنفيذها في الأيام المقبلة ستساهم بشكل جاد في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة وسوريا”.

وادعى أكار أنه اتفق مع نظيره السوري على مواصلة الاجتماعات الثلاثية، وأكمل: “نتمنى أن يأتي السلام والهدوء والاستقرار إلى المنطقة في أسرع وقت ممكن، لهذا سنواصل أداء واجباتنا كما فعلنا حتى الآن، وسنقدم المساهمات اللازمة”.

وضمن أول رد فعل من النظام السوري على الاجتماع، ذكرت وزارة دفاع النظام السوري، إن اللقاء الذي جمع وزير الدفاع علي محمود عباس، ومدير المخابرات العامة حسام لوقا، مع نظيريهما التركيين خلوصي أكار وهاكان فيدان بمشاركة الطرف الروسي كان “إيجابياً”.

وأردفت الوزارة أن اللقاء تناول مجموعة ملفات، وناقشت المحادثات سبل حل الأزمة السورية، وأهمية مواصلة الحوار لتحقيق الاستقرار، كما تم خلالها التطرق لمشكلة اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة في سوريا، تبعاً لما أفادت به وزارة الدفاع الروسية.

ليفانت-وكالات

—————————–

الإسلامي السوري” يعلّق على لقاء موسكو بوثيقة “المبادئ الخمسة

أصدر “المجلس الإسلامي السوري” بياناً علّق فيه على التطورات التي استجدت على صعيد علاقة تركيا بالنظام السوري، والتي تمثلت بعقد لقاء لأول مرة منذ أكثر من عقد على مستوى وزراء الدفاع في العاصمة الروسية موسكو.

وجاء بيان المجلس الذي نشر، اليوم الجمعة، ضمن دعوة أكدت على وثيقة “المبادئ الخمسة للثورة السورية”، والتي كان قد أطلقها في عام 2015.

وقال البيان: “فقد أخذنا على أنفسنا العهد ألا نكون شهود زور على مشاريع تصفية الثورة السورية، وإننا نرى دعوات التطبيع والمصالحة مع النظام المجرم تترى على قدم وساق فإننا نؤكد أن الموت ونحن نتجرع السم أهون ألف مرة من أن نصالح عصابة الإجرام التي دمرت سورية وأبادت أهلها”.

وأضاف المجلس: “إن مصالحة تلك العصابة تعني أن يموت شعبنا ذلاً وقهراً، وتعني بيع دماء الشهداء الذين مضوا وهم ينشدون كرامة سورية وعزّة أهلها”.

ودعا المجلس الإسلامي إلى الثبات على مطالب الثورة السورية، والتمسك بوثيقة المبادئ التي أصدرها من قبل.

ويعتبر بيان “الإسلامي السوري” الأول من جانب المؤسسات المحسوبة على المعارضة السورية، بعدما أعلنت تركيا والنظام السوري عقد لقاء في موسكو، ضم وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار ونظيره التابع لنظام الأسد، بالإضافة إلى رؤساء المخابرات.

وجاء اللقاء بعد سلسلة تصريحات رسمية أطلقها المسؤولون في أنقرة، على رأسهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إذ كرر مؤخراً عبارة: “لا استياء وخلاف أبدي في السياسة”.

———————–

لقاء موسكو” في الصحافة التركية: ماذا بحث الثلاثي على الطاولة؟

لم تتكشف الكثير من العناوين التي طرحت على طاولة “لقاء موسكو”، يوم الأربعاء، بين تركيا والنظام السوري، قياساً بأهميته من كونه محطة مفصلية على صعيد العلاقة المقطوعة بين الجانبين منذ أكثر من عقد، وما رشح خلال الساعات الماضية هو أن وزاراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات ناقشوا “مكافحة الإرهاب” و”ملف اللاجئين”.

وضم اللقاء وزراء الدفاع التركي، خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والتابع لنظام الأسد علي محمود عباس، بالإضافة إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة.

وقد اعتبر محطة ثانية من خارطة طريق كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قد كشف عنها خلال الأيام الماضية، وتتعلق بكيفية قيادة مسار الحوار مع النظام السوري في المرحلة المقبلة، أولاً بـ”لقاء الاستخبارات”، ومن ثم وزراء الدفاع، ليفتح الطريق بعد ذلك إلى لقاء وزاراء الخارجية، ومن ثم الرؤساء.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، وصف اللقاء الثلاثي بأنه “اجتماع مفيد”، وقبله قال بيان الدفاع التركية إنه عقد في “جوء بناء”، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة دفاع الأسد، التي أضافت أنه “كان إيجابياً”.

واعتبر جاويش أوغلو، الخميس أن “التواصل مع النظام مهم للتوصل إلى حل سياسي لسلام واستقرار دائمين، وهذه المشاركة مهمة من حيث المصالحة بين النظام والمعارضة المعتدلة على خارطة الطريق”.

وحول المرحلة الثانية من اللقاءات، أوضح جاويش أوغلو أنه “يجب التخطيط لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، لكن لا يوجد جدول زمني محدد لموعد الاجتماع”.

بدوره قال وزير الدفاع التركي، آكار للصحفيين بعدما أحدث الكشف عن اللقاء حالة ترقب ووجوم داخل الأوساط السورية إن أنقرة “لن تقدم على أي خطوة من شأنها أن تضع الإخوة السوريين في مأزق، سواء الذين يعيشون داخل بلادهم أو في تركيا”.

وأضاف، بخصوص اللقاء الثلاثي: “تبادلنا المعلومات والآراء حول مشكلة اللاجئين ومكافحة كافة التنظيمات الإرهابية في سورية”.

ماذا تقول الصحافة؟

ونشرت وسائل إعلام تركية، صباح اليوم الجمعة، عدداً من مقالات الرأي والتقارير لكتّاب استشرفوا فيه تفاصيل العلاقة بين أنقرة والنظام السوري في المرحلة المقبلة، بعدما أحدث الجانبان خرقاً باللقاء في موسكو.

وجاء في مقالة للكاتب محرم ساريكايا في موقع “خبر تورك” إنه “بعد 11 عاماً فإن الجلوس على نفس الطاولة على المستوى الوزاري والتحدث عن المشكلة خطوة مهمة، ومع ذلك، فإن كيفية ظهور الجزء الثاني مهمة ومعقدة بنفس القدر”.

وناقش ساريكايا سؤالاً يتعلق بـ”متى يعود السوريون”؟، ويقول: “لا توجد مشكلة في هذه المرحلة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، الذي يعد أحد الركائز الثلاث لاجتماع موسكو وينظر إليه على أنه العنصر الأكثر أهمية”.

من ناحية أخرى، “تشكل العلاقات الدبلوماسية الركيزة الثانية التي تعتمد على السرعة التي ستعمل بها آلية مكافحة الإرهاب”، وأضاف الكاتب أن “المرحلة الأخيرة ستكون منع الهجرة وتوفير العودة”.

ولكي يحدث كل هذا، فإن “خلو المنطقة من الصراع يعتمد على قدرة دمشق على السيطرة على حدود البلاد وأمنها، وهناك جزء آخر من العمل؛ الولايات المتحدة والدول الغربية”، حسب الكاتب.

من جانبه أشار الكاتب تشيتينر تشيتين في موقع “خبر تورك” إلى أن “الأطراف تمكنت من الوصول إلى نقطة مشتركة في 7 من 9 عناوين تتعلق بمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية”.

ويقول تشيتين: “على الرغم من أهمية حزب العمال الكردستاني بالنسبة لنا، فإن القتال ضد الجماعات المتطرفة مهم أيضاً للنظام السوري. لم يتم حتى الآن وضع خارطة طريق في هذا الصدد. لكن هناك نية مشتركة للحل. بالإضافة إلى ذلك، فإن حل قضية إدلب هو التحدي الأكبر في هذه العملية”.

ويضيف الكاتب نقلاً عن مصادر لم يسمها أن “الجانب التركي يريد على الطاولة وضع خارطة طريق لقنوات العودة الآمنة والكريمة للمواطنين السوريين، كما تمت مناقشة مقترح الجانب الروسي لتطبيق النموذجين اللبناني والأردني أو ما يماثلهما”.

كما أضاف أنه “من المتوقع إعادة 150 ألف سوري في العام المقبل، تحت سيطرة أجهزة المخابرات في الدول الثلاث”.

“قد تتغير المعادلة”

في غضون ذلك اعتبر الكاتب والباحث التركي المقرب من الحكومة، برهان الدين دوران في مقالة نشرتها صحيفة “صباح” أنه “من الواضح أن عملية التطبيع هذه، التي ما زالت في البداية، لها علاقة بأزمة أوكرانيا”.

ويقول: “منذ عام 2015، تمكنت أنقرة من الحفاظ على علاقتها مع موسكو في سياق التعاون والمنافسة. التنافس أولاً في سورية، ثم في ليبيا وكاراباخ”.

وأنقرة وموسكو، من ناحية، يعمقون تعاونهم في مجال الطاقة، ومن ناحية أخرى، يتحولون الآن إلى مستوى مختلف تماماً من التعاون في سورية.

ويضيف دوران: “إذا تمكنت روسيا، تحت ضغط حرب أوكرانيا، من إقناع إدارة الأسد بالدبلوماسية، فيمكن إجراء تحول جديد في المعادلة السورية”، معتبراً: “قد يكون لهذا التحول أثر في دفع الولايات المتحدة إلى تغيير سياستها في سورية (وحدات حماية الشعب)”.

———————————

أصداء “لقاء موسكو” في سورية: “لن نصالح” وبيانات فردية و”تصالحية

رغم أنه كان متوقعاً ومهّدت له الكثير من التصريحات إلا أن اللقاء الذي جمع مسؤولي أنقرة ونظام الأسد في العاصمة الروسية موسكو، أحدث حالة “صدمة وغضب” داخل أوساط الشارع الثوري في سورية، الأمر الذي دفع لإشعال مظاهرات شعبية انسحبت على عموم مناطق الشمال السوري.

وخرج المئات في هذه المظاهرات، عقب صلاة يوم الجمعة، وحمل فيها المحتجون لافتات مناهضة لنظام الأسد ولخطوات ومحاولات تعويمه، فيما رددوا شعارات أكدوا فيها على ثوابت الثورة السورية، مؤكدين بالقول: “لن نصالح النظام. سنستمر بالثورة حتى إسقاطه”.

وفي حين أن اللقاء الذي جمع وزيري دفاع تركيا ونظام الأسد خلوصي آكار وعلي محمود عباس ورؤساء استخبارات الجانبين ينظر له على أنه “خطوة في طريق الألف ميل”، فيما لم تعرف النتائج التي قد تتمخض عنه خلال المرحلة المقبلة، إلا أن كثير من السوريين ينظرون إلى ما حصل بعين “الريبة والتوجس”، من زاوية أن الأمر “يصب في صالح بشار الأسد بشكل أو بآخر”، وهو المعزول دولياً منذ سنوات.

وتشير معظم تصريحات المسؤولين الأتراك عقب “لقاء موسكو” إلى أنهم يستهدفون بشكل أساسي “مكافحة الإرهاب وبحث ملف اللاجئين”، بينما قال أكار في تصريح منفصل له يوم الخميس إنهم أكدوا خلال الاجتماع مع مسؤولي النظام على “ضرورة حل جميع العناصر في المشكلة السورية بطريقة شاملة في إطار قرار مجلس الأمن الدولي حول سورية 2254”.

    مظاهرات حاشدة في عدة مدن في الشمال السوري في جمعة “نموت ولا نصالح الأسد” رفضاً للتطبيع مع نظام الأسد#سوريا#الثورة_السورية_مستمرة#انتفضوا_لنعيد_سيرتها_الأولى pic.twitter.com/lTJQ1xUWj3

    — خزامى السعيد (@BYc9Bu53CUemiUP) December 30, 2022

وكان لافتاً أن الأجسام السياسية الرسمية في المعارضة لم تصدر أي تعليق رسمي حتى ساعة إعداد هذا التقارير، ومن بينها “الائتلاف الوطني السوري”، “الحكومة السورية المؤقتة”، ز”هيئة التفاوض السورية”.

وكذلك الأمر بالنسبة لتحالف “الجيش الوطني السوري” الذي تدعمه أنقرة في ريف حلب الشمالي، فيما اتجه قادة وعناصر فيه للتعبير عن رفضهم لأي محاولة تطبيع أو مصالحة، عبر حساباتهم في موقع التواصل “تويتر”، بعدما نشر “المجلس الإسلامي السوري” بياناً غاضباً من لقاء موسكو.

    Azaz – A popular volcano rejects reconciliation and restores the spirit of the revolution#azaz #syria pic.twitter.com/H6XAP3lo2Y

    — IZZ ALDIN ALQASEM (@azaldenalkasem1) December 30, 2022

“بيانات فردية”

وحمل بيان “الإسلامي السوري” نبرة انتقاد ورفض لأي محاولة تطبيع أو مصالحة مع النظام، وجاء فيه إن “مصالحة تلك العصابة تعني أن يموت شعبنا ذلاً وقهراً، وتعني بيع دماء الشهداء الذين مضوا وهم ينشدون كرامة سورية وعزّة أهلها”.

ودعا “المجلس الإسلامي” إلى الثبات على مطالب الثورة السورية، والتمسك بوثيقة المبادئ الخمسة التي أصدرها من قبل، والتي تؤكد على ضرورة “إسقاط بشار الأسد وكافة أركان نظامه وتقديمهم للمحاكمة العادلة”، و”تفكيك أجهزة القمع الاستخباراتية والعسكرية، وبناء أجهزة أمنية وعسكرية على أسس وطنية نزيهة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة الأخرى”.

    #بيان #المجلس_الإسلامي_السوري حول الثبات على المبادئ

    للاطلاع: https://t.co/Y5aWUFDK4P pic.twitter.com/WBu89iEyoV

    — المجلس الإسلامي السوري (@syrian_ic) December 29, 2022

من جانبها قالت “حركة سوريا الأم”، إنها تلقت ببالغ القلق “أنباء التّحرّكات غير المسبوقة للجارة تركيا للانفتاح على النظام”، ظنّاً منها أن حل مشكلاتها المحقة في حماية أمنها القوميّ ومحاربة الإرهاب والحركات الانفصاليّة التي تنشط في سوريا يكمن في التعاون مع النظام.

وعبرت الحركة التي يرأسها الشيخ معاذ الخطيب عن رفضها بشدة أي “نهجٍ من شأنه تعويم نظام متهالك غير قادرٍ على تأمين الحاجات الأساسية للسوريّين في المناطق التي تخضع لسيطرته أصلاً”.

    بيان حول الاجتماعات التركية مع النظام https://t.co/u8phdzgijd

    — أحمد معاذ الخطيب (@Mouaz_AlKhatib) December 30, 2022

كما أصدر اتحاد “إعلاميي حلب وريفها” بياناً جاء فيه أنه “بعد قرابة 12 عاماً من انطلاق الثورة السورية وبعد ما قدمه الشعب من تضحيات نتفاجأ بتصريحات من الحكومة التركية ليست الأولى من نوعها عن تقارب سياسي مع نظام الأسد قاتل السوريين بالكيماوي وكل الأسلحة المحرمة دولياً”.

وأضاف الاتحاد في بيانه أن هناك “محاولات لإعادة تعويم النظام في الساحة الدولية رغم كل تلك المجازر والجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري لمجرد مطالبته بالحرية”.

    #بيان للرأي العام#اتحاد_إعلاميي_حلب_وريفها

    ⁧#انتفضوا_لنعيد_سيرتها_الأولى⁩ pic.twitter.com/VuRPl6ksDg

    — اتحاد إعلاميي حلب وريفها (@aleppomu) December 29, 2022

“تهدد حياة الملايين”

في غضون ذلك أعلنت “حكومة الإنقاذ” في إدلب أنها “ترفض وتستنكر أن يُقرر مصير الثورة السورية بعيداً عن أهلها، لأجل خدمة مصالح دولة ما أو استحقاقات سياسية تتناقض مع أهدافها”.

واعتبرت الحكومة أن “لقاءات ومشاورات تركيا مع النظام تهدد حياة الملايين من الشعب السوري”.

في المقابل كتب حسام ياسين قائد الفيلق الثالث في “الجيش الوطني” من ريف حلب: “سورية لن تنعم بالاستقرار والقضاء على الإرهاب والمحافظة على وحدة ترابها وضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين إلا بتنفيذ القرارات الأممية، وتحقيق الانتقال السياسي الكامل ورحيل نظام الأسد”.

    سورية لن تنعم بالاستقرار والقضاء على الإرهاب والمحافظة على وحدة ترابها وضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين إلا بتنفيذ القرارات الأممية وتحقيق الانتقال السياسي الكامل ورحيل نظام الأسد

    — حسام ياسين (@Aboyasinsahm) December 30, 2022

وقال القائد العام للفيلق الأول في “الجيش الوطني”، العميد معتز رسلان: “ثورتنا ثورة حرية وكرامة وهدفنا إسقاط النظام السوري المجرم وحماية أهلنا والنصر لنا بإذن الله ثورة حتى النصر”.

    ثورتنا ثورة حرية وكرامة وهدفنا اسقاط النظام السوري المجرم وحماية اهلنا والنصر لنا باذن الله # ثورة حتى النصر #

    — العميد الركن معتز رسلان (@m3tazraslan) December 29, 2022

“نبرة تصالحية”

ولم يعلّق النظام كثيراً على لقاءه الأول منذ أكثر من عقد مع الجانب التركي، إذ اكتفى ببيان نشرته وزارة دفاعه بعد ساعات من الإعلان عن اللقاء، واعتبرت أنه كان “إيجابياً”.

من جهته اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الخميس أن “التواصل مع النظام مهم للتوصل إلى حل سياسي لسلام واستقرار دائمين، وهذه المشاركة مهمة من حيث المصالحة بين النظام والمعارضة المعتدلة على خارطة الطريق”.

وما كان لافتاً ضمن جملة ردود الأفعال البيان الذي أصدره “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، وهو الذراع السياسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال وشرق سورية، والتي تشير كل التقديرات إلى أنها ستكون الجهة المستهدفة، في حال تم التوصل إلى أي اتفاق بين أنقرة والنظام السوري.

وحمل بيان “مسد” نبرة تصالحية مع “قوى الثورة”، وجاء فيه: “إننا في مجلس سوريا الديمقراطية نعلن أن يدنا ممدودة و عقولنا منفتحة وأراضينا مرحبة بكل سوري حر يرى أن مستقبل سورية وحرية شعبها تحوز الأولوية القصوى على كل ما عداها”.

وتابع: “وأن لا مصلحة ولا حق فوق مصلحة وحق الشعب السوري، وندعو لمواجهة هذا التحالف وإسقاطه، وإلى توحيد قوى الثورة والمعارضة بوجه الاستبداد وبائعي الدم السوري على مذبح مصالحهم”.

وفي السابق كان نادراً ما يستخدم “مسد” مصطلحات من قبيل: “قوى الثورة والمعارضة” وأخرى تتعلق بمبادئ الثورة السورية بالتحديد، فيما كان قد أعلن في أوقات متفرقة خلال السنوات الماضية أنه يسير بخطوات “حوار” مع نظام الأسد، دون أن تتكلل بأي نتائج حتى الآن.

———————————

بيان من حركة سورية الأم حول الاجتماعات التركية مع النظام  السوري

ترقب حركة سورية الأمّ ببالغ القلق أنباء التّحرّكات غير المسبوقة للجارة تركيا للانفتاح على نظام الأسد، ظنّاً منها أنّ حلّ مشاكلها المحقّة في حماية أمنها القوميّ ومحاربة الإرهاب والحركات الانفصاليّة التي تنشط في سورية يكمن في التّعاون مع النّظام.

 ونحن هنا إذ نرفض بشدّة أيّ نهجٍ من شأنه تعويم نظام متهالك غير قادرٍ على تأمين الحاجات الأساسيّة للسوريّين في المناطق التي تخضع لسيطرته أصلاً، فإننا نذكّر الصدّيقة تركيا بأنّ نظام الأسد هو الأبُ الرّوحي للإرهاب، وبأنّ هذه الحركات خرجت من رحمه وهي صنيعة أجهزة استخباراته.

ولذا فإنّنا نهيب بدولة قدّمت الكثير وماتزال للشعب السّوريّ المكلوم مراعاةَ المصالح التّركية في عدم العمل مع ذات النّظام الذي سبّب كلّ هذه الأزمات لأنّ استمرار وجوده يعني استمرارها بالضّرورة، ومراعاة مصالح ومشاعر ملايين السّوريين من الضّحايا، لأنّ فقدان الأمل في تحقيق العدالة سيدفع إلى اليأس الذي لا بدّ وأنه سيفضي إلى ما لا تٌحمد عقباه، وإلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار لتركيا ولدول المنطقة. 

إنّ هدف النّظام من هذه الاجتماعات ليس التّخليّ عن الأدوات التي اتّخذها مطيّة لابتزاز تركيّا والشّعب السوريّ، بل هو إرسال رسالة للسوريّين بأنّ الجميع سيرضخ لابتزازه بنهاية المطاف، والهروب من الأزمات التي تعصف به عن طريق إعطاء المزيد من الآمال الزّائفة لحاضنته التي تئنّ تحت وطأة الدّمار الذي ألحقه بالاقتصاد السّوريّ.

وإذ تؤكد الحركة على تمسّكها بالقرارات الدّوليّة الدّاعية لتحقيق انتقال سياسيّ في سورية حلّاً وحيداً لأزمتها، فإنّها تذكّر بأنّ أيّ عودة اللاجئين مرفوضة جملة وتفصيلاً ما لم تكن آمنة وطوعيّة، و بأنّ الشّعب الذي قدم أكثر من مليون شهيد لن يتخلى عن مطلبه حتى تتحقّق له الكرامة موفورة على أرضه.

٥ جمادى الثاني ١٤٤٤ هجرية / ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٢م

—————————–

ماتم الأتفاق عليه في اللقاء السوري التركي الروسي ..!

الدكتور رائد الحلبي – موسكو

تم إحراز إختراق جوهري في المباحثات ، والنظام لم يعد لدية أي وقت للمراوغة، وفي بداية العام القادم سنشهد لقاء وزراء خارجية سوريا وتركيا أي الأخراج للسيناريو أصبح بمراحلة الأخيرة بعد التواصل الأمني لمدة 6 شهور ، والذي أفضى لترتيب لقاء وزراء الدفاع وتم العمل عليه لمدة 3 أشهر ، وبعدها سيتم اللقاء أيضا على مستوى الرؤساء قبل شهر السادس من 2023.

 وبشكل عملي تم الاتفاق على الخطوات التي سيتم اتخاذها على الأرض مباشرة وبشكل عاجل جدا.

– تم وضع خارطة طريق لعمل كل طرف بشكل محدد.

– ضمن هذه الخريطة، إعادة تموضع بعض القوات السورية والتركية وفتح بعض الطرق وتسيير دوريات مشتركة، والأتفاق على عودة اللاجئين، وتسوية وضع بعض التنظيمات المسلحة، وأن تكون هذه المساعي مشتركة على الأرض السورية لإيجاد صيغة لتسوية أوضاعهم، وعدم أنفراد طرف بهذا الأتجاه !

– تطويق الجماعات المسلحة الغيرمسيطر عليها وذكرت ذلك قبل عام تقريبا.

– تعزيز نظام التهدئة .

– خطوات ستساعد سوريا على تجاوز الأزمة الأقتصادية التي تعاني منها.

– طرح حلول لأزمة الللاجئين ، وعودة اللاجئين الطوعية بالدرجة الأولى.

– تحديد مناطق جديدة لبناء سكن لعودة الللاجئين.

– حرس الحدود السوري سيستلم كل المعابر مع الوقت !

– لاتقسيم للأراضي السورية

————————-

الإدارة الذاتية” تحذر من أي تفاهمات بين النظام السوري وتركيا على حسابها/ وسام سليم

اعتبرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية أن اللقاء الثلاثي الذي عقد يوم الأربعاء في العاصمة الروسية موسكو بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري “لا يخدم الشعب السوري”، وطالبت في الوقت ذاته بكشف تفاصيل اللقاء الثلاثي.

وقال بدران جيا كرد، الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، إن اللقاء “يأتي في سياق الحفاظ على المصالح الروسية التركية أكثر من السورية”.

واعتبر كرد أن هذه اللقاءات “عبارة عن محاولات وجهود لترسيخ أقدام الرئيس التركي وحزبه في السلطة عشية الانتخابات المقبلة”، وقال إن أردوغان “سيستخدم كافة أوراقه في سبيل بقائه في السلطة، ما يؤدي لاستمرار سياساته المُعادية المتمثلة في القتل والتدمير والإبادة للكرد وشعوب المنطقة”، بحسب ما نشر موقع الإدارة الذاتية الخميس.

وتوقع أن هذه اللقاءات “ستتطوّر إلى مرحلة جديدة من الصفقات والخُطط المعادية لمصالح الشعب السوري بكافّة مكوناته، وفي المقدمة ضرب مكتسبات شعوب شمال وشرق سورية، وبذل مزيد من الجهود لإحياء اتفاقية أضنة التي كانت مُجحفة جائرة بحق شعوب المنطقة”.

أمّا بخصوص القضايا التي جرت مناقشتها خلال اللقاء حول مكافحة الإرهاب وقضية اللاجئين والحل السياسي والاستقرار، فقال كرد: “نرى أن المرحلة القادمة ستكون متوترة أكثر نتيجة هذه التفاهمات، حيث ستدفع المنطقة نحو المزيد من التصعيد والتوتّر وانتعاش المجموعات الإرهابية المتطرفة، والتفاف كامل لكل الجهود الدولية والمحلية المتعلقة بالمحادثات والحوار من أجل الحل”.

وحذر المسؤول الكردي من أن تجر تركيا النظام السوري وتشاركه في خططها “التدميرية” تجاه شمال وشرق سورية، وقال إن حصل ذلك “فسيكون خطراً كبيراً على الجميع، ويدفع المنطقة إلى فوضى شاملة ويُعيد الصراع السوري إلى المربع الأول”.

كما طالب في الوقت ذاته بشكل رسمي روسيا والنظام السوري بكشف فحوى هذه اللقاءات الأمنية والعسكرية، وحذر من أي اتفاق على حساب المصلحة الوطنية السورية، وقال: “إن حصل، فستصطدم كل تلك التفاهمات بموقف وإرادة السوريين الرافضة بشكل كامل”.

من جانبه، قال سيهانوك ديبو، عضو الهيئة التنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن هذا اللقاء “لا يخدم القضية السورية، بل سيعقد الأمور نحو المزيد من الانسداد، ويزيد الانسداد والتأزيم الحالي”.

وأضاف: “اللقاء يخدم أجندة تركية خاصة متعلقة بإبقاء أردوغان في الحكم، وكذلك حزبه. وهذا يعني دوام احتلال تركيا مناطق من سورية. وتصريح وزير خارجية تركيا الأخير يؤكد أن احتلالهم مستمر”.

كما أكد ديبو أن “الإدارة الذاتية” مع كل علاقة “تنطلق من إرادة الشعوب، وتعزز السلام والأمن، بعكس مقاربة أنقرة على أساس مشروع العثمانية الجديدة”. معتبرا أن ما تفعله أنقرة أو تعلنه من طريق للتطبيع مع دول الجوار هي “مسألة مؤقتة ومادة انتخابية تنتهي مع حلول الانتخابات التركية القادمة”.

 كما أنها محاولة قصوى ضد حل الأزمة السورية وفق القرار الدولي 2254، الذي ترجمته الفعلية أو الترجمة الواقعية له “نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية نموذجا فعالا ضد الإرهاب التي غذته وتورطت فيه أنقرة إلى اللحظة، وفي الوقت نفسه، بديل نظام الاستبداد المركزي”.

وختم بالقول: “كان من الأولى على موسكو رعاية حوار حقيقي بين الإدارة الذاتية وأطراف وطنية معارضة أخرى من طرف والسلطة في دمشق. رغم ذلك، نجد أن حجم التناقضات باتت كبيرة، وأكبر بكثير من رغبة معينة تحاول تسجيل نقاط لصالح أجندتها المباعدة لإرادة السوريين وتطلعاتهم المشروعة في التحول والتغيير الديمقراطي”.

وكانت صحيفة “خبر تورك” التركية قد كشفت، الخميس، أن اللقاء الوزاري الأمني الذي عقد في موسكو أمس، وجمع روسيا وتركيا والنظام السوري، تناول مسألتي عودة اللاجئين و”حزب العمال الكردستاني”.

ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها ” توصلت تركيا وروسيا والنظام إلى نقاط مشتركة في 7 عناوين، تتعلق بمسألة التنظيمات المسلحة وحزب العمال، من أصل 9 عناوين”.

—————————–

==================

تحديث 01 كانون الثاني 2023

———————-

تركيا والخسارة السورية:الكسب السريع يستبدل الاستثمار البعيد!/ العقيد عبد الجبار العكيدي

ربما كان صحيحاً أن اللقاء الذي جمع وزراء دفاع كل من تركيا وروسيا ونظام الأسد الأربعاء، كان مباغتاً، لكن فقط من حيث التوقيت، فهو لم يكن وليد ساعته، بل جاء نتيجة للقاءات تمهيدية بدأت بطابع أمني بين رؤساء أجهزة الاستخبارات، ثم مرّت بمحطة تقنية تمثلت بلقاء وفود من الجانبين، تردد الحديث عن مشاركة قادة فصائل عسكرية محسوبة على الثورة موالية لتركيا فيها في معبر كسب، ثم تُوجت بلقاء وزاري رفيع المستوى أخيراً.

لعل هذا التسلسل في اللقاءات المتعاقبة يوجب على المرء أن يتجاوز الكثير من التكهنات التي حاولت اختزال التقارب التركي الأسدي بالاستحقاق الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، لكن يبدو من المهم الإشارة إلى أن تركيا باتت عازمة، ليس على مجرد استدارة محدودة الأفق مع نظام الأسد، بل هي ماضية في انفتاح متعدد المجالات، وهذا ما أفصح عنه اللقاء الثلاثي الأخير في موسكو.

شملت الموضوعات المطروحة في الاجتماع الجانب التجاري والأمني فضلاً عن إعادة اللاجئين السوريين، وهذا بالطبع لا يمنع من أن يكون الاستحقاق الانتخابي المقبل دافعاً بارزاً في هذه الانعطافة التركية، ليس من خلال سحب ورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة التركية فحسب، بل حافزاً لكسب أصوات العلويين الأتراك الذين ينظرون بعين الرضا إلى أي تقارب تركي مع نظام الأسد.

لعل اللافت في الأمر هو السلاسة التي تجدها حكومة أنقرة في استدارتها السياسية نحو نظام دمشق دون أن يكون لارتباطاتها المتينة مع المعارضة السورية أية موانع، بل يمكن التأكيد على أن موقف المعارضة السورية الرسمية لم يكن يحتل أيّ حيّز في مجمل التفاهمات البينية، سواء بين روسيا وتركيا أو بين تركيا وإيران. ولم يكن هذا الانزياح للدور السوري المفترض أمراً مرتبطاً بقرار تركي مفاجئ، بقدر ما جاء عبر سيرورة استطاعت أنقرة من خلالها ترويض المعارضة السورية واحتواءها، ومن ثم استثمارها بغية حصر دورها في جانب وظيفي محدد لا يمكن لها أن تتجاوزه.

وهكذا كان مسار أستانة عبارة عن إطار للتفاهمات الروسية التركية ليس على الجغرافية السورية فحسب بل في أماكن أخرى من العالم، ولكن ما لا يمكن لتركيا أن تتجاهله هو أن قدرتها على احتواء المعارضة السورية والسيطرة عليها وتطويعها لخدمة مصالحها، لا تعني أبداً القدرة ذاتها على احتواء ومصادرة موقف عموم السوريين المناهضين للأسد، ولعل هذا أهم مباعث انزعاج الحكومة التركية من الحراك الشعبي الذي اندلع كالبركان في كافة مدن وبلدات الشمال السوري تمايزاً عن الموقف التركي بخصوص نظام الأسد، وتأكيداً في الوقت ذاته على الرفض المطلق لأي تراجع عن ثوابت الثورة التي ترى في زوال نظام الأسد مدخلاً أساسياً لحل القضية السورية، كما يتوجب على أنقرة أن تدرك أن تلك المعارضة المنقادة لها بسلاسة مطلقة  باتت في أعين السوريين لا تختلف كثيراً عن نظام الأسد، من حيث أنها باتت جزءاً من المشكلة ولا تصلح أن تكون حاملة لمشروع الثورة.

ولعل من قائل إن من حق تركيا رسم سياساتها وبناء علاقاتها وفق ما تقتضيه مصالحها السياسية والاقتصادية، الداخلية منها والخارجية، وليس للسوريين الحق في الاعتراض عليها، وهذا صحيح لو لم يكن التحول في السياسة التركية يمسّ جوهر القضية السورية في الصميم، والتي بات السوريون متأكدون من تخلي الحلفاء والأصدقاء عن نصرتها، والتسابق لكسب ود أكبر مجرم وقاتل في التاريخ والتطبيع معه، وهذا ما عبر عنه الحراك الثوري الصادق بشكل جلي وواضح الجمعة، ليُسمع صوته للعالم اجمع.

الغريب لكن غير المستغرب أنه ورغم هذا الغليان الشعبي والبركان الهائج رفضاً لما جرى، بقيت هياكل المعارضة الرسمية بشقيها السياسي والعسكري، المصنعة والمدجنة من قبل أجهزة استخبارات الدول النافذة في الملف السورية، عاجزة عن مواكبة الشارع الثوري والتعبير عن أهدافه بإسقاط حكم الاستبداد وبناء دولة العدالة والقانون.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل التفاهمات التركية-الروسية، إضافة إلى تماهي المعارضة السورية مع الموقف التركي يُعدّ أمراً كافياً وضامناً لتحقيق المصالح التركية في سوريل؟

لعله من البدهي القول إن ما تريده أنقرة من دمشق أولاً يتجسّد بضمانات يقدمها نظام الأسد بإبعاد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن حدودها، أو تقويض مشروعها، فهل بوسع نظام الأسد تحقيق هذا المطلب التركي؟ وهل يجرؤ نظام الأسد وحليفه الروسي على الاقتراب من أماكن سيطرة قسد طالما أنها تحت المظلة الأميركية؟

ثم إن كانت أنقرة تأمل في أن تكون سوريا رئة عبور للاقتصاد والتجارة التركية نحو الأردن وبلدان الخليج العربي، فهل سيتحقق ذلك في ظل العقوبات الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة على نظام دمشق؟

قد يكون صحيحاً أن واشنطن لا تزال تنأى بنفسها عن الانخراط المباشر والعميق في المشكلة السورية، إلّا أنها في الوقت ذاته قادرة على تعطيل أي مشروع لا يتوافق مع مصالحها أو توجهاتها، ويكفي الإشارة إلى أنها تضع يدها على القسم الأهم من الجغرافية السورية، بل هي من تسيطر سيطرة مباشرة على الغلة الاقتصادية السورية، ونعني بذلك قطّاع المنتوجات الزراعية وقطاع النفط، وبالتالي ألا يمكن أن يكون الجموح التركي نحو نظام متهالك وضالع في الإجرام ومنبوذ دولياً وإقليمياً ينطوي على جانب كبير من المغامرة ليس بمكاسب مادية فحسب، بل بجانب أخلاقي وقيمي كان موضع اعتبار في يوم ما، من جانب الشعب السوري؟

بكل صراحة إن الحسابات التركية في انعطافتها نحو نظام الأسد تبدو حسابات ربحية تبحث عن الكسب السريع، وليست حسابات استثمارية تبنى على استراتيجية المكاسب الكبيرة، المادية والسياسية والأخلاقية في الوقت نفسه، وهي الاستراتيجية التي كانت تمضي بصعوبة لكن بثبات ونجاح في سوريا وغير سوريا، لولا انتصار ضغط الحملة الانتخابية على كل ما عداه، ولهذا ثمن بطبيعة الحال.

المدن

—————————

معارضة سورية على القياس التركي/ حسام كنفاني

في الأيام الأولى للثورة السورية التي اندلعت في عام 2011، بثت قناة سما الموالية مشهداً لتظاهرات في دمشق، وقالت إنها “مسيرة ابتهاج بهطول المطر”. اليوم، وبعد مرور 12 عاماً على الثورة، يسير الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على النهج نفسه في وصفه التظاهرات العارمة التي عمّت الشمال السوري رفضاً للتطبيع المرتقب بين تركيا والنظام السوري، وما يمكن أن يعكسه ذلك على وضع اللاجئين السوريين، سواء في تركيا أو في المناطق التي تسمّى “محرّرة”.

لم يكتف الائتلاف السوري بالصمت التام على ما يشهده ملف العلاقة بين تركيا والنظام السوري، بل حتى تجنّب الإشارة إلى الأمر في تعاطيه مع التظاهرات في الشمال السوري، إذ جاءت تغريدته عنها خالية من أي ذكر للسبب الحقيقي لهذا المشهد الغاضب، قائلاً “مظاهرات حاشدة تعم المدن المحرّرة (#إدلب، #الأتارب، #أعزاز، دارة عزة، #الراعي، #مارع، #عفرين، #الباب، #تل_أبيض، #جرابلس، #جاسم في #درعا، وبلدات أخرى) تؤكّد ثوابت الثورة السورية بإسقاط النظام والانتقال السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي”.

يؤكد هذا اللاموقف الذي أصدره الائتلاف السوري المعارض كل ما يقوله المعارضون السوريون إن هذه الهيئة، وغيرها من الهيئات “الرسمية”، والتي يفترض أنها تمثل المعارضة، باتت منتهية، ولم تعد سوى واجهة تستخدمها القوى السياسية المؤثرة في سورية، وفي مقدمتها تركيا. ولعل تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بعد اجتماع موسكو الذي ضم وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، مع نظيره السوري، علي محمود عباس، ورؤساء الاستخبارات في البلدين، بالإضافة إلى رئيس الاستخبارات الروسي، خير دليل على أن هذه الهيئات لم يعد هناك أي داعٍ لوجودها. قال جاويش أوغلو في تعليقه على اللقاء إن “عدداً قليلاً جداً من الجماعات المعارضة في سورية، نظراً إلى مصالحها الخاصة، ردّت على الخطوات التي اتخذتها تركيا في ما يتعلق بسورية، لكن لم يكن هناك أي ردة فعل من ممثلي المعارضة السورية”.

في نظر أنقرة، لا وجود للمعارضة السورية خارج الأطر الأربعة التي تدور في الفلك التركي، متمثلة بالائتلاف والجيش الوطني السوري والهيئة العليا للمفازضات واللجنة الدستورية. وقد التزمت هذه الأطر الصمت التام تجاه الخطوات التركية الهادفة عملياً إلى تصفية ما تبقى من الثورة السورية. لكن هذا لا يبدو أنه يعني هذه الهيئات بشيء، بما أن الوزير التركي أبدى أن بلاده “ضامنة للمعارضة السورية”، والمعنى هنا لا يخرُج عن هذه الهيئات، والتي يبدو أن المفاوض التركي يدخل أفرادها في حسابات تواصله مع الجانب السوري.

ليس هذا الصمت على الممارسات التركية جديداً على هذه المعارضة، المفترض أنها تمثل “الثورة السورية”، لكنها تجاهلت كل الممارسات التي تقوم بها السلطات التركية ضد اللاجئين في البلاد، وفي مقدمتها عمليات الترحيل القسري المستمرّة والمتصاعدة. ولم يعد الأمر مقتصراً على التوقيف الاعتباطي الذي كان يحصل سابقاً، خصوصاً عند محاولات تجديد بطاقات الحماية المؤقتة، بل تطوّر ليصل إلى حد اقتحام المنازل وترحيل عائلاتٍ بأكملها إلى مناطق ليست آمنة، على عكس ما تسعى أنقرة إلى ترويجه.

من حقّ السوريين اليوم في تركيا، وفي الشمال السوري، أن يشعروا بالقلق من تحولات السياسة التركية، خصوصاً في وجود معارضة متماهية إلى حد كبير مع أنقرة وتوجهاتها. قلق له ما يبرّره، لا سيما أن للنظام التركي سوابق في التعامل مع معارضين كان يحتويهم، ثم انقلب عليهم، على غرار ما حدث مع معارضين مصريين كانوا في تركيا، إذ لم ينتظر المصالحة الكاملة مع النظام المصري، بل استبقها لإسكات المعارضين وإغلاق قنواتهم. وإذا كان “الائتلاف” وغيره يظنون أن مصيرهم سيكون مختلفاً، فهم بالتأكيد مخطئون.

العربي الجديد

———————–

هل سيظفر الأسد بآخر ثمار أستانا؟/ حسن النيفي

يوجسُ الكثير من السوريين خيفةً كلّما توضّحت معالم التقارب التركي الأسدي، ليقينهم بأن إحياء أي قناة تواصل مع سفّاح سوريا لن تكون إلّا على حساب قضيتهم، وبالتالي فإن أي امتياز سيحصل عليه العائدون إلى الأسد سواء أكانت تركيا أو سواها، فلن يكون سوى امتيازٍ في تعزيز مأساتهم واستمرارها، وربما كان أكثر المتوجسين من هذا التقارب هم اللاجئون السوريون في تركيا، وهم الأكثر عدداً قياساً إلى اللاجئين السوريين في دول الجوار الأخرى ( 4 ملايين لاجئ)، وكذلك السوريون الذين يقيمون في مدن ومناطق الشمال السوري من إدلب وحتى عفرين، بما فيهم المقيمون في المخيمات الداخلية، ويتجاوز عدد هؤلاء أكثر من مليونين ونصف من المواطنين.

لعل معظم هؤلاء اللاجئين الذين توافدوا إلى تلك المناطق من غرب سوريا وشرقها وشمالها وجنوبها، قد وطئوا تلك الديار إمّا تحاشياً لبراميل الأسد ومخابراته وشبيحته، أو فراراً من بطش داعش ومشتقاتها الظلامية والطائفية، وربما اعتقدوا أن المظلة التركية سوف تمنحهم بعض الأمان لأرواحهم وعائلاتهم، ولكنّ قليلاً منهم من مال إلى الظن بأن الدولة التركية ستكون الوكيل المطلق الذي يحوز كافة الصلاحيات بالتحكّم بمصير قضيتهم والتصرّف في مفاصل مصير السوريين وفقاً لما يخدم المصالح التركية، علماً أن واجب العرفان يقتضي التنويه بالدور الإنساني الكبير الذي جسّدته الدولة التركية حيال اللاجئين السوريين، إذ إنها ليست الدولة الأكثر استقبالاً للسوريين فحسب، بل إن التسهيلات التي قدمتها حكومة أنقرة أمام الوافدين السوريين إلى أراضيها لم تقدمها أية دولة أخرى. ولكن الوازع الإنساني هو كلٌّ متكامل لا يمكن تجزئته أو إخضاعه للحاجة والمصلحة، وإلّا أصبح ضرباً من الابتزاز والاستثمار، إذ لا يمكن أن يُقايَض الإحسانُ بتخلّي الشعوب عن حقها في الحرية والكرامة.

 وعلى أية حال، مهما بلغ استياء السوريين المناهضين للأسد وسخطهم على خطوات التطبيع التركية مع نظام الأسد، فإن هذا السخط، وكذلك الرفض المتراكم للسياسة التركية حيال القضية السورية قد بدت ملامحه بالتبلور منذ مطلع العام 2017، وعلى أعقاب سقوط حلب الشرقية بيد النظام وحلفائه، ومن ثم مع بدء مسار أستانا الذي أظهر خلال سيرورته كاملةً أن قضية السوريين لم تعد سوى ورقة تتقاذفها الدول الثلاث – روسيا وتركيا وإيران – وكل طرف يحاول تسطير ما يريده من الطرف الآخر عليها، إلى أن تشابكت فيها الخطوط والمصالح وغابت عنها ملامحها السورية غياباً كاملاً، ويمكن التأكيد على أن معالم الخراب بدأت تتوالى موازاة مع الترجمة الفعلية للقاءات أستانا، إذ إن سيناريو اجتياح حلب قد أخذ يتكرر في الغوطة الشرقية والقلمون ودرعا، من خلال الخديعة التي أُطلق عليها (مناطق خفض التصعيد)، ثم توالى المشهد ذاته في شباط من العام 2020، حين اجتاح النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون معرة النعمان وسراقب وخان شيخون وكفرنبل وجزءًا من الريف الغربي لحلب، ما أفضى إلى نزوح أكثر من مئتي ألف مواطن تجاه المخيمات أو في العراء.

كل ذلك كان يجري تحت مظلة أستانا وبتوافق تام بين الدول الراعية لهذا المسار، ربما وحدهم السوريون المناهضون للأسد الذين كان يقاومون لكن بحرقة قلوبهم ودخان حسراتهم فحسب، إذ ثمة من كان كابحاً لتطلعاتهم وقاهراً لأمانيهم على الدوام، وأعني بذلك الكيانات الرسمية للمعارضة (الائتلاف – هيئة التفاوض – ومن ثم اللجنة الدستورية)، تلك هي الكيانات التي كانت أكثر تحدّياً لإرادة أعداء الأسد من السوريين، حين قدّمت نفسها كقيادة لثورة السوريين وممثلة لهم في المحافل الدولية، ولكنها كانت الأدوات الأكثر طواعية وانصياعاً بيد الآخر، بل أبدت حماساً عارماً وشهوةً منقطعة النظير للمزيد من الارتهان الذي أفضى بها إلى أن تكون صاحبة دور وظيفي حرصت أشدّ الحرص على الإخلاص له والعمل وفق مقتضياته، وها هي اليوم تقف صامتةً، بل مُذعنةً أمام ما يجري دون أن تبدي أي اعتراض على ما يجري بحسب تعبير وزير الخارجية التركي.

لعل المفارقة الأشدّ إيلاماً والتي لا يدركها الأتراك أو أنهم لا يدركون مدلولها الجوهري، هي أن السوريين الثائرين بوجه الطغمة الأسدية لا يمكن اختزالهم بالكيانات الوظيفية كالائتلاف ومشتقاته، إذ إن تلك الكيانات المصطنعة التي فُرضت على السوريين وباتت عبئاً على القضية السورية هي في الأصل لم تكن حاملاً حقيقياً لمشروع الثورة والتغيير بقدر ما كانت قدرتها محدودة على حمل الأدوار الوظيفية المنوطة بها فحسب، وبالتالي لم تنطلق من مقدمات تتأسس على مواجهة جذرية مع الطغمة الحاكمة في دمشق بقدر ما هي متمسّكة بدور لها في إدارة الأزمة لا أكثر، فضلاً عن أن هذا الدور لا يتعدّى الامتثال لما تمليه الجهات الخارجية، في حين أن المواجهة بين الثوار السوريين وحاكم دمشق هي مواجهة وجودية وليست صراعاً سياسياً يمكن حلّه بتنازلات متبادلة من الطرفين، ومن هنا تبدو الفروق كبيرةً بين الوهم الذي يختزله القرار الدولي (2254) الذي بات غطاءً فضفاضاً مورست تحته كل أشكال الإجرام بحق السوريين، وبين جوهر الصراع الكامن في كفاح شعب ضدّ طغمة إبادية لا تملك سوى القتل والإبادة كوسيلة ضامنة لبقائها واستمرارها في السلطة.

ولئن كانت تركيا – شأنها في ذلك كشأن بقية الدول – لا ترى غضاضة من التعامل مع مجرم أوغل في قتل شعبه حتى درجة الإبادة، إذا اقتضت مصالحها ذلك، سواء أكانت تلك المصالح ذات صلة باستحقاقات انتخابية داخلية أو ذات صلة بجوانب سياسية أو اقتصادية أو أمنية، فلا ينبغي لتلك المصالح أن تصادر حق السوريين كشعب يناضل دفاعاً عن وجوده وحريته واسترداد حقوقه المغتصبة منذ نصف قرن، كما لا ينبغي أن يكون ثمن تلك المصالح دماء ملايين الشهداء وتشريد ما يقارب نصف الشعب السوري فضلاً عن معاناة مريرة على مدى أكثر من أحد عشر عاماً، ومن هنا تبرز فداحة ما تم بحثه وتداوله في اللقاء الثلاثي، يوم الأربعاء الماضي في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، بين وزراء دفاع كل من روسيا وتركيا ونظام الأسد، فيما يخص فتح المعابر التجارية بين أنقرة ودمشق من جهة، وموضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى حظيرة الأسد من جهة أخرى، إذ مهما كانت الذرائع الكامنة وراء ذلك فإنها لا توازي فداحة نتائجها الفعلية على مستوى الواقع، بل ربما بدا الكلام على فوائد اقتصادية ستجنيها تركيا من وراء فتح المعابر مثيراً للريبة، إذ ماذا تتوقع أنقرة أن تجنيه من نظام متهالك لم يعد قادراً على توفير رغيف الخبز حتى لمواليه وشبيحته؟ وهل تتوقع أن انفتاحها على نظام الكبتاغون سوف يثري الاقتصاد التركي؟ أمّا الحديث عن مطالبة تركية من سلطات دمشق بخصوص ضمانات أمنية لعودة اللاجئين فإنها بقدر إيلامها تبدو مثيرة للسخرية.

فما الذي يعيد ثقة من غادروا ديارهم فراراً من الموت، بقاتل أبنائهم ومغتصب نسائهم ومُعتقِلٍ لمئات الآلاف في سجونه ومحارقه البشرية؟ ولعله من الطريف أن يدرك الوكلاء السوريون أن تماهيهم في أدوارهم الوظيفية التي أُنيطت بهم لن يمنحهم عطف الجلّاد ومكافأته لهم بالشكر والأمان، ذلك أن الإرث الإجرامي لنظام الأسد يؤكّد أن مصافحة أبنائه العاقين هي المقدمة لافتراسهم.

تلفزيون سوريا،

—————————–

نقاط غير معيارية عن التطبيع التركي مع الأسد/ حمزة المصطفى

إن نظرة مجردة لدوافع التطبيع التركية ومساراته المستقبلية تحصره في تحليلنا ضمن 10 نقاط بسيطة وفق الآتي:

    لا يجب التقليل من الانفتاح التركي على النظام لكن في ذات الوقت لا يجب المبالغة بتداعياته. لن تستطيع تركيا إنقاذ النظام أو إعادة شرعيته، حتى لو رغبت وسعت لذلك سياسيا أو اقتصاديا. الصورة أكثر تعقيدا.

    نجح حلفاء النظام،  مثل روسيا وإيران، من خلال دعمهم المثابر في منع سقوط الأسد لكنهم فشلوا وجميع الدول المطبعة حديثا في إنقاذه من أزمته السياسية والاقتصادية. لن يخرج التطبيع التركي على هذا المسار، سيطيل في عمر النظام لكن لن يحل الأزمة.

    تركيا لاعب مهم  في سوريا لكن هوامش تأثيرها، نتيجة ترددها وسياستها الخجولة، لا يتعدى أجسام المعارضة السورية المترهلة أصلا والشمال السوري بينما تفتقد التأثير في الصورة العامة للصراع أمام فاعليين آخرين.

    ما تزال الولايات المتحدة، رغم سياستها السلبية والمواربة أيضا، تمتلك اليد العليا في توجيه الصراع وضبط حركة الفاعلين فيها ضمن استراتيجيتها لتجميد الصراع وحصره ضمن حدوده التي اعتمدتها منذ عام 2014.

    المعارضة السورية مهددة بالاندثار رغم حاجة تركيا إليها ضمن محددات “الدور الضامن” في المسار السياسي مع موسكو وطهران. غياب الفعل قد يكون مفهوما ومبررا ضمن تعقيدات الصراع لكن غياب رد الفعل يعكس فقدان الشعور والإحساس.

    معارضة تركيا في خطواتها الأخيرة لا يعني العداء معها أو خصامها بقدر ما يعكس الاتساق مع الذات، المبادئ، المصالح، والأهم التضحيات الجسام للشعب السوري ضد الاستبداد. كان ومازال هناك الكثير من التقاطعات المصلحية والأخلاقية مع أنقرة التي يمكن البناء عليها حاضرا ومستقبلا.

    لن تحصل أنقرة على أي مكاسب استراتيجية أو اقتصادية من نظام مشلول ومسلوب الإرادة يفتقد أدنى مقومات الدولة الفاشلة. هذا رأي غالبية المراقبين بما فيهم الأتراك. قد تعزز علاقاتها مع موسكو في سياق المناكفة مع الغرب، لكنه مكسب قليل جدا

    قد يكون هناك مكاسب انتخابية لجهة الاستجابة لرغبات شريحة عريضة من الجمهور التركي تطالب بالانفتاح على الأسد لحل مسألة اللاجئين، لكنه ينطوي على مخاطر عكسية لجهة إثبات صوابية الرؤية والرواية التي تتبناها المعارضة التركية تجاه الصراع

    العلاقات الدولية معقدة كثيرا ولا مكان فيها للمقولات التبسيطية مثل صديق صديقي أو عدو عدوي أو العكس فيها. مشكلة الأطراف السورية في علاقاتها مع الحلفاء والخصوم أنها لم تطور علاقة ندية أو تبادلية في المصلحة، وانساقت إلى تبريرات مختلفة.

    ما تزال حاجة تركيا لأجسام وشخصيات، وتيارات المعارضة السورية كبيرة جدا لحماية أمنها القومي والدور الفاعل إقليميا في ملفات عدة. لا تلام تركيا بالتأكيد على نمط علاقاتها الفوقي، بل يلام من لا يدرك أهميته ووزنه.

تلفزيون سوريا

————————-

ماذا بعد لقاء موسكو؟/ سمير صالحة

اختصرت القيادات السياسية التركية سياستها السورية الجديدة بمطلب الحرب على المجموعات الإرهابية في الشمال والحؤول دون مخطط بناء كيانها السياسي المستقل هناك، وتسهيل حل مشكلة اللاجئين والنازحين وتفعيل مسار الحل السياسي في إطار قرارات مجلس الأمن الدولي وتحديدا القرار رقم 2254. القناعة التركية اليوم هي أن الطريق الأسهل والأقصر للوصول إلى ما تريد في الملف السوري يمر عبر التنسيق الأوسع مع موسكو في مواجهة التعنت والتصلب الأميركي وبعض العواصم الأوروبية التي تحاول محاصرتها بملف أزمات سياسية وأمنية واقتصادية، نتيجة التباعد الحاصل في رسم السياسات وتحديد المواقف والخيارات.

لم تكن الطاولة الثلاثية التي جمعت يوم الأربعاء المنصرم في موسكو وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام في دمشق إلى جانب رؤساء أجهزة الاستخبارات لتعقد على هذا النحو، ويواكبها هذا الكم الهائل من التصريحات والتسريبات، لو لم تنجح مفاوضات الأجهزة الاستخباراتية على خط أنقرة – دمشق التي انطلقت قبل أشهر، في تأمين الأرضية المطلوبة الممكن السير فوقها.

رفع مستوى الحوار مع دمشق من استخباراتي إلى عسكري ودبلوماسي وترك الباب مشرعا أمام احتمال لقاء قمة بين أردوغان والأسد، مسألة توقيت مرتبط بتقدم المفاوضات مع الكرملين وتراجعها فقط.

المسألة باتت أبعد من سلة الهدايا التي يقدمها الكرملين لأنقرة على مواقفها وخدماتها الاستراتيجية التي ساهمت في فك العزلة الدولية عن روسيا، ورد التحية التركية لبوتين الذي يريد فتح الطريق أمام حلحلة في ملف الأزمة السورية إرضاء لأنقرة.

ومع ذلك يبقى السؤال الذي يرضي البعض قائما: هل تنتقل الأمور إلى مرحلة التأسيس لبناء جديد في العلاقات بين أنقرة ودمشق يؤكد ما قيل حول تفعيل عمل آليات الحوار والتفاوض الأمني والعسكري والسياسي وجدول الأعمال المصحوب بخارطة طريق متعددة الأهداف والجوانب. أم أن ما يدور حالة ظرفية مرتبطة بمتطلبات المرحلة السياسية في تركيا وروسيا بسبب ملفات داخلية وخارجية؟

الإجابة على السؤال تتطلب طرح سؤال مقابل: هل بمقدور الطاولة الثلاثية الجديدة صناعة الحل في سوريا دون التنسيق مع اللاعبين الآخرين المؤثرين في المشهد السوري؟

تغيرت أولويات تركيا في سوريا اعتبارا من منتصف العام 2016 والمحاولة الانقلابية الفاشلة وإعلان العديد من القيادات السياسية التركية عن تورط عواصم غربية على رأسها واشنطن في هذه المحاولة. ارتدادات ذلك كانت باتجاه تقارب تركي روسي إيراني وانطلاق العملية العسكرية التركية الأولى “درع الفرات” في منتصف صيف 2016 وتفعيل آلية أستانا وسوتشي التي رسخت هذا التقارب الثلاثي. كرت السبحة في سياسة تركيا السورية ميدانيا وسياسيا دون أخذ أنقرة ما تريده في الملف السوري بسبب التموضع الجديد للعديد من الدول والعواصم في التعامل مع الملف، وتغير التحالفات الإقليمية هناك.

نجحت موسكو قبل عامين في جمع رئيس جهاز الاستخبارات التركي هاقان فيدان ومدير مكتب “الأمن الوطني” اللواء علي مملوك دون تسجيل أي اختراق حقيقي باتجاه التقريب بين أنقرة والنظام في دمشق. في العام 2021 كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يردد “حوار سياسي مع دمشق غير ممكن. المجتمع الدولي لا يعترف بالنظام. المفاوضات اللازمة جارية على مستوى الخدمات الخاصّة والاستخبارات فقط وهذا أمر طبيعي”. لكن موسكو لم تتراجع عن وساطاتها بعدما اكتشفت حجم التحول في سياسات تركيا الإقليمية وحجم الانسداد في سياستها السورية. الخطوة الروسية الثانية كانت في تموز المنصرم من خلال طاولة حوار ثلاثي جمعت فيدان ومملوك من جديد، لكن وسط متغيرات واسعة في سياسة تركيا السورية وتحضيرات روسية مغايرة سهلت استمرار الحوار الاستكشافي والانتقال به إلى ما جرى في موسكو قبل أيام.

الأسد يريد. أردوغان يريد أيضا. كل طرف له أولوياته ومطالبه. بمقدور الدبلوماسية الروسية أن تصل إلى صناعة قواسم مشتركة ترضي الجانبين. لكن ذلك لا يعني بالضرورة الوصول إلى النهاية السعيدة في ملفات اللجوء والإرهاب والمنطقة الآمنة و”أضنة جديد” وإسقاط حلم “قسد” السياسي وسحب ورقة “داعش” من يد أميركا ودمج كل هذه الطبخة بقبول تنفيذ بنود ومواد قرار الأمم المتحدة رقم 2254.

وجدت أنقرة نفسها وحيدة بعد تدهور علاقاتها مع العديد من العواصم العربية والغربية التي كانت تنسّق معها في ملفات إقليمية بينها الملف السوري. فقررت قلب الطاولة وتغيير المشهد وتبديل سياستها السورية، وترك مطلب إسقاط الأسد أو رحيله جانبا. لا يعني ذلك طبعا أن نرى النظام وتركيا في خندق سياسي واحد حتى ولو التقت المصالح في التعامل مع “قسد”، لكنه سيعني أن قوى المعارضة السياسية السورية عليها أن تستعد لأكثر من مفاجأة واحتمال أبعد من “صدمة” موسكو الأخيرة.

تضاربت الأنباء حول زيارة الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي لدمشق والتي كانت متوقعة يوم الثلاثاء المنصرم لكنها لم تتم. يدور الحديث عن أنّ الزّيارة لا تزال قائمة، لكنها أُرجئت إلى موعد آخر لم يُحدَّد. حديث عن تباينات بين دمشق وطهران تتعلّق بمطالب إيرانية تثبت نفوذ طهران في سوريا. هل من علاقة بين قمة موسكو الأخيرة وبين الضغوطات الأميركية والإسرائيلية باتجاه قطع الطريق على النفوذ الإيراني هناك؟ وهل يعني ذلك أن واشنطن جاهزة لتفهم ما يدور على خط أنقرة – موسكو إذا ما حسمت مسألة إيران في سوريا؟

مقايضة أخرى قد تقلق قوى المعارضة السورية: “المدخل الرئيس إلى أيّ عودة سوريّة إلى الحضن العربيّ وانخراط الدّول العربيّة في إعادة إعمار سوريا هو تغيير النّظام السّوريّ لطبيعة العلاقة القائمة مع طهران” كما نقل أحد أهم مواقع الأخبار والتحليلات في لبنان عن مصادرها. ما يجري في موسكو قد يرضي هذه العواصم إذا ما كانت إيران هي من سيدفع الثمن.

الصفقات الكبرى في لعبة الكر والفر الإقليمي قد يتحمل الملف السوري ارتداداتها. والكرة في ملعب السوريين مرة أخرى.

وصف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو المعترضين على خطوات موسكو الأخيرة حول التقارب مع النظام السوري بأنها مجموعات قليلة و”تحركت لمصالحها الخاصة”، معتبراً أن ممثلي المعارضة السورية لم يبدوا أي رد فعل. الوزير جاويش أوغلو يقصد هنا الائتلاف الوطني السوري والحكومة السورية المؤقتة والهيئة العليا للتفاوض التي تنسق مع أنقرة كما يبدو. لكن الرد جاء يوم الجمعة المنصرم من قبل “الفعاليات الثورية” في مدن وبلدات إدلب، والباب والأتارب وعفرين واعزاز وبلدات أخرى في ريفي حلب والرقة. ومن خلال مواقف “حكومة الإنقاذ” التي أعلنت أنها “ترفض وتستنكر أن يُقرر مصير الثورة السورية بعيداً عن أهلها”. وبيانات “المجلس الإسلامي السوري” التي ترى أن “المصالحة تعني أن يموت الشعب السوري ذلاً وقهرا”. و”حركة سوريا الأم” التي يقودها الشيخ معاذ الخطيب التي “تلقت ببالغ القلق أنباء التّحرّكات غير المسبوقة للجارة تركيا للانفتاح على النظام السوري، ظنّاً منها أن حل مشكلاتها المحقة في حماية أمنها القوميّ ومحاربة الإرهاب والحركات الانفصاليّة التي تنشط في سوريا يكمن في التعاون مع النظام”. وما ردده حسام ياسين قائد الفيلق الثالث في الجيش الوطني “سوريا لن تنعم بالاستقرار والقضاء على الإرهاب والمحافظة على وحدة ترابها وضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين إلا بتنفيذ القرارات الأممية وتحقيق الانتقال السياسي الكامل ورحيل نظام الأسد”.

على قيادات وفصائل المعارضة السورية أن تقول ما عندها ليس بسبب مسار الحوار والتفاوض القائم بين أنقرة والنظام في دمشق فقط، بل بسبب الشعارات واليافطات التي رفعت في شمال سوريا: “من الآخر.. لن نصالح” و”انتفضوا لنعيد سيرتها الأولى”.

غيرت أنقرة في سياستها السورية لأنها شعرت أنها تفقد الكثير هناك وأن عملية استهدافها مستمرة وتحتاج إلى رد سريع وجذري. الكرة في ملعب السوريين أيضا ليقرروا كيف سيتحركون في المرحلة المقبلة، وما الذي سيفعلونه على ضوء التحولات والاحتمالات والسيناريوهات الجديدة في مسألة تعنيهم بالدرجة الأولى.

——————————–

لقاء موسكو الثلاثي..بداية التسوية السورية؟/ بسام مقداد

حين لمّح أردوغان إلى موافقته على لقاء نظيره السوري، نزولاً عند رغبة موسكو، إقترح ما يشبه خطة طريق لذلك تقتضي بإجتماع مسؤولي المخابرات في البلدين، يليه إجتماع  الدفاع ثم وزيري الخارجية ليأتي بعدها لقاء رئيسي البلدين، على أن تكون كل الإجتماعات بحضور الوسيط الروسي. بعد اللقاء الثلاثي الأخير، ووفقاً لما ترسمه الخطة، أعلن وزير الخارجية التركي عن الإعداد للقاء نظيره الروسي في السنة المقبلة، وقال بأن  لقاء اارئيسين التركي والسوري الذي سيكون المحطة الأخيرة في عملية التطبيع التركي مع النظام السوري، لا يزال بعيداً. ولم ينس الوزير التركي الإجابة عن السؤال الرئيسي الذي يخيم على أجواء عملية التطبيع والمتعلق بمصير المعارضة السورية التي وضعت كل بيضها تقريباً في السلة التركية، فقال بأن التطبيع لن يكون على حسابها، وأن مصير مناطق تواجد القوات التركية في سوريا سيتم تسليمها لدمشق في ظل توافر الظروف السياسية المناسبة لذلك.

إثر اللقاء الثلاثي في موسكو الذي ضم وزراء دفاع الدول الثلاث ومسؤولي المخابرات فيها، قال الوزير التركي بأن أنقرة تحترم سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأن محاربة الإرهاب والدفاع عن أمن تركيا ومسألة المهجرين السوريين هي المسائل الأساسية التي ناقشها الإجتماع، وأن حل الأزمة السورية لن يكون إلا وفق مواد قرار مجلس الأمن 2254. وتم الإتفاق على دورية اللقاءات بصيغتها الثلاثية على مختلف المستويات، وصولا إلى تتويجها بلقاء أردوغان، الأسد وبوتين الذي لا يزال بعيداً.

لاشك أن الإجتماع الثلاثي وما سيتبعه من لقاءات في إطار عملية التطبيع التركية مع نظام الأسد ، تعتبره بروباغندا الكرملين نجاحا كبيراً لسياسة روسيا، وترى فيه بداية تسوية الأزمة السورية. وتصادر صحيفة الكرملين VZ عملية التطبيع التركية السورية بالكامل، حيث عنونت أحد نصوصها أواسط الجاري بالقول “روسيا تعيد علاقات الجوار بين تركيا وسوريا”.

لم يترافق الإجتماع الروسي التركي السوري مع كبير إهتمام من الإعلام الروسي والناطق بالروسية، وكاد يقتصر على المرافقة الإعلامية له، من دون تعليقات وتحليلات الكتاب السياسيين التي ترافق عادة الأحداث الكبيرة.

قناة تلفزة روسية محلية TSARGRAD رأت في اللقاء بأنه “لقاء السنة”، وعنونت نصها الإخباري المقتضب، كما معظم المواقع الإعلامية الأخرى، بالقول “لقاء السنة: وزراء دفاع تركيا، سوريا وروسيا أجروا مفاوضات في موسكو”.

صحيفة الأعمال الروسية Vedomosty، وعلى غير عادتها، نشرت في 29 الجاري نصاً بعنوان “وزراء دفاع روسيا، سوريا وتركيا إلتقوا في موسكو”. أشارت الصحيفة في سياق النص إلى أن أردوغان، وفي إتصال هاتفي مع نظيره الروسي، إقترح اللقاء مع الأسد، على أن يسبقه لقاء مسؤولي المخابرات ومن ثم وزيري الدفاع، ويأتي بعده لقاء وزير الخارجية، على أن تتم اللقاءات بحضور الوسيط الروسي وتتكلل بلقاء الرؤساء الثلاثة. وتنقل عن صحيفة تركية قولها في 25 الجاري أن أنقرة وموسكو تتواصلان لفتح المجال الجوي السوري أمام الطيران العسكري التركي للقيام بتنظيف” منطقة العملية العسكرية الأرضية التي لم تعلن أنقرة بعد عن تخليها عنها أو الإصرار عليها.

تستضيف الصحيفة خبيراً سياسياً روسياً يقول بأن أنقرة تدرك أن عليها أن تتفق مع روسيا قبل العملية العسكرية الأرضية، وذلك لتواجد القوات الروسية في سوريا. وتركيا تريد أن تتحاشى تعرض طيرانها الحربي لنيران المضادات الأرضية الروسية. ويرى أن العملية الأرضية التركية تفترض إحتلال أراضي سورية جديدة في الشمال السوري، إضافة إلى المناطق التي تسيطر عليها الفصائل السورية التابعة لها، ولا يعتقد أن روسيا ستوافق على الطلب التركي. ويرى أن وجود المخابرات السورية والجيش السوري في اللقاء الثلاثي في موسكو يسمح بالإعتقاد أن المسألة لن تبلغ الإحتلال، وأن الجيش السوري، بدعم من موسكو، يستطيع توفير أمن الحدود مع تركيا دون تدخلها.

ونقلت الصحيفة عن مستشرق روسي قوله أن الإعداد لعملية تركية أرضية أو إلغاءها، هو على الأرجح، حجة لإطلاق عملية التواصل بين أنقرة ودمشق. هذا التواصل يسمح لدمشق بالتخلص من الإحراج بعد الإتهامات المتبادلة في الفترة السابقة والمطالب التي لم تتحقق. وتتوفر الآن حجة جدية لتدوير تلك الزوايا الحادة التي نشأت سابقاً. روسيا تقترح إطلاق مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة منذ العام 2019، حين إقترحت العودة إلى إتفاقية أضنة العام 1998، والتي نصت على إجراءات مشتركة في مواجهة حزب العمال الكردستاني. وتوفرت الآن ظروف جديدة مؤاتية لإعادة إطلاق هذه العملية، وجهود موسكو ووساطتها ستتمكن من العثور على حلول وسطية.

ويرى المستشرق أنه تتوفر بدائل متعددة لبدء الحوار، لكن البداية الأنسب لجميع الأطراف هي حل مسألة منبج وتل رفعت، وذلك من خلال وضعهما تحت سلطة دمشق، على أن ينتزع سلاح جميع التشكيلات المحلية الدائرة في فلك حزب العمال الكردستاني. ويقول بأن الأكراد السوريين قد يعتبرون أن مصالحهم قد تضررت ويرفضون مواصلة الحوار مع دمشق، لكنه يتعذر في هذا الوضع تلبية مصالح جميع الفرقاء، خاصة أولئك الذين إختاروا الوقوف وراء الولايات المتحدة، ويستخدمون الحوار مع موسكو ودمشق كبديل إحتياطي.

وكالة الأنباء الروسية في القرم news-front.info لم تتوقف عند اللقاء الثلاثي، بل نشرت في 28 الجاري نصاً مطولاً ناقشت فيه العواقب المترتبة على العملية الأرضية التركية المحتملة.

موقع INOSMI المتخصص في وكالة نوفوستي بترجمة الصحافة من مختلف بلدان العالم، نقل في 29 الجاري عن صحيفة “الجمهورية” التركية قولها عن اللقاء الثلاثي في موسكو بأنه ” أول اتصال دبلوماسي بين أنقرة ودمشق في موسكو منذ 11 عامًا”. ورأت في روسيا “البلد الأهم في تطبيع العلاقات السورية التركية”. واعتبرت كذلك أن روسيا لعبت “دوراً كبير الأهمية” في تسوية الأزمة السورية، في حين أن إيران، وهي إحدى الدول الضامنة في عملية أستانة، بقيت جانباً. وتركيا أصلحت غلطاً بعودتها إلى المفاوضات مع سوريا. وحتى في حال ذهبت السلطة التركية الحالية، فالحكومة الجديدة ستواصل إنتهاج السياسة الصحيحة عينها.

وتنقل “الجمهورية” عن الأستاذ الجامعي التركي حسين باجي لفته الإنتباه إلى أهمية دور روسيا كوسيط بين تركيا وسوريا، ورأى أن اللقاء الثلاثي “كان في وقته”. وقال بأن تركيا فضلت الحديث مع سوريا ليس مباشرة، بل عبر روسيا كوسيط. وأشار إلى بقاء إيران جانباً، مع العلم أنها تشكل مع روسيا وتركيا دولاً ضامنة لعملية أستانة، والتي تتكفل بصيانة وحدة الأراضي السورية.

ورأى الأستاذ التركي أن لقاء موسكو مهم بالجو الذي خلقه، حيث ناقش المسائل المتعلقة بالمهجرين ومكافحة الإرهاب، وخاصة الضمانات القضائية في سوريا والإنتخابات الحرة. وتركيا تقوم بالعمل الصحيح في عودتها إلى سياسة الحوار مع البلدان المجاورة، “الخطأ تم تصحيحه”.

موقع نوفوستي نفسه، وفي اليوم عينه، نقل عن صحيفة تركية أخرى ” يني شفق” قولها أنه بفضل روسيا وُضعت بداية تسوية الأزمة السورية. ونقلت عن وزارة الدفاع الوطني التركية تقييمها لجو لقاء موسكو بأنه “بناء” وستتبعه لقاءات أخرى. وقالت الوزارة بأن اللقاء ناقش الأزمة السورية ومسألة المهجرين والجهود المشتركة في مكافحة جميع المنظمات الإرهابية على الأرا ضي السورية”. وأشارت إلى أن الصيغة الثلاثية للإجتماعات سوف تتواصل لاحقاً بغية توفير ودعم الإستقرار في سوريا والمنطقة ككل.

المدن

————————————-

لقاء بين المعارضة السورية ومسؤولين أتراك غداً لبحث تقارب أنقرة والأسد/ أمين العاصي

تتسارع خطوات التقارب السياسي بين الجانب التركي والنظام السوري، وهو ما يسبب قلقاً لدى الائتلاف الوطني السوري الذي سيُجري مباحثات، غداً الإثنين، في وزارة الخارجية التركية، للحصول على إجابات على كثير من الأسئلة المتعلقة بهذا التقارب، قبل تصدير موقف للشارع السوري المعارض الرافض لأي تقارب مع نظام بشار الأسد.

وفي خطوة تقارب جديدة بين أنقرة ودمشق، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس السبت، عن لقاء سيُعقد منتصف يناير/كانون الثاني الحالي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية في حكومة النظام فيصل المقداد، مشيراً في حديث لصحافيين إلى أنه “قد يُعقد الاجتماع في بلد آخر”. وامتنع جاووش أوغلو عن كشف اسم ذلك البلد، وأكد أنه سيتم الإفصاح عن ذلك لاحقاً عندما يتم تحديده، لأن هناك عدة بدائل مقترحة في هذا الصدد.

ويأتي هذا الاجتماع بعد لقاء عُقد الأربعاء الماضي في العاصمة الروسية جمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، ورئيسي جهازي مخابرات روسيا سيرغي ناريشكين والنظام السوري علي المملوك. وعُدّ الاجتماع تدشيناً علنياً للتقارب بين أنقرة ودمشق بعد عداء بدأ في عام 2011 على خلفية الثورة السورية، ورفض النظام التجاوب مع مساع تركية للحيلولة دون تفاقم الأوضاع. وكانت أنقرة قد أغلقت سفارتها في دمشق، وقنصليتها في مدينة حلب عام 2012، وفرضت عقوبات على حكومة النظام، منها وقف التعامل مع المصرف المركزي السوري بسبب “قمع المتظاهرين”. ورد النظام على هذه العقوبات باتخاذ إجراءات عدة ضد تركيا منها إيقاف العمل بمنطقة التجارة الحرة بين البلدين.

وعلى الرغم من تأكيد مسؤولين أتراك أن التقارب مع نظام الأسد لن يكون على حساب المعارضة السورية، إلا أن الأخيرة ممثلة بالائتلاف الوطني السوري ومقره إسطنبول، تنظر بعين القلق إلى هذا التقارب الذي صدم الشارع السوري المعارض، لا سيما في الشمال السوري.

ولم يصدر أي موقف رسمي من هذا الائتلاف على الخطوات التركية المتسارعة في اتجاه نظام الأسد، إلا أن “مبنى الائتلاف في إسطنبول شهد نقاشات ساخنة وحادة بين الأعضاء منذ الأربعاء الماضي، بين من يدعو إلى اتخاذ موقف فوري رافض لأي تقارب مع الأسد، وبين من يدعو للتريّث”، وفق مصدر في الائتلاف طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث العلني. وأضاف المصدر في حديث مع “العربي الجديد”: “في نهاية النقاش قرر الائتلاف عدم اتخاذ موقف إلا بعد التشاور واللقاء مع الإخوة الأتراك لمعرفة حيثيات هذا التقارب ومبرراته في هذا التوقيت”. وأشار إلى أنه “من المقرر عقد اجتماع الإثنين (غداً) في وزارة الخارجية التركية، بين وفد من الائتلاف وبين مسؤولين أتراك”، مضيفاً: “من خلال اتصالات جرت الخميس الماضي، أكد الأتراك انهم ضامنون لحقوق المعارضة السورية ولن يتخلوا عنها، وأن التقارب مع الأسد لن يكون على حساب حقوق السوريين”.

وفي السياق، أكد مصدر آخر في الائتلاف الوطني: “إننا ننتظر نتائج اجتماع الإثنين لتحديد موقفنا مما يجري”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “لا نريد اتخاذ موقف انفعالي. نريد موقفاً سياسياً بعد الاستماع إلى الإخوة الأتراك”. وتابع: “نحن ضد التقارب مع نظام الأسد، ولكن لسنا ضد التفاوض معه وفق قرارات الشرعية الدولية وهو ما يحدث منذ عام 2014 تحت غطاء من الأمم المتحدة”. ورجّح المصدر أن تكون “هناك ضغوطات سياسية تركية على المعارضة السورية”، مضيفاً: “الأولوية لدى الأتراك في الوقت الراهن هي إجراء الانتخابات في منتصف العام الحالي، وعدم تمرير مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال شرق سورية”.

وعن احتمال انتقال الائتلاف الوطني من تركيا، قال المصدر: “وجودنا في تركيا للبقاء قريبين من أهلنا في الداخل وحلحلة الكثير من قضاياهم”، مضيفاً: “على الرغم من ذلك نواجه صعوبات، فكيف سيكون الحال إذا أصبحنا خارج تركيا. بالسياسة كل الاحتمالات واردة مع ضعف وقوعها”.

وتعد أنقرة الداعم الإقليمي الأبرز للمعارضة السورية الممثلة في الائتلاف الوطني السوري الذي يواجه غضباً واستياء من الشارع السوري المعارض، بسبب اتهامات بالتهاون مع مبادئ الثورة السورية، وأبرزها التمسك بإسقاط بشار الأسد ومحاسبته. وكانت التظاهرات التي عمّت الشمال السوري، يوم الجمعة الماضي، رسالة واضحة للائتلاف الوطني والجانب التركي برفض أي تقارب مع نظام “فاقد للشرعية”، وفق عشرات آلاف المتظاهرين.

وعانى الائتلاف الوطني الذي كان قد تأسس في عام 2012، من ترهل سياسي واضح، وتراجع لعوامل عدة، لعل أبرزها الضغوط الإقليمية المستمرة عليه للانخراط في العملية السياسية، على الرغم من عدم اكتراث النظام بها مع غياب أي ضغط دولي يجبره على الجلوس على طاولة مفاوضات جادة. ويبدو أن الائتلاف يحسب خطواته المقبلة بـ”تأنٍ”، خصوصاً أن التصادم السياسي مع الجانب التركي ربما يفقده أوراقا في “اللعبة” السياسية مع وجود العديد من المنصات التابعة لعدة دول. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الائتلاف العنوان السياسي الأبرز لقوى المعارضة السورية، وهو ما يعطيه هامش مناورة بسبب حاجة الأطراف الإقليمية والدولية إليه، فهو الطرف المعني بالتفاوض مع النظام لإيجاد حلول للأزمة السورية.

ولكن الباحث السياسي ياسين جمول، رأى في حديث مع “العربي الجديد”، أن المعارضة السورية “باتت في هزالٍ ولا قدر لها عند أحد”، مشيراً إلى أن اللقاءات الدولية حول سورية “تحضرها الدول الكبرى ولا يحضرها أحد من السوريين، لا من النظام ولا من المعارضة”. وتابع بالقول: “الروس يتحدثون عن نظام الأسد ويلزمونه بما يرون، وتركيا تتحدث عن سورية والسوريين، والمشكلة الكبرى أنها لا تتحدث عن السوريين اللاجئين على أرضها فحسب، بل عن مناطق الشمال السوري وبنحو 5 ملايين فيها”.

وأعرب جمول عن اعتقاده بأنه “لا يمكن توقع شيء إيجابي، فهل يمكن توقع شيء من معارضة عجزت حتى عن الأداء بتصريح حول تقارب الأتراك مع نظام بشار الأسد؟”، معتبراً أن “أنقرة لا يهمها اقتناع المعارضة السورية لأنها تعرف هزلها وضعف تمثيلها الحقيقي”. وتابع أن تقارب الجانب التركي مع نظام الأسد “يُفقده أكثر من 5 ملايين سوري في شمال البلاد”، مضيفاً: “هم أهم بكثير وأنفع لتركيا من بشار الأسد ومن المعارضة السورية الهزيلة”.

في غضون ذلك، أصدر “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، الذراع السياسي لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، بياناً دان فيه التقارب التركي مع النظام السوري، داعياً إلى “توحيد قوى المعارضة” ضد النظام. وذكر البيان أن المجلس “ينظر بعين الريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية وبرعاية روسية”. وأشار إلى أن “المرحلة الدقيقة والحرجة التي يمر بها مشروع السوريين الأحرار، تتطلب منا كسوريين التكاتف والتعاضد، متجاوزين كل الخلافات الزائفة التي يريد أعداء الشعب السوري تسعيرها وتعميق هويتها”. وأضاف: “عندما يصبح مستقبل بلدنا وحلم حريتنا على المحك تصبح كل الخلافات ترفاً، وكل انحناء للآخر تبعية وعمالة”. وختم بالقول: “يدنا ممدودة، وعقولنا منفتحة، وأرضنا مرحبة بكل سوري حر يرى أن مستقبل سورية وحرية شعبها يحوزان الأولوية القصوى على كل ما عداها، وأن لا مصلحة ولا حق فوق مصلحة وحق الشعب السوري”.

وكانت مواقع كردية تحدثت عن مبادرة طرحها الرئيس المشترك لـ”مسد” رياض درار، للتقارب بين “قسد” والمعارضة السورية، تقوم على حلول وسط بين الجانبين “والبدء بتفاهمات بين القوى السياسية والفصائل العسكرية بإطلاق مبادرة للحل والسلام تتجاوز الأخطاء، وتخرج من دائرة الاتهامات الزائفة والخطابات الكاذبة والهروب إلى الأمام من غير مراجعات، في حال إطلاق مبادرة يشارك فيها الأطراف من دون استثناء على أرضية الحل الصحيح والسلام المنشود”، وفق ما نقلت وكالة “هاوار” الكردية عن درار.

—————————

السوريون بين خطر وآخر/ عبسي سميسم

يستقبل السوريون العام الجديد بآمال تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن فئة عمرية إلى أخرى. فعلى المستوى المعيشي تكاد تنحصر الأماني في كل المناطق بتأمين الحد الأدنى من الدخل الذي يمكّنهم من تأمين قوت يومهم، وإن كان السوريون في المناطق التي يسيطر عليها النظام هم الأشد فقراً، والذي وصل ببعض المناطق إلى حدود المجاعة.

إلا أن هذا الأمر لا يعني أن هناك اختلافاً كبيراً في الوضع المعيشي بين مناطق الصراع المختلفة، التي يمكن أن تتفاوت أحلام سكانها بين تأمين وجبة غداء كاملة في دمشق، وتأمين وقود للتدفئة في الشمال السوري. أما سكان المخيمات، فما زالوا يعيشون منذ نحو عشر سنوات على أمل استبدال خيمهم المهترئة ببيوت طوب توفر لهم الحد الأدنى من مقومات الحياة.

على مستوى الحل السياسي الذي لا يزال بعيد المنال حتى اللحظة، ينظر كل سوري للواقع المستعصي وفق ما يتمنّى، فسكان الشمال يراقبون اتجاه تركيا، حليفهم ومتنفسهم الوحيد على العالم الخارجي، إلى التوافق مع عدوهم النظام، لتتحوّل أولويات أنقرة من الوقوف إلى جانب شعب مضطهد في مواجهة نظام مستبد، إلى حماية أمنها القومي ضد إرهاب “داعش” وحزب العمال الكردستاني.

وفي حال تفاهم أنقرة مع النظام، قد يصبح مصير كل سكان الشمالي السوري رهناً بتلك التفاهمات، التي لا يزال الكثير من السوريين ينظرون إليها على أنها مجرد تحركات تكتيكية من قبل تركيا تتعلق بأسباب انتخابية، وأن الأخيرة من المستحيل أن تسلم مناطقهم إلى قوات النظام تحت أي ذريعة.

كما أن السوريين الذين يعيشون في الأراضي التركية تحت بند الحماية المؤقتة، والذين يزيد عددهم عن أربعة ملايين لاجئ، لا يزال مصيرهم معلقاً بين تهديدات المعارضة التركية بطردهم من البلاد في حال نجاحهم بالانتخابات، مقابل وعود الحكومة التركية لجمهورها بإعادة أكثر من نصف السوريين إلى مناطقهم في سورية. هذا الوضع يجعل مصير هؤلاء اللاجئين ووجودهم في تركيا مرتبطاً بما ستؤول إليه الانتخابات الرئاسية.

أما سكان مناطق شرق سورية فلا تزال أمانيهم تنحصر بعدم قيام عملية برية جديدة من الجانب التركي تتسبب بمزيد من التهجير والمعاناة. أمام هذه الوقائع، يبقى السوريون بكل أطيافهم بانتظار بارقة أمل تتمثل بتوافر إرادة دولية لفرض حل سياسي وفق القرارات الدولية.

العربي الجديد

—————————–

شمال سوريا:فتح المعابر أهم علامات التقارب التركي مع النظام/ خالد الخطيب

تخشى أوساط المعارضة السورية أن يأخذ مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري منحىً تصاعدياً مع بداية 2023، وأن يكون فتح الطرق الدولية، والمعابر التجارية أمام حركة البضائع التركية أولى علامات التطبيع بين الجانبين، وواحدة من أهم المكاسب التي يستعجل النظام تطبيقها على الأرض في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها.

ويبدو أن مخاوف المعارضة واقعية إلى حد كبير، إذ سبق للفصائل أن جهزت معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي للافتتاح قبل شهرين تقريباً، وذلك بإشراف تركي مباشر، وأصبحت السيطرة على المعبر ومحيطه لفصيل فرقة السلطان مراد بعدما تم إضعاف الفيلق الثالث خلال تشرين الأول/أكتوبر في المعارك مع هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها، فالفيلق كان يشكل عائقاً أمام تحركات من هذا النوع.

وقامت تحرير الشام في إدلب بالمثل عندما هيّأت معبر سراقب في الريف الشرقي لإدلب، وأزالت الحواجز، وهيمنت بشكل كامل على نقاط الرباط في خطوط التماس مع النظام على جانبي المعبر بعدما أبعدت فيلق الشام. واستقبل المعبر بالفعل عدداً من قوافل المساعدات الإنسانية القادمة من مناطق سيطرة النظام خلال العام 2022.

وقال مصدر عسكري معارض ل”المدن”، إن “تحرير الشام ستكون أمام خيارين، إما فتح ممر سراقب أمام حركة العبور للبضائع والسلع القادمة من معبر باب الهوى مع تركيا والمتجهة إلى مناطق سيطرة النظام، أو أنها ستكون أمام خيار المواجهة العسكرية في حال رفضت”، لافتا إلى أن “النظام وروسيا قد يطلقان عملية عسكرية للسيطرة على الطريق إم4 جنوب إدلب ومدن أريحا وجسر الشغور، وذلك لفتح الطريق الدولي الذي يصل حلب والشمال بالساحل السوري”.

ويرى رئيس الحركة الوطنية الديمقراطية السورية محمد شكيب الخالد أن النظام السوري يسعى لأن يكون فتح المعابر التجارية أمام حركة البضائع “أول المكاسب التي سيحققها من التطبيع مع تركيا”، معتبرا أنها “بمثابة حبل نجاة بالنسبة للنظام الذي تأثر اقتصاده بشكل غير مسبوق بسبب انخفاض مستوى الدعم التقليدي الذي كان يحصل عليه من حلفائه روسيا وإيران”. ويقول الخالد ل”المدن”: “لا أعتقد أن معبر سراقب سيتم فتحه، هناك عوائق تمنع افتتاحه، أهمها الرفض الشعبي”.

ويبدو أن تحرير الشام أمام خيارات صعبة بالفعل في حال طُلب منها فتح المعبر، فهي التي كانت تسعى لافتتاحه خلال العامين الماضيين، وتقدم المبررات لإقناع الأوساط الشعبية الرافضة لمثل هذه الخطوة، هي ذاتها سترفض غالباً، لأن افتتاحه سيصب في مصلحة مساعي التطبيع التركي مع النظام، وهذا يناقض موقفها الرسمي الذي يرفض التطبيع، وقد تؤثر مثل هذه الخطوة أيضاَ على بيتها الداخلي، إذا يرفض التيار المتشدد داخل تحرير الشام فتح المعابر.

ويُعتبر معبر أبو الزندين أحد أهم الممرات التي يمكن تشغليها، ويتصل الممر بمعبر الراعي الحدودي مع تركيا شمالاً ولا تزيد المسافة بينهما عن 30 كيلومتراً، والطريق مهيأ لمرور القوافل التجارية نحو مناطق النظام في حلب التي لا تبعد عن أبو الزندين سوى 20 كيلومتراً، لكن الطريق الدولي الأهم الذي يمكن أن تتدفق عبره الحركة التجارية المفترضة، هو طريق حلب-غازي عينتاب، والذي يصل مدينة حلب بمعبر السلامة قرب أعزاز مروراً بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في تل رفعت ومناطق الشهباء شمال حلب، ويمر أيضاَ وسط مناطق نفوذ المليشيات الإيرانية في بلدني نبل والزهراء.

ويعني إعادة تشغيل الطريق الدولي حلب-غازي عينتاب بالضرورة المواجهة مع الوحدات الكردية التي لا تزال تعاني في مناطق سيطرتها في حلب، والريف الشمالي من الحصار الذي تفرضه الفرقة الرابعة. ويبدو أن الحصار هدفه الضغط على الوحدات الكردية كي تنسحب من المنطقة تمهيداً لفتح الطريق، وفي حال رفضها ستكون غالبا في مواجهة عملية عسكرية يشنها الجيش التركي بضوء أخضر روسي، فالدعم الأميركي للقوات الكردية غرب الفرات يكاد يكون معدوماً.

—————————-

التطبيع التركي مع الأسد:وزراء الخارجية يلتقون منتصف هذا الشهر

يلتقي وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد منتصف كانون الثاني/يناير الحالي، في تطور لافت لمسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، دفع الائتلاف الوطني السوري المعارض للمطالبة باجتماع عاجل مع المسؤولين الأتراك للوقوف عند آخر المستجدات.

وقال تشاووش أوغلو خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف السبت، إن اللقاء الثلاثي الذي سيجمعه بالإضافة إلى لافروف مع المقداد، سيعقد منتصف كانون الثاني/يناير، مضيفاً أن اللقاء قد يحدث في موسكو أو دولة أخرى لم يحددها، حسبما ذكرت وسائل إعلام تركية.

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان، إن الوزيرين ناقشا خلال الاتصال خطط الوزارتين خلال العام القادم 2023، بما في ذلك تنسيق الخطوات من أجل تعزيز التسوية السورية.

ويأتي الاعلان بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع وزارة دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري إلى جانب رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة في موسكو الأربعاء.

ولن يكون لقاء تشاووش أوغلو بالمقداد في حال انعقاده، الأول من نوعه منذ 2022، كما هو حال لقاء وزيري الدفاع، إذ سبق للوزير التركي أن أعلن عن لقاء قصير مع المقداد على هامش قمة دول عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلغراد، في تشرين الأول/أكتوبر، وتأكيده خلاله على ضرورة تحقيق المصالحة بين النظام والمعارضة بطريقة ما.

لكن اللقاء المقبل، سيكون أول لقاء رسمي وينقل مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق إلى المستوى الدبلوماسي بعد العسكري والاستخباراتي، كما يمهد للقاء على مستوى الرئاسة الذي سيجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس النظام السوري بشار الأسد بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكان أردوغان قد عرض على بوتين لقاء ثلاثي يجمعها مع الأسد، وقال إن اجتماعات أجهزة الاستخبارات سيتبعها لقاء على مستوى وزراء الدفاع ثم وزراء الخارجية على أن يتبعه لقاء على مستوى القادة.

وفي أعقاب تلك التطورات، تحرك الائتلاف السوري المعارض، حيث طالب الائتلاف السبت، باجتماع عاجل مع المسؤولين الأتراك للوقوف عند آخر المستجدات المتعلقة بمسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري.

وأكد الائتلاف أن “لا تغيير بمواقفه بشأن ثوابت الشعب السوري والثورة السورية ولا تنازل عنها”، موضحاً أن اللقاء سيكون بداية الأسبوع المقبل، وفق ما أفاد “تلفزيون سوريا”.

وعلى الرغم من مرور عدة أيام على اللقاء الذي جمع وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري في موسكو لأول مرة منذ 2011، إلا أن الائتلاف الذي يمثل المعارضة سياسياً لم يبدِ أي ردة فعل حول الاجتماع، مما سبب موجة غضب عارمة بين السوريين المعارضين للأسد.

كما غاب التنديد عن الفصائل العسكرية الممثلة بالألوية الثلاثة في الجيش الوطني، واقتصرت على بعض القياديين العسكريين بشكل فردي. لكن مؤسسات أخرى غير مرتبطة بالائتلاف أصدرت بيانات عبّرت عن رفضها للخطوة التركية في مقدمتها المجلس الإسلامي السوري وحكومة الإنقاذ في إدلب، الممثلة لـ”هيئة تحرير الشام”.

والجمعة، تظاهر عشرات آلاف السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة في شمال وشمال غرب سوريا للتعبير عن رفضهم للتطبيع التركي مع الأسد، مؤكدين أنهم لن يصالحوا النظام تحت أي ظرف كان، وأي سبب، منددين بالصمت المطبق من قبل الائتلاف ومؤسساته بالخطوة التركية، وطالبوهم بالاستقالة.

كما عبر المتظاهرون عن غضبهم من تصريحات وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو الذي وصف المعترضين على خطوات تركيا تجاه النظام السوري بأنها “جماعات قليلة جداً، تحركت لمصالحها الخاصة”، معتبراً أن ممثلي المعارضة السورية “لم يبدوا أي رد فعل على خطوات أنقرة”.

———————–

لقاء موسكو:تركيا لم تعد ترحب باللاجئين السوريين

كشف وزير الدفاع التركي مزيداً من التفاصيل حول الاجتماع الثلاثي الذي جمعه بنظيره في النظام السوري بحضور وزير الدفاع الروسي لأول مرة منذ 2011، وقال إنه أكد خلاله على أن هدف بلاده من وجودها في سوريا هو محاربة التنظيمات الإرهابية ومنع الهجرة الجماعية.

ونقلت صحيفة “الصباح” التركية عن أكار قوله: “أكدنا خلال الاجماع إننا نؤيد وحدة الأراضي السورية وسيادتها وهدفنا الوحيد من وجودنا هناك هو محاربة الإرهاب، بعد سيطرة الجماعات الإرهابية على ثلث سوريا”، في إشارة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وتابع أكار: “أوضحنا أن وجود الجيش التركي في سوريا هو لمحاربة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية وتنظيم داعش إضافة إلى منع الهجرة الجماعية تجاه الأراضي التركية”.

وعن مسألة توقيت المفاوضات مع النظام السوري، أوضح الوزير التركي أن تأخر المفاوضات 11 عاماً أمر طبيعي، معيداً السبب إلى وجود العديد من الجهات الفاعلة والقوى الدولية على الأراضي السورية.

وقال: “لا يمكنك أن تتوقع أن يتم تقرير كل شيء مرة واحدة في هذا الاجتماع”، مضيفاً أنه أخبر ممثلي النظام خلال الاجتماع أن بلاده منعت الممر الإرهابي على حدودها وبالتالي حافظت على سلامة النظام الإقليمية.

وأكد أكار أن مسألة عودة اللاجئين السوريين الطوعية والآمنة إلى بلادهم، جرى التأكيد عليها خلال الاجتماع الثلاثي، مؤكداً أن تركيا ستواصل الاتصالات مع النظام السوري.

وكان أكار قد التقى نظيره في النظام السوري علي محمود عباس في العاصمة الروسية موسكو الأربعاء، بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، لأول مرة منذ 11 عاماً على القطيعة بينهما على خلفية وقوف أنقرة إلى جانب الشعب السوري الذي ثار وطالب بإسقاط النظام ورئيسه بشار الأٍسد.

السوريون غير مرحب بهم

بدورها، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول تركي رفيع المستوى قوله إن أنقرة بحثت مع النظام السوري خلال اللقاء الثلاثي أمن الحدود والعمل المشترك في ما بينهما لمواجهة “قسد” وحزب “العمال” الكردستاني.

وأوضح المصدر أن الجانب التركي ناقش كيفية العمل المشترك مع النظام لمواجهة ومكافحة الإرهاب الذي تمثله “قسد” وداعش وباقي التنظيمات الإرهابية بما يضمن وحدة الأراضي السورية، لافتاً إلى أن الهجرة من سوريا إلى تركيا “لم تعد محل ترحيب”.

وقال إن بلاده تستضيف ما لا يقل عن 3.7 مليون لاجئ سوري، موضحاً أن مشاعر الأتراك العامة للأتراك تحولت إلى حد ما ضد اللاجئين بالتزامن مع تصاعد المشكلات الاقتصادية في تركيا.

تركيا ستنسحب من سوريا

لكن في المقابل، نقلت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية المقربة من النظام عن مسؤولين في النظام قولهم إن تركيا وافقت خلال الاجتماع الثلاثي على الانسحاب الكامل من الأراضي التي تسيطر عليها في الشمال السوري وأكدت على احترامها وحدة وسلامة الأراضي السورية.

ولفتت المصادر إلى أنه جرت مناقشة فتح الطريق الدولية “إم-4” تنفيذاً لاتفاق العام 2020 الذي تم بين روسيا وتركيا، مؤكدةً أن الأطراف المجتمعة اتفقت على اعتبار حزب “العمال” الكردستاني مليشيا عميلة للولايات المتحدة وإسرائيل، وتشكل خطراً على سوريا وتركيا.

وأوضحت المصادر أن الاجتماع جاء كثمرة لقاءات جهازي الاستخبارات اللذين اتفقا ووضعا النقاط المشتركة لأسس هذا الاجتماع، مشيرةً إلى أن اللقاء الثلاثي ما كان ليتم لولا وجود ما يلبي مصالح النظام السوري وشروطه.

استنكار المعارضة

إلى ذلك، أصدر “مجلس سوريا الديمقراطية” بياناً أدان فيه “استمرار سفك الدماء السورية على مذبح انتخابات حكومة العدالة والتنمية و قربانا لتأبيد سلطة الاستبداد في دمشق”.

وتوجه البيان إلى الشعب السوري بنداء “لرفض التبعية والكف عن أن تكون دماؤنا وأجسادنا وأحلامنا أوراق تفاوض ومساومات في يد لاعبين لا تهمهم سوى مصالحهم ودوام سلطاتهم وسيطرتهم”، داعياً السوريين إلى التكاتف والتعاضد وتجاوز الخلافات فيما بينهم.

كذلك، نشرت “المبادرة الوطنية السورية” بياناً قالت فيه أن التصريحات التركية الأخيرة وما سبقها من مسارات “سوتشي” و”أستانة” كرست “مصالح الضامنين على حساب الثورة السورية”. ورأى البيان أن الاجتماع الثلاثي في موسكو بمثابة “إعلان رسمي عن الانعطافة التركية الفاضحة”.

واستنكر البيان اللقاء الثلاثي في موسكو وأعلن رفض المبادرة للتوافقات الصادرة عنه، مؤكداً عدم أحقية تركيا التفاوض بالنيابة عن السوريين، وفرض الحلول وإعادة اللاجئين قسراً، واعتبر البيان أن مسايرة المعارضة الرسمية للتوجه التركي يجعل من تلك المؤسسات فاقدة لصفتها التمثيلية. ودعا البيان السوريين إلى التمسك بمطلب التغيير الحقيقي الذي من شروطه إنهاء نظام بشار الأسد.

يذكر أن العديد من الجهات السورية المعارضة المدنية والعسكرية نشرت بيانات استنكار للتطبيع التركي مع نظام الأسد باستثناء الائتلاف السوري والحكومة السورية المؤقتة والهيئة العليا للتفاوض.

—————————–

دمشق تؤكد موافقة أنقرة على الانسحاب من الأراضي السورية

الكشف عن تفاصيل جديدة لما دار في اجتماع موسكو الثلاثي

أنقرة: سعيد عبد الرازق

كشفت أنقرة ودمشق عن تفاصيل جديدة حول ما تم بحثه في الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع تركيا وروسيا وسوريا بحضور رؤساء أجهزة المخابرات في الدول الثلاث في موسكو، تتعلق بالقضايا الرئيسية التي تمحور حولها الاجتماع وفي مقدمتها عودة اللاجئين السوريين ومكافحة الإرهاب والوجود العسكري التركي في شمال سوريا.

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن الجانب التركي أكد، خلال الاجتماع الذي عقد يوم الأربعاء، حرص تركيا على وحدة أراضي سوريا وسيادتها، وأنه أوضح أيضاً للجانب السوري سبب وجود الجيش التركي على أراضيها، وأن الهدف الوحيد لتركيا هو محاربة الإرهاب.

وبحسب ما نقلت صحيفة «صباح» القريبة من تركيا، عن أكار يوم السبت، أنه أشار خلال الاجتماع إلى سيطرة الجماعات الإرهابية على ثلث أراضي سوريا، وأن الجيش التركي موجود في سوريا لمحاربة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية و«داعش» وإرهابيين آخرين، ولمنع النزوح الجماعي للسوريين باتجاه تركيا. وأضاف أكار أنه تم التأكيد على أهمية ضمان العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى ديارهم، وأن تركيا ستواصل الاتصالات مع النظام السوري.

وكانت مصادر تركية قد ذكرت أن الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع ورؤساء مخابرات تركيا وروسيا وسوريا في موسكو، قد تطرق إلى 4 عناوين رئيسة، هي «العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وإعادة الممتلكات لأصحابها عند عودتهم، وضمان محاكمات عادلة، واستكمال التعديلات الدستورية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة».

وقالت المصادر إن مسألة العودة الآمنة للاجئين السوريين في تركيا واسترداد ممتلكاتهم احتلت الأولوية خلال الاجتماع، لافتة إلى أن انعقاد الاجتماع على مستوى وزراء الدفاع وليس على مستوى وزراء الخارجية، يتعلق بوجود قوات تركية في الداخل السوري، وعزم تركيا على تطهير المناطق المحاذية لحدودها من التنظيمات الإرهابية، وعلى وجه الخصوص وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا. وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في تصريحات الخميس الماضي، ضرورة ضمان عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، مشيراً إلى أن النظام السوري يرغب في عودتهم.

في المقابل، ذكرت وسائل إعلام قريبة للنظام السوري في دمشق أن تركيا وافقت عقب الاجتماع الثلاثي على سحب قواتها من سوريا. ونقلت وسائل الإعلام عن مصادر وصفتها بـ«المتابعة للملف» أن تركيا وافقت على سحب قواتها من الأراضي التي احتلتها في شمال سوريا، مؤكدة أن روسيا وتركيا وسوريا ناقشت أيضاً تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في موسكو في 5 مارس (آذار) عام 2020 بشأن فتح الطريق السريع حلب – اللاذقية الدولي «إم 4».

وأضافت المصادر أن الاجتماع تمخض كذلك عن اتفاق بين الأطراف الثلاثة التركي والروسي والسوري على أن حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا هو «وكيل لإسرائيل والولايات المتحدة» ويشكل أكبر خطر على سوريا وتركيا.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قد كشف غداة اجتماع موسكو عن استعداد بلاده لتسليم المناطق الخاضعة لسيطرتها في سوريا للنظام «حال تحقق الاستقرار السياسي». وقال جاويش أوغلو إن تركيا «تؤكد مراراً عزمَها نقل السيطرة في مناطق وجودها حالياً، إلى سوريا حال تحقق الاستقرار السياسي، وعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد، وهناك إمكانية للعمل المشترك مستقبلاً، في حال تشكلت أرضية مشتركة بين البلدين فيما يخص مكافحة الإرهاب». وأكد أن بلاده تحترم وحدة سوريا وسيادتها.

وكان الجانب الروسي قد اقترح خلال اجتماع تشاوري في إسطنبول في ديسمبر (كانون الأول)، صيغة تقوم على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية بأسلحتها من منبج وعين العرب (كوباني) شمال سوريا، وأن تحل قوات النظام محلها مع الإبقاء على قوات أمن «الأشايس» ودمجها في أجهزة أمن النظام، لتحقيق رغبة تركيا في إقامة حزام أمني بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

ومهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لاجتماع موسكو بالقول إنه عرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد اجتماع بين قادة تركيا وروسيا وسوريا، يسبقه اجتماع لرؤساء أجهزة المخابرات ووزراء الدفاع والخارجية. وقال جاويش أوغلو إن الخطوة المقبلة بعد اجتماع وزراء الدفاع ستكون عقد اجتماع لوزراء الخارجية وأنه سيلتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لبحث الأمر.

الشرق الأوسط

————————–

حدود الاتفاق والافتراق بين أضلاع المثلث الروسي-التركي-السوري/ عريب الرنتاوي

يرى الكرملين أن مصلحة بلاده، كسب ودّ تركيا، وضمان موقفها “المحايد” في الأزمة الأوكرانية، وتوسيع شقة الخلاف بينها وبين الغرب، الولايات المتحدة أساساً، وتفادي انخراطها في أنشطة “الناتو” التي يرى الكرملين أنها تستهدف تطويق روسيا وعزلها واستنزافها، وبهذا المعنى، فإن استجابة الرئيس بوتين لدعوات نظيره التركي تطبيع العلاقة مع دمشق، تُعد خدمة لرجب طيب أردوغان، وهو يقترب من مفترق طرق انتخابي حاسم بعد أقل من ستة أشهر.

القراءة الروسية للمشهد التركي الداخلي، تفصح عن رغبة حقيقة بفوز أردوغان بولاية رئاسية إضافية، وبقاء حزبه، العدالة والتنمية، في سدة حكم البلاد…الكرملين يخشى هزيمة الطبقة التركية الحاكمة، ومجيء معارضة معروفة بقربها من الغرب وواشنطن ولا تخفي نزعاتها الأطلسية، ولهذا فهو على أتم الاستعداد لتقديم أية خدمة ممكنة لبقاء أردوغان على كرسي الرئاسة، دون المساس بالطبع، بأعمق مصالح حليف موثوق له في دمشق.

على المدى الأبعد، يراهن الكرملين، على تنسيق وتعاون بين دمشق وأنقرة، لمواجهة “الجيب الكردي” في شمال سوريا الشرقي، ليس لأن لروسيا موقف مناهض للأكراد، فقد سبق لها في “أستانا 2” أن عرضت نظاماً فيدرالياً لسوريا، رفضه النظام والمعارضة سواء بسواء، بل لأن “قسد” باتت قاعدة الارتكاز الرئيسة للوجود الأمريكي في تلك البقعة، ومن مصلحة موسكو، الاستثمار في العداء السوري – التركي المشترك لقوات سوريا الديمقراطية، بهدف إحراج الوجود الأمريكي، توطئة لإخراجه.، وذلك من ضمن رؤية أوسع للصراع الكوني بين روسيا والولايات المتحدة.

لماذا يهتم أردوغان بالتطبيع مع سوريا؟

لتركيا ثلاث مصالح استراتيجية في سوريا، يسعى أردوغان في العمل على صيانتها وتطويرها، وفي أقل تقدير، وضعها على “سكة الإنجاز” قبل الانتخابات الرئاسية الحاسمة في يونيو المقبل:

أولها؛ تبديد ما تعتقده أنقرة، تهديداً إرهابياً لأمنها واستقرارها وسلامة وحدتها الترابية، تمثله “قسد” وأكراد سوريا، الذين يدين معظمهم بالولاء للمعارض الكردي عبد الله أوجلان، ولا يخفون صلاتهم بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا، وتدور بين مقاتليه والسلطات في أنقرة، معارك كسر عظم لأكثر من أربعة عقود…الأتراك يراهنون على “مخاوف” الأسد من الحركة الكردية ، السياسية والمسلحة، ويسعون للاستثمار في هذه المخاوف، وينوون اختبار فرص التعاون مع دمشق، للإطاحة بهذا الجيب، سياسياً وعسكرياً، وتفكيك بناه التحتية وقواعده “شبه الدولاتية” في تلك المنطقة…هذه نقطة محورية في التفكير الاستراتيجي التركي.

ثانيها؛ بعد أن تحولت قضية اللجوء السوري في تركيا، من ورقة بيد أردوغان وحزبه ضد النظام من جهة، وضد أوروبا من جهة ثانية، باتت عبئاً عليهما في أية انتخابات مقبلة، هذه القضية تحوّلت من ذخر إلى عبء على صناع القرار في أنقرة، أزيد من 3.5 مليون لاجئ سوري، باتوا يحتلون مكانة مركزية في الحملات الانتخابية، والمعارضة تستثمر في هذه الورقة، وتَعِد جمهورها بتوظيف علاقاتها المستمرة مع دمشق، لضمان عودة سريعة لهؤلاء إلى سوريا، طوعية كانت أم إجبارية، وهو أمر يجد صدى كبيراً لدى جمهور الناخبين، بالنظر لتفاقم الأزمة الاقتصادية في تركيا، وتكاثر المشكلات الاجتماعية وتفشي “ُثقافة الكراهية” للأجانب…أردوغان يريد أن يخرج ببيان تركي – سوري مشترك، يرسم خريطة طريق لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، أقله لتهدئة روع الناخب، وإشعال ضوء في نهاية نفق اللجوء السوري الثقيل اقتصادياً واجتماعياً.

ثالثهما؛ مصلحة اقتصادية، وتتشعب على مسارات عدة، التجارة الثنائية، تجارة الترانزيت، البحث عن حصة في إعادة إعمار سوريا عندما يحين الوقت لذلك، ملف الطاقة، رهان على النفط والغاز السوريين في شرقي المتوسط، سيما بوجود أرقام واعدة عن حجم المخزون السوري منهما، رغبة في استقبال “أنابيب النفط والغاز” شرقي المتوسط، من إسرائيل مروراً بلبنان وانتهاء بسوريا، وتحويل تركيا إلى “منصة-Hub” كبرى، لا تعتمد على النفط الروسي فحسب، بل وعلى نفط شرق المتوسط كذلك.

هذه النقطة بالذات، النفط والغاز، لا شك تثير “قلقاً” في موسكو، التي تريد “الاستفراد” بالأسواق الأوروبية للطاقة، لكنه تهديد متوسط الأجل، وربما بعيد الأجل، في حين تواجه موسكو تحديات فورية وضاغطة على خلفية حربها في أوكرانيا وعليها، وهي تبدو مستعدة، على ما يبدو، لترجيح التعامل مع ما هو فوري وآني من هذه التحديات، على أن أمل أن يأتي المستقبل، محمّلاً بظروف جديدة وحسابات مختلفة.

لماذا جنح الأسد لخيار “التطبيع” وما الذي يتطلع لتحقيقه؟

بخلاف موسكو، تفضل دمشق التريث على مسار التطبيع مع أنقرة، الأسد يأمل أن يتمكن أصدقاؤه في المعارضة التركية من الوصول إلى سدة “القصر الأبيض” في أنقرة، وهو سبق وأن أبلغ الوسيط الروسي، بأن قمة ثلاثية تجمعه ببوتين وأردوغان، ممكنة بعد الانتخابات وليس قبلها…الرسالة السورية واضحة: اتفاق مع المعارضة التركية، سيكون أفضل بكثير من اتفاق مع السلطة القائمة حالياً، سيما بعد أن كشفت المعارضة جميع أوراقها في هذا الصدد، وأعلن بعض قادتها استعدادهم حتى لدفع تعويضات لسوريا عن تدخل بلادهم الضار في الأزمة السورية، وفود المعارضة التركية إلى دمشق، لم تنقطع خلال السنوات العشر الفائتة، في حين يعد اللقاء الثلاثي بين وزراء دفاع وقادة استخبارات سوريا وتركيا وروسيا، حدثاُ غير مسبوق، طيلة العشرية السوداء التي مرت على سوريا.

لكن دمشق، تخشى مع ذلك، أن تجد نفسها بعد يونيو القادم، أمام أردوغان وحزبه وقد أعيد انتخابهما، وهذا ما نقلته موسكو إليها في سلسلة تقديرات حول الوضع الداخلي في تركيا وتوازنات القوى بين كياناتها عشية الانتخابات…المعارضة التركية، أبلغت دمشق أنها آتية للسلطة، وطلبت إليها الامتناع عن “التطبيع الكامل” مع نظام أردوغان قبل الانتخابات، حتى لا يحظى بورقة إضافية تعزز مكانته الانتخابية.

في ضوء انعدام اليقين لدى دمشق بالنتائج المحتملة للانتخابات التركية، وتحت ضغط الحليف الروسي القوي، جنحت دمشق لمسار التطبيع مع أنقرة، لكن لدمشق مطالبها كذلك، حتى لا نقول شروطها، فهي أولاً؛ تريد تعريفاً مشتركاً للإرهاب يتخطى الحركات الكردية إلى أكبر عدد ممكن من فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، وكان لها ما أرادت في المداولات داخل الاجتماع الثلاثي الأخير في موسكو، لكن الصيغة التي أقرت، جاءت عمومية، لم تحدد أسماء وهويات الفصائل الإرهابية، و”الشيطان كامن في التفاصيل”.

ودمشق ثانياً؛ تريد لتركيا أن توقف كافة أشكال الدعم والتسهيلات التي تمنحها لفصائل معارضة محسوبة عليها، وأخرى “جهادية” في إدلب، وسط قناعة سورية راسخة، بأن وقف الدعم والتسهيلات التركية لهذه الفصائل، سيفضي إلى “مواتها” في غضون أشهر معدودات.

وسوريا تريد ثالثاً؛ انسحاباً تركياً من المناطق التي دخلتها الجيوش التركية في قواطع عملياتها الأربع، وفي أقل تقدير، إقرار “جدولٍ زمنيٍ” ملزمٍ لإتمام ذلك الانسحاب، فدمشق تخشى “سياسات التتريك” المعتمدة في تلك المناطق، ولا تريد لها مصيراً مشابهاَ لمصير “لواء الاسكندرون” كما يتردد في أروقتها.

وفوق هذا وذاك، فإن لدمشق مصلحة في فتح نوافذ التجارة مع تركيا، وفتح البلاد لتجارة الترانزيت، وربما جذب استثمارات تركية، فالخانقة الاقتصادية تعتصر البلاد والعباد، ودمشق راغبة في البحث عن أية مخارج، حتى وإن كانت من باب “التعلق بحبال الوهم”.

ماذا بعد، أين من هنا؟

قبل عدة أسابيع، رسم الرئيس أردوغان خريطة طريق لتطبيع علاقات بلاده مع سوريا، تحدث عن محادثات أمنية تمهيدية رفيعة المستوى، تبدأ أولاً، وهذا أمر يحصل منذ فترة من الزمن، وهو متواصل باستمرار، تليها محادثات على مستوى وزراء الدفاع، وقد نجح الكرملين في ترتيب اللقاء الثلاثي الأخير، غير المسبوق، ثم لقاءات على مستوى وزيري الخارجية، لتتوج لاحقاً بقمة ثلاثية، يرعاها بوتين ويحضرها إلى جانب الأسد.

حتى الآن، يمكن القول، أن نصف الطريق، أو أقل قليلاً، قد قطع، والمراقبون بحاجة للانتظار بعض الوقت، لمعرفة ما إن كان مولود جاويش أوغلو سيلتقي بنظيره السوري فيصل المقداد، بعدها يمكن توقع التئام القمة المنتظرة بين الجانبين، وليس قبل ذلك.

لا ندري ما إن كان هذا المسار، سيُستَكمل بكامل حلقاته قبل الانتخابات أم بعدها، أردوغان يستعجله والأسد يستمهله…وربما ستساهم استطلاعات الرأي التي ستقيس اتجاهات الناخب التركي وميوله التصويتية، في حسم هذا المسار، تسريعاً أو إبطاءً…وربما يكون الأسد، قد “جامل” حليفه الروسي بالذهاب إلى “نصف الشوط” على مسار المصالحة، مبقياً “ورقة القمة” إلى ما بعد الانتخابات، وربما يكون الرجل بحاجة لكي يتأكد بأن أردوغان عائد للحكم بعد يونيو، وأن من الأفضل له، إبرام صفقة معه قبل الانتخابات، وهو في أشد الحاجة لبعث رسائل التطمين لناخبيه حول مستقبل اللاجئين ومصير أكراد سوريا (وتركيا بالطبع)، على أن ينتظر إلى ما بعد الانتخابات، حيث سيكون “غريمه اللدود”، في وضع أفضل وأقوى…من المبكر تقدير سرعة إنجاز ملف التطبيع بين البلدين، لكن المؤكد أنهما ذاهبان في مختلف الظروف، لطي صفحة “دامية” امتدت لعشر سنوات عجاف

الحرة

—————————–

تسريبات إعلامية تكشف فحوى اللقاء السوري – التركي في روسيا

ما اتفق عليه خلال الاجتماع ستتم متابعته من خلال لجان مختصة شكلت لضمان حسن التنفيذ

عبد الحليم سليمان

شدد وزير الدفاع التركي في الاجتماع على أن “أنقرة تحترم وحدة أراضي سوريا وهدفها محاربة الإرهاب فقط” (صفحة الوزارة على “تويتر”)

ما إن انتهى اللقاء الثلاثي بين وزراء دفاع كل من سوريا وتركيا وروسيا، الأربعاء الماضي، في موسكو، حتى بدأت المعلومات والتصريحات تتسرب عن نتائج ذلك اللقاء غير المسبوق في فترة الأزمة السورية وتعلن البنود المتفق عليها بين الأطراف الثلاثة.

وعقب اللقاء سارع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إلى الإعلان عن عقد اجتماع وصفه بـ”البناء”، كما شدد على أن أنقرة تحترم وحدة أراضي سوريا وهدفها “محاربة الإرهاب فقط” على حد قوله، مبيناً في الوقت ذاته أنه “من خلال الجهود التي ستبذل في الأيام المقبلة يمكن تقديم إسهامات جادة لإحلال السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة”.

وأكد آكار في تصريح إلى وسائل إعلام تركية ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254.

موسكو التي استضافت اللقاء الذي جمع وزير الدفاع التركي ونظيره السوري ورئيسي استخبارات البلدين هاكان فيدان وعلي مملوك بمشاركة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قالت وزارة دفاعها إن المحادثات ناقشت حل الأزمة السورية وضرورة مواصلة الحوار لتحقيق الاستقرار في سوريا.

بدورها أفادت وزارة الدفاع السورية بأن “الجانبين بحثا ملفات عدة وكان اللقاء إيجابياً”، مشيرة إلى أن جميع الأطراف أكدوا ضرورة وأهمية استمرار الحوار المشترك من أجل استقرار الوضع في سوريا والمنطقة.

الكشف عن تفاصيل أكثر

وبعيداً من لغة الدبلوماسية الرسمية التي سيطرت على الأجواء في اليومين الماضيين، سربت مصادر تركية معلومات مفادها بأن وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا اتفقوا في موسكو على تشكيل لجنة ثلاثية مشتركة وأن الاجتماع الثلاثي بحث فتح الطرق الدولية والسماح للبضائع التركية بالمرور عبر الأراضي السورية، إضافة إلى ذلك اتفق المتباحثون على آلية مشتركة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين بعد توفير أرضية مناسبة، كما أن الاجتماع في موسكو بحث أيضاً تصوراً يضع حداً لوجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال سوريا.

وفي الوقت ذاته أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو عن استعداد أنقرة لنقل سيطرة المناطق التي تحتلها في أعقاب عملياتها العسكرية في شمال سوريا وشمال شرقها إلى النظام السوري “في حال توافر الاستقرار السياسي في البلاد مع ضمان عودة اللاجئين”.

بعد ذلك جاءت تسريبات من مصادر في دمشق لتوسع دائرة انقشاع الغموض عن الاجتماع الذي يمثل الاختراق الأبرز بين تركيا وسوريا منذ 11 عاماً ونقلت تلك المصادر أن “أجواء اللقاء الثلاثي الذي عقد في موسكو وبرعاية روسية كان ثمرة اجتماعات عدة عقدت من قبل بين أجهزة الاستخبارات في البلدين”، مضيفة أن “هذا اللقاء ما كان ليتم من دون أن تكون هناك نقاط عدة تم الاتفاق عليها بين الجانبين وبما يلبي مصلحة دمشق وشروطها، ومن أهمها انسحاب القوات التركية من كل الأراضي السورية”.

المصدر أكد أن التقارب السوري- التركي تم التمهيد له بشكل كبير في الإعلام التركي، لا سيما المقرب من الرئيس رجب طيب أردوغان، “فعلى مدى أشهر نشرت الأخبار والمقالات والتحليلات التي تؤكد أن مصلحة تركيا أتت نتيجة التغيرات السياسية والتحولات العالمية في التقارب والمصالحة مع دمشق ولا بد من وضع حد للخلافات والتوصل إلى حلول تخدم مصالح المنطقة”.

كما شددت تلك المصادر أيضاً على أن الاجتماع في موسكو خلص إلى موافقة تركيا على “الانسحاب الكامل من الأراضي السورية التي تحتلها في الشمال، إضافة إلى تأكيد أنقرة احترام سيادة وسلامة الأراضي السورية”، كما جرى البحث في تنفيذ اتفاق عام 2020 حول افتتاح طريق M4 الدولي الذي يربط الشمال السوري مع ساحل البلاد على البحر المتوسط.

اتفاق الأطراف على “قسد”

بينما كان التسريب الأبرز من قبل المصادر السورية الذي يعد موقفاً جديداً لدمشق من حيث مصطلح تسمية قوات سوريا الديمقراطية مفاده بأن الأطراف المجتمعة أكدت أن مجموعة  PKK  حزب العمال الكردستاني في إشارة إلى “قسد” هي “ميليشيات عميلة لأميركا وإسرائيل وتشكل الخطر الأكبر على سوريا وتركيا”، وتصر أنقرة دائماً على ربط “قسد” بالحزب الكردستاني، وأعلنت أنه سبب لجميع عملياتها العسكرية في سوريا منذ عام 2018.

إلى جانب ذلك، فإن ما اتفق عليه خلال اجتماع موسكو ستتم متابعته من خلال لجان مختصة شكلت من أجل ضمان حسن التنفيذ وأن اجتماعات لاحقة ستعقد بين الطرفين من أجل مزيد من التنسيق، بحسب تلك التسريبات.

من جهتها حذرت الإدارة الذاتية على لسان الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية بدران جيا كرد في تصريح سابق إلى “اندبندنت عربية” من انهيار الآليات المشتركة الحالية حول ضمان الاستقرار وخفض التصعيد في حال حدوث أي اتفاقات من شأنها أن تهدد مناطق شمال سوريا وشرقها، الأمر الذي يفتح المجال لمرحلة جديدة من الصراع في حال حدوث اتفاقات بين أنقرة ودمشق من دون مراعاة الأوضاع التي تعيشها مناطق الإدارة الذاتية.

————————

====================

تحديث 02 كانون الثاني 2023

————————

لقطة من مشهد نهاية الأردوغانية/ صادق عبد الرحمن

لعلّ من مألوف السياسة أن يتسابق قادة الدول إلى توطيد علاقاتهم مع المنتصرين، سواء كان النصر على أعداء خارجيين أو خصوم داخليين، وأياً تكن الدماء التي سُفكت في سبيل النصر. كان هذا مألوفاً طوال التاريخ البشري المعروف، ولا يزال كذلك حتى بعد أن صار لمفاهيم حقوق الإنسان تأصيلٌ قانونيٌ وأثرٌ سياسي، وإن كانت تلك المفاهيم قد أخرجت هذا «المألوف» من نطاق الأمور «الطبيعية» فصار مشكوكاً في شرعيته الأخلاقية والسياسية. لكن حتى في مقاربة كهذه، أي بعد أن نحذف حقوق الإنسان من المعادلة، يبدو مثيراً للسخرية أن نتصور بشار الأسد زعيماً منتصراً يتسابق القادة إلى خطب ودّه.

وبالفعل، يبدو مشهد القادة الأتراك وهم يخطبون ودّ الأسديين مضحكاً رغم التراجيديا الهائلة المحيطة به. أما المضحك فهو أن أردوغان، الذي لطالما حرص على إظهار نفسه كندّ للدول العظمى وقادتها، يبحث اليوم عن إنقاذ مستقبله السياسي عند رئيس يحكم بالكاد نصف بلده بمساعدة عسكرية أجنبية مباشرة، ويتصرّف كزعيم شبكة للاتجار بالكبتاغون. وأما التراجيديا فهي تتمثّل أساساً في الدماء والآلام السورية الكثيرة التي تَسبّبَ ويتسبّبُ بها نهج تركيا السياسي في الشأن السوري، لكن لها وجوهاً أخرى كثيرة بعضها مُتعلّق بتركيا وسكّانها ومستقبلهم السياسي الاجتماعي.

فضلاً عن كون بشار الأسد زعيماً منتصراً فقط على قطاعات من شعبه، وبدعم غير محدود من دولتين كبيرتين، فهو فوق ذلك مجرم حرب طبّقت أخبار جرائمه الآفاق، ولم يعد هناك من ينكر بجدّية دموية نظامه، بل ينصرف الدفاع عنه في الغالب إلى القول إنه ليس المجرم الوحيد أو إن لجرائمه مبررات وظروفاً. اليوم، يمكن أن تكون مصالحةُ زعيم كهذا باباً لربح الانتخابات في تركيا، بل يتنافس قادة الحكومة مع قادة المعارضة في الإعلان عن مدى استعدادهم لهذه المصالحة. يقول هذا أشياء حزينة عن الأوضاع الاجتماعية في تركيا، وعن الثقافة السياسية السائدة في بلد يَحفل بالأزمات السياسية والاقتصادية، بينما تتحكم في نتائج انتخاباته مسألة الخلاص من لاجئين لا تتجاوز نسبتهم 5 بالمئة من مجموع السكان.

ولكن بصرف النظر عن هذا، ما الذي يمكن لبشار الأسد أن يُقدّمه لأردوغان والحزب الحاكم في تركيا، سوى أن مُصالحته قد تمنحهم أصواتاً إضافية في الانتخابات القادمة بوصفها وسيلة مُحتملة للخلاص من اللاجئين؟

يجري الحديث اليوم عن أربعة أشياء أساسية: ترتيبات تساعد في عودة اللاجئين، وإبعاد المسلحين الكرد عن الحدود التركية، وإيجاد حلّ لمستقبل المناطق السورية التي تسيطر عليها تركيا، وفتح طُرُق التجارة.

لا يستطيع النظام السوري الانخراط في ترتيبات جدية تساعد في عودة اللاجئين من تركيا، هذا لو افترضنا أنه يريد ذلك أصلاً. يحتاج هذا كفَّ يد الأجهزة الأمنية عن الاعتقال العشوائي والتعذيب والقتل، ويحتاج تَحسُّنَ الأوضاع الاقتصادية: الأولى غير ممكنة دون تغيير سياسي حقيقي خاض النظام حربه كلّها للحيلولة دون حدوثه، والثانية ليست مرتبطة بقرار يتخذّه النظام، بل بالعقوبات من جهة، وبتغيير النظام لكيفية إدارته للبلد من جهة أخرى وهو ما قلنا إنه خاض حربه كُلّها للحيلولة دون حدوثه. ولكن قبل ذلك، هل يريد النظام فعلاً عودة ملايين من بينهم كثيرون معارضون له، ما يزيد من أعبائه الأمنية فضلاً عن الاقتصادية؟

أما إنهاء سيطرة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني على المناطق المحاذية للحدود التركية، فهو يتطلّب سيطرة قوات النظام السوري عليها، الأمر الذي بدوره لا يتوقف على إرادة النظام وحلفائه، بل يحتاج موافقة أميركية وربما معركة مع مسلحي الاتحاد الديمقراطي الذين قد لا يقبلون بالتراجع عن كل مكاسبهم في سوريا بسهولة. فيما يتطلب إيجاد حلّ لمستقبل المناطق التي تسيطر عليها تركيا في سوريا تجاوز تعقيدات شتى، أبرزها مصير عشرات الآلاف المعارضين المدنيين والمقاتلين، ومصير ملايين معظمهم مهجرون أصلاً نتيجة بطش النظام ومجازره، ومصير منطقة عفرين وأهلها، فضلاً عن عقدة إدلب. جُلّ ما يمكن للنظام تقديمه لتركيا على هذا الصعيد هو منع عودة البنى السياسية والعسكرية الكردية إلى عفرين، والقبول بتحمّل العبء الأمني والاقتصادي لهذه المناطق دون خوض معارك كبرى أو ارتكاب مجازر تخلق أزمات جديدة على الحدود التركية. ولكن لنفترض أن النظام يريد ويستطيع ذلك، فأي مقابل يمكن للحكومة التركية أن تُقدِّمه سوى الاعتراف بشرعية حكمه وربما بعض المصالح الاقتصادية؟

يقودنا هذا إلى الملف الرابع، وهو فتح الطرق التجارية، وهي على أهميتها الاقتصادية للجانبين، وخاصة الجانب السوري، لا تحمل في ذاتها ما يخفف الأزمات الاقتصادية في البلدين بشكل حاسم ما لم تترافق مع تسهيلات دولية على صعيد شبكات التجارة والعقوبات، ومع إجراءات اقتصادية مثمرة لا يبدو النظام السوري قادراً على القيام بها ولا راغباً في ذلك. وهي في كل حال خدمة للنظام السوري أكثر ممّا هي مكسبٌ تركي.

موقع الجمهورية

————————

هل تدفع الاستدارة التركية قوى الثورة والمعارضة تجاه مبادرة “قسد”؟/ عقيل حسين

ردود فعل واسعة توالت ولا تزال تجاه لقاء موسكو الثلاثي، الذي عُقد يوم الأربعاء الماضي، بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وحكومة ميليشيا أسد، حيث أجمعت قوى المعارضة التي تفاعلت مع هذا الحدث على رفض اللقاء، وما صدر عنه أو ما يمكن أن يترتّب عليه، بينما التزمت مؤسسات المعارضة الرسمية الصمت.

لكنّ اللافت بين جميع ردود الفعل هي مبادرة تم تداولها على نطاق واسع، ونُسبت إلى الإدارة الذاتية لشمال وشمال شرق سوريا، وتضمنت دعوة للتوحّد مع بقية قوى المعارضة وتجاوز الخلافات، مع وضع جدول زمني للتفاوض مع “الأسد الابن” تحت مظلة الأمم المتحدة.

نص المبادرة

المبادرة التي قيل إن رياض درار، الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية “مسد”  هو من طرحها، تنص على البنود التالية:

– تُقر الأطراف بوحدة سوريا وسلامة أراضيها وحقوقها المشروعة بالثروات جميعها بما فيها النفط والمياه، وأن مصلحة سوريا فوق كل مصلحة.

– تُقر الأطراف، خاصة في شمال شرق سوريا، ممثلة بمسد وقسد والإدارة الذاتية، وكذلك في شمال غرب البلاد، ممثلة بالائتلاف الوطني، بالتزامها الكامل بوقف كافة الأعمال العسكرية والعدائية من أي نوع كان، بما فيها الحملات العدائية المعنوية والإعلامية، وتعتبر كافة القوى غير الخاضعة للجهتين في تلك المناطق المشار إليها قوى غير شرعية وإرهابية .

– تُقر الأطراف الموقّعة على أن مدخل الحل في سوريا هو القرارات الدولية ذات الصلة، وخاصة القرار 2254، واستبعاد مجرمي الحرب من أي حل سياسي، بل وإحالتهم إلى محكمة مختصة لنيل عقابهم.

-تُقر الأطراف بتنوع المجتمع السوري وغِناه وضرورة تبلور ذلك بنظام سياسي ديموقراطي تعددي قائم على اللامركزية.

– تُقر الأطراف باعتماد حُسن الجوار والعلاقات الودية بين دول المنطقة وشعوبها.

– تُدين الأطراف جميع عمليات العنف والتهجير القسري القائمة على أساس قومي أو ديني أو سياسي، وكافة عمليات التغيير الديموغرافي، وتقوم بإعادة أي مُهجّر في مناطق نفوذها، وتُنشئ غرفة عمليات خاصة من الطرفين لادارة هذا الملف.

– تلتزم الأطراف الموقّعة، بتشكيل قيادة مشتركة للمعارضة، ويتم ضم آخرين إلى هذه القيادة لتكون أكثر تمثيلاً واقعياً للسوريين الراغبين بالتغيير، عبر إعادة هيكلة حقيقية واقعية للائتلاف ومؤسساته، ووفد التفاوض واللجنة الدستورية، ومعيار ذلك الكفاءة المهنية والعلنية مع المصداقية في التمثيل.

– تُقر الأطراف بإمكانية وجود تقاطع مصالح بين الشعب السوري والشعب التركي وبين المصلحة السورية والمصلحة التركية، ولكنه ليس تطابق مصالح، ما يقتضي نقل مقر التمثيل الجديد للمعارضة إلى مكان محايد في سويسرا أو النمسا، حتى لا يكون وجوده في تركيا نقطة ضغط عليه وعلى مساره، أو نقطة تجاذب أو فتنة داخل تركيا، أو أداة استخدام بين قوى سياسية تركية في الحياة السياسية التركية الداخلية، أو في السياسة التركية الخارجية، مع التنويه للسعي لإقامة أفضل العلاقات بين دولة سوريا ودولة تركيا بعد تطبيق القرار 2254 والقرارات الدولية ذات الصلة في الحل السوري القادم، وعلى معيار مصلحة سوريا العليا.

وفور التوافق على هذه النقاط يعمد التشكيل الجديد للمعارضة وقوى الثورة من مقره الجديد بوضع خطة عمل محددة النقاط ومحددة زمنياً للمفاوضات مع الأسد الابن في دمشق، وبرعاية وبضمانة دولية ومكان محمي بقوات تابعة للأمم المتحدة، وضمن مرتكزات الحل المتوافق عليه دولياً في القرار 2245 وبقية القرارات ذات الصلة، وتترك بقية التفاصيل الكثيرة بهذا الشأن إلى ما بعد التوافق على هذه المبادرة وفي حينه.

موقف المعارضة الرسمي

قبل التطرق لردود الفعل على هذه المبادرة، وقبل البحث في صحتها وهل هي صادرة بشكل رسمي عن الإدارة الذاتية، لا بد من طرح السؤال الأهم وهو، هل يمكن بالفعل التوافق بين قوى المعارضة عليها؟

منطقياً وحسب كل المعطيات، يمكن القول إن جميع قوى المعارضة الممثلة بالائتلاف، بما فيها القوى السياسية والعسكرية، لا يتوقع على الإطلاق أن تتجاوب بشكل إيجابي معها.

فمن ناحية تقع هذه الفئة تحت السيطرة التركية الكاملة، ولا يمكنها بأي حال أن تفكر مجرد التفكير بمناقشتها نتيجة الموقف التركي المتصلّب تجاه هذه الإدارة والقوى الكردية التي تهيمن عليها، بل يمكن القول إن أحد أهم القواسم المشتركة التي جمعت تركيا ونظام أسد، بعد كل سنوات القطيعة، هو الموقف العدائي من هذه الإدارة بجناحيها السياسي والعسكري.

هذا من ناحية المبدأ، أما من الناحية الموضوعية، فإن ما يجمع الطرفين، القوى المتحالفة مع تركيا، وخاصة الجيش الوطني من ناحية، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” الجناح العسكري للإدارة الذاتية من ناحية أخرى، هو تاريخ مرير ودموي، يجعل مجرد التفكير بقبول العرض أقرب للمستحيل.

وعليه لم يكن مفاجئاً على الإطلاق الرفض السريع والحاد الذي عبّر عنه القيادي في “فرقة المعتصم” التابعة للفيلق الثاني في الجيش الوطني، مصطفى سيجري، الذي وصف “قسد” بأنها سبب أساسي فيما وصلت إليه الأوضاع في سوريا.

وقال سيجري في تغريدة له على موقع تويتر: نرفض دعوة “مجلس سوريا الديمقراطية” للتعاون كما نرفض مصالحة الأسد.

وأضاف: ميليشيات قسد سبب رئيس فيما وصلت إليه الأوضاع اليوم في سوريا، نتيجة أعمالها وأهدافها الإرهابية وتحالفاتها القائمة مع الأسد طيلة السنوات الماضية، ومن يعتقد أنه يضعنا بين خيارين لا ثالث لهما فقد أخطأ.

والواقع فإن أي قيادي في الائتلاف أو الجيش الوطني كان سيعلق بالشكل نفسه لو طُرح عليه سؤال الموقف من هذه المبادرة، بل إن الكثير من المعارضين من خارج هذه المؤسسات سيعتبر أنها مبادرة “انتهازية”، كما إن البعض لا يتردد عن القول إن الإدارة الذاتية لا تختلف في النهاية ومن حيث المآل في توجهاتها عن توجهات المشروع التركي-الروسي الجديد للحل في سوريا.

ويذكّر الكثيرون بهذا الصدد أن الإدارة التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، كانت ولا تزال تدعو للمصالحة مع ميليشيا النظام، بل وتعاونت معه ضد قوى الثورة المعارضة قبل أن تتعاون فصائل الجيش الوطني مع تركيا ضدها، وبعد ذلك أيضاً، متساءلين عن الفرق الذي سيكون الثوار حياله لو قبلوا بهذه المبادرة، طالما أن هذا هو موقف وتوجه الإدارة.

بل إن السياسي والمعارض الكردي السوري علي تمي، يذهب أبعد من ذلك عندما يؤكد أن “المبادرة ليست جدية”، وأن القائمين عليها يبحثون عن استثمار الموقف لـ”التهرب من أزمة داخلية يعانون منها”.

ويقول في تصريح لـأورينت نت “أعتقد أن قسد ليست جادة فيما ادّعته، ولو كانت كذلك لاستغلت الفترة الماضية من أجل إعادة ترتيب أوراقها مع المعارضة، وبالتالي وجدت نفسها اليوم في موقف لا تُحسد عليه، خاصة وأن هناك احتقان كردي بسبب سلوك إدارتها والاستفراد فيها، بالإضافة إلى وجود حالة التمرد من العشائر في دير الزور وغير ذلك من المشاكل التي تعاني منها”

ويضيف: “وعليه فإن طرح هذه المبادرة بعيد اللقاءات التركية والنظام في موسكو لن يمنح قسد قارب النجاة، والنظام اتخذ قراراً بتفكيكها بسلاح تركي، لذلك أرى أن قسد طرحت مبادرتها في الوقت بدل الضائع ولن يتعامل معها أحد بجدية، لأنها محاولة للهروب إلى الأمام ومحاولة للالتفاف على التحالفات الجديدة التي أفرزتها الوقائع والمعطيات على الأرض داخل سوريا.

ماذا قال صاحب المبادرة؟

رياض درار، الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية “مسد” أكد صحة البيان المتدوال، واعتبر أن التحولات الأخيرة تُعتبر فرصة لكي تعيد جميع قوى المعارضة النظر بمواقفها وعلاقاتها مع بعضها، مشدداً على أن “قسد” لا تتحمل مسؤولية الماضي لوحدها.

وقال في لقاء خاص مع “أورينت نت”: “هذه المبادرة قديمة وأنا دعوت منذ آب/أغسطس عام ٢٠٢١ إلى وحدة الشمال السوري تحت إدارتين لا مركزيتين تكون تركيا ودول التحالف ضامنتان لهما، من أجل مواجهة نظام الاستبداد، لكنها لم تلق آذاناً صاغية، لكن وبعد التطور الأخير أعدنا طرح المبادرة لمواجهة تحالف الاستبداد وبائعي الدم السوري على مذبح مصالحهم”

وحول إمكانية نجاح المبادرة حالياً، يقول: “هذا يحتاج إلى من يتجاوب معها من الشرفاء، وهناك أصدقاء يعملون على تطويرها وإعادة إطلاقها، خاصة من “منصة حوار سوري حر” لكن في النهاية النجاح يتوقف على إرادة من لا زالت روح الثورة فيه”

ورداً على سؤال حول المساعي الدائمة للإدارة الذاتية من أجل التطبيع مع النظام، وبماذا يختلف هذا التوجه عن الموقف التركي الحالي، أجاب درار:” نحن لم نحاول التطبيع مع النظام بالمعنى الذي يصل بنا إلى الارتماء بحضن النظام دون نتائج”

وأضاف: “أنت تعلم أن مسار أستانا جعل قوى المعارضة في الشمال الغربي تنسحب من كثير من المواقع التي كانت تسيطر عليها لخدمة مصالح الدول المتحكمة بها، ومقابل ذلك ذهبت هذه القوى في تنفيذ سياسات تركيا في الشمال، من خلال السيطرة على عفرين وتل أبيض ورأس العين، وهذا يصب كله بالمجمل في تنفيذ مآرب مسار أستانا الهادفة لإعادة النظام إلى هذه المناطق”

ويرى درار أن مبادرات الإدارة الذاتية تجاه ميليشيا نظام أسد “يختلف عن فكرة التفاوض مع النظام لاستعادة الحقوق دون تقديم تنازلات، ولذلك فإن فكرة التطبيع ليست موجودة لدينا بالشكل الذي تصور عليه”.

وحول ما إذا كان حزب العمال الكردستاني سيسمح للإدارة الذاتية، أن تطبق المبادرة بشكل جدي وموضوعي يقول: “الحديث عن هيمنة حزب العمال هو ترويج تركي، فالحزب هو حزب تركي وليس سوري، ولا علاقة لنا به حتى وإن كان بيننا من سبق لهم الانتماء له، فهذا من التاريخ”

“أورينت” واجهت درار بعدة وقائع معروفة أثبتت من خلالها قسد أنها غير جادة بقبول أي شراكة مع الغير، مثلما جرى مع “لواء ثوار الرقة” مثلاً على الصعيد العسكري، الذي كان شريكها في الحرب على داعش، لكنها قوّضته بعد انتهاء معارك تحرير محافظة الرقة وتخلصت منه، وسألته ما الذي يمنع تكرار ذلك مع أي طرف يمكن أن يضع يده بيدها لاحقاً، فقال:

“أعتقد أن ما جرى مع بعض القوى في الماضي يختلف عما يجري اليوم، لأن الكثير من التحركات السابقة كانت محكومة إما بالشخصنة أو الفصائلية، وهذا لم يكن مقبولاً لأن وحدة القوى المقاتلة هو الأهم”

ولكن ماذا عن تجربة الحوار مع المجلس الوطني الكردي، وهو تجمع سياسي في النهاية، وكردي أيضاً، فهل من لم يستطع أن يتفق مع هذا الطرف يمكن أن يتفق ويتعاون بمصداقية مع الآخرين؟

سؤال يرد عليه درار بالقول: “المجلس لم يكن يفكر بالحل السوري، بل كان يريد محاصصة مع القوى الكردية الأخرى، كما أنه بارتباطه مع الائتلاف كان مشدوداً لسياسات الائتلاف، لكنه الآن يستطيع أن يعود للحوار الهادف بعد أن اكتشف حقيقة التوجهات التركية التي تريد إعادته هو والائتلاف إلى حضن النظام”

حاولت “أورينت نت” أن تحصل على تعليق رسمي من المجلس الوطني الكردي بهذا الخصوص، لكن بعض المسؤولين فيه رفضوا التعليق على المبادرة، وقالوا إنهم لم يتلقوا أي شيء رسمي بهذا الخصوص.

لكن المناقشة الموضوعية لتصريحات الرئيس المشترك لمسد، رياض درار، تحتم بالتأكيد القول إنها لم تكن كافية للإجابة على كل الأسئلة والشكوك والملاحظات التي تطرحها بقية قوى المعارضة، سواء على طبيعة الإدارة وهويتها وتبعيتها ومشروعها، أو بخصوص سياساتها وأهدافها، وهي أسئلة كبيرة لا تكفي الإجابات الديبلوماسية عنها بالتأكيد.

مواقف منفتحة ومتشجعة

إلا أنه ومع ذلك يجب الإقرار بأن البحث عن مخارج من المأزق، الذي يرى الكثير من الثوار والمعارضين أن التحوّل في السياسة التركية حيال الملف السوري قد وضعهم فيه، يتطلب التعامل بانفتاح مع كل الخيارات، بما في ذلك مبادرة رياض درار هذه.

وبهذا الصدد، كتب المعارض السوري محيي الدين لاذقاني منشوراً مطولاً على حسابه في موقع فيسبوك، رحب فيه بالمبادرة، ودعا للقبول بها والتفاوض حولها “من أجل المصلحة الوطنية السورية”.

وقال: “بهذه الروح التي يبديها البيان يمكن لشخصيات وطنية وتيارات سياسية سورية أذهلتها الاستدارة التركية للصلح مع نظام القتلة أن تتجاوز الخلافات الزائفة المفتعلة، وأن تمد يدها لحوار وطني شامل، وتلتقي مع أخوة لها في الوطن، في حوار علني مفتوح يمكن أن يفضي إلى توحيد شرق الفرات مع غربه.

وأضاف لاذقاني: ثقوا أن وحدة الشمال الشرقي والشمال الغربي لسوريا ستكون مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية فاعلة، فهذه الدول أدركت أن تركيا استولت على قرار المعارضة السورية المقيمة في حضنها وصادرته لمصالحها، ومعظم هذه الدول تنتظر مبادرة قابلة للتحقق من شخصيات وطنية على قدر من المصداقية والنزاهة من الطرفين لتدعمها، وتجعل منها خطوة كبرى نحو حل سياسي ينتظره الجميع.

يمكن القول إن الانقسام بين قوى المعارضة، سواء السياسية منها أو الشعبية، حيال مبادرة الإدارة الذاتية الأخيرة، إنما يعبّر عن تطور غير مسبوق في موقف هذه القوى التي طالما كانت متشددة تجاه واجهات الإدارة السياسية والعسكرية، لكن التخوف الكبير من إجبار المعارضة المتحالفة مع تركيا على المصالحة مع النظام وبقاء بشار أسد في منصبه، يبدو أنه خلخل هذا التصلب، خاصة وأن الكثيرين باتوا أكثر قناعة اليوم أن تحالف الإدارة مع الولايات المتحدة يمكن أن يكون مفيداً في النجاة من “الحتمية” التي يعتقدون أن المشروع التركي-الروسي يقود إليها.

أورينت نت

————————-

تركيا تعمل لاحتواء خوف حلفائها من مصالحة بشار/ عقيل حسين

“لا يوجد أي سبب للوثوق بأي موقف صادر عن الرئيس ‎أردوغان أو حكومته فيما يخص حماية المعارضة في عملية التطبيع مع نظام الكيماوي في ‎سوريا، فقلّما تجد له موقفاً لم يمارس عكسه عملياً، سواء في سياسته الداخلية أو الخارجية، طيلة فترة حكمه”.

بهذه الكلمات غرد خالد الخوجة، الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض، والقيادي الحالي في “حزب المستقبل” التركي الذي يقوده أحمد داوود اوغلو، تعليقاً على لقاء موسكو الثلاثي الذي جمع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات التركية والروسية والسورية.

أهمية ما قاله الخوجة لا تنبع فقط من كونه مسؤولاً سابقاً في أهم مؤسسات المعارضة السورية الرسمية، بل في اشارته لنقطة “التطمينات” المقدمة من الحكومة التركية للمعارضة السورية المقيمة على أراضيها والمتحالفة معها، إذ من الواضح اطلاعه على مضمون الاتصالات بينها وبين المسؤولين الأتراك عن الملف السوري.

ضبط المعارضة

وحصلت “المدن” على معلومات عن تواصل مكثف بين الائتلاف وهؤلاء المسؤولين منذ الإعلان عن لقاء موسكو، بهدف تطمين المعارضة السورية من جهة وضبط رد فعلها من جهة ثانية.

وحسب مصادر في الائتلاف، فإن أنقرة شددت على أنها لا يمكن أن تتخلى عن “أصدقائها السوريين” وستدافع عن حقوقهم وتطلعاتهم في مفاوضاتها مع الطرف الآخر، وأن المطلوب من المعارضة السورية الصبر والثقة بالجانب التركي.

المصادر أكدت أن هذه التطمينات لم تمنع القلق والانقسام داخل الائتلاف، الذي عجز مع ذلك عن إصدار أي موقف رسمي رغم اجتماع الهيئة السياسية الخميس، حيث تقررإبقاء الهيئة في حالة اجتماع بانتظار اللقاء مع الخارجية التركية التي اقترحت موعداً مبدئياً له الاثنين، من دون تثبيته بشكل رسمي.

لكن ورغم ذلك، فقد تجنب الائتلاف أو أي من مكوناته إصدار موقف رسمي أو رد فعل، باستثناء تغريدة على “تويتر” قال فيها إن “مظاهرات حاشدة تعم المدن المحررة، تؤكد على ثوابت الثورة السورية بإسقاط النظام والانتقال السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي” الأمر الذي زاد من حدة الاحتقان الشعبي ضد المؤسسة، والذي كان واضحاً خلال التظاهرات التي عمت مدن الشمال الخاضع لسيطرة المعارضة رفضاً للمشروع التركي-الروسي الداعي للمصالحة بين المعارضة والنظام، حيث ندد الكثيرون من المشاركين بالموقف الضعيف للائتلاف، واتهموه بالتبعية الكاملة لتركيا على حساب المصلحة الوطنية.

بين نارين

مصادر “المدن” كشفت أن أعضاء ومكونات الائتلاف منقسمون الآن بين موقفين، جهة ترى أن التوجه التركي الجديد أصبح شديد الخطورة ولا يمكن مجاراته أكثر، بينما يرى آخرون أن القضية السورية يجب أن تخرج من هذا الاستعصاء وأن تعجل بالوصول إلى حل سياسي ينهي معاناة الشعب بأي وسيلة، وبالتالي لا بد من المضي في هذا المسار من أجل تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه من جانب المعارضة.

لكن كلا الفريقين كما تقول المصادر لا يجرؤ على التعبير عن مواقفه خشية ردود الفعل، حيث يتجنب الطرف المعارض للتوجهات التركية الإعلان عن ذلك بشكل رسمي كي لا يغضب الأتراك، بينما يدرك الطرف الآخر أن التصريح بموقفه سيضعه بمواجهة مباشرة مع الشارع السوري المعارض للمصالحة مع النظام، والذي أظهر موقفاً حاسماً في مظاهرات الجمعة.

ولذلك ربما لم يجد رئيس المكتب الإعلامي للائتلاف، والمتحدث باسم وفد المعارضة إلى مسار أستانا أيمن العاسمي، سوى “حمل العصا من المنتصف” بالتأكيد أن “حالة الاستعصاء” ليست من مصلحة قوى المعارضة والثورة، وأن هذا التحرك التركي “يشكل ضغطاً على النظام وداعميه، ويضعه أمام استحقاقات يجب عليه تقديمها”.

وقال في سلسلة تغريدات له مساء الجمعة: “نحن في المعارضة نمثل حقيقة موقف شعبنا وموقف أبناء ثورتنا في مطالبتهم بنيل حقوقهم وحريتهم كاملة والتي حرمنا منها طيلة العقود السابقة”، معتبراً أن تركيا تسعى للحل “بما يتوافق مع رؤية المعارضة السورية، باعتبار تركيا ضامنة لها”.

“الاستعصاء أفضل من الاستسلام” هكذا كان أبرز التعليقات على تغريدة العاسمي، بينما رأى الكثيرون أن الطريقة التي تعامل بها الائتلاف مع التطور الأخير والذي يعتبر من أخطر الانعطافات التي شهدتها القضية السورية، يمثل تأكيداً جديداً على أحقية المطالبة بتجاوز هذه المؤسسة التي بات الكثيرون يطلقون عليها اسم “منصة اسطنبول” ويرفضون أن تكون ممثلة لقوى الثورة والمعارضة بوضعها الحالي.

وتعليقاً على ذلك، يرى القيادي في تحالف “الحراك الثوري” رضوان الأطرش أن “الائتلاف كعادته وحيال كل حدث مفصلي يخص الثورة السورية آخر من يتكلم، بينما يفترض أن يكون أول المصرحين طالما أنه الممثل السياسي للثورة”.

وعن موقفه من الدعوة لانتاج بديل عن الائتلاف وما إذا كان ذلك ممكناً، يقول الأطرش في تصريح ل”المدن”: ما شاهدناه من مظاهرات شعبية وقراءة بيان سوري وطني موحد في سبع نقاط في الشمال، يثبت أن هذا الحراك قادر على تنظيم وهيكلة نفسه، ويستطيع فرز قيادته بعد أن وصل إلى قناعة مطلقة بعبثية الأجسام التي تدعي تمثيل السوريين، وهذه هي الخطوة التي يجب أن تعمل عليها قوى الثورة الشعبية والمجتمعية والنقابات المهنية، والفرصة اليوم باتت متاحة أكثر من أي وقت مضى.

التطورات الأخيرة التي شهدها الملف السوري في ما يتعلق بلقاء موسكو الثلاثي وطريقة تعامل مؤسسة الائتلاف معه، دفعت وبقوة الكثير من المطالبين بإعادة هيكلته بشكل جذري أو إنتاج بديل عنه لإعلاء صوتهم أكثر، معتبرين أن الصمت الذي مارسه حيال هذه التطورات يعتبر إقراراً رسمياً بالعجز والاستسلام.

المدن

———————–

هل التقارب التركي مع النظام من توابع سياسة “خطوة بخطوة”؟/ أمير رضوان

لطالما سعى المبعوث الأممي إلى سوريا “غير بيدرسن” لطرح مقاربات غريبة في الحل السياسي للملف السوري، ومن بينها ما سمّاه سياسة “خطوة بخطوة”، وتعني اتخاذ خطوات متبادلة بين النظام السوري والمجتمع الدولي لكسب الثقة بين الطرفين، والاتجاه بالتدريج نحو إتمام الحل السياسي من دون الاصطدام بعثرات الحل الشامل ونتيجته المعروفة مسبقاً من جهة النظام.

سياسة بيدرسن “خطوة بخطوة” لم تكن واضحة بما فيه الكفاية، رغم الإشارات إلى أنها ستشمل المعتقلين على سبيل المثال من جانب النظام. ورغم أن بيدرسن ألمح إلى مباركة الروس والأوروبيين والأميركيين لمبادرته، إلا أن الأطراف المشاركة في اللجنة الدستورية لم تحقق أي تفاهم في المجمل، مع مماطلة النظام وتعطيله للاجتماعات، ورفض المعارضة لتلك السياسة.

إلا أن الاختراقات أو التطورات التي حصلت في الملف السوري مؤخراً، تعطي إشارات قد يُفهم منها أن سياسة خطوة بخطوة تنعكس على العديد من الملفات، كحلٍ من هنا ومبادرة هناك واستيعاب من طريق آخر، ومن ذلك الاجتماع الأخير الذي جمع وزيريْ دفاع النظام السوري وتركيا في موسكو، والذي كان الأول من نوعه منذ 11 عاماً، وبحضور مسؤوليْ المخابرات لدى الجانبين.

وبالتوازي مع هذه الأجواء “الإيجابية” في نظر من يراها كذلك، يستمر الانهيار المتسارع لليرة السورية، إذ تجاوزت قيمتها 7 آلاف ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد، وتطحن الأزمة المعيشية قاطني مناطق سيطرة النظام، مع غياب واضح للدعم من جانب حكومة النظام، وكأنها تركت ملايين السوريين يصارعون الجوع والمرض ويقتلعون شوكهم بأيديهم.

وكان الكونغرس الأميركي وافق على مشروع قرار يعتمد استراتيجية مشتركة بين الوكالات الأميركية لتفكيك تجارة المخدرات من جانب النظام السوري، ووقف إنتاجها وتهريبها إلى دول المنطقة، بعد حصول المشروع على دعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ورغم أن سياسة الولايات المتحدة لمعاقبة النظام السوري ما زالت تصر على تجنب معاقبة الشعب السوري، سواء من خلال قانون قيصر الصادر في منتصف كانون الأول عام 2019، الذي أشار بوضوح إلى تجنب قطاعات مرتبطة بقوت السوريين وحياتهم اليومية وطبابتهم، مع التركيز على قطاعات تدعم النظام السوري مباشرة وتدر أموالاً طائلة على مسؤوليه مثل الأسلحة والنفط وكل ما يساهم في تعذيب السوريين وقتلهم. وهنا يأتي مشروع قانون المخدرات ليشكل سهماً موجهاً إلى صميم تجارة النظام المزدهرة، والتي أغرق بها سوريا ودول المنطقة، وعادت عليه بأرباح طائلة وسمعة عالمية توازي دولاً في أميركا اللاتينية كانت تشتهر بإنتاج المخدرات.

وبينما تضغط دول عربية وإقليمية لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وتنفتح عليه أو تدعو للانفتاح معه أو تخفيف وطأة العزلة عنه، ما زالت دول ترفض وتتمسك بموقفها منه وتحرمه من العودة إلى الجامعة العربية على سبيل المثال لا الحصر، وهي سياسات بدت متسارعة ومتقلبة بشكل مستمر من معظم الفاعلين في الملف السوري، تقترب وتبتعد بحسب السياق والتطورات الكبرى، لكن جميعها يتفق على أن لا عودة سريعة للعلاقات مع النظام السوري ولا يوجد حل شامل للملف السوري دون أن يمر بمراحل.

يستشعر السوريون اليوم أي تطور باعتباره انعكاساً لتغيرات جديدة في الملف السوري، وكل ذلك قد يكون ضمن سياسة “خطوة بخطوة” لصاحبها بيدرسن، ولو كان حدثاً صغيراً أو هامشياً كالتعزية التي وجهها أعضاء في المجلس الإسلامي السوري بوفاة مؤسسة حركة القبيسيات “منيرة القبيسي” بدمشق، يُضاف إليها الحديث عن نقاشات داخل فصائل المعارضة بخصوص تطورات الموقف التركي، الذي يمضي يوماً بعد آخر باتجاه النظام السوري.

كذلك فإن التفاوض بين النظام وقسد على خلفية العملية التركية التي لوحت بها أنقرة مراراً، يشي بأن هناك سعياً من جانب الطرفين للدفع باتجاه صياغة جديدة للعلاقات بينهما، دون أن تتضح معالمها حتى الآن، لكن كل ذلك يعود مجدداً إلى النقطة ذاتها، والتي تتوقف عند سياسة “خطوة بخطوة” بعد أن زلّ بيدرسن سابقاً بمبادرة ماتت في مهدها وأطلق عليها “العدالة التصالحية”، لما في ذلك من إرباك بسبب مصطلح المصالحة أو التصالح، وانعكاساته على الرأي العام لجمهور الثورة السورية.

سياسة خطوة بخطوة تخلق علامات استفهام كثيرة بخصوص التطورات المقبلة، فلا أحد يدري أيها تندرج ضمن تلك السياسة الأممية، وما إذا كانت الاتفاقات الإقليمية والدولية تخضع للمزاج الأميركي وتتفاهم معه، أو تمضي باستقلالية دونه، وهي ميزة تُحسب لبيدرسن أنه قفز على كل العراقيل التقليدية التي كانت تعطل مسار عمله، وطرح مبادرته للحل كأسلوب للممارسة السياسية يعطي الدول الفاعلة مرونة أكبر وقدرة على التنازل أو التشدد متى شاءت، وفي ضوء ذلك يبحث السوريون عن أي فرصة للحل، وربما يحللون أي خطوة كبيرة جديدة باعتبارها “تآمرية” ستزيد من معاناتهم.

أمير رضوان

تلفزيون سوريا

————————-

في اجتماع موسكو الكل رابح عدا السوريين/ أحمد رحال

على مدار عقد من الزمن كانت تصريحات القيادة التركية تتضمن وصف حاكم دمشق باللاشرعي وبالديكتاتور والقاتل، وأن حسابه على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري سيكون عسيراً، وأن نصرة الشعب السوري واجب على كل شعوب المنطقة، وأنهم المهاجرين والأتراك هم الأنصار، وغيرها من تصريحات أراحت نفوس السوريين، وخلقت بهم الأمل بحليف سيكون عوناً لهم أمام جلاد استعصى بحكم سوريا، وقرر مواجهة الشعب السوري بكل ما امتلكت آلته العسكرية من قوات وعتاد وإمكانيات.

انعطاف أنقرة نحو عواصم عربية (الرياض، دبي، القاهرة) وتصحيح العلاقات معها، قرأها السوريون على أنها خطوة بالاتجاه الصحيح لإعادة رص الصفوف بدعم قضية الشعب السوري التي مزقتها تلك الخلافات، لكن الانعطاف نحو دمشق فاجأهم وبدؤوا ضرب أخماسهم بأسداسهم عما سيؤول إليه المصير.

في ظل قيادة عسكرية وسياسية وحكومية مترهلة ومسلوبة القرار للمعارضة السورية, يبقى الشعب السوري مكشوفاً بلا غطاء ولا سند وبعيداً عن أي تمثيل له, فالائتلاف الوطني لقوى الثورة (وهو البعيد عن الثورة) منشغل بغياب رواتبه ومخصصاته المالية التي أوقفتها تركيا بسبب اختلاسات وفقدان مئات آلاف الدولارات من خزينته دون تقديم بيانات أو كشوف تبين أين صُرفت, ومع توقف الأموال توقف عملهم السياسي (المتوقف أصلاً), وحتى الموظفين الإداريين في مبنى الائتلاف تم إبلاغهم من أمانة الائتلاف بوقف صرف رواتبهم اعتباراً من 22 الشهر الماضي, وسياسياً فقد الائتلاف دوره لصالح هيئة التفاوض واللجنة الدستورية, ويصح عليه القول: إكرام الميت دفنه.

الحكومة المؤقتة جزء من أربع حكومات في الجغرافيا السورية تسيطر عليها سلطات الأمر الواقع وتقتات على دماء السوريين، لا سلطة حقيقية ولا خدمات وجل ما تقوم به الحكومة المؤقتة مع قريناتها ببقية المناطق هو عملية قوننة وشرعنة طرق نهب جيوب الناس وجباية الأموال لحساباتهم البنكية.

في الشق العسكري فقد توقفت الجبهات ومُنعت من أي عمل عسكري ضد نظام الأسد وحزب الله وإيران بموجب تفاهمات أستانا بين أنقرة وموسكو، ويحق لهم فقط الرد على انتهاكات النظام وخروقاته، وحتى تلك أحياناً تنازلوا عنها أو كانت ردودهم خجولة وعلى استحياء وتحت عنوان: إسقاط الواجب، وفقط باتجاه شرقي الفرات بقيت بندقية الفصائل موجهة بموجب التبعية التي تحكم الجيش الوطني لصالح الجيش التركي لقتال قوات سوريا الديمقراطية.

أمام هذا الواقع كان لابد من استعادة قرار الثورة للحاضنة الشعبية التي أعلنت سحب ثقتها عن معظم القيادات العسكرية والسياسية والحكومية في شمال غربي سوريا منذ إعلان وزير الخارجية التركي أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالعاصمة الصربية بلغراد، ونتيجة صمت كل من تصدر المشهد الرسمي للثورة السورية، قامت الحاضنة الثورية بتنظيم المظاهرات ورفع شعار “لا للمصالحة من نظام الإجرام في دمشق”.

لم يكن لقاء وزير الخارجية التركية هو فقط عامل القلق لدى جمهور الثورة, بل التصريحات التي تتالت فيما بعد من أعلى هرم القيادة السياسية التركية, والتي بدأت الحديث عن قرب لقاء أنقرة بدمشق وقرب قمة الرئيس أردوغان بالأسد, وبعدها بدأت توضع خرائط وسيناريوهات ومطالب الطرفين لتحقيق تلك الأهداف, أنقرة قالت إن أي لقاء قمة تجمع أردوغان بالأسد يجب أن تعبر حافلتها محطات أربع, الأولى وصلت إليها حافلة المصالحة عبر لقاءات أمنية تكررت أكثر من مرة بين رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان وبين مدير مكتب “الأمن الوطني” حالياً، اللواء علي مملوك, على أن تمر الحافلة بمحطات أخرى تشمل لقاءات بين وزارتي الدفاع ثم لقاءات بين وزارتي الخارجية التي ستضع اللمسات الأخيرة لجدول أعمال قمة تجمع الرئيس التركي بالرئيس اللاشرعي في دمشق.

اجتماع موسكو بين وزراء دفاع روسيا “سيرغي شويغو” والتركي “خلوصي أكار” والسوري “علي محمود عباس” الذين اصطحبوا معهم رؤساء أجهزتهم الأمنية, لم يكن مفاجئاً ولا مباغتاً ولا حدثاً مستغرباً نظراً للزخم المتصاعد من تصريحات المسؤولين الأتراك والتي طغت على الحدث الأهم تركياً، وهو موضوع الانتخابات والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الليرة التركية, وفي هذا الاجتماع أُقرَّ وبحسب “وكالات أخبار” عن تشكيل لجان ثلاثية لمتابعة النقاش من قبل الجهات المجتمعة تبدأ عملها نهاية الشهر الحالي كانون الأول/ ديسمبر، على أن يكون مقر انعقاد الاجتماعات عواصم بلادهم بشكل متناوب تكون بدايته في موسكو تليه أنقرة ثم دمشق.

في ظل معارضة سورية في تركيا فاقدة للقرار, ضعيفة, مترهلة, لم تعد تمثل السوريين بعد أن سحبوا الشرعية منها منذ زمن, ولم يعد يعيرونها أدنى اهتمام, لم يكن متوقعاً من تلك المعارضة أكثر مما اعتاد عليه السوريين, غياب كامل عن المشهد, أو اختلاق سبب لامتناعهم عن إصدار بيان كما فعل رئيس الائتلاف سالم المسلط عندما ادعى تعرضه لوعكة صحية ونقله للمشفى تهرباً من المسؤولية أثناء غزو مدينة “عفرين” من قبل أبو محمد الجولاني الإرهابي زعيم تنظيم جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام, وباستثناء بعض المواقف الفردية لم تصدر أي جهة رسمية معارضة موقفاً مما حصل في موسكو, باستثناء خبر عن اجتماع قادم بين رئاسة الائتلاف والخارجية التركية, رغم أن مصادر تركية تحدثت أن عبد الرحمن المصطفى رئيس ما يسمى “حكومة سورية مؤقتة” أوعز للفصائل بالتجهز للمصالحة مع النظام, وقال رئيس تحرير صحيفة Aydinlik التركية “مصطفى يوجال”، خلال لقاء تلفزيوني مع رئيس حزب الوطن التركي، إن رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن المصطفى “يتزعم” 11– 12 فصيل, وقد اجتمع معهم في عينتاب التركية منذ عدة أيام وأبلغهم بأنه قد حان الوقت للمصالحة مع النظام السوري وطلب منهم التجهز للمرحلة الجديدة, مضيفاً، بأنه يجري في الوقت الراهن تجهيز الفصائل المسلحة على الأرض لهذه المرحلة.

أمام هذا الواقع كان لابد للحاضنة الثورية أن تخرج للساحات والشوارع مرة أخرى لتأكيد نقطتين أساسيتين: الأولى أنها ترفض أي مصالحة مع النظام اللاشرعي في دمشق، والثانية أن قرار الثورة لديها، ولن تقبل بقرارات أو مواقف لكيانات سياسية وعسكرية غير شرعية اغتصبت سدة قيادة الثورة، وبهذا الصدد خرجت مظاهرات عارمة وغاضبة في معظم مدن وبلدات وقرى ومخيمات الداخل في شمال غربي سوريا، رافضة المصالحة وفاضحة تخاذل القيادات السياسية والعسكرية وحتى الحكومة المؤقتة.

فحوى لقاء وزراء الدفاع في موسكو لم يكن واضحاً وتتالت تسريبات عدة تحدثت عن اتفاق الأطراف الثلاثة المجتمعة على فتح الطرق الدولية (M4), وتأمين عبور البضائع التركية نحو الأردن ولبنان والخليج العربي, وإنشاء آلية مشتركة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين بعد توفير أرضية مناسبة, وإنهاء تواجد قوات سوريا الديمقراطية في شرقي الفرات, وعودة ميليشيات الأسد للحدود الدولية وسيطرتها على المعابر, وكان وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو قد لمح لإمكانية انسحاب تركيا من سوريا لصالح نظام الأسد, مقابل مصادر تحدثت عن طلب تركي بتعديل اتفاقية أضنة من حيث عمق التوغل التركي دون إذن من دمشق لتصبح 32كم على كامل الحدود التركية_ السورية بدلاً من خمسة كيلومترات كانت بالسابق.

في ميزان الربح والخسارة قد يكون الرئيس أردوغان أكبر الرابحين من خلال سحبه لأوراق ضاغطة لطالما حاولت المعارضة التركية التشبث بها وإشهارها بوجه حزب العدالة والتنمية وأهمها ورقة اللاجئين, تليها ورقة الحرب على الإرهاب وغيرها من ملفات قد تُشكل فارقاً ومحفزاً للأصوات الرمادية التي لم تحسم موقفها في صندوق الانتخابات التركية القادمة منتصف العام الجديد 2023, وبشار الأسد الفاقد للشرعية في دمشق قد يجد باللقاء مع غريمه إمكانية حصد أجزاء من شرعيته المفقودة, لكن مرابحه ستبقى معنوية أكثر منها مادية, فاللقاء مع أردوغان لن يقدم فائدة لاقتصاده المأزوم الذي يعاني منه, وحتى عودة اللاجئين في ظل إحجام الدول المانحة على دعم اتفاقات وتفاهمات جانبية سيزيد من أعباء نظام دمشق المالي المفلس بنكها المركزي, لذلك نُقل عن البعض أن وفد الأسد إلى موسكو كان فاتراً ومتردداً عند نقاش ملف عودة اللاجئين, وأمام رابح في أنقرة وشبه رابح في دمشق يبقى الشعب السوري هو الخاسر الأكبر بعد مد أطواق نجاة لنظام متهالك آيل للسقوط.

دخول ورقة اللاجئين السوريين في تركيا (يوجد في تركيا 4,7 مليون لاجئ سوري) كملف انتخابي تركي خلافي، أرق السوريين في تركيا بعد تعرضهم لكثير من حملات العنصرية أدت لمقتل عدد منهم وترحيل قسم كبير إلى سوريا، ومع لقاء موسكو الأخير باتوا يتوجسون خيفة من إعادتهم لنظام دمشق وهم الرافضون العودة لمناطق شمال غربي سوريا نتيجة الانتهاكات التي تُمارس فيها، فكيف العودة لمناطق نظام دمشق صاحب التاريخ بالإجرام والمجازر؟؟ خاصة أن من يُفترض أن يدافعوا عنهم (الائتلاف والحكومة المؤقتة) نائمون بالعسل ولا هم ولا غم لهم بالالتفات لتلك القضايا السخيفة بنظرهم.

التصريحات التركية سلطت الضوء على أحد أهم أهداف مصالحة أنقرة لدمشق من خلال توحيد الجهود العسكرية للطرفين (تركيا وجيش الأسد) مع “الجيش الوطني” لمحاربة “إرهاب قسد” في شمال شرقي سوريا, لكن المعطيات على الأرض تختلف عن الأمنيات والرغبات, فمن ناحية, لا قدرات عسكرية ولا نية لنظام الأسد بالقتال شرقي الفرات, وحتى لو توفرت الإمكانيات والمقدرات فمن الذي يستطيع مهاجمة منطقة يحميها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي تفرض حظراً جوياً وبرياً على كامل مناطق شرقي الفرات, إضافة أن الموقف الأميركي مما حصل في اجتماع وزراء الدفاع في موسكو كان واضحاً برفض واشنطن دعم أي عملية تطبيع مع الديكتاتور الوحشي بشار الأسد (كما جاء بالتصريح حرفياً), وحثت واشنطن الدول على النظر بعناية لتاريخ نظام بشار الأسد (ملمحة لمجازر صور قانون قيصر ومجزرة حي التضامن), وأكدت واشنطن أنها لم تغير سياستها تجاه نظام بشار الأسد, وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد وقع منذ أيام مشروع قانون لمكافحة إنتاج الكبتاغون والاتّجار به من قبل ميليشيات بشار أسد في سوريا، وذلك بعدما أقرّه الكونغرس الأميركي.

مما لا شك فيه أن الانعطافة التركية أحدثت تعقيدات وتشابكات جديدة تُضاف للمشهد السوري المتأزم أصلاً, لكن هناك من قال إن الخطوة التركية قد تكون غايتها تحفيز بقية الأطراف الدولية والإقليمية, ودفعها لإعادة تفعيل الملف السوري المهمش عن طاولات الحوار السياسية, وأن أنقرة كأكبر المتضررين من وجود قرابة خمسة ملايين لاجئ سوري على أراضيها, وستة ملايين آخرين تحت نفوذها, لابد أن تتحرك وتحرك بقية الحكومات من أجل التسريع بحل سياسي ينهي المأساة السورية, وهناك من قال إن كل ما يجري عبارة عن مناورة سياسية للقيادة التركية التي تعلم تماماً أن بشار الأسد تجاوز نقطة الإنقاذ والفاعلية, وأن غاية أنقرة ربح الوقت, وسحب أوراق ضاغطة من يد المعارضة التركية, والوصول لموعد الانتخابات بوضع أفضل, ثم تطوى كل تلك المرحلة باجتماعاتها ووعودها, لكن المواطن السوري الذي سأم الموت والقتال والتهجير والنزوح يتطلع للخلاص لكن عبر إسقاط منظومة لاشرعية وفاسدة وقاتلة ما زالت تغتصب السلطة في دمشق.

نورث برس

————————

الاتفاق السوري – التركي… هل تصلح موسكو ما أفسدته الحرب؟/ مصطفى رستم

هي خطوة أولى في مشوار الألف ميل بين دمشق وأنقرة، بدأت من موسكو بعقد لقاء ثلاثي ضم وزراء الدفاع التركي والسوري والروسي بحضور رؤساء استخبارات هذه الدول، وهو اجتماع كان كفيلاً إلى حد بعيد بإذابة الجليد بين دولتين جارتين سادت لغة الحرب بينهما لعقد من الزمن، بينما كانت قد سبقته سلسلة اجتماعات أمنية على مدار أشهر، وسيتبعه لقاء مشابه بين وزيري الخارجية السوري فيصل المقداد والتركي مولود تشاويش أوغلو في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الحالي.

الاتفاق الثلاثي، بحسب ما صرحت به أروقة دوائر السياسة الروسية، يمكن تلخيصه في نقاط تتضمن انسحاب تركيا بالكامل من سوريا، واحترام أنقرة سيادة دمشق بشكل يضمن فتح الطريق الواصل بين اللاذقية وحلب “أم 4″، وبسط نفوذ النظام في دمشق على الأراضي التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مع تشكيل لجان مشتركة تنفيذية للاتفاق.

الضمانات والتحديات

ومع كل ذلك تنظر الأوساط السياسية السورية بحذر وحرص شديدين حيال الاتفاق ومدى تطبيقه على الأرض، لا سيما أن المصلحة التركية بالانعطاف إلى دمشق والعودة من خلال مد جسور التواصل معها سببه المباشر الانتخابات التركية في عام 2023، بالتالي تمثل عودة اللاجئين المطلب الأصعب بالنسبة إلى حكومة أنقرة الداعمة لهم وللمعارضة السورية منذ بداية الصراع المندلع عام 2011. ومع كل ما يثار حيال تطبيع العلاقات بين البلدين، تثار تساؤلات عن جدوى العثرات والضمانات لتحقيق بنود الاتفاق بكل ما جاء فيه.

ورأى السفير السوري السابق لدى تركيا نضال قبلان في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن “وجود ضمانات لتحصين الاتفاق أمر ضروري، ويجب أن تلزم موسكو الجانب التركي إجراءات على الأرض عبر جدول زمني، بل وإيجاد مراحل لتطبيق كل الخطوات عبر مواعيد ومواقيت محددة، والالتزام به، كالانسحاب من إدلب وتسليم مناطق في ريف حلب، وكلها برعاية روسية. إن كل الاتفاقات في السابق لم نرَ التزاماً وثيقاً بها من جانب تركيا”.

ولفت قبلان أيضاً إلى أهمية ضمان وجود شريط أمني على طول الحدود يمكن أن يحدد بـ10 أو 15 كيلومتراً في سوريا، والمساحة ذاتها في تركيا، وليس فقط في الأراضي السورية “مع تسيير دوريات (روسية – تركية – سورية)، ووقف نهب الثروات، والنظر إلى إيجاد تعويضات مالية واقتصادية وتعويض للصناعيين الذين نهبت وفككت معاملهم، وهربت إلى تركيا، مع فتح المعابر الحدودية لإيجاد حركة تصدير واستيراد متبادل”.

الانفتاح الاقتصادي

في غضون هذه التطورات، ينظر الشارع السوري إلى المصالحة كضوء يخترق الأسوار المحيطة باقتصاده المتهالك بعد عقوبات تزداد وطأة وشدة، وانعدام القدرة الشرائية، مما أنهك السوريين، ولهذا الأمر خرج المجتمع الأهلي والمحلي في سوريا بكل أطيافه ومشاربه الموالية والمعارضة لمطالبة الولايات المتحدة بإلغاء العقوبات، ولا سيما قانون قيصر (سيزر)، أو التخفيف منه.

وفي هذا الجانب رجح قبلان أن “الانفتاح الاقتصادي واتفاقات التجارة البينية كفيلة بصناعة فرق. ولعل الأميركي حينما يرى عدداً من الدول من بينها الصين وتركيا قد كسرت الحصار وقوانين العقوبات، فحتماً سيلغيها، بالتالي لا شيء دائماً في السياسية”.

العثرات في إدلب

إزاء ذلك، ومع بداية تطبيق ما اتفق عليه بين دمشق وأنقرة، يمكن الاصطدام بالوجود الأميركي، شمال شرقي البلاد، حيث في قواعد عسكرية وفي حقول النفط والغاز، أو بالأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إحدى أذرع “الإدارة الذاتية” الكردية. وقال السفير السوري السابق لدى تركيا، إن “الأميركي ليس بصدد المواجهة على الأرض في سوريا مع الروسي أو يقف بوجه تركيا الدولة العضو في (الناتو)”.

وجزم في الوقت ذاته بأنه “بالتوازي مع جهود لكسر جليد العلاقات، ونية فتح صفحة جديدة، فإن التنظيمات المتشددة في ما يخص حضورها بإدلب، ومن أبرزها هيئة تحرير الشام (النصرة) سابقاً، وتنظيمات متشددة أخرى، قد لا تذعن للاتفاق”. وأضاف، “ليس مستبعداً البدء بحملة عسكرية وأمنية (سورية – روسية – وتركية) لتحرير هذه الأراضي بالقوة، بخاصة أن هذه الجماعات ترفض الرضوخ لهذه التطورات، ولهذا هم أمام خيارات، إما الانصياع، وإما المواجهة العسكرية، وإما نفيهم خارج البلاد”. ومن غير السهل، بحسب مراقبين، أن تتخلى هذه التنظيمات بعد مرور ثماني أو تسع سنوات عن وجودها بعد قضاء فترة طويلة، بالتالي ليس مستبعداً أن ترسلها إسطنبول إلى ساحات دولية ساخنة عسكرياً، كما حدث في أذربيجان، ولا تخفي الأوساط السياسية في دمشق خدعة الحكومة التركية الحالية بغرض الحصول على مكاسب سياسية لكسب الشارع الداخلي من هذا التطبيع، ويجزم متابعون للشأن السوري بأن التحدي أمام الضامن الروسي كبير لإرغام أنقرة على الوفاء بالتزاماتها، لكن على رغم ذلك لا بد من وجود جدول زمني محكم قبل الانتخابات التركية التي ستجري هذا العام.

 اندبندنت عربية

————————–

ماذا يضير السوريين من الاجتماعات الروسية التركية مع النظام؟/ هية مارديني

قد أكون رغم التصريحات التركية المبكرة قد اندهشت ولكنني قلت لنفسي لأفكر بشكل عكسي ماذا يضير السوريين أن يحدث مثل هذا الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع ومخابرات النظام وروسيا وتركيا وخاصة أن مفاوضات جنيف في خبر كان والحل السياسي توقف واللجنة الدستورية مجمدة وأستانا دون مخرج ومصادر تركية تقول إن الاجتماع الثلاثي في موسكو، تطرق إلى 4 عناوين، العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وإعادة الممتلكات لأصحابها عند عودتهم، وضمان محاكمات عادلة، واستكمال التعديلات الدستورية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة..

ماذا يضيرنا كسوريين من هذا الاجتماع ونحن نعرف أن النظام سيتحدث ويقول ويقدم الوعود ولكن لن ينفذ، عودة اللاجئين تعني سقوطه وانتخابات حرة ونزيهة كالعنقاء من المستحيلات إن مسألة العودة الآمنة للاجئين السوريين في تركيا واسترداد ممتلكاتهم التي احتلت الأولوية خلال الاجتماع، لم ولن ترضي النظام حتى لو كان الروسي هو الضامن أو الضاغط، ولكن ماذا ونحن أمام اجتماع قادم لوزراء الخارجية الروسية والتركية مع وزير خارجية النظام؟..

الإعلان عن الخبر كان واحداً ولكن بصيغتين مختلفتين، الوكالة التركية تؤكد ما قاله وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للصحفيين حول اتصاله الهاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وأن لافروف سأله “متى نعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي؟”، وأنه بدوره أجابه قائلا “فلنحضر جيدا للقاء ومتى ما كنا مستعدين فلنعقده في ذلك الوقت”.

وأضاف جاويش أوغلو أن لافروف سأله عما إذا كان النصف الثاني من يناير موعداً مناسباً؟ وأنه أجابه بأنه من الممكن ذلك. وتابع أنه: “لم نقرر بعد أين سنعقد اللقاء، ومن الممكن أن يتم في بلد ثالث، وتم طرح أسماء بعض الدول”.

في حين أورد الإعلام الروسي (سبوتنيك) الخبر على الشكل التالي أن وزير الخارجية التركي أعلن أن بلاده اقترحت عقد اجتماع مع سوريا بين وزيري خارجية البلدين في دولة ثالثة خلال النصف الثاني من كانون الثاني/يناير المقبل.

وشتان بالفعل بين طريقة الخبرين فعلى ما يبدو تحاول روسيا أن تقول إنها لا تؤثر على تركيا لعقد اللقاءات وإن كل ما يحدث يجري بطلب تركي. في كل الأحوال فقد كانت ردود فعل السوريين في المناطق المحررة واضحة وهي أنها ليست ضد الحل ولكنها ضد التطبيع مع النظام، الجو السائد بالنسبة للسوريين إعلانهم في تظاهراتهم عن موقفهم الرافض للتقارب مع بشار الأسد وبيانات أيضا من المعارضة تعلن عن مواقفها الرافضة.

أما هيئة التفاوض ممثلة برئيسها الدكتور بدر جاموس والائتلاف السوري المعارض ممثلاً برئيسه سالم المسلط فقد طلبا عقد لقاء مع الأتراك كان مقرراً الإثنين وقد تم  تأجيله من الجانب التركي بسبب عطلة الأعياد.

والواقع أن موقف الائتلاف عموما يماثل الجو العام السائد عند السوريين حتى لو لم يتم التصريح به بينما المنطق يقول لا يمكن للأتراك التفريط “باستثمارهم” سياسياً بالائتلاف بسهولة والصلح والتصالح مع النظام ليست طريقاً معبداً وكثير يعتقدون أن الأمر مجرد مناورة سياسية لكسب الوقت للانتخابات التركية ولسحب الملف السوري من أيدي المعارضة التركية وإرضاء لروسيا، أيضا ستعرف أنقرة كيف تستثمره في علاقاتها معها في عدة مجالات..

ولكن لابد من التريث لتقييم الموقف لاحقاً مع ما ستشهده في الاجتماعات القادمة.

—————————–

حدود الاتفاق والافتراق بين أضلاع المثلث الروسي-التركي-السوري/ عريب الرنتاوي

يرى الكرملين أن مصلحة بلاده، كسب ودّ تركيا، وضمان موقفها “المحايد” في الأزمة الأوكرانية، وتوسيع شقة الخلاف بينها وبين الغرب، الولايات المتحدة أساساً، وتفادي انخراطها في أنشطة “الناتو” التي يرى الكرملين أنها تستهدف تطويق روسيا وعزلها واستنزافها، وبهذا المعنى، فإن استجابة الرئيس بوتين لدعوات نظيره التركي تطبيع العلاقة مع دمشق، تُعد خدمة لرجب طيب أردوغان، وهو يقترب من مفترق طرق انتخابي حاسم بعد أقل من ستة أشهر.

القراءة الروسية للمشهد التركي الداخلي، تفصح عن رغبة حقيقة بفوز أردوغان بولاية رئاسية إضافية، وبقاء حزبه، العدالة والتنمية، في سدة حكم البلاد…الكرملين يخشى هزيمة الطبقة التركية الحاكمة، ومجيء معارضة معروفة بقربها من الغرب وواشنطن ولا تخفي نزعاتها الأطلسية، ولهذا فهو على أتم الاستعداد لتقديم أية خدمة ممكنة لبقاء أردوغان على كرسي الرئاسة، دون المساس بالطبع، بأعمق مصالح حليف موثوق له في دمشق.

على المدى الأبعد، يراهن الكرملين، على تنسيق وتعاون بين دمشق وأنقرة، لمواجهة “الجيب الكردي” في شمال سوريا الشرقي، ليس لأن لروسيا موقف مناهض للأكراد، فقد سبق لها في “أستانا 2” أن عرضت نظاماً فيدرالياً لسوريا، رفضه النظام والمعارضة سواء بسواء، بل لأن “قسد” باتت قاعدة الارتكاز الرئيسة للوجود الأمريكي في تلك البقعة، ومن مصلحة موسكو، الاستثمار في العداء السوري – التركي المشترك لقوات سوريا الديمقراطية، بهدف إحراج الوجود الأمريكي، توطئة لإخراجه.، وذلك من ضمن رؤية أوسع للصراع الكوني بين روسيا والولايات المتحدة.

لماذا يهتم أردوغان بالتطبيع مع سوريا؟

لتركيا ثلاث مصالح استراتيجية في سوريا، يسعى أردوغان في العمل على صيانتها وتطويرها، وفي أقل تقدير، وضعها على “سكة الإنجاز” قبل الانتخابات الرئاسية الحاسمة في يونيو المقبل:

أولها؛ تبديد ما تعتقده أنقرة، تهديداً إرهابياً لأمنها واستقرارها وسلامة وحدتها الترابية، تمثله “قسد” وأكراد سوريا، الذين يدين معظمهم بالولاء للمعارض الكردي عبد الله أوجلان، ولا يخفون صلاتهم بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا، وتدور بين مقاتليه والسلطات في أنقرة، معارك كسر عظم لأكثر من أربعة عقود…الأتراك يراهنون على “مخاوف” الأسد من الحركة الكردية ، السياسية والمسلحة، ويسعون للاستثمار في هذه المخاوف، وينوون اختبار فرص التعاون مع دمشق، للإطاحة بهذا الجيب، سياسياً وعسكرياً، وتفكيك بناه التحتية وقواعده “شبه الدولاتية” في تلك المنطقة…هذه نقطة محورية في التفكير الاستراتيجي التركي.

ثانيها؛ بعد أن تحولت قضية اللجوء السوري في تركيا، من ورقة بيد أردوغان وحزبه ضد النظام من جهة، وضد أوروبا من جهة ثانية، باتت عبئاً عليهما في أية انتخابات مقبلة، هذه القضية تحوّلت من ذخر إلى عبء على صناع القرار في أنقرة، أزيد من 3.5 مليون لاجئ سوري، باتوا يحتلون مكانة مركزية في الحملات الانتخابية، والمعارضة تستثمر في هذه الورقة، وتَعِد جمهورها بتوظيف علاقاتها المستمرة مع دمشق، لضمان عودة سريعة لهؤلاء إلى سوريا، طوعية كانت أم إجبارية، وهو أمر يجد صدى كبيراً لدى جمهور الناخبين، بالنظر لتفاقم الأزمة الاقتصادية في تركيا، وتكاثر المشكلات الاجتماعية وتفشي “ُثقافة الكراهية” للأجانب…أردوغان يريد أن يخرج ببيان تركي – سوري مشترك، يرسم خريطة طريق لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، أقله لتهدئة روع الناخب، وإشعال ضوء في نهاية نفق اللجوء السوري الثقيل اقتصادياً واجتماعياً.

ثالثهما؛ مصلحة اقتصادية، وتتشعب على مسارات عدة، التجارة الثنائية، تجارة الترانزيت، البحث عن حصة في إعادة إعمار سوريا عندما يحين الوقت لذلك، ملف الطاقة، رهان على النفط والغاز السوريين في شرقي المتوسط، سيما بوجود أرقام واعدة عن حجم المخزون السوري منهما، رغبة في استقبال “أنابيب النفط والغاز” شرقي المتوسط، من إسرائيل مروراً بلبنان وانتهاء بسوريا، وتحويل تركيا إلى “منصة-Hub” كبرى، لا تعتمد على النفط الروسي فحسب، بل وعلى نفط شرق المتوسط كذلك.

هذه النقطة بالذات، النفط والغاز، لا شك تثير “قلقاً” في موسكو، التي تريد “الاستفراد” بالأسواق الأوروبية للطاقة، لكنه تهديد متوسط الأجل، وربما بعيد الأجل، في حين تواجه موسكو تحديات فورية وضاغطة على خلفية حربها في أوكرانيا وعليها، وهي تبدو مستعدة، على ما يبدو، لترجيح التعامل مع ما هو فوري وآني من هذه التحديات، على أن أمل أن يأتي المستقبل، محمّلاً بظروف جديدة وحسابات مختلفة.

لماذا جنح الأسد لخيار “التطبيع” وما الذي يتطلع لتحقيقه؟

بخلاف موسكو، تفضل دمشق التريث على مسار التطبيع مع أنقرة، الأسد يأمل أن يتمكن أصدقاؤه في المعارضة التركية من الوصول إلى سدة “القصر الأبيض” في أنقرة، وهو سبق وأن أبلغ الوسيط الروسي، بأن قمة ثلاثية تجمعه ببوتين وأردوغان، ممكنة بعد الانتخابات وليس قبلها…الرسالة السورية واضحة: اتفاق مع المعارضة التركية، سيكون أفضل بكثير من اتفاق مع السلطة القائمة حالياً، سيما بعد أن كشفت المعارضة جميع أوراقها في هذا الصدد، وأعلن بعض قادتها استعدادهم حتى لدفع تعويضات لسوريا عن تدخل بلادهم الضار في الأزمة السورية، وفود المعارضة التركية إلى دمشق، لم تنقطع خلال السنوات العشر الفائتة، في حين يعد اللقاء الثلاثي بين وزراء دفاع وقادة استخبارات سوريا وتركيا وروسيا، حدثاُ غير مسبوق، طيلة العشرية السوداء التي مرت على سوريا.

لكن دمشق، تخشى مع ذلك، أن تجد نفسها بعد يونيو القادم، أمام أردوغان وحزبه وقد أعيد انتخابهما، وهذا ما نقلته موسكو إليها في سلسلة تقديرات حول الوضع الداخلي في تركيا وتوازنات القوى بين كياناتها عشية الانتخابات…المعارضة التركية، أبلغت دمشق أنها آتية للسلطة، وطلبت إليها الامتناع عن “التطبيع الكامل” مع نظام أردوغان قبل الانتخابات، حتى لا يحظى بورقة إضافية تعزز مكانته الانتخابية.

في ضوء انعدام اليقين لدى دمشق بالنتائج المحتملة للانتخابات التركية، وتحت ضغط الحليف الروسي القوي، جنحت دمشق لمسار التطبيع مع أنقرة، لكن لدمشق مطالبها كذلك، حتى لا نقول شروطها، فهي أولاً؛ تريد تعريفاً مشتركاً للإرهاب يتخطى الحركات الكردية إلى أكبر عدد ممكن من فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، وكان لها ما أرادت في المداولات داخل الاجتماع الثلاثي الأخير في موسكو، لكن الصيغة التي أقرت، جاءت عمومية، لم تحدد أسماء وهويات الفصائل الإرهابية، و”الشيطان كامن في التفاصيل”.

ودمشق ثانياً؛ تريد لتركيا أن توقف كافة أشكال الدعم والتسهيلات التي تمنحها لفصائل معارضة محسوبة عليها، وأخرى “جهادية” في إدلب، وسط قناعة سورية راسخة، بأن وقف الدعم والتسهيلات التركية لهذه الفصائل، سيفضي إلى “مواتها” في غضون أشهر معدودات.

وسوريا تريد ثالثاً؛ انسحاباً تركياً من المناطق التي دخلتها الجيوش التركية في قواطع عملياتها الأربع، وفي أقل تقدير، إقرار “جدولٍ زمنيٍ” ملزمٍ لإتمام ذلك الانسحاب، فدمشق تخشى “سياسات التتريك” المعتمدة في تلك المناطق، ولا تريد لها مصيراً مشابهاَ لمصير “لواء الاسكندرون” كما يتردد في أروقتها.

وفوق هذا وذاك، فإن لدمشق مصلحة في فتح نوافذ التجارة مع تركيا، وفتح البلاد لتجارة الترانزيت، وربما جذب استثمارات تركية، فالخانقة الاقتصادية تعتصر البلاد والعباد، ودمشق راغبة في البحث عن أية مخارج، حتى وإن كانت من باب “التعلق بحبال الوهم”.

ماذا بعد، أين من هنا؟

قبل عدة أسابيع، رسم الرئيس أردوغان خريطة طريق لتطبيع علاقات بلاده مع سوريا، تحدث عن محادثات أمنية تمهيدية رفيعة المستوى، تبدأ أولاً، وهذا أمر يحصل منذ فترة من الزمن، وهو متواصل باستمرار، تليها محادثات على مستوى وزراء الدفاع، وقد نجح الكرملين في ترتيب اللقاء الثلاثي الأخير، غير المسبوق، ثم لقاءات على مستوى وزيري الخارجية، لتتوج لاحقاً بقمة ثلاثية، يرعاها بوتين ويحضرها إلى جانب الأسد.

حتى الآن، يمكن القول، أن نصف الطريق، أو أقل قليلاً، قد قطع، والمراقبون بحاجة للانتظار بعض الوقت، لمعرفة ما إن كان مولود جاويش أوغلو سيلتقي بنظيره السوري فيصل المقداد، بعدها يمكن توقع التئام القمة المنتظرة بين الجانبين، وليس قبل ذلك.

لا ندري ما إن كان هذا المسار، سيُستَكمل بكامل حلقاته قبل الانتخابات أم بعدها، أردوغان يستعجله والأسد يستمهله…وربما ستساهم استطلاعات الرأي التي ستقيس اتجاهات الناخب التركي وميوله التصويتية، في حسم هذا المسار، تسريعاً أو إبطاءً…وربما يكون الأسد، قد “جامل” حليفه الروسي بالذهاب إلى “نصف الشوط” على مسار المصالحة، مبقياً “ورقة القمة” إلى ما بعد الانتخابات، وربما يكون الرجل بحاجة لكي يتأكد بأن أردوغان عائد للحكم بعد يونيو، وأن من الأفضل له، إبرام صفقة معه قبل الانتخابات، وهو في أشد الحاجة لبعث رسائل التطمين لناخبيه حول مستقبل اللاجئين ومصير أكراد سوريا (وتركيا بالطبع)، على أن ينتظر إلى ما بعد الانتخابات، حيث سيكون “غريمه اللدود”، في وضع أفضل وأقوى…من المبكر تقدير سرعة إنجاز ملف التطبيع بين البلدين، لكن المؤكد أنهما ذاهبان في مختلف الظروف، لطي صفحة “دامية” امتدت لعشر سنوات عجاف

الحرة

——————————–

انتخاب أردوغان في دمشق/ عبد السلام حاج بكري

يدرك حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أن نظام بشار الأسد لا يملك من أمر سوريا شيئاً، وأنه إذا ما أراد أمراً من هذا البلد فيمكنه التحدّث إلى روسيا، وهي ستتولى فرض ما يتمّ الاتفاق عليه، لكنه يحتاج دفعاً إعلامياً وسياسياً يدعم حظوظه بالاستمرار في حكم تركيا والفوز في الانتخابات الرئاسية الوشيكة، وهذا يتأتّى عبر فتح طريق دمشق والحوار مع النظام ومناقشة موضوع إعادة اللاجئين إلى سوريا.

ودأبت المعارضة التركية على استثمار ورقة اللاجئين في استمالة الناخب التركي، وأثمرت تقدّماً واضحاً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، برزت تجلياته بالفوز برئاسة أهم بلديتين في تركيا، إسطنبول وأنقرة، ويحاول الحزب الحاكم سحب هذه الورقة من يد المعارضة لاستعادة زخم تأييده وزيادة وناخبيه، لا سيما أن الأتراك عموماً باتوا يضيقون ذرعاً من ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين.

سلكت أنقرة طريق موسكو لفتح دمشق لعبور الانتخابات الرئاسية، وهو الطريق المتوقع نظراً لانحسار دور النظام السوري في سوريا لصالح روسيا أولاً وإيران ثانياً، ولا شك أن النظام سيرضخ لما تمليه عليه روسيا وفق ما تتفق عليه مع تركيا، وهكذا جاء لقاء وزراء دفاع الدول الثلاثة في موسكو ومخرجاته التي بصم عليها النظام السوري، وهو سعيد بها مهما كانت مجحفة، لأنها تفتح له طاقة في الجدران المغلقة التي تغلّفه، على أمل أن تلحق بها طاقات أخرى.

اتفاق تركيا وروسيا على الخطوات والإجراءات في سوريا ليست استيراتيجياً بل تكتيكياً، تحتاجه الدولتان لعبور أزمات مرحلية تعيشانها، ووجدتا في سوريا المكان المناسب، ولن يكون غريباً أنه اشتمل على بنود تتصل بمناطق أخرى مثل أوكرانيا وليبيا، وقد يليه اتفاقات في الفترة القريبة القادمة يرعاها مسؤولون دبلوماسيون، وربما رؤساء هذه الدول.

وبما أن لا إعلان واضح عمّا اتفقت عليه روسيا مع تركيا وأملته على نظام الأسد، إلا أن ما خرج يوحي بأن تركيا حققت مكسباً اقتصادياً مع الحديث عن إعادة فتح الطريق الدولي البرّي من تركيا إلى الأردن ومنه إلى الخليج، الذي خسرته منذ عام 2012، وهو منفذ في غاية الأهمية لها باعتباره أسهل وأسرع طرق الترانزيت البرّي التي تصلها بالخليج.

لا يخفى على روسيا مدى حاجة أردوغان لاستعادة العلاقة مع بشار خدمة لانتخاباته الرئاسية القادمة، ولا شك أنها سعت لتحقيق الاستفادة القصوى من وساطتها ظاهرياً مع الأسد ليقبل محاورة تركيا، وسيكون لها على الأرض السورية مطالب عدة من تركيا، وليس أقلّها إلغاء العملية العسكرية شمال سوريا.

تدرك القيادات الكردية في سوريا ذلك، ولم تعد تخشى اجتياحاً تركيا لمناطقها، لكنها باتت تتوجّس تنسيقاً بعيد المدى بين تركيا ونظام الأسد يزيد ضغط فكّي الكماشة عليها، لا سيما أن روسيا لديها من الأزمات ما يجعلها تنشغل عن ضبط الأسد ومتابعة تنفيذ اتفاقاتها مع أنقرة، في الوقت الذي لا يطمئن فيه الكرد لاستمرار الدعم الأمريكي، وفي ظل عدم رغية أمريكا إغضاب تركيا من أجل كرد سوريا.

لقد باتت إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم حاجة تركية حقيقية لكل الأحزاب التركية المتنافسة، وصارت مطلباً شعبياً للأتراك عموماً، وسيتزايد عدد العائدين “طواعية” إلى سوريا بشكل كبير في الشهور القادمة، لكن إعادة معظمهم ما تزال بعيدة لأن ذلك يتطلب ضمانات كبيرة لأمنهم وحياتهم لا يمكن للأسد أن يوفرها، وهي تتطلب انسحابه من مناطق واسعة من أرياف حماة وإدلب واللاذقية، وهذا ما يستبعد موافقة روسيا عليه قبل التوصل إلى حل للقضية السورية.

خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في تركيا، سيعمل حزب العدالة والتنمية على رفع سوية الترويج الإعلامي للخطوات التي سيمشيها باتجاه نظام الأسد، غير آبه بردود الأفعال، لا سيما تلك التي تشير إلى انهيار المنظومة الكلامية لحزب العدالة والتنمية التي كانت تروّج لفتح دمشق، وتوّجها أردوغان بوعده إقامة الصلاة في المسجد الأموي.

—————————–

تركيا تتحدث عن «خطوة أخيرة» قبل لقاء مفترض بين إردوغان والأسد

اجتماع لوزراء خارجية البلدين وروسيا في منتصف الشهر الجاري… والمعارضة السورية تطلب «توضيحات» عاجلة

أنقرة: سعيد عبد الرازق

فيما يعد ردا على تقارير في وسائل الإعلام القريبة من النظام في دمشق، ذكرت أن تركيا أكدت أنها «ستسحب قواتها من شمال سوريا عقب الاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في تركيا وسوريا وروسيا في موسكو، الأربعاء الماضي»، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن ذلك يتطلب تقدم العملية السياسية هناك.

وأوضح جاويش أوغلو، في تصريحات ليل السبت – الأحد،: «وزير دفاعنا ورئيس مخابراتنا قدما موقفنا والتفسير اللازم خلال الاجتماع في موسكو، لكننا نقول دائما إنه إذا كان هناك فراغ، فلا ينبغي أن تملأ المنظمات الإرهابية هذه الفجوة… نقول دائما إن هذه أراض سورية… نحن نعلم هذا، وليست لدينا أطماع فيها. نحن ندعم وحدة الأراضي السورية، ولكن يجب أن يكون هناك استقرار في شمال سوريا، ويجب اتخاذ بعض الخطوات في العملية السياسية… نحن نقول هذا منذ فترة طويلة».

واستضافت موسكو، الأربعاء الماضي، اجتماعا ثلاثيا ضم وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، والسوري علي محمود عباس إلى جانب وزير الدفاع الروسي سيرغي لافروف ورؤساء أجهزة مخابرات الدول الثلاث.

وتناول الاجتماع، بحسب وزارة الدفاع التركية، مسألة «العودة الآمنة للاجئين السوريين، والتعاون في مكافحة التنظيمات الإرهابية والعملية السياسية في سوريا».

وجاء الاجتماع بعد سلسلة لقاءات بين جهازي المخابرات في تركيا وسوريا. وقول الرئيس رجب طيب إردوغان، في تصريحات سابقة، إنه عرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد اجتماع قمة، يسبقه اجتماع لرؤساء أجهزة المخابرات ووزراء الدفاع والخارجية.

وقال جاويش أوغلو، إن الخطوة المقبلة بعد اجتماع وزراء الدفاع «ستكون عقد اجتماع لوزراء الخارجية، وأنه سيلتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لبحث الأمر».

وحدد، عقب اتصال هاتفي مع لافروف، مساء السبت، موعد لقاء وزراء الخارجية، قائلا إن «الاجتماع الوزاري الثاني، سيعقد في النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي، من دون تحديد مكان الاجتماع.

وقال الوزير التركي، في تصريحات من البرازيل حيث حضر مراسم تنصيب الرئيس المنتخب لولا دا سيلفا، إن لافروف سأله: «متى سنعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي؟»، وإنه أجاب بدوره: «فلنحضر جيدا للقاء ومتى كنا مستعدين فلنعقده في ذلك الوقت».

وأضاف، أن لافروف اقترح عقد اللقاء في النصف الثاني من يناير، وأنه قبل بالموعد، قائلا: «لم نقرر بعد أين سنعقد اللقاء، ومن الممكن أن يتم في بلد ثالث، وتم طرح أسماء بعض الدول خلال المحادثة مع لافروف».

ورفض جاويش أوغلو الكشف عن أسماء تلك الدول، قائلا إنه سيتم الإفصاح عن ذلك لاحقا عندما يتم تحديدها، لأن هناك بدائل عدة مقترحة في هذا الصدد. وأضاف: «الاجتماع قد يعقد في روسيا أو في بلد ثالث». ولفت إلى «أن التطبيع مع دولة ما، يتطلب عقد لقاءات عدة وليس لقاء واحدا فقط، وإلا فلن يكون ممكنا إحراز تقدم».

وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان حول الاتصال الهاتفي بين لافروف وجاويش أوغلو، إن الوزيرين تبادلا التهاني بمناسبة العام الجديد، وبحثا خطط التعاون بين وزارتي الخارجية في 2023، «بما في ذلك تنسيق أكبر للخطوات من أجل حل القضية السورية».

في السياق ذاته، كشفت مصادر في «الائتلاف الوطني» لقوى الثورة والمعارضة السورية، عن طلبه عقد اجتماع عاجل مع مسؤولي الحكومة التركية، «لبحث مسألة التقارب مع النظام السوري، التي تتطور على نحو متسارع».

وذكرت المصادر، أن الائتلاف طلب من المسؤولين الأتراك «توضيح بعض الأمور والمستجدات بعد اجتماع موسكو الأسبوع الماضي»، مرجحة عقد اجتماع في غضون أيام قليلة لبحث الأمر.

وكان جاويش أوغلو أكد، في تصريحات غداة اجتماع وزراء الدفاع في موسكو، أن تركيا «لن تتحرك ضد حقوق المعارضة السورية رغم خطوات التطبيع مع النظام السوري، وأنها ترى ضرورة تحقيق التوافق بين المعارضة والنظام من أجل التوصل إلى حل الأزمة وتحقيق الاستقرار في سوريا».

وانتقد جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي الخميس الماضي أجرى خلاله تقييما لعمل وزارة الخارجية في العام 2022، المظاهرات الشعبية التي عمت مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا عقب تصريحاته في أغسطس (آب) الماضي، التي كشف فيها عن لقاء جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وطالب المعارضة «بتحقيق التوافق مع النظام»، معتبرا أن من قام بتلك التحركات «هم جماعات قليلة تتحرك وفق مصالحها الخاصة، وأن المعارضة السورية لم تبد أي رد فعل تجاه التقارب بين أنقرة والنظام».

وتجددت المظاهرات الشعبية الحاشدة في مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا، الجمعة، رفضاً للمصالحة مع النظام السوري وللتنديد بالتقارب التركي معه، فيما لم يصدر موقف رسمي عن المعارضة ممثلة بهيئة التفاوض، والحكومة المؤقتة و«الائتلاف الوطني»، الذي نشر بيانا على صفحته الرسمية على «فيسبوك» ذكر فيه أن «المظاهرات خرجت للمطالبة بإسقاط النظام وتحقيق الانتقال السياسي».

وعقب اجتماع موسكو، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن بلاده «لن تقدم على أي خطوة من شأنها أن تضع الإخوة السوريين في مأزق، سواء الذين يعيشون داخل بلادهم أو في تركيا، ولن تتخذ أي إجراء ضد الشعب السوري».

وقيم مراقبون في أنقرة تصريحات جاويش أوغلو عن لقاء وزراء الخارجية في النصف الثاني من يناير، باعتباره «الخطوة الأخيرة التي تسبق اللقاء بين إردوغان والأسد برعاية روسيا»، لافتين إلى أن أنقرة تسعى لعقد لقاء إردوغان والأسد قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في تركيا في يونيو (حزيران) المقبل، وأن إردوغان وحكومته «يسعيان إلى إحداث اختراق في ملف عودة اللاجئين السوريين لنزع تلك الورقة من يد المعارضة التركية التي تستخدمها في الضغط على إردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم في ظل تصاعد الرفض لبقاء السوريين في تركيا».

الشرق الأوسط

—————————–

الجولاني يحرج المعارضة السورية في بيان رافض للتطبيع التركي مع الأسد

اعتبر قائد “هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني أن التطبيع التركي مع النظام السوري يعد “انحرافاً خطيراً يمس أهداف الثورة السورية”.

كلمة “أبو محمد الجولاني”

وقال في خطاب مرئي بثته “مؤسسة أمجاد الإعلامية” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” إن “الثورة السورية تواجه تحدياً جديداً في نضالها المستمر بوجه النظام وحلفائه، وإن المباحثات التي تجري بين النظام وحليفه الروسي مع الجانب التركي، تعد انحرافاً خطيراً يمس أهداف الثورة السورية”.

وأضاف “ندعو كل مخلص غيور أن يبذل الجهد ويضع يده بأيدينا ويصطف إلى جانبنا في مواجهة هذه التحديات، ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام”.

وبعد أن ذكّر بالمجازر التي ارتكبها النظام السوري بحق السوريين، والدمار الذي ألحقه بالمدن السورية، تساءل الجولاني “بعد كل ما فعله النظام، من الذي يرضى لنفسه أن يصطف مع هؤلاء القتلة؟”.

وبعد لقاء موسكو الذي جمع مسؤولين في الحكومة التركية مع مسؤولين من النظام السوري، علقت العديد من الجهات السورية المعارضة المدنية والعسكرية على الاجتماع، باستثناء “الائتلاف السوري لقوى المعارضة” الذي يعد أحد أبرز الممثلين السياسيين لقوى الثورة السورية.

لقاء النظام السوري مع تركيا في موسكو

وفي لقاء رسمي هو الأول من نوعه منذ عام 2011، جمعت العاصمة الروسية موسكو، الأربعاء، وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، مع وزير دفاع النظام السوري علي عباس على طاولة مباحثات واحدة.

وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن “اجتماع موسكو ضم وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والسوري علي محمود عباس، بالإضافة إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة”. مضيفةً أن “الاجتماع ناقش الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين ومكافحة جميع التنظيمات الإرهابية في سوريا”.

من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الخميس، إنه أكد خلال الاجتماع الثلاثي في موسكو مع نظيريه الروسي ووزير دفاع النظام السوري، “على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254”.

——————————–

موسكو توظف اتفاق الشمال السوري في صراعها مع واشنطن/ وليد شقير

أنقرة تربط لقاء أردوغان – الأسد بإجراءات الحد من انتشار “قسد” وإعادة النازحين

أسئلة كثيرة أعقبت الاجتماع الثلاثي الروسي – التركي – السوري على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات في الدول الثلاث حول الوضع في شمال سوريا، بعد أن كانت النتيجة الرئيسة لهذا الاجتماع عودة الجانب التركي عن نية التوغل ضمن الأراضي السورية بعمق 30 كيلومتراً، بحجة إخراج الميليشيات الكردية المنضوية ضمن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من المناطق الواقعة تحت سيطرتها، والتي تعدها أنقرة “إرهابية” وتقوض الأمن في تركيا.

وبحسب التصريحات التركية والتسريبات الروسية والسورية، على تنوعها واختلافها في تحديد الأولويات، فإن اجتماع موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي خلق دينامية جديدة في العلاقة بين النظام السوري والجانب التركي برعاية كاملة من القيادة الروسية. فوزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، قال إن الاجتماع المرتقب بنظيره السوري فيصل المقداد، قد يجري في النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي، فيما قالت مصادر دبلوماسية روسية إن اجتماع موسكو أقر تسلسلاً للقاءات بهدف استعادة العلاقات السورية – التركية حرارتها، إضافة إلى اجتماعات اللجان المشتركة من أجل متابعة الإجراءات التي اتفق عليها على الصعد العسكرية وعودة النازحين، وتقضي باجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث، كما أعلن أوغلو، على أن يعقبه اجتماع على مستوى الرؤساء برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحضور الرئيسين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد، خلال الأشهر الأولى من السنة الجديدة.

الاتصالات الروسية التمهيدية شملت إيران

ويرى تشاويش أوغلو أنه في مسألة التقارب مع النظام السوري، هناك دول عدة تدعم عملية الانخراط معه، وهناك من يعارضها، وهناك من يتوخى الحذر، وهناك أيضاً من يرغب في ترجمة العلاقات إلى خطات ملموسة، لكن ما هي انعكاسات هذه التطورات المرتقبة على وضع الأكراد في المنطقة الشمالية وعلى الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا؟ وإلى أي مدى سيصل تطبيع العلاقات بين الدولتين الجارتين بعد أن كان الأسد قد عاند الجهود الروسية في هذا الصدد، وقام بوتين بإقناعه بوجوب اعتماد نظرة واقعية؟ وكيف ستستفيد دمشق من تحسن العلاقات المنتظر، سواء على صعيد تكريس سلطة الأسد أو معالجة بعض جوانب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها مناطق سيطرته، وهل ستؤدي فعلاً إلى عودة جزء من النازحين السوريين إلى المناطق الشمالية بدايةً، وكيف سينعكس ذلك على علاقة بعض فصائل المعارضة السورية بالنظام ومسار الحل السياسي؟

مصادر دبلوماسية روسية أوضحت لـ”اندبندت عربية” أن “اللقاء في موسكو على مستوى وزراء الدفاع وقادة أجهزة الاستخبارات تم التحضير له خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بتعليمات من أردوغان وبوتين، ومن خلال وساطة روسية وتعليمات من الأسد. وعلى مدى تلك الأشهر جرت اتصالات مكثفة أمنية وعسكرية ودبلوماسية شاركت فيها إيران أيضاً”.

تسريع الخطوات العملية تمهيداً للقاء الرؤساء

ذكرت المصادر الروسية نفسها أن “الهدف الرئيس من المشاورات كان “تعزيز نظام التهدئة وخفض التوتر أولاً، الذي توصلت إليه أطراف مجموعة أستانة وتعميمه على كامل الأراضي السورية. كما وضع الخطوات التي يجب أن تتخذ لمساعدة سوريا على تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعانيها، باعتبارها عاملاً مهماً جداً للحفاظ على نظام التهدئة والاستقرار، إضافة إلى إيجاد سبل لحل أزمة اللاجئين وتطويق الجماعات المسلحة غير المسيطر عليها، التي لم تشملها إجراءات التسوية. فهذه المجموعات تسبب عامل قلق للأمن التركي والأمن السوري والاستقرار بشكل عام في المنطقة”. وهذا أيضاً يشمل بطبيعة الحال “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الأكثرية  الكردية، والتي تسيطر على بعض المناطق في الشمال الشرقي لسوريا. فروسيا تؤكد أن هذه القضايا يجب حلها عن طريق الحوار وتسويتها بالطرق السلمية، لذلك لا يمكن حل هذه المشكلات الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك قضية النازحين، من دون تطبيع العلاقات التركية – السورية.

وتشير المصادر الروسية إلى أن الاتصالات التمهيدية “أحرزت بالفعل تقدماً مبدئياً مهماً جداً في هذا الاتجاه”، مؤكدةً أنه “مع بداية العام سيتم عقد لقاء لوزيري خارجية سوريا وتركيا، وبعده سيتم اللقاء أيضاً على مستوى الرئيسين. وهذا ليس مرتبطاً أبداً بالانتخابات الرئاسية التركية المنتظرة في يونيو (حزيران) المقبل، والاجتماع على مستوى الرئيسين سيتم حتماً، بحسب هذه المصادر، قبل الانتخابات الرئاسية، ولذلك اتفق على لقاء وزيري الخارجية بشكل مبكر من أجل تسريع الخطوات التي تسبق لقاء القمة. وتم الاتفاق على الخطوات التي سيبدأ اتخاذها على الأرض مباشرةً بعد يومين من اجتماع موسكو.

تفاصيل المهام المشتركة واختلاف في التسريبات

في السياق، شددت المصادر الدبلوماسية الروسية على أنه “جرى تحديد المهام لكل طرف على الخرائط بالنسبة إلى الخطوات العملية، وهذا يشمل إعادة تموضع بعض القوات السورية والتركية، وفتح بعض الطرق وتسيير دوريات مشتركة والاتفاق على عودة اللاجئين وتسوية وضع بعض التنظيمات المسلحة وأن تكون المساعي في شأن هذه التنظيمات مشتركة على الأرض السورية لإيجاد صيغة لتسوية أوضاع المنتسبين إليها”.

وكانت مصادر تركية قد تحدثت عن أن “اجتماع موسكو تناول القضايا المتعلقة بالعودة الآمنة والكريمة للاجئين وإعادة الممتلكات لأصحابها عند عودتهم وضمان محاكمات عادلة واستكمال التعديلات الدستورية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة”.

إلا أن صحيفة “الوطن” السورية المقربة من النظام، وعلى رغم أن بيان وزارة الدفاع السورية أعلن أن الاجتماع الثلاثي في موسكو كان إيجابياً، أعطت تفسيراً له يوحي بأن انعقاده كان انتصاراً للفريق الحاكم في دمشق، فنسبت إلى مصادر مطلعة، وأخرى مراقبة، قولها إنه “لو لم تكن الأمور تسير بشكل مقبول ووفق ما تريده دمشق خلال اللقاءات الأمنية لما حصل الاجتماع”، مشيرة إلى أنه كان إيجابياً، وذكرت أنه اللقاء الرسمي. وأوضحت أنه الأول من نوعه منذ عام 2011، “وجرى بحث جهود محاربة الإرهاب، والأوضاع في سوريا، ومسألة اللاجئين، وجاءت تأكيداً على أهمية استمرار الحوار المشترك من أجل استقرار الوضع في سوريا والمنطقة”.

وذكرت صحيفة “الوطن” أن دمشق “قاومت منذ فتح أنقرة باب التقرب منها قبل أشهر، إغراءات وضغوط الانفتاح السريع، وأظهرت قدراً واسعاً من استقلال قرارها بمنأى عن مبادرات ومساعي الدول الفاعلة في تحقيق المصالحة بين العاصمتين، من خلال تمسكها بنهجها الثابت ومطالبها بوقف دعم الإرهابيين واسترجاع أراضيها المحتلة، كمطلب شعبي أو جدولة الانسحاب بشكل رسمي، كأضعف الإيمان. ودمشق ماضية خلال الفترة المقبلة في سياستها الحالية القائمة على صيانة الحقوق الوطنية والتعامل مع البالونات الإعلامية التي يطلقها الجانب التركي لتسريع خطوات المصالحة والتطبيع. ورأت المصادر السورية أن الوقت يمر لمصلحة دمشق”.

الانسحاب والانفتاح الاقتصادي المشروطان

وفي وقت شدد فيه الإعلام السوري على أن تركيا “وافقت على انسحابها الكامل من شمال سوريا”، ربط تشاويش أوغلو “عزم تركيا نقل السيطرة في مناطق وجودها حالياً”، إلى سوريا بـ”تحقيق الاستقرار السياسي وعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد”، متحدثاً عن “إمكانية للعمل المشترك مستقبلاً”.

ما يعنيه الجانب التركي بـ”عودة الاستقرار في سوريا هو ولوج الحل السياسي، وفق قرار مجلس الأمن الرقم 2254، الذي يتضمن إصلاحات في السلطة، وقيام حكم انتقالي، إضافة إلى عودة النازحين التي كانت أنقرة تتهم دمشق بعرقلتها. وفي هذا الصدد أفادت المصادر الدبلوماسية الروسية ذاتها بأن من الإجراءات التي اتفق عليها أن “تتم عودة من يرغب من النازحين طوعاً بالدرجة الأولى، ومن حيث المبدأ تم تحديد بعض المناطق على الأراضي السورية لبناء مجمعات سكنية ليتم نقل اللاجئين من الأراضي التركية إلى السورية”. وبينما كان الجانب التركي يأمل، منذ أن أطلق أردوغان مبادرته من أجل إعادة مليون نازح سوري إلى المناطق الشمالية كمبرر للعميلة العسكرية التي كان ينوي تنفيذها، بالحصول على تمويل أوروبي لبناء البنية التحتية والمنازل للعائدين، فإذا تعذر هذا التمويل بسبب أولوية المساعدات الغربية لأوكرانيا في حربها مع روسيا، دفع إلى تحديد طموحات هذه العودة، بحصرها بمن لديهم ممتلكات ومنازل في المنطقة الشمالية في مرحلة أولى، وفق المصادر الروسية، ليتم لاحقاً العمل على تمويل إعادة إعمار من دُمرت منازلهم.  لذلك، تقول المصادر ذاتها، إنه “تم الاتفاق على تهيئة الأجواء الأمنية على الحدود، وأن يتسلم حرس الحدود السوري مهامه في المعابر، وأن تتم تهيئة كل الأجواء الآمنة لبدء عمليات التبادل التجاري. وهذه العمليات التي ستبدأ مباشرةً بعد لقاء الرؤساء، والتي ستسهل وصول المساعدات إلى سوريا، والمقصود في الدرجة الأولى العمليات الاقتصادية لوقف التدهور الاقتصادي الذي تعانيه سوريا اليوم”. وفسر مراقبون ذلك بأن فتح باب الاستثمارات في الجانب السوري من الجانب التركي هو إغراء للنظام بالحصول على مساهمة تركية بالانفتاح الاقتصادي على رغم الحصار الغربي على دمشق، مقابل سيطرته على مناطق وجود الميليشيات الكردية وتساهله مع عودة بعض الفصائل السورية المعارضة الموالية لأنقرة. والأرجح أن هذا ما يفسر ربط وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عقد لقاء بين أردوغان ونظيره السوري بـ”الظروف المناسبة”.

ضم العشائر إلى إجراءات الاتفاق بمواجهة “قسد”

لكن موسكو تسعى إلى ضم العشائر العربية في مناطق الشمال السوري، وتلك المحاذية لمناطق الوجود العسكري الأميركي إلى جهود إنجاح عملية انتشار الجيش السوري على الحدود. ولذلك دعت روسيا أحد قادة العشائر، الرئيس السابق لـ”ائتلاف المعارضة السورية” أحمد الجربا لزيارتها، آملةً أن تلعب العشائر دوراً في مواكبة تنفيذ “اتفاق موسكو” وخطوات تموضع الجيش السوري على الحدود.

وفي وقت كان من الطبيعي فيه أن يثير الإعلان عن تقارب وجهات النظر بين تركيا والنظام السوري برعاية موسكو حفيظة المعارضة السورية، وتسبب في تظاهرات احتجاج بمناطقها، لا سيما في مناطق وجود “قسد”، فإن الاحتجاجات التي تلقاها المسؤولون الروس من القادة الأكراد على رعاية موسكو الاتفاق الذي سيحد من حركة قواتهم، قوبلت بموقف روسي سلبي نظراً إلى تحالفهم مع واشنطن ومراهنتهم على نيل دعمها. وأفادت المعطيات في هذا الصدد بأن المسؤولين الروس أبلغوا قادة “قسد” بأنهم اختاروا التعاون مع القوات الأميركية الموجودة في مناطقهم، وعليهم تحمل مسؤولية هذا الخيار. ويعبر هذا الموقف عن بعد آخر لاتفاق موسكو يشكل امتداداً لصراعها مع واشنطن في أوكرانيا إلى الداخل السوري. ولم يكن عن عبث أن الجانب الأميركي انتقد الانفتاح على النظام السوري، ودعا أنقرة إلى “مراجعة تاريخه”.

الشرق الأوسط

—————————-

إيران تعلّق على “اجتماع موسكو”: لماذا لم تكن حاضرة؟

علّقت إيران على الاجتماع الذي حصل في موسكو بين تركيا والنظام السوري وروسيا، قبل أيام، والذي لم يخرج عن نطاق مسؤولي الأطراف الثلاثة، بحسب البيانات الرسمية.

وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني في إحاطة صحفية له، اليوم الاثنين، ورداً على سؤال لماذا غابت طهران عن الاجتماع: “إيران أصرت دائماً على حل سياسي وليس حلاً عسكرياً، وهي مصرة على هذا الموقف فيما يخص سورية”.

وأضاف: “إن دول سورية وروسيا وتركيا أقرت بالدور الحاسم للجمهورية الإسلامية الإيرانية في محاربة الإرهاب في سورية، ودعم حكومة وشعب البلاد، ودعم وحدة أراضي هذا البلد وعملية حل الأزمة السورية”.

وتابع: “تدرك هذه الدول أهمية هذا الدور في استكمال العملية السورية”.

ولم يكن مسؤولي طهران حاضرين في “اجتماع موسكو”، والذي ضم قبل 3 أيام وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، ورؤساء الاستخبارات من الدول الثلاث.

وذلك ما أشارت إليه الرواية الرسمية لموسكو ونظام الأسد وأنقرة، ومن المقرر بحسب وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو أن يعقد اجتماعاً ثانياً في النصف الثاني من شهر يناير الحالي، على مستوى وزراء الخارجية.

وينظر إلى الاجتماع الذي حصل في موسكو على أنه محطة ثانية من بين سلسلة محطات لخارطة طريق كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قد أعلن عنها خلال الأسابيع الماضية، من أجل فتح الحوار مع النظام السوري، وبوساطة روسية.

وتتلخص “الخارطة”، وفق كلمات سابقة لأردوغان بأن “تتحد منظماتنا الاستخباراتية”، ثم “يجب أن يجتمع وزراء دفاعنا”، وبعد ذلك أن “يجتمع وزراء خارجيتنا”، لتتكلل المحطة الثالثة بـ”الاجتماع كقادة”، في إشارة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، وصف اللقاء الثلاثي بأنه “اجتماع مفيد”، وقبله قال بيان الدفاع التركية إنه عقد في “جوء بناء”، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة دفاع الأسد، التي أضافت أنه “كان إيجابياً”.

واعتبر جاويش أوغلو، الخميس أن “التواصل مع النظام مهم للتوصل إلى حل سياسي لسلام واستقرار دائمين، وهذه المشاركة مهمة من حيث المصالحة بين النظام والمعارضة المعتدلة على خارطة الطريق”.

وأضاف يوم السبت بعدما أجرى اتصالاً مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف: “قد يكون موعد الاجتماع مع النظام السوري على مستوى الخارجيات في النصف الثاني من يناير وبدولة ثالثة”.

ورغم أنه كان متوقعاً ومهّدت له الكثير من التصريحات إلا أن اللقاء الذي جمع مسؤولي أنقرة ونظام الأسد على مستوى وزراء الدفاع، أحدث حالة “صدمة وغضب” داخل أوساط الشارع الثوري في سورية، الأمر الذي دفع لإشعال مظاهرات شعبية انسحبت على عموم مناطق الشمال السوري.

وخرج المئات في هذه المظاهرات، قبل يومين، وحمل فيها المحتجون لافتات مناهضة لنظام الأسد ولخطوات ومحاولات تعويمه.

كما رددوا شعارات أكدوا فيها على ثوابت الثورة السورية، مؤكدين بالقول: “لن نصالح النظام. سنستمر بالثورة حتى إسقاطه”.

————————

صحيفة مقربة من الأسد تستعرض مخرجات “اجتماع موسكو

استعرضت صحيفة مقربة من النظام السوري ما قالت إنه مخرجات اللقاء الذي حصل في موسكو مع تركيا، في وقت لم ينشر الأخير أية تفاصيل رسمية على عكس ما اتبعته أنقرة.

ونقلت صحيفة “الوطن” عن مصدر وصفته بـ”المتابع” قوله، اليوم السبت، إن “أجواء اللقاء الثلاثي الذي عقد في موسكو وبرعاية روسية كان ثمرة عدة اجتماعات عقدت من قبل بين أجهزة الاستخبارات في تركيا وسورية”.

واعتبر المصدر أن “هذا اللقاء ما كان ليتم من دون أن يكون هناك عدة نقاط تم الاتفاق عليها بين الجانبين وبما يلبي مصلحة دمشق وشروطها، ومن أهمها انسحاب القوات التركية من كل الأراضي السورية”.

وتخالف المخرجات التي استعرضتها الصحيفة بجزء ما قاله المسؤولون الأتراك، خلال اليومين الماضيين.

وكان اللقاء قد جمع وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار ونظيره في نظام الأسد علي محمود عباس، بالإضافة إلى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورؤساء استخبارات الأطراف الثلاثة.

وقال آكار في تصريح للصحفيين، الجمعة، إنهم بحثوا في اللقاء الأول منذ 11 عاماً هدف رئيسي هو “مكافحة الإرهاب”، بالإضافة إلى ملف اللاجئين.

لكن المصدر الذي نقلت عنه “الوطن” قال إن “اللقاء خلص إلى موافقة تركيا على الانسحاب الكامل من الأراضي السورية التي تحتلها في الشمال”.

كما خلص إلى “تأكيد أنقرة احترام سيادة وسلامة الأراضي السورية، كما تم البحث في تنفيذ الاتفاق الذي تم عام 2020 بخصوص افتتاح طريق الـ M4”.

وتابعت الصحيفة: “الأطراف المجتمعة أكدت أيضاً على أن ميليشيات الـ PKK هي ميليشيات عميلة لأميركا وإسرائيل، وتشكل الخطر الأكبر على سورية وتركيا”.

وستتم متابعة ما اتفق عليه في الاجتماع من خلال لجان مختصة تم تشكيلها من أجل ضمان حسن التنفيذ والمتابعة، وأن اجتماعات لاحقة ستعقد بين الطرفين من أجل مزيد من التنسيق.

ما هو اتفاق 2020؟

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، قد اتفقا، في مارس/آذار 2020، على وقف إطلاق النار في إدلب، عقب محادثات استمرت أكثر من خمس ساعات بحضور كبار مسؤولي البلدين.

وقرر الطرفان تسيير دوريات على طريق (m4) مع إنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه، وبالتالي مرور الدوريات المشتركة الروسية- التركية من مدن وبلدات تحت سيطرة المعارضة، كأريحا وجسر الشغور ومحمبل وأورم الجوز.

واقتطعت الـ12 كيلومتراً على طرفي الطريق، وفق الاتفاق، مساحات كبيرة من مناطق سيطرة المعارضة، على طول الطريق بين قريتي ترنبة غرب سراقب (ريف إدلب الشرقي)، وعين الحور بريف إدلب الغربي، وهما بداية ونهاية مناطق تسيير الدوريات التركية- الروسية، وهو “الممر الآمن”.

وكانت أنقرة وموسكو قد سيرتا عدة دوريات في المنطقة المحددة بـ”الممر الآمن”، ليتوقفا فيما بعد قبل أكثر من عام، بسبب عدة نقاط خلافية، وخاصةً البند المتعلق بفتح طريق “m4″، وإبعاد الفصائل المتهمة بـ “الإرهاب” من جانبيه، على رأسها “هيئة تحرير الشام”.

وبينما اتهمت موسكو أنقرة بعدم تنفيذ التزاماتها الخاصة باتفاق سوتشي، تحركت الأخيرة في منحى آخر، لتُقدم في شهر نوفمبر 2020 على سحب نقاط المراقبة الواقعة في مناطق سيطرة نظام الأسد، والتي كانت قد نشرتها في عام 2017 بموجب تفاهمات “أستانة”.

———————————-

التحالف العربي الديموقراطي” يدين التقارب التركي مع بشار الأسد

آرام – عائشة صبري

أدان “التحالف العربي الديموقراطي” الذي يضم شخصيات من المعارضة السورية، الأحد، التقارب التركي مع مجرم الحرب بشار الأسد، مؤكدين موقفهم الرافض للمصالحة.

وقال “التحالف” الذي كان على رأس الموقعين على بيانه التأسيسي “رياض حجاب، سالم المسلط، فاروق طه، يحيى العريضي، رياض نعسان آغا”، في بيان، وصل لشبكة “آرام”: إنَّ “التحالف العربي الديموقراطي يُعيد التأكيد على موقفه الرافض لإرهاب الأسد، والمطابق لرفضه لإرهاب تنظيمات دعمها وسلّحها الأسد بنفسه مثل داعش وPKK”.

وجاء البيان رداً على تصريحات تركية تتحدث عن صمت المعارضة السورية، قائلاً: “في الوقت الذي يصرّح فيه كبار المسؤولين الأتراك أنَّهم لم يسمعوا ردود فعل سورية واسعة ترفض التطبيع مع الأسد، يشدّد التحالف، بما يمثّله من نخب ورجال دولة وسياسيين سوريين، على أنَّ أي علاقة تقيمها دولة مع هذا المجرم المُدان، سوف تضرّ بمصالحها الخارجية والداخلية، أكثر من أي منفعة براغماتية اقتصادية أو أمنية متوهّمة من وراء ذلك”.

وأكد “التحالف” أنَّ تركيا التي قدمّت للشعب السوري الكثير، على أراضيها وفي الشمال السوري المحرّر، “ليست حليفاً سياسياً عابراً”، والعلاقة الوثيقة معها “علاقة جوار وتاريخ حضاري مشترك عابر فوق الأحزاب السياسية والحكومات المختلفة”.

وأشار إلى أنَّ الإصرار الحالي على المضي في التطبيع مع الأسد ومنظومته الإرهابية بعد كل ما ارتكبه من مجازر، يبدو لنا “رسالة في الاتجاه الخاطئ للشعبين التركي والسوري معاً ولشعوب العالم أجمع”.

وأردف، أنَّ السياسة التركية المعتادة هي أن يحكمها “الضمير والقانون”، ولا يمكن أن ترسم مستقبل المسارات السياسية لدولة بحجم تركيا وتاريخها كجمهورية ومن قبل ذلك كإمبراطورية، ضغوطٌ تُمارَس عليها من ميليشيا إرهابية كحزب العمال الكردستاني أو غيره.

وقدّر “التحالف العربي الديموقراطي” أنَّ الجمهورية التركية دولة لديها كامل الحق باتخاذ القرارات السيادية التي تراها مناسبة لمصالحها في الإقليم والعالم أو حتى لاعتبارات داخلية تتعلق بالانتخابات.

وأعاد التذكير بأنَّ من يحفظ الأمن القومي لتركيا وسوريا معاً هو الشعب السوري الحُرّ، لا نظام الأسد الفاقد للشرعية والملوث بالدماء، والذي بات رأسه وأعوانه ومسؤولوه على قوائم المطلوبين دولياً في جرائم حرب ودعم للإرهاب وصناعة وترويج المخدرات وإغراق العالم بها على مستوى واسع.

بيان للتحالف العربي سوريا.jpg

يشار إلى أنَّ “التحالف العربي الديمقراطي” هو تكتل سياسي سوري وقّع عليه نحو ألف سوري وسورية، في حزيران/يونيو 2020، ويُكرَّسُ عمله لمخاطبة المجتمع الدولي ونقل صوت عرب شرقي سوريا، بناء على ثقة مؤسسيه بأنَّ المستقبل لن يتجاهل الملايين منهم، سواء أولئك الذين يعيشون تحت سلطة الأمر الواقع في “الرقة، دير الزور، الحسكة” أو المهجّرين منهم.

ومن أبرز المؤسسين لهذا الكيان السياسي، “د. رياض حجاب (رئيس مجلس الوزراء المنشق)، السفير د. فاروق طه (دبلوماسي منشق)، الشيخ سالم عبد العزيز المسلط (رئيس مجلس القبائل والعشائر العربية السورية/رئيس الائتلاف الوطني الحالي)، د. رياض نعسان أغا (وزير وسفير سابق)، أ. أسعد مصطفى (وزير سابق)، د. تيسير الرداوي (رئيس هيئة تخطيط الدولة الأسبق)، أ. نواف الشيخ فارس (سفير منشق)، أسامة قاضي (مستشار اقتصادي)، د. يحيى العريضي (عميد سابق لكلية الإعلام في دمشق).

وسبق أن دعت “المبادرة الوطنية السورية”، التي تضم عدداً من المعارضين السوريين، إلى تصعيد الحراك الشعبي في الداخل ودول الجوار، تعبيراً عن رفض المصالحة مع نظام الأسد، بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع بين تركيا وروسيا والنظام.

وأعربت “حركة سورية الأمّ”، التي يترأسها الشيخ أحمد معاذ الخطيب، عن بالغ القلق أنباء التّحرّكات غير المسبوقة للجارة تركيا للانفتاح على نظام الأسد، كما دعا “المجلس الإسلامي السوري” إلى “الثبات الكامل على مطالب الثورة السورية”.

—————————-

هل تركيا والنظام السوري على وشك تطبيع العلاقات؟/ إيمانويل حداد

ترجمة: عبد الحميد فحام

إن اجتماع 28 كانون الأول/ ديسمبر في موسكو بين وزيرَي الدفاع التركي والنظام السوري هو الخطوة الأولى نحو تقارُب بين البلدين اللذيْنِ كانا عدوَّيْنِ لدودَيْنِ حتى وقت قريب.

معلوماتنا عن الموضوع

هذا هو أول لقاء منذ بداية الثورة السورية في عام 2011, الذي قام خلاله خلوصي آكار وعلي محمود عباس، وزير الدفاع التركي ووزير دفاع النظام السوري، بتبادل وجهات النظر في موسكو إلى جانب نظيرهما الروسي سيرجي شويغو حول “طرق لحل الأزمة السورية” وفقاً لبيان وزارة الدفاع الروسية.

يأتي الاجتماع رفيع المستوى بعد إشارات مبكرة من التقارب الثنائي، فوفقاً لرويترز، التقى رؤساء الاستخبارات من كِلا البلدين عدة مرات في دمشق في أوائل أيلول/ سبتمبر، ثم في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، وبعدها أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه ربما يجتمع مع بشار الأسد، قائلاً: إنه “لا يوجد في السياسة أعداءٌ دائمون”.

السياق

يشير هذا التقارب إلى بداية تحوُّل بزاوية تبلغ 180 درجة في العلاقات بين أنقرة ودمشق، حيث كان أردوغان يدعم منذ فترة طويلة المعارضة التي تريد إسقاط بشار الأسد، والذي وصفه بأنه “قاتل” في عدة مناسبات في السنوات الأخيرة. لكننا في واقع الأمر نرى أن أنقرة قد غيرت نبرتها مع جارتها الجنوبية، كما تقول إليزابيث تسوركوف، الباحثة في معهد نيولاينز للإستراتيجية والسياسة.

وبعد دعم فعّال لقوات المعارضة المسلحة السورية وفي أعقاب تدخُّل روسيا المؤيد للنظام في عام 2015، “بدأت أنقرة في تركيز جهودها على محاربة قوات سورية الديمقراطية” التي يرمز لها بـ “قسد” والتي هي حليفة للولايات المتحدة في معركتها ضد تنظيم “داعش” في سورية.

وتشكل حماية الشعب الكردي (YPG) المكوّن الرئيسي في قوات سورية الديمقراطية، وهو فصيل تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية بسبب صِلاته بحزب العمال الكردستاني (PKK).

يأتي اجتماع موسكو بعد أكثر من شهر من إطلاق تركيا عملية “المخلب-السيف” ضد PKK في سورية والعراق، في أعقاب هجوم على شارع الاستقلال الشعبي في إسطنبول منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر. وتهدد أنقرة أيضاً بشن عملية عسكرية برّية جديدة في شمال سورية، مهددة بقتال الجماعات المسلحة الكردية وكذلك بإنشاء “منطقة عازلة” لتشجيع عودة حوالي 3.5 مليون لاجئ سوري موجودين على أراضيها.

ومع ذلك، فإن روسيا وإيران، المؤيدين الرئيسيين للنظام في سورية، تعملان من وراء الكواليس لتجنب تدخل عسكري تركي جديد. فكنتيجة لضغطهما، لم يطلق أردوغان العملية حتى الآن، وهي العملية التي يقدمها داخلياً كحل لعودة اللاجئين السوريين، الذين يواجهون خطاباً شعبياً أقل ترحيباً من ذي قبل في بلد يصارع أزمة اقتصادية. وبعد أن شعر بالتهديد لسلطته في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة التركية المقرر عقدها في حزيران/ يونيو 2023، كان على الرئيس التركي أن يُظهر للناخبين أنه مستعدّ لاتخاذ مسار مختلف. فوفقاً لتسوركوف، “يتم استهداف أردوغان باستمرار من هذه الزاوية من قِبل أحزاب المعارضة، الذين يقولون إنهم مستعدون لتطبيع العلاقات مع النظام السوري من أجل إعادة اللاجئين إلى سورية إذا فازوا بالانتخابات”. ويضيف آرون لوند، الباحث في مؤسسة القرن (سينتشوري فاوندايشن)، أن تحسين العلاقات مع دمشق هو وسيلة لأردوغان للتغلب على المعارضة التركية.

الرهانات

بالنسبة للنظام السوري، أيّ تطبيع يحمل أهمية رمزية، كما تقول تسوركوف, التي تضيف: “إنه بالنسبة للنظام اعتراف بالفشل من قِبل الحكومات التي حاولت سابقاً إسقاط النظام”. وقد كانت أنقرة الداعم الرئيسي للمعارضة السورية وتواصل دعمها لقوات المعارضة في شمال البلاد، ولكن لا يزال هناك العديد من التحديات في هذا الصدد، بما في ذلك وجود القوات المسلحة التركية في سورية، والتي يعتبرها النظام “احتلالاً”.

وينعكس مثل هذا الاعتراف الرمزي أيضاً على موسكو، راعية نظام الأسد السياسي والتي هي أساس هذا الحوار الثلاثي.

ويأتي هذا الاجتماع “على حساب الولايات المتحدة، التي تتبع سياسة العزلة والعقوبات ضد النظام السوري”، كما تقول تسوركوف. كما تسعى روسيا أيضاً إلى تسريع احتمال إعادة بناء سورية، دون الحاجة إلى دفع التكلفة.

وتضيف تسوركوف: “كلما زاد عدد الدول التي تطبع علاقاتها مع النظام السوري، زادت احتمالات الاستثمار في “كومة الأنقاض” وهي عبارة تمثل وضع سورية الحالي، حيث تُقدر كلفة إعادة بناء سورية بمبالغ تصل إلى عدة مئات من مليارات الدولار.

في الوقت الحالي، “ستستمر إشارات التطبيع قبل الانتخابات في تركيا، لكن لا ينبغي لنا أن نتوقع تغييرات حقيقية على الأرض”، وفقاً لما ذكرته تسوركوف؛ لأن النظام السوري غير قادر على تلبية التوقعات الرئيسية لتركيا: المعركة ضد قسد وإمكانية عودة جماعية للاجئين.

رغم أن دمشق وأنقرة لن يحلّا جميع خلافاتهما، إلا أن هذا التقارب يمكن أن يضع حداً للتصادم بين الجانبين، وفقاً لما قاله لوند.

ففي الوقت الحالي، تم تعيين جهود التقارب بالفعل لمواصلة الاجتماعات بين وزراء الخارجية، التي من المقرر أن تتم في الأشهر المقبلة، وفقاً لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو. ففي نهاية المطاف، إذا كان هناك تقدُّم في المحادثات، فقد يتخذ التعاون عدة أشكال، بما في ذلك “القضية” الكردية، وفقاً لـ لوند، حيث يقول: “يمكن أن يكون أحد أشكال التعاون هو إنشاء عمليات مشتركة، أو ضغوط سياسية واقتصادية مشتركة ضد الأكراد”.

أخيراً، بالنسبة للسوريين الذين يعارضون النظام والذين يعيشون في تركيا أو في المناطق السورية التي تسيطر عليها أنقرة، فإن هذا التقارب هو “خبر سيئ بكل وضوح”، وفقاً لما ذكره لوند، الذي يضيف أنه في المستقبل: “لا أعتقد أننا سنرى عمليات ترحيل جماعية، لكن الناشطين سيشعرون بالتهديد، فمن الممكن أن تبدأ الحكومة التركية في السيطرة على أنشطتهم بشكل أكثر جدّية، أو حتى إغلاق بعض وسائل الإعلام الخاصة بهم”.

لوريان لو جور (الشرق اليوم)

نداء بوست

————————-

===================

تحديث 08 كانون الثاني 2023

————————

التطبيع التركي – السوري: التقاء المصالح بعد قطيعة طويلة

شرعت القيادتان التركية والسورية في عقد لقاءات للتقارب بحضور روسي، وقد دفعتهما لذلك عدة ضرورات أمنية وسياسية واقتصادية، لكن هناك قوى إقليمية ودولية منخرطة في الصراع السوري ستعمل على إفشال هذا التقارب.

عُقِد في العاصمة الروسية موسكو اجتماع ثلاثي، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022، ضمَّ وزراء دفاع روسيا وتركيا وسورية، ومسؤولي استخبارات الدول الثلاث. للوهلة الأولى، بدا الاجتماع مفاجئًا وخارجًا عن سياق السياسة التركية تجاه سورية. وكان طبيعيًّا أن يثير ردود فعل من كافة الاتجاهات، بما في ذلك الإدارة الأميركية، التي أصدرت بيانًا استنكاريًّا خفيف اللهجة. الحقيقة، بالطبع، أن لقاءات غير معلنة، على مستوى قادة الاستخبارات التركية والسورية، سبق أن عُقدت بالفعل خلال العام أو العامين الماضيين. في 2021، تحدث وزير الخارجية التركي مع نظيره السوري على هامش مؤتمر إقليمي لوزراء الخارجية، وإن كان بصورة عابرة وغير مطولة.

كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد عبَّر علنًا، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع سورية، دون أن يستبعد لقاء على مستوى القمة في المستقبل. ولم يلبث أردوغان أن تابع تصريحه ذاك بعد أيام قليلة بالإشارة إلى أنه طرح على الرئيس فلاديمير بوتين اقتراحًا بتولي روسيا تنظيم مسار ثلاثي للدفع بعملية تطبيع العلاقات التركية-السورية. والواضح، أن لقاء وزراء دفاع وقادة استخبارات الدول الثلاث بموسكو كان الخطوة الأولى في هذا المسار.

حتى إن لم يكن لقاء موسكو الثلاثي غير متوقع، فيجب عدم التقليل من دلالات هذه الانعطافة البارزة في العلاقات التركية-السورية، وما تعنيه لمستقبل سورية. تعيش سورية، جارة تركيا الجنوبية، حربًا أهلية طاحنة منذ أكثر من عشر سنوات، أدت إلى تقسيم هذا البلد العربي الرئيسي إلى مناطق نفوذ مختلفة، وجعلت منه ساحة لصراعات القوى الإقليمية والدولية وتدافع الميليشيات من كافة الأصناف. وبالرغم من التعقيد الذي أحاط بالموقف التركي من الثورة، ومن الحرب الأهلية السورية، تعتبر تركيا طرفًا أساسيًّا في الصراع على سورية، لاعتبارات منها أن مناطق سورية شمالية تخضع لسيطرة تركيا، وأن تركيا تحتضن ملايين اللاجئين السوريين، ومعظم قوى المعارضة السورية.

فلماذا اتجهت الدولتان التركية والسورية لإطلاق هذا المسار في علاقاتهما، بعد أكثر من عقد من القطيعة والصراع؟ وما الذي يمكن أن يُفضي إليه تطبيع العلاقات التركية-السورية؟

نتائج أولية للتقارب التركي السوري

اسْتَخدَمت البيانات الرسمية، التي صدرت عن الدول الثلاث بعد نهاية اجتماع موسكو، لغة واضحة التحفظ، وإن أعربت عن قدر من التفاؤل. أما التسريبات غير الرسمية، لاسيما تلك التي جاءت من الجانب التركي، فبدت أكثر إيجابية في تقدير ما تمخض عن اللقاء الثلاثي.

طبقًا لبيان وزارة الدفاع الروسية، جرى الاجتماع في أجواء بناءة، وقد اتفقت الأطراف على استمرار الاتصالات لمناقشة سبل حل الأزمة السورية، ومسألة اللاجئين، ومجابهة الجماعات “المتطرفة”. أما وكالة الأنباء السورية الرسمية، سانا، فوصفت الاجتماع بالإيجابي، وأكدت اتفاق الأطراف على مكافحة الجماعات “الإرهابية”. أما بيان وزارة الدفاع التركية، فوصف الاجتماع بالبناء، وترك التفاصيل لتصريحات أدلى بها وزير الدفاع، خلوصي أكار. وكان ضمن ما أكد عليه أكار أن الجانب التركي أشار خلال الاجتماع إلى ضرورة المضي نحو حل الأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2245، الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2015.

والمعروف أن هذا القرار وضع خارطة طريق لاتفاق أطراف النزاع السوري الداخلي على إقامة حكم ذي مصداقية، غير طائفي أو فئوي، وعلى دستور سوري جديد. ولكن، وبعد مضي سبع سنوات على صدور القرار الأممي، وإشراف الأمم المتحدة على سلسلة لقاءات بين الأطراف السورية، ليس ثمة تقدم يذكر سواء فيما يتعلق بإعادة بناء الدولة السورية، أو وضع دستور سوري جديد محلَّ توافق بين النظام والمعارضة.

ولابد أن وزير الدفاع التركي أدرك أن حديثه حول القرار 2245 لم يُنظَر إليه بأي قدر من الاطمئنان من قِبَل المعارضة السورية، ومن السوريين في مناطق النفوذ التركي في شمال سورية. وهذا ما دفعه بعد يومين على اجتماع موسكو إلى التوكيد على أن مسار الاتصالات بين تركيا وسورية لن يكون له أثر سلبي على الشعب السوري وعلى قوى المعارضة السورية في تركيا، ودفع أيضًا وزارة الخارجية التركية إلى ترتيب لقاء بين وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو وقيادة الائتلاف السوري المعارض.

بصورة غير رسمية، ذكر مصدر تركي لجهات إعلامية، بما في ذلك قناة الجزيرة، أن اجتماع موسكو توصل بالفعل إلى عدد من الإجراءات الملموسة، مثل توافق أطراف الاجتماع على تشكيل لجنة ثلاثية للعمل على تطوير آلية لتسهيل عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، وبحث سبل التعامل مع ملف قوات سورية الديمقراطية (التي تشمل وحدات حماية الشعب الكردية)، وعودة حركة النقل التجاري التركي عبر سورية.

ولكن، ومهما كانت مصداقية هذا التقرير، أو مستوى المصدر غير الرسمي الذي نُسِب إليه التقرير، فمن الواضح أن اجتماع موسكو لم يكن سوى بداية لمسار تفاوضي، قد يطول قليلًا قبل أن تنجم عنه نتائج ملموسة على صعيد عودة العلاقات الطبيعية بين تركيا وسورية. كلا الطرفين، التركي والسوري، يسعى إلى تحقيق أهداف كبيرة من عملية التطبيع، أهداف لا تتداخل وحسب، بل وتتعلق بجوهر الأمن القومي لكلا الدولتين ولتصورهما لمصالحهما الحيوية.

عقدان حافلان من العلاقات التركية-السورية

انتهجت الحكومة التركية منذ وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في 2002 سياسة إقليمية نشطة، استهدفت تعزيز العلاقات مع دول دوائر جوار تركيا الثلاث الرئيسة: الجوار العربي، شمال القوقاز، والبلقان. ولم يكن غريبًا أن تحتل سورية موقعًا مركزيًّا في سياسة تركيا العربية، ليس فقط لكونها جارًا مباشرًا لتركيا، أو للعلاقات السابقة بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني، ولكن أيضًا لاعتبارات اجتماعية وثقافية، ربطت البلدين وشعبيهما. وجد هذا التوجه التركي استجابة سريعة من بشار الأسد، الذي كان يحاول بناء صورة إيجابية لنظامه بعد أن تولى رئاسة سورية وريثًا لأبيه، ويعمل على ترميم علاقات بلاده الإقليمية والدولية. وليس ثمة شك أن غزو العراق واحتلاله أضفى على التقارب التركي-السوري طابع الإلحاح والضرورة.

خلال العقد الأول من القرن، نجح البلدان في تصفية معظم عواقب ضمِّ الجمهورية التركية لإقليم هاتاي (الإسكندرون)، التي ظلت عالقة منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وفتحا الحدود لحركة البشر والبضائع الحرة. اندفع رجال أعمال أتراك للاستثمار في السوق السورية، وتخلصت سورية كلية، تقريبًا، من علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني. ولعدة سنوات، وفي مواجهة ضغوط أميركية هائلة على دمشق، بدا وكأن تركيا أصبحت الضامن لاستقرار سورية وأمنها.

وليس ثمة شك أن تركيا جرت أقدامها بتثاقل كبير نحو الانخراط في دعم الثورة السورية. اندلعت الثورة في مارس/آذار 2011، وكانت الخامسة في سلسلة الثورات العربية التي بدأت بتونس، ثم مصر، ثم ليبيا واليمن. وسبق للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن توجَّه بالنصيحة لنظيره السوري للقيام بإصلاحات جذرية، لتجنب مصير دول الثورات العربية الأخرى. بعد انطلاق حركة التظاهر الشعبي السوري، وطوال ما يزيد على ستة شهور، قام مسؤولون أتراك، بما في ذلك وزير الخارجية التركي ومسؤول الاستخبارات التركية، بسلسلة زيارات إلى دمشق، في محاولة لدفع بشار الأسد إلى التوقف عن استخدام العنف والقتل ضد المتظاهرين، وتبني برنامج إصلاحي للدولة ونظام الحكم، يقابل الشعب في منتصف الطريق. ولكن الأسد، الذي اعتاد تشييع المبعوثين الأتراك بكافة الوعود المطمئنة، لم يستجب بأي قدر ملموس لمطالب حلفائه الأتراك.

مع خريف 2011، أدركت أنقرة أن الأسد ماض في سياسة قمع شعبه بقوة السلاح، وأن من العبث التعويل على وعود الرئيس السوري. في الوقت نفسه، ازدادت أعداد اللاجئين السوريين إلى تركيا بصورة مطردة، ولم يعد ثمة شك في حجم التدخل الإيراني والميليشيات الشيعية في الصراع المحتدم بين النظام والشعب. ثم عقب أن دعت دول عربية رئيسة إلى تغيير النظام في دمشق، أعلنت أنقرة عن تبني سياسة مشابهة. ومنذ ربيع 2012، وبعد أن تحولت الثورة السورية إلى العمل المسلح، شاركت تركيا، إلى جانب السعودية، وقطر، والإمارات، والأردن، والولايات المتحدة، في دعم جماعات معارضة سورية بعينها، بينما حرصت على استمرار الاتصالات مع إيران للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية.

خلال السنوات القليلة التالية، لاسيما منذ 2015، ولأسباب مختلفة، توقفت السعودية والإمارات والأردن والولايات المتحدة عن دعم قوى الثورة السورية، واتجهت واشنطن على وجه الخصوص إلى التحالف مع الميليشيات الكردية السورية في شمال شرق وشرق سورية، بحجة محاربة الإرهاب، ومواجهة تنظيم الدولة. ولم تلبث روسيا أن تدخلت، وبقوة نيران هائلة، طرفًا مباشرًا لحماية النظام وتأمين وجوده. ومنذ 2018، وبالرغم من عجز نظام دمشق عن بسط سيطرته على قطاعات واسعة من البلاد، وتعدد مناطق النفوذ داخل سورية، والمقاطعة الدولية وانهيار الاقتصاد السوري، لم يعد ثمة شك في أن الثورة السورية باتت عاجزة عن إسقاط النظام. بكلمة أخرى، وصلت سياسة تغيير النظام، التي كانت تركيا وعدة دول عربية قد تبنتها، إلى طريق مسدود.

عواقب سنوات حرب أهلية ممتدة

كان لانغلاق الأفق أمام أطراف الصراع على سورية عواقب باهظة لكل من تركيا والنظام السوري، على السواء. تستقبل تركيا ما لا يقل عن ثلاثة ملايين ونصف المليون من اللاجئين السوريين. وبالرغم من أن الاتحاد الأوروبي قدم مساهمة متواضعة، ولمرة واحدة، للمساعدة في رعاية اللاجئين، إلا أن العبء الأكبر يقع على كاهل الدولة التركية. كما كان لانتشار أعداد كبيرة من السوريين في المدن والبلدات التركية آثار اقتصادية واجتماعية ملموسة، سرعان ما وظفتها قوى المعارضة التركية، لاسيما تلك المعروفة بتوجهها القومي العنصري، ضد حكومة العدالة والتنمية والرئيس أردوغان.

بيد أن المخاطر الأمنية التي نجمت عن تداعي الوضع السوري، مثلت تهديدًا أكبر بكثير لتركيا. فمنذ أن تبنت واشنطن سياسة الاعتماد على الميليشيات الكردية للقيام بمهام مكافحة الإرهاب في 2015، قدمت الولايات المتحدة (ومعها فرنسا) دعمًا ماليًّا وعسكريًّا متواصلًا لقوات سورية الديمقراطية، التي تمثِّل وحدات حماية الشعب الكردية، وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني، عمودها الفقري. ولأن القوات الأميركية المتواجدة في سورية تقوم بدوريات مشتركة مع وحدات الشعب، تبدو الولايات المتحدة وكأنها توفر مظلة حماية مباشرة للميليشيات الكردية.

تسيطر هذه الميليشيات على مساحات واسعة من مناطق الكثافة الكردية السورية في شمال شرقي سورية، وعلى مدن وبلدات أغلبية عربية في شرق وشمال سورية. وتعتقد أنقرة، بل وتقول إنها تملك أدلة على أن مناطق السيطرة الكردية قد تحولت إلى بؤر تدريب وتنظيم لعناصر إرهابية كردية، يدفع بها حزب العمال الكردستاني للقيام بعمليات داخل المدن التركية وضد المدنيين الأتراك. حاولت أنقرة، بلا طائل، إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن التحالف مع الميليشيات الكردية، كما سعت عبر ثلاث عمليات عسكرية إلى تأمين الشريط الحدودي مع سورية غرب الفرات. ولكن الموقف الأميركي لم يزل يقف عائقًا أمام أية محاولة تركية للسيطرة على منطقة غرب الفرات.

ولا تقل العواقب سوءًا من وجهة نظر النظام السوري. فبالرغم من أن نظام الأسد لم يعد مهددًا بالسقوط، فإن سيادته على بلاده لا تزل تقتصر على منطقة الساحل، والوسط الممتد من حلب إلى دمشق ودرعا والحدود مع الأردن. تسيطر تركيا على معظم الشريط الحدودي غرب الفرات، بينما تسيطر الميليشيات الكردية والقوات الأميركية على معظم الشمال السوري شرقي الفرات، وعلى قطاع واسع من الشرق والصحراء السورية، بما في ذلك مناطق حقول النفط. وحتى في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، فإن هذه السيطرة تظل محدودة. ففي جنوب دمشق، ثمة اتفاق هشٌّ مع القوى المحلية في درعا، ترعاه القوات الروسية. أما في السويداء، فتبدو قدرة النظام على ممارسة الحكم شكلية وقلقة إلى حد كبير.

من جهة أخرى، ظل الوجود الروسي في سورية في العموم محددًا بالمجالين العسكري والأمني، أما الإيرانيون فأخذوا من البداية في لعب دور قوة الوصاية غير المعلنة. توفر عناصر الحرس الثوري، ومجموعات حزب الله، والميليشيات الشيعية المختلفة، تأمينًا عسكريًّا فعالًا للنفوذ الإيراني، بينما عملت جهات إيرانية أخرى على الاستيلاء على أراض داخل المدن السورية وخارجها، والتغلغل في الساحة الاقتصادية، وتعهد حملة تشييع للسوريين السنة والعلويين، بل ومنح شيعة غير سوريين الجنسية السورية. كما عملت إيران على التحكم في مفاصل الأجهزة السورية العسكرية والأمنية. وسواء بموافقة النظام السوري، أو بدون موافقته، تقوم إيران بإقامة قواعد ومراكز إعداد عسكري، لاستخدامها في أي صراع محتمل مع إسرائيل، التي ردت باستباحة الفضاء السوري.

هذه العواقب الهائلة لسنوات الحرب السورية الأهلية الطويلة، وتراجع توقعات النصر النهائي لأي من أطرافها، ما دفع أنقرة ودمشق إلى محاولة ترميم العلاقة بينهما.

أهداف تركيا وسورية

ما تريده تركيا من التطبيع مع نظام بشار الأسد يتلخص في السعي إلى توفير مناخ آمن لبدء عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ونزع ورقة اللاجئين بالتالي من المعارضة التركية. وتستهدف تركيا من إعادة العلاقات مع دمشق الاتفاق على آلية مشتركة للتعامل مع الميليشيات الكردية السورية، ليس لحماية الأمن التركي المباشر وحسب، ولكن أيضًا لمنع قيام كيان كردي ما على الجانب السوري من الحدود. ولأن الوجود العسكري الأميركي في سورية وثيق الصلة بوجود الميليشيات الكردية، يعتقد الأتراك أن تعاونًا تركيًّا-سوريًّا لإعادة النظام إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الكردية سيُفضي في النهاية إلى خروج الأميركيين من سورية.

ليس ثمة مؤشر على أن تركيا تتجه إلى فك ارتباطها بحلف الناتو، أو أنها بصدد التحلُّل من علاقة التحالف التاريخية مع الولايات المتحدة؛ ولكن أنقرة تنظر بقلق متزايد للوجود الأميركي في سورية. غاب الأميركيون عن سورية، يقول الأتراك، عندما كانت أنقرة تأمل في أن يقوموا بموازنة التدخل الروسي. وعندما أسسوا لأنفسهم موطئ قدم، اتخذوا موقفًا مناهضًا للمصالح التركية. وفي رؤيتهم للوجود الأميركي في سورية، لا يغيب عن الأتراك التوسع العسكري الأميركي غير المسبوق في اليونان، والانحياز الأميركي غير المتحفظ للجانب اليوناني فيما يتعلق بالصراع المحتدم على شرق المتوسط.

وليس ثمة شك أن دمشق تشاطر الأتراك هدف احتواء الميليشيات الكردية، ومنع بروز كيان كردي، والتخلص من الوجود الأميركي. ولكن لدمشق أهدافًا أخرى من عملية تطبيع العلاقات مع أنقرة. فكما أن خروج أميركا من سورية يجعل من السهل بسط نفوذ نظام دمشق على قطاع واسع من شمال شرقي البلاد وشرقها، فإن موافقة تركيا على الانسحاب من الشريط الشمالي غرب الفرات يعني عمليًّا نهاية المعارضة المسلحة واستعادة قطاع كبير من الأرض السورية. ولأن الاقتصاد السوري وصل فعليًّا إلى حد الانهيار، فإن المصالحة مع تركيا قد تساعد على عودة الآلاف من الأيدي العاملة السورية، وعلى عودة جزء ملموس من رأس المال السوري الذي كان هجر البلاد إلى تركيا.

أما الهدف الأبعد لنظام الأسد، فيتعلق برغبة دمشق في أن تؤدي عودة العلاقات مع تركيا إلى تشجيع الدول العربية الرئيسة على مصالحة سورية، وأن تعمل العودة التركية والعربية إلى سورية بالتالي على موازنة النفوذ الإيراني.

منعطف كبير ومسار طويل

في تعليقه على اجتماع موسكو الثلاثي، استبعد وزير الخارجية التركي استئناف اللقاءات التركية-السورية على المستوى السياسي قبل نهاية يناير/كانون الثاني 2023. ولكنه عاد في تصريح له، يوم 31 ديسمبر/ كانون الأول، وبعد مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ليقول إن لقاء وزراء الخارجية سيعقد في النصف الثاني من يناير/ كانون الثاني 2023، وذلك في إشارة إلى رغبة الدول الثلاث في الحفاظ على المسار التفاوضي، وربما إلى رؤية إيجابية مشتركة لما حققه اجتماع موسكو.

ثمة توجه تركي للمصالحة الإقليمية أخذ في التبلور منذ صيف 2020، ونجح بصورة كلية أو جزئية في استعادة العلاقات الطبيعية مع الإمارات، والسعودية، وإسرائيل، وأرمينيا، ومصر. ولكن التطبيع التركي-السوري هو بالتأكيد متغير أكبر بكثير من أي من المصالحات الأخرى، ليس فقط لتعدد الأطراف المنخرطة في غمار الأزمة السورية والدور الذي تلعبه تركيا في هذه الأزمة، ولكن أيضًا للتعقيد البالغ الذي أحاط بهذه الأزمة طوال العقد الماضي. لذلك فإذا أحرز مسار التطبيع التركي-السوري تقدمًا فعليًّا خلال الشهور القليلة المقبلة، فستكون هذه خطوة البداية نحو انفراج الأزمة السورية ونهاية النزاع الأهلي.

بيد أن هذا لا يعني بالضرورة توقع نتائج سريعة لعملية المصالحة، تكون كافية لإرضاء طرفيها الرئيسيين. بعض ما تسعى الدولتان إلى تحقيقه، مثل عودة النظام إلى مناطق السيطرة الكردية، يعتبر مطلبًا مشتركًا لأنقرة ودمشق. ولكن المشكلة أن الشأن السوري لا يتعلق دائمًا بإرادة أنقرة ودمشق، حتى وإن التقت رغبات النظام بالرغبات التركية. ثمة أطراف، مثل إيران والولايات المتحدة وروسيا، يكاد يستحيل إحراز تقدم ملموس في مسار المصالحة التركية-السورية بدون موافقتها. وتبدو إيران، صاحبة النفوذ الأكبر في مؤسسات النظام السوري، الأكثر قلقًا من احتمالات المصالحة التركية-السورية. كما أن بعضًا من القضايا محلَّ البحث والتفاوض، مثل انسحاب تركيا من مناطق سيطرتها في إدلب وعفرين وشمالي حلب، يصعب توقع حدوثه قبل أن تتوفر أدلة مقنعة على تبلور حلٍّ مرض لجوانب الأزمة السورية الأخرى. 

ولا يعني هذا بالضرورة أن المصالحة التركية-السورية ستُفضي إلى تطبيق فعال لقرار مجلس الأمن 2245، وموافقة نظام الأسد على بناء نظام سياسي جامع، يضم القطاع الأكبر من قوى المعارضة، وعلى وضع دستور توافقي جديد. إن امتناع النظام طوال السنوات الماضية عن التعامل بجدية مع القرار 2245، وتحول إجراءات القمع والإبادة إلى سياسة روتينية في تعامل النظام مع الشعب السوري، وطغيان الطابع الطائفي على بنية النظام، لا يوحي بأن المجموعة الحاكمة في دمشق على استعداد لإطلاق برنامج إصلاح حقيقي للدولة ونظام الحكم. بدون ضغوط روسية جدية، وموافقة إيرانية، لن تستطيع تركيا دفع النظام السوري إلى تبني برنامج إصلاحي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تحقيق أهداف أخرى تتعلق بأمن تركيا القومي ومصالحها المباشرة في الجوار السوري.

وهذا بالتأكيد ما يطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل قوى المعارضة السورية، وملايين اللاجئين السوريين، إضافة إلى السوريين الآخرين المقيمين في مناطق سيطرة المعارضة والنفوذ التركي. ثمة أعداد من اللاجئين ستبادر بالتأكيد إلى العودة إلى البلاد، ولكن أعدادًا أخرى لن تقبل بالعودة، سواء لأنها لا تطمئن لوعود الحكم السوري، أو لأن أحد أفرادها انخرط في نشاطات معارضة للنظام. كما أن المعارضة السورية لا تقتصر على الائتلاف السوري، الذي هو في الحقيقة ليس سوى إطار تمثيلي، ولا على التنظيمات المسلحة. تضم المعارضة السورية أطيافًا عديدة من الجماعات والأفراد والمنظمات المدنية والسياسية والثقافية والإعلامية. وتُعد هذه المعارضة بعشرات، وربما مئات الألاف من السوريين، الذين يقيم أغلبهم في تركيا، ولن يقبلوا بالعودة إلى سورية يحكمها نظام الأسد. ولا يبدو أن تركيا تعرف كيف ستنظم علاقتها مع كل هؤلاء السوريين، في حال مضت المصالحة مع نظام دمشق قدمًا.

بكلمة أخرى، إن كان ليس من الحكمة تجاهل أهمية اللقاءات التركية-السورية، وما تعنيه لمستقبل سورية والإقليم ككل، فليس من المؤكد كذلك توقع أن تأتي هذه اللقاءات بحلول سريعة للمسألة السورية، حتى إن ارتقت إلى لقاء على مستوى رئاسة الدولتين.

———————————-

تعالوا نشمت بالأكراد ثم بالعرب/ عمر قدور

في الوقت الضائع، حتى يثبت العكس، أتى بيان مجلس سوريا الديموقراطية “مسد” ليمد يد الإدارة الذاتية الكردية إلى “كل سوري حر”، من أجل مواجهة ما تراه مسد تحالفاً بين أردوغان والأسد على خلفية اجتماع وزيري دفاعهما قبل أيام. لن نكون متشائمين إذا جزمنا بأن العكس لن يحدث، بمعنى أن البيان “الصادر في الثلاثين من الشهر الفائت” لن يلقى الانتباه أو الترحيب في مقلب المعارضة “العربية” أو جمهورها العالقَيْن في المصيدة التركية.

أكثر من البيان المذكور، قد تكون مؤثرة لدى الجمهور العربي تلك الأصوات الكردية التي راحت على وسائل التواصل تشمت بمصير المعارضة، وتحتفل بما قيل عن استعداد أنقرة إعادة مناطق نفوذها إلى الأسد، أي أنها عملياً تشمت بملايين البؤساء الهاربين من الأسد، وهذا سبب وجودهم هناك، لا حباً بأردوغان ولا حتى ولاءً لهذه المعارضة. وبؤس أحوال هؤلاء لا يبرئ قسماً كبيراً منهم سبق أن ابتهج بتوسع النفوذ التركي على حساب قسد والإدارة الذاتية، رغم حدوث التوسع كل مرة وفق مقايضة تعطي للأسد مناطق سيطرة من حساب الفصائل العربية.

كان من الأفضل بالتأكيد لو أن أصحاب الشماتة في الأيام الأخيرة وجّهوا اهتمامهم إلى ما يقاسيه أكراد “الأشرفية” و”الشيخ مقصود” في مدينة حلب، حيث تُطبِق الفرقة الرابعة “التي يقودها ماهر الأسد” الحصارَ على الحيين اللذين يقطنهما الأكراد تحت سيطرة قسد. الحصار بدأت تباشيره في الربيع الفائت، لكنه تصاعد على إيقاع التقارب بين أردوغان والأسد، لتشارف شدّته على تجويع الأهالي وحرمانه من الدواء.

ما نسوقه عن أولوية الاهتمام بمعاناة الأهالي في الأشرفية والشيخ مقصود لا ينطلق فقط من اعتبارات أخلاقية؛ هذا ما يمليه التفكير السياسي السليم في حد أدنى، إذ يقفأ العين تصاعدُ الحصار مع تواتر الاجتماعات المخابراتية بين الأسد وأنقرة، من دون نسيان تلهّف قيادة الفرقة الرابعة وما تمثّله لإنهاء “شهر العسل الكردي”. نذكّر بأن للفرقة ذاتها إرث وحشي مع الأكراد، فقد تولّت قمع الانتفاضة الكردية “عام 2004” في القامشلي والحسكة وصولاً إلى “وادي المشاريع” بالقرب من دمشق، وواهم بين الأكراد من يظن أن هذه الفرقة التي تعكس قرار السلطة على أعلى مستوى قد تغيّرت، باستثناء ما اكتسبته بأجساد الضحايا من فنون الوحشية.

تفصيل واقعي من نوع الفرقة الرابعة لا يشغل بال فئة أخرى من العرب والأكراد، أفرادُها مثقفون أو مدّعو ثقافة وسعة إطلاع. يتركز انشغال العرب منهم بإثبات ألا وجود للأكراد كشعب عبر التاريخ، وأنهم في أحسن أطوارهم قبائل ذات لهجات خاصة، غير متجانسة فيما بينها. سوريّاً، تنصرف جهود هؤلاء إلى إثبات أن الأكراد طارئون، هاجروا من تركيا قبل نحو قرن، مما لا يمنحهم أية حقوق سياسية كمجموعة عرقية.

في المقابل، وعلى التوازي بما لا يقلّ عدداً عن نظرائهم العرب، هناك مثقفون أكراد لا يقصّرون في انتقاء ما يعجبهم من التاريخ. على غرار سابقيهم، سيسردون التاريخ الذي شهد إمبراطوريات أو ممالك وإمارات كردية سيطرت على عموم المنطقة، بالطبع قبل مجيء العرب إليها، ما يجعل الأكراد السكان الأصليين بامتياز عن أولئك البدو الطارئين.

في تصاعد الجدل بين هذا التوأم من المثقفين العرب والأكراد، لا تنحدر أدواته بالمصادفة، ليُنعت العرب مثلاً بشاربي بول البعير، أو يُنعت الأكراد بالبويجية مثلاً. أي أن الجدل الذي يزعم أصحابه تقديم المعرفة بنزاهة سرعان ما يُسفر عن وجهه الحقيقي، الوجه العنصري المُسفّ الذي يعطي لصاحبه أحقيّة الهيمنة والتسلط على الآخر “الأدنى”.

لهؤلاء المثقفين جمهور واسع على الجانبين، جمهور ممن يمكن لنا اعتبارهم ضحايا بأوهام إمبراطورية. لن يكون مثيراً للسخرية، بقدر ما هو مثير للأسف، أن ما يجمع جمهور الجانبين هو ما يفرّقهم؛ يجمعهم ذلك الوهم الإمبراطوري المبني على سردية الماضي التليد، ويفرّقهم إذ يعتقد كل طرف أن له الأحقية في الماضي والمشروعية في المستقبل ليستعيد زمنه الجميل.

لا يصعب على مَن يشاء تفسير تضخم تلك الأوهام بموقع الضحايا أنفسهم، انطلاقاً من أنهم كلما ازدادوا بؤساً استحضروا ماضيهم “الحقيقي أو المتخيَّل” على سبيل السلوان. من السهل، على المنوال ذاته، فهْم أطوار الشماتة بينهم، مع إشاحة كل طرف النظر عن مصيبته، فمأساة الطرف الآخر “بوصفه خصماً” تحمل السلوان، خاصة كلّما تم تسليط الأضواء عليها ونال ضحيتها المزيد من التشفّي الذي يوهم أصحابه أنهم أيضاً في موقع المنتصر.

لا بدّ من الاعتراف بأن العداء المتبادل بين الطرفين الكردي والعربي “المعارض” تفوّق على العداء بين كلّ منهما والأسد، رغم أنه سبق للأخير أن أذاقهما الويلات. وحتى مع وضوح المقايضة بين الأسد وأنقرة، والتي يقع الطرفان ضحيتها، تروج مقولات بين الأكراد من نوع أن العودة إلى الأسد أرحم من الوقوع تحت قبضة تركيا، وراجت من قبل مقولات لدى العرب تفضّل ذهاب مناطق الإدارة الذاتية إلى الأسد على بقائها تحت المظلة الأمريكية، بزعم التصدي للانفصاليين الأكراد، وبما يعني بزعم الغيرة الوطنية أن الخطر الكردي أشدّ من خطر الأسد.

بالعودة إلى بيان مسد، لا تبدو الظروف مناسبة ليُستقبل بإيجابية، وأقل ما يقال في المناخ السائد أن الثقة بين الجانبين معدومة بالمطلق إلى درجة أنه لم يحظَ باهتمام كردي أولاً. وفق ما هو معروف أصلاً عن الإدارة الذاتية وعن المعارضة “العربية”، من المستبعد حصول تقارب بينهما تمليه المستجدات بين أردوغان والأسد، لذا أهمية أي بيان هي في النقاش الذي يستدعيه، وفي طرْق أبواب للتفكير مناسبة للمستجدات. على هذا الصعيد، ثمة جرأة مطلوبة هي جرأة الاعتراف بالمسؤولية عن أخطاء الفترة الماضية، والاعتراف بأن المسؤولية غير حصرية لطرف، مثلما المظلومية غير حصرية ولا يحق لأحد منهما احتكارها.

لعلنا أيضاً نهوّن مما حدث خلال أكثر من عقد بالحديث عن الأخطاء، لأن الأخطاء لم تكن عارضاً مخالفاً للتوجهات والمشاريع الأصلية، وستبقى مستفحلة ما لم تنظر المعارضة إلى المسألة الكردية كاستحقاق وطني، وما لم يضع الأكراد المطلب الديموقراطي في أعلى أولوياتهم. إن بديهية وجود مصلحة مشتركة للضحايا غير كافية بحد ذاتها، وإلى أن تصبح درساً وعبرة وحده الأسد من يحق له القول: تعالوا نشمت بالأكراد، ثم تعالوا نشمت بالعرب…..

المدن

———————–

10 تحديات ترسم مصير سوريا في 2023/ إبراهيم حميدي

10 أمور تجب متابعتها في سوريا وخارجها في سنة 2023، ستكون لها آثار كبيرة بدرجات متفاوتة، وستحدد مآلات هذا الملف ومصيره لسنوات أو عقود مقبلة، كما ستحدد مصير خطوط التماس بين «الدويلات» الثلاث في سوريا، بعد ثباتها لثلاث سنوات بفضل تفاهمات إقليمية ودولية خارجية:

1- التطبيع التركي: يتوقع أن يجتمع وزيرا الخارجية: السوري فيصل المقداد، ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، في منتصف هذا الشهر، لاستكمال نتائج المحادثات العسكرية والأمنية في الأسابيع الماضية، للوصول إلى ترتيبات مشتركة برعاية روسية في الشمال السوري، بدءاً من «منطقة أميركا» شرق الفرات.

لا بد من متابعة خطوات «خريطة الطريق» التي وضعتها موسكو لدمشق وأنقرة، وصولاً إلى لقاء بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وبشار الأسد، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقرر إجراؤها مبدئياً في يونيو (حزيران) المقبل. ولا شك في أنه ستكون لهذه الخطوات نتائج سياسية واقتصادية كبيرة في سوريا ومحيطها، حسب الحدود والعمق والسرعة التي ستنفذ بها. وهل تحصل مقايضات: تنازلات عن الجغرافيا مقابل مكاسب بالسياسة والاقتصاد؟

2- القلق الكردي: إحدى نقاط التقاطع الرئيسية بين دمشق وأنقرة وموسكو (وطهران)، هي إضعاف الكيان الكردي والإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، واعتبار هذه المؤسسات «تهديداً وجودياً لسوريا وتركيا». وهناك خطط لعمليات عسكرية سورية – تركية مشتركة، وضغط روسي لتفكيك جميع المؤسسات الكردية، من مناطق بعمق 30 كيلومتراً من الحدود التركية.

من الضرورة بمكان متابعة موقف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد)، وكيفية تعاطيهما مع هذه التطورات. «قسد» تقول إنها سحبت أسلحتها الثقيلة ومقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية بعمق 30 كيلومتراً، بموجب اتفاق سوتشي الروسي – التركي، في نهاية 2019؛ لكنها ترفض سحب قوات الشرطة (أسايش) والمجالس المحلية. هي تراهن على خسارة إردوغان الانتخابات، ودعم أميركا ووجودها العسكري. وتصر أنقرة على تفكيك جميع المؤسسات، ولا تمانع وجود مؤسسات سورية وعلم سوريا وحرس حدودها.

3- الغطاء الأميركي: «قوات سوريا الديمقراطية» حليفة للتحالف الدولي بقيادة أميركا في الحرب ضد «داعش» منذ 7 سنوات. وقد نجحا سوياً في القضاء على التنظيم جغرافياً، وأقامت أميركا قواعد عسكرية تعطيها أوراقاً تفاوضية أساسية ضد روسيا، ولضبط وجود إيران وتقديم دعم لوجستي لإسرائيل.

وعلى العكس من قرار إدارة دونالد ترمب بالانسحاب المفاجئ في 2019، وفتح الباب لتوغل تركي، حافظت إدارة جو بايدن على بقاء قواته المستمر. لكن هناك إشارات توحي بأن أميركا، المنخرطة في أوكرانيا، بحاجة لدور تركيا وحلف شمال الأطلسي، ولن تخوض حرباً ضد أنقرة بسبب الأكراد.

ولا بد من متابعة تطورات الموقف الأميركي، وحدود التفاهمات العسكرية بين أنقرة وواشنطن في شمال شرقي سوريا، بعد بدء التطبيع السوري – التركي.

«الحضن العربي»

4- التطبيع العربي: خطوات التطبيع الثنائي بين عواصم عربية ودمشق من جهة، والجماعي بين الجامعة العربية ودمشق من جهة ثانية، وُضعت على نار هادئة في 2022. فلم تحضر سوريا قمة الجزائر بسبب وجود اعتراض من دول عربية وازنة. أيضاً، الدول التي بدأت مسار تطبيع ثنائي، مثل الأردن والإمارات وغيرها، بردت همتها في السنة الماضية، لأسباب مختلفة: التجربة المرة والمريرة مع دمشق في ضبط الحدود ووقف تهريب «الكبتاغون»، وضغوط أميركية وغربية لوقف التطبيع، إضافة إلى تشدد الكونغرس وإصداره قرارات جديدة ضد دمشق، وضعت سقفاً لحدود الدعم الاقتصادي وإعمار المدمَّر.

ومن الأهمية بمكان متابعة مآلات العودة إلى «الحضن العربي» في 2023، والموقف في القمة العربية المقررة في الربيع المقبل، في ضوء التغيرات الحاصلة في العلاقة بين دول عربية وأميركا والصين وروسيا من جهة، وخطوات التطبيع بين أنقرة ودمشق من جهة ثانية، وسلوك دمشق في ملفات إقليمية، والعلاقة مع إيران من جهة ثالثة.

5- حرب أوكرانيا: كان تأثير الانخراط الروسي في هذه الحرب كبيراً على سوريا في أكثر من جانب. فقد عززت الحرب التعاون بين أنقرة وموسكو، وبين الرئيسين بوتين وإردوغان؛ إذ صار الأول بحاجة للثاني، وباتت تركيا بوابة اقتصادية وسياسية لروسيا. ومن تجليات ذلك: ضغط بوتين على إردوغان والأسد للِّقاء، وطي صفحة الماضي، والحرص على فوز إردوغان في انتخابات الرئاسة.

أيضاً، كان هناك انعكاس اقتصادي وسياسي لهذه الحرب. فقد باتت سوريا قضية منسية في الأروقة الدولية، وباتت أموال المانحين تذهب لأوكرانيا بدلاً من سوريا. وظهر هذا بوضوح في تعميق الأزمة الاقتصادية في سوريا.

6- الغارات الإسرائيلية: دشنت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية السنة الجديدة، بقصف «أهداف إيرانية» في مطار دمشق الدولي، ما أدى إلى إخراجه لساعات عن الخدمة. في السنوات الماضية، شنت إسرائيل مئات الغارات ضد «مواقع إيرانية» في سوريا. وفي العام الماضي، اتسعت مروحة الغارات من أقصى شرق سوريا إلى غربها، ومن الجنوب إلى الشمال. وقال: «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إنه أحصى 32 غارة إسرائيلية في 2022، أسفرت عن إصابة وتدمير نحو 91 هدفاً، ما بين مبانٍ ومستودعات أسلحة ومقرات ومراكز وآليات. وتسببت تلك الضربات في مقتل 88 من العسكريين، وجرح 121.

وبعد عودة نتنياهو بحكومة يمين اليمين، لا بد من متابعة انعكاسات ذلك في سوريا في 2023: كيف سيتعامل مع الملف النووي الإيراني؟ ما مصير التفاهمات السابقة مع بوتين، و«الخط الساخن» للتنسيق العسكري بين قاعدة حميميم الروسية وتل أبيب؟ كيف سينعكس في سوريا، موقف تل أبيب من حرب أوكرانيا، وتعاون موسكو وطهران العسكري هناك؟

«طلاق» سوري – إيراني

7- الحلف الإيراني: طهران التي تعتقد أنها ساهمت في «إنقاذ النظام» منذ تدخلها نهاية 2012، وقدمت كثيراً من الدعم العسكري والاقتصادي والأمني والمالي، تريد ثمناً لذلك. وهي تماطل في «إنقاذ النظام» من أزماته الاقتصادية مجاناً، وتريد الثمن بـ«تنازلات سيادية» تتضمن إقامة قواعد عسكرية دائمة، واتفاقات اقتصادية تخص النفط والغاز والفوسفات، واتفاقات لمعاملة الإيرانيين مثل السوريين، باستثناء مثولهم أمام القضاء السوري في حال ارتكابهم جرائم.

تستغل طهران تفاقم الأزمة الاقتصادية في دمشق، وانشغال موسكو في أوكرانيا، ورياح التطبيع التركي والعربي، والغارات الإسرائيلية، كي تحصل على امتيازات كبرى في سوريا.

ولا بد من متابعة تفاصيل هذا المسار، وموقف دمشق، وموعد زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي التي كانت مقررة الأسبوع الماضي، والتحقق مما يتردد عن مؤشرات لـ«طلاق» سوري – إيراني، أو إعادة تعريف العلاقة.

8- الأزمة الاقتصادية: بعد نحو 12 سنة من الحرب، تهتكت الأراضي السورية. وحسب الأمم المتحدة، فإن نصف السوريين (12 مليوناً) أصبحوا خارج منازلهم، وثلثهم (7 ملايين) خارج بلادهم، ونحو 90 في المائة منهم تحت خطر الفقر، و80 في المائة يعانون انعدام الأمن الغذائي، ونحو 14.6 مليون بحاجة لمساعدات، وسلة الغذاء ارتفعت كلفتها بنسبة 85 في المائة عن العام الماضي؛ إذ فقدت الليرة السورية أكثر من 80 في المائة من قيمتها.

المـأساة كبيرة. ولا بد من متابعة تمديد القرار الدولي لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود قبل 10 من الشهر الجاري، ولا بد من متابعة موقف روسيا في هذا الشأن؛ خصوصاً أن هذا القرار هو شريان الحياة لنحو 4 ملايين سوري في شمال البلاد، ويخفف العبء عن موازنة دمشق ومصاريفها.

9- الانهيار السوري: يقول سوريون في مناطق الحكومة إن 2022 الأسوأ منذ 2011. ولوحظ أنه كي تخفف الحكومة الكلفة الاقتصادية، مددت العُطلات، وأوقفت العمل في مؤسسات ومستشفيات.

هناك حديث عن شلل وخوف من انهيار كامل. ولا بد من مراقبة مآلات هذه الأزمة الاقتصادية، وكيف ستؤثر على عمل مؤسسات الحكومة والجيش والأمن، وعلى شبكات السيطرة والعمل. أيضاً، لا بد من متابعة انعكاسات التطبيع السوري – التركي على الأزمة الاقتصادية، وهل ستدفع الأزمة دمشق لاتخاذ تنازلات مؤلمة في المجال السياسي وتنفيذ القرار 2254، أو في المجال الجيوسياسي، بتخفيف جرعات علاقاتها مع إيران؟

10- «خطوة – خطوة»: كان هَم المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، في السنوات الماضية، عقد اجتماعات للجنة السورية، باعتبارها مدخلاً لتنفيذ القرار 2254. وكان هذا رهاناً روسياً – تركياً – إيرانياً، ضمن مسيرة مسار آستانا. وبعد حرب أوكرانيا، طالبت روسيا بشروط لوجستية، لترتيب عقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، ما جمَّد عملها في الأشهر الماضية.

عليه، أحيا بيدرسن مقترحاً قديماً يسمى مقاربة «خطوة مقابل خطوة»، يقضي بإقدام دمشق على إجراءات مقابل تقديم الدول الغربية إغراءات واستثناءات. الشيء الجديد هو أن دمشق باتت مهتمة بالمقاربة، وهذا ما بدا من لقاء المقداد وبيدرسن الأخير في دمشق التي تريد أن تعرف العروض المقدمة، والدول التي تقدم هذه العروض.

الحديث يجري عن أمور صغيرة وبسيطة: بدء دول غربية خطوات لحل مشكلة الكهرباء، أو منح تأشيرات لدبلوماسيين سوريين، مقابل خطوات من دمشق إزاء المعتقلين، والعفو، وإجراءات الملكية.

ولا بد من متابعة هذا المسار، واللقاء المقبل بين المقداد وبيدرسن، ومدى تأثره بالتطبيع بين أنقرة ودمشق، ومدى التزام دمشق بأن تكون خطواتها في سياق مهمة المبعوث الأممي.

الشرق الأوسط

—————————

روسيا وتركيا وسوريا… لعب في الوقت الضائع/ خيرالله خيرالله

تبدو اللقاءات التركية – السورية، برعاية روسية، أقرب إلى لعب في الوقت الضائع تفرضه موسكو على طرفين لا يمكن إيجاد أي نوع من التفاهم بينهما في أي مجال من المجالات. ليس الجانب التركي من الغباء كي يتفاوض مع طرف لا يمتلك قراره، بل لا يمتلك أي هامش للتحرك السياسي منذ هبّت “الجمهوريّة الإسلاميّة” لنجدة بشّار الأسد بعد ثورة السوريين على نظامه الأقلّوي قبل اثني عشر عاما.

تعلم أنقرة أنّ القرار في دمشق ملك طهران. تعلم أيضا أنّه في مرحلة معيّنة صارت موسكو شريكا لطهران في قرار دمشق بعد دخولها على خط المواجهة المباشرة مع الشعب السوري. حصل ذلك ابتداء من خريف العام 2015 عندما أرسلت روسيا قاذفاتها إلى قاعدة حميميم، قرب مدينة اللاذقية، لمنع سقوط الساحل السوري والمنطقة ذات الأكثريّة العلويّة… وكي يتمكن بشّار الأسد من البقاء في دمشق.

الأكيد أن تركيا لا تمتلك أي أوهام في شأن طبيعة تكوين النظام السوري وما يستطيع تقديمه، خصوصا لجهة مشاركة المعارضة في السلطة، على نحو فعلي، وتنفيذ القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أواخر العام 2015. ليس واردا، بأيّ شكل، قبول النظام السوري تنفيذ مثل هذا القرار الذي يتضمن خارطة طريق للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، وهي تسوية مرفوضة أصلا من النظام.

لا يستطيع النظام الذي قام في العام 1970، والذي باتت تتحكّم فيه “الجمهوريّة الإسلاميّة” كليا منذ خلف بشار الأسد والده في العام 2000، القبول بأيّ شريك في السلطة. لم يشنّ النظام الأقلّوي حربه المشتركة مع إيران على الأكثرية السنّية والمدن السورية الكبرى من أجل أن يصل إلى مكان يجد فيه نفسه مضطرا إلى القبول بتغيير في العمق للنظام ولعلة وجوده. تتمثل هذه العلّة في تحكّم العلويين في مفاصل السلطة والدورة الاقتصاديّة من دون أي شريك فعلي من أيّ نوع كان.

أكثر من ذلك، يعرف الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يمتلك حسابات خاصة به مرتبطة بالانتخابات الرئاسيّة المقررة بعد نحو نصف سنة، أنّ ليس أمامه سوى المناورة. يناور أردوغان في الوقت الضائع لعلمه أنّ لقاءات من نوع ذلك الذي استضافته موسكو أخيرا بين وزراء الدفاع التركي والسوري والروسي وقادة الأجهزة الأمنيّة في البلدان الثلاثة ليست، في أحسن الأحوال، سوى تقطيع للوقت. في الواقع، يدرك الرئيس التركي أنّ لديه مصلحة، أقلّه في الوقت الراهن، في مسايرة الرئيس فلاديمير بوتين. يعود ذلك إلى أسباب عدة في مقدمها حاجة روسيا إلى تركيا في حربها على أوكرانيا. يرشح أردوغان نفسه للعب دور الوسيط في إنهاء هذه الحرب. يسمح له ذلك بتلبية طموحات ذات طابع شخصي تلمّع صورته في العالم. لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه، أن عين الرئيس التركي على علاقة متميّزة مع الإدارة الأميركية من جهة وعلاقة هذه الإدارة بالأكراد السوريين الذين تمثل “قسد” قسما كبيرا منهم من جهة أخرى. تعكس الاستجابة التركية لموسكو التي تعتقد أنّ دورها في سوريا ما زال حيّا يرزق، وهو أمر مشكوك فيه، محاولة تقوم بها أنقرة لإظهار أن لديها أوراقا تصلح في مساومات مع واشنطن.

لدى تركيا مصالحها ولدى أردوغان تطلعاته. لديه خصوصا الأزمة الاقتصادية التي يمرّ فيها بلده، وهي أزمة قد تحول دون فوزه في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة. يعرف الرئيس التركي أن أميركا وحدها يمكن أن تساعده في حلحلة الأزمة الاقتصاديّة التركيّة، التي يعبّر عنها تراجع سعر الليرة. هذا ما يفسّر، إلى حد كبير، الخطوات التي قام بها تجاه إسرائيل، وهي خطوات توجت بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وقبول أردوغان أوراق اعتماد السفيرة الإسرائيليّة في أنقرة حديثا. صارت المتاجرة بالقضيّة الفلسطينيّة وحصار غزّة جزءا من الماضي التركي…

لم يعد سرّا أن الرئيس الروسي يضغط بشدة من أجل التوصل إلى اتفاق سوري – تركي بغية تذكير العالم بأن لديه أوراقا ما زال قادرا على لعبها. يرفض أخذ العلم بأنّه خسر الحرب الأوكرانيّة وأن الاتحاد الروسي ليس سوى دولة من العالم الثالث لا أهمّية لها خارج ما تمتلكه من نفط وغاز. كذلك، يرفض بوتين أخذ العلم بأن ورقته السورية باتت ورقة إيرانيّة منذ اللحظة التي كشف فيها ضعفه وأصبح مضطرا إلى الارتماء في أحضان “الجمهوريّة الإسلاميّة” والحصول على مسيّرات وصواريخ منها كي يتمكن من متابعة حربه على الشعب الأوكراني.

في النهاية، لا بدّ من التساؤل عن الموقف الإيراني؟ فأي اتفاق بين النظام السوري وتركيا سيسمح من دون شكّ باحتفاظ تركيا بمنطقة نفوذ تقع تحت سيطرتها العسكريّة المباشرة على طول الحدود الدولية بين البلدين وفي عمق 30 إلى 35 كيلومترا.

إضافة إلى ذلك كلّه، لا يستطيع النظام السوري سوى أن يسأل نفسه ما الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا، وهي دولة مفلسة، في إعادة إعمار سوريا… هذا كان واردا بأن تكون هناك عملية إعادة إعمار في يوم من الأيّام من دون تغيير في العمق لطبيعة النظام القائم.

لن يساهم أي اتفاق مع تركيا في إعادة إعمار سوريا ولا في عودة السوريين الموجودين في الخارج أو في مناطق سورية معيّنة إلى أرضهم. مثل هذه العودة مرفوضة من إيران التي تعمل منذ سنوات طويلة على تغيير ديموغرافي في سوريا يصبّ في مصلحة وضع يدها على البلد وثرواته. يحصل ذلك في وقت لا قدرة لدى النظام على إبداء أي اعتراض على ما تقوم به “الجمهوريّة الإسلاميّة” عن طريق ميليشياتها المذهبيّة العاملة في سوريا.

قبل أن تفكّر روسيا بقيادة فلاديمير بوتين في كيفية ترتيب الأوضاع بين تركيا والنظام السوري، لماذا لا تفكّر في كيفية الخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، مأزق الوحول الأوكرانية التي غرقت فيها وحرب الاستنزاف الطويلة التي تبدو عاجزة عن خوضها!

إعلامي لبناني

العرب

—————————

قراءة طالع السوريين في تركيا في ضوء مستجدات العلاقة مع النظام السوري/ غزوان قرنفل

في ضوء التطورات المتلاحقة والمتسارعة في العلاقة بين الحكومة التركية والنظام السوري من البديهي طرح مثل هذا السؤال عن مصير ما يقارب أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، ومن الطبيعي أكثر أن يساور القلق هؤلاء الملايين ويبعث فيهم شعوراً بعدم اليقين بشأن مستقبلهم ومستقبل أولادهم وأعمالهم في تركيا، خصوصاً ألا شيء تبدل بشأن الأسباب التي دفعتهم لمغادرة بيوتهم وبلداتهم ومدنهم ابتداء!.

بطبيعة الحال فإنه من المعروف أن وضع “الحماية المؤقتة” هو المركز القانوني الذي يتمتع به السوريون في تركيا لتكون إقامتهم (المؤقتة) فيها إقامة شرعية، وهذا الوضع القانوني جاء كنوع من الاستجابة التركية لقوننة التدفق الهائل لمئات آلاف اللاجئين (نستخدم مصطلح اللاجئين في هذا السياق ليس بمدلولها القانوني وإنما الاصطلاحي الذي نقصد به الإشارة للسوريين في تركيا)، والذي بدأت إرهاصاته منذ منتصف العام 2012، حين بدأ النظام السوري يستهدف المدن والبلدات وقاطنيها بالطائرات الحربية والصواريخ القصيرة المدى.

ولم يكن من الممكن منح هؤلاء وضعية الحماية الدولية ثم اللجوء بالنظر إلى التحفظ المكاني أو الجغرافي الذي ما تزال تركيا متمسكة به بشأن من هو المستحق لصفة اللاجىء بالمعنى والمدلول القانوني والذي ترى أنه حصراً يجب أن يكون قادماً إليها من دول أوروبا طالبا اللجوء فيها (!).. فأصدرت الحكومة التركية قانون الحماية في نيسان 2013 ليكون بمثابة خيمة تسبغ المشروعية على وجودهم فيها وتنظم قواعد هذا الوجود وما يترتب عليه من حقوق والتزامات.

منذ منتصف العام 2019 وبعيد خسارة الحزب الحاكم انتخابات بلديتي أنقره وإسطنبول (التي فسّرت وروّجت الحكومة أسبابها على أنها بسبب احتضانها ودعمها وجود السوريين في تركيا خلافا لرغبة أغلبية الشعب التركي)، وعلى خلفية تصاعد نبرة التصريحات العنصرية والموقف العدائي العام لوجود أو لاستمرار بقاء السوريين في تركيا وما أفرزه ذلك من اعتداءات وجرائم على ذات الخلفية العنصرية بحق الكثير من السوريين، بدأت حملات الترحيل الجماعي للكثير من الأفراد والعائلات في بعض الأحيان تحت مبررات واهية لا تستوجب الترحيل غالباً، وفق منطوق قانون الحماية نفسه!.

وما تزال عمليات الترحيل مستمرة بوتائر مختلفة ربما لن يكون آخرها عملية ترحيل جماعي لسبعين عائلة على دفعتين من أنقره إلى مناطق شمالي سوريا والتي توصّفها السلطات التركية على أنها مجرد عودة طوعية وليست ترحيلاً قسرياً!.

لم يكن هذا السياق الذي اتخذته مسألة اللاجئين السوريين إلا بمثابة إعلان من الحكومة التركية أن “شهر عسل” السوريين في تركيا قد انتهى، وأن ملف اللاجئين الذي صار عنواناً مهماً في الصراع الانتخابي بين التحالف الحاكم وأحزاب المعارضة الأخرى لا بد من انتزاع ورقته من يد الخصوم، وهذا يعني أن على الحكومة نفسها أن تتخذ ما تراه مناسباً من إجراءات لطي صفحة وجود السوريين في تركيا، وكان إعلان الرئيس التركي نفسه عن برنامجه لإعادة مليون لاجئ سوري إلى مناطق الشمال عودة (طوعية)، قبل انتخابات 2023، هو الإعلان النهائي الذي يمكن في سياقه فهم مآل السوريين في تركيا.

اليوم ومع التبدل الكلي لتوجه السياسات التركية تجاه المسألة السورية برمتها ومن ضمنها بطبيعة الحال عودة اللاجئين، وفي ظل هذا التسابق المحموم لكسب ود النظام السوري وتجسير الهوة معه بتشجيع ورعاية روسية بهدف خلق البيئة اللازمة لإعادة اللاجئين السوريين حتى خارج مناطق سيطرة (الجيش الوطني) الذي أصلاً صار مشكوكاً في أسباب وشروط استمرار وجوده مع استمرار وتصاعد وتيرة هذا المسار التصالحي مع النظام بهدف تطويق وإجهاض مشروع “قسد”، الذي تعتبره تركيا مصدر تهديد لأمنها القومي ويعتبره النظام تهديداً للوحدة الجغرافية للدولة السورية، يمكننا في ضوء كل تلك المعطيات والسياسات التنبؤ بمآل اللاجئين السوريين في تركيا.

أتوقع وفي ضوء تحسّن العلاقات التركية مع النظام السوري – إذا ما تم ذلك فعلاً وأعتقد أنه سيحصل وفق المعطيات المعلنة – وبعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي التركي وتشكيل الحكومة الجديدة أن تعلن تلك الحكومة عن إنهاء برنامج الحماية المؤقتة بشكل رسمي وفقاً لقانون الحماية نفسه، والذي ينص على ذلك ويحدّد الآليات المتبعة لإنهاء تلك الحماية في المواد 11 وما يليها حتى المادة 16 من القانون المذكور.

وهذا الإجراء يعني أن على كل السوريين الخاضعين لـ”نظام الحماية المؤقتة” أن يغادروا الأراضي التركية طوعاً إلى بلدهم أو المغادرة إلى بلدان أخرى باستثناء أولئك الذين يتقدموا بشكل فردي بطلبات للحماية الدولية، والتي سيتم تقييمها بشكل فردي أيضاً والرد عليها، وسيتم بطبيعة الحال تحديد المدة الزمنية التي يتعين على السوريين خلالها مغادرة الأراضي التركية.

وأتوقع في هذا السياق أن تتراوح المدة بين ستة أشهر إلى سنة على أبعد تقدير حيث يتاح لهم خلالها تصفية أعمالهم وممتلكاتهم المنقولة، وكذلك ستكون هي مدة كافية للرد والفصل بطلبات الحماية الدولية التي قد يتاح للبعض التقدم بها وفقاً لمنطوق القانون، وأزعم أنه بعد انقضاء تلك الفترة لن تتيح السلطات التركية البقاء على أراضيها لأكثر من نصف مليون شخص بأحسن الأحوال متضمنة أولئك الحاصلين على الجنسية التركية وبضعة آلاف من الطلبة الجامعيين لحين انتهاء دراستهم، وبعض المتمولين وأصحاب النشاطات والفعاليات الاقتصادية ممن لم يحصلوا على الجنسية التركية بعد.

وإذا ما كانت تلك التوقعات في مكانها –وأزعم ذلك– فأعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد ارتفاعاً كبيراً في وتائر الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا بالرغم من صعوباتها والمخاطر المحيقة بالمهاجرين، كما سنشهد مغادرة للأراضي التركية إلى دول ما تزال تتيح وصول السوريين إليها بلا عراقيل تذكر كـ مصر والصومال ورواندا وماليزيا والبرازيل، وأعتقد أن بعض أصحاب رؤوس الأموال المهجوسين بالقلق الذي قد يكون محقاً، أيضا سينقلون أعمالهم إلى دول أخرى كمصر والإمارات مثلاً.

قد تكون الصورة التي رسمتها تلك السطور سوداوية من وجهة نظر البعض لكني بكل أسف أراها محاولة لقراءة معطيات الواقع الحالي للاجئين السوريين في تركيا ومآلاته في ضوء مجمل السياسات المستجدة التي اتخذتها وستتخذها الحكومة التركية خلال المراحل القادمة أياً كان شكل تلك الحكومة أو لونها – والتي أتمنى حقاً أن تكون قراءة خاطئة – لكن بناء حياة جديدة ومستقرة لا يمكن أن تتأسَس على محض أمنيات يحاول البعض أن يجعلها وردية.

تلفزيون سوريا

———————-

ما بعد موسكو ليس كما قبلها/ أحمد مظهر سعدو

يتساءل الكثير من المتابعين عن مستقبل السوريين بعد الخطوات التركية الملموسة في التطبيع مع النظام السوري، وخاصة ما جرى من لقاء نوعي في موسكو بتاريخ 27 من كانون الأول/ ديسمبر 2022  والذي جمع وزراء الدفاع في كل من روسيا وتركيا والنظام السوري، وهو ما دفع بالعديد من الأسئلة لتخرج إلى حيز الواقع، وكلها يتعلق بمصائر السوريين الذين خرجوا إلى الشارع والفضاء الرحب في مواجهة قوة النظام الأمنية العسكرية، في أواسط آذار/ مارس 2011 لإنتاج الحرية والكرامة التي يبتغونها، وإقامة دولة الحق والعدل والقانون المفتقدة جميعها أثناء حكم حافظ الأسد ثم وريثه بشار الأسد، حيث حول النظام الأسدي سوريا إلى مقتلة مستمرة، لم يتوان فيها عن استخدام كل أنواع الأسلحة الحديثة التي استلمها من الاتحاد الروسي، أو تلك القديمة المخزنة (وهمًا) لتحرير فلسطين والجولان، لكنها كانت بالواقع لقمع السوريين وتعميم الفساد والإفساد واستمرار الدور الوظيفي الذي كان وما يزال نظام الفاشيست الأسدي الطغياني يقوم به.

في موسكو كان اللقاء، على أبواب المصالحة المفترضة، وكانت الرعاية الروسية ضمن مصالح اقتصادية وجيوسسياسية روسية، أتت بعد وإبان حرب روسية ماحقة في أوكرانيا، تُركت فيها روسيا لتزداد غرقًا في الوحل الأوكراني المدعوم غربيًا، وليكون درسًا لبوتين قد لايستطيع تكراره ثانية في أية بقعة من العالم. كما كانت المصلحة التركية في ذاك اللقاء تهيئة نحو لقاءات قادمة ومتوقعة على مستوى أعلى، قد تفضي إلى مزيد من تحقيق النسبة الشعبية الأعلى في صندوق انتخابي تركي بات قريبًا.

لكن السؤال المطروح أيضًا هل النظام السوري المأزوم اقتصاديًا وأمنيًا ومعيشيًا، والمنفلت عقاله على كل الصعد، والذي يقف على حافة الانهيار العام والتام، هل يمكنه أن يفيد الأتراك بشيء أو يعطي أي قرارات جدية، يمكن الاستفادة منها صعودًا تجاريًا أو اقتصاديًا يدعم الليرة التركية المتراجعة، والتي فقدت الكثير من قيمتها، كما نسبة التضخم الكبرى التي باتت مقلقة للسكان جميعًا. ناهيك عن تعثر الروس وعدم قدرتهم على إنجاز أي حل شمال شرقي سوريا، يمكن أن يفيد الأمن القومي التركي، ويقلل من إمكانيات وتبعات أي عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا لكبح جماح الإرهاب، وإنهاء الخطر الأمني القسدي ضد الداخل التركي، فالروس عاجزون عن إعطاء الأمن للأتراك، كذلك حال النظام السوري المتعثر، والذي ما زال يعثر في الأكم وفي الوهد، فالقرار شمال شرق ليس للنظام السوري، ولا للروس، بل للإدارة الأميركية التي لايبدو أنها مرتاحة أو موافقة عل الانفتاح التطبيعي التركي (برعاية روسية) على النظام السوري، حيث ما زالت ترى فيه ذاك النظام المجرم والإرهابي والكبتاغوني، الذي يهدد أمن، ليس السوريين فحسب، بل كذلك كل دول المنطقة والعالم، بعد أن أضحى ملك الكبتاغون عالميًا، وبعد صدور القانون الأميركي الذي يحارب هذا التمدد الكبتاغوني، وقد تم تحميل بشار الأسد شخصيًا تبعات ذلك.

لن يستطيع نظام الأسد، وليس بقدرته، منح الأتراك أي ورقة انتخابية، ولايمكنه إنجاز أي اتفاقات جدية، وهو لا يستطيع إقرارها ولا تنفيذها، بعد أن فقد السيطرة كليًا على كل مفاصل الواقع السوري، وبات في مهبّ الريح، وهو أيضاً يتبع نظام الملالي في طهران، الذي قد لا تتماشى مصالحه مع المصلحة التركية، وهو من كان يريد تأجيل أية توافقات مع تركيا إلى مابعد حزيران/ يونيو القادم أي إلى مابعد الانتخابات، لولا الضغط الروسي العالي على قراراته هذه، حيث تمَّ جرّه إلى موسكو ليكون هناك، في لقاءات لم تكن ممكنة الحدوث قبل سنوات أو حتى قبل أشهر.

وتبقى المسألة الأهم أين السوريون من كل ذلك؟ وهل يمكن أن تُفرض عليهم أية تسوية مع النظام السوري، قد لا يريدونها؟ ومن يملك القرار الحقيقي بالنسبة للمعارضة السورية في كل ألوان الطيف السياسي والعسكري؟ وهل تستطيع بدائل المعارضة الإمساك بزمام الأمور وإنتاج جسم للمعارضة أكثر قوة وتماسكًا، وأمضى مبدئيًا وبنيويًا في مواجهة النظام الأسدي، ورفض أية ضغوط إقليمية؟

في البدء لابد من القول إنّ الدولة التركية والشعب التركي ومنذ البداية وقفوا إلى جانب السوريين، واستُقبل الشعب السوري أحسن استقبال، قبل أن تدفع المعارضة التركية بالمزاج الشعبي التركي إلى غير هذا المعطى، ضمن حربها السياسية على الحكومة/ العدالة والتنمية، وتؤدي إلى إفشاء المزيد من العنصرية والتنمر، ومع ذلك فلا أعتقد أن الدولة التركية ولا حكومة العدالة والتنمية سوف تأخذ قرارات نيابة عن السوريين، أو ممارسة الضغط على القوى المعارضة، وزج السوريين في متاهات قد لاتحمد عقباها، حيث يدرك الأتراك، وكل من يعرف طبيعة النظام السوري، ألا ثقة به، ولا أمان على حيوات السوريين، إذا ما أُجبروا على العودة إلى وطنهم، وهذا يعرفه القاصي والداني، لكن أين المعارضة السورية من كل ذلك؟ وهي التي سبق ووضعت جل بيضها في سلة الخارج، حتى لم يعد لديها أي بيض أو ورقة سياسية تفاوضية رابحة، وراحوا يتراكضون وراء سراب اللجنة الدستورية، أو أوهام أستانا، ولم يجنوا من ذلك أي فعل إيجابي عبر نظام الأسد وما يزال مئات آلاف السوريين في المعتقلات، ينتظرون الفرج دون أن يأتي، علاوة على تشظي الفصائل في الشمال السوري، وحالات الاقتتال الداخلي البائسة، والتي شغلتهم كلية عن كل ما تجمعوا من أجله، وهو قتال نظام القهر الأسدي.

في ظل وجود معارضة لا حول لها ولا قوة، وهي مابرحت منشغلة في خلافاتها البينية، وتوزيع المكاسب والمناصب، وفي ظل استمرار هذه المعارضة في فقدان الحاضنة الشعبية التي كانت ملتفة حولها فيما سبق، وعجزها الكلي عن الفعل والتحرك، لمنع ارتمائها في أحضان النظام أو روسيا أو إيران، تصبح الأجواء ملبدة بالغيوم، وقابلة للمزيد من النكوص والتراجعات،  فيما لو بقيت أوضاع المعارضة البديلة متذررة وغير قادرة على إعادة إنتاج البدائل، لكن ما يمكن أن يقال في هذا المجال أيضًا، إن الدولة التركية عبر سياساتها البراغماتية واضحة المعالم، ما زالت تدرك أن النظام السوري غير قادر على إعطائها أي وعد جدي يعيد اللاجئين السوريين، أو يمكن أن يسمح لخطوط الترانزيت بالعمل نحو دول الخليج، وما زالت إيران معرقلة لأية تسويات قد لا تحافظ كليًا على وجود النظام السوري، لكن من المؤكد كذلك أن مابعد موسكو ليس كما قبلها، وأن قادم الأيام لن ينتج تسوية مع النظام السوري، الذي لايؤمن إلا بالحل العسكري الأمني، وأن الروس غير قادرين من دون التوافق مع الأميركان (الصعب حاليًا) أن يمنحوا الأتراك أية اتفاقات في شمال شرقي سوريا، لأن المصلحة والقرار للأميركان، وليس للروس المتهالكين بعد أوكرانيا، ويبقى الدور التركي الكبير في المنطقة وخاصة في أوكرانيا، أو بين روسيا والغرب، هو المعول عليه كي تتمسك به أميركا وروسيا على حد سواء، باتجاه أية عملية تحريك حقيقية نحو الولوج في قنوات تسوية جدية تتوافق مع القرارات الأممية ذات الصلة.

————————-

تركيا والأسئلة الحاسمة/ يحيى العريضي

لم يُشهر العداء المعمّق لتركيا أردوغان كما أشهره نظام الأسد، منذ 2011. حيث أعاد “النظام” إحياء موضوع لواء إسكندرون بقوة في خطابه الإعلامي وسياساته، بعد أن طوى صفحته مِن أدبياته وجغرافياته، خاصة بعد توقيع “اتفاقية أضنة” عام ثمانية وتسعين من القرن المنصرم.

عادت “العثمانية” و”السلطنة” إلى التداول بشكل غير مسبوق، تمَّ اتهام تركيا بأنها المسؤولة عن إدخال “داعش” إلى سوريا. وأصبحت تركيا “إخونجية” تحتضن العملاء والخونة من “الإخوان المسلمين” الذين خرّبوا سوريا في الثمانينات، أمّا أردوغان فهو ليس أكثر من عميل لأميركا وحليف لإسرائيل وشريك أساسي في المؤامرة الكونية على سوريا.

وتركيا هي التي سرقت معامل الشمال السوري، وهي الطامعة بخيرات الجزيرة السورية الخصبة. أما أولئك السوريون الذين خرجوا إلى تركيا، فليسوا أكثر من خونة وعملاء لها؛ ووفدهم للمفاوضات كان نظام الأسد يصفه بـ”وفد تركيا”. رأى “نظام الأسد” أيضاً أن تركيا هي التي شجعت السوريين على النزوح، واستحضرت قصة “الأنصار والمهاجرين” كي تدس السموم الطائفيه وتحوّل الوضع في سوريا إلى حرب أهلية وطائفية.

إثر تحركات تركيا الأمنية والسياسية، خلال الأشهر الماضية، والتي تواكبت مع خيبتها أو فشلها في القيام بعملية عسكرية ضد ما ترى فيه تهديداً إرهابياً لأمنها القومي، يأتيها من الشمال الشرقي السوري؛ سعت تركيا لرد “الجميل” لكل مَن خيّبها أو أفشل مشروعها، عبر إحراجهم، وتأزيم أوضاعهم من خلال ما هو غير مألوف أو مُتَوَقَّع؛ وتحديداً التوجه نحو “نظام الأسد”.

خطت تركيا خطواتها هذه، وهي تعرف “منظومة الأسد” ربما أكثر من أي جهة أخرى. إنها حقيقة تعرف كل ما سعى السوريون لتذكيرها به وأكثر. تعرف كيف ينظر إليها نظام الأسد، وتعرف أن هذا “النظام” لا يريد عودة اللاجئين لديها، فهو غير قادر على احتمال ما لديه من السوريين، ليحتمل أولئك الذين رفضوه ودعوا إلى إسقاطه أساساً. وهي سمعت منه صراحة (كما سُرِّب من اجتماع موسكو) عدم رغبته بإعادة اللاجئين.

تعرف أنقرة اهتراء النظام عسكرياً واعتماده في بقائه على الميليشيات وحليفيه روسيا وايران؛ والأهم تعرف علاقته بعصابات الـ”ب ك ك”، حيث من غير الممكن أن يكون هناك مواجهة بين “النظام” ومَن علاقته معهم تاريخية.

وهذا تماماً يشبه القول للنظام بأن يُخرِج ميليشيات “نصر الله” الإيرانية من سوريا. وفوق كل ذلك، تدرك تركيا أنّ النظام  سيكون بمواجهة أميركا، إن هو لبّى طلبها وواجه الـ”ب ك ك”.

مع كل ذلك، ورغم معرفة تركيا بحقائق نظام الأسد بعمق؛ لم يرق لبعض السوريين إلا تذكير تركيا ببعض ما لديهم؛ وكأن تركيا “خلّفتهم، وتركتهم” أو أنها وصيةٌ عليهم؛ وربما لصدمتهم واهتزاز ثقتهم بجهة طالما اعتقدوا أنها صادقة بعلاقتها معهم. ومن باب العتب ذكّروها بـ”شهداء سوريا، ومعتقليها، وبتشريد الشعب السوري وتهديم بيوته؛ كما ذكّروها بضعف النظام وكرهه لتركيا؛ وبأن النظام غير قادر على مساعدة نفسه، كي يساعدها؛ وأن أميركا تدعم الـ ب ك ك خصومها”.

قالوا لها: إذا كان الهدف اقتصادياً، فالنظام مفلس، وليس لديه ما يصدره إلى تركيا إلا الكبتاغون. وقالوا إن السوريين اللاجئين يفضلون الموت على الرجوع تحت حكم الأسد، وكان الأخطر بكل ما قالوه: هو أن تركيا ستكون ليس فقط بمواجهة “قسد”، بل بمواجهة ٧ ملايين سوري، ومواجهة أميركا وأوروبا أيضاً، وهم عاطفياً محقّون بمعظم ما قالوه، بناء على علاقة أخوة نشأت خلال سنوات.

ولكن بعد كل هذا، وبعد كثير من الحقائق الدامغة؛ يبرز السؤال الأهم: لماذا تأخذ تركيا نهجاً كهذا في تحوُّل يبدو صادماً؟ هل هو نكاية بأميركا؟ هل هو لمعرفتها المعمقة بالوضع الروسي المأزوم، وتريد من موسكو الاصطفاف معها في وجه أميركا كي تخفف الضغط عليهما؛ للأولى في أوكرانيا وللثانية في الشمال السوري؟

هل قرأت تركيا أن تصرفها هذا يطيب لإيران، لأنه يبتز أميركا؟ ألم تحسب حساب أن إيران هي الحليف الأكبر لنظام الأسد، ولا تريده أن يقع؟! وهل أمن تركيا القومي قضية طارئة فجأة، ليحدث هذا التحول الدراماتيكي في التوجهات السياسية التركية؟ وهل تعتقد أنه باستنفار اللاجئين السوريين بهذا الطريقة، يمكنها سحب هذه الورقة من يد المعارضة التركية في الانتخابات التركية القادمة؟

في المحصلة النهائية، تدرك تركيا أكثر من أي جهة أخرى أنها لا تستطيع تحقيق ما يريده نظام الأسد الكبتاغوني منها، ولا تستطيع هي أو أي مِن حُماة النظام انتشاله أو إعادة تأهيله.

ومن جانبه نظام الكبتاغون يعرف ذلك، وما بإمكانه تحقيق ما تريده تركيا، ولو لعب على مئة حبل؛ خاصة أن حبل الكبتاغون ينتظر عنقه. ومن هنا، هل ما تقوم به تركيا بهلوانية سياسية تتجاوز خسائرُها مكاسبَها، وخاصة أخلاقياً، أم أنها تستغل مأزوميات النظام وحلفائه، فتبيعهم بعض الوقت و”فُسَح التنفس”، مقابل تمكين أظافرها في الملف السوري، لتكون لها الكلمة الفصل فيه؟ وهل الـ”Big Brother” (أميركا) يسمح بذلك؟!

أخيراً، ماذا عن صرخة السوريين، الجمعة الماضية، والتي ذكّرت الجميع أن ملايين السوريين لا يمكن تجاوزها في القضية السورية؛ وهي بالذات -لا مؤسسات معارضة مهترئة ومُرتهنة– مَن يقرر في النهاية مصير سوريا، مهما تنوعت أهواء ومصالح و”سقطات” الجهات المنخرطة في القضية السورية؟! وأخيراً أيضاً، ألا يمكن لخطوة تشوبها البهلوانية أن تكون قفزة في الفراغ تُحَتّم خسارة الانتخابات لا كسبها؟!

————————

استراتيجيا تركية – روسية ترسم نهاية الحرب في سوريا/ مروان شلالا

غياب أميركي وتقلّص في القوة الكردية

منذ عام 2019، كان الوضع السوري في طريق مسدود إلى حد كبير، مع تقسيم السلطة بين ثلاثة جيوب بحكم الأمر الواقع، يعتمد كل منها على رعاية القوى الخارجية. يسيطر نظام الأسد، بضمان روسيا وإيران، على حوالي 60-65 في المئة من الأراضي السورية، بما في ذلك الساحل والمدن الرئيسية. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والتي يهيمن عليها الأكراد على معظم المنطقة الواقعة شرق نهر الفرات، والتي تشكل ما يقرب من 30 في المئة من مساحة سوريا. أما تركيا، وبالشراكة مع ما يسمى “الجيش الوطني السوري” ومع جماعة هيئة تحرير الشام الجهادية، فتسيطر على منطقة في الشمال الغربي تشكل نحو 10 في المئة من الأراضي السورية.

استمر هذا التقسيم بحكم الأمر الواقع في الغالب منذ أوائل عام 2018. غيرت تركيا الميزان إلى حد ما في أكتوبر ونوفمبر 2019، مع توغل بري شرق الفرات. نتج عن ذلك إنشاء جيب من الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية يقيد المنطقة الخاضعة للسيطرة الكردية، ونشر قوات النظام والقوات الروسية شرق الفرات لردع المزيد من التقدم التركي. منذ ذلك الحين، كان الوضع العسكري على الأرض ثابتًا، والمسألة الأوسع لمستقبل سوريا لم تحل.

استدارة أردوغان

هناك حاليا مؤشرات على تجدد الحراك في سوريا. على وجه التحديد، يشن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حملة جوية ضد أهداف في المنطقة الكردية/الأميركية منذ 20 نوفمبر. وهو هدد بالفعل بتوغل بري، بهدف إبعاد القوات الكردية عن الحدود نحو 30 كيلومترًا، واحتلال بلدات تل رفعت ومنبج وكوباني. وقالت مصادر كردية لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية إن القيادة الكردية السورية توقعت الغزو أواخر نوفمبر. يبدو أن تأجيله جاء نتيجة للاحتجاجات الأميركية والروسية على أنقرة والضغط عليها. تشير المصادر، مع ذلك، إلى أن الخطر لم ينته بعد.

إلى جانب تهديداته بالغزو، يبدو أن أردوغان شرع الآن في مسار دبلوماسي. وأعرب الرئيس التركي، الخميس 15 ديسمبر، عن رغبته في لقاء ثلاثي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد. وقال: “دعونا نجتمع معا كقادة. عرضت هذا على السيد بوتين، وقد تقبله بشكل إيجابي. وبالتالي، سيتم إطلاق سلسلة من الاتصالات”. وجاءت هذه التصريحات في أعقاب محادثات في اسطنبول يومي 8 و 9 ديسمبر الماضي بين نائبي وزير الخارجية التركي والروسي، ومحادثة هاتفية بين بوتين وأردوغان في 11 ديسمبر.

هذا بعيد كل البعد عن مواقف أردوغان قبل عقد من الزمان. برزت تركيا باعتبارها الداعم الأول والأكثر تصميماً للمتمردين الإسلاميين الذين سعوا إلى تدمير نظام الأسد. في عام 2012، في الأيام الأولى من التمرد، فتح أردوغان الحدود فعليًا للمتمردين، ما سمح لهم بنقل الأسلحة والإمدادات إلى سوريا. الآن، بصفته الحامي الأخير لما تبقى من الثورة، يبدو أن الزعيم التركي يسعى إلى تحقيق هدف مختلف تمامًا – وهو التقارب مع نظام الأسد، تحت رعاية روسية.

يشير موقف الزعيم التركي إلى أنه بينما قد يكون تخلى في الوقت الحالي عن طموحه بالوقوف على رأس مجموعة من الدول الإقليمية الإسلامية السنية، فإن هذا لا يدفعه إلى العودة إلى السياسة الإقليمية الموالية للولايات المتحدة. بدلاً من ذلك، يبدو أنه يسعى إلى الاقتراب من روسيا من أجل زيادة إضعاف الكيان الذي يقوده الأكراد في شرق سوريا وإلغائه في نهاية المطاف. يعتبر أردوغان أن هذه الهيئة، المتحالفة مع الولايات المتحدة في قتالها ضد داعش، هي واجهة لحزب العمال الكردستاني، الذي تخوض تركيا حربًا معه منذ عام 1984. لن يهزم الأسد، فقد تم توجيهه بشكل أساسي نحو السعي لتدمير المنطقة التي يقودها الأكراد.

شركاء طبيعيون

في هذا الصدد، تجد تركيا شركاء طبيعيين في روسيا والأسد. الأسد يريد إعادة تأكيد سيطرته الاسمية على السيادة السورية بأكملها. تدعم روسيا هذا الهدف أيضًا، وكذلك حليفتها إيران، وكلاهما يرغب في رؤية رحيل القوات الأميركية الذي يضمن حاليًا استمرار وجود الجيب الذي يقوده الأكراد.

المنطقة الكردية، المعروفة رسميًا باسم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فقد تم تقليصها تدريجياً من قبل تركيا في ثلاث عمليات عسكرية منذ عام 2016. في عام 2019، استدعى التوغل التركي من الأكراد دعوة النظام والروس للانضمام إليهم. منطقة لمنع مزيد من التقدم التركي. إذا أُجبر الأكراد السوريون على الاختيار بين الأتراك أو الأسد، فمن غير المستغرب أن يختاروا الأسد. بالنسبة لأردوغان، يثير هذا الطرح الجذاب المتمثل في استخدام نظام الأسد كنوع من السندان للمطرقة التركية، التي سيُسحق بها الأكراد السوريون.

في عام 2019، لم تحاول قوات النظام فرض سلطة الأسد السياسية شرق الفرات. على عكس بعض التوقعات، اقتنع النظام في ذلك الوقت بتعزيز وجوده العسكري على الحدود فقط. لكن هذه الحادثة عملت على زيادة تآكل منطقة سيطرة الأكراد. يبدو أن هذا النمط يعجب أردوغان: تهديدات العمل التركي تتطلب روابط أوثق بين الأكراد والنظام، مما يؤدي إلى زيادة إضعاف الأكراد. يبدو أن الحلقة التالية من هذه الديناميكية، برعاية روسية، جارية.

تنازلات إضافية

يبدو أن مقترحات روسيا في هذه المرحلة تشبه الأساليب التي استخدمتها موسكو لتقليص المناطق التي يسيطر عليها المتمردون قبل خمس سنوات. تقترح موسكو انسحاب مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية من كوباني ومنبج، تاركين فقط قوات الشرطة شبه العسكرية الكردية “أسايش”، التي ستخضع بعد ذلك لقيادة النظام. وبحسب موقع “المونيتور”، وافق الأكراد على هذه المطالب، وتطالب تركيا الآن بتنازلات كردية إضافية.

في الوقت نفسه، اللاعب الرئيسي الغائب في الديناميكية هو الولايات المتحدة التي تضمن استمرار وجود منطقة الأكراد. لكنها تفعل ذلك، مع ذلك، من دون التزام سياسي من أي نوع. تقتصر العلاقات رسميًا على التعاون في المعركة المستمرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. أوضح المحاورون الأميركيون للقيادة الكردية أنهم لن يكونوا بالضرورة في سوريا على المدى الطويل. لذلك فإن الولايات المتحدة لا تعارض المفاوضات بين الأنيس ونظام الأسد. ومن المرجح أن يؤدي موقف “رفع اليد” للولايات المتحدة إلى حكم الأكراد السوريين على استمرار التآكل البطيء لمنطقة سيطرتهم. قد يعكس عدم وجود التزام أميركي واضح في سوريا وجهة نظر ترى هذه الساحة كمنطقة راكدة وذات أهمية استراتيجية قليلة في الوقت الحاضر. إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا الرأي خاطئ. سوريا هي جبهة واحدة لتحالف موسع ومتكامل بين موسكو وطهران، والذي يشمل أيضًا ساحات القتال في أوكرانيا والاضطرابات الداخلية في إيران (موسكو، وفقًا لتقرير حديث على قناة إيران الدولية، تقدم المشورة والمساعدة للإيرانيين. في قمع الاحتجاجات). الجيب الذي تضمنه الولايات المتحدة هو عقار استراتيجي مهم يمنح الطرف الخصم في هذا التحالف تواجدًا في سوريا وقدرة على معارضة أو إحباط أو عرقلة واحتواء طموحات موسكو وطهران. تسعى تركيا إلى وضع نفسها في منتصف الطريق بين الجانبين، والاستفادة من كليهما. قد تكون المشكلة أن التفكير الاستراتيجي من الجانب المؤيد للولايات المتحدة لم يلحق بعد بالواقع الناشئ في هذا السياق. وإلى أن يحدث ذلك، ستكون الأفضلية مع الجانب الروسي الإيراني وهو يتجه بالتعاون التركي نحو نهاية اللعبة التي تهدف إلى تحقيق انتصار استراتيجي له على الساحة السورية.

أعدت “إيلاف” هذا التقرير عن صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية

—————————

وزير الخارجية التركي: لا تطبيع مع النظام يتجاوز المعارضة السورية/ جابر عمر و محمد كركص

قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، اليوم الثلاثاء، إن تركيا لن تقدم على أي خطوات تطبيع مع النظام السوري يتجاوز المعارضة ويكون رغماً عنها، وأن موعد لقائه مع وزير خارجية النظام لم يحدد بعد.

والتقى أوغلو وفدا من المعارضة السورية، اليوم، متمثلاً برئيس “هيئة التفاوض السورية” بدر جاموس، ورئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” سالم المسلط، ورئيس “الحكومة السورية المؤقتة” عبد الرحمن مصطفى، في العاصمة التركية أنقرة.

وقال بدر جاموس، رئيس “هيئة التفاوض السورية”، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “اللقاء كان عبارة عن عدة لقاءات في العاصمة التركية أنقرة مع كافة الجهات، واختتم بلقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بعد وصوله من سفر خارج تركيا”، مؤكداً أن “اللقاء كان بطلب من المعارضة السورية”.

وأوضح رئيس هيئة التفاوض أن “وزير الخارجية التركي أكد خلال اللقاء على الاستمرار بدعم المعارضة والشعب السوري”، وأن “تركيا تهدف وتسعى بكل إمكانياتها إلى إنهاء المأساة السورية وإيقاف الإرهاب ومنع تقسيم سورية من خلال حل سياسي يستند للقرارات الدولية”، مشدداً على أن وفد المعارضة السورية “أكد على استمرار السوريين في نضالهم حتى تحقيق أهداف ثورتهم”.

وأضاف جاموس: “سمعنا من الأتراك موجزا عن اللقاءات التي حصلت بموسكو أخيراً”، لافتاً إلى أنهم “مؤمنون بالحل السياسي الذي يحقق استقرارا مستداما، وهذا يحتاج إلى تطبيق القرارات الدولية”.

ويأتي هذا اللقاء بعد أسبوع من لقاء وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان مع وزير الدفاع لدى النظام السوري علي محمود عباس، ومدير مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك، في العاصمة الروسية موسكو يوم الأربعاء الفائت.

وأكد أوغلو، في تغريدة له على “تويتر”، أنه التقى برئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس، ورئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، “وناقشنا آخر التطورات في السياق السوري، وجددنا دعمنا للمعارضة والشعب السوريين وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.

واستبق جاووش أوغلو اللقاء بطمأنه المعارضة بأن لا تطبيع يتجاوزها. وأوضح الوزير التركي، على متن طائرة العودة من رحلته إلى البرازيل، وأكد أن “هيئة التفاوض السورية أسست لتطبيق القرار الأممي 2254 بين النظام والمعارضة، وكانت هناك لقاءات لتركيا مع المعارضة، وحالياً هناك لقاءات أيضاً، وستكون هناك لقاءات أخرى، خاصة قبيل اللقاءات على المستوى السياسي مع النظام”.

وأكد أن “الولايات المتحدة الأميركية لم تقل لأنقرة لماذا تلتقي مع النظام، ولكن فهمت منها أنها معارضة للتطبيع بين تركيا والنظام، وهذا كان واضحاً في تصريحات وزارة الخارجية الأميركية”.

وأكمل: “سنتبادل الأفكار مع المعارضة في البداية، ونحن في الوقت نفسه الضامن للمعارضة، ولهذا لا يمكن الإقدام على خطوات مع النظام تتجاوز المعارضة رغماً عنها”.

ونفى جاووش أوغلو أن “تكون هناك عودة إجبارية للاجئين بعد التطبيع مع النظام، بل العودة ستكون آمنة وطوعية”.

وأشار الوزير إلى أن “المعارضة تلتقي منذ فترة طويلة مع النظام في أستانة وجنيف ولكن لم تحصل على أي نتيجة، والحديث هنا عن خطوات متبادلة على صعيد المسار السياسي بقيادة الأمم المتحدة، وهناك بعض العناصر الراديكالية تقول نحن لن نصالح ولهذا تم تأسيس هيئة التفاوض السورية”.

وشدد الوزير التركي على “ضرورة توفير الإمكانات لمن يود العودة إلى سورية، ولهذا يجب أن تشترك الأمم المتحدة في هذه المرحلة وهو أمر مهم، وكذلك الدول الأوروبية التي تعاني من الهجرة يمكن أن تدخل في هذه المرحلة”.

وعن أسباب التطبيع مع النظام، قال جاووش أوغلو: “لم تؤد السياسات المتبعة على مدار سنوات لأي نتيجة وعلى أميركا أن ترى ذلك، ويجب أن توقف الحرب بالنهاية، ولن يكون هذا ضد المعارضة، أي لن يكون هناك تطبيع رغماً عن المعارضة أو أي لقاء، وبالأصل هدف اللقاء الأساسي مع النظام هو هذا الأمر”.

وأكمل: “الهدف هو الاستقرار الكامل وتأسيس السلام، والتخلص من الإرهابيين وحماية وحدة الحدود والتراب، والوصول إلى نتيجة في أعمال اللجنة الدستورية التي يشارك بمفاوضاتها النظام والمعارضة، ولهذا نعتقد أن التواصل المباشر (بين تركيا والنظام) سيكون مفيدا”.

الوزير التركي رد على سؤال يتعلق بأي عرض أميركي يتعلق بوحدات الحماية الكردية بالقول “لم يصل عرض جديد من أميركا، يكفي أن يتم تطبيق التوافقات التي وقعت في عام 2019، والاتفاقية المتعلقة بمنبج”.

وأردف: “لم يتم تطبيق أي شيء من هذه الاتفاقيات، وحتى روسيا لم تطبق، يكفي تطبيقهم للاتفاقيات، وفي اجتماعات موسكو والاجتماعات على المستوى الاستخباري كانت هناك مواد في الأجندة تتعلق بعمليات مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني”.

أما عن اللقاء على مستوى وزراء الخارجية مع روسيا والنظام، فقال الوزير التركي: “عرضت روسيا تاريخا من أجل اللقاء، ولكنه لم يكن مناسبا لنا، ونعمل على مواعيد ومقترحات أخرى بهذا الصدد، وهذه اللقاءات من المهم أن تكون لها نتائج، أي أن يتم تحديد التاريخ ويتم العمل على الخطوات التي سيتم الإقدام عليها، وبالتالي موعد ومكان اللقاء غير واضح”.

وأكمل: “حتى اللقاء المقبل، هناك اجتماعات تحضيرية على مستوى الخبراء والاستخبارات والدفاع من أجل تحويل هذه المواضيع لخطوات ملموسة، ولهذا الأمر غير مرتبط باجتماع واحد أو أكثر، والحصول على نتيجة منها”.

وتلقى الوزير التركي سؤالاً عن اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام بشار الأسد، فأجاب عنه بالقول: “ليس من الصواب الحديث عن تكهنات كهذه، بالنهاية هو قرار مرتبط بالرئيس أردوغان”.

وأضاف: “أردوغان قال سابقاً إنه حوار على مراحل، بداية على المستوى الاستخباري ووزراء الدفاع، وبعدها على مستوى وزراء الخارجية، وبعدها على مستوى الرؤساء، إذاً نلتقي بداية نحن (وزراء الخارجية) وبعدها يتم تقييم الأمر”.

والأسبوع الماضي أعلن في العاصمة الروسية موسكو عن لقاء ثلاثي جمع وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام، بحضور رؤساء أجهزة المخابرات، الأمر الذي قوبل بغضب شعبي كبير في الداخل السوري، فيما يجري التحضير حالياً للقاء على مستوى وزراء الخارجية خلال الشهر الجاري.

إلى ذلك، كشف وزير الخارجية التركي أنه سيزور الولايات المتحدة الأميركية في 17 من يناير/ كانون الثاني الجاري، وستكون له لقاءات مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، وستكون هناك لقاءات وإعادة تقييم للعلاقات التركية الأميركية خلال الاجتماع الثاني للآلية الاستراتيجية المشتركة بين البلدين لتناول المشاكل العالقة بين الدولتين.

العربي الجديد

—————————-

الجولاني يهاجم تركيا بعنف:سنحط رحالنا في دمشق

وصف زعيم هيئة “تحرير الشام” أبو محمد الجولاني خطوات التقارب التركي مع النظام السوري بالمكافأة للأخير على جرائمه بحق السوريين، معتبراً أنها انحراف خطير عن أهداف الثورة السورية التي قال إنه “أعدّ العدة للدفاع عنها”.

وبثّت وكالة “أمجاد” الذراع الإعلامي ل”تحرير الشام” الاثنين، كلمة مرئية للجولاني ظهر خلالها بلباس عسكري للتعليق على التطورات الأخيرة على خطوات التقارب التركي مع النظام برعاية روسية، داعياً الجميع للوقوف بجانبه للدفاع عن أهداف الثورة في سوريا.

واعتبر الجولاني أن “ثمة تحدياً خطيراً يواجه الثورة السورية المباركة ونضالها المستمر ضد النظام وحلفائه”، معتبراً ما يجري من مباحثات بين تركيا والنظام السوري برعاية روسية “تحدياً خطيراً يمس” أهدافها. ووصف التقارب ب”المكافأة” التركية للنظام على جرائمه.

وقال: “بأي مشيئة يُكافأ النظام المجرم ويُسخى في عطائه؟! أيكافأ على جرائم اغتصاب آلاف النساء الحرائر وقتل آلاف الأطفال الأبرياء ورميه براميل الموت وهدم ملايين البيوت على رؤوس ساكنيها؟! أو يُكافأ على هدم حلب وحمص وقتل مليون سوري وتشريد 12 مليوناً آخرين؟ أو على نشره المخدرات وجعله سوريا مستنقعاً متهالكاً بعد منارة للعلم والتقدم، وحضارة مشرقة للبشرية جمعاء؟!”.

وتساءل الجولاني: “بعد كل هذا، من الذي يرضى لنفسه أن يصطف مع هؤلاء القتلة؟”، معتبراً أن “الشعب السوري اختار حياة العز والكرامة بعد حكم الإسلام على أن يعيش حياة الذل والعار تحت حكم النظام، ولن يثنيه العالم عن ذلك الاختيار”.

وقال: “يا أيها العالم، هل باتت صور أطفال سوريا تزعجكم وتعكر عليكم صفو هدوئكم؟!، وهل بات أنين الأرامل والثكالى يؤرق نومكم؟! هل تريدون أن يذبح الناس ويقبروا ويغرقوا بصمت؟!”. واعتبر أن المعركة مع النظام ليست سياسية ولا داخلية وإنما معركة “بين الحق والباطل”.

ودعا “أبناء الثورة الشرفاء” إلى “عدم اليأس والحزن، بعد خذلان البعيد والقريب”، في إشارة إلى تركيا، واعداً إياهم بالحفاظ على الثورة وأهدافها من قبل من سماهم “أبناء الثورة وقادتها وجنودها”، الذين “يصلون الليل مع النهار”.

وقال: “قد أعددنا عدتنا، وهيأنا أنفسنا لأيام عظيمة قادمة”، داعياً “المخلصين والغيورين والساعين بصدق لوضع يدهم بيده والاصطفاف إلى جانبه من أجل “مواجهة هذه التحديات، ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام المجرم”.

وأضاف أن “تحرير الشام” “لن تُريح أو تستريح حتى تحط رحالها بقلب دمشق وإعمارها والمباهاة بها العالم بعد إسقاط النظام المجرم”. وقال مخاطباً النظام: “أيها النظام المجرم؛ لا تفرح بما يجري، فإن ما قد مضى أكثر بكثير مما قد بقي، فقد اقتربت ساعتك، والساعة أدهى وأمرّ. ولتعلمن نبأه بعد حين”.

—————————

بعد لقائه “جاويش أوغلو”.. المسلط يأمل أن تبقى تركيا حليفاً قوياً للسوريين

أفاد رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط، بأنّ تركيا حليف قوي وداعم للسوريين، وأنّه يأمل أن تبقى كذلك.

جاء ذلك في بيانٍ أصدرته الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني السوري على موقعه الرسمي، اليوم الثلاثاء، بعد لقاء عقده وفد من الائتلاف برئاسة “المسلط” مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.

وأوضح البيان أنّ رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط عقدَ على مدى يومين، عدة اجتماعات مع مسؤولين أتراك اختتمها، اليوم، بلقاء “جاويش أوغلو” في مقر وزارة الخارجية بالعاصمة التركية أنقرة.

ووفد المعارضة السورية الذي ترأسه “المسلط”، ضم أيضاً رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس ورئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى.

وبحسب البيان، بحث الحضور مستجدات الأوضاع الميدانية والتطورات السياسية المتعلقة بالملف السوري، مشيراً إلى أنّ “المسلط” أكّد أنّ “تركيا حليف قوي للمعارضة السورية، وداعم كبير لتطلعات السوريين في تحقيق الحرية والكرامة والديمقراطية”.

وتابع: “نأمل أن تبقى تركيا كذلك، وأن تكون خطواتها تصب في صالح هذه التطلعات عبر تطبيق الحل السياسي الذي أقرّته جميع القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري، ولا سيما بيان جنيف والقرارين 2118 و2254″، محذراً في الوقتِ عينه، من نظام الأسد وما يقوم به من خداع وعدم وفائه بتعهداته، وهو ما اعتاده المجتمع الدولي طوال السنوات الماضية.

وأشار “المسلط” إلى أنّ قوى الثورة والمعارضة السورية معنية وحريصة على تفعيل العملية السياسية، من أجل إنهاء معاناة الشعب السوري عبر الوصول إلى الانتقال السياسي الكامل الذي يؤسس لمرحلة جديدة في سوريا قائمة على العدل والمساواة، ويعيد الأمن والاستقرار لها ولبلدان المنطقة، حيث أثبتت الوقائع تورّط “الأسد” في تشكيل الميليشيات والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود.

المسلط: نظام الأسد مخادع

وأوضح أنّ نظام الأسد يتحمّل كامل المسؤولية عما حصل ويحصل في سوريا، عبر اعتماده على القتل والقمع والإرهاب والمخدرات في سبيل البقاء بالحكم، كما أنه يعتمد على الخداع والمماطلة لعرقلة أي عملية سياسية متعلقة بسوريا.

وقدّم “المسلط” الشكر لـ تركيا ولجميع البلدان المستضيفة للاجئين السوريين، مؤكّداً أن ما قدموه لا يمكن نسيانه وهو دين في أعناق جميع أبناء الشعب السوري، مشدّداً على أن الحل الحقيقي لمشكلة اللاجئين هو بتحقيق الانتقال السياسي وتوفير البيئة الآمنة والمستقرة التي تضمن العودة الطوعية والآمنة لهم.

اقرأ أيضاً: “لن نصالح”.. وسم سوري بعد لقاء تركيا والنظام في موسكو

وذكر البيان أنّ “المسلط” شدّد خلال الاجتماعات مع المسؤولين الأتراك، على تمسكهم بمطالب الشعب السوري ومبادئ الثورة السورية، التي لا يزال الشعب السوري يعبّر عنها ويطالب بها، عبر المظاهرات المستمرة في الشمال والجنوب السوري.

وكان وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو قد أكّد خلال الاجتماع، أن “الخطوات التركية تهدف إلى محاربة الإرهاب وتسريع العملية السياسية المتعلقة بسوريا وفق القرار الأممي 2254، وإيجاد حل نهائي ينهي مأساة الشعب السوري”.

وشدّد “جاويش أوغلو” على أنّ “موقف تركيا الداعم للمعارضة السورية والشعب السوري ثابت ولم يتغير”، مؤكداً “حرص بلاده على حياة السوريين والتزامها بحقوق اللاجئين لديها، ونافياً وجود أي نية أو ضغوطات تجبر اللاجئين على العودة قبل تحقيق الاستقرار”.

——————————

كسرت الجليد من دون اتفاق.. 75 دقيقة تؤسس لمسار ملغم بين تركيا والنظام السوري

إسطنبول – عبدالله الموسى

أكدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن لقاء موسكو الذي جمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووزير دفاع النظام السوري علي عباس يوم الأربعاء الفائت، وعلى الرغم من نجاحه في التأسيس لمسار دبلوماسي وزاري بين الجانبين مقارنة بالاتصالات الاستخباراتية التي طبعت العلاقات خلال العام الماضي، فإنه لم يتمخض عن اتفاق حاسم باستثناء الاتفاق على استمرار الاتصالات برعاية روسية، حيث رفض المسؤولون الأتراك الشروط المسبقة لوزير دفاع النظام عن انسحاب سريع وفوري، ووضعوا ذلك ضمن مسار طويل يبدأ بمحاربة ” قسد” وينتهي بعملية سياسية تفسح المجال لعودة اللاجئين.

وتسبب لقاء موسكو بموجة غضب ورفض كبيرة ظهرت في بيانات الهيئات والجهات العسكرية والسياسية والمدنية، والمظاهرات التي خرجت في عشرات المدن والبلدات في الشمال السوري تحت شعار “لن نصالح”، ونددت المظاهرات بمسار التطبيع التركي مع النظام السوري. ونتيجة ذلك، حرص مسؤولون أتراك على التواصل مع قادة وشخصيات معارضة في الداخل لتزويدهم بتفاصيل عن اللقاء وشرح الموقف التركي الجديد الرامي إلى التواصل مع النظام من دون التخلي عن المعارضة.

لم يكن ودياً

في التفاصيل، استمر لقاء وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان مع وزير دفاع النظام السوري في موسكو 75 دقيقة فقط، وفق مصادر متقاطعة من الجيش الوطني والمعارضة السياسية لموقع تلفزيون سوريا، أصر فيها وفد النظام على وجود جدول انسحاب لتركيا من الأراضي السورية، وهو ما رفضه الوفد التركي مشدداً على أن الوجود العسكري التركي في سوريا كان بناء على سبيين هما محاربة الإرهاب وضمان استقرار المنطقة لمنع موجات لجوء كبيرة إلى تركيا، وأنه لن يتم الانسحاب من سوريا ما دام هذان السببان قائمين.

أما بشأن ملف عودة اللاجئين وشمال غربي سوريا، فقد قدّم وفد النظام مقترحاً ينص على عفو خاص للسوريين والمعارضة في شمال غربي سوريا، وهو ما شكك الوفد التركي بحقيقة تطبيقه وجدواه، لأن مراسم العفو السابقة الصادرة عن النظام السوري لم يستجب لها أي سوري في الشمال أو في تركيا.

وأظهر الوفد الروسي في لقاء موسكو لومه لوفد النظام السوري لأن الأخير فشل في استمالة المعارضة السورية، ولم يترك مجالاً للثقة بأي مراسم عفو.

ومن جهته أعرب الوفد التركي في لقاء موسكو على انفتاحه لأي جهود من قبل النظام لمحاربة “وحدات حماية الشعب”، بشرط ألا تقتصر هذه الجهود على مجرد انتشار قوات النظام على الحدود التركية، وبقاء “وحدات حماية الشعب” في شمال شرقي سوريا.

وأعرب المسؤولون الأتراك لوفد المعارضة السورية في اجتماعات حدثت بعد لقاء موسكو عن تفهمهم لموقف الشعب السوري الرافض للمصالحة مع النظام السوري، لأن الأخير أثبت فشله في ضمان سلامة السوريين في مراسم العفو وعملية المصالحات التي أطلقها النظام في مناطق سيطرته منذ عام 2018.

حوافز روسية لتركيا في سوريا

كشفت مصادر دبلوماسية لموقع تلفزيون سوريا طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن لقاء موسكو بحث إمكانية توسعة المجال الجوي التركي في شمال شرقي سوريا لمسافات تمكّن الجيش التركي من استهداف مواقع استراتيجية لـ “قسد” في العمق السوري.

ويأتي ذلك استكمالاً لمناقشة العملية العسكرية التي تهدد أنقرة بشنها ضد “وحدات حماية الشعب” في شمال شرقي سوريا، حيث قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في الـ 24 من الشهر الماضي، إن تركيا تجري محادثات مع روسيا لاستخدام المجال الجوي فوق شمالي سوريا.

إلا أن موافقة روسيا على فتح المجال الجوي لتركيا في شمال شرقي سوريا، لن تكفي لشن ضربات جوية في العمق السوري من دون اتفاق تركي – أميركي على ذلك، وهو ما ستتم مناقشته في زيارة لوفد أميركي إلى أنقرة هذا الأسبوع.

وشنت الطائرات التركية في الـ 22 من شهر تشرين الثاني الفائت، خمس غارات على مواقع لـ “قسد” في قرية المكمن شمالي دير الزور، على بعد 70 كيلومترا من الحدود السورية التركية، وهي المرة الأولى التي تطول فيها الغارات التركية محافظة دير الزور، والمرة الأولى التي تضرب فيها أهدافاً على هذا العمق من الحدود.

استمرار التهديدات الأمنية في تركيا

كشفت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن الجهات الأمنية التركية أحبطت هجومين إرهابيين أحدهما في مدينة مرسين والآخر في مدينة أنطاليا، على غرار تفجير شارع تقسيم في مدينة إسطنبول، حيث تتطابق الشبكات المنفذة لهذه الهجمات كما تتطابق مصادر اللوجستيات والمتفجرات القادمة من مناطق سيطرة “وحدات حماية الشعب” في سوريا، مروراً بمناطق سيطرة الجيش الوطني في شمال غربي سوريا.

وتشير هذه التطورات الأمنية إلى أن “وحدات حماية الشعب” التي تعتبرها أنقرة جناحاً سورياً لحزب العمال الكردستاني، ما زالت تخطط لتنفيذ مزيد من الهجمات في تركيا، وهذا ما يستدعي استعجالاً تركياً لضرب مصدر وجذور التهديد، وبالتالي ما زالت العملية العسكرية التركية في سوريا على الطاولة.

——————

حين يُصبح أردوغان شريكاً للأسد/ مهند الحاج علي

لكثيرين من المتحمسين لما يُسمى النموذج التركي في عهد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، يُمثل التقارب التركي-الأسدي اليوم، صفعة تفرض بالحد الأدنى مراجعة حسابات. ذاك أن الافتراض الأولي في ذروة النجاح التركي، اقتصادياً وسياسياً، كان أن أنقرة أفلحت في الجمع بين التقدم الاقتصادي والتقني، من جهة، وبين نموذج مُخفف أو معتدل من الإسلام السياسي. ومع توالي الانتفاضات العربية، اتخذت إدارة الرئيس أردوغان رزمة مواقف وقرارات مناصرة للثورات، ما رفع من شعبية “النموذج التركي” أو الأردوغاني، كونه يُوفر حلولاً للمشكلات العربية المستدامة، من التنمية الى مصالحة السياسات الخارجية مع الإرادة الشعبية.

والحقيقة أن تركيا فتحت أبوابها كذلك لموجات النزوح العربي نتيجة الثورات وما تبعها من صراعات محلية بدعم خارجي. واحتلت إسطنبول خلال العقد الماضي موقعاً مهماً في الاعلام والسياسة في المنطقة نتيجة وجود ملايين العرب على أراضيها. في المستوى الثقافي، وليس بعيداً عن تطورات السياسة والاعجاب بأردوغان و”نموذجه”، شرعت المنطقة في استهلاك المسلسلات التركية وما رافقها من ترويج للتاريخ العثماني خال من النقد، وسرعان ما تحولت تركيا مقصداً سياحياً رئيسياً نتيجة التسهيلات في منح التأشيرة وارتفاع شعبية هذا البلد.

اليوم وبعد مضي عقد على هذا الصعود، تشهد تركيا تحولين، الأول على المستوى الداخلي منذ سنوات، وتحديداً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة وما تلاها من سيطرة على المؤسسات كافة. والثاني على المستوى الخارجي، إذ تراجع أردوغان عن مواقفه الحادة سابقاً، وبدأ يتخذ خطوات مغايرة على وقع تحديات الداخل. الأولوية هي الحفاظ على نفوذه وسلطته في مواجهة خصومه، سيما أن من الواضح تصميم الرجل على مواصلة حكم تركيا حتى انتقاله للعالم الآخر. صحيح أن هذا الطموح يتطلب مرونة في التعاطي مع الخارج، لكن أحداً لم يتوقع هذه الاستدارة السريعة والدراماتيكية.

استعداداً للانتخابات، تصالح الرئيس التركي مع خصوم الأمس، وبات على علاقة طيبة مع من أطلق بحقهم تصريحات نارية. قبل سنتين، اعتبر “أن من يشرعن الاحتلال الإسرائيلي، ويوافق على خطة ضمها للقدس والأراضي الفلسطينية، ولا يعترف بحق إخوتنا الفلسطينيين، يهين صلاح الدين الأيوبي”. لكنه اليوم استقبل سفيرة جديدة لإسرائيل في ظل أكثر حكوماتها يمينية، ويزيد من التقارب والضغوط على حركة “حماس” والفصائل الفلسطينية ووجودها على الأراضي التركية.

وهذا كذلك ينسحب على الثورة السورية وتبعاتها اليوم، إذ باتت الأولوية هي معالجة “التهديد” الكردي، وبعض الوعود الأولية لاعادة اللاجئين السوريين لاستخدامها في الحملة الانتخابية المقبلة. أثبت أردوغان ونظامه، ألا مانع من التطبيع مع النظام السوري، وحتى اللقاء مع الرئيس بشار الأسد والاتفاق معه، إذا كان ذلك مفيداً لحظوظه الانتخابية في الداخل التركي.

فاجأ أردوغان حلفاءه قبل خصومه، بسرعة التقارب مع النظام السوري، انتهاء باللقاء المرتقب منتصف الشهر الجاري بين وزراء الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو والروسي سيرغي لافروف والسوري فيصل المقداد، بعد لقاء موسكو الأربعاء الماضي بين وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار والروسي سيرغي شويغو، والسوري علي محمود عباس ورؤساء استخبارات روسيا سيرغي ناريشكين والنظام السوري علي المملوك والتركي هاكان فيدان.

بعد هذه اللقاءات وتصريح أوغلو عن استعداد أنقرة لتسليم المناطق الخاضعة لسيطرتها للنظام السوري، صارت مُضحكة محاولات التطمين التركية بأن هذا التقارب لن يكون على حساب المعارضة السورية. الواقع أن هذا التقارب من الصعب أن يكون إلا على حسابها وحساب ملايين السوريين في تركيا والشمال السوري، أكانوا لاجئين أو سكاناً مدنيين أو معارضين. وهذا تحول أكبر في حال صحت التصريحات التركية وأعادت أنقرة المناطق الخاضعة لنفوذها الى سيطرة النظام السوري، ومعها مئات آلاف أو حتى ملايين اللاجئين، فإن أردوغان ينتقل حينها من كونه خصماً لجلاد المأساة السورية، إلى شريك فيها.

المدن

————————

الطرق الدولية على طاولة مباحثات تركيا مع نظام الأسد.. ما أهميتها؟

رغم الملفات الشائكة بين تركيا ونظام الأسد السياسية والعسكرية، إلا أن الاجتماع الثلاثي الذي حصل في موسكو، الأربعاء الماضي، وضم وزراء دفاع (روسيا، تركيا، نظام الأسد)، خلق انطباعاً لدى الكثيرين بأن هذه العوائق يمكن حلها، خاصة وأن لدى الطرفين مصالح متقاطعة وهي محاربة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

الاجتماع، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام رسمية، وبناء على تصريحات المسؤولين الأتراك التي أعقبت اللقاء، تضمن عدة نقاط هي “عودة اللاجئين السوريين”، و”القوات التركية في الشمال السوري”، و”مكافحة الإرهاب”.

لكن أبرز النقاط التي يمكن الوقوف عندها، هي مناقشة “فتح الطرقات الدولية” التي تربط بين الشمال والجنوب السوري.

وكانت قناة “الجزيرة” نقلت عن مصادر تركية، أن “اجتماع موسكو بحث فتح الطرق الدولية والسماح للبضائع التركية بالمرور عبر الأراضي السورية”.

في حين نقلت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية بأن اللقاء “بحث تنفيذ الاتفاق الذي تم عام 2020 (بين تركيا وروسيا) بخصوص افتتاح طريق الـ M4””.

ما هي الطرق وأهميتها؟

يولي نظام الأسد وداعميه الروس اهتماماً كبيراً بالطرق البرية، بسبب أهميتها في الحركة التجارية، وكونها شرياناً برياً مهماً لمرور البضائع من الدولة المجاورة (ترانزيت) عبر سورية.

وأهم الطرق ما يسمى ” M4″ الذي يربط بين حلب واللاذقية، ويبلغ طوله 186 كيلومتراً، وطريق ” M5″ الذي يربط بين حلب وحماة ودمشق بطول 355 كيلومتراً.

وتعرضت هذه الطرق، خلال السنوات الماضية، إلى دمار في البنية التحتية بسبب المعارك والقصف، ما أثر على الحركة التجارية ومرور البضائع.

وحاول نظام الأسد مع روسيا، سنة 2020، فتح الطرقات من خلال اتفاقية سوتشي بين تركيا وروسيا في إدلب، والتي نصت حينها على وقف إطلاق النار في إدلب، وفتح طريق (m4) وإنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات شمال الطريق ومثلها جنوبه، إلا أن ذلك لم يتحقق.

وكان وزير النقل السابق في حكومة الأسد، علي حمود، أبرز أهمية هذه الطرقات خلال مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” الروسية سنة 2018.

وقال حمود إن “قيمة الطرق في سورية تبلغ تريليوني ليرة سورية ولا يمكن التخلي عن هذه القيمة الكبيرة”.

إنعاش للأسد اقتصادياً

 الحديث عن فتح الطرق الدولية يأتي في وقت يعاني فيه النظام ، أزمة اقتصادية كبيرة، نتيجة عدم توفر المشتقات النفطية، ما انعكس سلباً على الأوضاع المعيشية وتسبب بانخفاض قيمة الليرة السورية التي تخطت حاجز 7000 ليرة مقابل الدولار، وأدى لارتفاع الأسعار في الأسواق، وسط سخط شعبي.

ويبحث نظام الأسد عن أي طريقة تخرجه من أزمته الاقتصادية المُتفاقمة، حتى وصفت بعض وسائل الإعلام الأجنبية عام 2022 بأنه “أسوأ سنة حتى الآن” من سنة 2011.

وسيؤدي فتح الطرق الدولية وعودة التجارة ومرور البضائع التركية، إلى تخفيف الأزمة الاقتصادية على النظام، حسب وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري.

واعتبر المصري أن التجارة من تركيا إلى سورية، لم تتوقف إذ كانت “تصل إلى المناطق المحررة في الشمال السوري”، لكن فتح الطرق قد يؤدي إلى وصولها إلى مناطق النظام.

وأكد المصري أن فتح الطرقات الدولية، سيعود بالفائدة على نظام الأسد من حيث إيجاد طرق تجارة ولتصريف البضائع، إذ أنه لم يكن قادراً على تصديرها وتحصيل عملة أجنبية قبل ذلك.

وأشار المصري إلى أن الأمور حتى الآن غير واضحة، لافتاً إلى أن وجود “قانون قيصر” الذي يحد من التعامل تجارياً مع نظام الأسد، متوقعاً اتخاذ واشنطن عدة إجراءات في حال تم ذلك.

بدوره قال المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، لـ”السورية. نت” إن “البنية التحتية لهذه الطرق ليس صالحة للنقل التجاري، إضافة إلى وجوب وجود حراسة أمنية على طول الطريق، لأن التركي لا يثق بوصول شاحناته إلى الأردن”.

وأضاف الكريم أن الحديث عن فتح الطرقات، هو اقتراح روسي بسبب هدفها تحويل سورية لمنصة اقتصادية لموسكو.

وحول فوائد نظام الأسد اعتبر أن النظام سيستفيد سياسياً واقتصادياً، عبر التخلص من التحكم الروسي والإيراني، إضافة إلى إرساء بنية النظام الاقتصادية الجديدة واستثمار الطرق.

———————-

التقارب التركي السوري بين الحلم والواقع

هيومن فويس: محمد بلال

قد تكون خطوة أردوغان الأخيرة والتي تهدف للتقارب مع نظام العصابة الحاكمة في دمشق “النظام السوري” منبثقة من خطة ثعلبية ماكرة تحقق فيها تركيا مكاسب ضخمة على حساب سوريا والسوريين على المدى البعيد، مستغلاً حالة الضعف وإنهيار العملة التي تواجهه حكومة العصابة، بعد ان لم يتبق لها شيئ من ادوات الإنتاج وتباطئ الدعم الروسي والإيراني وبعد أن تآكلت أظافر الحيوان واهترأت حوافره، ولم يعد قادراً على إجتراح أي مكسب إلا من خلال تجارة المخدرات، التي تواجه عقبات كثيرة، والإنتكاسة الشديدة التي يعاني منها نتيجة التضخم الحاصل وإنشغال كل من روسيا وإيران بقضاياهما الداخلية، وفرض شروط أقسى مما كانوا يشترطون سابقاً لتأمين استمرار الدعم كما كان، وهذه الظروف تجعل الحيوان مستعداً للتنازل عن الكثير مما تتهيب الحكومات المحترمة المنبثقة عن شعوبها أن تتنازل عنه لكن ما هي المكاسب التي يهدف إليها أردغان من هذه الخطوة التي يفكر فيها.

قد يرى أردوغان أن حالة النظام السوري الآن تسمح لها ببيع كل ما لا يباع، لقاء أزهد الأثمان، مقابل أي حلّ جزئي لمشاكله الإقتصادية كي يبقى في السلطة، فالثلاثين كيلو متراً التي يطالب فيها أردغان على الشريط الحدودي منذ عشرة سنين بين تركيا وسوريا ممكنة التنفيذ اليوم ممهورة بتوقيع ما يعتبر إلى الآن في العرف الدولي رئيساً لسوريا، وهو ما يغني أردوغان عن التوافقات بين روسيا وأمريكا والتي عجز عن تأمينها حتى الآن، حينها يتم فتح المعابر وتصدير منتجات تركيا إلى الأردن والخليج (وهو من أهم مطالب العصابة) وهذه تشكل ربحاً إضافياً للخزانة التركية، وهذه المساحة (الثلاثين كيلو متر) هي المكان الذي سيعود إليه اللاجؤون السوريون المتواجدون في تركيا، وهم في الغالب من العرب السنّة، وبتوطينهم في هذا الشريط يكون أردغان قد صنع فاصلاً جغرافياً وإختلافاً ديمغرافياً بين تركيا وأكراد سوريا، ووضع حلاً لمشكلة اللاجئين (وهذا مطلب دولي ولو كان ظاهرياً) وحقق دخلاً مفقوداً من الميزانية التركية، وبهذه الثلاثين كيلو متراً يكون قد سيطر على عدد غير قليل من آبار النفط التي قد تدخل ضمن النفوذ التركي إذا آلت الأمور إلى تقسيم سوريا مستقبلاً (وهو ما يتصوره الجميع).

ويكون قد سيطر على ضلع آخر من أضلاع مستطيل كردستان العراق، وكل هذه المكاسب تعتبر أهدافاً هامة لكل حكومة تركية قادمة، ما قد يكسبه شعبية كبيرة في الإنتخابات القادمة، وقد يسوق أردغان هذه العملية للإئتلاف بأن هذه المكاسب هي لمصلحة ماسمي قوى الثورة والمعارضة، وأنها على حساب النظام السوري.

وقد ينسى أعضاء الإئتلاف أن هذه الخطوة ستكون خطوة حاسمة لجهة تقسيم سوريا، وأنها تشكل الضرر البالغ للسوريين على المدى الطويل، وليس للأسد الذي أعلن منذ سنوات عن رغبته بالحفاظ على سوريا المفيدة متخلياً عن كل الأراضي التي لا يضمّها هذا المصطلح، وبهذا السيناريو إذا تم، يكون أردوغان قد حقق كل أهداف تركيا التي سعى إليها طيلة العقد الماضي، مع تحقيق ربح للخزينة، دون أن يكلف الخزينة التركية أي تكاليف، كل ذلك على حساب السوريين ووحدة أراضيهم وبتوقيع يكسبه الشرعية، وهو يعرف أن صاحب التوقيع منزوع الشرعية منذ بداية الثورة .

تنويه: مقال الرأي يعبر عن الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيومن فويس

————————

هل يمكن تعويم الأسد من البوابة التركية؟/ بسام يوسف

لم تفلح محاولات عدة أطراف عربية في فك عزلة بشار الأسد، فقد حاولت الإمارات العربية المتحدة، ومثلها الجزائر، وطرح الأردن محاولة خجولة، وقبلها حاول السودان عبر رئيسه في ذلك الحين، والذي يحاكم اليوم (عمر حسن البشير)، وغير ذلك من المحاولات، وكل هذه المحاولات فشلت، فهل يمكن أن تنجح تركيا اليوم في ما عجزت عنه المحاولات السابقة؟

بالتأكيد هناك اختلافات جوهرية وعميقة بين المحاولات العربية وبين محاولة تركيا، فالأطراف العربية التي حاولت تعويم الأسد انطلقت من اعتبارات سياسية تربطها بالنظام السوري، لكنها ليست طرفا أساسياً وفاعلاً في الحدث السوري، وليس لها تداخلات جغرافية، وعسكرية وديموغرافية كما لتركيا، وهي أيضاً – أي الأطراف العربية – لا تملك الثقل الإقليمي والدولي الذي يؤهلها للعب دور نوعي، ولا يؤهلها أيضاً للضغط على الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري، بينما تمتلك تركيا دورها القوي في الملف السوري، ودورها الإقليمي والدولي الفاعل، خصوصاً في ظل الاستقطاب العالمي الحاصل بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن رغم هذا التفاوت بين قدرات هذه الأطراف يبقى السؤال الذي يطرح بقوة: هل تستطيع تركيا تعويم بشار الأسد؟

لا تستطيع تركيا اتخاذ قرار تعويم بشار الأسد حتى لو أرادت، ولا تستطيع فعله حتى لو اتخذته، فهناك أطراف كثيرة يجب أن تحظى تركيا بموافقتها مسبقاً فيما لو أرادت ذلك، وهي أطراف فاعلة، وقادرة، وتأتي في مقدمتها أميركا وكثير من الدول الأوروبية، ورغم أن تركيا يمكنها اليوم استغلال تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي عززت من وزنها وأهميتها، لكنها تدرك جيداً أن عقبات كبيرة سيكون من الصعب تجاوزها، وأن هناك قانون “سيزر”، وهناك تصريح أميركي لايزال طازجا والذي جاء مؤخراً على لسان المتحدث الإقليمي في الخارجية الأميركية، “سامويل وربيرغ” ليذكر بالقرار الذي وقّعه الرئيس الأميركي مؤخرا، وأصبح ساري المفعول، والمتعلق بتصنيع وتهريب المخدرات التي يقوم بها النظام السوري، لا سيما أنه أتى بعد لقاء وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا بأن “الولايات المتحدة الأميركية لا تدعم أي عملية تطبيع مع الديكتاتور بشار الأسد، وأن أميركا تحث الدول على النظر بعناية إلى تاريخ نظام بشار الأسد”.

ما يلفت الانتباه هو سرعة إيقاع التقارب السوري التركي، فاللقاءات تتحدد خلال أيام، وبعد اجتماع وزراء الدفاع تم اقتراح اجتماع سريع بين وزيري الخارجية.. فلماذا هذه السرعة، وهذا الإلحاح والضغط لتحقيق خطوات ملموسة فيه، على الرغم من أن هذا الخيار كان أضعف الخيارات، وأقلها اهتماما؟

لم يبق من حلفاء بشار الأسد على الأرض السورية من لم يغرق في أزماته ومشكلاته، بدءا من “حزب الله” الذي سخّر كل ما يستطيع من إمكانات لبنان لإنقاذ النظام السوري، الأمر الذي عجل من انهيار الدولة اللبنانية ولم ينقذ بشار الأسد، أو في إيران التي تترنح تحت وطأة المظاهرات المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والتي تنهار اقتصادياً، مروراً بالفضيحة المصرفية العراقية، والأموال المنهوبة من العراق خدمة للولي الفقيه وأتباعه في سوريا ولبنان، ووصولاً إلى روسيا التي تتخبط في حربها على أوكرانيا، كل هذه الظروف تدفع تركيا اليوم لتستعجل التقارب مع النظام السوري، فهي فرصتها السانحة لكي تستفرد به، وهو الغريق الذي سيتعلق بأي قشة تخرجه من دوامة انهيار شامل تبتلعه، خصوصاً بعد أن قدمه الروس للأتراك كي يطبخونه على الطريقة التركية.

في استعجالها هذا تتجاهل تركيا عدة حقائق، أهمها أن الشعب السوري الرافض لحكم بشار الأسد، والذي سكت سابقاً عن خطوات خجولة، أو تسريبات غير واضحة عن تقارب تركيا مع النظام، لن يقبل أن يكون كبش فداء لمصالحها، وأن أميركا لن تسمح بنزع سلاح قوات قسد في هذه المرحلة، أضف إلى أن ما تبقى من الجيش السوري هو غير قادر على مواجهة أي طرف عسكري على الأرض السورية إذا لم تدعمه جهة أخرى، وبالتالي فإن مجمل الأهداف التركية لن تكون قابلة للتحقق، خصوصا أن إيران لن تسكت رغم صعوبة ظرفها الراهن عن مغادرة النظام السوري الذي حمته طوال سنوات الثورة السورية، وصرفت عليه عشرات مليارات الدولارات إلى الحضن التركي؟

منذ أن تدخلت روسيا بشكل مباشر في الصراع السوري راحت تنتج مقارباتها انطلاقا من أزمات النظام السوري وكيفية إخراجه من أزماته، ولم تحاول يوما أن تقارب الحدث السوري بدلالة حقائق الواقع وحقائق مجريات الصراع في سوريا، وبدلالة جوهره كصراع بين شعب لا يريد بقاء نظام عائلة فاسدة مستبدة، لكن إذا كانت هذه مقاربات روسيا، وخطتها لإخراج حليفها من مأزقه القاتل، فما الذي يدفع تركيا للذهاب إلى الحل الروسي؟!!

أخطر ما في التقارب التركي مع النظام السوري، هو استثمار كلا الطرفين في قضية اللاجئين السوريين،  فالرئيس التركي يريد سحب ورقة اللاجئين من يد معارضيه، كي يضمن فوزه في الانتخابات القادمة، ضارباً عرض الحائط بحق اللاجئين وبمصيرهم، وبالشروط بالغة السوء لحياتهم القادمة في حال عودتهم، والنظام السوري لا يريد عودتهم، لكنه يتاجر بهم كورقة قد تساعده على تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي تكاد تخنقه، باختصار يرى أردوغان في اللاجئين ورقة انتخابية، بينما يراهم بشار الأسد ورقة اقتصادية، وما بين الاقتصاد والانتخابات يوضع ملايين السوريين في مهب الريح، ويحشرون في “كوريدور” ضيق، ليصبحوا رهن المساعدات وألعاب السياسة.

ما يثير الاستغراب والصدمة مما يخطط للسوريين في الشمال السوري وداخل تركيا، هو صمت وتواطؤ من يدعون أنهم يمثّلون الشعب السوري، وإذا كان النظام السوري الذي اخترع نظرية “المجتمع المتجانس” لا يرى السوريين كلّهم مواطنين بل يراهم مجرد رعايا، ومن ثاروا عليه يراهم أعداء له ولعصابته، وبالتالي فهو غير مهتم بمصيرهم، إلا بمقدار ما يستطيع المتاجرة بهم وبآلامهم، فما هي حجة هؤلاء المدعين لتمثيلهم الشعب السوري في مقلب “المعارضة”، وهل يمنعهم ارتهانهم وتبعيتهم عن الحد الأدنى من مناصرة الشعب السوري؟

صحيح أن السوريين يتعلمون كل يوم درساً جديداً، وأنهم يكتشفون الحقائق المرة واحدة بعد الأخرى، لكن هل من الضروري أن تكون هذه الحقائق وهذه المعرفة بكل تلك الأثمان الفادحة؟!!

تلفزيون سوريا

—————————

يُخيف نظام الأسد ومعارضته.. ماذا يريد أردوغان؟/ عبدالناصر العايد

لا يثير التلهف التركي غير المفهوم لملاقاة الأسد، قلق المعارضة السورية وحدها، بل يثير أيضاً ريبة نظام الأسد. فالتودد التركي يتجاوز ما يستدعيه استخدام المصالحة كورقة انتخابية داخلية. وجدية الخطوات التي تكشف عنها أنقرة كل يوم، تتجاوز التكهنات التي صنفتها في خانة المناورات التكتيكية المحدودة في أواسط الصيف، فما حقيقة انعطاف أردوغان نحو بشار الأسد، وماذا يريد منه؟

بداية، ربما كانت ضغوط المعارضة التركية في قضية اللاجئين السوريين، هي نقطة انطلاق أردوغان عندما قرر الاستدارة نحو دمشق، وتخليص خصومه من تلك الورقة. لكن هذا التكتيك كشف له عن حزمة من المكاسب غير المحدودة التي قد يجنيها تباعاً فيما لو أوغل في هذا المسار حتى أقصى نهاياته الممكنة.

إن الدور الوظيفي لسوريا اليوم، هو كونها سوق السياسة المفتوح في الإقليم، بعدما كانت سوقاً للسياسة العالمية على مدى عقد من الزمان، تصفي فيه كافة الأطراف صراعاتها وتسوي مشاكلها البينية وترسل الرسائل إلى بعضها البعض. لكن، ومنذ حلول الروس في البلد، بدأت عملية إغلاق السوق هذا بالتدريج، ليقتصر على اللاعبين الأكثر التصاقاً حيوياً به، أي روسيا وإيران وتركيا، وفق خطة قادتها موسكو لعزل الملف السوري عن سياقه الدولي وإدارته إقليمياً بالتفاهم بين اللاعبين الثلاثة وفق صيغة مؤتمرات استانا، وقد حقق هذا المسعى نجاحات كبيرة منذ الإعلان عن مناطق خفض التصعيد وتفكيك الجبهات الكبرى لقوى المعارضة العسكرية في محيط دمشق وحوران ووسط سوريا وشمالها، لينحصر الوجود العسكري للمعارضة في المناطق الملاصقة للحدود التركية، مع وجود عسكري خامل تابع لواشنطن في كل من التنف والجزيرة السورية.

إن تركيا، بمبادرتها الأخيرة، تضع نفسها في وسط السوق، لا كمُمسك بشؤون المعارضة ومُقرّر فيها فحسب، بل كمؤثر مباشر في الطرف الآخر، متقدمة في أولويتها على شريكي أستانة المرفوضين من جانب المعارضة، وقد ترمي من وراء هذا التطور الذي يمكن وصفه بالاختراق، إلى استقطاب الدول العربية الرافضة للوجود الإيراني في البلد موضوع النزاع، وتمثيل مصالحها وتطلعها إلى منع سقوط سوريا في السلة الإيرانية بشكل كامل كما حدث في العراق. ولا يُستبعد أن تكون هذه الاستدارة وبهذا الزخم، مدفوعة برغبة خليجية، خصوصاً من السعودية والامارات، ومشفوعة بوعود مغرية على الصعيد الاقتصادي.

وعلى هذا الصعيد أيضاً، أي إطار الاتجاه لتطويق القضية السورية إقليمياً، تتحسب تركيا وتتطلع إلى تمثيل الجانب الغربي، خصوصاً الأميركي، في صفقة ثانوية قد يسفر عنها الصراع في أوكرانيا. فأي تسوية للنزاع هناك ستتضمن بلا شك تحديد مناطق النفوذ الروسي في خريطة العلاقات الدولية. وسوريا، المعترف بها أميركياً منذ زمن طويل، منطقة روسية، قد تصبح كذلك على نحو مكرس من خلال سحب واشنطن لقواتها العسكرية من سوريا، لكنها ستوكل تركيا بتمثيل مصالحها ومصالح الدول الغربية وإسرائيل في هذا الملف الشائك. وهنا أيضاً، لن يكون مفاجئاً أن تكشف المراحل المقبلة عن تفاهم عميق غير معلن بين الطرفين حول هذه المسألة، إذ من الصعب تخيل التحول الاستراتيجي التركي بالضد أو للكيد بواشنطن، لا سيما في مرحلة الاستحقاق الانتخابي.

في ظل هذه الحسابات الجيوستراتيجية الكبيرة، تبدو مسائل العلاقات الثنائية بين نظام الأسد وتركيا مجرد تحصيل حاصل. فأردوغان سيحصل من بشار الأسد على ما يريده، طالما أنه يتمتع بكل تلك الأوراق، وما يريده سيكون اتفاقات موقعة من الجهة التي تتمتع حتى الآن بالشرعية الدولية، تضمن له، ليس فقط إمكانية الاحتلال العسكري للشمال السوري المتاخم للشريط الحدودي، وتقويض الكيان الكردي، وحلحلة قضية اللاجئين، بل والهيمنة طويلة الأمد على الاقتصاد، ومشاطرة النظام للقرار السياسي السيادي السوري. بعبارة أخرى، ستتحكم تركيا بهذه الدولة الجارة المنهارة، زمناً طويلاً، على النحو الذي تتحكم فيه إيران بالعراق.

إن هذا التصور لن يتأثر كثيراً فيما لو تغيرات المعطيات الثلاثة الرئيسية الحاكمة للملف السوري في السنة المقبلة، وهي: مآل الحرب الأوكرانية الروسية، والأوضاع في إيران، والانتخابات التركية. فحتى لو خسر أردوغان تلك الانتخابات، فإن خلَفه، أياً كان، سيجد أن هذه الخطة هي أفضل الممكن.

في الجانب الآخر، أي السوري بشقّيه، النظام ومعارضته، فإن الأمور لن تجري على النحو المتفائل الذي يبشر به الفرحون بانتصار الأسد على أردوغان الذي يستجدي ويستعجل لقاءً ثنائياً على مستوى القمة. فتلك مسألة إعلامية تستهدف إعلام الناخب التركي بأن الرياح تغيرت بأعلى صوت ممكن، كما أنها ليست بالسوء الذي تخشاه بعض دوائر المعارضة السورية الأكثر ارتباطاً بأنقرة، فهُم سلاحها وعدتها، في مرحلة عنوانها العمل داخل سوريا، وتلك تحتاج إلى مزيد من الرجال التابعين المخلصين، لا إلى رمي من تم تدريبهم وتجهيزهم على امتداد عقد من الزمان، والأمر سيحتاج فقط إلى تغيير مهامهم ووظائفهم، وبعضهم لا يحتاج سوى إلى تغيير ثيابه العسكرية.

وكما أنه لا توجد جريمة كاملة، فلا لعبة محكمة في السياسة، وما يتم بناؤه اليوم والدفع باتجاه اكتماله قد ينقضه تطور في مكان ما غير متوقع ولا منظور. وهذا يبقي باب الأمل مفتوحاً لكافة الأطراف المتضررة من هذه التطورات، وعلى رأسها جمهور الثورة السورية و”نُثار” المعارضة الوطنية الديموقراطية، التي سيكون بإمكانها أن تبقى على قيد الحياة إن استطاعت الحفاظ على تدويل القضية، ومنع تحول البلاد إلى فريسة للذئاب الإقليمية، والاستمرار في التمسك بالأبعاد الوطنية والسيادية والاستقلالية. وهذا ما لن يكون ممكناً بعد اليوم من دون الانفصال عن تركيا، والبحث عن منطلق آخر للعمل مثل بلدان الاتحاد الأوربي حيث يتكون فضاء سوري واسع، مغاير لكل الموضَعات السابقة وغير متأثر بها.

المدن

———————————-

هل اتفقت تركيا والإمارات على شرعنة الأسد؟

على ذمّة وكالة بلومبرغ للأنباء فقد حصلت صفقة بين تركيا والإمارات وروسيا يشكل الاعتراف بشرعية رئيس النظام بشار الأسد، وإعادة الاعتبار إليه، واحدا من أهم بنودها.

معلوم أن إدارتي الحكم في أنقرة وأبو ظبي كانتا، بعد انطلاق موجة «الربيع العربي»، على طرفي نقيض يقارب الصراع الوجودي، وأن جولات الخلاف بينهما امتدّت على رقعة واسعة، تبدأ من تركيا نفسها، مرورا بسوريا، فمصر وليبيا وتونس وقطر وإيران، كما توسعت أشكال النزاع في الجغرافيا السياسية للعالم، من الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة حكم دونالد ترامب، إلى أشكال من الاتفاقات الإماراتية مع روسيا فلاديمير بوتين، التي اشتبك حلفاؤهما في ليبيا وسوريا بشكل حاد ومباشر مع تركيا وحلفائها، وصولا إلى محاولة حصار أنقرة بتفاهمات عسكرية، أو لحصار مجالها للتنقيب على النفط والغاز في المتوسط، مع إسرائيل واليونان وقبرص ومصر.

لعب العامل السوريّ أيضا دورا كبيرا في الخلافات بين روسيا وتركيا، وتمثل حادثة إسقاط أنقرة لطائرة سوخوي 24 روسية عام 2015 إحدى نقاط هذه الخلافات، كما تواجه الطرفان، بعد ذلك، في العديد من المواقع، أهمّها الهجوم الكبير الذي شنته روسيا والنظام وتمكّنت خلاله من استعادة السيطرة على حلب عام 2016، ويبدو أن هذا الحدث أدى لإحساس في أنقرة بوجود اتفاق روسي – غربي على إبقاء الأسد.

تغيّرت التوازنات التركية – الروسية بالتدريج، بدءا من الإحباط المتولّد لدى الأتراك من خذلان «حلف الأطلسي» لهم حينها في مواجهة موسكو، ورفض الغرب تشكيل «منطقة آمنة» تسيطر عليها تركيا داخل سوريا، بالترافق مع الخلافات على استخدام القواعد الأمريكية في تركيا، والاتهامات للغرب بالتواطؤ مع محاولة الانقلاب العسكريّ على حكم «العدالة والتنمية» (بالتزامن مع اتهامات لأبو ظبي أيضا بدعم الانقلابيين)، وصولا إلى ما تعتبره تركيا مشكلة أمنية كبيرة شكّلها تمدد حزب العمال الكردستاني، بالاتفاق مع نظام الأسد، في المناطق السورية، قبل أن يصبح، شبه دولة، ترعاها أمريكا عسكريا، وتهيمن على جزء كبير من الحدود السورية مع تركيا.

حضر الموضوع السوري إذن في مجمل تفاصيل الخلافات السياسية – العسكرية الهائلة بين الأطراف الثلاثة، وفي حين كانت تركيا، منذ البداية، موئلا للمعارضة السورية، وطرفا رئيسيا في محاولة إسقاط نظام الأسد، وكانت الإمارات توازن بين موقف دعم بعض أطراف المعارضة السورية، ودعم النظام ماليا، واستقبال شخصيات بارزة محسوبة عليه، كانت روسيا هي الطرف الذي رجّح إمكانية بقاء النظام عبر التدخّل العسكري الكبير والمباشر عام 2015. تتجه سلطات الحكم في أنقرة، إذن، نحو تطبيع مباشر مع النظام السوري، يتوّج بلقاء بين الرئيس رجب طيب اردوغان، وبشار الأسد، يرجّح أن يكون في موسكو، ويبدو أن هناك عاملين رئيسيين وراء هذا الموقف، الأول هو الرد على رفض واشنطن لعمل عسكري تركي لإزاحة حزب العمال الكردستاني من الحدود التركية – السورية، والثاني هو التفاوض مع النظام على عودة اللاجئين، وهو رد أيضا على المعارضة التركيّة وسحب لهذه الورقة منها خلال الانتخابات التركية المقبلة، ويتوقّع أن تحصل أنقرة أيضا على تعديل في «اتفاق أضنة» مع النظام السوري، يسمح لها بالتحرك عسكريا بعمق 35 كم في حال تعرض أمنها القومي للخطر.

تمثّل هذه اللحظة، على أي حال، نقلة مهمة في خطوط التعارض والتقاطع الإقليمية والعالمية، وسيكون مثيرا ترقب ردود الفعل الممكنة، من أمريكا وإيران وإسرائيل، ردا على هذا الاجتماع.

القدس العربي

—————————

على طاولة موسكو ملف انتخابي تركي وملف فارغ للأسد/ إيفا كولوريوتي

بعد ساعات من إعلان موسكو عن اللقاء الذي جمع وزير الدفاع ومدير المخابرات العامة السوريين بنظيريهما التركيين بوساطة روسية أتى إعلان مقتضب من قبل وزارة الدفاع السورية يصف اللقاء بالإيجابي دون أي معلومات إضافية أو شرح تفاصيل هذا الاجتماع المهم على مستقبل سوريا بشكل عام، حالة التوجس هذه من قبل نظام الأسد تناقض حالة الفرح والتضخيم لأي لقاء يجمع مسؤولين سوريين مع أي مسؤول عربي أو غربي أو آسيوي.

في الجانب التركي أسهب المسؤولون الأتراك في الحديث حول هذا الاجتماع مع تأكيدات بلقاء مقبل على مستوى وزراء الخارجية تمهيداً للقاء يجمع الرئيس التركي أردوغان مع الأسد الصيف المقبل قبيل الانتخابات هناك ، ردة فعل طرفي قمة موسكو المتباين يحتاج منا كمراقبين أن نعيد رسم المشهد وتوقعات كل طرف لمستقبل هذا التقارب بناءً على مصالح كل طرف والبداية من دمشق .

الواقع الاقتصادي

تؤكد التقارير الآتية من مناطق سيطرة الأسد أن الواقع الاقتصادي يتدهور بشكل متسارع في ظل شح في الوقود وهو ما انعكس سلباً على المواصلات والتدفئة في شتاء قاس قد بدأ للتو.

أما عن مسببات هذا التدهور فيبررها إعلام الأسد بالعقوبات الاقتصادية الغربية وسيطرة حلفاء واشنطن على مصادر النفط والغاز شرقي الفرات ، إلا أن الحقيقة هي أن مناكفات الحلفاء الروس والإيرانيين هي سبب الأزمة الحالية التي تعصف باقتصاده .

طهران و التي قدمت خلال أعوام الثورة الاثني عشر الماضية كل أنواع الدعم العسكري والبشري والمادي ترى أن الوقت قد حان لحصد بعض من تلك الديون المتراكمة في ظل واقع اقتصادي وشعبي إيراني مترد، فحسب مصادر إيرانية فإن عددا من المطالب الإيرانية التي قدمت لنظام الأسد والتي تشمل ملفات الفوسفات السوري والميناء البحري وعقودا تجارية أخرى قوبلت بحائط روسي ، فالشركات الروسية قد وضعت يدها بشكل كامل على الفوسفات السوري كما سيطرت بشكل شبه كامل على ميناء اللاذقية التجاري ووقعت عقودا طويلة الأمد تشمل النفط والغاز السوري ، هذا الواقع قوبل بامتعاض إيراني ترجم حالياً بتخفيض وارداتها من المحروقات لنظام الأسد خلال الشهرين الماضيين ، بالتوازي مع ورقة مطالب جديدة نقلها المسؤولون الإيرانيون لنظام الأسد قبل زيارة إبراهيم رئيسي لدمشق إلا أن التباطؤ في الرد من قبل دمشق أدى لتغيير موعدها مع إمكانية لإلغائها، مناكفات حلفاء الأسد عكّرت أجواء دمشق وأثرت على اجتماع موسكو مع الأتراك.

أجواء تركية متوترة

ضمن أجواء تركية داخلية متوترة أتى تفجير اسطنبول الإرهابي ليجبر أنقرة للتعامل بطريقة مختلفة مع الملف السوري، فالعملية العسكرية التي أشارت لها تركيا تصادمت مع رفض أمريكي واستغلال روسي ، فخلال شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر الماضيين قدّمت كل من واشنطن وموسكو عروضاً بديلة عن العملية العسكرية ، فكان أول الوافدين لتركيا السيد جيمس جيفري سفير واشنطن لأنقرة السابق ، وحسب مصادر غربية فإن العرض الأمريكي يقوم على فتح باب المصالحة بين المعارضة السورية من جهة وميليشيا قسد المدعومة أمريكياً من جهة أخرى ، هذه المصالحة تفتح المجال أمام تشكيل منظومة حكم مشتركة من العرب والأكراد تدير مناطق شرق وشمال وغرب سوريا من الباغوز وحتى جبل الزاوية ، إلا أن هذا العرض قوبل برفض تركي.

أما على الجانب الروسي فكان عرض موسكو هو بدخول قوات تابعة لنظام الأسد لمناطق عين العرب (كوباني) وتل رفعت ومنبج لتديرها بالتنسيق مع قوات الأسايش التابعة لقسد، لكن هذا العرض أيضاً لم يكن مناسباً لتطلعات أنقرة . تعقيدات العملية العسكرية في ظل رفض أمريكي وروسي دفع أنقرة نحو قرارات أكثر صعوبة.

سقوط مدينة حلب

مع سقوط مدينة حلب بيد نظام الأسد عام 2016 أصبحت تركيا مقتنعة أن تغيير النظام في دمشق لم يعد موجودا على الطاولة الدولية والإقليمية، ولهذا أصبح هذا الملف يتم النظر إليه ضمن نافذتين:

الأولى وهي ملف الميليشيات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني.

والثانية ملف اللاجئين ، وعلى هذا الأساس كان التحرك الروسي الأخير لجمع أنقرة والأسد على طاولة واحدة باعتباره الحل الأمثل لهواجس تركيا، فمن وجهة نظر موسكو التطبيع مع الأسد سيفسح المجال أمام إدارة حزب العدالة والتنمية لتنسيق عودة اللاجئين، وهو ما سيسحب هذه الورقة من أيدي أحزاب المعارضة التركية في الانتخابات المقبلة، كما أن هذه الخطوة قد تجبر واشنطن للتعامل مع ملف سوريا على أنه منته، وبالتالي هي بدورها تنهي تواجدها العسكري في شرق سوريا، ويعود الأسد ليبسط سيطرته على كامل الحدود مع تركيا ، ضمن هذا العرض الروسي ستقدّم موسكو جائزة للجانب التركي وهو تعديل على اتفاق أضنة الموقع عام 1998 ، التعديل سيتيح لتركيا التحرك عسكرياً بعمل 35 كم في حال تهديد أمنها القومي ، من خلال التصريحات التركية الأخيرة فيبدو أن أنقرة قد أعطت الضوء الأخضر ضمن هذا المسار ، لكن هل هذا العرض هو الحل السحري لتركيا ؟

إن المرجو من هذا العرض الروسي لتركيا أكبر مما يمكن تطبيقه على أرض الواقع وبشكل عملي ، في ملف اللاجئين فالقانون الدولي وبشكل واضح يضع قرار العودة بيد اللاجئين أنفسهم فلن يغير تطبيع أنقرة مع الأسد من حقيقة عدم الثقة بين السوريين ونظام الأسد مهما حاول و سيحاول، مع حقيقة أن الأسد نفسه هو غير قادر على تحمل أعباء أكثر من ثمانية ملايين سوري بين تركيا وإدلب وريف حلب الشمالي ، فهو لن يكون قادرا على إدارة هذه المناطق أو على توفير أدنى وسائل الحياة لهم أو حتى قمعهم أمنياً، أما ملف الميليشيات الكردية فتطبيع العلاقات بين أنقرة والأسد لن يغير من حقيقة سيطرة واشنطن على هذه المنطقة وفي ظل رفض أمريكي واضح للتطبيع مع الأسد فإن المنطقة ستبقى بعيداً عن متناول الأسد وستبقى هاجساً لتركيا مع التطبيع أو من دونه .

أحزاب المعارضة التركية

الأسد لم يكن يريد هذا التقارب مع إدارة أردوغان في الوقت الحالي و بالأخص قبيل انتخابات تركية معقّدة وغير محسومة ، هذا التقارب قد يؤثر على رأي أحزاب المعارضة التركية والتي قد تعيد تقييم خطط تقاربها مع نظام الأسد إذا ما انتصرت هي في الانتخابات.

أما على الجانب الروسي فيرى الساسة هناك أن بقاء أردوغان في الحكم مهم جداً لاقتصاد روسيا ولنفوذها في المنطقة باعتبار أن المعارضة التركية محسوبة بمعظمها على واشنطن، وبالتالي تريد موسكو أن تقدّم دعماً لأردوغان من خلال سحب ورقة اللاجئين السوريين من يد تلك المعارضة ، أما مستشارو أردوغان فهم يتعاملون مع ملف التقارب مع نظام الأسد عبر خطين، الأول دبلوماسي متسارع مرتبط بالانتخابات، والثاني متباطئ عملي مرتبط بمدى استعداد الأسد وموسكو لتقديم التنازلات ، وبين هذا وذاك يخفت صوت المعارضة السورية حتى لا يكاد يسمعه أحد .

محللة سياسية يونانية مختصة في شؤون الشرق الأوسط

القدس العربي

——————————-

تركيا وإشارات الانفتاح الإقليمي: معطيات تكتيكية أم رؤية استراتيجية؟/ لطفي العبيدي

يبرز التحرك السياسي التركي على أكثر من مسرح إقليمي، ضمن تفاعلات استراتيجية واقتصادية كبرى، تبحث من خلالها أنقرة على أن تكون فاعلا في وجود حقيقة العقدة الاستراتيجية التي تعيشها حكومة حزب العدالة والتنمية، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي قد تغير نتائجها جوهريا طبيعة السياسة الخارجية. في الأثناء، تبحث أنقرة عن تصفية المشكلات وتصفيرها تجاه الدول الرئيسية في الإقليم، وقد فعلت ذلك مع السعودية والإمارات وكيان الاحتلال وتحاول أيضا مع اليونان ومصر. وبعد سنوات من القطيعة، تظهر مؤشرات تقارب تدريجي بين أنقرة ودمشق، فهل يمكن اختصار الأزمة السورية بطبيعة العلاقة بين تركيا والنظام السوري؟ خاصة مع تضارب المصالح على المستوى الإقليمي والدولي، واحتدام التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى في النظام العالمي.

مقاربة ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية هي جوهر التغيير في السياسة الخارجية التركية، التي بدأت منذ وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة مطلع عام 2021. وكان الخطاب الذي تبنّاه خلال حملته الانتخابية حادا تجاه أردوغان، ما أثار توجس أنقرة من الإدارة الأمريكية الجديدة. ومن الطبيعي حينها أن يتهم أردوغان الولايات المتحدة الأمريكية بأنها «تغذي الإرهاب في سوريا»، وأنها «زودت المنظمات الإرهابية بآلاف الشحنات من الأسلحة والمعدات، واستقبلت الإرهابيين في البيت الأبيض»، فيما أشاد بروسيا بوصفها شريكا في مكافحة الإرهاب، وقال: «في كل خطوة نتخذها في سوريا، تكون قواتنا الأمنية ووكالات المخابرات ووزارة الدفاع جميعها على اتصال».

وتسعى حكومة أردوغان إلى إنشاء منطقة آمنة لإعادة توطين نحو مليون لاجئ سوري داخل الأراضي السورية، فقضية اللاجئين السوريين، التي تقدمها بعض أحزاب المعارضة باعتبارها أحد أسباب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، هي في صلب اهتمامات حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يبحث عن حلها استباقا للانتخابات، إضافة إلى مسألة حزب العمال الكردستاني. ويبدو أنّ روسيا تستغل حاجة أردوغان إلى تحقيق نتائج بشأن هاتين القضيتين قبل الانتخابات، لدفعه إلى تغيير سياساته كليّا في سوريا. دمشق أيضا تحاول استغلال الضغط الانتخابي على حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وبحثه الحثيث عن حل لموضوع اللاجئين والأكراد، فتشترط على أنقرة وضع جدول زمني للانسحاب من الأراضي السورية، والتخلي عن دعم المعارضة، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل منها إلى النظام، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب. فهل ستقبل الحكومة التركية مثل هذه الشروط، وهي التي تطالب النظام السوري بالانخراط في مفاوضات جدية مع المعارضة للوصول إلى تسوية سياسية؟ المسألة تبدو صعبة، خاصة أنّ النظام السوري يتطلع إلى خسارة أردوغان الانتخابات، ووصول المعارضة التركية إلى السلطة، لعقد تفاهم معها، بدلا من تفاهمات ظرفية ما قبل الانتخابات مع النظام التركي الحالي، الذي يحتاج مؤكدا إلى فرصة التفاهم لتعزيز حظوظه الانتخابية، مع أنه إذا فاز في الانتخابات واستمر في الحكم، من الصعب أن يواصل طرح مثل هذه التفاهمات مع سوريا. إعادة ترتيب الأولويات الراهنة والمحتملة في إطار المستجدات الجديدة، توحي من ناحية أخرى بأنّ مفاوضات رسم الحدود بين تركيا واليونان قد تأخذ بعض الوقت، في ظل المناخ الحالي لطبيعة العلاقات بين دول المنتدى. فيما تسعى أنقرة إلى التوصل إلى تهدئة الأوضاع، وتسكين الصراع في ليبيا التي قلبت فيها المعادلة عسكريا ضد المشير خليفة حفتر، الذي يحظى بالدعم من السعودية والإمارات ومصر وفرنسا وروسيا، وثبّتت نفسها لاعبا لا يُستهان به في الساحة الليبية. ولأنّ وضع الاقتصاد التركي الراهن لا يسمح بالمضي قدما في دعم مثل هذه المغامرات الطموحة في السياسة الخارجية إلى ما لا نهاية. فإنّ أنقرة تبحث بشكل واضح عن تطوير العلاقات الاقتصادية الجيدة مع الأطراف الإقليمية، من ذلك القبول التدريجي لعلاقات تركية مصرية حذرة نوعا ما، لكنها ستؤدي في رأي العديد من المراقبين إلى تغيير في معادلات الأمن والاستراتيجية والسياسة في الإقليم، وليس في منتدى غاز المتوسط فقط. والمرحلة الحالية توحي بأنّ المعطيات التركية الداخلية هي الأكثر تأثيرا في الموقف التركي الجديد تجاه سوريا وغيرها من الدول، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وخشية أردوغان وحزب العدالة والتنمية من خسارتها. وينظر الأكاديمي التركي سولي أوزيل إلى الطموحات التركية في المنطقة، ومستقبل العلاقات التركية مع الدول النافذة عند أطراف المنطقة العربية مثل إيران، وأيضا كيان الاحتلال الإسرائيلي، وآفاق العلاقات التركية مع حلف شمال الأطلسي الناتو بنوع من التفاؤل، حيث يعتبر أنّ تركيا نجحت على نحو محدود في سوريا، ويُستبعَد أن تغادر المناطق التي تدخّلت فيها منذ أغسطس 2016، حيث أوجدت فعليا نسخة جزئية عن منطقتها الأمنية المنشودة. وعلى الرغم من إجهاض تطلّع أنقرة إلى تغيير النظام السوري، أتاح لها موقعها الجغرافي ووجودها العسكري وأوراقها الاستراتيجية الرابحة أن تحجز لنفسها مكانا في موقع الفريق الفاعل، في مرحلة ما بعد النزاع. وقد تعاونت أنقرة وطهران مع روسيا في عملية أستانة حول الملف السوري، على الرغم من التباين الشديد في أهدافهما وتطلعاتهما في العراق وسوريا. وثمة مؤشرات توحي بأن التعاون الاستخباراتي يتواصل بين إسرائيل وتركيا، على الرغم من النفور بينهما، ومن العداوة الشخصية بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فالعلاقة الوثيقة التي تربط إسرائيل بمصر واليونان والإدارة اليونانية في قبرص، والتعاون الإسرائيلي مع هذه الأطراف في شؤون الطاقة في شرق المتوسط، ولّد انطباعا لدى الكثيرين بأنه يتعذّر تصويب العلاقات الإسرائيلية مع تركيا. ولا يُتوقَّع حدوث تحسّن كبير في العلاقات في المدى المنظور، رغم زيارة رئيس كيان الاحتلال إلى أنقرة وتبادل السفراء، لكن الموجب الاستراتيجي الذي يربط بين إسرائيل وتركيا لا يزال قائما. فيما تبقى تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي، على الرغم من قيامها بشراء منظومة إس-400 الروسية، ومن علاقاتها الاستراتيجية الوطيدة مع موسكو، واستيائها العميق من حلفائها في الناتو، بسبب عدم تضامنهم مع الحكومة التركية المنتخَبة خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة، على عكس بوتين الذي أبدى على نحو مبكر تضامنه مع أردوغان، مباشرة أثناء المحاولة الانقلابية.

تعتبر تركيا إحدى الدول الفاعلة في الملف السوري، سياسيا من خلال مسار أستانة، وأيضا سوتشي، كما أنها تستضيف أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري. وتأتي محاولات التقارب التركية مع حكومة الأسد في سياق الجهود الروسية الساعية لإذابة الجليد بين أنقرة ودمشق، وإعادة العلاقات السياسية بين الطرفين تدريجيا، بما يساعد على حلحلة عقدة فقدان الشرعية الدولية، التي تمنع عودة سوريا إلى المجتمع الدولي. وعلى الأرجح الخطوات التركية تجاه النظام السوري تمليها معطيات تكتيكية، متصلة جوهريا بالانتخابات المرتقبة، وليس معطيات استراتيجية. والمسار السياسي والعسكري بين الجانبين ما يزال طويلا، حتى إن حدث لقاء بين الأسد وأردوغان. ولن تستطيع تركيا الانسحاب من الشمال السوري، لأن هذه المنطقة هي التي جعلتها لاعبا استراتيجيا في الملف السوري وتأثيراته الإقليمية. وتصريحات وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو حين قال «إن تركيا تؤكد مرارا عزمها نقل السيطرة في مناطق وجودها حاليا، إلى سوريا حال تحقق الاستقرار السياسي، وعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد». يعني أنّ الانسحاب التركي من الشمال السوري مرتبط بالحل السياسي النهائي في سوريا. بالمحصلة، نتائج الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة سيكون لها انعكاس مباشر على التموضع التركي في سوريا، وعلى مستقبل العلاقات السورية التركية. وهو ما يفهم من تصريح الرئيس التركي مؤخرا، بأن بلاده قد تعيد تقييم علاقاتها مع النظام السوري بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

كاتب تونسي

————————

اجتماع موسكو: هديّة العام الجديد للسوريين!/ موفق نيربية

عمّت مناطق في شمال وجنوب سوريا مظاهرات مهمة، استنكاراً للاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع روسيا وتركيا والأسد، مع قادة المخابرات في موسكو مؤخراً، على الرغم من تصريح جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي بأنه ليس هنالك من ردّ فعل للمعارضة السورية – ويقصد الرسمية منها المُمثَّلة بالائتلاف – على الاجتماع والمسار الذي يعبّر عنه.

صدر بيان لافت أيضاً عن مجلس سوريا الديمقراطية «مسد» في شمال شرق سوريا يقول بعد التنديد باللقاء، إن المجلس ينظر «بعين الشك والريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية، وبرعاية روسية»، ويعتبره خطوة باتّجاه «انتخابات حكومة العدالة والتنمية، وقرباناً لتأبيد سلطة الاستبداد في دمشق». في تعبيرات قوية تشيد بالثورة السورية في آذار/مارس 2011 ضد «سلطة الاستبداد في دمشق»، مع دعوة إلى توحيد قوى المعارضة في وجه الاستبداد و»بائعي الدم السوري».

كان مثيراً أيضاً وجود لافتات في تظاهرات شمال غرب البلاد، تقول بما معناه: نحن لا نريد صلحاً مع الأسد، بعد أن صار كلّ الذي صار.. إذا أردت المصالحة، اذهب وصالح الكرد! ورغم» تمنّع» النظام السوري – وهو الراغب- عن تلبية الغزل التركي المتصاعد في الأشهر الأخيرة الفاصلة عن اللقاء الأخير، رفضاً كما قال، لأن يكون مساهماً في حملة حزب العدالة والتنمية الانتخابية؛ إلا أنه لم يستمرّ في تمنّعه حين آن الأوان. واعتبر بيانه أن الاجتماع كان بين الطرفين السوري والتركي «بمشاركة روسية» وأنه جرى بحث جهود محاربة الإرهاب والأوضاع في سوريا ومسألة اللاجئين، وكان اللقاء إيجابياً». وليس هنالك أيّ شك في وجود زغرودة في صدر نظام الأسد مع تلك الخطوة الجديدة، لأن يدرك حجم أزمته وعمقها، وكونه ازداد ضعفاً وتهافتاً خلال العام الأخير بشكل دراماتيكي.

إلّا أنه رغم ذلك، كان الرئيس التركي قد استبق ما جرى بالإشارة إلى المكان المستهدف بهذه اللقاءات المتصاعدة، حين ذكر في 12/12 مؤخّراً، أنه «عرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فكرة عقد اجتماع ثلاثي مع الرئيس السوري بشار الأسد، لافتا إلى أن بوتين رحب بالفكرة»، أي أنه يمكن اعتبار المبادر الرئيس والأوّل لهذا المسار هو الجانب التركي؛ كما يمكن التأكّد من نوع الخاتمة «السعيدة» لهذه اللقاءات، التي ستمرّ لاحقاً على لقاء بين وزراء الخارجية، وتُتَوّج بلقاء الرؤساء، خلال الأشهر الستة المقبلة، التي تفصل الأتراك عن انتخاباتهم المزدوجة. وفي تقرير قناة «خبر تورك» عن اللقاء، نقلت عن مصادر خاصة، أن الاجتماع «بحث 4 عناوين رئيسية، هي: العودة الآمنة والكريمة للاجئين (؟)، وإعادة العقارات لأصحابها حين عودتهم (؟)، وضمان محاكمات عادلة (؟)، إلى جانب استكمال التعديلات لإجراء انتخابات حرة ونزيهة (؟؟)». وأشارت القناة في الخاتمة إلى وجود قوات تركية على الأرض السورية، وإلى عزم تركيا «على تطهير المناطق المحاذية لحدودها من التنظيمات الإرهابية». هنا يمكن تأكيد ما هو مؤكد، من أن الهدف التركي المباشرة وإبعاد «قسد» من شمال شرق سوريا إلى أبعد ما يمكن جنوباً، لما يشكله ذلك من «خطر على أمنها القومي».. مع استنتاج آخر قد يكون الأكثر تأثيراً، هو ارتباط هذا المسار بالانتخابات المقبلة المزدوجة في منتصف العام الجديد، التي يكثر الحديث عن غموض آثارها على حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان. يكمن الهدف الروسي أيضاً – ومن غير لبس- في تدعيم الموقف الروسي في سياق الحرب على أوكرانيا وتطوراتها الداهمة شيئاً فشيئاً: هنا يمكن تحقيق المزيد من الارتباط مع تركيا، الضرورية بشكل حاسم في سياق تلك الحرب؛ ولا بأس أيضاً ببعض التدعيم لسلطة الأسد على الخطّ الروسي؛ ولا بأس أبداً بتهديد أكبر للمصالح الأمريكية واستفزازها بشكل غير مباشر، كما يحسبون. وباختصار، تشعر القيادة الروسية باقتراب لحظة الحقيقة في أوكرانيا، والفشل النسبي الذي ستخرج به، وهي تريد التعويض مسبقاً بتأمين نجاح نسبي في سوريا، لو استطاعت! وباعتبار أن مصير الأسد ونظامه قد أصبح محسوماً، كما يتكرّر في معظم التقارير والدراسات، فكلّ قشّة مرحّب بها من قبله يتعلّق بها، وسوف تساعده على الهروب المؤقت إلى الأمام. يُظهر صدور القوانين والتوجّهات المختلفة، أن الولايات المتحدة تريد إغلاق نهاية الطريق على الأسد ونظامه، من دون أن تتدخّل بقوة في المراحل الوسيطة، التي قد لا تكون قريبة الأفق على الإطلاق.

ليس هنالك وقت كافٍ لتخطيط محكم يساعد الحكومة التركية على تجاوز أزماتها قبل يونيو المقبل، وليس مضموناً أساساً أن تتمكّن الأطراف الثلاثة المعنية من حلحلة الموقف الأمريكي أو ضمان تغييره. ليس مضموناً أيضاً ألّا تكون تلك المعركة مخيّبة للآمال عسكرياً وسياسياً. كما أن هذا التوجّه في شمال وشرق سوريا ربّما لن يساعد بوتين في حفرته الأوكرانية، التي لا يبدو أن الغرب- الأقصى عبر الأطلسي وليس الأوروبي القريب – يريد له الخروج منها، قبل أن تتهلهل قواه ويأخذ درساً يستفيد منه في المستقبل. أما الأسد ونظامه الذي يتهاوى بسرعة مؤخّراً، ويعجز حتى عن تأمين قوت شعبه، فيكاد منظره يبدو مضحكاً في المشهد، لولا أن مأساة خانقة ومستحيلة تعصف به وبالسوريين تحت قبضته، حيث يسود… نظرياً. يبقى أن هناك فاعلين كبيرين في الشرق الأوسط، لا يثقان كثيراً بما حدث في موسكو وما سيحدث بعده، هما إيران وإسرائيل: الأولى، هنالك مأزق مهم عاشته سلطة الحرس الثوري مع انتفاضة النساء الإيرانيات غضباً لقتل المخابرات للفتاة مهسا أميني تحت التعذيب، بسبب حجابها. تصاعدت هذه الانتفاضة وشملت مناطق مختلفة لها مشكلات متنوعة مع النظام، وتصاعد القمع الحديدي وقتل المتظاهرين شنقاً بعد محاكمات صورية. وإذ ابتدأت تتكاثر التطورات التي تهمل العامل الإيراني مؤخّراً، فليس مضموناً المدى الذي يمكن أن تصل إليه توتّرات نظام من أهم سماته العصابية تحت التوتّر. يرى عديد من المراقبين أن اجتماعات موسكو تخفي استبعادها لإيران رغم تمويهه، من قبل روسيا وتركيا على الأقل. الثانية – إسرائيل- نالت حكومة نتنياهو الجديدة الثقة، وفي ساعتها ابتدأت طبول الحرب بتصريحات نتنياهو حول الاستيطان كأولوية لحكومته. سوف يقود التطرف اليميني والديني إلى تطرّف مقابل آخر، يحمل سمات يائسة غير محدّدة المعالم، من خلال استفزاز فلسطينيي المناطق المحتلة في عام 1967، وفلسطينيي إسرائيل الذين يشكلون خمس تعداد سكانها على الأقل. عند ذلك ستحاول الحكومة الإسرائيلية أيضاً الهرب إلى الخارج ومحاولة فرض برامجها الإقليمية في القوس الذي يشكّله لبنان سوريا والعراق وإيران. في السياق نفسه والبؤرة ذاتها، سوف يصل المزيد من الطلائع الصينية، وتتشكّل معادلات جديدة أكثر حداثة، تفرض إيقاعاً مختلفاً على التطوّرات، وتغييراً في مجمل العوامل والقوى الفاعلة وموازينها الخاصة. أمّا الانتخابات التركية والحرب الأوكرانية، فسوف تنتهيان غالباً إلى نتائج غير سارة لأصحابها، ولن يكون هنالك انتصار حاسم واضح واستراتيجي فيهما كليهما، في حالة وسمات السلطتين المعنيتين، سيكون نوعاً من الخسارة غير مضمون العواقب. نعم، ليس في الأفق ما هو مريح بالفعل، ربّما إلّا تناهي الوباء عن ظهور الناس، الأشدّ فقراً بينهم بالتحديد.

وكلّ عام وأنتم بخير… ما كان منه ممكنا!

كاتب سوري

القدس العربي

————————-

2023 عام آخر من الوجع السوري/ رياض معسعس

تميز عام 2022 في سوريا بمجموعة من الأحداث كان لها انعكاسات كبيرة على الشعب السوري. فمع بداية العام بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا الذي وضع سوريا في صلب الحدث إذ عانت كما عانى العالم أجمع من فقدان بعض المواد الأساسية كالقمح والنفط والغاز، ودفع النظام الذي كان أول من أيد الغزو مجموعة كبيرة من الشباب الموالي ليكونوا مرتزقة مقابل دراهم معدودات لقتل الأوكرانيين، وليقتلوا بدورهم هناك، وزادت الحرب الأوكرانية في الطين بلة على السوريين بشكل عام ففقدان السلع الأساسية كالنفط شل المواصلات، وأغلق أبواب شركات كثيرة، وأفران الخبز وحتى المستشفيات بسبب انقطاع الكهرباء.

انزلاق سعر الليرة

وجاء انزلاق سعر الليرة إلى مستويات متدنية مقابل الدولار (وصل سعر الدولار إلى 6500 ليرة) على حساب المواطن العادي الذي تآكل دخله الشهري الذي بالأساس لا يتعدى 20 دولارا، الأمر الذي دفع إلى احتجاجات ومواجهات عنيفة في منطقة السويداء وحوران بين السكان وقوات النظام.

ومع الخطر اليومي الذي تواجهه بعض دول الخليج والأردن وحتى بعض دول العالم من تهريب المخدرات وخاصة الكبتاغون الذي يصنعه النظام أصدر الكونغرس الأمريكي قانون “كبتاغون” ليضاف إلى قانون “قيصر” وزيادة العقوبات، ورغم ذلك قامت بعض الدول العربية بالانفتاح على النظام السوري والتطبيع معه، وخاصة دولة الإمارات العربية التي قام بزيارتها بشار الأسد في آذار/مارس الماضي، وانتهى العام ببداية عملية تطبيع تركيا معه.

هذا في الوقت الذي لايزال مئات آلاف السوريين تحت الخيام يقاسون شظف العيش وتقلبات الطقس وابتزاز روسيا في نقل المساعدات الأممية إليهم.

لم يكن مفاجئا أن يتم لقاء موسكو بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري ورؤساء مخابراتهم في موسكو لوضع اللمسات الأولى لعملية تطبيع مع نظام بشار الأسد الذي كان يصمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “بالإرهابي” وبدا أن الضرورات التركية طغت على المواقف السابقة من النظام السوري خلال العقد الماضي، فالرئيس التركي الذي كان عازما على تنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال شرق سوريا لطرد وحدات حماية الشعب الكردي من مدن ثلاث (منبج، تل رفعت، عين العرب)، والتي ووجهت بمعارضة أمريكيةـ روسية ـ أوربية ثنت اردوغان عن المضي بها بعد إقناعه من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعملية التطبيع كبديل للعملية على أن يتولى النظام نفسه عملية إعادة سيطرته على المناطق التي تتواجد فيها وحدات حماية الشعب الكردي لتعود سيادتها له، مقابل انسحاب من المناطق التي سيطرت عليها تركيا التي تريد أيضا التخلص من اللاجئين السوريين عن طريق تنظيم عودة “آمنة” لهم إلى ديارهم، وحسب تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار فإن تركيا ستلعب دور الوسيط بين المعارضة والنظام لإيجاد حل سياسي يقوم على مبادئ القرار الأممي 2254.

مواقف المعارضة

لم يتأخر الموقف الشعبي في المناطق المحررة من التعبير عن رفضه لعملية التطبيع من خلال مظاهرات عمت المدن التي تقع تحت سيطرة المعارضة (محافظة إدلب وريف شمال حلب) ثم المجلس الإسلامي السوري الذي أصدر بيانا يدين فيه عملية التطبيع: ” لقد أخذنا على أنفسنا العهد ألا نكون شهود زور على مشاريع تصفية الثورة السورية، وإننا إذ نرى دعوات المصالحة والتطبيع مع النظام المجرم تترى على قدم وساق فإننا نؤكد أن الموتَ ونحنُ نتجرَّعُ السُّمَّ أهونُ ألف مرّة من أن نصالح عصابة الإجرام الّتي دمّرت سوريا وأبادت أهلها”

وتبعه موقف هيئة تحرير الشام في كلمة لزعيم الهيئة أبو محمد الجولاني تحت عنوان “لن نصالح” أكد فيها “لا تحزنوا ولا تيأسوا فإن خذلكم القريب والبعيد فإن للثورة أبناءها وقادتها وجندها يصلون الليل مع النهار لحماية الثورة وخدمة أهلها..” وأضاف: “أن الهيئة تعد نفسها لأيام عظيمة مقبلة، ودعا للانضمام إليها لمواجهة التحديات ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام”، أما الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية التزم الصمت ولم يصدر عنه أي موقف حتى الآن، وكشفت مصادر تابعة له طلبه عقد اجتماع عاجل مع مسؤولي الحكومة التركية “لبحث مسألة التقارب مع النظام السوري” واتخذ الجيش السوري الحر الذي بات تحت الهيمنة التركية نفس الموقف الصامت المريب.

حروب مقبلة

يبدو أن دول لقاء موسكو الثلاث لديها هدف مشترك هو القضاء على وحدات الشعب الكردية أولا، لتحقيق مصالحها التي تختلف من دولة إلى أخرى، فتركيا التي تخشى على أمنها القومي من قوات سورية الديمقراطية الكردية على حدودها وتحالفها مع حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) الذي تصنفه تركيا في قائمة الإرهاب تبحث عن إنهاء هذا الوجود المهدد لأمنها، بينما يتطلع النظام السوري إلى استرداد الأراضي التي تسيطر عليها الوحدات الكردية بدعم من الولايات المتحدة والاستفادة من الآبار النفطية المتواجدة فيها، والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة بعد انسحاب القوات التركية منها، بينما تبحث روسيا عن مواجهة أمريكا بالوكالة وإضعاف وجودها في سوريا، كرد روسيا على دعم أمريكا لأوكرانيا في حربها ضد الغازي الروسي.

وحدات الشعب الكردية التي شعرت في الخطر الداهم نددت في بيان لمجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية في عملية التطبيع وناشدت السوريين بـ”مواجهة هذا التحالف وإسقاطه” وأضاف البيان “ننظر بعين الشك والريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية برعاية روسية”.

أما الولايات المتحدة فقد سارعت إلى اتخاذ خطوات سياسية وعسكرية من أجل مواجهة أي احتمال لمعركة إذ زادت من انتشارها العسكري في المنطقة، وقامت أخيراً بتجهيز الأرضية لإعادة قاعدتها العسكرية في الرقة بعد ثلاث سنوات من إخلائها.

وفي الوقت نفسه أرسلت جيمس جيفري مبعوثها السابق إلى سوريا في زيارة إلى تركيا قبل أسابيع قليلة لثني أنقرة عن المضي في مسار تطبيع علاقاتها مع دمشق، لكن أنقرة خيبت آماله وعاد خاوي الوفاض.

مصائب قوم

يبدو أن مصائب السوريين لن تنتهي في العام 2023 حسب ما وعد المسؤولون الأتراك عبر تطمينات مخدرة بالتوسط لإنهاء الأزمة السورية على أساس القرار الأممي 2254 فالنظام الذي رفضه منذ البداية لا يوجد أي مسوغ للقبول به اليوم وهو يبحث عن استرداد الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة وهذا ما ينذر بمعارك طاحنة في هذه المناطق أيضا، فكل المؤشرات تشير إلى أن جولة جديدة من المعاناة ستبدأ قريبا بمواجهات مسلحة عنيفة تقودها روسيا وأمريكا بالوكالة يكون وقودها أولا وأخيرا الشعب السوري الذي تجاهل العالم بأكمله مأساته الكبرى، فكل دولة لها ضلع في المقتلة السورية لا ترى سوى مصالحها ففي السياسة لا توجد عداوات ولا صداقات دائمة وإنما مصالح دائمة.

كاتب سوري

القدس العربي

——————–

المطلوب سورياً في ضوء جهود تعويم السلطة الأسدية/ عبد الباسط سيدا

لم يكن اللقاء العلني بين وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات الذي انعقد في موسكو بتاريخ 28-12-2022 مفاجئاً؛ كما أنه لم يكن الأخير بين المسؤولين الأتراك وممثلي سلطة بشار الأسد؛ وعلى ما يبدو لن يكون الأخير، بل ستعقبه اجتماعات أخرى تتوج بلقاء متوقع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشار الأسد، وذلك بعد التوافق على التفصيلات الخاصة بالكثير من المسائل الأمنية والعسكرية، واللاجئين السوريين في تركيا، ومستقبل التعاون المشترك سواء على المستوى الثنائي (تركيا وسوريا) أو الثلاثي (روسيا، تركيا، سوريا).

فقبل هذا الاجتماع كانت هناك تصريحات علنية من جانب الرئيس التركي نفسه، ووزير خارجيته، جسّدت الرغبة في لقاءات كهذه على اعتبار أنها ستكون لمصلحة البلدين. ومن الواضح أن الروس من ناحيتهم قد وجدوا في الحركة التركية فرصة للعودة إلى عالم الدبلوماسية، بعد الحملة غير المسبوقة عليها، وهي الحملة التي تمثّلت في العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية القاسية؛ مقابل دعم هائل لأوكرانيا في الميادين الدبلوماسية والعسكرية والمادية والإعلامية، لتمكينها من مواجهة الغزو الروسي، وذلك ضمن إطار السياسة الغربية الواضحة الحازمة الرامية إلى وضع حدٍ لطموحات الرئيس الروسي الامبراطورية عبر استنزافه وانهاكه في أوكرانيا.

فروسيا تعرف تماماً أن القرار النهائي للحل في سوريا لن يكون من دون موافقة غربية، أمريكية تحديداً. وهي تعرف أن كل النقاط التي تجمعها سواء بنفسها أم مع تركيا لا بد أن تصرف في نهاية المطاف عند الجانب الأمريكي. لذلك يبدو أنها تتهيأ منذ الآن لمشروع حل سياسي قد يطرح في نهاية المطاف لمعالجة الوضع القائم بينها وبين أوكرانيا. وباعتبارها تدرك مدى حساسية الملف السوري بالنسبة للأوروبيين والأمريكان، لتداخله مع الملفين اللبناني والعراقي؛ وتأثيره على الأردن ودول الخليج. هذا ناهيك عن دور العاملين الإيراني والإسرائيلي في المشهد السوري. فسوريا بالنسبة إلى النظام الإيراني تمثل الحلقة المفصلية في مشروعه التوسعي الإقليمي، لذلك نلاحظ أن الدور الإيراني لا يقتصر على التواجد العسكري الاستخباراتي المباشر، أو عبر دعم الأذرع الميليشياوية المذهبية بأسمائها المختلفة فحسب، بل هناك حرص إيراني مستمر على التغلغل في الدولة والمجتمع السوريين عبر الجيش والأجهزة الأمنية، والمؤسسات التعليمية والثقافية، ومن خلال الهيمنة على مفاصل الاقتصاد، وإحداث تغييرات في طبيعة الخارطة السكانية للبلد، والسعي لشرعنة كل ذلك بقرارات ومراسيم رسمية تصدرها سلطة بشار الأسد، تماماً كما حصل في العراق حينما ألزم النظام الإيراني الدولة العراقية، في ظل حكومتي كل من المالكي والعبادي، باعتبار ميليشيات الحشد الشعبي التابعة له جزءا من المنظومة الدفاعية العراقية، لتتكفّل الدولة العراقية بمهام التسليح والتمويل، بينما تكون القيادة والتبعية للجانب الإيراني .

هذا الانعطاف الحاد في سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية الذي يتمثل في مساعيها الانفتاحية على سلطة بشار الأسد بعد مرور أكثر من 11 عاماً على انطلاقة الثورة السورية قدمت فيها تركيا الكثير للسوريين خاصة على صعيد استقبال نحو 4 ملايين لاجئ، ربما نجد تفسيره في الحسابات الداخلية الانتخابية والمعادلات الإقليمية، وحتى في طبيعة الاصطفافات الدولية الراهنة والمحتملة مستقبلاً.

فالحرب الروسية على أوكرانيا قد عززت من أهمية الموقع الجيوسياسي لتركيا التي تحرص من جانبها على الاستفادة من هذا الموقع، فتفردت باستمرارية العلاقات الاقتصادية مع روسيا، بل استمرت في التنسيق معها ومع إيران في الشأن السوري عبر مسار أستانا الذي مهّد أصلاً للكثير من التحولات التي نشاهدها اليوم في الموقف التركي من سلطة بشار الأسد.

ولن يكون مجدياً التعامل مع الموقف التركي من موقع عاطفي أو وجداني باستخدام لغة العتاب والانفعال. فالحكومة التركية الحالية قد أعادت النظر في حساباتها، والتزمت سياسة جديدة مع الملف السوري، واتخذت قرارها بالانفتاح على سلطة بشار الأسد. ولن تتراجع في هذا الاتجاه إلا إذا حصل طارئ نوعي من شأنه أن يؤثر بصورة مباشرة على واقع الاصطفافات الدولية، والمعادلات الإقليمية الراهنة، والحسابات الداخلية التركية.

ولكن في جميع الأحوال، سيكون لهذا الموقف التركي تأثيره الكبير على واقع المعارضة الرسمية، وعلى مواقف السوريين المناهضين لسلطة بشار الأسد بصورة عامة، إذا ما استمرت الحالة الخمولية الانتظارية التي تتمثل في استعداد للتكيف مع التوافقات التي ستتم أطراف مسار أستانا.

فبالنسبة إلى المعارضة الرسمية لن يتمكن الائتلاف في صيغته الحالية من الاعتراض على المستجدات في الموقف التركي، وكذلك لن تتمكن الهيئات التابعة له، على الأقل شكلياً، مثل الحكومة المؤقتة والفصائل المسلحة. والأمر كذلك بالنسبة إلى المنصات والهيئات الأخرى التي باتت عملياً مجرد امتدادات لسياسات الدول التي تتواجد فيها.

لذلك ينبغي التركيز على السوريين المناهضين لسلطة الاستبداد والفساد والإفساد في الداخل السوري في جميع المناطق السورية، فهؤلاء هم الذين تعرضوا للقتل والتنكيل والتهجير والتشرّد، ويتعرضون اليوم للجوع والقمع والإذلال والتنمر من قبل السلطة والمسيطرين على مناطق النفوذ غير الخاضعة للسلطة. فهؤلاء يدركون أن تعويم سلطة بشار الأسد برافعة روسية إيرانية، وعبر توافقات مع تركيا، وربما مع غيرها من الدول، مؤداه المزيد من الانتقام التي ستمارسه هذه السلطة ضدهم، وهي السلطة التي ما زالت في جميع المناسبات تكشف عن حقدها عليهم، وتعبر عن رغبتها في إذلالهم والانتقام منهم.

إذا كانت للدول أولياتها، فإن للسوريين أيضا أولوياتهم، وأولويات السوريين وجودية مصيرية، تؤثر بصورة مباشرة في مستقبلهم ومستقبل أجيالهم المقبلة.

فهذه السلطة التي أوصلت السوريين إلى الجدار المسدود، الأمر الذي دفع بشباب مختلف المكونات المجتمعية السورية، وفي معظم المناطق السورية إلى الخروج احتجاجاً على الاستبداد والفساد، ورغبة في الحرية والعدالة الاجتماعية؛ لن تستطيع بعد كل ما فعلته بهم، وما أقدمت عليه من فتح البلاد أمام الجيوش والميليشيات أن تجمع بينهم، وتعيد وحدة لحمتهم، وتعمل معهم على تجاوز الآثار السلبية لما كان. فمن يوجهه الحقد، وتهيمن على عقله نزعات الثأر والانتقام، لن يتمكن أبداً من القيام بمهام المصالحة الوطنية المطلوبة.

واليوم، وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السوريون بفعل تراكمات ما يزيد على 11 عاماً من الحرب المتعددة الأشكال التي شنتها ضدهم سلطة بشار الأسد، بدعم روسي إيراني، نلاحظ أن التبرم من هذه السلطة لا يقتصر على المناطق الخارجة عن دائرة هيمنتها، بل تشمل المناطق الخاضعة لها أيضاً؛ وهذا ما يؤكد أن السوريين يتشاركون في المعاناة المصيرية؛ وأنه لا حل أمامهم سوى العمل المشترك بعيداً عن المشاريع العابرة للحدود التي تستغل المذهب، أو القومية أو الحاجة في سبيل عمليات التجييش وتمزيق صفوف السوريين. فأصحاب هذه المشاريع يستغلون موارد السوريين، ويزجون بأبنائهم كمقاتلين في ميليشيات محلية متصارعة حسب توزيع الأدوار في الداخل، أو كمرتزقة في عمليات خارجية.

لن تتمكن الصفقة الروسية التركية من انتشال السوريين من الأزمات البنيوية الاقتصادية والمجتمعية والتعليمية والصحية وغيرها الكثير من تلك التي تسببت فيها سلطة بشار الأسد، بل ستؤدي إلى تكريسها بصورة أعمق وأشمل.

ولن يتمكن السوريون من مواجهة تحديات المستقبل التي لا تبشر بأي حال من الأحوال بأي خير، ما لم يتجاوزوا الأحكام المسبقة بحق بعضهم، والحساسيات غير المسوغة الناجمة عن عدم القدرة على احترام الآخر المختلف. فما سيجمع بين السوريين، ويمنحهم القوة والثقة بالنفس هو التوافق على برنامج وطني عام، على قاعدة احترام الخصوصيات والاعتراف بالحقوق في إطار وحدة الشعب والوطن.

هل يستطيع السوريون أن يعيشوا مع بعضهم رغم توزعهم بين المناطق الخاضعة لهيمنة السلطة الأسدية وتلك الخارجة عن نطاق سيطرتها؟

هذا هو السؤال المحوري الذي لا بد أن نبني على جوابه.

وما نعتقده في هذا المجال هو أن امكانية العيش المشترك ما زالت واردة، خاصة بعد الإخفاق المريع للايديولوجيات العابرة للحدود.

وحده المشروع الوطني السوري الذي يكون بكل السوريين ولكل السوريين، ويطمئن سائر السوريين من دون أي تمييز، هو الحل.

ومثل هذا المشروع لن يجد النور ما لم يصرّ العربي والكردي والتركماني والسرياني والجاجاني والشركسي والأرمني والآشوري، والمسلم والمسيحي، والسني والعلوي والدرزي والشيعي والإسماعيلي والإيزيدي على إعطاء الأولوية لولائهم السوري قبل أي ولاء آخر، فالأرض السورية المقدسة هي أمّ سائر أبنائها وبناتها.

٭ كاتب وأكاديمي سوري

القدس العربي

—————————-

هل يلجأ الائتلاف إلى أوروبا؟/ عمر قدور

يصرّ أردوغان على تبديد الشكوك التي يثيرها البعض في ما يخص جدية انعطافته تجاه الأسد، ففي اجتماع لحزبه قبل يومين في أنقرة أعاد التأكيد على حدوث اللقاء الثلاثي بين وزير خارجيته ونظيريه الروسي والأسدي منتصف الشهر. الأهم هو تأكيد أردوغان على وجود مسار ثلاثي انطلق بلقاء وزراء الدفاع ومسؤولي الاستخبارات، ليُتوَّج “وفق التطورات بتعبيره” بلقاء الرؤساء الثلاثة، بهدف “تحقيق الطمأنينة والهدوء، وإحلال السلام في المنطقة”.

قد تستضيف الإمارات لقاء وزراء الخارجية المرتقب، في إشارة متعددة الاتجاهات، أهمها أن المسار الثلاثي يحظى بدعم خليجي، ربما باستثناء تحفظات الدوحة المعلنة على التطبيع مع الأسد. والحديث عن مسار يحظى بهذا الزخم لا بد أن يتعدى تطمينات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، إذ صرّح أن سياسة حكومته الجديدة لن تكون على حساب المعارضة السورية، مستبقاً بتصريحه اجتماعه مع المعارضة السورية لإبلاغها بالتوجهات الجديدة.

ما نقلته الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني السوري عن رئيسه، عقب الاجتماع بأوغلو، يشير بين السطور إلى ما لا يسرّ المعارضة في السياسة التركية الجديدة، بمعنى أن الأخيرة ستكون على حساب المعارضة، بخلاف التطمينات المعلَنة. على سبيل المثال، نُقل عن رئيس الائتلاف سالم المسلط تحذيره المسؤولين الأتراك “من نظام الأسد وما يقوم به من خداع، وعدم وفائه بتعهداته وهو ما تعوّد عليه المجتمع الدولي طيلة السنوات الماضية”. وحتى ما نُقل عن المسلط لجهة التمسك بمبادئ الثورة، بوصفها “أمانة لا يمكن التفريط بها”، يجوز فهمه خارج تكرار الشعارات على أنه تذكير بها في مواجهة المستجدات التي طرحها المسؤولون الأتراك في الاجتماع.

الحديث عن مسار ثلاثي ينطوي على شراكة مع الأسد، تستبعد بطبيعة الحال هدف الانتقال السياسي بما أن قبوله بتسليم السلطة مستحيل. المسار الثلاثي الجديد، في حال نجاح التصور التركي “المشترك ربما مع موسكو”، يُفترض أن يرث مسار أستانة، فيرضي دولاً خليجية وإسرائيل لاستبعاده إيران “الشريك في أستانة”. على المعارضة “ممثَّلة بالائتلاف” القبول بالسمّ التركي، هل من خيار أخر؟

لنستبعدْ أولاً تصوير الائتلاف وأعضائه كمجموعة من المرتزقة الصغار، والذين يأتمرون بالتعليمات التركية عن طيب خاطر، حتى إذا طُلب منهم الانتحار. لنبتعد عن التبسيط، ولنفترض أنهم يريدون رفض التوجهات التركية الجديدة، ولنفكرْ في الأوراق التي في حوزتهم إقليمياً أو دولياً.

نذكّر بأن القضية السورية وُضِعت مبكراً، وعلى التوالي، تحت العديد من الوصايات الإقليمية، إلى أن استقرت برغبة دولية تحت الوصاية التركية، مع مشاركة للرياض في الوصاية على هيئة التفاوض بموجب تفاهمات فيينا. أي أن وجود الائتلاف تحت الوصاية التركية ليس انحرافاً ذاتياً، وإن لاقى الهوى الأيديولوجي للكتلة المسيطرة فيه. لذا، يصعب أو يستحيل عملياً خروج الائتلاف من تحت العباءة التركية، ما لم تكن هناك مساندة دولية قوية لهذا التوجه، وبما يعكس اعتراضاً عملياً على السياسة التركية المستجدة.

ينبغي أن نشطح بعيداً جداً بخيالنا كي نتوقع قراراً أمريكياً باحتضان الائتلاف، واستضافة مكاتبه في واشنطن أو نيويورك، ما يرتّب على الولايات المتحدة التزاماً معنوياً تعاقبت إدارات البيت الأبيض منذ عام 2011 على تحاشيه. هذا السيناريو “غير الممكن” لم يُطرح إطلاقاً من قبل، حتى من قبل معارضين يتوسلون الدعم الأمريكي، لا بسبب الرفض الأمريكي فحسب، وإنما أيضاً بسبب الحساسيات التقليدية تجاه السياسة الأمريكية.

البديل المعتاد طرحُه، عن الوجود في إحدى دول المنطقة، هو التوجه إلى أوروبا، بما أن ذهاب الائتلاف إلى أية دولة أخرى سيضعه تحت وصايتها. هذا الاقتراح تكرر منذ سنوات، وقبل استفحال الوصاية التركية على مفاصل المعارضة، وانتعش خاصة مع انخراط أنقرة في تفاهمات “مناطق خفض التصعيد” ثم تفاهمات سوتشي وأستانة، وقد انصاعت المعارضة لجميعها.

نظرياً، ونظرياً فقط، تبدو أوروبا طوق النجاة من التحكم التركي، أو أية وصاية لا بد من الخضوع لها في دول المنطقة. التأكيد على أن هذا الطرح يبقى في الإطار النظري مردّه أن القطيعة مع تركيا، بناء على مخالفة توجهاتها، تعني التضحية بالعلاقة مع الداخل السوري الواقع تحت نفوذ أنقرة، لأن الأخيرة تتحكم بكافة منافذه. وإذا كان أحد المآخذ على المعارضة هو تدني فعاليتها في تلك المناطق فإن القطيعة مع أنقرة تعني الانعدام التام لتلك الفعالية، مع عدم استبعاد ردود انتقامية على حساب الأهالي العالقين هناك.

نظرياً أيضاً، ثمة افتراض مفاده قبول أوروبا باستضافة المعارضة السورية، كما تستضيف نظيرتها الإيرانية مثلاً. هذا صحيح نسبياً، وبشرط أن نستبعد منه ترحيباً أوروبياً بالائتلاف على قاعدة افتراق الأخير عن أنقرة. لنتذكرْ أن قضية اللاجئين هي في رأس التبريرات لانعطافة أردوغان، وللتخلص منهم هناك خياران؛ إعادتهم إلى الأسد أو فتح السبل أمامهم ليغادروا إلى أوروبا. الخيار الثاني منهما كان ورقة تخيف بها أنقرة أوروبا، ووطأة التهديد اليوم أشدّ كثيراً من قبل جراء الأزمات الاقتصادية التي تسبب بها كورونا والحرب على أوكرانيا.

وإذا افترضنا جدلاً أن أوروبا تجاوزت حساباتها الضيقة، لن يقوى موقف الائتلاف “بوصفه كياناً معترفاً به دولياً” على نحو تلقائي لوجوده فيها. وإذا تجاوزنا دواعي الضعف الإضافية لابتعاده عن سوريا، لن يحلّ وجوده في أية دولة أوروبية الخلل المتعلق بمدى كفاءته؛ مؤسسةً وأفراداً. ناقشنا خيار اللجوء إلى أوروبا لأنه يظهر كطوق نجاة ممكن، لكنه أشبه بالمستحيل، ونضيف إلى ما سبق الفجوة الواسعة بين الحريات التي تتيحها أوروبا وطريقة استثمار السوريين لها؛ في مثال غني بالمعنى لدينا ما يزيد عن مئتي جمعية سورية مرخَّصة في فرنسا، يرفض أصحابها مجرد تشكيل لوبي سوري يجمعهم. 

لن يحترم العالم المعارضة زيادة عن قبل، لمجرد تغيير في عنوانها البريدي، وسيبقى الائتلاف مطلوباً فقط لأداء الدور المُقرَّر له لا أكثر، وهو دور في أحسن الأحوال لا يتعدى المشاركة في إعادة تدوير سلطة بشار، وهذا أيضاً أقصى ما يهدف إليه أردوغان إذا أقنع بوتين والأسد بتسوية تدمج المعارضة تحت سلطة الأخير. هناك كثر سبقوا أردوغان إلى التواطؤ على بقاء الأسد، والمعارضة نفسها كانت طرفاً في التواطؤ؛ بصمتها وبتهافتها. استكمالاً لسياق من الانحدار، لا خيار أمام المعارضة سوى تناول جرعات السمّ التي يقدِّمها لها الحليف، ولا حيلة لها إزاءه إلا الانتحار السريع بدل الموت البطيء، لتكون لمرة قد امتلكت الشجاعة والقرار!

المدن

—————————-

هل ثمة من يثق بالأسد كي يفاوضه الأتراك؟/ علي سفر

على تعقيدات المواضيع التي يتم البحث فيها بين الحكومة التركية ووفود النظام في الجلسات التي عقدت أو يخطط لعقدها، يجب ألا يفوت السوريين الذي يتابعون “التكويع” كما يحب البعض أن يسمي هذه الخطوة، أن النوابض العامة لهذا التوجه واضحة، ولا تحتمل الغش أو المراوغة، فهي تنطلق لدى أنقرة من حسابات سياسية داخلية، أولها الانتخابات القادمة هذا العام، وما يحتاجه حزب العدالة والتنمية من إنجازات، لإقناع الناخبين بالتجديد له في البرلمان، وفي منصب الرئاسة، وتحديداً في ملفين أساسيين أولهما إعادة فائض اللاجئين، بعد احتساب ما تحتاجه الماكينة الصناعية والزراعية المحلية من اليد العاملة السورية الرخيصة الوافدة، وثانيهما إنهاء كيان قسد على الحدود الجنوبية، المرتبط بالصراع الدموي الدائر منذ عشرات السنين، مع تنظيم وعناصر حزب العمال الكردستاني.

تبدو الأسباب الأخرى التي تدفع الأتراك للمضي في هذه الخطوة كاستجابتهم للضغط الروسي في هذا المسار أقل أهمية، فهم يعلمون أن بوتين الذي طالت حربه في أوكرانيا لا يملك القوة السياسية في الوقت الحالي، لدفع أردوغان نحو أي مسار على حساب المصالح التركية، وبالتالي فإن أي حديث عن رغبة في المصالحة الفعلية مع النظام السوري، لا يمكن التعامل معه بجدية في الوقت الراهن، لأن هذا الأخير وقبل أي شيء لا يملك ما يقدمه مقابل أي خطوة تجاهه، مع الانتباه إلى أن الحديث الرسمي في أنقرة عما يجري يحيل التفاصيل إلى القرار 2254 الذي يؤكد على انتقال سياسي في سوريا.

وفي المقابل، لا مصلحة للنظام في المصالحة مع عدوه الشمالي، لأن مثل هذا التحول سيفرض عليه تقديم المقابل، بعد أن حملت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركية الأمور إلى نهاياتها، لجهة نفي المطامع في سوريا، والاتفاق على الانسحاب من الأراضي السورية، حال تقدم الأوضاع إيجابياً على الأرض، ما يُبطل فعلياً دعاوى النظام التي يكررها أمام مؤيديه عن سقف مطالبه العالي، أو اشتراطاته للقبول بالجلوس مع الأتراك على طاولة واحدة.

الفوائد الاقتصادية للمافيا التي تدير أعمال ومصالح العائلة، ولا سيما طموحات أسماء الأسد، التي تبدو في الوقت الحالي، أشبه بحوت ابتلع كل من سبقه، ويبحث عن المزيد، وحدها قد تدفع رأس النظام للمضي في خطوات التفاوض بجدية. ولكن هذا سيصطدم عاجلاً أم آجلاً بدرجة صلابة مواقف المسؤولين الأتراك الذين كلما التفتوا صوب المعارضين السوريين في مؤسسة الائتلاف أو غيرها، منحوهم تطمينات ووعود، بعدم التضحية بالثورة، والثائرين، ومع التركيز على ضرورة العودة الكريمة والآمنة للاجئين، كان آخرها تصريح وزير الخارجية جاويش أوغلو، “إن بلاده لن تطبع العلاقات مع النظام السوري رغماً عن المعارضة السورية”.

ولكن، ألا يبدو وبالنظر إلى تكرار الحديث عن المعطيات السياسية التركية في دائرة المناورة بين الطرفين، أن التسوية ستصل في مرحلة ما إلى حائط مسدود، خاصة وأننا نعرف كسوريين بنية النظام وطريقة تعاطيه مع مواطنيه ومع الآخرين على حد سواء، أنه في النهاية سيحلب الوقت ليضمن استمراره في حكم البلاد.

بينما، أقل المطالب في سياق ما يتم الحديث حوله في المفاوضات هو التغيير الملموس، كإطلاق المعتقلين، وغير ذلك!

لنلاحظ أن جميع من يطالعون وقائع وحيثيات الملف ينطلقون وبشكل سبقي من أرضية عدم الثقة بنظام الأسد، ويفترضون أنه يراوغ داعميه الرئيسيين روسيا وإيران، وأنهما باتوا يتعاطون معه عبر سياسة العصا والجزرة، حتى وصل به الحال إلى ما يشبه فقدان القدرة على الحركة في هذه الأيام، بناء على تسويفاتهما بتقديم الدعم العاجل له.

كل ما سبق، ودون الاستغراق في التحليلات التي فاضت على المشهد السوري القاتم، يدفعنا لطرح السؤال الصريح والواضح: هل بقيت جهة سياسية في العالم تثق بنظام الأسد؟ كي يقوم الأتراك بفعل هذا الشيء؟ أم أن هؤلاء يريدون أن يمرروا الوقت أيضاً حتى يصلوا إلى اللحظة التي تمكنهم من الانسحاب من هذه الخطوة كلها؟

—————————

تقدير موقف حول لقاء أردوغان-الأسد المرتقب

قسم الدراسات

مقدمة:

تسارعت خطوات القيادة التركية باتجاه التقارب مع النظام السوري، خاصة بعد إعلان الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، في 15 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن عرضٍ قدّمَه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أثناء لقائه به في تركمانستان، بشأن إحداث آليّة لتفعيل المسار الدبلوماسي مع النظام السوري بشكل ثلاثي، عبر خطوات ثلاث تبدأ بلقاء وزيري الدفاع، ثم وزيري الخارجية، وتُتوّج بلقاء بين الرئيس التركي ورئيس النظام السوري بحضور الرئيس الروسي.

تتنوع الدوافع التي دعت الرئيس التركي لاستعجال إعلان رغبته في لقائه رئيس النظام السوري، في هذه المرحلة، قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقرر إجراؤها في حزيران/ يونيو 2023، وهو أمرٌ كان مستبعدًا عند الرئيس التركي، قبل أن يصرّح أنه “ليس هناك خلاف واستياء أبديّ في السياسة”[1]، ما يعكس حجم القلق الذي يعتري الحزب الحاكم ورئيسه تجاه الانتخابات القادمة، من جراء ضغوط المعارضة التركية بورقة تداعيات اللجوء السوري، وانعكاسات التدخّل التركي في أكثر من دولة في الإقليم، حيث أدى ذلك إلى بعض التوتير في علاقاتها بتلك الدول.

 تناقش هذه الورقة دوافع خطوة التقارب التركية مع النظام السوري، وحظوظها من النجاح، وتستعرض الواقع الجيوسياسي الإقليمي والدولي حول الملف السوري، ومواقف الأطراف الفاعلة فيه من التقارب المرتقب، ومصلحتها في تسهيل وإنجاح هذا اللقاء، أو إفشاله، وسيناريوهات احتمال حدوث هذا اللقاء، والاستحقاقات والتداعيات التي قد تترتب عليها في حال حصولها.

أولًا: الموقف التركي

لا تبدو تركيا في أحسن حالاتها، بعدما انتقلت من واقع صفر مشاكل، إلى مجموعة متزايدة من المشاكل مع/ وفي أكثر من دولة في الإقليم، ولذا يسعى أردوغان إلى تقليص حجم التوتر مع بعض الدول، مثل السعودية والإمارات ومصر.

 داخليًا، استطاع تحالف أحزاب المعارضة الستة، وإلى جانبه أكبرها وأقدمها “حزب الشعب الجمهوري” الذي يقوده كمال كليجدار أوغلو، أن يجعل تداعيات أزمة اللاجئين السوريين ورقة ضاغطة على الحزب الحاكم، ولا تدخر تلك الأحزاب جهدًا في محاولتها تخريب لقاء أردوغان-الأسد المرتقب، حيث بعث حزب الشعب الجمهوري برسالة إلى رئيس النظام السوري، يعِدُ فيها بأنه -في حال فوزه في الانتخابات- سيعمل على تلبية شروط النظام السوري كافة، ويسحب القوات التركية من الأراضي السورية، ومن ضمنها إدلب، ويدفع تعويضات للنظام السوري[2].

وقد أضيفت إلى الملف، في هذا التوقيت، قضية الحُكم الذي صدر بسجن أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، سنتين وسبعة أشهر، ويُعدّ إمام أوغلو الذي يحظى بدعم فئة الشباب منافسًا محتملًا لأردوغان على منصب الرئاسة، الأمر الذي رأت فيه المعارضة، من حيث توقيته، إبعادًا له من حلبة المنافسة، وهو ما قد يحمل مخاطر على خطط الرئيس، بخاصة إذا ارتفعت الدعوات ليكون مرشح كتلة المعارضة، إذا يئسَ كمال كليجدار أوغلو من اتفاقهم على ترشيحه.

يستهدف أردوغان من الخطوات التي ستتخذها تركيا، بخصوص النظام السوري، تحقيق مصالحها الوطنية، خاصة إبعاد التنظيمات التي تصنّفها تركيا “إرهابية” عن حدودها الجنوبية، وفق تصريحات معظم المسؤولين الأتراك، مما يدلل على أن أهمّ ما يريده أردوغان، من هذا التحرك، تعديل اتفاقية أضنة التي عقدت عام 1998 بين الطرفين، بحيث تتمدد ضمن صيغةٍ ما إلى منطقة آمنة بعمق لمسافة 30 كم، بدلًا من 5 كم، بعدما يئس من موافقة الولايات المتحدة على إعلانها وفرضها.

ثانيًا: الموقف الروسي

طالما اجتهد الروس، في سياق تثمير “انتصارهم العسكري” في سورية، لتأمين تنسيق معين بين تركيا والنظام، الأمر الذي عُبّر عنه بمسار آستانة واجتماع سوتشي. والآن، بعد أن توّرط بوتين بغزوه لأوكرانيا، فقد بات الموقف الروسي أقلّ تأثيرًا ونفوذًا في سورية، وهذا لا يخفى على الأسد، كما لا يخفى على حليفته إيران، وباتت مصلحة روسيا أكبر من قبل في تحسين علاقات تركيا مع الأسد، لتكون منافسًا لإيران أيضًا، ولن يكون من الصعب على روسيا التفاهم مع تركيا حول مصالحها في سورية. وعلى الرغم من ترحيب القيادة الروسية بطلب الرئيس التركي تأمين لقائه بالأسد، فإن تصريحات بعض المسؤولين الروس البارزين، تعقيبًا على الطلب، تحمل رسالة مفادها أننا منفتحون على المحاولة، لكنها ليست مضمونة بالتوقيت الذي تريده[3].

من جهة أخرى، لا تثق تركيا كلّ الثقة باتفاقاتها مع روسيا، فقد عقدت تركيا عددًا من الاتفاقات مع روسيا، ولم تلتزم روسيا بتنفيذ بنودها، ما ترك توجّسًا عند الأتراك حيال عدم التزام الروس بما يوقعون عليه[4].

ثالثًا: الموقف الأميركي

لا تني الممارسة الأميركية في شمال سورية أن تؤكد أن قواتها باقية في سورية، وأنها ملتزمة بتحالفها مع “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد”، لمحاربة تنظيم (داعش)، وقد أكدت رفضها القاطع لأي عملية برية تركية على الحدود السورية التركية، وسيّرت دوريات مشتركة مع قوات (قسد) في مدينة الرقة، وأعلنت القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم)، في 16 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أنها “ما تزال ملتزمة بمواجهة التهديد العالمي من داعش، بالشراكة مع القوات المحلية”، والمقصود بالمحلية هنا “قوات سوريا الديمقراطية”[5].

وقد جددت الولايات المتحدة موقفها الحازم الرافض لأي تطبيع للعلاقات بين أنقرة ودمشق، إذ قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، يوم الثلاثاء 4 كانون الثاني/ يناير 2023، إن بلاده لا تدعم الدول “التي تعزّز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشّار الأسد، الدكتاتور الوحشي”[6].

رابعًا: الموقف الإيراني

توضّح الوقائع على الأرض أن النفوذ الإيراني في سورية بات مستحكمًا، أكثر من أي طرف آخر، ويبدو موقف إيران من لقاء أردوغان والأسد متناقضًا، فهي من جهة ترحب بأي خطوة في طريق عودة علاقات الأسد مع الأسرة الدولية، ولكنها من جهة أخرى لا ترى مصلحتها بأن تحوز تركيا نفوذًا في سورية، فهي المنافس القوي لإيران في سورية، ولديها نقاط قوة أكثر من إيران في حال عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، وقد عارضت بشدة، مع حليفها الروسي، العملية العسكرية البرية في اجتماع آستانة، الذي عقد في العاصمة الكازاخية بتاريخ 17 حزيران/ يونيو 2022، حيث تجاهل البيان الختامي المطلب التركي بشن عملية عسكرية في منطقتي منبج وتل رفعت، علمًا أن هناك ميليشيات تابعة لإيران في مدينتي نبل والزهراء، وطريق الوصول إليهما يمرّ عبر تل رفعت.

خامسًا: موقف النظام السوري

بلغ الوضع السوري حالة يصعب تدارك تدهوره، فالاقتصاد يعاني تراجعًا حدّ الانهيار، والنظام بات عاجزًا عن توفير المحروقات وتأمين أبسط مستلزمات الحياة للناس المقيمين في مناطق سيطرته، وبدأ هذا الوضع يُنذر بشلل عمل المؤسسات الحكومية، فالأزمة شاملة وشديدة، خاصة أن حليفيه الروسي والإيراني باتا غارقين بأزماتهما الاقتصادية بفعل العقوبات، وعاجزين عن مساعدته اقتصاديًا، ويقع بشار الأسد تحت ضغوط مركبة متضاربة في اتجاهاتها. فمن جهة، سيجد النظام السوري مصلحة له بتطبيع علاقته مع تركيا، إذا تجاوب الأتراك مع بعض من مطالبه المهمّة، على أمل بأن يكون ذلك خطوةً على طريق فك عزلته السياسية، العربية منها والدولية. ولكنه يقع تحت ضغوط إيران التي ترى في تركيا منافسًا قويًا لها في سورية، وضغوط روسيا من جهة أخرى، التي لها مصلحة في حدوث اللقاء وتطوير العلاقات، كما يقع تحت أوهام أن تحسين العلاقات مع تركيا الآن سيساعد أردوغان في الانتخابات التركية القادمة، في حين أن وعود المعارضة التركية تغريه أكثر.  وفي النهاية، لم يعد الأسد سيّد قراره.

سادسًا: استنتاجات

يعكس لقاء وزراء الدفاع الروسي والتركي والسوري، بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، استعجال الأطراف بفعل الدوافع الضاغطة عليها، من أجل إحراز تقدّمٍ ما على هذا الطريق، لذلك تكثر التكهنات والتوقعات -وهذا طبيعيّ- حول حظوظ الجهود الرامية إلى جمع الرئيسيين من عدمها، والفوائد التي قد يجنيها كل طرف، والعقبات القائمة في وجه كل احتمال.

قد تنجح الجهود في عقد مثل هذا اللقاء، قبيل الانتخابات التركية، ربما يكون ذلك في آذار/ مارس القادم، حسب بعض التوقعات. ويبدو أن الرئيس التركي يستعجل هذا اللقاء، بغية تحقيق عدة أهداف، وخاصة إضعاف تأثير ورقة اللاجئين السوريين، التي تحاول المعارضة استثمارها كورقة انتخابية، وتأمين موافقة النظام السوري وحلفائه على تعديل اتفاقية أضنه بصيغةٍ ما، بحيث تغطي عمق الـ 30 كم التي يريدها أردوغان منطقة آمنة، يُعيد إليها بعض اللاجئين السوريين ويتخفف من عبئهم. ومن جملة الأهداف توجيه رسالة للداخل التركي مفادها أن تركيا تسعى لتحسين علاقاتها مع دول الإقليم التي تعاني توترات، وأولها سورية، وأن هناك توجّهًا تركيًا جديدًا يخدم السلم الإقليمي، ويخفف من آثار الحروب القائمة (الدور التركي في الحرب الأوكرانية).

بينما يأمل الأسد أن يحصل على فتح الطريق  (إم 4) الذي يربط حلب بالساحل السوري، وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية غرب وشرق الفرات، والتخلي عن المعارضة السورية بشقيها السياسية والعسكرية، أو دفعها للبحث عن تسويات مع النظام بعيدًا عن القرارات الدولية، وإضعاف “قوات سوريا الديمقراطية”، وإرغامها على فك ارتباطها بالأميركان والعودة إلى حضن النظام، وكسر العزلة السياسية الخانقة التي يعانيها النظام، فهناك أكثر من دولة عربية وأوروبية ستجعل التطور التركي ذريعةً لتطبيع علاقاتها مع النظام، والاستفادة في المجال الاقتصادي، حيث يعاني اقتصاده تدهورًا غير مسبوق.

غير أن هناك عددًا من العقبات تقف أمام خروج نتائج ملموسة من هذا اللقاء، في حال حصوله، وأهمها معارضة الولايات المتحدة وعدم انسحابها من شرق الفرات، ثم إعراب جهات سورية وشعبية معارضة عن موقفها المعارض للقاء أردوغان الأسد، وقيام تظاهرات في شمال غرب سورية، ويضاف إلى ذلك معضلة التنظيمات المتطرفة التي يُشهر الطرفان حربه ضدها، وهي بالنسبة إلى تركيا “قوات سوريا الديمقراطية”، وبالنسبة إلى النظام هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقا” ومن وضعته تحت جناحها من فصائل، ولكلا هذين التنظيمين حيثيات يصعب حلها عند هذه العتبة من الصراع.

في حال عدم انسحاب الأميركان من شرق الفرات، لن يكون لدى النظام ما يقدّمه لتركيا. وفي هذه الحال، لن يفرط الرئيس التركي لا بوجود تركيا العسكري على الأراضي السورية، ولا بورقة المعارضة السورية، وليس في نية الأسد تقديم هدايا بدون مقابل للرئيس التركي، لا بتعديل اتفاقية أضنة، ولا بخصوص اللاجئين، وترتيبات منطقة آمنة، فضلًا عن الاعتراض الإيراني. ولذلك تبدو حظوظ خروج مثل هذا اللقاء بنتائج ملموسة، يسعى إليها كل طرف، شبهَ معدومة، ويمكن أن يعتبرها الطرفان مجرد جولة من مشوار طويل قد لا يكتمل.

[1] ) أردوغان: يمكن إعادة النظر في العلاقات مع مصر وسوريا بعد انتخابات يونيو، وكالة الأناضول، 17-11-2022، https://2u.pw/H70VVD

[2]) وعود مذهلة من حزب الشعب الجمهوري للأسد، صحيفة Türkiye Gazetesi، 20-12-2022 https://2u.pw/YgwkFj

[3]) وسائل إعلام عن لافرينتيف: روسيا تعمل على إعداد لقاء بين الأسد وأردوغان، روسيا اليوم، 2-12-2022، https://2u.pw/Y6Tzhp

[4] ) 1- الاتفاق الروسي التركي بخصوص الوضع في شمالي شرق سورية الذي أبرم في سوتشي بتاريخ 23  تشرين الأول/ أكتوبر 2019،على أثر عملية نبع السلام، ويعتبر أهم اتفاق، لم تلتزم روسيا بتنفيذه، 2- اتفاق 5 آذار/ مارس 2020 لوقف إطلاق النار في إدلب، وجاء بعد الضربات الجوية التركية لمواقع جيش النظام، الذي قتل 36 جنديًا تركيًا في قصف لمواقع الجيش التركي.

[5]) القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم) في منشور لها على موقعها في تويتر، 16-12- 2022 https://2u.pw/Fkwirp

[6] ) واشنطن تدعو لعدم التطبيع مع نظام الأسد بعد التقارب السوري-التركي، فرانس24، 4-1-2023، https://2u.pw/zysSsO

مركز حرمون

—————————-

استنساخ تلك التجربة في الشمال السوري/ أحمد رحّال

تكرّرت حوادث عدة في شمال غرب سورية، أو ما يُعرف بـ”المناطق المحرّرة” لم تكن محض مصادفة. كانت البداية مع “غزوة” أبو محمد الجولاني مدينة عفرين تحت ذرائع مختلفة، منها حماية الشمال من اللصوص والعصابات، رغم أن من ساندهم ودعمهم عسكرياً كان إعلام هيئة تحرير الشام التابع له يصفهم بأنهم خارجون عن القانون وقطّاع طرق، لكن ردّة فعل الحاضنة الشعبية، ورفضها المطلق وجود تنظيم الهيئة في مناطق غصن الزيتون، وخصوصاً عفرين، أفسد المهمة وأحبطها، خصوصاً بعد تدخل الجيش التركي الذي أعاد معظم الأمور إلى نصابها، وأجبر الكتلة الرئيسية من قوات الجولاني على الانسحاب من مدينة عفرين ومحيطها. وأكّد بعضهم أن تلك الخطوة كانت ضمن سلسلة إجراءات تصبغ “السواد” على الشمال مبرّراً لتسليمه لنظام الأسد.

لم تكد نار الاشتباكات البينية تهدأ في مناطق الشمال الغربي من سورية، وهي التي توقفت حروبها مع النظام بموجب تفاهمات وتوافقات روسية – تركية نجمت عن مسار أستانة، حتى تداولت الصفحات خبر وصول قائد اللواء الثامن، أحمد العودة، إلى إسطنبول لعقد اجتماعات ولقاءات وصفها لضيوفه بالمهمة والمفصلية، طالباً السرية فيها. واللواء الثامن وقائده أجزاء من تشكيل مليشياوي يسمّى الفيلق الخامس ابتدعته روسيا ليكون ذراعها العسكري الذي ينسّق مع الاستخبارات العسكرية في جيش الأسد ومع قاعدة حميميم. وتقع على عاتقه مهمة تأمين استرجاع أجهزة نظام الأسد الجنوب السوري (سهل حوران والقنيطرة)، وبسط الأسد سلطته على ما أمكن من الجغرافيا السورية التي خسرها في الجنوب السوري، لصالح فصائل الجيش الحر، لكن زيارة العودة واجتماعاته تسرّبت بـ”الصوت والصورة” إلى السوريين، وتبين أن المشروع الذي طرحه العودة على من اجتمع بهم يستند إلى هواجس حاول تسويغها بوصفها إجراءات ملزمة بأن سورية قادمة على عملية تدويل وتقسيم، وأن الحفاظ على وحدة التراب السوري جغرافياً يتطلب القبول ببقاء ببشار الأسد بالسلطة منعاً للتقسيم. وعلى أهل الثورة بالشمال التضحية مقابل وحدة سورية، بمعنى أن عليهم القبول بتسليم مناطق الشمال الغربي لنظام الأسد، الشمال الغربي الذي يضم محافظة إدلب وأريافها وكامل أرياف حلب الغربية والشمالية والشرقية، مع ما تبقى من أرياف اللاذقية، والتي يعيش فيها قرابة الستة ملايين مقيم مهجّر ونازح.

فجأةً، يتسرّب خبر آخر عن اجتماع حصل بين أبو ماريا القحطاني، مندوباً عن زعيم هيئة تحرير الشام، الجولاني، وعضو مجلس الشعب السوري أحمد درويش في قرية أبو دالي الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وسبق أن تسرّبت أنباء عن اجتماع سابق للأشخاص أنفسهم، وفي المكان نفسه عام 2018، نجم عنه بليلة وضحاها سيطرة جيش النظام على كامل مناطق “شرقي السكة” في ريف إدلب، أو ما تعرف بمناطق جنوب أوتوستراد “الإم 5” التي تضم قرابة 400 قرية، لكن الاجتماع الجديد كان لغايات أخرى، تهدف إلى تأمين عبور مئات من مقاتلي الهيئة عبر مناطق النظام إلى الجنوب السوري بالتنسيق مع لواء أحمد العودة ولأسباب مجهولة. وقيل إنه في أثناء وجوده في إسطنبول، التقى مع ممثل الجولاني من أجل تنسيق عملية نقل عناصر الهيئة إلى الجنوب.

مع تزايد زخم التصريحات التركية بالمصالحة مع نظام الأسد سرّبت أقلام صحافية عن معلومات تؤكّد حصول اجتماع في معبر كسب الحدودي، التابع لنظام الأسد في الخامس من الشهر الماضي (ديسمبر/ كانون الأول) بين شخصيات سياسية وعسكرية في المعارضة ونظام الأسد وبرعاية تركية – روسية، لتنسيق أمور تخص فتح الطريق الدولي (إم 4) وحركة المعابر البينية في الداخل السوري، لحق به خبر آخر نقله رئيس تحرير صحيفة Aydinlik التركية، مصطفى يوجال، خلال لقاء تلفزيوني جمعه مع رئيس حزب الوطن التركي، مؤكّداً أن رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن المصطفى، “يتزّعم” 12 فصيلاً، وقد اجتمع معهم في ولاية عنتاب التركية قبل أيام (بحسب قوله). وأبلغهم أنه حان الوقت للمصالحة مع النظام السوري، وطلب منهم أن يتهيّأوا للمرحلة الجديدة، مضيفاً أنه يجري، في الوقت الراهن، تجهيز الفصائل المسلحة على الأرض لهذه المرحلة.

قوبل كل ما سبق من أصحاب العلاقة بالنفي، لكن بعضهم تراجع عن نفيه، والإقرار بما حصل تحت ذرائع ومبرّرات مختلفة. وأصدر رئيس الحكومة المؤقتة، في هذا الخصوص، تصريحاً صحافياً يؤكد فبركة الصحافي التركي الخبر، وينفي ما ورد فيه جملة وتفصيلاً… وكثيرة حالات النفي التي حصلت سابقاً من شخصيات رسمية وأطراف يتبوأون مواقع مهمة في مؤسسات المعارضة السورية ووفودها. ومن ثم تبين أن تلك الأخبار حقيقية وليست مفبركة، خصوصاً في غياب أي جهة رقابية أو جهة تستطيع محاسبة المخلّين أو المبادرين لخطوات ليست في مصلحة الثورة وحاضنتها، لكن ما برز، أخيراً، من حوادث وصفقات واجتماعات متلاحقة تتفق جميعها أنها تصبّ في خانة تدجين الشمال، وتجهيزه لعودة مؤسسات النظام، وفق سيناريو مستنسخ تماماً عن سيناريو تسليم الجنوب السوري للنظام في عام 2018، وأن الجهود الحالية لبعض الأطراف التي تجتمع سرّاً منهمكة بالبحث عن تشكيل قوة عسكرية، قيل إنها ستكون لواء الشمال أو قوات الشمال التي ستناط بها مهمة في الشمال مشابهة تماماً لمهام اللواء الثامن في الجنوب، وتمارس مهامها بالتنسيق مع استخبارات الأسد العسكرية وقاعدة حميميم، على أن تكون القوة العسكرية تلك الجهة الرسمية الوحيدة التي يحقّ لها حمل السلاح خارج إطار الدولة بعد المصالحة مع نظام الأسد، وأن على من تبقى من مقاتلين تسليم سلاحهم فوراً، بخلاف واحدٍ عن تجربة الجنوب، أن مقاتليه امتلكوا خيار الرحيل إلى الشمال بعد رفضهم المصالحة مع الأسد، لكن الشمال، بوصفه آخر المحطّات الجغرافية السورية لم يعد لهم مكان آخر يمكنهم الرحيل إليه، وهم القادمون أصلاً من محافظات درعا ودمشق والغوطة والقلمون وحمص وحماه ودير الزور وحلب والساحل، رفضاً لمصالحات فُرضت عليهم في السابق.

كثيرة الطروحات التي باتت تروج في الشمال السوري من أجل قبول تلك الخطة التي يؤكّد مروّجوها عدم دخول مؤسسات النظام العسكرية والأمنية شمال غرب سورية، وأن جل من سيجرى إدخالهم هم أطقم الدولة الخدمية ومؤسساتها التي تشمل المياه والكهرباء وخدمات البريد والسجل المدني والعقاري وغيرها من خدماتٍ عادة ما تقدّمها الدولة للسكان في مناطق سيطرتها، وأن الجانب الروسي سيتحمّل مسؤولية الأمن في تلك المناطق، لكن العارف بحقيقة ما حصل في الجنوب السوري يدرك أن كل الوعود التي تُعطى للشمال ما هي إلا اجترار لتجربة الجنوب، وأن القوة العسكرية المراد تشكيلها في الشمال ما هي إلا عملية استنساخ لتجربة اللواء الثامن لأحمد العودة، وأن البدء بإدخال مؤسّسات النظام ستكون خطوة تتبعها خطواتٌ متلاحقة يجد في نهايتها الشمال نفسه مرّة أخرى عاد ليرزح تحت سلطات الأسد العسكرية والأمنية، وأن جيش النظام سيختلق الأسباب والذرائع لقضم المنطقة تدريجياً، وإعادة السيطرة عليها كما حصل ويحصل في أرياف درعا وسهل حوران منذ عام 2018. وستعيد أجهزة استخبارات الأسد تفعيل سياسة الاغتيالات وتصفية عناصر المصالحة التي جرت أحداثها في الجنوب السوري منذ عام 2018 ولم تتوقف حلقاتها، والتي حصدت أرواح مئاتٍ ممن يريد النظام التخلص منهم، لإدراكه وقناعته بأن هؤلاء لم ولن يقبلوا بعودة النظام، وأن دماء الثورة الرافضة حكم الأسد ما زالت تجري في عروقهم.

بات القلق والخوف والريبة في نفوس معظم المقيمين والنازحين والمهجّرين في الشمال السوري، وباتوا يتوجّسون خيفةً من اجتماعاتٍ ومؤامراتٍ تحاك سرّاً خلف الجدران، تكشف بعضها، لكن جلها ما زال حبيس الكتمان، وتجري كلها بغرض إخضاع ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرة الأسد وإعادتها إلى كنف النظام بعنوان روسي، وأن ما يجري الحديث عنه من تطبيق لقرار مجلس الأمن 2254 يتم لكن وفق قراءة الروس، وفق ما صرّح به أكثر من مرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية تطعّم ببعض عناصر المعارضة الموافقة على الاندماج في حكومةٍ تسمّى حكومة وطنية، يستلم فيها المطبّعون حقائب وزارية هامشية، وتبقي بشار الأسد بالسلطة، ومن ثم دمج فصائل المعارضة بجيش النظام ومؤسّساته الأمنية.

أحداث الشمال والترتيبات التي تحصل سراً وعلانية، وكل ما سبق، تظهر مرة أخرى حاجة السوريين لقيادة سياسية وعسكرية جديدة، قيادة من رحم الحاضنة الثورية، تتبنّى مطالبها وتعيد للثورة سيرتها الأولى، قيادة تؤكّد التمسك بثوابت الثورة التي غابت عن معظم مفاصل القيادات الحالية التي ما زالت تتصدّر المشهد.

العربي الجديد

————————–

مونديال الأحداث الكردية السورية في 2022/ شفان إبراهيم

عبر كرد سورية، كغيرهم من السوريين، إلى سنة جديدة، وتقول المرويات إنهم يأملون الخير الوفير والرخاء والأمان، ولعل مشهد إطلاق الرصاص بشكل همجي، وبمختلف الأسلحة الفردية، في ليلة رأس السنة، خير مُمهد لحال السنة الجديدة، خصوصاً أن “مُدمني” الأعيرة النارّية أصبحوا واجهات البلد الاجتماعية، بل راح بعضها يُعرّف عن نفسه نخباً ثقافية فكرية تحمل في جعبتها حلولاً كثيرة للمشكلات المستعصية، غير مفرّقين بين الجُعب المخصصة للسلاح والأخرى الرمزية للثقافة والإبداع. توقف كاتب هذه السطور أمام أحد المقاهي التي ترتادها تلك “النسخ من النخب” الجديدة، حيث دارت أغلب أحاديثهم في مستقبل البلاد كصور منسوخة عن توقعات أهل البخت والبصّارات والتنجيم، يقدّمون أحجياتٍ غامضة، لا تتعلق بجنس الحلول، أكثر من كونها أزمة جديدة تعصف بالواقع الكردي في سورية، أزمة الخطاب الشعبوي المقيت.

كان عام 2022 كسابقه من الأعوام لتكرار الهزائم الكردية في سورية، حيث ضياع الشعب أمام “الإدارة الذاتية”، وهزيمة الأخيرة في أغلب الميادين التي تقودها، وانتصارها على المجتمع الكردي. ولا يقال هذا من باب ندب المآل والبكاء عليه، ولا حتى جرّاء صدمة أصابتنا نتيجة للأوضاع التي نعيشها، بل فقط لنوضح حجم النكبات التي يتأقلم معها الكُردي في بلاده من دون عناء الخوض في تغييرها، وكأن لسان حالهم نتيجة طبيعية ومتوقعة، وليست مفاجئة حتى نرفضها. وللأمانة، هذه الهزائم امتداد لسلسلة إخفاقات يعيشها الكردي في سورية منذ عقدٍ على الأقل، وفي كل عام يتحسّرون على العام الذي قبله، فالكهرباء تزور المنازل، لتقول لهم “السلام عليكم” وتغادر فوراً، والمياه نتيجة انقطاعها الدائم عن الحسكة وريفها تحوّلت إلى سلعة أساسية للشراء اليومي، مثلها مثل الخبز والمازوت الذي يرتفع سعرهما من دون علم الوزير والوزارة والحكومة والمجلس التشريعي. آلاف الهكتارات الزراعية، ويستمر مسلسل استيراد الخُضَر والفواكه من عدة دول، معبرٌ يتيم بين الكرد وأشقائهم في كردستان العراق، يحتاج الكردي عشرات الوساطات للعبور، الأمراض المزمنة والأوبئة. التعليم قصة وحكاية خاصة، حيث يصرّح المسؤول بضرورة التزام الطلبة الكرد بلغتهم ومناهجهم، يقولها على عجلٍ من أمره، فهو مصرٌّ على استقبال ابنه من مدارس الحكومة السورية، التخوين والعمالة للآخر المختلف في أغلب المنازل، والإعلام الكردي نسي وتناسى مئات الملفات التي تهمّ الشأن الكردي، وتخصّص في فنون ملاحقة الكتّاب والصحافيين ذوي الميول السياسية أو الآراء المخالفة للسلطة، سياسة الاعتقالات والخطف لا تنتهي، ويبدو أنها لن تنتهي، المخدّرات تفتك بالشباب، وتنظيم داعش يحاول المستحيل للعودة إلى الساحة مجدّداً.

أغلبية المواطنين فقدت القدرة على العيش، أجور العمل متدنّية، وإن رفعت “الإدارة الذاتية” رواتب موظفيها أو صرفت منحة لمرّة واحدة إبرةً للتخدير، لكن تعدّي انهيار العملة عتبة السبعة آلاف مقابل الدور الواحد يعني أن الرواتب بالكاد تساوي 50 دولاراً أو أقل شهرياً، ويعني أنها لا تسدّ احتياجات المواطنين أكثر من ثلاثة أيام. وهذه الأزمة الاقتصادية عنيفة، ويبدو أن لا حلول لها، الوضع الاجتماعي والإنساني والتعليمي يتفاقم بسرعة مذهلة، والاحتجاجات تظهر بين حين وآخر في دير الزور وغيرها، مؤسسات الإدارة الذاتية تشعر بعجزها أمام بؤس واقع حال المواطنين، خصوصاً في مجالات الطاقة والمواد الاستهلاكية، هَجَر وهُجر الشعب إلى خارج البلاد، فالأمن الغذائي في أعلى درجات الخطورة، خصوصاً مع إحاطة الزراعة بجملة من المشكلات والقرارات التي تُشكل دائرة صُلبة من الأزمات التي تُحيط بالأمنين، الزراعي والبيئي.

الصناعة مفقودة، والتجارة لا تأتي بالنفع على المشتري والمجتمع المحلي. أما قطاعات الطب والصحة والعدالة والمحاكم، فهي في أكثر حالاتها قرفاً وفساداً. الخلاف الكردي – الكردي على أشدّه وفي أوجه، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تتحوّل إلى الهدف المشترك بين أغلب الفاعلين الأساسيين والثانويين حول سورية، ومصير ما بقي من شمال شرق سورية في أخطر حالاته، بعد أن أصبحت المناطق الخارجة عن سيطرة تركيا، مثل تل رفعت، منبج، كوباني، في خطر حقيقي، خصوصاً بعد لقاءات رفيعة المستوى بين تركيا والنظام السوري برعاية روسيا. وقد تكلم المجلس الكردي كثيراً عن التغيير وتطوير العمل، ويبدو أن الشيء الوحيد الذي غيره هو تغيير فكرة التغيير نفسها. أما “الإدارة الذاتية”، فهي هدفُ كل من يرغب في الفساد، بل مُبدعة في الفشل وتجميع أكبر قدرٍ ممكن من الأوجاع للقواعد الاجتماعية، فما الذي بقي من حالنا وحيواتنا؟

ذلك كله في كفّة، وما يعانيه الوسط السياسي الكردي من تخمة أعداد الأحزاب الكردية في كفّة أخرى، التي لم تقدم أيّ جديد، فهي إما تلتزم سياسات المجلس الكردي، فتصبح رقماً جديداً فيها مستفيدةً من أشياءٍ كثيرة، أو تجد لدى “الإدارة الذاتية” ما يُشبع حاجاتها فتلجأ إليها. فلماذا تنشقّ الأحزاب الكردية عن بعضها، وتنتهي أي فرص للعمل المشترك، لكنها تشتغل معاً ضمن إطارٍ أوسع؟ وما الحاجة لإعلان حزب جديد لا يُقدم أيَّ جديد، بل لا يتجاوز عدد أعضائه المنظّمين والموالين والمؤيدين أكثر من عشرة أشخاص في حالات كثيرة؟ لا تتمكن غالبية تلك الأحزاب من عقد مؤتمراتها، فهي إما تخاف من انشقاقٍ جديد، أو من تغيير في مواقع القيادة والسلطة، فيخسرون بوصفهم أشخاصاً، وهي بمثابة نهاية العالم لهم، لكن خسارة القضية والأرض والمستقبل يُمكن الحديث عنها عبر بيانٍ أو تصريح. ويبدو أن المال السياسي تحوّل إلى لُبّ القضية والمستقبل الكردي في سورية لدى قسم ليس قليلاً.

كل تلك الإخفاقات تُعنون بـ”الانتصارات المذهلة”، علماً أن أبشع حالات المرارة والانكسارات وأشدّها هي التي تعيشها القواعد الاجتماعية والسياسة الكردية. ولعل أحدهم سيقول إن هذا هو حال كل سورية، وهو قولٌ حق، لكن أحداً لا يملك كل هذه المعابر، والأراضي الزراعية، والنفط والغاز وطرق نقلها، والنقاط الحدودية، وعضوية في التحالف، والمعارضة السورية، و… إلخ، ويعيش هذه الحياة الجرداء، كما يعيشها كرد سورية، نحن المختنقين بانتصاراتنا الوهمية، ونعلم جيداً حجم الاستعصاء في مستقبل قضيتنا. وكالعادة، ستقول “الإدارة الذاتية” إن إقليم كردستان، وتركيا، والمعارضة، والنظام السوري، وروسيا، وكل الدول العربية، يحاربونها، من دون أن تسأل هي نفسها، لماذا كل هذا العِداء من كل تلك الجهات وفقاً لها. وسينتهي المطاف بالمجلس الكردي إلى القول إن “الإدارة الذاتية” تمارس أقصى درجات العنف ضدها، ولم تسأل نفسها لماذا انفضّ الناس من حولها جماعاتٍ وفرادى، ومن المستفيد من بطئه وضعفه!

إذاً، فشل كرد سورية في إدارة أمورهم، وهذه حقيقة، والغريب أن هياكل الحكم، على اختلاف أحجامها ونفاذها وقوتها، تصرّ على توهم أنهم في الطريق الصحيح. الحياة في هذه البلاد أشبه بمن فقد بصره ودخل حقل ألغامٍ مخيف، فالهزّات وصلت إلى منازلنا، ولا مجال لتجديد الأمل بإدارة الأزمات من جديد. وإذا كنّا لم نشهد بعد “الأجندات والخطط!” الكردية الجديدة، لكن ليس ثمة خيرٌ يُمكن توقعه، وكل المؤشّرات اليوم أسوأ مما كانت عليه الأعوام الماضية، بدءاً من الوضع الاقتصادي، وصولاً إلى الحريات وحقوق الإنسان، وآلية إدارة البلاد وتوفير المستلزمات المعيشية.

أمام هذا الانسداد الضخم في الآفاق والعلاقات والمعيشة والسياسة الكردية في سورية، هل يُمكن أن نتوقّع شيئاً جديداً للعام 2023؟ لا يعتقد الكاتب أن تحدُث المعجزات، وأن يتحوّل الكرد من متصارعين إلى راسمي السياسات، ولا قناعة لدى أحد الأطراف العسكرية والسياسية والقدرة على إسقاط الآخر، أو أن يتمكّن أحدهم من الانتصار المذهل والسيطرة المطلقة والتصرّف بوصفه نظاماً سياسياً وازناً ورصيناً. علماً أن أسوأ الأكلاف الباهظة، أن يُفكك المجلس الكردي، أو تنهار الإدارة الذاتية نهائياً، والعودة إلى ما قبل 2011، حينها نكون أمام أغلى الأثمان. وفي مقابل الهزائم المتكرّرة، المعادلة المأساوية هي في جعل المجتمع الكردي مجالاً خصباً لمزيد من التجارب، عوضاً من البحث عن مشتركاتٍ للتعامل مع الانسداد السياسي والمعيشي الحاصل. والأكثر غرابة أن من هُزموا يُفترض بهم إجراء مراجعة عميقة لتجربتهم وفشلهم، عوضاً عن الغوص في التآمر للحفاظ على مواقعهم، وكأنهم جزءٌ طبيعي من بقاء القضية الكردية.

لذا، تقتضي التطورات أعلاه الاعتراف بالهزيمة، في حدّه الأدنى أمام لقمة العيش، وضرورة طرح مشروع جديد. فالتعويل على استمرار السياسات السابقة، هو تأكيدٌ للنتائج نفسها، فالأمر في غاية التعقيد، وعقلية الثأر والإلغاء ما عادت تنجح أبداً، فالجائعون لا يبحثون عن كتلة من الشعارات والبيانات، بل عمّا يسند بطونهم، وهذا ليس تفصيلاً، بل أصل البناء السياسي، فهل من يحمل راية التغيير ويمنع مزيداً من التعفن أكثر، أو يبقى الارتهان هو الشعار الأساسي للعام الجديد؟ أم أن الأمل سيبقى معقوداً على مبادرات دولية لكل سورية، ومن ضمنها القضية الكردية، وحصول التغيرات المطلوبة في مراكز صناعة القرار؟ فمن فشلَ طوال عشر سنوات لن تنفع سياسة النفخ فيه مُجدّداً، فالميتُ لا يتحرّك بالأدعية.

العربي الجديد

————————

لقاء موسكو السوري التركي خطوة في الفراغ/ علي العبدالله

شكّل اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع وقادة أجهزة مخابرات أنظمة روسيا وتركيا وسورية محطة فاصلة بين مرحلتي إعلان قادة النظام التركي عن استعدادهم لتطبيع العلاقات مع النظام السوري والانخراط في خطواتٍ عمليةٍ على طريق تنفيذ هذه الاستعدادات. فقد عُقد اللقاء بعد اجتماعاتٍ عديدةٍ على مستوى قادة أجهزة المخابرات واتفاقهم على تصوّر مقبول لخروج النظامين التركي والسوري من حالة العداء والمواجهة إلى علاقاتٍ طبيعيةٍ عبر تقديم كل طرف للطرف الآخر وعودا بتلبية بعض ما يريده أو كله مع ملاحظة بقاء الأجواء بينهما ملبّدة بغيوم الشك وعدم الاطمئنان، جسّدها استمرار عمليات القصف المتبادل عند خطوط التماسّ ومواصلة إعلام النظام السوري وصف القوات التركية على الأراضي السورية قوات احتلال.

جاء اللقاء العتيد في لحظة سياسية دقيقة ومفصلية للنظامين، التركي والسوري، حيث يسعى الأول إلى توفير مناخ سياسي واقتصادي داخلي وخارجي لمعركته الانتخابية، الرئاسية والبرلمانية، التي ستجري في شهر يونيو/ حزيران المقبل، عبر وضع ملف اللاجئين السوريين على طريق الحل، بعدما نجحت أحزاب المعارضة التركية في تحويله إلى ورقة انتخابية في غير صالحه بربط المشكلات الاقتصادية، التضخّم الخطير 84.4% وانهيار سعر العملة الوطنية، التي خسرت أضعاف قيمتها، تراجعت من 3.5 إلى 18.5 ليرة مقابل الدولار خلال السنوات الأخيرة، والمعيشية التي ترتّبت على انهيار الدخل وارتفاع الأسعار والبطالة، بوجود اللاجئين السوريين، من جهة، وشدّ العصب القومي التركي، عبر تضخيم خطر “الإدارة الذاتية” في شمال سورية وشمال شرقها، بذريعة تبعية حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري) وجناحه العسكري، وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، لحزب العمال الكردستاني التركي، والإعلان عن القيام بعملية عسكرية برّية ضد مواقع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني) على طريق استكمال إقامة منطقةٍ آمنةٍ على طول الحدود التركية السورية، من جهة ثانية. في حين يسعى الثاني، النظام السوري، إلى إقناع راعيه الأول، روسيا، بمدّه بإكسير الحياة لمواجهة الانهيار الاقتصادي الشامل، عبر مدّه بحوامل الطاقة، لمواجهة توقف عجلة الإنتاج، وتسيير مؤسسات النظام الخدمية، الكهرباء والماء والتعليم والصحّة والنقل والاتصالات، وتمويل مشترياته من المواد الغذائية الرئيسة، الحبوب بشكل رئيس، لوقف تدهور صورته لدى مواليه وتنفيس الاحتقان الاجتماعي وتلافي ثورة جياع.

أراد النظام التركي تحقيق مكسب سياسي عبر الضغط على الإدارة الأميركية لتغيير مقاربتها للوضع السياسي والعسكري في سورية، والموافقة على تنفيذ عملية عسكرية برّية ضد “قسد” أو تنفيذ بنود اتفاق عام 2019 بسحب هذه القوات بعيدا عن الحدود إلى مسافة 30 كيلومترا، عبر التلويح بمصالحة النظام السوري، والبدء بمفاوضات أمنية معه، ما يعني التطبيع مع نظامٍ محسوبٍ على روسيا، وتغيير التوازن العسكري في شمال سورية وشمال شرقها لصالح الأخيرة، قبل أن تدفعه الظروف الاقتصادية واقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، ورفض الإدارة الأميركية مطالبه السابقة، إلى الهروب إلى الأمام، باقتراح خطّة عمل لتطبيع العلاقات بينه وبين النظام السوري من ثلاث مراحل: اجتماع أمني عسكري على مستوى قادة أجهزة المخابرات ووزراء الدفاع، اجتماع سياسي على مستوى وزراء الخارجية، وقمّة على مستوى رؤساء الأنظمة، تلقف النظام الروسي الخطّة في ضوء حاجته لإرضاء شريكه التركي، للتخلّي عن خطته القيام بعملية عسكرية ضد مواقع “قسد”، حفاظا على الاستقرار الهشّ القائم في شمال سورية وشمال شرقها، بوضع هواجسه إزاء ملف اللاجئين على جدول أعمال المفاوضات. ووضع الخطوة في إطار مساعدته في تهيئة المناخ لفوز انتخابي حاسم، من جهة، ولتوجيه الحربة التركية نحو الطرف الأميركي، راعي “قسد” ومشروعها في شمال سورية وشمال شرقها، من جهة ثانية. وتحقيق مكاسب للنظام السوري، تساعده في حل بعض المشكلات الاقتصادية المتفجرة عبر فتح الطرق لحركة السلع من وإلى مناطق سيطرته ودخول سلع تركية إلى هذه المناطق وفتح طرق الترانزيت بين تركيا ودول الخليج العربي وتحصيل عوائد مالية، لتحسين صورته لدى مواليه وتعزيز موقفه في وجه “قسد” وفصائل المعارضة السورية المسلحة، من جهة ثالثة، فعمل النظام الروسي على إقناع النظام السوري بجدوى الخطّة التركية وأهميتها لخططه لوقف الانهيار الاقتصادي، وتلبية الخطة التركية بعض متطلبات ذلك.

لم يجد النظام السوري بدًّا من الانحناء للعاصفة والانصياع للرغبة الروسية والقبول بالانخراط في التصور التركي ثلاثي المراحل، والمشاركة في اللقاء الثلاثي على مستوى قادة أجهزة المخابرات ووزراء الدفاع؛ والمراهنة، في الوقت ذاته، على تأجيل الاتفاق عبر وضع عصيّ في دواليب المفاوضات، لتمرير الوقت عبر طرح مطالب كبيرة ومحرجة للنظام التركي من سحب القوات التركية من الأراضي السورية، إلى وقف دعم فصائل المعارضة المسلّحة، مرورا بفتح الطرق وتسهيل دخول السلع التركية إلى مناطقه، لتخفيف مأزقه الاقتصادي، فخيار النظام الحقيقي عدم التطبيع مع النظام التركي الحالي، انتظارا لنتائج الانتخابات التركية علّ رياحها تأتي على هوى أشرعته بفوز أحزاب المعارضة التركية التي واصلت الانفتاح عليه ووعدته بسحب القوات التركية من الأراضي السورية، في حال فوزها في الانتخابات، وتعويضه عمّا ألحقته هذه القوات بالأراضي السورية من دمار، خصوصا وأن نظرتها إلى الصراع في سورية تتطابق مع نظرته، حيث إنها لا تتبنّى أيا من مطالب المعارضة السورية في التغيير السياسي، فالاتفاق مع نظامٍ غير التركي الحالي سيكون في صالحه، خدمةً لرؤيته التي تستند إلى تعطيل كل الحلول، إلى حين حدوث تغيّرات دولية تسمح/ تقبل عودة الوضع في سورية إلى ما كان عليه قبل عام 2011، من دون أي تغيير أو إصلاح، فانخراطه في التصوّر التركي بمراحله الثلاث لا يعني، بالضرورة، قبوله المطالب التركية بشأن عودة اللاجئين والدستور الجديد وتطبيق بنود القرار الأممي 2254.

لا يشكّل الاتفاق على الانخراط في المفاوضات بمراحلها الثلاث ضمانة أكيدة للوصول إلى اتفاقات شاملة لتفاصيل الملف السوري؛ فأمام الوصول إلى اتفاقاتٍ شاملةٍ عقبات وموانع ذاتية وموضوعية، لعل أولها الخلاف المديد بين الطرفين والمستوى الذي بلغه، بما في ذلك سفك الدماء وتبادل التهم والتجريح الشخصي، وصعوبة تبرير الانتقال من موقفٍ إلى نقيضه، بسهولة، فالمواقف عالية النبرة والانخراط الشخصي للقادة في السجال الإعلامي تجعل التراجع ثقيلا ومُحرجا. أما ثاني العوامل المانعة الوصول إلى اتفاقات شاملة ونهائية، فيكمن في موقف النظام السوري من عودة اللاجئين، حيث أكّدت تجارب ومحاولات إعادة لاجئين من لبنان والأردن عدم رغبة النظام في عودتهم، فعلى الضدّ من الإعلانات الرسمية جاءت إجراءاته العملية في مواجهة من عاد لتقول للاجئين عودتكم غير مرغوبٍ فيها، خصوصا أن عودة كثيفة في فترةٍ قصيرة تفرض عليه أعباءً ماليةً وخدميةً لا يملكها.

وثالث العوامل تباين مواقف الطرفين في ملف محاربة الإرهاب، حيث ليس ثمّة اتفاق على الجهات الإرهابية المقصودة، ومعايير الحكم على الجهات السياسية والعسكرية العاملة على الأرض؛ فكل منهما له إرهابيوه ويريد من الطرف الآخر التعاون معه للقضاء عليهم، خصوصا وأن تحديد النظام الإرهابيين يرتبط بنظرته إلى الحل الشامل، بإعادة الوضع في سورية إلى ما كان عليه قبل ثورة الحرية والكرامة. لذا يضع كل فصائل المعارضة المسلحة في خانة الإرهاب، كي يبعد مطالبها بالتغيير عن المفاوضات. ورابع العوامل وأكثرها دقّة وتأثيرا على المشهد تطلع النظام التركي لموقف أميركي يبشّر أو يعد، وعدا قاطعا، بإعادة نظر حول ملفات عالقة بين الطرفين، بما في ذلك دعم “قسد”، كي يعود عن التطبيع مع النظام السوري، فالخطوات الحالية جزءٌ من استدراج عروض أميركية، والعودة عنها سهلة وفي متناول اليد بالاستناد إلى تشدّد النظام السوري، في ضوء تقديرات تقول إن الأخير سيبقى عند مواقفه المعلنة من دون تعديل أو تغيير، حتى ولو في الشكل، لأنه يتصرّف على خلفية كونه منتصرا في الصراع في سورية، وينتظر فرصة لتجيير نتائج الصراع على سورية لصالحه. وهذا يضع مصير المفاوضات ونتائجها بيد الإدارة الأميركية. وخامس العوامل موقف إيران التي تجاهلها التحرّك الثلاثي، وهي ذات ثقلٍ على الساحة السورية، ولا يمكن أن تقبل الاتفاق على حلولٍ للملفات السورية على حساب مصالحها ودورها فيها، خصوصا وقد عزّزت مكانتها لدى روسيا عبر مساعدتها للخروج من مآزقها في أوكرانيا عبر مدّها بطائراتٍ من دون طيار، وتوجهها لمدّها بصواريخ باليستية قصيرة المدى.

في الختام، وبغضّ النظر عن العوامل المذكورة أعلاه، ودورها المحتمل في عرقلة التوصل إلى اتفاقات نهائية، يبقى المأزق كامنا في طبيعة الحل الذي يمكن أن تسفر عنه المفاوضات الحالية، في حال نجاحها، فحديث أطراف اللقاء الثلاثي عن تسوية الأزمة السورية لا يعني أنها التسوية المطلوبة، حتى لو ادّعت أنها تنفذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، لأن قراءة روسيا والنظام السوري له تُفرغه من مضمونه الحقيقي. كما أنه لا يمكن الركون إلى حلٍّ لا تشارك في الاتفاق عليه كل القوى صاحبة المصلحة في الحل، ولا يشتمل على تحقيق مطالب السوريين الذين دفعوا من دمائهم وشروط حياتهم أكلافا عاليةً من أجل استعادة حقوقهم التي استباحها النظام عقودا، فمثل هذا الحل وصفةٌ لاستمرار الصراع وتجدّده، فالمخرج المنطقي هو الذي يؤسّس لحلٍّ دائم يوفر فرص الاستقرار على قاعدة الرضا العام.

العربي الجديد

——————————-

الشارع المعارض والتطبيع التركي مع النظام السوري/ عبسي سميسم

مع تسارع المسار التطبيعي بين النظام السوري والحليف والداعم الأبرز للمعارضة السورية، تركيا، برز الموقف الشعبي في مناطق سيطرة المعارضة كصوت رافض بشدة هذا المسار، وذلك من خلال تظاهرات ووقفات احتجاجية شملت كل مناطق المعارضة، سواء تلك التي يسيطر عليها “الجيش الوطني” المعارض، أو المناطق التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً).

ويأتي هذا الحراك الشعبي في ظل الحديث عن جدواه في ظل تدويل القضية السورية، وعدم فاعلية أي من الأطراف السورية فيها، بدءا من الجهات التمثيلية السياسية والعسكرية لكل الأطراف، وانتهاء بالموقف الشعبي، الذي ينظر إليه على أنه الأقل تأثيراً في المشهد القائم، وحتى مسار التطبيع مع النظام جاء نتيجة توافق روسي تركي، وليس بناء على موقف النظام.

إلا أن الموقف الشعبي حالياً يأخذ دوراً مهماً ومختلفاً ربما حتى عن كل الأدوار السابقة التي أخذها، في حال جرت إدارته بشكل صحيح، لا يحرفه عن المسار الذي يسير عليه ويأخذه باتجاه مناح أيديولوجية، أو تحويله إلى مسار عداء لتركيا.

فتصاعد التظاهرات الرافضة للتطبيع التركي مع النظام، والرافضة لأي نوع من أنواع المصالحات معه، من شأنه أن يؤدي عدة أدوار يمكن أن تؤثر على هذا المسار، ربما تؤدي إلى إفشاله. ويؤدي الموقف الشعبي إلى تقوية موقف الجهات التمثيلية السياسية المعارضة التي لا تزال متمسكة بثوابت الثورة السورية، والرافضة لأي شكل من أشكال التطبيع مع النظام، أمام حليفها وراعيها التركي.

كما من شأنه فضح وإسقاط بعض رموز المعارضة، التي يمكن أن تحابي أو تبرر هذا المسار التطبيعي. كما أنه يساهم في فرز فصائل “الجيش الوطني”، والتفريق بين الفصائل التي تنفذ كل ما تطلبه تركيا بغض النظر عن توجهها، وبين الفصائل التي تعتمد ثوابت وطنية لا تستطيع التخلي عنها، وبالتالي تقطع الطريق على استخدام تلك الفصائل طابوراً خامساً على شاكلة “اللواء الثامن” في الجنوب.

وفي محافظة إدلب، التي استغلت “هيئة تحرير الشام” الحراك الشعبي فيها، وأعلنت وقوفها إلى جانبه، لإدراكها أنها لا يمكن أن تكون طرفاً في أية تسوية مع النظام، على غرار ما حصل في الجنوب السوري، فإن الحراك يمكن أن يكون أكثر فعالية نتيجة هذا الموقف.

وحتى بالنسبة للجانب التركي، فإن الأخير يعتبر المعارضة السورية وحاضنها الشعبي ورقة قوية بيده في مفاوضاته مع الأطراف الأخرى، وخاصة الروس، ولا يمكنه التفريط بها من دون تحقيق مكاسب كبيرة. وبالتالي، فإن الضغط الشعبي في تلك المناطق من شأنه أن يؤثر حتى على القرارات التركية في ملف تقاربها المعقد مع النظام، الأمر الذي يجعل من هذا الحراك ضرورة ملحة، والورقة الأقوى في يد المعارضة حتى الآن.

العربي الجديد

———————–

عروض أميركية مغرية لتركيا..لوقف التطبيع مع النظام

نشر عضو المجلس الوطني الكردي في سوريا علي تمي تفاصيل مقترح أميركي، قال إن واشنطن عرضته على تركيا، مقابل تراجع الأخيرة عن التطبيع مع النظام السوري.

وقال تمي وهو قيادي في “تيار المستقبل” الكردي، إن واشنطن عرضت على أنقرة “مشروعاً متكاملاً”، يتضمن سحب عناصر حزب العمال الكردستاني من مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومن الرقة ودير الزور، على أن تقوم تشكيلات عسكرية عربية مثل لواء “ثوار الرقة” بملء الفراغ في المحافظتين.

كذلك، اقترحت واشنطن، بحسب تمي، تشكيل قوة كردية محلية لإدارة بقية المناطق بالتوافق مع أنقرة، مضيفاً أن العرض ينصّ على فتح المعابر بين مناطق سيطرة قسد ومناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني المدعومة تركياً.

وقال تمي إن مصير مدينة عين العرب/كوباني، هو نقطة الخلاف الأبرز، حيث تطالب تركيا بالسيطرة عليها لوصل مناطق نفوذها في الشمال السوري، في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة ذلك. واعتبر أن موافقة أنقرة على العرض الأميركي، تُعد اعترافاً بالواقع العسكري السوري الحالي، وهو ما تحذره أنقرة.

وتواصلت “المدن” مع تمي، فأكد أن معلوماته مصدرها الدائرة المقربة من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مشيراً إلى اللقاء الذي جرى أواخر كانون الأول/ديسمبر 2022، بين وفد من ضباط أميركيين والقائد السابق للواء ثوار الرقة أبو عيسى، من دون حضور أي ممثل عن قسد، مضيفاً أن “هناك استراتيجية أميركية تقوم على دعم التشكيلات العربية في المرحلة الأولى، تمهيداً لتسليمها الرقة وريف دير الزور الشرقي”.

وحول ردة فعل الأخيرة، أشار تمي إلى “عرقلة” قسد للمقترح، لكنه قال إن “العرض الأميركي لا زال قائماً، ويبدو أن واشنطن لا تزال تنتظر الرد من تركيا”.

ويدل على ذلك، حسب تمي، إشارة منسق الأمن القومي الأميركي للاتصالات الاستراتيجية جون كيربي إلى أن بلاده تنتظر نتائج محادثات تركيا مع النظام السوري.

وكان كيربي قد قال في مؤتمر صحافي الجمعة، إن واشنطن لا تشجع أي دولة على تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، مضيفاً أن “بلاده لا ترى التقارب التركي مع النظام السوري خطوة صحيحة، لكننا سنرى إلى أين تذهب هذه المحادثات، وما الذي سينتج عنها في الواقع”، وقال: “لا أريد أن أستبق الأحداث، لكن بكل وضوح نحن لا ندعم التطبيع مع الأسد”.

وأحاب كيربي على سؤال عما اذا كان “الأكراد” في شمال شرقي سوريا سيدفعون ثمن التقارب بين تركيا والنظام السوري بالقول: “الإجابة المختصرة، لا”.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي باسل المعراوي أن “واشنطن غير مقتنعة بطريقة إدارة قسد، وخاصة لجهة تهميش العنصر العربي في صنع القرار”، مضيفاً ل”المدن”، أن واشنطن تغاضت إزاء سيطرة كوادر مهمة ومعروفة من حزب العمال الكردستاني على مفاصل صنع القرار داخل قوات سوريا الديمقراطية.

وتابع أن واشنطن ركزت فقط على الجانب العسكري (الحرب على داعش)، لكنها الآن مضطرة لإجراء إصلاحات في أماكن تواجدها، مؤكداً أن “واشنطن جادة في زيادة الاعتماد على التشكيلات العربية مثل لواء ثوار الرقة”.

لكن مع ذلك، يقول المعراوي إن “تركيا ماضية في المسار البديل، أي التطبيع مع النظام السوري بدعم روسي، وهناك لقاءات قادمة على مستوى وزراء الخارجية، وكل ذلك يدفعنا للقول إن أنقرة وضعت هذا المقترح جانباً”.

المدن

—————————

سوريا في 2023… حَدوَة الفَرَس!/ عبدالناصر العايد

في العام 2023، لن تسير الأمور في سوريا على المنوال الذي نشأ ابتداء من 2011، فالتناقض على طول الخط بين النظام والمعارضة لن يستمر في التباعد، ولن يتجاوز معدلاته الحالية، بل سيبدأ كلا الطرفين بالانحناء لبعضهما البعض، ويتقارب طرفاهما الأكثر تعارضاً ليدنوا من بعضهما البعض، كما تتقارب نهايتا حَدوَة الفَرَس، وليطغى توافق المصالح بالتدريج على تضارب الشعارات.

نظرية حَدوَة الفَرَس معروفة في الفلسفة السياسية، وأول مَن استخدمها الكاتب الفرنسي المعاصر جان بيار فاي Jean-Pierre Faye، وهي تجادل بأن أقصى اليسار وأقصى اليمين يشبه أحدهما الآخر، في الواقع، شبهاً كبيراً. وأن المنحى البياني للتموضع السياسي ليس خطاً مستقيماً يستمر في الابتعاد عن المركز. وأن نهايتيه، اليمن واليسار، يقتربان من بعضهما البعض في نهاية الأمر كما يقترب كل طرف من طرفي حَدوَة الفرَس من الطرف الآخر، أي أن المتطرفَين يشبهان بعضهما البعض. والمثال الذي تعتمده هذه النظرية في العلاقات الدولية هو اللقاء الشهير بين هتلر الفاشي وستالين الشيوعي، وتوافقهما في بداية الحرب العالمية الثانية من خلال ميثاق مولوتوف-ريبنتروب، لكن النظرية تستخدم أيضاً على نطاق واسع لتحليل وتفسير الكثير من الظواهر السياسية داخل البلد الواحد، وقد استخدمت بشكل ملحوظ في السياسة الفرنسية الراهنة، وفي حقبة ترامب في الولايات المتحدة الأميركية.

إن اعتقادنا بأن “حَدوة الفَرس” يمكن استخدامها لاستقراء الحالة السورية للعام المقبل ليس قراءة تأملية تثيرها مصادفة ما على صعيد المعرفة النظرية، وما يدفعنا إلى تبنيها حدث محوري قد يكون نموذجياً للتدليل على صلاحية تلك النظرية في مراحل معينة من التاريخ. والحدث هو الانعطافة التركية الحادة نحو نظام الأسد والمعسكر الذي ينتمي إليه، حيث لا بد من التساؤل حول المفارقات الأيديولوجية والأجندات المعلنة للطرفين، والتي تم تجاوزها بضربة واحدة، سواء لجهة الحقوق أو العدالة أو الموقف السياسي، أو حتى على صعيد الانتماءات بشقيها الديني/المذهبي والإثني، وأخيراً على صعيد المصالح الاجتماعية والسياسية للفئات التي يمثلانها.

ولأن المقام لا يتسع، سنكتفي هنا بتفحص حالة الطرفين الأكثر بروزاً في المشهد السوري، أي القوى السياسية والعسكرية المعارضة التي ظهرت على خلفية الثورة الشعبية السورية، والمدعومة من تركيا وبعض الدول العربية والعالم الغربي، والأسد ونظامه الحالي الذي تكوّن حول هدف قمع تلك الثورة، والمدعوم من إيران وروسيا وبعض الدول العربية. وبالنظر إليهما عن كثب نجد أنهما ربما لا يختلفان سوى في “الأيديولوجيا” التي يرفعها كل منهما كشعار معاكس للآخر، إذ أنهما يتوافقان في الواقع في أساليب العمل والتصورات كافة، سواء من حيث العنف، أو تبني مواقف ذات أبعاد طائفية ودينية وإثنية، والارتكاز في الحصول على القوة على حليف خارجي بالدرجة الأولى، يتجردان أمامه من كافة المبادئ والقيم الوطنية، كما يسعيان للهدف المركزي ذاته ألا وهو السلطة. ويقول المحللون المُعتقِدون بالنظرية المذكورة آنفاً، أن الرغبة في السلطة تقلل من الاختلافات بين أجندات الطرفين، وتجعل مصلحتهم الرئيسية، لا إفناء قوى بعضهما البعض في القتال، بل الحصول على القوة ومراكمتها لإخضاع المحكومين الواقعين تحت سلطتهم.

وبطريقة عملية، سيجد نظام الأسد، والمعارضة المكرسة بالاعتراف الدولي أو بشرعية السلاح، أن كلاً منهما يمكن أن يكون مفيداً للآخر، وأن مصلحتهما الآن تكمن في توافقهما وسيرهما معاً، إن لم يكن على طول الخط، ففي هذه المرحلة على الأقل التي يستطيع فيها كل منهما إلحاق الأذى بالآخر، وأن الظروف مواتية لاقتسام جِلد الدب بدلاً من تمزيقه. فالمكاسب الاقتصادية على وجه التحديد تقتضي وقف النزاع العنيف، وتنمية السلطة السياسية تحتاج إلى الهدوء، وانحناء كل طرف للآخر والاعتراف به.

أما بالنسبة للقابعين في الوسط بين طرفي الحَدوَة، أي الكتلة العقلانية التي حافظت على الاعتدال طوال مراحل الصراع، وتمسكت بالسِّلمية، أو كانت أقرب إليها، وبالوطنية والحلول الراسخة المستدامة المستندة إلى الديموقراطية وتداول السلطة والانتخابات،.. فموقف هؤلاء اليوم ليس على ما يرام. الجزء الواقع منهم تحت سيطرة النظام والمعارضة، أُنهك إلى ابعد الحدود، وهو سيقبل الخلاص بأي ثمن. أما الجزء الآخر، وهو المهاجر أو اللاجئ، فسيكون موقفه غير مبال بهذا التحالف، على اعتبار أنه لا يؤذيه طالما أنه لا يقع تحت سلطة التحالف الناشئ. وبالتالي فإن العزوف والاستقالة من الشأن العام، والخروج الصامت من الصراع الاجتماعي السياسي، ستكون ردود أفعال الغالبية العظمى من السوريين.

لا بد من الإقرار بأن كثيرين ممن حاربوا نظام الأسد، لم ينضموا إلى صفوف الثورة لأنهم ضد الظلم والاستبداد والوحشية، ولا لأن لديهم رؤية أكثر تقدماً لبلادهم ومستقبلها، بل لأن مصالحهم اقتضت ذلك. وعندما يصبح النظام ومعارضته الحالية قطباً واحداً، فعلينا أن نتوقع انتقال الأوضاع من سيء إلى أسوأ على الصعد كافة، السياسية والاجتماعية والمعيشية، وما لم يُدمَّر في مرحلة تصادم الفاشيتين، سيدمره تحالفهما بالتأكيد، وستعود الكرة إلى ملعب الغالبية السورية ذات السِّمة الوطنية والتوجه الديموقراطي ليصبح البحث عن مَخرج عقلاني استحقاقاً لا مفر منه، إن لم يكن في هذا الجيل، ففي الجيل التالي.

المدن

————————

المزحة السمجة عن تقارب الأسد وأردوغان/ كارمن كريم

لا نتائج ملموسة على المدى القريب في التقارب السوري-التركي، ربما نحن أمام طيش سياسي، أو محاولة لحسم ملفات حدودية ضحيتها السوريون مهما كانت الصفقة التي ستُبرم بين الأسد وأردوغان.

تقول النكتة السمجة أنَّ لقاءً سيتمُّ بين أردوغان والأسد قريباً، بهدف إحلال السلام في المنطقة، النكتة أن أردوغان سيلتقي بواحدٍ من أكثر رؤوساء الأنظمة دموية، لأنه الطريق الوحيد للسلام. يبدو أن الرئيس التركي يحتاج توضيحاً لمعنى السلام ومن هم  القادرون على إحلاله، خاصة حين يتعلق الأمر بنظامٍ لا يعرف سوى لغة القتل والتعذيب.

ستُنسى كل الشتائم المتبادلة بين النظامين وتذهب أدراج الرياح، فهل “أردوغان اللص” كما وصفه الأسد في عام 2019 لم يعد لصاً!، أم أنه أصبح لصاً لمصالح سياسية يجنيها من هذا التقارب. ترتبط النكتة السمجة في الحقيقة بتصريحات أطلقها الرئيس التركي  رجب طيب أردوغان قبل سنوات، حين هاجم النظام السوري قائلاً: “نحن لا نعتبر مطلقاً أن قتل الشعب السوري بالدبابات والمدافع عملٌ انسانيّ”، لا بل كان متأكداً من رحيل الأسد إذ قال: “تستطيع أن تبقى في السلطة بالدبابات والمدافع فقط لفترة معينة ليس إلا، وسيأتي اليوم الذي سترحل فيه أنت أيضاً”، فهل التقارب جزء من خطة ترحيل الأسد عن السلطة!.

 يعكُس التصريحان جزء من موقفٍ تركي امتدَّ لسنوات، كانت فيه تركيا واحدةٌ من أكبر الداعمين للثورة السورية ومناهضة لحكم الأسد، أمّا اليوم يصرح أردوغان أنه ربما يلتقي الأسد من أجل السلام في المنطقة، لكن ما الذي تغير بعد كلّ هذا الوقت، وكيف تحولت العداوة مع الأسد إلى هدفٍ منشود!.

لا مفاجأة من حدوث لقاءٍ عالي المستوى بين الأسد وأردوغان، إذ مهدت العديد من التصريحات خلال العام الفائت لهذا التقارب الذي توّج في روسيا، راعيةُ السلام الأولى، والتي تنشط ماكينة القتل فيها على جميع الجبهات، في أوكرانيا وسوريا معاً. استضافت روسيا اللقاء على مرأى من العالم، في رسالة لأهمية الدور الروسي في هذا التقارب، فبوتين الذي يحلم بثقلٍ عالميّ أكبر، لن يوفر فرصة ليقول أنه ترك أثراً سياسياً في الشرق الأوسط.

نحن أمام تحوّلٌ مدهش في الموقف التركي من نظام الأسد، فالانتقالُ من دعم الثورة إلى دعم النظام الذي قامت ضده الثورة يلفت الانتباه، الانتقال من دعم الضحية إلى مصافحة الجلاد،  أمر لا نستطيع إلّا التوقف عنده.  لطالما رفض النظام التركي سياسة القمع والتهجير التي اتبعها الأسد وحَمَلَ راية الإنسانية واستقبال ملايين اللاجئين السوريين، لكن فجأة ومن دون سابق إنذار أدرك هذا النظام، بطريقة أو بأخرى، أن خيار “الإنسانية” ليس الأفضل، وبخاصة في ظل التعقيدات الداخلية والمعارضة المتزايدة لسياسة أردوغان في التعامل مع اللاجئين السوريين، ووجود حزب العمال الكوردستاني على حدوده مع سوريا. يبدو أن أحد الحلول التي خطرت على بال أردوغان هو تسليم هذه المهمة لنظام الأسد، حتى لو لم يحصل هذا الأمر في القريب العاجل، لكنه تخلّص من “مصيبة” وترك الأسد يتكفّل بها.

المضحك المبكي في الصلح التاريخي بين الأسد وأردوغان أن قيمته عدميّة، يبدو كإنجاز للوهلة الأولى، لكن في الحقيقة، لا يتجاوز الأمر مصافحةً  فوق طاولة دمّ السوريين، يتلقى بعدها الثنائي عبارات التهنئة من أنظمة ليست أقل دموية. بكلمات أخرى،  قتلة ودكتاتوريون  يتصالحون بين بعضهم البعض، بينما السوريون يمرون بأوقات هي الأسوء عليهم اقتصادياً. المراوحة في المكان عنوان هذا التقارب والذي قد تكون تبعاته بلا أي قيمة للجانب التركي، أما النظام السوري فيكسب مزيداً من التعويم وضغطاً أكبر على المجتمع الدولي لفكّ الحصار والقطيعة معه، أما السوريون، فبطبيعة الحال لا ناقة لهم ولا جمل في هذه العلاقات سوى الضغوط التي قد تزداد على اللاجئين السوريين في تركيا.

تخبط داخلي تركي، وانتخابات يأمل أردوغان الفوز بها، بينما نقاط القوة التي يمتلكها قليلة ولا أفضل من البطاقة الأخيرة: “اللاجئين السوريين”، لكن هل هذه البطاقة ذات قيمة حقاً ؟ وإلى أي مدى يمكن الاستفادة منها على أرض الواقع؟. تأتي هذه الأسئلة في ظل عدم رغبة نظام الأسد الجدية في إعادة اللاجئين الذين قد يشكلوا عبء اقتصادياً جديداً عليه. من ناحية أخرى، من يرغب بالعودة إلى بلد تُفتح لكَ فيه بوابة الزنزانة قبل باب منزلك ؟. تبدو جميع التفسيرات لهذا التقارب غير مقنعة تماماً وذات أثر بسيط أمام الخطوة الكبيرة. ما يدفعنا للجزم  بأن هذه الخطوة ليست إلا طيشاً سياسياً، يعكس تخبطاً تركياً.

بدأ الأمر مع الإمارات ومن بعدها تركيا، ما يعني أن دولاً أخرى ستسير على طريق التصالح مع الأسد، لكن غياب وجود الإيراني ضمن كل هذا يثير أسئلة وتكهنات أخرى، فهل هو تحييد لدورها في الملف السوري؟.  تشي التطورات الأخيرة بالتركيز على طرفين أساسيين وهما التركي والروسي وخروج الإيراني بطريقة ما من المثلث الذي كان يدير القضية السورية، ساعد في ذلك ربما انشغال إيران بمشاكلها الداخلية وعدم رغبة روسيا وتركيا في توسيع نُفوذهما، ما يعزز هذه الفرضية، أزمة الوقود الأخيرة في سوريا، والتي لم تقدّم فيها إيران أي مساعدة. يمكن أيضاً تدليل فرضية أخرى،  لو مدت إيران سوريا بالنفط، فالثمن سيكون  تنازلات سيادية ستشكلُ عبء  لا يستطيع الأسد تحمّله.

لا يمكن تجاهل الغموض الذي يلفّ عودة العلاقات السورية – التركية، وبخاصة ألّا مكتسبات مهمة أو حتى كبيرة على المدى القريب، إلّا إذا كان هناك خطط سوسيولوجية بعيدة المدى تتعلق بالطموح التركي بالدرجة الأولى الذي يود أردوغان أن يكون جزء منه بطريقة او بأخرى.

يحتفل مؤيديو الأسد  بانصياع أردوغان أخيراً لـ”أسدهم”، بينما تُتهم المعارضة تركيا بخيانتهم، ليبدو التقارب التركي السوري، كمزحة سمجة، يلقيها أحدهم ويضحك كثيراً، إلّا أننا لا نجد فيها حتى سذاجة للضحك عليها.

فشل الأسد وأردوغان في إضحاكنا، وكمراهقين يتقاتلان على لعبة فيديو، يعودان للتصالح، وتشغيل اللعبة مجدداً، اللعبة التي يصدف أننا داخلها.

—————————

تصالح أردوغان مع الأسد صفعة للمعارضة السورية

حركة أحرار الشام تقول إنه على الرغم من تفهمها لوضع حليفها التركي فإنها لا تستطيع مجرد التفكير في المصالحة مع الأسد.

دمشق – قالت دوائر سياسية إن مد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يده إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، بعد سنوات من العداء، يمثل صفعة كبيرة للمعارضة السورية.

وأضافت المصادر أن تركيا، آخر حليف قوي لفصائل المعارضة، تعمل على تغيير مسارها وتتجه في انعطافة كبيرة نحو مصالحة مع دمشق خدمة لمصالحها الداخلية.

وقدمت تركيا دعماً قوياً ومأوى للمعارضين السياسيين لنظام الرئيس السوري بالإضافة إلى تدريب المعارضة المسلحة والقتال إلى جانبها ضد قوات الحكومة السورية.

لكن وزيري الدفاع التركي والسوري اجتمعا في موسكو يوم الثامن والعشرين ديسمبر، وقال مسؤول تركي إن جدول الأعمال تضمن موضوع الهجرة والمسلحين الأكراد المتمركزين على الحدود السورية مع تركيا. وأثار ذلك قلقاً لدى قوى المعارضة السورية السياسية والمسلحة.

وقال زعيم هيئة تحرير الشام، وهي جماعة مسلحة متشددة، في كلمة مسجلة إن المحادثات بين سوريا وروسيا وتركيا تمثل “انحرافاً خطيراً”.

في حال أعاد أردوغان العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد سنوات من الخلافات ستبقى سوريا بمثابة الجائزة الحقيقية

وقالت حركة أحرار الشام، وهي فصيل إسلامي آخر، إنه على الرغم من تفهمها لوضع حليفها التركي فإنها لا تستطيع مجرد التفكير في المصالحة مع الحكومة السورية.

ولم يبد التقارب التركي – السوري وارداً في أوائل الصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وجذب العديد من القوى الأجنبية وقسم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة.

ولا تخرج جهود المصالحة التي يستعجل أردوغان عقدها مع دمشق عن سياق خطة تصحيح مسار علاقات تركيا الخارجية بدفع من تصاعد مشاكل تركيا الاقتصادية وانقلاب المد السياسي في المنطقة ضده، ليسارع مع هذه المتغيرات إلى إعادة بناء الجسور مع جيرانه.

ويجادل محللون بأن المصالحة الكاملة بين أنقرة ودمشق ستكون عملية طويلة نظرا إلى عمق التصدعات في العلاقات التركية – السورية بما في ذلك دعم أنقرة للميليشيات الإسلامية المسلحة وتعاون النظام السوري في أكثر من مناسبة مع المسلحين الأكراد إضافة إلى ملف اللاجئين، وكلها أمور ترخي بظلالها على التقارب بين البلدين.

ولدى أردوغان دوافعه الداخلية الخاصة أيضا من المصالحة. وهناك غضب متزايد في تركيا بشأن استضافة 3.6 مليون لاجئ سوري، وتُظهر استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الأتراك يريدون رحيلهم، وهو الأمر الذي طالبت به أحزاب المعارضة التركية، الأكثر تعاطفاً مع الأسد، منذ فترة طويلة.

ومع تصاعد مشاكل تركيا الاقتصادية وانقلاب المد السياسي في المنطقة ضده، سعى أردوغان لإعادة بناء الجسور مع جيرانه وتقديم نفسه على أنه القائد الذي سيعيد السوريين إلى بلادهم.

وحتى في حال أعاد أردوغان العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بعد سنوات من الخلافات حول علاقات تركيا مع حماس ومعاملة إسرائيل للفلسطينيين، فستبقى سوريا، حسب محللين، بمثابة الجائزة الحقيقية.

—————————

تركيا تؤكد مواصلة اللقاءات مع نظام الأسد من أجل «مصالحها والشعب السوري»

قافلة أغذية تدخل مناطق المعارضة في الشمال… وتمديد آلية المساعدات أمام مجلس الأمن

أنقرة: سعيد عبد الرازق

أكدت تركيا أنها «ستواصل» مسار اللقاءات مع نظام بشار الأسد، من «أجل مصالحها ومصالح الشعب السوري وسلامته». وقال المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين، إن «الخطوات الملموسة التي سيتم الإقدام عليها، هي التي ستحدد سير هذا المسار بعد الآن».

وأكد كالين، في تصريحات عقب فعالية في إسطنبول ليل السبت – الأحد، أن الأجندة الرئيسية بالنسبة إلى تركيا في هذا المسار: «هي ضمان أمن الحدود، وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، واستمرار أعمال اللجنة الدستورية في إطار مسار آستانا».

وأشار إلى أنه «قد تُعقد بعض اللقاءات المتممة استكمالاً للقاء الأول، وسيكون هناك اجتماع لوزراء الخارجية؛ لكن لم يتحدد موعده بعد».

وعن الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع ورؤساء أجهزة مخابرات تركيا وروسيا وسوريا في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أوضح كالين أن الاجتماع كان «الاتصال الأول» بين تركيا والنظام السوري بعد أكثر من 11 عاماً، لافتاً إلى أنه «جرى في جو إيجابي».

وكان كالين قد أكد في تصريحات الأسبوع الماضي، أنه كانت هناك رسائل ومؤشرات إيجابية في الاجتماع الذي جرى في موسكو، وأنه يتعين تحويل ذلك إلى قرارات والتزامات. وقال: «إذا حدثت خطوات إيجابية بنية صادقة من الجانب السوري، فإننا سنرد بخطوات إيجابية من جانبنا أيضاً، ومن الممكن أن يتم إحراز تطورات مهمة وجيدة جداً».

واعتبر أن «الكرة الآن في ملعب النظام السوري، وأن تركيا مدت يدها وتأمل ألا تبقى يدها معلقة في الهواء»، مشدداً في الوقت ذاته على أن بلاده «لم تخذل المعارضة السورية من قبل، وأنها ستحافظ على دعمها لها وللشعب السوري».

وسبق للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أن أكد في تصريحات، الخميس الماضي، عقب اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، احتمال عقد اجتماع ثلاثي يجمعه بالأسد وبوتين، عقب لقاء قال إنه سيُعقد قريباً بين وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا وسوريا، للمرة الأولى، من أجل مزيد من تعزيز التواصل، بعد اجتماع وزراء دفاع الدول الثلاث في موسكو، بحضور رؤساء أجهزة المخابرات، في أرفع اتصال بين أنقرة ودمشق منذ عام 2011.

وأضاف إردوغان: «وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا سيلتقون بعد فترة قصيرة، وإذا كانت نتائج محادثاتهم إيجابية، فسنعقد محادثات على مستوى الرؤساء بالفترة المقبلة… قد نجتمع كقادة تركيا وروسيا وسوريا أيضاً لمناقشة السلام والاستقرار في سوريا، اعتماداً على التطورات… هدفنا هو إحلال السلام والاستقرار في المنطقة».

وتحاول موسكو إعادة العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، وتوسطت في اتصالات بدأت أولاً على مستوى أجهزة المخابرات، وتطورت إلى لقاء وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في موسكو في 28 ديسمبر، ومن المتوقع أن يعقبه لقاء مماثل لوزراء الخارجية في النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي، لم يتحدد مكانه بعد، حسبما أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عقب اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الأسبوع الماضي.

في غضون ذلك، دخلت قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة مؤلفة من 18 شاحنة باتجاه مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» والفصائل في إدلب، قادمة من مناطق سيطرة قوات النظام عبر معبر ترنبة بريف إدلب الشرقي، وسط استنفار أمني مكثف لعناصر «الهيئة» على طريقي: سراقب- إدلب، وسراقب- أريحا، حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

وتعد هذه هي القافلة الأولى التي تدخل مناطق سيطرة الهيئة منذ مطلع يناير الحالي. وكانت قوافل كثيرة مماثلة قد دخلت المنطقة العام الماضي بالطريقة ذاتها. والأسبوع الماضي، حذر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، من خطورة عدم تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر تركيا إلى شمال غربي سوريا، من خلال معبر «باب الهوى»، وهو المعبر الوحيد المخصص لدخول المساعدات، وسط مؤشرات على أن روسيا يمكن أن تقبل بتمديدها، بعد انتهاء المدة الحالية. وأكد دوجاريك -في تصريح لوكالة «الأناضول» التركية- أن موقف الأمم المتحدة واضح في هذا الشأن، داعياً إلى تمديد آلية إيصال المساعدات «من أجل الملايين الذين يعيشون على هذه المساعدات».

واعتمد مجلس الأمن، في 12 يوليو (تموز) الماضي، قراراً بتمديد آلية المساعدات الإنسانية إلى سوريا، عن طريق معبر «باب الهوى» المقابل للحدود التركية لمدة 6 أشهر. ويصوت مجلس الأمن الدولي، الاثنين، على تمديد الآلية، قبل يوم من انتهاء صلاحية الموافقة الحالية.

ويلزم لتبني القرار تأييد 9 أصوات من أعضاء المجلس الـ15، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو). كما يتعين الحصول على إذن المجلس؛ لأن النظام لم يوافق على العملية الإنسانية التي تقدم مساعدات تشمل الغذاء والدواء والمأوى للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا منذ عام 2014.

وقال نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي: «ما زلنا ندرس الإيجابيات والسلبيات… تنفيذ قرار مجلس الأمن الحالي الذي تم تبنيه في يوليو بعيد عن توقعاتنا… روسيا تتشاور مع سوريا، والقرار النهائي ستتخذه موسكو يوم الاثنين».

وتقول روسيا إن آلية المساعدات الحالية «تنتهك سيادة سوريا، وإنه يجب تسليم مزيد من المساعدات من داخل البلاد»، ما يثير مخاوف المعارضة من أن الغذاء والمساعدات الأخرى ستقع تحت سيطرة الحكومة.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تقرير لمجلس الأمن، إن شحنات المساعدات من داخل سوريا «لا تزال غير قادرة على استبدال حجم أو نطاق عملية الأمم المتحدة الضخمة عبر الحدود».

——————————

انقسام عربي إزاء التطبيع السوري ـ التركي… وشروطه/ إبراهيم حميدي

جهود إماراتية للمشاركة في الاجتماع الوزاري… وواشنطن تتوسط بين أنقرة والأكراد

تسعى الإمارات للانضمام بمستوى رفيع، إلى روسيا في رعاية التطبيع السوري – التركي، في وقت تحاول أميركا ودول عربية وقف تقدم «قطار التطبيع» أو وضع شروط و«محطات» لاستكمال رحلته إلى وجهته النهائية بعد تحديد معالمها، ما يشير إلى وجود انقسام عربي إزاء التطبيع.

حسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، يجتمع وزيرا الخارجية السوري فيصل المقداد والتركي مولود جاويش أوغلو، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو، يوم الأربعاء المقبل، وسط جهود لترتيب مشاركة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد في اللقاء ليصبح رباعياً.

ومن المقرر أن يمهد هذا اللقاء الثلاثي أو الرباعي، إلى قمة تضم الرؤساء: الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والسوري بشار الأسد. وحسب المعلومات، فإن الإمارات عرضت استضافة هذه القمة، فيما تردد احتمال مشاركة مسؤول إماراتي رفيع فيها في حال عقدت في موسكو، علماً بأن الأسد زار الإمارات منتصف العام الماضي، والتقى رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد.

وبحثت هذه الأمور في اللقاء الذي ضم الأسد والشيخ عبد الله في دمشق، الأربعاء الماضي، في ثاني زيارة للوزير الإماراتي إلى دمشق بعد نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ووصف الأسد العلاقات بين البلدين بأنها «تاريخية، ومن الطبيعي أن تعود إلى عمقها الذي اتّسمت به لعقود طويلة؛ خدمة لمصالح البلدين والشعبين»، وفقاً لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا). ونقلت الوكالة عن الشيخ عبد الله تأكيده «دعم بلاده لاستقرار سوريا وسيادتها على كلّ أراضيها». كما أكد «التزام وحرص دولة الإمارات على دعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية يعيد أمن واستقرار ووحدة سوريا».

– خريطة طريق

وفي المعلومات أيضاً، أن وزير الخارجية التركي يخطط لزيارة واشنطن يومي 16 و17 الشهر الحالي؛ لإطلاع المسؤولين الأميركيين على تطورات التطبيع مع دمشق، ولقائه بالمقداد، و«خريطة الطريق» التي ترعاها روسيا في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، بموجب اتفاق وزراء الدفاع وقادة الاستخبارات، في سوريا وتركيا وروسيا، في الأسابيع الماضية، بما في ذلك الإقدام على ترتيبات في شمال شرقي سوريا، حيث تنتشر قوات أميركية لدعم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ضد «داعش».

وقال دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط»، إن مسؤولاً أميركياً رفيع المستوى سيزور أنقرة في الساعات المقبلة، في إطار جهود للوساطة بين تركيا والأكراد في شمال شرقي سوريا.

وتطالب أنقرة موسكو وواشنطن بالتزام تنفيذ اتفاقات عسكرية وقعت في شكل ثنائي في نهاية 2019، وتضمنت انسحاب «وحدات حماية الشعب» (الكردية) العماد الأساسي في «قسد» من منطقة عازلة شمال سوريا بعمق 30 كلم من حدود تركيا ومن منطقتي منبج وتل ورفعت، إضافة إلى سحب السلاح الثقيل من هذا «الشريط».

وتقول «قسد» إنها نفذت التزاماتها، ولن تسحب قوات الشرطة (الأسايش) وتفكك المجالس المحلية، مقابل إصرار تركيا على تفكيك جميع المؤسسات الكردية العسكرية والمدنية هناك.

وترمي الوساطة الأميركية للبحث عن «حلول وسط» بين الأكراد وأنقرة تحول دون توغل تركي جديد قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة منتصف العام الجاري. ويراهن الرئيس إردوغان على حاجة واشنطن وموسكو له بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. وبات إردوغان منفتحاً على لقاء الأسد؛ للاتفاق على ترتيبات ضد «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات الحماية» شمال شرقي سوريا، وتأسيس مناطق آمنة تعيد لاجئين سوريين من بلاده التي تستضيف نحو 4 ملايين سوري.

وقال دبلوماسي آخر إن أنقرة «لم تكن مرتاحة لتسريبات جاءت من دمشق بعد لقاء وزراء الدفاع السوري والتركي والروسي في موسكو، وتضمنت أنها وافقت على الانسحاب الكامل من شمال سوريا». لكن الدبلوماسي قال: «صحيح أن أنقرة ودمشق تعتبران حزب العمال الكردستاني تهديداً مشتركاً، وأنهما ستعملان ضد أي أجندة انفصالية لأنها تهديد وجودي للبلدين»، وأن البلدين «سيعملان على فتح طريق حلب – اللاذقية».

– تنسيق رباعي

زيارة الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق، جاءت بعد بيانات رسمية أميركية «تعارض التطبيع مع الأسد»، صدرت غداة الاجتماعات السورية-التركية. وأفاد دبلوماسي بأن الخارجية الأميركية التي كانت الوحيدة بين الدول الغربية التي أصدرت بياناً ضد التطبيع، «عملت وتعمل مع باريس وبرلين ولندن للخروج بموقف رباعي يعلن بوضوح الموقف الرافض للتطبيع».

وتجري اتصالات لعقد لقاء بين ممثلي الدول الأربع ومبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن في جنيف في 23 من الشهر الحالي، قبل زيارته إلى دمشق للقاء المقداد، لـ«تأكيد الموقف من التطبيع، وتأييد تقديم تمويل لمشاريع تخص الكهرباء، ضمن التعافي المبكر» الذي نص عليه القرار الدولي الخاص بالمساعدات، والذي يجري العمل على تمديده قبل العاشر من الشهر الحالي. هنا، تقترح الإمارات المساهمة في تمويل مشاريع اقتصادية والكهرباء في سوريا، وفق ما تسمح به العقوبات الأميركية و«قانون قيصر».

وكان لافتاً أن الأردن، الذي كان أول من فتح الأقنية على أرفع مستوى مع دمشق، ودعم توقيع «هدنة الجنوب»، واتفاق وقف التصعيد بين روسيا وأميركا في منتصف 2018، يقود حالياً جهوداً مع دول عربية للتوصل إلى «موقف عربي مشترك يحدد المطالب العربية مقابل التطبيع، دون أن يكون مجانياً». وأوضح مسؤول غربي: «الأردن يقول إن تهريب الكبتاغون والسلاح والذخيرة عبر الحدود السورية، زاد بعد بدء التطبيع، وأن الوجود الإيراني لم يتراجع في الجنوب قرب الحدود الأردنية، إضافة إلى اتساع نشاط داعش هناك»، لافتاً إلى وجود مطالب بالتنسيق للضغط على دمشق لتقديم خطوات سياسية وجيوسياسية في المرحلة المقبلة.

إلى ذلك، قال مصدر عربي، إن وفداً من «حماس» يضم نائب قائد الحركة في غزة خليل الحية والقيادي أسامة أبو حمدان، سيزور دمشق في الأسبوع المقبل، بحيث تكون أول زيارة ثنائية منذ خروج قيادة الحركة من العاصمة السورية قبل عقد، علماً بأنهما كان ضمن وفد فلسطيني التقى الأسد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقالت مصادر إن زيارة الحية وأبو حمدان ترمي إلى البحث في عودة وجود دائم للحركة في سوريا، وترتيب حصول زيارات قيادية إلى دمشق.

————————

حلب هي الحل/ محمد بن المختار الشنقيطي

رغم اللغط الكثير عن سعي تركيا إلى المصالحة مع نظام الأسد، وإعادة المهجَّرين السوريين إلى بلادهم، ضمن تفاهم بين الطرفين ترعاه روسيا، فإن النظرة العملية تدل على أن هذا الأمر بعيد المنال في الأمد القريب، وأنه ليس من مصلحة تركيا على المدى البعيد. ويحاجِج هذا المقال بوجود حلٍّ لقضية المهجَّرين السوريين إلى تركيا، لا يتضمَّن مصالحة مع الأسد، ولا إرجاع السوريين قسرا إلى بلادهم، ولا بقاءهم في تركيا، بل رجوعهم إلى سوريا بكرامة، بالتوازي مع تحقيق مكسب إستراتيجي جوهري لهم ولتركيا. هذا الحل هو استرداد مدينة حلب من يد النظام السوري عبر الضغط التركي على روسيا.

ولسنا نقلل من شأن المصاعب والعوائق التي تقف في وجه هذا الحل، لكنه يبقى أكثر الحلول العملية انسجاما مع مصلحة الشعب السوري ومع المصلحة الإستراتيجية التركية، كما أنه ليس حلا مستحيلا، إذا توفرت له العزائم السياسية والرؤية الإستراتيجية التي تقتنص فرص الاستقطاب الدولي الناتج عن حرب أوكرانيا.

لقد ربطت الثورة السورية بين مصير الشعب السوري والشعب التركي برباط وثيق، حيث اختلطت الدماء في الميدان، وتعمَّقت الوشائج البشرية والاقتصادية والثقافية. وهي وشائج لها جذور تاريخية ضاربة في التاريخ، فقد كانت حلب -منذ قرن واحد فقط- ثاني أكبر حاضرة في الإمبراطورية العثمانية بعد العاصمة إسطنبول.

ولا تزال حلب “مدينة سياسية” و”مدينة حساسة”، كما وصفها عباس محمود العقاد في كتابه عن المفكر الحلبي عبد الرحمن الكواكبي. صحيح أن عهد الإمبراطوريات قد ولى إلى غير رجعة، فلم يعد من الوارد أن يحكم الأتراك العرب، ولا العرب الأتراك، لكن بقيت بين الشعبين أرحام إنسانية وثيقة، وقربى ثقافية عميقة، ومصالح إستراتيجية راسخة، وهذا النسيج المركب يحدد معالم المصير المشترك بين الطرفين.

وليس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمتهم عندي في الشعب السوري، ولا في الثورة السورية. فقد وقف مع الثورة السورية ومع الثورات العربية في ساعة العسرة، وبذلت تركيا بقيادته ثمنا سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا باهظا، جراء هذا الموقف المبدئي والإستراتيجي المنحاز لحرية الشعوب العربية وكرامتها. وقدمت تركيا الكثير في نصرة الشعوب العربية الثائرة، واستقبلت ملايين العرب المهجرين من أوطانهم ظلما وعدوانا، فكفلت لهم العيش في أمان وحرية، بعد أن ضاقت بهم ربوع بلدانهم، واضطهدهم قادة أوطانهم. وليس من الوارد أن تُهدر القيادة التركية هذا الاستثمار الإستراتيجي في الثورة السورية، أو تفرط في الرأسمال المعنوي الذي بنته تركيا لدى الشعوب العربية خلال العقد المنصرم.

صحيح أن تركيا ليست قوة عظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهي لا تملك الموارد البشرية والعسكرية والمالية التي كانت تملكها أميركا حين هبَّت لإنقاذ أوروبا من النازية مثلا، كما أنها لا تستطيع الوقوف وحدها في وجه القوى الدولية المتعاضدة على حرمان الشعوب العربية من الحرية واستقلال القرار، فضلا عن أن صراع الحرية في الدول العربية لن ينجح إلا بفعل القوى الذاتية، مهما قدمت له تركيا من دعم وإسناد، وصحيح أن تركيا -بحكم الموقع- لديها مصالح إستراتيجية مع أطراف شتى، بما فيها الأطراف المتورطة في دعم النظام الدموي بدمشق، لكن تركيا قوة إقليمية صاعدة، وقيادتها تملك البصيرة السياسية والحاسة الإستراتيجية، فلا يزال لديها الكثير مما تستطيع فعله في الملف السوري، ضمن حدود الزمان والمكان والإمكان.

إن قضية إرجاع السوريين المقيمين في تركيا إلى بلادهم قد لا تتجاوز التسريبات الإعلامية والتصريحات السياسية ذات المدلول الانتخابي، والناظر إلى الموضوع بحاسة سياسية وروح عملية يدرك أن الأمر ليس بالسهولة التي يتحدث عنها الإعلام، أو يزايد بها السَّاسة. فإرجاع بضعة مواطنين إلى أي دولة من دول العالم قسرا وقهرا أمر معقد من كل النواحي: الأخلاقية والإنسانية والقانونية، فضلا عن آثاره على صورة الدولة التي تفعل ذلك، وعلى سمعتها ومكانتها في قلوب الشعوب وفي العالم أجمع.

القيادة التركية ذات حاسة إستراتيجية مرهَفة، وطموح سياسي عظيم، واعتداد كبير بالذات، وهي تسعى لتحويل بلادها من قوة إقليمية إلى قوة عالمية، طبقا للشعار المحبب إلى الرئيس أردوغان: “العالم أكبر من خمسة”. ولن تورط تلك القيادة نفسها في مغامرة إرجاع أكثر من 3 ملايين سوري إلى سوريا قسرا، وهي تدرك أكثر من غيرها أن الأمر مستحيل عمليا. وحتى لو افترضنا أنه ممكن التنفيذ -وهو افتراض خاطئ- فإنه تترتب عليه آثار سلبية ضخمة لا تستطيع تركيا تحملها: إنسانيا وقانونيا وأمنيا ومعنويا.

إن السعي إلى إعادة السوريين قسرا إلى أحضان حاكم سفاح، وبضمان دولة كبرى يقودها حاكم آخر سفاح، هو دفع بملايين السوريين داخل تركيا وفي الشمال السوري إلى حافة اليأس، وهو أمر يناقض الحكمة السياسية القائلة بعدم حشر الخصم في الزاوية، أو دفعه إلى “قتال اليائس”. هذا عن الخصم والعدو، فكيف بالصديق والحليف! ففي سوريا اليوم يوجد عشرات الآلاف ممن لديهم تجربة قتالية وأيديهم ملأى بالسلاح، كما يوجد ملايين ممن لديهم خبرة المواجهة النضالية المدنية مع النظام السوري، وليس لدى هؤلاء ولا أولئك ما يخسرونه بعد أن خسروا كل شيء. فالدفع بهم إلى خيارات يائسة ليس من مصلحة تركيا سياسيا وأمنيا، ولا من مصلحة الشعب السوري بطبيعة الحال.

وقد ينتهي هذا المسار -إذا أريد فرضه بالقوة- إلى الدفع بآلاف الشباب إلى العودة إلى مسارات الغلو والتطرف التي انحسرت كثيرا بعد التدخل التركي في الشمال السوري. والأسوأ من ذلك -من منظور الأمن القومي التركي- هو الدفع ببعض الفصائل الثورية السورية إلى الانحياز إلى المليشيات الانفصالية في شمال شرق سوريا، مما يعني تعاظم الخطر الأمني على الدولة التركية ووحدتها وانسجامها الاجتماعي.

ينضاف إلى ذلك أن هذا الخيار يقود إلى تفريط تركيا بكل الاستثمار السياسي والاقتصادي في الشمال السوري، وهذا أمر مستبعد، فالمتابع للسياسية الخارجية التركية بإمعان يجد أنها قد تنقصها روح المبادرة والمخاطرة أحيانا، وأنها تتحرك غالبا بحذر شديد وحيطة زائدة، لكنها لا تفرط في المكتسبات التي تحصل عليها بالكثير من الصبر الإستراتيجي، فتفريط تركيا في ما أنجزته في الشمال السوري غير وارد.

إن أكثر ما يمكن لتركيا تحقيقه من المصالحة مع الأسد، وتسليمه المناطق السورية التي تخضع الآن لسيطرة تركيا وحفائها من الثوار، هو أن يتولى الأسد ضبط الأمن في المناطق التي تسيطر عليها اليوم المليشيات الانفصالية في شمال شرق سوريا، فيُعفي ذلك تركيا من مواجهة التهديدات الأمنية النابعة من تلك المناطق. لكن أي تعويل تركي على التزام النظام السوري أو الضمان الروسي في هذا المجال لن يكون سديدا؛ فقد أصبح للأميركيين اليد الطولى في تلك المناطق، وهم حريصون -ضمن لعبة تمزيق المنطقة واستنزافها- على منع أي قوة من تصفية المليشيات الانفصالية، علما بأن دعم أميركا للمليشيات الانفصالية مجرد لعبة قذرة لتمزيق المنطقة وهدْم مناعتها، وواهم من يظن أن الأميركيين سيبنون له دولة قومية مستقلة، فلو كانوا ينوون ذلك حقا لأنشؤوا دولة كردية في العراق حين كانوا يحتلونه تماما.

وإذا كانت تركيا بقوتها العسكرية الضاربة، وبحلفها الإستراتيجي القديم مع الولايات المتحدة، لم تستطع تجاوز هذا الحاجز الأميركي المنيع، ولم تستطع تصفية المليشيات الانفصالية في شمال شرق سوريا بسبب الرعاية الأميركية، فلا يتوقع من النظام السوري أن يستطيع ذلك أو يجرؤ عليه. هذا إذا افترضنا أن النظام السوري سيكون صادقا في مصالحته مع الأتراك، وهو أمر غير وارد قطعا، بسبب أيديولوجيته البعثية، وعصبيته الطائفية، وارتهانه لمآرب إيران، وحقدِه العميق على تركيا بسبب دعمها للثورة السورية على مدى عقد من الزمان.

ولعل سائلا يسأل: ما العمل؟ فإذا كانت المصالحة مع الأسد لا تفيد تركيا، وهي مجحفة بالشعب السوري، وكان إرجاع السوريين لبلادهم قسرا أمرا متعذرا من الناحيتين الأخلاقية والسياسية، فما الذي في وسع تركيا فعله؟ وما الذي يتعين على الثوار السوريين المراهنة عليه؟ وجوابا عن هذا السؤال الجوهري، يمكن أن نلخص المسارات الإستراتيجية المتصوَّرة في 3 مسارات: أدنى وأعلى وأوسط:

مسار الحد الأدنى

أما مسار الحد الأدنى فهو السائد الآن، وهو سيطرة تركيا وحلفائها من الثوار السوريين على شريط حدودي ضيق داخل الأراضي السورية، خصوصا في ريف حلب، وفي إدلب ذات الكثافة السكانية الكبيرة. وقد تحقق الكثير على هذا المسار حيث تسيطر فصائل الثورة وحلفاؤها الأتراك على نحو 11% من الجغرافيا السورية في الشمال السوري، وبكثافة سكانية كبيرة تناهز ثلث مواطني سوريا، طبقا لتقديرات مركز “جسور” للدراسات.

وقد استطاعت تركيا أن تنتزع من الروس تفاهما حول هذا الموضوع منذ عام 2020، مما حمى تركيا من هجمات المليشيات الانفصالية إلى حد بعيد، وثبَّت ملايين السوريين في الشمال السوري المحاذي للحدود التركية، وحقق لفصائل الثورة مرتكزا إستراتيجيا وورقة تفاوض قوية. فهذا المسار قد تحقق بنجاح إلى حد بعيد، لكنه مجرد تجميد للصراع، دون فتح آفاق جدِّية لحله حلا مرضيا للشعب السوري، ومحققا المصلحة الإستراتيجية التركية.

مسار الحد الأعلى

أما مسار الحد الأعلى فهو دعم تركيا للثوار السوريين في تحقيق انتصار حاسم يترتب عليه إسقاط نظام الأسد، وقيام سلطة ديمقراطية في دمشق متحالفة مع تركيا، بما يجعل سوريا بوابة تركيا إلى المشرق العربي كله، بكل إمكاناته الإستراتيجية والاقتصادية. وهذا هو المسار الإستراتيجي الذي لا ينبغي التنازل عنه في المدى البعيد، مع الإقرار بأنه غير وارد عمليا في الأمد المنظور لأسباب كثيرة، أهمها الاعتراضات الروسية والإيرانية والأميركية على هذا المسار، لأنه يحْرِم الروس والإيرانيين من نفوذهم داخل سوريا، ويمنع أميركا من الاستمرار في لعبة “إعطاء الحرب فرصة” التي تنتهجها، لتدمير الثورات العربية، وتحويلها مصهرة دموية عدمية، ضمن العبث بمصائر الشعوب الثائرة.

المسار الأوسط

أخيرا يبقى مسار الحد الأوسط، الذي نراه المسار الأمثل والأكثر واقعية. ويقضي هذا المسار بسعي تركيا وحلفائها من الثوار السوريين إلى توسيع الحزام الحدودي في الشمال السوري وتعميقه، ليشمل محافظة حلب بالكامل (بما في ذلك حلب المدينة)، وأجزاء من محافظتي الحسكة والرَّقَّة، لبناء منطقة استيعاب للسوريين المهجَّرين، ومنح المعارضة السورية ورقة إستراتيجية في مفاوضات الحل النهائي، وضمان أمن عميق للحدود التركية، وخنق المليشيات الانفصالية.

وفي القلب من هذا المسار استرداد مدينة حلب، لأنها هي القادرة على استيعاب عدد وافر من السوريين المهجَّرين، الذين سيرجعون إليها طواعية، بحكم حجمها ومركزيتها وإمكاناتها الاقتصادية؛ وبذلك يصبح نحو نصف سكان سوريا ضمن المناطق المحرَّرة. وهذا المسار هو ما نراه الخيار الأصوب، والأكثر تحقيقا للمصلحة التركية، ولمصلحة الشعب السوري، ضمن معادلات القوة الحالية، إلى أن يتحقق إسقاط أو سقوط النظام الدموي في دمشق.

فالإستراتيجية التي يجب أن تتضافر على تحقيقها جهود المعارضة السورية والحليف التركي في اعتقادنا هي تحرير ‎حلب من النظام المتهالك، وجعْلها مركزا مزدهرا، ومنطقة استقطاب واستيعاب للمهجَّرين السوريين، ونموذجا سياسيا واقتصاديا يتميز على منطقة سيطرة النظام المتهالك، ويُظهر للسوريين كافة الفرق بين الحرية والعبودية، بين العدل والظلم. ومفتاح تحقيق هذه الإستراتيجية اليوم هو استثمار تركيا في المأزق الروسي في أوكرانيا، واستغلالها حاجة روسيا إلى المتَنَفَّس التركي في مواجهة التطويق الغربي، من أجل انتزاع تنازل جدِّيٍّ من الروس في موضوع حلب.

وليست هذه الإستراتيجية بالسهلة، ولن يكون تحقيقها بغير عوائق، لكن بعض المؤشرات المشجِّعة تجعلها أرجح من غيرها. فلنستعرض أهم هذه المؤشرات والعوائق. أما المؤشرات المشجعة فمنها:

    أولًا: أن تركيا قد ارتفعت أسهمها الإستراتيجية كثيرا بعد حرب أوكرانيا، لحاجة الطرفين الروسي والأميركي إليها في الصراع، وهذه فرصة تستطيع تركيا استثمارها في الضغط على الروس، لقبول سيطرتها وحلفائها الثوار على حلب، فيتحقق حلٌّ جذري لقضية اللاجئين السوريين.

    ثانيًا: أن روسيا تواجه خطرا وجوديا في أوكرانيا، بعد أن حوّلها الأميركيون والأوروبيون إلى شراك لاستنزاف القوة الروسية، فليس لدى روسيا في الزمن الحاضر من القدرة والإرادة ما يمكِّنها من مقاومة الاندفاع التركي في الشمال السوري، وإن كانت المواجهة بين الدولتين غير واردة أصلا، وهي لا تخدم أيا منهما.

    ثالثًا: رغم أن الإستراتيجية الأميركية كانت دائما تدفع إلى استمرار الحرب، طبقا لنظرية “إعطاء الحرب فرصة” التي صاغها الصهيوني الأميركي إدوارد لوتواك، وخصصنا لها مقالا سابقا بهذا الموقع، فإن حرب أوكرانيا تجعل الأميركيين أقرب إلى قبول الضغط على النظام السوري التابع لروسيا.

أما العوائق التي قد تعوق خيار تحرير حلب، واتخاذها مرتكزا إستراتيجيا جديدا للثورة السورية، وللنفوذ الإستراتيجي التركي، فمنها:

    التشرذم المستمر في قوى الثورة السورية، حتى في مناطق السيطرة التركية، وآخر ذلك الاقتتال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بين هيئة تحرير الشام، وفيلق أحرار الشام، ومجموعة الحمزة، ومجموعة السلطان شاه. فمن الصعب التعويل على فصائل متقاتلة لتحقيق إنجاز عسكري وسياسي كبير مثل تحرير حلب.

    احتمال الرفض الروسي لأي تنازل لتركيا بشأن حلب، بل حدوث مواجهة مع القوات الروسية أو الإيرانية أو الأميركية؛ وهذه مخاطرة كبرى ليس من مصلحة تركيا ولا الشعب السوري الوقوع فيها. وإذا حدثت تلك المواجهة على الأرض السورية فسيتعقد الوضع أكثر، وقد تفقد الثورة مناطقها الحالية في إدلب.

    أن العلاقات الإستراتيجية التقليدية بين تركيا والولايات المتحدة تشهد انحدارا غير مسبوق، بعد أن بدأ الأميركيون يطوّقون تركيا بقواعد عسكرية في اليونان، تشبه الطوق التقليدي التي تضربه أميركا على روسيا والصين. وفي ضوء انهيار الثقة مع الولايات المتحدة، لا تستطيع تركيا المخاطرة بخسارة روسيا.

ومع كل هذه العوائق، فإن السيطرة على حلب تبقى أفُقًا إستراتيجيا مشحونا بالإمكان، سواء بالنسبة للثورة السورية، أو بالنسبة للمصلحة التركية. وعلى هذا الأفق ينبغي التركيز في المستقبل، لا على المصالحة مع الأسد، أو إرجاع السوريين إلى بلادهم، في ظل نظام دموي، يرعاه حلفاء دمويون جرب الشعب السوري فظاعاتهم على مرّ أكثر من عقد من الزمان.

ما يحتاج السوريون اليوم أن يأخذوه في الاعتبار هو أن القضية السورية مجرد تحدٍّ واحد من التحديات التي تواجهها تركيا دولة وكيانا، حيث تواجه تركيا اليوم من الشمال مخاطر تمدُّد الحريق الأوكراني إلى مياهها الإقليمية والاقتصادية في البحر الأسود، وهو بحر بدأت بشائر الغاز التركي تعطي ثمارها منه.

كذلك تواجه تركيا من الغرب الانزياح الأميركي في اتجاه اليونان على حسابها، وبناء قواعد عسكرية أميركية تطوِّقها وتكاد تخنقها في بحر إيجه. وجنوبا في البحر المتوسط تواجه تركيا مواريث الأزمة التقليدية في قبرص، وتحدّي رسم الحدود البحرية مع ليبيا ومصر، وسعي فرنسا وإسرائيل إلى تطويقها من تلك الجهة.

وذلك دون أن ننسى التحديات الداخلية الكبرى في ظل موسم انتخابي حساس: من الانشطار السياسي، والتراجع الاقتصادي الناتج عن وباء كورونا، والعقوبات المالية التي يَفرِضها من يُفترَض أنهم حلفاء تركيا الغربيون، سعيا منهم إلى إسقاط الرئيس أردوغان، وإرجاع تركيا إلى بيت الطاعة وحالة التبعية.

ومع ذلك فليس من الوارد -في تقديري- أن تتخلى تركيا عن قضية الشعب السوري، التي هي قضية إستراتيجية تركية أيضا. وستبقى تركيا -رغم كل هذه التحديات والمخاطر- هي الرئة التي يتنفس بها الشعب السوري، والعمق الإستراتيجي للثورة السورية، ولن يوجد حليف للسوريين مثل تركيا مكانًا وإمكانًا. وقد عبَّرت الجماهير السورية عن رفضها للمصالحة مع الأسد من دون لجلجة خلال مظاهرات الأيام الماضية، وهذا أمر مطلوب ومرغوب ما لم يبلغ حدَّ التأزيم مع القيادة السياسية التركية، لأن هذا التأزيم قد يغذي الاستقطاب الحاد داخل تركيا قبيل الانتخابات، ويزيد من إشعال المزايدات السياسية والإعلامية بين الأحزاب التركية على حساب السوريين. والأصوب أن ينصبَّ جهد قوى الثورة السورية على تسويق الإستراتيجيات العملية التي تخدم الطرفين، وأهمها اليوم استرداد حلب من يد السفاح. فحلَب هي الحل اليوم للثوار السوريين وللدولة التركية.

أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر

الجزيرة نت

———————–

سوريا: ثوابت الثورة متغيرات أنقرة/ سمير صالحة

شاهدنا مرة جديدة خلال أسبوعين، موجات الاحتجاج والتظاهرات الرافضة للتواصل الحاصل بين أنقرة والنظام مع دمشق بوساطة روسية. ترصد القيادات التركية في الحكم والمعارضة حتما ما يجري ويدور في المحرر السوري بعد الإعلان عن رغبة أنقرة في الحوار مع بشار الأسد بهدف بحث إمكانية التفاهم حول خريطة طريق مشتركة تفعل الحلحلة في ملفات أمنية وسياسية مرتبطة بتطورات المشهد السوري.

السوريون في الشمال السوري تحديدا لا يدعمون الخطوة التركية لكنهم يعتبرونها شأنا تركيا. مطلبهم هو أن تعرف أنقرة أن هذا النوع من الأساليب والسياسات لا ينفع مع النظام السوري، لأنه سيراوغ ويتملص من أي تعهد أو اتفاقية يتم الوصول إليها كما فعل أكثر من مرة. مطلبهم الثاني هو أن لا تلزمهم القيادات التركية بهذا المسار الجديد، إذا ما أصرت عليه هي لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية، مع نظام له كل هذه السوابق في استهداف شعبه بتوثيق أممي ودولي. بإيجاز أكثر قوى المعارضة السورية التي ائتمنت القيادات التركية على سلة بيضها منذ عقد، لا تريد أن تدفع ثمن أي تقارب بين أنقرة والنظام في دمشق أو تكون هي الضحية، وهذا من حقها لا بل هو واجبها إذا ما شعرت أن مصالحها هي باتجاه آخر.

حتى ولو كانت تركيا تريد إنقاذ سياستها السورية وليس إنقاذ بشار الأسد، فهي ستصغي لا محالة إلى صوت الشارع السوري في الشمال، بسبب ما قد يقدمه التباعد بين الطرفين من فرص لصالح أكثر من لاعب محلي وإقليمي.

صحيح أن ساحة اللعب والمناورة في الملف السوري تضيق وتنحصر يوما بعد يوم بالنسبة لأنقرة ولشريكها السوري. لكنه بقدر ما هناك متغيرات في سياسة تركيا السورية ومن حق أنقرة أن تدافع عنها، هناك ثوابت أيضا في مواقف المعارضة السورية من الواجب قبولها واحترامها وضرورة ترك القرار بشأنها لقياداتها ومنصاتها ومؤسساتها.

أفادت صحيفة مقربة من حزب العدالة والتنمية، بأن الحكومة التركية والنظام السوري اتفقا على تشكيل لجان أمنية وعسكرية مشتركة بهدف تسريع عملية التطبيع بين البلدين. عبارات التطبيع أو المصالحة ترددها قوى المعارضة السورية أكثر. هي لم ترد على لسان المسؤولين الأتراك حتى ولو كان الإعلام المقرب من الحزب الحاكم بدأ يتداولها في كتاباته وتعليقاته.

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، حدد أولويات تركيا في سوريا باتجاه آخر: القضاء على التهديد المتمثل بحزب العمال الكردستاني الإرهابي، وتهيئة الأرضية اللازمة من قبل سوريا لضمان العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين السوريين في إطار معايير الأمم المتحدة، وتقديم الضمانات اللازمة بهذا الخصوص. “لذلك يتعين علينا التنسيق مع قوات النظام وإيران وروسيا على الأرض”. لكن ما يستوقف في رسائل قالن هو حديثه عن أن بلاده لم تخذل المعارضة السورية إطلاقاً حتى اليوم. “المقاربة الرئيسية لتركيا تجاه الملف السوري، هي مواصلة المسار الدستوري والمفاوضات السياسية في ضوء قرار الأمم المتحدة 2254”.

علينا أن لا ننسى هنا أن القرار الأممي المذكور الذي يضع الأطر العامة لأسس الحل في الأزمة السورية، والذي صدر في كانون الأول عام 2015 هو من صناعة أميركا أيضا. وأنه ولد من رحم بيان جنيف 1 في حزيران 2012 بإقتراح الأمين العام الأسبق كوفي أنان وبتوافق أميركي روسي ليشكل خريطة تسوية للصراع في سوريا. فكيف ستتمسك موسكو وأنقرة بتنفيذ هذه الاتفاقيات واستبعاد واشنطن وبقية العواصم التي ساهمت في إنتاجها وإخراجها؟

تفضل موسكو بقاء “العدالة والتنمية” على رأس الحكم في تركيا لحقبة جديدة بعكس العديد من الدول الغربية وأميركا تحديدا. وعلى بشار الأسد أن يلتزم بالقرارات الروسية والتفاهمات المعقودة مع أنقرة. المشكلة بالنسبة للنظام الضعيف والهزيل هي كيف سيجلس أمام طاولة ثلاثية جديدة دون أن تكون طهران إلى جانبه وهو “يتفاوض” مع القوتين الروسية والتركية في مسار ومستقبل الملف السوري؟ وما الذي بمقدور بشار الأسد أن يقدمه للشعب السوري إذا ما نجح في إقناع أنقرة بفتح الأبواب أمام التواصل معه من جديد؟

لقاء أردوغان بالأسد مرتبط كما تردد القيادات التركية على كافة المستويات، بطريقة تفعيل وشروط ومتطلبات التقدم المرتقب في المحادثات. عكس ذلك يستدعي الإجابة على سؤال ما الذي سيجنيه حزب العدالة من تزويد بشار الأسد بأنبوبة الأوكسجين في غرفة العناية الإيرانية الفائقة؟ لا يمكن أن تكون الصفقة التركية الروسية إنقاذ الأسد مقابل منح تركيا ما تريده في الملف السوري.

تدرك أنقرة استحالة إعطاء النظام أبسط ما يريده مثل سحب شعارات وأعلام المعارضة السورية من يدها أو إغلاق مؤسساتها الإعلامية في إسطنبول أو مطالبة حلفائها في الملف السوري ومراجعة سياساتهم ليكونوا جزءا من التحول المحتمل في مسار ملف الأزمة السورية. لكن مراكز القرار في صفوف المعارضة السورية التي لم تصغ لتحذيرات ونداءات كثيرة حول أن الملف السوري يسير باتجاه جديد، ملزمة أيضا بتفعيل استراجية تحرك سياسي ودبلوماسي بأكثر من اتجاه، بدل التريث مرة أخرى ليفرض عليها طبخة جاهزة لن يكون بمقدورها الاعتراض على طريقة تحضيرها أو مواصفاتها أو طعمها، حتى ولو كان الحوار المرتقب مجرد تحضير لأجواء ومسار إقليمي ودولي جديد في سوريا.

كشفت مصادر مقربة من ميليشيا “قسد” للإعلام الروسي عن قيام القوات الأميركية بتزويد مسلحيها بعشرات الصواريخ من نوع “تاو” وعدد من مضادات الطائرات المحمولة على الكتف. وأشارت المصادر إلى أن القسم الأكبر من هذه الصواريخ المضادة للمدرعات والطائرات، تم نقلها إلى مناطق منبج وعين العرب وتل رفعت بريف حلب الشمالي الشرقي.

احتمال أن تكون هذه الأنباء مفبركة لترسيخ التباعد بين تركيا وأميركا خصوصا أن الإعلام الروسي هو أول من تحدث عنها، لكنها إذا ما صحت فهذا يعني أن مهمة هذه الأسلحة هي أبعد من هدف محاربة مصفحات وآليات داعش وسلاحه الجوي الذي لا نعرف أين ومتى سيظهر في شرق الفرات! واشنطن تدعو القيادات التركية لعدم المصالحة أو التطبيع مع النظام السوري وتطالب بأنقرة أن تتحمل أكثر من ذلك، لكنها في الوقت نفسه تبني شبكة علاقات ونفوذ في سوريا تتعارض كليا مع ما تقوله وتريده تركيا.

الفزاعة هي قطع من الخشب وثوب وقبعة صنعت على شكل إنسان، اعتاد أصحاب المزارع والحقول على نشرها في أراضيهم؛ لكي تخيف الطيور فلا تقترب من المحصول. تقول الرواية.. “يا جدي لقد اكتشفت الطيور سر لعبتكم هذه لتكراركم لها. نحن في زمن العولمة والإنترنت، وطيور اليوم هي غير طيور ما قبل قرن”. إذا كانت الفزاعات لم تعد تخيف الطيور فلماذا يطلب إلينا نحن البشر أن نخافها وهي من صنيعة أيدينا؟

تلفزيون سوريا

—————————

حقوق السوريين في المزادات السياسية الدولية/ عبد الناصر الجاسم

بعد مرور عقد من الزمن على التحولات الكبيرة في سياق الثورة السورية وما نجم عن هذا السياق من تبدلات وآثار كثيرة وكبيرة في جميع جوانب الحياة للسوريين حيث تأثرت احتياجاتهم الأساسية والاجتماعية ومستويات شعورهم بالأمان وكذلك تصدعت حاجتهم لتقدير ذاتهم والسعي لتحقيقها، وتزايدت أصوات جلد الذات ولوم السوريين بمجموعهم وبمن يدعي تمثيلهم من جهات ومؤسسات، انطلاقا من واقع جعل سوريا تتصدر سلم الدول الأكثر احتياجاً للمساعدات الإنسانية وذلك حسب تصنيف الأمم المتحدة، حيث نشرت بأكثر من مناسبة بأن 90٪ من السوريين بحاجة إلى مساعدات ومعظمهم يعيشون تحت خط الفقر حيث يوجدون وأينما يقيمون على امتداد أرض سوريا.

ما زالت حزمة حقوق السوريين في الحياة برسم المجتمع الدولي وعلى ذمة القوى الإقليمية الفاعلة، حيث تخضع هذه الحقوق للعرض والمقايضة في مزادات سياسية دولية من دون الالتفات للبعد الإنساني والقيمي لهذه الحقوق، ولعل أبرز هذه القضايا اليوم هي عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر معبر باب الهوى على الحدود التركية – السورية.

ماذا لو لم يتم التمديد للقرار 2642؟

يشير واقع الحال في الشمال السوري إلى أن أكثر من 4 ملايين إنسان سوف يتضرر في حياته ومعيشته في حال فشل مجلس الأمن في تمديد القرار، أكثر من مليون ونصف نازح منهم يقيم في المخيمات يتوزعون على 1300 مخيم، وتعيش الغالبية العظمى درجة عالية من الهشاشة وعدم الاستقرار، وهم معرضون بشدة للفقر والبطالة وغياب الرعاية الصحية وخدمات التعليم، وتفاقمت أزمتهم خلال جائحة كورونا كوفيد -19، حيث فقدوا كثيرًا من إمكانات الوصول إلى سبل عيشهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية، ويتعرضون اليوم  لمخاطر عديدة ولأشكال مختلفة من الاستغلال، مثل عمالة الأطفال وتجنيدهم، والعنف القائم على النوع والزواج والمبكر، وتفشي وباء الكوليرا وظواهر التسوّل والاتجار غير الأخلاقي والمخدرات وتلوث مصادر المياه، كل ذلك وسط ارتفاع أسعار جنوني غير منضبط، وتدهور قيمة الليرة السورية، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 7000 ليرة سورية.

وإذا ما استطاع المحتل الروسي وعبر استخدام حق النقض (الفيتو) تعطيل فرصة تمديد العمل بهذا القرار فهو يعيد للنظام الحاكم في سوريا أداة الحصار والتجويع التي استخدمها منذ بداية حربه على الشعب الذي طالب بالتحرر من الاستبداد، وقضية ربط دخول مساعدات إنسانية بقرار سياسي من مجلس الأمن أمرٌ مخالف لكل قيم الإنسانية ومخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويأتي ذلك ضمن محاولات واضحة لإعادة تعويم نظام الأسد وتمكينه من استخدام سلاح التجويع لكسر إرادة السوريين وجعلهم يقبلون بحلول سقفها منخفض جداً.

تأتي هذه الاحتمالات مترافقة مع أداء هزيل ومراوغ وغير فاعل لهيئات المعارضة السياسية الرسمية، حيث إن الصلة باتت معطلة والثقة مفقودة بين جمهور الثورة وممثلي المعارضة السياسية، والذي زاد الطين بِلة هو التقارب السياسي المعلن بين الحكومة التركية ونظام الحكم في سوريا، مما يُشعر السوريين المقيمين في تركيا تحت قانون الحماية المؤقتة، بالقلق الشديد والخوف من فكرة إعادتهم للشمال السوري.

هل الشمال السوري بيئة آمنة لإعادة السوريين؟

الشمال السوري في هذا السياق يشمل منطقة جغرافية تمتد لمعظم محافظة إدلب، وأجزاءً صغيرة من محافظتي حماة واللاذقية، وجزءاً كبيراً من شماليّ محافظة حلب، وقد كان مركزًا مستمرًا للقتال منذ بداية عام 2011، حيث سيطرت قوى المعارضة السورية على المنطقة لأول مرة في عام 2012، والسيطرة على المنطقة المتنازع عليها منذ ذلك الحين، واليوم ما تزال تلك المنطقة آخر معقل رئيسي لفصائل المعارضة، التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام في إدلب والمناطق المحيطة بها، وفصائل الجيش الوطني في اعزاز وعفرين والباب وجرابلس وبعض مناطق شرق الفرات. ولاشك بأن النازحين والمهجرين في تلك المناطق لهم الحق في البحث عن حلول مستدامة لظروف نزوحهم القاسية ولاسيما بعد أن طالت فترة نزوحهم وتعقدت متغيرات الصراع في المنطقة، ولكن من الملاحظ أن السياق السياسي والصراع الحالي يقيد بشدة فرص النازحين داخليًا لمتابعة أحد مسارات الحلول الدائمة لحالة نزوحهم إما العودة المستدامة وإعادة الاندماج في المجتمع الأم، أو الاندماج المحلي المستدام في مجتمع الإقامة الحالي أو الانتقال الطوعي والاندماج اللاحق في مجتمع جديد. فكيف لنا أن نتصور إعادة السوريين المقيمين في تركيا إلى ذات البيئة التي ما تزال تفتقر للأمان الفيزيائي والمادي وكذلك تفتقر للأمان القانوني والمجتمعي؟! يبدو أن هذا الخيار غير ممكن واقعياً ويواجه تحديات كثيرة وكبيرة، منها ما يتعلق بالأعداد الكبيرة حيث تشير الأرقام لوجود أكثر من 3 ونصف مليون سوري يقيم في تركيا، ومنها ما يتعلق بالآليات والطرائق التي سيتم اتباعها في تنفيذ مشروع الإعادة، ومنها ما يتعلق بموافقة المجتمع الدولي والهيئات القانونية والسياسية.

إلى متى سينتظر السوريون حقهم بالوصول إلى حل سياسي؟

 بعد هذه الخسارات الكبرى والأثمان التي دفعها السوريون من دمائهم ومواردهم وحياتهم وأحلامهم وطموحاتهم، ما زالت قضيتهم تُعرض في المزادات السياسية الدولية نتيجة الاصطفاف غير العادل وغير المنصف للدول الفاعلة في ملف القضية السورية، ونتيجة افتقار القرار السياسي الدولي للبعد الإنساني والأخلاقي.

في الختام لابد من الإشارة إلى أن المساعدات الأممية تمثل شريان حياة لسكان الشمال السوري، ومن غير المقبول إطلاقاً قطع هذا الشريان، كذلك ربط مشروع إعادة السوريين المقيمين في تركيا بموضوع التطبيع مع نظام بشار الأسد قضية مرفوضة أخلاقياً وإنسانياً، وكلما تأخرت الحلول الجذرية لقضية السوريين سيواجه السوريون المزيد من الكوارث الإنسانية.

خلاصنا نحن السوريين باستيعاب الدرس والاستفادة منه وذلك بالالتفات لمشروع سوري – سوري فقط، يشارك فيه جميع السوريين بعيداً عن الارتهان لمصالح إقليمية ودولية.

تلفزيون سوريا

————————-

لماذا يتسارع التطبيع التركي مع نظام الأسد؟/ عمر كوش

أسئلة عديدة تطرح مع تسارع خطوات التطبيع بين تركيا ونظام الأسد، التي تجسدت باجتماع موسكو الذي عقد في 28 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وضمّ وزراء دفاع كل من تركيا وروسيا والنظام، إضافة إلى رؤساء الأجهزة الأمنية، وأعقبه إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن تفاهمه مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حول عقد لقاء يجمعه مع وزير خارجية النظام الأسدي في النصف الثاني من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، وذلك تنفيذاً للخطة الثلاثية، التي اقترحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ويبدو أن الأخير تبناها ويسعى إلى تنفيذ بنودها.

وتطول الأسئلة الغاية من تسارع خطوات التطبيع التركية، وطبيعتها، ومدى اتساقها مع العودة إلى سياسة تصفير المشكلات مع دول المنطقة الفاعلة، التي شملت تطبيع العلاقات مع السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، وعما إذا كانت تعكس تغيراً جذرياً في السياسة التركية حيال الملف السوري، أم أنها ليست أكثر من خطوات تكتيكية، ومرحلية، وتجد مبرراتها في حسابات الوضع الداخلي التركي.

ولا تنحصر أجوبة هذه الأسئلة بحسابات الوضع التركي الداخلي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التركية العامة المقرّرة إجراؤها في يونيو/ حزيران المقبل، بل تتعداها إلى حسابات المصالح الإستراتيجية، التي تخص وضع تركيا الاقتصادي وتموضعها ودورها الإقليمي، وإلى حسابات التنافس مع أجندات القوى الدولية المتدخلة في الشأن السوري وذات النفوذ على الأرض. إضافة إلى الهواجس الأمنية للدولة التركية، حيث ترى القيادة التركية أن الولايات المتحدة، وتحت يافطة محاربة تنظيم الدولة (داعش)، تستهدف أمن تركيا وسلامة أراضيها، وذلك من خلال دعمها قيام كيان كردي معاد لها في مناطق الشمال السوري، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ومكونها الأساسي وحدات حماية الشعب الكردية، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، وتصفه بالذراع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي.

ومعلوم أن النظام الروسي يحاول منذ سنوات إعادة تأهيل نظام الأسد الإجرامي على المستويين العربي والدولي، والدفع باتجاه عقد مصالحة تركية مع نظام الأسد، لكن القيادة التركية آثرت التنسيق والتفاهم مع كل من روسيا وإيران ضمن مسار أستانا واللجنة الدستورية. كما أن الرئيس أردوغان، سبق أن كشف في مطلع أغسطس/ آب الماضي أن الرئيس بوتين، دعاه خلال لقائهما في منتجع سوتشي الروسي، إلى التعاون مع نظام الأسد من أجل حلّ الأزمة السورية.

غير أن تزامن تسارع خطوات التطبيع والمصالحة مع نظام الأسد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، يشي بأن الدافع الرئيس لها هو حسابات انتخابية، خاصة أن أحزاب المعارضة التركية طرحت مبكراً، في البازار الانتخابي، ورقة التقارب مع نظام الأسد، والتفاهم معه من أجل إعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم “بالطبل والزمر”، وعليه يريد حزب العدالة والتنمية سحب هذه الورقة من يد المعارضة التركية، كي يقطع الطريق أمام إمكانية استثمارها ضده في حملاتها الانتخابية.

ويجد المتابع للشأن التركي أن تعامل الحكومة التركية مع القضية السورية شهد استدارة كبيرة بدأت مع نهاية العام 2016، وجسدتها التفاهمات التركية الروسية، سواء على المستوى الميداني، أم على المستوى السياسي، حيث تحولت تركيا إلى دولة راعية، إلى جانب كل من روسيا وإيران، في مسار أستانا واتفاقات سوتشي مع الطرف الروسي، وتولت ضمان تنفيذ المعارضة لكل مخرجات أستانا وسوتشي. ومنذ ذلك الوقت، بات الهاجس الأساسي لتركيا في الملف السوري يتركز على مسألة منع قيام كيان لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومخرجاته العسكرية والأمنية على حدودها الجنوبية. ولأجل تحقيق ذلك، تفاهمت تركيا مع الساسة الروس، ومع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بشن ثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري، وما تزال تهدد بشن عملية عسكرية جديدة، لكنها لم تحظ هذه المرة بقبول روسي وأميركي.

ولا شك في أن حسابات المصالح تدخل بقوة في مسألة تطبيع العلاقات التركية مع نظام الأسد، فنظام الأسد يريد توظيف الخطوات التركية على المستوى السياسي في فك عزلته الدولية، وأن يستفيد على المستوى الاقتصادي، خاصة وأنه يخضع لعقوبات أميركية وأوروبية، وغير قادر على تأمين الحاجات والمواد الأساسية للسوريين في مناطق سيطرته، في حين تريد تركيا بدورها أن ينخرط النظام في تلبية شروطها، ليس فقط في مسألة إعادة اللاجئين السوريين، بل في مسألة التعاون لإنهاء سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في منطقتي تل رفعت ومنبج، وفي منطقة شرقي نهر الفرات، بل والإسهام في إنهاء الوجود الأميركي الداعم لها في منطقة الجزيرة السورية. وهو أمر يلتقي مع رغبات كل من روسيا وإيران ونظام الأسد، التي تصف وجود القوات الأميركية في سوريا باللا شرعي.

وقوبلت دعوات المصالحة مع الأسد برفض شعبي في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وهو ما استدعى عقد اجتماعات بين ممثلين عن تشكيلات المعارضة ووزير الخارجية التركي، الذي أكد أن الخطوات التركية حيال النظام لن تكون على حساب التخلي عن المعارضة، وأنها تصب في إطار البحث عن حل سياسي وفق القرار 2254، لكن ليس هناك ما يضمن انخراط النظام بأي مبادرة تهدف إلى إيجاد حل سياسي، فضلاً عن أن تجاوبه مع خطوات التطبيع التركية لا يعني قبول ما تقوله تركيا والدخول في تسوية حقيقية، لذلك طالب أردوغان، خلال اتصاله مع بوتين، نظام الأسد بأن “يكون بناءً أكثر، وأن يتخذ بعض الخطوات في العملية السياسية من أجل الحصول على نتائج ملموسة فيما يخص الأزمة السورية”. وهو أمر لا يتماشى مع طبيعة نظام الأسد، ولا مع حلفائه، الذين يرون في التسوية السياسية العودة إلى سوريا ما قبل ثورة آذار 2011، وأن يبقى الأسد إلى الأبد.

تلفزيون سوريا

—————————–

تحضيرات سورية/ إبراهيم العلوش

الآن وقد بدأ نظام الأسد يحصد ثمار انتصاره على الشعب السوري، وصار لقاء رجب طيب أردوغان مع بشار الأسد على قائمة التوقعات القريبة، بالإضافة إلى لقاءات قد تتلوه مع وزراء ورؤساء عرب كانوا يخجلون من جرائم بشار الأسد، واستباقًا لكل ذلك، ماذا علينا نحن السوريين أن نفعل بأنفسنا؟

ماذا نفعل بانتظار ترحيلنا إلى فكّي نظام المخابرات العصي على التغيير، هل علينا أن نرحل إليه مع أثاثنا المستعمل ونكوّمه أمام “شبيحته” من أجل أن “يعفشوه” دون أن يتكلفوا بالبحث وقطع المسافات لتجميعه وهم يصرخون بشعارات زرع البطاطا وحرق البلد!

هل نلقي أمام قوات النظام ولجان الاستقبال ما تعلمناه في معاناتنا، ونمحو اللغات التي أتقناها والقوانين والمهارات التي تعلمناها في احترام النفس واحترام الآخرين، ونرجع إلى هتافات الحركة التصحيحية وتباشير التطوير والتحديث، ونعيد حفظ خطاب القسم من أجل أن نلقيه أمام فرق التحقيق التي تنتظرنا على الحواجز؟

هل يجب علينا الذهاب إلى المعتقلين في زنزاناتهم والمشاركة في تعذيبهم، لأنهم أزعجوا جيش ومخابرات الأسد، وعرقلوا اهتمامهم بصنع البراميل المتفجرة وإعادة هندسة الوطن؟

هل نحمل معنا صور قاسم سليماني ونطلب شفاعة الميليشيات الإيرانية في مراكزها المنتشرة على التراب السوري، رغم أنها لا تزال غاضبة علينا بسبب مقتل الحسين قبل 1400 عام؟

هل نحمل ما لدينا من قروش كسبناها في تغريبتنا ونعطيها لحواجز “الفرقة الرابعة” كأتعاب لـ”الترفيق” لإيصالنا إلى بيوتنا المدمرة، وهل نتعلم صناعة “الكبتاجون” من أجل الإسهام في زيادة ثروتها التي تصب في جيوب العائلة المنتصرة علينا؟

ماذا يريد العالم منا نحن السوريين العائدين إلى قلعة الصمود والتصدي بلا رجعة، ماذا تريد منا الأمم المتحدة بشأن قراراتها الموءودة، ماذا تريد منا الدنمارك واليمين المتطرف في سائر أنحاء أوروبا؟

ماذا تريد منا القيادة التركية الحكيمة، سواء قيادة الأنصار في حزب “العدالة والتنمية”، أو قيادات اليسار واليمين المتطرف الزاحفة إلى منصة الحكم على إيقاع التنكيل بالسوريين؟

ماذا يريد منا الشقيق لبنان، سواء القيادات الدينية المتعامية عن التنكيل بالسوريين، أو القيادة العونية التي تفتخر بهذا التنكيل وتشارك مع قيادة “حزب الله” في الألاعيب ليل نهار من أجل اختفاء السوريين وتحرير لبنان من كل إحساس بالتعاون أو التسامح!

وماذا تريد المملكة الهاشمية في الأردن من سكان “الزعتري” ومن فقراء السوريين المهجرين غير تحميلهم مشكلات الخلل الاقتصادي، رغم المليارات التي جناها الأردن وتركيا ولبنان من وجود السوريين القابعين في المخيمات تحت البرد والحر والعمل العبودي الشاق، بالإضافة إلى الحزن العميق الذي يكتسح النفوس على ذويهم وبيوتهم في غربتهم، التي ساقتهم إليها براميل الأسد وميليشيات إيران و”داعش” الإسلاميتين، وطائرات الرفيق السابق فلاديمير بوتين الذي كان يدرب قواته بالمدنيين السوريين!

ماذا يريدون منا جميعًا غير الصمت وتسلّم مخصصاتنا من التحقيق والهتافات والشتائم؟

بعد اجتماع وزراء الدفاع الروسي والتركي والسوري بموسكو، في 28 من كانون الأول 2022، أعلنت وزارات الخارجية الثلاث أنها قد تلتقي في الشهر الحالي، وقد يكون لقاء القادة خلال وقت قريب بعده، وما علينا نحن السوريين إلا أن نعدّ أنفسنا للعودة إلى النظام الذي يعيد تأهيل أشداقه من أجل أن يبتلعنا.

ولكن قد يقترح علينا النظام ألا نرجع، كما قال عصام زهر الدين الذي وضع يده على لحيته المخضبة بدماء السوريين، وهو يعلن نصيحته بعدم عودة اللاجئين تحت طائلة التصفية المباشرة أو غير المباشرة.

في هذه الحالة يجب علينا أن ندفع لـ”الفرقة الرابعة” إتاوات عن “البسطات” والمحال والرواتب الضئيلة التي نقتات بها ونحن نسكن هوامش المدن والاقتصادات المزدهرة، وقد يقترح علينا قادة المخابرات الكتابة لأجهزتهم عن الدول الرجعية التي تؤوينا، وعن نشاطات الغرب والإمبريالية التي نعيش في مدنها بلا انقطاع للماء أو الكهرباء، وبلا صور لقادتها على الجدران، وبلا شعارات الخلود، وبلا مناظر الجوع والحرمان، وبلا مصانع “الكبتاجون”، وعلينا أن نبشّر الغرب بأن قوى الممانعة منتصرة شاء من شاء وأبى من أبى.

في هذه الحالة، على النظام أن يزوّدنا بصور جماعية للخامنئي وبوتين وقاسم سليماني وبشار وماهر الأسد وحسن نصر الله وبعض قادة الأحزاب الاشتراكية أو القومية المتطرفة، الذين يجتمعون معهم وهم يعلنون حربهم على الغرب أو الشيطان الأكبر كما يردد خامنئي وبوتين.

نحتاج تلك الصور من أجل أن نلصقها خلسة في محطات الحافلات و”المترو” والقطارات، وما على العالم إلا أن يتفرج على صور هؤلاء القادة الذين يبشّرون العالم بالانعطاف إلى الهاوية.

كيف يمكننا التكيف مع القرارات الجديدة التي ستعقب الإعلان الأممي المنتظَر عن انتصار الأسد؟

هل سنعود إلى البلاد المخربة التي كانت بلادنا، أم نبقى في مهاجرنا من أجل تمويل النظام وإعانته على إعادة ترميم ما خسره من صواريخ وقنابل، ومن فروع مخابرات ومن أجهزة تعذيب وغازات كيماوية، ونسدد ديونه التي استعان بها لتهجيرنا؟

يتفق الأتراك والروس والإيرانيون والإماراتيون على إعادة الشرعية لنظام الأسد واللقاء معه وهو يحمل علم البلاد التي يكرر دائمًا أنه ممثلها في الأمم المتحدة، وأنه حامل لوائها في المحافل الدولية، يتفقون على تجاهلنا نحن السوريين وعلى الإمعان باستبعادنا، ولكنهم قد يحتاجون إلى جرائم أشد بشاعة من جرائم الأسد من أجل إعادتنا إلى جحيمه!

———————————-

أين يقع أردوغان والاعتبارات الجيو-سياسية في الانتخابات الرئاسية التركية؟/ راغدة درغام

مَن الذي يخاف مِن رجب طيب أردوغان؟ رجل الحلم بتركيا العظمى يخطط للفوز بولاية أخرى من الرئاسة التركية في انتخابات الربيع التي لن تكون محليّة حصراً وإنما ستكون انتخابات جغرافية – سياسية بامتياز. فمن يريد له الفوز ومن يخشى مِن فوزه؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقع في مقدّمة الذين يحتاجون استمرارية أردوغان في الرئاسة لأسباب مصيرية لروسيا. فالسيد بوتين رَهَنَ العلاقة الروسية – التركية بالسيد أردوغان شخصياً وهو اليوم في أشد الحاجة اليه بسبب الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية. المسألة ليست مجرّد سياسية بل إنها وجودية اقتصادياً لروسيا. رغم العلاقة المعقّدة بين الرجلين، فلاديمير بوتين يخاف من رجب طيب أردوغان من ناحية غيابه وليس من ناحية حضوره.

القيادات الأوروبية تخاف من رجب طيّب أردوغان بسبب عنجهية شخصيته وسياساته التي تعتبرها استفزازية واستغلالية، بدءاً بالعلاقة مع اليونان وانتهاءً بورقة تيسيره هجرة اللاجئين الى أوروبا.

الولايات المتحدة، إدارةً وكونغرساً، تخشى أن يفوز أردوغان بولاية أخرى تحوّله الى السلطان العثماني الذي يصبو اليه في الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية وآسيا الوسطى والقوقاز وفي أوروبا عبر البوابة الروسية. والأهم، أنه بات اليوم السكّين في خاصرة حلف شمال الأطلسي (ناتو) وأصبح المتمرِّد العَصيّ الذي لا يتلاءم مع “ثقافة” حلف شمال الأطلسي.

القيادة الإيرانية تخاف من رجب طيب أردوغان لأن مشاريعه تتحدّى المشاريع الإيرانية إقليمياً، ولأن المنافسة على القيادة الإقليمية حقيقية. طهران لا تريد لأنقرة التوسّع على حسابها في الجغرافيا العربية وهي ترى في أردوغان خطراً تخشاه وتخافه كثيراً.

القيادات العربية لا تثق برجب طيب أردوغان ولا بانفصاله المزعوم عن مشروع “الإخوان المسلمين” الذي يهددها. إنها تتهادن معه وتسعى الى فتح صفحة جديدة كتلك بين مصر والدول الخليجية العربية وبين تركيا. لكنها تعي من هو أردوغان وما هي طموحاته الإقليمية وتخافه.

إسرائيل ذاقت تقلّبات أردوغان وتعتبره الصديق الدائم لحركة “حماس” وتراه مخرِّباً لمشاريعها الممتدة من سوريا الى السودان.

مشاكل العراق مع تركيا أردوغان سياديّة ببعدها الكردي كما بسلامة وحدة أراضيها. لذلك تخافه. سوريا تخشاه لربما بقدرٍ أكبر لما يشكِّله من خطر على أراضيها، وعبر دعمه جهات إرهابية، ونتيجة حاجة بوتين اليه وانعكاساتها سورياً.

فرجب طيب أردوغان يشكّل اليوم تحدّياً للجميع، ولذلك ان الانتخابات الرئاسية التركية لم تعد محليّة حصراً وإنما هي جيو-سياسية.

الخاسر الأكبر من خسارة أردوغان في الانتخابات التركية هو روسيا لأن الاقتصاد الروسي بات مرتبطاً بشخص الرئيس التركي. فإذا انهزم في الانتخابات، انهار الاقتصاد الروسي الذي يعتمد اليوم بشكل شبه كليّ على التجارة غير الشرعية عبر تركيا بما فيها الصادرات النفطية ومرور الناقلات والتكنولوجيا وغيرها في أعقاب العقوبات الأوروبية والأميركية على روسيا. فلقد تضاعفت موازين التبادل التجاري بين البلدين منذ الحرب الأوكرانية وتضاعف معها الغضب الغربي من الدفء المتزايد بين البلدين وبين القيادتين حتى ولو كان تفاهماً مرحلياً.

بالنسبة الى فلاديمير بوتين، إن انهزام رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية يعني هزيمة لسياساته هو، الإقليمية والدولية، بعدما بات الرئيس التركي القناة الحيويّة للرئيس الروسي اقتصادياً وسياسياً. ثم أن أردوغان أصبح اليوم شريكاً نادراً لبوتين، الى جانب شريكه في هنغاريا رئيس الوزراء فيكتور أوربان، في زمن إصرار الغرب على عزلته عالمياً. وهذا يُغضب الغرب ويجعله يخاف من فوز أردوغان في الانتخابات الربيعية.

الولايات المتحدة غاضبة لأن الرئيس التركي ينقذ الرئيس الروسي من العقوبات وهي اليوم تهدّده بفرض عقوبات ثانوية على تركيا إذا لم يتوقف عن التجارة غير الشرعية مع روسيا. في وسع واشنطن إلحاق الأذى الخارق بالاقتصاد التركي إذا ما فرضت عقوبات مالية وأقفلت الباب أمام المداولات المصرفية مع تركيا. هذه خطوة كبيرة من شأنها أن تدمّر الاقتصاد التركي الهش. الرئيس التركي يبدو واثقاً بأن هذا لن يحدث، وإن حدث فإنه سيوظّفه لمصلحته انتخابياً من خلال اتهام الولايات المتحدة بالعداء نحو تركيا.

الاجتماع الأخير لوزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا في موسكو أثار حفيظة الإدارة الأميركية وأطلق حملة ضد التطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد فيما الغضب الحقيقي كان موجهاً ضد الرئيس التركي الذي قرّر أن ذلك اللقاء فائق الأهمية لاعتباراته الانتخابية.

ما سعى وراءه أردوغان هو صفقة تمكّنه من الخروج من الزاوية التي زجّ نفسه فيها بعدما كابر وتعهّد بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية لفرض حزام أمني لتركيا. أدرك خطورة مثل هذه العمليات على حملته الانتخابية وإمكان فشلها، فبحث عن مخرج.

وبحسب المصادر المطلِعة، طلب أردوغان ضمانات قاطعة من موسكو بأن روسيا وسوريا لن تسبّبا لتركيا مشاكل تتطلّب منه القيام بعمليات عسكرية داخل سوريا. طلب ضمانات بالحفاظ على الوضع الراهن لفترة الستة أشهر المقبلة الى حين عقد الانتخابات. هكذا يمكن له أن يقدم التفاهمات والضمانات على أنها انتصار لسياساته، وهكذا تكون ذخيرة مفيدة جداً في الانتخابات الرئاسية.

بوتين سيلبّي أردوغان لأنه في حاجة اليه ولأن الانتخابات التركية أصبحت من أولوياته. دوره كوسيط بين القيادتين الروسية والأوكرانية مهمّ للرئيس الروسي، إنما الأهم هو دور أردوغان كمخرِّب داخل حلف الناتو. فهو اليوم عنصر في المشهد الجغرافي – السياسي العالمي وهو أيضاً فاعل في المشهد الإقليمي بعامة، لا سيّما في سوريا. وبالتالي، إن التغيير في القيادة التركية هو تغيير في المعادلة الجيو-سياسية. ولذلك إن الانتخابات التركية ستكون في الحسابات الدولية.

هكذا تنظر أوروبا أيضاً الى الانتخابات التركية. شخصية رجب طيّب أردوغان باتت عنصراً في المعادلة الجغرافية – السياسية. غروره يثير الاستياء والإزعاج، إنما ما يثير الخوف هو أدواته. ثم أن إزاحة أردوغان عن الرئاسة التركية ستؤدّي الى إضعاف فلاديمير بوتين، أقلّه في نظر واشنطن والعواصم الأوروبية. ولذلك يتمنى الغرب خسارة أردوغان الانتخابات الرئاسية.

الدول العربية تحاول ألّا تتدخل في الانتخابات التركية. تفضّل أن تطبّق المثل القائل “إبعد عن الشر وغنّي له”. أي إن ما تريده هو “كف الشر” عنها، ولذلك تتجاوب مع مفاتحاته التمهيدية لعلاقات سلميّة. لكن القيادات العربية بمعظمها لا تثق بأن السيد أردوغان قد أنهى مشروعه مع “الإخوان المسلمين” لأن “الإخوان المسلمين” جزء أساسي من برنامج طموحاته الكبرى لتركيا العظمى.

مرحلياً، يناسب أردوغان “تنويم” الورقة “الإخوانية” موقتاً مع اتخاذ كل الاستعدادات لإيقاظها عندما يحين الوقت، عاجلاً أو آجلاً. فمصيرهم مرتبط بمصيره، ومصيره مرتبط بمصير “الإخوان المسلمين” في مشهد القيادة “العثمانية” الإقليمية والدولية والتي هي بدورها مرتبطة بشخص رجل اسمه رجب طيب أردوغان.

الشعب التركي هو الذي سيقرّر مصير أردوغان ومستقبل تركيا. بالأمس كان أردوغان لاعباً أضعف، بل كان في فترة ما لاعباً ضعيفاً. اليوم رجب طيب أردوغان في صلب المعادلة الجيو-سياسية، ليس فقط لأنه سياسي محترف ومحنّك سياسياً تمكّن من احتواء المؤسسة العسكرية التركية التي لا تريده، وإنما أيضاً لأن الحظ حالفه بسبب وقوع الحرب الأوكرانية.

عضوية تركيا في حلف الناتو كانت دوماً موضع توتّر لبقية الدول الأعضاء التي وجدت في تركيا، بالذات في تركيا – أردوغان طائراً يغرّد في غير سربه. فالرئيس التركي فرض توجّهاً جديداً على تركيا العلمانية وحوّلها الى دولة أكثر إسلامية مما هي علمانية رغم معارضة جزء كبير من الشعب التركي لهذا التوجّه. وهو انخرط مع روسيا في لعبة صفقات الأسلحة التي تعرِّض أمن دول الناتو للخطر، فاحتجّت واشنطن واتخذت إجراءات رافقت الاحتجاجات الأوروبية على سياسات أردوغان نحو أوروبا التي يهددها بفتح أبواب تدفّق الهجرة اليها عبر الحدود التركية.

مع انحراف مواقف تركيا بعيداً من الإجماع داخل صفوف الناتو نحو حرب روسيا على أوكرانيا، ازداد القلق الغربي من الرئيس التركي. لكن رجب طيب أردوغان وظّف الحرب الأوكرانية لمصلحته عبر “صفقة الحبوب” من أجل الأمن الغذائي التي لاقت التصفيق والترحيب العالميين، وعبر محاولات الوساطة بين الرئيسين الروسي والأوكراني.

الأهم أن رجب طيب أردوغان أعاد اختراع العضوية التركية في حلف شمال الأطلسي، وأعاد اختراع شخصية المتمرِّد العصيّ على الغرب لخدمة حملته الانتخابية، وأعاد اختراع موازين علاقاته مع نظيره الروسي بحيث بات فلاديمير بوتين الى حد كبير تحت رحمته بينما كان في الأمس القريب متعالياً عليه.

لكل هذه الأسباب، يراقب الجميع الانتخابات الرئاسية التركية لاعتبارات جيو-سياسية. فهي أحد أبرز الأحداث التي قد تصبح مصيرية، ليس فقط لتركيا وموقعها العالمي، وإنما بالذات لروسيا التي تحوّلت من طاووس على الساحة العالمية الى طائر مكسور يحتاج جناحاً إيرانياً عسكرياً وجناحاً تركياً اقتصادياً كي يحلم بأن يتمكّن لاحقاً من التحليق.

النهار العربي

———————-

التقلبات التركية في السياسة: المصالحة مع الأسد/ أحمد محمود عجاج

لعل الحدث الأبرز مع نهاية 2022 كان الاجتماع الثلاثي بين سوريا وتركيا وروسيا، ومن دون مشاركة إيران في هذا الملف الاستراتيجي الحساس؛ هذا الاجتماع لم يكن بلا إرهاصات بل سبقته لقاءات وإعلانات منها تصريح إردوغان بأن الاجتماع مع الأسد وارد، ولا خصومة في السياسة، وسبقه تراجع القيادة السورية عن شرط الانسحاب التركي من الأراضي السورية، ورافقه حاجة بوتين لتبريد هذا الملف للتفرغ للأزمة الأوكرانية، وكذلك انشغال إيران بالاحتجاجات، ومصير نظامها. لكن هل إردوغان جاد بالانفتاح على الأسد؟ وهل بوسعه حل الأزمة السورية؟

لا شك أن السياسة التركية عادت إلى مبدأ «صفر مشاكل»؛ بذلك عادت الحرارة للعلاقات مع إسرائيل، ومع دول الخليج، ومن الطبيعي أن نرى تبدلاً في الملف السوري لارتباطه المباشر بالأمن التركي، وبالدور الإقليمي لتركيا في الشرق الأوسط، ووسط آسيا والقوقاز، وحتى أوروبا. هذا التبدل نابع من قناعة تركية واقعية سياسية هدفها تعظيم المكاسب في منطقة ملتهبة، وخطرة على الأمن التركي؛ ولحماية الأمن قامت تركيا بمصالحات غير متوقعة، وتراجعت عن شراكات آيديولوجية دينية كانت تعد ركيزة لسياستها الخارجية. وعلينا الإقرار بأن القيادة التركية تعرف أنها في قلب لعبة دولية كبرى، ربما أكبر منها، وأن أي خطوة غير مدروسة قد تجر عليها أضراراً كبرى، لا سيما أن تجربتها في الحرب العالمية الأولى كلفتها خسارة إمبراطورية كبرى. وبناءً على ذلك يمكن قراءة الحوار السوري – التركي على أنه ليس إلا مناورة تهدف إلى التالي:

أولاً- تحريك الملف السوري المجمد لا سيما أن الصراع الأميركي – الروسي سيعقّده أكثر، وتنامي قوة الأكراد سواء في شمال العراق أو سوريا سيشكل خطراً استراتيجياً على الأمن القومي التركي؛ وبما أن الحفاظ على الدولة في السياسة الواقعية هو الهدف الأول، فإن تركيا ترى أن تحريك الملف السوري، سيكون في أسوأ الظروف، مفيداً لها، لأن ذلك سيسمح لها بمعرفة الحد الأدنى المقبول للاعبين، وستكون أكثر قدرة، في حال التوصل إلى تفاهمات، على تحييد الأضرار عن أمنها، وقد تجبر أميركا، بهذا التحرك، على تقديم عرض أفضل لا سيما أن تركيا تعتقد أن أميركا ليست لديها خطة جاهزة لمستقبل سوريا.

ثانياً- شخصية إردوغان تسمح له بالقفز الاستراتيجي لكونه اكتسب شهرة بزئبقية سياسته، وإيمانه بالواقعية السياسية؛ لذلك يرى أن تركيا قادرة الآن على دخول البازار التفاوضي وتحصيل أقصى المكاسب؛ فروسيا تحتاج إلى تركيا التي تسيطر على البحر الأسود، وتحتاج إليها في الجوار الروسي الآسيوي، وهما على تماسٍّ في ليبيا وسوريا؛ كذلك تحتاج أميركا إلى تركيا في أوكرانيا، وفي الناتو، ومنطقة الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى والقوقاز. هكذا يرى إردوغان أن فتح الحوار مع صديقه بوتين حول أمن تركيا في سوريا حق مكتسب، ويُمثل خدمة كذلك لروسيا المحاصَرة؛ ويرى بوتين من جهته أن تبريد الملف السوري أو حله، في ظل التهديد التركي المتصاعد، يمثل فرصة لجر إردوغان إلى فتح لقاءات ثنائية مع الأسد تنتهي باتفاق يضمن مصالح الطرفين. لكنَّ إردوغان يدرك أن هذا المسار ليس سهلاً، ولن يسفر عن نتائج ملموسة على المدى القصير، لكنه مسار يفتح باب المزايدة في البازار الدولي والإقليمي حول سوريا، وأن تركيا ستكون المستفيد الأكبر لأنها الأكثر قوة بحكم الجوار، واللاجئين، ودعمها للحركات الإسلامية.

ثالثاً- يعتقد إردوغان بوجود رغبة عربية لإبعاد الأسد عن إيران، وهذه الرغبة لم تتبلور بعد في مشروع يقنع دولاً وازنة في المنطقة؛ لذلك يرى أن الحوار مع دمشق، وبلا مشاركة إيرانية، وبرعاية روسيا التي لها علاقة جيدة مع دول الخليج، سيعزز دور تركيا لدى هذه الدول لأنها ستكون عرَّابة اتفاق يحظى برضاها؛ كما أن إردوغان يؤمن بأن اتفاقاً مع دمشق بغطاء عربي سيضمن أمن حدوده، وينعش اقتصاده، وسيسهل حل ملفات أخرى متعلقة بأمن تركيا القومي مثل الأزمة الليبية وتبعاتها على العلاقات مع اليونان. ووفق هذا المسار يمكن تفسير غياب إيران على أنه رغبة تركية لعدم استفزاز دول عربية تعاني من تدخلات إيران، ومن خطرها على الأمن القومي العربي، وعلى نسيج هذه الدول الداخلي.

رابعاً- يدرك إردوغان أن الحوار مع الأسد خطر على صورته؛ فإردوغان رسم لنفسه صورة براقة بأنه قائد مؤمن، يقرأ القرآن، ويدافع عن المظلومين والمسلمين، ونال بذلك شعبية قل نظيرها في العالم الإسلامي؛ لذلك فإن احتمال مصافحته للأسد الذي اتهمه بأنه مجرم حرب، سيكون هدماً شاملاً لهذه الصورة؛ لكن إردوغان في هذا المسار حفظ خط الرجعة على لسان وزير دفاعه خلوصي الذي أوضح أن هدف الحوار الوحيد هو محاربة الإرهاب وأن تركيا تعمل لضمان أمنها وحدودها، وأن الأزمة السورية يجب أن تُحلّ بشكل مترابط وشامل وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الناصّ على الانتقال السلمي للسلطة. هذا يعني أن اجتماع الأسد وإردوغان، على عكس ما يقوله إعلام سوريا، ليس قريباً، بل مربوط، كما قال وزير خارجية تركيا، بالتقدم المحرَز في المفاوضات تقنياً ثم سياسياً، وبعدها يمكن أن يحدث اللقاء أو لا يحدث. بعبارة أخرى، إردوغان لا يريد لقاء الأسد إلا إذا كان تتويجاً لنصر دبلوماسي تركي عنوانه قرار مجلس الأمن الدولي؛ هذا لن تقبل به إيران بتاتاً.

هذه القراءة تؤكد أن إردوغان ليس متحمساً لإنقاذ الأسد لأن إنقاذه تدمير لصورته، ولأمنه على المدى الطويل، وبوتين بالمقابل لا يريد التضحية بالأسد لأهميته الاستراتيجية، ولن يقبل الأسد بإزاحته من السلطة. إن الذين يجلسون على طاولة المفاوضات يتظاهرون حتماً بحسن النية بينما يُخفون خلف ظهورهم خناجر مسمومة سيشهرونها عند أول لحظة خطر.

الشرق الأوسط

————————

القضية الكردية بين الحق وممكناته/ منذر خدام

إن المتابع لجميع البيانات المشتركة التي صدرت عن لقاءات أستانا بين روسيا وسوريا وتركيا وإيران، وكذلك تلك التي صدرت عن اللقاءات بين المسؤولين السوريين والأتراك لا بد أنه لاحظ وجود بند مشترك فيها وهو “محاربة الإرهاب” الذي كانت تفسره تركيا دائماً بمحاربة السوريين الكرد وتنظيماتهم المسلحة. لكن ما تسرب عن لقاء وزير الدفاع السوري وزميله التركي برعاية زميلهم الروسي الأخير لم يترك مجالاً للتأويل.

على المقلب الآخر كانت هواجس السوريين الكرد تزداد بعد كل لقاء بين المسؤولين السوريين والأتراك، لكنها ازدادت كثيراً، على وجه الخصوص، بعد اللقاء الرسمي الأخير بين وزير الدفاع السوري وزميله التركي في موسكو، وتجلى ذلك بالمواقف المستنكرة لهذه اللقاءات السورية التركية وقد عبر عن ذلك جملة البيانات والمواقف المعلنة التي صدرت عن أغلب القوى الكردية في سوريا. ونتذكر جيداً كيف كانت هواجسهم عالية عندما لوح ترامب بالخروج من سوريا.

في القضايا الوجودية ينبغي دائماً التفكير بعقل بارد وبأقصى درجات المسؤولية للإجابة عن تساؤلاتها، وللآسف أسئلة القضية الكردية في سوريا كثيرة ومعقدة، سوف نطرح منها سؤالين فقط: هل ما يحصل لم يكن متوقعاً؟ وما هي الوسائل المتاحة للرد عليه؟

من حيث المبدأ التاريخي والسياسي والأخلاقي فإن من حق الكرد أن تكون لهم دولة مستقلة ذات سيادة مثل بقية دول المنطقة، فهم شعب أصيل من شعوب المنطقة. غير أن الجغرافيا السياسية في الإقليم التي فصلتها الدول الاستعمارية الغربية من خلال ما بات يعرف باتفاقيات سايكس بيكو، حالت دون تحقيق الحق الكردي، لتكرسه لاحقاً سياسات الحكومات في الدول التي يتواجدون فيها.

تعد المسألة الكردية في سوريا من أكثر المسائل تعقيداً، وإثارة للهواجس سواء لدى السوريين من غير الكرد، أو لدى الجهات التركية الرسمية، وحتى لدى السلطات الكردية في إقليم كردستان العراق. أغلب السوريين، على اختلاف توجهاتهم السياسية، لا يوافقون على قيام إدارة خاصة بالكرد، عداك عن قيام كيان كردي مستقل لأسباب مختلفة. من هذه الأسباب التي يتذرع بها كثير من السوريين سبب يقول بأن سوريا ليست أرضاً قومية للكرد بل مجرد وطن، وإن حدود الدولة الكردية التي حددتها عصبة الأمم المتحدة تقع بكاملها خارج نطاق حدود سوريا الحالية المعترف بها دولياً. أصحاب وجهة النظر هذه يزعمون أن المصادر التاريخية المختلفة تؤكد بأن المسألة الكردية في سوريا مشتقة من المسألة الكردية في تركيا نتيجة الثورات الكردية التي حصلت فيها، بعد إلغاء الكماليين لاتفاقية سيفر، التي نصت على إنشاء كيان كردي في جنوب شرق تركيا. في تلك الأثناء، وبحسب هذه المصادر، كان عدد الكرد في منطقة الجزيرة قليل جداً، حتى أن مدناً مثل القامشلي التي يتجاوز عدد سكانها اليوم المائتي ألف نسمة لم تكن حتى عام 1926 موجودة أصلاً. يختلف الوضع في منطقة عفرين وجوارها إلى الغرب من مدينة حلب، حيث الوجود الكردي قديم نسبياً يعود إلى المرحلة العثمانية المبكرة، في حين الوجود الكردي في المدن السورية وخصوصاً في دمشق وحلب يعود إلى المرحلة الأيوبية. اللافت أن كُرد هذه المناطق الأخيرة كانوا مندمجين “سوريا” في بيئتهم المحلية، وخرج من صفوفهم أربعة رؤساء لسوريا قبل الاستقلال عن فرنسا وبعده.

لقد تكون الوعي القومي الكردي الحديث في سوريا بداية بتأثير الحركة القومية الكردية في العراق، إذ تشكل في عام 1957 أول حزب كردي سوري كفرع للحزب الديمقراطي الكردي في العراق (ياكيتي)، لكن التأثير الأكبر في إيقاظ الشعور القومي لدى كُرد سوريا جاء بتأثير من الحركة الأبوجية (نسبة للزعيم الكردي عبد الله اوجلان) وحزب العمال الكردي التركي، وشقيقه حزب الاتحاد الديمقراطي السوري.

يراوح عدد السوريين الكرد اليوم ما بين 2 و3 مليون بحسب مصادر مختلفة، يزيد في عددهم القوميون الكرد إلى نحو أربعة ملايين وأكثر، يسكن منهم نحو مليون كردي أو يزيد قليلاً في شمالي سوريا، في ثلاث تجمعات رئيسية هي منطقة القامشلي وجوارها، ومنطقة عين العرب/ كوباني، ومنطقة عفرين، والبقية توزعهم المدن السورية. من الناحية السياسية تتأثر ولاءات كرد سوريا بالكرد في العراق، أو في تركيا. من بين الأحزاب السياسية الكردية يعد حزب الاتحاد الديمقراطي أكثرها تأثيراً ونفوذاً في الوسط الكردي، وهو يمتلك تشكيلات مسلحة (وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة وغيرها)، ويسيطر على مناطق شرق الفرات بكاملها، وأنشأ في شمال شرقي سوريا نوعاً من الإدارة الذاتية.

يعيش الكرد اليوم أوج حلمهم بإنشاء كيان خاص بهم، وهذا حقهم لا ينازعون فيه من حيث المبدأ، فالكُرد لهم وجودهم القومي في المنطقة عبر التاريخ. في العراق ساهم الاحتلال الأميركي في عام 2003 بخلق ظروف ملائمة لإنشاء كيان كردي شبه مستقل في شمالي العراق. كما إن ظروف الصراع المسلح في سوريا أيقظت لدى كُرد سوريا الحلم بإنشاء كيان خاص بهم في شمالي سوريا. لكن هنا، وعلى عكس ما حصل في العراق، يصعب حل المسألة الكردية بالطريقة ذاتها لأسباب عديدة. بداية ليس كل الكرد بالانتماء هم كرد بالهوية، إذ أن بعضهم قد استعرب إلى حد كبير، أو لا يهتم بانتمائه القومي. وثانياً لا يوجد تواصل جغرافي بين المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمالي سوريا. وثالثاً لا تتوافر مقومات اقتصادية كافية لاستقرار الكانتونات الكردية خارج سوريا. ورابعاً، وهذا مهم جداً وحاسم، تبدي الحكومة التركية حساسية عالية ضد كرد سوريا، بحكم الروابط التاريخية بينهم وبين مواطنيها من الكرد.

تحسب تركيا أي انفصال لكُرد سوريا، أو لمنحهم أي شكل من أشكال الإدارة الذاتية خطاً أحمر لن تسمح بتجاوزه، وهي بهذا الموقف تتفق مع موقف النظام السوري. ولذلك فهي تسعى، مستفيدة من الأزمة السورية وتحولاتها، لإقامة منطقة عازلة بعمق ثلاثين كيلو متر على امتداد الحدود السورية معها، أو للتفاهم مع النظام لضبط الحدود المشتركة. في إطار هذه المعطيات الواقعية يبقى جواب وحيد ممكن لسؤال المسألة الكردية السورية هو العمل مع مختلف فئات الشعب السوري لإنشاء دولة ديمقراطية علمانية لامركزية على أساس مبدأ المواطنة، تتيح لجميع مكوناتها نوعاً من الإدارة المحلية لشؤونها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بنفسها. بغير ذلك سوف يظل السؤال الكردي في سوريا مفتوحاً على إجابات عسكرية لا مصلحة لأحد فيها، وفي مقدمتهم الكرد السوريون.

نورث برس

———————–

رسالة للأخوة الأكراد/ رامي الشاعر

كان من الغريب، بل من المدهش بالنسبة لي أن يهاجم بعض الأخوة الأكراد في الشمال والشمال الشرقي السوري الاجتماع الثلاثي الروسي التركي السوري، فقد كنت لزمن طويل أتصور أن الأخوة الأكراد يتفهمون موقف موسكو المبدئي من الأزمة السورية، وتحديدا من قضية الأكراد.

إلا أن ما حدث من سوء فهم، أرجو أن تزول دواعيه وتوابعه في أقرب وقت ممكن، يدفعني دفعا لتوجيه هذه الرسالة حرصا مني، ومن القيادة الروسية بكل تأكيد، على مستقبل قضية الشعب الكردي، واهتماماً مني ومنها بالتوصل إلى وضع خاص للأكراد يؤمن مشاركتهم في عملية الانتقال السياسي السلمي، الذي يضمن لهم حقوقهم في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم والحفاظ على ثقافتهم، بل وإدارة المناطق التي يتواجدون فيها بكثافة داخل أراضي الجمهورية العربية السورية الموحدة، دون المساس بوحدة أراضيها وسيادتها.

والهدف من رسالتي، على الرغم من درجة طفيفة من العتاب للأخوة الأكراد، الذين يجمعني بهم مواقف مبدئية، خلال مشاركتي في كافة الاجتماعات الخاصة بهم مع وفودهم المختلفة، هو التوضيح للجميع أن موسكو ملمة بكافة الأمور التي تحيط بالوضع الكردي، وحريصة دائما على استمرار التواصل معهم، والتوصل في نهاية المطاف إلى حل توائمي يرضي جميع الأطراف، على أمل أن يتوقف سيل التصريحات الاستفزازية التي تعرقل جهودنا مع تركيا بخصوصهم، وأن يكونوا أوفياء لروسيا التي تسعى دائماً للقيام بكل ما بوسعها من جهود تجاه الأكراد بشكل خاص، وسوريا بشكل عام.

لقد شكل الاجتماع الثلاثي الروسي التركي لقاءً بناءً بشهادة جميع الأطراف، لا سيما وأنه جاء بالتزامن مع نية تركية لشن عملية عسكرية برية ضد الأكراد في سوريا، والتي يبدو أنها كانت مقررة بالفعل، وتوقفت بفضل الجهود الروسية، باعتراف الأكراد أنفسهم، في إطار دورها كوسيط، وتخوفا من تداعيات أخرى لم يعد يحتملها السوريون في الوقت الذي تخلى فيه “الحليف الأمريكي” عن الأكراد، فيما تؤكد واشنطن دائماً على أن علاقتها مع “قسد” هي في إطار محاربة داعش لا أكثر!

من هنا كانت الوساطة الروسية عاملاً موضوعياً يعمل على تحييد كل ما هو عسكري على الأراضي السورية، ويفتح الباب أمام الدبلوماسية بما يضمن عدم عودة الصراع المسلح مرة أخرى، ويمهد الطريق أمام العملية السياسية التي تتمسك بها موسكو في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254.

ومن وجهة نظري المتواضعة، أرى الأكراد يقعون في خطأ كبير بمهاجمتهم الاجتماع الثلاثي، خاصة حينما يصدر الهجوم عن شخصيات كردية قيادية شاركت في الكثير من اللقاءات في موسكو وجنيف، لا سيما حينما تظهر إلى العلن تحليلات على شاكلة أن “التقارب بين دمشق وأنقرة جاء بضغط روسي لتحقيق مصالح روسيا في أوكرانيا”. وذلك، مع كامل الاحترام، قصر في النظر وضحالة في الوعي السياسي، ولا أريد القول بأنه مجرد عبث وثرثرة فارغة.

فقد استقبلت روسيا القيادات الكردية في شمال وشمال شرق سوريا أكثر من مرة، وعلى أعلى المستويات، وفي كل مرة كانت الطروحات الروسية تحث الخطى نحو العمل في إطار الحل السياسي السوري السوري وتنفيذ القرار رقم 2254.

أما محاولة استخدام الوضع السوري الراهن وتجنيده في خدمة الصراع الذي يعود لعقود بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، فإن ذلك أمر غير معقول، ومرفوض نهائيا، وقد نبهت موسكو، في جميع لقاءاتها مع الوفود الكردية، إلى ضرورة فصل القضيتين، وعدم ممارسة أي استفزازات بحق تركيا تعيق الجهود الروسية في السعي لمشاركة الأكراد في العملية السياسية في سوريا.

ولا أدري إلى ماذا استند القادة الأكراد في شمال وشرق سوريا إلى أن الاجتماع الثلاثي المنعقد في موسكو جاء ضد الشعب السوري، بل قل عن أي شعب سوري يتحدث هؤلاء، بينما عجزوا عن توحيد السوريين تحت راية مشروع واحد يجمعهم على الرغم مما يمتلكونه من إمكانيات الاقتصاد والجغرافيا والموارد البشرية، فيما زال المشروع الذي يتحدثون عنه نظرياً، لم يجمع حوله المعارضة السورية بمن فيهم الديمقراطيين أنفسهم، الذين قد يتشابهون معهم في التوجه والرؤية من المعارضة الرسمية، ولم نلمح من أي من هؤلاء أي مبادرة، ولو شكلية، يعبرون فيها عن “سوريا المستقبل” التي يريدونها على نحو فعلي، وفي إطار مشروع سوري على نحو عملي لا نظري.

في الوقت نفسه، لا زالت روسيا لا تدخر جهدا في محاولاتها مع السلطات الكردية في شمال وشرق سوريا، وهي تدرك أن هذه السلطات لم تتمكن، حتى كتابة هذه السطور، أن تعمل جديا حتى فيما يصب في مصلحتها، بدءا من عجزها عن فك ارتباطها، ولو شكليا، بحزب العمال الكردستاني، بينما ما ينقله الواقع أن حزب العمال الكردستاني لا زال متواجدا على الأرض السورية بشكل فعلي، سواء على مستوى القيادات أو على مستوى الكوادر الضالعة في القرار ومفاصل الإدارات والمؤسسات كفاعل حقيقي يمثل إرادة سياسية.

وهذه وقائع لا أنقلها من باب التكهنات أو الاستنتاجات، إنما حقائق يعرفها القاصي والداني من أبناء شمال وشرق سوريا، ولا تغيب عن روسيا ولا نقول عن تركيا. وتلك حالة لا يمكن لأي سياسي أو دبلوماسي أن يصفها إلا بما يشبه الفانتازيا أو الملهاة السياسية التي تربط سوريا والسوريين بقضية تركية داخلية، وتقدم قضية الأكراد على طبق من ذهب لتركيا التي تعلن عزمها على القضاء على التنظيم الذي تصفه إرهابيا، وتعاديه منذ عقود. فعن أي شعب سوري يتحدث القادة الأكراد في شمال وشرق سوريا، في الوقت الذي يربطونه بصراع تتحول بموجبه ثلث مساحة سوريا في الحسكة والرقة ودير الزور إلى صراع مسلح قد يستمر لعقود أخرى، وحرب لا ناقة فيها للسوريين ولا جمل.

لقد مر على عمر السيطرة الكردية على مناطق شمال وشرق سوريا ما يقارب العقد من الزمان، وهي حتى هذه اللحظة لم تتمكن من حوكمة مؤسساتها بشكل مقبول على أقل تقدير، وهو ما فتح الباب لانفلات أمني في غالبية المناطق، وخاصة في دير الزور، التي يتركز فيها الاقتصاد والنفط السوري، وتغيب المشاركة الفاعلة لمكونات وفعاليات وأحزاب ولدات من رحم مؤتمرات جماهيرية، حيث تم رفض تمثيلها في “مسد”. في الوقت نفسه، تتصارح شخصيات كردية في “مسد” والإدارة الذاتية على الاستحواذ على القرار بشكل شخصي، فيما استطاعت الإدارة الذاتية، مؤخرا، بامتلاكها المال والاقتصاد، أن تقوض سلطات وصلاحيات الجناح السياسي “مسد”.

على الجانب الآخر، تعمل “حركة الشبيبة الثورية” المنفلتة من كل سلطة، كقوى ثورية ذات سطوة على الأرض، حيث تؤدي الولاء بشكل علني لحزب العمال الكردستاني، وتستخدم لغة القوة والسلاح ضد كل من يعارضها أو يقف في وجهها، مستمدة سلطاتها من شخصيات قيادية في حزب العمال الكردستاني.

وقد هاجمت عناصر “الشبيبة الثورية” في وقت سابق مقرات كردية تابعة للمجلس الوطني الكردي وأحرقتها، كما هاجم عناصر “الشبيبة” في أكتوبر الماضي مقر هيئة الأمم المتحدة في القامشلي وأحرقته أمام وسائل الإعلام، تنديدا بقصف تركيا لمواقع حزب العمال الكردستاني، سقط على أثره مقاتلين من الحزب، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة إلى نقل مقرها من القامشلي إلى المربع الأمني التابع للحكومة السورية.

لقد جاء الاجتماع الثلاثي الروسي السوري التركي في موسكو بعد فشل المعارضة السورية الرسمية في الخروج بمعارضة وطنية قادرة على الخروج بمشروع وطني سوري جامع، حيث هيمن عليها منذ بداياتها فكرة “أسلمة الثورة”، والتي ظلت تتحكم بشكل أو بآخر بكل مفاصل المعارضة السورية، حيث شكلت هذه الفكرة مادة مؤثرة تدفع نحو تطييف الصراع السوري، وتدفع بأجزاء من المعارضة السورية نحو التطرف والإرهاب، وتسهم في إنشاء جماعات إرهابية متطرفة، بالتوازي مع كيانات معارضة تعزف على وتر هذه الجماعات، وهو ما اغتال الحراك السلمي السوري، لصالح الجماعات المتطرفة، والتي أصبحت معها الحكومة السورية، فيما بعد، في خانة الحرب ضد الإرهاب، الذي تكفله جميع القرارات الدولية، ليصبح الأسد، في نظر الغرب ذاته، جزءا من الحل، بعد أن كان المشكلة.

وقد ولدت المعارضة السياسية الرسمية المؤثرة في مسار العمل التفاوضي في غالبيتها من رحم أفكار وهيمنة جماعة الإخوان المسلمين إبان فترة فورانهم خلال ما يعرف بـ “الربيع العربي”، فأصبحت هذه المعارضة من ذات السياق الفكري الذي يميز الجماعات العسكرية المتطرفة وأشباهها في الشمال السوري، الذي تسيطر عليه الآن “جبهة النصرة”، المصنفة كجماعة إرهابية في عرف القرارات الدولية.

اليوم، تبدو الجبهة ومعها الجولاني منبوذة من عموم الشعب السوري، في الوقت الذي لم تمثل هذه الجبهة منذ بداياتها الشعب السوري، بقدر ما ظلت تمثل نفسها كأيديولوجية تعمل على الأفكار التاريخية لحركات الإسلام السياسي بشأن “أستاذية العالم” و”إقامة الخلافة الإسلامية” و”الجهاد المستمر ضد الكفار”، وهي الجماعات ذاتها التي شوهت الحراك السلمي السوري، وهي ذاتها التي تعمل اليوم على تصدير خطابات شعبوية رافضة هي الأخرى لمخرجات الاجتماع الثلاثي الذي بدأ يهدد مشروعها في “الخلافة” و”الإمارة” و”الدولة الإسلامية”، وهي هي اليوم، ومع التحولات الدولية والإقليمية، تصبح عبئاً على الشعب السوري، وعلى تركيا في مناطق نفوذها، التي آن لها أن تنتهي.

لقد لعب الأكراد، ومعهم جميع مكونات المنطقة دوراً تاريخياً في القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، ومحوه من الجغرافيا السورية، ولأنهم سوريون، فليس أمامهم من مخرج إلا أن يعملوا على سوريتهم، بعيداً عن التداخلات الدولية والإقليمية، والعمل معاً مع إخوانهم السوريين على الحل السوري السوري في إطار القرار الأممي رقم 2254، الذي يعلن بصراحة عن وحدة وسلامة وسيادة الأراضي السورية في إطار مشروع سوري.

أخيراً، أود التذكير بأن روسيا، التي عملت ضامناً لمناطق شمال وشرق سوريا، وحالت مؤخراً بين اندلاع العملية العسكرية البرية ضد الأكراد، واستبدلتها بحراك دبلوماسي دولي، هي ذاتها الدولة الوحيدة التي قدمت أول اقتراح يشمل كافة الأراضي السورية، بما يضمن مشاركة كل السوريين في بناء وطنهم، وممارسة حقوقهم الثقافية على تنوعها، وبما يضمن فكرة الولاء للدولة السورية الموحدة في إطار دستور قادر على صناعة سلام مستدام لكل السوريين.

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

————————–

تركيا: الأوروبيون والأمريكيون يجب أن يكونوا سعداء لوجودنا في سورية

قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين إن العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش التركي في شمالي سورية على مدى السنوات الماضية لعبت دوراً مهماً في “منع موجات الهجرة الجديدة”.

وأضاف كالين حسب ما نقلت وسائل إعلام، اليوم السبت أنه “يجب على الأوروبيين والأمريكيين أيضاً أن يكونوا سعداء وممتنين للوجود العسكري التركي في سورية”.

وتابع: “اليوم يوجد أكثر من 3 ملايين شخص عالقين في إدلب. إذا تحرك هؤلاء نتيجة ضغط أو هجوم قد يأتي من الجنوب أو من النظام أو من أي مكان آخر فإن المكان الوحيد الذي سيذهبون إليه هو تركيا. بلادنا فرصتها في استقبال المزيد من اللاجئين لم تعد موضع شك”.

وجاء حديث المسؤول التركي ضمن سياق أوسع تحدث فيه عن اللقاء الأخير الذي جمع مسؤولين في بلاده مع نظرائهم من النظام السوري وروسيا، في العاصمة موسكو.

ومن المقرر أن يلتقي وزيري خارجية تركيا والنظام السوري مولود جاويش أوغلو وفيصل المقداد في النصف الثاني من شهر يناير الحالي، في دولة ثالثة أو في موسكو، حسب ما أعلنت عنه أنقرة، قبل أيام.

وأشار كالين بالقول: “لقد حاربنا بحزم ضد جميع أشكال الإرهاب حتى الآن. نحن نفضل القيام بذلك مع حلفائنا، ولكن إذا اختار حلفاؤنا الشركاء الخطأ والتعامل مع الأشخاص الخطأ، كما في حالة الولايات المتحدة فسوف تحل تركيا مشاكلها بنفسها وتزيل التهديدات الإرهابية ضدها”.

وأعرب عن أمله في أن “يسفر العمل الذي يتم بين تركيا وروسيا وسورية عن نتائج جيدة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب واللاجئين وأمن الحدود ودفع العملية السياسية ومسار اللجنة الدستورية”.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قد طلب من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الخميس، اتخاذ خطوات ملموسة في طرد “وحدات حماية الشعب” من الحدود وخاصة تل رفعت ومنبج.

وحسب بيان للرئاسة التركية، شدد أردوغان، خلال اتصال هاتفي مع بوتين “على ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لتطهير تل رفعت ومنبج، من تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي”.

كما أكد أردوغان خلال الاتصال على ضرورة اتخاذ نظام الأسد خطوات ملموسة في العملية السياسية.

وقال إنه “يجب على النظام (السوري) أن يكون بنّاء وأن يتخذ بعض الخطوات في العملية السياسية، من أجل تحقيق نتائج ملموسة في سورية”.

ورغم الملفات الشائكة بين تركيا ونظام الأسد السياسية والعسكرية، إلا أن الاجتماع الثلاثي الذي حصل في موسكو، الأربعاء الماضي، وضم وزراء دفاع (روسيا، تركيا، نظام الأسد)، خلق انطباعاً لدى الكثيرين بأن هذه العوائق يمكن حلها، خاصة وأن لدى الطرفين مصالح متقاطعة وهي محاربة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

ووفقاً لما نقلته وسائل إعلام رسمية، وبناء على تصريحات المسؤولين الأتراك التي أعقبت اللقاء، فقد تضمن عدة نقاط هي “عودة اللاجئين السوريين”، و”القوات التركية في الشمال السوري”، و”مكافحة الإرهاب”.

—————————

40 يوماً من اللعب بالأحجار في الشمال السوري

نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 5 يناير/نكانون الثاني 2023 على موقع “fikirturu“

لماذا تكررت المحادثات على خط أنقرة – دمشق؟ ما الذي تغير في أخر 40 يومًا قبل هذه العملية؟ ما القوة التي حاولت الاستيلاء على ماذا؟ ما التطورات على الأرض التي تقرب بين سوريا وتركيا؟

لماذا أصبحت المحادثات على خط أنقرة-دمشق أكثر تواتراً؟

 ما الذي تغير في أخر 40 يوماً قبل هذه العملية؟

 من هي القوة، التي حاولت السيطرة وعلى ماذا؟

ما هي التطورات على الأرض التي تقرب بين سوريا وتركيا؟

في الأيام الأخيرة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كان الجمهور التركي يتوقع عملية عسكرية في شمال سوريا، ولكن بعد أكثر من شهر من ذلك لم تتم العملية عبر الحدود، بل على العكس من ذلك ولأول مرة منذ 11 عاماً التقى وزيرا دفاع البلدين في روسيا. ظاهرياً تم استبدال الخيار العسكري بالخيار الدبلوماسي.

أعلم أنه لا فائدة من الإصرار، غير الضروري، لكنني ما زلت أعتقد أنه ستكون هناك عملية عسكرية عبر الحدود في المستقبل القريب، ولكن تشير أحداث الشهر الماضي أن العملية المحتملة في شمال سوريا ستكون جزءاً من سلسلة خطوات أوسع بكثير، والسبيل لفهم ما ستكون عليه هذه الخطوات هي معرفة ما حدث في سوريا في الشهر الماضي.

ملخص أخر 40 يوماً

إذا طُلب مني أن أصف تطورات الأيام الـ 40 الماضية في كلمة واحدة، فسأقول “التنقل/ التحريك”.

في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بدأت عملية “المخلب – السيف” في العراق وسوريا، وفي اليوم الأول من العملية تم ضرب أهداف PKK / YPG وكان يوجد قتلى وجرحى لوحدات من “الجيش السوري” بالقرب منهم، وبعد اليومين الأولين تم تسجيل قيام “الجيش السوري” بتعزيز الأهداف التي تم ضربها وتوقفت تركيا عن ضرب الأهداف التي يوجد فيها “الجيش السوري”.

بين 22 و25 تشرين الثاني/نوفمبر لجأت القوات المسلحة التركية إلى استهداف المرافق الاقتصادية والإدارية لحزب العمال الكردستاني وكوادره المتوسطة، في هذه الأيام بدأت تعبئة عسكرية جديدة تظهر في “الجيش السوري”، وفي يوم 26 تشرين الثاني بينما كانت القوات المسلحة التركية تركز  قصفها لحد كبير على النقاط التي كان حزب العمال الكردستاني يهاجم فيها تركيا، اتخذت الوحدات الهجومية التابعة “للجيش السوري” إجراءات أيضاً وأرسلت تعزيزات إلى “عين العرب” التي تخضع بشكل أساسي لسيطرة وحدات حماية الشعب، ومن المناطق الأخرى التي عزز فيها “الجيش السوري” قواته فيها منطقة حول مطار “منغ” في تل رفعت، حيث توجد روسيا وإيران و”الجيش السوري” ووحدات حماية الشعب، ولكن لا توجد سيطرة كاملة لأي طرف هناك.

بعد هذه التعزيزات أصبح التغيير في الميدان واضحاً وللوهلة الأولى اعتبرت إعادة انتشار “الجيش السوري” استعدادات دفاعية لدمشق ضد عملية القوات المسلحة التركية، ولكن ما حدث بعد 27 تشرين الثاني/نوفمبر أظهر أن العملية ذهبت إلى مكان أخر.

نقطة تحول: 27 تشرين الثاني/ نوفمبر

لماذا كان يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر مهماً؟  لأن كبار المسؤولين العسكريين الروس في سوريا ذهبوا إلى “القامشلي” للقاء ما يسمى بالفريق القيادي لوحدات حماية الشعب، وبحسب التقارير الصادرة عن الاجتماع فقد أراد الروس انسحاب وحدات حماية الشعب من العديد من المناطق التي سيطرت عليها وخاصة مناطق الحدود التركية- السورية وترك هذه المناطق “للجيش السوري”.  يا لها من مصادفة؛ في نفس اليوم ارسلت الولايات المتحدة تعزيزات كبيرة من شمال العراق إلى القاعدتين العسكريتين في الحسكة.

كان من الممكن أن تكون التعزيزات الأمريكية إلى المنطقة المؤشر الوحيد على أن الروس عادوا بخفي حنين، ولكن في اليوم التالي وجه الجيش السوري الفرقة 25 اكثر الوحدات الهجومية المفضلة لديه من الفيلق الخامس الى عين العرب وخط تل تمر.

ستسأل لماذا يعتبر الفيلق الخامس أو الفرقة 25 مهم؟ مهم لأن الفيلق الخامس في “الجيش السوري” وخاصة الفرقة 25 يعني روسيا، وهي القوات التي أعيد تنظيمها منذ عام 2017 في بيئة كان فيها “الجيش السوري” مدمراً ومفككاً بسبب “الحرب الأهلية”؛ وهنا نحن نتحدث عن وحدة خضعت كلها تقريباً لتعليم روسي من حيث التدريب والعقيدة والمعدات وحتى طاقم القيادة.

تقود الفرقة 25 وحدات “الجيش السوري”، والتي تختلف عن تشكيل ما قبل 2011، ولا تضم ​​مجموعات قريبة من إيران ويشارك الضباط الروس في جميع أنواع تدريبها بشكل مباشر، وبعد 27 تشرين الثاني /نوفمبر انتشرت الكتائب والأفواج وبعض وحدات المليشيات العاملة معها في مركز تل رفعت و”فافين= Fafeen” وكذلك في الرقة ومنبج.

وفي اليوم نفسه تحركت تركيا بشكل عام لضرب مناطق وحدات حماية الشعب بعيداً عن “الجيش السوري” في شرق الفرات، ولكن في أقل من أسبوع بدأت بعض أقوى وحدات الجيش السوري في الظهور بشكل رئيسي في المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب مثل الرقة ومنبج وتل رفعت وتل تمر. وظهرت صور القادة والدبابات والمدفعية وناقلات الجنود لهذه الوحدات وحتى جنودها الذين جلبتهم مركبات أخرى في المصادر المفتوحة.

اسمحوا لي ان اكمل بقية الحكاية، تُظهر التقويمات 2 كانون الأول/ ديسمبر 2022، استمرار تعزيزات الفرقة 25ضد PYD في منبج والرقة في الازدياد، ولا بد أن هذه الزيادة في التعزيزات بدأت تقلق الولايات المتحدة أكثر، وفي اليوم التالي في 3 من كانون الأول أجرت القوات الأمريكية في المنطقة تدريبات باستخدام الذخيرة الحية في حقول النفط في الحسكة، ولكن لا يبدو أن هذه المناورات قد أخافت الجنرالات الروس كثيراً.

في 5 من الشهر توجه الوفد الروسي مجدداً إلى القامشلي وعقد اجتماعاً مع أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي من المستوى الثاني وزُعم أن الروس بعثوا بنفس الرسالة: “… يجب على «حزب الاتحاد الديمقراطي» أن ينأى بنفسه عن الولايات المتحدة، وأن يقيم علاقات مع دمشق بتوجيه من موسكو، ويجب على «وحدات حماية الشعب» الانسحاب من أجزاء من عين العرب، ومنبج وتل رفعت والرقة، ولكن يبدو أن “حزب الاتحاد الديمقراطي” لم يقتنع لأنه في نفس اليوم بعث برسالة شديدة اللهجة إلى دمشق يطالب فيها “الجيش السوري” برفع الحصار عن الأحياء التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي في حلب وإلا  سيقوم بحصار وحدات “الجيش السوري” في القامشلي.

ولأنه لم تسفر هذه المحادثات عن أي نتائج، لم يكثف الجيش السوري من حشده في منبج فحسب، بل بدأ أيضاً في تحديد موقع على خط الاتصال المحتمل مع وحدات حماية الشعب، وهكذا دخلنا فترة جديدة مدتها 10 أيام عزز خلالها “الجيش السوري” من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى بتعزيزات عسكرية في مناطق مشتركة وزادت وحدات حماية الشعب من حركتها من خلال جلب مقاتليها من أماكن مختلفة.

ظهور ايران على الساحة

هنا لابد من تقديم ملاحظتين:

الملاحظة الأولى: جاءت الإشارة من إدلب في اليوم التالي للاجتماع الأخير الفاشل بين روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي، وسأشرح هذا لاحقاً، لكن ارجو وضع هذه الاشارة هنا في الاعتبار.

الملاحظة الثانية: هي تورط إيران، ومن المثير للاهتمام أن الميليشيات الموالية لإيران في شرق سوريا، والتي ظلت صامتة لبعض الوقت عادت إلى النشاط مرة أخرى خلال المفاوضات بين روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي، ففي البداية تم تنفيذ هجمات صغيرة من قبل مجهولين في حقول النفط التي “كانت تحرسها” الولايات المتحدة شرقي سوريا في أوائل كانون الأول/ ديسمبر، ثم في 17 كانون الأول/ ديسمبر شنت مليشيات موالية لإيران هجمات صاروخية على جنود أمريكيين حول حقل “العمر” النفطي، وردت الولايات المتحدة على هذه الهجمات.

ومع استمرار القتال في “دير الزور” انطلقت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق إلى العمل، ففي الأيام الأولى من شهر كانون الثاني/ يناير، وبدأ الوجود الأمريكي في العراق يتعرض للتهديد مرة أخرى بشكل علني من قبل إيران والميليشيات القريبة منها.

بعبارة أخرى يبدو أن المنطقة التي ستنشط فيها الولايات المتحدة وحزب الاتحاد الديمقراطي ليست محصورة في شمال سوريا. بدأت الأحجار تتحرك في شرق البلاد أيضاً.

من الان لن اخبركم ما حدث يوماً بيوم، لكن بين 11 – 14 كانون الأول/ ديسمبر نقل “الجيش السوري” ما كان يتمتع به من قوة قتالية من فوج “الطراميح” التابع لقوات النمر سابقاً (وحدات النخبة) التابعة للمخابرات الجوية، إلى النقاط الحرجة في منطقة التمدد من تل رفعت إلى منبج (معظمها منبج)، وتوقفت جهود روسيا لإقناع حزب الاتحاد الديمقراطي بعد المحادثات في بداية كانون الأول /ديسمبر، وبعبارة اخرى وضع “الجيش السوري” جيشه على هذا الخط تحسباً لحالة حدوث صراع “اشتباك” محتمل على هذا الخط أو احتمال انسحاب وحدات حماية الشعب.

العملية تتسارع

يا لها من مصادفة؛ في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2022 أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن: “… نريد أن نخطو خطوة كثلاثي سوري تركي روسي، أولاً وكالات استخباراتنا، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء خارجيتنا يجب أن يجتمعوا معاً، ثم دعونا نجتمع معاً كقادة … مشيراً إلى ما سيحدث في الأيام التالية.

تسارعت العملية في الأيام التالية، ففي 24 كانون الأول/ ديسمبر التقى وزير الدفاع “خلوصي أكار” مع محاوريه في موسكو، برفقته مدير الاستخبارات” هاكان فيدان”، وفي 28 كانون الأول/ديسمبر اي بعد أربعة أيام من قوله إن: “الأعمال في الميدان وعلى الطاولة مستمرة بلا انقطاع” حول عملية برية محتملة في سوريا…  وبعد ثلاثة أيام أي في اليوم الأخير من العام قال وزير الخارجية “مولود تشاووش أوغلو”: إنه قد يكون هناك اجتماع بين وزيري الخارجية في الأسبوع الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير.

ملخص العملية التي استغرقت 40 يوماً

مرة أخرى جعلتكم مشغولين بصفحة من التفاصيل لا تمكن كتابة خمس جمل، لكن من الضروري التذكير بما يحدث حتى لا تبقى الحجج مفتوحة، والان لنخرج من التفاصيل لنصل إلى جوهر الأمر، ويمكن تلخيص العملية التي تستغرق 40 يوما في خمسة بنود:

    واصلت تركيا القيام بتدخلات تكتيكية ضد أهداف حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب على فترات منذ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

    حاولت روسيا إقناع حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب بالتخلي عن علاقتها مع الولايات المتحدة وبدء عملية تكامل حقيقية مع دمشق، ولكن دون جدوى.

    بدأت الولايات المتحدة في العودة إلى المناطق التي انسحبت منها في نهاية عام 2019.

    الجيش السوري كما لو كان يستعد لعملية عسكرية جديدة بدأ في تركيز قواته المسلحة ومنظمات الميليشيات بالقرب من المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب في شمال البلاد، التي تحمل وجودها فيها أو لم يتمكن من الحفاظ عليها في شمال البلاد منذ سنوات.

    بدأت حركة محادثات مفتوحة على الخط التركي -السوري- الروسي.

حسناً، كيف يمكن تلخيص كل هذا في فقرة واحدة؟

لم تتخل تركيا عن تنفيذ عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب في سوريا، لكن هذه العملية لن توسع المناطق التي طهرتها تركيا من الإرهاب لتسيطر عليها المعارضة في سوريا، بل على العكس من ذلك  بينما تقوم تركيا بتطهير بعض المناطق من وحدات حماية الشعب الكردية  فإن “الجيش السوري “يقوم بملء المناطق التي انسحبت فيها وحدات حماية الشعب، وستؤدي العملية المحتملة لاتساع المناطق التي تسيطر عليها “الحكومة السورية” وتقليص المنطقة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، وبالتالي  فإن العملية المحتملة ستكون الخطوة الأولى لنموذج يمكن من خلاله أن يولد حوار أنقرة – دمشق لمصالح مشتركة لكلا البلدين على محور النضال المشترك ضد حزب العمال الكردستاني، ربما سنناقش في المستقبل القريب نموذجاً يقوم فيه جيش كل من تركيا وسوريا بدوريات متبادلة أو منسقة تحت إشراف روسيا.

بينما ننتظر جميعا أن تقوم القوات المسلحة التركية بمزيد من التعزيزات على الحدود فإن هذا النموذج هو السبب في قيام “الجيش السوري” بالانتشار العسكري الرئيسي، كانت تركيا جاهزة عسكرياً بالفعل، ولم يكن الجيش السوري كذلك. إنه إنشاء لنموذج ينتج عنه اهتمام مشترك لمهمة شاقة، إنها عملية أكثر صعوبة لجمع حكومتين قامتا بجميع أنواع التحركات ضد بعضهما البعض لأكثر من 11 عاماً في إطار هدف، هذا هو السبب في سلسلة من التطورات التي تحدث في مثلث موسكو – أنقرة – دمشق على طول خط الاستخبارات -الدفاع -الدبلوماسية.

إذا نجحت العملية فسيكون هناك خاسر على المدى القصير، وبالطبع سيكون أول الخاسرين حزب الاتحاد الديمقراطي والولايات المتحدة الامريكية التي تستثمر فيه في سوريا منذ أكثر من 5 سنوات، لذلك يبدو أن الولايات المتحدة الامريكية لا ترحب بالتطورات على خط أنقرة – دمشق – موسكو ويمكن القول إنها تعارض هذه العملية بوضوح. في الواقع يمكن ملاحظة رد الفعل هذا بوضوح في البيانات الواردة من مصادر دبلوماسية، ولكن رد فعل الولايات المتحدة لا يقتصر على البيانات الصحفية، فهل يمكن أن يكون هناك تفسير أخر لعودة القوات الأمريكية بعد ثلاث سنوات من الانسحاب من أجزاء من المناطق الحساسة في شمال شرق سوريا، بما في ذلك الرقة، التي انسحبت منها في أواخر عام 2019؟

الخاسر الثاني من هذه العملية سيكون هيئة “تحرير الشام” التي تحكم إدلب، وهنا سأعود بك إلى الجزء من قصة إدلب الذي بدأ أعلاه.

تصاعد التوتر في إدلب

كنت قبل حوالي شهرين من الان قد كتبت مقالاً أشرح فيه سبب مهاجمة هيئة تحرير الشام لعفرين وأعزاز، ولاختصار القصة الطويلة، كنت أقول إن هيئة تحرير الشام اضطرت إلى مغادرة إدلب لأنها كانت تعلم أنها لا تستطيع البقاء في إدلب لفترة طويلة، وفي واقع الامر عززت أحداث كانون الأول/ ديسمبر 2022 هذه الفكرة أكثر.

على الرغم من وجود هجمات متبادلة خفيفة بين هيئة تحرير الشام و”الجيش السوري” في إدلب منذ أكثر من عام، إلا أنه لم يكن هناك نشاط كبير، ولكن اعتباراً من 1 كانون الأول/ ديسمبر بدأت هيئة تحرير الشام في مهاجمة مواقع “الجيش السوري” بالقرب من إدلب وبالمصادفة في 6 كانون الأول /ديسمبر وبعد يوم من الكشف عن عدم قدرة روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي على التوصل إلى اتفاق أعلنت روسيا أن “هيئة تحرير الشام” ستهاجمها بطائرات مسيرة، وفي 11 كانون الأول /ديسمبر نفذت هيئة تحرير الشام غارة في اللاذقية قتلت خلالها العديد من عناصر “الجيش السوري” بعد توقف طويل ونشرتها.

في 15 كانون الأول /ديسمبر 2022 عندما وجه الرئيس “أردوغان” رسالة مفادها أنه سيتم اتخاذ خطوات مع سوريا عقد زعيم هيئة تحرير الشام “أبو محمد الجولاني” مؤتمراً مع رئيس مجلس شورى التنظيم ومسؤولي حكومة الإنقاذ الذين أطاحوا بالحكومة السورية المؤقتة وتولت إدارة إدلب وأعلن في هذا المؤتمر أنه: “… لن يكون هناك اتفاق مع دمشق وأنه سيهاجم “الجيش السوري” قريباً ويبدأ في بناء المستقبل لأهل الشام …”

بين 17 و30 كانون أول/ ديسمبر 2022 شنت هيئة تحرير الشام هجمات متتالية على “الجيش السوري” الذي نقل معظم قواته إلى مناطق أخرى، وبعد زيارة الوفد التركي إلى موسكو بدأت في إدلب مظاهرات كبيرة احتجاجاً على مصالحة محتملة وامتدت إلى مناطق أخرى، وفي نهاية المطاف بعد أن أعلن وزير الخارجية “مولود جاويش أوغلو” فيكانون الثاني/ يناير أنه سيتم إجراء محادثات بين المسؤولين الأتراك والسوريين، خرج “الجولاني” في تسجيل مصور له و”أعلن بأقوى طريقة أنه يرفض الاتفاق تماماً”.

هيئة تحرير الشام ضد ماذا؟

استطيع سماع السؤال الذي يخطر ببالك الان، لماذا تعارض هيئة تحرير الشام ذلك؟

لن يقتصر التغيير في العلاقات التركية- السورية على فتح عهد جديد على ضفاف نهر الفرات فقط، فعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام أعلنت انها انفصلت عن تنظيم الاقعدة، الا ان روسيا وسوريا قالتا منذ البداية أنهما تعتبران وجود هيئة تحرير الشام تهديدًا استراتيجياً ولا يمكنها إقناع أحد بما أعلنته. تُبين أحداث السنوات الثلاث الماضية ما يلي: عندما يُزيل “الجيش السوري” حزب الاتحاد الديمقراطي من المواقع الرئيسية في الرقة وحلب، ستكون إدلب أول مكان سيتحول اليه “البرميل”، ولكن هذه المرة لن تواجه أنقرة ودمشق بعضهما البعض في إدلب بينما تركزان على عملية جديدة مبنية على القتال ضد «حزب العمال الكردستاني» / «وحدات حماية الشعب».

تسأل لماذا؟

 في الوقت الذي اكتسبت روسيا اليد العليا في عملية إنهاء الصراع في سوريا، وبينما تركز حكومة العراق بقيادة رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” أحد أقوى حلفاء إيران في العراق على تنفيذ صيغة من شأنها أن تدفع الولايات المتحدة الامريكية إلى الزاوية، فإن كل الاسهم ستتحول إلى الشراكة بين الولايات المتحدة الامريكية وحزب الاتحاد الديمقراطي، وسيبقى ما سيحدث في إدلب بهذه العملية في الخلفية.

باختصار قد يكون عام 2023 عام سوريا في الشرق الأوسط والسياسة الخارجية التركية، ولكن هناك حاجة إلى تحليل منفصل لأليات (تشغيل) العملية.

(ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل  زميل  في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”

————————————

3 رسائل سورية من “الشيوخ الأمريكي”: لا تطبيع وقيصر حاضر

وجهت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي 3 رسائل تخص سورية، في اليومين الماضيين، وجاءت على لسان سيناتورين نافذين الأول جمهوري والثاني ديمقراطي.

وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية، السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز في تغريدة عبر موقع التواصل “تويتر”، اليوم السبت إن “انفتاح الإمارات وتركيا على نظام الأسد لا يخدم الأمن في المنطقة”.

وأضاف بأنه “يقوّض مساعي محاسبة النظام على جرائم الحرب التي ارتكبها بحق الشعب السوري”، مؤكداً: “لا تطبيع للعلاقات دون محاسبة حقيقية”.

    Turkey & UAE’s recent diplomatic outreach to #Assad:

    ➡️Fails to advance regional security

    ➡️Undermines efforts to hold the Syrian regime accountable for its war crimes against its own people

    There CANNOT be normalization without legitimate accountability. https://t.co/TCA4So8nQq

    — Senate Foreign Relations Committee (@SFRCdems) January 6, 2023

وجاء ذلك بعدما غرّد عبر “تويتر” أيضاً عضو اللجنة، كبير الجمهوريين السيناتور، جيم ريش بقوله إن “انفتاح الإمارات على نظام الأسد ينطوي على مخاطر كبيرة ويعرضها لعقوبات قيصر”.

وأضاف أن “الانفتاح أيضاً على الأسد يضر بجهود المساءلة عن جرائمه ضد الشعب السوري”.

    #UAE’s outreach to the #Assad regime provides little benefit to the Emirates. This carries huge risks to UAE’s reputation, exposes it to #Caesar sanctions, and hurts efforts to seek accountability for Assad’s crimes against the #Syrian people. https://t.co/DrMSkSVM7B

    — Senate Foreign Relations Committee Ranking Member (@SenateForeign) January 5, 2023

وفي تغريدة منفصلة أشار ريش إلى أنه “على مجلس الأمن تجاهل تهديدات بوتين باستخدام الفيتو، وتجديد الإذن للأمم المتّحدة لإدخال المساعدات الإنسانيّة الضرورية عبر الحدود إلى سورية مباشرة”.

وأضاف بأنه “على المجتمع الدولي تجديد التزامه لتخفيف ما يلقاه الشعب السوري من معاناة على يد الأسد”.

    The UNSC must ignore #Putin’s veto threats and renew the vital cross-border mechanism into #Syria for humanitarian access. The international community must recommit to alleviating the suffering of the Syrian people at the hands of #Assad.

    — Senate Foreign Relations Committee Ranking Member (@SenateForeign) January 7, 2023

وكان اللقاء الوزراي الأول من نوعه بين تركيا والنظام السوري في العاصمة الروسية موسكو قد أثار الكثير من التكهنات، في الأيام الماضية، واختلفت التحليلات بشأنه عما إذا كان خطوة “تكتيكية” من أنقرة أم “استراتيجية”.

وبعد اللقاء بأيام أجرى وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد زيارة إلى العاصمة السورية دمشق، إذ التقى رأس النظام السوري، في تحرك أثار مخاوف الشارع السوري المعارض من محاولات “إعادة تعويم الأسد”.

وحتى الآن لا يعرف بالتحديد ما ستؤول إليه العلاقة بين أنقرة والنظام السوري في الأيام المقبلة، بينما تتجه الأنظار إلى اللقاء على مستوى الخارجيات، بحسب ما أعلن عنه قبل أيام وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو.

وذكرت وكالة “بلومبيرغ” في تقرير لها، اليوم السبت، أن هذين التحولين يدعمان روسيا، الحليف العسكري الرئيسي للأسد والإمارات التي سعت إلى تحسين مكانته في الشرق الأوسط للمساعدة في موازنة النفوذ الإيراني في سورية.

ولا يزال النظام السوري يخضع لعقوبات غربية صارمة ومعلق عضويته في الجامعة العربية.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، قال الخميس، عندما سئل عن اجتماع محتمل بين إردوغان والأسد: “لن نطبع ولا ندعم الدول الأخرى التي تطبع العلاقات مع نظام الأسد”.

وأضاف: “لقد رأينا تقارير عن اجتماعات محتملة، سواء كان اجتماعاً ثنائياً، أو ما إذا كان نقاشاً ثلاثياً يشمل روسيا أيضاً”.

————————–

كيف يبدو المشهد في إدلب مع مسار تركيا والنظام السوري؟

قصفت راجمات الصواريخ التابعة لقوات نظام الأسد منطقة “معرة مصرين” شمالي إدلب، يوم أمس الخميس، في تصعيد هو الأول من نوعه منذ الإعلان عن “لقاء موسكو” بين تركيا والنظام السوري وروسيا.

وأسفر القصف الصاروخي عن إصابة 5 مدنيين، بينهم 4 أطفال، بالقرب من بلدة الفوعة شمالي إدلب، بحسب “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء).

وقالت المنظمة إنّ القصف استهدف أيضاً منزلاً يقطنه نازحون بالقرب من مخيم الفروسية قرب البلدة.

وبالتزامن مع ذلك قال مراسل “السورية.نت” إنّ “صاروخاً من طراز أرض ـ أرض، استهدف محيط مدينة معرة مصرين شمالي إدلب، دون أن يسفر الاستهداف عن سقوط ضحايا مدنيين”.

“دعوات تظاهر”

ومنذ الإعلان عن اللقاء الذي جمع قادة الاستخبارات ووزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري شهدت مدن وبلدات ريفي إدلب وحلب احتجاجات شعبية، رفض فيها المشاركون خطوات “التطبيع التركي مع النظام”.

وندد المتظاهرون تحت عنوان “لن نصالح” بـ”دعوات التصالح مع الأسد”.

ودعوا أمس الخميس إلى تجديدها، عقب صلاة اليوم الجمعة، تحت عنوان “لن نصالح”، وذلك في أكثر من 30 نقطة في ريفي إدلب وحلب.

وبحسب الناشطين، فإنّ أبرز المناطق التي ستشهد تظاهرات هي: مدينة إدلب، الباب وسرمدا، الأتارب، جسر الشغور، اعزاز ومارع، ومعرة مصرين وتل أبيض وأريحا.

“خطاب تحرير الشام”

وكان زعيم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، ظهر في كلمة مرئية حملت عنوان “لن نصالح”، 2 يناير/كانون الثاني الجاري، علق فيها على “لقاء موسكو” الأخير.

ولوح الجولاني، خلال الكلمة، باستخدام القوة العسكرية لمنع أي مصالحة مع النظام.

كما تحدث عن إعداد “الهيئة” نفسها لأيام “عظيمة قادمة”، وفق تعبيره، داعياً من وصفهم “المخلصين الغيورين” بالانضمام إليه “في مواجهة هذه التحديات ومواصلة العهد حتى إسقاط النظام المجرم”.

——————————

«حكومة المعارضة» السورية تدعم التطبيع بين تركيا والنظام

استطلاع رأي: 59 % من الأتراك يؤيدون لقاء إردوغان بالأسد

أنقرة: سعيد عبد الرازق

فيما اعتبرت «الحكومة السورية المؤقتة» (التابعة للمعارضة) أن التقارب بين تركيا ونظام الرئيس بشار الأسد سيعطي دفعة للحل السياسي للأزمة السورية، أظهر استطلاع للرأي تأييد غالبية الأتراك للقاء رئيسهم رجب طيب إردوغان بنظيره السوري.

وكشف استطلاع للرأي أجرته شركة «متروبول» لبحوث الرأي العام، في الفترة ما بين 13 و18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسط تصاعد التصريحات حول لقاء إردوغان والأسد، ونشرت نتائجه السبت، أن 59 في المائة من الأتراك يؤيدون لقاء القمة التركي – السوري، فيما يرفضه 28.9 في المائة منهم، فيما قال 12.1 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إنه لا فكرة لهم عن الموضوع.

وعقب لقاء وزراء دفاع ورؤساء أجهزة مخابرات كل من تركيا وروسيا وسوريا في موسكو يوم 28 ديسمبر الماضي، وإعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن لقاء مماثلاً سيعقد بين وزراء خارجية الدول الثلاث في النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي، قال الرئيس إردوغان إن اجتماعاً ثلاثياً يجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأسد قد يعقد عقب لقاء وزراء الخارجية، الذي سيعقد قريباً.

وقال إردوغان، الخميس: «بصفتنا روسيا وتركيا وسوريا، بدأنا عملية باجتماع لوزراء دفاعنا… وسيجتمع وزراء خارجيتنا معاً، وبحسب المستجدات سنلتقي كقادة. ما يهمنا هو ضمان الهدوء وتحقيق السلام في المنطقة».

وظهرت أصوات معارضة للتقارب بين أنقرة ودمشق داخل تركيا، عبّر عنها عدد من الجمعيات الإسلامية في بيان مشترك دعا الحكومة التركية إلى عدم التطبيع مع النظام السوري؛ لأنه «رمز لظلم واضطهاد الشعب السوري» و«لا يريد التوصل إلى حل سياسي للأزمة»، بحسب البيان الذي شدد على ضرورة الحفاظ على موقف تركيا «التي وقفت دوماً إلى جانب الشعب السوري ضد السياسات والممارسات الظالمة التي ينتهجها نظام الأسد منذ عام 2011».

في الوقت ذاته، جدد رئيس «الحكومة السورية المؤقتة»، عبد الرحمن مصطفى، دعمه لموقف تركيا، قائلاً إنها «تتصرف بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري… وبالنسبة للاجتماع الثلاثي في موسكو، فقد تم التأكيد لنا دائماً أن هذه المحادثات لن تتم أبداً بما يتجاوز توقعات الشعب السوري والمعارضة السورية. نحن نعلم هذا بالفعل، لذلك في الواقع نحاول التوصل إلى توافق… ونحن نؤمن بالفعل بالحل السياسي». ولفت مصطفى، في مقابلة مع قناة «تي آر تي خبر» الحكومية التركية، السبت، إلى اجتماع وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مع قادة المعارضة السياسية السورية في أنقرة، الثلاثاء الماضي، والذي أكدت تركيا خلاله تمسكها بالحل السياسي واستمرار دعمها للمعارضة. وقال: «تركيا هي حليفنا الرئيسي ونحن نثق بها… بالطبع لدينا علاقات مع دول أخرى، لكن تركيا والشعب السوري هما من يتحملان العبء الأكبر؛ لذا فإن هذه العملية (التطبيع مع الأسد) لن تكون أبداً بما يتجاوز توقعات الشعب السوري والمعارضة السورية».

و«الحكومة السورية المؤقتة» التي يقودها مصطفى مرتبطة بـ«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» المدعوم من تركيا. وتنشط في شمال سوريا أيضاً حكومة أخرى للمعارضة هي «حكومة الإنقاذ» المحسوبة على «هيئة تحرير الشام» التي اعتبر زعيمها أبو محمد الجولاني، قبل أيام، أن اللقاء التركي – السوري في موسكو، يمثّل «انحرافة خطيرة عن أهداف الثورة السورية».

وعقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اجتماعاً، الثلاثاء الماضي، مع رئيس «الائتلاف الوطني السوري» سالم المسلط، ورئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة» عبد الرحمن مصطفى، لشرح موقف تركيا من قضية التقارب مع النظام السوري. وقال مصطفى، عقب الاجتماع، إن الوزير التركي أكد استمرار دعم تركيا لمؤسسات المعارضة السورية والسوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وأن المحادثات التي أجرتها تركيا مع المسؤولين السوريين في موسكو ركزت بشكل أساسي على القتال ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، في شمال شرقي البلاد.

وشدد مصطفى، أمس، على أن المعارضة السورية تدعم تركيا في أي خيار؛ سواء العملية العسكرية التي أعلنت أنها تريد القيام بها ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، أو حل المشكلة من خلال القنوات الدبلوماسية، موضحاً أنه تم التفاوض على حل مع الأميركيين (لقضية «قسد») في عام 2019، لكنه لم يتحقق، فقامت تركيا بعملية «نبع السلام»، وتم توقيع مذكرة تفاهم مع روسيا، لكن لم يتم الوفاء بها. وقال: «تركيا وجيشنا (الجيش الوطني السوري) يعارضان إقامة دولة إرهابية في شمال سوريا». وأضاف أن مساري جنيف ثم أستانا توقفا، لكن العمليات الدبلوماسية يجب أن تستمر من أجل التوصل إلى حل.

وعن جهود تركيا لضمان الاستقرار في المنطقة وعودة اللاجئين، قال مصطفى إن 600 ألف سوري عادوا من تركيا إلى بلادهم، مضيفاً: «بالطبع نريد أن يعود باقي أهلنا إلى قراهم».

في السياق ذاته، كشف رئيس تحرير صحيفة «أيدينلك» التركية، مصطفى يوجال، خلال مقابلة تلفزيونية شارك فيها مع رئيس «حزب الوطن» التركي دوغو برينتشيك الذي بدأ منذ أكثر من 5 سنوات لقاءات مع نظام الأسد بعلم الحكومة التركية، أن رئيس «الحكومة السورية المؤقتة» عبد الرحمن المصطفى، الذي يتزعم نحو 12 فصيلاً من المعارضة المسلحة في شمال سوريا، اجتمع معهم في غازي عنتاب (جنوب تركيا) منذ أيام، وأبلغهم بأنه قد حان الوقت للمصالحة مع بشار الأسد، وطلب منهم التجهز للمرحلة الجديدة. وأضاف يوجال أنه يجري حالياً تجهيز الفصائل المسلحة على الأرض لهذه المرحلة. ونقل عن القيادي في حزب «البعث» السوري، بسام أبو عبد الله، أن حكومة النظام لا تثق بالمباحثات مع المعارضة السورية في تركيا؛ لأنها لا تمانع وجود القوات الأميركية في سوريا، وأن حزب «الوطن» هو المؤسسة التركية الموثوقة لدى النظام؛ لأن موقفه يعد الأكثر صواباً منذ بداية الأزمة السورية.

على صعيد آخر، كشف استطلاع الرأي، الذي أجرته شركة «متروبول»، عن مواقف مؤيدي الأحزاب السياسية في تركيا من العملية العسكرية التي لوّحت بها الحكومة ضد «قسد» خلال الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أن ما يقرب من 59 في المائة من مؤيدي «حزب الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، يعتقدون أن حزبهم يجب ألا يدعم تلك العملية، في حين أيّدها 38.1 في المائة. وقال 11.8 في المائة إنهم ليست لديهم فكرة عن الموضوع.

وأوضح الاستطلاع، الذي أجري على عيّنة مكوّنة من 2000 شخص في 77 ولاية من ولايات تركيا وعددها 81 ولاية، أن 58.5 في المائة من أنصار حزب «العدالة والتنمية» الحاكم يؤيدون العملية و27 في المائة يرفضونها.

—————————-

تركيا تحذّر من «عملية استغلال» وراء التظاهرات ضدها شمال سوريا

تقارير تتحدث عن تشكيل لجان مشتركة مع النظام لتسريع التطبيع

أنقرة: سعيد عبد الرازق

بينما تجددت الاحتجاجات في مناطق سيطرة المعارضة السورية في شمال غربي سوريا احتجاجاً على التقارب بين تركيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، حذر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار من محاولات دفع المواطنين في شمال سوريا إلى تنظيم احتجاجات والقيام بـ«استفزاز» وأكد في الوقت ذاته أن هدف تركيا هو مكافحة الإرهاب وأنه أكد ذلك خلال الاجتماع مع نظيريه الروسي والسوري في موسكو يوم 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

في الوقت ذاته، كشفت تقارير صحافية تركية عن تشكيل الحكومة التركية والنظام السوري لجاناً من مسؤولين عسكريين واستخباريين، لحل المشكلات العالقة بهدف تسريع عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وقال أكار، في تصريحات أمس (الجمعة)، إنه تم خلال الاجتماع الثلاثي في موسكو التأكيد أن هدف تركيا الوحيد في سوريا هو مكافحة الإرهاب، وأنها تدعم وحدة أراضي سوريا وسيادتها، وأنها ليست على استعداد لاستقبال نازحين جدد. وأضاف: «قلنا إنه لا يمكننا قبول المزيد من اللاجئين من سوريا، وإن موجة جديدة من الهجرة غير مقبولة لدينا، لذلك مع فعالياتنا في شمال وشمال غربي سوريا نسعى جاهدين لإبقاء إخواننا وأخواتنا السوريين في أراضيهم». وحذّر من محاولات «استغلال المواطنين في شمال سوريا كأداة للاستفزاز»، مشدداً، مرة أخرى، على أن هدف تركيا الرئيسي هو «مكافحة الإرهاب»، ولن تسمح بوجود إرهابيين قرب حدودها. وتابع أكار في رسالة طمأنة للمعارضة: «أكدنا ضرورة حل الأزمة السورية بطريقة شاملة وبمشاركة الجميع في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254. كما أن لدينا إخوة وأخوات سوريين نجتمع معهم في سوريا وتركيا، قلنا إننا لن نقول (نعم) لأي قرار يكون ضدهم وينتهك حقوقهم، ويجب على الجميع أن يعرفوا ويتصرفوا وفقاً لذلك».

وشهدت مناطق نفوذ «هيئة تحرير الشام» والفصائل الموالية لتركيا، أمس، مظاهرات واحتجاجات غاضبة جديدة تنديداً بالتقارب بين أنقرة ودمشق ورفضاً لمطالبة أنقرة للمعارضة بالمصالحة مع النظام.

جانب من الاحتجاجات في مدينة إدلب أمس رفضاً للتقارب بين أنقرة ودمشق (أ.ف.ب)

وحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، خرجت مظاهرات في جسر الشغور غرب إدلب، ضمّت القرى المجاورة وأبناء مخيمات النازحين. ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بإسقاط النظام، مؤكدين أنْ «لا تصالح» مع النظام. كما خرجت مظاهرات من كل من تفتناز وأطمة ومخيمات الكرامة وكللي ومواقع أخرى بريف إدلب، بالإضافة للأتارب والسحارة بريف حلب الغربي، وكذلك في قباسين وأعزاز والراعي ومدينة الباب وصوران بريفي حلب الشمالي والشرقي، فضلاً عن مظاهرات في تل أبيض بريف الرقة الشمالي، ضمن مناطق سيطرة فصائل ما يُعرف بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا. وعبّر المتظاهرون عن رفضهم التصالح مع النظام، والتقارب التركي معه، ودعوا لإسقاطه. وكان نشطاء سوريون قد أطلقوا دعوات، (الخميس)، عبر مواقع التواصل الاجتماعي للخروج في مظاهرات حاشدة في مناطق عدة في شمال سوريا تحت شعار «لن نصالح»، رفضاً للمصالحة والتطبيع مع النظام وتنديداً بالتقارب بين تركيا والنظام على خلفية اجتماع موسكو.

– قلق من التقارب

وأثار الاجتماع الذي استضافته موسكو نهاية الشهر الماضي وجمع وزراء الدفاع السوري والتركي والروسي وقادة الاستخبارات في الدول الثلاث قلقاً لدى قوى المعارضة السورية السياسية والمسلحة. وقال زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، في فيديو تم بثه الاثنين الماضي، إن المحادثات بين سوريا وروسيا وتركيا تمثل «انحرافاً خطيراً». كما أصدرت «حركة أحرار الشام» بياناً (الأربعاء)، ذكرت فيه أنه على الرغم من تفهمها لوضع حليفها التركي فإنها لا تستطيع مجرد التفكير في المصالحة مع نظام الرئيس بشار الأسد.

بدورها سعت تركيا إلى طمأنة المعارضة، وقال وزير الدفاع خلوصي أكار إن تركيا لن تتخذ أي خطوة قد تسبِّب مشكلات «للإخوة السوريين» في تركيا أو داخل سوريا. وأضاف أنه «يجب ألا يتخذوا (المعارضة) أي مواقف مختلفة نتيجة أي استفزاز أو أنباء كاذبة». وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، أن تركيا لم تخذل المعارضة من قبل، ولن تخذلهم في المستقبل.

وعقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في أنقرة (الثلاثاء)، اجتماعاً عاجلاً مع رئيس «الائتلاف الوطني السوري» سالم المسلط، ورئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة» عبد الرحمن مصطفى، بناءً على طلب «الائتلاف»، للنظر في التطورات الأخيرة والتقارب التركي مع النظام. وقال جاويش أوغلو إنه «تمت مناقشة آخر التطورات حول سوريا… أكدنا دعمنا للمعارضة والشعب السوريين، وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254». أما المسلط فقال إن «تركيا حليف قوي لقوى الثورة والمعارضة السورية، وداعم كبير لتطلعات السوريين في تحقيق الحرية والكرامة والديمقراطية»، وعبّر عن أمله أن تبقى تركيا كذلك، وأن تكون خطواتها للتقارب مع النظام تصب في صالح هذه التطلعات عبر تطبيق الحل السياسي الذي أقرته القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري، ومنها بيان جنيف والقراران 2118 و2254.

وقال عبد الرحمن مصطفى، بدوره، إن الوزير التركي أكد استمرار دعم تركيا لمؤسسات المعارضة السورية والسوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وأن المحادثات التي أجرتها تركيا مع المسؤولين السوريين في موسكو ركزت بشكل أساسي على القتال ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، في شمال شرقي البلاد.

ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول تركي كبير، لم تحدده بالاسم، أن بلاده اطّلعت على ردود فعل فصائل المعارضة على اجتماع موسكو «لكن تركيا هي التي تحدد سياساتها». وتناول اجتماع موسكو، حسبما أعلنت وزارة الدفاع التركية، الأزمة السورية وقضية اللاجئين والجهود المشتركة لمكافحة جميع الجماعات الإرهابية في سوريا.

– لجان لتسريع التطبيع

في السياق ذاته، كشفت صحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة التركية، في تقرير حول ما دار في اجتماع موسكو الثلاثي، إن أنقرة اتفقت مع النظام على تشكيل لجان لتسريع عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق تتألف من مسؤولين عسكريين واستخباريين. وذكرت الصحيفة، في تقرير (الجمعة)، أن عملية التطبيع مع النظام السوري تتسارع بعد اجتماع موسكو الذي سيؤدي إلى عقد اجتماع بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا خلال الفترة المقبلة، قائلة إن «ماراثون التطبيع» بدأ رفع سقف معاييره على المستوى السياسي عبر تشكيل تلك اللجان لحل المشكلات العالقة بين أنقرة ودمشق وتسريع عملية التطبيع.

وأضافت أن ممثلي اللجان سيحضرون الاجتماعات التركية المقبلة مع النظام السوري، بهدف التقدم بخطى سريعة في حل المشكلات بين البلدين، إلا أنه لم يتم بعد توضيح موعد اجتماع الطرفين. وتدفع روسيا باتجاه إعادة العلاقات بين تركيا ونظام بشار الأسد، وتوسطت في اتصالات بدأت أولاً على مستوى أجهزة المخابرات، وتطورت إلى لقاء وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في كل من تركيا وسوريا وروسيا في موسكو في 28 ديسمبر الماضي، ومن المتوقع أن يعقبه لقاء مماثل لوزراء الخارجية في النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي، لم يتحدد مكانه بعد، حسبما أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.

– تأكيدات إردوغان

وأكد الرئيس رجب طيب إردوغان (الخميس)، احتمالات لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد في إطار «جهود من أجل السلام». وقال إردوغان إنه من المقرر عقد اجتماع ثلاثي يضم وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا وسوريا، للمرة الأولى، من أجل المزيد من تعزيز التواصل بعد اجتماع وزراء دفاع الدول الثلاث في موسكو. وأضاف: «وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا سيلتقون بعد فترة قصيرة، وإذا كانت نتائج محادثاتهم إيجابية، سنعقد محادثات على مستوى الرؤساء في الفترة القادمة… قد نجتمع كقادة تركيا وروسيا وسوريا أيضاً لمناقشة السلام والاستقرار في سوريا، اعتماداً على التطورات… هدفنا هو إحلال السلام والاستقرار في المنطقة».

وتابع: «اليوم (الخميس) أجريت محادثات هاتفية مهمة مع الرئيس (فلاديمير) بوتين… بحثنا تطورات الملفّ السوري، ومسار علاقاتنا مع سوريا… في الفترة الأخيرة أجرى رؤساء الاستخبارات محادثات مهمة، ثم وزراء الدفاع، وسيلتقي وزراء الخارجية التركي والسوري والروسي بعد فترة قصيرة، وإذا كانت النتائج من هذه المحادثات إيجابية، سنعقد محادثات على مستوى الرؤساء بالفترة القادمة».

– عملية للاستخبارات

من ناحية أخرى، قُتل القيادي في تنظيم «الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني» زكي غوربوز، المطلوب في تركيا، في عملية للمخابرات التركية في شمال سوريا. ونقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر أمنية أن غوربوز، واسمه الحركي «أحمد شوريش»، يعد المخطِّط والمحرِّض لتنفيذ هجوم على حافلة تابعة لسجن «بورصة» بتاريخ 20 أبريل (نيسان) الماضي، وهجوم صاروخي ضد القوات التركية على الحدود السورية في 16 أغسطس (آب) الماضي.

وقالت المصادر إن الاستخبارات التركية تمكنت من القضاء على غوربوز في عملية بمدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، مشيرةً إلى أنه نشط في صفوف الجناح المسلح التابع لتنظيم الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني، قبل أن يتولى ما يُعرف بـ«مسؤول تركيا» عام 2008. وهو غادر تركيا في 2012 بطريقة غير شرعية، على أمل الوصول إلى إيطاليا، إلا أنه تم القبض عليه في اليونان في فبراير (شباط) 2013. ورفضت أثينا إعادته، وأطلقت سراحه بعد شهرين من توقيفه فتوجه منها إلى العراق، ثم انتقل إلى سوريا، لينشط ضمن التنظيم مجدداً، ويصبح مسؤول التنظيم في سوريا اعتباراً من 2019.

ونفّذت الاستخبارات التركية الكثير من العمليات في شمال سوريا، خلال العام 2022، قتلت خلالها عناصر قيادية في قوات «قسد». وتركزت غالبية الضربات في الحسكة وعين العرب (كوباني).

—————————

نتائج اجتماعات المعارضة السورية في أنقرة ورسائلها للسوريين/ عبد الملك عبود

منذ عدة أيام انشغل السوريون بمسألة تطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد المجرم، وذلك بعد اللقاء الذي جمع وزراء الدفاع وأجهزة الاستخبارات التركية والروسية ونظام الأسد في العاصمة الروسية موسكو، الأمر الذي دفع الشارع الثوري للانتفاض، وذلك بهدف تسجيل موقف مصيري يؤكد أن لا مصالحة مع مجرم استخدم شتى أنواع الأسلحة لقتل وتهجير السوريين، ولمطالبة المجتمع الدولي وتركيا بالالتزام الكامل بتعهداتها التي قطعتها على نفسها في سبيل دعم الثورة السورية.

اللقاءات التي عقدتها مؤسسات المعارضة السورية في العاصمة التركية أنقرة حملت رسائل مهمة وفقاً لتقاطع المعلومات من المصادر السورية – التركية، وأهم هذه الرسائل أن استراتيجية الدولة التركية ومكاسبها في سوريا ليست بالتحالف مع نظام الأسد العاجز عن حماية نفسه، والذي أصبح عبئاً على حلفائه الروس والإيرانيين، إنما مصلحة تركيا في استمرار دعم الشعب السوري الذي يتشارك مع تركيا مخاوفها المتعلقة بالتنظيمات الإرهابية المتمثلة بـ PKK-PYD التي لا يختلف نهجها عن نظام الأسد من حيث اتباع أساليب القتل والتهجير والتصفية العرقية لتحقيق مشروعها الإنفصالي في سوريا والذي يشكل خطراً على وحدة الأراضي السورية وعلى الأمن القومي التركي.

ملف النازحين في مناطق الشمال السوري واللاجئين في تركيا، يعتبر أيضاً قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في حال حدثت أي عملية مصالحة أو تطبيع مع نظام الأسد غير مبنية على حل سياسي شامل يضمن أمنهم وسلامتهم برعاية الأمم المتحدة وكافة الأطراف الدولية ذات الصلة في الملف السوري.

وبالرغم من عرض روسيا أن تضمن إصدار مراسيم للعفو الشامل عن جميع السوريين لتسهيل عودة النازحين واللاجئين إلى مدنهم، إلا أن الجانب التركي رفض الخوض بهذا الملف قبل المضي بتنشيط العملية السياسية المبنية على القرار الدولي 2254 الذي يعتبر الحل الضامن لحقوق السوريين.

من الواضح أن جولات التفاوض بين تركيا ونظام الأسد لن يكون لها نتائج أبداً إنما هي تلبية لرغبة روسية مضت بها تركيا لإثبات عجز نظام الأسد على الانخراط بأي عملية تنهي مأساة الشعب السوري، فكان مطلب نظام الأسد من تركيا قبل الخوض بأي عملية تفاوضية أن ينسحب الجيش التركي من كامل الأراضي السورية دون أي شرط أو قيد وحتى قبل إنهاء مخاوف تركيا من تمدد التنظيمات الإرهابية الانفصالية، وهذا ما دفع الجانب التركي لإبداء انزعاجه للوفد الروسي المستضيف للقاء.

أما عن رسائل المؤسسات التركية المخصصة لمؤسسات المعارضة السورية، كان هناك تفهم للغضب الشعبي وتأكيدات على أن ما قام به السوريون في الشمال المحرر ليس رسالة فقط لتركيا إنما للمجتمع الدولي كاملاً بأن الحل لن يكون إلا بما يتناسب مع مطالب الشعب السوري وهذا ما تدعمه تركيا بكافة المحافل.

لكن من ناحية أخرى كان هناك لوم على مؤسسات المعارضة التي تعاني من ضعف ثقة السوريين فيها وأكد المسؤولون الأتراك أنه من غير المنطقي أن تكون تركيا على طاولة المفاوضات باسم مؤسسات المعارضة وفي نفس الوقت مؤسسات المعارضة غارقة بالخلافات الداخلية.

تركيا تحتاج حلفاء سوريين أقوياء على كافة الصعد السياسية والخدمية والعسكرية، ولذلك لن تتخلى عنهم وتريدهم أكثر قوة وتنظيم، حيث الرغبة التركية تتجلى بأن يكون الائتلاف الوطني السوري موسعاً بشكل أكبر ويضم كافة أطياف السوريين وفعالياتهم السياسية والمدنية والاجتماعية ليكون جميع السوريين شركاء في اتخاذ القرار، وأيضاً هم داعمين لتفعيل مؤسسات الحكومة المؤقتة عبر خطة حوكمة حقيقية بدأت ملامحها بتفعيل وزارة الدفاع ومؤسسة الجيش الوطني والتي سيتبعها خطوات لاحقة تشمل المجالس المحلية والشرطة المدنية ومؤسسات العدل وكافة المؤسسات التنفيذية.

أيضاً من المهم لتركيا ملف القبائل والعشائر السورية الذين يشكلون ركيزة أساسية في ملف شمال شرق سوريا، ولذلك يحتاجون لأن يكون هذا المكون له قوى وتأثير في المجتمع السوري عبر مجلس القبائل والعشائر السورية الذي سيكون له دور هام في المرحلة القادمة وخصوصاً أن ملف القبائل والعشائر يتم استغلاله من قبل نظام الأسد والميليشيات الإيرانية.

نتائج اجتماعات المعارضة في أنقرة تؤكد على عدة نقاط مهمة ومنها: أن المفاوضات مع نظام الأسد نتائجها صفرية ولن تحقق مصالح تركيا، وأن تركيا ما زالت تدعم قضية الشعب السوري ومؤسسات المعارضة وترغب بأن تكون أقوى وذات نفوذ أوسع، ولذلك يجب على المعارضة إصلاح نفسها وتطوير إمكانياتها وكسب ثقة السوريين.

—————————-

المونيتور: الاحتضان الإقليمي لنظام الأسد يضع الولايات المتحدة في مأزق/ رائد صالحة

أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذيراً آخر لجيران سوريا من تعزيز العلاقات مع رئيس النظام  بشار الأسد، لكن العديد من النقاد قالوا إن الإدارة يمكن أن تفعل المزيد لمنع عودة النظام إلى الحظيرة العربية، وفقاً لموقع ” المونيتور”، الذي أشار إلى لقاء وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، الأربعاء ، مع الأسد في العاصمة السورية للمرة الثانية منذ نوفمبر 2021.

وأفاد الموقع أن الاجتماع  جاء بعد زيارة الأسد في مارس 2022 إلى الإمارات العربية المتحدة – وهي الأولى له إلى دولة عربية منذ اندلاع الثورة السورية في سوريا 2011.

وفي مؤشر آخر على دفء المنطقة تجاه الأسد، عقد وزيرا دفاع تركيا وسوريا محادثات في موسكو الأسبوع الماضي، وجاءت أول مشاركة رسمية لهم منذ أكثر من عقد في أعقاب عدة مبادرات تركية لدمشق في النصف الثاني من عام 2022، بما في ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه الذي أثار إمكانية لقاء الأسد.

 وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحافيين، الثلاثاء، إن الإدارة لا تدعم الدول “لتحسين علاقاتها أو التعبير عن دعمها لإعادة تأهيل الديكتاتور الوحشي بشار الأسد”.

وأضاف برايس “نحث الدول على النظر بعناية في سجل حقوق الإنسان الفظيع لنظام الأسد على مدى السنوات الـ 12 الماضية، حيث يواصل ارتكاب الفظائع ضد الشعب السوري ومنع وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة”.

وقالت إدارة بايدن مراراً إنها لا تملك أي خطط  “لتطبيع أو ترقية” علاقاتها المقطوعة مع النظام السوري، كما أنها لا تدعم الدول الإقليمية في القيام بذلك. وحث المشرعون على جانبي الممر بايدن على مواصلة الضغط على جيران سوريا من خلال ما يسمى بقانون قيصر.

ويسمح التشريع الحزبي الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2020 بفرض عقوبات واسعة على أي شخص – سوري أو أجنبي – يقدم الدعم للعمليات العسكرية للنظام أو يتعامل عن علم مع الحكومة، وتحديداً في قطاعات البناء والهندسة والطيران والطاقة.

وبحسب ما ورد، أصدرت إدارة ترامب عدة جولات من العقوبات بموجب هذه السلطة، ولكن منذ توليه منصبه، لم تصدر إدارة بايدن بعد عقوبات خاصة بقيصر على المستفيدين من الأسد.

وقال ديفيد اديسنيك ، مدير الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات : “إدارة بايدن ترفض استهداف الشخصيات المهمة اقتصاديًا” .

ولاحظ أنها “عاقبت  ضباط الجيش والمخابرات بتهمة ارتكاب جرائم فظيعة، ولكن لم تفرض عقوبات على أولئك الذين يمولون النظام”.

وقال أحد كبار أعضاء الكونغرس الجمهوريين لـ “المونيتور” إنه من المرجح أن يضغط أعضاء مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري هذا العام من أجل زيادة استخدام وتعزيز العقوبات على سوريا.

وأضاف: “بشكل عام ، يشعر الجمهوريون بالإحباط الشديد لأنه لم يكن هناك تقريبًا أي تطبيق لعقوبات قيصر في عهد بايدن”.

هناك أيضاً مصلحة للديمقراطيين في تصعيد العقوبات على سوريا، حيث حث خطاب في يناير 2022 وقعه كبار الديمقراطيين والجمهوريين في لجان الشؤون الخارجية بالكونغرس بايدن على الاستفادة بشكل أفضل من قانون قيصر و “التفكير في العواقب” للدول التي تسعى إلى إعادة تأهيل الأسد.

ومع استمرار التواصل الدبلوماسي للمنطقة مع دمشق، فإن إدارة بايدن في “مكان صعب للغاية مع وجود عدد قليل جدًا من الأوراق للعبها” ، باستثناء التهديد بفرض عقوبات على حلفاء وشركاء الولايات المتحدة ، كما يقول تشارلز ليستر، الخبير في الشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط.

لقد تعامل بايدن حتى الآن مع الحرب الأهلية المدمرة في سوريا على أنها أزمة يجب احتواؤها ، كما يقول ليستر، ولكن “لا يكفي أن يكون لدينا سياسة الوضع الراهن عندما يتحرك العديد من الجهات الفاعلة من حولنا ويسعون لتغيير الديناميكية.

القدس العربي

————————–

تركيا تصالح الأسد… والمعارضة السورية لا تجرؤ على قول “لا”/ أحمد رياض جاموس

في خطوة وُصفت بالأولى من نوعها بعد أكثر من عقد من الزمن، اجتمع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ونظيره السوري علي محمود عباس، في العاصمة الروسية موسكو، بعد استضافتهما من قبل وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، في 28 كانون الأول/ ديسمبر الفائت. حضر المحادثات -التي عُدَّت أول محادثات رفيعة المستوى بين أنقرة ودمشق- رؤساء الاستخبارات في كلا البلدين، بالإضافة إلى رئيس الاستخبارات الروسي، وجاء هذا اللقاء بعد جملة من المؤشرات خلال الأشهر الأخيرة، على التقارب بين دمشق وأنقرة التي تُعدّ أبرز داعم للمعارضة السورية منذ اندلاع الثورة في العام 2011.

وزارة الدفاع التركية، كانت قد أصدرت بياناً بعد اللقاء، قالت فيه إن الاجتماع تضمّن مناقشة سبل حل الأزمة السورية، وقضية اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة، كما تم الاتفاق على استمرار اللقاءات الثلاثية لضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة عموماً.

في المقابل، تناولت وسائل إعلام موالية للنظام السوري مخرجات الاجتماع، بأن لقاء موسكو انتهى بموافقة تركية على الانسحاب الكامل من الأراضي السورية التي تحتلها في الشمال السوري، وتأكيد احترام أنقرة لسيادة الأراضي السورية وسلامتها، والبحث في تنفيذ اتفاق 2020 بخصوص افتتاح طريق M4.

ولا يبدو أن المحادثات التركية مع نظام الأسد ستتوقف عند هذا الحد، خصوصاً في ظل سلسلة الرسائل الإيجابية التي أطلقها الرئيس التركي أردوغان، إلى دمشق في وقت سابق من الشهر الفائت، إذ أعرب عن انفتاحه على الاجتماع مع الرئيس الأسد، بقوله: “يمكن أن تجتمع وكالات استخباراتنا أولاً، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء الخارجية، وبعد ذلك يمكن أن نلتقي كقادة”.

معارضة منصاعة

وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، كان قد وصف المعترضين على خطوات تركية نحو التقارب مع النظام، في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بأنها جماعة قليلة جداً وتحركت لمصالحها الخاصة، مضيفاً أنه “لم تكن هناك أي ردود فعل من ممثلي المعارضة السورية”.

لم تمضِ على تصريحات أوغلو ساعات، حتى اشتعل الشمال السوري بمظاهرات شعبية حاشدة، ورافضة للتقارب التركي مع النظام، حملت عنوان: “نموت ولا نصالح الأسد”، محرجةً في الوقت نفسه الأجسام السياسية الرسمية في المعارضة السورية التي في حينها كانت ملتزمةً الصمت تماماً، ولم يصدر أي تعليق رسمي أو موقف من محادثات أنقرة عنها.

يوم الثلاثاء، في 3 كانون الثاني/ يناير الجاري، أي بعد نحو 5 أيام من تصريحات أوغلو، خرج رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم المسلط، في بيان مصور، يؤكد فيه التزام الائتلاف بثوابت الشعب السوري وثورته، ويعبّر عن اعتزازه وفخره بهذا الشعب العظيم الذي ملأ ساحات الشمال السوري حتى الجنوب، مضيفاً أن نظام الأسد نظام إبادة ارتكب جرائم الحرب والمجازر بحق الشعب السوري الأعزل، وأن الائتلاف يؤكد أن سبل الخلاص وإنقاذ الشعب هي الخلاص منه.

وتقول مصادر مطلعة على موقف “الائتلاف” وكيفية تعاطيه مع تقارب تركيا مع نظام الأسد، إن “التصريحات الرسمية لا تصدر إلا بعد أن يتمّ إطلاع الجانب التركي عليها وأخذ موافقته، وهذا ما يبدو واضحاً من الكلام الذي صدر عن الجهات الرسمية في المعارضة السورية، وتحديداً الائتلاف، والتي لم تقترب من التحرك التركي أو السياسة التركية الحالية وبقيت في إطار عام وموجهة إلى نظام الأسد ورفض التعامل معه”.

من جهته، أصدر المجلس الإسلامي السوري، بياناً علّق فيه على التقارب التركي مع النظام بالقول: “لقد أخذنا على أنفسنا العهد بألا نكون شهود زور على مشاريع تصفية الثورة السورية، وإننا نرى دعوات التطبيع والمصالحة مع النظام المجرم تجري على قدم وساق، وإننا نؤكد أن الموت ونحن نتجرع السمّ أهون ألف مرة من أن نصالح عصابة الإجرام التي دمّرت سورية وأبادت أهلها”.

أين الجيش الوطني؟

ويبدو أن الغزل التركي في نظام الأسد، يحدث بمعزل تام عن المعارضة السورية بمؤسساتها الأربع: الائتلاف الوطني السوري، والجيش الوطني السوري، واللجنة الدستورية، وهيئة التفاوض، كما يُظهر توجهاً تركياً نحو استبعادها شيئاً فشيئاً عن تطورات القضية السورية، وفي الوقت ذاته الاستفادة من هذه المعارضة عسكرياً فقط في محاربة قسد التي ترى فيها تركيا تهديداً لأمنها القومي على حدودها جنوباً.

ويكشف أحد القياديين في صفوف الجيش الوطني لرصيف22، أن “تركيا لا تخبر قيادة الجيش الوطني بتحركاتها الدبلوماسية والسياسية، ولا تستشيرها أبداً في ما يتعلق بمحادثاتها مع نظام الأسد”، مضيفاً: “هذا التقارب يجب أن يدفع الجيش الوطني لإعادة حساباته والبحث عن مصلحته أيضاً كما تفعل تركيا، وطريقة تعامله مع الضامن التركي في المسائل السياسية المصيرية السورية، والتي يبدو أنها باتت تشكل مسائل ثانويةً بالنسبة للإدارة التركية”.

ويرى القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن “الكلمة اليوم هي للشارع الثوري الداخلي فقط، وللمهجرين، ولأبناء المعتقلين والشهداء، فهؤلاء قوة بشرية هائلة وهم من يضفي الشرعية على كل الأجسام السياسية والعسكرية والدينية، وقد وصل الجواب الثوري للحكومة التركية في المظاهرات التي اشتعلت في شمال سوريا، وكانت مطالبها واضحةً بأنه لا يمكن مصالحة النظام وإعادة التطبيع معه، ولا يمكن أبداً العودة إلى حكمه بعد كل هذه السنوات”.

عقدة الحل والمباحثات

يؤشر تصريح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي أكد على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف وفق القرار الأممي 2254، على أن توجه حزب العدالة والتنمية في الانتقال من رفع مستوى التواصل الأمني إلى المستوى السياسي مع النظام السوري، لا يقتصر فقط على سحب ورقة مهمة من يد المعارضة التركية التي لطالما لوّحت بفتح قنوات تواصل مع نظام الأسد حال وصولها إلى السلطة، وإنما برغبة تركيا غير الخافية في توقيع اتفاقية أضنة قانونياً لتشمل 30 كيلومتراً.

لكن في الوقت نفسه، ترى تركياً أنه من الصعب تحقيق هذه الرغبة بسبب اشتراط النظام السيطرة الكاملة على الجغرافيا السورية، فضلاً عن وجود اللاعب الإيراني المتحكم بقرارات النظام المفصلية، بالإضافة إلى الموقف الأمريكي وموقف الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن تركيا شددت على أن مسارها يلتزم بالقرار الأممي 2254، بالرغم من أن الطرق الدبلوماسية مع نظام الأسد أثبتت فشلها.

يقول مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، محمد سالم، إن “أنقرة حريصة على الإمساك والاحتفاظ بورقة المعارضة السورية ما أمكن، وتالياً هي تحاول أن تمسك العصا من الوسط، وتحاول أن توازن بين الاستحقاقات الخارجية المتمثلة في الضغوط الروسية، والاستحقاقات الداخلية المتمثلة في ملف اللاجئين والانتخابات الداخلية، فهي أيضاً تريد إرضاء الرأي العام التركي الراغب في حل أزمة اللاجئين من بوابة التقارب مع دمشق”.

ويلفت سالم في حديثه مع رصيف22، إلى أن “أنقرة تحاول أن تعطي تطمينات للمعارضة السورية وهي مقبولة لكنها ليست كافيةً، لذلك المعارضة السورية بأطيافها كافة، مختلفة في ردود الأفعال حول تركيا التي يبدو أنها ماضية في تقاربها مع الأسد”.

ويشير إلى أن “تطمينات أنقرة للمعارضة السورية قائمة على التركيز على القرار الأممي 2254، الذي لا يُمثّل عودةً إلى الوراء، لأن كل الأطراف متفقة على القرار شكلاً، أما مضموناً -وهنا الإشكال- فكل جهة تفسره حسب فهمهما، لأن القرار نص قابل للتفسير المتعدد، فتركيا تركز على الاصطفاف وراء 2254، لكن السؤال الذي بدأ يخيف المعارضة السورية: هل الاصطفاف التركي وراء القرار الأممي سيكون وفق تفسير روسيا وإرادتها وتوجهها نحو تبنّيه؟”.

مفاجأة الجولاني

فاجأ القائد العام لهيئة تحرير الشام، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب وريف حلب الغربي، أبو محمد الجولاني، الأوساط السورية، بالظهور الأسرع بين التنظيمات المعارضة، إذ ظهر في تسجيل مصوّر بعنوان: “لن نصالح”، نشرته مؤسسة أمجاد الإعلامية الذراع الإعلامية الرديفة للهيئة، الإثنين 2 كانون الثاني/ يناير، إذ عدّ أن المباحثات التركية مع نظام الأسد والحليف الروسي انحراف خطير يمس أهداف الثورة السورية، رافضاً المصالحة والتطبيع.

ودعا الشارع في الشمال السوري إلى عدم اليأس والحزن “بعد خذلان البعيد والقريب”، في إشارة واضحة إلى تركيا، وقال: “تحرير الشام لن تُريح أو تستريح حتى تحطّ رحالها في قلب دمشق وإعمارها والمباهاة بها أمام العالم بعد إسقاط النظام”.

يقول الباحث المتخصص في الحركات الجهادية، عبد الرحمن الحاج، في حديثه إلى رصيف22، إن “تصعيد الجولاني الإعلامي حركة استباقية لمواجهة مخاطر أي اتفاق مصالحة مع النظام، فالجولاني أدرك أنه سيكون الضحية الأولى لأي اتفاق تركي مع النظام السوري، لذا اتخذ موقفاً مناهضاً لأي اتفاق ومن حظه أن الحراك الشعبي هو ضد أي اتفاق بالفعل، مما يمنح موقفه صلابةً أكثر، ويعقّد معادلة المصالحة في إدلب بالذات”.

ويضيف الحاج: “هيئة تحرير الشام لا يمكن إدماجها في أي اتفاقات مستقبلية في المصالحات وتشكيل كيانات عسكرية بإشراف تركيا على غرار الفرقة الثامنة في اتفاق الجنوب في درعا، لأنها من جهة منظمة مصنّفة إرهابيةً، ومن جهة ثانية هي خارج السيطرة التركية المطلقة، خلافاً لما هو الحال مع فصائل الجيش الوطني، ولهذا السبب ستكون أول ضحايا الاتفاق، لأنها ستكون متمردةً على الجميع”.

وحول العقبة التي تحول دون تفكيك تحرير الشام والتعامل معها كلاعب مهم على الساحة السورية، بالرغم من وضعها على قائمة التنظيمات الإرهابية العالمية، يرى الحاج، أن “الموقف الأمريكي هو العائق في تفككها، فهو الذي يتعامل مع النصرة بوصفها حاجةً موضوعيةً لمواجهة تمدد الجهادية العالمية في سوريا، وهذا ما يجعل التعامل مع الجولاني حذراً من قبل الأتراك، وربما يجعلهم يعقدون صفقةً معه للبقاء ضمن حدود معيّنة”.

رصيف 22

—————————-

===================

تحديث 12 كانون الثاني 2923

———————————

التحول التركي في سوريا.. أهداف وآفاق/ منير الربيع

هل يعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سياسة “صفر مشكلات” وهي النظرية الاستراتيجية التي كان قد أطلقها قبل أكثر من عشر سنوات وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو؟ لا بد من طرح هذا السؤال في ظل التحولات الكبرى في المواقف التركية، وخصوصاً ذهاب أردوغان إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري. لم تكن خطوة أنقرة في التطبيع مع دمشق بالمسألة السّهلة، لكن أردوغان يريدها أن تكون دافعاً أساسياً لتحقيق المزيد من أهدافه في سوريا وداخل تركيا قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية. لا يعني ذلك بالنسبة إلى أردوغان وفق ما تقول مصادر تركية أنه سيتخلى عن المعارضة السورية أو عن أهدافه في سوريا، إنما هذه الخطوات ستهدف إلى تثبيت النقاط التركية في سوريا.

يركز أردوغان بشكل أساسي على الانتخابات التي يريد خوضها، في مواجهة تحالف سداسي يضم الأحزاب المعارضة له. هذا التحالف كان يضم الكثير من القيادات المعارضة التي تريد فتح العلاقات مع النظام السوري تحت عنوان السعي إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية. اختار اردوغان اللحظة المناسبة لقطع الطريق على معارضيه، بالاستناد إلى علاقته مع روسيا ومع إيران قرر إعادة التواصل مع النظام السوري، للبحث في عناوين أساسية من شأنها أن تعزز وضعه الانتخابي.

أهم هذه العناوين، أن يعمل على التواصل مع النظام السوري حول إعادة اللاجئين السوريين ووقف تدفق المزيد منهم باتجاه الأراضي التركية. وهذا من شأنه أن يرتد عليه إيجاباً في الداخل. ثانياً، فإن أي عملية لإعادة اللاجئين لا بد لها أن توفر لهم منطقة آمنة يعودون إليها، وهو سيتفاوض مع النظام حول هذه المنطقة الآمنة والتي ستعيد إحياء ما يسمى اتفاق أضنة مع سوريا والذي تم توقيعه في العام 1998 ويضمن بموجبه الأمن القومي التركي، هذا الاتفاق الذي ينص على ضمان أمن تركيا من أنشطة حزب العمال الكردستاني، وبحال لم تنجح سوريا بمنع هذه الأنشطة فيمكن لتركيا أن تقوم بما تراه مناسباً لأمنها، وهذا يعني أن أردوغان سيحقق مكسباً انطلاقاً من استعادة العلاقة مع النظام السوري لمحاصرة الأكراد أكثر. ثالثاً، سيحصل أردوغان بموجب التفاوض مع النظام السوري واستعادة العلاقات على اعتراف بشرعيته في المناطق التي دخل إليها والتي يحتاجها أن تكون آمنة لضمان حماية الحدود التركية.

يمكن وضع تلك الأهداف المذكورة بأنها ذات مدى قصير ومتوسط، ولكن هناك أيضاً أهداف ذات مدى أبعد تتعلق باستراتيجية الوجود التركي في تلك المنطقة، خاصة أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال ترفض إعادة تعويم النظام السوري، كما أن دولة قطر والتي يربطها تحالف استراتيجي وثيق مع تركيا ترفض تطبيع العلاقات مع النظام، وبالتالي فإن الإستراتيجية التركية تقوم على تحقيق الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، في مقابل الاستمرار بالسعي لتحقيق أهداف ذات مدى بعيد أي عندما يحين موعد التسوية في سوريا، وهو ما أبلغه مسؤولون أتراك للعديد من المسؤولين الدوليين وللمعارضة السورية بأن ما يقومون به يهدف إلى التمهيد لمرحلة انتقالية سياسياً في سوريا، وفيها سيكون هناك حاجة أساسية لتسوية مع المعارضة السورية وتشكيل حكومة انتقالية.

بناء على هذا الكلام، يمكن اتضاح المسار التركي أكثر، والذي يقوم على فتح التواصل الأمني والسياسي مع النظام في مقابل إبقاء العلاقات مع المعارضة السورية قائمة وقوية تمهيداً حتى يحين موعد التسوية الدولية حول الملف السوري، خصوصاً أن تركيا تعلم مدى الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا وهذا سينجم عنه فراغات كثيرة في سوريا، بالإضافة إلى الانشغال الإيراني بالاحتجاجات الداخلية وبالعقوبات المفروضة والتي تنعكس سلباً على مناطق سيطرة الإيرانيين ونفوذهم سواء في سوريا أو العراق أو لبنان، ولا يخفى الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمالي السوري المتفجر خصوصاً في ظل انقطاع المحروقات وعدم قدرة إيران على إرسال المساعدات النفطية إلى دمشق. هذه الوقائع كلها بنظر الأتراك ستكون لها ارتدادات سياسية، ولذلك لا بد من التقدم أكثر في سوريا ولو من باب بناء علاقات مع النظام، كي تكون أنقرة قادرة على التدخل عندما تحين اللحظة.

هدف استراتيجي آخر تسعى أنقرة إلى تحقيقه وهو ما لم تنجح بتحقيقه سابقاً من خلال التفاهم مع الأميركيين، هذا الهدف يرتبط بالوجود التركي في شرق الفرات والذي سعت أنقرة في أكثر من مرة لتحقيقه مع واشنطن ولم تنجح، فهي حالياً تعمل على تحقيقه من خلال التفاهم مع روسيا ومع النظام السوري على حساب الأكراد.

تقدم أنقرة على هذه الخطوات كلها في ظل اعتماد سياسة التهدئة وترتيب العلاقات مع كل دول الجوار، فأردوغان عمل على تحسين علاقاته بإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، إلى جانب علاقاته الجيدة مع روسيا وإيران بالإضافة إلى تحالفه مع الأميركيين. هذا كله يريد أن يخوله في أن يكون اللاعب الأبرز على الساحة السورية في المرحلة المقبلة عندما يستفحل الانهيار السوري في ظل انعدام القدرة على تحصيل أي مساعدات وعلى إثر اشتداد أثر العقوبات.

تلفزيون سوريا

————————–

هل يمكن تحقيق تسوية في سوريا بعيداً عن واشنطن؟/ العقيد عبد الجبار العكيدي

iفي موازاة الاندفاعة التركية نحو التطبيع مع نظام الأسد، تقوم أنقرة من جهة أخرى بحملة دبلوماسية نشطة تجاه إفريقيا والبرازيل، وربما تختتمها في واشنطن في الزيارة المزمع القيام بها من جانب وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو في 17 كانون الثاني/يناير.

ولعله لم يعد خافياً على أحد أن تركيا تواجه في الوقت الراهن جملة من التحديات، أبرزها مسألتان: الأولى هي الاستحقاقات الانتخابية في حزيران/يونيو، وهذا ما يجعلها تحث الخطى وتسابق الزمن لتحقيق ما يمكن تحقيقه من منجزات سياسية على المستوى الخارجي، من شأنها أن تستثمرها في العملية الانتخابية، فضلاً عن بعض المبادرات الاقتصادية على المستوى الداخلي كرفع أجور العاملين في الدولة وتخفيض الضرائب البنكية وسوى ذلك.

أما المسألة الثانية فتتجسّد بالتحدّي القائم تجاه وجود قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي جسّد بقاؤها على الحدود الجنوبية لتركيا حرجاً كبيراً لحكومة حزب العدالة والتنمية، وخصوصاً في ظل التلويح التركي الدائم بعملية عسكرية قيامها مرهون بجملة من التوافقات الدولية، لم تتمكن أنقرة حتى الوقت الراهن من تحقيقها. وحيال هذا الاستعصاء الدولي الذي يجعل حكومة أنقرة تبحث عن بدائل سياسية عن العمل العسكري، كانت الانعطافة تجاه نظام بشار الأسد وبدفع روسي واضح، أملاً في تحقيق هدف مزدوج يكمن جانب منه في تشكيل تحالف تركي أسدي ضدّ قوات قسد، موازاة مع تحقيق تسوية بين نظام الأسد والمعارضة السورية، يدفعها إلى ذلك ثقتها الكبيرة باحتواء المعارضة السورية وعدم خروجها عن السياق السياسي للأهداف التركية.

ولكنّ هذا المسعى التركي الذي ينبثق عن نزعة رغبوية أكثر مما ينبثق عن حسابات دقيقة للوقائع، لن يخرج عن كونه بحثاً عن المخارج في الوقت الضائع، بل ربما غدا ضرباً من المغامرة، لسبب جوهري يكمن في تجاهل أنقرة للدور الأميركي الذي لا يزال يحتفظ بكل قوة حضوره في المشهد السوري، وذلك على الرغم من عدم انخراط واشنطن بشكل مباشر في المسألة السورية، ولئن تذرعت تركيا بالقول: ما الذي فعلته واشنطن حيال القضية السورية خلال عشر سنوات مضت؟ على حدّ تعبير وزير الخارجية التركية، فالجواب هو أن الانكفاء الأميركي عن إيجاد حل للقضية السورية كان السمة الأساسية لسياسة واشنطن حيال القضية السورية، ولكنها تستطيع أن تعطّل أي حلّ أو مبادرة أخرى إن كانت لا تتوافق مع مصالحها أو تهدد حلفاءها في المنطقة، ويمكن الإشارة بإيجاز شديد إلى أهم البواعث الأميركية لتعطيل أي مسعى أو مبادرة مشتركة بين موسكو وأنقرة:

أولاً، لعله من الصحيح أن التدخل الروسي المباشر في سوريا كان بتفويض أميركي/أوروبي، وصحيح أيضاً أن الغرب الأميركي والأوروبي لم يعبأ بمجمل الجرائم التي ارتكبها الروس بحق السوريين، ولكن واشنطن ومن خلفها أوروبا، لم تسمحا حتى الآن لروسيا بأن تحصد ثمن انتصاراتها العسكرية في سوريا، إذ إن المسعى الروسي الدائم نحو الاستثمار بإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار لا يزال يواجه رفضاً غربياً على العموم، ولعل هذا يؤكد استمرار الرؤية الأميركية التي لن تتيح المجال لفلاديمير بوتين بفرض أي حلول تستبعد الجانب الأميركي، أضف إلى ذلك أن الغزو الروسي لأوكرانيا جعل من محاصرة بوتين سياسياً واقتصاديا هدفاً غربياً ليس في سوريا فحسب، بل في أماكن كثيرة من العالم.

ثانياً: تُحكم الولايات المتحدة يدها على شطر كبير من الجغرافية السورية، بل لعله الشطر الأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية، وذلك من خلال استمرار التنسيق بينها وبين أداتها التنفيذية قسد، وتوفير الحماية والدعم الكامل للحفاظ على كيان ما يُدعى ب”الإدارة الذاتية)، ولئن انتهت الحرب على داعش، إلّا أن استمرار السيطرة على الشطر الشرقي لسوريا المتاخم للعراق، يُعدُ أحد استراتيجيات واشنطن في مواجهة المدّ الإيراني الذي يتخذ من شرق سوريا مرفقاً حيوياً له.

ثالثاً: لعل الاستجابة التركية للدفع الروسي باتجاه نظام الأسد، ومن ثم إقامة تسوية سياسية في سوريا تفضي إلى إعادة مشروعية نظام الأسد وتجاهل حقوق السوريين وتضحياتهم، وكذلك تجاهل المضامين التي نصت عليها القرارات الأممية، إنما هي خطوة سوف تستعدي ملايين السوريين على أنقرة، يكفي الإشارة إلى أكثر من أربعة ملايين في الشمال السوري، فضلاً عن مجمل القوى الوطنية والسياسية السورية التي لا ترى في الائتلاف ومشتقاته سوى أداة تنفيذية للسياسة التركية.

رابعاً: في حال أصرّت أنقرة وموسكو على إقامة تسوية سياسية في سوريا بعيداً عن المدن والبلدات التي تسيطر عليها واشنطن من خلال حليفتها قسد، فإن هذه التسوية لن تكون سوى تعزيز لتكريس أو شرعنة تقسيم سوريا، وعندئذ يكون من حق الجميع أن يتساءلوا: أين هو شعار “الحفاظ على وحدة سوريا”، إذ طالما تصدّر هذا الشعار جميع بيانات أستانة؟.

الساحة السورية تحتمل أن تناور فيها جميع القوى المتداخلة، ولعل الولايات المتحدة التي تُظهر عدم المبالاة بالملف السوري، ستغض الطرف عن تدخل الجميع، والسماح لهم باللعب في فضاء جيواستراتيجي محدد، وتحقيق بعض المكاسب التكتيكية، دون الخروج عن النسق العام للسياسة الأميركية ورؤيتها للحل النهائي في سوريا، وبعد استنزافهم جميعاً ستجهض جميع التفاهمات الثنائية والثلاثية وتحبط كل خطوات التطبيع والتقارب مع النظام، من خلال تطبيق قانون قيصر المجمد حالياً لحين الطلب، وقانون توسيع الولاية القضائية للمحاكم الأميركية، بالإضافة الى قانون الكبتاغون الذي تم اعتماده مؤخراً في ميزانية وزارة الدفاع ووقع عليه الرئيس الأميركي جو بايدن والذي اعتبر ان تجارة الكبتاغون المرتبطة بنظام بشار الأسد تشكل تهديداً أمنياً عابراً للحدود.

المدن

————————

أميركا والتطبيع السوري التركي/ مروان قبلان

مع تسارع خطوات التطبيع بين تركيا والنظام السوري، تحاول الولايات المتحدة، التي تجد نفسها بشكلٍ متزايد خارج دائرة التأثير، وقف، أو أقله إبطاء، وتيرة المسار الذي تقوده موسكو، ودخلت على خطّه الإمارات أخيرا، ويمثل التقاء المواقف من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بين أنقرة ودمشق ركنه الرئيس. ومع أنه لا ينبغي التقليل من قدرة الولايات المتحدة على الـتأثير في مجمل المسار القائم حاليا، نظرا إلى أدوات الضغط الكثيرة التي تملكها، خصوصا في علاقتها مع تركيا التي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة، في ظل ارتفاع مستوى التضخّم وتدهور سعر الليرة على أبواب انتخابات حاسمة هذا العام، فضلا عن وجودها العسكري شمال شرق سورية، إلا أن ذلك يظل رهنا بأولويات واشنطن الدولية الأخرى (تقع أوكرانيا على رأسها حاليا) ومدى استعدادها لخسارة حليفٍ بأهمية تركيا، ودفعه أكثر إلى أحضان موسكو في مرحلة فاصلة من عمر الأزمة الأوكرانية والصراع بين روسيا وحلف الناتو، خصوصا وأنه ثبت بالتجربة أن الدول (تركيا في هذه الحالة) عندما تُخير بين مصالحها الاقتصادية واحتياجاتها الأمنية، فإنها لا تتردّد في اختيار الثانية، وهو ما حصل مع روسيا عندما قرّرت غزو أوكرانيا العام الماضي، رغم أنها كانت تدرك أن ذلك سوف يدمّر علاقاتها مع شريكها التجاري الأول، الاتحاد الأوروبي.

فوق ذلك، ساهمت الولايات المتحدة، باتّباعها سياسة النأي بالنفس، في إضعاف قدرتها على التأثير في الساحة السورية. وباستثناء مناطق شرق الفرات، تكاد الولايات المتحدة لا تملك وزنا في بقية جوانب المسألة السورية، فمنذ العام 2014، أي منذ صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وسيطرته على مناطق واسعة من سورية والعراق، حصرت الولايات المتحدة اهتمامها بسورية في القضاء على التنظيم ودولته، متخلّية عن كل دور آخر لها، بما في ذلك في العملية السياسية. وكانت الولايات المتحدة تتجنّب قبل ذلك القيام بأي دور قيادي في المسألة السورية، إذ أوكلت بين عامي 2011 – 2013 إلى تركيا وبقية حلفائها في المنطقة إدارة الملف السوري، فيما اكتفت هي، نتيجة انشغالها بمفاوضات الملف النووي الإيراني، ورغبتها في الانسحاب من المنطقة، في لعب دور توجيهي. ومنذ عام 2013، أي مع بداية إدارة أوباما الثانية، ومع تسلم جون كيري منصب وزير الخارجية، نقلت واشنطن إدارة الملف السوري إلى موسكو، وتكرّس ذلك أكثر بعد التدخل العسكري الروسي عام 2015، إذ استمرّ تراجع الدور الأميركي في مجمل القضية السورية التي باتت، من وجهة نظر واشنطن، مجرّد حربٍ على الإرهاب، فيما صارت عبارة “الحل في موسكو” لازمة في كل التصريحات الأميركية الخاصة بالمسألة السورية.

ومع بداية العام 2017، صار واضحا أن القضية السورية باتت شأنا تركيا – روسيا، إذ تم إنشاء مسار أستانة، الذي نجمت عنه تفاهمات سوتشي مطلع عام 2018، وأخذ يحلّ تدريجيا محلّ مسار جنيف، بعد التوافق على تشكيل اللجنة الدستورية خريف 2019، حيث صار الحلّ يرتكز على وضع مسوّدة دستور جديدة، تعقبها انتخابات رئاسيةٌ وبرلمانيةٌ تنهي الأزمة في سورية. لم تعترض الولايات المتحدة على هذا المسار، بل دعمته على أمل أن يصرف عنها عناء النظر في القضية السورية. وفي عهد الرئيس ترامب، بلغ التجاهل الأميركي للقضية السورية ذروته، وعبّر عن ذلك تصريح هذا الأخير بأن سورية بالنسبة إليه لا تعدو كونها “أرض موت ورمال”.

لم يتغير شيء، في عهد بايدن، سوى أن واشنطن أمعنت في تجاهل مخاوف حليفها التركي عبر زيادة دعمها “قسد”، ما مكّن روسيا، في نهاية المطاف، من إقناع تركيا بأن مصالحها الأمنية يمكن أن تتحقّق بشكل أفضل من خلال التعاون معها وبالتفاهم مع النظام السوري. من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرةً في هذه المرحلة على تلبية مطالب تركيا لوقف مسار التطبيع مع دمشق، أو ما إذا كانت مهتمة بذلك فعلا خارج إطار العبارة التقليدية بأنها “لا تدعم التطبيع مع النظام السوري”. في كل الأحوال، قد تكون واشنطن تعلمت أن غيابها عن أداء دور ما لا يعني إلغاء ذلك الدور، بل يعني أن آخرين سوف يتقدّمون لشغله، وهو ما يحصل اليوم بين أنقرة وموسكو بخصوص سورية.

العربي الجدي

————————

ماذا لو عاد السوريون إلى الشارع؟/ بسام يوسف

تداول السوريون منذ فترة “هاشتاغ” (سنعيد سيرتها الأولى)، وكان المحفز الأساسي لإطلاقه هو ما بدأ يُشاع عن تقارب تركي مع نظام بشار الأسد، الأمر الذي أيقظ خوف السوريين على احتمال فاجع، وهو أن يجدوا أنفسهم بعد كل ما فعلوه وقدّموه وضحوا به، تحت سلطة قاتلهم مرة أخرى.

ربما لا يكون دقيقاً الحديث عن سيرة أولى وسير أخرى بعدها، فما حدث ليس استبدال سيرة بسيرة أخرى، إلا إذا كنا نقصد بالسيرة من يتصدرون الواجهة، هنا يصبح للحديث وجه آخر، أما إذا كنا نقصد الهدف الذي سعت إليه الثورة منذ بدايتها فهو لم يتغير، ولم يتم التخلي عنه حتى اللحظة، وما نزول السوريين إلى الشوارع في المناطق الخارجة عن سيطرة عائلة الأسد، إلا للتأكيد على أنهم لايزالون على مطلبهم بنهاية حكم عائلة الأسد.

نعم هناك محطات ونتائج كثيرة لم يكن السوريون يتوقعونها في مسار ثورتهم، لكنهم لم يتوقفوا، ولم يتخلوا عن مطالبتهم بما قاموا من أجله، ما أوحى بأنهم توقفوا عن انتظارهم، انتظارهم لمن تصدروا واجهة ثورتهم، وانتظارهم لمن ظنوا أنهم يقفون معهم أو يساندون قضيتهم، وها هم بعد خيبة أملهم يقررون أن يواصلوا ما بدؤوا به.

كثيراً ما يكتب سوريون “مثقفون” و”سياسيون” عن صعوبة استعادة السوريين لسيرة ثورتهم الأولى، يذكّرني هذا بعشية شهر آذار 2011م، حين كان معظم المثقفين والسياسيين السوريين يتحدثون لساعات عن صعوبة أو استحالة تحرك الشارع السوري، وكانت التنظيرات التي تفسّر هذه الاستحالة تتنافس في عمق تحليلاتها، وأهميتها بين جلسة وأخرى ومثقف وآخر، لكنهم وعندما نزل مئات آلاف السوريين إلى الشوارع، لم يتبادر إلى ذهن أولئك المثقفين أو السياسيين، أن يعترفوا بأنهم لم يفهموا يوما الشارع الذي يدعون أنهم نبضه وصوته.

اليوم تتكرر الحكاية ذاتها، فمن منا لم يكتب ويتحدث ويرى أن الشأن السوري خرج من يد السوريين، وأن الأطراف الدولية هي التي ستقرر كل ما يخصنا، بما في ذلك عدد أرغفة الخبز التي سنأكلها لاحقاً، وأن ألف باء الذكاء السياسي يتطلب منا فهم مصالح الأطراف الخارجية، كي نفهم أبسط قواعد العمل في السياسة، لا بل إن عبقرية التكتيك السياسي دفعت بعض الجهابذة للذهاب إلى إسرائيل، متوهمين أنهم سبقوا الآخرين في التكتيك السياسي، وأنهم طرقوا باب من تملك الحل والربط، مباشرة وبلا مواربة.

لم يكن مثقفو سوريا وسياسيوها يوماً على معرفة جيدة بما يفترض أنهم الأعرف به، وأقصد الواقع السوري، وكانوا دائماً أسرى ما يستحضرونه من كتب وتجارب الآخرين، محاولين تفصيل الواقع عليه، ولهذا لم تكن الثورة ممكنة برأيهم، وعندما أصبحت واقعاً لا يمكن نكرانه، لم يعرفوا كيف يقيسونها على رؤوسهم فاتهموها، أو تاجروا بها، أو طعنوها، واليوم يعيدون مرة أخرى استعمال مقاييسهم، لينجّموا لنا عن أيامنا القادمة.

إن كان هناك من ميزة يتفرد بها “مثقفو” و”سياسيو” عالمنا العربي عموماً، والمثقفون السوريون  خصوصاً، فإنها تتلخص بعبقريتهم في استحضار التبريرات المناسبة لكل الأخطاء التي اقترفوها بسوريا، تتلخص حكمة وعبقرية المثقفين والسياسيين السوريين بمدى قدرتهم على التبرير، فما من مشكلة في تكرار أخطائهم مراراً طالما أنهم قادرون على إيجاد التبرير لها مجدداً.

اليوم، وبعد سنوات من انكفاء الشارع السوري، بسبب من ركبوا على ثورته، وليس بسبب تبدل أهدافه، وبعد سنوات من ترّهات المعارضة وتحليلاتها، وبعد القناعة العميقة بأن الانتظار واليأس والعجز هي مرتكزات الهياكل الهشة التي تتحدث باسمهم، يقرر الشارع أن يستعيد كلمته، وأن يسعى بنفسه إلى هدفه، غير مبالٍ بكيفية تفسير وقراءة نخب الخيبات، لأسباب واحتمالات المرحلة الجديدة.

بالتأكيد يحاول السوريون عبر حراكهم منع تركيا من محاولة تعويم نظام بشار الأسد، لكن ماذا لو مضى أردوغان في سياسته وتقارب مع بشار الأسد، وحاول بالتعاون مع أطراف عربية أخرى تعويم نظام الأسد من جديد، لا سيما أن هناك من يرحب ويعمل لتعويم الأسد، وإذا تغاضت أميركا عن هذا التعويم، وهي المشغولة بصراعاتها الأهم؟

صحيح أن المعادلة في سوريا أصبحت شديدة التعقيد.. فالسوريون تعبوا من سنوات طويلة من القهر، والجوع، والبرد والدم، لكن ما ينساه الأتراك، وما يتناساه تابعو تركيا من السوريين، هو أن هناك خط أحمر لن يتراجع السوريون عنه مهما امتدت سنوات ثورتهم، وهو أنهم لن يعودوا مرة أخرى لحكم عائلة الأسد، وعندما تمضي تركيا في تقاربها مع بشار الأسد فإن للسوريين حديثا آخر، وأن أي تفويض يمنحه السوريون لن يشمل أبداً المصالحة مع بشار الأسد.

حتى اللحظة تبدو تركيا مصمّمة على خطة تقاربها مع بشار الأسد، لكن أيضاً لا تزال العوائق أمام خطتها مع روسيا في سوريا أكبر من أن يتم تجاهلها، فالأميركيون يواصلون إطلاق التصريحات الرافضة لما اتفقت عليه موسكو وأنقرة، والمتظاهرون السوريين الذين ذكروا حكومة أردوغان بالجملة التي لم تجرؤ على قولها هياكل المعارضة السورية الرسمية: (هي سوريا مو إسطنبول)، والأهم أن الجميع يشتغل في لحظة انشغال الإيراني بالنار المشتعلة في لباسه الداخلي، والذي قد يجد نفسه مضطراً إلى رفض إضعافه في ملف يشتغل عليه منذ عشرات السنين، ودفع من أجله عشرات مليارات الدولارات.

عموما، وفي تجارب كثيرة سابقة، يعرف حلفاء أميركا أنه لا يمكن المراهنة على الموقف الأميركي، ولهذا ستحاول أنقرة الحصول على موافقة واشنطن، ومن أجل ذلك سيتوجه وزير الخارجية التركية إلى واشنطن، لكن في حال عدم موافقة واشنطن، فهل ستغامر أنقرة بانحياز واضح إلى موسكو، لا سيما أن روسيا المنهكة بحربها مع أوكرانيا سيكون ابتزازها سهلاً، وأن سوريا وبشار الأسد من ضمن الأوراق التي تقدمها روسيا.

قد تكون المرحلة القادمة هي الأخطر في وقائع الحدث السوري، فالحلول التي تقترحها أطراف خارجية لاتزال تصر على تجاهل جوهر الصراع، وتجاهل الحد الأدنى من متطلبات استقرار الدولة السورية، لن تعيش مهما تعددت الأطراف المتوافقة عليها، وستظل عرضة للانهيار إذا لم تكن تمثل الحد الأدنى من حاجات المجتمع السوري.

في كل هذه المصالح المتضاربة يتم تغييب السوريين.. فهل تنكسر المعادلات كلها عندما يعود السوريون إلى الساحات داخل سوريا وخارجها؟.. وهل يبادر السوريون إلى إعلان وثيقة سورية تنص على حقوق ثابتة للسوريين، ليس لأحد في هذا العالم أن ينتقص منها فيلجمون بها واجهات العار التي تدعي تمثيلهم؟!

بسام يوسف

تلفزيون سوريا

———————–

مبادرات لحل الأزمة السورية/ محمد برو

تشهد الأزمة السورية حالة انغلاق مأساوي، تجعل الأزمة في انحدار مستمر، وبينما نجد العالم منشغلا بأزماته، التي تتجاوز حدود القارات كأزمة فيروس كورونا الذي حبس المليارات في بيوتها رعبا من موت يحصد الملايين، والأزمة الروسية الأوكرانية التي تبشر بشتاء قاس للأوروبيين، كما تهدد شعوباً برمتها بكوارث وربما مجاعات قادمة، علاوة على جملة من التهديدات التي لا نعرف إلى اليوم أيها سيمضي إلى منتهاه الكارثي وأيها سيبقى محض ضجيج يهذر به المأزومون، في هذه الأجواء السريالية، يمسي الحديث عما يعانيه السوريون عامةً، لدى المجتمع الدولي، حديثاً غير ذي بال، وهذا ما يتبدى واضحاً في مطالعات الصحف والقنوات الإخبارية التي تنأى بنفسها عن ذكر ما يعيشه السوريون من حصار وفقر ومقتلة مستمرة، لهذا السبب ولأسباب أخرى ينبري العديد من السوريين “أفراداً أو منظمات” المهتمين بالشأن السوري والغيورين على هذا الدم المهراق بالمجان، والذي ينذر بغد مترع بالأحقاد والضحايا، ليبادروا باجتراح أفكار ومبادرات تعد بتقديم حل لهذه الأزمة المستعصية، أو للتخفيف من تداعياتها.

في البدء يحسن بنا أن نتذكر أن معظم المبادرات التي نسمع بها بشكل متكرر تصدر عن سوريين يؤلمهم حال الغالبية العظمى من السوريين، الرازحين تحت قهر وتجبر النظام، والسوريين الذين تطحنهم مدن اللجوء، مع تفاوت سويات العيش بين مدينة وأخرى، لكن الغالبية العظمى منهم يعيشون قلق الغد ولا ينعم معظمهم بالاستقرار، فالقوانين الطارئة والشحن اليميني والعنصري يلاحقهم حيثما كانوا، المهم أن معظم هذه المبادرات تصدر عن متألمين ومناصرين للهم السوري عموما ولحال الناس العاديين على وجه الخصوص، فلا يحسن بنا أن ننتقدهم بعدوانية من ينتقد الخصوم أو الخائنين، حتى لو أخطأت جميع تلك المبادرات بوصلتها.

لا بد أولاً أن نميز بين مبادرة لا تتعدى كونها مقترحاً نظرياً، يهبط على السوريين هبوط أشعة الشمس المنيرة، دون أن يكون لمقترحها أدنى قدرة، أو تفكير بكيفية نقل هذه المبادرة النظرية إلى حيز الفعل والتحقيق، ودون أن نأخذ بالحسبان حجم تلك المعيقات التي تقف أمام المضي بهذه المبادة إلى الأمام أصلاً، والشكل الثاني للمبادرات هي التي يومئ مقترحها بأنه قادر على إدارتها أو قيادتها، لتكون مشروعاً عملياً للحل في سوريا، وهنا تعترضنا إشكالية التمثيل، فمن يمثل السوريين في هذه المبادرات؟ وما هي آلية اكتشاف أو وصول هؤلاء الممثلين إلى موقع إدارة هذه المبادرات؟ من الطبيعي والمألوف أن يتصدر الممثلون لهذا الهم الحزب السياسي أو الكتلة الأوسع انتشاراً والتي تمثل شريحة واسعة من السوريين، وواقع الأمر أنه لا توجد مجموعة سياسية تستطيع زعم هذا، فالغالبية العظمى من المجموعات السياسية اليوم، لا تستطيع حشد أكثر من بضع عشرات أو بضع مئات من المناصرين في أحسن أحوالها، لا سيما أنها تعيش وتدير هذا الملف وهي خارج البلاد، الأمر الذي شكل عبر ما يزيد عن عشر سنوات من الشتات فجوة كبيرة بين الداخل والخارج، ولا يحسن بنا أن ننكر أن من يدير أو يتنطع لهذا الملف بالخارج، يعيش حياة مختلفة بشكل جذري، عن معاناة أهلنا في الداخل، وبالتالي حصوله على فرصة التمثيل غير متوفرة.

في مقاربة القبول بحل تبسيطي أو وسطي كما يزعم أصحابه لوقف الدم، هناك انحراف بسيط في البوصلة عند هذه النقطة، غالبا ما تسببها فداحة التكلفة البشرية، إذاً لنوقف هذه المقتلة ولو اقتضى الأمر ببقاء المجرم أو تقبل فكرة تأمين هبوط آمن له ولعصابته، وإعطائهم ما يلزم من التطمينات لإنجاح المسعى، أي غثاثة وسوء فهم وانحطاط تدبير هذا، أجدني من هذه النقطة بالتحديد متذكرا حين كنا فتيانا صغار، وكنا حينها نستغرق في الاستغراب ونحن نتابع المسلسلات والأفلام الهوليودية لمقدار التضحيات والضحايا التي يقدمها رجال البوليس الأوروبي أو الأميركي للقبض على مجرم واحد، ولم يدر بخلدنا يومها أن هذه التضحيات واجبة لأنها تصون النظام العام وتوقف انهياره، ولو قبلت بهذه المساومة (أن تعفي عن المجرم حفاظا على أرواح رجال الأمن) لتحولت المدينة إلى غابة يقرر قانونها الأقوى، كما هو حاصل اليوم في سوريا.

الشطر الأعظم من المبادرات يتحدث عن عقد اجتماعي جديد، أو توافقات على مبادئ أولية حول المواطنة وحقوق الانسان، أو تداول السلطة وتفعيل قوانين الأحزاب وحماية الأقليات أو تطمينها، وحل المسألة الكردية. جميع ما سلف مرتبط بشكل عضوي ومباشر بإرادة الحاكم الفرد، الذي ورث البلاد كما ورث سلطته عن أبيه، والذي يستحيل أن يكون لديه أدنى قبول للحد من سلطته، أو التخلي عنها عبر صناديق الانتخابات، وهو إلى ذلك مقيد إلى مئات آلاف الجرائم التي ارتكبها وأسرف في ارتكابها، وبتوسيع دائرة شركائه فيها، كيما يكون الحل المتوهم عند معارضته مستحيلاً، بذات الوقت هو مقيد إلى بنية النظام المتصلبة، والتي لا تمتلك أدنى قدرة على المناورة أو التعديل أو الإصلاح، هذا النظام المتأله، لا يملك إلا أن يحكم بشكل مطلق أو يزول، وأي توهم بإمكانية الوصول معه إلى حل وسط، ما هو إلا أحلام العصافير، وهذا ينطبق على جميع المبادرات المقترحة دوليا أو عربياً أو سورياً دون استثناء.

محمد برو

تلفزيون سوريا

—————————

ما الذي تنتظره تركيا من تطبيع علاقاتها مع الأسد؟

أنقرة: سعيد عبد الرازق

تتصاعد التساؤلات في تركيا وخارجها وبين الدوائر المتابعة والمهتمة بالشأن السوري مع كل تصريح جديد يصدر عن أنقرة بشأن التقارب مع نظام الرئيس بشار الأسد حول الأهداف التي تدفع تركيا الآن إلى الاندفاع في خطوات التطبيع مع دمشق.

في أحدث هذه التصريحات، عبّر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عن أمله أن تسهم المحادثات بين تركيا وسوريا في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، مشيراً إلى أن تلك المحادثات، التي تأتي بعد قطيعة استمرت لأكثر من 11 عاماً، جرت بنيات حسنة ومن أجل إحلال السلام في المنطقة.

تصريحات أكار، الذي شارك في الاجتماع الثلاثي الذي جمعه مع نظيريه الروسي والسوري في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي بحضور رؤساء أجهزة مخابرات الدول الثلاث، جاءت عقب أول اجتماع لوزراء الحكومة التركية برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان في العام الجديد، مساء الاثنين، ليؤشر إلى استمرار حضور الملف السوري على طاولة الحكومة كإحدى الأولويات على أجندتها.

وكان إردوغان قد لمّح، الأسبوع الماضي، إلى أنه يمكن أن يلتقي الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قريباً، عقب اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا، لم يحدد مكانه أو موعده بعد، إلا أنه ربما يعقد خلال شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، وفق تصريحات من أنقرة وموسكو. وفيما قال إردوغان إن الهدف من مثل هذا اللقاء هو تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، واصل أكار، أمس، التأكيد على الهدف ذاته. إذ أعرب عن أمله في أن يحل السلام والاستقرار عن طريق اللقاءات المتبادلة.

وكرر الوزير التركي الحديث عن أهداف بلاده من السير في طريق التطبيع مع الأسد، ولخصها في السعي لإيجاد حلول دائمة لمشكلتي الإرهاب (وجود «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية – قسد» على الحدود التركية مع سوريا)، والهجرة (نزوح السوريين إلى تركيا)، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي وآمن.

دوافع التطبيع

أما لماذا الآن؟ وما دوافع تركيا للتحرك باتجاه التطبيع مع الأسد؟ وما العوامل التي تدفعها إلى ذلك؟ الإجابة عن هذه التساؤلات تكمن في أن هناك الكثير من المتغيرات والعوامل المحركة للرغبة التركية في إعادة العلاقات، كلياً أو جزئياً، مع نظام الأسد. فعلى مدى ما يقرب من 12 عاماً منذ وقوع «الثورة» على النظام، حدثت متغيرات دولية وإقليمية كثيرة دفعت تركيا إلى تغيير حساباتها بعدما بنت حساباتها منذ البداية على سقوط الأسد ونظامه بسرعة البرق.

وإذا كان الحراك التركي نحو التقارب مع الأسد قد بدا في ذروته في الأشهر الأخيرة، فإنه ليس كذلك في واقع الأمر، فقد بدأ بشكل غير رسمي عقب التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 لمساندة نظام الأسد، وهو ما حال دون سقوط هذا النظام وغيّر موازين القوى على الأرض. ويتلاقى هذا الموقف في بعض النقاط مع الموقف الأميركي، لا سيما فيما يتعلق بمواجهة التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتشددة، وتحجيم التمدد الإيراني عبر مساندة النظام.

في الوقت ذاته كانت دفة السياسة الخارجية التركية تتحول شرقاً، لا سيما بعد شعور أنقرة بـ«الخذلان» من حلفائها الغربيين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها في 15 يوليو (تموز) 2016. فبينما وجدت حكومة إردوغان دعماً من جانب موسكو، لم تحصل على مثل هذا الدعم من جانب الولايات المتحدة وأوروبا بسبب اتساع نطاق الطوارئ والاعتقالات والتضييق على المعارضة وحرية التعبير، أو ما عده الغرب استغلالاً لمحاولة الانقلاب من جانب الرئيس التركي للقضاء على كل معارضيه بضربة واحدة، وفي مقدمهم حليفه السابق الداعية فتح الله غولن وحركة «الخدمة» التي صنّفتها أنقرة تنظيماً إرهابياً باسم «تنظيم فتح الله غولن» عقب محاولة الانقلاب.

يضاف إلى ذلك الامتعاض التركي من دعم الولايات المتحدة قوات «قسد»، التي يغلب على تكوينها «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تعدها أنقرة امتداداً سورياً لـ«حزب العمال الكردستاني»، المدرج على قوائم الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة وأوروبا، والنظر إليها (أي «قسد») كحليف وثيق لواشنطن في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي.

ورأت أنقرة بعد سنين من إعلان العداء لنظام الأسد والمطالبة بإسقاطه، أن البيئة الدولية والإقليمية تغيّرت، وأنه أصبح هناك ما يشبه «المزاج العام» لجهة القبول ببقاء نظام الرئيس السوري، لأنه أقل ضرراً من الإرهاب الذي عشش في بلاده.

ووجدت تركيا أن التمادي في التنسيق مع روسيا هو الحل في ظل تقلص الوجود الأميركي والإصرار على دعم «قسد»، وتهيأت لتركيا الظروف من خلال مشاركتها مع روسيا وإيران، كدول ضامنة لمسار آستانة، الذي بات يُنظر إليه على أنه البديل لمسار جنيف، وهو ما ضَمِن لتركيا تثبيت وجودها العسكري في مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا دون اصطدام مع النظام أو روسيا وإيران.

إقليمياً، اكتشفت تركيا أن عليها أن تعيد النظر في السياسات التي تبنتها منذ ما عُرف بـ«الربيع العربي»، وأن عليها أن تراجع علاقاتها المتدهورة في محيطها الإقليمي، فبدأت بالتحرك لتحسين علاقاتها إقليمياً بعدما اختفت من الصورة الأنظمة التي أتت بعد «الربيع» ودعمتها تركيا بكل قوة، فضلاً عن ازدياد الضغوط الاقتصادية عليها، ومحاولتها استعادة الاستثمارات الخليجية والأسواق العربية والطرق التي كانت متاحة للوصول السريع لبضائعها إلى الخليج وأفريقيا والتي تشكل سوريا إحدى نقاطها المهمة.

وإلى جانب المتغيّرات الدولية والإقليمية، فهناك عوامل داخلية ضاغطة على إردوغان وحكومته، فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية الداخلية في تركيا نجحت أحزاب المعارضة في إبراز ملف اللاجئين السوريين واستخدامه في تأجيج حالة الاستقطاب السياسي ونقله من المربع الإنساني إلى دائرة الصراع السياسي. وظهر توافق واسع بين أحزاب المعارضة على فكرة إعادة العلاقات مع نظام الأسد من أجل النجاح في تسوية ملف اللاجئين الذي بات إحراز تقدم فيه مطلباً شعبياً في تركيا، وهو ما دفع إردوغان إلى التحرك السريع لنزع هذه الورقة المؤثرة من أيدي المعارضة ومحاولة إحراز تقدم فيها حتى لا يفقد السلطة التي احتفظ بها على مدى 20 عاماً.

وعلى الرغم من أنه يوجد في تركيا ما يشبه الإجماع على قبول التطبيع مع الأسد، فإن هناك تسليماً بأنه لا يجب انتظار الكثير من هذا الأمر، لا سيما إذا كان من يقوده هو إردوغان، فباستثناء الانتهاء من ملف اللاجئين عبر الحصول على ضمانات من النظام، لا ترى الدوائر السياسية أنه يمكن أن يكون هناك ما يفيد على صعيد مكافحة الإرهاب والقضاء على تهديدات «الوحدات» الكردية عبر النظام الذي سلّم مفاتيح شمال سوريا لـ«العمال الكردستاني». ويشكك بعض الكتّاب المحسوبين على المعارضة، ومنهم الكاتب في صحيفة «قرار»، عثمان سرت، في إحراز نجاح فيما يتعلق بإعادة اللاجئين. إذ يقول سرت في هذا الإطار إنه «ليس هناك أي سبب لإقناع اللاجئين في تركيا بالعودة إلى سوريا، فحتى الذين هناك يعانون من الأزمة الاقتصادية. وليس هناك ما يَضمن أنه إذا انسحب الجيش التركي من شمال سوريا، لن يجد المدنيّون طريقاً للعبور إلى تركيا». وذهب إلى أن الاستعجال في خطوات التطبيع، حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا العام الماضي، «يدل على انعدام البصيرة، كما لو أن تركيا لم تراكم قوّة في وضعها الجيوسياسي بسبب موقفها من الحرب الأوكرانية، ولذلك تدفع تكلفة عالية لقرارات ظرفيّة تتطلب اتباع مسار ديناميكي، وأن الحكومة لا تنظر إلا إلى ما قد تقوم به روسيا من تأجيل ديون الطاقة إلى ما بعد الانتخابات، بينما المجتمع التركي أرهقته مسألة اللاجئين ويريد لهم العودة بأي ثمن لكن قدرة سوريا على الاستيعاب والحقائق على أرضها غير كافية لملء عناوين مثل: ها هي أولى خطوات التطبيع»، حسبما يقول سرت.

وفي الواقع، يسود اعتقاد لدى صانعي القرار في تركيا بأن عملية التطبيع مع النظام السوري ستأخذ وقتاً طويلاً، حتى لو عقد لقاء بين إردوغان والأسد قريباً، وأن العملية الجارية مع النظام ستكون ناجحة إذا تمكنت تركيا من خلالها من تحقيق أهدافها الرئيسية المتمثلة في التعاون لإنهاء تهديد «قسد» ومشروع إقامة دولة كردية على حدودها، وضمان مشروعية للوجود العسكري التركي في شمال سوريا عبر اتفاق مع روسيا والنظام على الاحتفاظ ببعض النقاط على غرار ما هو قائم في شمال العراق. وهذا الأمر مرفوض من جانب روسيا قبل النظام السوري. وعبّرت موسكو صراحة من قبل عن رغبتها في العمل بموجب اتفاقية أضنة للعام 1998 التي تسمح للقوات التركية بالتوغل في الأراضي السورية لمسافة 5 كيلومترات حال وجود خطر على أمن البلاد، بينما لا تثق أنقرة بقدرة النظام على السيطرة التامة على الحدود، وتوفير ضمانات تسهّل لتركيا إعادة اللاجئين.

ويرى مراقبون أن أي عملية لإعادة العلاقات مع نظام الأسد إلى طبيعتها كما كانت قبل 2011 لن تكون بالأمر السهل، رغم محاولات موسكو إحداث اختراق، وأن لقاء إردوغان والأسد على المدى القصير لن يخرج عن كونه «حملة دعاية روسية مستعجلة»، لأن الوزراء والمؤسسات الأخرى بحاجة إلى مناقشة الموضوع وعرضه على الرؤساء لتوضيح خطوط معينة، وخلافاً لذلك سيكون أي لقاء عاجل مجرد «مناسبة لالتقاط الصور»، حسبما قال المحلل التركي ليفنت كمال.

الشرق الأوسط

————————–

أوهام عملية سوريا/ روبرت فورد

اندلعت مظاهرات ضخمة، قبل أيام، في مناطق من سوريا، رفضاً للتقارب بين حكومة بشار الأسد وتركيا.

ربما أكون شديد الارتياب والتشاؤم، ويتعيَّن عليَّ كذلك الاعتراف بالأخطاء الكثيرة التي اقترفتها عندما عملت في الملف السوري منذ عشر سنوات، لكن رأيي باختصار هو أن هذه لعبة سياسية بين الأتراك في عام انتخابات، بجانب مساعي الرئيس إردوغان للفوز ببعض المزايا لحساب المصالح التركية الحيوية في شمال سوريا، في مواجهة دمشق وموسكو والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

أولاً: لا تخلو السياسات الانتخابية من صعوبة أمام إردوغان. ومن بين القضايا السياسية التركية، تحظى مسألة إطلاق بداية جديدة مع سوريا بشعبية في أوساط الشعب التركي. وتبعاً لاستطلاع رأي أجرته في ديسمبر (كانون الأول) مؤسسة «متروبول بلس»، أعرب 59 في المائة من الأتراك عن رغبتهم في دخول إردوغان في محادثات مع الأسد، في الوقت الذي عارض 29 في المائة هذا الأمر. وتبدو التحديات القائمة هنا واضحة، ما بين أهمية عقد اجتماع مع الأسد، وتعهد إردوغان للناخبين الأتراك بإطلاق سياسة جديدة تجاه سوريا، بجانب التحدي المتمثل في قضية اللاجئين.

ويحتاج إردوغان ليُظهر، على الأقل، أن ثمة عملية سياسية تبدأ. وتذكروا هذه الكلمة جيداً: «عملية».

واليوم، هناك بعض مجموعات العمل الجديدة ثنائية الأطراف التي تشكلت في أعقاب اللقاء الذي جمع وزراء الدفاع الروسي والتركي والسوري. ومن المحتمل أن يعقد وزراء خارجية الدول الثلاث لقاءً مشابهاً، بل وربما يلتقي رؤساء الدول الثلاث قبل الانتخابات، أو أن يطلق إردوغان تعهداً بمقابلة الأسد. ويمكنه أن يدّعي وجود عملية قائمة.

في تلك الأثناء، من الواضح أن الأسد لا يروق له إردوغان ولا يثق به. ومع ذلك، يضغط الروس على الأسد كي يقبل ببناء عملية، وسيطلب هو منهم مكافأة مقابل ذلك.

وفي سياق متصل، زار وزير الخارجية الإماراتي دمشق من جديد، وربما ناقش هناك سبل إقناع الأسد بعقد اجتماع. ويذكرني الأمر بالتركيز الأميركي الشديد على فكرة وجود عملية تفاوضية في عهد إدارتي بوش الأب وكلينتون منذ ثلاثين عاماً مضت، في خضم مساعي الإدارتين لإقرار سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

الواقع أننا شهدنا الكثير من مجموعات العمل، وحزم المساعدات واللقاءات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وبالفعل، تفرز مجموعات العمل واللقاءات صوراً عظيمة، لكن اسألوا الفلسطينيين عما أنتجته العملية التفاوضية. وحدها التنازلات والحلول الوسط والاختيارات الصعبة قادرة على تحقيق تقارب دائم، إلا أنه حتى هذه اللحظة، لم تقدم كل من دمشق وأنقرة تنازلات أو تسويات حقيقية.

وفي تصريحات لوسائل إعلام تركية في 6 يناير (كانون الثاني)، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، إن بلاده لن تقبل موجة جديدة من اللاجئين من سوريا، الأمر الذي يحمل خلفه ثلاث رسائل واضحة: الرسالة الأولى أنه يخبر دمشق وموسكو بأن أنقرة لن تقبل مسألة شن هجوم روسي – سوري للسيطرة على إدلب وشمال حلب. وجاءت الرسالة الثانية في توقيت مثالي تماماً، ومفادها أنه داخل الأمم المتحدة في نيويورك، هذا الأسبوع، لا ينبغي لموسكو إعاقة جهود توصيل مساعدات إنسانية من تركيا لإدلب وشمال حلب، الأمر الذي سيستفز آلاف السوريين المشردين، ويدفعهم إلى محاولة دخول تركيا، هرباً من التضور جوعاً. أما الرسالة الثالثة، فجاءت ضمنية بدرجة أكبر، ومع ذلك ظلت واضحة: الاحتلال التركي في شمال سوريا سيبقى حتى يجري التوصل لترتيب تقبله أنقرة، وكذلك السوريون المشردون.

في المقابل، فإنه لأسباب سياسية «واقتصادية» واقعية، لن يرحب الأسد بعودة اللاجئين في المستقبل المنظور.

وفي تصريحاته التي أدلى بها في السادس من يناير، قال آكار أيضاً إن تركيا ستمضي في القتال ضد الإرهابيين، وأشار مباشرة إلى منطقة الحكم الذاتي في شمال سوريا، الخاضعة لسيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري، وميليشيا «وحدات حماية الشعب» المرتبطة بالعدو الأول لتركيا؛ «حزب العمال الكردستاني».

وأعلن آكار أن قوات الأسد ليس بإمكانها تدمير إدارة الحكم الذاتي، وأن سوريا الأسد ضعيفة اقتصادياً وعسكرياً، وأن هذه الحقيقة لن تتبدل. وبذلك، أقر آكار بالقيمة المحدودة للتقارب مع دمشق من منظور أنقرة.

ومع ذلك، فإنه بالنظر إلى أن اعتبارات المشهد السياسي الداخلي في تركيا تطالب ببناء عملية سياسية، قَبِلَ آكار في أثناء وجوده في موسكو فكرة تسيير دوريات مشتركة جديدة بالتعاون مع الروسيين والسوريين على طول الحدود المشتركة.

ومن المحتمل أن تقيد الدوريات المشتركة إدارة الحكم الذاتي التابعة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» بعض الشيء، لكنها لن تقضي عليها تماماً.

وعلى أقصى تقدير، يمكن أن نشهد تعاوناً بين أنقرة وموسكو ودمشق من أجل معاونة القوات السورية الضعيفة والقوات الروسية للسيطرة بدرجة أكبر على منبج وتل رفعت في شمال وسط سوريا. ومع هذا، فإنه على امتداد المستقبل المنظور، ستبقى إدارة الحكم الذاتي، وبالتالي الاحتلال التركي، بغض النظر عن اعتراضات الأسد.

ونظراً لأن إدارة الحكم الذاتي و«وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية»، ستبقى؛ جاءت استجابة واشنطن معتدلة. وكرر المبعوث الأميركي لدى سوريا، الأسبوع الماضي، أن واشنطن لن تقدم شيئاً لسوريا، وأن الأميركيين ليس لديهم ما يقدمونه لتركيا بخصوص القضية السورية.

ومع ذلك، تخيّل لو أنه جرى فتح سفارتين تركية وسورية في العاصمتين. بالطبع، ستعترض واشنطن، وماذا بعد ذلك؟ ستستمر «وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية» في الترحيب بالتعاون الأميركي والمساعدات الاقتصادية والحماية الأميركية، وستمضي واشنطن بالتعاون مع شركائها من «قوات سوريا الديمقراطية» في محاربة فلول تنظيم «داعش» التي تظهر في شرق سوريا. والواضح أن البعثة الأميركية ليس باستطاعتها تسوية مشكلة «داعش» في سوريا، أو الصراع السوري.

وتعي واشنطن هذا الأمر جيداً، لكن اعتبارات السياسة الداخلية لديها تطالب هي الأخرى بعملية سياسية في سوريا.

الشرق الأوسط

————————–

40 يوماً من اللعب بالأحجار في الشمال السوري

نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 5 يناير/نكانون الثاني 2023 على موقع “fikirturu“

لماذا تكررت المحادثات على خط أنقرة – دمشق؟ ما الذي تغير في أخر 40 يومًا قبل هذه العملية؟ ما القوة التي حاولت الاستيلاء على ماذا؟ ما التطورات على الأرض التي تقرب بين سوريا وتركيا؟

لماذا أصبحت المحادثات على خط أنقرة-دمشق أكثر تواتراً؟

 ما الذي تغير في أخر 40 يوماً قبل هذه العملية؟

 من هي القوة، التي حاولت السيطرة وعلى ماذا؟

ما هي التطورات على الأرض التي تقرب بين سوريا وتركيا؟

في الأيام الأخيرة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كان الجمهور التركي يتوقع عملية عسكرية في شمال سوريا، ولكن بعد أكثر من شهر من ذلك لم تتم العملية عبر الحدود، بل على العكس من ذلك ولأول مرة منذ 11 عاماً التقى وزيرا دفاع البلدين في روسيا. ظاهرياً تم استبدال الخيار العسكري بالخيار الدبلوماسي.

أعلم أنه لا فائدة من الإصرار، غير الضروري، لكنني ما زلت أعتقد أنه ستكون هناك عملية عسكرية عبر الحدود في المستقبل القريب، ولكن تشير أحداث الشهر الماضي أن العملية المحتملة في شمال سوريا ستكون جزءاً من سلسلة خطوات أوسع بكثير، والسبيل لفهم ما ستكون عليه هذه الخطوات هي معرفة ما حدث في سوريا في الشهر الماضي.

ملخص أخر 40 يوماً

إذا طُلب مني أن أصف تطورات الأيام الـ 40 الماضية في كلمة واحدة، فسأقول “التنقل/ التحريك”.

في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بدأت عملية “المخلب – السيف” في العراق وسوريا، وفي اليوم الأول من العملية تم ضرب أهداف PKK / YPG وكان يوجد قتلى وجرحى لوحدات من “الجيش السوري” بالقرب منهم، وبعد اليومين الأولين تم تسجيل قيام “الجيش السوري” بتعزيز الأهداف التي تم ضربها وتوقفت تركيا عن ضرب الأهداف التي يوجد فيها “الجيش السوري”.

بين 22 و25 تشرين الثاني/نوفمبر لجأت القوات المسلحة التركية إلى استهداف المرافق الاقتصادية والإدارية لحزب العمال الكردستاني وكوادره المتوسطة، في هذه الأيام بدأت تعبئة عسكرية جديدة تظهر في “الجيش السوري”، وفي يوم 26 تشرين الثاني بينما كانت القوات المسلحة التركية تركز  قصفها لحد كبير على النقاط التي كان حزب العمال الكردستاني يهاجم فيها تركيا، اتخذت الوحدات الهجومية التابعة “للجيش السوري” إجراءات أيضاً وأرسلت تعزيزات إلى “عين العرب” التي تخضع بشكل أساسي لسيطرة وحدات حماية الشعب، ومن المناطق الأخرى التي عزز فيها “الجيش السوري” قواته فيها منطقة حول مطار “منغ” في تل رفعت، حيث توجد روسيا وإيران و”الجيش السوري” ووحدات حماية الشعب، ولكن لا توجد سيطرة كاملة لأي طرف هناك.

بعد هذه التعزيزات أصبح التغيير في الميدان واضحاً وللوهلة الأولى اعتبرت إعادة انتشار “الجيش السوري” استعدادات دفاعية لدمشق ضد عملية القوات المسلحة التركية، ولكن ما حدث بعد 27 تشرين الثاني/نوفمبر أظهر أن العملية ذهبت إلى مكان أخر.

نقطة تحول: 27 تشرين الثاني/ نوفمبر

لماذا كان يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر مهماً؟  لأن كبار المسؤولين العسكريين الروس في سوريا ذهبوا إلى “القامشلي” للقاء ما يسمى بالفريق القيادي لوحدات حماية الشعب، وبحسب التقارير الصادرة عن الاجتماع فقد أراد الروس انسحاب وحدات حماية الشعب من العديد من المناطق التي سيطرت عليها وخاصة مناطق الحدود التركية- السورية وترك هذه المناطق “للجيش السوري”.  يا لها من مصادفة؛ في نفس اليوم ارسلت الولايات المتحدة تعزيزات كبيرة من شمال العراق إلى القاعدتين العسكريتين في الحسكة.

كان من الممكن أن تكون التعزيزات الأمريكية إلى المنطقة المؤشر الوحيد على أن الروس عادوا بخفي حنين، ولكن في اليوم التالي وجه الجيش السوري الفرقة 25 اكثر الوحدات الهجومية المفضلة لديه من الفيلق الخامس الى عين العرب وخط تل تمر.

ستسأل لماذا يعتبر الفيلق الخامس أو الفرقة 25 مهم؟ مهم لأن الفيلق الخامس في “الجيش السوري” وخاصة الفرقة 25 يعني روسيا، وهي القوات التي أعيد تنظيمها منذ عام 2017 في بيئة كان فيها “الجيش السوري” مدمراً ومفككاً بسبب “الحرب الأهلية”؛ وهنا نحن نتحدث عن وحدة خضعت كلها تقريباً لتعليم روسي من حيث التدريب والعقيدة والمعدات وحتى طاقم القيادة.

تقود الفرقة 25 وحدات “الجيش السوري”، والتي تختلف عن تشكيل ما قبل 2011، ولا تضم ​​مجموعات قريبة من إيران ويشارك الضباط الروس في جميع أنواع تدريبها بشكل مباشر، وبعد 27 تشرين الثاني /نوفمبر انتشرت الكتائب والأفواج وبعض وحدات المليشيات العاملة معها في مركز تل رفعت و”فافين= Fafeen” وكذلك في الرقة ومنبج.

وفي اليوم نفسه تحركت تركيا بشكل عام لضرب مناطق وحدات حماية الشعب بعيداً عن “الجيش السوري” في شرق الفرات، ولكن في أقل من أسبوع بدأت بعض أقوى وحدات الجيش السوري في الظهور بشكل رئيسي في المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب مثل الرقة ومنبج وتل رفعت وتل تمر. وظهرت صور القادة والدبابات والمدفعية وناقلات الجنود لهذه الوحدات وحتى جنودها الذين جلبتهم مركبات أخرى في المصادر المفتوحة.

اسمحوا لي ان اكمل بقية الحكاية، تُظهر التقويمات 2 كانون الأول/ ديسمبر 2022، استمرار تعزيزات الفرقة 25ضد PYD في منبج والرقة في الازدياد، ولا بد أن هذه الزيادة في التعزيزات بدأت تقلق الولايات المتحدة أكثر، وفي اليوم التالي في 3 من كانون الأول أجرت القوات الأمريكية في المنطقة تدريبات باستخدام الذخيرة الحية في حقول النفط في الحسكة، ولكن لا يبدو أن هذه المناورات قد أخافت الجنرالات الروس كثيراً.

في 5 من الشهر توجه الوفد الروسي مجدداً إلى القامشلي وعقد اجتماعاً مع أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي من المستوى الثاني وزُعم أن الروس بعثوا بنفس الرسالة: “… يجب على «حزب الاتحاد الديمقراطي» أن ينأى بنفسه عن الولايات المتحدة، وأن يقيم علاقات مع دمشق بتوجيه من موسكو، ويجب على «وحدات حماية الشعب» الانسحاب من أجزاء من عين العرب، ومنبج وتل رفعت والرقة، ولكن يبدو أن “حزب الاتحاد الديمقراطي” لم يقتنع لأنه في نفس اليوم بعث برسالة شديدة اللهجة إلى دمشق يطالب فيها “الجيش السوري” برفع الحصار عن الأحياء التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي في حلب وإلا  سيقوم بحصار وحدات “الجيش السوري” في القامشلي.

ولأنه لم تسفر هذه المحادثات عن أي نتائج، لم يكثف الجيش السوري من حشده في منبج فحسب، بل بدأ أيضاً في تحديد موقع على خط الاتصال المحتمل مع وحدات حماية الشعب، وهكذا دخلنا فترة جديدة مدتها 10 أيام عزز خلالها “الجيش السوري” من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى بتعزيزات عسكرية في مناطق مشتركة وزادت وحدات حماية الشعب من حركتها من خلال جلب مقاتليها من أماكن مختلفة.

ظهور ايران على الساحة

هنا لابد من تقديم ملاحظتين:

الملاحظة الأولى: جاءت الإشارة من إدلب في اليوم التالي للاجتماع الأخير الفاشل بين روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي، وسأشرح هذا لاحقاً، لكن ارجو وضع هذه الاشارة هنا في الاعتبار.

الملاحظة الثانية: هي تورط إيران، ومن المثير للاهتمام أن الميليشيات الموالية لإيران في شرق سوريا، والتي ظلت صامتة لبعض الوقت عادت إلى النشاط مرة أخرى خلال المفاوضات بين روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي، ففي البداية تم تنفيذ هجمات صغيرة من قبل مجهولين في حقول النفط التي “كانت تحرسها” الولايات المتحدة شرقي سوريا في أوائل كانون الأول/ ديسمبر، ثم في 17 كانون الأول/ ديسمبر شنت مليشيات موالية لإيران هجمات صاروخية على جنود أمريكيين حول حقل “العمر” النفطي، وردت الولايات المتحدة على هذه الهجمات.

ومع استمرار القتال في “دير الزور” انطلقت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق إلى العمل، ففي الأيام الأولى من شهر كانون الثاني/ يناير، وبدأ الوجود الأمريكي في العراق يتعرض للتهديد مرة أخرى بشكل علني من قبل إيران والميليشيات القريبة منها.

بعبارة أخرى يبدو أن المنطقة التي ستنشط فيها الولايات المتحدة وحزب الاتحاد الديمقراطي ليست محصورة في شمال سوريا. بدأت الأحجار تتحرك في شرق البلاد أيضاً.

من الان لن اخبركم ما حدث يوماً بيوم، لكن بين 11 – 14 كانون الأول/ ديسمبر نقل “الجيش السوري” ما كان يتمتع به من قوة قتالية من فوج “الطراميح” التابع لقوات النمر سابقاً (وحدات النخبة) التابعة للمخابرات الجوية، إلى النقاط الحرجة في منطقة التمدد من تل رفعت إلى منبج (معظمها منبج)، وتوقفت جهود روسيا لإقناع حزب الاتحاد الديمقراطي بعد المحادثات في بداية كانون الأول /ديسمبر، وبعبارة اخرى وضع “الجيش السوري” جيشه على هذا الخط تحسباً لحالة حدوث صراع “اشتباك” محتمل على هذا الخط أو احتمال انسحاب وحدات حماية الشعب.

العملية تتسارع

يا لها من مصادفة؛ في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2022 أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن: “… نريد أن نخطو خطوة كثلاثي سوري تركي روسي، أولاً وكالات استخباراتنا، ثم وزراء دفاعنا، ثم وزراء خارجيتنا يجب أن يجتمعوا معاً، ثم دعونا نجتمع معاً كقادة … مشيراً إلى ما سيحدث في الأيام التالية.

تسارعت العملية في الأيام التالية، ففي 24 كانون الأول/ ديسمبر التقى وزير الدفاع “خلوصي أكار” مع محاوريه في موسكو، برفقته مدير الاستخبارات” هاكان فيدان”، وفي 28 كانون الأول/ديسمبر اي بعد أربعة أيام من قوله إن: “الأعمال في الميدان وعلى الطاولة مستمرة بلا انقطاع” حول عملية برية محتملة في سوريا…  وبعد ثلاثة أيام أي في اليوم الأخير من العام قال وزير الخارجية “مولود تشاووش أوغلو”: إنه قد يكون هناك اجتماع بين وزيري الخارجية في الأسبوع الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير.

ملخص العملية التي استغرقت 40 يوماً

مرة أخرى جعلتكم مشغولين بصفحة من التفاصيل لا تمكن كتابة خمس جمل، لكن من الضروري التذكير بما يحدث حتى لا تبقى الحجج مفتوحة، والان لنخرج من التفاصيل لنصل إلى جوهر الأمر، ويمكن تلخيص العملية التي تستغرق 40 يوما في خمسة بنود:

    واصلت تركيا القيام بتدخلات تكتيكية ضد أهداف حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب على فترات منذ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

    حاولت روسيا إقناع حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب بالتخلي عن علاقتها مع الولايات المتحدة وبدء عملية تكامل حقيقية مع دمشق، ولكن دون جدوى.

    بدأت الولايات المتحدة في العودة إلى المناطق التي انسحبت منها في نهاية عام 2019.

    الجيش السوري كما لو كان يستعد لعملية عسكرية جديدة بدأ في تركيز قواته المسلحة ومنظمات الميليشيات بالقرب من المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب في شمال البلاد، التي تحمل وجودها فيها أو لم يتمكن من الحفاظ عليها في شمال البلاد منذ سنوات.

    بدأت حركة محادثات مفتوحة على الخط التركي -السوري- الروسي.

حسناً، كيف يمكن تلخيص كل هذا في فقرة واحدة؟

لم تتخل تركيا عن تنفيذ عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب في سوريا، لكن هذه العملية لن توسع المناطق التي طهرتها تركيا من الإرهاب لتسيطر عليها المعارضة في سوريا، بل على العكس من ذلك  بينما تقوم تركيا بتطهير بعض المناطق من وحدات حماية الشعب الكردية  فإن “الجيش السوري “يقوم بملء المناطق التي انسحبت فيها وحدات حماية الشعب، وستؤدي العملية المحتملة لاتساع المناطق التي تسيطر عليها “الحكومة السورية” وتقليص المنطقة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، وبالتالي  فإن العملية المحتملة ستكون الخطوة الأولى لنموذج يمكن من خلاله أن يولد حوار أنقرة – دمشق لمصالح مشتركة لكلا البلدين على محور النضال المشترك ضد حزب العمال الكردستاني، ربما سنناقش في المستقبل القريب نموذجاً يقوم فيه جيش كل من تركيا وسوريا بدوريات متبادلة أو منسقة تحت إشراف روسيا.

بينما ننتظر جميعا أن تقوم القوات المسلحة التركية بمزيد من التعزيزات على الحدود فإن هذا النموذج هو السبب في قيام “الجيش السوري” بالانتشار العسكري الرئيسي، كانت تركيا جاهزة عسكرياً بالفعل، ولم يكن الجيش السوري كذلك. إنه إنشاء لنموذج ينتج عنه اهتمام مشترك لمهمة شاقة، إنها عملية أكثر صعوبة لجمع حكومتين قامتا بجميع أنواع التحركات ضد بعضهما البعض لأكثر من 11 عاماً في إطار هدف، هذا هو السبب في سلسلة من التطورات التي تحدث في مثلث موسكو – أنقرة – دمشق على طول خط الاستخبارات -الدفاع -الدبلوماسية.

إذا نجحت العملية فسيكون هناك خاسر على المدى القصير، وبالطبع سيكون أول الخاسرين حزب الاتحاد الديمقراطي والولايات المتحدة الامريكية التي تستثمر فيه في سوريا منذ أكثر من 5 سنوات، لذلك يبدو أن الولايات المتحدة الامريكية لا ترحب بالتطورات على خط أنقرة – دمشق – موسكو ويمكن القول إنها تعارض هذه العملية بوضوح. في الواقع يمكن ملاحظة رد الفعل هذا بوضوح في البيانات الواردة من مصادر دبلوماسية، ولكن رد فعل الولايات المتحدة لا يقتصر على البيانات الصحفية، فهل يمكن أن يكون هناك تفسير أخر لعودة القوات الأمريكية بعد ثلاث سنوات من الانسحاب من أجزاء من المناطق الحساسة في شمال شرق سوريا، بما في ذلك الرقة، التي انسحبت منها في أواخر عام 2019؟

الخاسر الثاني من هذه العملية سيكون هيئة “تحرير الشام” التي تحكم إدلب، وهنا سأعود بك إلى الجزء من قصة إدلب الذي بدأ أعلاه.

تصاعد التوتر في إدلب

كنت قبل حوالي شهرين من الان قد كتبت مقالاً أشرح فيه سبب مهاجمة هيئة تحرير الشام لعفرين وأعزاز، ولاختصار القصة الطويلة، كنت أقول إن هيئة تحرير الشام اضطرت إلى مغادرة إدلب لأنها كانت تعلم أنها لا تستطيع البقاء في إدلب لفترة طويلة، وفي واقع الامر عززت أحداث كانون الأول/ ديسمبر 2022 هذه الفكرة أكثر.

على الرغم من وجود هجمات متبادلة خفيفة بين هيئة تحرير الشام و”الجيش السوري” في إدلب منذ أكثر من عام، إلا أنه لم يكن هناك نشاط كبير، ولكن اعتباراً من 1 كانون الأول/ ديسمبر بدأت هيئة تحرير الشام في مهاجمة مواقع “الجيش السوري” بالقرب من إدلب وبالمصادفة في 6 كانون الأول /ديسمبر وبعد يوم من الكشف عن عدم قدرة روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي على التوصل إلى اتفاق أعلنت روسيا أن “هيئة تحرير الشام” ستهاجمها بطائرات مسيرة، وفي 11 كانون الأول /ديسمبر نفذت هيئة تحرير الشام غارة في اللاذقية قتلت خلالها العديد من عناصر “الجيش السوري” بعد توقف طويل ونشرتها.

في 15 كانون الأول /ديسمبر 2022 عندما وجه الرئيس “أردوغان” رسالة مفادها أنه سيتم اتخاذ خطوات مع سوريا عقد زعيم هيئة تحرير الشام “أبو محمد الجولاني” مؤتمراً مع رئيس مجلس شورى التنظيم ومسؤولي حكومة الإنقاذ الذين أطاحوا بالحكومة السورية المؤقتة وتولت إدارة إدلب وأعلن في هذا المؤتمر أنه: “… لن يكون هناك اتفاق مع دمشق وأنه سيهاجم “الجيش السوري” قريباً ويبدأ في بناء المستقبل لأهل الشام …”

بين 17 و30 كانون أول/ ديسمبر 2022 شنت هيئة تحرير الشام هجمات متتالية على “الجيش السوري” الذي نقل معظم قواته إلى مناطق أخرى، وبعد زيارة الوفد التركي إلى موسكو بدأت في إدلب مظاهرات كبيرة احتجاجاً على مصالحة محتملة وامتدت إلى مناطق أخرى، وفي نهاية المطاف بعد أن أعلن وزير الخارجية “مولود جاويش أوغلو” فيكانون الثاني/ يناير أنه سيتم إجراء محادثات بين المسؤولين الأتراك والسوريين، خرج “الجولاني” في تسجيل مصور له و”أعلن بأقوى طريقة أنه يرفض الاتفاق تماماً”.

هيئة تحرير الشام ضد ماذا؟

استطيع سماع السؤال الذي يخطر ببالك الان، لماذا تعارض هيئة تحرير الشام ذلك؟

لن يقتصر التغيير في العلاقات التركية- السورية على فتح عهد جديد على ضفاف نهر الفرات فقط، فعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام أعلنت انها انفصلت عن تنظيم الاقعدة، الا ان روسيا وسوريا قالتا منذ البداية أنهما تعتبران وجود هيئة تحرير الشام تهديدًا استراتيجياً ولا يمكنها إقناع أحد بما أعلنته. تُبين أحداث السنوات الثلاث الماضية ما يلي: عندما يُزيل “الجيش السوري” حزب الاتحاد الديمقراطي من المواقع الرئيسية في الرقة وحلب، ستكون إدلب أول مكان سيتحول اليه “البرميل”، ولكن هذه المرة لن تواجه أنقرة ودمشق بعضهما البعض في إدلب بينما تركزان على عملية جديدة مبنية على القتال ضد «حزب العمال الكردستاني» / «وحدات حماية الشعب».

تسأل لماذا؟

 في الوقت الذي اكتسبت روسيا اليد العليا في عملية إنهاء الصراع في سوريا، وبينما تركز حكومة العراق بقيادة رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” أحد أقوى حلفاء إيران في العراق على تنفيذ صيغة من شأنها أن تدفع الولايات المتحدة الامريكية إلى الزاوية، فإن كل الاسهم ستتحول إلى الشراكة بين الولايات المتحدة الامريكية وحزب الاتحاد الديمقراطي، وسيبقى ما سيحدث في إدلب بهذه العملية في الخلفية.

باختصار قد يكون عام 2023 عام سوريا في الشرق الأوسط والسياسة الخارجية التركية، ولكن هناك حاجة إلى تحليل منفصل لأليات (تشغيل) العملية.

—————————

تركيا والأسد: حدود “المصالحة” وأوهامها/ عبدالوهاب بدرخان

ما تسمّى “مصالحة” بين أنقرة والنظام السوري مرشّحة لأن تحصل، ولو في أدنى الدرجات. أولاً، لأن لروسيا مصلحة في مواصلة اجتذاب تركيا واكتسابها إلى جانبها في مغامرتها الأوكرانية التعيسة. ثانياً، لأن لتركيا مصالح عديدة من تحييد الأكراد أو إضعافهم إلى التخفّف من أعباء اللاجئين التي باتت تثقل على الحكم الأردوغاني وفرصه الانتخابية. ثالثاً، لأن نظام بشار الأسد انتقل من مرحلة “الانتصارات” التي لم يستطع استثمارها في تعزيز الدولة وتجاوز الأزمة، إلى مرحلة الاختناق الاقتصادي والمالي التي ضاعفت من إفقار مناطق سيطرته وخفّضت مكانته المعنوية في بيئته الموالية، ولذلك يحتاج النظام إلى أي جرعة إنعاش بعدما تقلّصت قدرة الحليفين الروسي والإيراني على دعمه. 

من الطبيعي أن يتظاهر السوريون حيثما يستطيعون للتعبير عن استيائهم إزاء مشروع “المصالحة” هذا، والمؤكّد أنهم يتشاركون، معارضين وموالين، لاجئين ومهجّرين ومشرّدين تحت الخيام، الشعور بأن تقارب الأنظمة الثلاثة لا بدّ من أن يكون على حساب قضيتهم، وأن يدوس على تضحياتهم وعذاباتهم المستمرّة. فمنذ بداية محنتهم فقدوا الأمل في النظام الذي بادر إلى سفك دمائهم، وبعدئذ سقطت رهاناتهم تباعاً على كل جهة متدخّلة، سواء كانت إيران أم روسيا اللتين أضافتا إلى وحشية النظام في الداخل، أم كانت دولاً غربية باحثة بدورها عن مصالح لا عن حماية الشعب السوري ولا عن إنقاذ سوريا نفسها. وإذ كان لتركيا مسلك آخر في البداية، إلا أنها اتّبعت منذ 2016 نهجاً آخر تركّز على احتواء “الثورة” وإدارة هزيمتها، متظاهرةً بأنها متمسّكة بشروط المجتمع الدولي وعقوباته بحثاً عن حلّ سياسي وفقاً للقرار 2254، لكنها انزلقت شيئاً فشيئاً إلى “الحلّ الروسي” (- الإيراني) الذي يقوم أساساً على إبقاء نظام بشار الأسد، مع علم جميع الأطراف بأن لا حلّ بوجود هذا النظام أياً تكن الصيغ المطروحة لـ”تجميله” أو “شرعنته”.

على رغم مظاهر الاندفاع الروسي والتركي نحو إتمام “المصالحة”، فإن هذه لا تزال مصنّفة عملياً في باب “صدّق أو لا تصدّق”. واستناداً إلى ما يتسرّب من ثرثرات أبواق النظام وكتبته، فإن أوساطه متأرجحة بين مَن يدافعون عن الموقف العدائي المتصلّب حيال تركيا وضرورة التشدّد في التنازلات المطلوبة منها لقاء أي تقارب معها، وبين مَن يدفعون في اتجاه الانفتاح عليها شرط أن تكون هناك مكاسب محدّدة سلفاً ومضمونة.

ويتمسّك الرأيان بالشروط التي سبق للنظام أن طرحها على أي طرف دولي، وهي أن يتمّ أي تعاون أمني أو استخباري في إطار الاعتراف السياسي الواضح بالنظام والعلاقات الدبلوماسية العلنية. غير أن الاجتماع الثلاثي في موسكو لوزراء الدفاع ومديري الاستخبارات شكّل خطوة جدّية متقدّمة لم تخلُ من المفاجأة، حتى للقريبين من النظام الذين واصلوا النقاش حول صواب التصالح الآن مع أردوغان أو انتظار الانتخابات التركية علّه يخرج منها خاسراً أو ضعيفاً، أي أكثر استعداداً لتقديم تنازلات.

ليس واضحاً ما الذي يعوّل عليه معارضو “المصالحة” وقد علموا منذ شهور بأنها إرادة روسية معلنة تبنّاها فلاديمير بوتين شخصياً وبذل جهداً لإقناع رجب طيب أردوغان بها، وبالتالي لا يمكن نظام الأسد أن يقاومها إلا إذا كانت لديه وسائل بديلة لمنع تركيا من القيام بعملية عسكرية لتوسيع “المنطقة الآمنة”، أو بمعنى أدقّ لإبعاد أكراد “قسد” عن مناطق يسيطرون عليها حالياً. وعدا أن النظام لا يستطيع إحباط هذا المسار، فإن لديه فرصاً لتحقيق أهداف تاق إليها منذ أعوام (استعادة السيطرة على مناطق جديدة والعودة إلى مراكز حدودية كان طُرد منها) إذا كان لهذه الأهداف أن تعني شيئاً في الحال الراهنة للنظام، وإذا كان ممكناً افتراض أن لديه قوات كافية للحلول مكان القوات الكردية، أو أن لديه محروقات كافية لإرسالها شمالاً ومن ثم لتأمين تحركاتها. فالمناطق التي استعادها النظام جنوباً في إطار ما سُمّي “مصالحات” (برعاية روسية!) فشل في التصالح معها فعلاً كما في إعادة شيء من الاستقرار إليها. أما المنافذ الحدودية مع العراق ولبنان فتركها النظام مرتعاً لتهريبات حلفائه الإيرانيين، وأما المنفذ مع الأردن فجعله مرتعاً لعصابات الكبتاغون وغيره.

إذا أتيح لنظام الأسد أن يستعيد السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا فهل يستطيع، أو هل يرغب في توفير الضمانات التي تتطلّع أنقرة إليها بضبط الأكراد أو “الجماعات الإرهابية” كما تسمّيهم، وهل الوجود الروسي يكفي لضمان حسن سلوك النظام، أم أن الأخير سيستأنف مناوراته القديمة المتجدّدة للعب على الأتراك والأكراد معاً؟ كل شيء يتوقف، وفقاً لبعض المصادر، على اقتناع النظام بأن “المصالحة” مع تركيا صفقة جيدة لتعزيز وضعه كحُكم معترف به من جانب دولة مجاورة قوية متعاونة مع “الحليف الروسي” ومحافظة على عضويتها في حلف الأطلسي. وإلى جانب المكاسب السياسية التي يطمح إليها النظام، فإنه يتطلّع إلى “تطبيع” كامل للعلاقة مع تركيا يمكن أن يخفّف من وطأة أزمته الاقتصادية والمالية. هذا يفترض في نظر النظام أن تتخلّى تركيا عن التزامها العقوبات الدولية والأميركية، بل أن تبادر إلى كسر هذه العقوبات وأن تتحمّل التبعات على اقتصادها المرهق أصلاً، أو أن تحاول الحصول على استثناءات أميركية بذريعة ضرورات أمنها القومي. وهذه إشكالية لا يبدو أن أنقرة تملك حلولاً لها، إلا إذا توصّلت مع واشنطن إلى تسوية تمنع المسّ بالوضع الأميركي – الكردي في شرق الفرات من دون أي تساهل أميركي في معاودة النظام الحصول على حاجته من النفط في حقول دير الزور. لكن تسوية كهذه لا تنسجم مع طموحات موسكو وطهران ودمشق لإخراج الأميركيين من تلك المنطقة.

يدرك نظام الأسد أن “المصالحة” المزمعة تتطلّب منه تنازلات رفضها على الدوام، ولم يسبق أن تعرّض لضغوط روسية حقيقية لقبولها، وكان ولا يزال يعوّل على “الحليف الإيراني” لمواصلة تعنّته. وإذ تقول أنقرة إن “المصالحة” تقوم على مكافحة الجماعات الإرهابية والتقدم في الحل السياسي وإعادة اللاجئين، إلا أن موسكو ودمشق لم تعلّقا على النقطتين الأخيرتين. واللافت في التحرّكات الراهنة هو غياب إيران الذي لا يعني أنها راضية وموافقة، بل إنها تراقب وتعرف حدود ما سيكون، ومتى استشعرت خطراً على مصالحها فإنها تستطيع أن تخرّب أو تعطّل أي مسار، لأن الأسد نفسه لا يستطيع اتخاذ أي قرار من دون موافقتها.

النهار العربي

————————–

تركيا وأوراسيا جيوبوليتكيًا/ جمال الشوفي

بين الانتماء الطبيعي الجغرافي المحدد بـ 90% منها في آسيا، والباقي في أوروبا، والمتغيرات الحادة في السياسة الدولية وتحديث طبيعة تحالفاتها العصرية؛ تعيش تركيا اليوم تباينًا بين تجاوز الحدود الطبيعية إلى المعادلات الجيوبوليتيكية الدولية، خاصة التي فرضتها السياسات الروسية الجيوبوليتيكية وفتح بوليفار روسيا الكبير المحدد بعنوان أوراسيا، حسب منظرها الأكبر ألكسندر دوغين.

تدويل المسألة السورية، واتضاح النزاع حولها بين الحلول الأممية عبر مجلس الأمن والشرعية الدولية وحلول الطريقة الروسبوتينية بالقوة العسكرية المباشرة. فروسيا تريد فرض الهيمنة على موقع متقدم على المياه الدافئة الجنوبية في البحر المتوسط، وتأمين الطرق البرية الواصلة إليها، وتوسيع المحيط الحيوي لموسكو، قلب الأوراسية، بغية وصل أوروبا وآسيا سياسيًا واقتصاديًا في مواجهة الأطلسية وحلف الناتو؛ ما أثر على المسألة السورية ومنها على السياسات التركية وبدء تغيرها التدريجي، أو لنقل الانزياح، عن صفرية مشكلاتها لتصبح محطة وعقدة دولية جيوبوليتيكية بين طرفي قمة النزاع العالمي المعنون بين أوراسيا والناتو. فهل تنزاح كلية للأوراسية سياسيًا؟ مع التأكيد على أنه وقبل أي تحليل سياسي ممكن، أن أهم قواعد الجيوبوليتيك التغير الآني والسريع وفق المصالح دون قيود الإيديولوجيا، ومرحلية الأهداف المتحققة.

في تتبع المتغيرات الحادثة في السياسة التركية دوليًا يمكن تحديد ما يلي:

    لم تستطع تركيا الحصول على دعم حلف الناتو كليًا، وخاصة أميركيا، في سعيها لإقامة منطقة آمنة شمالي سوريا لتحافظ بها على محيطها الحيوي وأمنها القومي من مجريات الحدث السوري قبل التدخل الروسي العسكري المباشر. بعد العام 2016 ومحاولة الانقلاب التركية الفاشلة، اُتهم فيها أميركيون بدعمهم لفتح الله غولن فيه، نتج عنه خلاف بيني أدى لسحب بطاريات باتريوت من قاعدة أنجيريليك لحلف الناتو، وتحويل الاهتمام عنها ناحية العديد القطرية. واليوم تستمر المعوقات الأميركية بشكل أكبر أمام عمليتها العسكرية المزمعة شرق الفرات ضد قسد، ومع هذا ما زالت عضوًا في الناتو.

    فشلت المحاولات التركية مرارًا في قبول انضمامها للاتحاد الأوروبي منذ العام 1963 ولليوم. تقدمت هذه الخطوات بشكل ملحوظ قبيل تأسيس الاتحاد الأوروبي في عام 1993 ورُد الطلب وقتها من المفوضية الأوروبية معتبرة أن تركيا تعاني نقصًا كبيرًا في الديمقراطية، وتدخّل كبير للعسكر في الحياة السياسية، ما يجعلها كثيرة الانقلابات العسكرية وغير مستقرة سياسيًا، وذات حقوق منقوصة للأكراد. ورغم قبول تركيا بلجنة تحقيق أوروبية في مذابح الأرمن عام 2015، وإجراء تغيرات كبيرة في هيكلية الجيش، لكنها لليوم لم تنل العضوية الأوروبية والتفاوض ما زال مستمرًا لليوم بين حدي الاستيعاب والحاجة الأوروبية لتركيا والعكس.

    في المقابل بدأت روسيا تقديم مغريات التحول لأوراسيا من جهات متعددة، كتمرير خط سيل الغاز من أراضيها بدل أوكرانيا عام 2014، وتسهيل المبادلات الاقتصادية وتشجيع السياحة، تقديم منظومة S-400 بديلًا عن باتريوت، والاشتراك الثلاثي الروسي الإيراني التركي في محطات أستانة الماراثونية منذ 2018 لليوم في طريقة الحل السورية روسيًا. والنقطة الأبرز في هذا هي الفاعلية التركية في هذه المباحثات خاصة أنها بجوار الشمال السوري وعلى تخوم شمال شرقي الفرات. والأكثر وضوحًا فيها أن أستانة تشكل محطة متقدمة في وصل آسيا بأوروبا عبر بوابتي إيران وتركيا المفتاحيتين في المسألة السورية.

    تاريخيًا توجد نزعة تركية تعبر عن اعتدادها بالانتماء لأوراسيا طبيعيًا، ولكن تحولها لمتغيرات سياسية واضحة كان ضعيفًا بداية. فرغم وجود تيار كبير في البيروقراطية التركية يدعم هذا التوجه أهمه حزب الوطن المعارض ورئيسه دوغو بيرنشك، وعلاقته بألكسندر دوغين، لكن يقابلها المعارض أيضًا فتح الله غولن المنحاز كلية للأطلسية الغربية وهو المتهم الأول بمحاولة الانقلاب الفاشلة، ما زاد في دلالات على تنامي الأوراسية على مستوى السياسة الرسمية التركية بعدها.

الخارجية التركية لم تتوانَ عن التصريح دائمًا بأهمية دورها في المعادلة الاوراسية، فوزير خارجيتها السابق أحمد داوود أوغلو، في العام 2014، صرح مرارًا وخلال مؤتمر وزراء خارجية أذربيجان وتركمانستان المتكرر كل سنتين، عزم الدول الواقعة في قلب أوراسيا العمل على المساهمة في إحلال السلام العالمي. فيما كان مجموع التحولات في السياسة التركية الاقتصادية والمالية ذاهبة للتركيز على الشراكات الآسيوية ومدخلها لأوروبا هي ذاتها. فنفذت نفق أوراسيا الذي يربط إسطنبول الآسيوية بالأوروبية، مع تزايد الاهتمام بالشراكات الآسيوية خاصة مع الصين وجنوب آسيا.

فحديثًا وفي الصيف المنصرم، وعلى هامش لقاء شراكة الحوار القطاعي بين تركيا ورابطة “آسيان” بنسخته الرابعة المنعقد في كمبوديا، أفاد وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو: “نحن نعيش مجددًا عصر آسيا، كان هناك العصر الأميركي والآن يمكننا القول إننا انتقلنا مجددًا إلى العصر الآسيوي”، مشيدًا بحجم استثمارات آسيان المقدرة بـ 10.3 مليار دولار في تركيا، مقابل 471 مليون دولار للاستثمارات التركية فيها. كما وتُدرك أنقرة تمام الإدراك أن الغاز سيحدّد مستقبل تركيا الاقتصادي ودورها كمركز للطاقة إلى جانب روسيا في المعادلة الدولية وشكل تحديد مستقبل القوى العالمية ومحاورها، الأمر يزيد من تقاربها الروسي على حساب الأوروبي.

خطوات الانزياح التركي ناحية الأوراسية تبدو أكثر وضوحًا في طريقة حل المسألة السورية، إذ تأخذ خطوات التنسيق الحالية الرسمية التركية والسلطة السورية برعاية روسية، مسارًا مخالفًا للتوجهات الأميركية في ذلك. فرغم التصريحات التركية الرسمية بالالتزام بالحل السوري وفق 2254، إلا أنها تصريحات وزير خارجيتها جاويش أوغلو تتجاوزها للتنسيق المباشر مع روسيا التي تحاول جاهدة ترسيم الحل وفق مصالحها الجيوبوليتيكية ومن ثم فرضه أمميًا بقوة وقائع الأرض. وهي النقطة الأوضح في السياسة الروسية الحديثة في المعادلات الدولية: فرض الواقع عسكريًا ثم التفاوض بعده.

ربما تكون تركيا ذاهبة للتحالف العضوي مع روسيا أوراسيًا، لكنه احتمال زائد غير نهائي لليوم، خاصة وأنها لا ترغب أبدًا بعداء أوروبا والناتو. فهي الواقعة بين جملة معقدة من المشكلات الدولية تحاول استعادة سياستها الصفرية دون مشكلات، سواء دوليًا أو حتى في الداخل التركي لتجنب أي محاولة انقلاب جديدة ولكسب انتخاباتها القادمة. ما يرجح تمايز سياساتها الخارجية بعنوان: “لا شراكة ولا عداء كليا”، تخدمها في تنفيذ خياراتها السياسية بحلول جزئية عسكرية وملفات تفاوضية سياسية كبرى، مرشحة سياسة الأمر الواقع على جميع أطراف المعادلة الدولية في الشرق الأوسط، ذات السياسة الروسية وكأنها تنتقل بالعدوى، وبخطوات محسوبة في المنظومة الأوراسية مقابل حفاظها على عضوية الناتو، فهل تستطيع الاستمرار؟

سؤال تفيد فيه قواعد الجيوبوليتيك المتغير، فمستويات الحلول المتاحة أمامها محدودة ودون مستوى الاتساع والوضوح الجيوبوليتيكي الروسي أو القطبية العالمية المنفردة الأميركية، مع محاولة استمالة كلا الطرفين لها. لكن الواضح فيها التخلي التركي عن التحالفات الإيديولوجية أو العقائدية، التي تفترضها شريحة واسعة من السياسة السورية على طرفي النقيض معارضة وسلطة: شريك كلي أو عدو كلي. في حين الشعب السوري ما زال محط نزاع جيوبولتيكي كبير قابل لتغير محاوره سريعًا، وآثاره الكارثية مستمرة سواء انتمت تركيا إلى أوراسيا عضويًا أو بقيت محطة من محطات سياستها الخارجية.

تلفزيون سوريا

—————————-

كسر “الاستعصاء المكسيكي” في سوريا!/ سمير العيطة وزيدون الزعبي

لقد أحدث تسارع خطوات، تبدو “تصالحيّة”، بين السلطات التركيّة والسوريّة بلبلةً كبيرة غير مفاجئة في الأوساط السوريّة. بلبلةٌ لدى كافّة الأطراف الشعبيّة، كلٌّهم له أسبابه المختلفة، مما قد تعنيه هكذا “مصالحة” على مستقبلهم، وقلقٌ يتعاظم في أوساط الفصائل “المعارضة” في الشمال الغربي وكذلك لدى “قوّات سوريا الديموقراطيّة” (قسد) التي تهيمن على الشمال الشرقي.

كانت تركيا منذ بداية الصراع هي الحامي والضامن لأغلب من فرّ من قمع السلطة القائمة في دمشق وكذلك لمن عمل حثيثاً بهدف رحيلها، مهما كانت توجّهاته ووسائله. وهناك حوالى أربعة ملايين سوريّ في تركيا اليوم وكذلك مثلهم تقريباً من المقيمين والنازحين في ريفي إدلب وحلب. وتركيا تدعم هناك “فصائل عسكريّة” مختلفة ويتواجد مئات من عناصر الجيش التركيّ. هكذا تبدو “المصالحة” بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد وكأنّها تخلٍّ عن جميع هؤلاء وتركهم لمصيرٍ مجهول، بما فيه ما يخصّ “إعادة اللاجئين”. ويتصاعد هذا القلق مع اقتراب موعد تجديد قرار مجلس الأمن حول ممرّ المساعدات الإنسانيّة إلى منطقة إدلب.

بالنسبة لـ”قسد”، تختلف أسباب القلق، لارتباطها بالتهديدات التركيّة بعمليّة عسكريّة، قد تصبح مشتركة مع الجيش السوري، ضدّ “الإرهاب” و”حزب العمّال الكردستاني”، كما لمّحت التصريحات حول اللقاءات العسكريّة والأمنيّة التركيّة-السوريّة-الروسيّة. برغم أنّ هذا القلق أقلّ حدّةً لأنّ الضامن هو في هذه الحالة.. الولايات المتحدة. بل أنّه أقلّ من القلق الذي كان قائماً منذ فترةٍ قريبة عندما هدّدت تركيا بعملٍ عسكريّ جديد ووشيك أحاديّ الجانب.

بالمقابل، تكسِر هذه الخطوات الاستعصاء القائم في الأوضاع السوريّة والآخذ مع الزمن إلى تقسيمٍ فعليّ للبلاد. فمسار مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة لا يشير إلى أيّ تقدّم، والمفاوضات بين السلطات السوريّة و”قسد” ليست أفضل حالاً. فتبدو الأمور وكأنّها “استعصاء مكسيكيّ” ثلاثيّ الأطراف لا حلّ له. لأنّ من يجرؤ على المبادرة قد يكون في النهاية هو الخاسر الأكبر. سواءً إن نظرنا لهذا الاستعصاء من وجهة نظر الأطراف السوريّة أو الأطراف الدوليّة والإقليميّة اللاعبة.

بالطبع، هناك أسباب انتخابيّة آنيّة للمبادرة التركيّة في كسر الاستعصاء، لكنّ لها أيضاً أسبابٌ أكثر عُمقاً ضمن تموضع تركيا في الصراع بين روسيا و”الغرب”، وكذلك بين “الغرب” وإيران، بل أعمق من ذلك في التخوّف من أن يؤدّي تقسيم سوريا إلى تقسيم تركيا ذاتها. لكن في جميع هذه الأحوال، يفتح كسر الاستعصاء هذا نافذةً لجميع الأطراف لإعادة تقييم مواقفها بنفس الدرجة من الحذر عبر تبنّي الآليّة التدريجيّة التي تأتي بها “المصالحة” المذكورة.

المعني الأوّل هو “قسد” و”إدارتها الذاتيّة”. صحيحٌ أنّ أيّاً من الأطراف لن يجرؤ على الدخول في صدامٍ مباشر مع القوّات الأمريكيّة. لكنّ بقاء هذه القوّات ليس مضموناً على المدى البعيد. بالتالي، يشكّل وجودها اليوم فقط فرصةً أفضل لتفاوضٍ جديّ بين السوريين لما يهمّ أكراد سوريا إذا بقي هدف “تنظيماتهم” هو بقاء أرض سوريا وشعبها موحّدين. لأنّ هذا الهدف لا يُمكِن أن يعني استمرار “قسد” كقوّة عسكريّة منفرِدة غير مندمِجة مستقبلاً في الجيش السوري ولا فتح “الإدارة الذاتيّة” بعثات “دبلوماسيّة” مستقلّة لها في الخارج.

والمعني الثاني هو أطياف “المعارضة السوريّة”. هنا أيضاً صحيحٌ أنّ الدولة السوريّة ليست قادرة اليوم على احتواء مناطق الشمال الغربي اجتماعياً واقتصاديّاً وليست قادرة على احتواء اللاجئين إن عادوا، ليس فقط في ميدانيّ الصحّة والتعليم، بل أيضاً بالضرورات الأساسيّة من غذاء وكهرباء ووقود. وصحيحٌ أيضاً أنّه لا يُمكِن توقّع معركة عسكريّة مكلِفة جدّاً مع “الجيش الوطني” المعارِض أو “هيئة تحرير الشام”. إذ أنّ الأوضاع حتّى في الجنوب السوري، حوران وجبل العرب، وإن كانت اليوم “اسميّاً” تحت سيطرة الدولة فهي لم تنتُج عن انتصارٍ عسكريّ وإنّما عن تفاوضٍ، وهي اليوم تُبقي استقلاليّة كبيرة للفعاليّات والحراك المحليّين.

بالتالي تعي السلطة السوريّة تماماً أنّه لا يُمكن العودة إلى ما قبل 2011 وأنّ الخروج من الاستعصاء الحالي يتطلّب تغييراً جذريّاً في النهج والممارسة. كما تعي أنّ السلطة التركيّة لن تتقارب معها دون مقابل. لكن تسارع خطوات “المصالحة” التركيّة-السوريّة يفتح فرصةً للتفكير العقلاني والسياسي على الطرف الآخر. أنّه إذا كان الهدف هو بقاء سوريا فيعني هذا الخروج عن أوهام “إسقاط النظام بكافّة رموزه وأركانه”، وأنّ الحلّ السياسيّ المستنِد على قرار مجلس الأمن رقم 2254 يعني بالضبط تفاوضاً مع هذا “النظام” وتحقيق بعض مطالب الشعب السوري وردّ كرامته التي هدرتها سنوات الصراع.. والفرصة أكبر اليوم في هذا التفاوض إن جرى بالتزامن مع التفاوض التركي، لا استجداءً لتركيا كي تعود عن “المصالحة”.

ومثلما كان الصراع الذي أخذ سوريا والسوريين والسوريّات إلى الاستعصاء طويلاً ومرهقاً، لن تأتي خطوات الخروج منه إلاّ مع الزمن وبشكلٍ تدريجيّ. وهنا يُمكِن أن تشكِّل إعادة توحيد سوريا، اقتصاديّاً واجتماعيّاً، وفتح المعابر للبضائع والأفراد دون الحاجة للتهريب ومافياته، خطوةً أولى تخفّف معاناة السوريين وتعيد التواصل بينهم. لكنّ التساؤلات الأساسيّة تبقى في ماهيّة المبادرات التي يُمكِن أن تأخذها “الإدارة الذاتيّة” من جهتها، و”المعارضة السوريّة”، الممثّلة بـ”هيئة التفاوض”، من الجهة الأخرى؟

وهناك تساؤلٌ رئيسيّ عن المبادرة التي يُمكِن أن تقوم بها الأمم المتحدة، راعية مفاوضات جنيف، في هذا السياق؟

لقد أثبتت الوقائع أنّ مفاوضات أستانة كانت أكثر فعاليّةً من مفاوضات جنيف. لأنّ الأولى اعتمدت على أكثر القوى تأثيراً على الأرض وعلى الصراع المسلّح: روسيا وتركيا وإيران. ولأنّ الثانية جعلت التفاوض السوري بين طرفين فقط وليس ثلاثة كما هو الواقع على الأرض. لكنّ هذا لا يمنع قدرة الأمم المتحدة والمبعوث الدولي على المبادرة تزامناً مع تسارع “المصالحة”. بل ضرورة هكذا مبادرة لرعاية توافقات بين السوريين وبين الدول، دول أستانة والغرب.

كذلك هناك تساؤل وضرورة أن تبادر الدول العربيّة، وخاصّة المملكة العربيّة السعودية ومصر، في سياق تسارع “المصالحة” التركية-السورية، لأنّها يُمكِن أن تخلق توازناً يُطمئِن الأطراف السوريّة المختلفة.

هذا كلّه ليس سهلاً، خاصّةً وأنّ هناك من يدعو لنقل الصراع في أوكرانيا وعليها إلى سوريا وإعادة الأوضاع إلى الحرب المفتوحة، بغية هزيمة روسيا أوّلاً في سوريا. لكنّ عودة الحرب ستكون جريمة جديدة بحقّ السوريين والسوريّات. وجريمةٌ أيضاً الإبقاء على الاستعصاء القائم وموت الناس.. جوعاً وقهراً.

 سمير العيطة وزيدون الزعبي

العيطة؛ رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية؛ رئيس منتدى الاقتصاديين العرب

الزعبي؛ باحث في قضايا الحوكمة، سوريا

—————————-

هل يكون الفشل السوري منطلقاً للنجاح؟/ راتب شعبو

مع تبدّل المواقف الإقليمية فيما يخص الصراع في سورية، وبوجه خاص، الموقف التركي الذي كان، لقطاع واسع من المعارضين السوريين، سنداً أساسياً في وجه نظام الأسد، والموقف الإيراني المنشغل في أزمته الخاصة بمواجهة الشعب الإيراني، إضافة إلى الموقف الروسي الغارق في حربه المتعثرة في أوكرانيا. وهما، لقطاع آخر من السوريين، السند الأساسي في وجه “المؤامرة على الدولة السورية”. نقول مع هذا التبدّل، يدرك السوريون، أكثر من أي وقت، أنهم السند الأول لأنفسهم، الأمر الذي يدشّن بداية وعي سوري جديد مبنيٍّ على خبرة سورية مشتركة.

طوال العقد المرير الماضي، أنجز السوريون اصطفافاتهم وانحيازاتهم ووصلت الحال في سورية، منذ سنوات، إلى الشلل (stalemate). كل جماعة، في كل صفٍّ وجدت نفسها فيه، أو ارتضت لنفسها أن تكون فيه، بما في ذلك من يعتبرون أنفسهم خارج الصفوف، أو من لم يجدوا لأنفسهم صفّاً مناسباً، كل جماعة من هؤلاء وصلت إلى طريق مسدود. ليس فقط بمعنى العجز المادي عن حسم الصراع لصالحها، بل أيضاً، وهذا هو الأهم، بمعنى قصور المقترح السياسي لكل منها عن أن يكون إطارا مقبولاً ومناسباً لعموم السوريين. فشلت فكرة “الأمة الديموقراطية”، لأنها تنطوي على غلبة كردية (بمعنى غلبة الهمّ الكردي وغلبة السيطرة الكردية) غير خافيةٍ في تجربة الإدارة الذاتية. وفشلت فكرة “القومية العربية العلمانية”، لأنها تكشفت عن سيطرة طغمةٍ تغذّي وعياً تقسيمياً بين القوميات والإثنيات والأديان والمذاهب، وتستند إليه على الضدّ من العروبة ومن الوطنية السورية، وفشلت فكرة “الإسلام السياسي” بكامل طيفها، لأنها غير جامعة، وتقسيمية في الأصل، عدا عما تنطوي عليه من مساند ديكتاتورية.

إذا تكلّمنا من المنظور الوطني السوري، يمكن أن نقول إن كل حزب، بالمعنى الواسع للكلمة، أنجز فشله الخاص. ويلاحظ جميع السوريين أن فشل جماعةٍ لم يقابله نجاح الجماعة الأخرى، وأن من يمكنهم الكلام عن “نجاح” هم فقط متسلطون ولصوص وتجار حربٍ وشبّيحة كل الجماعات. وعلى قاعدة هذا الفشل المشترك والعام، يتكوّن ويستقر وعي بأن الجماعات السورية تفشل معاً أو تنجح معاً، وأن طريق الفشل المتبادل هو انغلاق الجماعات على بعضها بعضا، وإصرار كل جماعة على صوابية مقترحها مقابل ضلال الآخرين. أو بكلام آخر، الفشل السوري اليوم هو انعكاسٌ لفشل الجماعات التي يجمعها، على اختلافها، إصرار كل جماعة على النظر إلى سورية من منظورها الخاص، أي منظور سيطرتها. صراع السيطرة هو صراع الفشل، كما للجماعات الساعية إلى السيطرة كذلك للمجتمع السياسي السوري ككل. أحقية الجميع بالوجود والنشاط على أرضية الوطنية السورية هو ما يشكّل نواة الوعي العام السوري الذي يتشكّل لدى عموم السوريين.

لكن، هل يمكن للجماعات السورية التي تمتلك وسائل السيطرة والتأثير في مناطقها أن تساند مثل هذا الوعي؟ أي هل يمكن للجماعات التي وصلت إلى طريق “السيطرة” المسدود أن تبحث عن طريقٍ آخر؟ بوضوح أكبر، هل يمكن للقوى التي أنتجت، أو كانت نتيجة، الفشل السوري العام، أن تكون هي نفسها روافع لطريق نجاح وطني سوري؟

من بين الجماعات التي تسيطر في سورية، لا ينشط في البحث عن قاسم مشترك سوى مجلس سوريا الديموقراطية (مسد)، وهو التشكيل السياسي الذي يغطّي تجربة الإدارة الذاتية في شمال شرق الفرات. ولكن مجهود هذا التشكيل السياسي يبقى مثقلاً بعبء وقوعه تحت سيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي بحكم وزنه العسكري. على أن قوة “مسد” مستمدّة أساساً من وجود هذا الحزب فيه. هكذا يمكن القول إن نقطة القوة في “مسد” هي نفسها نقطة الضعف في مسعاها السوري العام. إلى ذلك، يمكن أن نضيف أن من طبيعة الصراع العسكري أن يعزّز انغلاق الجماعات المتصارعة، وأن يخنق أي بذرة ديموقراطية فيه.

على ما سبق، يصعب أن نأمل من الجهات المسيطرة في سورية أن تخرج من مسار سيطرتها الخاصة، لأنها باتت مأسورةً لهذا المسار. لا تنتظر من أحدٍ أن يقطع الغصن الذي يستند إليه. الوعي السوري الجديد لا يمكن أن يكون، والحال هذا، سوى وعيٍ معارضٍ لهذه السيطرات مجتمعة. مع إدراكنا أن التحدّي الكبير هو الترجمة العملية لهذا الوعي إلى قوة مادية، نظراً إلى تعدّد السيطرة السياسية وتباين المجالات السياسية في سورية. وليس المقصود هنا بجدّة الوعي أنه ابتكار خاص في مجال الحياة السياسية، بل أن هذا الوعي ناجم عن خبرةٍ سوريةٍ خاصةٍ ومريرة، عاشها المحكومون بلحمهم ودمهم، وليس مجرّد كلام يُقرأ وخطابات تُسمع. الجدّة هنا تعني ولادة الفكرة من التجربة المعيشة، ما يعطي للفكرة حقها وقيمتها ويجعل السوريين يدركون الأهمية العملية للفكرة التي باتت اليوم مجسّدة أمامهم وتعرض نفسها للعين المجردة.

عنصران يدخلان بقوة إلى مجال وعي السوريين، بعد هذا الجحيم الذي عاشوه ويعيشونه إلى اليوم، وببؤس لا يني يتزايد. الأول ارتفاع قيمة المساواة والمشاركة على حساب دوافع السيطرة والاستئثار. الثاني إدراك لا جدوى العنف في مسعى التطلع التحرّري، وأن العنف لا يحرّر من الاستبداد بل ينتج الاستبداد ويفاقمه بالأحرى. ومن المهم، بوجه خاص، إدراك الصلة العميقة بين هذين العنصرين، أي أن دوافع السيطرة تستجلب العنف، وأن العنف يستدعي، بطبيعته نفسها، علاقات السيطرة والخضوع القسري. هكذا، يبدو أن نبذ التطلع التحرّري يمشي قدماً بقدم مع نبذ العنف.

في الختام، يمكن القول إنه، تحت قشرة الانفعالات والحساسيات المتبادلة التي عزّزتها الصراعات العنيفة خلال العقد المنصرم، يتوفر اليوم لدى السوريين في كل المناطق، ومن كل المشارب المذهبية أو القومية، ما يهيئ لولادة وعي جديد مشترك، يمكن أن يشكّل منطلقاً لنجاح سوري بالغ الأهمية، إذا توفرت لدى الفاعلين السياسيين الحساسية والإرادة الكافية لاستثماره. نعلم أنها مهمّة غير سهلة، ليس فقط بسبب ظروف التقطّع الجغرافي والسياسي الذي تكرّس في البلد، بل أيضاً بسبب وجود قوى اجتماعية وسياسية وازنة وفاعلة لا يناسبها تبلور مثل هذا الوعي، وستعمل على تشتيته وتهميشه. وفي التاريخ ما يقول: ليس مستبعداً أن يكون الفشل العام منطلقاً لنجاح عام.

العربي الجديد

————————

ما هو شاغل السوريين اليوم؟/ فايز سارة

تستحق ردة الفعل السورية إزاء تطورات ملف تطبيع العلاقات التركية مع نظام الأسد التوقف عندها، وخصوصاً بعد الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع روسيا وتركيا ونظام الأسد في موسكو وما تمخض عنه من أفكار ومبادرات. ففي الجانب الأهم، كانت تأكيداً على أن السوريين وبعد كل ما أصابهم من ويلات وكوارث ارتكبها النظام، وقد أكدت شعارات مظاهرات السوريين في مناطق السيطرة التركية في شمال غربي سوريا، وهتافات المشاركين فيها، أنهم ضد المصالحة مع النظام.

مظاهرات السوريين السلمية بشعاراتها حق للقائمين بها، ليس لأحد، أن يناقش فيه، بل إنه ربما كانت خطوة مطلوبة بعد صمت الأموات الذي مارسته القيادات المتربعة على سدة المعارضة السورية من الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات، التي لم تمتنع عن التعقيب على الأحداث والتطورات المحيطة بالملف السوري، بل امتنعت أيضاً عن تحليل ما يحصل وأثره على القضية السورية، وقول ما ينبغي على السوريين أن يفعلوه من أجل تحقيق تقدم في قضيتهم، وما هو مطلوب من أجل تجنب الأسوأ فيما يمكن أن يحصل في الحد الأدنى.

لقد خلقت أجواء مسار التطبيع التركي مع نظام الأسد بالدعم الروسي، وصمت المعارضة، وتقصيرها عن القيام بما كلفت به نفسها أجواء غضب واسع وعميق، لا سيما وسط أكثر السوريين معاناة في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وعيشهم في الشمال الشرقي الواقعين بين سندان التنظيمات المسلحة وتطرف هيئة تحرير الشام، وتهديدات النظام، والخوف مما يمكن أن تجليه مسيرة تطبيع تركيا مع الأسد، وكلها عوامل، راكمت غضباً عارماً لدى السوريين.

وللحق فإن ما يحتاجه السوريون عموماً وسكان مناطق السيطرة التركية على وجه الخصوص، نهج وجهد، يتجاوز الغضب الذي يسم أغلب الحراك الشعبي السوري في سلوكه وردود فعله، ليس لأن الغضب موجة من أحاسيس، سرعان ما يمكن أن تهدأ ليحل مكانها أحاسيس أخرى بينها اليأس والإحباط، وهو أمر طبيعي.

إضافة إلى أن الغضب لا يعالج المشاكل والقضايا وخصوصاً، إذا كانت مثل القضية السورية، التي أصبحت شديدة التعقيد في وضعها الداخلي وفي علاقاتها الخارجية، وصارت أكثر حاجة إلى مزيد من القدرات والخبرات، التي تديرها عقول حكيمة ونظرات ثاقبة، وأساليب رزينة وهادئة، وكلها تدعو إلى أن يبحث السوريون عن قيادات جديدة للمرحلة المقبلة، يعطونها حداً كبيراً من الثقة، ويصطفون خلفهاً داعمين ومنفذين، ما يجنبهم ما تحمله المرحلة المقبلة من احتمالات، ويفتح آفاقاً لحل سوري أو يضعهم على سكة حل، وثمة مؤشرات كثيرة على نوايا إقليمية ودولية للسير إليه، وإن اختلفت بعض مضامينه أو تفاصيله.

ولا يحتاج إلى تأكيد أن مثل هذا المسار، لا يعالج الغضب الذي لا يوصل إلى نتائج عملية فقط، وإنما يخلق بدلاً عنه خطأ من فعل سوري افتقدوه، والأصح أنهم عجزوا عن توليده طوال السنوات السابقة، وتركوا أنفسهم وقضيتهم أسرى أهواء الغضب والخطوات المرتجلة، والسياسات المرتبكة، والقيادات العاجزة، وتلك الباحثة عن دور أياً كان، وأصحاب الأجندات، فصار السوريون إلى ما هم عليه وفيه.

وإذا عجز السوريون عن الخروج من غضبهم والذهاب إلى مسار عملي في تنظيم أوضاعهم السياسية والإجرائية، فإنهم سيتركون للأطراف الأخرى فرصة التصرف بغيابهم أو بسكوتهم اليائس، وسوف يتوالى في سياق ما سبق مستويان من السياسات: سياسات محلية تنفذها قيادات معارضة، ثبت أنها خارج مهماتها، وسلطات سيطرة الأمر الواقع من نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات والقابضون على السلطة في الشمال الغربي من جماعات مسلحة إلى هيئة تحرير الشام، وسيجد أغلب الجميع (بالرغبة أو تحت الضغط) إن لم نقل كلهم نقاط توافق، يتجنبون الخسارة من خلالها، وفي المستوى الخارجي الإقليمي والدولي وخصوصاً في محور إيران وتركيا تحت إدارة موسكو، سوف يتوالى طرح فرص تقارب المصالح، والتوافق على ما يمكن إنجازه، والعمل على إنضاج ظروف ما صعب التوافق عليه في الفترة المقبلة، وسوف يتطلب إنجاز كل ما سبق ضغوطات ومعارك ومواجهات سياسية وعسكرية، وبعضها سيأخذ شكل حرب من أجل تغيير خرائط الصراع في سوريا وحولها، ولعل أول الحروب وأشدها ستكون في الشمال الغربي، الذي تتعدد القوى فيه، وتشتد التنافسات فيه وعليه وسط غياب قوة موحدة تمثله، وتتولى قيادته.

مواجهات وحروب مناطق الشمال الغربي، سيكون لها ما يماثلها في المنطقتين الأخريين أو حولهما. فالوضع في شرق الفرات سيدخل بوابة تحمية جادة في المستويين الداخلي والخارجي، ورغم أن المستوى الخارجي هو الأهم بسبب الحضور الأميركي المباشر فيه، ما يجعل المواجهات والحروب الحاسمة فيه ضعيفة الفرص، فإن المستوى الداخلي قد يشهد حروباً ومواجهات، تحت تأثير تناقضات قائمة بين أطراف محلية، أكثرها يعادي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ويعارض مشروعها السياسي، ويسعى للخلاص من سيطرتها.

وبطبيعة الحال، فإن مناطق سيطرة نظام الأسد، لن تكون بعيدة عن المواجهات والمعارك السياسية والصدامات المحدودة، التي إن كان من غير المتوقع تحولها إلى حروب، فإنها سوف تؤثر على خرائط القوة السياسية والميدانية. حيث النظام يعيش أكثر أيامه صعوبة من خلال أزماته، فيما تمر علاقاته بفترة حساسة مع إيران وسط مساعي الأخيرة إلى تقنين وجودها، وتشديد قبضتها على الدولة والمجتمع في البلاد، فيما تتجه موسكو نحو تطوير الحضور التركي للحد من التمدد الإيراني والتعويض عن انسحاباتها من سوريا بسبب حربها في أوكرانيا.

لقد ألقت فكرة تطبيع علاقات تركيا مع نظام الأسد حجراً كبيراً في بركة الصراع في سوريا وحولها، فهزت مياهها الساكنة، ودفعت بعض الأطراف المتدخلة والمهتمة بالملف السوري إلى التحرك، ولن يطول الزمن بالآخرين ليتحركوا، ولا شك أن بعض التحركات ستأخذ أشكالاً عنيفة، ما يمهد إلى صراعات ومواجهات، يمكن أن يتحول بعضها إلى حروب تؤدي إلى تغييرات في حجم ووزن قوى الصراع، ويسهم في خلق فرص أفضل للتوصل لحل في سوريا.

وسط التطورات الممكنة والمحتملة في الملف السوري، فإن كل قوى الصراع الداخلي والخارجي حاضرة بقواها وأجهزتها وعلاقاتها، الغائب الوحيد عن الخريطة وتفاعلاتها هو الشعب السوري صاحب القضية وموضوعها، والذي بات بحاجة إلى ممثل فاعل ومتفاعل، قادر على أن يكون حاضراً بين الحضور في التعبير عن مصالح وطموحات السوريين لتوفير الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، ويضع حداً للتدخلات الخارجية في سوريا، وهذا ينبغي أن يكون شاغل السوريين، وليس الغضب وتوسيع دائرة الخصوم والأعداء.

الشرق الأوسط

——————————-

حول القضية السورية وأولويتها.. بيان “مسد” والمصداقية المفقودة/ أسامة آغي

لا أحد ينسى من سلّح ما يسمى “وحدات حماية الشعب” إبان انطلاق الثورة السورية، وإن هذه الوحدات رسمت لنفسها أفقاً لا علاقة له بالثورة، بل أنها شطحت بمخيلتها كثيراً حين أطلقت على جزيرتنا السورية مسمّى “روج آفا”، وعملت على قمع كل حراك ثوري ضد النظام الأسدي، وفرضت بقوة السلاح برامج تعليمية، لا تمتّ للتاريخ والجغرافيا والوطنية السورية أيما انتماء.

ولا أحد ينسى، إن ما يسمى حزب الاتحاد الديمقراطي منع أي نشاطٍ سوري في المناطق التي تحكمها ميليشياته، التي اختبأت وراء مسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي بالأساس ميليشيا تقودها كوادر عسكرية لتنظيم اسمه “حزب العمال الكردستاني” التركي، والذي تصنّفه الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وكثير من بلدان أوربا على أنه تنظيم إرهابي، هذا التنظيم وقف ضد الثورة السورية، وقمع الكرد السوريين الوطنيين، ومنع أي نشاط لهم في مناطق سيطرته.

إن ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” لا يمكن تصنيفها على أنها جزء من قوى الثورة السورية، لأنها بالأساس لم تثر ضد نظام أسد، بل إن هذا النظام هو من سلّحها وسلّمها مراكزه الحكومية، وإن هذه القوات، ومنذ البداية، كانت تُدار وترفد بمقاتلين ليسوا سوريين، إنما ينحدرون من كرد تركيا الهابطين من مخابئهم في جبال قنديل العراقية، فهؤلاء يعادون الثورة السورية المنادية بدولة المواطنة والديمقراطية، ويشنّون حرباً إرهابية على الدولة التركية، هذه الحرب، تضع في اعتبارها مقولات عبد الله أوجلان مؤسس الحزب وقائده، والذي يقبع في سجن مرمرة التركي، لتحقيق هدف دولة كردية، تدّعي ميليشيا PKK أن أراضيها تمّ توزيعها في اتفاقية “سايكس بيكو” بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

حزب الاتحاد الديمقراطي وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي الأصل، أنشأ ميليشيا ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والتي تشكّل وحدات حماية الشعب ,قوتها الضاربة الرئيسية والمتحكمة بقرارها، وأنشأ ما يُطلق عليه “مجلس سوريا الديمقراطية” واختصاراً (مسد)، لإيهام السوريين والعالم على أن هذه الذراع السياسية هي تمثيل لقوى وطنية ديمقراطية سورية، بينما هي ذراع سياسية لحزب عابر للوطنية السورية هو تنظيم ال PYD.

“مجلس سوريا الديمقراطية” أصدر منذ أيام بياناً، رفض فيه لقاءً رتّبته موسكو، جمع وزير الدفاع التركي ورئيس المخابرات التركية بوزير دفاع نظام أسد ورئيس مخابراته، حيث جاء في البيان: “إننا في مجلس سوريا الديمقراطية ننظر بعين الشكّ والريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية وبرعاية روسية”. وفي فقرة أخرى يقول البيان: “وإذ ندين باشدّ العبارات استمرار سفك الدماء السورية على مذبح انتخابات حكومة العدالة والتنمية، وقرباناً لتأبيد سلطة الاستبداد في دمشق”.

رفض “مسد” لاجتماع موسكو لا ينطلق من أرضية ما جاء في البيان، فهذا تضليل واضح، إذ إن ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية هي من أرسل وفوداً إلى دمشق مرات عديدة، للتباحث مع النظام الأسدي، في محاولة منه لانتزاع اعتراف من هذا النظام بإدارته الذاتية في مناطق سيطرته بمساعدة الأمريكيين شرقي نهر الفرات.

إن رعب حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ومعه ميليشياته من حرب تركية عليها، هي من يدفعهما إلى مدّ يدهما للشعب السوري للتحالف والتنسيق مع قوى ثورة هذا الشعب ومعارضته، متناسين كل الدعوات الوطنية السابقة للالتحاق ببرنامج الثورة السورية، بل أنهما حاربا وهاجما قوى الثورة السورية ولا يزالان يفعلان ذلك.

قوات سوريا الديمقراطية هي من يقوم بإرسال المفخخات إلى مناطق الشمال المحررة، تلك المفخخات تقتل المدنيين من النساء والأطفال والعجائز، وهي من يقصف من وقتٍ إلى آخر المناطق المحررة في الشمال السوري.

لهذا لا يمكن الثقة بنداء مجلس سوريا الديمقراطية المحمول في بيانها، وهذا المجلس مثله مثل نظام الأسد، يتبنى مفهوم الشمولية السياسية وغير ديمقراطية، والدليل على ذلك أنه يمنع أي نشاط سياسي أو أهلي خارج هيمنته ورؤيته السياسية. والأخطر من ذلك أنه بنية غير وطنية، لأنها ببساطة تُدار من تنظيم غير سوري وإرهابي هو تنظيم pkk، هذا التنظيم لا يعمل لمصلحة التغيير الديمقراطي في سوريا، والذي نادت به الثورة السورية، بل يعمل لمشروع يضرّ بوحدة الأراضي السورية، ويستعدي الدولة التركية.

إن قوات سوريا الديمقراطية ومعها ذراعها السياسي مجلس سوريا الديمقراطية مطالبان قبل كل شيء بإبداء الثقة حيال الشعب السوري وثورته، هذه الثقة تتمثّل بالكفّ عن التعاون مع إرهابيي حزب العمال الكردستاني، وفكّ الارتباط السياسي والعسكري مع هذا الحزب غير السوري. ومطالبان بوقف كل النشاطات العسكرية ضد قوى الثورة والمناطق المحررة، ووقف كل عمليات العدوان على الشعب التركي ودولته.

وهما مطالبان عبر حزب الاتحاد الديمقراطي PYD بتقديم ورقة عمل لقوى الثورة السورية، السياسية والعسكرية منها، في الداخل والخارج (الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية)، يعلن فيها أنه مستعد للعمل مع هذه القوى من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة مؤسسات وطنية، دولة حقوق ومواطنة للجميع، وأنه يرفض مبدأ التصالح مع النظام الأسدي، وأن الحل السياسي في سوريا يرتكز فقط على القرارات الدولية بيان جنيف1 والقرار 2254.

كذلك هو مطالب بأن يكون التفاوض مع النظام الأسدي يعتمد على هيئة تفاوض وطنية، لا يمنع أن يكونوا أحد مكوناتها السياسية، كالمنصات المكونة لها.

إن جدّية بيان مجلس سوريا الديمقراطية من عدمه، يعتمد على قبول مطالب قوى الثورة والمعارضة السورية، والالتزام بثوابتها، وهذا يحتاج منهم إلى إعلان صريح لهذا القبول، وبدون ذلك، تكون الغاية من نشر البيان، هي كسب تأييد من الشعب السوري وقواه في لحظة سياسية تاريخية فارقة، مقدماتها تقول بقرب تفكك نظام الاستبداد والقهر والكبتاغون الأسدي.

فهل سيوافق حزب الاتحاد الديمقراطي PYD على مطالب قوى الثورة؟ أم أنه لا يزال يعتمد مبدأ شطارة المناورة السياسية، والهروب عن كل مطلب لا يتفق مع استراتيجيته المرسومة في جبال قنديل؟

كاتب وصحافي سوري

السورية.نت

———————-

عودة حلب إلى بازار السياسة/ بكر صدقي

لاقت تصريحات ياسين آكتاي بشأن اقتراح يخص مدينة حلب اهتماماً واسعاً في وسائل إعلام سورية معارضة. من المحتمل أن هذا هو العنوان الذي توجهت إليه التصريحات المذكورة، فوصلت إلى هدفها. صحيح أن آكتاي ليس شخصاً عادياً بل هو واحد من مستشاري الرئيس أردوغان السياسيين، إضافة إلى موقعه القيادي في حزب العدالة والتنمية. وهو معروف لدى الجمهور العربي من خلال حضوره الإعلامي والثقافي، وبخاصة على شاشة المحطة الحكومية الناطقة بالعربية. صحيح كل ذلك، ولكن يبقى أنه في النهاية ليس ناطقاً رسمياً باسم السلطة في تركيا، ويبقى ما قاله في إطار الرأي الشخصي.

هذا لا يعني، بالمقابل، أن آكتاي يمكن ان يستسلم لإغراء إطلاق رأيه الشخصي بخصوص أمر يدخل في إطار التحول السياسي لأنقرة في الصراع السوري في اتجاه التطبيع مع نظام بشار. ضمن هذه الحدود إذن ينبغي قراءة تصريحات آكتاي. وأول ما يجب التذكير به هو أن فكرة سيطرة «قوة مراقبة تركية ـ دولية مشتركة» على مدينة حلب لتأمين مناخ مناسب لعودة مليوني لاجئ سوري إلى بلادهم، سبق وطرحها الأتراك قبل سنتين، ولم تلق تجاوباً من الجهات الفاعلة. فما الذي تغير حتى يعاد طرح الفكرة، حتى لو كان بشكل غير رسمي؟

لقد تغير الكثير حقاً. ربما أهم ما تغير هو الورطة الروسية في حربها الفاشلة والمكلفة على أوكرانيا، وما أدى إليه ذلك من تأليب الغرب والرأي العام ضد موسكو التي باتت تعيش عزلة خانقة لا آفاق مرئية لانحسارها. هذا الوضع للدولة الوصية ـ عملياً ـ على سوريا سمح للفاعلين الإقليميين بهامش حركة واسعاً في الصراع السوري، وبخاصة بعد موت «العملية السياسية» (اللجنة الدستورية) في جنيف، وهو الهامش الذي تريد تركيا الآن وضع قواعد لعب جديدة فيه أساسها الانفتاح على نظام الأسد، كذلك تلعب دولة الإمارات في هذا الهامش، وقد شاع مؤخراً أنها قد تشكل جزءاً من المسار الجديد في الانفتاح على نظام بشار، برفقة كل من تركيا وروسيا.

ومن أهم التغيرات التي سمحت بإطلاق أفكار جديدة هو التدهور المطرد في حالة «سوريا الأسد» نظاماً وسكاناً محكومين من قبله، أهم مظاهره عجز النظام عن تأمين المتطلبات الأساسية كالوقود والطاقة الكهربائية وغيرها مما لا يمكن أن يقوم اجتماع بشري بغيابها. وقد ارتفعت أصوات محكومي الأسد بالشكوى، ولم يعد إلقاء المسؤولية على أعداء الخارج أو قانون قيصر يقنع أحداً حتى من أشد مواليه حماساً.

من جهة أخرى جاءت إدارة جديدة إلى واشنطن بقيادة جو بايدن، صحيح أنها غير مهتمة بالموضوع السوري، ولكن بقاء قواتها الرمزية في شرق الفرات بات من المسلمات. أضف إلى ذلك أن صراع واشنطن مع موسكو يقتضي منها تعزيز حضورها في سوريا بهدف تعطيل أي خطط سياسية روسية. وهو ما ظهر واضحاً في رفضها للتطبيع التركي مع النظام، كما لرفضها أي تدخل عسكري بري جديد من قبل الجيش التركي.

أخيراً هناك إيران التي يخوض نظامها صراعاً وجودياً ضد ثورة الشعب المستمرة برغم القمع وأحكام الإعدام، ودخلت شهرها الخامس. وهذا أيضاً مما يمنح تركيا هامش حركة واسعاً للعب في الملعب السياسي السوري وطرح أفكار جديدة أو مستعادة.

في هذا الإطار قد لا تبدو فكرة «سيطرة تركية مؤقتة» حسب تعبير آكتاي، في مقالته المنشورة في صحيفة «يني شفق» مغرقة في الخيالية، بصرف النظر عن إمكانات تحقيقها في الواقع. فالدكتاتور السوري الذي طالما اتهمه الغرب بأنه «منفصل عن الواقع» ربما استعاد علاقته بالواقع في ظل مآلات تبعيته لروسيا وإيران، ومصير خياراته الحربية، وما وصلت إليه أحوال البلاد والنظام من اهتراء شامل، فبات ثمرة ناضجة لتجرع سم المصالحة مع أردوغان، بعد عقد من العداء المطلق، بما في ذلك تقديم تنازلات كبيرة، ليس من جيبه طبعاً بل من «السيادة الوطنية» التي أصلاً لم يبق منها شيء، فلن يضيره تقديم المزيد. هذا كله على فرض أن عملية التطبيع جارية في مسارها المرسوم إلى خواتيمها المعلنة بلقاء يجمع رأس النظام مع الرئيس التركي.

سبب التشكيك في جدية هذا المسار، بصرف النظر عن الجزئية المتعلقة بموضوع حلب، هو علاقة الانفتاح التركي على النظام بالانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا. فأردوغان يعوّل على مسار التطبيع مع النظام أن يعيد إليه بعضاً من شعبيته المتراجعة على وقع الأزمة الاقتصادية، لأن الرأي العام التركي يبدي ميلاً لهذه السياسة التي يرى أن من شأنها أن تخلص تركيا من عبء اللاجئين السوريين. بصرف النظر عن صحة هذا الافتراض من عدمها فهي قناعة شائعة ترتبط بأخرى مفادها أن أحد أهم أسباب الأزمة الاقتصادية هو عبء اللاجئين السوريين.

هناك مراقبون مختصون بالسياسة التركية تجاه سوريا يشككون في جدية مسار التطبيع مع النظام، ويعتبرون أنه لن يتجاوز كونه حملة علاقات عامة هدفها صناديق الاقتراع. ذلك أن البون الشاسع بين توقعات كل من أنقرة ودمشق من التطبيع من شأنه أن يوقفه في كل لحظة. ومن وجهة نظر الحكومة التركية إذا لم يحقق المسار أي نتائج عملية، فهو على الأقل يترك في يدها أوراقاً مهمة للتفاوض والابتزاز تجاه واشنطن وموسكو والمعارضة السياسية التركية معاً.

كاتب سوري

القدس العربي

———————–

صانعو الخراب … صانعو السلام/ سميرة المسالمة

تكثر، منذ أيام، تأكيدات الجهات المعارضة السورية، ومنها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، التزامها بمبادئ الثورة وثوابتها، وذلك في حملة مضادة لمواجهة مسار التطبيع التركي مع نظام بشار الأسد الذي وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكثر من خطاب ب “القاتل”، داعياً إلى ضرورة تنحّيه من قيادة سورية، ما ينبئ بأن تخوّفات المرتبطين بالسياسات التركية قد تلزمهم أو تدفعهم إلى اتخاذ خطوات تُجاري التطبيع المحتمل، الذي بات قاب قوسين أو أدنى، رغم محاولات تخفيف وقْعه على المسامع الدولية بوصفه مسار سلام ينشط من خلاله مساري جنيف وآستانة اللذين اعتراهما الصدأ فتوقفا عن إنتاج ما سمّيت آنذاك عملية السلام.

التطبيع الذي تسعى إليه تركيا مع النظام السوري، عبر مراحله السابقة واللاحقة، غير مفاجئ، وغير سرّي، على الأقل لجهة الائتلاف السوري منذ بدأ مسار أستانة (2017)، وقبول تركيا أن تكون طرفا مكملا لثلاثيتها، إلى جانب روسيا وإيران الداعمين الأساسيين للنظام، وإلزام “أطراف في الإئتلاف” أن يكونوا طرفاً مقابلاً لوفد النظام على طاولة مفاوضاتٍ تنزع عن مفاوضات جنيف، التي ترعاها الأمم المتحدة واحدايتها الشرعية، أو تقلل منها، وهي المتوافق أنه تتساوى على أساسها الأطراف السورية من المعارضة والنظام. ويعني هذا أن إعطاء “الائتلاف” مؤشّراتٍ على استهجانه خطوات تركيا ليست واقعية، ولا تستطيع منحَه أسهما شعبية بعد أن استنفذ فرصا كثيرة، وصنع جدارا بينه وبين سوريين كثيرين، عبّروا عن موقفهم منه بمظاهراتٍ ترقى إلى أن تكون شبيهة مظاهراتهم ضد استبداد النظام ذاته، وأن ربط موقفه من تطبيع تركيا الدولة ذات السيادة بتصريحاتٍ حول تمسّكه بثوابت الثورة يوحي وكأن هذه الثوابت حاصل علاقة “الائتلاف” بالسياسة التركية، وليست هي سابقة عن “الائتلاف” وعن وجوده أساساً، ما يقلّل من مصداقية التمسّك بمبادئ الثورة ليس تطبيع تركيا مع النظام السوري، وإنما ترجيح مصالح الأشخاص داخل “الائتلاف” على مصالح السوريين، والقبول بما كان سبباً في تراجع أهمية الحلول على أساس القرارات الدولية، ومنها قرار مجلس الأمن 2254، وإحاطتها بدوامة المسارات من آستانة إلى سوتشي.

لم تصنع الثورة فصائل وأدوات حرب ضد النظام السوري، وكانت في مسارها الحقيقي ثورة سلمية، تنادي بحقوق مشروعة أقرّ بها النظام بداية، ثم واجه تلك المطالب بالرصاص والقنابل والبراميل المتفجّرة. صحيح أن الجيش الحر من المنشقّين حاول حماية المتظاهرين، وسعى إلى تخفيف قيود النظام عن مناطق المعارضة، لكنه بقي في حدود المهمات الدفاعية، ولكن من واجه النظام بالسلاح هي الفصائل المدعومة من الدول التي تروّج الآن للتطبيع معه، ما يعني أن صانعي الحرب هم أدوات نزع فتيلها، والسلاح الذي انتزع سيادة نظام الأسد من مناطق سورية، هو الذي سلّمها لسيادات عديدة، تركية وأميركية وروسية وإيرانية. وبالتالي، عندما يريد أصحاب القرار (وهم كثر) إعادة تسليمها للنظام السوري سيكون على أدواته السماع والطاعة، وهو ما سيكون في الأيام المقبلة، ما لم تفطن تركيا لمعاني التصريحات الأميركية وتحذيراتها من التقارب مع نظام الأسد، ومضت في مغامرتها التي سمّتها صناعة السلام في المنطقة، في خطوةٍ معاكسة تماماً لخطواتها في قيادة الصراع المسلّح المعارض للنظام.

لم تُنتج 12 سنة من الصراع في سورية، برعاية مباشرة من روسيا لجهة النظام السوري وتركيا لجهة “معارضة” مدعومة من اسطنبول، وهم “أطراف صنع السلام” الحالي، أي حلول، بل أسهمت في رفع فاتورة الثورة من الضحايا، قتلى ونازحين ومهجّرين ولاجئين وخراب مدن وتدمير اقتصاد، وتقسيم جغرافي وتغيير ديمغرافي، وتعدّد سيادات على أرض سورية، ونشوء كانتونات، ما يفيد بأن بقاء تركيا في مواجهة النظام لم يغيّر معادلات الصراع لمصلحة الثورة، ولم تكن عامل دفع باتجاه الضغط لإلزام الأسد على قبول الحلول السياسية، سواء لمصلحة من هم تحت عباءتها كمعارضين، أو تغيير موقف النظام السوري من شروط التفاوض مع تركيا كدولة، ما يجعل أسباب تخلّيها عن سياستها العدائية للنظام خارج الصندوق السوري، سواء نظرنا إليه بحسن نية أو سوء تقدير، فهو ملف تركي بحت، يبدأ وينتهي من مصالح تركيا، سواء كانت هذه المصالح داخل الحدود التركية، أو خارجها في سورية وصولاً إلى الحدود مع العراق.

بواقعيةٍ، علينا أن نتقبّل أن الثورة السورية ليست نقطة المركز في المفاوضات بين الدول، بغضّ النظر عن رأينا في هذه الدولة أو تلك، سلبا أو إيجابا. أيضا، ليست الثورة في مطالبها المحقّة ومبادئها العادلة على خريطة قيم التعاقدات في المصالح الاقتصادية والسياسية بين الدول. لذا، بقاء السوريين يحاكمون قرارات الدول على مسطرة مطالبهم لن يقدّم لهم إضافة جديدة في سجلّ ثورتهم، أو في سجل تغيير واقعهم إلى نحو أفضل.

باختصار، واقع الشعب السوري، أي الحرمان من حقوق المواطنة ومن الحريات، وحفظ الكرامة، هو ما دفعه إلى الخروج على النظام، قبل الموقف التركي من ثورته. وبغضّ النظر عن موقعها اليوم من النظام، وكذلك موقف أي دولةٍ أخرى. لذلك ما زال هذا المطلب مشروعا وعادلا، من زاوية مصالح الشعب السوري عموماً، المعارض أو الموالي، الآنية والمستقبلية. أما المعارضة، فالأوْلى بها أن تراجع تجربتها، وهذا ينطبق على المعارضة “الرسمية” وعلى كل تيارات المعارضة، وأن تصحّح مسارها، وليس أن تقيّم مسارات الدول، فالثورة الحقيقية ليست ملكاً للدول، ولا تتبع مواقفها المتحوّلة، ومن يختصرها في تركيا، فتركيا قالت كلمتها. وكلمة السوريين تبقى هي الميزان.

العربي الجديد

————————-

السوريون يريدون الحلّ وليس أيّ حلّ/ عبد الباسط سيدا

يتقاطع وضع سلطة بشار الأسد في سورية، في أوجه عدة، مع وضع سلطة الخلفاء العباسيين في أواخر عهد دولتهم؛ حينما تحوّلت إلى مجرّد دولة اسمية، اقتصر حكمها على بغداد والمناطق المحيطة بها تقريباً؛ ولم تكن تمتلك مقوّمات الدفاع عن نفسها، فكان الاستنجاد بالبويهيين تارّة، وبالسلاجقة تارّة أخرى، في محاولات من الخلفاء المعنيين لتخفيف حدّة سيطرة هذا الفريق أو ذاك من خلال الاستقواء بالفريق الآخر. وفي النهاية، بلغت الدولة حداً من الوهن لم تساعد كل أساليب الدعم أو التحايل على تجاوزه، حتى حاصر هولاكو بغداد عام 1258، ودمّرها، وارتكب المجازر ضد أهلها، وقبض على الخليفة العباسي الأخير، المستعصم بالله، وذبحه، ليصبح العراق بعد ذلك جزءاً من الإمبراطورية الإيلخانية.

ورغم ضعف الدولة في مراحلها الأخيرة، كان الخليفة العباسي يمثل رمز الشرعية لدى المسلمين السنة، ولعلّ هذا ما يفسّر حرص عماد الزنكي، ومن بعد ابنه نورالدين، على نيل اعترافه، والحكم باسمه. وهذا ما فعله صلاح الدين الأيوبي أيضاً، رغم أن المناطق التي كان يحكمها بالفعل (كانت من الناحية الرسمية ولاية تابعة للدولة العباسية)، كانت أوسع بكثير من التي كانت يحكمها الخليفة العباسي نفسه، كما أن سلطته كانت أقوى بكثير من سلطة الأخير، فالشرعية كانت مطلوبة لإقناع رعايا الحاكم الذي كان يحكم باسم الخليفة، ولعلّ هذا ما يفسّر حرص صلاح الدين على التمهل في رفع اسم الخليفة الفاطمي من خطبة يوم الجمعة. ومن الطرائف التي ترويها كتب التاريخ في هذا المجال أن الخليفة الفاطمي العاضد توفي بعد أسبوع من إسقاط اسمه من الخطبة، ولدى وصول خبر وفاته إلى صلاح الدين، قال “لو علمنا أنه يموت في هذه الجمعة ما غصصناه برفع اسمه من الخطبة”. وكان تعليق القاضي الفاضل الذي كان من المقرّبين جدا من صلاح الدين: “لو علم أنكم ما ترفعون اسمه من الخطبة لم يمت”.

بشار الأسد اليوم مجرد رئيس شكلي لسلطةٍ ما كان لها ان تستمر أشهرا بعد انطلاقة الثورة السورية في ربيع عام 2011، لولا تدخل كل من إيران وروسيا إلى جانب المليشيات المذهبية وغيرها. وكانت ذريعة هؤلاء أن تدخّلهم شرعي، لأنه كان بناء على طلب الرئيس الشكلي الذي فُرض على السوريين بعد وفاة والده بموجب هرطقة دستورية مرّرها رئيس مجلس الشعب في ذلك الحين، عبد القادر قدّورة، وبموافقة أركان سلطة الأسد الأب، ومن بينهم نواب الرئيس. ومع الأيام الأولى للثورة السورية السلمية، فقد الرئيس الإشكالي شرعيته الاسمية بصورة نهائية، حينما أمر بإطلاق النار على السوريين المنتفضين العزّل، واستنجد برعاته من الخارج لدعمه ومساعدته في قتل السوريين، وارتكب المجازر ضد السوريين في مدن وبلدات سورية عديدة؛ كما قصف السوريين بالسلاح الكيميائي وبراميل البارود أعواما؛ وتسبّب في قتل نحو مليون سوري، وتشريد وتهجير ملايين آخرين.

واليوم، وبعد كل الجرائم غير المسبوقة التي ارتكبتها سلطة بشار الأسد ضد السوريين، نشهد خطوات متسارعة من تركيا لتطبيع العلاقة معها. ويُشار هنا بصورة خاصة إلى اللقاءات العديدة بين المسؤولين الأتراك ومسؤولي السلطة المعنية وبوساطة روسية، كما نشهد استمرارية في الانفتاح الإماراتي على الأسد، وهناك حديث عن تفاهم تركي إماراتي، وربما تعاون، في هذا المجال. وهنا لا ننكر أن تركيا ساعدت مشكورة، حكومة وشعبا، السوريين وفي أحلك الظروف، وتحمّلت عبئاً كبيرا في استقبالها نحو أربعة ملايين سوري، فضلاً عن دعمها مؤسسات المعارضة؛ ولكن ما يجري راهناً، وفقا للمعطيات المتوفرة، لا يوحي بإمكانية إسهامه في المساعدة على التوصل إلى حلٍّ يتطلع إليه السوريون. حل ينصفهم، ويضع حدّاً لمعاناتهم القاسية غير المسبوقة؛ وهي المعاناة التي تسبّبت فيها روسيا بوتين، والنظام الإيراني، إلى جانب السلطة نفسها، فروسيا هي التي ساعدت بشار الأسد منذ اليوم الأول بالأسلحة والتغطية الدبلوماسية، ثم ساعدته بتدخلها العسكري، وعرقلتها مسار جنيف، وتمكّنها من حصر الموضوع السوري بلجنة دستورية عقيمة.

ولعله من الجدير بالذكر أن ما جرى  في سورية لا ينفصل عما حصل في العراق ولبنان واليمن، وما قد يحصل في دولٍ أخرى، في إطار المشروع الإيراني المستمرّ منذ نحو أربعة عقود، وهو مشروع يركز على خلخلة مجتمعات ودول المنطقة بمختلف الأساليب لتغدو ضعيفة المناعة، وعاجزة عن حماية ذاتها. وقد استغلّ هذا المشروع المذهبي أيديولوجية لبث روح الفرقة، وتكريس الهواجس والتشكيك؛ وليس من المستبعد أن يمتدّ هذا المشروع مستقبلا إلى الدول الخليجية نفسها، خصوصا السعودية، وحتى إلى تركيا، وهي سياسة قديمة جديدة معروفة في المنطقة، اعتمدت، بصورة لافتة، منذ المرحلة الأخيرة من الحكم العباسي التي بدأ بها هذا المقال. والأمر الذي يدعو إلى التمعّن في هذا السياق أن موضوع تحرير القدس كان، منذ ذلك الحين، كما هو الحال عليه في يومنا الراهن، مادّة لشد العصب وانتزاع الشرعية.

وبالعودة إلى حسابات الحكومة التركية الخاصة بمساعيها في ميدان الانفتاح على سلطة بشار الأسد الشكلية، يُلاحظ أنها تحاول سحب البساط من تحت أقدام معارضيها الذين يربطون بين الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا حاليا ووجود لاجئين سوريين كثيرين (يحتاج هذا الادّعاء إلى التدقيق والدراسة من مختلف جوانبه).

وفي المنحى ذاته، تركّز الحكومة التركية، بصورة مستمرّة، على موضوع حزب العمال الكردستاني وواجهاته السورية. هذا رغم اطّلاعها الكامل على خفايا هذه الملف وبواعثه؛ فهي تعرف جيداً أن بشار الأسد نفسه قرّر إدخال هذا الحزب إلى المناطق الكردية ليساعده في ضبط الأمور هناك، عبر منع تفاعل الكرد مع الثورة السورية. وتعرف تركيا أن ذلك القرار كان بالتنسيق مع كل من إيران وروسيا. ولكن الذي حصل لاحقاً في خضم التحولات والتوافقات التي شهدتها الأحداث والمتغيرات في سورية، ومع التوافق الأميركي الروسي على حصر الجهد في سورية بموضوع مكافحة “الإرهاب”  الذي صنعته سلطة بشار أصلاً، أن التحالف الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، اعتمد على قوات الحزب المذكور في معاركه الأرضية مع “داعش”، التنظيم الوظيفي الذي أضرّ كثيراً بالثورة السورية، وما زال يُستخدم عند اللزوم في سورية والعراق.

وبالنسبة إلى الانفتاح الإماراتي على بشار الأسد، فهو يثير تساؤلاتٍ وتخميناتٍ كثيرة. وهناك من يرى أن القصد منه هو إقناع الأخير بضرورة الابتعاد عن إيران مقابل الانفتاح العربي عليه. ويذهب بعض أصحاب هذا الرأي إلى أن هذه المحاولة تأتي بالتنسيق مع الجانب التركي برعاية روسية، ويدعم هؤلاء وجهة نظرهم بغياب إيران عن اللقاء الثلاثي الذي انعقد أخيرا في موسكو، وهو الغياب الذي يبدو أنه سيتكرّر في لقاءات ثلاثية أو رباعية. أما ما يتصل بالموقف الروسي، من الملاحظ أن بوتين، وبعد فشله الذريع في أوكرانيا، وتحت تأثير الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية الهائلة التي يتعرّض لها نظامه في روسيا، يسعى إلى تحقيق اختراق ما في الملف السوري، علّه يتمكّن من جمع نقاط يستخدمها أوراق ضغط في أية مفاوضات مع الغرب بشأن أوكرانيا.

وبطبيعة الحال، تبقى كل هذه التحرّكات مرهونة بماهية الموقف الأميركي، فالولايات المتحدة هي اليوم حاضرة بقوة في الملف السوري، وقد تمكّنت، بالفعل، من فرض منطقة حظر جوي واسعة بعيداً عن الضجيج الإعلامي؛ وهي ليست في عجلة من أمرها على ما يبدو. كما أنها تراقب الأوضاع في إيران، ومستمرّة مع الدول الغربية في دعم أوكرانيا بهدف تمكينها من الصمود في مواجهة الغزو الروسي، وهي، على الأغلب، تتابع نتائج استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا.

يستوجب الوضع في سورية حلاً سياسياً يُنصف السوريين، لكن هذا الأمر لا يمكن بلوغه بمبادرة فردية من هذه الدولة أو تلك، بل يحتاج إلى تحرّك أوسع يجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا، وبالتفاهم مع الولايات المتحدة والأوروبيين، للدفع باتجاه حلٍّ عادل  متوازن يرتقي إلى مستوى تضحيات السوريين وتطلعاتهم. ولعله نافلا التذكير هنا مجدّداً بأن مثل هذا الحل سيكون في صالح الجميع في نهاية المطاف، فسورية تبقى بوابة المنطقة، ومن دون ضمان الاستقرار فيها لن يكون هناك استقرار في دول الإقليم بأسرها. هذا ما تؤكّده دروس التاريخ، ووقائع الحاضر. وقد بيّنت سنوات القيامة السورية الـ 12 أن الحلول الارتجالية الانفعالية الجزئية لم تؤدّ ولن تؤدّي إلى حلٍّ يضمن للسوريين حريتهم وكرامتهم، وللمنطقة وأمنها واستقرارها وانتعاشها. ومن أبجديات أي حل واقعي ممكن في سورية أن تُحاسب الجهة التي أوصلت الشعب والوطن إلى الوضعية الكارثية الراهنة؛ والجميع يعرف أنها سلطة بشار الأسد التي تشكل اليوم العقبة الكأداء أمام جهود ترميم النسيج المجتمعي الوطني السوري، وتوحيد الأرض السورية.

العربي الجديد

————————

الاستدارة التركية الأسباب والنتائج/ فراس علاوي

مقدمة

 بعد إدراك الحكومة التركية أن النظام السوري لن يستمع لأصوات المحتجين وأنه يتجه باتجاه الحل الأمني وبالتالي وجدت الحكومة التركية نفسها أمام خيارين

الأول : أن تقف إلى جانب النظام السوري وهو مايتناقض مع سياساتها في المنطقة ويدفع بها نحو دوامة التصعيد والغضب الشعبي التركي

الثاني : الوقوف مع الثورة السورية وبالتالي محاولة الحفاظ على الحد الأدنى من ضمان الأمن القومي التركي لذلك بدأت الحكومة التركية بالتصعيد إعتباراً من منتصف العام 2011

اتخذ التصعيد منحى سياسي بداية الأمر ففي 2 يونيو 2011 دعا الرئيس التركي أنذاك عبدالله غل بشار الأسد إلى العمل على التحول إلى نظام سياسي تعددي منتقداً خطاب بشار الأسد قبل يوم من ذلك بوصفه بغير الكافي .

على إثر ذلك تصاعدت الانتقادات السياسية التركية لتعامل نظام الأسد مع المحتجين , هذا التصعيد بدا واضحاً من خلال استقبال الحكومة التركية على أراضيها عدداً من الناشطين والمعارضين السوريين لنظام الأسد بدايةً , ومن ثم عدد كبير من المنشقين عن النظام  سواء من المؤسسة العسكرية أو السياسية ,

بعد هذا التغير في المواقف التركية من تعامل النظام السوري مع الشعب السوري إرتكز التعامل التركي مع الشأن السوري على ثلاث نقاط أساسية

الأولى عسكرية وأمنية

الثانية سياسية /بمايخص العلاقات مع المعارضة السورية أو نظام الأسد أو الدعم الدولي لتركيا /

الثالثة إنسانية وإغاثية

_ سياسياً

بدأ التصعيد التركي اتجاه نظام الأسد عبر تصريحات وخطوات سياسية متلاحقة بدأت بتصريح عبدالله غل عن خطاب بشار الأسد عندما وصفه بغير الكافي , ثم باستقبال المعارضين السوريين على أرضها وتشكيل أول جسم سياسي معارض /المجلس الوطني السوري / في 2 تشرين أول أكتوبر 2011 من عدة شخصيات معارضة وكيانات سياسية , وبالتالي بات الدعم التركي للمعارضة السورية واضحاً , لتتم ترجمته على الأرض بقطيعة سياسية بإغلاق السفارة التركية في سوريا واستدعاء السفير التركي في دمشق في 26 مارس أذار 2012 فيما لاتزال القنصلية التابعة للنظام السوري في اسطنبول تفتح أبوابها ,

شهد الربع الأول من العام 2012 عدة تحركات سياسية ودبلوماسية واجتماعات للمعارضة السورية تكللت باستقبال اسطنبول التركية لمؤتمر /أصدقاء سوريا / الذي حضره مايقارب ال 70 ممثل عن الدول المشاركة بهددف تقديم الدعم للمعارضة السورية وزيادة الضغط على نظام الأسد لتطبيق ما أطلق عليه حينها /خطة عنان / نسبة للمبعوث الدولي والعربي إلى سوريا كوفي عنان /سنأتي لاحقاً على تفاصيل الخطة / .

إستمر الدعم السياسي التركي لقوى المعارضة السورية سواء داخلياً على مستوى تشكيلاتها السياسية أو بالتنسيق مع الدول الداعمة لها سواء كان إقليمياً أو عربياً أو دولياً إذ نتج عن هذا الدعم إعادة هيكلة المجلس الوطني , ليعلن  عن إئتلاف سياسي  يضم تشكيلات المعارضة في 11 تشرين الثاني نوفمبر 2012 تحت إسم الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي إتخذ من مدينة اسطنبول التركية مقراً له ويتوزع أعضائه في عدة مدن تركية , كما دعمت تركياً كثيراً الكتل السياسية التي تقترب فكرياً من الايديولوجيا السياسية والفكرية لحزب العدالة والتنمية  والكتلة التركمانية بالمعارضة السورية , كما دعمت تشكيل حكومة للمعارضة السورية تحت إسم الحكومة السورية المؤقتة منتصف نوفمبر تشرين ثاني 2013 ليرأسها أحمد طعمة ومن ثم عبد الرحمن مصطفى , وبذلك يمكن اعتبار تركيا مركز المعارضة السياسية السورية وداعمها الأول وإن تغير هذا الدعم بعد الخلاف الخليجي الخليجي /بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية / إلا أن تركيا تبقى الداعم الأكبر للمعارضة السياسية بشكلها الحالي ,

كما كان للحكومة التركية دور كبير في دعم المعارضة السورية سياسياً في الأمم المتحدة من خلال دعم مفاوضات جنيف الذي نتج عنه قرار جنيف الداعم لخطة عنان ومن ثم القرار 2254 بتاريخ 1 ديسمبر 2015

وتمثل الحكومة التركية دوماً الطرف الداعم للمعارضة السورية في أي مفاوضات أو مباحثات كما كان لها دور كبير في مؤتمر أستانا الذي انطلق في 20 ديسمبر كانون أول 2016 واستمر لاحقاً عبر جولات من المفاوضات وكانت تركيا هي الطرف الداعم والضامن للمعارضة السورية فيه والمسؤولة عن تنفيذ مخرجاته على الأرض وضمان التزام المعارضة السياسية والعسكرية فيه .

وبالتالي يمكن اعتبار تركيا هي الدولة الراعية للمعارضة السورية سياسياً وهي الضامن لتنفبذ جميع مايصدر عنها , بذات الوقت هي المسيطر على جزء كبير من القرار السياسي /والعسكري لاحقاً بعد تأسيس الجيش الوطني /  لأسباب تتعلق بولاءات القوى السياسية الموجودة على أراضيها والتي تتصدر الواجهة السياسية للمعارضة وتأثير السياسة التركية عليها ,

_عسكرياً

يعتبر التدخل العسكري التركي هو الأبرز بين الدول الداعمة /للثورة السورية / ويكاد يكون الوحيد وينقسم لقسمين رئيسيين .

الأول : دعم فصائل المعارضة والعمل على توحيدها

الثاني : التدخل العسكري المباشر في سوريا /درع الفرات , غصن الزيتون, نبع السلام , نقاط المراقبة , الدوريات المشتركة /

أولاً

بدأ الدعم التركي عسكرياً عبر تأمين مكان أمن للمنشقين عن جيش النظام السوري خاصة الضباط أصحاب الرتب العالية , وقد أعلن عدد منهم إنشقاقه من الأراضي التركية أو من على الحدود التركية السورية , كما أعلن على الحدود السوري التركية عن أول تشكيل عسكري للمعارضة السورية مكون من الضباط المنشقين , تحت مسمى لواء الضباط الأحرار بقيادة المقدم حسين هرموش وهو من أوائل الضباط المنشقين عن الجيش السوري , تم اختطافه من قبل النظام السوري من داخل الأراضي التركية في 15 أب أغسطس 2011 وظهر على إعلام النظام ثم تم تغييبه بعدها .

الثاني

قامت تركيا بثلاث عمليات عسكرية مباشرة على الارض السورية بغية إنهاء وقطع الطريق أمام قيام أي كانتون كردي على حدودها وهو ماينسجم مع الاستراتيجية التركية في سوريا والهادفة إلى الابقاء على وجود طويل الأمد لعمق معين يتراوح بين ١٢ و٣٠ داخل الأراضي السورية فيما يعتبر تطويراً لاتفاق أضنة الذي وقع بين الحكومة التركية والسلطة في دمشق عام ١٩٩٨

درع الفرات , غصن الزيتون , نبع السلام , نقاط المراقبة , الدوريات المشتركة

في أكتوبر تشرين أول 2012 منح البرلمان التركي الحكومة التركية صلاحية القيام بعمليات عسكرية في سوريا وتم تجديده لاحقاً عدة مرات ,

يعود التدخل العسكري التركي المباشر للحكومة التركية لأسباب رئيسية تتعلق بالأمن القومي التركي مع اقتراب خطر /تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام / داعش من حدودها وفي محاولة لاستثمار ضعف سيطرة /حكومة النظام السوري / على أراضيها وتطبيقاً لبنود إتفاقية أضنة 1998 , ولإبعاد خطر الأحزاب التركية عن حدودها , ومحاولة لإيجاد حل نهائي لتدخل هذه الأحزاب من خلال تشكيل نطاق حماية سواء من الفصائل التابعة لها أو من خلال إنشاء منطقة أمنة أو عازلة على طول الحدود التركية السورية لهذا السبب تدخلت تركيا عسكرياً في سوريا ,بعد خسارة فصائل المعارضة السورية لمدينة حلب ذات الأهمية الاستراتيجية /كانت خسارة مدينة حلب بداية الخسارات المتتالية للفصائل وكان وقعها كبيراً على جمهور الثورة نظراً لتأثيرها وثقلها المعنوي في المعادلة السورية / وتقدم جيش النظام السوري إليها والسيطرة على مناطق قريبة من الحدود السورية التركية .

كذلك فإن سيطرة تنظيم الدولة /داعش / على مناطق واسعة من ريفي حلب وإدلب وإقترابه من الحدود التركية مما يشكل خطراً على الداخل التركي خاصة أن الأراضي التركية كان أحد المعابر الرئيسة لدخول مقاتلي  التنظيم القادمين من الخليج وأوربا وروسيا وغيرها من الدول مما زاد مخاوف الحكومة التركية من القيام بعمليات في الداخل التركي  .

الخوف من تحول الشمال السوري لبؤرة للتنظيم تهدد الأمن القومي وتجعل من الحدود التركية هدفاً له حيث سيطر على مناطق واسعة عليها أهمها مدن جرابلس وعين العرب( كوباني ) وتل أبيض وسلوك وغيرها من القرى والبلدات لتأمين دخول عناصره إلى سوريا قادمين من معظم دول العالم , لهذا السبب أطلقت تركيا عملية عسكرية لدعم الفصائل التابعة للمعارضة السورية شمال سوريا لإخراج التنظيم من الشمال.

التدخل الروسي والموقف التركي

بعد التحولات التي طرأت على الملف السوري نتيجة التدخل الروسي والذي مر بأكثر من تحول في العلاقات مع تركيا بدأت بعدم اعتراض تركي على طبيعة وشكل التدخل الروسي الذي بدأ سياسياً ثم تحول تدريجياً إلى تدخل عسكري، وكانت حادثة اسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الجو التركي هي نقطة التحول في العلاقات التركية التي تحولت من الصدام والتوتر إلى التنسيق التام.

المسار السياسي التركي الروسي

هو المسار الاكثر وضوحاً في الشأن السوري والذي بدأ مع مسار استانا ومن ثم احتماع سوتشي والذهاب إلى ماسمي اللجنة الدستورية حيث تبنت الاطراف المشاركة في مسار آستانا الرؤية والتفسير الروسي لمخرجات القرار ٢٢٥٤ والتي تقول بالذهاب إلى دستور ومن ثم انتخابات وذلك في ققز على تراتبية القرار ٢٢٥٤ الذي ينص على بيئة آمنة ومن ثم هيئة حكم مستقلة ومن ثم دستور وانتخابات.

لم يقتصر التعاون الروسي التركي على مسار استانا بل اصبح هناك مسار منفرد يتعلق بالحل في شمال سوريا / مناطق سيطرة الفصائل السورية المتعاونة مع تركيا / والتي اصبحت بعد استعادة النظام بدعم روسي وإيراني المركز الرئيس لسيطرة المعارضة السورية ومنطقة نفوذ سياسي وعسكري تركي،

ويعتبر اجتماع ٥ آذار عام ٢٠٢٠ بين الرئيسين التركي اردوغان والروسي بوتين والذي جاء بعد التصعيد العسكري بين الجيش التركي. وحلفائه من جهة وقوات نظام الاسد المدعومة من الروس والايرانيين وبعد مقتل عدد من الجنود الاتراك في ريف ادلب.

حيث ناقش اللقاء بين الرئيسين وقف الاقتتال وخفض التصعيد وايقافه في الشمال وحل معضلة هيئة تحرير الشام وهو ماطالب به الروس من تركيا

القيام بخطوات عملية لاحداث تغيير جذري في الهيئة وهذا ماحدث لاحقاً عبر اقصاء الاجنحة المشتددة في الهيئة وإجراء مراجعات سياسية داخل الهيئة لتصبح مواقفها أكثر براغماتية.

بعد اللقاء تحول الصراع شمال سوريا بشكل واضح نحو مليشيا قسد والتي خسرت سابقاً مناطق في عمليات مشتركة تركية داعمة لفصائل الجيش الوطني مع تحول واضح في خطاب المعارضة الرسمية اتجاه الحل في سوريا والاعتماد بشكل أكبر على نسار استانا، وتعثر في مسار اللجنة الدستورية بسبب عدم وجود دعم دولي حقيقي لها وبذات الوقت عدم جدية نظام الاسد في التعامل معها.

التحولات التي أدت لتغير في الموقف التركي

١_الاقتصاد

تسبب فايروس كورونا وما تلاه من تاثيرات وهزات على الاقتصاد العالمي إلى تأثر الاقتصاد التركي بشكل واضح وتراجع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، وكذلك اضطراب العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية وماتلاه من الحرب الروسية الامريكية، إلى معاناة في الاقتصاد التركي وتخبط إداري تمثل بإقالة محافظ البنك المركزي اكثر من مرة ورفع سعر الفائدة، كذلك كان تأثر الاقتصاد التركي سبباً مباشراً في تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم الامر الذي استغلته المعارضة التركية التي تنامت بشكل كبير بعد انشقاق عدد من قيادات العدالة وتشكيلها كيانات معارضة له، واعتبار أن التدخل التركي في سوريا ووجود السوريين في تركيا هو احد اسباب الانهيار الاقتصادي خاصة بما يتعلق بالخدمات التي تقدمها تركيا في الشمال السوري.

٢_المعارضة التركية

بنت المعارضة التركية برنامجها المعارض على ماتعتبره اخطاء حزب العدالة في التعامل مع القضية السورية خاصة قضيتي اللاجئين والشمال السوري والتدخل العسكري المباشر على الارض مما تسبب بارباك داخل الحكومة بدت واضحة في اصدار عدد كبير من القوانين المتعلقة باللاجئين على الاراضي التركية.

٣_القوى السياسية والفصائل السورية

لم تملك الفصائل السورية وقواها السياسية برنامجاً واضحاً وعانت كثير من الانقسامات وتراجع تاثيرها وحضورها في الشارع السوري كل ذلك تسبب بارباك للسياسة التركية في الشمال السوري واصبحت هذه الاجسام عبئاً على السياسيين الاتراك بدلاً من إن تكون ورقة ضغط بيدهم خاصة مع المواقف الدولية الضاغطة سواء كان الموقف الامريكي الرافض لاي عمل عسكري تركي ضد قسد مما دفع السلطات التركية للقيام بعمليات محددة ضمن الاستراتيجية الشاملة لها في سوريا وكان الموقف الامريكي الاخير من العملية العسكرية التي أعلنت عنها الحكومة التركية ولكنها لم تحدث بسبب الرفض الدولي وخاصة الامريكي لها مما تسبب بحرج للحكومة التركية، وكذلك الضغط الذي تمارسه موسكو من أجل تنفيذ التوافقات التي توصل إليها الطرفان خلال لقاء الرئيسين التركي والروسي.

٤_الانتخابات

تشكل الانتخابات هاجساً أمام حزب العدالة بعد الانشقاقات التي حصلت داخله وتشكيل مايسمى الطاولة السداسية مع وجود شخصيات كانت لوقت قريب مؤثرة في حزب العدالة لذلك فإن اقتراب الانتخابات فرض على الحكومة تحولات سياسية هامة من أجل ضمان الفوز فيها.

وبالتالي يمكن مما سبق استنتاج

_اسباب المواقف التركية الأخيرة حول التقارب مع نظام الاسد وتقسيمها إلى عدة اسباب أهمها

١ _الانتخابات ومحاولة حزب العدالة سحب ورقتي اللاجئين / إعادة اللاجئين إلى سوريا بصورة طوعية / والاقتصاد من يد المعارضة وهي أوراق هامة، إضافة لمحاولته كسب اصوات الاتراك من الطائفة / العلوية / والمؤيدين لنظام بشار الاسد من خلال التقارب مع النظام السوري

٢_ الاقتصاد وذلك من خلال فتح المعابر مع نظام الاسد مما يعطي فائدة للاطراف الثلاثة الروسي الذي سيتخلص من الضغط الدولي بما يتعلق بالمعابر ونظام الاسد من خلال السماح له بادخال المواد التجارية ولتركيا من خلال قدرتها على تصدير بضائعها إلى الاردن والخليج العربي عبر فتح المعابر وطريق ال M4 وبالتالي امتلاك العدالة لورقة اقتصادية قبيل الانتخابات التركية

٣_قسد :التخلص من التوتر الذي يسببه وجود قسد على تماس مباشر مع القوات التركية من خلال اشراك نظام الاسد فيما سمي الحرب على حزب العمال الكردستاني pkk، وبالتالي عدم القيام بعملية منفردة وايضا ابعاد قسد عن نطاق الوجود التركي وايجاد حزام فاصل من قوات نظام الأسد بين الطرفين، وبذلك يحقق الاتراك هدفان

الاول :عدم خوض عملية عسكرية مكلفة مادياً ومعنوياً

والثاني :إشراك النظام السوري في العمليات ضد قسد وبالتالي فتح جبهة أخرى ضدها قد تؤدي لهزيمتها وإرباك المشهد على الارض

٤_ استخباراتي ويتمثل في حاجة الاتراك لمعلومات استخباراتية عن قادة حزب العمال الكردستاني وقيادات قسد المتواجدين على الارض السورية وكذلك الاستفادة من العلاقة بين النظام وقسد خلال فترات مختلفة

٥_دعم روسي في ملفات غير متعلقة بالملف السوري وخاصة الغاز الروسي

النتائج المتوقعة بالنسبة لتركيا

بالنظر إلى الاسباب نجد أن النتائج المتوقعة ليست بالاهمية التي تجعل من هذا التقارب حلاً نهائياً للازمة السورية وذلك يعود للموقف الامريكي غير الواضح بشكل كبير على الرغم من التصريحات الاميركية / تصريحات موظفي الخارجية الامريكية برفض اي تقارب أو تعويم لنظام الاسد في الوقت الحالي / لذلك فإن ابرز النتائج التي يمكن توقعها هي

١_تعاون عسكري ثلاثي تركي روسي مع نظام الاسد في إعادة الانتشار والسيطرة على مناطق جديدة وذلك وفق الخرائط التي يتم الاتفاق عليها من خلال اللجان التنفيذية في وزارات الدفاع والاستخبارات مما يعني حدوث تغيرات طفيفة على السيطرة على الارض.

٢_حصول تركيا على توقيع واعتراف رسمي من نظام لايزال معترف فيه بالامم المتحدة على توسيع اتفاق اضنة وبالتالي بقاء طويل الامد على الحدود لحماية الامن القومي التركي.

٣_فتح المعابر بين البلدين وانعكاس ذلك على الحركة التجارية، وتحول / رجال المال السوريين / من لبنان إلى تركيا ما ينعش السوق التركية بضخ عدة مليارات من الدولارات فيها

٤_دور تركي أوسع في الحل السياسي الشامل وبالتالي ضمان حصة تركيا من الكعكة السورية

٥_ازدياد التعاون التركي الروسي في ملفات مختلفة

٦_بالنسبة لحزب العدالة يعتبر التقارب ورقة انتخابية واختراق لموقف المعارضة

بالنسبة لنظام الاسد

١_فوائد سياسية من خلال فك العزلة عن نظام الاسد والتي فرضت عليه منذ سنوات

٢_فوائد اقتصادية من خلال فتح المعابر وكذلك تخفيف الضغط عليه بما يسمى عمليات إدخال المساعدات من خلال تحويل المعابر لاتفاقيات محلية بين دولتين جارتين

٣_ضمان هدوء مناطق سيطرة المعارضة سياسيا وعسكريا والتفرغ لمناطق أخرى قد تشهد تطورات غير متوقعة مثل الجنوب السوري

٤_فتح باب تعويم الاسد من قبل دول مترددة وايضا إيجاد ورقة مساومة للايرانيين من خلال التعاون مع تركيا.

المخاطر

لعل الخطر الابرز يكمن في الموقف الامريكي الرافض حتى اللحظة لاي تقارب مع نظام الاسد وبالتالي هناك مخاطر من حدوث رد فعل أمريكي في حال اقترب النظام من مناطق النفوذ الامريكي

ثانيا هناك تخوف من حدوث حركة نزوح كبيرة نتيجة العمليات العسكرية من جهة وسيطرة نظام الاسد على مناطق فيها عدد كبير من المطلوبين للنظام وبالتالي حدوث مشكلة جديدة على الحدود التركية السورية

ثالثا حدوث انتكاسة روسية في الحرب الاوكرانية وبالتالي تراجع الدعم الروسي لاي تحرك مشترك قد يربك التوافقات

رابعا

مواقف الشارع السوري في الشمال المعارض لاي تقارب مع نظام الاسد وبالتالي فإن اي تقارب سيتسبب بخلل في مناطق سيطرة المعارضة على الرغم من ضعف إمكانية حدوث تغيير واضح على الارض فيها

خاتمة

لاتزال خطوات التقارب وفق الأجندة التركية في مراحلها الاولى والتي بدأت بعقد لقاءات على مستوى المخابرات ووزارة الدفاع ومن ثم كما صرح وزير الخارجية التركي لقاء على مستوى وزراء الخارجية تمهيداً للقاء الرئيس التركي برئيس النظام السوري والذي سينهي قطيعة دامت عقد من الزمن،. لذلك من الصعب التكهن بمآلات هذا التقارب مع تريث نظام الاسد فيها رغبة منه في عدم إعطاء حزب العدالة هدية مجانية في الانتخابات القادمة.

المراجع

كتاب الصراع في سوريا حرب العقائد والجغرافيا للكاتب فراس علاوي

القدس العربي

الجزيرة

https://www.aljazeera.net/news/2023/1/3/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A3%D9%88

الحرة

https://www.alhurra.com/syria/2022/12/30/%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%AA%D9%86%D8%AF%D8%AF-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D9%85%D8%B9-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF

——————————

المبعوث الأميركي الخاص إلى #سوريا إيثان غولدريتش لتلفزيون سوريا:

 واضحون ولن نطبع مع نظام بشار #الأسد

📌  أخبرنا الدول المطبعة أنكم لن تحصلوا على شيء من سوريا

📌   سنحافظ على العقوبات المفروضة على نظام الأسد

📌  نركز على المسار السياسي في سوريا

📌  نظام الأسد لم يقم بأي شيء لكي يحظى بالتطبيع معه

📌  نذكر الدول التي طبعت مع الأسد بأهداف المجتمع الدولي

📌   يجب تجديد التفويض الأممي الخاص بالمساعدات عبر الحدود

📌   نحن لم نفشل في سوريا ولدينا موقف واضح من التطبيع

📌  غولدريتش لتلفزيون سوريا: ننسق مع شركائنا وحلفائنا لتطبيق القرار 2254

📌   أي انتهاك لعقوباتنا على الأسد سنتعامل معه

📌  سنحقق في نشاط أي دولة تخرق عقوباتنا على سوريا

📌   لم ندفع أحدا للذهاب إلى بشار الأسد ولن ندعم أحدا في هذا الشأن

📌  نحن ضد أي عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا

📌  أي عملية عسكرية في سوريا ستهدد أمن جنودنا

📌   بعثتنا في نيويورك تعمل لتجديد القرار الخاص بالمساعدات

📌   الآلية الخاصة بالمساعدات ضرورية ويجب أن يتم تجديدها

📌  نحن على تواصل دائم مع المعارضة السورية ولها دور يجب أن تلعبه

📌   لدينا شراكة مهمة مع قسد تتمثل في محاربة الإرهاب

📌   ندعم الحوار بين المكونات الكردية لتحقيق الاستقرار

————————–

محاولات أمريكية مكثفة لعرقلة جهود تسوية العلاقات التركية السورية.. والاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية وشيك/

رامي الشاعر

وصفت وسائل إعلام عقد لقاء مرتقب بين وزيري الخارجية السوري والتركي بعدم وجود مواعيد محددة للقاء، مشددة على أن “كل ما ينشر حتى الآن لا أساس له من الصحة”.

كما أوضحت المصادر أن “أمر اللقاء المزمع مرتبط بسير عمل اللجان المختصة التي تم تشكيلها عقب اللقاء الثلاثي الذي ضم وزراء دفاع سوريا وروسيا وتركيا في موسكو نهاية الشهر الماضي، والتي تهدف إلى ضمان حسن تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه خلال اللقاء ومتابعته”.

وقد كشف مصدر مطلع، يوم أول أمس الاثنين، أن العمل لا يزال جارياً لتحديد موعد لقاء وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وسوريا، إلا أنه لم يتم التوافق بشكل نهائي عليه بعد، فيما كان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قد صرح، نهاية الشهر الماضي، بأنه سيعقد لقاء، منتصف يناير الحالي، مع نظيريه الروسي والسوري، في خطوة جديدة من التقارب بين أنقرة ودمشق، وعاد ليصرح مطلع الشهر بأن روسيا “اقترحت موعداً لعقد الاجتماع لكنه لم يناسبنا”، متابعاً أن هذه الاجتماعات الثلاثية “يجب التحضير لها بشكل جيد، ويجب أن تهدف إلى تحقيق نتائج، حيث يتعين علينا العمل على تحويل القضايا التي تم مناقشتها على مستوى الاستخبارات ووزراء الدفاع إلى خطوات ملموسة. ولن تكون هذه اجتماعات ليوم واحد، أو اجتماعات لمرة واحدة على مستويات مختلفة، وإنما خطوات نحو بناء الثقة وتحديد شكل التعاون في القضايا الحساسة في الفترة المقبلة”.

حقيقة الأمر أنني لا أعرف على أي أساس، وإلى أي “مصدر” استندت وسائل الإعلام لتعلن بهذه الثقة أن “كل ما ينشر حتى الآن لا أساس له من الصحة”، وما يثير ريبتي أكثر من أي شيء آخر هو تلاقي مصلحة هذا التوجه مع أجندة الإدارة الأمريكية التي تسعى للحيلولة دون انعقاد هذا اللقاء المرتقب، على هذا المستوى، وما يليه بطبيعة الحال من لقاء بين الرئيسين السوري والتركي، وتحاول قدر إمكانها عرقلة أي جهود أو محاولات لتسوية العلاقات التركية السورية، ناهيك عن أي جهود من جانب مجموعة أستانا لعودة العلاقات التركية السورية إلى وضعها الطبيعي كعلاقات جوار ومنفعة مشتركة.

إلا أن تلك الأجندة الأمريكية في الوقت نفسه، لا تصب في مصلحة الشعب السوري الذي يتطلع بأمل إلى كل الجهود الرامية لتخفيف معاناته، ووقف مآسيه اليومية، حيث تعتبر واشنطن أي انفراج في العلاقات التركية السورية هو “اختراق” لسياسة العقوبات التي تفرضها على الشعب السوري وليس على السلطة السورية، وتعتبر أي جهود روسية أو جهود لمجموعة أستانا لحل الأزمة السورية تضر بدورها بالهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، فيما تأمل أن تكون التسوية السورية فقط على الشكل الذي يخدم مصالحها، وبطبيعة الحال مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى.

لهذا أهيب بالمعارضة السورية، التي تجد في هذا اللقاء تهديداً لأجندتها السياسية، أو التي تجد فيه خطراً على تجمعاتها، أن يدركوا أن الأجندة الأمريكية لم ولن تخدمنا في الشرق الأوسط مهما تجمّلت الأهداف والشعارات والمبادئ البرّاقة التي يجيد بيعها “الكاوبوي” الأمريكي، الذي لا يخجل من سرقة الموارد النفطية السورية وتهريبها، كما لا تعنيه أرواح ومعاناة الشعب السوري، فما يهم الإدارة الأمريكية مصالحها العابرة للحدود والقارات، والتي تلتقي مع المصالح الإسرائيلية في احتلال ونهب الأراضي والاستيطان والإبقاء على الوضع الراهن مجمّداً لأطول فترة ممكنة.

أتمنى أن تعلي المعارضة السورية من مصالح البلاد والعباد على أي حسابات سياسية أو حزبية أو شخصية ضيقة، وأن تضع اعتبارات مصلحة الدولة السورية فوق أي اعتبارات أخرى، وأن يتفهموا أن التقارب السوري التركي في مصلحة جميع السوريين، وفي مصلحة سوريا، وألا يعتبروا أن تسوية العلاقات السورية التركية ستكون على حساب ما يطالبون به من تغيير في سوريا. فأحداً لم ولن يتخلى عن دور اللجنة الدستورية، وجهود هيئة الأمم المتحدة ومجموعة أستانا للتوصل إلى حل على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254.

أما بشأن الضمانات التي يطالب بها البعض، قبل انعقاد اللقاء، على غرار الانسحاب التركي من جميع الأراضي السورية التي يتواجد فيها الجيش التركي في الشمال، مع رفض الاستناد إلى اتفاقية أضنا لتواجده حاليا، فأرجو أن يتفهم هؤلاء أن الوضع في عموم سوريا لا يجوز أن يستمر على هذا النحو، ولا يجوز التغاضي عن المشكلات المعقدة والمتشابكة داخل البيت السوري نفسه، فمعارضة الشمال، ومشكلة اللاجئين داخل تركيا وقضايا عودتهم، ومشكلة تنظيم أحرار الشام وغيرها من التنظيمات، وإدلب، ومعبر باب الهوى، وغيرها من المشكلات والقضايا العالقة لا يمكن حلها سوى من خلال الحوار السياسي والتنسيق بين دمشق وأنقرة، وانسحاب الجيش التركي لا يمكن أن يتم إلا من خلال التوصل إلى اتفاق سياسي بين تركيا وسوريا يستند إلى إرادة سياسية واضحة من الطرفين، وهو ما لن يحدث دون لقاء الرئيسين الأسد وأردوغان، حتى نبدأ حثيثاً في حلحلة تلك القضايا، تمهيداً لحلها والتنسيق بشأنها. وأعتقد أن الوقت قد حان لبدء هذا الحوار والبناء على أجواء من التهدئة التي تمكنت من تثبيتها مجموعة أستانا على كافة الأراضي السورية.

لذلك أرى أن لقاء وزراء الخارجية السوري والتركي والروسي في موسكو هو لقاء هام للغاية، وسيجري قريباً جداً دون شك، وأكرر أنه، وعلى الرغم من جميع المحاولات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية عرقلة هذا اللقاء، وغيره من الجهود الرامية لتسوية “غير أمريكية” تراعي مصالح سوريا، فإن اللقاء سوف يتم، شأنه شأن اللقاء الهام الذي جرى نهاية العام الماضي بين وزراء الدفاع وفي حضور الاستخبارات، تمهيداً للقاء المرتقب بين الرئيسين السوري والتركي في موسكو، ولن تتمكن أي جهة من الحيلولة دون ذلك. وقد عبّر الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من مقام عن تقديره للمساعي الروسية في الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.

أما من يسعون لبث الإشاعات وزرع الفتن فينبغي أن يعوا أن القضية ليست قضية ضمانات، وإنما على مستوى اتفاق سياسي لكيفية حل كل هذه القضايا آنياً بالتوازي، وليس بالتوالي، بعدها ستبدأ لجان الخبراء فوراً متابعة عملها، وهي لجان مشتركة متخصصة في كافة المجالات، أهمها لجنة اللاجئين ولجنة متابعة قضية هيئة تحرير الشام، وهي بالمناسبة من أعقد القضايا، حيث تضم إلى جانب المسلحين عشرات الآلاف من أسر هؤلاء من الشيوخ والنساء والأطفال، ولجنة الاتفاق السياسي، الذي يجب أن يتضمن دورا للمعارضة السورية ومشاركتها في عملية التسوية السورية بشكل عام.

دعونا نخرج من عباءة النظام العالمي القديم، ونتحرر من الهيمنة الأمريكية، ونتعامل في القضايا السياسية الإقليمية بأبجدية النظام العالمي متعدد القطبية حيث تدافع كل الدول عن مصالحها بعيداً عن تأثير القطب الأمريكي الذي لا زال يعيش في أوهام السيطرة والعقوبات والحصار والهيمنة على الشرق الأوسط.

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

———————

أردوغان: لقاءاتنا مع نظام الأسد ستثمر في زيادة عدد العائدين إلى سوريا

أكد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أن اللقاءات مع نظام الأسد التي تجري بوساطة روسية، ستثمر في زيادة عدد العائدين إلى سوريا.

وأوضح أردوغان خلاء القاء كلمة في “المؤتمر الدولي لأمناء المظالم”، إن بلاده تسعى لخلق استقرار في سوريا، قائلاً “سنستمر في أداء واجبنا في الصداقة حتى خلق بيئة سلام وطمأنينة واستقرار في سوريا”.

وأشار إلى أن أكثر من 550 ألف لاجئ سوري عادوا إلى “المناطق المطهرة من الإرهاب” شمال سوريا.

وأضاف الرئيس التركي، أن العديد من الدول في العالم تعاني من الانتهاكات بما يخص حقوق الإنسان، من سوريا إلى فلسطين ومن اليمن إلى أراكان، تضاف انتهاكات جديدة تتجاهل حقوق الإنسان والحريات.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، قد أكد في وقت سابق على ضرورة تأمين عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، وقال إن نظام الأسد يرغب بعودة السوريين إلى بلادهم، مؤكداً على أنه “من المهم أن يتم ذلك بشكل إيجابي مع ضمان سلامتهم.”

ووصف الوزير الاجتماع الثلاثي في موسكو بـ “المباحثات المفيدة”، وأكد على ضرورة وأهمية التواصل مع نظام الأسد لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، ولضمان عودة آمنة للاجئين

وفي سياق التواصل مع نظام الأسد، قال جاويش أوغلو إن المرحلة التالية في خارطة الطريق، هي عقد اجتماع على صعيد وزيري خارجية البلدين، مبيناً أنه لم يتم بعد تحديد التوقيت بشأن ذلك

ونفى الوزير التركي أن يكون قد تم عقد لقاء مع رأس النظام السوري الإرهابي “بشار الأسد”، مردفاً: “لم يتم لقاء مع الأسد على مستوى الوزير ولا على أي مستوى سياسي آخر”، وأكد مواصلة بلاده بحزم، مكافحة الإرهاب، لافتاً إلى أن الخلافات بين أنقرة ودمشق، حالت دون تأسيس تعاون بينهما في هذا المجال

ولفت إلى إمكانية العمل المشترك مستقبلاً، في حال تشكلت أرضية مشتركة بين البلدين فيما يخص مكافحة الإرهاب، وفيما يخص مطالب النظام بـ “خروج القوات التركية” من سوريا، قال تشاووش أوغلو إن الغرض من تواجد قوات بلاده هناك “هو مكافحة الإرهاب، لا سيما وأن النظام لا يستطيع تأمين الاستقرار”

————————–

لقاء وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا يتحدد بعد «اللجان المختصة»… والنقاش مع واشنطن

مستشار رئاسي سابق يطلب السيطرة على حلب «لإعادة ملايين اللاجئين»

أنقرة: سعيد عبد الرازق – دمشق: «الشرق الأوسط»

لا يزال الحديث عن موعد اللقاء المرتقب بين وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا يتصاعد في الوقت الذي بدأ الحديث في أنقرة عن مطلب مفاجئ يتعلق بعودة السيطرة التركية على حلب كـ«حل أمثل» لمشكلة اللاجئين السوريين… بينما دخلت إيران على خط مسار التقارب بين أنقرة ودمشق.

وقالت مصادر قريبة من حكومتي أنقرة ودمشق إنه لم يتم حتى الآن تحديد موعد لقاء وزراء الخارجية، ورجحت المصادر التركية ألا يُعقَد الاجتماع قبل عودة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو من واشنطن حيث يشارك في اجتماع «المجلس الاستراتيجي للعلاقات» بين تركيا والولايات المتحدة المقرر في 17 يناير (كانون الثاني) الحالي.

ونقلت صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة عن مصادر وصفتها بـ«المطلعة»، أمس (الاثنين)، أن موعد لقاء وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا يجري العمل حالياً على تحديد موعده، ومن المتوقع أن يُعقد في «غضون أسابيع قليلة».

وأشارت المصادر إلى أن روسيا كانت قد عرضت الأسبوع الثاني من يناير الحالي، لكنَّ وزير الخارجية التركي سيكون في الولايات المتحدة في هذا التاريخ لحضور اجتماع «المجلس الاستراتيجي للعلاقات» بين البلدين.

وذكرت أن اللقاءات والمحادثات بين تركيا والنظام السوري ستكون من بين الموضوعات المطروحة للنقاش خلال اجتماعات «المجلس الاستراتيجي»، وبين الوفد التركي والمسؤولين الأميركيين، مع الإشارة إلى أن واشنطن أعلنت رفضها لأي تقارب مع نظام بشار الأسد، ودعت الأطراف التي تسعى للتطبيع معه، «ألا تنسى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تورط فيها النظام».

وذهبت المصادر إلى أنه «لا يمكن توقع نتائج فورية من الاجتماعات التي تجري مع النظام نظراً لأن القضايا المطروحة فيها حساسة للغاية»، ومنها مسألة مكافحة الإرهاب (في إشارة إلى إنهاء وجود وحدات «حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «سوريا الديمقراطية»، قرب الحدود التركية) والمساعدات الإنسانية، والعودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين، عقب اجتماع محتمل بين الرئيس رجب طيب إردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد».

ولفتت المصادر إلى أنه على الرغم من الملفات السياسية والعسكرية الشائكة، فإن الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع ورؤساء أجهزة مخابرات تركيا وروسيا وسوريا في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أوجد انطباعاً «بأنه يمكن التغلب على الملفات المعقدة، لا سيما أن هناك مصالح مشتركة بين الطرفين منها التعاون في الحرب على (قسد)».

وفي هذا الإطار، قالت صحيفة «حرييت» إن خيار قيام تركيا بعملية برية ضد «قسد» في شمال سوريا، «لا يزال مطروحاً على جدول أعمال أنقرة التي تراقب التطورات بدقة، وتحافظ على الاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة».

في الوقت ذاته، نقلت وسائل إعلام قريبة من النظام السوري عن مصادر مطلعة أنه «لا يوجد حتى الآن مواعيد محددة لعقد اللقاء بين وزراء الخارجية، وأن انعقاده مرتبط بسير عمل «اللجان المختصة»، التي تم تشكيلها عقب لقاء وزراء الدفاع في موسكو، والتي يتركز عملها على متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال اللقاء.

– إيران على الخط

بالتزامن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أمس، إنه يجري التخطيط لزيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لكل من دمشق وأنقرة بعد تلقيه دعوتين لزيارتهما.

وأشار إلى أن العلاقات بين طهران ودمشق «على أعلى مستوى، وأن إيران تدعم سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، كما تم التأكيد عليه في الاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ونظيره السوري فيصل المقداد».

وبينما أثار الصمت الإيراني إزاء التقارب بين تركيا ونظام الأسد التساؤلات، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، الثلاثاء الماضي، إن الرئيس الإيراني رئيسي، سيزور أنقرة خلال الأسابيع المقبلة، في أول زيارة لرئيس إيراني للبلاد منذ نحو 4 سنوات، مشيراً إلى أنه كان يعتزم زيارة تركيا الأسبوع قبل الماضي، لكن برنامجه لم يسمح له.

كان الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، قد زار أنقرة منتصف عام 2019 للمشاركة في قمة بين قادة إيران وروسيا وتركيا للتشاور حول الأزمة السورية. في حين كانت آخر زيارة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان لطهران في يوليو (تموز) الماضي، وسيطر الملف السوري أيضاً على مباحثاته مع الرئيس الإيراني.

– انقسام داخلي

في الأثناء، ظهرت بوادر انقسام داخلي في تركيا انعكست في وسائل الإعلام القريبة من الحكومة وتلك القريبة من المعارضة، بشأن التقارب والتطبيع مع نظام الأسد.

وترى المعارضة «أنها كانت صاحبة السبق في طرح مسألة التطبيع مع نظام الأسد لاعتبارات تتعلق بأمن تركيا، وحل مشكلة اللاجئين السوريين، وأنه لولا ضغوطها ما كانت حكومة إردوغان تحركت في هذا الاتجاه»، لكنها ترى في الوقت ذاته أن إردوغان «يستغل هذه الخطوات الآن لتعزيز حظوظه وحزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل».

وتُبدي وسائل الإعلام الموالية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ما يشبه التردد في دعم التقارب مع نظام الأسد بعدما ظلت تهاجمه على مدى 11 عاماً، وتصفه بـ«القاتل والظالم». كما تتبنى محاولات استباقية لتحميل النظام المسؤولية عن أي تعثر أو فشل لجهود التقارب والتطبيع، كما تركز، كما فعلت صحيفة «تركيا» القريبة من حكومة إردوغان، على معارضة الولايات المتحدة وإيران لتطبيع تركيا مع النظام، ما قرأه بعض المراقبين على أنه محاولة لإظهار أن هناك تصدعاً في محور «روسيا – إيران – سوريا».

من جانبه، شكّك عثمان سرت، الكاتب في صحيفة «قرار» القريبة من حزبي «الديمقراطية والتقدم» برئاسة علي باباجان، و«المستقبل» برئاسة أحمد داوود أوغلو، في مآرب إردوغان من عملية التقارب بين أنقرة ودمشق، قائلاً: «لا أحد يعارض عملية التقارب، لكن أن يكون إردوغان هو الذي يقودها فهو أشبه بالحديث عن كيفية تناول الطعام، لا بعملية الأكل نفسها».

وأوضح أنه ليس هناك أي سبب «لإقناع اللاجئين في تركيا بالعودة إلى سوريا، لأنه حتى السوريون الذين يعيشون في بلادهم يعانون الأزمة الاقتصادية، وليس هناك ما يضمن أنه إذا انسحب الجيش التركي من شمال سوريا لن يجد المدنيون طريقاً للعبور إلى تركيا».

وبالنسبة إلى مشاركة النظام السوري في محاربة «وحدات حماية الشعب الكردية» فيرى الكاتب، «أنها ليست واقعية، لا سيما أن النظام هو من سلم (قسد) مفاتيح المناطق الشمالية من البلاد، ولذلك فإن المحصلة هي أن إردوغان أفقد تركيا احترامها من أجل الفوز بانتخابات الرئاسة».

في المقابل، رأى الكاتب في صحيفة «صباح» الموالية للحكومة، مليح ألطن أوك، «أن مشكلة اللاجئين تضغط على تركيا، لكنَّ قطار العودة قد بدأ، وأن تسارع وتيرة المصالحة مع دمشق وحديث إردوغان عن قرب اللقاءات على مستوى عالٍ يؤشران إلى أن عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ستتسارع في الأسابيع المقبلة».

– مطلب مفاجئ

وبينما تبدو قضية اللاجئين في أولوية الاهتمامات قبل الانتخابات في تركيا، خرج مستشار الرئيس التركي السابق ياسين أكطاي، بمطلب مفاجئ، قائلاً: «إن الحل الأمثل لإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم هو أن تكون محافظة حلب، شمال غربي سوريا، تحت السيطرة التركية، لأنه بهذه الطريقة سيعود الملايين من السوريين إلى حلب بمحض إرادتهم».

ورأى أكطاي، في مقابلة على قناة «أولكه» التركية، «أن السيطرة التركية على حلب ستخفف من عدد اللاجئين السوريين في تركيا»، مشيراً إلى أن «سيطرة نظام الأسد وروسيا على حلب بعد مجازر مروعة، أدت إلى حركة هجرة كبيرة باتجاه تركيا، لذلك فإن ما يجب المطالبة به على طاولة الحوار بين تركيا ونظام الأسد، هو أن تنقل السيطرة على حلب إلى تركيا». ولفت أكطاي، إلى أن قضية اللاجئين السوريين في تركيا، «باتت من أكثر الموضوعات التي تثار في كل مناسبة قبل الانتخابات المقبلة»، مشيراً إلى أنه «لا أحد يثير هذه القضية وهو مكترث بجودة الحياة في سوريا، أو المستوى الذي انزلقت إليه حقوق الإنسان، بل هو بكل بساطة يتوقع من الحكومة إرسال هؤلاء اللاجئين على الفور وبلا تردد، (إلى بلادهم) حتى لو تم التعامل معهم بطريقة خارجة عن القانون الدولي».

في الإطار ذاته، أطلق ناشطون أتراك وسم «في سجون الأسد» على «تويتر»، الذي حظي بتفاعل عبر مئات التغريدات، بهدف تسليط الضوء على قضية المعتقلين في سجون النظام السوري، وتنبيه الأتراك «إلى جرائم النظام بحق المدنيين».

—————————-

دمشق:وفد تركي..لإعادة مئات آلاف اللاجئين السوريين/ عقيل حسين

كشفت مصادر مقربة من النظام السوري عن وصول وفد من المخابرات التركية إلى دمشق السبت، بينما علمت “المدن” أن المفاوضات بين الحانبين تتركز حالياً حول ملف عودة اللاجئين السوريين من تركيا، بالإضافة إلى مكافحة حزب العمال الكردستاني.

وبينما لم يؤكد أي مصدر رسمي من الجانبين المعلومات التي تحدثت عن عقد هذا اللقاء، قال مصدر مقرب من الحكومة التركية إن الاجتماعات على مستوى المسؤولين الفنيين والتقنيين من المخابرات السورية والتركية مستمرة بكل الأحوال، وقد زادت وتيرتها بعد اللقاء العلني الأول بين مسؤولي الأجهزة الأمنية الذي استضافته دمشق في أيلول/سبتمبر 2022.

المصدر الذي أشار إلى عدم وجود معلومات لديه حول وصول وفد من المخابرات التركية إلى العاصمة السورية الأحد، رأى أن الأهم هو مضمون هذا النوع من اللقاءات، مؤكداً أنها تحقق تقدماً على طريق التعاون بين الجانبين.

وحول طبيعة هذا التعاون في ما يتعلق بعودة اللاجئين من تركيا، خاصة وأن أنقرة لا ترحل السوريين إلى مناطق سيطرة النظام حتى الآن، كشف المصدر عن وجود خطة تركية لإعادة قسم منهم من خلال المعابر الحدودية التي يسيطر عليها النظام، وتحديداً معبر كسب.

وحسب المصدر فإن أحد الملفات الأساسية في نقاش الوفود الفنية من مخابرات الطرفين هو ضمان سلامة هذا القسم من العائدين، من خلال التأكد من أنهم غير مطلوبين لأي جهة أمنية، أو اسقاط التهم التي تتم ملاحقتهم بناء عليها طالما أنها غير جنائية قبل إعادة أي منهم إلى الأراضي السورية.

مناطق المعارضة لا تكفي

وأضاف المصدر: “إن هذا التوجه جاء بعد اقتناع صانع القرار التركي أن الشريط الحدودي الذي تسيطر عليه المعارضة لا يمكن أن يتسع للعدد الذي تخطط أنقرة لإعادته إلى سوريا، وأن التقديرات تشير إلى امكانية عودة ما بين 250 ألفاً إلى 500 ألف من اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة النظام، الأمر الذي سيساعد أيضاً في ابعاد تهمة المساهمة بالتغيير الديموغرافي عن هذه الخطة، من خلال عودة هذا القسم إلى مكان اقامتهم الذي هجروا منه”.

وتابع: “حتى القسم الآخر من اللاجئين السوريين الذين يفترض أن يعودوا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، تجري مفاوضات بخصوصهم بما يشمل أمن هذه المناطق وضمان عدم تعرضها لأي استهداف، إلى جانب التأكد من أن أياً منهم لا ينتمي لمنظمات إرهابية”.

ومنذ العام 2021 دأبت الحكومة التركية على التأكيد أنها بصدد إعادة قسم من اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها، بينما تزايدت وتيرة التصريحات التي تشدد على ذلك خلال الأشهر الماضية مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، حيث يجري الحديث عن عودة أو إعادة بين مليون ومليون ونصف من بين نحو 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا.

خطة مخالفة

لكن حقوقيين وسياسيين سوريين كثراً يعتقدون أن مثل هذه الخطط لن يكون ممكناً تطبيقها، نظراً لموقف المجتمع الدولي الرافض لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبل انجاز حل سياسي، على الرغم من ترحيل السلطات التركية المئات منهم شهرياً.

المحامي الفلسطيني-السوري أيمن أبو هاشم أكد أنه من الناحية القانونية فإن إجبار اللاجئين على العودة إلى بلاهم في ظل استمرار الظروف التي دعتهم إلى الفرار منها، يعتبر خرقاً ل”مبدأ عدم الإعادة القسرية” الوارد في القانون الانساني الدولي، وهو مبدأ موجود في كافة المعاهدات الدولية ذات الصلة، بما فيها معاهدة حماية اللاجئين.

ويقول في تصريح ل”المدن” تعليقاً على الخطة التركية: “كل استطلاعات الرأي وكذلك المعطيات تؤكد أن اللاجئين السوريين في تركيا لا يريدون العودة إلى سوريا في الوقت الحالي بسبب المخاطر المحتملة التي تنتظرهم على يد النظام، وبالتالي فإن العودة ستكون قسرية وغير قانونية، وإذا ما أصرت تركيا على تطبيقها فستكون سابقة على مستوى العالم وفضيحة قانونية وسياسية”.

أما عملياً فإن أبو هاشم، العضو في المبادرة الوطنية السورية، وهو تجمع سياسي معارض للنظام، يرى أن هذه الخطة غير قابلة للتطبيق بسبب الموقف الغربي الرافض لإعادة اللاجئين السوريين، وتحديداً موقف الولايات المتحدة.

ويضيف: “سبق تركيا في هذا التوجه لبنان الذي كررت حكوماته مراراً نيتها إعادة اللاجئين السوريين، إلا أن فيتو واشنطن على ذلك وتمسكها مع الاتحاد الأوربي برفض التطبيع ومنع إعادة الاعمار وإجبار اللاجئين على العودة قبل التوصل لحل سياسي، أعاق خطط بيروت بهذا الخصوص، وهو ما سيحدث مع تركيا التي لا يمكن حسب توقعاتي أن تتجاوز ذلك”.

وتؤكد جميع المعطيات على أن أحد الأسباب الأساسية في التوجه التركي للتطبيع مع النظام السوري هو الرغبة في تنفيذ خطة لإعادة قسم من اللاجئين المقيمين على الأراضي التركية استجابة للرأي العام الذي يغلب عليه المطالبة بذلك.

—————————–

«حكومة المعارضة» السورية تدعم التطبيع بين تركيا والنظام

استطلاع رأي: 59 % من الأتراك يؤيدون لقاء إردوغان بالأسد

أنقرة: سعيد عبد الرازق

فيما اعتبرت «الحكومة السورية المؤقتة» (التابعة للمعارضة) أن التقارب بين تركيا ونظام الرئيس بشار الأسد سيعطي دفعة للحل السياسي للأزمة السورية، أظهر استطلاع للرأي تأييد غالبية الأتراك للقاء رئيسهم رجب طيب إردوغان بنظيره السوري.

وكشف استطلاع للرأي أجرته شركة «متروبول» لبحوث الرأي العام، في الفترة ما بين 13 و18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسط تصاعد التصريحات حول لقاء إردوغان والأسد، ونشرت نتائجه السبت، أن 59 في المائة من الأتراك يؤيدون لقاء القمة التركي – السوري، فيما يرفضه 28.9 في المائة منهم، فيما قال 12.1 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إنه لا فكرة لهم عن الموضوع.

وعقب لقاء وزراء دفاع ورؤساء أجهزة مخابرات كل من تركيا وروسيا وسوريا في موسكو يوم 28 ديسمبر الماضي، وإعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن لقاء مماثلاً سيعقد بين وزراء خارجية الدول الثلاث في النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي، قال الرئيس إردوغان إن اجتماعاً ثلاثياً يجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأسد قد يعقد عقب لقاء وزراء الخارجية، الذي سيعقد قريباً.

وقال إردوغان، الخميس: «بصفتنا روسيا وتركيا وسوريا، بدأنا عملية باجتماع لوزراء دفاعنا… وسيجتمع وزراء خارجيتنا معاً، وبحسب المستجدات سنلتقي كقادة. ما يهمنا هو ضمان الهدوء وتحقيق السلام في المنطقة».

وظهرت أصوات معارضة للتقارب بين أنقرة ودمشق داخل تركيا، عبّر عنها عدد من الجمعيات الإسلامية في بيان مشترك دعا الحكومة التركية إلى عدم التطبيع مع النظام السوري؛ لأنه «رمز لظلم واضطهاد الشعب السوري» و«لا يريد التوصل إلى حل سياسي للأزمة»، بحسب البيان الذي شدد على ضرورة الحفاظ على موقف تركيا «التي وقفت دوماً إلى جانب الشعب السوري ضد السياسات والممارسات الظالمة التي ينتهجها نظام الأسد منذ عام 2011».

في الوقت ذاته، جدد رئيس «الحكومة السورية المؤقتة»، عبد الرحمن مصطفى، دعمه لموقف تركيا، قائلاً إنها «تتصرف بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري… وبالنسبة للاجتماع الثلاثي في موسكو، فقد تم التأكيد لنا دائماً أن هذه المحادثات لن تتم أبداً بما يتجاوز توقعات الشعب السوري والمعارضة السورية. نحن نعلم هذا بالفعل، لذلك في الواقع نحاول التوصل إلى توافق… ونحن نؤمن بالفعل بالحل السياسي». ولفت مصطفى، في مقابلة مع قناة «تي آر تي خبر» الحكومية التركية، السبت، إلى اجتماع وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مع قادة المعارضة السياسية السورية في أنقرة، الثلاثاء الماضي، والذي أكدت تركيا خلاله تمسكها بالحل السياسي واستمرار دعمها للمعارضة. وقال: «تركيا هي حليفنا الرئيسي ونحن نثق بها… بالطبع لدينا علاقات مع دول أخرى، لكن تركيا والشعب السوري هما من يتحملان العبء الأكبر؛ لذا فإن هذه العملية (التطبيع مع الأسد) لن تكون أبداً بما يتجاوز توقعات الشعب السوري والمعارضة السورية».

و«الحكومة السورية المؤقتة» التي يقودها مصطفى مرتبطة بـ«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» المدعوم من تركيا. وتنشط في شمال سوريا أيضاً حكومة أخرى للمعارضة هي «حكومة الإنقاذ» المحسوبة على «هيئة تحرير الشام» التي اعتبر زعيمها أبو محمد الجولاني، قبل أيام، أن اللقاء التركي – السوري في موسكو، يمثّل «انحرافة خطيرة عن أهداف الثورة السورية».

وعقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اجتماعاً، الثلاثاء الماضي، مع رئيس «الائتلاف الوطني السوري» سالم المسلط، ورئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة» عبد الرحمن مصطفى، لشرح موقف تركيا من قضية التقارب مع النظام السوري. وقال مصطفى، عقب الاجتماع، إن الوزير التركي أكد استمرار دعم تركيا لمؤسسات المعارضة السورية والسوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وأن المحادثات التي أجرتها تركيا مع المسؤولين السوريين في موسكو ركزت بشكل أساسي على القتال ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، في شمال شرقي البلاد.

وشدد مصطفى، أمس، على أن المعارضة السورية تدعم تركيا في أي خيار؛ سواء العملية العسكرية التي أعلنت أنها تريد القيام بها ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، أو حل المشكلة من خلال القنوات الدبلوماسية، موضحاً أنه تم التفاوض على حل مع الأميركيين (لقضية «قسد») في عام 2019، لكنه لم يتحقق، فقامت تركيا بعملية «نبع السلام»، وتم توقيع مذكرة تفاهم مع روسيا، لكن لم يتم الوفاء بها. وقال: «تركيا وجيشنا (الجيش الوطني السوري) يعارضان إقامة دولة إرهابية في شمال سوريا». وأضاف أن مساري جنيف ثم أستانا توقفا، لكن العمليات الدبلوماسية يجب أن تستمر من أجل التوصل إلى حل.

وعن جهود تركيا لضمان الاستقرار في المنطقة وعودة اللاجئين، قال مصطفى إن 600 ألف سوري عادوا من تركيا إلى بلادهم، مضيفاً: «بالطبع نريد أن يعود باقي أهلنا إلى قراهم».

في السياق ذاته، كشف رئيس تحرير صحيفة «أيدينلك» التركية، مصطفى يوجال، خلال مقابلة تلفزيونية شارك فيها مع رئيس «حزب الوطن» التركي دوغو برينتشيك الذي بدأ منذ أكثر من 5 سنوات لقاءات مع نظام الأسد بعلم الحكومة التركية، أن رئيس «الحكومة السورية المؤقتة» عبد الرحمن المصطفى، الذي يتزعم نحو 12 فصيلاً من المعارضة المسلحة في شمال سوريا، اجتمع معهم في غازي عنتاب (جنوب تركيا) منذ أيام، وأبلغهم بأنه قد حان الوقت للمصالحة مع بشار الأسد، وطلب منهم التجهز للمرحلة الجديدة. وأضاف يوجال أنه يجري حالياً تجهيز الفصائل المسلحة على الأرض لهذه المرحلة. ونقل عن القيادي في حزب «البعث» السوري، بسام أبو عبد الله، أن حكومة النظام لا تثق بالمباحثات مع المعارضة السورية في تركيا؛ لأنها لا تمانع وجود القوات الأميركية في سوريا، وأن حزب «الوطن» هو المؤسسة التركية الموثوقة لدى النظام؛ لأن موقفه يعد الأكثر صواباً منذ بداية الأزمة السورية.

على صعيد آخر، كشف استطلاع الرأي، الذي أجرته شركة «متروبول»، عن مواقف مؤيدي الأحزاب السياسية في تركيا من العملية العسكرية التي لوّحت بها الحكومة ضد «قسد» خلال الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أن ما يقرب من 59 في المائة من مؤيدي «حزب الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، يعتقدون أن حزبهم يجب ألا يدعم تلك العملية، في حين أيّدها 38.1 في المائة. وقال 11.8 في المائة إنهم ليست لديهم فكرة عن الموضوع.

وأوضح الاستطلاع، الذي أجري على عيّنة مكوّنة من 2000 شخص في 77 ولاية من ولايات تركيا وعددها 81 ولاية، أن 58.5 في المائة من أنصار حزب «العدالة والتنمية» الحاكم يؤيدون العملية و27 في المائة يرفضونها.

———————

الإمارات تنشط على خط دمشق – أنقرة ومساع لإنجاز تقارب سوري – سعودي/ سركيس قصارجيان

جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحديث عن إمكان عقد لقاء تركي – سوري على مستوى رئاسي، رابطاً ذلك بنتائج اجتماع وزيري خارجية البلدين، بالإضافة إلى الوسيط الروسي المتوقّع انعقاده خلال أسبوع في العاصمة الإماراتية.

بالتزامن، تشهد كواليس دمشق نشاطاً دبلوماسياً واضحاً، وهذه المرة، مرتبطاً بالمسار السوري – العربي، وهو ما انعكس عبر تحرّكات وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان الذي التقى الرئيس السوري بشار الأسد، وسط حديث عن رسائل متبادلة بين دمشق والرياض عبر الضيف الإماراتي.

حذر وتريّث سوريّان في مسار التّطبيع

وأعلن أردوغان يوم الخميس (5 كانون الثاني/يناير 2023) أنه قد يجتمع مع الرئيس السوري بشار الأسد “من أجل السلام في المنطقة”، متحدّثاً عن “عملية ثلاثية روسية- تركية- سورية”، وقال: “نجمع وزيري خارجيتنا معاً ثم بناءً على التطورات سنجتمع معاً على مستوى الزعماء”.

صحيح أن التصريح الأخير لم يأت بجديد عن سابقاته، إلا أن أهمّيته تكمن في توقيته، وسياقه المرتبط بالتحوّلات في السياسة الإقليمية من جهة، وارتباطه بديناميات السياسة التركية الداخلية، من جهة أخرى.

بالنظر إلى العامل الزمني، فقد جاء التصريح التركي بعد أقل من 48 ساعة من إعلان واشنطن، بلسان المتحدّث باسم وزارة الخارجية، رفضها سياسات “تعزيز العلاقات أو دعم إعادة الاعتبار لبشّار الأسد”، ما يعني تجاهل أنقرة تحذيرات حليفتها الأطلسية، على غرار أبوظبي التي لم يثنها الرفض الأميركي عن قيامها بدور الوساطة السورية – العربية من جهة، وتسهيل مهمة الوساطة الروسية في التقارب التركي – السوري، من جهة أخرى.

من وجهة نظر دمشق، فإن أي تطبيع للعلاقات معها يعتبر خرقاً للحصار السياسي الذي تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى ترسيخه كنهج للتعامل مع الحكومة السورية، إلى جانب الحصار الاقتصادي الخانق في ما يعرف بمحاولة “تقويم سلوك” الإدارة السورية.

مع ذلك، تبدو دمشق حريصة على قيادة مسار التطبيع بحذر والكثير من التريث، وهو ما يبدو جلياً في شح التصريحات الصادرة عن الجانب السوري حول الموضوع، مقارنة بالضخ الإعلامي المباشر وتسريبات “المصادر” من الجانب التركي، وأحياناً من الجانب الروسي أيضاً.

دمشق الحاضر المؤثّر

بالنظر إلى تصريحات كل من دمشق وأنقرة والتسريبات الصادرة عن كلا الجانبين، يمكن القول إن لقاء الأسد – أردوغان لم يعد مستبعداً، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بمدى استعداد الطرف التركي للمضي قدماً بتنفيذ تعهّداته، سواء تلك المقدّمة للوسيط الروسي أم للطرف السوري خلال اللقاءات الأمنية – العسكرية.

نجح الرئيس السوري بشار الأسد في قلب المعادلة السائدة لسنوات مضت، لتصبح دمشق مؤثرة في السياسة الداخلية التركية على عكس الأعوام السابقة عندما كانت تركيا حاضرة بكل ثقلها في السياسة السورية وتأثيرها واضح في الداخل السوري.

غدت دمشق ومسألة تطبيع العلاقات حاضرة في الوعود الانتخابية للسلطة والمعارضة السداسية على حد سواء، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية الأخرى، حيث تقدّمت 7 أحزاب سياسية تركية بطلبات رسمية لزيارة العاصمة السورية وإجراء مباحثات مع المسؤولين، تتركز على ملفي تطبيع العلاقات وعودة اللاجئين السوريين، وذلك كجزء من حملتها الانتخابية والوعود المقدّمة للناخب التركي.

وتشير مصادر سورية متابعة إلى تصميم دمشق، الملتقطة لأفضلية التأثير في السياسة الداخلية التركية، على عدم منح ورقة الفوز في الانتخابات للرئيس التركي إلا بعد تحقيق شروطها عبر التحرك لإنجاز ما يمكن إنجازه والتعهد بالقيام بالخطوات التي يحتاج إنجازها لبعض الوقت، شرط إقراره بخريطة طريق واضحة وبضمانات الوسطاء.

بمعنى أدق، لا ترى دمشق ضيراً في أن يقوّي لقاء الزعيمين أوراق أردوغان الانتخابية، لكنها تؤكد استحالة منح هذه الورقة من دون تنفيذ أنقرة الشروط السورية “البديهية” وفق وصف دمشق.

وترى الصحافية سيلفا رزوق، محررة شؤون السياسة الخارجية في “صحيفة الوطن” السورية المقرّبة من سلطات دمشق، في تصريحات إلى “النهار العربي”، أن “دمشق تسعى إلى تحقيق أهدافها في تحرير أراضيها وقطع الدعم والإمداد عن المجموعات الإرهابية، وهي لم توفّر أي جهد من أجل ذلك، سواء بالطرق العسكرية أم الدبلوماسية، الآن أنقرة تمدّ يدها إلى دمشق وتتعهد عودة الأراضي السورية إلى السيادة السورية، وتريد حلاً لمسألة اللاجئين”.

وتضيف رزوق: “في النهاية دمشق لا تفكر بالأهداف الانتخابية لأردوغان بقدر ما تفكر في تحقيق مصالحها، والجانب التركي يقدّم تعهّدات بالانسحاب، كما أن مسألة “قسد” تعتبر نقطة تقاطع بين أنقرة ودمشق، وبالنهاية كل جولات الحوار بين دمشق و”قسد” فشلت”.

وتشير رزوق إلى تصريح الأسد سابقاً بعدم رفضه لقاء أردوغان إذا كان هذا اللقاء يحقق مصالح بلاده، “فدمشق لم تشخصن يوماً الخلاف مع أنقرة ولم تسحبه إلى مستوى أفراد، فإذا كان الهدف تحرير الأرض ومحاربة الإرهاب فلا مانع لدى دمشق من الحوار مع أنقرة”.

الإمارات الأرض المحايدة للقاء السوري – التركي

وتشير المصادر التي تواصل معها “النهار العربي” إلى قرب عقد لقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث خلال مدى قد لا يتجاوز الأسبوع. وهو ما يمكن اعتباره عملياً الانتقال من المحادثات الاستخبارية – العسكرية إلى المستوى الدبلوماسي في مسار التطبيع.

وعلم “النهار العربي” من مصادر دبلوماسية مطّلعة عن توافق سوري – تركي على العرض الإماراتي لاستضافة اجتماعات وزيري الخارجية واللجان الفنية والاختصاصية، وذلك خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الإماراتي مع نظيره التركي قبيل وصوله إلى دمشق، وبعدها خلال مباحثاته في سوريا.

وأكد مصدر عسكري سوري رفيع المستوى فضل عدم الكشف عن اسمه لـ”النهار العربي” بدء أنقرة تسيير دوريات أمنية ترافق الوحدات الهندسية للجيش التركي المكلّفة إزالة الألغام والعوائق على طريق “ام 4” الدولي الذي يصل مدينة اللاذقية الساحلية على المتوسط مع حلب وصولاً إلى الموصل، وذلك تنفيذاً للتعهد التركي خلال اجتماع موسكو تسريع ما تم الاتفاق عليه قبل سنوات ضمن مسار أستانا.

إلى جانب الدور الإماراتي الميسّر للوساطة الروسية بين دمشق وأنقرة، علم “النهار العربي” من مصادر سورية وخليجية موثوقة بوساطة إماراتية على خط العلاقات السورية – السعودية خاصةً، والسورية – العربية عموماً. وأكدت المصادر نقل وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد رسالة سعودية إلى الرئيس السوري بشار الأسد ورداً سورياً إلى الرياض.

واستبقت الرياض زيارة الوزير الإماراتي بمطالب عالية السقف وردت في مقالة للإعلامي السعودي طارق الحميد في صحيفة “الشرق الأوسط” المقرّبة من الإدارة السعودية، تحدّث فيها الحميد الذي ترأس سابقاً تحرير الصحيفة نفسها عن هدف “إيقاف مشروع تصدير الثورة الإيرانية، الذي من المستحيل استمراره إذا فقد الإيرانيون سوريا”.

لكن المصادر التي تحدّثت إلى “النهار العربي” كشفت عن “أجواء إيجابية بين الرياض ودمشق، لكنها لا تزال بحاجة إلى إرادة سياسية لتحويلها إلى واقع فعلي”، رابطة المسار السوري – المصري بالمسار السوري – السعودي.

تبدو المهمة الإماراتية محاولة إيجاد حل وسط بين المطالب السعودية – الأميركية في ابتعاد دمشق عن إيران، مقابل تأكيد دمشق عمق علاقتها مع الحليف الإيراني، وتتلخّص الرؤية الإماراتية في إرساء معادلة عربية – إيرانية تكون دمشق في مركزها كوسيط وضامن في الوقت ذاته. تبدو أبوظبي الأقدر على القيام بهذا الدور، نظراً إلى طبيعة سياساتها تجاه إيران الوسطية بين رفض ممارسات طهران والإبقاء على العلاقات الدبلوماسية وحتى الاقتصادية معها، بعيداً من التوتّرات الخليجية – الإيرانية.

فهل تثمر الأجواء الإيجابية التي التقطتها دمشق مع بداية العام الجديد جديداً في علاقاتها العربية والإقليمية؟ الأيام القليلة المقبلة قد تعطي إشارات للإجابة عن هذا السؤال.

—————————

إردوغان والأسد وبن غفير/ حازم الأمين

متغيران هائلان عصفا بالمنطقة في بداية هذا العام، أولاً استدارة رجب طيب إردوغان نحو “غريمه” بشار الأسد، مع ما رافق هذه الاستدارة من انقلاب تركي على جماعات الإخوان المسلمين بدءاً بمصر ومروراً بتونس ووصولاً إلى سوريا، وثانياً حكومة ثيوقراطية في إسرائيل باشرت مهامها بغزوة ايتمار بن غفير لباحة المسجد الأقصى، وأتبعتها بمشروع قانون يعطي الحكومة صلاحية التدخل في تركيبة المحكمة العليا في إسرائيل، وهو ما اعتبره القضاة ضربة قاضية للنظام القضائي واستيلاءً على أعلى سلطة قضائية.

والحال أن المتغيرين يشتغلان لوحدهما، من دون أن تهيئ القوى المعنية بهما نفسها لما يمكن أن يجرا عليها من نكبات، ونعني هنا الدول والقوى التي من المفترض أن المتغيرين يمليان عليها تموضعاً مختلفاً. فالأنظمة المعنية بهاتين العاصفتين هي عبارة عن كتل سلطوية صماء، لا تصيبها العواصف، ولا تحدث فيها تغييراً. المصائب ليست بالنسبة لهذه الأنظمة تهديداً لوجودها، والعالم يجري من حولها كما لو أنه سديم متوجه نحو كوكب آخر. نحن نتحدث هنا عن سوريا وعن لبنان، ولكن أيضاً عن مصر والعراق والأردن. لا بل أن غبطة أصابت بعض النخب الحاكمة في تلك الدول، نظراً لما تشكله هذه الانعطافات من مخاطبة لنماذجها في الحكم وفي التعسف.

للمتغيرين السالفين مهمة تفسر الغبطة التي أثارها في نفوس المنظومات المشرقية الحاكمة. حكومة ثيوقراطية في إسرائيل تخاطب من دون شك تطلع النظام السوري إلى مشهد يستعصي على التغيير. مشهد ينكفئ فيه النزاع إلى الداخل الفلسطيني، وتقتصر السياسة في ظله على غارات دورية وصامتة تقوم بها الطائرات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا. أما أن يبادر إردوغان لفتح صفحة جديدة مع الأسد، فهذا ما قد تقتصر نتائجه على مزيد الدماء السورية المراقة على هذا المذبح المستجد. فهرولة إردوغان نحو نظام متصدع ومهترئ ولا يلبي أي مصلحة تركية باستثناء ما يمثله من صلة وصل مع موسكو فلاديمير بوتين، هي قرينة جديدة على أن لا ثابتة في هذه المنطقة إلا الأنظمة، وشبكة مصالحها، لا مصالح مجتمعاتها.

لكن المرء إذ يستقبل المتغيرين يشعر أن ثمة ما يجمعهما. حكومة أحزاب الصهيونية الدينية في إسرائيل، وإردوغان في دمشق. ربما الوجوه المراوغة لهذين المشهدين. إردوغان وبن غفير، وبينهما بشار الأسد. ويمكن رسم مشهد مواز يلوح فيه وجه بوتين يتوسط وجها بنيامين نتانياهو وعلي الخامنئي.

إنهم أبطال الحقبة المقبلة، ووجوه الزمن المشرقي المنتظر. أما من ستسحقهم عواصف هذا الزمن، فهم الفلسطينيون والسوريون واللبنانيون، ناهيك عن الأكراد في سوريا وفي تركيا.

ثم أن الباحث عن تشابه بين إردوغان وبن غفير لن يعدم الكثير من الوقائع. خصم إردوغان الانتخابي رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وفي هذا الوقت كان بن غفير يتحدث عن قانون غريب عجيب لإعدام الأسرى الفلسطينيين. وفي الوقت الذي يدفع فيه إردوغان نحو حظر حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد في تركيا، تلوح من تل أبيب مشاريع قوانين تتيح للجنود استعمال الرصاص الحي، وأخرى تجرم المثلية وتحاصر مجتمع الميم عين. لكن المصادفة تأخذنا أيضاً إلى بداية تقارب بين أنقرة وتل أبيب افتتحت باستئناف تبادل السفراء.

للمرء أن يشعر أن ثمة صلة بين هذه الوقائع. إنه “زمن الردة” وهو زاحف على منطقة محاصرة بالانهيارات. وهي انهيارات لم تبقِ على شيء إلا على أنظمة جعلت تستنسخ نفسها على نحو أسوأ مما بدأته. إسرائيل انتقلت من اليمين الصهيوني إلى الصهيونية الدينية، وأنقرة من إخوانية “العدالة والتنمية” إلى الإردوغانية غير المقيدة بغير طموح السلطان.

لفلاديمير بوتين بصماته هنا، وهي وإن كانت أوضح بما يتعلق بتقارب تركيا مع نظام الأسد، إلا أنها حاضرة على نحو ضمني بالمتغير الإسرائيلي، ذاك أن حكومة يمين ديني في إسرائيل ستكون أقل حساسية حيال أدواره في سوريا وفي إيران وأيضاً في أوكرانيا. صعود اليمين في أي مكان في العالم سيكون بمثابة ارتداد عن مهمة ردع طموحات بوتين التوسعية.

حقبة قاتمة تنتظرنا، هي تتويج لمسار من الهزائم والتواطؤ والانهيارات، لكن انعكاساتها ستتجاوزنا. فبين اقتحام بن غفير لباحة المسجد الأقصى، وإعادة قصرية للاجئين السوريين، ستسيل أنهار من الدماء، وهي ستفيض عن المشرق.

لا يقوى المرء على دفع هذا السيناريو طالما أن العالم يشيح بوجهه عن منطقة لطالما كانت بطن ولادة للانفجارات.  

الحرة

————————-

محطات وملفات معقدة أمام المشهد السوري: من المساعدات لتطبيع أنقرة والنظام

عماد كركص

تحمل بداية العام 2023 محطات وملفات معقّدة على صعيد المشهدين السياسي والميداني السوري، في وقت يغيب فيه أفق حل الأزمة ووقف الحرب التي تفاقم يومياً معاناة السوريين، سواء القاطنين في مناطق سيطرة المعارضة أو النظام. ويعيش هؤلاء في العامين الأخيرين ظروفاً هي الأسوأ على الإطلاق، في ظل الغلاء وندرة المواد التموينية وضعف المدخول، ما يجعل الواقع المعيشي أقرب للكارثي.

وعلاوة على ذلك، فقد لاحت أخيراً بوادر انهيار للبنية المالية والاقتصادية للنظام بسبب تهاوي الليرة أمام العملات الأجنبية، وشح الوقود اللازم لتشغيل وسائل النقل، ما شل الحركة في مدن عدة، على رأسها العاصمة دمشق، واضطر النظام لإيقاف العمل بالدوائر الحكومية على فترات متقطعة، وهو خيار لم يلجأ إليه طوال سنوات الحرب.

عموماً، باتت البلاد تعيش على الحوالات من المغتربين أو بالأحرى المهجرين الذين باتوا بالملايين حول العالم، فيما يعيش النازحون على المساعدات الأممية. وحتى تلك المساعدات باتت مهددة بالتوقف مع انتهاء تفويض إدخال المساعدات الإنسانية الأممية من معبر باب الهوى، بانتظار ما سيدور في أروقة مجلس الأمن يوم العاشر من الشهر الحالي من مناقشة قبل التصويت على تجديد الآلية من عدمه. ويظل الترقب خاصة لجهة مساومة سياسية ما من روسيا الساعية للحصول على مكاسب لصالح حليفها، نظام بشار الأسد، مقابل عدم رفع حق النقض (فيتو) في طريق تجديد الآلية، وهو أول الملفات الإشكالية بداية العام الحالي.

وتنتهي في العاشر من الشهر الحالي آلية تجديد المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وفي اليوم ذاته سيعقد مجلس الأمن جلسة لتمديدها، لا يُتوقع أن تصل إلى نتائج قبل التفاوض مع روسيا لتجديد الآلية.

ونجحت موسكو سابقاً في تقليص آلية دخول المساعدات من أربعة معابر إلى واحد، ثم تقليص المدة من عام إلى ستة أشهر، ثم تفعيل المساعدات عبر الخطوط (من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة وبالعكس) لتتيح للنظام الاستفادة والتحكم جزئياً بآلية تمرير المساعدات. كما أدخلت برنامج التعافي المبكر الذي تستفيد منه الهياكل المؤسسية للنظام.

وتتذرع موسكو بأن دخول المساعدات عبر معبر تسيطر عليه المعارضة، أو خارجة عن سيطرة النظام بوصفه ممثلاً لـ”الدولة السورية”، ينتهك مبدأ السيادة، وهذه الورقة استخدمتها دائماً ومن المتوقع أن تستخدمها في جلسة مجلس الأمن المقبلة عند التصويت على مشروع قرار التمديد.

في الملف الثاني، تسود “الخيبة” أوساط المعارضة السورية وجمهور الثورة حيال توجّه تركيا لتطبيع علاقاتها مع نظام بشار الأسد، لا سيما بعد الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام في موسكو، الأربعاء الماضي، وسيتبعه اجتماع آخر لوزراء الخارجية هذا الشهر، بما يعني أن الخطة التدريجية التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد تسير كما هو مرسوم لها.

تقارير عربية

تقارب تركيا ونظام الأسد: رفض شعبي وصمت للمعارضة السورية

أمام هذه المعطيات بات الارتباك عنواناً لتعاطي المعارضة السياسية والعسكرية السورية. وعلم “العربي الجديد” أن وفداً من المعارضة مؤلفاً من رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، سيزور أنقرة، اليوم الإثنين، للقاء مسؤولين في وزارة الخارجية قد يكون على رأسهم وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو. لكن التوقعات تستبعد أن تحصل المعارضة على نتائج مهمة من اللقاء.

إلى ذلك، تريد تركيا من النظام إبعاد المجموعات الكردية عن حدودها، إذ تتشارك أنقرة مع النظام الموقف ذاته بخصوص عدم قيام أي “كانتون كردي” على الحدود، فيما يتشدد النظام بفرض سلطته من دون القبول بـ”الإدارة الذاتية” الكردية أو “الوضع الخاص” لأي منطقة كما يطمح الأكراد في شمال شرقي سورية. كما يطلب النظام تفكيك “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بالكامل وهذا ما سيمكنه في حال الاتفاق مع تركيا من السيطرة على الحدود كبديل للأكراد.

أمام كل ذلك يزداد المشهد السياسي انسداداً، لا سيما أن المسارات السياسية متوقفة، وهي في طريقها أساساً للموت، بعدما عجز المبعوث الأممي غير بيدرسن عن إحياء مسار لجنة إعادة صياغة الدستور. ووجد النظام والروس حجة بعدم الذهاب إلى جولتها التاسعة بذريعة عدم قدرة المسؤولين الروس على الذهاب إلى جنيف لمتابعة اجتماعاتها بسبب العقوبات الغربية على روسيا على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، علماً أن المسار يوصف بـ”السوري – السوري”، أي بمشاركة ممثلي النظام والمعارضة وقائمة تمثل المجتمع المدني للمنظمات والهيئات السورية.

وإن كانت اللجنة الدستورية توقفت على أبواب الجولة التاسعة، فإن جولاتها الثماني الماضية لم تفض إلى صياغة أو إقرار أي مادة من الدستور، نتيجة مراوغة النظام بدعم روسي بالقفز على جداول الجلسات وتمييعها. كما أن المسار السياسي العام، المتمثل بالقرار 2254 الذي وضع خريطة طريق لعملية الانتقال السياسي في سورية والذي تُعتبر لجنة صياغة الدستور جزءاً منه، لم يتم تطبيق أي من مخرجاته فعلياً منذ إقراره في العام 2015 في مجلس الأمن.

——————————

تركيا تعمل لاحتواء خوف حلفائها من مصالحة بشار/ عقيل حسين

“لا يوجد أي سبب للوثوق بأي موقف صادر عن الرئيس ‎أردوغان أو حكومته فيما يخص حماية المعارضة في عملية التطبيع مع نظام الكيماوي في ‎سوريا، فقلّما تجد له موقفاً لم يمارس عكسه عملياً، سواء في سياسته الداخلية أو الخارجية، طيلة فترة حكمه”.

بهذه الكلمات غرد خالد الخوجة، الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض، والقيادي الحالي في “حزب المستقبل” التركي الذي يقوده أحمد داوود اوغلو، تعليقاً على لقاء موسكو الثلاثي الذي جمع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات التركية والروسية والسورية.

أهمية ما قاله الخوجة لا تنبع فقط من كونه مسؤولاً سابقاً في أهم مؤسسات المعارضة السورية الرسمية، بل في اشارته لنقطة “التطمينات” المقدمة من الحكومة التركية للمعارضة السورية المقيمة على أراضيها والمتحالفة معها، إذ من الواضح اطلاعه على مضمون الاتصالات بينها وبين المسؤولين الأتراك عن الملف السوري.

ضبط المعارضة

وحصلت “المدن” على معلومات عن تواصل مكثف بين الائتلاف وهؤلاء المسؤولين منذ الإعلان عن لقاء موسكو، بهدف تطمين المعارضة السورية من جهة وضبط رد فعلها من جهة ثانية.

وحسب مصادر في الائتلاف، فإن أنقرة شددت على أنها لا يمكن أن تتخلى عن “أصدقائها السوريين” وستدافع عن حقوقهم وتطلعاتهم في مفاوضاتها مع الطرف الآخر، وأن المطلوب من المعارضة السورية الصبر والثقة بالجانب التركي.

المصادر أكدت أن هذه التطمينات لم تمنع القلق والانقسام داخل الائتلاف، الذي عجز مع ذلك عن إصدار أي موقف رسمي رغم اجتماع الهيئة السياسية الخميس، حيث تقررإبقاء الهيئة في حالة اجتماع بانتظار اللقاء مع الخارجية التركية التي اقترحت موعداً مبدئياً له الاثنين، من دون تثبيته بشكل رسمي.

لكن ورغم ذلك، فقد تجنب الائتلاف أو أي من مكوناته إصدار موقف رسمي أو رد فعل، باستثناء تغريدة على “تويتر” قال فيها إن “مظاهرات حاشدة تعم المدن المحررة، تؤكد على ثوابت الثورة السورية بإسقاط النظام والانتقال السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي” الأمر الذي زاد من حدة الاحتقان الشعبي ضد المؤسسة، والذي كان واضحاً خلال التظاهرات التي عمت مدن الشمال الخاضع لسيطرة المعارضة رفضاً للمشروع التركي-الروسي الداعي للمصالحة بين المعارضة والنظام، حيث ندد الكثيرون من المشاركين بالموقف الضعيف للائتلاف، واتهموه بالتبعية الكاملة لتركيا على حساب المصلحة الوطنية.

بين نارين

مصادر “المدن” كشفت أن أعضاء ومكونات الائتلاف منقسمون الآن بين موقفين، جهة ترى أن التوجه التركي الجديد أصبح شديد الخطورة ولا يمكن مجاراته أكثر، بينما يرى آخرون أن القضية السورية يجب أن تخرج من هذا الاستعصاء وأن تعجل بالوصول إلى حل سياسي ينهي معاناة الشعب بأي وسيلة، وبالتالي لا بد من المضي في هذا المسار من أجل تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه من جانب المعارضة.

لكن كلا الفريقين كما تقول المصادر لا يجرؤ على التعبير عن مواقفه خشية ردود الفعل، حيث يتجنب الطرف المعارض للتوجهات التركية الإعلان عن ذلك بشكل رسمي كي لا يغضب الأتراك، بينما يدرك الطرف الآخر أن التصريح بموقفه سيضعه بمواجهة مباشرة مع الشارع السوري المعارض للمصالحة مع النظام، والذي أظهر موقفاً حاسماً في مظاهرات الجمعة.

ولذلك ربما لم يجد رئيس المكتب الإعلامي للائتلاف، والمتحدث باسم وفد المعارضة إلى مسار أستانا أيمن العاسمي، سوى “حمل العصا من المنتصف” بالتأكيد أن “حالة الاستعصاء” ليست من مصلحة قوى المعارضة والثورة، وأن هذا التحرك التركي “يشكل ضغطاً على النظام وداعميه، ويضعه أمام استحقاقات يجب عليه تقديمها”.

وقال في سلسلة تغريدات له مساء الجمعة: “نحن في المعارضة نمثل حقيقة موقف شعبنا وموقف أبناء ثورتنا في مطالبتهم بنيل حقوقهم وحريتهم كاملة والتي حرمنا منها طيلة العقود السابقة”، معتبراً أن تركيا تسعى للحل “بما يتوافق مع رؤية المعارضة السورية، باعتبار تركيا ضامنة لها”.

“الاستعصاء أفضل من الاستسلام” هكذا كان أبرز التعليقات على تغريدة العاسمي، بينما رأى الكثيرون أن الطريقة التي تعامل بها الائتلاف مع التطور الأخير والذي يعتبر من أخطر الانعطافات التي شهدتها القضية السورية، يمثل تأكيداً جديداً على أحقية المطالبة بتجاوز هذه المؤسسة التي بات الكثيرون يطلقون عليها اسم “منصة اسطنبول” ويرفضون أن تكون ممثلة لقوى الثورة والمعارضة بوضعها الحالي.

وتعليقاً على ذلك، يرى القيادي في تحالف “الحراك الثوري” رضوان الأطرش أن “الائتلاف كعادته وحيال كل حدث مفصلي يخص الثورة السورية آخر من يتكلم، بينما يفترض أن يكون أول المصرحين طالما أنه الممثل السياسي للثورة”.

وعن موقفه من الدعوة لانتاج بديل عن الائتلاف وما إذا كان ذلك ممكناً، يقول الأطرش في تصريح ل”المدن”: ما شاهدناه من مظاهرات شعبية وقراءة بيان سوري وطني موحد في سبع نقاط في الشمال، يثبت أن هذا الحراك قادر على تنظيم وهيكلة نفسه، ويستطيع فرز قيادته بعد أن وصل إلى قناعة مطلقة بعبثية الأجسام التي تدعي تمثيل السوريين، وهذه هي الخطوة التي يجب أن تعمل عليها قوى الثورة الشعبية والمجتمعية والنقابات المهنية، والفرصة اليوم باتت متاحة أكثر من أي وقت مضى.

التطورات الأخيرة التي شهدها الملف السوري في ما يتعلق بلقاء موسكو الثلاثي وطريقة تعامل مؤسسة الائتلاف معه، دفعت وبقوة الكثير من المطالبين بإعادة هيكلته بشكل جذري أو إنتاج بديل عنه لإعلاء صوتهم أكثر، معتبرين أن الصمت الذي مارسه حيال هذه التطورات يعتبر إقراراً رسمياً بالعجز والاستسلام.

المدن

———————–

حزب الشعب الديمقراطي السوري

لجنة المهجر

بيان

لم يكن اللقاء الثلاثي بين الروس والأتراك والعصابة الأسدية غير تتويج لسنوات من التنسيق آتت أُكلها في هذه المرحلة الحسّاسة والخطرة لكل المتصارعين على الأرض السورية بحثاً عن تموضع في السياسة الدولية ومستجداتها، على حساب السوريين وأهداف ثورتهم النبيلة في الحرية والكرامة والخلاص من الاستبداد الأسديّ.

لقد باءت بالفشل كل المحاولات لإعادة تدوير نظام القتل والميليشيات الطائفية والإرهاب والكبتاغون، لأنه لا يملك ما يقدّمه، وما إبقاؤه دمية إلا لتنفيذ مصالح وشروط والتزامات مَن سانده ومنع سقوطه بإهدار المزيد من دماء السوريين وتدمير حياتهم ومصادرة مستقبل أبنائهم. ولن يكون التطبيع التركي القادم بعيداً عن تخادم المشاركين في الخروج من مآزقهم ومشاكلهم في دولهم، عبر مسار جديد يعمل على طيّ القرار 2254 وإغراق القضية السورية في مستنقع لا تخرج منه، ليبقى النظام هزيلاً هشّاً بعدما حقّقت أهدافها السياسية والجيوإستراتيجية من نجدته ومنع انهياره.

إننا في حزب الشعب الديمقراطي السوري نرى فيما تقوم به تركيا اغتصاباً لقرار السوريين في تنطّعها لمصالحة المعارضة المرتهنة لمشغّليها مع نظام القتل والجريمة، وتفريطاً بحقوقهم، ونرى أن من حقّ تركيا العمل على رعاية مصالحها، ولكنها لا تملك الحقّ في فرض وصايتها على السوريين بعد 12سنة من المعاناة والتضحيات. ولا نرى فيما تقوم به غير تطبيع يعطي الحياة لنظام مفلس لا يمكنه القيام بتأمين خبز شعبه ولا وقود دوران حياة الاقتصاد والمجتمع الذي صار رهينة تحت سلطته.

وإذ نعتزّ بوقفة السوريين في الشمال رافضين الدور التركي والتفافه على ثوابت ثورتهم لتحقيق أهدافه وأهداف شركائه في أستانا، نعتبر ذلك ردّاً صريحاً من السوريين في كل مكان، ودعوة للتمسّك بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 والحؤول دون محاولات إسقاطه، والعمل على توحيد رؤيتهم ورصّ صفوفهم؛ لإيجاد بديل وطني يسعى لبناء دولة الحرية والديمقراطية والمواطنة اعتماداً على قواهم بعيداً عن الارتهان للأجندات الخارجية.

لجنة المهجر لحزب الشعب الديمقراطي السوري 31 / 12 / 2022

—————————

سيناريوهان لاجتماع وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا «الذي سيعقد»

مصادر وتقارير حددت موعدين قبل أو بعد زيارة جاويش أوغلو لواشنطن

أنقرة: سعيد عبد الرازق

تواترت معلومات جديدة حول الاجتماع المرتقب لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا ومكان انعقاده، دارت حول سيناريوهين، أحدهما ذهب إلى موسكو في الفترة بين 14 و16 يناير (كانون الثاني) الحالي، والثاني إلى موسكو أيضاً لكن بعد زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لواشنطن للمشاركة في اجتماع المجلس الاستراتيجي للعلاقات التركية الأميركية المقرر في 17 الجاري.

في الوقت ذاته، أكد المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» الحاكم عمر تشيليك أن الاجتماعات الخاصة بالعلاقات بين أنقرة ودمشق هي عملية تسير بإيقاعها الذاتي، بمعنى أن كل خطوة تفضي إلى الخطوة التي تليها، مشيرا إلى أن اجتماع الرؤساء (رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس النظام السوري بشار الأسد) سيتم النظر فيه بناء على تقييم اجتماع وزراء الخارجية.

وقالت مصادر قريبة من الحكومة التركية، إن المحادثات القادمة في موسكو ستتطرق إلى «موضوعات حساسة»، حيث من المنتظر أن يناقش وزراء الخارجية «آخر التطورات في سوريا، والوضع في شمالها، ومحاربة التنظيمات الإرهابية، إضافةً إلى مسألة العودة الآمنة للاجئين السوريين في تركيا». في الوقت ذاته، أفادت مصادر روسية بأن موعد اجتماع وزراء الخارجية الثلاثة «لايزال قيد الدرس».

وقالت صحيفة «حرييت»: إن المحادثات بين تركيا وسوريا، المستمرة منذ فترة بين أجهزة المخابرات، «دخلت مرحلة جديدة منذ لقاء وزراء دفاع ورؤساء أجهزة مخابرات تركيا وروسيا وسوريا في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في الوقت الذي تستعد تركيا لعملية برية لتطهير حدودها من التنظيم الإرهابي»، في إشارة إلى وحدات «حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعتبرها تركيا امتدادا لـ«حزب العمال الكردستاني» المدرج على قوائم الإرهاب.

ونقلت عن المصادر الدبلوماسية، «أن اجتماع وزراء الدفاع كان رمزيا». وأضافت: «لا نتوقع حل مشاكل 11 عاماً في اجتماع واحد، أو في وقت قصير. هذه اتصالات أولية… لا داعي لتوقع نتائج فورية من هذه المفاوضات… القضايا المطروحة حساسة للغاية».

ولفتت المصادر، إلى أن «تلك القضايا الحساسة التي تطرحها تركيا على طاولة المفاوضات ليست سرا، وتتمثل في مكافحة الإرهاب، المساعدات الإنسانية، وعودة اللاجئين… الوضع في سوريا يسوده الهدوء في الآونة الأخيرة، كما أن إمكانية شن تركيا عملية برية ضد قسد في شمال سوريا على جدول الأعمال، فتركيا تراقب بعناية جميع التطورات وتواصل استعداداتها لكل السيناريوهات».

وذكرت المصادر بموقف الولايات المتحدة، قائلة إنها «لم تنظر بحرارة إلى المحادثات التي بدأت بين تركيا وسوريا، ولا ترحب بأي خطوات للتطبيع مع النظام السوري من أي دولة، لكن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، في تقييمه لهذا الموضوع، أوضح أن الولايات المتحدة لم تعرب عن أي إزعاج لتركيا بشأن هذه القضية».

وتابعت المصادر، أن لدى واشنطن «مخاوف بشأن وحدات حماية الشعب حال التطبيع بين أنقرة ودمشق، إن لم يكن على الفور ففي المستقبل، فإذا سيطر النظام السوري بشكل كامل على المناطق الحدودية مع تركيا، فلن يكون هناك مجال للوحدات الكردية… وإمكانية إخراج التنظيم الإرهابي (الوحدات) من المنطقة بعملية مشتركة، حتى إن لم يكن ذلك في المستقبل القريب، أمر مقلق للولايات المتحدة».

في السياق ذاته، نقلت وكالة «رويترز» عن «مسؤول تركي كبير» أن تركيا وسوريا وروسيا «تستهدف عقد اجتماع وزراء خارجيتها هذا الشهر وربما قبل منتصف الأسبوع المقبل، غير أنه لم يتحدد أي موعد أو مكان للاجتماع بعد».

وقال المسؤول، الذي ذكرت الوكالة أنه غير مصرح له بالتحدث علنا الأربعاء، إن الاجتماع قد يعقد إما قبل لقاء وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن المزمع عقده في الولايات المتحدة في 18 من الشهر الحالي أو بعده.

وأضاف أن «المناقشات مستمرة، لكن لم يتم تحديد موعد معين بعد. لا توجد مشكلات في عقد الاجتماع، إنهم يعكفون حاليا على تحديد موعد له. الاجتماع سيعقد إما في موسكو أو في مكان آخر».

وبحسب «رويترز»، ذكر المسؤول التركي، أن اجتماع وزراء الخارجية سيتناول قضايا سياسية «بعيدا عن الوضع الأمني، وسيمهد الطريق للقاء إردوغان والأسد»، فيما قال مسؤول تركي كبير آخر إن أنقرة «تسعى لعودة اللاجئين السوريين لديارهم بأمان والتعاون مع دمشق في استهداف وحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل الهدف الرئيس للضربات العسكرية التركية المستمرة عبر حدودها مع سوريا».

في الإطار ذاته، قال المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، في تصريحات الأربعاء، إن «العملية الجارية بين أنقرة ودمشق تسير بإيقاعها الذاتي… لم يتم اتخاذ أي قرار بشأن اجتماع الرؤساء. وبعد لقاء وزراء الخارجية سيبدأ التقييم. الأمر المهم هنا هو أن نكون قادرين على المضي قدما بطريقة تحل المشكلة».

في غضون ذلك، تعرضت سيارة على الطريق الدولي الواصل بين مدينتي الحسكة والقامشلي على طريق حلب – اللاذقية الدولي (إم4)، للاستهداف بطائرة تركية مسيرة، الأربعاء، ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص تم نقلهم إلى مستشفى في القامشلي، بحسب ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي أشار إلى أن هذا الاستهداف يعد الرابع لطائرات مسيرة تركية داخل الأراضي السورية خلال العام الجديد، ثلاثة منها وقعت في الحسكة وأسفرت عن سقوط 3 قتلى عسكريين، وعدد من المصابين واستهداف في الرقة.

الشرق الأوسط

—————————

الأسد: اللقاءات مع تركيا يجب أن تكون مبنية على إنهاء “الاحتلال

دمشق: اعتبر رئيس النظام السوري بشار الأسد، الخميس، أن اللقاءات السورية- التركية برعاية روسيا يجب أن تكون مبنية على إنهاء “الاحتلال”، أي التواجد العسكري التركي، “حتى تكون مثمرة”، وذلك في أول تعليق له على التقارب بين الدولتين بعد قطيعة استمرت 11 عاماً.

وفي نهاية الشهر الماضي، التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو، في أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع في سوريا في 2011، كما من المفترض أن يعقد قريباً لقاء على مستوى وزيري الخارجية.

وقال الأسد، وفق بيان صادر عن الرئاسة، إثر لقائه المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف إنّ “هذه اللقاءات حتى تكون مثمرة فإنّها يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سوريا وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سوريا من هذه اللقاءات، انطلاقاً من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنية على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب”.

وقبل اندلاع النزاع العام 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسوريا. وجمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة صداقة بالأسد.

لكنّ العلاقة بين الطرفين انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد النظام في سوريا. ودعت أنقرة بداية حليفتها إلى إجراء إصلاحات سياسية، قبل أن يدعو أردوغان الأسد إلى التنحي.

وقدمت تركيا على مر السنوات الماضية دعماً للمعارضة السياسية والفصائل المقاتلة في سوريا.

ومنذ العام 2016، إثر ثلاث عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد، باتت القوات التركية وفصائل سورية موالية لها تسيطر على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا.

وتعتبر دمشق التواجد العسكري التركي في شمال البلاد “احتلالاً”.

لقاء ثلاثي جديد

وبعد قطيعة استمرت 11 عاماً، برزت خلال الفترة الماضية مؤشرات تقارب بين الطرفين، توّجها في 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي لقاء في موسكو بين وزراء الدفاع الروسي سيرغي شويغو والتركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس.

كذلك، لم يستبعد الرئيس التركي خلال تصريحات سابقة لقاء مع الأسد، معتبراً أن “لا مجال للنقمة في السياسة”.

ومن المفترض أن يلتقي وزيرا خارجية تركيا وسوريا قريباً.

ولم يحدد حتى الآن موعد للقاء الذي كان يفترض أن يعقد الشهر الحالي، وفق ما قال وزير الخارجية التركية مولود تشاوش أوغلو لصحافيين أتراك خلال زيارة إلى رواندا الخميس.

وقال تشاوش أوغلو “لم يحدد موعد بعد، لكننا سنعقد اللقاء الثلاثي في أقرب وقت ممكن، قد يكون في بداية شباط/فبراير” في موسكو.

وتلعب روسيا دوراً رئيسياً لتحقيق تقارب بين حليفيها اللذين يجمعهما “خصم” مشترك يتمثل بالمقاتلين الأكراد الذين يتلقون دعماً من واشنطن في معاركهم ضد تنظيم “الدولة”، فيما ترى فيهم أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.

وجاء اللقاء الثلاثي لوزراء الدفاع بعد أسابيع من شنّ تركيا سلسلة ضربات جوية ومدفعية استهدفت بشكل رئيسي القوات الكردية، وتلويح إردوغان بشن هجوم بري لإبعادها عن حدوده، الأمر الذي عارضته موسكو.

ودعت الولايات المتّحدة التي تنتشر قوات لها في مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق البلاد، في الرابع من الشهر الحالي دول العالم إلى عدم تطبيع علاقاتها مع الأسد.

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس “نحن لا ندعم الدول التي تعزّز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشّار الأسد، الديكتاتور الوحشي”.

ولا يقتصر الأمر على أنقرة، إذ أنه بعد عزلة فرضتها دول عربية أيضاً على سوريا، برزت منذ سنوات قليلة مؤشرات انفتاح عربي تجاه دمشق، أبرزها إعادة فتح دولة الإمارات لسفارتها في دمشق في 2018 ثم زيارة الأسد للإمارت في آذار/مارس الماضي.

(أ ف ب)

—————————–

الأسد يجدد شروطه..للتطبيع مع تركيا

اعتبر رئيس النظام السوري بشار الأسد أن اللقاءات مع الحكومة التركية ضمن مسار التطبيع بينهما يجب أن تكون مبينة على ثوابت وأهداف في مقدمتها انسحاب أنقرة من الأراضي السورية ووقف دعم ما وصفه ب”الإرهاب”.

وقال الأسد خلال لقاء مع المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف الخميس في دمشق، إن اللقاءات مع الجانب التركي “يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سوريا وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سوريا منها”.

واعتبر أن تلك الأهداف “تنطلق من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنية على إنهاء الاحتلال (التركي) ودعم الإرهاب”، في إشارة إلى الدعم الذي تقدمه أنقرة للفصائل المعارضة، حسبما ذكر موقع  رئاسة الجمهورية العربية السورية الرسمي.

استثمار التطورات

من جهته، قال لافرنتييف إن بلاده “تقيّم إيجابياً اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا وترى أهمية متابعة هذه اللقاءات وتطويرها على مستوى وزراء الخارجية”، مؤكداً على “ضرورة استثمار التطورات المتسارعة في العالم”.

وأضاف المبعوث الروسي أن “الولايات المتحدة وحلفاءها مارسوا ضغوطاً على موسكو لكنها فشلت في عزل روسيا عن النظام السوري، مشيراً إلى أن “روسيا تُقدر مواقف سوريا البنّاءة منذ بداية العملية العسكرية في أوكرانيا”.

وبحسب الموقع، فإن لقاء لافرنتييف مع الأسد جرى خلاله “الحديث بين الجانبين حول مسار العلاقات الاستراتيجية السورية- الروسية وآليات تنميتها في كلّ المجالات التي تخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين”. كما تم “نقاس الأوضاع الإقليمية والدولية”.

وأوضح الموقع أن الأسد “أكد على أنّ المعركة السياسية والإعلامية هي على أشدها الآن في العالم، وأنّ اشتداد هذه المعارك يتطلب ثباتاً ووضوحاً أكثر في المواقف السياسية”، مشدداً على دعم نظامه للغزو الروسي على أوكرانيا.

لا تفاهم بين أنقرة والنظام

ويأتي لقاء لافرنتييف القادم من زيارة رسمية للأردن الأربعاء، مع الأسد في ظل تسارع التطبيع بين دمشق وأنقرة إثر لقاء ثلاثي جمع وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري في موسكو نهاية كانون الأول/ديسمبر، بانتظار انتقال اللقاءات إلى المستوى الدبلوماسي بلقاء ثلاثي يجمع وزراء خارجية البلدان الثلاثة.

لكن اللقاء الدبلوماسي، لايزال ينتظر تحديد موعده ومكان انعقاد، إذ سبق لوزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو القول إن الموعد قد يكون في منتصف كانون الثاني/ديسمبر دون أن يحدد المكان، لكنه عاد وقال إن الموعد قد يكون بداية شباط/فبراير.

وفي هذه الأثناء، قالت وسائل إعلام مقربة من النظام الخميس، إن النظام يرفض حتى الآن لقاء وزير خارجيته فيصل المقداد مع تشاووش أوغلو، موضحةً أن النظام اشترط انسحاب القوات التركية من سوريا. وأضاف المصادر أن “حكومة أردوغان لديها أهداف انتخابية من التقارب مع القيادة السورية، ودمشق غير معنية بتقديم هذه الورقة”.

فيما نقلت قناة “دويتشه فيله” الناطقة بالتركية عن مصادر قولها إن أنقرة عرضت عقد لقاء وزراء الخارجية على أراضيها بدلاً عن عقده في دولة ثالثة أو في موسكو كما سبق أن طالب النظام السوري بذلك. وأضافت المصادر أن أنقرة “أحرزت تقدماً نحو عقد اجتماع في تركيا في شباط/فبراير”.

ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش في حديث ل”المدن”، أن عدم تحديد موعد اللقاء الثلاثي يأتي بسبب عدم التفاهم بين أنقرة ودمشق حول ما سيتم التباحث فيه خلال الاجتماع، وبالتالي فإن روسيا تسعى إلى إجراء مناقشات ومشاورات بين الطرفين لإزالة العقبات الكبيرة التي تعترض مسار التقارب بينهما. ويضع علوش زيارة لافرنتييف إلى الأسد في هذا الإطار.

————————-

تشاووش أوغلو يؤجل لقاءه المقداد..إلى أوائل شباط

قال وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو الخميس، إنه قد يجتمع مع نظيريه السوري فيصل المقداد والروسي سيرغي لافروف أوائل شباط/فبراير.

وأوضح تشاووش أوغلو للصحافيين خلال جولة أفريقية يقوم بها، أن “اللقاء بين الوزراء الثلاثاء قد يُعقد أوائل شباط فبراير المقبل”،من دون أن يعطي تفاصيل حول مكان اللقاء.

وقال: “عُرضت مواعيد لعقد الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية الدول الثلاث الأسبوع المقبل، إلا أن هذه المواعيد لا تناسب برنامجنا، بالتالي لم يتحدد الموعد الدقيق للاجتماع بعد”.

والأربعاء، قالت صحيفة “حرييت” التركية إن اجتماع الوزراء الثلاثة قد يعقد في الفترة من 14 إلى 16 كانون الثاني/يناير في موسكو.

ونقلت الصحيفة عن مصادر أن “موعد المحادثات في موسكو، سيكون بعد الجولة الإفريقية التي يقوم بها وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو، والتي تنتهي في 14 كانون الثاني، حيث من الممكن توجهه إلى موسكو في اليوم نفسه، أو أن يتوجه إلى موسكو بعد زيارته إلى واشنطن المقررة في 17 كانون الثاني”.

من جهتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الخميس، إن الجانب الروسي يعمل لتنظيم لقاء يجمع الوزراء الثلاثة، لكن حتى الآن لم تحصل الموافقة.

وأضافت زاخاروفا “من الناحية العملية، لم تتم بعد الموافقة على موعد محدد، ويجري العمل على عقد مثل هذا الاجتماع”. وأشارت إلى أن العمل جارٍ في موسكو لعقد لقاء يجمع وزراء الخارجية سيرغي لافروف وفيصل المقداد ومولود تشاووش أوغلو.

وكان تشاووش أوغلو قد كشف في 31 كانون الأول 2022، أنه سيعقد لقاءً منتصف كانون الثاني، مع وزيري خارجية روسيا والنظام السوري، في خطوة جديدة للتطبيع مع بشار الأسد، من دون أن يحدد مكان اللقاء.

وفي أول لقاء رسمي من نوعه منذ 2011، جمعت العاصمة الروسية موسكو، في 28 كانون الأول، وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، مع وزير دفاع النظام السوري علي عباس على طاولة مباحثات واحدة.

وذكرت وزارة الدفاع التركية  حينذاك أن اجتماع موسكو ناقش “الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين ومكافحة جميع التنظيمات الإرهابية في سوريا”، مشيرةً إلى أنّ اللقاء “عُقد في أجواء بناءة”، وأكد على استمرار الاجتماعات الثلاثية من أجل “ضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة”.

———————–

عائلات ضحايا النظام ترفض تطبيع تركيا مع الأسد

رفض ذوو الضحايا والناجون من جرائم النظام السوري، مسار التطبيع القائم بين أنقرة ودمشق، ووقّعت روابط وتجمعات ناطقة باسمهم، عريضة، ترفض هذا المسار منعاً لـ”فك العزلة عن النظام المجرم”.

وتحت شعار #معا_من_أجل_حقوق_الضحايا_ومنع_الإفلات_من_العقاب، وقعت عشرات الروابط العائلية والمجموعات الثورية والحملات الشعبية بياناً رفضت فيه التطبيع مع النظام السوري. وقالت في البيان: “نحن ذوي الضحايا والناجين من جرائم الأسد نعلن رفضنا لكل مسارات التطبيع وفك العزلة عن النظام المجرم وآخرها مسار التطبيع التركي _ الأسدي”.

وذكّر البيان، الحكومة التركية والعالم، بأنه “لا أحد مخولاً التفاوض باسم ملايين الضحايا السوريين والتفريط بحقوقهم”، مشدداً على أن “المكان الطبيعي لمن ارتكب بحقهم جرائم الكيماوي وقيصر والتهجير وترويج المخدرات هو قفص العدالة”.

وشاركت في التوقيع على البيان رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية في سوريا (AVCW)  ورابطة عائلات قيصر ومجموعة “إنقاذ روح”، و”رابطة معتقلي ومفقودي الجنوب”، و”مجلس المعتقلين والمعتقلات السوريين”، و”اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات”، وغيرها.

—————————

الجولاني يتراجع:لن نعادي تركيا..لتطبيعها مع النظام

دعا زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني إلى عدم معاداة تركيا على خلفية مسار التطبيع مع النظام السوري، معتبراً أن أنقرة لم يعد لديها إمكانية الاستمرار حتى إسقاط النظام.

وقال الجولاني خلال لقاء مع وجهاء المهجرين والنازحين السوريين في إدلب، إن “مسار التطبيع مع نظام الأسد يشكّل خطورة على أهداف الثورة باعتباره يحمل انعطافة جديدة لتركيا”، معتبراً أن أنقرة حتى الآن لم تصل إلى المصالحة النهائية معه.

وأضاف أن تركيا “تخوض مساراً سياسياً مع النظام في وقت يعاني هو وروسيا وإيران من ضعف وهزائم”، معتبراً أن “الانعطاف التركي يتعلق بعاملين أساسين: الأول هو الانتخابات التركية بينما الثاني يتعلق بطول الحرب السورية”.

وكان الجولاني قد هاجم تركيا قبل أيام، إذ اعتبر أن تطبيعها مع النظام بمثابة المكافأة للأخير على جرائمه بحق السوريين، داعياً الفصائل المعارضة للتوحد من أجل مواجهة الخطر المحدق بالثورة وأهدافها.

واعتبر الجولاني في كلمته الخميس، أن “الإستراتيجية التركية السابقة كانت تتوافق مع أهداف الثورة بإسقاط النظام، لكن بعد التدخل الروسي في 2015، تحولت نحو هدفين رئيسين هما منع تدفق النازحين السوريين نحو أراضيها، ومنع حزب العمال الكردستاني من إنشاء دولة في شمال شرق سوريا”.

واعتبر أن الهدفين “يتفقان مع أهداف ومبادئ الثورة، لكن لم يعد لدى تركيا القدرة على الاستمرار حتى إسقاط النظام”. وقال: “يجب علينا أن نتخذ موقفاً إزاء الموقف التركي”. وأضاف “الثورة قوية، وهي ليست بالضعف الذي يجبرها على تقديم تنازلات للنظام، والروس لم يتخذوا هذا المسار مع الأتراك إلا بسبب ضعفهم وضعف الإيرانيين والنظام”.

وإذ قال إن مناطق الجيش الوطني قالت كلمتها إنه لا مصالحة مع النظام، أكد أن قادة الفصائل المعارضة هناك، أعلنوا موقفهم الرافض للمصالحة بشكل أو بآخر، لكنه اعتبر أن “الأهم هو العمل” وليس فقط التصريحات.

واعتبر أن الفصائل وصلت إلى مرحلة “نستطيع القول فيها نعم، أو لا بشكل نافذٍ وفعّال”، لافتاً إلى أن الفصائل “تجتمع اليوم تحت سلطة واحدة وأغلب الفصائل الفاعلة انتظمت تحت قيادة مجلس عسكري موحّد”، فضلاً عن صدّ محاولات تسلل قوات النظام إلى مناطقها بشكل مستمر.

وقال الجولاني إن مسار التطبيع التركي يمثّل “مرحلة حرجة، وتحتاج إلى نوع من التوازن الدقيق”، مذكّراً بمسارات ومؤتمرات أخرى شكّلت خطورة كبيرة على الثورة السورية كاللجنة الدستورية ومؤتمرات جنيف “التي كانت تعقد اجتماعاتها في الوقت الذي يُقتل فيه السوريون”، معتبراً أن “مخرجات تلك المسارات لن تستطيع فرض نفسها على الشعب وثورته”.

وبينما دعا إلى رفض تلك المسارات، قال الجولاني: “يجب علينا عدم تأزيم العلاقة بين الثورة وتركيا لتصل إلى مرحلة الخصام والعداوة، فنحن لا نريد أن نُكثر العداوات على أنفسنا، ويكفينا عداء الروس والإيرانيين والنظام”. ولفت إلى أن تركيا لم تضغط على أحد للقبول بالمصالحة.

—————————–

تطبيع تركيا مع الأسد يتقدم..لماذا لم تعرقله واشنطن؟/ مصطفى محمد

ما زالت التفسيرات متباينة حيال “برود” الموقف الأميركي حيال التطبيع التركي مع النظام السوري، في الوقت الذي تُؤكد فيه معلومات “المدن” من مصادر أميركية أن مسار التقارب سيكون على طاولة البحث خلال اجتماع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن في 18 كانون الثاني/يناير في واشنطن.

لم تكن التصريحات التي صدرت عن البيت الأبيض بعد لقاء موسكو الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري أواخر كانون الأول/ديسمبر 2022، متناسبة مع الثوابت الأميركية السياسية في الملف السوري والعقوبات المفروضة على  النظام السوري، حيث اكتفت واشنطن بدعوة دول العالم لعدم التطبيع مع النظام، مع التأكيد على أنها لا تدعم ذلك.

لا حل سياسياً

وثمة أكثر من تفسير للموقف الأميركي، إذ يعتقد البعض أن واشنطن تُدرك أن التطبيع بين تركيا والنظام لن يُؤدي إلى أي حل سياسي في سوريا، وأن المكاسب التي تطمح إليها أنقرة والنظام وموسكو راعية هذا المسار، لن تتحقق في ظل امتناع الولايات المتحدة عن تقديم ما يساعد على ذلك.

ويتفق مع هذه القراءة، المستشار السياسي ل”التحالف الأميركي من أجل سوريا” قتيبة إدلبي، ويقول ل”المدن”: “في الملفات الإشكالية، لا يمكن لتركيا الانسحاب من الشمال السوري نزولاً عند مطلب النظام، لأن ليس لدى النظام القدرة الأمنية على ملء الفراغ في المنطقة التي يقطنها نحو 5 ملايين نسمة يصنفهم النظام في خانة الأعداء، وهي لن تخاطر بالانسحاب لتجد الملايين على حدودها”.

ويضيف أنه في ملف إعادة اللاجئين، “لم يساعد تطبيع النظام علاقاته مع الأردن على إعادة اللاجئين، وكذلك لم تنجح الحكومة اللبنانية رغم علاقتها الجيدة مع النظام إلا في إعادة مئات العائلات”، علماً أن تركيا تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين مقارنة بالأردن ولبنان، “إلا إذا أرادت تركيا إجبار ملايين اللاجئين على العودة، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية”.

ملف قسد

أما الموضوع الأكثر تعقيداً، من وجهة نظر إدلبي، فهو مصير قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومناطق سيطرتها. ويقول: “هناك اعتقاد أميركي بأن بنية النظام السوري العسكري غير قادرة على استيعاب قسد، كما تريد روسيا، أما تركيا فتريد دخول النظام بشكل إسمي إلى مناطق شمال شرق سوريا، لشرعنة تدخلها العسكري ضد قيادات وعناصر حزب العمال بالاتفاق مع النظام”.

ويصطدم الملف الأخير بجدار الرفض الأميركي، على اعتبار أن لديها قوات موجودة في المنطقة، وأنها لن تدعم بشكل من الأشكال أي سيناريو يخدم روسيا قبل الانتهاء من ملف أوكرانيا.

وفي تفسير ثانٍ للموقف الأميركي حيال التطبيع بين تركيا والنظام السوري، يرى الدبلوماسي السوري السابق في واشنطن بسام بربندي أنه رغم قدرة الولايات المتحدة على إيقاف التطبيع مع النظام السوري، إلا أنها لم تتحرك كما فعلت سابقاً مع الإمارات وغيرها من الدول التي طبعت علاقتها مع الأسد.

ملف خارج الأولويات

ويقول ل”المدن”، إن واشنطن غير المهتمة بالملف السوري أساساً، هي من تُفسح المجال أمام الدول الإقليمية ومنها تركيا لحل مشاكلها في سوريا، إن كان التطبيع مع الأسد يساعد على ذلك.

ويوضح بربندي أن تركيا لديها العديد من المشاكل المرتبطة بالملف السوري، ومنها مشكلة اللاجئين، وأمن حدودها، و”إذا كان من شأن تواصل أنقرة مع النظام إيجاد حلول ولو كانت جزئية لبعض هذه المشاكل، فإن الموقف الأميركي يخدم حليفتها تركيا، ويريحها في الوقت ذاته من تبعات هذا الملف، غير المدرج أساساً على قائمة الملفات الأميركية الخارجية الأكثر أهمية”.

وحسب الدبلوماسي السوري، تنتظر الإدارة الأميركية فعلاً نتائج مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري، ويقول إن “نجاح هذا النموذج من التقارب في حل مشكلة اللاجئين على سبيل المثال، قد يدفع واشنطن إلى تشجيع الأردن حليفتها، ولبنان أيضاً، على تطبيقه”.

في غضون ذلك، لم يُحسم بعد، توقيت ومكان انعقاد اجتماع وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري، وهو اللقاء الذي قد يمهد للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، برئيس النظام السوري بشار الأسد.

وقال الناطق الرسمي باسم حزب “العدالة والتنمية” عمر جيليك، الأربعاء، إن اللقاء سينعقد في المستقبل المنظور، مشيراً إلى أنه لم يتم بعد تحديد التوقيت والمكان. وأضاف أنه “من الممكن أن ينعقد اللقاء في تركيا أو في روسيا، ولا يوجد قرار نهائي بهذا الخصوص حتى اللحظة”.

المدن

—————————–

تسريبات صحفية: النظام لن يمنح أردوغان ورقة انتخابية ويرفض لقاء جاويش أوغلو

نقلت قناة الميادين اللبنانية المقربة من النظام السوري، اليوم الخميس، عن مصادر وصفتها بالرفيعة أن النظام السوري يرفض حتى اللحظة تحديد موعد اجتماع بين وزيري خارجية النظام فيصل المقداد والتركي مولود جاويش أوغلو.

وأكدت المصادر للقناة أن النظام السوري يشترط لتحديد موعد اجتماع المقداد وجاويش أوغلو “انسحاب الجيش التركي من كامل الأراضي السورية”.

وأشارت المصادر إلى أن “حكومة أردوغان لديها أهداف انتخابية من التقارب مع القيادة السورية ودمشق غير معنية بتقديم هذه الورقة”.

وجاءت هذه التسريبات الصحفية بالتزامن مع التصريح الأول لرئيس النظام السوري بشار الأسد بشأن التطبيع مع تركيا وذلك في لقاء مع ألكسندر لافرنتييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، حيث اشترط الأسد “إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب”.

والتقى بشار الأسد اليوم الخميس لافرنتييف والوفد المرافق له، وبحسب وكالة أنباء النظام “سانا”، “جرى الحديث بين الجانبين حول مسار العلاقات الاستراتيجية السورية الروسية … والأوضاع الإقليمية والدولية”.

تركيا تسعى لعقد اللقاء الثلاثي في أنقرة

وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم الخميس، أنه قد يلتقي بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في أوائل شباط القادم، رافضاً التقارير التي تفيد بعقد الاجتماع الأسبوع المقبل.

وأضاف جاويش أوغلو: “قلنا من قبل بأن هناك بعض المقترحات بشأن موعد الأسبوع المقبل لكنها لا تناسبنا… قد يكون ذلك في بداية شباط، ونحن نعمل على تحديد موعد”.

وبحسب موقع (DW Türkçe)، عرضت تركيا عقد اجتماع وزراء الخارجية في العاصمة التركية أنقرة بدلاً عن عقده في دولة ثالثة أو في موسكو كما سبق أن طالب النظام السوري بذلك.

وفي حين أفادت مصادر خاصة للموقع بأن أنقرة “أحرزت تقدماً نحو عقد اجتماع في تركيا في شهر شباط” قيم المصدر هذه الخطوة بكونها “أحد أهم التطورات في العملية والتي ستكون استمراراً لجميع الخطوات التي تتخذها تركيا من أجل السلام الإقليمي في الفترة الماضية”.

———————————–

محادثات بين نظام الأسد و”قسد” تزامناً مع “التطبيع التركي” لمناقشة مستقبل شمال شرقي سورية

أجرى مسؤولون من نظام الأسد اجتماعات مع قيادات “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، حسبما نقل موقع قناة “الميادين” الممولة إيرانياً.

وتأتي هذه المحادثات تزامناً مع تصاعد خطوات التطبيع بين تركيا ونظام الأسد، وما سبقها من تهديد تركي يشن عملية عسكرية ضد “قسد” مؤخراً.

وذكرت “الميادين” أمس الثلاثاء، نقلاً عما سمتها “مصادر كردية”، أنه عقد عدة اجتماعات بين مسؤولين من حكومة النظام وقيادات من “قسد” لدراسة “إمكانية عقد جولة جديدة من المباحثات بين الطرفين حول مستقبل مناطق شمال شرق سورية”.

وجرت المحادثات بين الطرفين في مدينة القامشلي، إذ اتفق الطرفان على عقد اجتماعات خلال الأيام القادمة في دمشق.

وتعتبر “الإدارة الذاتية” هي السلطة المتحكمة بمناطق شمال شرقي سورية بدعم التحالف الدولي، و”مسد” هو الذراع السياسي لها، و”قسد” الذراع العسكرية.

وتحدثت مصادر “الميادين” عن مبادرة أمريكية لإمكانية “إيجاد نقاط تقارب بين تركيا وقسد، تمهيداً لإطلاق حوار بين الجانبين”، مشيرة إلى وضع تركيا “شروطاً تعجيزية” تجعل احتمالية نجاح مبادرة واشنطن “ضعيفة”.

الضغط التركي يزداد

وتجري “قسد” مفاوضات مع النظام بشكل مستمر، إلا أنها لم تتوصل لصيغة تفاهم أو اتفاق محدد، رغم الضغط الروسي المتواصل.

وتتمتع “ٌقسد” بأوراق قوة أهمها دعم التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، إضافة إلى ورقة السجون التي تضم عناصر “تنظيم الدولة” والمخيمات التي تقيم في بعض أجزائها عائلات مقاتلي التنظيم.

لكن التقارب الأخير بين النظام وتركيا زاد من الضغوط على “قسد”، إذ يرى محللون أن تطبيع الطرفين سيزيد من الضغط على “ٌقسد” وستكون هي الخاسر الأبرز.

فالنظام يحاول استرجاع مناطق سيطرة “قسد” الغنية بالثروات النفطية، وتركيا تصنفها على قوائم “الإرهاب” وتسعى لإبعادها عن حدودها.

وكان قائد “قسد” مظلوم عبدي قد قال في حديثه لصحيفة “الشرق الأوسط” الشهر الماضي، إنه لا يمانع أن تكون “قسد جزءاً من المنظومة الدفاعية للجيش السوري بشكل عام”، لكن لديه شروط وتفاصيل.

وذكر عبدي أن قواته تتجاوز 100 ألف عنصر، وأمضوا عشر سنوات في القتال، وهم بحاجة إلى حل دستوري وقانوني.

فـ”قسد يجب أن يكون لها دور وخصوصية ضمن الجيش، الأمور العامة متفقون عليها (أي مع النظام)، لكن عند التفاصيل هناك مشاكل ما يجعل الأمر يأخذ وقتاً”، حسب تعبير عبدي.

وأكد عبدي أن “قسد” ترسل وفوداً إلى دمشق وأنه يريد الذهاب إلى دمشق “عندما تنضج الظروف للحل”.

—————————-

عمليات عسكرية وتدريبات لفصائل المعارضة السورية «تحسباً لأي طارئ»

«رسالة إلى العدو والصديق» برفض أي تسوية مع نظام الأسد

إدلب: فراس كرم

تتصاعد ردود فعل المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، احتجاجاً على مسار التقارب والتطبيع بين تركيا والنظام السوري، وتنتقل فصائل المعارضة بالرد على هذا المسار من إصدار البيانات والتصريحات، إلى شن عمليات عسكرية ضد قوات النظام من جهة، واختبار جاهزية مقاتليها لخوض مواجهات عسكرية محتملة من جهة ثانية، فيما لو انعكس ذلك التقارب سلباً على موقفها في الميدان.

وكشف موقع «العسكري»، الذي يغطي العمليات العسكرية لفصائل المعارضة في شمال غربي سوريا، عن عملية وصفها بالنوعية نفذها فصيل «حركة أحرار الشام» ضد مواقع عسكرية مهمة لقوات النظام السوري بالقرب من مدينة الباب الخاضعة للنفوذ التركي شمال شرقي حلب، حيث قُتل وجرح عدد من عناصر الأخير وتدمير المواقع.

ونقل الموقع عن القائد العسكري منير الحمصي في «حركة أحرار الشام»، أن «مجموعات تابعة للفصيل نفذت فجر الأحد 8 يناير (كانون الثاني)، بعد عملية رصد دقيقة واستغلالاً للظروف الجوية، عملية نوعية على مواقع تابعة لقوات النظام في منطقة تلال العنب وتل جيجان بالقرب من مدينة الباب شمال شرقي حلب، وتمكنت من السيطرة على نقطتين عسكريتين، عقب اشتباكات عنيفة أسفرت عن قتل 8 من عناصر النظام وجرح آخرين، وتدمير المواقع، قبيل الانسحاب منها».

وأوضح قائلاً: «نوجه من خلال هذه العملية رسالة إلى كل من تسول له نفسه وضع يده بيد عصابات الأسد، ولكل من يرمي الفصائل زوراً وبهتاناً بأنها ستصالح يوماً النظام السوري، وهذه العملية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، والمصالحة مع هذه العصابة (النظام السوري) مرفوضة عندنا، ولا حلَّ إلا باقتلاع هذه الطغمة الفاسدة من أرضنا، ونؤكد أيضاً أن عملية اليوم هي رسالة للعدو والصديق، للمحتل ولشعبنا الثائر، بأنَّنا عاهدنا الله على ألا نتراجع حتَّى ندحر عصابات الأسد وداعميها المحتلين (الروس والإيرانيين) ونسترد الأراضي التي سلبت من الشعب السوري. وبلوغ مرحلة متقدمة من الإعداد والتجهيز للمعركة القادمة التي سنفرض ظروفها وتفاصيلها على العدو، فنحن أصحاب الأرض ونمتلك مقومات النصر».

من جانبها، كشفت أيضاً مواقع مقربة من «هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة أخرى من بينها «جيش العزة»، عن اختبارات عسكرية لمقاتليها حول الجاهزية القتالية، وتكثيف عمليات التدريب للمقاتلين ضمن المعسكرات، تحسباً لأي تطورات عسكرية محتملة، قد ترتبط بمسار التقارب التركي مع النظام السوري، وفقاً لمراقبين سوريين.

وأفاد القيادي عمر الهاشمي في فصائل «هيئة تحرير الشام»، أن «غرفة عمليات (الفتح المبين)، التي تضم العديد من الفصائل وأبرزها هيئة تحرير الشام، على أتم الاستعداد لشن هجوم شامل على عصابات الأسد المجرمة، وستقتنص الفرصة المناسبة، بعدما سجلت غرفة العمليات العسكرية، منذ انتهاء الحملة العسكرية الأخيرة مع المحتل الروسي وعصابات الأسد، نقلة نوعية على جميع الأصعدة، سواء كان على الصعيد العملياتي وضبط الجبهات والمحاور، أو على الصعيد التكتيكي باستخدام تكتيكات نوعية جديدة، بالإضافة إلى ردف القوة العسكرية بسلاح جديد وتطوير المنظومة التدريبية للقادة والجنود.

ولقد تمت ترجمة ذلك على أرض الواقع، حيث حققنا مئات الإصابات في صفوف عصابات الأسد المجرمة بالقنص النهاري والليلي وضربات المدفعية المركزة، وما رأيناه أخيراً من عمليات نوعية وخلف الخطوط، هو دليل واضح على نجاعة التدريب العسكري والتطوير الكبير والكفاءة القتالية العالية والقدرة على صد أي هجوم قد يحدث».

من جانبه، أوضح العقيد في «جيش العزة» مصطفى بكور، أن الفصيل «يستمر في تأهيل المنتسبين الجدد من خلال دورات التأهيل العسكري وللعناصر القدامى من خلال دورات التأهيل القيادي والنوعي، ويأتي ذلك من خلال إيمان بحتمية المعركة المصيرية مع نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين، وهذا العمل هو عمل مستمر على مدار العام».

ويؤكد مراقبون، ارتباط التطورات العسكرية بالتطورات السياسية الأخيرة بين القوى الدولية والإقليمية، وتحديداً التغير في السياسة التركية تجاه النظام السوري والتقارب معه، واستشعار الفصائل غير الموالية لأنقرة، «بتخلي هذه عن دعمها للمناطق المحررة وأهمها، محافظة إدلب وأرياف حلب… وربما قد يفضي اتفاق ما، إلى انسحاب القوات التركية من شمال غربي سوريا، الأمر الذي يفرض على فصائل المعارضة السورية المسلحة الاستعداد والتجهيز لأي سيناريو عسكري محتمل في المنطقة».

————————-

=======================

تحديث 18 كانون الثاني 2023

——————————–

لماذا وماذا يعني لقاء جاويش أغلو والمقداد/ فراس رضوان أوغلو

بعد تصريح الرئيس أردوغان واقتراحه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تشكيل لجان ثلاثية تركية روسية سورية لتسريع عجلة الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق، دارت هذه العجلة بأسرع مما كان يُتوقع لها فبعد أقل من أسبوعين التقى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بنظيره السوري علي محمود عباس تحت سماء موسكو برعاية روسية، لتخرج بعدها تصريحات عن إيجابية اللقاء بين الطرفين وتكثر بعدها التداولات الصحفية والإعلامية عن لقاء مرتقب بين وزيري خارجية كلا الطرفين إما منتصف هذا الشهر أو آخره أي بفترة أقل من شهر من لقاء وزيري الدفاع، وهنا تكثر التساؤلات لماذا هذا التسارع في لقاءات على هذا المستوى العالي وماذا سيجني الطرفان منها؟

لا شك أن اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا كان أحد الأسباب الرئيسية في هذا التسارع في اللقاءات السياسية بين الطرفين، فالكل يعلم أن المعارضة لجأت لملف اللاجئين السوريين كورقة رابحة لها ضد الائتلاف الحاكم مستغلة التململ في المجتمع التركي من تدهور الأوضاع الاقتصادية، بل حتى إنها ربطتها بشكل رئيسي بوجود اللاجئين السوريين وكلا الورقتين (اللاجئين والاقتصاد) كانتا سلاحين فاعلين في تقليب فكر الناخب التركي من أجل الفوز بالانتخابات بعد عدة أشهر، لكن هذه المعادلة بالنسبة للمعارضة تطبيقها على أرض الواقع أمر غير منطقي فكيف لها تطبيع العلاقات مع دمشق وسط رفض أميركي لهذا الأمر، وخاصة أنها محسوبة على الطرف الأميركي سواءً على الصعيد السياسي أو حتى الاقتصادي، لذلك سيحاول الائتلاف الحاكم سحب هذه الورقة قدر الإمكان من المعارضة قبيل الانتخابات.

المغريات الروسية تحو تركيا في ملفي الغاز والحبوب يمكن اعتبارها من ضمن الأسباب التي جعلت الموقف التركي يتغير نحو الملف السوري، فالحرب الروسية الأوكرانية جعلت الدور التركي يزداد أهمية بشكل ملحوظ لروسيا على الصعيد الإقليمي والدولي، ولهذه المغريات متطلبات بلا شك لموسكو ولا بد أن الملف السوري المُتعب لروسيا وحتى تركيا لا بد من الوصول لنقطة وسط على الأقل تُريح روسيا من أعبائه دون تناسي الضغوطات الأميركية التي ستفرضها على تركيا لمنعها من الانجراف نحو روسيا عدوة الغرب بسبب حربها التي شنتها على أوكرانيا.

الخلاف التركي الأميركي في مسألة قسد في الشمال السوري يمكن اعتباره الشعرة التي قسمت ظهر البعير بين واشنطن وأنقرة في الملف السوري، فحتى الآن تطالب الأخيرة بسحب سلاح قسد وإنهائها لأنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على لائحة الإرهاب في أوروبا وأميركا، وهذا ما ترفضه واشنطن لأنها تعتبر تلك القوات ذراعها البشري في سوريا لتنفيذ أجندتها ومصالحها هناك، ويمكن عد رفض الولايات المتحدة الأميركية للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري ضد قسد قراراً عمق الخلاف بين الحليفين في الناتو، وجعل تركيا تتجه نحو المحور الروسي الأمر الذي ترفضه واشنطن جملةً وتفصيلاً.

لعل المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها النظام السوري وما تسببه من اختناقات حقيقية على جميع الأصعدة سواء العسكرية منها أو المدنية وغيرها تجعل من تركيا بوابة اقتصادية حقيقية له، فمن بين كل الدول المتداخلة في الملف السوري وحدها تركيا التي لديها حدود مع سوريا ولديها كثير من المفاتيح الاقتصادية التي ممكن أن تنعش نوعاً ما الاقتصاد السوري المتهالك، فإذا أضفنا الاقتصاد علاوة على ما تملكه تركيا من أوراق أخرى على صعيد المعارضة السورية يمكن اعتبار ذلك زيادة للنفوذ التركي غير الخشن (سياسي اقتصادي) في سوريا، وهذا بالتأكيد سيكون مصلحة مهمة للطرفين ولعله أهم للطرف السوري الذي سيكسب بذلك مكاسبَ سياسية واقتصادية تساعده في التخلص من العقوبات الأميركية المفروضة عليه.

التقارب التركي السوري أو حتى التطبيع لا شك أنه أهم حجر عثرة يتم إزالته بالنسبة للنظام السياسي في دمشق، لأنه ببساطة سيتخلص من الخصم الحقيقي الذي تحارب معه لعدة سنوات على كل الأصعدة العسكرية منها والاقتصادية والأمنية والسياسية، على عكس قسد وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية التي سمحت لها بالتفاوض والتعاون مع دمشق لذلك لم تكن قسد خطراً حقيقياً على دمشق كما هو حال المعارضة التي تدعمها تركيا ولكن السؤال إلى أي مدى سيتم هذا التقارب، وما مدى التفاهمات بين أنقرة والمعارضة السورية وماذا ستفعل واشنطن حيال ذلك؟ ولعل لقاء وزيري خارجية كلا الطرفين سيرسل تلك الرسائل وربما يزيدا عليها.

——————————

هل ينافس التطبيع التركي مع نظام الأسد إيران ويزعجها؟/ أحمد إسماعيل عاصي

تتطور الأحداث على الساحة السورية وتسير في طرق وعرة ومعقدة ومتشابكة يصبح التنبؤ بخطواتها المقبلة صعبا، ولا سيما مع كثرة اللاعبين وتضارب المصالح والأهداف، ولعل من بين التطورات التي تشكل هاجس خوف وقلق لدى الشريحة الأكبر من السوريين وخاصة في تركيا والشمال السوري يبقى ملف التطبيع الأخير الذي حملته أنقرة وسعت به تجاه نظام الأسد.

ولعل تركيا لم تكن المهرول الأول إلى دمشق، إذ استفتح عهد التطبيع عمر البشير الرئيس السوداني في زيارة انتهت بثورة في السودان أطاحت بالبشير وأنهت حكمه، ثم حمل لواء التطبيع الأردن الذي فتح أقنية التواصل على جميع الأصعدة الرسمية والدبلوماسية بين البلدين، وصولا إلى اتصال هاتفي بين الملك عبد الله الثاني ورئيس النظام بشار الأسد مستفتحا عهدا جديدا تحت شعار إعادة اللاجئين والتخفيف من عبئهم على بلد منهك بالأصل، ففشل الأردن بإعادة أي لاجئ وأضاف إليه عبء التهريب والمخدرات.

ولم يقف ملف التطبيع هنا حيث واصلت الإمارات والبحرين وعدد من الدول الأخرى، لكن لم تتمكن حتى الآن من تحقيق أي تقدم في ملف إعادة إنتاج الأسد أو إعادته على أقل احتمال إلى الحاضنة العربية وإلى مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، ثم انتهى المطاف إلى أنقرة، وتلك خطوات يمكن أن لا تكون متشابهة مع بقية الدول، فالدور الذي تلعبه تركيا في الملف السوري يختلف تماما عن بقية اللاعبين، وتطبيع أنقرة مع النظام يرتبط بملفات محلية وإقليمية وداخلية بمنتهى الأهمية ولعل أبرزها المعارضة السورية التي تعتبر تركيا ضامنها الأول، ثم اللاجئون السوريون الذين يرتبط مصير أكثر من 8 ملايين منهم بالموقف التركي موزعين بين مناطق سيطرة تركيا في الشمال السوري وفي الأراضي التركية.

وفي معرض الحديث عن تواصلات ولقاءات تجمع النظام والجانب التركي لمرات برعاية روسية تظهر إيران في موقف المرتاب، مصعّدة من تحركاتها في الساحة السورية في سلسلة من اللقاءات والاتصالات بين مسؤولين إيرانيين ومسؤولين في نظام الأسد، انتهاء بإعلان الخارجية الإيرانية عن زيارة سيجريها رئيسُ البلاد إبراهيم رئيسي إلى سوريا وتركيا، وسط معلومات تتحدث عن تخوفٍ إيراني من تنازلات يمكن أن تقدمها دمشق لأنقرة تضرّ بمصالح طهران في المنطقة.

وعلى الرغمِ من أن المقاربةَ التركيةَ ما زالت غير مكتملة التفاصيل باستثناء ما يُقرأ بين سطور البيانات الرسمية، ولو وضعنا المصالح التركية جانبا فثمّةَ سلسلةٌ واسعةٌ من المضارِ لا بدَّ من الوقوف عليها، مردها وجود جهات كثيرة لها مصالح حيوية واستراتيجية في سوريا، ومتضررة من أيِّ توافقٍ يجمع أنقرة ودمشق على طاولة واحدة.

ولعل الحيز الذي ستشغله أنقرة في مناطقِ الأسد لا بدّ أن يكون على حساب جهاتٍ أخرى تتحرك في المضمارِ ذاته، وفي حالِ كانت روسيا خارجَ إطارِ التدافعِ مع القوى العاملةِ على الأرض السورية انطلاقاً من اقتصارِ مصالحها على سيطرةٍ سياسيةٍ وهيمنةٍ عسكرية، يبقى المنافس الوحيد للوجود التركي هو مشروع إيراني تغلغل إلى درجة لم يعد بالمقدور تجاهله أو السكوت عنه سياسيا وعسكريا واقتصاديا ودينيا، في جميع المناطق والمحافظات السورية وخاصة في مناطق ما زالت تعتبر بعدا استراتيجيا وثقافيا وتاريخيا لأنقرة.

وقد يكون إصرار تركيا على مواصلة التقارب مع النظام أخرج إيران أيضا عن صمتِها، ودفعها للتحرك الاستباقي قبل أن تجد نفسها في مواجهة تركيا بعد أن تجنبت أية مواجهة مباشرة معها منذ تدخلها في سوريا عام 2011، وربما ذلك ما يفسر التحركات الإيرانية المكثفة إلى دمشق في سياق إعادةِ توطيد السياسةِ الإيرانية، وقطعِ الطريقِ أمام أي تنازلات يمكن أن يقدمها نظام الأسد، وخاصةً بعد أن تأكدت نيّة أنقرة وانتقلت إلى فرضيات سُرِّبَت وتم الحديثُ عنها في إشغال مناطق واسعة قد لا يُغني أحدٌ فيها غنى أنقرة لدرجةٍ يسيل لها لعاب الأسد وتغريه عن أقرب الحلفاء.

ضبابيةُ المشهد في سوريا لا تعمي الأنظار عن مسارات واضحة لا يمكن تغييرها تتسابقُ فيها الدول الفاعلةُ للحيازةِ على أكبرِ الغنائمِ من تركةِ نظام أُعدم سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً، ويبدو أن استمرارَه في السلطةِ لن يكونَ في إطار إعادةِ الإنتاجِ بقدرِ ما يكونُ في إطارِ الحصولِ على مكاسب وامتيازات لكلِّ لاعبٍ، وربما الوصول إلى مرحلة تقاسم الحصص وترتيب مناطق النفوذ لمرحلة مقبلة تكون فيها الخطوة الأولى للحل النهائي، وعند الحديثِ عن طهران وأنقرة لا بدَّ من استحضارِ التاريخِ مرة أخرى ليظهرَ أن المنطقةَ لا يمكنُ أنْ تتسعَ لإيران وتركيا إنما لإحداهما فقط.

تلفزيون سوريا

—————————-

تركيا ومصالحة بشار الأسد/ جويس كرم

يمضي قطار المصالحة بين تركيا والنظام السوري في وتيرة أسرع مما كان يتوقعها الكثيرون، ولأسباب ترتبط ببراغماتية الأطراف الضالعة من الكرملين إلى طهران، وتشابك مصالحها الأمنية والاقتصادية.

ليست مصادفة أن تعلن أنقرة، يوم الخميس، عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى تركيا الأسبوع المقبل، وذلك بعد ساعات من إعلان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أنه قد يلتقي نظيره السوري، فيصل مقداد، في موسكو الشهر المقبل.

التقارب بين أنقرة ودمشق، وبين تركيا وحلفاء دمشق يجري في العلن وبضوء أخضر من اللاعبين الأبرز في صف النظام، أي روسيا وإيران، وأي حديث عن أن مصالحة رجب طيب إردوغان مع بشار الأسد ستؤذي طهران، هي ضرب من الخيال. فالمصالح المشتركة في كبح نفوذ واشنطن وإضعاف الأكراد، هي مصالح تركية-إيرانية-روسية-سوريا، ومن لم يفهم ذلك بعد عقد على الحرب السورية غابت عنه وقائع كبيرة.

اليوم تركيا وإيران تواجهان تحديات مشتركة إزاء الأقلية الكردية في البلدين. تظاهرات إيران منذ مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2022، لم تهدأ في مناطق الأكراد، وأوصلت إيران إلى حد فتح معركة مع أكراد العراق. تركيا تشاركها إلى حد كبير هذه التطلعات وحربها على حزب العمال الكردستاني، عمرها خمسة عقود. هذا التقاطع بين أنقرة وطهران يظهر على الملء في شمال العراق حيث تقصفه تركيا وإيران على حد سواء.

أما في سوريا، فالوقت متاح للأسد للانقضاض على الأكراد من البوابة التركية وبالتالي تقوية موقع دمشق، إضعاف واشنطن إلى حد ما، وإرضاء روسيا المنشغلة في الملعب الأوكراني. هذا التقاطع يصاحبه عوامل اقتصادية وأخرى ديموغرافية داخل تركيا تجعل خطوة إردوغان ملائمة للداخل التركي، والذي، وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز ميتروبول للأبحاث، الاثنين الماضي، أيد بنسبة 59 في المئة فكرة عقد اللقاء بين الأسد وإردوغان مقابل معارضة 29 في المئة.

هذا التأييد تدفعه الرغبة التركية بطي صفحة الحرب والعبء الاقتصادي المترتب عليها، وإعطاء أولوية لمواجهة الأكراد. يضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي، فالسوق التركي هو منفس للبضائع السورية والعكس صحيح. هناك أيضا قضية اللاجئين واستضافة أنقرة لأكثر من 3 مليون لاجئ سوري. المصالحة لا تعني إجبارهم على العودة إنما تفتح الباب إلى إجراءات متفق عليها بين الجانبين تفيد إردوغان في عام انتخابي.

الرسائل بدأت بين الأسد وإردوغان. فبعد تأكيد الرئيس التركي أن بلاده لا تهدف إلى هزيمة الأسد في سوريا، وأنه “يتعين الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا من أجل إفساد مخططات ضد المنطقة” وأن بلاده “ليست لديها أطماع في سوريا، وتُولي أهمية لوحدة أراضيها، وعلى النظام إدراك ذلك”، قال الأسد إن “الأمر يبنى على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب”.

في هذه العبارات تلميح لصفقة تركية-سورية برعاية موسكو ومباركة إيرانية تهدف أولا إلى إضعاف الأكراد ومعهم واشنطن، وثانيا محاولة العودة إلى ترسيخ سلطة الأسد بعدما كان إردوغان أول من دعا إلى إطاحته.

طبعا سوريا اليوم لم تعد سوريا 2011، والتفاهم على الورق أسهل من التطبيق على الأرض. فمن الصعب إرغام واشنطن على الانسحاب من سوريا ومن الأصعب إرغام الأكراد على التخلي عن سلاحهم ونفوذهم.

ما يلوح في الأفق هو إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية حول سوريا وتثبيت التلاقي السوري-التركي-الإيراني-الروسي في المرحلة المقبلة، مما يعنيه ذلك من جبهات جديدة ومعارك واصطفافات في الشمال.

الحرة

————————

رئيسي في دمشق.. إيران لا تخشى على نفوذها/ إياد الجعفري

في حين يتم كتابة هذه السطور، تجري التحضيرات على قدمٍ وساق، لاستقبال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في أول زيارة رسمية لرئيس دولة إلى العاصمة السورية دمشق، منذ اندلاع الثورة عام 2011. وباستثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى دمشق، في منتصف العام 2020، لم يسبق أن زار رئيس دولة، العاصمة السورية على مدار الـ 12 عاماً الفائتة. ولم تحظَ زيارة بوتين المشار إليها بالبروتوكولات المعتادة لزيارة رئيس دولة، إذ التقى بوتين رأس النظام السوري، بشار الأسد، في منشأة عسكرية، ولم يزره داخل “قصر الشعب”. ومن المرتقب أن يختلف المشهد في زيارة رئيسي، وأن تحظى هذه الزيارة ببروتوكولات الزيارات الرسمية لرؤوساء الدول، بطريقة ستعزّز من صورة رأس النظام، بدمشق، وتكون مثقلة بالرسائل السياسية لباقي اللاعبين الإقليميين والدوليين في الشأن السوري. وبالتزامن معها، سيزور رئيسي، العاصمة التركية أنقرة. وهناك سيطول النقاش، دون شك، ذاك المقعد الإيراني المُنتظر على طاولة “التقارب” التركي مع الأسد، برعاية روسية، وشراكةٍ إماراتية.

زيارة رئيسي المرتقبة إلى دمشق، تأتي فيما تواجه إيران جملة تحديات إقليمية. إذ يؤجج الدخول الإماراتي على خط “التطبيع” التركي مع الأسد، من المخاوف داخل النخبة الإيرانية، من أن تكون طهران في طريقها لخسارة “استثماراتها” القتالية لنحو عقدٍ من الزمن، في سوريا. يأتي ذلك، في حين تثقل الاحتجاجات الداخلية كاهل الإدارة الإيرانية، التي بدت عاجزة عن انتشال حليفها، الأسد، من أسوأ أزمة محروقات شهدتها البلاد، قبل أسابيع. ورغم استمرار التوريدات النفطية الإيرانية، إلا أنها أشبه بإسعافات أولية للاقتصاد السوري المنهار، وهو ما دفع محللين غربيين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للدعوة في تقريرٍ نُشر في 22 من كانون الأول/ديسمبر الفائت، إلى استغلال المشهد، والدخول على خط التعثر الاقتصادي الكبير للنظام السوري، بغية تحصيل تنازلات من الأسد، لقاء تخفيف أزمة المحروقات.

وينسجم المقترح المشار إليه مع جانبٍ من استراتيجية الإمارات حيال سوريا، والتي كانت بدورها، منسجمة مع خطة سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سبق أن طرحها وعمل على تجنيد موافقة مبدئية روسية – أميركية حيالها، منذ ثلاث سنوات. تقوم تلك الخطة على إعادة تأهيل النظام السوري، عبر مراحل. تبدأ بإصدار الأسد دعوةً لانسحاب كلّ القوات الأجنبية من سوريا. مقابل ذلك، سيستعيد الأسد مقعد سوريا في الجامعة العربية، وستفعّل دول خليجية، في مقدمتها الإمارات، استثماراتها في الاقتصاد السوري، بغية تخفيف النفوذ الإيراني في هذا المجال. وكان المسؤولون الإسرائيليون يدركون أن الأسد لن يستطيع إخراج إيران من سوريا، بقدراته الذاتية، لكنهم كانوا يراهنون على خليطٍ من التحرك السياسي، والضربات العسكرية، لدفع طهران إلى التراجع، خاصة إن نُزعت “الشرعية” عن الوجود الإيراني في سوريا. وقد حظيت خطة نتنياهو حينها، بدعم دول عربية لها علاقات مع إسرائيل، أبرزها، الإمارات.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي اللاحق، نفتالي بينيت، قرر تجميد العمل على تنفيذ الخطة، معتبراً إياها غير قابلة للتحقيق، لقناعته بأن الأسد ليس قادراً على طرد الإيرانيين من سوريا. وقد حاول الرئيس الإماراتي –ولي العهد في حينها- محمد بن زايد، إقناع بينيت في لقاء بشرم الشيخ، في ربيع العام الفائت، بإعادة إحياء الخطة ذاتها، بعيد استقبال الأسد في أبو ظبي. لكن بينيت بقي حيادياً حيال خطة إعادة تأهيل النظام السوري.

ومع عودة نتنياهو إلى سدة الحكم مجدداً، كان لافتاً زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، بصورة مفاجئة، سبقها اتصالٌ عقده مع نظيره التركي، بعيد لقاء موسكو الذي جمع مسؤولي الدفاع والاستخبارات في نظام الأسد وتركيا، برعاية روسية. وبالإشارة إلى الرعاية الروسية، كان لافتاً أيضاً، أن وزير الخارجية في حكومة نتنياهو الجديدة، أطلق تصريحاً مفاده أن “إسرائيل ستكون أقل علنيّةً في الحديث بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا”.

وهكذا يتم إحياء المسارات السابقة ذاتها، فـ نتنياهو سيراهن على علاقته الشخصية المميزة مع بوتين، مجدداً، لترميم الفتور الذي اعترى علاقات بلاده بموسكو، خلال فترة غيابه القصيرة عن السلطة، في الوقت ذاته، الذي تقوم فيه الإمارات بتحركٍ نحو نظام الأسد، يراهن على انهياره الاقتصادي كرافعة لتقديمه تنازلات تتيح العمل على تنفيذ خطة إعادة تأهيله إقليمياً. ولا بد أن أبوظبي تراهن على الدور الإسرائيلي في تليين المعارضة الأميركية على هذا الصعيد.

لكن هل تملك حكومة رئيسي في طهران خطة سياسية لمواجهة هذا التحدّي الإقليمي الذي يشكل خطراً على مصالحها في سوريا؟ بخلاف المتوقع، ومن خلال الخطاب السياسي للرئيس رئيسي منذ وصوله إلى السلطة، والقائم على “ضرورة الارتباط والتنسيق مع دول الجوار ورفع التبادلات التجارية”، تراهن حكومة طهران، المدعومة من الحرس الثوري، على نهجٍ مخالف لحكومة حسن روحاني، السابقة. فالأخيرة كانت تراهن على اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، وعلاقات مميزة مع الغرب، تتيح لإيران أن تتحول إلى قوة إقليمية تحظى بقبولٍ دولي. فيما يراهن رئيسي ورفاقه على التموضع إلى جانب كل طرف يناهض الغرب، وتحديداً، الولايات المتحدة الأميركية. لذلك يذهب الرئيس الإيراني نحو تمتين العلاقة مع روسيا. وكذلك مع الدول التي تبدي استقلالية وتريد العمل بهامش حركة أكبر، بعيداً عن “الهيمنة الأميركية”، وفي مقدمتها، تركيا، وكذلك الإمارات. الأخيرة تحديداً، تراهن على وضع قدمٍ مع “الشرق”، وآخر، مع “الغرب”.

وبناء على ما سبق، من المتوقع أن يسعى رئيسي في زيارته إلى أنقرة، للانسجام مع “التطبيع” التركي مع الأسد، بل ودعمه. وخلافاً لمن يعتقد أن ذاك “التطبيع” قد يأتي على حساب المصالح الإيرانية في سوريا، من المرجح أن تعمل طهران على استثماره بالاتجاه المعاكس. بل والانفتاح على الدخول الإماراتي على خط “التطبيع” مع الأسد، وانتشاله اقتصادياً. فالرئيس الإيراني يراهن على النفوذ الذي تملكه بلاده داخل “التركيبة” الحاكمة في دمشق. وهو نفوذ تجاوز خط العودة، ولا يملك بشار الأسد القدرة على عكسه، حتى لو أراد. وفي مواجهة التماشي الإيراني المرتقب مع مسار “التطبيع” والعمل على “إعادة تأهيل الأسد”، تبقى الممانعة الأميركية والأوروبية، وعدم الترحيب القطري – السعودي، عاملاً يطرح تساؤلات حول الأفق الذي قد يصل إليه، ذاك المسار. فهذه الأطراف لا تبدو مقتنعة مطلقاً، بأن إيران، قابلة للنزع من سوريا، في ظل نظام الأسد.

تلفزيون سوريا

——————————

مشكلة تركيا مع الأكراد أبعد من سوريا/ عمران سلمان

تركيا سوف تفعل المستحيل للتخلص من الوجود الكردي (وخاصة المسلح منه) المحاذي لحدودها ولا سيما الجنوبية، أي الحدود مع سوريا حيث يتمتع الأكراد وتنظيماتهم بحرية الحركة، عكس أكراد العراق وإيران الذين يحكمهم وتتحكم فيهم قوى وحكومات قادرة نسبيا على إخضاعهم.

ولن يتوانى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عن الذهاب إلى دمشق للتفاهم مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إذا كان ذلك هو السبيل الوحيد لوضع حد للوجود الكردي المسلح في المحافظات السورية.

وهذا بالضبط ما يحدث اليوم حيث التغير التركي 180 درجة عن السياسة التي اتبعها حزب العدالة والتنمية وإردوغان نفسه في السابق تجاه الأزمة السورية.

وهناك من يسأل لماذا يحدث ذلك الآن؟

والإجابة الراجحة هي أن هذا الانفتاح على دمشق وحاكمها هو تعبير عن الخشية من انهيار النظام السوري تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الطاحنة وبالتالي المسارعة لإنقاذه لأن الانهيار يعني أن الوضع الكردي المسلح الذي كان حتى اليوم يعتبر “مؤقتا” نوعا ما – بافتراض إمكانية عودة الدولة السورية أو استعادتها عافيتها ومن ثم سيطرتها من جديد على تلك المناطق – سوف يصبح حالة دائمة وربما تطور إلى ما لا تستطيع تركيا تحمله فتلجأ حينها إلى الخيار العسكري المباشر وهو خيار مكلف وغير مضمون وغير قادر على فرض حل دائم.

الحل الأمثل من وجهة النظر التركية هو عودة النظام السوري إلى هذه المناطق ووضع حد للتمرد الكردي أو على الأقل احتواءه ضمن تفاهمات سورية روسية.

هناك أيضا حسابات تركية داخلية متعلقة بالانتخابات والوضع السياسي عموما لاسيما التخلص من الجزء الأكبر من اللاجئين السوريين عبر إعادتهم إلى بلادهم وهذا لن يتم من دون وجود دولة ونظام قادر على استعادتهم وإدماجهم من جديد في المجتمع.

لكن هذا كله ممكن أن يتبخر في حال انهار النظام في دمشق أو اتسع نطاق العجز الذي يعاني منه أو استمرت حالة التشظي التي تعيشها سوريا حاليا.

ضمن هذا السياق يمكن فهم التحركات التركية التصالحية مع دمشق وكذلك التحركات الإقليمية الأخرى التي تصب في هذا الاتجاه، فلا أحد يريد أن يرى صومال أو ليبيا جديدة في المنطقة، إذ أن انهيار النظام السوري ستكون له تداعيات مدمرة على سائر المنطقة، وخاصة الدول المحيطة.

لكن مشكلة تركيا مع الأكراد ليست في سوريا حصرا وهي لن تحل على الأرجح من خلال تعويم النظام السوري وإنما من خلال تغيير السياسة أو المقاربة التركية نفسها لهذا الملف.

من المهم أن نتذكر أن معظم أكراد سوريا هم في الواقع ليسوا سوى أحفاد الأكراد الذين هجّروا من تركيا نفسها خلال فترات القمع والاضطهاد التي أعقبت الانتفاضات الكردية ضد الحكم التركي، وخاصة تلك التي جرت خلال عهد الرئيس، كمال أتاتورك، وأبرزها انتفاضة الزعيم الكردي الشيخ، سعيد بيران، في عشرينيات القرن الماضي.

وقد استقر الأكراد في مناطق شمال سوريا المحاذية لتركيا وسكنوا مع العرب والآشوريين وغيرهم من الأقوام التي لا زالت تعيش في هذه المناطق. ومع الوقت تضاعفت أعدادهم وأصبحوا الأغلبية بحيث اصطبغت المنطقة والثقافة بالطابع الكردي بما في ذلك أسماء المدن.

وهذا هو السبب الذي جعل الحكومات السورية المتعاقبة ترفض منح جزء كبير من الأكراد الجنسية بحجة أصولهم التركية رغم مضي زمن طويل على نزوحهم وفي الوقت الذي كانت فيه هذه المناطق إما تابعة للدولة العثمانية أو تحت الانتداب الفرنسي، حالهم في ذلك حال العديد من اليهود الذين استقروا في فلسطين في ذلك الوقت.

والحال أن تركيا لن تتمكن من التخلص من المشكلة الكردية عبر البوابة السورية أو غيرها، وإنما عبر حل هذه المشكلة داخليا وعلى النحو الذي يقنع الأكراد أنفسهم بصوابية هذا الحل.

حتى الآن لا يبدو أن الحكومة التركية جاهزة لهذا الخيار، لذلك نرى التركيز منصبا على معالجة تداعيات المشكلة في الدول المجاورة، وهي تداعيات تتفاوت حدتها من دولة لأخرى.

ومثل هذا التركيز ربما يفيد الرئيس التركي إردوغان وحزبه في الانتخابات القادمة، لكنه لن يحل مشكلة تركيا مع الأكراد ولن يجعل الأكراد أنفسهم يختفون أو يتخلون عن مطالبهم سواء في تركيا نفسها أو الدول الثلاث الأخرى.

الحرة

—————————

بعد تصريحات بشار الأسد وأردوغان.. أمريكا توضح موقفها من تطبيع الدول لعلاقاتها مع النظام السوري

(CNN)– وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، يوم الخميس، الرئيس السوري بشار الأسد بأنه “ارتكب فظائع ضد شعبه، وكذلك ارتكبت قواته جرائم حرب”، وقال إن واشنطن “ستستمر في ثني شركائنا حول العالم عن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد أو تحسينها”.

قد يهمك أيضاً

أول تعليق من الأسد عن اللقاءات السورية-التركية “حتى تكون مثمرة”

وأضاف برايس، خلال مؤتمر صحفي: “سنستمر في تبني مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وما زلنا نعتقد أنه يشكل الأساس الأنسب لإنهاء الحرب الأهلية بطريقة دائمة تحترم وتعزز تطلعات الشعب السوري”.

وتابع: “نحن بالطبع لا نعرف ما الذي كان يمكن لنظام الأسد أن يفعله لولا إجراءات المساءلة التي فُرضت عليه، لا نعرف ما الذي كان يمكن أن يفعله لولا تصرفات الولايات المتحدة ودول العالم لمصادرة وتدمير مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية”.

وأكد: “سنواصل تعزيز مساءلة نظام الأسد، وسنستمر في ثني شركائنا حول العالم عن تطبيع العلاقات مع النظام أو تحسينها”، ووصف نيد برايس الحرب الأهلية في سوريا بأنها “مأساة مطلقة ألحقها بشار الأسد ونظامه بشعب سوريا”.

يذكر أن الرئيس السوري أكد، في وقت سابق من يوم الخميس، في أول تعليق عن اللقاءات السورية-التركية، على أهمية “إنهاء الاحتلال” و”وقف دعم الإرهاب”، في إشارة إلى التواجد العسكري التركي في سوريا وكذلك الدعم التركي للمعارضة السورية.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن الأسد قوله إن “هذه اللقاءات حتى تكون مثمرة، فإنها يجب أن تبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سوريا وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سوريا من هذه اللقاءات، انطلاقًا من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنية على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب”.

وجاءت تصريحات الأسد خلال استقباله ألكسندر لافرنتييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوفد المرافق له، حيث بحث الجانبان العلاقات الثنائية بين البلدين والأوضاع الإقليمية والدولية، بحسب “سانا”، التي ذكرت أن لافرنتييف أشار إلى أن بلاده “تقيم إيجابيًا اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا، وترى أهمية متابعة هذه اللقاءات وتطويرها على مستوى وزراء الخارجية”.

وكانت وزارة الدفاع السورية ذكرت في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن وزير الدفاع السوري ومدير إدارة المخابرات العامة السورية بحثا مع نظيريهما التركيين في موسكو بمشاركة روسية “ملفات عديدة”، وهو أعلى مستوى لاجتماع بين أنقرة ودمشق منذ 2011.

وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا أجروا محادثات ثلاثية، في موسكو، في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لبحث سبل حل الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب وأزمة اللاجئين.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن في 5 يناير/ كانون الثاني الحالي، أنه يمكن أن يجتمع مع الرئيس السوري “لإحلال السلام”، على حد تعبيره.

وقال أردوغان: “إنه بعد اجتماع وزيري دفاع سوريا وتركيا، سيجتمع وزراء الخارجية معا، وبعد ذلك كقادة، سوف نجتمع معا”، وأضاف أردوغان خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية” الحاكم، بأنقرة: “ما يهمنا هو إحلال السلام في المنطقة”.

—————————————-

اعتراض أميركي “ملغوم” على التطبيع التركي مع النظام السوري/ فكتور شلهوب

يعود النقاش حول الملف السوري في واشنطن مجدداً، خصوصاً بعد التهديدات التركية ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، حليفة القوات الأميركية في شمال شرق سورية، وارتفاع وتيرة المطاردات لبقايا “داعش” في تلك المنطقة، وكذا النقاش الكبير حول التطبيع المحتمل بين أنقرة والنظام السوري.

وجاء اعتراض واشنطن هذه المرة بلغة صريحة وقاطعة على التوجه التركي للتطبيع مع نظام بشار الأسد، مع أنها في المرات السابقة تعاملت بدبلوماسية أكثر، الأمر الذي أثار تساؤلات حول هذا الإصرار، خاصة أن حيثياته لا تبدو متماسكة، فضلاً عن أنه غير معمول به في حالات مشابهة، وكأن في الأمر غاية أبعد وأعمق ممّا بررت به الإدارة وقوفها ضد هذا التطبيع.

في الأسبوع الماضي، شددت وزارة الخارجية على “عدم دعم” أي خطوة من هذا النوع، وقالت إنها “أبلغت الجميع”، بمن فيهم أنقرة، بموقفها الرافض هذا التطبيع الذي يفتقر إلى “الجدارة” مع نظام ارتكب “الفظائع” ضد شعبه.

وفي رده على سؤال “العربي الجديد”، عاد المتحدث نيد برايس وكرر نفس الموقف، وبذات الإصرار، حول هذا الموضوع والزيارة التي قيل إنها قريبة لوزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، كما أسهب برايس في سرد دواعي موقف الإدارة التي تدور حول سلوكيات النظام، مشدداً على أن البديل يكمن في العمل لحل سياسي للأزمة السورية. وقد لفت في رده إلى أنه ترك مسألة زيارة الوزير جاووش أوغلو معلقة في أحسن الأحوال، مشيراً إلى أنها قد لا تحصل.

وأوضح برايس أنه “من المحتمل أن يتوفّر المزيد من التفاصيل بشأن اللقاء قبل مرور وقت طويل”، وأضاف مستدركاً: “أتوقع أن تتوفر الفرصة للوزيرين ليلتقيا في وقت غير متأخر كثيراً”، من دون الإشارة إلى أن اللقاء سيحصل في واشنطن.

تصريحات برايس، التي أدلى بها لـ”العربي الجديد”، حملت صيغة ولهجة تدلان على أن الزيارة صارت على الأرجح مستبعدة، وثمة اعتقاد بأن تصريح الوزير مولود جاووش أوغلو، أمس الخميس، حول لقائه مع نظيره في حكومة النظام السوري في فبراير/شباط المقبل، قد ساهم في إلغاء زيارة الوزير التركي إلى واشنطن.

كما أن هنالك تفسيراً آخراً يقول بأن الوزير التركي ما كان ليدلي بتصريحه هذا عشية زيارته المحتملة إلى واشنطن، لو لم يكن قد توصل إلى قناعة بأن الإدارة حاسمة في رفضها التطبيع، وأن مفاتحتها بالموضوع صارت في غير محلها.

إلا أن السؤال الذي يبقى بارزاً الآن هو: “هل كانت فعلاً ممارسات النظام السوري قد حملت الإدارة الأميركية على رفض التقارب التركي السوري المحتمل؟ أم أن هناك اعتبارات وحسابات تتصل باحتمالات الوضع السوري، أو بالأحرى الورقة السورية في لعبة الصراع والترتيبات الجارية من أوكرانيا مروراً بإيران، والتي تبحث أنقرة عن دور فيها؟”.

أخبار

واشنطن تدعو لعدم التطبيع مع نظام الأسد بعد التقارب السوري-التركي

إن التذرع بـ”الفظائع” التي ارتكبها النظام السوري ليست بالحجة المقنعة، بالرغم من وجاهة التهمة، فالإدارة تتهم موسكو وطهران بارتكاب “الفظائع في أوكرانيا وضد التظاهرات الإيرانية”، مع ذلك، تترك باب التفاوض والتواصل معهما مفتوحاً بشأن الحرب والملف النووي، لهذا يبدو أن ثمة دافعا أقوى وأهم بالنسبة للإدارة الأميركية من ذريعة سلوكيات النظام السوري.

وليس خارج الأسباب أن تكون الرعاية الروسية للتقارب التركي السوري الأخير هي التي حملت إدارة جو بايدن على رفض التطبيع بين أنقرة ودمشق، باعتباره استثمارا روسيا لا تقبل به واشنطن في لحظة صارت فيها الأولوية لديها هي كسر شوكة موسكو في أوكرانيا، كما في أي مكان يتيسر لها ذلك، ويبدو أنها جدية في ذلك، حتى لو كان الحليف التركي طرفاً في هذا الاستثمار.

وفي مسلسل الخلافات الأميركية – التركية، خلال السنوات الأخيرة بشكل خاص، حرصت واشنطن على مداراة الحليف التركي “المهم في الناتو”، واجتناب المزيد من التوتر معه، من خلال احتواء الخلافات أو على الأقل عدم تصعيدها، سواء عن طريق القوة الناعمة أو المقايضة، إذ تبدو حاجة واشنطن لأنقرة واضحة، خصوصاً في الظرف الراهن، ونجحت الإدارة الأميركية في ذلك إلى حدّ بعيد، واتضح ذلك مؤخراً في خطوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على صرف النظر عن القيام بالعملية العسكرية التي توعّد بها في الأراضي السورية.

الآن، تبدو المسألة أكثر جدية، لأن الحسابات الروسية والإيرانية المتداخلة تشكل العامل الرئيسي وراء الرفض الأميركي لهذا التطبيع، ولو أن ذلك قد يهزّ العلاقات بين الحليفين.

—————————————–

الخارجية الأميركية:سنستمر في ثني شركائنا عن التطبيع مع الأسد

وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس الخميس الرئيس السوري بشار الأسد بأنه “ارتكب فظائع ضد شعبه، وكذلك ارتكبت قواته جرائم حرب”، وقال إن واشنطن “ستستمر في ثني شركائنا حول العالم عن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد أو تحسينها”.

وأضاف برايس، خلال مؤتمر صحافي: “سنستمر في تبني مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وما زلنا نعتقد أنه يشكل الأساس الأنسب لإنهاء الحرب الأهلية بطريقة دائمة تحترم وتعزز تطلعات الشعب السوري”.

وتابع: “نحن بالطبع لا نعرف ما الذي كان يمكن لنظام الأسد أن يفعله لولا إجراءات المساءلة التي فُرضت عليه، لا نعرف ما الذي كان يمكن أن يفعله لولا تصرفات الولايات المتحدة ودول العالم لمصادرة وتدمير مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية”.

وأكد: “سنواصل تعزيز مساءلة نظام الأسد، وسنستمر في ثني شركائنا حول العالم عن تطبيع العلاقات مع النظام أو تحسينها”، ووصف برايس الحرب الأهلية في سوريا بأنها “مأساة مطلقة ألحقها بشار الأسد ونظامه بشعب سوريا”.

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد اعتبر الخميس، أن اللقاءات مع الحكومة التركية ضمن مسار التطبيع بينهما يجب أن تكون مبينة على ثوابت وأهداف في مقدمتها انسحاب أنقرة من الأراضي السورية ووقف دعم ما وصفه ب”الإرهاب”.

وقال الأسد خلال لقاء مع المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف في دمشق، إن اللقاءات مع الجانب التركي “يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سوريا وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سوريا منها”.

واعتبر أن تلك الأهداف “تنطلق من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنية على إنهاء الاحتلال (التركي) ودعم الإرهاب”، في إشارة إلى الدعم الذي تقدمه أنقرة للفصائل المعارضة، حسبما ذكر موقع  رئاسة الجمهورية العربية السورية الرسمي.

ويأتي لقاء لافرنتييف القادم من زيارة رسمية للأردن الأربعاء، مع الأسد في ظل تسارع التطبيع بين دمشق وأنقرة إثر لقاء ثلاثي جمع وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري في موسكو نهاية كانون الأول/ديسمبر 2022، بانتظار انتقال اللقاءات إلى المستوى الدبلوماسي بلقاء ثلاثي يجمع وزراء خارجية البلدان الثلاثة.

—————————-

مظاهرات بشمال سوريا احتجاجا على تحقيق مصالحة بين دمشق وأنقرة

دمشق: طرد متظاهرون سوريون رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم المسلط، اليوم الجمعة، من مدينة عزاز بريف حلب الشمالي والتي شهدت خروج مظاهرات في أغلب مناطق سيطرة المعارضة .

وقال القيادي في المعارضة السورية محمد سرمين، أن مئات المتظاهرين اعتدوا على سالم المسلط بالركل وعلى سيارته وطردوه خلال توجهه للمشاركة في مظاهرة في ساحة مدينة عزاز التي كانت تشهد خروج مظاهرات بعد صلاة الجمعة تحت اسم جمعة نموت ولا نصالح “.

وأضاف القيادي ردد المتظاهرين هتافات خلال ملاحقتهم المسلط ” شبيحة شبيحة – خاين خاين وخرجت سيارته بصعوبة بين المتظاهرين “.

ورغم برودة الجو انطلقت اليوم مظاهرات في عشرات المدن والبلدات في مناطق شمال سوريا ترفض المصالحة بين تركيا والنظام السوري.

ورفع المتظاهرون شعارات ” لن نصالح – لنعيد الثورة إلى سيرتها الأولى – إسقاط أعضاء الائتلاف كلن يعني كلن “.

وهذه الجمعة الثالثة التي تشهد خروج مظاهرات في مناطق شمال سوريا بعد الحديث عن مصالحة بين تركيا الحكومة السورية .

( وكالات )

——————–

وزير خارجية إيران من بيروت: نرحب بتقارب تركيا وسوريا

حسين أمير عبد اللهيان: الحوار الذي يجري بين سوريا وتركيا ينبغي أن ينعكس بشكل إيجابي في مصلحة هذين البلدين

أعرب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اليوم الجمعة من بيروت باللقاءات بين مسؤولين سوريين وأتراك بعد 11 عاماً من القطيعة بين الدولتين الجارتين.

وقال “نحن سعداء بهذا الحوار الذي يجري بين سوريا وتركيا واللقاءات التي تجري بين مسؤولين هذين البلدين، ونعتقد أن هذا الحوار ينبغي أن ينعكس بشكل إيجابي في مصلحة هذين البلدين”.

والتقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو في نهاية الشهر الماضي، في أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع في سوريا في 2011، كما من المفترض أن يعقد قريباً لقاء على مستوى وزيري الخارجية.

وقبل اندلاع النزاع العام 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسوريا، لكن العلاقات بينهما انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد النظام في سوريا، ودعوة أنقرة التي باتت داعماً أساسياً للمعارضة السورية والفصائل المقاتلة، الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي.

واعتبر الأسد الخميس أن اللقاءات السورية-التركية برعاية روسيا يجب أن تكون مبنية على إنهاء “الاحتلال”، أي التواجد العسكري التركي في شمال سوريا، “حتى تكون مثمرة”، وذلك في أول تعليق له على التقارب بين الدولتين.

وذكرت صحيفة الوطن السورية الموالية للحكومة أن أمير عبد اللهيان سيتوجه إلى دمشق غداً السبت لإجراء محادثات مع نظيره السوري.

——————————-

غضب شعبي من قيادات المعارضة وطرد المسلط من مظاهرة اعزاز

طرد المتظاهرون، اليوم الجمعة، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية سالم المسلط من المظاهرة التي خرجت في مدينة اعزاز شمالي حلب.

وتداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً أظهر عدداً من المتظاهرين يطردون المسلط من المظاهرة ويلاحقونه في أحد شوارع المدينة مرددين عبارة “شبيحة شبيحة”.

وتعرّض المسلط، بحسب ما أظهر المقطع، للدفع من قبل أحد المتظاهرين قبيل صعوده إلى السيارة.

إحراق صور جاموس والعبدة

وفي مدينة إدلب، أحرق المتظاهرون صور رئيس الهيئة العليا للتفاوض بدر جاموس، ورئيس الائتلاف السابق أنس العبدة ورئيس الحكومة السورية المؤقتة عبدالرحمن مصطفى، بحسب ما رصد موقع تلفزيون سوريا.

وخرج المئات من أبناء مدن وبلدات الشمال السوري في مظاهرات عقب صلاة الجمعة رفضاً للتطبيع التركي مع النظام السوري.

ورصد موقع تلفزيون سوريا 9 نقاط تظاهر في مدن وبلدات إدلب وإسقاط وحارم وكفرلوسين وعفرين واعزاز ومارع ودابق وجرابلس.

وأكّد المتظاهرون على “ثوابت الثورة” وإسقاط النظام، في حين عبّروا عن رفضهم لكل المخططات التي تهدف إلى تعويم النظام السوري.

—————————-

النظام السوري صاحب مصلحة في هجوم تركي/ أرنست خوري

مهما ارتفعت صيحات الناطقين باسم النظام السوري ضد الوعيد التركي بتنفيذ اجتياح برّي لأراضٍ شمالي سورية، غربي الفرات وشرقه، فإنها لن تحجب رأياً جدّياً يقول إن أكثر من يتمنّى حصول الهجوم العسكري المذكور هو النظام السوري نفسه. أما الانطلاق من حقيقة أن عرّابَي النظام، روسيا وإيران، لا يرغبان بتاتاً بحصول العملية، كلّ منهما لأسبابه، للخلوص إلى أن النطام لا يمكنه مخالفتهما في مثل هذا الشأن، وإنْ بشكل مضمر، فإن في ذلك تسطيحا وتعميما للعنوان العريض، ولا يلحظ عناوين فرعية عديدة يمكن لها أن تفرّق أحياناً بين مصالح التابع والمتبوع، نظام الأسد من جهة، وروسيا وإيران من جهة ثانية. ومعلوم أنّ في علاقات التبعية عموماً تتسنّى للتابع الصغير هوامش للمناورة ولابتزاز المتبوع الكبير في تكتيكات وقضايا لا تصل بالطبع إلى مستوى تهديد ثوابت علاقة صاحب السلطة الحقيقية بالوكيل المحلي.

وخلف فرضية أن النظام السوري يرغب ضمنياً برؤية حصول هجوم تركي برّي على مناطق سيطرة المسلحين الأكراد، معطى شديد الصلابة: نظام الأسد عاجز عسكرياً وسياسياً عن السيطرة على المنطقة التي تشكل “دولة الأكراد”. ليس الحديث هنا عما يسمّيه بعض القوميين المتشدّدين، “روج آفا”، بل عن مناطق السيطرة الفعلية لـ”قسد” و”الإدارة الذاتية” حتى على بلدات وقرى ومدن ذات تركيبة سكانية عربية تاريخياً في الرقة ودير الزور وريف حلب والحسكة. خلف ذلك العجز، تجد هشاشة الجيش النظامي في أي معركة لا يحظى فيها بإسناد مباشر من روسيا و/أو إيران و/أو حزب الله و/أو مليشيات الحشد الشعبي العراقي. كذلك فإن الدعم الأميركي الكامل لـ”حليف الأرض” الكردي يضع حداً لا لأحلام النظام السوري فحسب، بل أيضاً لمشاريع أكبر بكثير من أوهام الأسد، من نوع خطط تركيا العسكرية، وطموحات موسكو وطهران بحلول نفوذهما مكان الحضور الأميركي في مناطق سيطرة المسلحين الأكراد. كذلك، يدرك النظام السوري أن تركيا الرسمية مسكونة بهاجس اسمه “الأكراد”، قومياً وأمنياً وسياسياً، وأنّ مشروع رجب طيب أردوغان إنشاء ممر آمن عند حدود بلده الجنوبية مع سورية بعمق 30 كيلومتراً، لن يكون هدفه ضم أراضٍ إضافية إلى الجمهورية التركية، فالأمر لا يتعلق بإقليم إسكندرون جديد، وأنه مثلما حصل في حملات عسكرية سابقة، (نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون)، سينتهي الأمر بتسليم إدارة المناطق وأمنها إلى فصائل سورية معارضة تابعة إلى تركيا. يدرك النظام السوري ذلك جيداً، لذلك فهو يأمل من تركيا أن تقوم بالمهمة الصعبة نيابة عنه، أي أن تقضي بهجومها على الإدارة الكردية المستقلة عنه فعلياً في الشمال، والتي تحرمه من ثروات منطقة الجزيرة ومن مياهها وزراعتها ونفطها، ثم أن تسلّمه هو، أي النظام، السيطرة على تلك المناطق، وهو ما باتت تركيا متحمسة له. وهنا تكمن إحدى عقد المفاوضات الجارية بين أنقرة ودمشق: تركيا تأمل أن يقوم النظام السوري بما عليه من “واجبات سيادية” وأن يفرض سيطرته على المنطقة الممتدة من عين العرب (كوباني) حتى المالكية، وتخاطب الروس ومن خلفهم الإيرانيين أن هذا شرطها لكي تعدُل عن تنفيذ هجومها البري التي عادت لتلوّح به بعدما دخل مرحلة السبات منذ أسابيع، منذ ظهر الفيتو الأميركي ــ الروسي حازماً. في المقابل، كل الأطراف المخاطَبة عاجزة عن فتح جبهة مع أميركا في تلك المنطقة.

لا النظام السوري سيتنازل عن عنصريّته حيال الأكراد، ويعطيهم حقوق المواطنة الكاملة ويقاسمهم الثروات ويقرّ حرياتهم الثقافية، ولا تركيا الرسمية الحالية تبدو في وارد إجراء مصالحة تاريخية مع أكرادها قبل أكراد بلدان الجوار، ولا ممثلو القوميين الأكراد في سورية فهموا على ما يبدو أن مصلحتهم تكمن مع السوريين العرب في بلد ديمقراطي. أمام استحالات بهذه الحدّة، يمكن ملء الوقت الضائع بثرثرات بشار الأسد الذي لا يرى إلا “الاحتلال التركي” لسورية، وبتهديدات رجب طيب أردوغان اليومية، وبصلوات صادقة كثيرة بألا تكتمل حفلة المصالحة بين دمشق وأنقرة.

العربي الجديد

—————————–

ماذا بعد التسويات المطروحة بشأن سورية؟/ سوسن جميل حسن

ماذا بعد التسويات التي تلوح في الأفق بمبادرة من تركيا للتقارب مع النظام السوري بتفاهم روسي، والتي بدأت خطواتها الأولى بلقاءات الأجهزة الأمنية ووزراء الدفاع، ثم الموعد المرتقب لوزراء الخارجية، في ارتقاء جلي من أجل الوصول إلى القمة، قمّة بين الرؤساء؟ أليس السؤال واجباً ومنطقياً؟

هي تسويات سياسية على أرضية المصالح ليس أكثر، وليست حلاً للمشكلة السورية، حتى لو كانت الخطابات المعلنة دائماً تؤكّد وحدة الأراضي السورية، سوف ينجم عنها ترتيب واقع جديد على الأرض، في صلبه عودة اللاجئين إلى مناطق الشمال، مناطق النفوذ التركي، بالتوازي مع ترتيبٍ للقضية الكردية ومناطق الإدارة الذاتية، من دون اتضاح الصورة النهائية للمناطق التي تحت سيطرة النظام، ومن دون معرفة التنازلات التي ستُقدّم، باعتبار أنّ هناك لاعبين دوليين وإقليميين لن تمرّ التسويات من دون تأثيرهم.

وحدة الأراضي السورية عنوان جميل غاوٍ، عزيز، حلم معظم السوريين، الذين لديهم ذاكرة نمت وتراكمت في بلاد اسمها سورية، بعيدًا عمّا كان عليه الوضع، وأدّى، في بعض مناحيه، إلى انتفاضة الشعب من أجل حريته وكرامته، قبل أن تتقسم وينقسم شعبها وتصبح مناطق نفوذ وسلطات أمر واقع، ويصير جزءٌ كبيرٌ من الشعب السوري خارج الحدود. وغالبية هذا القسم يعيش وينجب الأبناء في المخيمات، محكوماً بظروف عيشٍ لا تليق بكرامة الإنسان، ولا تقدّم ما يضمن للفرد أن يكبر وينضج وتتشكل شخصيته الفاعلة في الحياة، إذ ليس غائباً عن الوعي واقع أبناء المخيمات، والأطفال المحرومين من حقوقهم، من غذاء وتعليم ورعاية صحية وعلاج، إذا أغفلنا الجوانب الترفيهية الضرورية لأجل النمو الروحي والتوازن النفسي للطفل، مع الإشارة إلى الانفجار في عدد الولادات في المخيمات، والتي تقدّر بمئات الآلاف، وقد قصّرت كل الجهات المعنية برعاية هذه الشرائح من الشعب، في توعيتها وتثقيفها، لضبط الزيجات المتعددة والولادات الكثيرة التي تنتج أطفالًا يتكدّسون ليلاً بعضهم فوق بعض في الخيم، ويملأون الفراغات بين هذه الخيم في النهار، يخترعون أساليب لهوهم ولعبهم تحت رحمة الظروف المناخية القاسية، خصوصا في الشتاء والبرد والأمطار.

لو تمعّنا في الجيل المتشكّل في ظل هذه الظروف، وعلى مدى 12 عامًا، في كل المناطق بين الداخل والخارج، بين مخيمات لجوء في الجوار ونزوح في الداخل السوري، وفي الجيل المتشكل في الداخل تحت سلطات الأمر الواقع، بين نظام وغيره، لرأينا أن هذا الجيل بما راكم من ذاكرة وتجارب، وبما حُقن من أفكار وضخ عقائدي أو أيديولوجي، وأفكار عنصرية كارهة للغير، من دون إغفال نقمته على وضعه، وبعدم قدرته على وضع أهداف لحياته، ليس لأنه لا يريد، بل لأن ظروفه حكمته، لو تمعنّا وبحثنا عن صورةٍ مشرقةٍ في إمكانية حملهم مسؤولية البناء المستقبلي، لتملّكنا القلق والخوف.

منطق التاريخ هو الحركية، يعني التغيير، فالتغيير لا بدّ أن يحصل، وقد حصل بطرق متنوعة في سورية، جلّها نحو الأسوأ. لكن حتّى يحدث التغيير نحو الأفضل، فإنّ المراهنة تكون دائماً على الأجيال الشابة ودورها الفاعل في صناعة المستقبل، فأيُّ جيلٍ جديد هو الذي نأمل منه إحداث التغيير؟

من القضايا الإشكالية أنّ هناك فجوة بين جيل قديم استهلك أيّ إمكانية للخروج من القوالب الفكرية الجامدة والمعيقة للتقدّم، تجلّت مقوماته في أعتى صورها في الأداء السياسي الذي ساهم، بدرجة كبيرة، في انهيار طموحات الشعب ومشروعه وأحلامه، وجيل جديد كبر ونما معظمه في ظروفٍ تفتقر إلى مقومات الحياة، بشقيها الجسدي والفكري، نتيجة الأوضاع التي خلفتها الحرب، فمن هو الجيل المتوقّع منه أن يباشر البناء، قبل أن نسأل عن إمكانية التأسيس للخطوة الأولى في بناء الديمقراطية، على مستوى المجتمع قبل الدولة؟ وكم من السنوات يلزمنا من أجل ترتيب حياة الشعب وفق المعطيات الجديدة، وجعلها قابلة للبقاء، والمضي إلى الأمام، قبل أن يبدأ العمل على هذا المشروع؟

ليس من الغريب أنّ توقّع أن يحمل الجيل الجديد، بغالبيته، علامات تغيّر جسدية، كتراجع علامات النمو قياساً بالمرحلة العمرية، أن نرى أفراداً ذوي بنية جسدية ضعيفة، وبالتالي قدرة أقل على العمل والإنتاج، كذلك، فإن نقص التغذية سوف يؤدّي إلى تراجع في القدرات الذهنية، عدا عن أنّ مئات الآلاف من الأطفال ممن كانوا صغاراً في بداية الحرب، ومن المواليد الذين يزداد عددهم بكثافة، برغم الظروف غير المناسبة، يعيشون بالحد الأدنى من الطعام، ومن دون الحد الأدنى للراتب الغذائي الذي يحتاجه الطفل لينمو، كذلك جيل الشباب في الداخل، إذ باتت الحالة المعيشية لأكثر من 90% من الشعب تنزلق تحت خط الفقر، ما يعني أنهم يعيشون على حافّة الجوع، وما ينجم عنه من فقر دم، وفقر مخيّلة.

هل يكفي بناء مخيمات أسمنتية تُؤوي المبعدين من أماكن اللجوء والمخيمات في دول الجوار، وفي مناطق النزوح، حتى نقول إن مشكلة الشعب قد حُلّت؟ أم أنّ إعادة المهجّرين تستوجب خططاً متكاملة من أجل تأمين بنية تحتية وخدمات ومدارس ومراكز صحية ومستوصفات، وإيجاد فرص عمل كضرورة ملحّة، بالتوازي مع تكثيف الجهود وجعلها حثيثة من أجل تأهيل هذا الجيش من الأطفال والشباب، كي يكونوا قادرين على الفعل والعيش في العصر، جيل كبر بعيداً عن التعليم التقليدي، فكيف بالتعليم في ظل الثورة الرقمية التي صار من لا يعرف التعامل مع أجهزتها وأدواتها أمّياً بمعنى الكلمة؟

الهدم سهلٌ وسريع، ولا يحتاج أدوات كثيرة، والحروب من أكثر الأدوات فاعلية وكفاءة في الهدم، ليس فقط تدمير البنيان والحجر، بل تدمير المجتمعات والشعوب، وزرع أسباب صعوبة اجتماعها مرّة أخرى، وهذا ما جرى في سورية، لكن البناء عملية أصعب وأطول أمدًا، ما يعني أن هناك جسرًا زمنيًا بين التسويات التي يجرى الحديث عنها والتحضير لها، والمباشرة في تنفيذها، وبين وصول المجتمعات السورية المنتظرة إلى حالة التقارب وردم الخنادق التي حُفرت بعضها في وجه بعض، واستصلاح كثير من “الأراضي المحروقة” في ما بينها، ما يخوّلها تحمّل مسؤولية البناء. ومن المرجّح أن يمتدّ هذا الجسر الزمني ويطول، فلن يكون البناء بعد مدة قصيرة، مثل ما كانت الحرب، فعقدٌ ليس طويلاً في عمر الشعوب، بالرغم من كثافة التدمير الذي وقع، والفواتير التي دفعت في هذه الحرب، لكنّ عقوداً ستمرّ بينما الوطن السوري، المتخيّل، يحبو قبل أن يستطيع النهوض على قدميه. تحمل أجيال الحرب، في غالبيتها، ذاكرة ليست فيها فكرة واضحة عن معنى الوطن، ولا عن معنى سورية الموحّدة، فحياة المخيمات والقهر والعيش المؤقت، بينما العمر يُستهلك في الانتظار بلا طموح، لا تنشئ تصوّراً عن كيفية تشكّل الأوطان، وكيف تُبنى الدول، وكيف تستقيم حياة مستدامة. وفي النهاية، لا تعرف غالبية هذا الجيل معنى الديمقراطية التي طمح إليها معظم الشعب في بداية انتفاضته، لا أرغب في إشهار صورة قاتمة، إنما هي أسئلة مؤرقة في البال، فيما لو كان المنتظر هو تسويات فقط، من دون الحلّ الشامل.

العربي الجديد

————————

السوريون والاستدارة التركية … المطلوب والممكن/ عمر الشيخ إبراهيم

تزداد وتيرة التصريحات التركية تجاه عقد لقاءات مع النظام السوري، وتكرّر فيها أنّ هدف اللقاءات “إحلال السلام في المنطقة”. وتوحي مثل هذه التبريرات بعدم احترام عقول السوريين وآلامهم ودماء الجنود الأتراك الذين قتلهم نظام الأسد… لكن، من قال إنّ السياسة والضمير الإنساني يسيران جنباً إلى جنب؟

يبدو أنّ صانع الخطاب التركي الرسمي يعتقد واهماً أنّ مستوى إدراك أنفة جمهور الثورة السورية وأنفتها هو نفسه ما اعتاد من المعارضة السورية. ولذلك لا يكلف نفسه بإيجاد مبرّرات منطقية لتسويق خطابه ذاك لديهم. والواضح أنّ تركيا تنظر إلى المعارضة السورية وجمهور الثورة، وربما إلى جيرانها العرب والكرد كذلك (القوميات التي حكمها العثمانيون)، نظرة التابع، لا الشريك أو الندّ، عكس نظرتها إلى إيران (الفرس) على سبيل المثال. لذلك، على صانع القرار التركي مراجعة خطابه وسلوكه إذا أراد الحفاظ على ما تبقّى له من ثقة لدى السوريين وحماية مصالحه، بخاصة أنّ الوجود التركي في سورية ربما سيكون مشابهاً لوجودها في قبرص، بمعنى أنّ أمده سيطول.

جعل هذا السلوك تركيا تخسر حلب، وهي شريان الحياة لنظام الأسد، وانقلبت الوقائع منذ ذلك الحين، ثم خسرت كركوك لصالح إيران، كما تخسر مكانتها لدى الشارع السنّي بعد تحالفها مع إيران والتوتر مع السعودية، وتخسر مكانتها لدى الشارع العربي بعد تحالفها مع روسيا، كما تكاد تخسر أيضاً صفتها الإنسانية بلداً راعياً ومحتضناً للفئات الساعية نحو التغيير الديمقراطي جرّاء ارتفاع وتيرة الخطاب العنصري ضد العرب، والتضييق على السوريين هناك بمبرّرات مختلفة.

تحمّلت تركيا ضغوطاً داخلية ودولية، وتعرّضت لهزّات اقتصادية وسياسية لمواقفها من الربيع، وقدّمت الكثير للسوريين، وقد أقرّوا به مراراً وما زالوا، لكنّ الأكيد أيضاً أنّها كسبت كثيراً جرّاء ذلك، فقد أصبحت اليوم لاعباً إقليمياً ودولياً أساسياً في عدة ساحات صراع، بدءاً من سورية ثم ليبيا وملف الطاقة في المتوسّط، وصولاً إلى أوكرانيا بعد ناغورني كاراباخ. وتعلم أنّ سورية كانت حجر القبّان في كسب هذا الثقل الدولي، ويريد راسم السياسة التركية الحفاظ عليه، ويعلم أنّ له أثماناً يجب دفعها، وقد تكون سورية إحداها.

بالانتقال إلى الحديث عن قلق تركيا من تعزيز سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) على طول حدودها مع سورية، وهو مشروع، وهواجسها محقّة بشأن إمكانية نشوء كيان ذي خلفية قومية كردية على حدودها، ولديها خشية استراتيجية من انتقال العدوى إلى داخل أراضيها ذات الكثافة الكردية والتوّاقة لحلم الاستقلال يوماً ما… لكن ألم تساهم تركيا في نشوء سلطة “الإدارة الذاتية” (الكردية) وتعزيزها؟

تضع تركيا الكرد في الدول الأربع (سورية والعراق وتركيا وإيران) في سلة واحدة، وترى أيّ حراك سياسي في هذه الدول تهديداً لأمنها القومي، فلولا نظرتها هذه لاستطاعت الاستفادة من المجلس الوطني الكردي، وهو أكبر مظلة تمثل السوريين الكرد، والذي اتخذ منها مقرّاً له مع اندلاع الثورة السورية، لكنّها لم تدعمه، لا بل أهملته، وكانت تستقبل الرئيس السابق لجزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلّم، ويلتقيه وزير خارجيتها الى حدود عام 2014، إذ انتهت تلك اللقاءات بعد رفضه المطالب التركية. وأدّى إهمال أنقرة المجلس الوطني الكردي بكلّ تنسيقياته (المدنية) وأذرعه العسكرية الناشئة إلى إحداث فراغ في الجزيرة السورية وحوض الفرات، وإنتاج بيئة مناسبة تماماً لحزب العمّال الكردستاني (في قنديل) لملء الفراغ عبر “قوات حماية الشعب”، وبرضا من نظامي الأسد وإيران، وهو ما وقع.

اعتقدت أنقرة أنّ سورية ستكون بيئة خصبة لهجرة معاكسة لمقاتلي “العمّال الكردستاني” من الشمال إلى الجنوب، بعد أن كان منطلقاً لهم، ورأت أنّ ذلك يعزّز أمنها القومي استراتيجياً، وراقبت، بشكل غريب، تنظيم هذه القوات نفسها، وإنشاءها أذرعاً سياسية، ثم خدمية إدارية من دون أي رد فعل مؤثر لتعطيله. ومع مرور الوقت، نشأ اقتصاد حرب، ونشأت معه طبقة مستفيدة تضم رجال أمن أتراكاً وفاعلين محليين من قادة فصائل ومتنفّذين، فأصبحت مناطق المعارضة تدرّ ملايين الدولارات يومياً على هذه الطبقة التي رسمت صورة وردية لهذه المناطق لدى القيادة التركية خلاف الواقع.

خطوات إعادة العلاقات بين تركيا ونظام الأسد مصلحة عامة للأسد والرئيسين التركي أردوغان والروسي بوتين الذي أعطى أردوغان صفة منقذ العالم من الجوع، برعايته اتفاق تصدير الحبوب من أوكرانيا، وهذا امتياز لا بد من دفع ثمنه في عدة ملفات، وربما الملف السوري أحد أهمّها، كما تتوقف على عوامل داخلية تركية أهمها: اتفاق الطاولة السداسية للمعارضة التركية على مرشّح وحيد لخوض الانتخابات في مواجهة أردوغان من عدمه، وقد نشهد تغييراً درامياً في الموقف حال جرى ذلك.

في كلّ حال، مسلسل التطبيع مع نظام الأسد مقنّن بدرجة لا تؤدّي إلى إنقاذ هذا النظام وتعويمه، مثل العقوبات التي أنهكته ولم تسقطه. وعلى هذا الأساس، تدور سياسات جميع القوى المتضرّرة مصالحها مما يحدث في سورية، والتي لن تنتظر إلى الأبد القرار الأميركي حيال نظام الأسد الذي لم يأت، ويبدو أنه لن يأتي، ويتمحور الوجود الأميركي في سورية بشأن نقطتين رئيسيتين، محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحماية “قوات حماية الشعب” ومناصريها من مذبحة ما داخلية أو خارجية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة الى أن الموقفين السعودي الرسمي (المعلن على الأقل) والقطري غير معنيين في المدى المنظور بإعادة العلاقات السياسية مع النظام، وهذا يجب الاستفادة منه وتطويره للصالح العام.

المقلق في كلّ التصريحات التركية تركيز أنقرة على أن هدف اللقاءات مع النظام إعادة اللاجئين إلى سورية، ولكن لا نعرف إلى أين سيعادون؟ إلى بيوتهم ومناطقهم التي هجّروا منها وهذا مستحيل، أم إلى مناطق سيطرة المعارضة، بخاصة البلدات والمدن الحدودية ذات الكثافة الكردية؟ وهذا إن حصل سنكون أمام قنبلة موقوتة ستفجّر المجتمع السوري، ولن تسلم المنطقة وتركيا من شظاياها في أي حال، وتوقع أنها ستكون بداية لسلسة من أحداث العنف العابرة للحدود لن تتوقف سنوات.

في الأثناء، على جمهور الثورة السورية في الداخل تنظيم صفوفه، والتفكير بخطوات عملية لعرقلة مسلسل التطبيع التركي مع نظام الأسد وتأخيره قدر الإمكان، والانتقال من مجرد التظاهر إلى التهديد بقطع الطرقات الدولية في حال فتحت، ومنع أيّ قوافل تعبر من خلالها ما لم تكن هناك خطوات عملية جدّية من قبيل إطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المختفين قسرياً، ويمكن تطوير قائمة الطلبات، وفرض رسوم على القوافل التجارية يذهب ريعُه إلى صندوق يعنى بتنمية المناطق خارج سلطة النظام، تحت إشراف مجالس محلية منتخبة بشكل نزيه ومستقل.

إذا أراد السوريون إحداث زلزال سياسي عليهم فتح حوار مباشر وجريء بين الفاعلين المحليين في مناطق سيطرة المعارضة و”الإدارة الذاتية”، وبرعاية أطراف ذات ثقة لدى الطرفين، قد تكون كردستان العراق، في حال وفّرت واشنطن مظلّة له، بهدف الوصول إلى صيغة تفاهم مشتركة، تؤدّي إلى اتحاد طرفي الجغرافيا الخارجة عن سيطرة النظام بشكل كلي أو جزئي، انطلاقاً من الحدود السورية العراقية شرقاً، في مناطق الجزيرة السورية، وصولاً إلى إدلب وريف حماة الشمالي الشرقي، مروراً ببلدات شمال حلب وشرقها وأريافهما على طول الحدود مع تركيا. ويحاذي هذا الاتحاد في منطقة جغرافية غنية بالموارد الطبيعية ومتنوعة زراعياً وصناعياً، وواسع المساحة، دولتين تشكّلان بعداً استراتيجياً وممرّاً لكلّ أنواع الدعم والتجارة، وبوّابته للتواصل مع العالم. ومن شأنه أن يشكّل ضغطاً هائلاً على المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، مع الأخذ بالاعتبار وجوده الهشّ في درعا والسويداء التي تستطيع الخروج عن سيطرته في أي لحظة. وبالتالي، سيكون هناك ضغط مزدوج أيضاً من خاصرته الجنوبية، مع إمكانية تطوير التنسيق بين القوى في كلّ هذه المناطق، لتوحيد خطواتها وفق مشروعٍ يُتفق عليه يحفظ للجميع مصالحهم، يبدأ بالبناء على المشتركات، وأهمها تغيير النظام وإقامة دولة المواطنة وتوزيع عادل للثروة على جميع أبنائه. ويأخذ بالاعتبار طمأنة تركيا وتبديد مخاوفها بضمانات جدّية مع الاستفادة من العمق العربي الرافض للتطبيع مع النظام، كالعربية السعودية وقطر والكويت، وبغطاء أميركي غربي، حينها يمكن أن تتغير كل المعطيات لصالح القوى المناهضة لنظام الأسد.

إلى حينه، أفضل قرار يمكن أن تتّخذه المعارضة الرسمية، في هذه الأثناء، قرارها بحل نفسها بجميع هيئاتها ومؤسساتها وإعلان انتهاء مشاركتها رسمياً في المسارات التفاوضية المختلفة، وإعادة القرار إلى الشارع الذي بدأت منه الاحتجاجات، وليذهب المجتمع الدولي إلى البحث عن عناوين لقادة هذا الشارع، ليتفاوض معهم.

———————————-

عن استحالة تلاقي المعارضة السورية مع “قسد”/ عبدالناصر العايد

دعت جهة غير معروفة سابقاً، إلى اجتماع في مدينة دورتموند الألمانية، في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، تحت مسمى مؤتمر “شباب الثورة السورية”، للتعبير عن رفض السوريين للتقارب المتسارع بين نظام الأسد وتركيا، والدعوة إلى استعادة السوريين زمام قضيتهم، وبناء سوريا الجديدة على أسس اللامركزية. وقد كشفت العبارة الأخيرة ببساطة، الجهة التي تقف وراء تمويل سفر المدعوين وإقامتهم، وهو مركز أبحاث صُوري، ممول من قبل “قوات سوريا الديموقراطية”، الأمر الذي دفع الكثير من المتحمسين للتعبير عن رفضهم للانعطافة التركية إلى العزوف عن حضور المؤتمر، بل ورفضه مسبقاً.

تكشف هذه المحاولة الالتفافية، ورد الفعل عليها، عمق الهوة غير المصرح بها بين جمهور الثورة السورية والتيار الكردي السوري الذي يهيمن عليه حزب العمال الكردستاني، وتأتي بالتزامن مع دعوات من أطراف في المعارضة ومن تيارات في “قسد” للتقارب والاندماج، مع شائعات هنا وهناك عن مشروع أميركي لدمج شرق الفرات مع شمال سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة وصنع تحالف قوي ضد النظام، والذي نستطيع أن نجزم مسبقاً بأنه لن يحصل في يوم من الأيام.

منذ العام 2017، وربما قبله، يُطرح بتواتر مُقترح توحيد المعارضة السورية الرسمية، مع “قسد”، وتشكيل تحالف لإسقاط نظام الأسد وإقامة نظام جديد في سوريا. وهذا السيناريو، عدا عن كونه يتجاهل أن المسافة ما بين المعارضة الرسمية و”قسد” هي أطول بكثير من تلك التي بين هذين ونظام الأسد، فإنه متفائل تفاؤلاً غير مبرر لناحية قدرة هذا التحالف على إنجاز المهمة التي عجزت الثورة السورية عن إتمامها بسبب اغلاق الطريق على التغيير من طرف قوى دولية كبرى على رأسها روسيا وإيران.

من جانب آخر، يمكننا أن نعدد عشرات حالات التفاوض بين النظام والمعارضة من جهة، وبين “قسد” والنظام من جهة أخرى، حيث كانت هناك على الدوام عقبات مرئية وواضحة، لو تم تجاوزها لأُنجز اتفاق بين النظام وأي منهما. فتنازل بشار الأسد عن السلطة لأي من أعضاء نظامه كان سيحل العقدة بينه وبين هيئة التفاوض، ومَنح الاعتراف الدستوري بالأكراد في سوريا كان سيشكل نهاية الجفاء وبد مسار من التعاون الوثيق. أما في حالة المعارضة و”قسد”، فالأمر ليس معقداً فقط بمعنى تضارب المصالح، بل إنه بسيط أيضاً، نظراً لكونه جوهرياً جداً. فمن الناحية الأيديولوجية، ثمة تناقض غير قابل للحل، ومن الناحية العملية هو تصور تنطبق عليه بشكل مثالي مقولة تلاقي “المتعوس مع خائب الرجاء”، الذي لا يمكن أن ينتج عنه سوى العويل والبكائيات. فلا “قسد” لديها القوة لإسقاط النظام، ولا المعارضة لديها الشرعية لمنح الأكراد اعترافاً تاريخياً، حتى لو أرادت ذلك.

ونقصد بالتناقض الإيديولوجي والذهني، تصورات كل من الطرفين عن نفسه وأهدافه. فالمعارضة بغالبيتها العظمى هي من العرب السنّة، الذين يعتبرون البلاد بلادهم، وأنهم أمّ الصبي وأبوه، وأن البلد سيكون يوماً ما خالصاً مخلصاً لهم على صعيد السلطة والهوية التي لا يقبلون بمزجها أو تلوينها بأي ألوان أخرى. فيما يقبع في قعر العقل القسدي أن مآل التحركات الحالية النهائي هو انتزاع حصة الأكراد من سوريا وضمه إلى الأجزاء التركية والعراقية والإيرانية التي ستُنتزع ذات يوم لإعلان كردستان الكبرى. وما بين هذين السمتين الرمزيتين شديدتي الجمود، يقبع نظام الأسد ببراغماتيته التي ترى العنصر الكردي مفيداً في الصراعات الإقليمية، خصوصاً ضد الجارة الكبرى تركيا، ويرى النزعة العروبية للمعارضة مكمن قوة له، فهي الشعار الذي يتبناه بإصرار منذ البداية.

أما من ناحية السياسة العملية وتحالفاتها وخريطة القوة المسيطرة داخل كل معسكر، فيمكننا أن نرى بوضوح أن المعارضة الرسمية السورية، العسكرية منها والمدنية، هي رهينة التيار المرتبط بأنقرة عضوياً، وهؤلاء هم أصحاب القول الفصل في أي تقارب من هذا النوع. ووجهة النظر التركية هي أن أي طرح باعتراف رسمي أو سياسي بأكراد سوريا هو جريمة ضد الأمن القومي التركي، يُردّ عليها بشن الحرب ذاتها وضد أي طرف إن اقتضى الأمر. أما ضمن صفوف “قسد”، فإن الغلبة هي لتيار قنديل، القومي المتشدد، إذ يرى أن نظام الأسد أفضل الشركاء بسبب جوهره الأقلوي القابل للتنازل التكتيكي هنا وهناك، بينما ينظر إلى العرب السنّة بوصفهم الكتلة الصماء التي تصعب زحزحتها أو انتزاع التنازلات منها، ويضرب صفحاً بشكل مسبق عن أي فكرة للتلاقي معها.

ثمة مختبران للعلاقة ما بين الطرفين. الأول هو في شرق الفرات، حيث يسيطر الأكراد على منطقة لا تقل نسبة العرب السنّة فيها عن 90%، لكنهم مغيبون بشكل مطلق عن كافة المواقع التي يصنع فيها القرار، ويقتصر حضورهم على الواجهات المحلية الخدمية. ومن الجانب الآخر، لدينا عفرين، وما يحيط بها، حيث نسبة الأكراد أكثر من 90% وتسيطر عليها قوات المعارضة المسماة “الجيش الوطني”، وهنا أيضا لا نسمع ولا نرى أي ملمح يشير إلى سكان المنطقة الاصليين، وبالمطلق أيضاً.

في وقت سابق، اقتنع الأعضاء الأقرب إلى واشنطن في “قسد”، وهم تيار مظلوم عبدي والهام أحمد، أن من الأفضل لهم أن يفاوضوا المعارضة، وأرسلوا عبر مسؤول التحالف الدولي حينها، جيمس جيفري، والسفير الأميركي في سوريا، جول رايبرون، رسالة إلى الائتلاف الوطني السوري يفيد بالجهوزية لبدء مسار تفاوضي جدّي. ويقول المسؤولون الاميركيون إن الرسالة الجدية أفزعت الجانب التركي، وبقيت بلا رد سياسي من جانب المعارضة السورية التي طلبت مهلة للتشاور، وجاء الرد بعد مدة وجيزة حين شنت القوات التركية عملية “نبع السلام” بالتعاون مع قوات المعارضة.

وبالمثل، رفضت “قسد وقاوم كوادرها القنديلوين، بشدة، كل المحاولات الأميركية لدمج العنصر العربي في الإدارة والقرار، ورفضوا منح أي ترخيص لحزب عربي حقيقي في شرق الفرات، ومنحت تراخيص لأحزاب شكلية ينهض بها وجيه طلب منه ذلك من طرف “قسد”. فيما زُجّ بعدد من السكان العرب في السجن بسبب مشاورات فقط لتكوين حزب قوامه عرب المنطقة أو توجه مستقل عن رؤية “قسد” وتصوراتها. بل حاربوا علناً زملاءهم من الأحزاب الكردية السورية المتحالفة مع المعارضة في ما يدعى “المجلس الوطني الكردي”، ومنعوهم من العمل في مناطق نفوذهم.

لا قاعدة أيديولوجية أو نفسية أو سياسية أو سابقة تاريخية تدعم مساعي التلاقي بين حزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على شرق الفرات، وبين المعارضة السورية الرسمية التي تتخذ من تركيا قاعدة لها. ولا فرصة لذلك التلاقي، حتى لو وضعت واشنطن كل ثقلها وراءه، ولن يكون محتملاً تغيير هذه القاعدة الصلبة إلى حين تغيّر خريطة القوى وتوازناتها في الشرق الأوسط برمته.

المدن

———————————

تظاهرات السوريين في أوروبا: #نفنى_ولا_يحكمنا_الأسد

أطلق ناشطون سوريون حملة واسعة تحت شعار #نفنى_ولا_يحكمنا_الأسد، دعوا فيها للتظاهر يوم الجمعة في عدد من العواصم الأوروبية، من بينها برلين وباريس.

وبحسب التغريدات، فإن التظاهرات تهدف إلى التضامن مع “ثوار الداخل” والتأكيد لحكومات الدول الغربية أن التطبيع مع النظام السوري يعني مكافأته على الجرائم التي ارتكبها طوال العقد الماضي في محاولته إخماد الثورة الشعبية التي طالبت بالإصلاح السياسي العام 2011.

    #نفنى_ولا_يحكمنا_الأسد

    تحت هذا الشعار ناشطو الثورة السورية في أوربا ينظمون مظاهرات في عواصم ومدن عدة دعما لحراك اهلنا في الداخل الرافض للمصالحة والمطالب بإسقاط بشار ومحاسبته. pic.twitter.com/Ub6sNxclrx

    — عقيل حسين (@akilhousain) January 17, 2023

وكانت تظاهرات مماثلة بدأت في الشمال السوري، رفضاً لمحاولة تركيا التقارب مع النظام السوري في الفترة الأخيرة.

والدعوات الجديدة للتظاهر تشمل كلاً من ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا وبريطانيا والدنمارك وبلجيكا والنمسا. وقال الناشطون المنظمون للحملة في تصريحات لوسائل إعلام معارضة، أن تنظيمها يهدف إلى إعادة الروح المعنوية لأهل الثورة السورية. وأضافوا أن التظاهرات تراجعت في أوروبا بسبب جائحة كورونا لا أكثر.

وإلى جانب رفض التطبيع، يرفع المشاركون في الحملة شعارات تنادي بإطلاق سراح المعتقلين من جهة، ومعرفة مصير المغيبين قسراً إلى جانب دعم المحتجين في الداخل السوري بما في ذلك في محافظة السويداء الجنوبية.

وكتب أحد المغردين في “تويتر”: “ماني ندمان ع الثورة بس قلبي محروق عيلّي راحو”. فيما أعاد آخرون مشاركة مقاطع فيديو وصور لمجازر سابقة ارتكبها النظام السوري كمقدمة للحديث عن رفضهم للتطبيع مع النظام.

    ماني ندمان ع الثورة بس قلبي محروق عيلي راحو#لن_نصالح #نفنى_ولا_يحكمنا_الأسد pic.twitter.com/A8f34uw5Sn

    — أغيد ☝️ (@Aghiad_daraya) January 17, 2023

    مجزرة الحصوية بساتين حمص في ١٦/١/٢٠١٣ قتلوا أمي وأختاي وابن أختي الطفل الذي لم يتجاوز عمره ال٥سنوات وقاموا بحرق جثثهم واعتقلوا والدي وسلموه جثة هامدة بعد ثلاثة أيام من اعتقاله عدا عن عائلة أولاد عمي الذين تم قتلهم في المنزل المجاور .#لن_نصالح#نفنى_ولا_يحكمنا_الأسد pic.twitter.com/X2WLJ3fO2z

    — محمد غالول (@egale81) January 17, 2023

    #نفنى_ولا_يحكمنا_الأسد pic.twitter.com/AXQsczEQeJ

    — علي (@a800112039a) January 17, 2023

——————————–

تركيا تدعو لإشراك إيران بمسار التطبيع مع النظام السوري

قال وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو إن بلاده أطلعت إيران على تفاصيل اللقاءات مع النظام السوري ضمن خطوات مسار التطبيع بينهما، مشدداً على ضرورة بدء عملية سياسية في البلاد وفق القرار 2254.

وأضاف تشاووش أوغلو خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الثلاثاء، أنه ناقش بشكل موسّع مع نظيره الإيراني القضية السورية، مؤكداً على أن بلاده تشارك وجهة النظر الإيرانية المتمثلة بدعم وحدة واستقلال الأراضي السورية.

وقال: “هناك حرب مستمرة منذ 11 عاماً، أريقت الكثير من الدماء وحصل ظلم كثير، هناك الكثير من المهجرين”، مؤكداً على استمرار بلاده التشاور مع طهران ضمن مسار أستانة، وعلى أهمية الدور الإيراني بعملية مكافحة الإرهاب ودعم عودة اللاجئين السوريين الآمنة إلى بلادهم.

وأضاف أنه بصدد لقاء وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد بمشاركة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضمن مسار التطبيع، مؤكداً على أهمية إشراك إيران في هذه اللقاءات قائلاً: “أبلغنا إيران بعد عقد اجتماعنا مع النظام السوري وروسيا، وروسيا أيضاً أبلغتهم، إننا نؤكد على أهمية إشراك إيران في هذه العملية”.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بالتزاماتهما بوعودهما المتعلقة بإخراج الوحدات الكردية من شمال شرق سوريا، في إطار الاتفاق الذي عقدته أنقرة مع موسكو وواشنطن عام 2019، مشدداً على ضرورة تطهير المنطقة هناك من “الإرهاب”.

وقال: “ازداد وجود وحدات حماية الشعب في تل رفعت ومنبج وشرق الفرات”. وأضاف: “إنهم يهاجموننا ويهاجمون السوريين، ويجندون الأطفال بالقوة، وكذلك الأمر في العراق، وجود حزب العمال الكردستاني يشكل تهديداً لإيران ولتركيا، ويجب تطهير هذه المناطق من هؤلاء الإرهابيين”.

ودعا أوغلو إلى البدء بعملية سياسية من أجل الوصول إلى حل سياسي في سوريا وفق قرار مجلس الأمن 2254، مشدداً على ضرورة البدء بخطوات عملية ودعمها في هذا السياق.

وأكد الوزير التركي رفض التدخل الغربي في علاقات تركيا مع العراق وسوريا قائلاً: “لسنا بحاجة لتلقي إرشادات من دول أخرى في خطواتنا التي نتخذها، إذا كان هناك مشكلة في إيران أو سوريا أو العراق، هي مسؤوليتنا نحن”.

خطوات إيجابية

من جهته، وصف أمير عبد اللهيان خطوات التقارب التركية مع النظام السوري بالإيجابية قائلاً: “نؤمن بأهمية أي خطوة إيجابية في إطار العلاقات بين البلدين، ونؤمن بأهمية هذه العلاقات للمنطقة”، معرباً عن دعمه لمسار تغيير العلاقات بين أنقرة ودمشق.

وقال: “نحن في إيران نراقب هذه المرحلة، وسنقدم كل ما بوسعنا من أجل تطوير تلك العلاقات”.

كما التقى عبد اللهيان القادم من دمشق، عقب لقاءات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد هناك، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

لكن أوغلو تجنّب خلال المؤتمر الصحافي تحديد مكان وزمان لقائه مع المقداد، مما قد يشير إلى صحة الأنباء بتعثر في التفاهمات التركية مع النظام السوري، بعد أن أنتج مسار التطبيع المدعوم من قبل روسيا، بغياب إيراني واضح، لقاءً بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري ورؤساء أجهزة الاستخبارات للمرة الأولى منذ 2011، نهاية كانون الأول/ديسمبر 2022.

———————————–

أنقرة ترفض شروط الأسد… وعبداللهيان يرى في «التقارب» مصلحة للمنطقة

تركيا وإيران تدعمان «الحل السياسي والحفاظ على وحدة سوريا»

أنقرة: سعيد عبد الرازق

أكدت تركيا وإيران دعمهما للحل السياسي للأزمة السورية، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا، وضرورة العمل على حل كثير من المشكلات في إطار «مسار أستانة».

وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، عقب مباحثاتهما في أنقرة الثلاثاء، إنهما بحثا الملف السوري بشكل موسع، و«أكدنا دعمنا الحل السياسي والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية».

وأضاف أنه أكد على «احترام ودعم تركيا الوحدة السياسية للأراضي السورية»، مشيراً إلى أنه «منذ 11 عاماً هناك أزمة أدت إلى كثير من المشكلات، وأنه في إطار مسار أستانة، الذي تشكل تركيا وروسيا وإيران الدول الضامنة له، نرى أنه يجب العمل على حل كثير من المشكلات».

وأكد أن التعاون والتنسيق مع إيران «متواصل في إطار مسار أستانة، وأن أنقرة لديها رغبة مشتركة في تفعيل المسار السياسي، وعمل اللجنة الدستورية، وغيرها من الخطوات في سوريا لإرساء الاستقرار».

وتابع جاويش أوغلو أن عملية تطبيع بين مؤسسات الاستخبارات في تركيا وسوريا «قد بدأت»، وشدد على أن بلاده «لن تسمح بقيام دولة إرهابية على حدودها الجنوبية»، وأن أحد الموضوعات المشتركة التي تطرقت إليها المباحثات مع نظيره الإيراني «هي محاربة الإرهاب»، مشيراً إلى أن بلاده «تتخذ خطوات ضد حزب العمال الكردستاني في تركيا وخارج الحدود، وهناك وجود للعمال الكردستاني في إيران، وفي سوريا من خلال وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات سوريا الديمقراطية (قسد)».

ولفت إلى أن الولايات المتحدة وروسيا «لم تفيا بتعهداتهما بموجب تفاهمات وقّعت عام 2019 لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن الحدود التركية، وبالتالي فإن تركيا من حقها القيام باللازم، ولن نسمح بتشكيل دولة إرهابية على حدودنا».

من جانبه، رحّب وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان بخطوات التقارب بين تركيا وسوريا، قائلاً: «نؤمن بأهمية التقارب بين أنقرة ودمشق… نرحب بتطور العلاقات بين تركيا وسوريا، ونرى أن ذلك سيكون لمصلحة المنطقة».

وكان الملف السوري ومحادثات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق على رأس القضايا التي تناولتها المحادثات، فيما ردّت تركيا على تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، التي اشترطا فيها انسحاب تركيا من شمال سوريا، ووقف دعمها للفصائل السورية المعارضة «من أجل التقدم في مسار التطبيع»، وأعلنت أنها «ليست قوة احتلال في سوريا، وأن الخطر الحقيقي هو المنظمات الإرهابية على أراضيها».

وزار عبد اللهيان أنقرة، الثلاثاء، بعد زيارته الأحد لدمشق، بدعوة من نظيره التركي. واستقبله الرئيس رجب طيب إردوغان في مقر «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في أنقرة، بحضور جاويش أوغلو.

– جدول مزدحم

جاءت زيارة الوزير الإيراني لتركيا، قبل زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قال عنها المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، الأسبوع الماضي، إنه كان مقرراً أن تتم في وقت سابق، لكنها تأجلت بسبب جدول أعمال الرئيس الإيراني، الذي قد يزور سوريا أيضاً، فيما يبدو أنه حراك إيراني يهدف إلى إثبات الحضور في ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، الذي قادت محادثاته روسيا حتى الآن.

وقبل يومين من زيارته لأنقرة، زار عبد اللهيان دمشق، وقال خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السوري فيصل المقداد: «عندما علمنا باحتمال شنّ القوات التركية هجوماً على الشمال السوري تدخلنا لمنعه… نحن سعداء بأن الجهود الدبلوماسية لإيران أدت إلى أن يحل الحوار محل الحرب». وفي ردّ على تصريحات الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، التي اشترطا فيها انسحاب القوات التركية من شمال سوريا ووقف الدعم لما وصفاه بـ«الجماعات الإرهابية»، قال المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية»، عمر تشيليك، إن بلاده «ليست قوة احتلال في سوريا». واعتبر في مؤتمر صحافي في أنقرة، ليل الاثنين – الثلاثاء، عقب اجتماع مجلس الوزراء برئاسة إردوغان، أن «التهديد الأول والحقيقي للجانب السوري هو المنظمات الإرهابية، وليس تركيا». وأكد مجدداً أن تركيا «تحترم، منذ البداية، وحدة وسلامة سوريا».

وعن اللقاء المرتقب لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا، قال تشيليك إنه «عندما تستكمل التحضيرات اللازمة، سيلتقي وزراء الخارجية لاستئناف المحادثات الدبلوماسية والسياسية».

وأكد ضرورة التمسك بالمسار السياسي، موضحاً أن ما يجب القيام به في سوريا «هو المضي قدماً في مسار العملية السياسية، وإنشاء فعلي لآلية العمل المشترك (بين تركيا وسوريا وروسيا) من أجل محاربة المنظمات الإرهابية التي تهدد وحدة الأراضي السورية».

وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، بدوره، أنه على رغم دعم تركيا العملية السياسية، التي بدأت أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي بلقاء وزراء دفاع تركيا وروسيا وسوريا في موسكو، وحضور رؤساء أجهزة مخابرات الدول الثلاث، فإن العملية العسكرية البرية التركية ضد مواقع «قسد» في شمال سوريا «ما زالت خياراً مطروحاً»، وقد تنطلق في أي وقت تتعرض فيه حدود تركيا وأمنها للتهديد.

ولفت كالين إلى أن روسيا والولايات المتحدة لم تفيا بالوعود التي جرى تقديمها لتركيا عام 2019، والتي تضمنت إبعاد عناصر «قسد» مسافة 30 كيلومتراً عن الحدود مقابل تعليق عملية «نبع السلام» العسكرية التركية في شرق الفرات. وأضاف: «نريد الأمن على حدودنا… ولا نستهدف أبداً مصالح الدولة السورية ولا المدنيين السوريين… هدفنا هو مكافحة الإرهاب وتأمين حدودنا وشعبنا».

وقال المتحدث الرئاسي التركي إن وزير الدفاع خلوصي أكار سيلتقي نظيره السوري علي محمود عباس، قبل اجتماع وزراء الخارجية، المتوقع عقده في منتصف فبراير (شباط) المقبل.

ورأى مراقبون أن تصريحات كالين بشأن عقد لقاء جديد لوزراء الدفاع، وتجديد الحديث عن العملية العسكرية، تعكس قراءة تركية لموقف دمشق تشير إلى «نوع من التباطؤ وعدم وجود نية لدى النظام السوري للسير بالوتيرة نفسها، وتلبية المتطلبات المتعلقة بمكافحة الإرهاب (التعاون ضد قسد) وتحقيق شروط مناسبة لعودة طوعية وآمنة للاجئين في وقت قريب».

ميدانياً، استمرت الاشتباكات العنيفة بالأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة بين قوات النظام من جهة، وفصائل «الجيش الوطني» الموالي لتركيا من جهة أخرى، على محور قرية عمية، بريف تادف، شرق حلب، الثلاثاء، وسط تبادل للقصف المدفعي والصاروخي بين الطرفين، وذلك لليوم الثاني على التوالي.

في الوقت ذاته، سيّرت الشرطة العسكرية الروسية والقوات التركية دورية مشتركة في ريف عين العرب (كوباني) الغربي، تعد الدورية رقم 123 منذ اتفاق وقف إطلاق النار في إطار عملية «نبع السلام» العسكرية التركية، في شمال شرقي سوريا، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، والثالثة منذ مطلع العام الجديد.

وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، انطلقت الدورية، المؤلفة من 8 عربات عسكرية روسية وتركية، رفقة مروحيتين روسيتين، من قرية «أشمة»، 20 كيلومتراً غرب عين العرب، وجابت قرى جارقلي فوقاني، قران، ديكمداش، خورخوري، بوبان، جول بك، وصولاً إلى قرية تل شعير 4 كيلومترات غرب المدينة، قبل عودتها إلى نقطة انطلاقها من جديد.

الشرق الأوسط

—————————

تحركات تركية شمال سوريا تكشف تباعد التطبيع مع النظام

تعزيزات وصدام مع دورية روسية… وعبداللهيان يزور أنقرة اليوم

أنقرة: سعيد عبد الرازق

بينما بحث الرئيسان التركي والروسي رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين في اتصال هاتفي، الإثنين، التطورات في سوريا ومسار المباحثات وتحدثت مصادر إعلامية في كل من أنقرة وطهران عن زيارة محتملة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لأنقرة، الثلاثاء، للقاء نظيره التركي مولود جاويش أوغلو قبل توجهه مساء إلى واشنط، عكست التطورات على الأرض في شمال سوريا تباعداً في مواقف تركيا والنظام السوري بشأن مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق بعد التصريحات المتبادلة في الأيام الأخيرة عن شروط النظام للمضيّ قدماً في المحادثات وحديث أنقرة عن إمكانية عقد لقاء جديد لوزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا قبل الوصول إلى مرحلة لقاء وزراء خارجية الدول الثلاث الذي جرى الحديث عن انعقاده في يناير (كانون الثاني) الحالي ثم أُعلن أنه لن يُعقد قبل منتصف فبراير (شباط). وفي هذا الإطار، عادت تركيا إلى الدفع بتعزيزات عسكرية إلى مناطق سيطرتها وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لها في حلب. كما أنشأت مهبطاً للطيران المروحيّ قرب قاعدة لقواتها في بلدة بليون بجبل الزاوية، ضمن منطقة خفض التصعيد في إدلب.

وفي الوقت ذاته، استمر التصعيد في الهجمات على مواقع قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مناطق سيطرة الأخيرة في شمال وشمال شرقي سوريا.

ودخل رتل عسكري تركي ضم ناقلات جند وعتاد عسكر وذخيرة من معبر الراعي شمال حلب، ومنها إلى مدينة الباب في شرق المحافظة، رفقة عربات عسكرية تابعة لفصيل «السلطان مراد» أقرب فصائل المعارضة التركية المسلحة لتركيا، حسبما أفادت مصادر من المعارضة.

وتعد هذه التعزيزات هي الأولى منذ عقد اجتماع وزراء دفاع وأجهزة المخابرات في تركيا وسوريا وروسيا في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وكانت آخر تعزيزات أرسلها الجيش التركي إلى نقاطه المنتشرة في إدلب، شمال غربي سوريا، تزامنت مع اجتماع وزراء الدفاع.

واللافت أن التعزيزات الجديدة، التي دخلت من معبر الراعي ليل الأحد – الاثنين، جاءت بعد يوم واحد فقط من تصريحات للمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، أكد فيها أن عملية عسكرية برية تستهدف مواقع «قسد» في شمال سوريا لا تزال خياراً مطروحاً على طاولة أنقرة، ما دامت الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بتعهداتهما الواردة في تفاهمين أوقفت تركيا بموجبهما عملية «نبع السلام» العسكرية التي استهدفت مواقع «قسد» في شرق الفرات في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 مقابل إبعاد عناصر «قسد» مسافة 30 كيلومتراً عن الحدود.

وشهدت الأيام الأخيرة، تصاعداً للمواجهات بين مناطق انتشار القوات التركية والفصائل المتحالفة معها من جهة، ومناطق قوات النظام و«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» من جهة أخرى، بالتوازي مع الحديث المتصاعد عن الإعداد للقاء وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا، في إطار المرحلة الثانية في مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، والذي تراجع الحديث عنه ليحل محله إعلان أنقرة عن عقد لقاء ثانٍ لوزراء الدفاع وأن لقاء وزراء الخارجية قد يُعقد في منتصف فبراير.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية (السبت)، أن أحد جنودها تُوفي متأثراً بجروح أُصيب بها جراء قصف على قاعدة تركية في ريف حلب، ونشرت مقطع فيديو على حسابها في «تويتر» يُظهر قصف مواقع لـ«قسد» في شمال سوريا رداً على الهجوم على القاعدة التركية، وأعلنت عن مقتل 11 من عناصر «قسد». وجاء مقتل الجندي التركي بعد يوم من مقتل ضباط سوريين، أحدهم برتبة لواء، بقصف تركي على موقعهم شمال سوريا.

وهددت تركيا مراراً منذ مايو (أيار) الماضي بشن عملية عسكرية تشمل مواقع «قسد» في منبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني) لإبعاد القوات الكردية عن حدودها لمسافة 30 كيلومتراً، واستكمال إقامة مناطق آمنة بهذا العمق لاستيعاب اللاجئين السوريين لديها، وتأمين حدودها في الوقت نفسه.

ونظر مراقبون إلى تصريحات كالين بشأن عقد لقاء جديد لوزراء الدفاع وتجديد الحديث عن العملية العسكرية على أنها «قراءة تركية لموقف دمشق» تشير إلى نوع من التباطؤ، وعدم وجود نية لدى النظام السوري للسير بالوتيرة نفسها وتلبية المتطلبات المتعلقة بمكافحة الإرهاب (التعاون ضد «قسد») وتحقيق شروط مناسبة لعودة طوعية وآمنة للاجئين في وقت قريب، بعد التصريحات التي صدرت عن الرئيس الأسد (الخميس)، في لقائه مع المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، التي تحدّث فيها عن عدم إمكانية تحقيق تقدم في مسار التطبيع مع أنقرة، وأن سوريا أكدت ضرورة إنهاء «الاحتلال التركي»، ووقف دعم المجموعات الإرهابية (فصائل المعارضة المسلّحة المدعومة من أنقرة) في شمال البلاد وتصنيفها تنظيمات إرهابية، مع تكرار التصريحات نفسها خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان.

وإذا كانت أنقرة قد أعلنت أنها ستسحب قواتها من شمال سوريا في ضوء التقدم بالعملية السياسية وتحقيق الاستقرار في البلاد، لأنها لا أطماع لها في أراضي أي دولة مجاورة، فإنها ليست في وارد تصنيف الفصائل السورية الموالية لها تنظيمات إرهابية، وأكدت أن دعمها للشعب وللمعارضة السورية سيستمر وأنها متمسكة بحل الأزمة السورية في إطار القرارات الدولية ذات الصلة.

استهداف تركي لدورية روسية

في الوقت ذاته، واصلت القوات التركية والفصائل الموالية تصعيدها العسكري على محاور التماس مع قوات «قسد» والنظام، وقصفت، بالمدفعية الثقيلة، قرية توخار ضمن مناطق سيطرة مجلس منبج العسكري المنضوي تحت قيادة (قسد) بريف منبج شرق حلب، تزامناً مع وجود آليات هندسية ودورية روسية في القرية لرفع السواتر الترابية.

وذكر المرصد السوري أن القوات التركية استهدفت بالأسلحة الثقيلة الآليات والدورية الروسية وأجبرتها على التراجع.

كما دوّت انفجارات عنيفة في مدينة تادف بريف حلب، ليل الأحد – الاثنين، بسبب تبادل القصف بالمدفعية الثقيلة، بين قوات النظام من جهة، وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا، على محور مدينة تادف بريف الباب شرق حلب، تزامناً مع اندلاع اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة على محاور التماس.

ويشهد محور تادف اشتباكات عنيفة متكررة بالأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة، بين قوات النظام من جهة، وفصائل الجيش الوطني من جهة أخرى، كان آخرها في 8 يناير الحالي.

وواصلت القوات التركية استهدافاتها بالطائرات المسيّرة المسلحة لقياديي وعناصر «قسد» في شمال شرقي سوريا، واستهدفت إحدى الطائرات، ليل الأحد – الاثنين، سيارة عسكرية بصاروخين، في المنطقة الواقعة بين قريتي كري موزان وقرقوب جنوب شرقي عامودا شمال الحسكة، ولم تسفر الهجمة عن خسائر بشرية.

وحسب المرصد السوري، هذا هو الاستهداف السادس بالمسيّرات التركية على مناطق «قسد» في شمال وشمال شرقي سوريا منذ مطلع العام الحالي. وتسببت في مقتل مدنية و3 مسلحين وإصابة 3 أشخاص بجروح متفاوتة.

في غضون ذلك، أفاد المرصد أمس (الاثنين)، بأن القوات التركية انتهت من إنشاء مهبط للطيران المروحي قرب قاعدة لها في بلدة بليون بجبل الزاوية بريف إدلب، لتسهيل عمليات نقل الضباط والحالات المرضية من المنطقة البعيدة عن مركز وجود القوات التركية في معسكر المسطومة ومطار تفتناز العسكري، حيث يوجد في تلك القواعد مهابط للطيران المروحي.

تعزيزات للتحالف الدولي

في المقابل، دفعت قوات التحالف الدولي، بقيادة أميركا، بتعزيزات عسكرية جديدة، أمس، تضمنت مدرعات وصهاريج وقود، قادمة عبر معبر الوليد الحدودي مع إقليم كردستان العراق باتجاه قاعدتها العسكرية في بلدة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، ضمّت 50 شاحنة مغلقة، إضافةً لشاحنات أخرى تحمل مواد لوجيستية وسيارات رباعية الدفع، ومدرعات عسكرية، وعدداً من صهاريج الوقود برفقة عدد من المدرعات العسكرية الأميركية.

وتعد هذه التعزيزات هي الثانية من نوعها بعد إرسال قوات التحالف الدولي رتلاً من 20 صهريجاً محمَّلة بالوقود إلى قواعده في ريف الحسكة. وكانت القوات الأميركية قد أعادت وجودها في بعض مناطق «قسد» بالتزامن مع تهديد تركيا بشن عملية عسكرية برية في شمال سوريا تستهدف منبج وتل أبيض وعين العرب (كوباني)، كما زادت من الدوريات المشتركة مع «قسد»، بعد أن أعلنت واشنطن رفضها لأي تحرك عسكري تركي.

في الوقت ذاته، أفاد المرصد السوري بسماع دوي انفجارات ناجمة عن تدريبات عسكرية مشتركة بالذخيرة الحية بين قوات «قسد» والتحالف الدولي في قاعدة حي غويران بمدينة الحسكة، في إطار التنسيق والتدريبات المشتركة ضمن قواعدها في شمال وشرق سوريا.

————————–

التناقض لا يوقف التفاوض”.. ما المتوقع بين أنقرة ودمشق بعد “شرطي الأسد”؟/ ضياء عودة – إسطنبول

لمرتين وفي لقائين منفصلين مع الروس والإيرانيين اشترط رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال الأيام الماضية “إنهاء الاحتلال ووقف دعم التنظيمات الإرهابية”، للدفع بالحوارات مع أنقرة، ولكي تكون “اللقاءات مثمرة”.

ورغم أن الجانبين قطعا مرحلتين على صعيد العلاقة المستجدة بينهما، إلا أن هذين المطلبين قد يعرقلان الانتقال للمرحلة الثالثة، وهي اللقاء على مستوى الساسة.

وبعدما أعلنت أنقرة ودمشق، قبل أسبوعين، عن اجتماع جمع وزراء دفاعهما ورؤساء الاستخبارات في العاصمة الروسية، موسكو، اتجهت الأنظار إلى اللقاء الذي كان من المقرر أن يتم بين وزيري الخارجية، مولود جاويش أوغلو، وفيصل المقداد، في النصف الثاني من شهر يناير الحالي.

وفي حين أطلقت الكثير من التصريحات التركية بشأن الموعد المذكور، إلا أن التوقيت بقي مثار جدل وتباين، فيما أعلن جاويش أوغلو مؤخرا أنه قد يجتمع مع نظيره المقداد، في أوائل فبراير المقبل، بينما لم يعلّق الأخير، مكررا “شرطي الأسد” في مؤتمر صحفي، وفي أعقاب لقائه مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في العاصمة السورية، دمشق.

ولطالما اعتبر مراقبون أتراك وسوريون أن الطريق الخاص بإعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري سيكون “وعرا”، لاعتبارات تتعلق بطبيعة الملفات الخلافية القائمة، منذ سنوات طويلة، وفي حين فتح اللقاء على مستوى وزراء الدفاع في موسكو بابا هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد، إلا أن الرياح التي هبّت منه بعد ذلك حملت تفاصيل المشهد المعقّد.

ومع ذلك وعلى الرغم من التناقض الذي بدا في وجهة نظر كل من أنقرة ودمشق، منذ بداية العام الحالي، إلا أن مراقبين أشاروا في حديثهم لموقع “الحرة” إلى أن ذلك “لن ينهي بالضرورة مسار المفاوضات القائم”، والذي ترعاه بالأساس وتحاول المضي به روسيا، حليفة الأسد.

“تناقض وتفاوض”

وبعد اللقاء الوزاري، في 28 ديسمبر من العام المنصرم، لم تتكشف الكثير من التفاصيل التي ناقشتها تركيا مع النظام السوري، بينما تلّخص ما ساد لاحقا بأن الملفات التي تم بحثها تركزت على مسألة “مكافحة الإرهاب” ومسار عودة اللاجئين، بصورة آمنة وطوعية.

علاوة على ذلك أشار مسؤولون أتراك على رأسهم وزير الدفاع، خلوصي آكار، إلى أنه تم التوصل إلى جميع الاتفاقات اللازمة خلال “لقاء موسكو”، متحدثا عن الاتفاق على إنشاء مركز مشترك وتطوير تسيير الدوريات المشتركة في الشمال السوري، بالإضافة إلى استمرار اجتماع الخبراء مرة أخرى.

وأضاف في إحدى تصريحاته، في الرابع من يناير، أن “الاجتماع سيستمر.. ويمكننا تطوير الدوريات المشتركة مع روسيا في شمال سوريا، وستستمر هذه العملية في شكل اجتماع للخبراء مرة أخرى”.

في المقابل، وبينما لم تترجم أي خطوة على الأرض، لم يبد النظام السوري أي تصريح لتوضيح ما تمت مناقشته مع الجانب التركي، لكن، وبموازاة ذلك، نقلت وسائل إعلام مقربة منه عن “مصادر مطلعة” بأن دمشق طلبت انسحاب القوات التركية بالكامل من سوريا، وهو ما نفته أنقرة، خلال الأسابيع الماضية.

ويوضح المحلل والباحث التركي المقيم في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك، أن الشروط التي وضعها نظام الأسد “تُظهر أن دمشق لا تزال غير مستعدة للانخراط بشكل بناء ولا تزال تنظر إلى المعارضة السورية الشرعية على أنها التهديد الأساسي”.

ويقول الباحث التركي لموقع “الحرة”: “حتى يظهر النظام استعداده لحل سياسي يتماشى مع قرار الأمم المتحدة 2254، سيكون من الصعب للغاية التوصل إلى اتفاق”، معتبرا أن “مطالب نظام الأسد غير مقبولة وغير قابلة للتفاوض بالنسبة لتركيا”.

“نعلم أن النظام صاغها كشرط مسبق لأي حديث مع تركيا، لكن الضغط الروسي أجبره على حضور الاجتماع الوزاري”، أواخر العام المنصرم، وفق الباحث.

من جهته، لا يعتقد المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، أن “العملية السياسية التي بدأت بين أنقرة ودمشق ستتوقف”، لثلاثة أسباب، أولها أن هذه العملية جاءت بعد إجراء محادثات استخباراتية ومن ثم على مستوى وزراء الدفاع.

يقول يوسف لموقع “الحرة”: “لو لم يتوصل الجانبان في محادثات الاستخبارات لأي نتيجة لما رأينا اجتماعهما على مستوى وزراء الدفاع في العاصمة موسكو”.

ويضيف المحلل السياسي ومدير “المركز السوري للحوار والفكر” أن “ما قاله الأسد والمقداد هي ثوابت لدى سوريا. في حال كانت تركيا جادة فإن هذا الموضوع لا يؤثر على سير العملية السياسية، كون اللجان المشكّلة ستعمل على وضع جدول للانسحاب وتفكيك المجموعات الإرهابية”، بحسب تعبيره.

“مطالب غير واقعية”

ومنذ سنوات طويلة لم يكن هناك أي اتصال سياسي بين أنقرة ودمشق، وكذلك الأمر بالنسبة للمسار العسكري، لكن الجانبين اتجها للخوض بمحادثات استخباراتية، تكشفت على نحو أكبر بعد عام 2019.

لتركيا قوات كثيرة داخل الأراضي السورية، في محافظة إدلب وريف حلب ومناطق أخرى في شمال وشرق سوريا ضمن تل أبيض ورأس العين، كما أنها تدعم عسكريا تحالفا مناهضا للأسد، هو “الجيش الوطني السوري”.

وكذلك الأمر بالنسبة للشق السياسي، إذ تعتبر تركيا الملاذ الرئيسي لعمل ونشاطات الأجسام السياسية المعارضة للأسد، مثل “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، بينما تنخرط أنقرة في المحادثات الخاصة بالملف السوري، وتؤكد باستمرار رؤيتها للحل في البلاد، بموجب قرار مجلس الأمن 2254.

وفي حين ترى أنقرة “وحدات حماية الشعب” في شمال وشرق سوريا على أنها “إرهابية” وترتبط بـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب الدولية يعتبرها النظام السوري بأنها تسعى لـ”الانفصال عن سوريا”، وبالتالي يتقاطعان في هذا القاسم المشترك.

ومع ذلك وبينما تدعم تركيا فصائل “الجيش الوطني السوري” في شمال سوريا وتعتبرها جسما عسكريا “حليفا” إلا أن النظام السوري يعتبرها “مجموعات إرهابية” ويجب وقف الدعم عنها.

وحتى الآن، “تشبه المفاوضات بين تركيا والنظام السوري بوساطة روسية، المفاوضات بين النظام والمعارضة في جنيف”، حسب أنطون مارداسوف، المحلل والباحث الروسي غير المقيم في برنامج سوريا بمعهد الشرق الأوسط.

ويقول إن “دمشق تطالب بمطالب غير واقعية وتستمر في العيش بدعاية لها”.

ويوضح الباحث الروسي لموقع “الحرة” أن “الأسد يدرك جيدا أن تركيا قادرة، لكنها لن ترغب في إجراء عملية واسعة النطاق في شمال سوريا، حيث سيتعين عليها إشراك قواتها البرية، ولذلك يبدأ الآن في طرح مطالب غير واقعية، متناسيا الوعود التي تقدمها روسيا، في محاولة للتأثير على مواقف أنقرة التفاوضية القوية إلى حد ما”.

ويشير الباحث التركي، أوزكيزيلجيك، إلى أن “روسيا ستواصل الضغط على نظام الأسد للتواصل مع تركيا وإجباره على المشاركة في الاجتماع الوزاري الأول”.

وفيما يتعلق بإيران، ورغم أنها ليست جزءا من المفاوضات، إلا أن “لديها القدرة دائما على الإفساد وعرقلتها”، ويضيف “هذا هو أحد المخاطر العديدة لهذه المحادثات”، و”من المرجح أن يلعب نظام الأسد دور إيران وروسيا لتحقيق أقصى استفادة كما فعل في الماضي”.

من جهته اعتبر المحلل السياسي في دمشق، غسان يوسف، أن طرح الأسد للشرطين “يؤكد أن سوريا لم تدخل العملية لو لم تكن متيقنة أن أنقرة ستلبي هذين المطلبين”.

ويعتقد يوسف أن الأمور ستتضح في الأيام المقبلة، وأنه قد “يكون هناك اجتماع لوزيري الدفاع قريبا أو إعلان نتائج أو بوادر حسن نية وفتح طريق ‘إم فور’”.

“الروس سيضغطون”

ويعتبر المسار الذي تمضي به أنقرة ودمشق “روسي بامتياز”، ولطالما دفعت به موسكو خلال الأشهر الماضية، بينما تأمل الانتقال إلى اللقاء على مستوى وزارات الخارجية، كما أخبر المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، الأسد، في زيارته إلى دمشق، قبل أيام.

وبينما عبّرت إيران، حليفة الأسد الثانية، عن “سعادتها” مما تشهده العلاقة بين تركيا والنظام السوري، على لسان وزير خارجيتها، عبد اللهيان، أكدت أن “لديها ثقة كاملة بالمواقف والقرارات السورية وهي ترى أن أي حوار بين سوريا وتركيا، إذا كان جادا، فهو خطوة إيجابية لصالح البلدين والمنطقة”.

ولا يعرف الباحث الروسي، مادراسوف، إلى أي مدى تقف إيران وراء مثل هذا الموقف من جانب النظام السوري، لكنه يشير إلى أن الأخير “لطالما كان يتأرجح في عصيره الخاص بينما دبلوماسيته منخفضة للغاية”.

ويتوقع الباحث أن “تدفع موسكو النظام لإجراء مفاوضات، لأنه ليس من المربح لروسيا شراء عواقب عملية تركية أحادية الجانب أو تحريك قوات كبيرة خاصة بها للقيام بعملية موازية متفق عليها مع تركيا لطرد وحدات حماية الشعب الكردية”.

وتحدث مارداسوف أن “أطروحة الاحتلال التي يرددها الأسد ضعيفة للغاية”، لأن الجيش التركي موجود في إدلب، بموجب الاتفاقيات الثلاثية التي تم إقرارها في الجولة السادسة من محادثات “أستانة”.

ومن المرجح أن تستمر الاجتماعات الوزارية وأن تستمر المفاوضات، وعلى الرغم أن وجهات النظر بين دمشق وأنقرة “لا تتوافق”، إلا أن كلا الجانبين لهما مصلحة في الحفاظ على صورة العلاقات، لأوزكيزيلجيك، الذي أوضح أنه “بالنسبة للأسد، هذه العملية ستفيده فقط. بالنسبة لتركيا، قد يكون لهذه العملية تأثير كبير على الجبهة الداخلية، وخاصة قبل الانتخابات”.

ضياء عودة

——————————

تهديدات إردوغان للشمال السوري.. أربعة أهداف في توقيت انتخابي حساس

منذ أشهر تلوح تركيا بعملية عسكرية برية في شمال سوريا، والتي تقول إنها لحماية حدودها وإبعاد من تصفهم بجماعات “إرهابية”، وكان آخرها تصريحات أطلقها مستشار الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، السبت.

وأكد قالن لوسائل إعلام أن شن العملية العسكرية البرية في سوريا “ممكن في أي وقت”، مشيرا في الوقت ذاته إلى دعم أنقرة لـ”العملية السياسية” والتي تمثلت بلقاء جمع وزراء الدفاع التركي والسوري في موسكو.

وأعاد التذكير بالضمانات الأمنية التي وعدت بها روسيا والولايات المتحدة بعد العملية التركية في سوريا في 2019، مشيرا إلى أن “المقاتلين الأكراد لم ينسحبوا على مسافة 30 كلم عن الحدود التركية”.

تصنف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، منظمة “إرهابية” وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها منذ عقود.

أهداف العملية العسكرية التركية

المحلل السياسي الكردي، إبراهيم كابان، يرى أن “تركيا تحاول تفعيل عدة مسارات لتوجيه ضربة عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، ومناطق الأكراد في الشمال السوري، وإحدى هذه المسارات كان بمحاولة أخذ ضوء أخضر من قبل الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما لم تستطع تحقيقه”.

وأوضح كابان وهو مقيم في ألمانيا، لموقع “الحرة” أن عدم موافقة واشنطن “دفع أنقرة لإعادة علاقاتها السياسية مع النظام في دمشق، ليصبح تنفيذها للعملية العسكرية أشبه بتلبية طلب للنظام السوري، ولكنه حتى الأن فشل في تحقيق هذا الأمر، رغم أن دمشق لا تمانع أيضا توجيه ضربة لقوات سوريا الديمقراطية”.

وتحدث قالن في تصريحاته عن احتمال لقاء جديد بين وزيري دفاع تركيا وسوريا يسبق اللقاء المرتقب في منتصف فبراير بين وزيري خارجية البلدين.

المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، قال “إن التصريحات الرسمية المتكررة تجاه عملية برية عسكرية تركية في الشمال السوري تأتي ضمن السياسة الخارجية للبلاد، وترتبط بالأمن القومي التركي، ومحاربة الإرهاب”.

وأشار في حديث لموقع “الحرة” أن تركيا أجرت أكثر من عملية عسكرية جوية أخرها “مخلب السيف التي بدأتها في نوفمبر الماضي، والتي حققت من خلالها العديد من الأهداف”، وهي “في الوقت ذاته تقوم بمفاوضات سياسية وفي حال عدم تحقيق أهدافها ستقوم بخامس عملية عسكرية برية في المنطقة”.

ويرى كاتب أوغلو أن الهدف الأساسي لتركيا “يتمثل في اجتثاث الميليشيات المسلحة الإرهابية، التي تتخذ من الحدود الشمالية لسوريا أوكارا لها، والتي يقوم بعضها بمهاجمة المصالح التركية”، داعية إلى ضرورة التخلي عن “مزاعم أن تسليح قسد وهذه المجموعات يهدف لمحاربة تنظيم داعش”.

ويكشف أن التقارب “التركي-السوري جاء نتيجة لفتح قنوات برعاية روسية، إذ تسعى أنقرة لتعديل اتفاقية أضنة بأن يكون هناك شريط حدودي فاصل بنحو 50 كلم في الداخل السوري”.

من جهته، اعتبر الرئيس السوري، بشار الأسد، الخميس، أن اللقاءات السورية-التركية برعاية روسيا يجب أن تكون مبنية على إنهاء “الاحتلال”، أي التواجد العسكري التركي في شمال سوريا، “حتى تكون مثمرة”.

واعتبر أن “الطريقة الأفضل لإيجاد مخرج لمسألة العلاقات السورية التركية” تتم عبر الالتزام بمفاوضات أستانا حول سوريا التي ترعاها منذ سنوات طهران وأنقرة وموسكو، مع “إعطاء دور للحضور السوري في هذا الحوار”.

المحلل السياسي التركي، حمزة تكين، قال إن “التهديدات بالعملية العسكرية البرية لها عدة أهداف، منها سياسية بتحقيق مكاسب، ومنها ما هو عسكري بالتخلص من التنظيمات الإرهابية التي تهدد الحدود والأمن القومي التركي”.

ووصف تكين في حديث لموقع “الحرة” الجماعات المسلحة التي تضم ” تنظيم قسد أو تنظيم pkk/pyd” بـ”الإرهابية”، وأنها تسعى “إلى إيجاد مناطق انفصالية أكان في شمال سوريا أو حتى في مناطق من تركيا”.

ويوضح أن “اللاجئين السوريين الموجودين في الخارج لا يزالون يرفضون العودة إلى مناطقهم خاصة في الشمال السوري، وذلك لخوفهم من هذه الجماعات الإرهابية، لهذا تريد أنقرة توفير منطقة آمنة”.

ويبين تكين أن تركيا “لا تزال تجري حوارات مع دمشق، ولا يوجد تفاهمات واضحة”، مؤكدا أن “تركيا ستمضي في تحقيق أهدافها بغض النظر عن توجهات دمشق وطهران أو موسكو أو واشنطن”.

والتقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو في نهاية ديسمبر الماضي، في أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع في سوريا في 2011.

وقبل اندلاع النزاع، كانت تركيا حليفا اقتصاديا وسياسيا أساسيا لسوريا، لكن العلاقات بينهما انقلبت رأسا على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد النظام في سوريا، ودعوة أنقرة التي باتت داعما أساسيا للمعارضة السورية والفصائل المقاتلة، الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي.

الكاتب الصحفي الكردي، عكيد جولي، يقول في تحليله للعملية العسكرية المتوقعة ” إن تركيا تهدف لتوسيع نفوذها في سوريا، عبر التوغل في مناطق جديدة خاصة في كوباني، لربط مناطق ما يسمى نبع السلام وغصن الزيتون”.

وأضاف لموقع “الحرة” أن “الهدف الاستراتيجي الذي تسعى له أنقرة، هو منافسة إيران وأميركا وروسيا للاستحواذ على نفوذ في سوريا، وهذا يتوافق أيضا مع أهداف انتخابية لأردوغان”.

ولا يعتقد جولي بوجود “تفاهمات بين دمشق وأنقرة حول العملية العسكرية، خاصة وأن دمشق تدرك تماما أن أي توسع تركي سيقوي المعارضة، ويضعف حكومة دمشق، حيث ستمتنع تركيا عن الخروج منها، مثل تواجدها في نقاط عديدة في شمال العراق”، وفي الوقت ذاته “باتت أنقرة تدرك أن تدخلها في سوريا أصبح يشكل عبئا كبيرا عليها، وترى في التصالح مع حكومة الأسد مخرجا لها من المستنقع السوري”.

وزاد أن ” الظروف الدولية ليست مناسبة لأي تدخل أو توغل تركي جديد في الشمال السوري، لأن ذلك من شأنه خلط الأوراق وتغيير مناطق النفوذ، في الوقت الذي لا تزال فيه واشنطن وموسكو على اتفاق بتجميدها في الوقت الحالي ولو بشكل غير معلن”.

أربعة أهداف

المحلل السياسي التركي، مهند الحافظ، حدد أربعة أهداف للعملية العسكرية التركية، الهدف المحوري الأول هو “التنفيذ الواقعي للاتفاق الثلاثي بين تركيا، روسيا والولايات المتحدة على إبعاد الانفصاليين الأكراد قسد 20 ميلا عمقا في الداخل السوري”، والثاني، “الحفاظ على وحدة الأراضي السورية من أي مشروع تقسيم لها”، الثالث، “ضبط الحدود الطويلة بين تركيا وسوريا التي تتجاوز 910 كلم في ظل عدم بسط الحكومة السورية سيطرتها عليها”، والرابع، “استمرار دعم المعارضة السورية وفق مخرجات وقرارات الأمم المتحدة”.

ويشرح في حديث لموقع “الحرة” أن “الفكرة الأساسية ترتكز على إيجاد حل شامل للملف السوري ككل، وليس بشكل مجتزأ”، مشيرا إلى أن أنقرة تجري محاولات حثيثة مع “روسيا، وإيران، والنظام السوري، والولايات المتحدة” للوصول لهذا الأمر.

ومنذ العام 2016، إثر ثلاث عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد، باتت القوات التركية وفصائل سورية موالية لها تسيطر على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا.

وقدمت تركيا على مر السنوات الماضية دعما للمعارضة السياسية والفصائل المقاتلة في سوريا.

وأضاف قوله: “مشكلة النظام السوري أنه لا يريد التقارب مع أنقره بطبيعة الحال، ولولا الضغط الروسي عليه لما حصل لقاء وزراء الدفاع.. ناهيك عن التعثر في لقاء وزراء الخارجية الواضح”.

وشدد أن أنقرة عليها تحديد الإجابة عن سؤال هام “هل تعتبر دمشق أولئك الانفصاليين الأكراد كحركة تمرد؟ أم أنهم إرهابيون تجب محاربتهم مثلهم مثل داعش؟”.

الانتخابات الرئاسية التركية

وأشار قالن، السبت، إلى أن الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة ستجري في مايو وليس في يونيو كما كان مقررا بالأساس، لافتا إلى أن التاريخ لم يحدد بعد.

وحول مسار الانتخابات الرئاسية في تركيا، يوضح كاتب أوغلو أنه لا يوجد ما يمنع بـ”أن تكون العملية العسكرية سببا في زيادة رصيد حزب العدالة والتنمية والرئيس إردغان في الانتخابات”، خاصة وأن هذه الجهود ستفضي إلى تعزيز “استقرار المنطقة وتحمي الأمن القومي التركي”.

من جانبه أعتبر المحلل كابان أن “تحركات إردوغان أكانت سياسية أو عسكرية، جميعها تأتي بهدف خدمة مسار الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد وتصدير الأزمات الداخلية التركية لخارج الحدود، ناهيك عن محاولة استخدامها كورقة ضغط لملفات أخرى ترتبط فيها أنقرة مع واشنطن”.

ويؤكد كابان بأن الخطط التركية قائمة على “الغزو الكامل لشمال سوريا، وهي تشترك مع دمشق في هدف يرتبط بالسيطرة على جميع مناطق الأكراد، حتى لا تتكرر تجربة كردستان العراق بحصول الأكراد في سوريا أيضا على منطقة حكم ذاتي”.

وكان أردوغان الموجود في السلطة منذ 2003 كرئيس وزراء ثم كرئيس للجمهورية، يعتمد في نجاحه على قدرته على حشد ما يكفي من الناخبين، إن كانوا علمانيين أو متدينين، أو أتراكا أو أكرادا وقوميين وليبراليين، وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس.

لكن المحلل السياسي تكين يرى غير ذلك، فرغم أن الانتخابات الرئاسية المقبلة “مفصلية”، إلا أن “الرئيس إردوغان أو الحزب الحاكم لا يحتاجان إلى تحقيق إنجاز عسكري للنجاح في الانتخابات، إذ أن حملتهم قائمة على الإنجازات لما وصلت إليه تركيا خلال السنوات الماضية”.

ويرى أن “الناخب التركي، لا يبني قراراته في الانتخابات بناء على عملية عسكرية تركية في شمال سوريا”، مضيفا ” أنه لا أحد في تركيا لا الحزب الحاكم ولا أحزاب المعارضة يتحدثون عن أن العملية العسكرية لها أهداف انتخابية”.

هل يمكن لواشنطن التدخل؟

ويرجح الصحفي جولي أن “واشنطن قد تتدخل بشكل قوي لمنع أي عملية تركية من خلال عدة خطوات، قد تبدأها بفرض واشنطن عقوبات على تركيا خاصة إذا ما تم استهداف مناطق شرق الفرات”.

وتابع أن واشنطن يمكنها “تزويد قسد بأسلحة ثقيلة، بما يوجه رسالة لأنقرة بأن التوغل سيكون له ثمن باهظ ووسيخلف خسائر، الأمر الذي لا يرغب به أردوغان قبيل الانتخابات”.

من جانبه يرى كابان أن واشنطن حتى الآن “ترفض توجيه أي ضربات عسكرية تركية تجاه شمال سوريا، ويمكنها التدخل في حال حصولها بتوفير معدات ومساعدات عسكرية لقسد لصد الهجمات الجوية والبرية”.

إذا لم تجد تركيا معارضة من القوى الأساسية ستمضي في عمليتها العسكرية. أرشيفية

مع هجوم تركي وشيك.. “قسد” توضح لواشنطن كيفية التصدي لإردوغان

قال قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم كوباني الأربعاء إن الولايات المتحدة لديها “واجب أخلاقي” لبذل المزيد لثني الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان عن إصدار أمر بشن هجوم بري على شمال شرق سوريا.

ويؤكد المحلل كاتب أوغلو أن “تركيا لن تقبل بالمخطط الذي ترعاه واشنطن بدعم إيجاد مناطق انفصالية كردية في سوريا”.

وتشهد سوريا منذ عام 2011 نزاعا داميا متشعب الأطراف، تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 في مقتل نحو نصف مليون شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

الحرة – واشنطن

الحرة

——————————-

لماذا تعثر التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟/ أحمد مظهر سعدو

بعد أن أبحر الجميع في مآلات التطبيع والمصالحة بين الحكومة التركية والنظام السوري برعاية روسية، حيث كان الاجتماع الأهم في موسكو بين وفد تركي يضم وزير الدفاع ورئيس المخابرات، والنظراء من النظام السوري والاتحاد الروسي.

وبعد توقّعات وتصريحات تشير إلى أن اللقاء المقبل بين وزراء الخارجية أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحصول، خرجت علينا تصريحات تركية وسوريّة تبيّن أن الأمر بات في طور التأجيل وأن التوقعات تلك ذهبت إلى شهر شباط/ فبراير المقبل، أو قد يكون إلى ما هو أبعد من ذلك.

ما الذي جرى وماذا حصل؟ وما مكنونات الأحداث والتغيرات التي انبثقت؟ ولماذا هذا التعثر أو الارتكاس؟ وهل ما زالت الآمال معقودة حول إعادة المسألة إلى سكتها؟ وهي التي كانت تجري في الخفاء منذ مدة طويلة وصولاً إلى هذا التوقيت، إذ دار الحديث حول إمكانية لقاءات قادمة، ليس بين وزراء الخارجية فحسب، بل بين الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) ورئيس النظام السوري (بشار الأسد).

ولكن يبدو أن الموقف الإيراني الذي تم إهماله وتجاوزه في كل التحركات الروسية، فعل فعله في إعاقة مسار التطبيع أو المصالحة بين تركيا والنظام السوري، المرفوضة شعبياً لدى السوريين المعارضين في الشمال السوري.

ومن ثم فإن إيران التي تعتبر نفسها (أم الولد) جاء من يركنها إلى جانب الطريق، ويلجم تحركاتها، لتكون بلا رأي ولا قدرة على الفعل في هذا المسار الذي قد لا تجد فيه مصلحة لها. وإذا كان علم السياسة لا يقبل بوجود العامل الأوحد أو السبب الوحيد ضمن مسارات السياسة وتغيراتها، فإنه يمكن الحديث ضمن متغيرات التعثر في المصالحة بين النظام السوري وتركيا لتتحدد بحسب رؤيتنا كما الآتي:

    العامل الإيراني الأكثر أهمية في تعثر مسار التطبيع، فقد وجدت إيران نفسها خارج اللعبة، وخارج القوة الفاعلة، وهي من أعادت قيامة النظام السوري على رجليه، بعد أن كاد الوصول إلى حافة الانهيار عام 2013، وإيران وقاسم سليماني من نصحوه باستقدام الروس لحمايته من الزوال، وإيران نفسها صاحبة المشروع الفارسي الطائفي الذي يطول المنطقة كلها، ومنها (بل وأهمها) سوريا، فكيف يمكن أن تسمح بوجود مسارات قد لا يكون لها مصلحة فيها، ولعل الروس والأتراك فقط هم أصحاب المصلحة الأساس فيها، وهي التي تدرك ضعف وهشاشة تركيبة النظام السوري الآيل للسقوط والانهيار، والأضعف في أية مفاوضات قادمة مع الأتراك أو سواهم. من هنا فقد  حَمَّلت إيران (نعيم قاسم) نائب أمين عام “حزب الله” رسالة مهمة إبان وجوده في طهران مفادها أنها ممتعضة وعاتبة عتباً شديداً على النظام السوري الذي انخرط ضمن مسارات من دون علمها أو التشاور معها، أهمها التطبيع والمصالحة مع تركيا، وكذلك الدور الإماراتي المنفرد الذي يريد التنسيق لمصالحة بين “الأسد” والسعودية، تمهيداً لإعادة النظام السوري إلى حضن الجامعة العربية.

    المسألة الأخرى التي أسهمت في حالة تعثر أو توقف التطبيع، أن القرار السياسي والسيادي السوري ذهب منذ سنوات طويلة إلى طهران وموسكو، ولم يعد له أي سيادة أو جدية، وأضحت قرارات النظام السوري كريشة في مهب الريح تدفعها رياح طهران أو موسكو حيث تريد أو تشاء.

    يضاف إلى ذلك الموقف الأميركي الذي ما يزال أكثر إصراراً على عدم التطبيع مع نظام الأسد وهو الذي أصبح مصنفاً بحسب القرار الأميركي (ملك للكبتاغون)، مايعني أنه لايشكل خطراً على شعبه فحسب، بل على العالم أجمع، وهو بالاسم أصبح مجرماً مطلوباً للعدالة الأميركية، وهذا ما أدركه الأتراك، ومن ثم فإنّ اللقاء التركي الأميركي ينحو ضمن هذا المنحى ويحاول إقناع الأميركان بتغيير مواقفهم التي لا يبدو أنها ستتغير.

    ولا يمكن نسيان حالة المنافسة الكبرى بين الوجود الروسي والإيراني في الجغرافيا السورية، حيث تشهد مراكز النفوذ والقوى في الجيش والأمن وأيضاً في الاقتصاد الكثير من المنافسات الحادة، التي أدت إلى صراعات على الأرض بين “الفرقة الرابعة” التابعة لإيران دعماً وتبنياً، وما يقابلها من قوى أخرى بدعم روسي، وقد عبّر عن ذلك مؤخراً ما قيل إنه إزالة صور ماهر الأسد من بعض الحواجز التابعة لـ”الفرقة الرابعة”، بأوامر من موسكو.

علماً أن هناك من يقول إن “روسيا لم تعد لديها شهية الانخراط في المسألة السورية، وهي تحاول الإبقاء على مكتسباتها ومصالحها هناك قدر الإمكان، وهذا التغير في الموقف الروسي سيظهر تأثيره لاحقًا، وإيران لا تقدر على سد الفراغ الذي يحدثه الميل الروسي للانسحاب، فموازين القوى تتغير”.

ويبقى السؤال هل ستسمح روسيا لحالة التعثر والتوقف في عملية المصالحة بين تركيا والنظام السوري أن يؤثر عليها الموقف الإيراني، ومن ثم فشل الدور الروسي في ذلك، وهي صاحبة المصلحة الكبرى في استمرار هذه المصالحة، وهي لا تريد أن تعوق مساعي الأتراك في المضي ضمن هذا التطبيع دعماً لموقفهم وتساوقاً مع المزاج الشعبي التركي، تهيئة فاعلة نحو صندوق الانتخابات في حزيران/ يونيو المقبل، وروسيا كما نعلم غارقة في الوحل الأوكراني، ولا تدري كيف تخرج منه سالمة، ولا يوجد أمامها حالياً سوى الدور التركي الكبير الفاعل والمحوري، وهي العضو المهم في حلف الناتو، لتكون الوسيط وصلة الوصل مع الغرب، كي لا يقطع الحبل كلياً في مواقف الدولة الروسية الطامحة.

من هنا فإن التوقعات بحسب رؤيتي تشير إلى أن مسار التطبيع بين النظام السوري وتركيا لن تسمح روسيا أن يتوقف طويلاً، وسيعود إلى سكة قطاره، وهو ما فيه مصلحة روسية وتركية على سواء، لكنه لن يؤتي أكله بشكل كامل أو كبير، بسبب الموقف الأميركي الذي سيبقى رافضاً لإعادة تأهيل نظام الكبتاغون، وبسبب استمرار معوقات الإيرانيين، حيث الرئيس الإيراني قادم إلى دمشق قريباً جدًا، وسيبقى الباب موارباً ضمن هذه المسارات التطبيعية، ولن يغلق كلياً كما أنه لن يثمر الكثير، مع نظام سوري آيل للسقوط وهو في أضعف حالاته وأيامه وعلى حافة الانهيار الاقتصادي والأمني.

وتبقى آمال السوريين غير محققة ضمن حالات المصالحة هذه، وتستمر معاناتهم مع نظام قمعي لا يعرف إلا الحل العسكري والأمني، ولا يمكنه الولوج ضمن أي حل سياسي، لأنّ الحل السياسي الناتج عبر القرارت الأممية ذات الصلة، سيؤدي به إلى الزوال، وهو ما لا تقبل به إيران ولا روسيا.

تلفزيون سوريا

—————————

سيرغي لافروف: تركيا طلبت مساعدة روسيا لتطبيع العلاقات مع النظام السوري

قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن تركيا تؤيد تطبيع العلاقات مع النظام السوري، مشيراً إلى أن أنقرة طلبت مساعدة موسكو في ذلك.

وفي مؤتمر صحفي حول نتائج السياسة الخارجية الروسية للعام 2022، أوضح لافروف أن موسكو تقوم بالتحضير لاجتماع ثلاثي، يضم وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري، مضيفاً أنه “يجري إعداد الاتصالات بهذا الشأن، وفق ما نقلت وكالة “تاس” الروسية.

وذكر الوزير الروسي أن “تركيا دعت إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه مستعد للقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد”، مشيراً إلى أن أردوغان “طلب منا المساعدة، وعُقد اجتماع لوزراء دفاع تركيا وسوريا بوساطة روسية، ويجري التحضير لاجتماع وزراء الخارجية”.

ميخائيل بوغدانوف

بعد زيارة لافرنتييف.. بوغدانوف يبحث الملف السوري مع سفير الأردن في موسكو

“غوايدو” في سوريا

من جانب آخر، قال وزير الخارجية الروسي إن الولايات المتحدة “تتفهم ضرورة التفاعل مع الحكومة الشرعية في سوريا، المتمثلة في شخص بشار الأسد”.

وأضاف لافروف أن واشنطن “أدركت أنه من غير المجدي زراعة غوايدو في سوريا”، في إشارة إلى المعارض الفنزويلي خوان غوايدو، الذي اعترفت به الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية رئيساً لفنزويلا عقب إعادة انتخاب الرئيس اليساري، نيكولاس مادورو.

وأكد على أنه “من الضروري العمل مع أولئك الذين لديهم تفويض من الشعب، ويتجلى ذلك في سوريا، كما في فنزويلا، فيما يتعلق ببشار الأسد”، مشيراً إلى أن واشنطن أوقفت الاتصالات مع النظام السوري بشأن الأسرى الأميركيين.

وفي شأن آخر، قال وزير الخارجية الروسي إن الغرب لا يريد عودة اللاجئين إلى سوريا، مضيفاً أن “مؤشرات المساعدات الإنسانية المقدمة لسوريا هي من بين الأسوأ”.

——————————

مخاوف أكراد سورية تتجدد من عملية عسكرية تركية/ أمين العاصي

يبدي أكراد سورية مخاوفهم من حصول عملية عسكرية تركية في الشمال السوري، على الرغم من خفوت الحديث عنها في الآونة الأخيرة بسبب اصطدام مسعى تركيا برفض روسي أميركي لأي تغيير في خريطة السيطرة في شمال سورية.

وتوقع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، هجوماً تركياً في فبراير/ شباط المقبل على مدينة عين العرب (كوباني)، معقل الأكراد الأهم في سورية.

وأشار عبدي خلال حديثه لموقع “مونيتور” الأميركي، مساء أول من أمس الاثنين، إلى أنه يأخذ تهديدات تركيا على محمل الجد، مرجحاً أن تكون مدينة عين العرب هدف تركيا المقبل في سورية “بسبب معناها الرمزي للأكراد في أنحاء العالم”.

وأكد عبدي أن “قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، لا تشكل أي تهديد لتركيا وأمنها القومي”، مشدّداً على أنه يريد “علاقات سلمية مع تركيا. ليست لدينا نيّات عدائية تجاه تركيا، سواء الآن أو في المستقبل”.

وحاول عبدي التنصّل من علاقة قواته بحزب العمال الكردستاني بالقول: “لسنا فرعاً منه”. ونفى وجود أي مخطط لدى قواته لإقامة إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرق سورية، مؤكداً: “نحن معنيون بسورية ومستقبل كل شعوبها”.

مخاوف أكراد سورية

وتؤكد تصريحات عبدي، التي تسبق زيارة مقررة لوزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو لواشنطن، اليوم الأربعاء، أن المخاوف الكردية من عملية عسكرية تركية في شمال سورية لا تزال حاضرة.

ويبدو أن عبدي يخشى من تفاهم بين الطرفين التركي والأميركي، الذي تشير المعطيات إلى فشله في إقناع قادة “قسد” بفك الارتباط مع حزب “العمال الكردستاني” لسحب الذريعة من يد الأتراك لشنّ عملية واسعة في شمال سورية. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يحذّر فيها عبدي من عملية عسكرية تركية ضد عين العرب، إذ تطرق إلى هذا الملف، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بتوقعه في تصريحات صحافية، أن “تركيا تُعدّ لشن هجوم على عين العرب ومنبج وتل رفعت”.

وعلى الرغم من تراجع الحديث عن عملية واسعة النطاق ضد “قسد”، إلا أن أنقرة تؤكد بين وقت وآخر أن العملية باقية على سلّم أولوياتها، وأنها لا تنتظر الإذن من أحد في إن قررت شنّ هذه العملية.

وجدد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، السبت الماضي، تهديد بلاده بشنّ عملية على “قسد” في شمال سورية، وقال في تصريحات صحافية: “شنّ عملية برية يبقى ممكناً في أي وقت، بناءً على مستوى التهديدات الواردة”.

وحول هذه التطورات، يعتقد الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” رشيد حوراني، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن تصريحات المسؤول التركي “تندرج في سياق المحاولات التركية للحصول على أكبر قدر من المكاسب من الأطراف المعنية في الملف السوري، وممارسة أعلى درجات الضغط على قوات قسد”.

وينتظر أن تكون هذه العملية التي تلوّح بها أنقرة منذ أواخر العام الماضي حاضرة على طاولة المباحثات التركية الأميركية خلال زيارة جاووش أوغلو، في ظلّ مساعي أنقرة للحصول على ضوء أخضر من واشنطن للقيام بهذه العملية، من أجل إبعاد “قسد” عن الحدود التركية الجنوبية. وتعارض الولايات المتحدة الداعمة لـ”قسد”، أي توغل بري تركي جديد في العمق السوري، في ظلّ خشية “قوات سوريا الديمقراطية” من تفاهمات غير معلنة بين الأتراك والأميركيين على حسابها.

وبعد تفجير وقع في ساحة تقسيم في إسطنبول، في 13 نوفمبر الماضي، وأودى بحياة 6 أشخاص وجرح 81 آخرين، اتهمت أنقرة جماعات كردية، بينها حزب العمال الكردستاني و”قسد”، بالوقوف وراءه، على الرغم من نفي هذه الأطراف أي ضلوع لها في الاعتداء. وباشرت تركيا يومها عملية “المخلب ـ السيف”، ضد مواقع “الكردستاني” في العراق وسورية.

ويبدو أن منطقة عين العرب، الواقعة شرق نهر الفرات على الحدود السورية التركية، هي الهدف الأكثر أهمية للجانب التركي، من أجل ربط مناطق نفوذه في شمال سورية بشرق الفرات وغربه جغرافياً.

عملية عين العرب متوقعة

ويعتقد المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن توقع عبدي بشنّ أنقرة عملية على عين العرب “ليس بعيداً وفي مكانه”، موضحاً أن “تركيا دائماً ما تشنّ عملياتها العسكرية في فصل الربيع، لتسهيل التحرك الميداني للجيش”. ويشير إلى أن “تركيا لديها المبررات لشن العملية، على الرغم من الاعتراض الأميركي”، مشدّداً على أن “أي عملية عسكرية تركية لن يتجاوز مداها الجغرافي 30 كيلومتراً”.

وحول زيارة وزير الخارجية التركي لواشنطن والملفات التي يحملها، يقول جوناي إن هناك العديد من الملفات التي ستُناقش في واشنطن، وأبرزها ملف طائرات “أف 16” التي وافقت الإدارة الأميركية على بيعها لتركيا، مضيفاً: “قيمة الصفقة 20 مليار دولار، وهذا المبلغ، كما أعتقد، كافٍ لإقناع الولايات المتحدة بالموافقة على شنّ عملية عسكرية تركية محدودة النطاق، في شمال سورية على قسد”.

إلى ذلك، يبدو أن الشروط التي وضعها النظام السوري للمضيّ في طريق التقارب مع أنقرة والتي عُدّت غير واقعية، ومنها الانسحاب التركي من الشمال السوري، عرقلت الانفتاح التركي على هذا النظام بدفع من الجانب الروسي، لذلك من المتوقع أن يكون الرد التركي بشنّ عملية جديدة في شمال سورية.

وكانت أنقرة تعوّل على هذا التقارب للتعامل مع خطر “قسد” بالتنسيق مع النظام السوري، إلا أن عدم رغبة الأخير في الانفتاح على تركيا قد يدفعها إلى شنّ عملية تلوّح بها منذ أمد.

ويشكّل الأكراد أغلب سكان منطقة عين العرب التي واجهت تهديداً وجودياً في عام 2014، حين هاجمها تنظيم “داعش”، إلا أن التنظيم فشل في السيطرة عليها بسبب المقاومة التي أبدتها فصائل سورية معارضة، و”وحدات حماية الشعب” الكردية بدعم ناري كثيف من طيران التحالف الدولي ضد الإرهاب.

وللمدينة أهمية قصوى بالنسبة إلى “قسد”، لكونها الثقل السكاني الأبرز للأكراد السوريين، وخسارتها تُفقد هذه القوات الكثير من رصيدها في الشارع الكردي، الذي سبق أن خسر منطقة لا تقل أهمية في عام 2018، وهي عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي في غرب نهر الفرات.

——————————–

فرصة وسط مفترق الطرق/ صبا مدور

أفهم طبعا أن السياسة هي فن الممكن، وأن الرغبة بالانتقام، ليست سبيلاً مناسباً لبناء دولة على أنقاض الاستبداد، ولذلك، لا أرى أن في ما تقوم به أطراف في المعارضة السورية المختلفة، نتائج ذات جدوى يمكن أن تحقق خرقا لصالح الشعب السوري، فالأمر تعدى فراغ الرؤية، وقلة الحيلة، والانقسام، والتخوين المتبادل، إلى ظهور من يدعو إلى خيارات ذات طبيعة انتحارية مثل التحالف مع قوات سوريا الديمقرطية (قسد) نكاية بتركيا وبالنظام سوية، أو من يدعو للمراهنة “حتى النهاية” على ما يمكن أن تخرج به الترتيبات التركية مع روسيا والنظام.

ما زالت المعارضة بأطيافها وتياراتها بلا خطة، بل إن الساحة خلت حتى من مبادرات لنبذ الانقسام مؤقتاً على الاقل، ولذلك يستمر التخبط، في الوقت الذي تستمر فيه ترتيبات سياسية وميدانية مختلفة للوضع السوري، من تركيا وروسيا والإمارات والولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، وكل منهم يحاول أن يقتنص أقصى ما يستطيع من المصالح والفوائد الاستراتيجية والميدانية وحتى الاقتصادية.

في هذا المناخ تبدو الخيارات محدودة فضلاً عن كونها معقدة، لكن لحسن الحظ فإن الوقت ما زال يحتمل بعض المبادرات بالاستناد إلى تيار شعبي واسع رافض للمصالحة مع النظام بدون توفر إطار مرجعي ذا طبيعة قانونية تحقق العدالة، وتضمن تغيير النظام، والحد الأدنى لذلك هو قرار مجلس الأمن 2245، غير أن مفاعيل الضغط الشعبي لها حدود، وهي بطبيعتها غير منظمة، ولن يقدر لها أن تستمر بنفس الزخم والوضوح إن لم يجرِ تحويلها إلى سياق سياسي يقدم خطة واضحة ويفرضها باعتبارها موقف الشعب السوري.

هذا السياق السياسي ليس بلا أساس واقعي، فحتى الآن لا يبدو أن الترتيبات الروسية للتطبيع بين تركيا والنظام تسير على مايرام، وقد ألغي الاجتماع الذي كان مقررا أواسط هذا الشهر في موسكو بين وزراء الخارجية الثلاث بعد تصريحات للأسد وضعت شرطا مسبقا للاجتماعات مع الجانب التركي يقوم على أساس “انهاء الاحتلال”، وهو ما يعني طرح الانسحاب التركي من سوريا، من دون ضمانات للخطوات اللاحقة التي يتوجب على النظام تنفيذها، وقد بدا أن هذه المقاربة لا تناسب أنقرة التي أعلنت لاحقاً عن تأجيل اجتماع موسكو الذي كان مقرراً أواسط الشهر الحالي بين بين الوزراء الثلاثة، مع تحديد موعد مفترض الشهر المقبل، لايبدو مؤكدا بدوره.

في الوقت ذاته، ستكون المباحثات المرتقبة الأربعاء بين وزير الخارجية التركية ونظيره الأميركي في واشنطن، ذات أهمية خاصة في تحديد المسار التركي في التقارب مع نظام الأسد، والمضي في المقاربة الروسية، وتحديد الخيارات التركية في المستقبل.

وما بين السقوف العالية لكل من المصالح التركية والأميركية في المنطقة وفي سوريا بشكل خاص، ومع ابتزاز النظام الذي لا يبتعد عن رؤية إيرانية لن تسمح بحلول تستبعدها ولو جزئيا، وفي ظل ضعف روسي فرضته حرب أوكرانيا وتداعياتها، هناك وسط هذا التقاطع في المصالح والأهداف مفترق طرق يمكن للسوريين أن يجدوا فيه موطئ قدم لبرنامج سياسي رصين وواقعي أساسه، رفض شعبي للتصالح مع الأسد تحت أي لافتة أو مسمى.

الوقت قصير بطبيعة الحال، ولن يسمح بترتيبات سريعة وحقيقية لبناء رؤية سياسية للمعارضة، لكن من المهم الآن عدم اتخاذ اي موقف انفعالي مثل التقارب مع قسد أو الميل إلى أي طرف من المتدخلين في سوريا، قبل أن يتضح مسار المواجهات السياسية الحالية، وصراع المشاريع، والأهم أن يتعّظ الجميع مما جرى في سبيل عدم وضع كل مصائر الثورة والثوار في سلة واحدة.

أدرك مثل كثيرين أن الثورة تعرضت لاضرار جسيمة لأسباب متعددة، لكنها ما زالت باقية، ورغم خطورتها، فإن الترتيبات الروسية الأخيرة مع تركيا والنظام أسفرت عن نتيجة مهمة، هي أنها جددت وهج الثورة في ضمائر السوريين، ومنحتهم فرصة التعبير عن موقف حاسم برفض النظام، ربما توقع كثيرون أنه قد انهار أو كاد، ومع كل الحقائق بضعف النظام وخرابه من الداخل، وحصاره الخارجي الذي يتسع كل يوم، فإن المعادلة هي بالتأكيد لصالح الثورة، لكننا نحتاج لجهد يستثمر كل ذلك ويحقق منه نتائج ملموسة.

المدن

———————–

أراجيح أردوغان/ سمير التقي

لا شيء كالتاريخ الموثّق يفسّر سلوك الأمم. وسلوك الدول أنساقٌ ترتبط بالجغرافيا والتاريخ والقدرات. وهذا مهم خاصة لفهم مراجيح أردوغان.

حين قامت الحرب العالمية الثانية، كانت تركيا مرتبطة بحلف ثلاثي مع بريطانيا وفرنسا وقع في تشرين الأول (أكتوبر) 1939. لكنها بعد وقت قصير من استسلام فرنسا لألمانيا، أعلنت في 26 حزيران (يونيو) 1940 نفسها دولة غير محاربة.

وبعدما غزا يوغوسلافيا وانتقل عبر بلغاريا لسحق اليونان، وضع هتلر شروطاً لضمان حياد تركيا في رسالة إلى الرئيس إينونو. وسرعان ما تم التوقيع على معاهدة الصداقة الألمانية- التركية في 18 حزيران 1941 التي تضمنت التعهد المتبادل بعدم القيام بأي عمل عدائي مباشر أو غير مباشر.

قبلت بريطانيا والولايات المتحدة حياد تركيا، نظراً لضعفها، وتعهدتا بتقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية لضمان حيادها. وبفضل تحالفهما السابق، تولت بريطانيا إدارة العلاقة مع تركيا طوال الحرب. عام 1941 بدأت المساعدات العسكرية الأميركية لتركيا كجزء من الجهود البريطانية لضمان مقاومة تركيا لألمانيا.

لكن بحسب رسائل (فكت أميركا شفرتها)، ينصح السفير الألماني في تركيا فون بابن “بتجنب ألمانيا أي تدخل في الشؤون التركية، وعليها أن تنتظر بصبر أن تقرر تركيا متى ستتخلى عن حيادها (لصالح المانيا)”. بل عبر السفير الياباني في رسائله ايضاً عن ضرورة “الاقناع اللطيف” وتكهن بأن ثمة ضمانات قدمتها تركيا لألمانيا بالتدخل إلى جانبها (في وقت ما). بالمقابل رأت الولايات المتحدة، أن دعم تركيا جزء من مصلحتها الوطنية، وخصصت مساعدات عسكرية من فائض المدفعية لبريطانيا، التي تدير حصة تركيا.

حين تحولت الحرب لصالح الحلفاء، مع انتصارات كبيرة شمال أفريقيا وستالينغراد، أصبحت مسألة مساعدة تركيا أكثر أهمية.  وفي كانون الثاني (يناير) 1943، بحث روزفلت وتشرشل في الدار البيضاء المسألة التركية، واتفقا على أنه يجب أن تنجز بالدبلوماسية. وفي 30 و31 كانون الثاني 1943، وفي متابعة لمؤتمر الدار البيضاء التقى تشرشل مع الرئيس إينونو في أضنة بتركيا، لكن العسكريين الأتراك لم يكونوا مقتنعين بزوال الخطر الألماني، علاوة على انزعاجهم من القوة المتنامية لخصمهم التقليدي، روسيا، وخوفهم من الهيمنة الروسية علي البلقان.

وتصاعد الضغط الروسي وطلب مولوتوف وستالين فتح الجبهة التركية وتعديل اتفاقيات الدردنيل التي تخنق البحرية الروسية. حيث قال ستالين في مؤتمر طهران عن تركيا: “يجب أن نأخذهم من الرقبة إذا لزم الأمر”.  في النهاية تم الاتفاق على أن يلتقي روزفلت وتشرشل بالرئيس إينونو لإقناعه بدخول الحرب قبل نهاية عام 1943. فبالنسبة للحلفاء كان الأهم قطع شحنات الكروم التركية لألمانيا، والتي كان وقفها سيؤدي لشل الصناعة الألمانية فوراً.

لكن، وعلى عكس كل تلك الجهود، بدأت تركيا في كانون الثاني 1943 تصدير الكروم لألمانيا، ليصل حجمها لأكثر من 45700 طن. وسعى البريطانيون والأميركيون لإحباط هذه الصفقات. ثم وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1943، أبرمت الحكومة التركية اتفاقية أخرى مع ألمانيا، توفر أنقرة بموجبها ما يصل إلى 135000 طن من الكروم. ودفع ثمنها جزئياً بالذهب بالعتاد الألماني.

احتج الحلفاء علي ذلك. وبعد وصول المفاوضين الألمان إلى أنقرة في أوائل نيسان (أبريل) 1944 لتجديد اتفاقية التجارة الألمانية- التركية، أرسل السفير الأميركي شتاينهاردت وزميله البريطاني مذكرة صارمة إلى وزير الخارجية التركي في 14 نيسان (أبريل)، فسحبت بريطانيا مهمتها ومساعداتها العسكرية لتركيا.

بعد افتتاح الجبهة الثانية في أوروبا الغربية في حزيران 1944، تصاعدت ضغوط الاتحاد السوفياتي لقطع علاقات الحلفاء مع تركيا. فبذلت أميركا وبريطانيا جهوداً إضافية لحث تركيا على الاستجابة. وسرعان ما أسفر ذلك عن قرار الحكومة التركية بقطع العلاقات مع المانيا، ومن ثم مطالبة الجمعية الوطنية التركية في 25 تموز (يوليو) 1944، بقطع جميع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع ألمانيا في 2 آب (أغسطس) 1944. واعترفت الحكومتان البريطانية والأميركية بقرار الجمعية الوطنية التركية كخطوة أولى لانتقال تركيا نحو الحلفاء. وبالفعل أعلنت تركيا الحرب على (ألمانيا) ودول المحور في 23  شباط (فبراير) 1945. وبسبب انخراطها في الحرب أخيراً، لم تتم محاسبتها عن رصيد الذهب الألماني.

يقدر مؤرخون كبار، أن تأخر تركيا في الانخراط لجانب الحلفاء في الحرب، قد أطلق عملياً يد روسيا في اتفاقات يالطا، للسيطرة الكاملة على البلقان والقوقاز والتي استمرت لأربعة عقود.

لا تغيب عن ذاكرتي تجربتي في مدينة ملاهي أنقرة، التي لا تقتصر على المراجيح الدوارة، بل وعلى ما يسمى بقطار الموت. وتغلبني ذات المشاعر، وانا أتأمل تصريحات الرئيس أردوغان على مدى السنين.

فمثل كل ألعاب مدينة الملاهي، انت تطير وتهوي، يتسارع نبضك وتصرخ، لكنك تبقى في المكان. لذلك من الأفضل لك أن تسترخي وتبتسم بتلذذ لمنظر المراجيح التي ينصبها أردوغان، في انتظار ان ترسو على برها. فالطفولية والعفوية أكبر عدو للسياسة. وما هكذا تورد الإبل في طريق السياسة المتعرج، الذي لم يكن مستقيما ًيوما كأوتوستراد المزة.

ينصب أردوغان مراجيحه في كل مكان. فيحذر اليونان من مخاطر اللعب في إيجه، ويسألني زميلي الصحفي عن تقديراتي للمنتصر في هذه الحرب، وموقف الأطلسي. ويهدد إسرائيل في المتوسط، فتشتعل وسائل الاعلام بتوقعات الحرب مع مصر وإسرائيل و”تحرير فلسطين”. ويهدد بعضويته داخل الأطلسي ليندفع المحللون للحديث عن تفكك الحلف، ونهاية الغرب. وحين تحدث أردوغان عن احتمال لقائه بالأسد، اندفع السوريون بكل الحق تأكيداً ودفاعاً عن انتفاضتهم العظيمة. لكن أن يصل الحال الغرائزي ببعضهم ان يعتقد ان المرجوحة تطير فعلاً، ثم يرتكب أفعالا شنيعة ضد رئيس الائتلاف، فذاك أشبه بالهبل.

فهكذا تبقى تركيا واردوغان في حالة أكشينAction ، بل تسمح الأرجوحة بتوسيع مطالات السياسة وتعظيم المحصول الاستراتيجي الكبير لتركيا. تفيد المرجوحة في تمويه المنظر، وإخفاء المقصد، بل تسمح بعمليات سياسات لا يمكن تصور نجاحها دون نصب هذه المرجوحة.

ففي حين كان أردوغان يتفاوض مع بوتين، كنا نشاهد إخراجه لروسيا من ليبيا، وكان يدق إسفينه غرب الفرات السوري، ثم وسع ذاك الشرخ في العلاقات الأرمنية الروسية، ثم منح المسيرات لأوكرانيا. وفي نهاية الامر فإنني اشك بقوة بجدوى لقاء أردوغان بالأسد.

أردوغان يختلف تماماً عن بوتين. انه وطني تركي أولاً وأخيراً، فرغم الكلام العقائدي، ورغم الغبار الذي تثيره مراجيحه التي ينصبها للآخرين، لا يخرج عن الاستراتيجية التركية التاريخية. وبالنتيجة، فان الافعال هي مخبر التاريخ وشاهده.

النهار العربي

——————–

كيف تتعامل واشنطن مع التطبيع المحتمل بين أنقرة ودمشق؟

ازدادت مؤخراً وتيرة التصريحات التركية والسورية بشأن تطبيع العلاقات المحتمل بين الطرفين، ربما من شأنها رسم سيناريوهات جديدة قد تفضي إلى تغيرات على الساحتين السياسية والعسكرية بسوريا.

ونهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أنَّه سيعقد لقاء منتصف كانون الثاني/يناير الحالي، مع نظيريه الروسي والسوري، في خطوة جديدة من التقارب بين أنقرة ودمشق، لكن دون أن يحدد مكان اللقاء.

وكل ما يحدث اليوم يطرح العديد من الأسئلة  لتتقدمها، إذا تحقق التطبيع بين الطرفين؛ هل السيناريوهات العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية تصبح قابلة للتحقيق حينها؟.

ورغم البيانات التي تصدرها الولايات المتحدة الأميركية وانتقادات مسؤولين سابقين لديها، يبقى من الصعوبة التكهن بموقف واشنطن الواضح من التطبيع بين أنقرة ودمشق.

مواقف غير معلنة

يقول ترينتون شوينبورن، خبير في فض النزاعات في منظمة “إنترناشيونال ريفيو”، إنه خلافاً لبيانات وانتقادات واشنطن بشأن التطبيع، “هناك خلف الكواليس نرى أصداء تختلف عن البيانات والمؤتمرات العلنية”.

ويضيف شوينبورن، خلال برنامج واشنطن أونلاين الذي تبثه وكالة نورث برس: “كان هناك دائماً موقف ظاهر رافض من جانب الولايات المتحدة الأميركية لأي نوع من التطبيع مع نظام الأسد، وعدم وجود أي رغبة إلا في الحاجات الضرورية ويحصل هذا خلف الكواليس”.

ويعتقد الخبير، أن التطبيع هو خارج خيارات إدارة الرئيس الأميركي جو بادين ، ولكن “هناك بعض الهوامش التي يتم إعطاءها لحلفائنا في المنطقة عبر التنسيق مع دمشق، والقيام بمحاولات التواصل وربما الحصول على شيء بالمقابل”.

ويرى أن الموقف التركي تجاه قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، “لن يتغير عما قريب، فهم حافظو على هذه السياسية تجاهها وتجاه وحدات حماية الشعب وضد حزب العمال الكردستاني، وتركيا سوف تستمر في اعتبارهم منظمات إرهابية وسوف تستمر في معاملتهم كمؤسسات ما دون دولة” .

ويشدد “شوينبورن”، خبير في فض النزاعات على أنه رغم تذبذب الدعم الأميركي لـ”قسد”، “فإن تواجدنا على الأرض لن يتغير بشكل كبير، ولا يوجد أي تغير دراماتيكي من نوع الدعم والتجهيز العسكري، الذي نقدمه”.

“التطبيع ليس سهلاً”

يقول يوسف إسماعيل مدير معهد الكرد في واشنطن إن “التطبيع ليس سهلاً بدليل أن محادثات جنيف عام 2016 كانت نوعاً من التطبيع، ولكن بعد سبع سنوات فشلت في جلب أي نتيجة إيجابية لأي طرف على أرض الواقع”.

ويضيف في برنامج  واشنطن أونلاين: “لن يكون من السهل لتركيا والأسد، القبول بالمجاميع المتطرفة لكلاهما؛ فما مصير القوات المدعومة من تركيا الذين يمتلكون الأسلحة الثقيلة والمتوسطة؟. وهناك هيئة وأخواتها يمكن أن تنقلب على تركيا”.

ويعتقد “إسماعيل” أنه “ليس بالأمر السهل على تركيا الانسحاب من الأراضي السورية، وكذلك التخلي عن المجاميع المتشددة التي بنتها خلال السنوات الماضية فهي تظل أداة بيد الجيش التركي ليس للتدخل في سوريا وحسب وإنما العديد من الدول الإقليمية”.

وشدد على أن التطبيع بين دمشق وأنقرة ليس سهلاً في ظل وجود معارضة دولية أيضاً. كل ما تم وسيتم من اجتماعات بين المسؤولين في دمشق وأنقرة “سينتهي بفوز أردوغان في الانتخابات”.

ويرى مدير معهد الكرد في واشنطن أنه ليس هناك وضوح في السياسة الأميركية في سوريا بشكل عام، خاصة مع موضوع التطبيع”.

ويضيف “إسماعيل”: “نحن نرى الكثير من البيانات للإدارة الأميركية، تقول إنها ترفض هذا التطبيع، ولكن لا نرى أي تهديد أوردة فعل إذا ما حدث التطبيع”.

إعداد وتحرير: قيس العبد الله

نورث برس

—————————

إيران وفرملة التّقارب التّركي – الأسدي/ عبدالوهاب بدرخان

خلال زيارته بيروت عبّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن ترحيب بلاده بالتقارب بين أنقرة ودمشق. قال: “نحن سعداء بالحوار واللقاءات” الجارية بينهما و”نعتقد أن هذا الحوار ينبغي أن ينعكس إيجابياً في مصلحة البلدين”. كان ذلك عملياً الموقف الأول الذي تبديه طهران بعد اجتماع وزراء الدفاع الثلاثة، الروسي والتركي والسوري، وكان الغياب الإيراني مثيراً للتساؤلات. ومع أن روسيا اعتادت وضع كل التحركات في إطار “مسار أستانا” الثلاثي، إلا أنها فضّلت حتى الآن بلورة التقارب التركي – الأسدي في سياق علاقاتها المتطوّرة مع تركيا التي أسدت لها خدمات ثمينة في مواجهتها العقوبات الغربية رداً على غزوها أوكرانيا.

الأكيد أن طهران لم تكن “سعيدة” البتة لتهميشها على هذا النحو، وكانت قد سارعت إلى إبلاغ دمشق عتبها محذّرة من أن يصير العتب غضباً. لذلك حصل اتصال هاتفي بين وزيري خارجية النظامين قبيل وصول معاون الوزير السوري أيمن سوسان إلى طهران لتقديم إيضاحات، أبرزها أن دمشق تعرّضت لضغط روسي، وكان واضحاً أن محادثاته جرت في أجواء متشنّجة غير مسبوقة، إذ بلغ الاستياء الإيراني حدّ اهتزاز الثقة برئيس النظام بشار الأسد، بحسب بعض المصادر، لأنه لم يتشاور مع طهران قبل إرسال وزير دفاعه إلى موسكو، مع افتراض أن الروس لم يسمحوا له بالتشاور. في المقابل، كان ولا يزال هناك استياء أسدي من إيران التي ترفض تقديم قروض مالية جديدة قبل أن تسدّد دمشق 30 في المئة على الأقل من قروض سابقة تفوق المليار دولار.

انتقل عبد اللهيان من بيروت إلى دمشق، وقبل وصوله كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تحادث هاتفياً مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي ورتّبا موعداً لوزيري الخارجية في موسكو، عشية محادثات مرتقبة لوزيري الخارجية التركي والأميركي. في الأثناء أيضاً كان المبعوث الخاص الروسي ألكسندر لافرنتييف قد قابل الأسد لترتيب الخطوة التالية من التقارب مع تركيا على مستوى وزراء الخارجية. وبعد هذا اللقاء نُشر تصريح للأسد يقول فيه إن المحادثات مع تركيا “تُبنى على أساسَين: إنهاء الاحتلال (التركي) لمناطق في الشمال، ووقف الدعم للإرهاب (أي لفصائل المعارضة السورية المسلّحة)”. وفُهم أن هذا الكلام صيغ بالتشاور مع طهران ولاسترضائها، إذ كرّره فيصل المقداد بعد لقائه نظيره عبد اللهيان قائلاً إنه “لا يمكن الحديث عن إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا من دون إزالة الاحتلال”. وعلى سبيل التوضيح، كان أُضيف أن دمشق “يجب أن تلمس تقدّماً في شأن مطالبها من خلال لجان المتابعة قبل الموافقة على لقاء وزراء الخارجية”.

كانت هذه المواقف متوقّعة من جانب النظام الذي سبق أن طرحها في مناسبات عدّة قبل أن تصبح “المصالحة” مع تركيا مطلباً بوتينياً يصعب رفضه، فالرئيس الروسي يرغب في مساعدة رجب طيب أردوغان للفوز في الانتخابات والبقاء في منصبه وللاستمرار في فتح المصارف التركية لمساعدة روسيا في التفافها على العقوبات. ولا تزال موسكو تعتبر تعديل اتفاق أضنة (1998) نقطة انطلاق للتوصّل إلى اتفاق أمني بين أنقرة ودمشق، ويُفترض أنها باتت مدركة الآن تعقيدات هذا الهدف، فالنظام الذي يطالب بـ”إنهاء الاحتلال” يصعب أن يوافق على مدّ المنطقة الأمنية التركية من عمق 5 كلم إلى 30 كلم. لكن مواقف النظام الأسدي لا تعكس مراهنته الدائمة على الحليف الإيراني فحسب، بل تقصّدت رفع السقف باكراً لإرباك أنقرة وهي تستعدّ لمحادثات صعبة بين أنطوني بلينكن ومولود تشاويش أوغلو.

لا تعتمد واشنطن استراتيجية محدّدة إزاء الأزمة السورية، لكنها حقّقت عملياً ما سبق للسفير جيمس جيفري أن اختصره بالقول إن “الهدف هو إغراق روسيا وإيران ونظام الأسد في المستنقع السوري”، ولا شك في أن تركيا تدرك ذلك لكن هل يريد الأميركيون إغراقها أيضاً؟ هذا يتوقف على مدى تورّطها مع روسيا. كانت واشنطن قد رفضت ولا تزال ترفض مبدئياً أي تطبيع مع الأسد الذي تستعد لمضاعفة التضييق عليه باعتباره “تاجر مخدرات” أسوةً بنورييغا وإسكوبار. ومع أنها لم تعلّق مباشرةً على خطوات تركيا وغيرها، إلا أنها ستراقب التطورات لتحدد موقفها في ضوء ما سيحصل على الأرض وما ستنخرط فيه تركيا ميدانياً، وبخاصة ما ستلتزمه اقتصادياً وما يمكن أن يشكّل توسّعاً في انتهاك العقوبات الغربية المفروضة على سوريا.

ثم إن الأميركيين بدأوا مساراً في شرق الفرات لاستباق الحوادث، فبعدما أدخلوا تعزيزات عسكرية جديدة وأعادوا تنشيط بعض القواعد (بينها مقر الفرقة 17) ذُكر أنهم يحاولون إدخال تعديلات على سيطرة القوات الكردية في تلك المنطقة، لزيادة مشاركة المكوّن العربي الذي يشكو من “هيمنة غير السوريين” على “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد). غير أن القوى العربية المحليّة تترقب الخطوات الأميركية بحذر وشك، فهذه ليست الأولى من نوعها وكل السوابق عمد الكرد إلى إفشالها. أما المسار الآخر الذي يثبت أن الأميركيين ليسوا في صدد ترك سوريا فيتمثّل في التطوير الحثيث لقاعدة التنف في الجنوب وللفصيل السوري الذي يتولّون تدريبه تحت اسم جديد هو “جيش سوريا الحرّة” وقائد جديد هو فريد القاسم كبديل من “مغاوير الثورة” بقيادة مهنّد الطلاع.

قد تكون إيران نجحت بسرعة في إبطاء التحرك الروسي – التركي وفرملة التقارب التركي – الأسدي من دون تعطيله، لكنها تريد رسم حدود للنفوذ التركي وعدم شرعنته باتفاق أضنة معدّلاً. ولعل أكثر ما يزعج إيران أن يشكل الدور التركي “عنصر توازن” (سنّي) مع نفوذها. فهي، مثلاً، ترفض عودة اللاجئين (وهو مطلب تركي أساسي) بعدما سيطرت على معظم مواطنهم وأنجزت متطلبات التغيير الديموغرافي من دمشق إلى حمص وحلب. وفي السياق نفسه أعادت إبراز “الفرقة الرابعة” (بقيادة ماهر الأسد) التابعة لها، سواء في مناطق الجنوب أم بالمطالبة بأن تكون مشرفة على المعابر مع تركيا. وهذا ما يفسّر التصعيد الأخير في الشمال الغربي، حيث شاركت القوات التركية في قصف قوات النظام.

يضاف أخيراً أن تظاهرات السوريين في الشمال الغربي، وإنْ اتخذت طابع السخط على الائتلاف السوري المعارض وحكومته الموقتة لصمتهما حيال التقارب المزمع بين أنقرة ودمشق، فإنه في جوهره غضب موجّه ضد تركيا التي باتت تعرف أن مصلحة أردوغان وحزبه في هذا التقارب لا بد من أن يتمّ في جانب كبير منه على حساب السوريين.

النهار العربي

——————–

أردوغان-الأسد.. جذر “بستنة البشر”/ رستم محمود

على الرغم من تعارض تطبيق ما قد يتفقان عليه مع الوقائع وأصل الأشياء، إلا إن الرئيسين أردوغان والأسد متأكدان من أنهما يمكن أن يطبقا أي شيء يتفقان عليه على الأرض!

هما متأكدان من ذلك، حتى لو كان ذلك الشيء متعلقا مثلا بنقل ملايين السكان من دولة إلى الأخرى، دون أي اعتبار لما قد ينتج عن ذلك من تدمير لروابط وشبكات ونوعية حيواتهم، أو دفع لملايين آخرين ليدخلوا ضمن مقصلة حُكم غارق في الشمولية، أو أن يطبقوا اتفاقا قائما على تحطيم منظومة حُكم محلية وبعثرة سكانها، تلك المنظومة التي حاربت تنظيم داعش الإرهابي لعشر سنوات، وبذلت في سبيل ذلك عشرات آلاف الضحايا، ويمكن لتحطيمها أن يعيد الحياة لذلك التنظيم الإرهابي. أو أن يغضوا النظر عن جرائم طالت مئات الآلاف من الأناس، أو إلغاء لملكيات مئات آلاف آخرين، أو أي شيء آخر.

فالرئيسيان، ومعهما تشكيلة كاملة من الفاعلين والسياسيين وإدارة الحُكم، يشكلان منظومة سلطوية تملك اعتدادا غير معقول بالذات وثقة بإمكانية فعل أي شيء. وهي بمجموعها نوعية من السلوك والمنطق في التعامل مع أي “استعصاء سياسي”، عبر محقه، متأت من تاريخ مديد من مثل هذه التجارب، التي نفذتها قوى الحكم في منطقتنا مرات لا تُعد.

فكل جزيئية من استراتيجية التقارب بين الرئيسين التركي والسوري هذه، ونظامهما، تشبه “لعبة المونوبولي الكارتونية”، أكثر بكثير من شبهها لأي شيء متعلق بالسياسة والمجتمع، والحياة نفسها. وليس في هذا ما هو غريب، فالتاريخ والحاضر السياسي لمنطقتنا، حسب حقيقته العارية، كان كذلك على الدوام. كانت روح الساسة وآليات السياسية فيها قائمة على تلك الرؤى التي تجمع أوهام الهندسة الاجتماعية بأعلى درجات الغطرسة. فما يجذب الفاعلين ويدفعهم لفعل ذلك، هي مخيلاتهم ورؤاهم الأكثر ضيقا، مصطفة إلى جانب مصالحهم السلطوية الأكثر مباشرة. وهو أمر سيتكرر مرة أخرى في تجربة الرئيسين: فوز لهذا في الانتخابات المقبلة، وإعادة تعويم وشرعنة للآخر، دون أي اعتداد بأصل الأشياء وركائزها الأكثر بداهة وحقيقية، ممتلكاتهم ومصائرهم وحقهم في الحياة والحصول على درجة ما من الأمان.

فما كان يسمى يوما في التجارب العالمية بـ”الفاشية”، هو تقريبا ممارسة عمومية في تاريخنا السياسي الحديث. إذ نادرا ما صادفت هذه المنطقة زعامات ونظما حاكمة لا ترى الحياة والمجتمعات والكيانات والأنظمة على شكل بستان مملوك للذات، يمكن ترتيبه وإعادة تشكيله وتوزيعه حسب ما قد يكون مناسبا. فعلى الدوام كان ثمة جهة ما معتدة بالقوة المحضة فحسب، سواء أكانت تلك الجهة حزباً أو إيديولوجيا أو عرقاً أو نظاماً سياسياً أو حتى شخصاً، ترى في نفسها القدرة والقابلية على إعادة تشكيل الأشياء من جذورها، لتكون مطابقة لشرط سلطوي وآخر في المخيلة. وإن صدف ووجدت ممانعة ما لتنفيذ ذلك، فسكة التعامل مع تلك الممانعة تمشي عبر حقول الإبادة.

ربما كانت المأساة الأرمنية والسريانية الأكثر وضوحاً في بدايات القرن، لكن مسيرة كاملة من الإبادات ومشاريع التغيير الديموغرافي والمحق البيئي والنقل السكاني والإلغاء الثقافي مرت في مختلف بلدان المنطقة منذئذ. استمدت منها الأنظمة والتيارات الإيديولوجية والتنظيمات الحزبية العافية والاعتداد والاعتقاد بإمكانية التكرار إلى ما لا نهاية. ولن تكون تجربة الرئيسين المتوقعة في الأفق المنظور خارج هذا الفضاء الكلي.

لماذا؟!

لأن مجموع تلك الأفعال التي قامت بها الأنظمة والسلطات الحاكمة، وإلى حد كبير اشتركت بها المجتمعات ضد بعضها البعض، لم يطلق في وجهها أية معارضة كانت، سواء تلك المعارضة السياسية الحامية، أو نظيراتها الثقافية والفكرية والفنية، الباردة والمستدامة، أو حتى تلك الوظائفية، التي تفعلها عادة المؤسسات والمنظمات الدولية ذات الشأن، أو حتى الأبسط إيماناً، المتعلقة بالمعارضة الأخلاقية الفردية لمثل تلك الأفعال.

بمعنى أكثر مباشرة: لم تصبح الإبادة ومشاريع الهندسة الاجتماعية وبرامج تغيير شكل الحياة قضية ومسألة ذات أهمية وتنازع وتفكير وشجب وإدانة بالنسبة لنخب ومجتمعات منطقتنا. فهي تجري وكأنها شيء عادي، رتيب ومن الحياة نفسها.

يُمكن تحديد “حملة الأنفال المريعة” التي نفذها النظام البعثي بحق الأكراد في ثمانينيات القرن المنصرم، وراح ضحيتها قرابة ربع مليون كردي عراقي، أغلبيتهم المطلقة من المدنيين، النساء والأطفال تحديداً، من الذين دفنوا أحياء في مقابر جماعية جنوب العراق، كمثال واضح عن ذلك.

فحتى الراهن، تتراوح مواقف المجتمعات العراقية، غير الكردية، من هذه الفعلة الفظيعة بين النكران والتبرير والتشكيك، دون أية حمية لنقاشها، سياسياً فكرياً إيديولوجياً وإنسانياً. إذ لم يُكتب عنها مثلاً قصيدة شعرية ولم يُنتج فيلم سينمائي واحد عنها، ومجموع المقالات والكتب انتجها فاعلون أكراد، خلا مثال أو أثنين.

الأمر نفسه كان ينطبق على كامل الإقليم، فكل دول جوار العراق، حتى أكثرها عدائية لنظام صدام حسين وقتئذ، لم ينطقوا بحرف عنها. الأمر نفسه كان يُطبق على الدول الكبرى والمؤسسات الدولية، التي ما تذكرت ذلك إلا بعد سنوات، حين صارت مستفيدة من شيطنة نظام صدام حسين بعد حرب الخليج.

حدث الأمر نفسه مع المسألة الأرمنية/السريانية من قبل، ولحقه حرق آلاف القرى الكردية في تركيا ونقل سكانهم إلى الدواخل التركية، وما سبقها من نقل لمئات الآلاف من الإيرانيين من غرب البلاد إلى صحاري خرسان، وما فعله النظام العراقي من قطع للمياه عن أهوار جنوب العراق لمحق سكانه، النوبيون جنوب مصر لاقوا الأمر نفسه، وبعدهم كان النظام السوري يزيد من أعداد البدو في محافظة السويداء لكسر الأغلبية الدرزية، وأثناء الحرب الأهلية اللبنانية أبيدت بلدات وتغيرت ملامح مدن، وأثناءها كان نظام الأسد يزرع عشرات القرى العربية في المناطق الكردية، لكسر الوحدة الجغرافية للأكراد السوريين، وهكذا.

لكن في المحصلة، لم تتحول مجموع تلك الأفعال إلى قضايا ومسائل، إلى مسائل على جدول تفكير وموافق أناس هذه المنطقة، وبذا لم يملكوا الأدوات العقلية والوجدانية والروحية لرفض بستنة البشر، للوقوف في وجه هذه النوعية من المخيلات والاستراتيجيات المريعة. لذا يُستسهل إعادة تنفيذها، وبالذات بحق ضحايا جدد، كانوا صامتين حينما كانت تلك الأفعال تمارس بحق ضحايا آخرين.

الحرة

———————–

لغز إردوغان/ فيتالي نعومكين

الأخبار الواردة من تركيا دائماً ما تجذب الانتباه، لكنني أعتقد أن الاهتمام بها في عام 2023 سيزداد بشكل أكبر، نظراً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في هذا البلد، التي لا تفصلنا عنها سوى ستة أشهر.

هذه الانتخابات ستكون بمثابة اختبار جاد لقوة إردوغان وحزبه. فهل سيستطيع الرجل، الذي يسميه بعض الخبراء بأنه من أنجح القادة في العالم، اجتيازها؟ ولماذا احتاج إلى عملية تقديم موعد الانتخابات، الأمر الذي من المتوقع أن يعلن عنه رسمياً في مارس (آذار)؟ وماذا سيكسب لو بلغت الحملة الانتخابية ذروتها في رمضان؟

وحتى عملية تقديم الانتخابات نفسها ستشكل أيضاً اختباراً للقوة: فوفقاً للقانون، سيحتاج قرار تقديم الانتخابات لموافقة أغلبية ثلاثة أخماس نواب البرلمان التركي (بينما قانون الانتخابات الجديد سيدخل حيز التنفيذ في 6 أبريل «نيسان»). بيد أن الائتلاف الحاكم لـ«حزب العدالة والتنمية» بزعامة إردوغان و«حزب العمل القومي» بزعامة دولت بهجلي، لا يتمتع بهذه الأغلبية. إذن، هناك حاجة إلى دعم برلمانيين آخرين أيضاً.

لكن، ماذا عن المعارضة؟ فهي، وفقاً لتقارير إعلامية اليوم، ستكون مستعدة لدعم قرار تأجيل الانتخابات فقط في حال أجريت قبل 6 أبريل. فهل يمكن أن يغير المعارضون موقفهم من هذه القضية؟

حتى الآن، وفقاً لاستطلاعات الرأي، حصل ثلاثة مرشحين معارضين محتملين للرئاسة على أصوات أكثر من الزعيم التركي الحالي، وهم: رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال كليجدار أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي انتخب لهذا المنصب في مارس 2019 عن «تحالف الأمة» الذي يضم «الحزب الجيد» و«حزب الشعب الجمهوري»، وكذلك عمدة أنقرة منصور يافاش، المنتخب عن التحالف نفسه.

بالطبع، يمكن أن تتغير الأمور في الأشهر التي ستسبق الانتخابات، كما من المتوقع أيضاً تسمية مرشح المعارضة لمنصب الرئيس في فبراير (شباط). في الوقت نفسه، وكما بات معلوماً، حكمت المحكمة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على أكرم إمام أوغلو، الذي تنخرط زوجته ديليك هي أيضاً في السياسة، بالسجن وإبعاده عن النشاط السياسي بتهمة إهانة اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، علماً بأن الأمر يمكن أن يستغرق داخل أروقة القضاء التركي المعقد وقتاً طويلاً حتى تتم الموافقة على الحكم في المحكمة العليا، لذلك، قد يكون لديه الوقت الكافي للترشح والمشاركة في الانتخابات. زد على ذلك أن الناس في تركيا يحبون أولئك المضطهدين من قبل السلطة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة شعبيته.

تدرك روسيا أن مستقبل العلاقات الروسية – التركية يعتمد إلى حد كبير على نتائج الانتخابات. لكن المسؤولين والمحللين البارزين يمتنعون عن التعليقات العامة على الانتخابات التركية، حتى لا يواجهوا اتهامات بالتدخل في مسارها لصالح إردوغان. ولذا، فإن بعض السياسيين الأتراك يتحدثون بالفعل عن الدور الكبير جداً لـ«العامل الروسي» في الحملة الانتخابية لرئيس «حزب العدالة والتنمية». وربما يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت إردوغان يتصرف أحياناً بطريقة ينأى فيها بنفسه علنياً عن موسكو، كي لا يُتهم بـ«التحيز المؤيد لروسيا»، الأمر الذي يسبب الاستياء والحيرة في المجتمع الروسي.

ومن بين هذه الإجراءات، على سبيل المثال، الدعم المعلن من قبل الزعيم التركي لما يسمى «خطة السلام» التي أطلقها زيلينسكي، التي ترفضها موسكو رفضاً قاطعاً، حيث في الإحاطة الصحافية الأخيرة، شككت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في أن هذا الدعم سيساهم في البحث عن السبل المثلى لحل النزاع. وقيل هذا بحذر شديد، بما يتطابق مع ما تتسم به العلاقات الروسية التركية الحالية، عندما يتجنب الطرفان في البيانات الرسمية التعبيرات شديدة اللهجة في تقييمات تصرفات بعضهم البعض، مثمنين بذلك الحجم الاستثنائي للتعاون. وهذا التقليد موجود منذ العهد السوفياتي. وأذكر أن رئيس الحكومة السوفياتية، أليكسي كوسيغين، خلال كلمته في ديسمبر (كانون الأول) 1975، في احتفالات بدء تشغيل مصنع «الإسكندرونة للحديد والصلب»، الذي تم بناؤه بمساعدة الاتحاد السوفياتي، قال: «نعم، تركيا هي عضو في حلف الناتو، والقواعد الأجنبية موجودة على أراضيها. لكن، كما أكد لي (رئيس الوزراء) ديميريل، لكونهم في هذا الحلف، فهم لا يُخضعون المصالح الوطنية لتركيا لمصالح هذه المنظمة، والقواعد الأجنبية تحت السيطرة الكاملة للسلطات التركية». وتؤكد أحداث عصرنا قدرة أنقرة على اتخاذ قرارات تتماشى مع مصالحها الوطنية، من دون الانصياع لمحاولات الإملاء من الخارج.

في الوقت نفسه، هناك سبب آخر لبيان الزعيم التركي الداعم لفكرة كييف المحكوم عليها بالفشل، ألا وهو رغبة إردوغان في كسب نقاط ما قبل الانتخابات في مجال الوساطة في النزاعات، ووضع نفسه كصانع سلام دولي. في هذه الطموحات، كما يبدو لي، يكمن جزئياً مفتاح لغز الإجراءات المتناقضة للغاية وتقييمات الزعيم التركي حول عدد من قضايا السياسة الدولية.

لكن، ما الذي يمكن أن يفعله الزعيم التركي لزيادة شعبيته في مواجهة الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد؟ فعلى خلفية ارتفاع معدل التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة، بدأ المستثمرون يخشون من تعثر الحكومة التركية عن السداد، لأن السلطات مستمرة بعناد خطير في خفض سعر الفائدة.

لقد بلغ معدل التضخم في عام 2022 نسبة 64.27 في المائة، وكانت قد تجاوزت نسبته في أكتوبر (تشرين الأول) 85 في المائة. وفي 14 يناير (كانون الثاني) من هذا العام، وصل سعر صرف الدولار في تركيا إلى 18.7777 ليرة، ولا يزال هبوط العملة الوطنية مستمراً في تحطيم الأرقام القياسية، بينما في الوقت نفسه، ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بوتيرة جيدة.

ومن المحتمل أن إردوغان يعول على حل مشكلة اللاجئين السوريين، الذين وصل عددهم في البلاد حسب ما يزعم إلى 3.7 مليون شخص. وهذا بالتأكيد هو السبب الرئيسي لدخول إردوغان في حوار مع دمشق، رغم أنه دعا حتى وقت قريب، بحماس، لإطاحة بشار الأسد. والمحادثات الأخيرة بين وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا لم تؤد بعد إلى نتائج خارقة. وبحسب الديوان الرئاسي السوري، يجب التحضير لمثل هذه الاجتماعات بالتنسيق والتخطيط المسبق بين روسيا وسوريا حتى تكون فعالة. وشدد الأسد في لقاء مع المبعوث الرئاسي الروسي لسوريا، ألكسندر لافرنتيف، الأسبوع الماضي، على أن النتائج تعني إنهاء الاحتلال (للأراضي السورية) ووقف دعم الإرهاب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن للموقف تجاه المشكلة الكردية أن يقرب بين الطرفين المتنازعين؟ بحسب المعلومات المتاحة، ستستمر الاجتماعات، على ما يبدو، في شهر فبراير (شباط) على مستوى وزراء الدفاع وعلى مستوى وزراء الخارجية أيضاً.

وحتى إذا فشلت الأطراف في تطبيع العلاقات بشكل كامل من خلال التنازلات المتبادلة، فإن الحل الجزئي فقط لمشكلة اللاجئين السوريين في تركيا يمكن أن يزيد بدرجة كبيرة من شعبية الزعيم التركي قبل الانتخابات. وليست وساطة موسكو في إقامة اتصالات بين أنقرة ودمشق إلا أحد المؤشرات على وجود مستوى معين من الثقة بين موسكو وأنقرة، رغم الخلافات والمشكلة الأوكرانية.

كيف يمكن ألا نستذكر مرة أخرى التاريخ الذي تضمن مساعدة موسكو لتركيا بالأسلحة والذهب أثناء نضالها من أجل الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى، واستعدادها لمراعاة مصالح تركيا في قضية المضائق بعد الحرب العالمية الثانية، وموقفها لصالح فيدرالية قبرص، وأمور كثيرة أخرى؟ واليوم، هناك تعاون ثنائي قوي في مختلف المجالات، بيد أنه في الوقت الحالي لا تزال خطط حملة إردوغان الانتخابية لغزاً غامض

الشرق الأوسط

————————-

أين تقف إيران من التّقارب السّوري – التّركي؟ / أسعد عبود

منذ بدأ الحديث عن احتمال طي صفحة العداء بين تركيا وسوريا الصيف الماضي، وسعي روسيا إلى جمع الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان، التزمت طهران الصمت على المستوى الرسمي، فيما انتقدت صحف إيرانية محسوبة على التيار المتشدد، عدم دعوة موسكو إيران إلى المشاركة في الاجتماع الذي عقد بين وزراء الدفاع السوري علي محمود عباس والتركي خلوصي أكار والروسي سيرغي شويغو في العاصمة الروسية في 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

والتعليق الإيراني الرسمي الوحيد الذي صدر حيال معاودة الاتصالات السورية – التركية، والحديث عن احتمال عقد اجتماع بين وزيري الخارجية السوري فيصل المقداد والتركي مولود جاويش أوغلو، كان على لسان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته دمشق السبت الماضي، إذ قال إن إيران “سعيدة بالحوار الجاري بين سوريا وتركيا”، من دون أن يستفيض أكثر.

تجدر الإشارة إلى أن عبد اللهيان كان قد زار أنقرة الربيع الماضي، حيث عرض التوسط مع دمشق، وزار بعدها سوريا من دون أن تصل جهوده إلى نتيجة إيجابية.

وقد تكون طهران عاتبة على تركيا وروسيا أكثر من عتبها على دمشق، لأن مبادرتها في التقريب بين الخصمين اللدودين على مدى أكثر من عشرة أعوام، لم تلقَ تجاوباً، فيما المسعى الروسي يشق طريقه على ما يبدو نحو نتائج إيجابية.

وإيران هي عضو في منصة أستانا التي تضم روسيا وتركيا، وساهمت في جمع ممثلين عن الحكومة السورية وبعض أطراف المعارضة السورية أكثر من مرة، من دون التوصل إلى أي نتيجة. وفي المقابل كانت الاجتماعات الثنائية الروسية – التركية ذات مردود إيجابي على صعيد هدنات محلية في عدد من المناطق السورية.

ومع ذلك، أخفقت منصة أستانا في تحقيق اختراق سياسي كبير. وبعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية والدور البارز لأردوغان في التوصل إلى اتفاق الحبوب ومحاولة الاضطلاع بوساطة بين موسكو وكييف، وعدم انضمام أنقرة إلى العقوبات الغربية على روسيا، بدا أن بوتين يسعى إلى إبقاء أردوعان حلقة وصل مع حلف شمال الأطلسي ومع الطرف الأوكراني حتى.

وفي مقابل تعاظم الدور التركي الإقليمي بمباركة روسية، أتى التغير في موقف أردوغان من سوريا، فضلاً عن أن عوامل تركية محض داخلية تتحكم أيضاً بقرار تغيير السياسة المتبعة حيال سوريا منذ عقد والتوجه نحو المصالحة. وليس خافياً أن الوضع الاقتصادي التركي ليس جيداً بما يكفي لإقناع الأتراك الذين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع في حزيران (يونيو) لاختيار الرئيس الجديد، بمنح أردوغان تفويضاً لولاية رئاسية ثالثة. وكل استطلاعات الرأي تظهر أن أحد مرشحي المعارضة المحتملين، وفي مقدمهم رئيس بلدية اسطنبول إمام أكرم أوغلو، قد يتغلب على أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات.

أضف إلى ذلك، أن المعارضة تستخدم اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا ورقة ضغط في الحملة الانتخابية. وعودة اللاجئين لن تكون متاحة من دون تطبيع العلاقات مع دمشق.

ويبقى السؤال المركزي: هل هناك خشية إيرانية من أن يكون التقارب التركي – السوري على حساب النفوذ القوي الذي تتمتع به طهران في سوريا؟

بعض المراقبين يربط قرار إيران بالحد من تزويد سوريا بالنفط الرخيص والطلب من دمشق الدفع مسبقاً، وفق ما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية الأحد، بالتطورات الحاصلة على صعيد العلاقات السورية – التركية.

كما لا بد من الإشارة إلى أن عبد اللهيان زار لبنان الأسبوع الماضي قبل أن ينتقل إلى سوريا، بينما جرت العادة أن يزور المسؤولون الإيرانيون سوريا قبل زيارتهم للبنان، فهل أراد عبد اللهيان البعث برسالة رمزية لدمشق على خلفية التقارب مع تركيا؟

كثيرة هي التساؤلات التي يمكن طرحها في منطقة مشرعة على تحولات إقليمية ودولية كبرى في الأيام المقبلة.

النهار العربي

———-

بينها “التقارب مع دمشق”.. ملفات يحملها جاويش أوغلو لواشنطن

يلتقي وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، اليوم الأربعاء، مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، في زيارة رسمية يجريها للولايات المتحدة، وتستمر حتى 20 من يناير/ كانون الثاني الجاري.

جاويش أوغلو يحمل في زيارته ملفات عالقة بين البلدين، سعياً منه لإيجاد حل لها، في إطار سياسة “إدارة الخلافات” التي شهدتها العلاقات التركية- الأمريكية، منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للحكم، مطلع عام 2021.

صفقة “F-16”

يأتي ملف بيع طائرات “F-16” الأمريكية لتركيا على رأس جدول أعمال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في واشنطن، قبل أيام من تقديم الكونغرس الأمريكي رأيه الرسمي في إتمام هذه الصفقة العالقة.

وذكرت شبكة “بي بي سي” بنسختها التركية، أن أهم موضوع على طاولة وزيري خارجية تركيا وأمريكا هو ما إذا كانت هذه الصفقة ستتم الموافقة عليها أم لا.

وأحدثت تلك الصفقة فجوة في العلاقات بين البلدين، بعد شراء تركيا أنظمة دفاع جوي من روسيا عام 2019، ما دفع واشنطن إلى التراجع عن بيع طائرات “F-16” لأنقرة.

ومع انخفاض التوتر بين البلدين عام 2021، قدمت تركيا طلباً رسمياً لشراء 40 طائرة مقاتلة جديدة من طراز “F-16” من الولايات المتحدة، و79 مجموعة تحديث لأساطيلها الحالية، حتى لا تتعرض لضعف في القوة الجوية بسبب إزالتها من برنامج طائرات “F-35”.

ويعارض عدد بارز من أعضاء الكونغرس الأمريكي إتمام هذه الصفقة، رغم موافقة بايدن عليها، إلا أن مصادر في أنقرة توقعت حصول تركيا على طائرات “F-16″، حسب “بي بي سي”.

التقارب مع الأسد

الملف الثاني الذي سيأخذ حيزاً من مباحثات جاويش أوغلو وبلينكن، هو موضوع التقارب بين تركيا والنظام السوري، وعودة المباحثات بين الجانبين برعاية روسية بعد انقطاع 11 عاماً.

وكانت الولايات المتحدة أبلغت تركيا رسالتها بأنه لا ينبغي لأي دولة الاتصال مع النظام السوري، وذلك بعد اللقاء الذي جمع وزير الدفاع التركي ووزير دفاع النظام في موسكو، الشهر الماضي.

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحافيين، مطلع الشهر الجاري، “نحن لا ندعم الدول التي تعزّز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشّار الأسد، الديكتاتور الوحشي”.

وأضاف برايس، “نحضّ الدول على أن تدرس بعناية سجلّ حقوق الإنسان المروّع لنظام الأسد على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، في الوقت الذي يواصل فيه ارتكاب فظائع ضدّ الشعب السوري ويمنع وصول مساعدات إنسانية منقذة للحياة”.

وكان وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، قد قال إن بلاده تتفهم معارضة الولايات المتحدة خطوة “التطبيع” مع نظام الأسد.

لكن اعتبر أن على واشنطن، رؤية عدم الوصول إلى نتيجة في سورية منذ سنوات، كما أنها لم تقدم أي حلول أو مقترحات لمحاربة “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني”، حسب أوغلو.

دعم “العمال الكردستاني” في سورية

قالت قناة “TRT” التركية في تقرير لها، أمس الثلاثاء، إن وزير الخارجية التركي سينقل لنظيره التركي “عدم رضا” بلاده عن الدعم الذي تقدمه واشنطن لـ “وحدات حماية الشعب” التابعة لـ “حزب العمال الكردستاني” في سورية.

وأضافت أن جاويش أوغلو سيؤكد للجانب الأمريكي عزم بلاده على مواصلة محاربة “الإرهاب” عند حدودها.

وتصنف تركيا “الوحدات” و”العمال الكردستاني” على قوائم الإرهاب، وتعتبر تواجدهما تحت جناح “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) خطراً على أمنها القومي.

وتتوقع تركيا أن تفي الولايات المتحدة وروسيا بوعودهما في عام 2019، وإجبار “وحدات حماية الشعب” على التراجع على بعد 30 كيلومتراً على الأقل جنوب الحدود التركية (داخل سورية).

وتهدد تركيا بأنه إذا لم يتم اتخاذ هذه الخطوة، فإنها ستشن عملية عسكرية جديدة للقضاء على وجود “الوحدات” في شمال شرق سورية، وخاصة في تل رفعت ومنبج وعين العرب.

إلى جانب الملفات السابقة، من المتوقع أن يناقش وزيرا خارجية تركيا والولايات المتحدة ملف الحرب الروسية على أوكرانيا، ومسألة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو” وهو ما تعارضه تركيا، بالإضافة إلى أزمة شرق المتوسط بين تركيا واليونان.

—————————–

هل عرقلت زيارة حلفاء النظام خطوات التطبيع مع تركيا؟

تسارعت التصريحات حول مسار التقارب بين نظام الأسد وتركيا،  منذ لقاء موسكو في 28 كانون الأول / ديسمبر الماضي، إذ تسارعت بعض المواقف بين رافضين وداعين لحث الخطى في هذا المسار.

لكن هذا التسارع شهد نوعاً من الهدوء أو تسكين الخطوات، بعد زيارات مسؤولين من الدول الحليفة للنظام إلى دمشق، ولقائهم برئيس النظام.

حيث زار دمشق خلال الشهر الحالي وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ثم مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، وأخيراً وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

العودة إلى التلويح بالعمل العسكري

أعاد إبراهيم قالن المتحدث باسم الرئاسة التركية، التلويح بإمكانية شن تركيا عملاً عسكرياً في الشمال السوري ضد “قوات سوريا الديمقراطية”.

وقال قالن في تصريحه لوسائل إعلام السبت، إن العملية العسكرية ما تزال خياراً مطروحاً اعتماداً على مستوى التهديد الذي تواجهه بلاده.

ونشرت وزارة الدفاع التركية أمس السبت، مقطعاً مصوراً قالت إنه لعمليات استهداف مواقع “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني” شمالي سورية.

    Tek amaçları bölgeyi kana bulamak olan PKK/YPG’li teröristlere hak ettikleri gibi müdahale etmeye devam ediyoruz!

    Fırat Kalkanı ve Zeytin Dalı bölgelerine saldıran 11 PKK/YPG’li terörist etkisiz hâle getirildi.

    Teröristler kazdıkları hendeklere gömülmekten kurtulamayacak! pic.twitter.com/TNgVnV5WZH

    — T.C. Millî Savunma Bakanlığı (@tcsavunma) January 14, 2023

وفي 20 تشرين الثاني / نوفمبر 2022، أطلقت تركيا عمليتها (المخلب السيف) في سورية والعراق، لكنها اقتصرت على القصف المدفعي والغارات الجوية، مع التهديد بعملية برية.

وتراجعت حدة القصف والتهديد بعد المعارضة الأمريكية والروسية لعملية برية، بالمقابل تصدرت فكرة العمل العسكري ضد “قسد” مطالب الأتراك في محادثات التطبيع مع روسيا ونظام الأسد.

تأجيل المحادثات الوزارية

وبالنسبة لاجتماع وزراء الخارجية (تركيا وروسيا ونظام الأسد) والذي كان من المتوقع أن يعقد خلال الشهر الحالي، تحدث قالن عن إمكانية عقده منتصف شباط / فبراير المقبل.

وكانت روسيا تحاول عقد الاجتماع المرتقب منتصف الشهر الحالي (اليوم)، بينما أنقرة حاولت التمهل، إذ رد جاوويش أوغلو على طلب نظيره الروسي سيرغي لافروف، بأنه يجب التحضير الجيد للقاء وعقده في الوقت الذي تكون فيه الأطراف مستعدة.

وأكد أوغلو الخميس الماضي على أنه لا يوجد موعد محدد لعقد محادثات وزراء الخارجية، مشيراً إلى أنه قد يعقد في أقرب وقت ممكن.

من ناحية أخرى، اعتبر بشار الأسد خلال لقائه مع لافرنيتييف يوم الخميس، أن “إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب” في الشمال السوري، هي الأهداف والمبادئ والثوابت التي يمكن البناء عليها للوصول إلى نتائج ملموسة.

وهو ما تكرر عل لسان وزير خارجية النظام فيصل المقداد، في مؤتمر صحفي مع حسين أمير عبد اللهيان أمس.

ونقل موقع “ميدل إيست آي” عن مصدرين تركيين قولهما إن أنقرة “رفضت أحد مطالب دمشق الأساسية وهو: تصنيف جميع الجماعات المتمردة السورية على أنها إرهابية”.

زيارات الحلفاء المتتالية..بن زايد أول الواصلين

في الرابع من الشهر الحالي، وصل وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق، حيث التقى رئيس النظام، وذلك بعد حوالي أسبوع من محادثات وزراء دفاع وقادة أجهزة استخبارات النظام وروسيا وتركيا في موسكو.

وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”، أن بن زايد والأسد ناقشا “عدداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ومنها تطورات الأوضاع في سورية ومنطقة الشرق الأوسط”.

أما روسيا الراعي الأساسي للمحادثات، فقد التقى مبعوث رئيسها إلى سورية ألكسندر لافرنتييف مع الأسد في 12 الشهر الحالي.

وقال لافرنيتييف إن بلاده تقيّم إيجابيًا اللقاء الثلاثي بين وزراء دفاع سورية وتركيا وروسيا، مشيراً إلى “أهمية متابعة هذه اللقاءات وتطويرها على مستوى وزراء الخارجية”، وفق “سانا”.

إيران الداعم الأكبر

الزيارة الأبرز إلى دمشق، كانت لوزير خارجية إيران عبد اللهيان قبل يومين.

وصرح عبد اللهيان قبل وصوله، أن بلاده “سعيدة بالحوار بين سورية وتركيا(..) ويمكن أن ينعكس إيجاباً لمصلحة البلدين”، لكنه أشار في ذات السياق إلى ضرورة العمل وفق مسار “أستانة” و”أن تكون سورية حاضرة”.

وقال عبد اللهيان في مؤتمر صحفي مع نظيره المقداد، إن “سورية وتركيا بلدان مهمان في المنطقة، ولطهران علاقات متميزة وجيدة مع كليهما. نحن سعداء بأن الجهود الدبلوماسية التي بذلناها أدت إلى أن يأخذ الحوار مكان الحرب”.

وأشار إلى استمرار بلاده في “جهودها الدبلوماسية من أجل التقارب وحل المشاكل العالقة بين سورية وتركيا”.

الصحفي السوري رائد جبر يرى أن خطوات التطبيع بين تركيا والأسد ستتم مباركتها عبر محادثات “أستانة”، بمعنى أن إيران ستشارك بشكل أو بآخر بهذا الموضوع.

وأوضح لـ “السورية نت” أنه في حال مضت مسارات التطبيع، سيكون هناك نوع من التعنت لدى الإيرانيين في البدايات، وربما محاولة دفع النظام إلى التعنت أكثر في مطالبه وهو يخوض نقاشات صعبة وتفصيلية مع الجانب التركي في مسار التطبيع.

—————————

للمرة الثانية..مظلوم عبدي يتوقع هجوماً على عين العرب ويحدد موعداً

لماذا كوباني

كرر مظلوم عبدي، قائد “قسد”، توقعاته بأن مدينة عين العرب “كوباني” قد تكون الهدف لتركيا في حال شنها عملية برية في شمال شرقي سورية.

وقال عبدي في مقابلة مع موقع “المونيتور” الأمريكي، إنه يتوقع هجوماً تركياً في شباط/ فبراير المقبل، مطالباً واشنطن بالضغط أكثر لمنع أي عملية تركية، لأن الجهود الأمريكية “غير كافية”

وجاء حديثه بعد تلويح إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، بإمكانية شن تركيا عملاً عسكرياً  ضد “قسد”.

وقال قالن في تصريحه لوسائل إعلام السبت الماضي، إن العملية العسكرية ما تزال خياراً مطروحاً اعتماداً على مستوى التهديد الذي تواجهه أنقرة.

وفي تشرين الثاني / نوفمبر 2022، توقع عبدي أن تهاجم تركيا مدينة عين العرب، تزامناً مع إطلاق عمليتها (المخلب السيف) في سورية والعراق، والتهديد بشن عمل عسكري بري شمالي سورية.

لماذا كوباني؟

وبرر عبدي استهداف عين العرب بشكل رئيسي في المقابلتين السابقة والحالية، بسبب معناها الرمزي لـ”الكُرد” في جميع أنحاء العالم، ولربط تركيا مناطق سيطرتها، أي بين منطقة عمليات “نبع السلام” (تل أبيض ورأس العين) ومنطقة عمليات “درع الفرات” (اعزاز والباب وجرابلس).

واكتسبت المدينة الواقعة على الحدود السورية التركية، أهمية وشهرة عالمية في تموز/ يوليو 2014، نتيجة هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة، والذي غيّر اسمها إلى “عين الإسلام”.

وللمدينة أهمية “مفصلية في الوجدان الكردي عامة والكردي السوري خاصة”، فهي تقع في “صلب المشروع الاستقلالي الكردي العلماني” حسب موقع “فرانس 24“

ومنذ سقوط المدينة بيد “تنظيم الدولة” سنة 2014، كان زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان المسجون في تركيا منذ عقدين ونصف، قد ربط مصيرها، بمحادثات السلام التي كان حزبه انخرط به مع تركيا حينها.

وينحدر قيادييون في “العمال الكردستاني” و”قسد” من المدينة، أبرزهم قائد مظلوم عبدي، كما تعتبر من الأماكن الرئيسية التي زارها أوجلان خلال تواجده في سورية.

وكانت “وحدات الحماية” قد سيطرت عليها بعد انسحاب نظام الأسد منها في تموز / يوليو 2012.

التبرؤ من “حزب العمال الكردستاني”

وتعتبر تركيا أن “قسد” امتداداً لـ”حزب العمال الركردستاني” المصنف على قوائم “الإرهاب” لديها، إضافة لعدد من الدول الغربية والعربية منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ونفى كوباني مهاجمة الأراضي التركية من قبل “قسد”، معتبراً أن قواته “لا تشكل أي نوع من التهديد على تركيا أو شعبها أو حدودها أو أمنها القومي”، ولا تتبع لـ”العمال الكردستاني” وليس لديها روابط عضوية معه.

وأضاف أن “العمال الكردستاني” شارك بعمليات قتال “تنظيم الدولة”، زاعماً أن “لا دور له اليوم في إدارتنا كما تدعي تركيا، لسنا فرعا من حزب العمال الكردستاني”.

وبالنسبة لزعيم “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، نوه عبدي على أنه رمز لـ”قسد” و”الكُرد” في أماكن مختلفة.

————————–

بريت ماكغورك في زيارة ل”قسد”..طمأنة الأكراد ورسالة أميركية لتركيا/ مصطفى محمد

رجحت مصادر “المدن” أن يُجري منسق البيت الأبيض للشؤون الأمنية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك وفريقه، زيارة لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك عقب انتهاء الاجتماعات التي يعقدها المسؤول الأميركي مع الأطراف العراقية، خلال زيارته العراق التي بدأها الإثنين.

وقالت إن ماكغورك بحث خلال اجتماعاته في أربيل مع رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، ومع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الثلاثاء، خطوات متعلقة بالملف السوري.

وطبقاً للمصادر فإن ماكغورك بحث تذليل الصعوبات أمام تدفق الاستثمارات إلى مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة “قسد”، وهي من ضمن المناطق التي استثنتها واشنطن من عقوبات “قيصر”، وسمحت للشركات الدولية بالعمل فيها دون التعرض للعقوبات.

وقالت المصادر إن ماكغورك طالب حكومة الإقليم بتسهيل عملية التجارة وتبادل البضائع مع مناطق سيطرة “قسد” من خلال معبر “سيمالكا”، ولمّحت إلى أن الوفد الأميركي لا يُمانع في إعطاء المعبر صفة رسمية.

والهدف من كل ذلك، على حد تعبير المصادر، هو إيصال رسائل لتركيا مفادها أن مسار تقاربها مع النظام السوري لن يكون على حساب الأكراد أو “قسد”.

والواضح أن واشنطن تعمدت إرسال ماكغورك إلى المنطقة، قبل لقاء وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن الأربعاء.

وكان تشاووش أوغلو قد أكد الثلاثاء أنه سيبحث في واشنطن استكمال المفاوضات مع الإدارة الأميركية حول موضوع شراء تركيا مقاتلات “F35″، وسبق وأن أكدت مصادر ل”المدن” أن ملف التقارب بين تركيا والنظام السوري، سيكون على طاولة البحث.

ويؤكد السياسي الكردي الدكتور أدهم باشو، أن الوفد الأميركي الموجود في أربيل، أجرى محادثات مع أحد الأحزاب الكردية السورية، مرجحاً كذلك أن يتم عقد اجتماعات مع رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي، بهدف توحيد إدارة مناطق شمال شرقي سوريا.

ويشير في حديثه ل”المدن”، إلى الأنباء عن رغبة أميركية بإعادة إحياء بعض التشكيلات العربية في مناطق سيطرة “قسد”، مؤكداً أن الأخيرة “لن تتماشى مع هذا المطلب الذي يُرضي تركيا” على حد تأكيده.

ويُعرف عن ماكغورك علاقاته الوثيقة مع “قسد”، وعند تعيينه من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في فريق مجلس الأمن القومي مطلع العام 2021، اعتبرت وكالة “الأناضول” التركية الخطوة أنها “تبعث برسائل سلبية”، وقالت إن ماكغورك من “أشد المتحمسين لتسليح المليشيات الكردية الانفصالية المسلحة، وساهم في تقديم كافة أشكال الدعم والتخطيط والتوجيه لإبعاد شبهة الإرهاب عنها، وإكسابها صفة سياسية تحت مسميات شتى”.

—————————–

5 تطورات سبقت زيارة جاويش أوغلو لأمريكا.. كيف ستؤثر على الملف السوري والمصالحة مع “أسد”؟/ عقيل حسين

أخبار سوريا || أورينت نت

قبل انطلاق طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو باتجاه أمريكا لبدء زيارة مرتقبة الأربعاء، طار وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة للقائه بشكل مفاجئ، ما يؤكد على خطورة الحراك الديبلوماسي الذي تشهده القضية السورية.

ورغم أن المعلومات التي رشحت عن اللقاء بين الوزيرين الإيراني والتركي يوم الثلاثاء لم تكشف عما هو استثنائي، واقتصرت على التصريحات الرسمية التي أعقبت اللقاء، وكرّر فيها الجانبان التأكيد على “وحدة الأراضي السورية وخفض التصعيد ومحاربة الإرهاب والتطبيع بين تركيا والنظام” إلا أن المؤكد وجود ما هو مهم لدى عبد اللهيان، وكان من الملح بالنسبة له الحضور إلى العاصمة التركية لإطلاع نظيره جاويش أوغلو عليه قبل توجّه الأخير إلى الولايات المتحدة.

وتزداد أهمية البحث فيما حمله الوزير الإيراني إلى أنقرة بالنظر إلى مجمل المعطيات التي سبقت هذه الزيارة وتتعلق بالملف السوري، وفي مقدمتها تعثّر قطار التطبيع بين تركيا وحكومة ميليشيا نظام أسد، حيث اُتهمت إيران بعرقلة هذا المشروع الذي ترعاه روسيا، بينما تبدو الولايات المتحدة سعيدة بهذا التعثر.

ما يؤكد أن ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق كان الشغل الشاغل للوزيرين في لقائهما أمس، وهو تأكيد جاويش أوغلو على أنّ “بلاده مستمرة في إعادة بناء العلاقات مع (سوريا) وأن إيران يمكنها أن تلعب دوراً فعّالاً على هذا الصعيد”، وهو ما يؤكد بشكل ضمني أن إيران تريد نجاح هذا التطبيع وليس عرقلته كما يعتقد الكثيرون، بل ربما كان حضور وزير خارجيتها بشكل عاجل ومفاجئ إلى أنقرة، قبل أن يغادرها نظيره التركي إلى واشنطن، هو بهدف الاطمئنان إلى أن تركيا لن تتراجع عن ذلك مهما كانت مغريات أمريكا.

لكن لم تكن زيارة الوزير الإيراني هو الحدث الوحيد المهم الذي سبق توجّه نظيره التركي إلى واشنطن، بل سبقها الكثير من التطورات المهمة التي يجب التوقف عندها، وأبرزها:

١- عرض أمريكي متكامل بخصوص شمال سوريا:

في الواقع من حق كل من إيران وروسيا القلق على مشروع المصالحة التركية مع نظام أسد، بالنظر إلى الحديث القوي عن عرض أمريكا “لا يمكن رفضه” قدمته إلى تركيا من أجل التراجع عن السير أكثر، كما تشتهي رياح الروس وخاصة في سوريا، وهذا العرض أول ما يجب التوقف عندها بين خمسة أمور فرضت نفسها قبل سفر الوزير التركي إلى بلاد العم سام.

ورغم عدم كشف أي جهة رسمية عن تفاصيل هذا العرض، إلا أن المؤكد هو وجود حالة من الرضا التركي عنه، خاصة وأن العديد من المؤشرات أكدت ذلك، مثل زيارة عدة وفود أمريكية إلى أنقرة خلال الأسابيع الماضية، وتوقف أنقرة عن التصعيد الإعلامي ضد واشنطن خلال تلك الفترة.

وبالطبع فإن هذا العرض، الذي يقال إنه تطوير لمبادرة سابقة كان قد تقدم بها السفير الأمريكي السابق جيمس جيفري، ويشمل الاستجابة (قدر الإمكان) للمطالب التركية فيما يتعلق بمناطق سيطرة ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال شرق سوريا.

٢-تحسن كبير في العلاقات الثنائية الأمريكية-التركية:

من المعروف أن العلاقة بين أنقرة وواشنطن شهدت تدهوراً كبيراً منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة قبل عامين، ما أدى إلى تعليق صفقات أسلحة وانخفاض مستوى التبادل التجاري بين البلدين، على الرغم من اللقاء الذي جمع بين الرئيسين بايدن ورجب طيب أردوغان على هامش قمة روما في حزيران-يونيو ٢٠٢١.

ولعل من أهم المؤشرات على هذا التحسن في العلاقات، إعلان البيت الأبيض موافقته على إتمام صفقة طائرات إف-١٦ لتركيا، مع 900 صاروخ جو- جو و800 قنبلة ذكية في صفقة تبلغ قيمتها حوالي 27 مليار دولار، بالإضافة إلى محفز معنوي مهم وهو اعتماد التهجئة التركية لاسم تركيا لدى الولايات المتحدة بشكل رسمي عوضاً عن التهجئة الإنكليزية للاسم، وهو تطور يعود الفضل به إلى الجهود الخاصة التي بذلها إبراهيم كالن مستشار أردوغان، مع صديقه جايك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي.

٣- تأجيل اللقاء بين جاويش أوغلو وفيصل المقداد:

ليس هناك معلومات حاسمة بعد حول الجهة التي عطلت اللقاء بين وزير خارجية تركيا ونظيره في حكومة ميليشيا نظام أسد الذي كان مقرراً عقده في الرابع عشر من كانون الثاني-يناير الجاري، لكن وعلى الرغم من أن بشار أسد ووزير خارجيته قد أدليا بتصريحات نارية تجاه أنقرة الأسبوع الماضي، ليظهرا من خلالها وكأن النظام هو من عطل هذا الاجتماع، إلا أن مؤشرات قوية أفادت بأن واشنطن هي من تدخلت وطلبت من الأتراك تأجيله.

زيارة وزير خارجية إيران المفاجئة إلى أنقرة يوم الثلاثاء تُعتبر مؤشراً قوياً على فرضية التعطيل الأمريكي، الأمر الذي أقلق روسيا وإيران بطبيعة الحال، فكان لا بد من إرسال حسين عبد اللهيان إلى العاصمة التركية لتقديم عرض أكثر إغراء لأنقرة من العرض الأمريكي، كما يرى بعض المحللين.

٤- جاويش أوغلو سيلتقي سوريي أمريكي المعارضين لأسد:

اللافت في برنامج زيارة وزير خارجية تركيا إلى الولايات المتحدة هو جدولة اجتماع بين مولود جاويش أوغلو وبين ممثلين عن الجالية السورية في أمريكا.

مصادر خاصة كشفت لـ”أورينت نت” عن لقاء سيعقد بين الوزير وشخصيات بارزة من هذه الجالية، معارضين لنظام ميليشيا أسد ومؤثرين لدى الإدارة الأمريكية.

المصادر قالت إن اللقاء الذي سيجري في “البيت التركي” في نيويورك يوم الجمعة، سيكون بمثابة تعبير عن شكر تركيا لممثلي المنظمات والجمعيات السورية-الأمريكية على الجهود التي بذلتها والضغوط التي مارستها لدى إدارة الرئيس بايدن من أجل تحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة، هذا من جهة، ولإطلاع هذه الشخصيات على توجهات تركيا ومواقفها من الملف السوري ونظام أسد من جهة أخرى.

٥- تحفظات أمريكية وتلويح بالتهديدات إلى جانب الإغراءات:

كل ما سبق يوضع في خانة المحفزات التي قدمتها الولايات المتحدة لتركيا، بهدف واحد رئيسي هو إبعادها عن روسيا، وأهداف تفصيلية تقع تحت هذا العنوان، وأهمها خفض التوتر مع اليونان، وقبول انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وإلغاء مشروع التطبيع مع دمشق.

التلويح بعصا العقوبات كان حاضراً من قبل واشنطن، إلى جانب سلة الجزر الذي تقدمت بها كان حاضراً، حيث كرر العديد من المسؤولين الأمريكان التذكير بالعقوبات المفروضة على نظام ميليشيا أسد، وإمكانية أن تطبق على المطبعين مع هذا النظام، في معرض تعليقهم على اللقاءات بين مسؤوليه والمسؤولين الأتراك التي تُوجت في اجتماع موسكو الثلاثي بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وحكومة دمشق.

يمكن القول إن الانخراط التركي في عملية التطبيع مع نظام ميليشيا أسد قد أعاد الاهتمام الأمريكي بالملف السوري، أو بالأحرى أظهر مدى أهمية هذا الملف بالنسبة للولايات المتحدة، باعتبار سوريا أحد ميادين المواجهات المفتوحة بين الغرب وبين روسيا، حيث ترفض واشنطن وبشكل قاطع، كما يؤكد المطّلعون على سياساتها، أن تحقق موسكو أي فائدة من هذا الملف في الوقت الحالي، وخاصة عن طريق الشريك في حلف الناتو “تركيا”، فما هي النتائج التي ستسفر عنها زيارة جاويش أوغلو إلى أمريكا بهذا الخصوص؟

—————————-

مشروع أمريكي يدعم المكون العربي ويبدد المخاوف التركية في شرق سوريا

دمشق- “القدس العربي”:

قال موقع “باسنيوز” المقرب من قوات سوريا الديمقراطية، إن الولايات المتحدة لديها مشروع جديد في مناطق شرقي الفرات الخاضعة لسيطرة “قسد” يهدف إلى إشراك المكون العربي بشكل أوسع في المؤسسات القائمة بالمنطقة.

ويهدف المشروع الأمريكي إلى تطعيم المؤسسات التي تديرها الإدارة الذاتية، ويشرف عليها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD بالمكون العربي بالدرجة الأولى، وبقية المكونات الأخرى في شمال شرق سوريا.

وأوضح الموقع أن “أمريكا تعتزم بناء تحالف جديد بين مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) وأطراف سورية معارضة أخرى بهدف مشاركة المكون العربي في المؤسسات القائمة سواء في الجانب الإداري والسياسي أو الجانب العسكري”.

وأشار المصدر، إلى أن “لقاءات تجري بين التحالف  السوري الوطني (وهو إطار يضم كتلا وهيئات سياسية تم تشكيله عام 2020 في واشنطن) ومجلس سوريا الديمقراطية بإشراف من الجانب الأمريكي، وذلك بهدف تشكيل تحالف واسع بالتزامن مع عملية التطبيع الجارية بين تركيا والنظام” لافتا إلى أن “فصيل لواء ثوار الرقة الذي يقوده أحمد علوش الملقب أبو عيسى سوف يعود للواجهة من جديد بدعم أمريكي”.

ويحاول الجانب الأمريكي من خلال مشروعه الجديد وفق المصدر “تبديد كل المخاوف سواء مخاوف تركيا بخصوص هيمنة (قسد) على المنطقة أو مخاوف العرب في شمال شرق سوريا من خلال مشاركة واسعة لهم في المؤسسات القائمة” مشيرا إلى أن “المشروع الأمريكي يهدف إلى تقوية المؤسسات القائمة في شمال شرق سوريا، ولن يقصي (قسد) أو أي مكون آخر”.

بموازاة ذلك، التقى وفد أمريكي مؤخرا بقائد فصيل لواء ثوار الرقة في مقر الفرقة 17 بالرقة. وكشف مصدر تابع لقسد عن تمركز قوات التحالف الدولي في مقر الفرقة 17 بالرقة شمالي سوريا عقب انسحابها من المنطقة قبل 3 أعوام.

وتحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية، بالمئات من مقاتليها في عدد من القواعد في منطقة شمال وشرق سوريا، إلى جانب عناصر من قوات دول التحالف الأخرى، وتتولى هذه القوات مهمة دعم (قسد) في الحرب على داعش وتأمين حقول النفط.

ونقل “باسنيوز” عن مصدر مقرب من قوات سوريا الديمقراطية، قوله إن قوات التحالف الدولي تمركزت في مقر الفرقة 17 التابعة للنظام السوري القريبة من مدينة الرقة، لافتا إلى أن “قوات التحالف الدولي تنوي تعزيز دورها من جديد في الرقة الخاضعة لسيطرة (قسد)”.

وأوضح المصدر، أن “مسؤولين في قوات التحالف الدولي التقوا عقب التمركز في مقر الفرقة 17 بقائد فصيل لواء ثوار الرقة، أحمد علوش، لإعادة تشكيل فصيله المنحل، كما بدأت قوات التحالف الدولي بدأت بإنشاء قاعدة جديدة لها في مدينة الرقة”.

———————————–

================

تحديث 21 كانون الثاني 2023

————————-

شاويش أوغلو في واشنطن/ بكر صدقي

بدأت الأربعاء زيارة وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو إلى واشنطن، ليلتقي بنظيره الأمريكي أنطوني بلينكن. وتأتي الزيارة في ظل تطورات كثيرة إقليمية ودولية يحتاج الحليفان الأطلسيان للتباحث بشأنها، كما في ظل انتفاخ ملفات خلافية عديدة بينهما، لا بد من طرحها على الطاولة بين الوزيرين.

من المحتمل أن تكون السياسة الجديدة التي تعمل أنقرة على بلورتها في الصراع السوري، وعنوانها العريض التطبيع مع نظام الأسد، أحد البنود الرئيسية على طاولة المباحثات. فعلى رغم فقدان الاهتمام الأمريكي بالموضوع السوري، لا يمكن تصور أن تبقى واشنطن حيادية تجاه الانعطاف التركي الذي من شانه أن يغير المعادلات في الصراع السوري تغييراً كبيراً. الموقف الأمريكي معلن على أي حال من أي عملية تطبيع مع نظام الأسد، وهو الرفض الصريح. من المحتمل أن يسعى شاويش أوغلو إلى إقناع نظيره الأمريكي بموجبات السياسة الجديدة وربما فوائدها. وإذا كان من غير المتوقع أن تعمل واشنطن على عرقلة هذا المسار، فمن المحتمل ان تربط مباركتها له بشروط معينة، أو بمقايضتها بمطالب في موضوعات خلافية أخرى. مباركةً من شأن حصولها أن تمنح تركيا ورقة قوة في مواجهة روسيا والنظام.

فقد رأينا أن نظام الأسد عاد إلى رفع سقف شروطه قبيل الموعد المفترض لاجتماع وزيري الخارجية التركي والأسدي برعاية روسية، فاشترط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ووقف الدعم عن المجموعات المسلحة التي تدعمها أنقرة. صحيح أن هذه الشروط ليست جديدة، لكنها لم تمنع عقد اجتماع موسكو بين وزيري الدفاع في أواخر كانون الأول في موسكو، ولم تعد إلى الظهور مجدداً إلا بعدما أعلن الوزير التركي الموعد المبدئي لاجتماعه مع فيصل المقداد، منتصف الشهر الجاري. وهكذا أخذ الحديث يدور عن أوائل شهر شباط كموعد جديد للاجتماع المرتقب، ثم قيل منتصف شباط. لا شك أن دخول إيران على الخط، من خلال زيارتي وزير الخارجية عبد اللهيان إلى كل من دمشق وانقرة، قد لعب دوراً مهماً في تأخير الاجتماع المرتقب، فلا بد أن لطهران شروطها أيضاً لمباركة التطبيع التركي مع النظام. من هذا المنظور نرى الحاجة التركية الملحة لتأييد أمريكي يوازن الضغوط الإيرانية (والروسية).

وفي نوع من الرد على عودة نظام الأسد إلى رفع سقف شروطه للتطبيع مع أنقرة، صرح الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن قائلاً إن العملية العسكرية في شمال سوريا ما زالت على جدول أعمال الحكومة التركية، ويمكن أن تبدأ في الوقت المناسب، في رسالة إلى النظام بأن التطبيع معه ليس الخيار الوحيد امام أنقرة.

أما مستشار الرئيس التركي ياسين آكتاي فقد نشر مقالة جديدة، الأربعاء 18 الشهر الجاري، عاد فيها إلى التأكيد على خيار فرض «حماية تركية على مدينة حلب» بوصفه الطريق «الوحيد» الممكن لتأمين عودة قسم من اللاجئين السوريين في تركيا. فيما يبدو أنه مطروح فعلاً على طاولة المباحثات التركية ـ الأسدية، بصرف النظر عن رفض النظام المتوقع لهذا الطلب.

لكن الموضوع السوري ليس الوحيد على جدول المطالب التركية من واشنطن، فهناك أيضاً موضوع تحديث طائرات F 16 وتامين قطع الغيار لها الذي ينتظر مصادقة الكونغرس. وبخاصة أن الكونغرس بصدد الموافقة على بيع اليونان طائرات F 35 المتطورة، التي سبق لواشنطن أن أوقفت بيعها لتركيا في عهد ترامب رداً على شراء تركيا لصواريخ S 400 الروسية. أضف إلى ذلك أن الأمريكيين سبق ورفضوا أي توغل بري جديد للقوات التركية داخل الأراضي السورية.

ما الذي يمكن لتركيا أن تقدمه للأمريكيين مقابل تحقيق بعض مطالبها؟

يأتي على رأس أولويات الإدارة الأمريكية تخلي تركيا عن الفيتو الذي فرضته على انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، وهو قرار منوط بالبرلمان التركي الذي لا يسيطر التحالف الحاكم على غالبيته الكافية لهذه المصادقة. وترى القيادة التركية أن من شأن استجابة واشنطن لبعض مطالبها أن يمنح التحالف الحاكم نقاطاً إضافية للفوز بالانتخابات القادمة على تحالف المعارضة. فهل تكون موافقة الكونغرس على صفقة تحديث الطائرات مقابل موافقة برلمان تركي منتخب على انضمام السويد وفنلندا؟ من المحتمل أن هذه صيغة للتفاوض بشأنها بين شاويش أوغلو وبلينكن. أما الاشتراطات التركية على السويد وفنلندا بشأن تسليم مطلوبين للقضاء التركي، فيمكن إيجاد مخرج لها ببعض الجهد الدبلوماسي.

من المحتمل أيضاً أن لدى الأمريكيين مآخذ جدية على دور تركيا في تخفيف طوق الحصار عن روسيا الذي فرضته عليها الولايات المتحدة والدول الأوروبية عقاباً على حربها على أوكرانيا، سواء فيما يتعلق بتصدير الغاز الروسي أو فتح المصارف التركية للمعاملات الروسية. سيكون على شاويش اوغلو الرد على هذه المآخذ تحت طائلة أن تشملها العقوبات الأمريكية، أو بتقديم تنازلات في ملفات خلافية أخرى.

يمكن القول إذن عن مباحثات شاويش أوغلو في واشنطن أنها لن تكون سهلة، فمطالب الطرفين المتبادلة تتطلب تنازلات مهمة في مواضيع خلافية متراكمة ومستجدة.

كاتب سوري

القدس العربي

————————-

تركيا الـ«صفر مشاكل»: هل يحوم شبح داود أوغلو؟/ صبحي حديدي

لم يعد ثمة الكثير من الارتياب في أنّ تركيا تواصل حصد مكاسب دبلوماسية، لكنها في جوهرها مغانم اقتصادية واعتبارات جيو ـ سياسية لا تخفى، من وراء الحفاظ على ميزان اتصال توافقي دقيق بين روسيا وأوكرانيا؛ أفسحت المجال، الآن، لمستوى من التعاطي مع ملفات الحرب الدائرة يبلغ درجة الوساطة بين موسكو وكييف، يتجاوز نجاحات صادرات الحبوب وتبادل الأسرى إلى ما ترتيبات تفاوضية عنوانها (بالغ الطموح والتمنّي) التوصل إلى اتفاق سلام.

في ملفات أخرى تبدو المصالحة التركية ـ الإسرائيلية، التي تُوّجت بتبادل السفراء بعد زيارات رئيس دولة الاحتلال إسحق هرتزوغ إلى أنقرة، ووزير الخارجية التركي إلى تل أبيب، بمثابة نقلة نوعية تستكمل سيرورات انفتاح متبادل بين تركيا وكلّ من مصر والإمارات والسعودية؛ بعد سنوات من الخصام والقطيعة. الأعلى دراماتيكية في هذا الحراك التركي، وإنْ كان أقلّ قيمة وأدنى مرتبة من حيث التجسيد على الأرض وفي النطاقات الميدانية، هو استجابة أنقرة لوساطة روسية استهدفت إعادة الدفء إلى العلاقات بين تركيا والنظام السوري؛ وقُيّض للعالم أن يستمع إلى تصريح من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصياً، يقول فيه إنه «ليس هناك خلاف أو استياء أبدي في السياسة»، و«يمكننا إعادة النظر مجدداً في علاقاتنا مع الدول التي لدينا معها مشاكل. ويمكننا القيام بذلك بعد انتخابات حزيران (يونيو)، ونكمل طريقنا وفقا لذلك».

صحيح، بالطبع، ما يسوقه غالبية مراقبي المشهد التركي من أنّ معظم هذه الملفات، وخاصة ما يتصل باستئناف التعاطي مع النظام السوري، ذات صلة بالانتخابات الرئاسية التركية المقبلة؛ حيث يسعى أردوغان إلى تخفيف سلسلة من الأوجاع الداخلية الناجمة، اقتصادياً في المقام الأوّل، عن نزوعات إدارته إلى التسخين مع الجوار والخارج عموماً؛ والسعي، في الآن ذاته، إلى تجيير المعالجات للمشاكل المختلفة لصالح ترقية صورته في ناظر الرأي العام التركي، أبعد من جمهوره وأنصار حزب «العدالة والتنمية»، أو الشرائح الشعبوية التي تتلمس في شخصه ملامح سلطانية عثمانية. غير أنّ هذا العنصر، أي انتخابات حزيران (يونيو) المقبلة، لا تطمس الأبعاد الأخرى خلف مبادرات الانفتاح التركي، وعلى رأسها طبائع أردوغان في التقلّب والتنقّل والتحوّل، وفي قياس الماضي والمستقبل طبقاً لمعطيات الراهن.

وبين أن يُحكم على منهج كهذا من منطلق توصيف انتهازي، مفتقر إلى المبدئية، ذرائعي بالمعنى الهابط للمصطلح؛ أو، على النقيض، من منطلق التثمين العقلاني، والتبصّر، والذرائعية بالمعنى الصوابيّ للمصطلح؛ ثمة مفارقة جلية، دراماتيكية بدورها كما يصحّ القول، تتمثل في أن تركيا أردوغان إنما ترتدّ بذلك إلى تركيا أحمد داود أوغلو، الذي سبق له أن تولى مناصب رفيعة مثل وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء ورئاسة «العدالة والتنمية»؛ الذي لا يتردد كثيرون في اعتباره «كيسنجر تركيا»، واعتاد خصومه في صفوف الأتراك القوميين في الارتياب بأنه يمثّل سياسة «نيو – عثمانية». وأمّا مظهر الافتراق، في هذه العودة (المقنّعة حتى الساعة) إلى أفكار الرجل وتطبيقاته الدبلوماسية، فإنها تبدأ أولاً من حقيقة إقصائه خارج دائرة المقرّبين من أردوغان، وإبعاده عن قيادة الدولة والحزب، ومبادرته إلى تأسيس حزبه الخاصّ الذي يحمل اسم «المستقبل»، و… المشاركة في ائتلاف الأحزاب المناهضة لأردوغان، والمطالبة بدستور جديد ونظام برلماني على أنقاض الرئاسي الحالي.

وليس من المبالغة الافتراض بأنّ داود أوغلو هو اليوم أقرب إلى شبح يجوس الحياة الحزبية والسياسية الداخلية في تركيا، وهو لا يستقرّ في نواة عميقة من هواجس أردوغان شخصياً فحسب؛ بل يدفع الرئيس التركي إلى مزيد من خطوات الخيار الشهير «صفر مشاكل»، أو النظرية الأمّ الكبرى التي صنعت بصمة داود أوغلو في تاريخ تركيا المعاصرة.

وهذا الرجل من مواليد 1959، وقد وفد إلى السياسة من البوّابة الأكاديمية إذْ كان أستاذاً للعلاقات الدولية في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وفي جامعتَيْ مرمرة وبيكنت في تركيا، واعتمد مقاربة بسيطة في إدارة السياسة الخارجية التركية، قائمة على مبدئين ليس أكثر. ولقد سبق له أن ناقش الخطوط العريضة للمبدأين في كتابه الشهير «العمق الستراتيجي: موقع تركيا الدولي»، الذي صار قراءة إلزامية لكلّ دبلوماسي على صلة بالشأن التركي، رغم أنّ الكتاب لم يكن متوفراً في أيّ من اللغات الإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية. مؤلفاته الأخرى متوفرة في لغات أوروبية، ولعلّ على رأسها كتابه «الهزّة المنتظمة والنضال من أجل نظام دولي»، 2020؛ و«منظورات بديلة: تأثير رؤية العالم الإسلامية والغربية على النظرية السياسية»، 1994.

المبدأ الأول، إذن، هو أنّ على تركيا إقامة روابط وثيقة ليس مع أوروبا والولايات المتحدة فقط، رغم أهمية هذه العلاقات، بل يتوجب تطوير علاقات متعددة المحاور مع القوقاز، والبلقان، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب شرق آسيا، والبحر الأسود، وكامل حوض المتوسط. ذلك لأنّ تركيا ليست مجرّد قوّة إقليمية، في نظر داود أوغلو، بل هي قوّة دولية ويتوجب عليها أن تتصرّف على هذا الأساس؛ فتعمل على خلق منطقة تأثير تركية ستراتيجية، سياسية واقتصادية وثقافية. ولم يكن غريباً أنّ وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق هيلاري كلنتون ثمّنت عالياً هذه المرونة التركية في التعامل مع محاور مسلمة ومسيحية ويهودية، في العالم العربي والإسلامي، وفي أوروبا وإسرائيل؛ فأطلقت على تركيا لقب «القوّة الكونية الصاعدة».

المبدأ الثاني هو اعتماد سياسة «الدرجة صفر في النزاع» مع الجوار، من منطلق أنه أياً كانت الخلافات بين الدول المتجاورة، فإنّ العلاقات يمكن تحسينها عن طريق تقوية الصلات الاقتصادية. وفي الماضي كانت تركيا تحاول ضمان أمنها القومي عن طريق استخدام «القوّة الخشنة»، «لكننا نعرف اليوم أنّ الدول التي تمارس النفوذ العابر لحدودها، عن طريق استخدام ‘القوة الناعمة’ هي التي تفلح حقاً في حماية نفسها»، كما ساجل داود أوغلو في كتاباته العديدة. وهو، على أساس من هذا المبدأ، كان واثقاً من أنّ الحاجة متبادلة تماماً بين أوروبا وتركيا: «بقدر ما صارت أوروبا محرّك سيرورة التغيير في تركيا، بقدر ما ستصير تركيا محرّك تحويل للمنطقة بأسرها».

والحال أنّ تلك المقاربات أعطت نتائج دراماتيكة في علاقات تركيا مع جميع جيرانها تقريباً، وعلى حدودها الأوروبية والآسيوية، وخارج تلك الحدود أيضاً، كما في الدور الذي سعت إلى لعبه في لبنان حين شاركت في قوّات الأمم المتحدة التي نُشرت هناك بعد العدوان الإسرائيلي صيف 2006؛ وفي احتضان المفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة، وإقامة علاقة ثلاثية مع إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية وحركة «حماس»، ثمّ القيام بجهود ميدانية مكوكية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار أثناء العدوان الإسرائيلي على غزّة، واكتساب شعبية واسعة في الشارع العربي بسبب انسحاب أردوغان من سجال مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس في ملتقى دافوس. هذا بالإضافة إلى دور تركيا المتزايد في أفغانستان والباكستان والهند.

يبقى أنّ شبحاً يحوم حاملاً معه أطياف مبدأ مركزي في تبريد النزاعات إلى درجة الصفر، أمر مختلف عن الشبح ذاته وقد انقلب إلى خصم سياسي، حليف لتكتل أحزاب لا تروم هدفاً آخر أهمّ من الإطاحة برئاسة أردوغان، وإعادة النظام الرئاسي الحالي إلى سابق عهده البرلماني؛ فكيف وأنّ داود أوغلو لا يبدأ المعادلة من ركائز علمانية أو أتاتوركية أو قومية، بل من حجر أساس عالي الجاذبية، هو… رؤية العالم إسلامياً!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

——————————

تطبيع تركيا مع النظام السوري نصر لبوتين/ رونالد ميناردوس

سوريا مهمة لبقاء إردوغان في السلطة لذلك تدل مؤشرات على تطبيع وشيك بين تركيا وسوريا بما يناسب بوتين ويضمن تسجيل نقاط سياسية لإردوغان محليا قبل انتخابات 2023. متابعة رونالد ميناردوس لموقع قنطرة.

يتَّفق الخبراء المهتمُّون بالسياسة التركية الحالية في نقطة مهمة مفادها أنَّ: أجندة سياسة الرئيس التركي إردوغان الخارجية يتم تحديدها بشكل حاسم من خلال اعتبارات السياسية المحلية. وهذا ينطبق بشكل خاص على سياسة أنقرة تجاه جارتها سوريا، وهي الدولة العربية المتصدِّرة في هذه الأيَّام الحملة الانتخابية في تركيا أكثر من أية قضية سياسية خارجية أخرى.

من المعروف أنَّ أهمية سوريا في السياسة التركية ليست شيئًا جديدًا بالنسبة لإردوغان، بل هي مسألة ثابتة طوال فترة حكمه الممتدة لعشرين عامًا: أوَّلًا كرئيس للوزراء ثم كرئيس للبلاد، مثلما تقول الكاتبة غونول تول في كتابها الجديد “حرب إردوغان – كفاح رجل قوي في الداخل وفي سوريا” (صدر بالإنكليزية عن دار نشر هيرست وشركاؤه، سنة 2022): “تتعلق سياسة إردوغان الخارجية أوَّلًا وقبل كلِّ شيء باستراتيجيته السياسية الداخلية للمحافظة على الحكم. وتحتل سوريا مكانة فريدة في استراتيجية إردوغان لبقائه في السلطة السياسية”، مثلما توضِّح الخبيرة غونول تول في كتابها المكوَّن من ثلاثمائة صفحة.

لطالما كانت مصالح أنقرة الوطنية المركزية معرَّضة للخطر في سوريا. ينصب التركيز حاليًا على أكراد سوريا، الذين أقاموا إدارة ذاتية ناجحة في شمال سوريا على طول حدودها المشتركة مع تركيا. وترى الحكومة التركية في ذلك استمرارًا لسياسة حزب العمال الكردستاني تحت اسم آخر.

هناك مسألة أخرى تتمثّل في اللاجئين السوريين البالغ عددهم رسميًا في تركيا ثلاثة ملايين وستمائة ألف لاجئ سوري وجدوا لأنفسهم وطنًا جديدًا في تركيا نتيجة للحرب الأهلية. ولم يتبقَ في تركيا سوى القليل من “ثقافة الترحيب” التي كانت موجودة في البداية. تفضِّل غالبية من الأتراك إعادة اللاجئين السوريين عبر الحدود اليوم وليس غدًا. لقد ازدادت مؤخرًا في تركيا الاعتداءات المعادية للأجانب. وتعمل أطراف من المعارضة على إشعال الأجواء بشعارات بعضها عنصرية. وهكذا فقد أصبحت مسألة اللاجئين قضية حملة انتخابية متفجِّرة – وتضغط على الحكومة.

تحوُّل جذري؟

وتزداد في الوقت نفسه المؤشرات إلى إعداد الأتراك لتحوُّل لا يمكن وصفه إلَّا بالجذري في سياسة تركيا تجاه سوريا. فقد تحدَّث الرئيس إردوغان مرة أخرى في بداية العام الجديد 2023 -وبوضوح أكبر من السابق- حول إمكانية عقد قمة تجمعه بالدكتاتور السوري بشار الأسد. سيكون مثل هذا اللقاء تتويجًا لعملية تقودها موسكو منذ شهور من وراء الكواليس بهدف تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. وقال الرئيس التركي حول العملية المتَّفق عليها: “لقد أطلقنا عملية روسية وتركية وسورية”، وأضاف: “سنجمع وزراء خارجيتنا معًا وبحسب التطوُّرات بعد ذلك سنجتمع معًا كقادة”.

وقد سبق إعلان إردوغان هذا اجتماع لوزراء دفاع الدول الثلاث في موسكو قبل فترة قصيرة من بداية العام 2023، تم فيه -بحسب التقارير- توضيح مسائل إجرائية مهمة برعاية روسيا والإعلان في نهايته عن احتمال عقد اجتماع قمة بين إردوغان والديكتاتور السوري بشار الأسد.

يبيِّن الانهيار الكامل للعلاقات الثنائية بين أنقرة ودمشق -نتيجة الحرب الأهلية السورية- الدراما الدبلوماسية التي يمكن أن تتجلى في لقاء على أعلى مستوى سياسي. لقد جرى آخر لقاء لمسؤول حكومي تركي كبير مع الأسد قبل أكثر من أحد عشر عامًا. وفي غضون ذلك، أصبحت تركيا الداعم الرئيسي للمعارضة السورية وتحوَّلت في بعض الأحيان حتى إلى نقطة انطلاق ومنطقة انتشار عسكري لمعارضي الأسد المسلحين.

ومن ناحية أخرى، كانت روسيا وما تزال أهم داعم للنظام في دمشق. وهذا الوضع وحده يُفسِّر اهتمام بوتين بالتوصُّل إلى تسوية سورية تركية.

انتصار سياسي لموسكو

وسيكون عقد قمة تجمع بين الأسد وإردوغان انتصارًا سياسيًا لبوتين – وهزيمة للأمريكيين. ولكن موسكو وواشنطن ليستا المتنافسين الوحيدين على السلطة والنفوذ في سوريا: فالإمارات العربية المتَّحدة تلعب دورًا رئيسيًا في الدبلوماسية الدولية الخاصة بسوريا وتعمل على تطبيع العلاقات مع الأسد. ويعتقد الحكَّام في أبو ظبي أنَّ إخراج النظام بشكل تدريجي من عزلته السياسية والدبلوماسية البعيدة المدى من شأنه أن يساعد في الحدّ من نفوذ إيران المتنامي في دمشق.

تبيِّن زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق في بداية هذا العام 2023 أنَّ الإماراتيين يعملون في طليعة الدبلوماسية مع سوريا. وقد كان وزير الخارجية الإماراتي زار سوريا في مهمة رسمية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021؛ واستقبلت الإمارات في الفترة بين هاتين الزيارتين الديكتاتور السوري شخصيًا في زيارة رسمية للخليج.

وكذلك يحدِّد القلق من تنامي نفوذ طهران سياسات إسرائيل، التي يقوم سلاحها الجوي مرارًا وتكرارًا بشن غارات ضدَّ أهداف إيرانية محتملة في سوريا، وكان آخر هذه الغارات في بداية العام الجديد 2023 وذلك عندما تعرَّضَ مطار دمشق الدولي مرة أخرى للقصف. وقد أكَّد في هذه الأثناء رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أنَّ حكومته ستحافظ على سياستها العسكرية تجاه الدولة المجاورة سوريا، وقال إنَّ إسرائيل: “ستتخذ إجراءات حازمة لمنع إيران من توطيد وجودها العسكري في سوريا وأماكن أخرى ولن ننتظر”.

صفقة مقايضة من نوع خاص

وفي حين لا توجد مؤشرات تشير إلى إنهاء الهجمات العسكرية الإسرائيلية على أهداف في سوريا، فقد تبدو الأحوال في وقت قريب مختلفةً على الجبهة التركية السورية: إذ إنَّ الأساس السياسي لاتفاق تركي سوري ناشئ يعتبر -بحسب تقارير إعلامية- بمثابة صفقة مقايضة من نوع خاص.

ومقابل اعتراف أنقرة بالأسد كحاكم لسوريا وتطبيع العلاقات الثنائية على جميع المستويات، ستتعهَّد دمشق -مثلما ذُكر- بتفكيك الهياكل الكردية في شمال سوريا وبالعمل على ألَّا يلعب الأكراد أي دور في مفاوضات السلام المستقبلية.

ويبقى أن ننتظر كيف سترد الولايات المتحدة الأمريكية -التي تعتبر الحليف الأهم لأكراد سوريا- على هذه التطوُّرات الحالية. وحتى الآن تقول واشنطن فقط إنَّها ترفض تطبيع العلاقات مع الأسد. وقد أعلن المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس حول التطوُّرات الحالية في مثلث موسكو وأنقرة ودمشق: “نحن لن نُطبِّع (علاقاتنا مع الأسد) ولا ندعم تطبيع دول أخرى العلاقات مع نظام الأسد”.

ومن الواضح أنَّ موقف واشنطن هذا لم يكن له أي تأثير في أنقرة. ومن المؤكد أنَّ إردوغان يستمع إلى بوتين وليس إلى بايدن بخصوص سياسة تركيا تجاه سوريا.

ولذلك هناك مخاوف من أن يكون الأكراد -الذين راهنوا على الأمريكيين ويقفون إلى جانب واشنطن في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا- مرة أخرى أكبر الخاسرين في حال تطبيق خطط بوتين وإردوغان والأسد.

دَفْعَة انتخابية لإردوغان؟

وقد تكون الصفقة مع الديكتاتور السوري مفتاح النجاح في صناديق الاقتراع بالنسبة لإردوغان، الذي تتأثَّر قراراته على نحو متزايد بنتائج استطلاعات الرأي السيئة بالنسبة لمعسكره. تُظهر الاستطلاعات أنَّ اللاجئين السوريون أصبحوا ثاني أهم قضية بعد الأزمة الاقتصادية بالنسبة للناخبين الأتراك. وقد أعلنت المعارضة التركية أنَّها تُفضِّل في حال فوزها في الانتخابات إعادة السوريين اليوم وليس غدًا. وسيكون التوصُّل إلى اتفاق سياسي ينصُّ على إعادة اللاجئين السوريين إلى الوطن -وكذلك معاهدة تنصّ على إنهاء الميليشيات الكردية في المنطقة الحدودية- بمثابة هبة سياسية من السماء لإردوغان.

وعندئذ ستحتفل وسائل الإعلام المسيطر عليها من قِبَل إردوغان بالرئيس -الخائف على فقدانه السلطة- كرئيس استراتيجي عظيم ناجح تمكَّن من حل مشكلة الأكراد والهجرة، وتحديدًا: من دون أن يلجأ من أجل ذلك إلى تنفيذ العملية عسكرية البرية، التي كثيرًا ما هدَّد بإجرائها في شمال سوريا.

من الواضح أنَّ جميع الأطراف تؤكِّد على أنَّها مهتمة بإيجاد حل سلمي. غير أنَّ التاريخ الشخصي للشخصيات الرئيسية الثلاث يدعو إلى توخي الحذر: لأنَّ الأسد وإردوغان وبوتين صنعوا حتى الآن لأنفسهم اسمًا بشكل أساسي كدعاة حرب. وفي حال تمكُّن مبادرة موسكو المتعلقة بسوريا من تقريب هذا البلد المنكوب من سلام -تدعمه جميع الأطراف- فسيكون هذا بمثابة معجزة.

رونالد ميناردوس

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de

—————————

عقبات الحوار التركي السوري والتأثير الإيراني/ محمود علوش

لم تكن البيانات الإيجابية التي صدرت عن أنقرة ودمشق عقب الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع وقادة استخبارات البلدين ونظرائهم الروس في موسكو الشهر الماضي متناقضة مع الطريق الوعر الذي يسير عليه الحوار التركي السوري فحسب، بل كشفت أيضا أن الدبلوماسية، وإن كانت الخيار الأمثل لمعالجة أزمة بهذا الحجم، ستحتاج فترة طويلة للعمل قبل أن تبدأ بالحصاد. مع أن الرهان على تحقيق تحوّل سريع في العلاقات التركية السورية محفوف بالمخاطر إن لم يكن غير واقعي أساسا، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن الحوار لن يصمد طويلا أو أنه يسير في طريق مسدود.

تقتضي الواقعية قبل كل شيء تخفيض سقف الرهانات من جميع الأطراف، ولا سيما تركيا التي تُفرط في التفاؤل في تطوير سريع لمستوى اللقاءات مع دمشق، وكذلك النظام الذي يرفع سقف تطلعاته من الحوار، وأيضا الوسيط الروسي الذي لا يبدو أنه يمتلك التأثير الكافي على دمشق لإقناعها بتقديم مطالب واقعية يمكن تلبيتها.

في بداية أي مفاوضات، تلجأ أطرافها إلى رفع الشروط والشروط المضادة. مع ذلك، فإن مسارعة أنقرة بعد اجتماع موسكو في الحديث عن اجتماع ثلاثي محتمل لوزراء الخارجية هذا الشهر، ثم ضرب موعد جديد -لا يزال غير مؤكد- في بداية فبراير/شباط المقبل، يشير إلى الصعوبات التي تواجه عملية ترميم أرضية من الثقة للبناء عليها.

على الرغم من أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أرجع أسباب عدم انعقاد الاجتماع الثلاثي هذا الشهر إلى أن الموعد لا يناسب أنقرة، فإن تأجيل خطط عقد الاجتماع في يناير/كانون الثاني وعدم الجزم بالموعد الجديد المحتمل له، لا يُشيران إلى عقبات لوجستية تحول دون حصوله، بقدر ما يكشفان عن التعقيدات الكبيرة التي تواجه إمكانية تطوير الحوار التركي السوري إلى مستويات سياسية رفيعة.

كما يشيران إلى أن تأثير العوامل العديدة التي تُعرقل مسار التقارب لا يزال أكبر من تأثير العوامل القليلة الأخرى التي تُحفّزه. وقد بدا ذلك واضحا من خلال اشتراط دمشق على لسان الأسد ثم وزير خارجيته فيصل المقداد انسحاب تركيا من سوريا وتخليها عن المعارضة السورية، قبل عودة طبيعية للعلاقات. مع أن هذه الشروط لا تبدو مفاجئة بشكل عام، فإن إثارتها في ظل الحديث التركي عن احتمال لقاء وزراء الخارجية وبعد الأجواء الإيجابية التي سادت الاجتماع الثلاثي الأول في موسكو، يشكل تراجعا في الاندفاعة السورية نحو مواصلة المفاوضات.

يؤدي هذا أيضا إلى زيادة الضغط على روسيا التي تلعب دورا رئيسيا في رعاية الحوار. يُدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حجم الصعوبات التي يواجهها كوسيط في هذه العملية، وقد أوفد الأسبوع الماضي مبعوثه لسوريا ألكسندر لافرنتيف إلى دمشق في محاولة لإقناع الأسد بتخفيف شروطه مع تركيا.

مع ذلك، بدا أن الأسد لم يتردد في إظهار امتعاضه الضمني من الطريقة التي تدير بها موسكو المفاوضات، عندما أكد للافرنتيف على الحاجة إلى التنسيق والتخطيط المسبق بين دمشق وموسكو من أجل الوصول إلى الأهداف الملموسة التي تُريدها سوريا في الحوار مع تركيا. لطالما أخفى النظام في السابق امتعاضه من التفاهمات التي أبرمتها روسيا وتركيا في السنوات التي أعقبت دخول البلدين في شراكة في سوريا، لكنّه يُظهر الآن مقاومة أكبر للضغوط الروسية.

يكمن السبب في ذلك في أن الأسد يرى أن بوتين يسعى لتحقيق مصالحة بين أنقرة ودمشق بأي ثمن، كنتيجة للشراكة المتنامية بين تركيا وروسيا في مجالات عديدة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وبأن هذا الثمن سيجبر النظام على القبول بالتعايش مع استمرار الوجود العسكري التركي في سوريا ريثما يتم التوصل إلى تسوية نهائية للصراع.

قد لا يستطيع الأسد مقاومة الضغط الروسي إلى النهاية، لكنّ مطالبته بأن يكون ثمن المصالحة مع أنقرة قبولها بشروطه التعجيزية، تُربك الحسابات الروسية وتعمل على تقليل شهية أردوغان للبحث عن مخارج تُلبي بعض المطالب السورية من جهة، ولا تؤدي إلى التأثير بشكل كبير على الإستراتيجية التركية البعيدة المدى في سوريا من جهة ثانية. لقد قدّمت أنقرة خارطة طريق واقعية للحوار مع دمشق، لكنها كي تكون قابلة للنجاح تحتاج إلى تنازلات من الطرفين لجعل مسار التطبيع فعالا.

حقيقة أن مسار الحوار التركي السوري تحيطه مجموعة من العوامل المباشرة وغير المباشرة المؤثرة فيه، تجعله أكثر تعقيدا. لا يرجع السقف المرتفع الذي يضعه الأسد في أي مصالحة إلى الهوة الكبيرة بين أنقرة ودمشق وتباين الأهداف والدوافع بين دمشق وموسكو فحسب، بل يكشف أيضا النفوذ الإيراني المؤثر على الأسد. على الرغم من أن طهران أبدت “سعادتها” بالحوار التركي السوري، فإن لديها الكثير من الأسباب التي تدفعها لعرقلة هذا المسار، أو على الأقل ضمان أن لا يؤثر نجاحه على مصالحها في سوريا.

وعلى الرغم من أن طهران منخرطة منذ سنوات مع موسكو وأنقرة في منصة أستانا المُصممة لإدارة مصالح البلدان الثلاثة في سوريا، فإنها لم تحظَ بدور مباشر في رعاية مسار الحوار التركي السوري كما روسيا. كما تخشى أن تؤدي الشراكة المتنامية بين روسيا وتركيا إلى تهميش دورها في سوريا. علاوة على ذلك، تطمح إيران إلى أن تملأ الفراغ الذي يتركه انشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا في الساحة السورية. ورغم أنها ترى نفسها مؤهلة لتعويض التراجع الروسي في سوريا، فإن رغبة موسكو في الحفاظ على ستاتيكو النفوذ التركي الإيراني يقلص فرص طهران لشغل دور أكبر. وفي حين أن روسيا تتجنب علنا إثارة مطلب الانسحاب التركي من سوريا، فإن إيران لم تترد في طرحه. كما أنها ستنظر إلى أي مصالحة بين أنقرة ودمشق من دون أن تحقق انسحابا تركيا من سوريا على أنه سيكرس الحضور التركي بدلا من تقليصه.

كانت أنقرة صريحة في أن انسحابها من سوريا مرهون بتحقيق تسوية نهاية للصراع السوري على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ويبدو أن مقاربتها لهذه المسألة تحظى جزئيا بتفهم موسكو التي تولي أهمية لاستمالة تركيا ودفعها إلى الانخراط بشكل أكبر في جهودها لتسوية الصراع وفق معاييرها، والضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا، وإظهار قدرتها على التحرك بفعالية ضد المصالح الأميركية في سوريا والشرق الأوسط من خلال جذب حلفاء واشنطن للتعاون معها كتركيا والإمارات.

وعلى الرغم من أن تركيا راغبة في إتمام المصالحة مع الأسد لاعتبارات مرتبطة بالعامل الانتخابي الداخلي والحاجة إلى التعاون مع دمشق ضد الوحدات الكردية وللمساعدة في إعادة اللاجئين السوريين، فإنها غير مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية على الفور أو في المستقبل المنظور، كما أن اهتمامها بزيارة وزير خارجيتها مولود جاوش أوغلو إلى واشنطن الأسبوع المقبل أحد الأسباب الأخرى لتأجيل خطط الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية.

وبالنظر إلى أهمية هذه الزيارة التي ستبحث في قضايا جوهرية أخرى غير المسألة السورية، كملف بيع تركيا مقاتلات إف 16، فإن أنقرة ترغب في إضفاء جو إيجابي عليها وعدم تأجيج التوترات بسبب حوارها مع دمشق. كما أنها ستعمل على استخدام حوارها مع دمشق ورقة مساومة مع واشنطن لانتزاع تنازلات منها في بعض القضايا، من بينها مسألة الدعم الأميركي للوحدات الكردية. قد يدفع الانفتاح التركي على دمشق بواشنطن إلى طرح عرض حقيقي على الطاولة يُلبي بعض المطالب الرئيسية لتركيا، كانسحاب الوحدات الكردية من المناطق الحدودية.

قد يكون عقد الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا في الفترة المقبلة مرهونا أيضا بنتائج زيارة جاويش أوغلو لواشنطن. من غير المرجح أن تتخلى تركيا عن محاولة التقارب مع الأسد، لكن القوة التفاوضية لها مع دمشق وموسكو ستتحدد على ضوء ما يمكن أن تحصل عليه من واشنطن. بالنظر إلى المساومات التي تلعبها تركيا مع كل من موسكو ودمشق وواشنطن في هذه المرحلة، فإنها ستعمل على موازنة مصالحها مع الأطراف الثلاثة؛ سعيا منها للخروج بأكبر قدر من المكاسب.

في ضوء أن وساطة روسيا بين أنقرة ودمشق تُساعدها في الحفاظ على دورها الفاعل ضابط إيقاع بين أنقرة ودمشق وطهران في الحالة السورية بمعزل عن انشغالها في صراعها مع الغرب، فإنه سيتعين عليها ممارسة المزيد من الضغط على الأسد لثنيه عن الشروط التعجيزية التي يضعها أمام تركيا، كما سيتعين عليها إقناع طهران ودمشق بالحاجة إلى التعاون مع تركيا من أجل إخراج القوات الأميركية من سوريا، على اعتبار أنها مصلحة مشتركة للأطراف الأربعة. أخيرا، فإنه من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح إيران في سوريا وربما إشراكها في الآلية الثلاثية، فإن الدور الإيراني سيتحول إلى لاعب مفسد للتقارب بين أنقرة ودمشق.

باحث في العلاقات الدولية

الجزيرة نت

—————————

إيران تجمِّد مسار التقارب التركي السوري/ رانيا مصطفى

اقتحمت طهران، قسراً، مسار التقارب التركي السوري، الذي ترعاه موسكو، بهدف تعطيله، وإرسال رسائل إلى الروس والأتراك بأنه لا يمكن تجاهل حجم وجودها العسكري في سورية، وثقل تغلغلها في دوائر صناعة القرار في دمشق. واستجاب النظام السوري لهذا التعطيل، بعد أن كان يلازم الصمت تجاه مطلب أنقرة إعادة العلاقات، وبعد أن وافق الروسَ مجبراً على حضور اجتماع موسكو لوزيري الدفاع التركي والسوري وبرعاية روسية. فقد وضع رئيس النظام، بشار الأسد، شرطين تعجيزيين لأنقرة، إنهاء الاحتلال التركي ووقف دعم الإرهابيين، وكرّرهما وزير خارجيته، فيصل المقداد، في مؤتمر صحافي عُقِد خلال زيارة نظيره الإيراني، أمير عبد اللهيان، دمشق، السبت الفائت، التي ستليها زيارة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وسبقتها زيارة “هيئة الصداقة السورية الإيرانية”، التي اتفقت على عودة توريد النفط والغاز وتوقيع اتفاقاتٍ مع وزارة الاتصالات السورية على افتتاح شركة هواتف نقالة وتجميع هذه الهواتف وتوريدها، ومع المصرف الزراعي ووزارة الأشغال والإسكان ووزارة الاقتصاد لتوريد ما تحتاجه سورية من سلع. تأتي تلك العقود ضمن توافق على تجديد “وثيقة التعاون الاستراتيجي” طويل الأمد بين البلدين، وإعادة توريد مشتقّات الطاقة وفق الخط الائتماني أو خارجه؛ بعد قطيعة لأشهر بسبب غضب طهران من دمشق، لأسبابٍ منها التقارب مع أنقرة ومع الإمارات. ولتأنيب دمشق بعد حادثة تفجير سيارة ضابط إيراني بالقرب من دمشق، التي تتهم فيها إيران إسرائيل بتدبير الحادثة.

كان التطبيع الذي روّجه الأتراك في الأسابيع الماضية مقترحاً روسياً، واعتقدت موسكو أنه سيكون نتيجة طبيعية للمسارات التي اختارتها بديلاً من مسار جنيف، أي مسار أستانا في 2017، وتفاهمات سوتشي في 2018، ومسار اللجنة الدستورية، وكلها حصلت بموافقة أميركية وأممية، فيما قبلت المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، السياسية منها والعسكرية، بتلك المسارات، وما نجم عنها من تفاهمات، وسلّمت مناطق واسعة للنظام، على مراحل، مقابل سيطرة الفصائل العسكرية بدعم تركي على أجزاء من الشريط الحدودي مع تركيا. لكن روسيا تجاهلت أن إيران كانت مشاركة في تلك المسارات، وراضية عنها، ومليشياتها قاتلت إلى جانب جيش النظام في معظم معاركه، ودفعت أموالاً بسخاء، على عكس الروس، من أجل توسيع نفوذها في سورية، ونجحت في ربط مصير النظام باستمرار وجودها في سورية، وهي من تقدِّم لاقتصاده جرعات الإنعاش في اللحظات الحرجة، وقد حصلت على عقود واستثمارات طويلة الأمد. وبالتالي، هي الأكثر قرباً ودعماً لدوائر القرار في دمشق من روسيا، في وقتٍ تخوض الأخيرة حرباً ضروساً في أوكرانيا، وتتلقى الضربات الأوكرانية بسلاح حلف الناتو، ما اضطرّها إلى سحب بعض مليشياتها، مثل فاغنر، وتخفيض حجم وجودها العسكري في سورية.

كانت التصريحات التركية في الأسابيع الأخيرة تروج بكثافة خطوات عملية للقاء الرئيسين، أردوغان والأسد، تلك المصافحة الثمينة لأردوغان سترفع رصيد حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات المصيرية منتصف الصيف المقبل، لأنها ستعني تراجعاً تركياً عن سياسة دعم المعارضة السورية، وتترافق مع وعود بإعادة جزء من اللاجئين السوريين إلى سورية بالاتفاق مع نظام الأسد. وبوتين أيضاً مهتم ببقاء أردوغان وحزبه في السلطة، ويخشى من ذهاب تركيا، من بعده (أردوغان)، إلى أحضان الغرب و”الناتو” أكثر، وخسارة الدور الذي تقدّمه إلى روسيا للتغلب على العقوبات الاقتصادية، خصوصاً ما يتعلق بالخدمات المصرفية، وتمرير النفط والغاز الروسيين والمنتجات الزراعية، والدور الذي تلعبه بصفتها وسيطاً في المفاوضات بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى. ولذلك، تريد موسكو إنجاز لقاء الرئيسين خدمة لأردوغان، وتريد نقاش إمكانية العودة إلى اتفاق أنقرة معدَّلاً، يسمح لتركيا بالتوغل 30 كم في الأراضي السورية. لا يريد النظام السوري تقديم خدمة “المصافحة” مجاناً لأردوغان، ولا يرغب في إعادة اللاجئين إلى مناطق سيطرته، خصوصاً أنه يعاني من أزمة اقتصادية خانقة. لذلك، وافق الروسَ على حضور الاجتماع العسكري في موسكو، وتشكيل لجنة ميدانية من العسكريين من الطرفين، التركي والسوري، لمتابعة مسار التطبيع، لكنه، في اللحظة الحرجة، أقحم الإيرانيين في هذا المسار، ليعينوه على وضع العراقيل في وجه عمل هذه اللجنة.

عرّج الوزير الإيراني عبد اللهيان على أنقرة، والتقى نظيره التركي، جاووش أوغلو، قبل سفر الأخير إلى واشنطن، ليوضح للأتراك ضرورة التوافق مع إيران بشأن أي اتفاقٍ ممكن مع نظام الأسد؛ في وقتٍ يريد أوغلو إصلاح العلاقات المتوترة مع البيت الأبيض، كإجراء ضروري ضمن الأجندة الانتخابية لأردوغان. وأعلنت واشنطن رفضها التطبيع التركي مع نظام الأسد، ولكنها لن تعرقل حصول المصافحة التركية مع الأسد، إن جرى التوصل إليها، بما أنها لن تؤدّي إلى دعم ملموس للنظام السوري، يخترق قانون قيصر وقانون محاربة المخدّرات (الكبتاغون) في سورية. تعمل الولايات المتحدة على جذب تركيا أكثر إلى معسكرها الغربي في معركته في أوكرانيا ضد روسيا، وقد يوافق الكونغرس على بيعها طائرات إف – 16، وتحاول ترتيب الوضع شرق الفرات، بما يطمئن أنقرة، بزيادة وزن المكوّن العربي ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على حساب الأكراد، وهو ما تفعله في الرقة؛ وتعزّز، في الوقت نفسه، وجودها العسكري في المنطقة، سواء بزيادة الدعم العسكري لـ”قسد”، أو ببناء قواعد جديدة لها، في الحسكة أخيراً، لشلّ قدرات قوات النظام السوري في المربع الأمني هناك، وذلك استعداداً لمواجهة أي عمل عسكري تركي محتمل، حيث عادت أنقرة إلى التهديد به، بعد فشل التقارب مع دمشق.

العربي الجديد

————————

من يملك القرار في سورية؟/ أسامة أبو ارشيد

تمضي مساعي التقارب بين تركيا ونظام بشار الأسد في سورية، بوساطة روسية، على قدم وساق منذ كشف عنها وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، في أغسطس/ آب 2022. وهي كانت قد بدأت قبل ذلك بعام تقريباً، ولكن بشكل غير معلن عنه. تتقدّم تلك المساعي خطوة ونصف خطوة وترجع خطوة إلى الوراء، إلا أنها، في المحصلة، تسير قدماً، بغض النظر عن الاحتجاجات الشعبية في “المناطق المحرّرة” في شمال سورية، وبغض النظر عن التطمينات التركية لقيادات المعارضة وأطرها بأنها ليست في وارد التخلّي عنهم وعن حقوق السوريين عموماً. وبعيداً عن حقيقة الحسابات والدوافع التركية، فإن أمراً واحداً ثابتاً، مفاده بأن لا نظام بشار، ولا المعارضة السورية، صاحبا قرار فعليان في ما يجري، مع ضرورة التنبيه إلى أن الثانية أضعف بكثير. إذ يملك الأول ميزة المناورة المحدودة على وتر تناقضات الحسابات الروسية – الإيرانية، فضلاً عن أن وضعه الميداني تعزّز بشكل كبير منذ أواخر عام 2015، عندما دخلت روسيا بقوتها العسكرية داعمة لقواته والمليشيات الإيرانية على الأرض. أما المعارضة السورية، فمعظم أوراقها، إن لم تكن كلها، في يد أنقرة، بعدما تخلّى عنها قبل ذلك القريب والبعيد، دافعين بها أكثر فأكثر إلى الحضن التركي، الذي يمثل المنفذ الجغرافي الوحيد للمناطق “المحرّرة”، بل قل متنفسها وعمقها.

ما يجري في سورية هو حصاد سفاهات النظام وإجرامه بالدرجة الأولى. هو من شَرَّعَ أبواب البلاد لتسلّل الأجانب والغرباء من كل حدب وصوب. واليوم، أحببنا أم كرهنا، ليس قرار سورية في يد بشار ولا معارضتها ولا شعبها. بل إنه ليس في يد قوة واحدة، كائناً من كانت، سواء روسيا أم إيران أم تركيا أم الولايات المتحدة. لا بد أن يتفق كل الفرقاء أولاً، حتى قبل أن يتفق السوريون. ولكن أَنَّىٰ هذا، والنظام نفسه ليس واحداً منسجماً، ولا المعارضة كذلك، حتى داخل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والتحالف الواحد؟ دع عنك، بعد ذلك، المليشيات والمافيات والجماعات التي تتعدّد مشاربها ومصالحها وحساباتها. إنها فوضى قائمة، صمّمها النظام بغباء منقطع النظير، ظنّاً منه أن ذلك سيجهض الثورة من داخلها، فكان أن أفلتت الخيوط من يديه، في الوقت التي فشلت فيه المعارضة، لأسبابٍ ذاتيةٍ وموضوعية، في الإمساك بها، بل وضاعفت من خبط عشوائها.

أمام هذا الواقع المزري لا تملك إلا أن يصيبك الاشمئزاز من تصريح بشار الأسد أن التقارب مع تركيا بوساطة روسيا يجب أن يهدف إلى “إنهاء احتلال” أنقرة أجزاء من سورية. حسناً، وماذا عن انهاء الاحتلال الإيراني والمليشيات المحسوبة عليه؟ وماذا عن إنهاء الاحتلال الروسي؟ أم هناك وصاية مقبولة وأخرى غير مقبولة، واحتلال جميل وآخر بشع؟ أما بالنسبة للاحتلال الأميركي، فبشّار يتحدّث عن إنهائه، ولكنه يتغاضى عن حقيقة أنه ما كان ليكون، هو ولا غيره، لولا إجرامه وبلادته.

إذن، ليست المعارضة السورية وحدها مغلوبة على أمرها في مسألة التقارب المضطرد بين أنقرة ودمشق، بل النظام هو الآخر مغلوبٌ على أمره، وتجرّه موسكو المدفوعة بورطتها في أوكرانيا جرّاً، وهو لا يملك إلا إبداء بعض النزق والشغب، ومحاولات التمترس وراء الحليف الإيراني، الغارق هو الآخر في أزماته الداخلية. الهوان بين الناس هو مصير كل من هان على نفسه. وانهيار الجسد من داخله حتميةٌ نافدة على كل من أعطب، إرادياً، مناعته ودفاعاته الأصيلة. وفقدان السيطرة على مقاليد الأمور ومستقبل الذات، هي نهاية كل من ألجأ أهله إلى طلب عون خارجي، وهدم أسوار حصونه أمام أعدائه، وسمح لمن حوله بالتدخل في خاصة شأنه.

يملأنا الأسى على سورية وشعبها المنكوب المظلوم، لكن الأقدار لا تحابي سوء التخطيط والحسابات الخاطئة. يمكن لنا أن ننتقد المقاربة التركية الجديدة في سورية ما شئنا، لكن هذا لا يغيّر من الواقع شيئاً. هي السياسة في واحدةٍ من أبرد تجلياتها وأقساها، أين تتقدّم المصالح الاستراتيجية العليا لدولة، أو حتى بعض الحسابات السياسية لحزب حاكم، على المعايير الأخلاقية والأيديولوجية. الكارثة، هي في من لا يعرف أصلاً معنى المصالح الاستراتيجية لدولةٍ تحت سيطرته.

العربي الجديد

————————–

هل يلبي نظام الأسد شروط الانسحاب التركي من سورية؟/ عدنان أحمد

مع تواصل الجهود الروسية لجمع وزيري خارجية تركيا مولود جاووش أوغلو والنظام السوري فيصل المقداد، كخطوة إضافية في سياق الانفتاح التركي على النظام، تمهّد لاجتماع على مستوى أعلى بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، تبرز مواقف مختلفة من الطرفين المعنيين، تحاول إظهار التمسك بالمواقف الأساسية لكل طرف، مع عدم وضع “شروط مسبقة” قد تحبط هذه الجهود، بناء على طلب كما يبدو من الجانب الروسي بألا تتم عرقلة جهوده لرفع مستوى التواصل بين الجانبين.

وفي إطار هذه “المرونة” التي تبديها تركيا لتسهيل الجهود الروسية، أكد مسؤول أمني تركي وُصف بـ”رفيع المستوى” استعداد بلاده لطرح جميع المواضيع على طاولة الحوار مع النظام السوري، بما في ذلك انسحاب القوات التركية كلياً أو جزئياً من سورية.

وقال المسؤول لموقع “بي بي سي تورك”، إن العمليات العسكرية التي تمت في سورية كانت بالتنسيق مع روسيا، ونقاط المراقبة الموجودة في إدلب، كانت منسجمة مع الاتفاقات التي توصلت إليها أنقرة مع موسكو وطهران، مضيفاً أنه “لا توجد خطوط حمراء وشروط مسبقة مطروحة على الطاولة اليوم، ويمكن التفاوض على أي موضوع، بما في ذلك الانسحاب الكلي أو الجزئي للقوات التركية من سورية”.

والواقع أن إعلان تركيا استعدادها لسحب قواتها من الأراضي السورية ليس أمراً جديداً، وسبق أن تحدث عن ذلك العديد من المسؤولين الأتراك، بمن فيهم أردوغان، مؤكدين أن “لا أطماع” لتركيا في الأراضي السورية، بل أن دخولهم إليها كان اضطرارياً، بسبب التهديدات التي تشكّلت على أمنهم القومي في ظل عجز النظام السوري عن النهوض بمسؤولياته لضبط الحدود بين الجانبين، والتي تمتد على مسافة نحو 909 كيلومترات.

شروط الانسحاب التركي من سورية

والجديد اليوم أن مسألة الانسحاب التركي من الأراضي السورية تطرح في ظل حوار معلن بدأ بين الطرفين، ما ينقل القضية من الحديث العمومي والمبدئي عن الاستعداد للانسحاب حالما تتوفر شروطه، إلى بحث خطوات عملية، أو وضع جداول زمنية لتحقيق هذا الانسحاب. وبرأي محللين فإن “شروط الانسحاب” لم تتوفر بعد، وأن الأمر يقع على عاتق النظام السوري لتوفير هذه الشروط.

وحول ذلك، يقول القيادي في المعارضة السورية العميد فاتح حسون لـ”العربي الجديد”، إن تصريحات المسؤول الأمني التركي المذكورة تؤكد أن “الحوار الذي تريده تركيا من نظام الأسد مفتوح وغير مشروط، بما فيه الحوار حول الشروط التي وضعها النظام من أجل موافقته على الحوار نفسه”.

ويشير إلى أن “جميع المواضيع المطروحة للحوار كانت قد طُرحت سابقاً بشكل غير مباشر عن طريق دول مثل روسيا، أو بشكل مباشر عن طريق الاتصالات الأمنية”.

ويعرب حسون عن اعتقاده بأن نظام الأسد لا يريد حواراً ذا معنى مع الجانب التركي، ولا أي حوار يمكن أن يقود إلى تطبيق القرار 2254، القرار الذي تعلن تركيا أنها تسعى لتطبيقه بحوارها مع نظام الأسد. ويرى أن تركيا “تريد حشر النظام في الزاوية، وإظهاره بأنه غير راغب وكذلك غير قادر على تحقيق طلبات تركيا أولاً، والمضي بإيجابية في العملية السياسية”.

ويعتبر حسون أن “ملف التقارب التركي مع نظام الأسد، وإن كان ورقة انتخابية يعمل حزب العدالة والتنمية لأن تكون بيده، لكنها في الوقت نفسه ورقة خطيرة ضد النظام الذي سيظهر عجزه التام عن اتخاذ أي قرار في ظل التحكم الروسي والإيراني به، وتضارب المصالح الدولية على الحدود السورية التركية، وتوجهات دول عربية رافضة لوجود أي مستقبل للنظام في سورية”.

من جهته، يرى الباحث في “مركز جسور للدراسات”، وائل علوان، أن تركيا “تتفاعل بشكل كبير مع الجهود الروسية ولا تضع شروطاً مسبقة للجلوس إلى الطاولة، لكنْ في الواقع هناك شروط مسبقة يضعها الطرفان بالنسبة للأهداف المتوخاة من هذا الحوار بالنسبة لكل منهما”. ويوضح علوان في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “تركيا تريد ضمانات لحل سياسي، بينما يطالب النظام بتحديد موعد للانسحاب التركي الكامل من سورية.

وهذه أمور طُرحت خلال لقاء موسكو الذي جمع وزراء دفاع الأطراف المعنية (28 ديسمبر/كانون الأول الماضي)، وكان الجواب التركي: (نعم سننسحب عندما يكون هناك حل سياسي في سورية)”. ويضيف علوان أن “هذا موقف الدول الأخرى أيضاً التي تقول إنها ستنسحب حالما يتم التوصل إلى حلول سياسية نهائية في سورية”.

ويلفت علوان إلى أن “تفاعل النظام السوري وتعاونه في عودة اللاجئين ومحاربة المجموعات المتطرفة والانفصالية، يقابلها تفاعل تركي باتجاه التطبيع مع النظام والانسحاب من الأراضي السورية، وحتى الولايات المتحدة تقول إن بقاء النظام ورفع العقوبات عنه، مرتبط باستجابته مع جهود الحل السياسي، لكن النظام لا يستطيع المضي قدماً بهذا الاتجاه، وهو يتعرض لضغوط إيرانية قوية تمنعه من الاستجابة وتحقيق تقدم في المسار السياسي، وتقديم ضمانات سواء للمجتمع المحلي في سورية، أو لدول الجوار”.

وفي سياق البحث عن “حلول وسط” بين الجانبين تتيح تلبية مطالبهما ولو بشكل جزئي، قال عضو “مجلس الشعب” (البرلمان) لدى النظام السوري، عضو اللجنة الدستورية، صفوان قربي، في حديثٍ لموقع “بي بي سي تورك”، إنه “يجب إعادة تأهيل فصائل المعارضة المسلحة، بالقوة أو بالحلول اللينة، وإدماجهم في العملية السياسية، والاستفادة من تجربة درعا، جنوبي سورية”. والمقصود هو تسوية عام 2018.

وكشف قائد عسكري من المعارضة السورية الموجودة في إدلب للموقع نفسه، أن “السلطات التركية اقترحت عليهم تجربة درعا”، مشيراً إلى أنه “في حال حصل تقارب سياسي ستطرح هذه الفكرة على الطاولة.

وليس من الواضح بشكل دقيق ما هو المقصود بتجربة درعا، لكن ما حدث هناك أن الفصائل المسلحة التزمت بموجب اتفاق التسوية عام 2018 على تسليم سلاحها الثقيل والمتوسط للنظام، والاحتفاظ بالسلاح الخفيف للحفاظ على الأمن في مناطقها، في مقابل قيام النظام بتحقيق بعض المطالب مثل إطلاق سراح المعتقلين في سجونه وعودة الموظفين في الدولة إلى أعمالهم، ووقف الملاحقات الأمنية.

وطبعاً، لم يلتزم النظام بوعوده، كما أن المجموعات المحلية احتفظت بسلاحها في معظم المناطق. وتعيش المحافظة منذ ذلك الاتفاق أسوأ حالة أمنية، مع تصاعد الاغتيالات والتفجيرات وعمليات الخطف والاعتقال، التي أصبحت يومية”.

أما إذا كان المقصود هو تعاون “اللواء الثامن” الموجود في شرق درعا، الذي كانت تدعمه روسيا، مع النظام في الحفاظ على الأمن، فهي أيضاً ليست تجربة ناجحة على الرغم من التبعية النظرية لهذا اللواء لفرع الأمن العسكري، علماً أن عناصره ينتشرون في بقعة محددة وصغيرة من المحافظة.

إدماج “قسد” في قوات النظام

وبالنسبة لجهود روسيا لإدماج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في قوات النظام الرسمية، فإن تركيا تتوجس من ذلك أيضاً وفق مسؤول تركي آخر صرح لموقع “بي بي سي تورك”: “بسبب ضبابية طريقة دمج هذه الوحدات في جيش النظام، وآلية تمركزها في سورية، وطريقة التفاهم بين الأطراف في هذا الخصوص”.

وتشير تسريبات إعلامية إلى أن روسيا تعمل على إقناع تركيا بنسخة معدلة من اتفاق أضنة الأمني الموقع في عام 1998، الذي يسمح للجيش التركي بالتوغل داخل الأراضي السورية بعمق 5 كيلومترات، في حال عدم قدرة قوات النظام السوري على مواجهة حزب “العمال الكردستاني”. وبالتالي سيتمكن الجيش مع التعديل الجديد من التوغل مسافة 32 كيلومتراً في حال دعت الحاجة، على أن يكون ذلك بالتنسيق مع قوات النظام السوري المنتشرة في المنطقة.

في حال نجحت روسيا في تمرير هذا التعديل، الذي قد لا يواجه بمعارضة قوية من النظام، إذا حصل على تعهد تركي بالانسحاب الكامل أو الجزئي من الأراضي السورية، فانه سيشكل “اختراقاً” في العلاقات بين الجانبين، كما يقول المحلل السياسي غازي دحمان.

ويضيف دحمان في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن كلا الطرفين قد يجدان في اتفاق من هذا القبيل خطوة مقبولة وحلاً وسطاً يمهّد للبحث في الترتيبات اللاحقة، مثل تشكيل دوريات مشتركة لضبط الأمن عبر الحدود، فضلاً عن أن مثل هذا الاتفاق يعيد النظام إلى المشهد السياسي بوصفه طرفاً شرعياً، يستطيع عقد الاتفاقات مع دول الجوار.

من جهتها، ستستفيد تركيا من مثل هذا الاتفاق بمنحها حق التدخل، في الوقت الذي ترى أنه ضروري للحفاظ على أمنها، سواء براً أم من خلال القصف الجوي. كما أن هذا الاتفاق سيجعل النظام وتركيا طرفاً واحداً في مواجهة “قسد”، وداعميها الأميركيين، مما يقطع أي احتمال للتقارب بين النظام و”قسد”.

العربي الجديد

—————————-

هآرتس: بعد الشرط الموجه لأردوغان “حقوق الإنسان قبل الطائرات”: لماذا وافق بايدن الآن؟

لقد انتظرت وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أمس، أجواء باردة في واشنطن. واليوم، عندما يلتقي نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، ينتظره أيضاً لقاء بارد. تجري بين تركيا والولايات المتحدة رقصة سيوف. فمن جهة، تركيا عضوة في الناتو، لكنها أيضاً حليفة لروسيا، ولا تطبق العقوبات التي فرضت على الأخيرة. هي تطمح لشراء الطائرات القتالية “اف 16″، لكنها تهدد بغزو سوريا لإبعاد الأكراد الذين هم حلفاء الولايات المتحدة، من قطاع واسع وعميق على طول الحدود مع سوريا.

 الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أوضح حتى في حملته الانتخابية بأنه يعتبر أردوغان ديكتاتوراً في بلاده والمسؤول عن المس بحقوق الإنسان، والشخص الذي لا يمكن اعتباره صديقاً حقيقياً وحليفاً؛ بسبب صفقة شراء منظومات الصواريخ المضادة للطائرات “إس 400” الروسية. لقد مرت أشهر كثيرة على تتويج بايدن رئيساً للولايات المتحدة إلى أن وافق على الالتقاء مع نظيره التركي، وذلك في مؤتمر دولي. يمكن إضافة علاقات تركيا مع إيران إلى الحوار المتشدد بين الدولتين أيضاً، وهي علاقات لا تراها واشنطن تعوض استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؛ الأمر الذي اعتبرته أوروبا استفزازاً تركياً.

هذا في حين أنها ترسل سفناً للتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، وفي المناطق التي تعتبرها اليونان وقبرص مناطق تابعة لها. ومؤخراً، تلك الحساسية من تحسين العلاقات بين تركيا وسوريا، وهي الخطوة التي تعارضها الولايات المتحدة خلافاً لإيران وروسيا.

تم إقصاء تركيا من خطة تطوير الطائرة المتملصة “إف 35” كعقاب على صفقة الشراء مع روسيا، وبذلك خسرت مليارات الدولارات من المداخيل الفورية وتطوير المنظومة الجوية فيها. الآن، يوضع على طاولة بايدن طلب لتركيا من أجل شراء 40 طائرة “إف 16” متطورة ونحو 80 منظومة تطوير لطائرات مشابهة هي في حوزة تركيا، وهي الصفقة التي تصل تكلفتها نحو 20 مليون دولار. في الأسبوع الماضي، نشرت “وول ستريت جورنال” بأن الرئيس الأمريكي توجه بشكل رسمي للكونغرس من أجل طلب المصادقة على الصفقة كما يلزمه القانون بذلك.

جاء الرد القاطع في اليوم التالي. “يواصل الرئيس أردوغان سعيه لتقويض القانون الدولي، وهو لا يعطي أهمية لحقوق الإنسان ومعايير الديمقراطية، وهو متورط في نشاطات ضد الاستقرار في تركيا وفي دول جارة، وأيضاً ضد حلفاء في الناتو”، هذا ما قاله السيناتور بوب مننديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. وأضاف مننديز بأنه “ما لم يتوقف أردوغان عن التهديد ولم يحسن حقوق الإنسان في دولته، بما في ذلك إطلاق سراح صحافيين وخصوم سياسيين، وبدأ في العمل مثلما يجب أن يتصرف حليف مخلص، فلن أصادق على الصفقة”.

هذا هو نفس مننديز واسع النفوذ والقوة الذي حذر بنيامين نتنياهو من اعتبار ضم إيتمار بن غفير لحكومته مساً بعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة. من يريد أن يرى تصريحه بخصوص تركيا رسالة لإسرائيل فهو يفعل ذلك بالطبع على مسؤوليته، لكنها مخاطرة محسوبة. مننديز ليس عضو الكونغرس الوحيد الذي يستاء من تركيبة الحكومة الجديدة في إسرائيل ومن سياستها كما تظهر حتى الآن.

تعرض تركيا ضد هذه الادعاءات إسهامها في جهود الناتو وفي صد روسيا، بواسطة جولات جوية تقوم بها فوق البحر الأسود ومنعها عبور سفن حربية روسية في مضيقي البوسفور والدردنيل، ونجاحها في التوصل إلى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا حول نقل المنتجات من أوكرانيا إلى دول الشرق الأوسط. واشنطن في الواقع ربتت على كتف أنقرة، ولكنها أيضاً ذكرتها بأن حجم التجارية بين تركيا وروسيا ارتفع بعشرات النسب المئوية منذ بداية الحرب.

جندت تركيا أيضاً خطها التقليدي للدعاية ضد من يعارضون صفقة الطائرات. وقد تم التعبير عن ذلك في تصريحات المستشار المقرب من أردوغان، إبراهيم كالين، الذي قال في مؤتمر صحافي السبت بأنه “إذا كانت واشنطن ستستمر في دفع تركيا إلى اتجاهات أخرى مع صفقة الـ “اف16” والعقوبات على الـ “إف 35″ فعندها سترد تركيا. هم يتهمون تركيا مرة أخرى. هذه ليست لعبة نزيهة. يبدو أن قائمة طلباتهم لن تنتهي أبداً. دائماً هناك شيء آخر”. وحول هذا يمكن القول: انظروا من الذي يتحدث.

هذا هو الادعاء الذي أسمعه أردوغان في أذن الرئيس ترامب عندما قرر شراء الصواريخ المضادة للطائرات من روسيا. وافق ترامب في حينه على المبرر، بل واستخدمه في محاولته غير الناجحة لمنع فرض العقوبات على تركيا. بايدن معني ببيع الطائرات لتركيا، ليس فقط بسبب الخوف الذي سيغير مكانه إذا انهارت الصفقة.

في موازاة طلب تركيا الذي قدم في تشرين الأول 2021، قبل فترة كبيرة من اندلاع الحرب في أوكرانيا، يوضع الآن طلب لليونان لشراء طائرات “إف 35”. ويبدو أنها صفقة “صغيرة” في الحصول على المصادقة بسبب علاقات جيدة لليونان مع واشنطن وعضويتها في الاتحاد الأوروبي والناتو. ولكن واشنطن تريد أيضاً الحفاظ على ميزان قوة بين اليونان وتركيا لكبح مواجهة بينهما ولتعزيز منظومة دفاع الغرب في شرق البحر المتوسط. موافقة تركيا المبدئية، ولكن المتحفظة، على ضم السويد وفنلندا إلى الناتو ساعدت على استكمال صفقة الطائرات، وظهرت كضربة سياسية شديدة لروسيا، التي يجب مكافأة تركيا عليها. ولكن الآن، بعد مرور ستة أشهر على طلب الدولتين الإسكندنافيتين الانضمام للناتو، لم تنفذ تركيا بعدُ موافقتها، وحتى إن اردوغان أوضح بأن الموافقة النهائية لن تعطى قبل انتخابات تركيا الرئاسية المتوقع إجراؤها في حزيران، هذا إذا لم يقرر أردوغان تبكيرها.

تركيا تطالب السويد وفنلندا أن تسلماها نحو 130 كردياً يعتبرون “نشطاء في الإرهاب”، من بينهم صحافيون ونشطاء في منظمات حقوق إنسان، مقابل إعطاء موافقتها النهائية. هاتان الدولتان تحتجان على حجم القائمة، وقد أعلنتا بأن بعض المطلوبين لن يتم تسليمهم.

في الأسبوع الماضي تم تعليق دمية على شكل أردوغان في ستوكهولم، الأمر الذي أثار حفيظته وجعله يستدعي سفير السويد في أنقرة لمحادثة توبيخ. أعلن بايدن في حزيران بأنه لم يشترط بيع الطائرات القتالية لتركيا بالموافقة على انضمام السويد وفنلندا. ولكن كلما مر الوقت واقترب موعد عقد قمة الناتو في تموز، فإن بايدن بحاجة إلى مصادقة تركيا حتى لو من أجل الحصول على إنجاز سياسي آخر مهم قبالة بوتين. ولكنه بدون المصادقة على صفقة الطائرات، قد يخسر هذه الورقة.

يدرك أردوغان جيداً الضغط الأمريكي. والتقدير أنه سيستخدمه ليعرض طلبات أخرى، خصوصاً في كل ما يتعلق بالحرب ضد الأكراد ووقف دعم أمريكا لهم. السؤال هو: هل سيعرف أردوغان كيفية تمييز النقطة التي ستقرر فيها الإدارة الأمريكية بأنها قد تتدبر أمرها بدونه؟

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 18/1/2023

القدس العربي

———————

روسيا: نتفهم المخاوف التركية في الشمال السوري/ رائد جبر

لافروف اتهم الولايات المتحدة بـ«استخدام الأكراد لإنشاء كيانات انفصالية»

أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن «تفهم» بلاده للمخاوف الأمنية التركية في الشمال السوري، وحمّل الولايات المتحدة مسؤولية تأجيج الوضع في هذه المنطقة، من خلال «استخدام الأكراد لإنشاء كيانات انفصالية».

وتطرق لافروف، خلال مؤتمره الصحافي السنوي في موسكو، الأربعاء، الذي أوجز فيه رؤية بلاده لمجريات العام الماضي، أكثر من مرة إلى الشأن السوري، وفي كل مرة هاجم واشنطن والغرب بعنف، واتهمهما بمواصلة عرقلة التسوية السياسية في البلاد لتحقيق مصالح فردية تتجاهل المواثيق الدولية.

مع ذلك، اعتبر الوزير الروسي أن الولايات المتحدة «اقتنعت بضرورة التعامل مع السلطات الشرعية في بلدان مثل سوريا»، وزاد أن واشنطن أجرت «اتصالات وراء أبواب مغلقة مع دمشق». ورأى أن الأميركيين اقتنعوا بأنه «من غير المجدي رعاية قيادات من طراز غوايدو في فنزويلا»، في إشارة إلى خوان غوايدو، الرئيس المؤقت الذي عينته المعارضة الفنزويلية في يناير (كانون الثاني) 2019 قبل أن تقرر حل حكومته في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وزاد أن واشنطن أدركت أنها «بحاجة إلى العمل مع أولئك الذين لديهم تفويض شعبي»، موضحاً أن «نفس هذه التوجهات تظهر حالياً فيما يتعلق بـ(الرئيس السوري) بشار الأسد، حيث يجري الأميركيون اتصالات مغلقة مع القيادة السورية بشأن أسرى الحرب».

وشدد لافروف على ضرورة «القضاء على الإرهاب في إدلب السورية»، وقال إن هذه المنطقة لا تزال تشكل مصدر تهديد، ولا بد من استكمال تنفيذ الاتفاقات حول «إنهاء الوجود الإرهابي فيها».

وتوقف عند المساعي الروسية لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، مشيراً إلى دور موسكو في دفع هذا المسار، وأكد أن تركيا «تسعى لتطبيع العلاقات مع سوريا، وطلبت مساعدة من روسيا في ذلك». وأكد أن «العمل جارٍ لمزيد من الاتصالات في هذا الشأن، بعد اللقاء الثلاثي الروسي – السوري – التركي في موسكو الشهر الماضي»، في إشارة إلى اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية في موسكو. وحول الوضع في الشمال السوري، قال الوزير إن بلاده دعمت وتدعم تسوية العلاقات مع الأكراد، وتوسيع قنوات الحوار للمكوّن الكردي مع دمشق، محذراً من أن واشنطن «سعت لاستخدام الأكراد لبناء دويلة انفصالية في سوريا بهدف وضع مصدر إزعاج وتهديد لباقي الأطراف، ما أثار قلق تركيا». وقال لافروف: «نتفهم انزعاج شركائنا الأتراك من أن الولايات المتحدة تريد استخدام الأكراد لإنشاء شبه دولة».

وتطرق إلى ملف العقوبات مهاجماً واشنطن والغرب بشدة، وقال إن العقوبات الغربية على سوريا «غير مقبولة وغير شرعية وهي تستهدف المواطنين». وأضاف أن الغرب يواصل عرقلة التسوية السياسية واستخدام عدد من الملفات على رأسها ملف اللاجئين، مشيراً إلى «أنهم (الغرب) لا يرغبون في عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ويقومون بتسييس قضية عودتهم».

ولفت إلى أن «القرار رقم 2254 يدعو إلى إجراء انتخابات بمشاركة كل الشعب السوري، بينما الغرب يأمل في فرض نوع من الانتخابات بمشاركة اللاجئين، وبعد ذلك سوف يضمن أن تسير عمليات التصويت عند المعارضة التي يقوم برعايتها بالشكل الذي يرغب به».

وأشار الوزير الروسي إلى مواصلة واشنطن انتهاك القانون الدولي في سوريا، وعقد مقارنة بين أفعال واشنطن في هذا البلد والمطالبات الأوروبية حالياً بتأسيس محكمة جرائم حرب ضد روسيا على خلفية الحرب الأوكرانية. وقال: «لم يفكر أحد في تأسيس أي محاكم عندما غزت الولايات المتحدة سوريا، وبدأت في تسوية المدن السورية بالأرض مثل الرقة. وهذا المثال ينسحب على أفغانستان؛ لأنه عندما قررت المحكمة الجنائية الدولية النظر في الجرائم الأميركية في أفغانستان، هددت الولايات المتحدة أعلى هيئة قضائية بالعقوبات».

—————————–

ما بعد الاعتداء على رئيس الائتلاف السوري/ بشير البكر

يثير حادث الاعتداء الذي تعرّض له رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، سالم المسلط، الأسبوع الماضي، في مظاهرات ما يعرف بالحراك الشعبي، في أعزاز (ريف حلب)، الأسئلة، لأنه ليس الأول. فقد سبق لمتظاهرين أن طردوه من مظاهراتٍ في المنطقة نفسها الخارجة عن سيطرة النظام. وفي الحالين، أعلن المتظاهرون أنهم لا يرحّبون بممثلي “الائتلاف”، الذي من المفروض أنه يمثل “قوى الثورة والمعارضة”، حسب المبرّر الذي تشكل من أجله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، حينما كانت الثورة السورية في أوجها وهي تطالب بإسقاط النظام، وفرضت الحاجة نفسها إلى هيئةٍ تمثل الثورة أمام جماهيرها والعالم الخارجي، وتكون مستعدّة للمشاركة في الحكم في اللحظة التي يسقط فيها النظام.

تجري المظاهرات على أرضٍ يطلق عليها، بالتسمية الدارجة، صفة “المحرَّر”، أي الواقعة تحت سيطرة الفصائل العسكرية في “الجيش الوطني” و”الحكومة المؤقتة”، التي يشكّلها ويشرف عليها الائتلاف الوطني. وبالتالي، يزور المسلط منطقة تقع في دائرة سلطته، ولا مبرّر لما تعرّض له، وقبله الرئيس السابق للائتلاف، نصر الحريري، سوى حالة من الاحتقان السياسي والفوضى العامة التي تعيشها هذه المناطق، التي حوّلها الروس والنظام إلى سجون واسعة يتكدّس فيها عدة ملايين من السوريين، هُجِّر القسم الأكبر منهم من محافظاتٍ أخرى، مثل درعا وحمص وريف دمشق وحلب. وما يميّزها أنه لا توجد فيها مرجعية قانونية، وتفتقر إلى أبسط مقومات الاستقرار، من أمن، وعمل، وتعليم، وطبابة، بالإضافة إلى انعدام الأفق السياسي.

استمرّ “الائتلاف” على قيد الحياة، من بين كل المؤسّسات التي تشكّلت من أجل تمثيل السوريين الذين ثاروا على النظام ومساعدتهم، وضمرت الهيئات الأخرى، مثل الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية، واللجنة الدستورية، بسبب رفض النظام وروسيا وإيران الدخول في عملية تفاوض جدّية من أجل حل دبلوماسي، حسب قرارات الأمم المتحدة، وجديدها أخيراً 2254. وعلى الرغم من أنه لا أحد يحسب لـ”لائتلاف” حساباً من السوريين وغيرهم، ويعتبره الجميع رقماً ميّتاً، فإن بابه لا يزال مفتوحاً في إسطنبول، ويلتقي، من حين إلى آخر، بعض الوفود الدولية التي تزور تركيا، من أجل البحث في الملف السوري.

يكتفي “الائتلاف” بهذا الدور، ولا تريد له الأطراف المتحكّمة بالملف السوري سوى ذلك. ويدرك السوريون، منذ حوالى أربع سنوات، حينما بسط الروس سيطرتهم على ما تسمّى “مناطق خفض التصعيد”، أنه لم يعد لـ”الائتلاف” أي دور فعلي، أو مفعول، سوى الحضور شاهداً متفرّجاً على ما يجري في مفاوضات أستانا الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران، وهو ما جعل أغلبية جماهير الثورة السورية تعتبره جسماً ميتاً، إلا أن هذا لا يبرّر الاعتداءات التي تعرّض لها ممثلوه، كذلك فإنه لا ينطلي على أحد أنها ردود فعلٍ على موقفه غير الواضح من الخطوات التركية للتطبيع مع النظام، لأن هذه المسألة لم تكن مطروحةً، حينما جرى تخوين نصر الحريري وطرده من المظاهرات في الداخل السوري. وبات واضحاً أن هناك نقمة على “الائتلاف” وممثليه ذات أسباب راهنة وبعيدة، منها تحوّله إلى هيكل فارغ، وما يحصل ويتكرّر في مناطق “المحرّر” من تجاوزات وفلتان سياسي وأمني وعمليات اغتيال للناشطين، يتجاوز أزمة “الائتلاف” ليعبّر عن حالة إحباط عام في المناطق التي تقع تحت سيطرة سلطة الفصائل العسكرية، التي لم تتمكّن من تقديم نموذج أمني وسياسي يحقّق حدّاً أدنى من الاستقرار والحماية للملايين التي تعيش في هذه المنطقة الضيقة، ما يستدعي أن يفكّر السوريون في بناء جسمٍ جديدٍ برؤية سياسية، وفق ما تتطلب التطوّرات التي شهدتها المسألة السورية، ما بعد سقوط مدينة حلب بيد الروس في نهاية عام 2016، ودخول الثورة في نفق التسويات التي جعلتها تخسَر كل رصيدها.

العربي الجديد

————————-

هل تطرد أميركا تركيا من “الناتو”؟/ محمد العزير

انتهت زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الى واشنطن ولقائه مع نظيره الأميركي انتوني بلينكن بالتزامن مع لقاءات العمل المطوّلة التي عقدها وفدا الجانبين في اطار لجنة “الآلية الاستراتيجية” التي تشكلت الربيع الماضي للتنسيق بين البلدين، من دون أي نتائج إيجابية معلنة ومن دون مؤتمر صحافي مشترك، ورشح من كلام أوغلو الذي اكتفى بالحديث الى الصحافيين الأتراك المرافقين له فقط ومن البيان المشترك المفعم بالعموميات والكلام الدبلوماسي أن الزيارة التي أرادتها إدارة الرئيس جوزيف بايدن مثمرة ومفصلية في توقيت شديد الحساسية، أرادها الرئيس رجب طيب اردوغان كحدث اعلامي ينضم الى الأضواء التي تسلطت عليه منذ إعلانه التقارب مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، ومحطة جديدة لربط النزاع حول ملف توسيع عضوية الناتو الذي تعرقله سياسة انقرة ومطالبها.

لم تشر وسائل الإعلام الأميركية ذات المصادر “الموثوقة” التي تعلن عبرها عادة ما يتم الاتفاق عليه خلف الأبواب المغلقة، الى أي تقدم يذكر في أي من الملفين، خصوصًا العلاقة مع دمشق التي أعلنت واشنطن معارضتها لها بشدة تكرارًا، بل أن الأسئلة الكثيرة التي وجهت الى المتحدث باسم الخارجية نيد برايس في ايجازه الصحافي عقب الزيارة عكست جوًا سلبيًا لم تبدده الأجوبة المنمقة، وزاد عليه تصريح اوغلو الى صحافيي بلاده والذي أصر فيه على ضرورة الفصل بين صفقة الـ “إف. 16” وبين ملف “الناتو” وعلى انتقاد السويد مجددًا، واتهام أميركا بعدم الإلتزام بتعهداتها بشأن سوريا، ودعوتها الى تعيين مبعوث خاص لها لمتابعة الشأن السوري وتهديداته للفصائل الكردية، ما ترك انطباعًا واضحًا بأن الزيارة فشلت وباعدت بين موقفي البلدين.

فاقم هذا الجو السلبي معطوفًا على الأخبار القادمة من أنقرة والمتعلقة بالملفات الساخنة حيث حرص أردوغان على لقاء وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بعد دعوته رسميًا وبشكل عاجل الى تركيا بينما كان في زيارة الى العاصمة السورية دمشق، ودعوة طهران للعب دور في التطبيع مع سوريا، ثم اتصاله الهاتفي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للبحث في التطبيع مع الأسد (راجع المدن)، فضلًا عن تصعيده ضد السويد على خلفية تمزيق دمية على صورته في تظاهرة في ستوكهولم، ومطالبته تسليم 130 لاجئ سياسي الى تركيا، من الإنزعاج الأميركي الواضح وأعاد وللمرة الثالثة خلال ثلاث سنوات طرح قضية في منتهى الحساسية تنذر إذا تم إعلانها بإحداث زلزال جيوسياسي يتجاوز التجاذبات والتموضعات الراهنة ويطيح الترتيبات الإقليمية السائدة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ويفضي الى طرد تركيا من عضوية “الناتو” وحرمانها من امتيازات استراتيجية عسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا كانت تتمتع بها خلال السنوات السبعين الماضية، وحرمانها تاليًا من حق الفيتو الراهن، ولا ينظر المتابعون الى هذا الطرح كعامل تهويل اعلامي، بل يرون فيه احتمالًا واردًا بعدما ضاقت واشنطن ذرعًا بـ “صدمات أردوغان وتقلباته، ولم تعد قادرة على تحمل تبعات نزقه وارتجاله واعتباطه”.

وكان مستشار الأمن القومي ومندوب أميركا الدائم في الأمم المتحدة السابق جون بولتون كرر طرح الموضوع الأسبوع الماضي، داعيًا الى النظر في عضوية تركيا في الحلف، وقال في مقابلة مع مجموعة “يورو ويكلي نيوز” الإعلامية الاسبانية :”ستشهد الأشهر المقبلة امتحانًا عمليًا حقيقيًا لوحدة الغرب وعزيمته، فنلندا والسويد اتخذتا قرارًا رائعًا بالإنضمام لـ “الناتو” لكن شركاء بوتين الإقتصاديين والعسكريين لم يتخلوا بعد عنه في وقت الشدة، وللأسف بينهم تركيا التي ينبغي النظر في عضويتها اذا اعيد انتخاب اردوغان -ربما بالتزوير-“. هذه ليست الدعوة الأولى من نوعها، ففي العام 2019 عندما نفذت تركيا هجومها البري على شمال سوريا، دعا عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الى تجميد عضوية تركيا في “الناتو” بالتزامن مع دعوة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب في حينه الديمقراطي اليوت انغل الى طردها من الحلف، كما أعلن وزير الدفاع في إدارة دونالد ترامب السابقة مارك اسبر أنه حذر تركيا يومها من أن بقاءها في “الناتو” سيكون مهددًا. تكررت تلك الدعوات ايضًا عندما اشترت تركيا من روسيا نظام الدفاع الجوي “إس400”.

صحيح أن النظام الداخلي لـ “الناتو” لا يتضمن آلية لطرد دولة عضو، على غرار آلية الانسحاب منه المنصوص عنها في المادة 13، لكن المسألة واردة قانونيًا وفق اكاديميين متخصصين بالعلاقات الدولية، ويقول أوريل ساري في بحث مطوّل نشره في مجلة “جاست سيكوريتي” (Just Security) المتخصصة، ان بإمكان مجلس الحلف أن يطلب طرد أية دولة تخالف مبادئه وأهدافه المعلنة، وهي في هذه الحالة الإلتزام بميثاق الأمم المتحدة، وحماية الحرية والديمقراطية والحريات الفردية وسيادة القانون والعمل مع بقية الأعضاء على تحقيق اهداف الإتفاقية. وتشير محاضر جلسات تأسيس الحلف الى أن المسألة كانت مدار بحث اثناء مرحلة التأسيس عام 1948، مع بداية الحرب الباردة ووجود مخاوف من وصول الشيوعيين الى السلطة في دولة عضو! ويرى المختصون أن “اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات” الموقعة عام 1969، توفر السياق القانوني لهذا الاجراء.

هذا في القانون، اما في السياسة فيرى المعنيون أن حاجة “الناتو” الإستراتيجية الهائلة الى تركيا أيام الحرب الباردة و”البعبع الشيوعي” انتهت بزوال الإتحاد السوفياتي، كما أن الإنعطافة الإسلامية لحزب العدالة والتنمية أبعدت تركيا عن مسارها العلماني ذي التوجه الغربي قبل أن يدخلها اردوغان عقب محاولة الإنقلاب عام 2016، في مسار استبدادي داخليًا، وفي سيرك شخصاني كيفي اقليميًا ودوليًا، يكاد يحولها الى حصان طراودة لخصمي أميركا اللدودين روسيا وايران، وهذا واقع لا يمكن لواشنطن القبول به حاليًا لسببين مهمين الأول أن التركيز الاستراتيجي لأميركا انتقل الى المحيط الهادئ و”التهديد الصيني”، والثاني أن بوتين الغارق في الثلوج الأوكرانية قدم في حربه العدوانية  لـ “الناتو” هدية عظيمة هي عضوية الدول الإسكندنافية التي تكمل الطوق حول روسيا، وبالتالي لن تفرّط بها فقط لأن اردوغان منزعج من تظاهرة تضرب فيها دمية تحمل صورته في شوارع ستوكهولم.

لم تنفع تطمينات اوغلو بعد الزيارة ولا تصريحات زميله وزير الدفاع خلوصي أكار، الضابط السابق الذي قاد الجيش وخدم في “الناتو” ويعرفه جيدًا قبلها من لندن، والذي قال بعد لقائه نظيره البريطاني بين والاس: “لا يمكن تصور “الناتو” بدون تركيا، نحن أمة مختبرة وجيش مجرب ولن نتصرف أبدًا بما يخالف تحالفاتنا ولا يوجد سبب للقلق، نحن نؤيد بالكامل سياسة الباب المفتوح في “الناتو” ونحترم رغبة المرشحين للعضوية”، ولم تقلل من الحنق الأميركي الذي يوشك أن يخرج الى العلن، وربما بشكل غير مألوف.

قبل مئة عام بالضبط ألغى مصطفى كمال اتاتورك الخلافة العثمانية وقاد تركيا غربًا، فهل يعود اردوغان بها شرقًا هذه السنة … بلا خلافة ولا “ناتو”؟

المدن

——————————————

جهود تركية ـ سورية لتطبيق نموذج درعا في إدلب/ هبة محمد

في إطار الجهود السياسية التركية التي تصب في مسار التطبيع مع النظام في سوريا، للالتفاف على المعارضة التركية قبل الانتخابات المزمعة، كشف مصدر مسؤول تركي رفيع المستوى عن استعداد بلاده لطرح جميع المواضيع على طاولة الحوار مع النظام السوري، بما في ذلك انسحاب القوات التركية كلياً أو جزئياً من سوريا، مؤكداً أن بلاده لن تضع أو تطرح “خطوطاً حمراء وشروطاً مسبقة على طاولة المباحثات اليوم”، كما أنه يمكن التفاوض على أي ملف، بما في ذلك الانسحاب الكلي أو الجزئي للقوات التركية من الشمال السوري.

وأوضح المسؤول التركي أن أنقرة والنظام في سوريا، تبنيا الرأي القائل “إذا وضعنا خطاً أحمر أو شرطاً مسبقاً، فإن الجانب الآخر سيفعل الشيء نفسه، وفي هذه الحالة لن نتمكن من الجلوس على الطاولة نفسها بسبب اختلاف مواقفنا بشكل تام عن بعضها البعض” كما يرى الطرفان أن جلوسهم على طاولة واحدة سيكون نجاحاً بحد ذاته.

تسهيل عملية التطبيع

وقال المسؤول الأمني لموقع «بي بي سي التركي» إن الحملات العسكرية التي شنتها تركيا على الأراضي السورية، كانت بالتنسيق مع روسيا، كما أن نقاط المراقبة الموجودة في إدلب جاءت وفق الاتفاقات التي توصل إليها “ثلاثي أستانة” أنقرة وموسكو وطهران. ولتسهيل عملية التطبيع، قال عضو برلمان النظام السوري وعضو اللجنة الدستورية، د. صفوان قربي، لموقع «بي بي سي التركي» إنه “يجب استعادة الثقة المفقودة بين الطرفين منذ 11 عامًا” وستكون الخطوة الأولى في هذا الإطار “سحب تركيا جنودها” مضيفاً أنه لا بد من أجل التغلب على المشاكل “العمل على خارطة طريق والتوصل إلى اتفاق”. وقال القربي “سيكون من المفيد إعادة تأهيل المسلحين في سوريا بالقوة أو بالحلول السياسية، وإشراكهم في العملية السياسية والاستفادة من تجربة جنوب سوريا دون تجاهل عيوبها”.

قيادي من المعارضة السورية في إدلب، قال في حديث لموقع “بي بي سي التركي” إن السلطات التركية أعطتهم مصالحة درعا جنوب سوريا؛ كمثال في حال توصل الطرفان لاتفاق بما يخص المسار السياسي التركي الجديد، لافتاً إلى أن نموذج درعا سيكون حاضراً على الطاولة المباحثات.

وكان صيف 2018 شهد توقيع اتفاقية تسوية بين المعارضة والنظام السوري بوساطة روسية في محافظة درعا جنوب سوريا. ومنذ توقيع اتفاق التسوية بدا واضحا أن نموذج درعا مختلف عن باقي المناطق السورية التي خضعت للتسوية برعاية روسية. على عكس ريف دمشق وشمال حمص ومدينة حلب، فقد وافقت روسيا على بقاء غالبية مقاتلي المعارضة السورية في مناطقهم، بالإضافة إلى الاحتفاظ بسلاحهم الخفيف، كما قبلت دخول فصيل كامل “قوات شباب السنة” ضمن الفيلق الخامس المدعوم من روسيا.

يقول مدير مركز “جسور” للدراسات الاستراتيجية محمد سرميني إن موسكو أظهرت في درعا حرصاً منقطع النظير على التوصل إلى حل سلمي، مع التلويح بالخيار العسكري كورقة تهديد، وهذا مخالف للمسار الروسي في عموم سوريا، والذي كانت فيه موسكو لا تتوانى عن الإفراط باستخدام العنف لفرض الاستسلام على المعارضة، واتباع سياسة الأرض المحروقة، وهذا ما حصل مع باقي المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام السوري ولا يوجد طرف خارجي متواجد فيها.

وبالنظر إلى الملف السوري الذي بات عصياً على الحل، ولأن كل الأطراف المتصارعة في سوريا لا ترى فائدة من خلال أي حل لا يضمن مصالحها؛ فإن درعا وفق المتحدث مثّلت الاختبار الحقيقي لكل الأطراف.

سرميني: توازنات دولية

وتحدث سرميني في تصريح خاص لـ”القدس العربي” عن “توازنات دولية دقيقة فسرت المشهد في درعا” لافتاً إلى أن الحسم العسكري الشامل كان سيفوت على روسيا فرصة تعزيز المكاسب السياسية، ولذلك سعت روسيا لإيجاد حالة من التوازن بين المكون المحلي من خلال القبول بفكرة بقاء بعض المجموعات غير المنضبطة بسلاحها الخفيف، وكتلة أكبر تابعة للفيلق الخامس بشكل مباشر، مقابل قوات النظام والميليشيات الإيرانية”. وحسم ملف درعا وفق سيناريو حفظ للأطراف الدولية الأساسية الفاعلة في الملف السوري الحد الأدنى من مصالحها كان على الأرجح “مشجعاً لها لإيجاد حل لباقي المناطق، لأنَّ روسيا حينها تكون قد اجتازت اختباراً صعباً، وتداخلاً كبيراً بين المصالح”.

وقال سرميني إن نموذج درعا شكل “بداية إسدال الستار على الأزمة السورية، بما في ذلك حسم قضية مصير النظام والعملية السياسية” معتبراً أن “الصراع المحلي والدولي في درعا هو نموذج مصغر عن الحل في سوريا، من خلال تعاطي النظام واستجابته لمطالب القوى الشعبية الرافضة لإعادة وجوده، وكذلك مرونة المعارضة في تقديم تنازلات حقيقية للوصول إلى الحل المقبول لها، وصولاً لقبول الأطراف الخارجية المتواجدة في سوريا بتفاهمات تكون فيها درعا بوابة إسدال الستار على الأزمة في سوريا، بما في ذلك حسم قضية نظام الحكم والعملية السياسة”.

سلاح بوجه المعارضة التركية

وتصب الجهود التركية في إطار الالتفاف على المعارضة التركية قبل الانتخابات المزمعة في الصيف المقبل، وفي هذا الإطار يرى الباحث السياسي والأكاديمي السوري د.محمود حمزة من موسكو أن الرئيس التركي يريد أن يحقق نجاحاً واضحاً في الداخل التركي قبيل الانتخابات، ولذلك يريد أن يثبت أن النظام السوري غير جاد بموضوع المصالحة، كونها تخدم القيادة التركية أكثر مما تخدمه.

ولذلك يضع الرئيس التركي كل القضايا على طاولة المباحثات “وهو صاحب موقف قوي وأوراق قوية بالرغم من أنه أمام تحدٍ كبير في الانتخابات لكنه يحرج رئيس النظام السوري حيث يطالب الأسد بانسحاب القوات التركية والتوقف عن مساعدة المعارضة” معتبراً أن الموقف التركي هو إشهار لورقة المصالحة أمام النظام السوري لاستخدامها ضد المعارضة التركية.

القدس العربي

————————-

المعارضة السورية بين العجز والارتهان!/ أكرم البني

مع تواتر مظاهرات السوريين في ريف حلب ومدينة إدلب وأريحا وأعزاز وحارم وسلقين والدانا وغيرها، للتعبير عن رفضهم لخطوات التقارب التركية الأخيرة مع النظام السوري، بدا لافتاً تهجم بعضهم في مدينة أعزاز على رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، احتجاجاً على تماهي موقفه وموقف الائتلاف المعارض الذي يترأسه، مع رغبة أنقرة في التطبيع مع نظام دمشق، وقبلها عمّت المناطق ذاتها موجة غضب على الحكومة السورية المؤقتة عقب ما رشح عن ترحيب رئيسها بالاجتماع الثلاثي الذي عُقد في موسكو بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وسوريا، واعتباره خطوة مهمة نحو الحل السياسي في البلاد، وبينهما ثمة شعارات رفعها متظاهرون نددت بتصريحات وبيانات لبعض الكتل المحسوبة على المعارضة السورية، كالمجلس الإسلامي السوري، وتنظيم الإخوان المسلمين، وحركة سوريا الأم وغيرها، التي اكتفت بمهاجمة النظام السوري، وتجنبت توجيه أي انتقاد لتركيا، بل خص بعضها حكومة أنقرة بالشكر لدعمها الشعب السوري وحسن استقبالها للاجئين، معرباً عن تضامنه معها وتفهمه للضغوط التي تواجهها على المستوى المحلي والدولي، كذا!

الموقف السلبي للسوريين وعدم ثقتهم بالمعارضة السياسية التي تدّعي تمثيل مصالحهم ليس جديداً، بل قديم قدم ارتهانها لإملاءات الآخرين وعجزها عن لعب دورها المفترض في قيادتهم والدفاع عن حقوقهم والاهتمام بشؤونهم، والقصد أنه ليس أمراً مفاجئاً حين لا يكون قادتها موضع قبول وترحيب شعبيين، أو حين يتعرضون لسيل من الانتقادات تجاه سياساتهم المبهمة والذليلة والتي استهترت غير مرة بما يكابده الملايين واستسهلت التفريط بحقوقهم.

كيف يمكن أن يثق السوريون بمعارضة وضعت نفسها في طليعة المروّجين للأوهام عن دور خارجي «إنقاذي وخلاصي» وربطت سياساتها به، ما جعلها في كثير من المحطات تنصاع لأوامر الخارج، الإقليمي أو الدولي، وتسير وفق حساباته وتوقيتاته، ضاربةً عرض الحائط بالجهود المفترض بذلها لمواجهة تحديات الداخل، ولتمكين الذات أولاً، والتأكيد على أن خلاص السوريين لن ينجَز إلا بأيادي السوريين أنفسهم، ولنتذكر هنا، مثلاً، كيف ارتبطت محطات تطورها السياسي وتشكيلاتها التنظيمية بأجندة لا تتعلق بالوضع السوري العياني بقدر ما كانت تتعلق بمطالب الخارج، وكيف تَسابق المعارضون لعقد المؤتمرات وإعلان التكتلات السياسية تلبيةً لإشارات صدرت من هذا الطرف الخارجي أو ذاك، وكيف وُلد «الائتلاف الوطني» نفسه كاستجابة مكشوفة لاشتراط الغرب منحه الشرعية ودعمه، ولنتذكر أيضاً، مرارة ما جلبه انتظارها وتعويلها المزمن على تدخل أميركي جدّي وحازم في الملف السوري؛ مرةً على ما كان يعلنه البيت الأبيض من خطوط حمر ومن مواقف متشددة تجاه نظام دمشق، ومرةً ثانيةً على العقوبات التي فُرضت، كقانون قيصر، ومؤخراً قانون الكبتاغون. ولنتذكر تالياً الخيبات المتكررة من مبالغة بعض زعماء المعارضة في الرهان على حصول توافق بين موسكو وواشنطن يُنهي الحكم السوري ويفتح آفاقاً لمرحلة الانتقال السياسي، كما على ما عدّوه خلافاً بين روسيا وإيران حول المستقبل السوري، ما سمح بتمرير مسار روسي كان همّه الالتفاف على القرار الأممي (2254) وفرض تسوية على مقاس مصالحه. والأهم، لنتذكر الاتكاء المفرط لأهم جماعات المعارضة السورية على تركيا، ومنحها ثقة مطلقة حتى بدا الانصياع لأوامرها كأنه ضرورة لاستمرار الوجود السياسي المعارض نفسه، ما أفضى إلى التسليم بتحالف حكومة أنقرة مع موسكو وطهران، والإذعان لإملاءاتها في المشاركة باجتماعات الآستانة وسوتشي، وفرض مناطق خفض التصعيد وإنجاح ما رُسم من «تسويات ومصالحات» كما إلى تغطية «عملياتها العسكرية» في شمال غربي البلاد، من دون أن ننسى مبالغات المعارضة في التعويل على الدور الأممي وعلى الخطط التي حملها المبعوثون الدوليون، وعلى ما عُرفت بمفاوضات جنيف، وحالياً على ما يمكن أن تسفر عنه أعمال اللجنة الدستورية، وإيهام الناس بأنها باتت مدخل التغيير السياسي.

علاوة على ما سبق يلحّ السؤال: أيُّ موقع يمكن أن تحتله المعارضة السياسية عند السوريين حين تبدو كأنها في وادٍ والمعاناة الشعبية في وادٍ آخر، وتعجز عن بناء قنوات للتواصل والتفاعل مع الناس ومدهم بأسباب الدعم، كما عن توظيف الجهد المطلوب لتنظيم الحياة في المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة؟ وأي قيمة يمكن أن تحوزها معارضة غضّت النظر عن قوى إسلاموية متطرفة نجحت في فرض وجودها على الأرض وخلق واقع اجتماعي يناهض الشعارات الوطنية والديمقراطية، أو حين يتمكن تنظيم الإخوان المسلمين من السيطرة على أهم مؤسساتها وفرض مواقف سياسية عليها تخدم التزامه الآيديولوجي على حساب الهم الوطني، فلا يتردد، مثلاً، تلبيةً لمصالح «إخوته في الدين»، في حضّها على تسعير العداء بين الكرد والعرب والتخلي عن مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية في إعادة بناء الثقة بين هذين المكونين السوريين على قاعدة معاناتهم المشتركة من القهر والتمييز؟

واستدراكاً، من أين يمكن أن تستمد المعارضة الرضا والقبول الشعبيين، حين لا تنجح في إظهار نفسها كقدوة ومثلاً يُحتذى، وتنزلق جماعاتها إلى تنازع مفضوح على المناصب والامتيازات، أو حين تتصدر صفوفها ثلة ممن يفتقدون الحد المطلوب من المصداقية والكفاءة وبات دورهم يقتصر على إصدار البيانات وحضور الاجتماعات الرسمية، وتحفل أحاديثهم بسيل من الشتائم والتهم تصل إلى حد التخوين لقاء اختلاف سياسي هنا أو مزاحمة تنظيمية هناك؟

يتفهم السوريون أن ثمة مثالب وأمراضاً تعاني منها بعض جماعات المعارضة، جراء عقود من جور السلطة وظلمها وعنفها، وربما يتفهمون أن ثمة شروطاً موضوعية وتوازنات إقليمية ودولية صارت تتحكم في الوضع السوري ومسارات تطوره وهي تتحكم بالضرورة في الحقل المعارض، لكن أن تغدو المعارضة التي كانوا يتوخّون منها قيادتهم وتوجيههم، وبعد أكثر من عشر سنوات، عنواناً للعجز، بينما تتنامى حاجتهم لمعارضة تمثلهم وطنياً وتنتصر لهويتهم وحلمهم الديمقراطي، متحررةً من الإملاءات الخارجية، وتحنو على مختلف وجوه معاناتهم، وتأخذ بيدهم في هذا الوقت بالذات، الوقت الذي يئنّ فيه الوطن تحت وطأة الضياع والاحتلالات والشروخ المتخلفة، وتتعاظم معه شدة ما يكابده جميع السوريين أينما كانوا، من القهر والنبذ والتمييز، ومن شروط أمن وحياة لم تعد تطاق.

الشرق الأوسط

————————-

هواجس إيران مع حلفائها/ فايز سارة

يقودنا تأمل المبادرة التركية في الانفتاح على نظام الأسد والمصالحة معه على طريق تطبيع العلاقات بين الطرفين إلى قول، إن الإبعاد الإقليمية والدولية للمبادرة تتضمن توسيع الحضور والدور التركي في سوريا، وهو أمر لا يمكن أن يتم من دون تأثير مباشر على حضور ودور الإيرانيين والروس الذين يسيطرون على القسم الرئيس من الفضاء السوري، تاركين جزءاً منه للطرف الأميركي الحاضر مقنعاً خلف حليف محلي تجسده «قوات سوريا الديمقراطية» في شمال شرقي البلاد، وحليف أصغر قرب قاعدة التنف في الجنوب باسم «جيش سوريا الحرة» (مغاوير الثورة) سابقاً، وكله مضافٌ إلى قسم محدود في شمال غربي البلاد تحت السيطرة التركية.

وإذا كانت مخاوف روسيا من الدور التركي في حدود دنيا على اعتبار موسكو هي القوة الدافعة لأنقرة باتجاه مبادرتها السورية، إضافة إلى علاقات واسعة ووثيقة ومجرّبة بين الطرفين، فإن إيران التي لم تشارك الدور الروسي، تبدي بعض الحذر حيال المبادرة التركية، وهو ما صدرت عنه إشارات إيرانية كثيرة، أبرزها عن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان في خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق ومباحثاته هناك، حيث أشار إلى علاقات طهران – أنقرة القوية، وركز على تشاركهما في آستانة من دون أن يذكر روسيا شريكهما الثالث والأهم بأي كلمة.

دواعي الحذر الإيراني حيال المبادرة التركية في سوريا تتصل بالدور المتنامي للعلاقات الروسية – التركية، التي تعززت بقوة في السنوات الأخيرة، ليس في المستوى الثنائي فحسب، بل في مستوى علاقات تركيا بقضايا حساسة ومصيرية بالنسبة لموسكو، خاصة التقارب مع دورها في سوريا من جهة، وموقفها من الصراع الروسي في أوكرانيا وما يحيط به، وقد لعبت أنقرة أدوراً مهمة في الحالتين؛ مما جعل موسكو إلى جانب أسباب أخرى، تضغط على أنقرة من أجل توسيع دورها وحضورها في سوريا باعتبارها صديقاً وحليفاً لروسيا، يمكن أن يشغل حيزاً من فراغ الانسحابات الروسية من سوريا لتعزيز قوة روسيا في أوكرانيا.

وتستجيب مساعي التمدد التركي في المشهد السوري للطموحات الواضحة في استراتيجية تركيا وسياساتها، ويحظى تمددها ربما ببعض القبول العربي؛ لأنه يحدّ من قوة إيران في المنطقة، ويمنع بدرجة ما إحكام القبضة الإيرانية على سوريا والاستفراد بها على ما هو الحال في العراق ولبنان، وقد باتت طهران المتحكم في مسارات بلدان عدة، وخاصة في الجوانب السياسية والاقتصادية.

ومما لا شك فيه، أن إيران تدرك كل ما يحيط بمساعي وطموحات تركيا، وتراقبها بكل مجرياتها وتفاصيلها، واحتمالاتها، وتسعى إلى تحويل جهود أنقرة لتتقاطع مع مصالح إيران ونظام الأسد، ورغم حقيقة التنافس بين البلدين الجارين، فإنها تستند في مراهنتها إلى مجموعة عوامل، بينها أن تركيا شريكة لها مع روسيا في إعلان موسكو وفي آستانة، وكلتاهما رسمت حدود الموقف المشترك إزاء الملف السوري، وقد أثبتت تركيا حضورها الإيجابي في هذه الشراكة خلال السنوات الماضية، كما أن علاقات قوية تربط الطرفين وبين مؤشراتها مبادلات تجارية حجمها السنوي نحو ثمانية مليارات، يسعى الطرفان لرفعها إلى ثلاثين مليار دولار سنوياً، وأن تركيا مارست سياسة تخفيف العقوبات الدولية على حكم الملالي، وتستمر علانية في انفتاحها التجاري على إيران وخاصة لجهة استيراد النفط والغاز، وتصدير السلع والبضائع التركية.

ورغم ما يظهر من قوة علاقات إيران مع نظام الأسد الممتدة عقوداً والتي تعززت أكثر في سنوات العقد الأخير، فإن إيران بسبب ظروف داخلية وإقليمية ودولية، صارت أكثر حذراً إزاء مبادرة المصالحة التركية مع نظام الأسد، التي يمكن أن تقدم للنظام، إذا تمت دعم ومساندة تساعده في التغلب على الصعوبات والمشاكل التي يواجهها، وتساهم في تأهيله وعودته إلى المجتمع الدولي بعد كل ما ارتكبه من جرائم، لكنها في الوقت نفسه ستمثل تمدداً تركياً في القضية السورية، تعارضه طهران؛ لأنه يؤثر سلباً على الحضور والدور الإيراني.

وسط تشابك السياسات والأهداف الراهنة في المنطقة وحول الوضع في سوريا واحتمالاته، ظهرت هواجس ومخاوف إيران وخاصة حيال الأطراف ذات العلاقة والتأثير في سوريا وحولها، وركزت جهودها في أمرين، أولهما تقوية أسس وجودها في سوريا وإعطاؤه مزيداً من القوة عبر ضغوط واتفاقات تعقدها مع حكومة الأسد وسط أزمة خانقة يواجهها حالياً على المستويات السياسية والاقتصادية، وقد تم تمرير محتويات اتفاقات تتعلق بإمدادات النفط والاستثمارات، واتفاقات إملاء تخرق السيادة السورية، تعطي الإيرانيين حق المعاملة مثل السوريين، من دون إخضاعهم للقانون السوري بحيث تتم مقاضاتهم أمام المحاكم الإيرانية، والأمر الآخر فيما تسعى إليه إيران في سوريا، هو إعادة تقييم الوضع السوري وحدود مواقف نظام الأسد من المبادرة التركية في أبعادها المختلفة، وتأكيد حضور ودور إيران في سوريا بما فيه التعامل مع المبادرة التركية، وقد صدرت إشارات متعددة عن مسؤولين إيرانيين بهذا الاتجاه، يضاف إليها توجه وزير الخارجية حسين عبداللهيان إلى أنقرة في خطوة تسبق زيارة الرئيس الإيراني القريبة إلى تركيا.

خلاصة الأمر، أن إيران التي تواجه أوضاعاً داخلية صعبة، تعيش مرحلة قلق وهواجس حيال حلفائها؛ مما يدفعها إلى اتخاذ خطوات وإجراءات، أهمها في سوريا وحولها، وتدقيق في الأوضاع المحيطة ومنها المبادرة التركية حيال نظام الأسد في إطار مساعي طهران ترتيب وتدقيق بعض علاقاتها مع الأطراف الأقرب إليها وفيهم الروس وتركيا ونظام الأسد؛ حتى لا تحصل أي مفاجآت غير محسوبة تلحق ضرراً بوجود إيران في الإقليم عموماً، وفي سوريا على وجه الخصوص.

ولا يحتاج إلى تأكيد قول، أن كل التحركات والإجراءات، لا يمكن أن تطمئن إيران؛ ذلك أن الوضع في المنطقة وخاصرته الهشة في سوريا وحولها، لا يحسم من خلال إيران والثلاثة الأقرب إليها، بل إن فيه قوى فاعلة إقليمية ودولية ذات تأثير بينها بعض البلدان العربية وإسرائيل، إضافة إلى أوروبا والولايات المتحدة، وهذه كلها لا تملك أوراقاً مهمة في ملفات المنطقة والموضوع السوري فحسب، بل كلها أصبحت في صراع واسع ومعلن مع طهران، وأكثرها بات يتطلع إلى إخراج إيران من سوريا، إن لم يكن من أجل السوريين ووقف معاناتهم، فمن أجل وقف تمدد إيران وسياساتها التوسعية والعدوانية في المنطقة.

الشرق الأوسط

——————————-

زيارة عبد اللهيان “المفاجئة” لدمشق ثم أنقرة.. ماذا تريد طهران؟

ضياء عودة – إسطنبول

زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق ومن ثم أنقرة خلال الأيام الماضية لم تكن “اعتيادية” بالنسبة للكثير من المراقبين

زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق ومن ثم أنقرة خلال الأيام الماضية لم تكن “اعتيادية” بالنسبة للكثير من المراقبين

لم تكن زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق ومن ثم أنقرة خلال الأيام الماضية “اعتيادية” بالنسبة للكثير من المراقبين، كونها “مفاجئة” وتزامنت مع المضي بمحطات التقارب بين تركيا والنظام السوري برعاية موسكو، وبينما أكد المسؤول على دور بلاده في أي “حل سوري”، كان لافتا تركيزه على “أستانة”، ونية طهران تحديث صيغة هذا المسار السوري الأطول.

وتتلخص فكرة “التحديث” أو تعديل الصيغة بأن يتم إشراك “سوريا” في إشارة من طهران إلى النظام السوري كطرف رابع في “أستانة”، بعدما كان المسار مقتصرا على الثلاثي “الضامن” تركيا وإيران وروسيا، على مدى 19 جولة، ومنذ العام 2017.

وفي حين طرح عبد اللهيان هذه الفكرة على نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في أنقرة، سبقه بالتلويح بها كبير مستشاري الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، بقوله لوسائل إعلام إيرانية إنه “يجري العمل على تحديث شكل محادثات أستانة حول سوريا، تماشيا مع الظروف والمتغيرات الراهنة”.

وأشار خاجي إلى أنه تم إبلاغ النظام السوري بأهمية أن تصبح “أستانة” رباعية، وأنه “في الجولات القادمة التي سنقوم بها إلى دول أخرى من أعضاء في صيغة المسار، سنطرح هذه القضايا ونحاول أن نجعلها أكثر كفاءة وفاعلية مع استراتيجية مناسبة ترتكز على الأوضاع الجديدة في البلاد”.

وعاد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الجمعة ليردد في أثناء مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين فكرة “أهمية تنفيذ عملية أستانة، التي توظف كآلية لتسوية الأوضاع في سوريا”.

“الحراك عدّل الصورة”

وتعتبر إيران أحد حلفاء نظام الأسد الاثنين الذين قدموا له دعما عسكريا وسياسيا، ورجحوا الكفة لصالحه أمام مناهضيه، منذ عام 2011، وبينما خفت اسمها في مسار التقارب الحاصل بين تركيا والنظام السوري لصالح موسكو، جاء حراكها المفاجئ في أنقرة ودمشق ليعدّل المشهد السائد.

وأعطى التقارب الذي بدأ بأول اجتماع على مستوى وزراء الدفاع في العاصمة الروسية موسكو على أن محطاته تسير بشكل ثنائي بين الأخيرة وأنقرة، بعيدا عن طهران، التي عادت لتؤكد أن الملف السوري لا يمكن حلّه “دون وجودها”.

ولذلك يرى مراقبون تحدثوا لموقع “الحرة” أن زيارة عبد اللهيان إلى دمشق وأنقرة لم تخرج عن المعادلة المذكورة السابقة، إذ خَطت باتجاهين وبشكل مفاجئ، لكي تكون حاضرة ضمن ما يحصل، لا سيما أنها سبق وأن عرضت لعب دور “الوساطة” بين تركيا ونظام الأسد.

فيما يتعلق بـ”أستانة” يرى الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمود البازي أن التمسك بها والدعوة لتعديل صيغتها لكي تكون “رباعية” تهدف إلى تحقيق عدة أهداف، منها “حذف الوساطات الخارجية خارج إطار المنصة”، إذ لا تريد طهران لأي أطراف ثانية أن تدخل على خط المصالحة التركية-السورية.

كما لا تريد طهران وفق ما يقول الباحث لموقع “الحرة” عقد اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية بين تركيا وسوريا وروسيا بدونها، ولذلك “تدعو طهران الآن لتغيير التركيبة الخاصة بالمسار” والتأكيد عليه.

“إيران تحاول إعادة الدور الإيراني بالوساطة من خلال منصة أستانة”، وعلى مدى الأشهر الماضية كانت الظروف الداخلية التي شهدتها قد استدعت دخول موسكو للعب هذا الدور.

ويضيف البازي: “الإيرانيون لا يريدون اتفاقيات ثنائية خارج أستانة، كونها قد تحمل بنودا سرية وتتعارض مع مصالحهم”، وهم الفاعلون في المسار الثلاثي على الأرض، بينما يحاولون “تأمين مصالحهم عن طريق لعب دور التقارب بين أنقرة ودمشق”.

ومنذ بداية إطلاق المسار كان الهدف من “أستانة” تشكيل إطار عمل مشترك بين تركيا، إيران، روسيا لمنع تجنب اشتباك قواتهم على الأرض، إضافة إلى “ترسيم حدود النفوذ بين الثلاثة”، حسب ما يقول الباحث السوري عروة عجوب.

ويوضح عجوب أن التطور الأخير بتشجيع موسكو لتركيا لإعادة علاقاتها مع النظام السوري بدا وكأن هذه الخطوة “الثنائية” تخرج إيران من الطاولة الثلاثية، ما دفع الأخيرة لإعادة التأكيد على المسار الذي انطلق في 2017.

يقول عجوب لموقع “الحرة”: “ما نعلمه أن إيران غاضبة من النظام السوري، وترجم ذلك بامتناعها عن تزويده بالنفط وطلبها من دمشق أن تدفع ثمن الشحنات نقدا، على عكس النموذج القديم المعتمد على الديون المؤجلة”. وهو ما كشفت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.

لكن من الصعب تأكيد “الغضب” من إقصائها من عملية “المصالحة” بين أنقرة ودمشق، بينما يشير الباحث إلى أن “دخول الإمارات والحديث عن إمكانية لقاء وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا في أبو ظبي خلّف امتعاضا لدى طهران بسبب التنافس الجيو سياسي مع الأخيرة”.

ويرى عجوب أن “تصور أبو ظبي بأن إيران هي حليف وحيد لكنه ليس بالضرورة جيد وأن النظام لا يملك الكثير من الحلول دفعها لفتح سفاراتها في 2018، وأن تسعى لإزاحة العلاقة بين الطرفين بشكل أو بآخر، أو من خلال تحويل علاقة التبعية إلى علاقة أقل اشتباكا”.

وعلى اعتبار أن زيارة عبد اللهيان إلى دمشق، الأسبوع الفائت، تزامنت مع زحمة التصريحات والمواقف المتعلقة بالتقارب بين أنقرة ودمشق فقد جاءت أيضا في أعقاب زيارة أجراها وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد إلى سوريا أيضا، حيث التقى بشار الأسد ونظيره فيصل المقداد.

وكانت زيارته السابقة إلى العاصمة في يوليو العام المنصرم قد جاءت أيضا في أعقاب زيارة أجراها بن زايد إلى دمشق، بعدما أعادت أبو ظبي علاقاتها مع النظام السوري، على نحو كبير.

ماذا يعني تحديث الصيغة؟

وتعتبر إيران وتركيا وروسيا دولا ضامنة لمسار “أستانة السوري”، ومنذ عام 2017 تجمع أطرافا من المعارضة السورية والنظام باستمرار، من أجل بحث قضايا ميدانية وسياسية في آن واحد.

لكن حديث المسؤولين الإيرانيين بأنه يتم العمل على تحديث صيغة المسار لكي يصبح “رباعيا” قد يحمل أبعادا وتطورات، تزيد من “إعادة تعويم الأسد” وتقلل فرص المعارضة في التفاوض، حسب المراقبين.

ويوضح الباحث البازي أن “الإيرانيون يحاولون إعادة سكة أستانة للمسار الماضي بعدما تعطل بسبب الظروف الداخلية، ولا يريدون أي مسار ثنائي قد يضر بمصالحهم”.

ويقول البازي: “ما تقصده إيران بتحديث الصيغة إلى رباعي لا يعني فرض النظام على تركيا كدولة تجلس على طاولة المفاوضات، لأن أنقرة تتفاوض على هذا الأساس منذ زمن، رغم أنها شككت بشرعية الأسد في البداية”.

ويضيف: “الرسالة الإيرانية تستهدف الأطراف الأخرى، مثل أميركا والغرب وأوروبا، بأن الحلول الخاصة بسوريا يجب أن تمر عبر النظام السوري”.

“إيران تحاول تدويل الرئيس الأسد. هناك 3 لاءات موجودة في الطرف الغربي والولايات المتحدة ويؤكدون عليها، بينما تعمل طهران على التخفيف منها”، من خلال إدخال النظام السوري كطرف رابع في “أستانة”.

وفي السابع عشر من يناير الحالي عقد الاتحاد الأوروبي جلسة بحضور ممثلي كل الدول الأعضاء، لمناقشة الأوضاع في سوريا، وشدد على مواصلة دعم الشعب السوري، والتأكيد على اللاءات الثلاث: “لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات”، طالما لم يشارك النظام بشكل فعّال في الحل السياسي.

ويشير الباحث البازي إلى أن طهران تحاول كسر أولى اللاءات من خلال إحياء مسار تطبيع العلاقات مع النظام السوري. ويضيف: “تعتقد أنه بمجرد تخفيف الأولى يمكن أن تمضي باتجاه مسار إعادة الإعمار ورفع العقوبات”.

من جهته تحدث عروة عجوب، وهو كبير المحللين في مركز التحليل والبحوث العملياتي عن هدفين من إدخال نظام الأسد كطرف رابع إلى “أستانة”، الأول لـ”تضييق الخناق على المسار التركي الروسي، والعودة إلى منصة لها تفاهماتها المسبقة وتضمن دور طهران ونفوذها”.

ويرى الباحث أن “المسار الجديد بين النظام السوري وتركيا برعاية الإمارات وروسيا قد يبعد إيران عن اللعبة”.

ويشير إلى هدف ثانٍ يتعلق بنية طهران إقصاء المعارضة: “إذا أصبح النظام كرابع إلى جانب روسيا وإيران وتركيا لم تعد المعارضة طرفا بل منفذا للمخرجات”.

ومع ذلك “من المبكر حسم إدخال النظام السوري كمطلب إيراني”، في ظل ضبابية مستقبل المصالحة مع تركيا، كما يضيف عجوب بقوله: “أنقرة وموسكو لهما رأي وتفاهماتهما الثنائية كذلك الأمر”.

ضياء عودة

الحرة

——————————-

سوريا بين التتريك والهيمنة الإيرانية/ هدى رؤوف

أردوغان يستفيد من العلاقات مع نظام الأسد مرتين وطهران تطالب بحق الامتياز عبر شراكة اقتصادية طويلة الأمد

تسارعت في الآونة الأخيرة خطوات التقارب بين تركيا والنظام السوري أو ما يمكن أن نسميه تطبيع العلاقات بين الخصمين التي استمرت عداوتهما نحو 10 أعوام. بدأت المحادثات باللقاء بين وزراء الدفاع السوري والتركي والروسي بموسكو في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومن المقرر عقد لقاء الشهر المقبل بين وزيري الخارجية السوري والتركي.

 الأكثر من ذلك تصريح أردوغان باحتمالية عقد لقاء قريب مع رئيس النظام السوري بشار الأسد. وفي حين يبدو أن المحادثات تتم برعاية روسية إلا أنها ليست بعيدة من التوافق مع إيران. فقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان خلال زيارته لبيروت “نحن سعداء بالحوار الجاري بين سوريا وتركيا ونعتقد بأنه سينعكس إيجاباً على البلدين”.

عن دوافع الطرفين، يبدو أردوغان صريحاً في شأن أولويته القصوى في سوريا، لا سيما قبل الانتخابات التركية، فقد أعلن أن محددات سياسته في سوريا هي القضاء على قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية والأحزاب المرتبطة بها، مثل حزب الاتحاد الديمقراطي وجبهة حماية الشعب. لذا قد تكون هذه خطوة تركية محسوبة تهدف إلى إظهار أثر للمواطنين الأتراك بأن هناك جهداً منسقاً متعدد الأوجه لمواجهة كل من الحركة الكردية وقضية اللاجئين السوريين في تركيا.

في سبيل تحقيق الأهداف التركية في سوريا وهي سياسة لا تختلف كثيراً عن السياسة الإيرانية الهادفة إلى توسيع النفوذ، اتبعت أنقرة سياسة التتريك في الشمال السوري، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية كانت عمليات التتريك جارية في شمال سوريا، كما توسع النفوذ التركي والوجود التركي في إدلب.

استثمرت أنقرة في تحسين روابط النقل للمعابر الحدودية بين البلدين وربطت بعض شبكات الكهرباء في شمال سوريا بالشبكة التركية، وعمل مقدمو الخدمة الخليوية التركية في هذه المناطق، وأنشأت تركيا أكثر من 10 مكاتب بريدية تركية في شمال سوريا، كما تدفع رواتب الموظفين العموميين في المناطق الخاضعة لسيطرتها بالعملة التركية، والليرة التركية هي العملة الأساسية في شمال سوريا. كما يتم تدريس اللغة التركية في مدارس هذه المناطق، وتم افتتاح مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية للكبار، ويتمركز رجال الدين المعينون من قبل مديرية الشؤون الدينية التركية في المساجد التي فتحتها تركيا أو جددتها.

لذا تمثل لهجة تركيا التصالحية الأخيرة والإشارات إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، تحولاً جذرياً في السياسة الخارجية التركية، ربما يعود ذلك إلى أنها قد تخدم أردوغان بطريقتين رئيستين. أولاً، ينظر إليها على أنها خطوات نشطة في إدارة مشكلة اللاجئين ومرحلة أولى في إعادتهم إلى سوريا، وثانياً، ينظر إلى الحوار مع الأسد على أنه ضروري في ظل الضغط الروسي في هذا السياق، كما عبرت عنه اللقاءات الأخيرة بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إطار مفاوضات موسعة بين أنقرة وموسكو.

من جهة أخرى، أعلن وزير الخارجية السوري أن بلاده لم تضع شروطاً مسبقة، لكن التطبيع مع تركيا لن يتحقق إلا عندما تفي أنقرة بثلاثة مطالب، الانسحاب من الأراضي السورية ووضع حد لدعم التنظيمات المسلحة وعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي.

ومن ثم يمكن للأسد أن يستفيد من التطبيع مع تركيا كجزء من جهوده لإعادة ترسيخ مكانة سوريا الإقليمية وكوسيلة لإبعاد أنقرة عن التنظيمات المسلحة. ومن المحتمل أنه بسبب هذه المحادثات سيتوصل النظام السوري وتركيا إلى اتفاق متبادل المنفعة في ما يتعلق بشمال سوريا خلال الأشهر الستة المقبلة، كما من المرتقب أن تدفع روسيا إلى تحقيق نتيجة مثمرة في هذه المحادثات بسبب الرغبة في سحب تعزيزاتها العسكرية من سوريا والتحول إلى أوكرانيا.

أما إيران، فتريد هي الأخرى أن تنسحب تركيا من شمال سوريا، وسبق وذكر موقع المرشد الإيراني أن علي خامنئي وجه تحذيراً لأردوغان فور وصوله إلى إيران في زيارة سابقة لإجراء المحادثات الثلاثية بأن هجوماً عسكرياً في شمال سوريا سيكون ضاراً بتركيا وسوريا والمنطقة بأكملها، ومن ثم فإن الضغوط الأميركية والروسية والإيرانية هي ما دفعت تركيا إلى البعد عن الضربة العسكرية ومن ثم التنسيق مع النظام السوري في شأن شمال البلاد. لكن في وقت يتزامن مع التطبيع بين تركيا وسوريا، تعمل إيران على تعزيز مصالحها وإخضاع سوريا لعلاقة طويلة الأمد، ففي حين تحدثت تقارير عن محاولة إيران الحصول على امتيازات عدة في الداخل السوري وممارسة الضغوط على بشار الأسد لمنحها تلك الامتيازات، أعلن وزير خارجيتها أخيراً أن بلاده بصدد عقد اتفاق شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع سوريا في المجالات الاقتصادية، مما يعني أن سوريا أضحت واقعة بين مشروعي الهيمنة الإيراني والتركي.

—————————

تشاووش أوغلو من واشنطن:”إف-16″ليست بديلاً للعملية البرية في سوريا

أكد وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو أن واشنطن لم تفرض أي شروط على أنقرة للموافقة على العملية البرية التركية المحتملة شمالي سوريا.

وقال رداً على سؤال الصحافيين حول ما إذا كانت واشنطن ربطت موافقتها على العملية العسكرية التركية شمالي سوريا ببيع أنقرة مقاتلات “إف-16”: “عقدنا اليوم اجتماعات على مستويات مختلفة، ولم نسمع منهم أي شروط”.

وكان المتحدث باسم الرئيس التركي إبراهيم قالن قد صرّح في وقت سابق بأن بلاده مستعدة لشن عملية عسكرية جديدة شمالي سوريا، وأنه من المُمكن أن تبدأ في أي لحظة.

لقاء بلينكن

والتقى تشاووش أوغلو بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن ليل الأربعاء في العاصمة واشنطن، في إطار الاجتماع الوزاري الثاني للآلية الإستراتيجية بين البلدين، وشملت المحادثات توسيع عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكذلك صفقة بيع تركيا مقاتلات “إف-16”.

وفي بيان أميركي تركي مشترك، أكد بلينكن ونظيره التركي الالتزام بعملية سياسية بقيادة سوريا، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، كما خطط البلدان للحفاظ على التنسيق في محاربة الإرهاب، خاصة تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني.

وأضاف البيان أن الوزيرين ناقشا تنفيذ مذكرة وقعتها فنلندا والسويد وتركيا للمضي قدماً في طلب الانضمام للناتو، كما بحث الجانبان أيضا الوضع في شرق المتوسط، واتفقا على الحفاظ على الاستقرار وقنوات الاتصال.

صفقة إف-16

كما أكد الجانبان -وفق البيان- دعمهما سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها وإيجاد حل لإنهاء الحرب، وناقشا أيضا تعزيز الشراكة الدفاعية، بما في ذلك تحديث أسطول طائرات “إف-16” التركي.

وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن الرئيس الأميركي جو بايدن يعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة بيع تركيا مقاتلات “إف-16” لتحديث أسطولها الحالي.

ووصف وزير الخارجية الأميركية علاقة بلاده بتركيا بأنها “علاقة شراكة قوية”. وأضاف أن “الولايات المتحدة تقدّر دور تركيا في اتفاقية ممر الحبوب بالبحر الأسود”، وقال إنهم سيناقشون العديد من التحديات في المنطقة، لا سيما أوكرانيا، والتعاون التركي-الأميركي انطلاقا من كونهما حليفين في الناتو.

بدوره، شدّد وزير الخارجية التركية على أهمية تعاون بلاده مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وتعزيز التعاون بما يشكل تهديدا لتنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني.

وأضاف “تجاوز حجم تجارتنا العام الماضي (2022) 30 مليار دولار، وهدفنا 100 مليار دولار، كما ناقش فريقانا فرصا في مجالات الطاقة والاستثمار”.

كما أشار أوغلو إلى أن أنقرة تنتظر موافقة واشنطن على صفقة مقاتلات “إف-16” بما يتماشى مع مصالح الدولتين الإستراتيجية، وقال إن طلب بلاده المقاتلات ليس مهماً لتركيا فحسب، بل لأمن الناتو أيضاً والولايات المتحدة.

ويعد تسليم مقاتلات “إف-16″ لتركيا و”إف-35” لليونان مسألة حساسة بالنسبة إلى الحكومة الأميركية، رغم أنها لا تمانعه، لكن ذلك موضوع يعارضه نواب أميركيون، بمن فيهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الديمقراطي روبرت مينينديز.

وأكد الرئيس جو بايدن أنه يدعم تسليم هذه المقاتلات لتركيا خلال اجتماع مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة للناتو في مدريد في يونيو/حزيران 2022.

—————————–

التقارب التركي السوري: لم يتبقى سوى القليل/ فاضل المناصفة

في مقالي الأخير تحت عنوان “لماذا فشل أردوغان في تحقيق مصالحة مع الأسد؟” كنت قد أشرت الى أن مسألة انتهاك سيادة الأراضي السورية بما فيها “لواء اسكندرون” ستكون العائق الكبير في وجه أردوغان الذي يقوم بعملية عسكرية داخل شمال سوريا وتوقعت أنها ستكون أحد أولويات بشار الأسد للمضي قدما نحو فتح عهد جديد في العلاقات مع الجارة الشمالية وهو ما جاء به تصريح حاكم قصر دمشق في رده على موضوع التقارب السوري التركي حيث رد بأن التقارب مع تركيا بوساطة روسيا يجب أن يهدف إلى “إنهاء احتلال” أنقرة لأجزاء من سوريا، ولكن الحديث عن عودة لواء اسكندرون ربما يكون مبالغا فيه لدى فالمنتظر أن تنسحب تركيا من الأجزاء التي تحاول أن تتوغل فيها لاصطياد “قسد” ثم تعود للدخول اليها في عملية عسكرية سورية تركية مشتركة.

دخلت إيران على الخط لتقطع كامل التأويلات التي اتهمتها بعرقلة التطبيع بين دمشق وانقرة وممارسة ضغط على الأسد يحول دون قبوله اليد الممدودة لأردوغان، وهذا ما أكده وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان مؤتمر صحافي مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو خلال زيارة إلى تركيا يوم أمس الثلاثاء قائلا، “نحن مسرورون جدًا لرؤية أن العلاقات بين دمشق وأنقرة تتغيّر”، وهنا ضربت ايران عصفورين بحجر واحد: أكدت طهران أنها ليست منزعجة بعد تقارب انقرة وتل أبيب ولن تضع حجر عثرة في الملف السوري، كما أكدت أنها تحرص على أن تبقى العلاقة مع أنقرة متينة.

صحيح أن الدور الإيراني في سوريا له تأثير على القرار السياسي السوري لكنه لا يرفض أن تعود سوريا لعلاقاتها الطبيعية في المنطقة بما فيها علاقة الرياض ودمشق التي تقود فيها أبو ظبي جهودا لتقريب وجهات النظر بين النظامين، من هنا نفهم أيضا أن إيران تعي جيدا أن دمشق تبحث عن الخلاص من العزلة والافلات من عقاب المجتمع الدولي وطي صفحة عقد دموي من تاريخ سوريا، وبعبارة أخرى فان إيران لن تبدي أي تحفظات من سياسة سوريا الخارجية لطالما بقيت بعيدة عن التفاوض مع إسرائيل بخصوص عملية سلام ولطالما قبلت المصالحة مع حليفتها حماس واستمرت في علاقتها مع حزب الله…. تلك هي الأمور التي تزعج طهران ولن تقبل لسوريا بأن يكون لها موقف آخر فيها.

لقد سبب تقلب أردوغان في سياسته الخارجية إزاء سوريا، ضربة موجعة للمعارضة السورية وضربة قوية أيضا لصورته في العالم العربي بعد أن كانت مواقفه “البطولية” تحوز احترام الجميع، لكن أتى الوقت الذي وجب فيه أن تتكيف السياسة الخارجية بما يمليه الواقع الذي فرضته الأحداث، فالأسد الذي راهن على سقوطه الجميع لم يسقط بل بات من الضروري بقاءه لكيلا ينجح مخطط تقسيم سوريا الى دويلات ستكون احداها خطرا محدقا بالأمن القومي التركي، أما مسألة اللاجئين فقد حان الآوان للفصل فيها وغلق ملف الثورة السورية نهائيا بما يضمن اخراج صورة للمجتمع الدولي بأن الأوضاع قد عادت الى وضعها الطبيعي وأن سوريا تقود حربا ضد الإرهاب وليست حربا ضد المعارضة.

ما كان لموقف أردوغان أن يتغير من بشار الأسد لو أن هذا الأخير قد خسر المعركة وانسحب من دمشق الى أرض لجوء وما كان للتقارب السوري التركي أن يحصل لولا استشعار تركيا خطر اللغم الكردي الموجود قرابة أراضيها وأقصد باللغم مشروع دولة قومية ممولة من الولايات المتحدة الأمريكية ستدفع أكراد تركيا الى التحرر وستكون مركزا لتدريبهم لرفع السلاح في وجه “المحتل التركي” ومركزا لقيادة هجمات إرهابية داخل العمق التركي، ستكون العهدة التي سيفوز بها أردوغان حتما عهدة تخليص تركيا من شوائب فشل الثورة السورية ومخلفاتها على الأمن القومي التركي وستكون خلالها المعركة الحاسمة ضد قوات سوريا الديمقراطية بتفويض ومشاركة دمشق التي يجب أن تعود الى بسط سيطرتها على كامل الحدود المشتركة مع تركيا.

ستكون خطوة الأسد التالية بعد التقارب مع تركيا، هي اعلان استفتاء مصالحة وطنية يضمن من خلالها عودة المترددين والخائفين من الانتقام، وهي خطوة ضرورية تحدث في البلدان التي تشهد حروبا أهلية يكون الجيش طرفا مباشرا فيها، وسيكون هذا الاستفتاء بمثابة صك الغفران عن كل ما حصل لكل الأطراف بل سيكون الحجة التي ستقدمها سوريا للمجتمع الدولي وللأمم المتحدة بأن الشعب السوري وبعد أن اعطى التفويض للأسد كرئيس بنسبة 95% قد أعطاه التفويض لطي الصفحة السوداء من تاريخ سوريا والصفح عن جميع من لم تتورط يده بالدم السوري.

ايلاف

————————-

متطرفون يستهدفون الجيش السوري لعرقلة تقارب دمشق وأنقرة

بيروت: «الشرق الأوسط»

قال مقاتلو المعارضة ومسؤولون من الجيش السوري إن مقاتلين متطرفين شنوا غارات على عدد من مواقع الجيش، أمس (الأربعاء)، في تصعيد لهجمات الكر والفر هذا العام في آخر معقل تسيطر عليه المعارضة في شمال غربي سوريا.

ويعيش أكثر من ثلاثة ملايين شخص في المنطقة التي أصبحت ملجأً لكثير من النازحين ومن بينهم مقاتلون من المعارضة مدعومون من تركيا وأسرهم فروا من مناطق سيطر عليها الجيش السوري المدعوم من روسيا. وتصاعد الصراع الذي بدأ باحتجاجات سلمية في عام 2011 إلى حرب أهلية اجتذبت قوى أجنبية، وتسببت في أكبر أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية.

وقالت «جماعة التوحيد الإسلامية» المرتبطة بجماعة «هيئة تحرير الشام» إن مقاتليها شنوا هجوماً انتحارياً على الخطوط الأمامية في معرة موحص بجنوب محافظة إدلب، بالقرب من الحدود مع تركيا. وقال أبو حمزة، وهو أحد أعضاء الجماعة، إن مقاتليها تمكنوا من مداهمة عدة «مواقع للعدو» وقتلوا عدداً منهم. وأضاف أبو حمزة أن الجماعة استخدمت أسلحة ثقيلة وصواريخ في أكبر هجماتها هذا العام.

وقالت «هيئة تحرير الشام» إنها كثفت الغارات والهجمات الانتحارية في الأشهر الثلاثة الماضية على مواقع للجيش السوري والجيش الروسي على طول الجبهات في شمال غربي سوريا. وتعهد أبو محمد الجولاني، زعيم الهيئة، هذا الشهر بمواصلة قتال الجيش السوري وحلفائه بعد أيام من أعلى مستوى من المحادثات العلنية بين أنقرة وحكومة دمشق منذ بدء الحرب السورية في 2011.

وأدى التقارب إلى قلق جماعات المعارضة من أن تتخلى تركيا عنها. وتقدم تركيا السلاح وتنشر الآلاف من القوات في مناطق المعارضة، مما حال دون تقدم الجيش السوري المدعوم من روسيا. وقال بيان للجيش السوري إنه دحر الهجمات بعد اشتباكات استمرت ساعات أسفرت عن مقتل أو إصابة 12 مهاجماً.

وذكر بيان الجيش أيضاً أن القوات الروسية ساعدته في الآونة الأخيرة في تدمير عدة مراكز تدريب «للإرهابيين» في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب. وقال سكان في المنطقة إن مواقع للجيش السوري قصفت عدة قرى في منطقة مرتفعات جبل الزاوية القريبة، فيما كان انتقاماً فيما يبدو لهجمات معرة موحص، مما أسفر عن مقتل مدني واحد على الأقل وإصابة عدة أشخاص.

وقالت مصادر من المعارضة إن طائرات حربية يعتقد أنها روسية قادمة من قاعدة رئيسية على الساحل السوري المطل على البحر المتوسط كانت تحلق على ارتفاع شاهق، لكنها لم تشارك في القتال.

————————–

بقاء إردوغان تركيا يصب في مصلحة بوتين روسيا؟

أنقرة صارت نافذة موسكو للعالم إثر تقارب أكبر بعد حرب بوتين على أوكرانيا رغم تنافسهما ببلدان أخرى. فهل يدعم بوتين بقاء شريكه ومنافسه إردوغان حاكما لتركيا نظرا للمصالح المشتركة؟ استخبار بوراك أونفرين.

أدت الحرب الأوكرانية إلى عزلة روسيا عن المجتمع الدولي، وخاصة عن الدول الصناعية الكبرى. وتبقى تركيا واحدة من الشركاء المهمين القلائل الذين يحافظون على علاقات جيدة مع روسيا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان تجمعهما منذ أعوام علاقة جيدة. وفي نهاية عام 2021 صرح المتحدث باسم الكرملين ديميتري بسيكوف، أن إردوغان وبوتين تربطهما “علاقة صداقة”، كما أن إردوغان قال نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إنه تجمعه ببوتين “علاقة ثقة”.

عرف إردوغان بداية الحرب الأوكرانية كيف يوسع نفوذه، ففي الوقت الذي أغلقت فيه كل القنوات الدبلوماسية تقريبا في وجه موسكو، قدمت أنقرة نفسها كوسيط بين موسكو وكييف وظلت لحد اليوم اللاعب الأساسي الذي يرغب الطرفان معا في الحديث معه. وما يعكس ذلك لقاءات كبار المسؤولين من أوكرانيا وروسيا في تركيا. ففي 10 من مارس/آذار 2022 اجتمع وزراء خارجية أوكرانيا وروسيا وتركيا في أنطاليا وبعدها بحوالي أسبوعين تفاوض مندوبو البلدين في إسطنبول. وأيضا اتفاقية الحبوب التي سمحت بنقل الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود تم التوقيع عليها في شهر يوليو / حزيران 2022 في إسطنبول بعد وساطة من تركيا والأمم المتحدة.

“تركيا نافدة روسيا على العالم”

يرى الخبير في السياسة الخارجية والطاقة أيدين سيزار أن الحرب الروسية الأوكرانية ساهمت في التقارب التركي الروسي. ويوضح بهذا الخصوص “بالنسبة لروسيا فإن تركيا بمثابة نافذة على العالم. العلاقة مع أنقرة هي مهمة جدا وذات قيمة كبيرة بالنسبة للكرملين. ولكي يبقى الأمر على هذا النحو يفضل المسؤولون في موسكو أن تظل الحكومة نفسها بعد الانتخابات الرئاسية التركية في 18 يونيو/حزيران 2023. فبوتين يعي بحسب الخبير سيزار “أنه من مصلحة روسيا أن يواصل شخص مثل إردوغان الحكم في تركيا”.

لذلك حاولت موسكو في الفترة الأخيرة مرارا دعم الحكومة التركية الحالية. فعلى سبيل المثال أجلت شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة ديون تركيا من شراء الغاز. وبهذا الخصوص يقول دبلوماسي تركي متقاعد فضل عدم الكشف عن هويته، إن روسيا لا تقوم بذلك بدون مبرر، بل لخدمة مصالحها. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022 اقترح بوتين تحويل تركيا إلى ما يسمى مركز طاقة.  وهذا يعني أنه سيتم تسليم الغاز الروسي إلى المستهلكين الأوروبيين عبر تركيا وهو ما يعود بالنفع على كلا الرئيسين.

بوتين يحتاج لإردوغان وإردوغان يحتاج لبوتين

في حوار مع دويتشه فيله تؤكد الخبيرة في العلاقات الدولية هاندي أورون أوتسداغ أن الدعم السياسي والاقتصادي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بات من الأهمية بمكان بسبب الصعوبات التي يعيشها الحزب مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. فمنذ أعوام تسود الخلافات والتوترات علاقة تركيا مع الغرب، سواء تعلق الأمر بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وتضيف أوتسداغ بهذا الخصوص “الحرب الأوكرانية منحت حزب العدالة والتنمية الفرصة لتعميق علاقاته الاقتصادية مع روسيا لأن أنقرة لا تشارك في العقوبات الأمريكية والأوروبية على موسكو”. لذلك وبحسب الخبيرة، فإن بوتين حقق لإردوغان أمرين مهمين “الشعبية السياسية من خلال اتفاقية الحبوب والدعم الاقتصادي فيما يتعلق بالغاز”. وهذا بالضبط ما يحتاجه حزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات لأن شعبيته في أوساط الناخبين آخذة في الانخفاض، كما تؤكد الخبيرة أوتسداغ.

المعارضة الديمقراطية غير مرحب بها

ليس مؤكدا بأي حال من الأحوال أن تبقى الأوضاع السياسية في تركيا كما هي. فمن جهة يريد إردوغان تثبيت منصبه من خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة لكن من جهة أخرى تظهر استطلاعات الرأي أن المنافسة لن تكون سهلة. فالمعارضة قد تفوز فعلا في الانتخابات وتحدث تغييرا في قيادة البلاد بعد حكم دام لأزيد من 20 عاما.

بالمقابل فإن حكومة إردوغان في روسيا تتمتع بسمعة جيدة كما يوضح الخبير التركي في العلوم السياسية أوميت نظمي هزير الذي يجري أبحاثا في موسكو ويقول بهذا الخصوص “بوتين وإردوغان تجمعهما علاقة قائمة منذ 20 عاما، فكلاهما يعرف الآخر ويمكنهما التواصل بشكل مباشر”. ويشير هزير إلى أنه إذا فازت المعارضة في الانتخابات في تركيا، فإن ذلك سيتعارض أيضًا مع المصالح الروسية، لأن الحكومة الجديدة قد تكون أكثر ديمقراطية “وعندها ستنخفض قدرة روسيا على توجيه تركيا. إذ سيتعين عليها التعامل مع العديد من الفاعلين.”

التنافس بين موسكو وأنقرة على سوريا

ورغم التقارب التركي الروسي فإن هناك نقاط خلافية وتوترات محتملة بين الطرفين، فعلى سبيل المثال فإن كلا البلدين متورطان بجنودهما في الحرب السورية ويدعمان جماعات متعادية. فلطالما كانت روسيا الحليف الرئيسي للنظام السوري ودعمت تركيا عناصر من المعارضة السورية مثل الجيش السوري الحر، بينما تقوم في الوقت نفسه بعمل عسكري ضد الأكراد في شمال سوريا.

    President @RTErdogan:

    “As Russia-Türkiye-Syria, we have initiated a process. We will bring our foreign ministers together, and then we will come together as leaders, depending on the developments.”

    — Republic of Türkiye Directorate of Communications (@Communications) January 5, 2023

ومع ذلك، اتضح أن البلدين يمكن أن يتوصلا إلى تفاهم. فبعد سنوات من الخطاب القاسي ضد الرئيس السوري بشار الأسد، خفف إردوغان لهجته الآن وأعلنت تركيا أنها تريد إجراء محادثات سلام مع سوريا قريبًا، وستكون روسيا حاضرة أيضًا. وجاء في بيان تركي نشر الخميس (5 يناير / كانون الثاني 2023) “بداية سيجتمع وزراء خارجيتنا الثلاثة، وبعدها نحن القادة الثلاثة”.

ورغم ذلك يشكك العديد من المراقبين في التقارب الروسي التركي. وفي هذا الخصوص يقول الخبير هزير إن أنقرة تتدخل في مجال نفوذ موسكو. ويرى خبير أوروبا الشرقية في جامعة بون، زاور غاسيموف أن إردوغان بدأ “بلعب سياسة أكثر نشاطًا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي وفي الشرق الأوسط. وقبول هذا الأمر ليس بالسهل بالنسبة لروسيا “.  وخلص غاسيموف في حديثه مع دي دبليو إلى أن “الكرملين لا يرى تركيا كحليف. ففي قضية سوريا وفي الصراع الأرميني الأذربيجاني وفي ليبيا لدى الكرملين أهداف مختلفة تمامًا عن تركيا. وينظر الكرملين إلى تركيا أكثر كشريك منافس”.

بوراك أونفرين

ترجمة: هـ.د

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

ar.Qantara.de

—————————–

على ماذا تستند دمشق في تعنتها للتطبيع مع أنقرة؟

رغم الإصرار الروسي ومن بعده المساعي الإيرانية لعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، إلا أن الأخيرة لا تزال تواصل تعنتها ومماطلتها في إجراء التطبيع فارضة شروطاً يجب على تركيا تنفيذها حتى يتم اللقاء.

وقال نبهان الخليل، وهو اسم مستعار لعضو في أحد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية بحلب، إن مخطط أنقرة “بات واضحاً تجاه دمشق وأراضيها والمجريات المحيطة بنا تؤكد ذلك”.

وأضاف أن دمشق تدرس جميع الاحتمالات التي تصلها من خلال الزيارات الأخيرة التي أجراها الأسد مع أطراف أخرى. وسفير سوريا لدى روسيا هو الآن “الدينامو للملف السوري”.

سبب التعنت!

وأشار “الخليل” إلى أن زيارة زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، “ليست مفاجئة” لدمشق كما روج لها البعض، وهي ضمن الخط الخليجي “لاستعادة العلاقات الاقتصادية مع أنقرة عبر الأراضي السورية”.

ووصل الاستثمار الإماراتي في تركيا إلى مليارات الدولارات، “ومن الطبيعي الاطلاع على المستجدات الأخيرة بين دمشق وأنقرة ومن خلفهم السعودية”، بحسب “الخليل”.

وتنوي السعودية وضع وديعة في البنك التركي بقيمة خمسة مليارات دولار في حزيران/ يونيو 2023، “في خطوة غبر مسبوقة لإنقاذ رأس النظام التركي الذي يعاني من أوضاع صعبة بسبب فشل سياساته الاقتصادية والمالية”.

ولقاء الرئيس التركي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في قمة العشرين بإندونيسيا وعلى هامش حفل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم بقطر، “هي عودة العلاقات بين الرياض وأنقرة، والأخيرة هي المستفيدة الأكبر”، بحسب “الخليل”.

ويرى أن عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق هي “ورقة رابحة للنظام التركي بعيداً عن المكاسب في الانتخابات التركية. أنقرة تتطلع إلى طريق نحو الخليج ولم يعد أمامها سوى الأراضي السورية”.

وربما كانت الأراضي العراقية هي الأفضل لتركيا، لكن الصراعات الداخلية ليس لها ورقة حل لدى أنقرة، بينما الحل السوري “أقوى وأسهل”، ومن هذه الخلفيات “تأتي دراسة دمشق للمعطيات الراهنة التي تجعلها تأخذ وقتاً حتى يتم لقاء الرؤساء”.

“مفتاح الانفراجات”

قال مراد صباغ وهو محام ومحلل سياسي في حلب، إن دمشق تمتلك اليوم “مفتاح الانفراجات” في الاقتصاد التركي وما تعانيه الليرة التركية ومصير حزب العدالة والتنمية “مرهون بلقاء دمشق”.

وأضاف “صباغ” لنورث برس: “دمشق تعلم نوايا تركيا في خطوتها القادمة باتجاه حصولها على مركز تسويق دولي متقدم للغاز الطبيعي، وهي تدرس مع الحلفاء إمكانيات نجاح إعادة التطبيع مع أنقرة”.

وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، صرح الرئيس التركي أردوغان، بأن حكومته تستعد لإنشاء سوق دولي للغاز الطبيعي في البلاد، بحسب ما نشرته وكالة الأناضول التركية.

وأضافت الوكالة نقلاً عن أردوغان القول: “لهذا نحن على اتصال وثيق مع دول في منطقة واسعة بدءًا من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وصولًا إلى البحر المتوسط”.

ووصف “صباغ” تعامل تركيا مع الملف السوري وكأنه “مفتاح الرحمة” للسوريين وهو ما تدركه دمشق في المفاوضات الأخيرة التي جمعت بين الأجهزة الاستخباراتية للطرفين في موسكو.

وشدد الرئيس السوري بشار الأسد على ضرورة إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية ووقف دعم الإرهاب، حتى تكون اللقاءات التي تبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سوريا وروسيا مثمرة.

وبعد المساعي الروسية، دخلت إيران على خط الوساطة بين أنقرة ودمشق، وسبقها زيارة لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى دمشق ولقاءه الأسد، تم التطرق خلاله لسبل تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية لما فيه مصلحة البلدين والشعبين.

وكخطوة “إيجابية” في طريق المباحثات التي أجريت بين الجانبين الإماراتي والسوري، أصدر رئيس الحكومة السورية، قراراً بالسماح لكافة الفعاليات والوزارات في الحكومة الاستيراد من المملكة العربية السعودية لكافة المواد اعتباراً من تاريخ التاسع من كانون الثاني/ يناير الجاري.

ويرى المحلل السياسي، أن تلك الخطوة تجاه السعودية هي من نتائج اللقاء بين الأسد ووزير الخارجية الإماراتي، إذ بحثا سبل تذليل العقبات لإعادة العلاقات التجارية والدبلوماسية بين الرياض ودمشق.

ويلفت “صباغ” النظر إلى أن الأمر “أكبر” من أن يكون اقتصادياً فقط، ويقول: “لو كان الأمر تجارياً لكانت الإمارات أرسلت وزير التجارة عوضاً وزير الخارجية”.

إعداد: رافي حسن ـ تحرير: قيس العبدالله

نورث برس

————————-

بيان تركي – أمريكي بعد لقاء وزيري الخارجية وحديثهما عن سورية

أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، استعداد بلاده للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، لإعادة التركيز على الملف السوري.

جاء ذلك خلال لقاء أمس، جمع الوزير التركي مع نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، في العاصمة الأمريكية واشنطن.

وحسب بيان مشترك للجانبين، فقد ناقشا خلال الاجتماع عدة قضايا منها الحرب الروسية على أوكرانيا، والوضع في شرق المتوسط.

وأكد البيان أن المباحثات تطرقت إلى صفقة مقاتلات “إف-16” وبيعها لتركيا، إلى جانب تنفيذ مذكرة وقعتها فنلندا والسويد مع تركيا، للمضي قدماً في طلب انضمامهما لحلف “الناتو”.

وحول الملف السوري، اقتصر البيان فقط على تأكد الوزيرين “الالتزام بعملية سياسية بقيادة سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.

في حين قال وزير الخارجية التركي، عقب اللقاء، إن بلاده “مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل إعادة التركيز على سورية، لكن واشنطن لم تف ببعض وعودها السابقة، وخاصة موضوع خريطة طريق منبج”.

ولم يذكر جاويش أوغلو أي تفاصيل أخرى، خاصة فيما يتعلق بملف التقارب التركي مع نظام الأسد، والتحضير للقائه وزير خارجية النظام، فيصل المقداد.

وكان وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، قال في وقت سابق، إن بلاده تتفهم معارضة الولايات المتحدة خطوة “التطبيع” مع نظام الأسد.

لكنه اعتبر أن على واشنطن، رؤية عدم الوصول إلى نتيجة في سورية منذ سنوات، وأنها لم تقدم أي حلول أو مقترحات لمحاربة “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني”، حسب أوغلو.

بدوره أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكي، نيد برايس، أن واشنطن أكدت لتركيا بأن “الوقت الحالي ليس وقت التطبيع وتحسين العلاقات مع نظام الأسد”.

وأشار برايس في مؤتمر صحفي، أن الدول تحتاج إلى “إلقاء نظرة على السجل الحافل للنظام على مدى السنوات الـ 12 الماضية، والعنف والوحشية التي فرضها نظام الأسد على شعبه”.

ووصف برايس تركيا بـ”الحليف”، مؤكداً أن “تركيا تواجه تهديدات لأمنها، وتعرضت لهجمات إرهابية على أراضيها أكثر من أي حليف آخر في الناتو”.

لكن رغم ذلك شدد برايس على أن واشنطن ترفض ما سماه “تحرك أحادي الجانب” من قبل تركيا، في شن عملية برية ضد “وحدات حماية الشعب” شرقي سورية.

——————————

عبد اللهيان:جهودنا حالت دون عملية تركية في سوريا

أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن زيارته لأنقرة منعت العمليات العسكرية التركية في سوريا.

وفي مقابلة حصرية مع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية “تي آر تي”، قال أمير عبد اللهيان: “قبل بضعة أشهر، طرحت قضية أن تعتزم تركيا القيام بعمليات عسكرية على الأراضي السورية والمناطق الحدودية.. في ذلك الوقت، قمت بزيارة إلى أنقرة، وكانت الجمهورية الإسلامية تتابع قضية تركيا وسوريا مركزة على الحوار والحل السياسي، ويسعدنا أن تلك الجهود حالت دون وقوع هذه العملية العسكرية في المناطق الحدودية بين البلدين”.

وتابع وزير الخارجية الإيراني: “استمراراً لهذا المسار، رحبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دائماً بالعلاقات الوثيقة بين دمشق وأنقرة لنشهد اليوم تقدماً في هذا المجال، وأجرينا هذا الأسبوع محادثات مهمة مع الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان ووزيري خارجية البلدين، وكان هدفنا إقامة علاقات أكثر موثوقية بين تركيا وسوريا وتقليل مخاوف الطرفين، ونحن على اتصال دائم ومباشر مع الجانب الروسي”.

وضع معقد

وعن حرب روسيا على أوكرانيا، قال وزير الخارجية الإيراني إن “أوكرانيا تعيش وضعاً معقداً”، وأضاف أن موقف بلاده “كان واضحاً منذ البداية، وأكدنا ذلك على أعلى مستوى، نحن ضد الحرب ونركز على الحل السياسي، بينما نعتبر الاستفزازات لحلف شمال الأطلسي وبعض الدول الغربية بأنها السبب الرئيسي لهذه الحرب”.

وذكر: “بذلنا الكثير من الجهود بين أوكرانيا وروسيا خلال هذه الفترة، سواء على مستوى وزراء الخارجية أو الرؤساء، ونأمل أن تصل أوكرانيا إلى مرحلة السلام في أسرع وقت ممكن وأن تضع الحرب أوزارها”.

وقال: “رغم العلاقات المتميزة بين طهران وموسكو، نحن لا نعترف بانفصال القرم عن أوكرانيا”، وأشار إلى أن بلاده “تعترف بسيادة الدول ووحدة أراضيها في إطار القانون الدولي، ولهذا السبب، ورغم العلاقات المتميزة بين طهران وموسكو، لم نعترف بانفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا. كما أننا لم نعترف بانفصال دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، لأننا نؤكد على مبادئنا الثابتة في السياسة الخارجية”.

الاتفاق النووي

كما أكد عبد اللهيان استعداد بلاده لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي مشيراً إلى أن هدف الغرب في ظل الاضطرابات الأخيرة في البلاد هو كسب نقاط في المفاوضات.

واتهم الدول الغربية بمحاولة تأجيج الاضطرابات، متابعاً: “إنهم يسعون وراء تمرير أهدافهم السياسية الخاصة، حيث كان جزء من أهدافهم هو إضعاف إيران وزعزعة استقرارها، وكان جزء آخر من أهدافهم هو تسجيل نقاط على طاولة مفاوضات خطة العمل المشترك الشاملة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنهم سرعان ما أدركوا أن هذه الاستفزازات لا يمكن أن تحقق لهم أي نتائج”.

—————————–

التمرد في شمال سوريا يضع تركيا أمام اختبار ضبط الفصائل الموالية لها

هيئة تحرير الشام تشن أكبر هجوم لها على قوات النظام السوري.

يعكس شن هيئة تحريرالشام (جبهة النصرة سابقا) هجوما الخميس هو الأكبر هذا العام على قوات النظام السوري، استخدمت فيه أسلحة ثقيلة وصواريخ، حالة من التمرد لدى الفصائل المعارضة الموالية لتركيا، ما يضع أنقرة أمام اختبار ضبطها للدفع بمحادثات التقارب مع نظام الأسد قدما.

وقال مقاتلو المعارضة ومسؤولون من الجيش السوري إن مقاتلين جهاديين شنوا غارات على عدد من مواقع الجيش في تصعيد لهجمات الكر والفر هذا العام، في آخر معقل تسيطر عليه المعارضة في شمال غرب سوريا.

ويعيش أكثر من ثلاثة ملايين شخص في المنطقة التي أصبحت ملجأ للكثير من النازحين، ومن بينهم مقاتلون من المعارضة مدعومون من تركيا وأسرهم فروا من مناطق سيطر عليها الجيش السوري المدعوم من روسيا.

وتصاعد الصراع الذي بدأ باحتجاجات سلمية في عام 2011 إلى حرب أهلية اجتذبت قوى أجنبية، وتسببت في أكبر أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية.

وقالت جماعة التوحيد الإسلامية المرتبطة بجماعة هيئة تحرير الشام الجهادية الرئيسية إن مقاتليها شنوا هجوما انتحاريا على الخطوط الأمامية في معرة موحص بجنوب محافظة إدلب، بالقرب من الحدود مع تركيا.

وقال أبوحمزة، وهو أحد أعضاء الجماعة، إن مقاتليها تمكنوا من مداهمة عدة “مواقع للعدو” وقتلوا عددا منه. وأضاف أبوحمزة أن الجماعة استخدمت أسلحة ثقيلة وصواريخ في أكبر هجماتها هذا العام.

وقالت هيئة تحرير الشام إنها كثفت الغارات والهجمات الانتحارية في الأشهر الثلاثة الماضية على مواقع للجيش السوري والجيش الروسي على طول الجبهات في شمال غرب سوريا.

التقارب مع دمشق أدى إلى قلق جماعات المعارضة السورية والفصائل الجهادية المتحالفة مع أنقرة من أن تتخلى تركيا عنها

وتعهد أبومحمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، هذا الشهر بمواصلة قتال الجيش السوري وحلفائه، بعد أيام على أعلى مستوى من المحادثات العلنية بين أنقرة وحكومة دمشق منذ بدء الحرب السورية في 2011.

وأدى التقارب إلى قلق جماعات المعارضة من أن تتخلى تركيا عنها. وتقدم تركيا السلاح وتنشر الآلاف من القوات في مناطق المعارضة، مما حال دون تقدم الجيش السوري المدعوم من روسيا.

وقال بيان للجيش السوري إنه دحر الهجمات بعد اشتباكات استمرت ساعات أسفرت عن مقتل أو إصابة 12 مهاجما.

وذكر بيان الجيش أيضا أن القوات الروسية ساعدته في الآونة الأخيرة في تدمير عدة مراكز لتدريب “الإرهابيين” في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب.

وقال سكان في المنطقة إن مواقع للجيش السوري قصفت عدة قرى في منطقة مرتفعات جبل الزواية القريبة، فيما كان انتقاما فيما يبدو لهجمات معرة موحص، مما أسفر عن مقتل مدني واحد على الأقل وإصابة عدة أشخاص.

وقالت مصادر من المعارضة إن طائرات حربية يعتقد أنها روسية قادمة من قاعدة رئيسية على الساحل السوري المطل على البحر المتوسط، كانت تحلق على ارتفاع شاهق، لكنها لم تشارك في القتال.

وذكر مصدران آخران أن جماعة جهادية أخرى، وهي أحرار الشام، هاجمت عدة مواقع للجيش السوري في ريف حلب الغربي المجاور الأسبوع الماضي.

ويشير مراقبون إلى ضرورة النظر إلى تصعيد هيئة تحرير الشام ضد النظام السوري من زاوية الاستدارة التركية باتجاه التطبيع مع الحكومة السورية، إلا أن أي تقارب أو أي مشروع مصالحة أو تطبيع مع دمشق يستوجب من الجانب التركي إعادة النظر في الحالة الفصائلية في شمال سوريا.

—————————–

التحالف المضطرب.. ما فرص حل القضايا العالقة بين واشنطن وأنقرة؟/ شيلان شيخ موسى

العلاقات الأميركية التركية تحيط بها العديد من القضايا العالقة، لا سيما صفقة طائرات “إف-16″، التي تُعد من أبرز القضايا العالقة بين البلدين، وكانت حاضرة بقوة خلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لواشنطن، يوم الأربعاء الفائت.

الدولتان؛ تركيا والولايات المتحدة تسعيان إلى تهدئة سلسلة من الخلافات بينهما، حيث تركّز الخلاف الأكبر على شراء تركيا صواريخ روسية الصنع، خلال زيارة جاويش أوغلو لواشنطن هذا الأسبوع، لكن التوقعات بإمكانية حل القضايا العالقة منخفضة، خاصة معارضة أعضاء “مجلس النواب الأميركي” (الكونغرس) بشأن شراء أنقرة مقاتلات من طراز “إف-16”.

زيارة جاويش أوغلو هي الأولى منذ تولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مهامها منذ ما يقرب من عامين، وقد طغت على هذه الزيارة ملف صفقة “إف-16” وحرب أوكرانيا ورفض أنقرة الموافقة على منح عضوية “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) للسويد وفنلندا.

هذه الزيارة تأتي في وقت تسعى فيه إدارة بايدن للنأي بنفسها عن تركيا، بسبب تنامي توجهات وسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي تقيّد الحقوق والحريات، بجانب سياسة حكومة أنقرة تجاه سوريا، من حيث خطط تركيا لشن عملية عسكرية في سوريا، و اعتزامها إعادة العلاقات مع حكومة دمشق.

أسباب خلافات البلدين

وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أشاد يوم الأربعاء الفائت، بالدور الذي لعبته أنقرة في التوصل لاتفاق الحبوب عبر الأسود، في وقت رجّح فيه نظيره التركي جاويش أوغلو موافقة واشنطن على بيع طائرات “إف-16” لأنقرة.

بلينكن، قال عقب استقباله جاويش أوغلو في العاصمة واشنطن “أحيي الدور الاستثنائي الذي لعبته تركيا في التوصل إلى ممر البحر الأسود لإيصال المواد الغذائية في العالم”، مضيفا “نحن حلفاء لتركيا، ولكن هذا لا يعني عدم وجود خلافات بيننا”.

تمر العلاقات الأميركية التركية بمرحلة شديدة التعقيد في ظل حرص الجانبين على إبقاء قنوات التواصل الدبلوماسية قائمة، حسبما يرى الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الأميركي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، والذي يعتقد أن الجانب الأميركي يشعر بأن القيادة التركية تلعب على الحبلين مستغلّة موقعها الجغرافي الاستراتيجي المميز لتحقيق المكاسب واستغلال الحرب الأوكرانية لتوسيع النفوذ الجيوسياسي، على سبيل المثال قامت تركيا بشجب الهجوم الروسي على أوكرانيا ولكن في نفس الوقت لم تؤيد العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو.

كذلك، تنظر الإدارة الأميركية بعين الريبة إلى الطموحات التركية، فهي متواجدة عسكريا في البوسنة و قطر، و تدخلت في الحرب الليبية والسورية ودعمت القوات الأذرية في حربها مع أرمينيا، وفق ما أضاف سنكري لموقع “الحل نت”. كما أن سلوك أردوغان الداخلي وسياسة التضييق على الحريات وحبس الصحفيين والتعامل مع الملف الكردي سواء في تركيا أو سوريا، يشكّل نقطة خلاف أساسي بين الدولتين، بحسب وجهة نظر سنكري.

أيضا، امتلاك تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي “إس-400” وتّر العلاقة مع واشنطن بشكل مباشر، حيث ردت الأخيرة بإقصاء أنقرة من برنامج “إف-35” وستزوّد أثينا، المنافس اللدود لأنقرة، بتلك المقاتلات، وفق سنكري.

ثمة نقاط خلافية أخرى بين واشنطن وأنقرة، مثل مسألة بنك “خلق” التركي، وفي السياق بدأت المحكمة العليا الأميركية، يوم الثلاثاء الماضي، النظر في استئناف تقدم به بنك “خلق” التركي في التّهم الموجهة إليه بانتهاك العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران.

هذا ويسعى البنك إلى إقناع المحكمة العليا أنه بصفته مصرفا مملوكا من الدولة التركية فهو يتمتع بالحصانة بموجب قانون حصانات السيادة الأجنبية الأميركي. واتهمت محكمة أميركية بنك “خلق” عام 2019 بالمشاركة في مخطط استمر مدة عام لغسل مليارات الدولارات من عائدات بيع النفط الإيراني في انتهاك للعقوبات الأميركية.

فرص إتمام صفقة “إف-16”

في المقابل، أعرب جاويش أوغلو، بدوره عن أمله في أن توافق الولايات المتحدة على بيع مقاتلات من طراز “إف-16” لتركيا، خلال اجتماعه في واشنطن مع نظيره الأميركي.

جاويش أوغلو، قال إن” أنقرة تريد بحث التعاون الدفاعي الثنائي خاصة طلبنا للحصول على طائرات إف-16″. وتوقع الوزير التركي أن توافق الولايات المتحدة على بيع طائرات “إف-16″، “تماشيا مع مصالحنا الاستراتيجية المشتركة”.

إدارة الرئيس بايدن تعتزم تقديم طلب للحصول على موافقة “الكونغرس” على بيع مقاتلات “إف-16” لتركيا وطائرات “إف-35” لليونان في عملية منفصلة، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” هذا الأسبوع.

بالعودة إلى الباحث في الشأن الأميركي، فقد قال إن زيارة وزير الخارجية التركية تأتي في سياق إبقاء العلاقات والتواصل والطلب المباشر ببيع مقاتلات “إف-16” للجانب التركي إضافة إلى 900 صاروخ و800  قنبلة وهو ما أحاط “البيت الأبيض” أعضاء “الكونغرس” به رغم وجود اعتراضات من العديد من الأعضاء عليه، حيث يرون بأن تركيا تبتز الولايات المتحدة، وتستغل الأوضاع القائمة لتعزيز نفوذها والكسب من الجهتين سواء من الجانب الغربي أو من الجانب الروسي. حتى إن بعض الأصوات تعالت بضرورة طرد أنقرة من “الناتو”، رغم عدم وجود آلية واضحة للقيام بهذه الخطوة.

الأعضاء البارزين في “الكونغرس” أكدوا للإدارة الأميركية موافقتهم على الصفقة مع تركيا والتي تزيد عن 20 مليار دولار، شريطة موافقة أنقرة لانضمام هلسنكي وستوكهولم لحلف “الناتو”، بجانب بعض الأمور الأخرى، وفق ما يعتقده سنكري أيضا.

هذا وترغب تركيا في الحصول على 40 مقاتلة “إف-“16، بالإضافة إلى قطع الغيار اللازمة لصيانة الطائرات التي تملكها من هذا الطراز وتحديثها. وأكد الرئيس بايدن، أنه يدعم تسليم هذه المقاتلات لتركيا خلال اجتماع مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على هامش قمة لحلف “الناتو” في مدريد حزيران/يونيو الماضي.

طائرات من طراز “إف-16” “إنترنت”

هذا وتقدمت الدولتان الاسكندنافيتان بطلبٍ للحصول على عضوية “الناتو” العام الماضي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن يتعين موافقة جميع الدول الأعضاء الثلاثين في الحلف على الطلبَين اللذين لم تصادق عليهما أنقرة والمجر بعد.

سياسة تركيا تجاه سوريا

بحسب تقدير سنكري، فإن كل ما يجري مع تركيا والسخط الأميركي الصامت يجعل صنّاع القرار في واشنطن يعتمدون مقاربة براغماتية بعيدة عن الأيديولوجية وتضع المصالح في المرتبة الأولى. حيث أصبح هناك شبه إجماع على أن واشنطن “إن أرادت قيادة العالم يجب أن تكون أكثر تواضعا وأن تتمتع بمرونة دبلوماسية ورسم خطط مستقبلية مبتكرة للسياسة الخارجية تتقبل بروز قوى إقليمية دون أن تشكل تهديد استراتيجي للمصالح الأميركية”.

بدوره، يرى مراقبون أن واشنطن لن تمضي على الأرجح في صفقة البيع ما لم يتراجع مينينديز عن معارضته، الأمر الذي يعتمد على مدى تغير سلوك أنقرة، سواء فيما يتعلق بسياساتها تجاه العديد من الدول، لا سيما روسيا وسوريا، أو موافقتها على عضوية السويد وفنلندا لحلف “الناتو”، فضلا عن تدخلاتها العدائية في شؤون بعض الدول الأخرى، مثل ليبيا وغيرها، بجانب سياساتها تجاه الحقوق والحريات داخل تركيا.

السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، قال في بيان “الهجمات المتكررة التي شنها الرئيس التركي أردوغان، على حلفائنا الأكراد السوريين واستمرار التقارب مع روسيا، بما في ذلك تأخير عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو، ما زالت تمثل أسبابا جدية للقلق”، مضيفا “كما قلت من قبل، لكي تستلم تركيا طائرات إف-16، نحتاج إلى تأكيدات بأنه سيتم معالجة هذه المخاوف”.

حول هذه المسألة، شدد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، على أن الولايات المتحدة تواصل دعم تسليم مقاتلات “إف-16” لتركيا مع الإقرار بمخاوف “الكونغرس”، موضحا “ما زلنا قلقين جدا بشأن استمرار المضايقات القضائية في تركيا لأفراد من المجتمع المدني والإعلام وقادة سياسيين ورجال أعمال”.

في العموم، يبدو أن حل القضايا الخلافية بين واشنطن وأنقرة ضئيل للغاية، طالما أن سياسة أنقرة هي “سياسة مصالحية”، وتستغل كل الظروف لجهة تعزيز نفوذها، كما لا يمكن دائما الوثوق بحكومة أنقرة، نظرا لأنها تغير توجهاتها بما يتماشى مع مصالح بلادها فقط، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية، وبالتالي فإن موافقة “الكونغرس” على بيع مقاتلات “إف-16” لأنقرة تبدو بعيدة بعض الشيء. لكن الملفات الأخرى، تبدو أبواب كل الاحتمالات مفتوحة أمامها، مثل الملف السوري.

الحل نت

———————————–

تصعيد في الجبهات السورية الساخنة/ عدنان الإمام و عدنان أحمد

شهدت العديد من المناطق الساخنة في الشمال السوري والشرق والجنوب، خلال اليومين الماضيين، اشتباكات وعمليات قصف وإطلاق نار، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من الأشخاص، وهي توترات تعكس أحياناً تعثر الاتصالات السياسية بين الأطراف الفاعلة على الأرض السورية.

وأصيب عدد من المدنيين بجروح، صباح أمس الجمعة، جرّاء قصف مدفعي استهدف مدينة إعزاز (ريف حلب الشمالي وتسيطر عليها قوات المعارضة السورية المدعومة تركياً)، مصدره مواقع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وقوات النظام السوري في ريف حلب الشمالي.

اشتباكات وقصف متبادل بين “قسد” والجيش التركي

وقال مصدر محلي لـ”العربي الجديد”، إن قصفاً مدفعياً مصدره مناطق سيطرة “قسد” وقوات النظام في محيط مدينة إعزاز استهدف الأحياء السكنية قرب القاعدة التركية في محيط المشفى الوطني في إعزاز، إضافة إلى الأطراف الجنوبية من المدينة، ما أسفر عن إصابة 8 مدنيين، بينهم 3 أطفال وامرأة، إضافة إلى 4 من عناصر الشرطة المحلية، جرى نقلهم بواسطة الدفاع المدني إلى المشفى لتلقي العلاج. كما تعرضت مدينة مارع في ريف حلب الشمالي، لقصف مدفعي مماثل دون تسجيل إصابات.

ويشهد الخط الفاصل بين مواقع “قسد” والنظام من جهة، و”الجيش الوطني السوري” (قوات المعارضة السورية)، والقوات التركية من جهة أخرى، الممتد من عفرين غرباً (ريف حلب الغربي)، وحتى جرابلس شرقاً (ريف حلب الشرقي على الضفة الغربية لنهر الفرات)، اشتباكات وقصفاً متبادلاً بشكل شبه يومي منذ سنوات، لكن القصف أمس تزامن مع الذكرى الخامسة لبدء عملية “غصن الزيتون” (يناير/ كانون الثاني 2018)، التي انتهت بسيطرة الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني” على منطقة عفرين.

من جهته، ردّ الجيش التركي أمس، بقصف مدفعي استهدف مواقع قوات النظام و”قسد” في قرى ارشادية ومرعناز وشوارغة ومالكية وأبين بريف حلب الشمالي، فيما قتل القيادي في “قسد” الملقب بـ”روجهات”، جراء غارة من الطيران المسيّر التركي استهدفت نقطة عسكرية في جنوب مدينة رميلان، شمال شرقي الحسكة. وأصيب في الغارة أيضاً 3 عناصر آخرين من “قسد”.

كما أصيب 4 عناصر جراء هجوم شنّه مسلحون مجهولون استهدف سيارة عسكرية تابعة لـ”قسد” على طريق الحسكة – الهول عند أطراف قرية “رد الشقرا”.

إلى ذلك، أُصيب 9 مدنيين، بينهم 3 أطفال، ليل الخميس – الجمعة، جرّاء قصف مدفعي وصاروخي من قبل قوات النظام استهدف منازل المدنيين ومحيط القاعدة التركية في بلدة قسطون الواقعة ضمن منطقة سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، شمال غربي سورية.

وأوضحت مصادر عسكرية عاملة ضمن غرفة عمليات “الفتح المبين” (فصائل عدة تهمين عليها هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقاً)، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الجيش التركي المتمركز في قسطون ردّ على مصادر النيران واستهدف، ليل الخميس – الجمعة، بأكثر من 7 قذائف نقاطاً عسكرية لقوات النظام والمليشيات الإيرانية ضمن معسكر جورين في منطقة سهل الغاب.

كما أعلنت الغرفة قنص عنصر من قوات النظام على محور البيضا في ريف اللاذقية الشمالي، واستهداف مواقع لتلك القوات بقذائف الهاون على جبهة بسرطون، غرب حلب.

وكانت قوات النظام قد استهدفت، الخميس، بقذائف مدفعية عدة، القاعدة العسكرية التركية في بلدة تديل بريف حلب الغربي، شمال غربي سورية، دون تسجيل إصابات.

ويأتي استهداف القاعدة التركية عقب عملية “انغماسية” لـ”هيئة تحرير الشام” على نقاط عسكرية لقوات النظام في بلدة أورم الكبرى بريف حلب الغربي، ما أسفر عن مقتل وجرح 12 عنصراً من قوات النظام.

تصعيد عسكري على وقع التطورات السياسية

ورأى المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور أن هذا التصعيد في عدد من الجبهات مرتبط في جزء منه بالتطورات السياسية الخاصة بسورية. وأضاف بكور في حديث لـ”العربي الجديد”، أن التصعيد بدأ مع العمليات الانغماسية التي قامت بها بشكل خاص “هيئة تحرير الشام” ضد قوات النظام خلال الأسابيع الماضية، وكان هدفها إيصال رسالة إلى الدول التي تسعى لفرض المصالحة مع نظام الأسد بأن الفصائل الثورية ترفض أي مصالحة وهي مستعدة للرجوع إلى الخيار العسكري.

وأوضح بكور أن تلك العمليات هي رسالة للحاضنة الشعبية للثورة بأن الفصائل التي توقفت عن شنّ العمليات العسكرية لأكثر من عامين كانت “في طور التجهيز والتأهيل للمعركة الفاصلة، وهي لن تتخلى عن المهجرين والمعتقلين ولن تنسى دماء الشهداء”، ورأى أنه “يمكن لتركيا أن تستفيد بشكل غير مباشر من هذه العمليات من أجل إظهار خطورة توجهها نحو التطبيع مع النظام للضغط على روسيا والنظام من أجل تحقيق مكاسب أكبر في المفاوضات”.

وأعرب بكور عن اعتقاده بأن الاتصالات السياسية للأتراك مع النظام يمكن أن تدفع إلى تصعيد عسكري على جميع المحاور، معتبراً في الوقت ذاته أن ما يحصل من تقارب تركي أميركي سيكون على حساب التقارب مع نظام الأسد.

إلى ذلك، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، أن قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي، والواقعة ضمن منطقة الـ55 كيلومتر عند مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، تعرضت أمس لهجوم من قبل طيران مسيّر مجهول المصدر، يرجح أنه تابع للمليشيات الإيرانية.

وأوضح المصدر أن الهجوم أسفر عن وقوع إصابات في صفوف قوات “جيش سورية الحرة” (جيش مغاوير الثورة سابقاً)، وسط استنفار لقوات التحالف في المنطقة. وأكد المرصد أن الاستهداف هو الأول من نوعه منذ أكثر من 5 أشهر.

من جهة أخرى، اعتقلت “قسد” بدعم من قوات التحالف، 5 عراقيين في مخيم الهول، شرقي الحسكة، أول من أمس الخميس، يشتبه بتنفيذهم عمليات اغتيال داخل المخيم، وفق مواقع كردية.

وكانت القيادة المركزية الأميركية قد أعلنت، الخميس، اعتقال مسؤول إعلامي بارز في تنظيم “داعش” خلال عملية مشتركة مع قوات “قسد” الأربعاء الماضي.

وفي جنوبي البلاد، قتل القيادي محمد علي الشاغوري الملقب بـ”أبو عمر الشاغوري”، واثنان من مرافقيه (أحمد خالد المصري ومحسن زيتاوي)، برصاص مجهولين اقتحموا منزله في بلدة المزيريب، غربي درعا.

وعمل الشاغوري قبل التسوية مع النظام، قيادياً في الجيش السوري الحر، وهو أحد الأشخاص الستة الذين طالب النظام بترحيلهم إلى الشمال السوري أثناء حصار مدينة طفس في مطلع عام 2021، والذين يتعرضون للتصفية تباعاً. وكان الشاب عبد السلام عوض القداح قد قضى أمس، أيضاً، متأثراً بجراح أصيب بها في اليوم ذاته، إثر استهدافه بإطلاق نار مباشر من قبل مجهولين في مدينة نوى، غربي درعا.

——————————-

في بازار التقارب التركي مع نظام الأسد/ عمر كوش

استدعى تسارع خطوات تطبيع علاقات تركيا مع نظام الأسد حراكاً ديبلوماسياً مكثفاً، تجسد في إجراء عدة زيارات ولقاءات واتصالات بين ساسة الدول المتدخلة في الوضع السوري، ليس آخرها زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى أنقرة قادماً من دمشق، التي جاء إليها بعد توقف قصير في بيروت، فيما سبقت زيارته إلى دمشق زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف.

وعلى العكس مما اعتبره محللون ومراقبون انزعاج طهران من التقارب التركي مع نظام الأسد، أو على الأقل تحفّظها عليه، كونه، على الأقل، جرى بعيداً عن مشاركتها في ترتيب خطواته، فإن عبد اللهيان عبّر في دمشق عن “سعادته” للتقارب التركي الأسدي، ونقل تلك “السعادة” معه إلى أنقرة، لكن موسكو يبدو أنها كانت غير متحمّسة لاستقبال المعبّر عن السعادة، فأجّلت زيارته إليها، بالرغم من أن الزيارة جرى ترتيبها في اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، وربما فضّل ساسة الكرملين التريث بانتظار ما تتمخض عنه زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، إلى واشنطن للقاء وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن.

ويشي كل هذا الحراك الديبلوماسي أن كلاً من إيران والإمارات تريدان أن يكون لهما دور، إما للعب دور الوسيط الحاضر كقوة ناعمة في حالة الإمارات، أو كقوة فاعلة في الملف السوري في حالة إيران، باعتبارها دولة توجد عسكرياً ومليشياوياً على الأرض السورية، وصرفت الكثير، سياسياً واقتصادياً، دفاعاً عن نظام الأسد، لذلك ليس مستغرباً أن يدور حديث عن استياء ساسة النظام الإيراني من بشار الأسد، لأنه لم يتشاور معهم قبل إرسال وزير دفاعه إلى موسكو، بالتزامن مع ما يشاع عن رفضهم تقديم قروضٍ ماليةٍ جديدة لنظام الأسد قبل أن يسدّد ثلث قيمة ديون سابقة مترتبة عليه وتفوق المليار دولار.

وفي المقابل، هناك الولايات المتحدة التي على الرغم من عدم اهتمامها كثيراً بالملف السوري، إلا أنها لا يمكن أن تبقى على الحياد حيال التطبيع التركي مع نظام الأسد، حيث أعلنت، في أكثر من مناسبة، رفضها تطبيع بعض الأنظمة العربية مع نظام الأسد، وعدم تأييدها التقارب التركي الذي يمكن أن يغير حسابات وتوازنات قائمة في الوضع السوري والمنطقة.

ويبدو أن بازار التقارب التركي مع نظام الأسد قد فُتح، لتدخل من بابه المزايدات بين الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، حيث بدأ كل طرف يقيم حسابات مصالحه فيه، فيما راح الطرفان التركي والأسدي يضعان مطالبهما أمام الطرف الآخر، والتي تبدو كأنها شروط مسبقة قبل إتمام صفقة التقارب وعقد المصالحة، وخلال مماحكات البازار استعان نظام الأسد بموقف حليفه الإيراني، كي يستقوي به ويرفع من سقف مطالبه، وهو ما جعله يذهب إلى حدّ إعادة التأكيد على شرطيه الأساسيين، المتمثل أولهما بإنهاء “الاحتلال التركي للأراضي السورية”، وثانيهما وقف كل أشكال الدعم التركي للمعارضة العسكرية والسياسية، الأمر الذي قابله الطرف التركي بالردّ على شروط النظام من خلال التذكير بأن تطبيع العلاقات معه ليس الخيار الوحيد أمام تركيا، وأن العملية العسكرية في الشمال السوري ما تزال على جدول الحكومة التركية، ويمكن أن تبدأ في الوقت الذي تراه مناسباً، حسبما جاء على لسان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن. واللافت أن مستشار الرئيس التركي ياسين آكطاي رفع سقف المطالب التركية، في مقال صحافي له، داعياً إلى فرض “سيطرة تركيا على مدينة حلب”، بوصفها السبيل الوحيد الممكن لتأمين عودة مليوني لاجئ سوري في تركيا. وسيرفض نظام الأسد هذا الطلب، ولا يريد الاستماع إليه.

والمثير للاهتمام أن اجتماع وزير الخارجية التركي بنظيره الأميركي لم يسفر عن أي تغير يُذكر في مواقف الجانبين، إذ لم يشر بيان الخارجية الأميركية إلى أي نقاش بين الوزيرين بخصوص التطبيع التركي مع نظام الأسد، فالمواقف ما تزال متباعدة، ولا مؤشّرات على وجود مقايضات في هذا المجال، حيث أتى البيان المشترك بعد انتهاء الزيارة على إعادة تأكيد التزام الطرفين بعملية سياسية بقيادة سورية، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، والحفاظ على التنسيق بينهما في محاربة الإرهاب، خصوصاً تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحزب العمال الكردستاني، أما جاووش أوغلو فكرّر الحديث عن استعداد بلاده للتعاون مع الولايات المتحدة، من أجل إعادة التركيز على سورية، لكنه، في المقابل، أعاد التذكير بأن واشنطن لم تف بوعودها السابقة، وخصوصاً موضوع خريطة الطريق الخاصة بمدينة منبج، التي كانت تقضي بإبعاد عناصر قوات سورية الديمقراطية عنها.

ويبدو أن معوقات وتعقيدات كثيرة باتت تعترض اللقاء بين وزير الخارجية التركي ونظيره في نظام الأسد، خصوصاً أن الساسة الأتراك سبق أن أرجعوا أسباب عدم عقده في يناير/ كانون الثاني الجاري إلى أن الموعد لا يناسب أنقرة، ثم عادوا إلى الحديث عن تأجيله إلى أوائل شهر فبراير/ شباط المقبل، ثم إلى منتصفه، مع عدم الجزم بالموعد الجديد المحتمل له. وذلك كله يدلّ على خطوات التقارب التركي مع نظام الأسد، باتت تستلزم تدخلاً من الساسة الروس، كي يضغطوا على النظام للقبول بما يقترحوه حول توسيع اتفاق أضنة عام 1998، بغية تسهيل خطوات التقارب، التي لهم مصلحة فعلية في تسريعها، وصولاً إلى عقد لقاء بين بشار الأسد والرئيس التركي أردوغان، والتمكّن من مساعدة الأخير في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا، للاستمرار في تأمين ما تحتاجه روسيا من تركيا في ملفاتٍ عديدة.

العربي الجديد

——————–

تركيا وسوريا.. مصالحة على وقع خطى حذرة/ فيصل اليافعي

ما بدأ في الخريف بخطوات صغيرة مترددة، انطلق بسرعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث باشرت تركيا وسوريا تحركات مفتوحة نحو نوع من أنواع المصالحة.

وكان قد تردد قبل أشهر قليلة الحديث عن عقد رؤساء المخابرات في كلا البلدين لاجتماعات متعددة بتشجيع روسي. وكثرت تلك اللقاءات خلال الأسابيع الأخيرة مرفوقة بعدد من اللاعبين في المنطقة.

وزار مبعوث رئاسي روسي العاصمة دمشق خلال الأسبوع الماضي للقاء الرئيس السوري، ثم ظهر وزير الخارجية الإيراني في العاصمة بعد يوم من ذلك. وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد استقبل قبل أسبوع وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة. والتقى وزيرا دفاع تركيا وسوريا في موسكو قبل أسبوعين من ذلك، لتشهد السنة الجديدة موجة من النشاط شمل جميع الأطراف المهتمة بالصراع المستمر منذ عقد.

التوترات لن تنتهي. فلا يمكن لأي قدر من التقارب تغيير المشكلة الأساسية التي يعاني منها نظام الأسد، أي افتقاره إلى الشرعية.

وتعدّ محاولة المصالحة حقيقية ومدفوعة بالزخم الذي أوجدته حرب أوكرانيا، إضافة إلى زخم انتخابات الربيع القادم التي سيتسابق فيها الرئيس رجب طيب أردوغان للبقاء على هرم السلطة. وأصبحت الدوافع التي تجذب البلدين إلى بعضهما البعض قوية جدا لدرجة أنهما سيجدان بالتأكيد طريقة للصلح والتغلب على انقساماتهما. لكن هذه الانقسامات لن تندثر. ومن المتوقع أن عودة المياه إلى مجاريها بين دمشق وأنقرة ستؤذي أطرافا متعددة.

ظاهريا، تبدو ملامح الخلافات بين البلدين واضحة. وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الأسبوع الماضي إنه “لا يمكننا الحديث عن استئناف العلاقات الطبيعية مع تركيا دون إنهاء الاحتلال”.

ويعني “الاحتلال” هنا أجزاء من شمال سوريا ينتشر عبرها جنود أتراك. وتعتبر هذه المناطق الحدودية حيوية لتركيا، حيث تؤوي غالبية قوات المعارضة السورية، وهي أساس ما تأمل أنقرة أن يشكل حلا جزئيا للتوتر المتصاعد في تركيا التي تستضيف الملايين من اللاجئين السوريين. وتتمثل خطة أردوغان في إعادة اللاجئين إلى مناطق في الأراضي السورية، لكن تحت سيطرة بلاده. وهذا ما يتطلب البحث عن صيغة مبتكرة للاحتفاظ ببعض هذه المناطق لاستمالة أصوات الناخبين الأتراك.

سيكون بعض هذه القضايا على الأقل مطروحا على الطاولة في أي مفاوضات مستقبلية مع دمشق حول عودة العلاقات الطبيعية. وهذا متفق عليه منذ سنوات. لكن الأمر المختلف هذه المرة هو الفرصة السياسية التي أتاحتها حرب أوكرانيا. فمع امتداد الصراع، أصبحت روسيا في حاجة إلى إعادة توجيه بعض قواتها بعيدا عن سوريا. وترى إيران في ذلك فرصة لملء الفراغ الذي تتركه هذه القوات.

لعبت روسيا منذ سنوات، بفضل تفوقها الجوي، دور موازنة كبيرا بين إيران وإسرائيل، بحماية سوريا من الهجمات الإسرائيلية في بعض الأحيان، والسماح لإيران بالتحرك ضد إسرائيل أحيانا أخرى. وقد تصبح لطهران مساحة أكبر للتحرك إذا تقلصت البصمة الروسية. وهو ما رحب به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ومهد لإمكانية المصالحة علنا في بيروت.

قد يكون صنع السلام أو بعض مظاهره مع دمشق أمرا خطيرا بالنسبة إلى أنقرة. فقد تسعى المعارضة السورية التي تعيش الآن أساسا تحت الحماية التركية للانتقام مما ستعتبره خيانة. ومع ذلك، يبقى الثمن السياسي للملايين من اللاجئين السوريين الذين يعيشون داخل حدود تركيا باهظا. وإذا كانت روسيا ملتزمة بالمغادرة، فستفضل تركيا انسحابا لا يترك للعملاء الإيرانيين حرية مطلقة.

قد يكون صنع السلام أو بعض مظاهره مع دمشق أمرا خطيرا بالنسبة إلى أنقرة. فقد تسعى المعارضة السورية للانتقام مما ستعتبره خيانة

يجب إجراء كل هذه الحسابات المعقدة بسرعة بعد سنوات كانت فيها وتيرة الاتصالات السياسية مجمّدة. ويصبح التوتر هنا الأساس الذي يقود إلى تقارب سريع، حيث خلق ضعف روسيا بسبب غزوها أوكرانيا فرصة سياسية مغرية. وكان الوضع الراهن مناسبا لدمشق وأنقرة، حيث يمكن لدمشق أن تشجب “الاحتلال” التركي لكنها لن تكون في حاجة إلى فعل أي شيء ويمكن أن تستمر في تقليص سيطرتها على المدن الشرقية المأهولة بالسكان التي تهتم بها حقا. كما يمكن لأنقرة أن تستغل سنوات الفوضى لتأسيس بنيتها التحتية على طول الحدود ودفع السكان الأكراد بعيدا عنها. إن البرد الطويل سيخدم مصالح الطرفين.

لكن الحرب الروسية في أوكرانيا أدت إلى تهدئة الصراع وتسابق جميع الأطراف الآن للاستفادة من كل ما يمكنهم إنقاذه. لتصبح النتيجة النهائية شبه متوقعة، وهي أن المزيد من المساحات في سوريا تعود إلى سيطرة النظام، مع عودة المزيد من السوريين المُرحلين من تركيا، وتوفر مساحة أكبر لعمل القوات الإيرانية داخل الأراضي السورية ودفع المزيد من الأكراد بعيدا عن الحدود. وستلقي المصافحة الرئيسية بظلالها على التوترات الأساسية إذا نجح الاتفاق على شكل من أشكال التعاون.

لكن هذه التوترات لن تنتهي. فلا يمكن لأي قدر من التقارب تغيير المشكلة الأساسية التي يعاني منها نظام الأسد، أي افتقاره إلى الشرعية. ولا يمكن لأي اتفاق يُبقي الملايين من السوريين خارج الحدود بشكل دائم، أو يجبرهم على العودة إلى مستقبل غير مؤكد، أن يكون قابلا للتطبيق.

وفي الاندفاع المتهور نحو العناق، ستحاول الأطراف طي هذه الاختلافات أو تأجيلها إلى مستقبل غير محدد. لكن على الذين يسعون لإنهاء الخلاف بين سوريا وتركيا أن ينتبهوا إلى الدروس التي أدت إلى بدايته، فكلما سعت الدولة السورية للتغلب على تشققات المجتمع، كلما خلقت الظروف المواتية للانفجار.

كاتب ومحلل سياس

العرب

—————————

ما نتائج المباحثات التركية – الأميركية على صعيد الملف السوري؟

أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مباحثات مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في 18 كانون الثاني الجاري، حيث بحث الجانبان قضايا مهمة من ضمنها الملف السوري والنقاط العالقة بين أنقرة وواشنطن.

البيان المشترك الصادر عن وزيري الخارجية في نهاية اللقاء، اكتفى بالإشارة للخطوط العريضة من حيث الالتزام بإنجاز حل سياسي في سوريا وفق القرار الأممي 2254.

وقبل وصول وزير الخارجية التركي إلى واشنطن، أرسلت أنقرة وفدا تقنيا دبلوماسيا واقتصاديا وأمنيا، أجرى مناقشات مع مندوبين من الخارجية والاستخبارات الأميركية على مدار أسبوع.

ملف “قسد” بين أنقرة وواشنطن

تطرح تركيا منذ فترة مستقبل “الإدارة الذاتية” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، حيث تحاول استثمار الظروف السياسية لتحقيق تقدم في تقويض المشروع بالكامل، خاصة ما يتعلق برفع يد “قسد” عن النفط السوري، وسحب الأسلحة الثقيلة بعد تراجع العمليات ضد تنظيم “داعش”.

وأفاد مصدر مطلع في واشنطن لموقع تلفزيون سوريا، بأن الولايات المتحدة الأميركية تتجه للموافقة على إرغام “قسد” على الانسحاب من بعض المناطق الحدودية مع تركيا، وإحلال مجالس عسكرية من المكون العربي مكانها، بالإضافة إلى الموافقة على إبعاد قائمة من الشخصيات المطلوبة لتركيا، وعرضها فكرة جمع الأسلحة التي يمكن أن تهدد الأراضي التركية، والتحفظ عليها تحت رقابة القوات الأميركية المنتشرة شمال شرقي سوريا.

ولا يبدو أن واشنطن منفتحة حتى اللحظة على فكرة مشاركة تركية مباشرة في هيكلة القوات التي ستحل مكان “قسد”، كما أنها لا تنظر بإيجابية لمسألة تعديل اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا، بما يوسع من صلاحيات الجيش التركي في مكافحة الإرهاب لتشمل 32 كيلومتراً من عموم الحدود التركية، حيث يجب التصديق على تعديل الاتفاقية في الأمم المتحدة دون تعطيل دولي.

بالمقابل، فإن واشنطن تراجعت عن ربط صفقة طائرات إف 16 لتركيا، بموافقة أنقرة على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، بما يتيح لتركيا التفاوض مع الدولتين بشكل مباشر على إيقاف دعمهما لتنظيم “قسد”.

الحل السياسي السوري

طرح الجانب التركي على واشنطن التنسيق بشكل أكبر في مسار الحل السياسي بالملف السوري، إذ باتت تشعر أنقرة مؤخراً بأن الأوضاع في سوريا لم تعد ضمن قائمة الأولويات الأميركية والأوروبية، وتحول تركيز تلك الأطراف إلى الصراع في أوكرانيا.

وترغب أنقرة بأن تبادر واشنطن إلى تخصيص مبعوث أميركي خاص إلى سوريا، وهذا يحقق لها هدفين، الأول ضمان زيادة الاهتمام الأميركي بسوريا، والثاني هو تخفيف سطوة بريت ماكغورك منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي على سياسات واشنطن المتعلقة بالملف السوري، لأن ماكغورك يعتبر من أهم الداعمين لتنظيم “قسد”.

وأبلغ الجانب التركي نظيره الأميركي، أن خطواته الأخيرة تجاه النظام السوري لا تهدف إلى إعطائه الشرعية، وإنما محاولة البحث عن حلول للملفات العالقة التي تؤرق أنقرة، مثل اللاجئين ومكافحة الإرهاب.

أوراق تركيّة للتأثير على واشنطن

تمتلك تركيا أوراقاً قوية يمكن لها من خلالها التأثير على واشنطن، ودفعها لتقديم المزيد من المكاسب لصالح تركيا خلال المباحثات التي من المفترض أن تستكملها اللجان المتخصصة.

ويبدو في هذا السياق أن النفوذ التركي في ليبيا وخاصة في منطقة غرب البلاد مهم للغاية، حيث تركز الولايات المتحدة الأميركية خلال الأشهر الأخيرة على تحرير حقول النفط وسط البلاد من سطوة فاغنر الروسية، بهدف توفير المزيد من إمدادات الطاقة إلى أوروبا، ويمكن لتركيا أن تلعب دوراً مهما كأن تكون بديلاً مقبولة لجميع الأطراف، يشرف على حماية حقول النفط وتأمين سلامة عملها.

وتزامنت زيارة جاويش أوغلو إلى واشنطن مع وصول رئيس جهاز الاستخبارات حقان فيدان إلى طرابلس، من أجل العمل على ترتيب البيت الداخلي للفرقاء في غرب ليبيا، بما يؤكد على امتلاك أنقرة للنفوذ الأكبر في المنطقة، كرسالة واضحة لمختلف الأطراف قبيل اللقاء التركي – الأميركي.

قوات من الجيش التركي في الشمال السوري (Yeni Şafak)

من جهة أخرى، فإن تركيا باتت تلوح بالتقارب بشكل أكبر مع روسيا، والتعاون معها في سوريا، في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة الأميركية على عزل موسكو عالمياً.

الواضح أن الزيارة التركية الأخيرة إلى واشنطن ساهمت في تخفيف حدة التوتر بين الجانبين، وإعطاء نوع من الزخم الإيجابي للعلاقات، لكن من غير المتوقع أن يكون هناك متغيرات كبيرة في المواقف والسياسيات خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، قبل الانتخابات الرئاسية التركية وما ستسفر عنه من نتائج، ويبدو أن أنقرة تريد تقليص المدة الزمنية للانتظار، ولذا فقد أعلن تحالف الحزب الحاكم عن التوجه لتبكير موعد الانتخابات بعد المباحثات في واشنطن.

—————————-

كيف تنظر إيران إلى الحوار بين أنقرة ودمشق؟

استحوذت الزيارة المزدوجة التي أجراها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان خلال الأيام الماضية إلى دمشق وأنقرة على المشهد السياسي المتعلق بهاتين العاصمتين، بعدما بدأت تركيا والنظام السوري خطوات لقطع محطات “خارطة طريق للحوار”، برعاية روسية.

وفي دمشق التقى عبد اللهيان رأس النظام السوري، بشار الأسد ونظيره فيصل المقداد، وأكد في تصريحاته الصحفية على دور بلاده في “أي حل سوري”، مذكّراً بالحديث عن مسار “أستانة” وضرورة المضي فيه سياسياً.

أما في أنقرة التقى المسؤول الإيراني الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ونظيره مولود جاويش أوغلو، وعاد ليؤكد على دور طهران وموقفها “السعيد” من التقارب الحاصل بين دمشق وأنقرة، وأن هناك ضرورة لتفعيل “أستانة” وتعديل صيغته، لكي تصبح “رباعية الأطراف”، في إشارة لضم النظام السوري.

ولم يسبق وأن تم التمهيد لهذه التحركات الإيرانية بين النظام وتركيا، وأعطى توقيتها مؤشراً على نية طهران الانخراط في أي عملية تقارب بينهما، ولاسيما أن المسار الذي ساد مؤخراً كان “ثنائياً” بين أنقرة وموسكو، وبدأ بأول اجتماع على مستوى وزراء الدفاع.

ويقول الباحث التركي في مركز “دراسات الشرق الأوسط” (أورسام)، إسماعيل ساري إن زيارة عبد اللهيان إلى أنقرة بعد رحلته في لبنان وسورية “مهمة”، لأنها حدثت في وقت كانت فيه “مفاوضات التطبيع” بين تركيا والنظام السوري مستمرة، وكان من المرج أن يلتقي الرئيس رجب طيب أردوغان ببشار الأسد.

ويضيف في مقالة تحليلية: “من المعلوم أن الأجندة الرئيسية لهذه الرحلة هي الحوار بين أنقرة ودمشق، والذي بدأ باجتماع وزراء دفاع ورؤساء المخابرات في الأيام الأخيرة من عام 2022”.

وكان عبد اللهيان قد أعلن للصحفيين، الأسبوع الماضي، أنهم يرحبون بالحوار بين تركيا وسورية، وأنهم يتوقعون أن تنعكس المحادثات بشكل إيجابي على العلاقات الثنائية، لكن على الرغم من أن إدارة طهران أعربت عن ارتياحها للحوار، إلا أنها غير راضية من استبعادها عن طاولة الحوار، وفق الباحث.

ويشرح أن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سورية قبل مجيئه إلى أنقرة تهدف إلى “توجيه رسالة إلى جميع الأطراف”، مفادها أن “العلاقات الإيرانية السورية لا تزال قوية، وأنه لا يمكن تجاهل إيران في الحوار مع دمشق”.

لماذا خارج المفاوضات؟

ولا يخفى على أحد أن تضارب المصالح بين أنقرة وطهران في التطورات السورية “شديد”، لدرجة أنه يؤدي أحياناً إلى صراع عسكري بين الجانبين.

لذلك يرى الباحث التركي أن “الحوار مع دمشق، الذي بدأ نتيجة تعاون أنقرة وموسكو اعتبرته بعض النخب السياسية الإيرانية محاولة لترسيخ مستقبل سورية بدون إيران”.

ويمكن تفسير حقيقة أن إيران، الشريك الثالث لمسار “أستانة”، ليست مشمولة في عملية الحوار التي بدأت مع دمشق على أنها “المؤشر الأكثر وضوحاً على تنافس إيران مع روسيا وتركيا في سورية”، وتباعد المصالح.

ويوضح الباحث ساري: “في عملية موازية بدون إيران، يمكن القول إن أردوغان وبوتين ينظران إلى العلاقات الثنائية بينهما على أنها أكثر توجهاً نحو الحلول من عملية أستانة”.

ولطالما سادت فكرة أن العوائق التي خلقتها إيران في عملية “أستانة” دفعت أنقرة وموسكو للتعاون بشكل ثنائي.

بالإضافة إلى ذلك، وبسبب حرب كاراباخ الثانية في سبتمبر 2020 وتزايد نفوذ تركيا وقوتها في جنوب القوقاز، بدأت علاقتها مع إيران تشهد “توتراً كامناً”.

في غضون ذلك، تستمر معارضة تركيا ورئيسها أردوغان في إيران بالازدياد، إذ ترى طهران أن “منافستها” لها ارتباط بري مع الجمهوريات التركية، نتيجة افتتاح ممر زانجيزور في منطقة القوقاز.

يقول الباحث: “كما أن إدارة طهران غير مرتاحة للسياسات الإقليمية التي يصفها الرئيس أردوغان بالعثمانية الجديدة، ولا تريد أن تفوز موسكو في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا العام”.

ولهذا السبب “لا يرون تطورات إيجابية مع سورية”، مما سيوفر لأردوغان مكاسب كبيرة في الانتخابات الرئاسية، بما يتناسب مع مصالحه الخاصة.

كيف تنظر إيران؟

في الجانب الإيراني، هناك رأي سائد بأن أنقرة لا تهتم بعملية “أستانة”، وأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين يريد استخدام نفوذ أنقرة داخل “الناتو”، لإدارة وتخفيف إجراءات الحلف ضده.

وتقر روسيا أنه بعد الحرب في أوكرانيا، أصبحت أولوياتها مع تركيا وإيران مختلفة للغاية ومتناقضة.

وعلى أي حال، فإن الأولوية الرئيسية لبوتين هي التركيز على الحرب في أوكرانيا، وفي هذا الصدد، فإن دور بلاده القوي في تليين العلاقات بين سورية وتركيا “لافت للنظر”.

يقول الباحث: “خلال حرب أوكرانيا على وجه الخصوص دفع تطور العلاقات بين تركيا وروسيا موسكو إلى مطالبة دمشق بإعادة تقييم العلاقات مع أنقرة، لأن إدارة بوتين تبدو راضية عن موقف تركيا فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا”.

ويمكن أيضاً قراءة الإصرار على وقف التصعيد في العلاقات التركية السورية على أنه دعم بوتين القوي لأردوغان، و”هذا يبرز مرة أخرى تأثير الحرب في أوكرانيا على التطورات في الشرق الأوسط ومستقبل سورية”، حسب الباحث.

هل الحل ممكن بدون إيران؟

هناك سؤال: إلى أي مدى يمكن لتركيا أن تتجاهل إيران في حوارها مع النظام السوري؟ وهو ما تطرحه النخب السياسية الإيرانية على نفسها.

وبحسب النخب السياسية تعتبر تركيا نفسها قوة صاعدة في العالم، وبالتالي فإن الرئيس أردوغان مصمم على متابعة مصالحه في سورية بهذه الثقة بالنفس.

ويقول الباحث: “إنه أمر غير وارد بالنسبة لبوتين، الذي يحتاج إلى دور تركيا ونفوذها ومكانتها، خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا، لإظهار مقاومة كبيرة ضدها في سورية”.

ومع ذلك، بما أن إيران لها وجود جاد ومهم في سورية، فإن لديها القدرة على إظهار المقاومة ضد تركيا. لذلك، يمكن أن تلعب دوراً “يغير قواعد اللعبة لإحباط خطط أنقرة”.

ويختم الباحث مقالته التحليلة بإشارته إلى أن “مصالح روسيا وتركيا تعتمد إلى حد ما على مصالح إيران، وأن الدول الثلاث لا تريد تصعيد التوترات والصراعات بين مصالحها، وأن المواءمة ضرورية”.

ومع ذلك، عندما تدخل “سورية” – في إشارة للنظام السوري – في عملية “إعادة الهيكلة”، لم يعد من الممكن توقع أن تلعب إيران دوراً رئيسياً في ذلك البلد.

“كما هو معروف دور إيران في الحرب السورية كان أمنياً، واليوم لا تملك القوة الاقتصادية اللازمة للمشاركة في إعادة إعمار سورية”. ويضيف الباحث: “تركيا ليست الدولة الأولى في المنطقة التي تفكر في استئناف علاقاتها مع دمشق. لذلك فإن إيران لا تهتم فقط بتطبيع العلاقات التركية السورية، بل هي قلقة أيضاً من عملية تطبيع الخليج مع دمشق”.

——————————-

===================

  تحديث 28 كانون الثاني 2023   

  ———————    

  مطالب الأسد من تركيا في الشمال السوري/ سميرة المسالمة

  تعتمد تركيا في تسويق عملية تطبيعها مع النظام السوري على وجود عامل مشترك يجمعهما، وهو العداء للكيان الكردي، الإدارة الذاتية، وهو على خلاف مستوى أهميته للطرفين، يبقى ملفّاً محورياً، حيث تراه تركيا أولوية متقدّمة، معتبرة أنه يهدّد أمنها القومي، وتربطه بحزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابياً، بينما تراه حكومة الأسد مجرّد أداة أميركية ينتقص من سيادتها على مواقع استراتيجية ويحرمها مورداً مهماً لاقتصادها الوطني، إلا أنه، في الوقت ذاته، لا يشكل وحده عامل حسم يلزم نظام الأسد بالاستفادة من العرض التركي لبدء عملية تطبيع العلاقات السورية ــ التركية على أعلى المستويات.خلال السنوات السابقة، تجاوزت حدود اللقاءات المشتركة بين الحكومتين الجانب الأمني، لتقف على حدود الاستثمار السياسي المنتظر من لقاء مرتقب الشهر المقبل بين وزيري خارجية تركيا والنظام السوري برعاية روسية، وضعت دمشق شروطاً تعجيزية لحصوله، حيث تتقدّم ملفات الانسحاب التركي من كامل الأراضي السورية، وملف المياه، ووقف الدعم السياسي والعسكري لفصائل المعارضة السورية، أولويات لفتح باب التطبيع مع حكومة الرئيس التركي أردوغان.تقرأ دمشق دوافع أنقرة الحالية للمضيّ في عملية التطبيع معها، من خلال حاجة حزب العدالة والتنمية (الحاكم) لكسب جولة انتخابية رئاسية ثالثة للرئيس أردوغان، رغم النفي التركي لأن تكون هذه الالتفاتة نحو تصفير المشكلات مع جوارها السوري تتداخل مع ملف الانتخابات المحلية. لكن الاتهامات لتركيا بأن خطوتها مجرّد مسكّن انتخابي يخفف من حدّة التجاوب الشعبي التركي مع ادعاءات المعارضة التركية، ويسحب منها ملفي التطبيع وإعادة اللاجئين السوريين، ووفق ذلك، تستفيد معارضة أردوغان من المحاولة التركية مع نظام الأسد بأنه اعترافٌ بتبديد إمكانات الدولة التركية 12 عاماً من سياسة الحزب الحاكم ضد سورية، ما يمكّنها من التشكيك في سياسة أردوغان المتأرجحة، وغير اليقينية من نتائجها، ما أدّى إلى تبديد مكتسبات تركيا الاقتصادية خلال العقد السابق من حكم “العدالة والتنمية”، وصعود اقتصادياته إلى أعلى مستوياتها، وهو ما يتيح اليوم أن يعتقد النظام السوري أن لديه الفرصة ليكون ورقة رابحة في بازار الانتخابات التركية وعامل ترجيح لكفّة الفائز بها.قد يفسّر تواصل المعارضة التركية ورسائلها مع نظام الأسد تبنّي دمشق اتباع خطوات مقابلة بطيئة لمبادرة الرئيس أردوغان في تطبيع علاقاته مع الأسد مباشرة، ليس فقط لتأكيد دعمها هذه المعارضة، أو بسبب انقلابات الموقف التركي في أكثر من ملفّ بين عداء وصداقة أو العكس، ولكن لأن استحقاقات التطبيع الذي تروّجه تركيا، وتحديداً ما يتعلق بإعادة مليون لاجئ سوري، تزيد من معاناة اقتصاد الأسد المتهالك، وتحمّله مسؤوليات أمنية جديدة. وكان قد أوضح سابقاً أنه يتعامل بتحرّكاته العسكرية والأمنية وفق أولويات سورية المتجانسة. ولذلك، يعرقل وجود مليون سوري من خلفيات معارضة لحكمه خطته في تدرّج توسيع مساحة سورية المتجانسة، وفق خطته التي يتّبعها جنوباً، ويريد تعميمها شمالاً.استفاد النظام السوري من استعادة سيطرته على الجنوب، وفق اتفاقية 2018، من تسليم المعارضة سلاحها الثقيل والمتوسط مقابل وجود روسي ضامن، وبعدها تسلّل إلى منافذ الحكم المحلي، واستعاد هيمنته على الجنوب، ومارس عملية تصفيةٍ ممنهجةٍ لكل خصومه، سواء بالإبعاد أو التهجير أو الاغتيال، ولا تزال عملياته مستمرّة، فيما تريد تركيا إغراقه شمالاً بمليون لاجئ قابل للزيادة، يرهقونه على كل المستويات، ويصعب تدجينهم تحت عباءة الدولة الأمنية من جديد، ما يفسّر طلبات دمشق بتقديم ملفات أمن المياه وتحرير كامل الأراضي ومحاربة الإرهاب على عودة اللاجئين.وعلى أهمية ما يقدّمه مشروع التطبيع التركي ــ السوري من فرصة كسر الحصار الأميركي على سورية، إلا أنه في ظل عدم إعلان الولايات المتحدة مباركتها هذه الخطوة، وبالتالي عدم تضمين المساحات التي تحت الحماية الأميركية، وتحديداً الحقول النفطية، ضمن عملية استعادة النظام سيادته على مناطق “الإدارة الذاتية”، فإن النظام السوري يعتبر الصفقة خاسرة، وقد تُفقده ما يحصل عليه حالياً من النفط بأسعار زهيدة من “الإدارة الذاتية” والمليشيات المحلية عبر تجارة غير قانونية، لا يستفيد منها الشعب السوري، وتتغاضى عنها الإدارة الأميركية، وفق تصريح لمنصة “إنرجي فويس” من جون بيل، الرئيس التنفيذي لشركة غلف ساندز البريطانية التي تمتلك 50% من مربع 26 لإنتاج النفط في شمال سورية. وحسبه، بالإمكان تطبيق الزيادة على مستوى إنتاج الحقول في سورية كاملة، موضحاً أن الكمية يمكن أن تصل إلى 500 ألف برميل يومياً، وبالتالي تحقيق عائدات تراوح بين 15 و20 مليار دولار وفق أسعار النفط، التي يقترح فيها أن تذهب هذه العائدات إلى تمويل مشاريع التعافي المبكّر والتحفيز الإنساني والاقتصادي في جميع أنحاء البلاد، ولمصلحة جميع السوريين.تحتاج سورية من تركيا الحصول على موافقة أميركية صريحة لعقد هذا التقارب لأسباب عديدة، منها أن الأخيرة تحصل على وثيقة رسمية بتخلي الولايات المتحدة عن “قسد”، ما يفتح المجال لها (حصل التقارب مع تركيا أو لم يحصل) لأن تفرض شروطها السابقة على “قسد” بالانضواء ضمن صفوف قوات الأسد صراحة، والإبقاء عليها ذراعاً تزعج من خلاله تركيا عند الحاجة. كذلك تفتح هذه الموافقة الأبواب على مصراعيها أمام الدول الراغبة في التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي، تسلل المشاريع التي يمكن تغطيتها تحت عنوان التعافي المبكّر، ما ينقذ اقتصاد الأسد الذي يعيش سكرات الموت، في ظل استمرار العقوبات الأميركية بكفّ يد المتصالحين معه من تنفيذ أجندة استثماراتهم. فهل تفتح تركيا لنظام الأسد نافذة الخلاص، سواء قبل بها صديقة وشريكة له في الشمال السوري، أو أبقاها على قائمة أعدائه؟

  العربي الجديد    

  ———————-    

  التقارب السوري- التركي والحنين إلى “العثمانيّة الجديدة”… كش ملك للإدارة الذاتيّة/ كريم شفيق

  ساهمت تركيا خلال الأزمة السورية، في استغلال الأمور لإعادة هيمنتها الجيوسياسية، بخاصة في ظل دعايتها لـ”العثمانية الجديدة”، التي ترى حلب كما الموصل ضمن مناطق نفوذها التاريخية تتعدد الحمولات السياسية وتداعياتها إزاء الانعطافة التركية تجاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا التحوّل في المواقف بين أنقرة ودمشق، في ظل الوساطة الروسية، يضغط على الملف الكردي، تحديداً مناطق الإدارة الذاتية، في شمال شرقي سوريا.  اصطفاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و”الأسد” مع ضغوط موسكو لتحقيق هذا التقارب، بعد قطيعة دامت نحو 10 سنوات، يؤشر إلى هدف مشترك بين الأطراف الثلاثة، وهو القضاء على الوجود الكردي، الذي ترى أنقرة فيه “تهديداً لأمنها القومي”، بينما تصنّف “وحدات حماية الشعب الكردية” منظمةً “إرهابية”، وتعتبرها ضمن “حزب العمال الكردستاني” الذي يخوض صراعاً مع تركيا، منذ ثمانينات القرن الماضي.  كما أنّ لموسكو مصلحة قصوى في تصفية حليف الولايات المتحدة في سوريا. ثم إنّ الأسد الذي اشترط إنهاء “الاحتلال” التركي لبدء محادثات مع أردوغان، تنتقل من الأمني إلى السياسي والديبلوماسي، يحتاج إلى إعادة فرض سيطرته على تلك المناطق الغنية بالنفط، والقضاء على التنظيمات الجهادية والفصائل المسلّحة في شمال غربي إدلب.  وبغض النظر عن الضغوط السياسية المحلية على أردوغان في إطار الاستقطاب الانتخابي بشن حملة عسكرية برية على شمال شرقي سوريا، فإنّ هذا التقارب المحتمل يفاقم التهديدات على الأكراد، وينهي إحدى أهم سردياتهم السياسية بخصوص العداء مع تركيا، في حال انسحاب الأخيرة من المناطق الكردية وحلول الحكومة السورية مكانها. وثمة تصعيد أمني لافت ونشاط مسلح من العناصر الجهادية، التي بدأت تتحرك على تخوم هذه المتغيرات الجيوسياسية، وقد نفذت بعض هذه الفصائل هجمات عنيفة على مواقع للجيش السوري جنوب محافظة إدلب. وفي ما يبدو، باتت الفصائل المسلّحة والجهادية تتخوف من غياب المظلة التركية ورفع الحماية والدعم عنها، وذلك في آخر المعاقل التي تسيطر عليها المعارضة. كما أنّ فلول تنظيم “داعش” الإرهابي كثفت حملاتها وهجماتها على مناطق نفوذ الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، بواقع 14 عملية مطلع العام الحالي، وفق ما أعلن “داعش”، و”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، مقره لندن، فضلاً عن تقارير صحافية أجنبية.  وثمة إشارات الى نشاط استباقي تقوم به التنظيمات المرتبطة بالمعارضة المسلّحة، التي تجد بيئة تتوافر فيها شروط الحركة، لتحقيق مصالح محددة والضغط على أطراف بعينها بالتزامن مع حديث المصالحة. وتخشى هذه الفصائل من التضحية بها ورفع الحماية عنها، وتحديداً من تركيا. وأعلنت “هيئة تحرير الشام” أنّها نفذت غارات وهجمات انتحارية ضد مواقع للجيشين السوري والروسي على طول الجبهات في شمال غربي سوريا، على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.  وقبل أيام، ذكر بيان للجيش السوري أنّ القوات الروسية ساعدته على تصفية مراكز تدريب “للإرهابيين” في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب. الرئيسة المشتركة في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، بيريفان خالد، تقول أنّ تركيا ساهمت، خلال الأزمة السورية، في استغلال الأمور لإعادة هيمنتها الجيوسياسية، بخاصة في ظل دعايتها لـ”العثمانية الجديدة”، التي ترى حلب كما الموصل ضمن مناطق نفوذها التاريخية. وقد باشرت تركيا، منذ احتلالها بعض المناطق السورية، صيف عام 2015، بدعم “المرتزقة” و”الإرهابيين” ومنهم تنظيم “داعش”. وهذه التوجهات التركية كانت تهدف الى إدامة الصراع في سوريا لتحقيق مصالحها السياسية، وفق خالد لـ”درج”. وتردف: “على رغم الممارسات التركية العدوانية، إلا أنها لم تنجح في تحقيق أهدافها، والتي ترتكز على حجج واهية وافتراضية لدورها الحالي في سوريا. بمعنى أنّ أردوغان والحركة القومية المتشددة في تركيا يدركان أنّ دور الأخيرة في سوريا لا حاضنة له”.  وترى الرئيسة المشتركة في الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، أنّ من بين دلائل فشل تركيا في سوريا، الاستدارة الى دمشق، الأمر الذي يكشف عن دور وظيفي لأنقرة يرتهن بمواقف قوى أخرى، مثل موسكو. وتتابع: “هذا التقارب البراغماتي يتناقض مع دعاية أردوغان التقليدية، والذي سبق وقال أنّه سيصلي في دمشق مع المعارضة التابعة له، والتي تحولت إلى بازار سياسي تركي لسوريا”.  وعلى رغم هذه التناقضات، فإنّ التطبيع لا يبدو مباغتاً بالنسبة الى الرئيسة المشتركة في الإدارة الذاتية، موضحة أنّ “زعماء تركيا السياسيين اعتادوا المناورات التكتيكية من موقع تحالفاتهم التاريخية المؤقتة والبراغماتية”. وبالتالي، فإنّ “ورقة المعارضة”، اليوم، هي مجرد “بطاقة ضغط على أيّ جهة في سوريا تراها تركيا مناسبة لتحقيق مصالحها كما هي الحال في ما يتصل بالتطبيع”.  وحول احتمال حدوث التطبيع قبل الانتخابات التركية، تقول خالد أنّ عملية التقارب “لا تبدو ممكنة وبالسهولة التي يتحدث عنها أردوغان”. وتلفت إلى أنّ هذه الخطوة لن تؤدي إلى شيء سوى تأزيم الوضع الأمني والسياسي في سوريا، وقد دمرت الحرب نحو 70 في المئة من أراضيها. بل إنّ الوتيرة المتسارعة تحركها جملة مصالح مشتركة، فـ”أردوغان يقف على أطرافه بسبب الانتخابات الرئاسية منتصف العام الحالي، بينما دمشق تبحث عن إعادة تعويمها إقليمياً ودولياً بأي شكل”.  ولمّح المصدر ذاته الى “إعادة تموضع جديد للإرهاب” في ظل التفاهمات بين أنقرة ودمشق. إذ إنّ التقارب السوري – التركي في حال نجاحه، ستكون له ارتدادات مباشرة وسلبية على شمال سوريا وشرقها، بخاصة مع التلميحات بخصوص اتفاقية أضنة، والتي، وإن وافقت عليها دمشق، تشرعن بذلك “الاحتلال التركي” في سوريا وتطلق يده، مرة أخرى، في المنطقة. وتختم: “مشروع الإدارة الذاتية مستهدف من تركيا بالطبع للقضاء عليه وإنهاء وجوده بشكل كبير. لكن، في ما يبدو، توجهات أردوغان في هذه المرحلة هي توجهات تكتيكية والهدف منها عبور آمن للانتخابات. وهنا أرجّح حدوث هجوم تركي جديد على مناطق الشمال السوري، وهي مسألة وقت، وذلك في حال عدم الوصول مع دمشق إلى أيّ نتائج ملموسة”.  وتؤشر زيارة وزير الخارجية الإيراني الى تركيا، مؤخراً، المتزامنة مع زيارة وزير الخارجية التركي الى واشطن، بعدما أُعلن عن تأجيل لقاء الأخير بوزير الخارجية السوري حتى مطلع شباط/ فبراير 2023، إلى وجود تحركات لافتة لفض اشتباكات والتباسات عدة، والانفتاح على الموقف الأميركي والغربي في شأن التقارب مع دمشق.  ويتعيّن النظر إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق في توقيت مماثل، وعرضه استضافة قمة تجمع بين الرؤساء السوري والتركي والروسي.  فالانفتاح الإماراتي على دمشق والزيارة الأخيرة للمسؤول الإماراتي، التي جاءت غداة إعلان أميركا رفضها التطبيع مع “الأسد”، يكشفان عن انخراط استكشافي لأطراف إقليمية (من دون استثناء تبعيتها للقوى الدولية) تتقاطع بينها المصالح. فمع المعطيات التي فرضتها الحرب الروسية- الأوكرانية، والتي خففت من الارتدادات السلبية على أردوغان وعلاقته المأزومة بالغرب وواشنطن، فإنّ الرئيس التركي بحاجة إلى مناورته في شرق الفرات لإنجاح فرص التفاوض في شأن ملفات عدة، منها التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط وحوض البحر الأسود وجنوب شرقي تركيا، ثم الحصول على المقاتلات الحديثة من طراز “إف 16″، ومسألة التوسع في حلف الناتو. إذاً، فإنّ لأنقرة ودمشق أهدافاً خاصة في ما يتعلق بهذا التقارب. الهدف الأهم بالنسبة إلى أنقرة في هذا التقارب، هو “تدمير وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وقوات الأسايش، بشكل كامل، في أبعادها العسكرية والمدنية”، كما يوضح الباحث التركي المختص في شؤون الشرق الأوسط، إسلام أوزكان. وذلك بما يجعل فرضية تدشين حكم ذاتي في المستقبل أمراً بعيد المنال. وفي ما يخص دمشق، فأهدافها مختلفة تماماً عن أهداف أنقرة بالطبع. ويمكن القول أنّ أنقرة لن تكتفي، هذه المرة، ببعض الحلول الموقتة في ما يتعلق بـ”وحدات حماية الشعب” من خلال الانسحاب من أجزاء معينة من سوريا، وفق أوزكان لـ”درج”، الذي يلفت إلى رغبة “الأسد” في “تدمير الشراكة الأميركية – الكردية وكسب الأكراد لحسابه ونطاق نفوذه”.  ووفق تقارير صحافية أجنبية، فقد رفض وفد دمشق فكرة تشكيل جبهة مشتركة ضد “وحدات حماية الشعب الكردية” و”قوات سوريا الديمقراطية”، خلال الاجتماع الأول بين الطرفين في موسكو.  ومع الاختلاف في الأهداف، فقد يؤدي ذلك إلى إطالة أمد المفاوضات وتعميق الخلاف بين أنقرة ودمشق. لكن، على المدى الطويل، من المؤكد أنّ “الطرفين سيتوصلان إلى حل وسط، إذ لهما بعض المصالح المشتركة”، يقول أوزكان.  ويتعين التركيز على العامل الروسي. إذ تبذل موسكو جهوداً غير عادية لتجسير العلاقات وتمتين الصلات بين أنقرة ودمشق. وذلك مذ أقنعت موسكو أنقرة بموضوع التقارب ولم يعد أمام دمشق خيار آخر سوى الخضوع لمطالب موسكو. وعليه، لم تعد دمشق قادرة على مقاومة مطالب أنقرة. فعلى الأقل، يفترض أن توافق على بعض مطالبها، مع الأخذ في الاعتبار بعض التحفظات الروسية في شأن تلبية جميع مطالب أنقرة.  وفي تصريحات للمعارضة السورية، هناك مطلب لتحويل حلب إلى منطقة حكم ذاتي أو منطقة شبه آمنة لعودة اللاجئين من تركيا، لا سيما بضمان تركي، إضافة إلى إيجاد آلية تمكّن أنقرة من التدخل فيها حال قيام عناصر موالية لدمشق بعملية عسكرية ضد المعارضة هناك.  ووفق الباحث التركي المختص بشؤون الشرق الأوسط، فمع معارضة البيت الأبيض هذا التقارب، فإنّ واشنطن ليست في معادلة التفاوض الحالية. ينذر هذا بإشكالية ومعضلة كبيرة بالنسبة لقوات وحدات حماية الشعب. وفي ظل هذه الظروف، يبدو من المستحيل على منطقة الحكم الذاتي البقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، قد تكون بعض الحقوق الثقافية والسياسية على جدول الأعمال كخيار يرضي الأكراد. يعني هذا الوضع أنّ لا خيار آخر سوى التفكك الكامل لـ”وحدات حماية الشعب” أو اندماجها في الجيش السوري.

  درج”   

  ———————–      

  ما جدوى لقاء الجالية السورية في أميركا بوزير الخارجية التركي؟/ العقيد عبد الجبار عكيدي

  على هامش زيارته لواشنطن في السابع عشر من الشهر الجاري، التقى السيد مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي بوفد من الجالية السورية في الولايات المتحدة الأميركية، وتمحور اللقاء حول المآلات الراهنة للقضية السورية في ضوء الخطوة التركية نحو التطبيع مع نظام الأسد. وتفيد أغلب المصادر أن هذا اللقاء كان ثمرة لجهود عدد من الناشطين السوريين الذين توزعت انتماءاتهم التنظيمية ما بين التحالف الأميركي لأجل سوريا والمجلس السوري الأميركي ومنظمات أخرى، فضلاً عن بعض الجهود الذاتية لبعض الأفراد. ولعل ما يجمع أصحاب هذا المسعى هو هدف رئيسي يتمحور حول التعرّف المباشر وعن قرب على طبيعة السياسة التركية حيال القضية السورية، وفحوى الانعطافة التركية الأخيرة تجاه نظام الأسد على وجه التحديد، وذلك في مسعى واضح لإيصال الموقف الحقيقي للسوريين من هذه الانعطافة أولاً، وللتأكيد بأن ما تقوم به أنقرة لن يعود بالنفع الكبير على تركيا ثانياً، فضلاً عن كونه مسعًى مجافياً للمصلحة الوطنية السورية، بل مُعزّز لمأساة الشعب السوري المستمرة منذ اثنتي عشرة سنة. ما ينبغي تأكيده هو أن هذا الحراك السياسي للجالية السورية – بمختلف انتماءاتها وأطرها التنظيمية – في الولايات المتحدة الأميركية، إنما يأتي استمراراً لحراك سياسي بدأ منذ سنوات بهدف مناصرة القضية السورية والتأثير على مراكز القرار الأميركية وإيصال الصورة الحقيقية لمعاناة السوريين من جرّاء ما يواجهونه من ممارسات نظام الإبادة الأسدي وحلفائه الروس والإيرانيين على الجغرافية السورية. وقد أثمر هذا الحراك السوري عن نتائج هي غاية في الأهمية، وخاصة فيما يتعلق بالجوانب الإنسانية لمعاناة السوريين، وتسليط الضوء على حقيقة السلوك الأسدي غير الإنساني في سوريا، ويمكن التأكيد على أن (قانون قيصر) الذي أقّرته الإدارة الأميركية منذ حزيران 2020، إنما كان في جزء كبير منه، ثمرة لجهود ناشطين سوريين أميركيين، وغني عن التعريف أن آثار هذا القانون باتت الحبل الذي يزداد ضيقاً على رقبة نظام الأسد وحلفائه – اقتصاديا وسياسياً – يوماً بعد يوم. ولكن هذا المسعى الوطني والحميد للجالية السورية في أميركا هل من الممكن أن يتحقق ما يماثله في مواجهة السياسة التركية الراهنة حيال القضية السورية؟ وما هي قنوات الفعل المتاحة لهؤلاء الناشطين للتأثير على السياسة التركية؟ وبالتالي ما هي النتائج المتوخّاة من لقاء الجالية السورية مع الوزير التركي؟ لعل البحث عن مقاربة موضوعية لهذه الأسئلة توجب الوقوف عند مسألتين اثنتين: أولاً – تنبغي الإشارة إلى أن مسعى الناشطين السوريين في أميركا باتجاه دعم القضية السورية من خلال التأثير على مفاصل القرار الأميركي إنما كان مسعًى يحظى بتوافق جميع أطراف المعارضة السورية، صحيح أن أصحاب هذا المسعى هم من خارج الأطر الرسمية للمعارضة، ولكن جهدهم كان موضع ترحيب من كل السوريين المناهضين لنظام الأسد وليس المعارضة السياسية فحسب، فضلاً عما لاقاه هذا المسعى من ترحيب ودعم من بعض الأطراف الدولية المنحازة للتوجه الأميركي حيال الأسد، كدول الاتحاد الأوروبي. أمّا فيما يخص السياسة التركية فإن هذا الإجماع يبدو منقوصاً، بل إن حالة الشرخ الكبير في مشهد المعارضة السورية تجعل مبادرة الناشطين السوريين في أميركا تسير باتجاه معاكس لما تسعى إليه جهات أخرى من المعارضة السورية، بل ربما يبدو الأمر أكثر صعوبة حين تكون بعض هياكل المعارضة الرسمية قد تماهت في قرارها مع القرار السياسي التركي، ولم تعد قادرة على إيجاد مساحات أخرى لأي توجه مخالف أو مستقل، وبالتالي فإنها لن تجد غير الالتزام بما تنتهي إليه السياسات التركية مهما كانت النتائج. ولعل هذا الانقسام في المشهد السوري ما بين موقف الكيانات الرسمية للمعارضة، والموقف الشعبي العام إنما يضع حدّاً للنتائج المتوخاة من هكذا لقاء. ثانياً – إن أي محاولة لإقناع الجانب التركي بالعدول عن مسعاه في التقارب والتفاوض مع نظام الأسد، ينبغي أن تكون مدعومة بعدد من أوراق القوة التي يحوزها الطرف الآخر، فإذا كانت أنقرة – حيال تقرّبها من الأسد – تدّعي البحث عن مصالحها السياسية والاقتصادية – على المستوى الداخلي والخارجي معا – فمن المفترض أن تكون لدى الأطراف المعترضة مشاريع أو وجهات نظر مقنعة بديلة، فضلاً عن كونها مؤثرة، وهذا ما لا تتوفر أي ملامح لوجوده لدى من التقى الوزير التركي، الذي غالباً ما يكون الحديث بالعموميات هو المخرج المناسب له للابتعاد عن أي حرج، ككلامه المتكرر عن الالتزام بالحل السياسي وفقاً للقرار 2254 كما يتردد على لسان جميع الأطراف، بما فيهم حلفاء الأسد، وعدم تخلي تركيا عن المعارضة السورية. وما لا يمكن تجاهله، أن آليات صنع القرار في الولايات المتحدة تختلف عما هي عليه في تركيا، فما من شك أن الوزير التركي قصد واشنطن وهو يحمل مهام وتوصيات محددة من الرئاسة التركية، وتكمن مهمته في التباحث مع الخارجية الأميركية حول ما يحمله من مهام فحسب، وفي هذه الحال يمكنه أن يسمع الكثير من الناشطين السوريين، ولكن لا يمكنه أن يقرر أو يتأثر بما يسمعه، فضلاً عن أن نتوقع تأثيراً للجالية السورية في التوجهات التركية، لكن رغم ذلك يبقى اللقاء مهماً بحد ذاته من جانب السوريين الذين أبلغوا رسالة شعبهم ولا شك للوزير التركي، من باب إبراء الذمة على الأقل.

  تلفزيون سوريا     

  ———————–    

  تطبيع إردوغان الأسد قد ينتهي حيث إنطلق/ بسام مقداد

  باستثناء الإتجار بالمخدرات وتحول سوريا إلى منافس عالمي لافغانستان، يكاد يكون حديث التطبيع التركي السوري الموضوع الوحيد الذي يذكّر العالم  هذه الأيام بالمأساة السورية. العالم في مكان آخر مشدود إلى تطورات حرب بوتين على أوكرانيا. وكما الإعلام العالمي، يولي الإعلام الروسي والناطق بالروسية إهتماماً ملحوظاً بموضوع التطبيع الذي يثيره أردوغان منذ أشهر. موقع المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC الذي أطلقته وزارتا الخارجية والدفاع ووكالتا الأنباء نوفوستي وإنترفاكس، ويترأس وزير الخارجية لافروف مجلس أمنائه، ويشكل الناطق بإسم الكرملين  بيسكوف أحد أعضاء هيئة رئاسته. ونشير إلى هذه المعطيات لنقول بأن النصوص التي تنشر على موقع المجلس ليست بعيدة عن رأي الكرملين الرسمي، ولا تذيل بالتعبير المعروف “رأي الكاتب فد لا يتوافق مع رأي هيئة التحرير“. نشر الموقع في 19 الجاري المستشرق المعروف وعضو المجلس كيريل سيمونوف نصاً بعنوان “سوريا وتركيا في البحث عن حل وسط: البراغماتية ضد الإساءات القديمة”. يرى المستشرق أن اللقاء الثلاثي الروسي التركي السوري في موسكو أواخر الشهر المنصرم  شكل حدثا مهماً في التغلب على العداء بين دمشق وأنقرة. ولذلك  قد يكون 2023 عام إنفراج في التسوية السورية وإعادة إطلاق العملية السلمية.  يقول المستشرق أن أردوغان أعرب للرئيس الروسي في إتصال هاتفي عن رغبته في إعادة التواصل مع الأسد وفق خطة من ثلاث مراحل تتوج باللقاء بين الرئيسين. وبترحيب من بوتين إكتسبت الرغبة شكل ما يسميه المستشرق “خريطة طريق” عمومية الملامح حتى الآن، وإعتبر لقاء موسكو الثلاثي المذكور الخطوة الأولى في تنفيذ هذه الخريطة.  الخطوة الثانية رآها في لقاء وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا الذي لا يزال في طور التنسيق، مع العلم أن وزير الخارجية التركي لم يستبعد إنعقاده أواخر الجاري أو مطلع الشهر القادم. لكن المعلومات الصادرة لاحقاً عن المراجع الرسمية التركية تشير إلى موعد متأخر أكثر، قد يكون آخر شباط/فبراير، حسب المستشرق.    الخطوة الثالثة والأهم على طريق تطبيع علاقات البلدبن ــــــ قمة الرئيسين التركي والسوري ستتوقف على نتائج لقاء وزيري خارجية البلدين. ويرى المستشرق أنه حتى إذا لم تتم هذه الخطوة، فإن عملية تطبيع العلاقات التركية السورية ستواصل تقدمها. ومن أجل هذا التقدم ينبغي أن تكتسب لقاءات جهازي المخابرات ووزراء الدفاع والخارجية طابع الإستمرارية. واعتبر أن تصريح وزير الدفاع التركي في ختام اللقاء في موسكو يشير إلى إمكانية هذه الإستمرارية، حيث قال  بأنه تم التوافق تم على مواصلة اللقاءات بصيغتها الثلاثية “من أجل الإستقرار في سوريا والمنطقة ككل“.  لكن المستشرق، وفي ما يشبه النعي المبرر لعملية التطبيع، يرى أن الخطوة الأولى قد تكون الأخيرة فيها أيضاً. يعيد “شبه النعي” هذه إلى توفر العديد من العوامل القادرة على عرقلة تقدم العملية، ويتدرج  في تعداد العوامل وفق مستوى قدرتها على التعطيل حسب رؤيته التي ترى في المعارضة السورية عامل التعطيل الأخير. لا يفرز المستشرق فقرة خاصة برفض الولايات المتحدة القاطع لعملية التطبيع، ويكتفي بالقول أن “من بين هذه العوامل يمكن إدراج موقف الولايات المتحدة. ويرى أن أميركا يمكن أن تمارس ضغوطا على أنقرة عن طريق تلبية بعض رغباتها في رفع الحظر عن صفقات السلاح المجمدة، والتي تفترض أن يؤدي إلى وقف الإتصالات بين أنقرة ودمشق “المزعجة جداً” للولايات المتحدة. أو عن طريق طرح مبادرات جديدة في مصالحة تركيا مع الكرد السوريين.  وكما هو متوقع، يخص موقف النظام السوري بشرح مسهب يرى فيه أن تعطيل التطبيع يمكن أن يحدث بسبب المطالب التي يعلنها النظام السوري شروطا لإنطلاق العملية، والتي لا يمكن لأنقرة أن تلبيها في الوقت الراهن. تشترط دمشق كخطوة أولية للقاء وزيري خارجية البلدين إنسحاب جميع القوات التركية  من  شمال سوريا، إلا أن مثل هذه الإنذارات بشأن الإحتلال التركي لا يمكن أن تقبلها تركيا، وهي منفصلة “بعض الشيء” عن الواقع إذا نظرنا إلى الوجود التركي في سوريا من حيث الجوهر، وليس عبر التصريحات الشعبوية.  في إطار تفنيده لعدم واقعية شروط ــــ إنذارات الأسد وعدم تمكن تركيا من الإستجابة لها، يقول المستشرق بأن وجود القوات التركية في إدلب “شرعي بالإجمال”، وذلك لأن القرار بدخولها هذه المنطقة لإقامة نقاط مراقبة إتخذته الجولة السادسة من مفاوضات منصة أستانة. ووفقاً لاتفاقات دول ترويكا أستانة، يمدد تلقائياً تواجد قواتها في منطقة خفض التوتر طالما لم تعترض إحدى هذه الدول. وإضافة إلى أنه لم تعترض أي منها حتى الآن، فإن دمشق نفسها رحبت في حينه بإتفاقات “أستانة السادسة” تلك.  وبعد أن يستعرض المستشرق، ومن وجهة نظر متوافقة مع التشجيع الروسي لعملية التطبيع، مصالح تركيا، روسيا ودمشق أيضاً في التطبيع، يجمع تحت عنوان واحد “الإجراءات المضادة المحتملة” لكل من الولايات المتحدة، الأكراد السوريين والمعارضة. ويرى أن واشنطن، وبالرغم من إعتراضها الحاد على مبادرة أردوغان، إلا أنها على إستعداد لتقديم عرض جيد لأنقرة.  يشير المستشرق إلى دعوة الأكراد السوريين المعارضة السورية الى توحيد الجهود في مواجهة التطبيع، ويقول بأن دول “الإئتلاف الدولي” تجهد لوقف الدعم التركي للمعارضة، وتعرض على الأخيرة مقابل ذلك إفساح المجال أمامها للمحافظة على سيطرتها على المناطق المتواجدة فيها باستثناء إدلب. وتقترح الولايات المتحدة على المعارضة توحيد المناطق الخاضعة للأكراد السوريين والجيش الوطني الحر، وتعد بتقديم “مساعدة واسعة” مع دول التحالف الأخرى، بما في ذلك المساعدة في الحصول على إعتراف دولي. موقع وكالة الأنباء الإتحادية الروسية Riafan التي تدخل ضمن إمبراطورية “طباخ بوتين” الإعلامية، نشر مطلع الجاري نصاً بعنوان “إتصالات ظرفية أم تطبيع كامل: ماذا يقول حوار وسوريا تركيا”. يقول الموقع بأن تركيا من جانب تصرح بإستعدادها للتواصل مع سلطات سوريا الشرعية، ومن جانب آخر تواصل دعمها للمقاتلين الراديكاليين من “ما يسمى المعارضة المعتدلة“.  ويستنتج الموقع من لقاء وزير الخارجية التركي مطلع الشهر مع قادة الفصائل السورية المعارضة أن تركيا، وعلى الرغم من إنفتاحها على دمشق الرسمية، إلا أته ليس في نيتها أن تقوم ب”تغيير حاد” في نهجها السياسي وتدخل في مفاوضات جدية مع دمشق. وينقل عن الناطق بإسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين قوله بأن أنقرة لن تتخلى عن دعم المعارضة، وأن ممثليها سوف يلعبون دوراً أساسياً في مستقبل سوريا.  ويرى الموقع أن أي تطبيع للعلاقات بين تركيا وسوريا من شأنه  أن يغير الصراع السوري، حيث أن “تركيا بالذات” هي التي كانت تدعم أولئك المقاتلين الذين يطلق عليهم الإعلام الأجنبي “المعارضة المعتدلة”، وهم مصرون على مواصلة الإحتفاظ بسيطرتهم على المناطق التي يتواجدون فيها شمال سوريا. ويرى الموقع أن من السذاجة الإفتراض أن تركيا وسوريا سوف تقدمان على تطبيع علاقتهما في المستقبل القريب. ويبدو أن الطرفين مستعدان للتعاون في مسائل معينة، لكن ليس لتغيير مقاربتهما للأزمة السورية ككل. 

  المدن   

  —————————–  

  العمليات الانغماسية في إدلب..تواطؤ بين تحرير الشام وتركيا؟

  بدأت هيئة تحرير الشام باتخاذ منحى أكثر توسعاً في هجماتها البرية المحدودة (انغماسية) ضد مواقع قوات النظام خلف خطوط التماس الفاصلة بينهما، منذ انخراط تركيا بعمق في مسار التطبيع مع النظام، وذلك عبر السماح لفصائل متحالفة معها ضمن مناطق سيطرتها بشن مثل تلك الهجمات، بعدما كانت حكراً على مجموعاتها وضمن ضوابط شديدة. توسّع العملياتوقالت مصادر ميدانية ل”المدن”، إن مجموعة من حركة أحرار الشام-القيادة العامة، شنّت فجر الثلاثاء، عملية انغماسية ضد نقاط لقوات على محور التفاحية في منطقة جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، موضحةً أن العملية أسفرت عن مقتل 6 عناصر من قوات النظام وإصابة آخرين.وأضافت المصادر أن المجموعة استهدفت بناءً مؤلفاً من طابقين يتمركز داخله عناصر من النظام، بقذائف محمولة على الكتف.وهذه المرة الثانية التي تشنّ فيها أحرار الشام مثل تلك الهجمات ضمن مناطق سيطرة تحرير الشام منذ بداية 2023، بعد هجوم مماثل على موقع لقوات النظام على محور ريف حلب الغربي قبل 10 أيام، أسفر عن مقتل وجرح 12 عسكرياً من قوات النظام. مسار التطبيعوالواضح، أن تحرير الشام سمحت بتنفيذ مثل تلك العمليات للفصائل المتحالفة معها بعدما كانت سابقاً ممنوعة بشكل قاطع عليهم بالتزامن مع انخراط تركيا في مسار التطبيع مع النظام. فقبل أسبوع نفذت مجموعة من “أنصار التوحيد” هجوماً على مواقع قوات النظام في قرية الموخص على محور جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.إضافة إلى ذلك، كثّفت تحرير الشام عملياتها بشكل منفرد، ونفّذت مجموعاتها الانغماسية 4 هجمات منذ بداية 2023، توزعت على محاور جبهات أرياف إدلب الجنوبي وحلب الغربي واللاذقية الشمالي خلف خطوط التماس، فضلاً عن 8 عمليات مماثلة خلال كانون الأول/ديسمبر 2022.ويرى العميد المنشق عن قوات النظام مالك الكردي أن تحرير الشام باتت تدرك أن أي اتفاق يدفع باتجاه التسوية السورية مع النظام ترعاه أطراف دولية، يعني بطبيعة الحال إنهاءها وتنحيتها هي وجميع المجموعات ذات الصبغة الإسلامية، وخصوصاً تلك التي تتشابه معها في الأيدولوجيا، معتبراً أن هؤلاء ليس لديهم فرصة إلا بتحقيق انتصار عسكري.ويقول الكردي ل”المدن”، إن لدى تحرير الشام رغبة في قطع احتمال الوصول إلى مثل تلك الحلول والاتفاق التركي-الروسي أحدها، لكنها في الوقت نفسه، لا تستطيع الدفع باتجاه تصعيد أكبر من شأنه أن ينقض اتفاق خفض التصعيد والدخول بمواجهة منفردة شاملة مع النظام وحلفائه من دون غطاء تركي. تواطؤ؟وكي لا تحرج تحرير الشام أنقرة أمام موسكو، فإنها فتحت الباب أمام مجموعات أخرى متحالفة معها لتحريك الجبهات العسكرية بهجمات برية محدودة، تحقق من خلالها أهدافها، وتسمح لها بالتنصل من مسؤولياتها أمام تركيا، عدا عن أن تحريك الجبهات بهذه الطريقة يعطي الحكومة التركية مزيداً من الوقت وفرصة جيدة لتجاوز الضغوط التي تمارس عليها من جهات داخلية عديدة والمنتقدين لسياستها تجاه النظام السوري.ويتفق الباحث في مركز “حرمون” للدارسات سمير العبد الله مع الكردي في تخوف تحرير الشام من أن يفضي الاتفاق في مرحلته الأولى الروسي-التركي إلى محاصرتها ضمن جيب وحيد في إدلب، ويفككها في نهاية المطاف.لكنه في المقابل، لا يستبعد في حديث ل”المدن”، أن تكون أنقرة على تنسيق مع تحرير الشام ضمن خطوات مسار التطبيع، بالتزامن مع الحديث حول فتح الطريق الدولية “إم-4” الممتدة ضمن مناطق سيطرتها، وبالتالي فإن تحرير الشام تسعى من خلال مثل تلك العمليات للحصول على مكاسب أكبر، وخصوصاً أن فتح الطريق يتطلب انسحابها إلى شماله عدا عن الجهة التي ستحميه.

  المدن  

  ———————    

  تركيا: لا تطبيع مع دمشق على حساب السوريين

  نفت هجوم قوات النظام على قاعدة لها في إدلب… و«تحرير الشام» تسيطر على مقر فصيل موالٍ بعفرينأنقرة: سعيد عبد الرازق جددت تركيا تأكيداتها، أنها لن تتخذ أي قرار في مسار التطبيع من نظام الرئيس بشار الأسد يؤدي إلى إلحاق الضرر، سواء بالسوريين المقيمين فيها أو أولئك الموجودين في مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا. وشدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، على أن بلاده لن تتخذ أي قرار من شأنه إلحاق الضرر بالسوريين في تركيا أو المقيمين في منطقة شمال غربي سوريا. وتناول أكار، خلال اجتماع مع قادة الجيش التركي ليل الاثنين – الثلاثاء، العديد من الملفات، من بينها مكافحة الإرهاب ومسار التطبيع مع النظام السوري الذي ترعاه روسيا، لافتاً إلى أن بلاده تستخدم العلاقات الدولية والدبلوماسية بشكل مكثف في مكافحة الإرهاب. وأشار أكار إلى أن الجانب التركي أوضح، خلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لوزراء دفاع وأجهزة استخبارات تركيا وروسيا وسوريا، أن تركيا عازمة على محاربة الإرهاب، وأنها لا ترغب في هجرة إضافية للسوريين، وتهدف إلى ضمان عودة الموجودين منهم لديها إلى ديارهم بطريقة طوعية وآمنة بعد استيفاء الشروط اللازمة. وأضاف «لدينا إخوة وأخوات سوريون، ونحن معاً، ولا مجال لنا لاتخاذ قرار في أي موقف من شأنه أن يضعهم في مأزق، وهذا الموقف يجب أن يعرفه الجميع ونتصرف على أساسه، نحن نتبع سياسة واضحة جداً في هذا الصدد». وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أكد، خلال اجتماع مع ممثلي الجالية السورية في نيويورك الجمعة الماضي، أنه جدد خلال الاجتماع دعم تركيا للعملية السياسية في سوريا وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وشدد أكار على أن تركيا تحترم سيادة ووحدة أراضي دول الجوار، وأن عملياتها العسكرية في شمالي سوريا والعراق تستهدف «الإرهابيين» فقط، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال الاعتداءات الإرهابية التي تطال أمنها وأمن مواطنيها. وأشار أكار إلى الهجوم الذي استهدف معبر أونجوبينار (باب السلامة) الحدودي من شمال سوريا مساء الجمعة الماضي، قائلاً، إنه «تم الرد على هذا الهجوم بالمثل وتم تحييد (قتل) 20 إرهابياً (من عناصر قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية غالبية قوامها)… لقد فعلنا كل ما يلزم القيام به، عند الضرورة وعندما يحين الوقت، ونحن مصممون على الاستمرار في القيام بذلك في المستقبل، ولا مجال لتقديم تنازلات للإرهابيين، وسوف نواصل كفاحنا بحزم لإنهاء الإرهاب». كانت وزارة الدفاع التركية أعلنت، السبت، أنه تم الرد على القصف الذي انطلق من مواقع «قسد» في تل رفعت بريف حلب واستهدف قاعدة تركية في مدينة كليس الحدودية في جنوب البلاد. ولفت أكار إلى أن القوات التركية تمكنت من القضاء على 134 إرهابياً (من عناصر «قسد») في شمال سوريا خلال الشهر الأخير. في سياق متصل، نفت رئاسة دائرة الاتصال في الرئاسة التركية ما تناقلته بعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الموالية لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية حول قصف قوات النظام السوري قاعدة عسكرية تركية في إدلب؛ ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى، مؤكدة أن تلك المعلومات عارية من الصحة تماماً. وجاء في نشرة لمركز «تفنيد المعلومات المضللة» بالرئاسة التركية حول الفترة من 16 إلى 22 يناير (كانون الثاني) الحالي، أن القصف لم يأتِ من جانب قوات النظام، وإنما من جانب قوات «قسد»، وأن القذائف سقطت في منطقة تدخل ضمن مسؤولية مخفر أونجوبينار الحدودي في كليس، ولم تتسبب بوقوع خسائر بشرية، وأن القوات المسلحة التركية ردت على الفور على مصادر النيران واستهدفت نقاط تمركز الإرهابيين وتمكنت من تحييد (قتل) 20 «إرهابياً». في الإطار ذاته، وقعت اشتباكات وجرى تبادل للقصف بين قوات «قسد» والنظام من جانب، وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا من جانب آخر، على محور مارع – الشيخ عيسى بريف حلب الشمالي. وقصفت القوات التركية والفصائل الموالية، بالمدفعية الثقيلة محيط مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي بالتزامن مع تحليق طائرات حربية روسية في أجواء المنطقة، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وأشار «المرصد» إلى مقتل عنصر من «الجيش الوطني»، جراء استهداف قوات النظام بقذيفة مدفعية نقطة حراسة تابعة للأول عند معبر أبو الزندين بريف مدينة الباب بريف حلب الشرقي. إلى ذلك، كانت القوات التركية والشرطة العسكرية الروسية سيّرتا، الاثنين، دورية مشتركة مع الجانب التركي في ريف عين العرب (كوباني) الشرقي، وهي الدورية رقم 124 منذ تفاهم سوتشي الخاص بوقف إطلاق النار ضمن عملية «نبع السلام» العسكرية التركية التي نفذت في شمال شرقي سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، والرابعة منذ مطلع العام الحالي. وتألفت الدورية من 7 عربات عسكرية روسية وتركية، وانطلقت من قرية غريب 15 كيلومتراً شرق عين العرب، وجابت، العديد من القرى قبل العودة إلى نقطة انطلاقها. من ناحية أخرى، كشف «المرصد» عن سيطرة «هيئة تحرير الشام»، ليل الاثنين – الثلاثاء، على مقرات عسكرية تابعة لفصيل «السلطان مراد»، الموالي لتركيا بالقرب من مبنى السرايا القديم وسط مدينة عفرين شمال حلب الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها. وأشار «المرصد» إلى أن عناصر «الهيئة» اقتحمت مقر «لجنة رد الحقوق والمظالم» التابعة لفصيل «السلطان مراد» بعد محاصرته ونشر القناصين على الأبنية السكنية في محيط المقر العسكري. ولفت إلى أن الهيئة كانت قد طلبت من فصيل السلطان مراد تسليمها جميع المقرات العسكرية التي كان فصيل «الجبهة الشامية» يتخذها سابقاً كمقرات له، إلا أن فصيل «السلطان مراد» رفض الطلب، لتبدأ «الهيئة» إرسال قوات عسكرية إلى محيط المقر العسكري وفرض حصار عليه من 4 جهات ونشر القناصين على الأبنية السكنية، ووجهت إنذاراً أخيراً بضرورة إخلاء المقر قبيل الهجوم عليه، وخوفاً من الصدام مع «هيئة تحرير الشام» انسحب فصيل «السلطان مراد» من المقر دون مقاومة. وتابع «المرصد»، أن قوة عسكرية أخرى توجهت إلى مقر آخر لفصيل السلطان مراد تقع خلف مبنى السرايا القديم، وسيطرت عليها أيضاً دون مقاومة تذكر. وكان المقر يعرف سابقاً باسم «مبنى مصرف التسليف الشعبي». وكانت المقرات التي سيطرت عليها الهيئة، مقرات عسكرية تابعة لفصيل الجبهة الشامية وانسحب منها بعد هجوم الهيئة والفصائل المساندة لها، على مدينة عفرين في أكتوبر الماضي، وطرد جميع مكونات الفيلق الثالث منها قبل أن تتدخل القوات التركية وتضغط على الهيئة للانسحاب.

  الشرق الأوسط،   

  ———————     

  تجربة “الإدارة الذاتية” الكردية/ عدنان علي

  مرّت قبل أيام الذكرى التاسعة لإنشاء ما يسمى “الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، وهي الذراع الإداري لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي – PYD” مع ذراعيه السياسي “مجلس سوريا الديمقراطي (مسد)، والعسكري “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). ومع الإعلان عنها، مطلع العام 2014، قالت “الإدارة الذاتية” إنّها ستأخذ على عاتقها النهوض بمهام الحكم المحلي في مناطق تبلغ مساحتها نحو ثلث مساحة سوريا، وتضم عدة ملايين من البشر، ينتمون إلى قوميات وأديان مختلفة، بالاعتماد أساساً على دعم ملموس من جانب “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة. والتقييم العام لأداء هذه الإدارة، وأداء مجمل حكم حزب “الاتحاد الديمقراطي” سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لا يقدّم نموذجاً يحتذى، ويصلح لتعميمه على بقية المناطق السورية، بحسب ما يقول المدافعون عن هذه الإدارة، حيث تسود غالباً الأساليب نفسها التي حكم بها نظام “الأسدين” (الأب والابن) طوال العقود الماضية، لجهة تفشي المحسوبية والفساد، وعدم احترام القوانين التي وضعتها هذه الإدارة نفسها. فضلا عن انتفاء مزاعم التمثيل لكل مكوّنات المجتمع المحلي، حيث ظل “المكّون الكردي” هو المتحكّم في القرارات الرئيسية على غرار “المكّون العلوي” في الدولة الأسدية، بينما يتم زج ممثلين شكليين عن بقية المكوّنات في بعض الإدارات، من أجل إعطاء انطباع مخادع عن احترام مبدأ التعددية. والواقع أن المتحكّم غالباً ليس مواطناً سورياً كردياً، بل هم قادة جبال قنديل من غير السوريين، ما يجعل حزب “الاتحاد الديمقراطي” مجرّد تابع للحزب الأم المتمثل في “حزب العمال الكردستاني – PKK” المصنّف إرهابياً حتى من جانب الولايات المتحدة. وبهذا المعنى، فإن تجربة الحكم المحلي لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، وإن كانت أفضل في بعض الجوانب من تجارب أخرى محسوبة على المعارضة السورية، وبالتأكيد أفضل من حكم نظام الأسد القائم على منظومتي القمع والفساد، فإنها ورغم الموارد المتاحة لها بحكم سيطرتها على معظم ثروات البلاد المعدنية والمائية والغذائية، وبرغم الدعم الدولي الذي تتلقاه، لم تتمكن حتى الآن من الارتقاء بأساليب عملها، حتى بوصفها “حكومة محلية”، فهي لا تمتلك جهازاً اقتصادياً أو قضائياً أو إدارياً محترفاً، بل حتى في المجال العسكري، الذي هو العمود الفقري لقوتها، ما زالت أجهزتها الأمنية والعسكرية تعاني من عدم الاحترافية، ويُسجّل باسمها انتهاكات يومية بحق مجمل مكوّنات السكّان، بمن فيهم الكرد أنفسهم، بينما يتم التضييق على كل صوت معارض، سواء كان عربياً أم كردياً، أم من أي مكون آخر. وبالتزامن مع سوء إدارة الموارد الاقتصادية والبشرية المتاحة، والشعور بالتهميش من جانب غالبية السكّان العرب، تعيش مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” حالة مستمرة من الصدامات والاضطرابات الاجتماعية والأمنية والعشائرية، في ظل انتشار البطالة والجريمة والمخدرات، ما تسبّب في هجرة متصاعدة إلى خارج البلاد، خاصة من جانب الشبّاب الباحثين عن مستقبل أفضل، أو الهاربين من عقوبة “الخدمة الإلزامية” في قوات “قسد“. وخلال السنوات الماضية، سعت بعض الأطراف، وخاصة الولايات المتحدة إلى “إقناع” المسؤولين في هذه الإدارة بضرورة تمكين العرب من المشاركة الفعلية في هياكل الحكم الإدارية والاقتصادية والعسكرية، مع تقليل نفوذ العناصر غير السورية، أو المحسوبين على قيادة “قنديل”، لكن هذه الجهود لم تكلل بنجاح كبير، وسرّبت وسائل إعلام كردية، مؤخّراً، خطة أميركية جديدة في هذا المنحى، تقوم على إخلاء الوحدات الكردية من مناطق في دير الزور والحسكة والرقة، وإفساح المجال لفصائل عربية للقيام بدور رئيسي بحفظ الأمن في تلك المناطق، لكن من غير المحتمل أن يكون لهذه الجهود أيضاً، نصيب على أرض الواقع. ورغم الإعلانات المتكررة من جانب مسؤولي سلطات الأمر الواقع في شرقي سوريا، عن تمسكهم بتجربة “الإدارة الذاتية” في أي حل سياسي مستقبلي، وهو ما يرددونه خلال مفاوضاتهم المتكررة مع ممثلي نظام الأسد في دمشق، فإنّ هذه التجربة لا تبدو قابلة للاستمرارية، ليس لأن نموذج الحكم الأسدي أفضل منها، بل لأنها قامت على نموذج مشابه، يعتمد الإقصاء والتفرّد بالحكم، ومحاولات العبث بالنسيج المحلي والديمغرافي، بهدف تطويع الوقائع وتزويرها، لصالح أجندة مجموعة محدودة من القوى المسيطرة التي لا ترتبط كثيراً بالأرض السورية، وبطموحات أهالي المنطقة، بمن فيهم الكرد. فضلاً عن محاولاتها العابثة والمقامرة للإفادة من الظروف المحلية والدولية لتحقيق مشاريع غير واقعية، منذ اختيارها عدم الوقوف مع الثورة السورية ضد نظام الأسد، وبناء تحالف ضمني مع “النظام” ضدّ الثورة، وصولاً إلى مراهنتها على قوى خارجية لفرض سلطة الأمر الواقع على المجتمعات المحلية، دون أن تفكر جدياً في إشراك هذه المجتمعات بحكم نفسها، والإفادة من الثروات التي تزخر بها مناطقها، كقاعدة متينة لبناء علاقة سليمة مع بقية أرجاء الوطن، حالما ينتهي الحكم الاستبدادي في دمشق.

  تلفزيون سوريا    

  —————————-     

  شروط الأسد أم الضغط الدولي.. لماذا توقّف تطبيع أنقرة مع دمشق؟

  لم يجتمع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره السوري فيصل المقداد، في الموعد الذي أعلنته الخارجية التركية في منتصف كانون الثاني/ يناير الجاري، في إطار مساعي تطبيع أنقرة مع دمشق. ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن اللقاء بين الوزيرين واستدارة التطبيع التركية مع دمشق “اصطدمت” بمطالب الأسد “القاسية”، بينما يعزيها آخرون إلى ضغوطٍ أميركية ودولية. وفي السادس من الشهر الجاري، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه قد يجتمع مع الرئيس السوري بشار الأسد في إطار عملية سلام جديدة، وذلك بعد أن اجتمع وزيرا دفاع البلدين ومسؤولي أجهزة الاستخبارات في موسكو، في أول اجتماع علني بعد سنوات الحرب في سوريا. ليخرج الرئيس السوري بشار الأسد، في الرابع عشر من الشهر الحالي، برد على جميع تصريحات التي صُدرت عن الساسة الأتراك قائلاً: “سوريا لن تسير إلى الأمام في الحوار مع تركيا إلا إذا كان هدفه إنهاء الاحتلال ووقف دعم التنظيمات الإرهابية”.أسرار مكشوفة وقال عمر رحمون، رئيس لجنة المصالحة في سوريا والتي تتبع للحكومة السورية، لنورث برس، إن هناك “تناقضات” في تصريحات المسؤولين الأتراك بشأن الملف السوري “بين التطبيع وعدم التطبيع وبين اللقاء وعدمه”. وأضاف أن الاجتماع بين وزيري الخارجية التركي والسوري لم يتم تحديد موعده بحسب التصريحات التي صدرت من دمشق. وأشار إلى أن مصالح البلدين هي التي تدفع عملية تطبيع العلاقات إلى الأمام، وأن مطالب دمشق “محقة” وهناك “إقرار من الجانب التركي بذلك وسيتم تلبية مطالبها”، وفقاً لكلامه. وفي تقارير سابقة لنورث برس، ذكر محللون سياسيون أن “الأسد يماطل” في دعوات اللقاء مع الرئيس التركي، حتى صدور نتائج الانتخابات التركية. فين قال آخرون أن التطبيع قد يكون “لعبة انتخابية” يخوضها أردوغان لسحب البساط من تحت معارضيه والظفر بنتائجها. واستبعد رحمون لقاءات سرية بين أنقرة ودمشق قائلاً: “لم يعد هناك أسرار في هذه العلاقة”.ضغوطات أميركية ولكن في المقابل يقول عبد الله الأسعد، رئيس مركز “رصد” للدراسات الاستراتيجية، إن تأخر اللقاء بين الطرفين هو “نتيجة الضغوطات الكثيرة على أنقرة لعدم التطبيع مع الأسد”. ويستشهد الأسعد بالتصريحات التي خرجت من واشنطن والتي قالت إن “نظام الأسد لا يمكن الوثوق به لما قام به من إجرام بحق شعبه”. وفي الـ 18 من يناير الجاري أكدت كل من الولايات المتحدة وتركيا، في بيان مشترك عقب زيارة وزير الخارجية التركي إلى واشنطن، على التزامهما بحل سياسي لسوريا وفق القرار الدولي 2254. البيان المشترك لم يتطرق إلى ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، لكن واشنطن كررت موقفها سابقاً أنها “ضد تعويم نظام الأسد”. وقال الجانبان إنهما ناقشا تزويد أنقرة بطائرات الـ إف 16، وبحثا أيضاً توسيع الناتو وملفات اقتصادية وأمنية. ويضيف عبدالله الأسعد في حديثه لنورث برس، أن هناك “رفض دولي كبير للتقارب بين تركيا ونظام الأسد وخاصة أميركا وأوروبا والسبب في ذلك اصطفاف نظام الأسد مع روسيا ضد أوكرانيا”.خيبة للآمال التصريحات الأخيرة من الجانب التركي والسوري أثارت موجة من الغضب في شمال وغربي سوريا، والتي تجلّت عبر مظاهرات وصفت محاولات التطبيع بـ “خيبة الآمال” في آخر جيب للمعارضة السورية. وقال يحيى مكتبي عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، “كنا ولا نزال نؤكد أن نظام الأسد لا يأتي منه إلا كل شر وضرر على الشعب السوري”. وأضاف أن المظاهرات التي خرجت “كانت رسالة واضحة ترفض أي تصالح مع نظام الأسد المجرم”. وشدد مكتبي على ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته في تطبيق القرارات الدولية وخصوصاً بيان جنيف 1 والقرار 2254. وأردف بأنه يجب الضغط على “نظام الأسد” لتحقيق نتائج ملموسة من العملية السياسية والتي ينبغي إلى تؤدي إلى انتقال سياسي.إعداد: إحسان محمد – تحرير: زانا العلي

  نورث برس    

  ———————–    

  عقبات كبيرة أمام إردوغان للمصالحة مع الأسد/ شارلز ليستر

  ركزت التكهنات في الأسابيع الأخيرة على ما إذا كانت تركيا باتت قريبة من تحقيق إعادة التعاون والتطبيع مع نظام بشار الأسد في سوريا.وكانت القمة التي عقدت في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول)، التي ضمت قادة الجيش والاستخبارات السوريين والأتراك، قد شكلت في حد ذاتها أكبر تطور في الاتصال عالي المستوى بين الحكومتين منذ عام 2011. ووُصفت تلك المحادثات بأنها «بناءة». وفي غضون أيام، زعمت تقارير إعلامية أن ثمة خططاً جارية بالفعل لعقد اجتماع لوزيري خارجية البلدين في منتصف يناير (كانون ثاني) الجاري، والهدف من هذه الخطوة تمهيد الطريق لعقد اجتماع رئاسي بعد ذلك بوقت قصير.على السطح، تشكّل هذه الموجة الأخيرة من التواصل مع نظام الأسد تطوراً كبيراً في الأزمة السورية المستمرة منذ ما يقرب من 12 عاماً. وباعتبارها الداعم والضامن الوحيد المتبقي للمعارضة السورية المدنية والسياسية والمسلحة، فإن إعادة التعاون التركي مع دمشق من شأنه أن يغير قواعد اللعبة.الشيء الذي تغير مؤخراً هو الانتخابات التركية الوشيكة المقرر إجراؤها في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) من العام الجاري. وأظهرت استطلاعات الرأي أن الضغوط المتصورة التي يفرضها وجود اللاجئين السوريين على الشعب والاقتصاد التركيين تأتي على رأس القضايا المؤثرة على نتيجة الانتخابات. وفي ظل معاناة الأتراك من آثار معدل التضخم البالغ نحو 90 في المائة، تحولوا للتعامل مع اللاجئين ككبش فداء.إن حقيقة أن إردوغان يعكس مثل هذه المشاعر اليوم ليس بالأمر المثير للاستغراب. ومن غير المستغرب كذلك أن تكون الوسيلة الجوهرية في فعله ذلك دخوله في مواجهة مع «حزب العمال الكردستاني». ويسعى إردوغان إلى التوغل مجدداً في شمال شرق سوريا ضد «قوات سوريا الديمقراطية»، مع التركيز على مدن كوباني ومنبج وتل رفعت. وحتى الآن، يبدو أن رفض روسيا إعطاء الضوء الأخضر لمثل هذه العملية قد أوقف خطط إردوغان. ولكن، في الاجتماع الذي عقد في موسكو، كان هذا هو الموضوع الذي استحوذ على الحيز الأكبر من تركيز وزير الدفاع التركي خلوصي آكار.وبالمثل، يمكن التنبؤ بدور روسيا كمُيسّر للاتصالات، نظراً للعلاقة المترابطة والمعقدة بشكل فريد بين موسكو وأنقرة فيما يخص سوريا وغيرها من القضايا. ومع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وما تبعها من كوارث بسبب المساعدات الكثيفة التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى كييف، يهدف بوتين إلى دق إسفين بين تركيا والغرب وتوجيه ضربة استراتيجية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما قد يجبر الولايات المتحدة على الانسحاب العسكري من سوريا. لذلك يبدو أن روسيا تقدم «جزرة» مناهضة «قوات سوريا الديمقراطية» لإردوغان، كشرط لتطبيع العلاقات مع الأسد. وإذا نجحت روسيا في قلب الموقف التركي تجاه سوريا، فإن التأثيرات غير المباشرة قد تعقد أيضاً الدور المفيد في الغالب الذي لعبته تركيا في أزمة حرب أوكرانيا، ما يزيد صعوبة الحسابات الجيوسياسية التي تميل حالياً لصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.وعلى الرغم من الموجة الأخيرة من التقارير الإعلامية والبيانات العلنية العديدة الصادرة عن أنقرة، علينا أن نأخذ نفساً عميقاً قبل أن نتبنى منظوراً محدداً. فقرار الحكومة التركية المشاركة في قمة موسكو والتحدث بصراحة عن التعاون مع نظام الأسد ليس مفاجئاً تماماً، ولا يمثل تغييراً كاملاً في السياسة التركية. فهو مجرد رفع لمستوى السياسة الحالية.في الواقع، تغيرت سياسة تركيا تجاه سوريا بشكل حاسم في منتصف عام 2016، عندما تخلى الرئيس إردوغان عن هدف إطاحة الأسد، وأعطى الأولوية لمكافحة الإرهاب وأمن الحدود بدلاً من ذلك، ولم تخفِ تركيا تغيير سياستها.ولتوقيت التطورات الأخيرة علاقة بالمشهد السياسي داخل تركيا، وليس بسوريا في حد ذاتها. ففي حين أن بوتين والأسد سيكونان سعيدين بطبيعة الحال، فإن الانتخابات التركية الوشيكة والمنافسة الشديدة بين «حزب العدالة والتنمية» الذي يتزعمه إردوغان وكتلة المعارضة التي يقودها «حزب الشعب الجمهوري»، تعني أن جميع الأطراف الثلاثة تشترك الآن في مصلحة مؤقتة في تغيير نبرة الخطاب العام. لكن، في حال جرى الكشف عن انفتاح باتجاه تقارب تركي كامل مع دمشق، فسوف يستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير من بضعة أشهر قبل أن يتحقق ذلك، إذ إن العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق شامل مرهقة للغاية. ففي جميع الاحتمالات، يدرك إردوغان ذلك جيداً، ويبدو مستعداً لهذا الأمر على طول الخط.وفيما يخص العقبات، فإن قضية اللاجئين هي الأكثر أهمية. فإذا افترضنا أن إردوغان هو الدافع الأساسي لإعادة التعاون مع نظام الأسد، من خلال الحاجة المتصورة لتحقيق عودة واسعة النطاق للاجئين السوريين إلى سوريا، فإن المرء يواجه الواقع الذي لا مفر منه وهو أن 3.5 مليون سوري في تركيا فروا من سوريا خوفاً من النظام، وفكرة أن المصالحة التركية السورية ستخلق ظروفاً يعود فيها السوريون إلى سوريا في ظل نظام الأسد الذي أعيد تمكينه بالكامل، هي ضرب من ضروب الخيال.كما أن احتمال التوصل إلى اتفاق هادف يغير قواعد اللعبة بين تركيا ونظام الأسد يبدأ في الانهيار، عندما ينظر المرء إلى الأولوية الأخرى لدى أنقرة، المتمثلة في مواجهة «حزب العمال الكردستاني». وتكمن المشكلة هنا في أن الشرط الأساسي لنظام الأسد للتعاون مع تركيا كان ولا يزال، منذ فترة طويلة، هو الانسحاب العسكري التركي من سوريا. إن تركيز تركيا الشديد على جعل دمشق تنقلب بقوة ضد «قوات سوريا الديمقراطية» من خلال عدسة «مكافحة الإرهاب» يتعرض للتقويض أكثر من خلال مطلب الأسد المضاد المتمثل في تصنيف تركيا جميع الجماعات المسلحة في جميع أنحاء شمال غرب سوريا على أنها منظمات إرهابية، ومعاملة المنطقة الشمالية الغربية على أنها «منطقة إرهابية».ولهذه الأسباب، فإن السؤال الأول لتركيا هنا المتعلق بالتوغل التركي، أو حملة القمع ضد «قوات سوريا الديمقراطية»، لا يبدو واقعياً بحال. فإذا كانت أنقرة مستعدة لقبول هذه الحقيقة الصعبة، فإن التدخل الأحادي الجانب في «كوباني» أو «تل رفعت» أو «منبج»، أو فيها جميعاً، سينهي على الفور مسار إعادة التعاون مع دمشق، وبالتالي إضعاف وضع إردوغان الانتخابي في الداخل.في نهاية المطاف، يمثل الارتفاع الأخير في مستوى الاتصال بين تركيا ونظام الأسد المرحلة الأخيرة من عملية طويلة، بدأت في منتصف عام 2016. ولم يكن التنامي اللاحق في التكهنات حول إطار الصفقة الكبرى واحتمالات حدوث تحول شامل في موقف تركيا في سوريا مدفوعاً بالحقائق أو المنطق، بل باهتمام جميع الجهات الفاعلة المعنية على المدى القريب بتقديم تصور لتغيير كبير.يتصرف إردوغان بدافع مصلحته الذاتية، وروسيا تتصرف من منطلق انتهازي، والأسد سيواصل اللعب متمتعاً بإحساس الأمان بعد أن بات خيار رحيله مستبعداً. فقد أوضح النظام في الأيام الأخيرة أنه ليست لديه مصلحة في منح إردوغان أي امتيازات انتخابية، وأن أي تقدم في الحوار سيعتمد على انسحاب تركي كامل من سوريا.في النهاية، فإن العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق لتغيير قواعد اللعبة تبدو هائلة، ولا يمكن التغلب عليها في غضون بضعة أشهر.

  الشرق الأوسط   

  ————————–     

  هل تؤخر التجاذبات حصول المصالحة التركية – السورية ولا تلغيها؟/ وليد شقير

  تخضع المصالحة التركية – السورية التي تسعى إليها روسيا منذ أشهر، وكان آخر خطواتها الاجتماع على مستوى وزراء الدفاع الروسي والتركي والسوري وقادة الاستخبارات بالدول الثلاث في موسكو يوم 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لتجاذبات عدة مما أخذ يرسم علامات استفهام حول إمكان تباطؤ الخطوات المقررة على هذا الصعيد. فما أعلنه الجانبان الروسي والتركي أنه سيعقب اجتماع وزراء الدفاع، اجتماع لوزراء خارجيتها، تأجل إلى مطلع الشهر المقبل بعدما كان منتظراً في النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي، لانشغال الوزيرين الروسي سيرغي لافروف والتركي ومولود جاويش أوغلو في زيارات إلى الخارج، أهمها الزيارة التي قام بها الأخير إلى واشنطن لأيام عدة منذ 18 يناير. إلا أن بعض الأوساط السورية المعارضة لم تستبعد أن يكون التأجيل حصل جراء الاعتراض الأميركي على الانفتاح على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي انتظار المحادثات التركية – الأميركية. التجاذبات التي تخضع لها هذه المصالحة متعددة الاتجاهات. وكان الكرملين أطلق جهوده لإتمامها للحؤول دون تنفيذ أنقرة تهديداتها باحتلال جزء كبير من شمال شرقي سوريا بعمق 30 كيلومتراً، بحجة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي عمادها حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” الذي يعتبره الجانب التركي إرهابياً ونسخة عن حزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا الذي تعتبره إرهابياً أيضاً. ماذا حققت زيارة أوغلو لواشنطن؟ أبرز هذه التجاذبات الرفض الأميركي لاتفاق تركيا كحليف في “الناتو” مع النظام السوري، في وقت عارضت واشنطن بدورها تنفيذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداته باجتياح الشمال السوري لأنها ترعى الوجود الكردي في هذه المنطقة ولها قوات وقواعد منتشرة هناك، لا سيما مناطق آبار النفط، هذا فضلاً عن أن الإدارة الأميركية ودول الغرب عموماً تتعاطى بحساسية عالية حيال أية خطوة تقدم عليها روسيا في ظل المواجهة الأميركية – الروسية في أوكرانيا، وتنظر إلى التعاون التركي مع الكرملين في الميدان السوري من هذه الزاوية. وفي العلاقات بين واشنطن وأنقرة ملفات عالقة مهمة أبرزها صفقة بيع طائرات “إف-16” المعلقة من الجانب الأميركي، التي كانت نقطة رئيسة على أجندة المباحثات التي أجراها جاويش أوغلو خلال زيارته العاصمة الأميركية، إضافة إلى عرقلة تركيا انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي بسبب احتضانهما بعض المجموعات الكردية التركية المعارضة. المعارضات السورية والمصالحة في موسكو وواشنطن التصريحات التي تناولت نتائج مباحثات جاويش أوغلو مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن اتسمت بالغموض وإبقاء الأمور معلقة، على رغم أن الأول أسبغ التفاؤل على مسألة حصول بلاده على طائرات “إف-16” بينما لفت بلينكن إلى “وجود خلافات بيننا”. فنتائج الزيارة في موضوع المصالحة التركية – السورية لم تتضح، في انتظار ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، وما إذا كانت أنقرة حصلت على ثمن ما من الجانب الأميركي في مقابل فرملتها المصالحة مع الأسد، كما يفترض بعض أوساط المعارضة السورية. وهل أن جاويش أوغلو قدم ضمانات بإيجاد ترتيبات تحفظ وضعية حلفاء واشنطن الأكراد، في حال جرى الاتفاق مع الأسد، خصوصاً أن الغاية الروسية المعلنة من وراء الإصرار على المصالحة هي تولي قوات النظام المناطق التي تسيطر عليها تركيا حالياً، لإبعاد القوات الكردية عن الحدود؟ وما وضعية القوات الأميركية الموجودة في المنطقة التي سيتولى الجيش السوري الانتشار فيها في حال نفذ الجيش التركي انسحاباً تشترطه دمشق ولو بالتدريج؟ جاويش أوغلو التقى في “البيت التركي” في نيويورك” ممثلين عن الجالية السورية المعارضة لنظام الأسد، التي تعتبر من اللوبيات المؤثرة مع الإدارة الأميركية ضد الحكم السوري. وتشير وسائل إعلامية مقربة من المعارضة إلى أن رموزها لعبوا دوراً في تشجيع إدارة الرئيس جو بايدن على إحداث تقارب مع أنقرة، وأن الأخيرة على علم بهذا الدور على رغم الخلافات بين الدولتين نظراً إلى التأثير التركي المهم في الميدان السوري. هذا في وقت تتحدث مصادر دبلوماسية عربية في موسكو عن أن بعض وجوه المعارضة تجري اتصالات مع القيادة الروسية من أجل مواكبة جهودها لمصالحة أنقرة ودمشق. وتنقل هذه المصادر عن مسؤولين روس أن المعارضين السوريين يناقشون مع مسؤولين روس مبدأ إيجاد دور للمعارضة في أية تركيبة سياسية للحكم إذا نجحت المصالحة. جاويش أوغلو تحدث عن الاستعداد للتعاون مع أميركا بشأن سوريا مضيفاً: “لكن واشنطن لم تف ببعض وعودها السابقة”، قاصداً بذلك إبعاد “قسد” عن الحدود، لا سيما في منبج. أما الجانب الأميركي فتحدث عن “علاقة بناءة للغاية” مع أنقرة، وأشار إلى أن “تركيا عانت الهجمات الإرهابية على أراضيها أكثر من أي حليف آخر من الناتو”. وامتدح المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس الدور التركي في محاربة الإرهاب، بعدما كانت حجتها لمعارضة العملية العسكرية التركية في الشمال السوري أنها تعيق محاربة “داعش”. إيران وهواجسها حيال الانفتاح العربي النوع الثاني من التجاذبات هو أن آلية المصالحة التركية – السورية التي ترعاها موسكو بدأت من دون تنسيق دمشق معها، على رغم أن المصادر الدبلوماسية الروسية كانت أبلغت “اندبندنت عربية” أن الاتصالات التمهيدية للقاء وزراء الدفاع الروسي والتركي والسوري، تمت في ظل إبلاغ موسكو بأهدافها وخطواتها. وهو ما عاد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وأكده في حديث أدلى به إلى تلفزيون “الشرق” في 22 يناير. فإيران لها نفوذ قوي على الأرض في بلاد الشام عبر وجود “حرس الثورة” الإيرانية والميليشيات الموالية لها وهم بعشرات الآلاف، وينتشرون في كل المناطق ما عدا شمال شرقي بلاد الشام. وسعت هذه الميليشيات إلى الاقتراب قدر الإمكان من المناطق الشمالية، تحوطاً، وبذريعة مؤازرة جيش النظام السوري في قتاله مع “الإرهاب” أو في حال حصول انسحابات ميليشيات كردية من بعض المناطق. تجمع مصادر المعلومات على أن سبب زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان المفاجئة إلى دمشق في 14 يناير، ثم أنقرة في 16 يناير تمت بعدما نقلت قيادة “حزب الله” إلى القيادة السورية عتب طهران على الجانب السوري لأنه لم يطلعه على تسارع اللقاءات الروسية – التركية – السورية أواخر الشهر الماضي، ولا على خلفية زيارة وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد إلى دمشق مطلع يناير. وفي رأي العارفين بهواجس طهران أن أكثر ما يزعجها بعض مظاهر الانفتاح العربي على دمشق، خشية أن يحصل على حسابها. لكنها تبلغت من الجانب الروسي أنه يعمل مع بعض دول الخليج على تطوير الانفتاح العربي على دمشق، مما خفف من اعتراضها العلني على الأقل فأصبحت تتحدث بإيجابية عن أي تقارب عربي أو غير عربي مع سوريا على أنه “لصالح الاستقرار والسلام”. طهران لم تكتف بإيفاد الأسد الدبلوماسي أيمن سوسان إليها لإطلاعها على الحدثين، فانتقل عبداللهيان إلى بيروت، حيث أجرى لقاءات مع كبار المسؤولين فيها، ومع الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، وأعلن أن زيارته جاءت تلبية لدعوة رسمية، فيما نفى مصدر رسمي معني لـ “اندبندنت عربية” أن يكون أي من وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب أو رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وجه دعوة إليه. وأفادت مصادر متصلة بـ”حزب الله” أن وجهة عبداللهيان الأساسية كانت زيارة جاويش أوغلو قبل يوم من مغادرته إلى واشنطن، وأنه أراد المرور ببيروت لأن “الحزب” هو الذي تولى لوجستياً تنسيق مواعيده في العاصمة السورية مع الأسد ونظيره فيصل المقداد ومن أجل توجيه رسالة إلى خصوم طهران الدوليين والإقليميين بدورها الفاعل في لبنان، رداً على الحملات ضدها. طهران لتوسيع صيغة “أستانا” وطاولة المصالحة وزيارة العاصمة السورية جاءت في سياق تأكيد نفوذ طهران فيها تحت غطاء التحضير لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا وتركيا، على رغم أن موسكو نسقت معها في شأن المصالحة بين أردوغان والأسد. ومع أن بعض الأوساط فهم عتب طهران على دمشق بأنها منزعجة من المصالحة، فإن المصادر المطلعة على الاتصالات التي أجرتها موسكو مع الجانب الإيراني تؤكد العكس، بل هي تؤيدها، لكنها تريد أن تكون على طاولتها، وتطمح إلى دعوتها للاجتماعات الثلاثية بحيث تصبح رباعية، لأنها تعتبر أن لا حلول لأزمات سورية من دون مشاركتها. ومن هنا التركيز بعد محادثات الوزير الإيراني في دمشق وأنقرة على أن المصالحة تتم في إطار صيغة “أستانا” للتعاون الروسي – التركي – الإيراني في سوريا، التي نشأت في العاصمة الكازاخية في يناير 2017 . كما أن المستشار الأول للوزير الإيراني علي أصغر خاجي لمح إلى تطوير صيغة “أستانا” بضم سوريا إليها، بموازاة حديثه عن إمكان انضمام إيران إلى الثلاثي الروسي والتركي والسوري. ونسب عبداللهيان إلى بلاده أنها سعت إلى التقارب التركي – السوري بقوله بعد لقائه جاويش أوغلو في أنقرة: “إننا سعداء بالتغير الملحوظ في العلاقات بين دمشق وأنقرة، لأن الجهود التي بذلتها بلادنا في السنوات الماضية، في هذا الخصوص باتت تؤتي ثمارها”. كما أن طهران تهتم لمعرفة المدى الذي ستذهب إليه أنقرة في طرح بعض المسائل ومنها الحل السياسي ومسألة عودة النازحين السوريين إلى المناطق الشمالية وغيرها، لا سيما أن الميليشيات الموالية لها انتشرت في بعض هذه المناطق. والمحادثات الثلاثية التي جرت في موسكو تركت الباب مفتوحاً لتشكيل لجان فنية عسكرية وأمنية من أجل تحديد الأماكن التي يمكن أن يشملها الانسحاب التركي على مراحل وحلول قوات جيش النظام السوري مكانها. وفي رأي المتابعين للتحرك الإيراني أن طهران تريد أن تحدد دور قواتها إلى جانب الجيش السوري في حال حصل الانسحاب التركي. المراقبون للجهود الروسية مع كل من سوريا وتركيا، يدعون إلى رصد مدى تأثير التجاذبات التي نشأت على إطلاق الكرملين دينامية المصالحة، في تأخيرها، لكن هؤلاء يستبعدون وقفها.

  اندبندنت عربية

  ———————————     

  “ورقة تقليص النفوذ”.. كيف سيؤثر التقارب بين تركيا والنظام على إيران؟

  بالرغم من أن المحادثات الأخيرة بين تركيا والنظام السوري تتقدم بوساطة ورعاية روسية، تتجه الأنظار نحو مواقف الدول الأخرى المعنية بالملف السوري، ومن بينها إيران، التي تراقب التطورات “بعناية”. التصريحات التي أدلت بها إيران بخصوص هذه المحادثات تشير في ظاهرها إلى ترحيب إيراني بعملية التقارب بين تركيا والنظام، لكنها تريد في الوقت ذاته المشاركة بالعملية ودعمها وأن يكون لها “دور بنّاء”، بحسب ما نقلت شبكة “بي بي سي” بنسختها الفارسية عن مصادر في طهران. واتضح ذلك من خلال التحركات الإيرانية، التي تلت لقاء وزراء دفاع تركيا والنظام وروسيا، في موسكو الشهر الماضي، إذ أجرى وزير خارجية إيران زيارة إلى دمشق التقى خلالها بشار الأسد، واتجه بعدها إلى تركيا للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته. وقال كبير الخبراء في مركز الدراسات الإيرانية والأكاديمي في جامعة مرمرة، بيلغيهان ألاغوز، لشبكة “بي بي سي” بنسختها التركية، إن التصريحات الصادرة عن دمشق عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني لها لم ترضِ تركيا، لذلك فإن الضغط الذي تمارسه إيران على سورية واضح تماماً، حسب قوله.“نفوذ إيران” ورقة بيد الأتراك في تقرير لها، اليوم الأربعاء، نقلت “بي بي سي” التركية عن مسؤول أمني تركي رفيع، قوله إن “استمرار المشاكل بين تركيا وسورية يوفر في الواقع مساحة لإيران والولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب”. وأضاف أن إيران، التي لا تريد أن تفقد المنطقة التي فازت بها في سورية، تغذي الصحافة الدولية بأخبار سلبية عن المحادثات، مثل نبأ أن “الأسد لا يريد لقاء أردوغان”. واعتبر أن أنقرة تستخدم هذه الورقة لإقناع واشنطن بعملية التطبيع مع النظام، عبر رسائل وجهها مسؤولون أتراك لنظرائهم الأمريكيون، مفادها أن التقارب بين تركيا والنظام سيؤدي إلى تقليص نفوذ إيران في سورية. وسبق أن استخدمت الإمارات حجة مماثلة لتبرير تطبيعها مع النظام، بحسب تقرير “بي بي سي”، إذ وعدت النظام بعلاقات تجارية أوسع وإعادة الإعمار مقابل تقليص علاقاته مع إيران. ونظراً لعدم حدوث ذلك حتى الآن، فإن موقف الولايات المتحدة تجاه كل من تركيا ودول الخليج بخصوص التطبيع مع النظام، لا يزال واضحاً.كيف سيؤثر التطبيع على إيران؟ قال الأكاديمي بيلغيهان ألاغوز، إن “إيران لديها علاقات متعددة الأبعاد مع سورية، لذلك سيكون من غير الواقعي توقع تغير جذري في هذه العلاقة إذا تم التطبيع بين تركيا وسورية”. من ناحية أخرى، تعتبر العلاقات مع كل من روسيا وتركيا بالغة الأهمية بالنسبة لإيران في هذا الوقت. إذ إن عدم القدرة على إحياء الاتفاق النووي، وإضافة سياسات قاسية من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لا يتركان إيران فقط عاجزة في العديد من القضايا، بل يدفعانها أيضاً إلى إقامة علاقات متوازنة مع روسيا وتركيا. ويقول ألاغوز أيضاً إن قضية “وحدات حماية الشعب” في سورية أمر بالغ الأهمية بالنسبة لإيران، إذ إن طهران منفتحة على التعاون في هذه القضية ضد الولايات المتحدة. وتابع: “يجب ألا نتجاهل تأثير إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة. إذ إن استمرار الولايات المتحدة في تسليح وحدات حماية الشعب بشكل منهجي يشكل خطراً على إيران. لذلك، تتزايد إمكانية تبني موقف تعاوني أكثر مع تركيا بشأن هذه القضية”. وختم: “باختصار، لن يكون تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق العامل الوحيد الذي يحدد سياسات إيران الإقليمية. ستواصل إيران النظر إلى سورية من منظور النفوذ الأمني ​​والسياسي والاقتصادي”.    

  —————————–    

  شمال سوريا: لماذا غيّر الجيش التركي طبيعة وخريطة أهدافه؟/ هبة محمد

  أعلنت وزارة الدفاع التركية الاثنين تحييد 3 عناصر من قوات سوريا الديمقراطية ضمن عملية “المخلب – السيف” العسكرية الجوية ضدّ حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، التي أطلقتها في 19 نوفمبر /تشرين الثاني 2022 شمال سوريا.وأوضحت في بيان أمس، “أن القوات التركية ردت على تحرش الإرهابيين في نقطة عسكرية تركية على الحدود مع سوريا”. وأضافت أنه عقب تحييد 6 إرهابيين الأحد، تم تحييد 3 آخرين الاثنين.ونفذت القوات التركية بالتعاون مع الجيش الوطني السوري عمليات عدة شمالي سوريا، ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” أجبرت فيها الأخير على الانحسار آلاف الكيلومترات.وكانت قد أعلنت وزارة الدفاع التركية مطلع الأسبوع الجاري، عبر موقع تويتر، مقتل وجرح 11 عنصراً من “قسد” (ذات الغالبية الكردية) في قصف على موقع لقواتها في تل رفعت في ريف حلب. ومضى أكثر من شهرين على إطلاق تركيا عملية “المخلب – السيف” العسكرية الجوية ضدّ حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، وقد انخفض بشكل واضح مستوى التصعيد بعد 3 أسابيع من الإعلان عنها. عمليات نوعية لكن منذ بداية عام 2023 بدأت تركيا تشنّ عمليات نوعية في سوريا ضِمن منحى مختلف؛ حيث تغيّرت بشكل واضح طبيعة وخريطة الأهداف ومواقعها.وفي تقرير حديث لمركز جسور للدارسات الاستراتيجية، حول العمليات التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية وتفاصيلها ودلالاتها، أشار إلى أن جميع العمليات التركية كانت في عمق مناطق سيطرة قسد على بُعد أكثر من 60 كم جنوب الحدود “السورية – التركية”، وهو تغيُّر كبير في النطاق المعتاد للعمليات والتي كانت تتركز عادةً ضِمن عمق 30 كم جنوب الحدود، وفي طبيعة الشخصيات المستهدَفة والمتورطة في “أعمال إرهابية” انطلقت من مناطق سيطرة “قسد” إلى خارج سوريا وداخل تركيا على وجه الخصوص، إضافة إلى التجاهل غير المعتاد لإعلام قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي لمعظم تلك العمليات والإشارة لها فقط كتفجيرات مجهولة السبب والمصدر رغم إعلان الحزب الشيوعي التركي عن سجلات قياديّين قتلا في إحدى تلك العمليات. وحسب التقرير: في 3 كانون الثاني/ يناير، نفّذ جهاز الاستخبارات التركي عملية أمنية في الحسكة قُتل على إثرها كلٌّ من زكي غوربوز ولقبه أحمد شوريش وأوزغور نام أوغلو الملقب بفرات نوال؛ حيث تم استهداف مقر إقامتهما في قرية “تل طويل مرشو” الواقعة على المدخل الشمالي لمدينة الحسكة، والشخصان المستهدفان هما مسؤولَا تنظيم FESK الجناح المسلّح للحزب الشيوعي التركي- الماركسي اللينيني TKP- ML وهو تنظيم محظور في تركيا ومتحالف مع حزب العمال الكردستاني، كما أنّهما متورطان في تنسيق وتنفيذ عمليات داخل تركيا أهمّها استهداف الحافلة التابعة لسجن بورصة في 20 نيسان/ إبريل 2022، وهجمات صاروخية شنّها التنظيم من مناطق سيطرة قسد مُستهدِفاً الداخل التركي.وفي 11 كانون الثاني/ يناير، قُتل قياديان من حزب العمال الكردستاني دون الإعلان عن هُوِيَّتهما بعد؛ نتيجة استهداف يُرجَّح أنّه تمّ باستخدام الطيران المسير التركي لقصف السيارة التي كانت تقلّهما عند مرورها قرب محطة الجزيرة على طريق “القامشلي- الحسكة” الدولي، ولا يبعد مكان الاستهداف هذا سوى 8 كم عن مكان الاستهداف الأول.وفي 18 كانون الثاني/ يناير، قُتل قياديان من حزب العمال الكردستاني على الأقل دون الإعلان عن هُوِيَّتهما؛ حيث اكتفى الإعلام التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD بالقول: إنّ الطيران المسير التركي استهدف السيارة التي كانت تقلّهما أثناء مرورها قرب محطة وقود عند مفرق قرية معشوق على الطريق الواصل بين القامشلي والمالكية/ ديريك شرق الحسكة.وفي 19 كانون الثاني/ يناير، وقع انفجار – قالت قسد: إنه ناتج عن استهداف بالطيران المسيّر – ضِمن إحدى النقاط العسكرية على أطراف مدينة الرميلان النفطية، والتي تتمركز فيها قيادة التحالف الدولي في سورية، ويوجد فيها عدد من قياديي الصف الأول لحزب العمال الكردستاني المنتدبين من قِبله لإدارة مناطق سيطرة قسد، التي قالت أيضاً: إنّ الانفجار استهدف إحدى نقاط “مكتب العلاقات العسكرية” التابع لها والمسؤول عن تنسيق اللقاءات مع قوات التحالف الدولي. «ضرب مناطق التهديد» ولم تعلن تركيا عن طُرق وآلية تنفيذ هذه العمليات، لكن وَفْق المعطيات والمعلومات المتوفرة عنها يُمكن قول ما يلي: إنّ تركيا لجأت إلى تنفيذ عمليات نوعية تستهدف فيها الشخصيات والمواقع المسؤولة عن التهديد المباشر لأمنها القومي، كبديل مؤقت على الأقل عن العملية العسكرية البرية في مناطق سيطرة قسد.كما أن مواقع العمليات وطبيعة تعامُل قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي معها يدعو للاعتقاد بوجود تنسيق أمني واستخباراتي عالٍ بين تركيا والولايات المتحدة، استجابةً لمطالب أنقرة بتحييد قوائم محددة من قياديي وكوادر التنظيمات المنتشرة داخل مناطق سيطرة قسد والتي تصنفها تركيا كمنظمات إرهابية.ولفت التقرير إلى توقيت العمليات المتزامن مع مساعي روسيا لإعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري يدعو للاعتقاد بوجود تعاوُن وتنسيق أمني واستخباراتي بين روسيا وتركيا لتنفيذ وشن الضربات النوعية، وذلك كأداة مساعدة لدفع ودعم مساعي التقارب؛ خاصةً أن موسكو تمتلك قواعدَ ونقاطاً عسكرية عديدة في المناطق القريبة من مواقع الاستهداف وتقوم بدوريات دائمة في هذه المناطق عدا الوجود العسكري والأمني لقوات النظام فيها.وانتهى التقرير إلى أن استمرار العمليات النوعية بذات طريقة التعامل الحالية معها من قِبل قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي سيؤدي غالباً لتصفية وتحييد تيار فاعل من كوادر حزب العمال الكردستاني وبقية التنظيمات التابعة له في مناطق سيطرة قسد، وقد يؤدي ذلك لنشُوء توتُّر أو احتقان بين هذه التنظيمات من جهة وقسد وحزب الاتحاد الديمقراطي من جهة أخرى خاصةً في حال ارتفاع معدل العمليات واستهدافها لشخصيات مرتبطة بقسد أو تعمل معها بشكل مباشر.

  القدس العربي   

  ———————–  

  هل ستُفتح الطرقات الدولية شمالي سوريا في وقت قريب؟

  إسطنبول – خاص عاد الحديث مجدداً عن فتح الطرقات الدولية المعروفة بـ“M4 وM5″، اللذين يعدّان بمنزلة شريانين رئيسين للحركة التجارية في سوريا. وأكّدت مصادر خاصة لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ روسيا أرسلت مذكرة جديدة إلى الجانب التركي، مؤخّراً، تطالب فيها بضرورة تنفيذ تفاهم 5 آذار 2020، والذي ينص على إقامة ممرات آمنة على جانبي الطريق الدولي (M4). الإصرار الروسي على فتح الطرقات الدولية هدفه الأساسي، تسهيل عبور البضائع من تركيا إلى الأردن والخليج العربي، ما يعيد إلى سوريا مكانتها كعقدة وصل بين الجانبين، وما يترتب على ذلك من مردود اقتصادي، وإظهار تقدّم في مسار فك العزلة عن النظام السوري.مطلب قديم جديد عضو بارز من وفد المعارضة السورية المشارك في مسار أستانا، قال إنّ مسألة فتح الطرقات الدولية هي بند من ضمن 7 بنود جرى الاتفاق عليها بعد إطلاق المسار عام 2017، وتوقيع اتفاق “خفض التصعيد”، وفي كل مرة تتجدّد المطالب بتطبيق هذا البند. واعتبر القيادي خلال حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أنّ موسكو تحاول الآن استغلال أجواء انطلاق المحادثات بين تركيا والنظام السوري، لذلك تريد تحقيق شيء ملموس، ولهذا تعمد إلى إحياء مطلب فتح الطرقات الدولية. ونفى القيادي توجيه تركيا طلبات إلى الجهات المختلفة في المعارضة السورية تتعلق بتسهيل فتح الطرق الدولية أو المعابر بين مناطق المعارضة والنظام السوري في الوقت الراهن، مرجحاً ترحيل الملف إلى فترة لاحقة. من جهة أخرى، تحدّث موقع تلفزيون سوريا مع قياديين في كل من “الفيلق الثاني” في الجيش الوطني السوري، و”هيئة تحرير الشام”، ونفوا بشكل كامل إبلاغهم بقرب موعد افتتاح المعابر أو الطرقات الدولية، حيث انتشرت أنباء، خلال الأيام الماضية، عن اقتراب موعد افتتاح “معبر أبو الزندين” الذي يصل بين مناطق سيطرة المعارضة السورية والنظام قرب مدينة الباب شرقي حلب. وأكد قيادي في “الفيلق الثاني” أن التجهيزات في “معبر أبو الزندين” قديمة، ومن المحتمل أن يُفتح لاحقاً أمام القوافل التجارية القادمة من “معبر الراعي” إلى مدينة حلب، لكن لا يوجد أي إبلاغ رسمي بذلك.فتح الطرقات الدولية مرتبط بشروط تركيا أوضح مصدر مطلع على مسار المباحثات بين تركيا والنظام السوري، استمرار الخلافات بين أنقرة والنظام حول الأولويات، إذ إنّ الدوافع التي تقف خلف فتح هذا المسار بين الجانبين مختلفة لدى كل طرف عن الآخر. وأفاد المصدر لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ أنقرة تقرن مسألة فتح الطرقات الدولية بمدى استجابة النظام السوري إلى حاجات الأمن القومي التركي، واتخاذه خطوات ملموسة في ملف مكافحة الإرهاب والعمل المشترك ضد “حزب العمال الكردستاني – PKK” وذراعه السورية المتمثلة بـ”وحدات حماية الشعب – YPG” وهي القوة الأكبر والمكّون الأساسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتريد إغلاق الباب بشكل كامل أمام فكرة استيعاب النظام لـ”الإدارة الذاتية” التي أسستها “قسد”، عبر تمسّك النظام بمطلب حل الإدارة بالكامل. ولا يبدو أن أنقرة تعوّل كثيراً على تحقيق مكتسبات من حوارها مع النظام السوري، حيث أكّد أعضاء في المجلس السوري – الأميركي، أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أبلغهم خلال اللقاء مع الجاليات السورية في الولايات المتحدة، قبل عدة أيام، أن تركيا لا تثق بالنظام السوري، ولن تقدم له أي تنازلات طالما هو رافض لتغيير سلوكه. ومن المتوقّع أن ترجئ أنقرة اتخاذ أي إجراءات مؤثرة في الملفات الخارجية عموماً، خاصة الملف السوري، إلى ما بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية التركية المرتقبة، والتي حُدّد موعدها بشكل رسمي في 14 أيار المقبل، لأنّ هناك حرص بالغ لدى الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) على عدم كسر حالة الهدوء التي تسود الأجواء تجنباً لأي آثار سلبية. إضافة إلى ما سبق، لا يمكن إغفال المباحثات التي تجريها تركيا مع الولايات المتحدة، وعلى الأرجح فإن أنقرة ستنتظر بعض الوقت لترى نتائج زيارة وزير خارجيتها إلى واشنطن، إذ إن مسألة فتح الطرقات الدولية تندرج ضمن سياق تخفيف العزلة الاقتصادية للنظام السوري التي تقودها واشنطن، وقد يترتب على كسر هذه العزلة بشكل غير منسق مع الجانب الأميركي، ردود فعل تضر بالجانب التركي وتنعكس سلباً على السباق الانتخابي.تلفزيون سوريا    

  ———————————   

  نحو انتخابات مبكرة في تركيا/ بكر صدقي

  تأكد أخيراً أن السلطة وحليفها القومي في تركيا يريدان إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية قبل موعدها المفترض في حزيران 2023. فقد حدد الرئيس أردوغان تاريخ 14 أيار باعتباره «مناسباً» لإجرائها، كما سبق لحليفه دولت بهجلي أن ارتأى أن شهر أيار «سيكون مناسباً».لهذا التاريخ رمزية مهمة أشار إليها جميع من تناولوه، وهي أنه التاريخ الذي جرت فيه الانتخابات العامة في عام 1950، وأدت إلى خسارة حزب الشعب الجمهوري للسلطة التي تفرد بها منذ تأسيس الجمهورية التركية، وصعد إلى السلطة الحزب الديمقراطي المعارض. ورأى كثير من المعلقين في اختيار هذا التاريخ موعداً للانتخابات القادمة خطأً كبيراً وقعت فيه السلطة، لأن معناه الرمزي يقتضي صعود المعارضة إلى السلطة.الآن يتطلب تحديد هذا الموعد بصورة رسمية موافقة غالبية برلمانية بـ360 نائباً على الأقل، وهو العدد الذي يفوق مجموع نواب الحزبين الحليفين، وسيحتاج الأمر لموافقة قسم من نواب المعارضة ليكتمل هذا الحد الأدنى. أما في حال تعذر إقرار الموعد الجديد للانتخابات في البرلمان، فلرئيس الجمهورية صلاحية إقراره بقرار رئاسي، لكنه في هذه الحالة لا يحق له الترشح للانتخابات للمرة الثالثة على ما ينص الدستور النافذ. الاحتمال الثالث والأخير هو أن تجتهد الهيئة العليا للانتخابات في تأويل المادة ذات الصلة في الدستور وتعتبر من حق أردوغان الترشح للانتخابات الرئاسية.ولكن لماذا الدخول في كل هذه التعقيدات أصلاً، بدلاً من الالتزام بالموعد المقرر مسبقاً، وما هي فائدة استباق هذا الموعد بأربعين يوماً فقط؟السبب الأول هو عدم ترك حق أردوغان في الترشح لولاية جديدة عرضة للجدل بسبب تحديد الدستور لهذا الحق بولايتين فقط، والحصول على شرعية دستورية بلا أي شوائب، بحيث لا يواجه أي تشكيك في هذه الشرعية إذا فاز في الانتخابات الرئاسية كما يأمل.ويعيد خبراء اقتصاديون السبب الثاني إلى عامل أهم، من وجهة نظرهم، وهو أن الأزمة الاقتصادية من المحتمل أن تتفاقم أكثر بعد الانتخابات، بعدما تمكنت الحكومة من وقف التدهور نسبياً بصورة مصطنعة في الأشهر القليلة الماضية، وبعدما أطلقت سلسلة من المبادرات الاجتماعية للتخفيف من آثار التضخم المنفلت، كزيادة الحد الأدنى للأجور والإعفاء من مستحقات ضريبية متأخرة والإعلان عن مشروع إسكان ضخم لأصحاب الدخل المحدود، وضبط سعر صرف الليرة عند حدود معينة طوال شهور. أما استباق الموعد لفترة قصيرة جداً ففي تقديرهم أنه يعود إلى أن هذه الإجراءات لن تصمد إلى حزيران، مستندين في توقعاتهم المتشائمة إلى سابقة انتخابات حزيران 2018 التي لحقها مباشرةً تدهور حاد في سعر صرف الليرة مقابل العملات الصعبة.ماذا عن المعارضة ورأيها في الموعد الجديد للانتخابات؟حين بدأت السلطة في الحديث عن احتمال تقريب الموعد أعلن زعماء المعارضة السداسية أنهم لن يقبلوا بأي موعد جديد ما لم يكن قبل السادس من شهر نيسان. وسبب ذلك أن قانون الانتخابات الجديد الذي سنته السلطة وأقره البرلمان لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد هذا التاريخ، مع العلم أن المعارضة كانت ضد تغيير القانون الانتخابي لأنه في رأيها يمنح السلطة أفضلية، وينزع من التحالف المعارض حق المشاركة في الانتخابات النيابية بقوائم موحدة.الغريب في الأمر هو أن اقتراح موعد الانتخابات في شهر أيار، أي بعد السادس من نيسان، لم يثر أي اعتراض جدي من المعارضة السداسية، بل يبدو أنهم بصدد الموافقة على الاقتراح. والتفسير الوحيد لهذا الموقف هو أن المعارضة السداسية تشعر بأن فوزها في الانتخابات قد أصبح «في الجيب»! مع العلم أن استطلاعات الرأي أخذت تشير إلى تحسن نسبي في شعبية التحالف الحاكم، بالقياس إلى فترات سابقة.فإضافة إلى المبادرات الاجتماعية المشار إليها أعلاه، لعبت عوامل أخرى في السياسة الخارجية هذه المرة دوراً في تحسين شعبية الحكم، لعل أبرزها التحول الكبير في السياسة التركية في الصراع السوري، أي إطلاق مسار التطبيع مع نظام بشار. فهذه السياسة الجديدة انتزعت من يد المعارضة ورقتين مهمتين هما هذا التطبيع بذاته، وموضوع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم المرتبطة به. بالمقابل ليس هناك اعتراض جدي من قبل المعارضة على استمرار السياسة المناهضة للكيان الكردي المفترض في شمال سوريا. فإذا ربط هذا الأمر بالتطبيع مع نظام بشار وأمكن إقامة تعاون معه ضد قوات سوريا الديمقراطية فهذا ما تريده أيضاً أبرز أحزاب المعارضة السداسية: الشعب الجمهوري والحزب الخيّر، إضافة إلى حزب النصر المناهض للاجئين السوريين من خارج التحالف السداسي.وثمة تطورات خارجية مستقلة عن كل من السلطة والمعارضة من المحتمل أن تلعب دوراً في نتائج الانتخابات القادمة، وبخاصة الرئاسية التي ستحدد مصير أردوغان السياسي. خلال الأسبوع الماضي وقعت حادثتان في السويد أثارتا ردود فعل حادة في تركيا، الأولى حين رفع متظاهرون من كرد تركيا صوراً مسيئة لأردوغان أمام القنصلية التركية، والثانية هي قيام شخص يميني متطرف بإحراق نسخة من القرآن الكريم أمام القنصلية التركية في استوكهولم تحت أنظار الشرطة وبإذن قضائي مسبق. وهو ما أدى إلى إلغاء تركيا لزيارة كان وزير الدفاع السويدي ينوي القيام بها إلى أنقرة، في إطار المحاولات السويدية لإقناع تركيا بالتخلي عن اعتراضها على انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي.النتيجة الأولى للحادثتين المذكورتين هي وضع عملية عضوية السويد في الأطلسي على الرف لفترة غير معلومة. أما تأثيرهما المحتمل على نتائج الانتخابات القادمة فقد يكون إيجابياً من منظور السلطة التركية، لأنه أدى إلى استنفار المشاعر القومية والدينية، وحتى أحزاب المعارضة تطابقت ردود أفعالها مع رد فعل السلطة تجاه الحادثتين. ويمكن إضافة الحملة المركزة التي انطلقت مؤخراً ضد القيادة التركية في وسائل الإعلام الغربية، منها مجلة إيكونوميست البريطانية التي خصصت غلاف عددها الأخير للتحذير من فوز أردوغان المحتمل في الانتخابات القادمة بوصف ذلك «تحولاً نحو الدكتاتورية» ومنها مقالات وتصريحات لسياسيين أمريكيين نحت المنحى ذاته.هذه الحملة وحادثتا السويد لا يستبعد أن تؤديا إلى نتائج معاكسة لمطلقيها ومفتعليها، بما يزيد من الالتفاف الشعبي حول القيادة التركية وينسي الناخب ما يعانيه من صعوبات اقتصادية ضاغطة كان من شأنها أن تدفعه بعيداً عن التصويت للتحالف الحاكم.

  كاتب سوري

  القدس العربي   

  —————————    

  تشدد تركيا حيال انضمام السويد وفنلندا للناتو: الأسباب والأهداف/ عمر جابر

  تراكمت مجموعة من الأحداث، كان آخرها إحراق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية في استوكهولم، لتدفع تركيا لتشديد موقفها الرافض لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتلغي اجتماعات مقررة مع الدولتين. وإن كانت هذه الحادثة تبرر موقف أنقرة الرسمي، إلا أن ثمة أسبابا داخلية وخارجية تقف وراء التشدد التركي، لا سيما مع دخول تركيا فترة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ليتحول هذا الملف ورقة إضافية تحاول الأطراف المختلفة، لا سيما الحكومة، استغلالها لتقوية مواقفها.تطورات تستفز تركيا وبدأت أبرز التطورات التي استفزت الحكومة التركية في 12 يناير/كانون الثاني الحالي، حين استدعت وزارة الخارجية التركية، السفير السويدي في أنقرة ستافان هيرستروم وسلمته مذكرة احتجاج على خلفية تظاهرات لأنصار حزب العمال الكردستاني في استوكهولم أساءت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ونشرت حسابات داعمة لـ”العمال الكردستاني” مقطعاً مصوراً يُظهر تعليق دمية من قدميها تصوّر الرئيس التركي على عمود قرب مبنى البلدية التاريخي، وذيّل المقطع المصور بعبارات تهديدية باللغة التركية تستهدف أنقرة وأردوغان. تبع الحادثة بيوم واحد تنظيم تظاهرات أخرى لأنصار “الكردستاني” مناوئة لانضمام السويد إلى حلف الأطلسي، واستُغلت المناسبة للإساءة لأردوغان. وآخر الأحداث كان السبت الماضي، حين سمحت السلطات السويدية لزعيم حزب “الخط المتشدد” اليميني المتطرف راسموس بالودان، بإحراق نسخة من القرآن قرب السفارة التركية في استوكهولم، وسط حماية مشددة من الشرطة. وبسبب الأحداث الأخيرة، لم تكتف تركيا بالإدانة بل حاولت ثني الحكومة السويدية عن السماح بالإساءة للقرآن، ولكن هذه الجهود لم تفلح، ما دفع أنقرة لاتخاذ سلسلة إجراءات، تمثلت بإلغاء زيارة رئيس البرلمان السويدي أندرياس نورلين إلى أنقرة، ولاحقاً إلغاء زيارة وزير الدفاع السويدي بال جونسون. تبع ذلك الإعلان يوم الثلاثاء الماضي عن إلغاء اجتماع آلية التنسيق الثلاثية التي تجمع تركيا والسويد وفنلندا، والتي تبحث انضمام الأخيرتين للناتو، تنفيذاً لاتفاق موقّع بين الدول الثلاث الصيف الماضي. وأفادت وسائل إعلام تركية بأن الاجتماع التنسيقي الذي كان مقرراً في فبراير/شباط المقبل، تم تأجيله إلى أجل غير مسمى. الموقف التركي تبعه ارتفاع حدة ولهجة التصريحات من قبل جميع الأطراف السياسية في تركيا، لا سيما في حادثة الإساءة للقرآن، وشملت أحزاب المعارضة. ولكن تصريح أردوغان كان أكثر حدة وحمل تهديداً للسويد على وجه التحديد، إذ قال أردوغان في كلمة له عقب اجتماع للحكومة الإثنين الماضي “إذا كنتم لا تحترمون المعتقدات الدينية لتركيا أو المسلمين، فلا تنتظروا أي دعم في ما يتعلق بعضويتكم في الناتو، هذا الفعل القبيح هو إهانة ضد كل من يحترم الحقوق والحريات الأساسية للناس وعلى رأسهم المسلمون“. وأضاف: “القرآن الكريم لن يتضرر أبداً إذا أحرقت نسخة منه من قبل أحد بقايا الصليبيين، ومن تسبّب في مثل هذا العار أمام السفارة التركية يجب ألا يتوقع أي مكرمة من أنقرة في ما يتعلق بطلبات العضوية في الناتو، وإذا كانت السويد تحب كثيراً أعضاء التنظيم الإرهابي وأعداء الإسلام، فنوصيها بأن تلجأ إليهم في الدفاع عنها“. من جهتها، علّقت الحكومة السويدية على لسان رئيسها أولف كريسترسون على ما حصل، بالقول الثلاثاء الماضي “السويد تواجه أخطر مشكلة أمنية بعد الحرب العالمية الثانية، والبعض لا يدرك مدى أهمية انضمامها إلى الناتو، المستفزون يحاولون عرقلة عضوية السويد وإفساد علاقاتها مع دول أخرى”، مؤكداً رغبة بلاده في العودة إلى الحوار مع تركيا بشأن الانضمام إلى الناتو. وقبيل إحراق نسخة من القرآن في استوكهولم، كانت مجموعة من التطورات تعرقل المحادثات بين البلدان الثلاثة، منها رفض السويد وفنلندا تسليم مطلوبين من “العمال الكردستاني” وجماعة “الخدمة” لتركيا، وصدور قرارات قضائية تمنع ذلك. يضاف إلى ذلك وعدم تنفيذ تعهدات بتقييد عمل التنظيمات التي تتحفظ عليها أنقرة في الدعاية وجمع الأموال وتوفير المقاتلين. ومن المؤكد أن مسألة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي، وموقف تركيا منه ومطالبها، تشكل إحدى الأوراق الانتخابية بيد حزب العدالة والتنمية الحاكم، خصوصاً أن مسألة الانضمام للناتو تتطلب موافقة البرلمان. وتسعى الحكومة للمحافظة على الكتلة الناخبة من المحافظين والقوميين، وترى في هذه المسألة مساحة لإطلاق المواقف والتصريحات فيها وتحقيق مزيد من الشعبوية في هذه الفترة الهامة التي تعد مفترق طرق قبل الانتخابات التي تجرى في 14 مايو/أيار المقبل. ولكن في تطور لافت أمس، أعلنت وزارة الدفاع الفنلندية عن منحها تفويضاً لتصدير معدات عسكرية إلى تركيا بعد تعليق تصديرها منذ خريف 2019 على خلفية إطلاق تركيا عملية عسكرية في سورية. واستئناف تراخيص تصدير المعدات العسكرية هو أحد الشروط التي وضعتها أنقرة لإعطاء الضوء الأخضر لانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو. وتعليقاً على هذه التطورات، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قوجه إيلي، سمير صالحة، لـ”العربي الجديد”، إن “التشدد في موقف تركيا مرتبط بإصرارها منذ فترة على السويد وفنلندا بتسريع عملية الحوار والتعامل بإيجابية مع مذكرة التفاهم الثلاثية والبنود الواردة فيها، ويبدو أن هناك تلكؤاً وتأخراً بتنفيذها، وهو السبب الأساسي لما أوصل الأمور للتوتر“. وأضاف: “بعدها جاءت التظاهرات أمام مبنى السفارة التركية ومحاولة الإساءة لشخص الرئيس أردوغان، وردود الفعل السويدية بتجاهل مطالب أنقرة، ما أغضب الأخيرة، كما كانت هناك مواقف سلبية من القضاء السويدي والقيادات السياسية تجاه مطالب أنقرة بالتظاهرات، ثم جاءت الحادثة الأخيرة (الإساءة للقرآن)، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات، ما دفع أنقرة لاتخاذ قرار تجميد المفاوضات“. ولفت صالحة إلى أنه “كانت هناك عملية اصطفاف سياسي وشعبي في الداخل التركي وراء موقف حزب العدالة والتنمية وتجميد المفاوضات، لأن صفوف الحكم والمعارضة والقيادات الدينية ومنظمات المجتمع المدني كلها انتقدت ما جرى في السويد ودعت لمواقف تصعيدية ضد هذه الأحداث“. وختم بالقول “الدور الأميركي موجود والمتحدث باسم الخارجية الأميركية قال إن واشنطن متمسكة بانضمام السويد وفنلندا للناتو، ووصف ما حصل في السويد بعمل تحريضي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة قد تدخل على خط الوساطة”. ولكنه استبعد أن تنتهي الأمور بسهولة، “وبما أن أنقرة جمّدت المفاوضات فهذا يتطلب وقتاً إلى حين ظهور مواقف جديدة للحكومة السويدية، فالكرة بملعب السويد“. من جهته، قال الصحافي يوسف سعيد أوغلو، لـ”العربي الجديد”، إن “السويد وفنلندا لم تلتزما بالمطالب التركية وفق مذكرة التفاهم الموقّعة، خصوصاً استوكهولم التي كان لدى مسؤوليها مواقف وتصريحات تصب في صالح الاستجابة للمتطلبات التركية، لكن ما حصل كان كله ضد مطالب أنقرة“. ولفت إلى أن “موقف الحكومة بات واضحاً من السويد وفنلندا، وعلى جميع الأصعدة، فهناك استفادة تركية من هذا الموقف، لا سيما على الصعيد الداخلي”، موضحاً أن “أي تقدّم ضمن إطار تسليم المطلوبين سيُظهر قوة وصحة موقف الحكومة التركية، كما أن أي رفض لمطالب أنقرة سيُظهر الحكومة أيضاً بمظهر الطرف المحق الرافض لانضمام الدولتين للناتو طالما لم تنفذا ما تعهدتا به“. وأضاف أن “لكل ذلك انعكاسا على أنصار الحكومة”. وعن المواقف السويدية، لفت إلى أنها “قد تكون أيضاً مرتبطة بالانتخابات التركية، فنتائجها يمكن أن تعطي صورة أوضح في ما يتعلق باستمرار الحوار مع الحكومة الحالية في حال فوزها واستمرارها بالحكم، أو انتظار ظهور حكومة جديدة مع نتائج الانتخابات“. ورأى أن “أي تطورات داخلية وخارجية في تركيا باتت مرتبطة بشكل مباشر بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، ومحاولة الأطراف السياسية تحقيق شعبية أكبر أمام الناخبين”، معتبراً أن “موضوع السويد وفنلندا بات ضمن الأوراق الدولية في الصراع السياسي في تركيا“.

  العربي الجديد     

  ————————————-   

  التطبيع التركي مع النظام السوري: توقعات غير متفائلة/ مروان شلالا

  العقدة تكمن في هيئة تحرير الشامفي مقاربة تركيا لعملية التطبيع مع النظام السوري، يُنظر إلى معالجة الهوية المؤسسية للإدارة السورية، وإعطاء الأولوية لطالبي اللجوء ومنع الأزمات الإنسانية ومكافحة الإرهاب، والتوصل إلى حل سياسي. إيلاف من بيروت: خلق لقاء وزير الدفاع الوطني خلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان مع نظيريهما الروسي والسوري في موسكو في 28 ديسمبر 2022 انطباعًا بأن عملية أمر واقع قد بدأت لإعادة تطبيع العلاقات المتدهورة بين البلدين. في حين لم يكن هناك أي ذكر لمذكرة تفاهم حتى في إطار المبادئ أو خارطة الطريق للتطبيع، جاءت ردات الفعل المختلفة من العديد من الجهات الفاعلة المحلية والمتدخلة المنخرطة في الحرب الأهلية المستمرة في سوريا. يُشار أيضًا إلى أن وسائل الإعلام الغربية وأجهزة الإعلام التابعة لحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، التي فسرت خطوات التطبيع على أنها خطوة تتعلق بالانتخابات المقبلة، حاولت تصوير الأمر وكأنها مبادرة تركية من جانب واحد. اجتماع موسكو صرح وزير الدفاع التركي أكار أنه تم خلال الاجتماع الذي عقد في موسكو بحث الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والنضال المشترك ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا. كما أشير إلى أنهم أعلنوا عزمهم على تشكيل لجنة ثلاثية مكونة من تركيا وسوريا وروسيا في ما يتعلق بعملية التطبيع. في هذا السياق، يذكر أن تركيا قدمت سلسلة من المطالب، مثل القضاء على حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي من سوريا، وتهيئة الظروف المواتية لعودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطق السيطرة السورية، ويجري العمل على زيادة العمق الإقليمي المحدد في بروتوكول أضنة لمكافحة الإرهاب من 5 كيلومترات إلى 30 كيلومترًا. من ناحية أخرى، نقل المنافذ الحدودية للإدارة السورية ومحافظة إدلب بأكملها إلى الإدارة السورية، قرار المعارضة السورية دعم تركيا. لا انتهاك للسيادة أوضح خلوصي أكار، في تصريحاته عقب الاجتماع، أسباب الوجود العسكري التركي في سوريا، ووجه رسالة إلى ثلاثة عناوين مختلفة. من التعبير عن وحدة أراضي سوريا وحقوق السيادة في تصريحات الوزير أكار، يُفهم أن الإدارة السورية مخاطبة، لكن الإدارة السورية وحدها لا تستطيع إحلال السلام والاستقرار في شمال سوريا. في هذا المعنى، يُذكر أن وجود القوات المسلحة التركية في سوريا ليس انتهاكًا للسيادة، لكنه ضرورة مشروطة. يشار في هذا السياق إلى أن حرب تركيا ضد إرهاب حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي ستستمر على أساس التعاون المحلي والإقليمي. يذكر أن وجودها في شمال تركيا يعتبر من مسائل الأمن القومي. كما أنها تشكل دعوة ملحة للإدارة السورية لاتخاذ موقف ضد حزبي العمال والاتحاد الديمقراطي حتى لا يصبح الوجود العسكري للقوات المسلحة التركية في سوريا هيكلياً. أخيرًا، استهدفت تصريحات أكار المعارضة السورية واللاجئين السوريين المقيمين في تركيا. وأشار أكار إلى أن تركيا لم تنتهج سياسة من شأنها أن تضع المنشقين وطالبي اللجوء في موقف صعب، مؤكداً أن تركيا ستضطلع بدور الضامن في عملية الحل السياسي في سوريا من خلال حماية حقوق ومصالح هذه الجماعات. ولم يُشاهد محتوى بيان وزير الدفاع أكار بشأن هيئة تحرير الشام والجماعات المتطرفة الأخرى في إدلب، وخاصة هيئة تحرير الشام. في مقاربة تركيا لعملية التطبيع، يُنظر إلى معالجة الهوية المؤسسية للإدارة السورية، وإعطاء الأولوية لطالبي اللجوء ومنع الأزمات الإنسانية ومكافحة إرهاب حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي، والتوصل إلى حل سياسي. على الرغم من إعلان تركيا العلني عن نيتها في التطبيع، يمكننا القول إن نية التطبيع بين تركيا وسوريا جعلت المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام متوترة، وأذهلت الولايات المتحدة. في هذا السياق، يمكننا تلخيص ردود الفعل على النحو التالي. خطاب الثورة خرجت تظاهرات حاشدة احتجاجية في مدن أعزاز والباب وتل أبيض الواقعة في مناطق العمليات التركية في سوريا وتسيطر عليها المعارضة. يمكن القول إن هذه الاحتجاجات هي ردات فعل عاطفية من دون تقييم عقلاني. كما لوحظت احتجاجات مماثلة في إدلب. بعد هذه التطورات بقليل، استقبل وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ممثلي المعارضة السورية، وتم التأكيد في الاجتماع على أن تركيا هي الضامن للمعارضة السورية. أصدرت هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على جزء كبير من محيط إدلب، بيانا مكتوبا رسميا حول نيتها التطبيع وذكرت أن خطوات التطبيع ستضفي الشرعية على الإدارة السورية. تماما مثل المعارضة السورية، أكدت هيئة تحرير الشام على الثورة وأعلنت أنها ستواصل الثورة حتى تحقق أهدافها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: “نحن لا نؤيد أي عملية تطبيع مع الدكتاتور الذي لا يرحم بشار الأسد“. قلق أميركي كرر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وجهة نظره السلبية للتطبيع مع الحكومة السورية في أوائل عام 2022. إن الافتراض بأن تطبيع تركيا مع الحكومة السورية سيؤدي إلى توسيع الإدارة السورية لمنطقة سيادتها في شمال وشرق سوريا، الأمر الذي سيهدد التوطيد الإقليمي والعسكري والسياسي لحزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي، يعتبر الشاغل الرئيسي للولايات المتحدة. وتشعر الولايات المتحدة بالقلق أيضا من أنه مع تعرض توطيد حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي للتهديد، فإن النفوذ الأميركي في سوريا سوف يتقلص. إذا لم يتم تحقيق سياسة إقناع شاملة، فسيكون من الصعب للغاية منع الرأي القائل بأن مشكلة اللاجئين ستُترك لمبادرة الإدارة السورية. ومع ذلك، إذا لم يتم إقناع المعارضة السورية، فلا ينبغي إغفال إمكانية التقارب بينها وبين هيئة تحرير الشام، التي تشارك في خطاب الثورة. قد يتسبب ذلك في مناقشة شرعية المعارضة السورية من قبل الفاعلين المتدخلين الدوليين في بيئة عملية حل سياسي محتملة. من ناحية أخرى، إذا لم يتم إقناع هيئة تحرير الشام بالاقتراب من النظام السوري، فستواجه عملية صراع حتمية في إدلب. قد يتسبب الصراع المحتمل بين النظام السوري وهيئة تحرير الشام في تدفق اللاجئين نحو تركيا. يمكننا أن نتوقع مبادئ التنفيذ وخارطة الطريق للتقارب / التطبيع من اجتماع وزراء الخارجية المقرر عقده في الأيام المقبلة. أعدت “إيلاف” هذا التقرير عن مقالة كتبها نجدت أوزسيليك ونشرتها صحيفة “ستار” التركية

  ————————-     

  الحرب السورية أعادت رسم الخريطة السياسية التركية

  قضية اللاجئين صارت من أولويات الناخبين الأتراك في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة، ويتوقع أنها ستكون بيضة القبان في الانتخابات المقبلة   أوردت “إيكونيميست” تقريراً أكدت فيه أن التوترات بين اللاجئين السوريين في تركيا ومواطني هذه الدولة خفت كثيراً منذ صيف 2021 حين قتل لاجئ مراهقاً تركياً في إحدى ضواحي أنقرة مما أثار أعمال عنف شنها مواطنون في المنطقة ضد مؤسسات ومنازل يشغلها سوريون ودفع السلطات إلى تحديد نسبة الأجانب في بعض المناطق وإخلاء الفائض منهم إلى مناطق أخرى. لكن السوريين المقيمين في تركيا منذ تهجيرهم من بلادهم إثر اندلاع الحرب فيها عام 2011 يشعرون حالياً بالقلق، ليس من احتمال تجدد ما حصل عام 2021 بل من خطر ترحيلهم إلى سوريا حيث يقولون إنهم يواجهون خطر الاعتقال والاضطهاد. ولفتت المجلة إلى أن تركيا التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون شخص تضم 15 مليون كردي، ومليون عربي، وعشرات آلاف من الأرمن المتحدرين من الناجين من مجازر عام 1915، ومجموعات سكانية تتقلص باستمرار من اليونانيين واليهود. لكن الحرب السورية تسببت في تغيير ديموغرافي، فنهاية عام 2010 كانت البلاد تضم 10 آلاف لاجئ وطالب لجوء فقط، وبعد 12 سنة باتت تضم 3.6 مليون سوري، أي أكثر من اللاجئين السوريين إلى أوروبا ككل، إلى جانب مليون مهاجر من أفريقيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وروسيا. “إن تركيا بلد تغير”. وأشارت إلى أن مخيمات المستوعبات البيضاء المكيفة المنتشرة على الحدود التركية – السورية حيث استقر اللاجئون السوريون في السنوات الأولى من الحرب باتت من الماضي، “لا تضم هذه المخيمات إلا أقل من 50 ألف لاجئ ويتوزع الباقون في المدن، ولاسيما في الجنوب والغرب، ويعمل أكثر من 98 في المئة من العاملين السوريين في شكل غير رسمي ومن دون ضمان اجتماعي أو أية مزايا أخرى، وفق سنية ديدي أوغلو، الأستاذة في جامعة عبدالله غل”. وأضافت الأكاديمية أن معظم العاملين السوريين يتلقون أجوراً أقل مقارنة بنظرائهم الأتراك، وتكثر عمالة الأطفال السوريين، ولاسيما في الزراعة، لكن أوضاع السوريين في تركيا أفضل منها في بلدان شرق أوسطية أخرى، فهم يتلقون رعاية طبية وتعليماً من القطاع العام وليس الحصول على الجنسية التركية بعيد المنال، ذلك أن 65 في المئة من الأطفال السوريين ملتحقون بالمدارس، في حين حصل 220 ألف لاجئ على جنسية البلد المضيف. ووفق “إيكونيميست”، ترحب أوروبا عموماً بما تقدمه تركيا إلى اللاجئين لكن أتراكاً كثراً يرون أن بلادهم أصبحت ملاذاً للاجئين لا تريد القارة الأوروبية أن تستقبلهم ويريدون أن يعود السوريون إلى بلادهم. “وإذ تظل أعمال العنف كما حصل [عام 2021] نادرة، تتصلب المواقف إزاء السوريين مع تعثر الاقتصاد واقتراب الانتخابات. فقد بينت استطلاعات رأي أن مشكلة اللاجئين هي ثالث أهم مسألة في نظر الناخبين وسلم أولوياتهم، بعد الاقتصاد والبطالة. ويثير الساسة المعارضون الامتعاض ويؤججونه، فقد تعهد رئيس حزب الشعب الجمهوري، كما كليجدار أوغلو، بإعادة العلاقات مع نظام دمشق تمهيداً لعودة السوريين إلى بلادهم . وليست الحكومة ببعيدة من هذه الأجواء، وفق تقرير المجلة، فالرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان يوماً “مخلصاً” للاجئين السوريين في نظر كثير منهم يسترضي قاعدته الشعبية بالقول إنه يريد عودة معظم هؤلاء إلى بلادهم، بعدما وعد قبل سنوات قليلة بتوطينهم في الشمال السوري الواقع تحت احتلال الجيش التركي وسيطرة ميليشيات سورية متحالفة مع أنقرة. وكانت عمليات الطرفين في المنطقة هجرت مئات آلاف الأكراد السوريين منها بذريعة طرد مقاتلي “وحدات حماية الشعب”، وهي ميليشيا كردية مناوئة لتركيا. ورحلت تركيا في السابق إلى سوريا آلاف اللاجئين السوريين بسبب ارتكابهم جرائم مزعومة أو فشلهم في تسجيل أنفسهم لدى السلطات التركية. ويفيد كثر من المرحلين بأنهم أجبروا أو خدعوا حين وقعوا نماذج تنص على أنهم قبلوا بالعودة طوعاً. وأضافت المجلة أن أردوغان، أحد أكثر القادة الدوليين مطالبة في السابق بسقوط النظام السوري، يعمد منذ أشهر إلى تلطيف العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، ويروج لدى قاعدته الشعبية بأن ذلك يمهد الطريق لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وتبين استطلاعات رأي أن خمس اللاجئين هؤلاء يقبلون بالعودة الطوعية إلى بلادهم، في حين سيخالف الإبعاد القسري القوانين التركية والدولية، مما يترك المجال واسعاً لتخمينات بأن معظم اللاجئين السوريين سيبقون في تركيا بغض النظر عن الطرف الذي سيفوز في الانتخابات العامة المقررة في 14 مايو (أيار). ويتخوف أتراك من احتمال تسليم أنقرة الشمال السوري إلى نظام دمشق من ضمن أية تسوية معه، فذلك قد يدفع المقيمين في المنطقة البالغ عددهم أربعة ملايين شخص إلى اللجوء إلى تركيا خوفاً من بطش النظام. ولفتت “إيكونيميست” إلى أن موقف تركيا من الحرب السورية وتر علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولاسيما حين وقفت أنقرة موقف المتفرج بنظر واشنطن إزاء تمدد تنظيم “داعش” في الشمال الشرقي لسوريا، وحين تردد الرئيس الأميركي باراك أوباما بنظر تركيا فامتنع عن توجيه ضربة كما وعد إلى النظام السوري إثر استخدام الأخير أسلحة كيماوية. وتوترت العلاقات أكثر حين دعمت واشنطن الأكراد السوريين في مواجهة “داعش” وتدخل الجيش التركي ضد أهداف كردية في سوريا. ويناوئ أردوغان معارضيه من الأكراد الأتراك، وسجن الزعيم الكردي التركي صلاح الدين ديمرطاش، وشن عمليات عسكرية ضد قواعد “حزب العمال الكردستاني” الانفصالي في سوريا، مما عزز شعبية أردوغان في صفوف القوميين الأتراك الذين أيد حزبهم الرئيس، الحركة القومية التركية، الرئيس التركي في استفتاء عزز صلاحياته.

  اندبندنت عربية    

——————————    

  قائد “قسد” يتحدث عن صفقة بين تركيا والنظام ويتوقع هجوماً برياً

  توقع قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، شن تركيا عملية عسكرية برية في عين العرب (كوباني)، طالباً من الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف ذلك. وخلال مقابلة مع قناة “العربية الحدث” اليوم الخميس، قال عبدي، إن “الهجوم التركي سيكون قبل الانتخابات الرئاسية والهجوم سيركز على كوباني”. وأضاف أن المحادثات الجارية حالياً بين روسيا والنظام وتركيا، ستفضي إلى صفقة بشأن شن العملية العسكرية في المدينة الواقعة شرقي حلب. وحول هذه الصفقة، أوضح عبدي أنه في “حال مهاجمة تركيا لتل رفعت ومنبج، في هذه الحال قوات النظام السوري والقوات الأخرى لن تسمح بهذا الهجوم، لكن لن تولي اهتماماً للهجوم على كوباني”. وأكد أن قواته تواصلت مع النظام السوري، للتصدي لتركيا في المناطق التي تنوي استهدافها، كونه يوجد 12 ألف عنصر من قوات النظام، لكن “النظام لم يرد علينا حتى الآن”. وحول الموقف الأمريكي، أشار إلى أن واشنطن ترفض شن العملية العسكرية، متوقعاً عدم وجود تفاهمات أو صفقة بين الأتراك والأمريكان. وطالب قائد “قسد” واشنطن، عدم فتح المجال الجوي لتركيا في المنطقة، معتبراً أنه في حال فتحه يعني ذلك الموافقة على العملية البرية. كما طالب واشنطن بتجديد العقوبات على تركيا وتوسيعها “وفي حال تنفيذ ذلك لن تستطيع تركيا الهجوم”. وليست المرة الأولى التي يتوقع فيها عبدي الهجوم التركي، إذ قال في مقابلة مع موقع “المونيتور”، الأسبوع الماضي، إنه يتوقع هجوماً تركياً في شباط/ فبراير المقبل. وبرر عبدي استهداف عين العرب بشكل رئيسي في المقابلتين السابقة والحالية، بسبب معناها الرمزي لـ”الكُرد” في جميع أنحاء العالم، ولربط تركيا مناطق سيطرتها شمال سورية، أي بين منطقة عمليات “نبع السلام” (تل أبيض ورأس العين) ومنطقة عمليات “درع الفرات” (اعزاز والباب وجرابلس). واكتسبت المدينة الواقعة على الحدود السورية التركية، أهمية وشهرة عالمية في تموز/ يوليو 2014، نتيجة هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة، والذي غيّر اسمها إلى “عين الإسلام”، قبل أن تطرده “وحدات الحماية” من المديينة بدعم “التحالف الدولي”. وللمدينة أهمية “مفصلية في الوجدان الكردي عامة والكردي السوري خاصة”، فهي تقع في “صلب المشروع الاستقلالي الكردي العلماني” حسب “فرانس 24“

  ————————–      

أنقرة والأسد … تعقيدات التطبيع/ حسام كنفاني

يبدو أن الحديث عن التطبيع التركي مع النظام السوري تراجع خطواتٍ عدّة إلى الوراء، رغم اللقاءات التي جمعت وزراء الدفاع والخارجية من البلدين. معطياتٌ كثيرةٌ كانت تشير إلى أن هذا سيكون مصير المسعى التركي إلى التصالح مع نظام بشار الأسد، علّه يساهم في رفع أسهم حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقرّرة هذا العام. وزيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو واشنطن، أحيرا، ولقائه نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، من المؤشّرات الأساسية على أن أنقرة باتت تنظر بطريقة أخرى إلى “المصالحة” مع النظام السوري، خصوصاً في ظل المعارضة الأميركية الشديدة لهذه المصالحة، ورغبة واشنطن في إبقاء نظلم الأسد معزولاً وضعيفاً في الظروف الحالية.

ورغم أن الملفات العالقة بين أنقرة وواشنطن كثيرة، وهي تبدأ من حرب أوكرانيا لتمرّ بتوسيع حلف شمال الأطلسي ولا تقف عند صفقة طائرات أف 16 التي ترغب تركيا بشرائها، إلا أن من المؤكد أيضاً أن الملف السوري كان حاضراً على طاولة المباحثات، ولا سيما أن ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركياً كان من الأسباب التي دفعت أنقرة إلى محاولة التقرّب من النظام السوري.

ولكن، بغض النظر عن الموقف الأميركي، والذي لعب دوراً، إلى حدّ ما، في فرملة الاندفاعة التركية نحو دمشق، إلا أن مؤشّرات كثيرةً كانت تُفضي إلى أن المسعى التركي ذاهبٌ إلى طريق مسدود. بداية من تحفظ النظام السوري نفسه على هذه المساعي التركية، باعتبار أنه لا يريد خدمة أردوغان في الانتخابات الرئاسية، بل على العكس تماماً، هو مستعدّ لأن يساهم في خسارة الرئيس التركي منصبه بأي وسيلة. وبالأساس، يترقب تولي المعارضة الحكم لبدء صفحة جديدة معه، وهي التي أبقت على خطوط تواصل مع دمشق في أكثر من مرحلة.

بالإضافة إلى ذلك، الشروط التي رفعتها دمشق لقبول المسعى التركي غير مناسبة بالنسبة إلى أنقرة، فوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، شدّد على أنه “لا يمكن الحديث عن إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا من دون إنهاء الاحتلال”، في إشارة إلى الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، وهو الذي لا يمكن لأنقرة، في الوقت الحالي، التخلي عنه، خصوصاً أنه بات مربوطا عضوياً بالداخل التركي، اقتصادياً وخدماتياً، وهو أيضاً يرفضه السوريون الموجودون في المناطق التي تسيطر عليها تركيا، وهم خرجوا في تظاهراتٍ عديدةٍ رافضةٍ مثل هذا التقارب.

كذلك من غير الوارد أن تترك أنقرة الأراضي السورية التي استولت عليها لحماية حدودها من الوجود الكردي، من دون ضماناتٍ أمنية، من المؤكّد أنها كانت واحدة من محاور الحديث بين جاويش أوغلو وبلينكن، خصوصاً أن تركيا تدرك ضعف النظام في مواجهة قوات “قسد” والدعم الذي تحظى به أميركياً وأوروبياً بفعل محاربتها “داعش”، وهو ما ضخّم قوتها.

اللافت في تصريحات المقداد أنها جاءت بعد لقاء مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، وهو ما يدخل طهران طرفا جديدا في معادلة التطبيع بين أنقرة ودمشق. وهو طرف لا يمكن أن ينظر بعين الرضا إلى مسعىً كهذا باعتبار أن عودة المياه إلى مجاريها بين تركيا والنظام السوري، من الممكن أن تقوض النفوذ الذي بنته إيران خلال السنوات الماضية في سورية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

هذه المعطيات يمكن أن يضاف إليها عودة الحديث عن العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، والذي أشار إليها المستشار القريب من الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، لتؤكّد أن فرص التطبيع بين الأسد وأردوغان تراجعت، ولكنها تبقى غير معدومة، بانتظار اللقاءات الجديدة التي ستجمع وزيري خارجية تركيا والنظام السوري.

العربي الجديد

—————————-

تركيا وسورية أي مصالحة؟/ فاطمة ياسين

ما زالت الصحافة تردّد خبر لقاء وزراء ومسؤولي استخبارات من تركيا وسورية برعاية روسية أنه مقدّمة للقاءات ذات مستوى أعلى، وهي في الوقت نفسه مؤشّر على تغير نمط التعامل التركي مع النظام في سورية، ومع مكوّنات المعارضة التي تتخذ من تركيا مقرّا لها، بما يعني الاقتراب من إرساء علاقاتٍ شبه طبيعية بين تركيا والنظام، وقد زاد من تأثير هذه التكهنات ما قيل عن قرب لقاء بين وزيري خارجية البلدين لمزيد من التباحث، ووضع بعض قواعد التعامل الجديدة، ولكن الموعد المقترح، وهو منتصف الشهر الأول من العام الحالي، قد انقضى، ولم يحدُث اللقاء، وخرجت تصريحات ذات سقف مرتفع لرأس النظام السوري ووزير خارجيته، في الموعد المقترح للقاء، مطالبةً بخروج كل أشكال القوات التركية من سورية، وأن سورية لن تفاوض تركيا ما دامت تحتل أرضا سورية، وهذا شرطٌ مسبقُ لأي لقاء على مستوى رفيع. ومعروف أن هذا الشرط ليس من عقيدة النظام، فقد سبق وتفاوض وزير الخارجية السوري مع الإسرائيلي عدة مرّات وجها لوجه، علما أن إسرائيل تحتل أرضا سورية.

لا يؤكد اجتماع وزيري دفاع البلدين في بلد ثالث أن تركيا في حالة إعادة النظر في المسألة السورية، فلم يَبدُ على السياسة التركية أي تحوّل رغم ارتفاع مستوى اللقاءات فعلا، ومن المعلوم أن ما بحثه الوزيران كان شيء مشابه له يدري في السابق بشكلٍ غير مباشر مع تبادل معلوماتٍ استخبارية، ودائما عبر وسيط روسي، وربما إيراني. وتغير السياسة التركية الحقيقي هو نحو روسيا وليس نحو سورية. وقد حدث انزياحٌ سابق، قبل أكثر من ست سنوات، أما تغير التصريحات التركية التي كانت متّبعة سابقا فليس معناه أن تغيّرا جوهريا قد طرأ على نظرة الأتراك نحو دمشق، مع ملاحظة أن النبرة السياسية قد اختلفت قليلا بما يعكس واقعية تركية تأخذ بالاعتبار مصالحها مع روسيا وقلقها تجاه الكرد.

تحتضن تركيا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف لاجئ، هربوا جميعا من الجحيم السوري، بعضُهم نتيجة الخوف من القصف والاستهداف الأمني والعسكري، وأقلّ من هؤلاء قد هرب نتيجة الظرف الاقتصادي الطاحن، وعودتهم جميعا تحت أي عنوانٍ جديدٍ للعلاقات التركية السورية، غير واقعية. ويدرك الأتراك استحالة مثل هذه الفكرة، فالداخل السوري الذي يكابد بشدّة تحت وطأة اقتصاد مزرٍ، غير قادر على استيعاب عودة ملايين، في وقت قصير، وهو في الواقع غير قادرٍ على تأمين الاحتياجات الأساسية لمن هم في الداخل أصلا، فضلا عن الرغبة الشخصية لكل واحدٍ من هؤلاء الملايين بالبقاء في تركيا أو الرحيل شمالا نحو أوروبا، وليس بالعودة إلى سورية في ظروفها الحالية.

هناك خمسة ملايين آخرين يعيشون في منطقة إدلب وريفها وبعض أرياف حلب، ويمكن لأي تغيرٍ في العلاقات السورية التركية أن يضعهم تحت تهديدٍ مباشر. ومن الطبيعي حينها أن يفكّروا بالمغادرة إلى تركيا فورا، ما سيشكّل ضغطا شديدا لا يمكن احتماله. وبالتالي، رفع الغطاء عن الفصائل المسلحة في الشمال التي تعيش في الكنف التركي، وتؤمّن حماية واستقرارا اقتصاديا معينا لهؤلاء الملايين الخمسة، غير وارد، وإلا اختلّت المعادلة، ووقعت الحدود التركية تحت ضغط شديد، ما سيشعل المخاوف الأوروبية مجدّدا بتكرار ما حصل بين عامي 2014 و2018، حين تقاطر السوريون نحو دول الشمال الأوروبي.

قد يجرّ التقارب التركي السوري أخطارا كبرى، بعضها ديمغرافي وبعضها اقتصادي، يشمل حوالي تسعة ملايين سوري يعيشون حاليا في تركيا وشمال سورية. وتركيا ليست في وارد خوض مثل هذه التحدّيات، أما مخاوفها من العامل الكردي فيمكن أن تُحلَّ عبر تفاهماتٍ مع روسيا ومع الولايات المتحدة، وقد يدخل، في جانب منها، النظام السوري، وهو ما تقوم به تركيا حاليا.

العربي الجديد

————————–

السوريون وفاتورة التقلبات السياسية/ عبسي سميسم

تزداد مخاوف اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، من تبعات التقارب بين أنقرة ونظام بشار الأسد، مع اقتراب موعد الانتخابات التركية وتزايد التضييق على هؤلاء اللاجئين، أكان من الحكومة التي استقبلتهم، أو من قبل المعارضة التي تعارض وجودهم أصلاً.

ولا تزال الحكومة التركية تقوم بحملات أمنية ترحّل عبرها سوريين لأصغر الأسباب، بعد توقيعهم على أوراق تقول إنهم يرغبون في العودة بشكل طوعي، على الرغم من توقيع الكثير منهم على تلك الأوراق بالإجبار. وتُوجَّه اتهامات لبعض موظفي الدوائر الحكومية بتعطيل معاملات السوريين، بهدف جعلهم مخالفين لشروط إقامتهم في تركيا، كالامتناع عن تسجيل إقامتهم في سجلات النفوس ضمن المناطق التي يقطنون بها، الأمر الذي يوقعهم في مخالفة تُستخدم مبرراً للترحيل. أما إدارة الهجرة فتُتَهم بعدم الموافقة على منح إقامات عمل للسوريين الذين يديرون مشاريع خاصة مرخصة، وكذلك عدم منح إذن عمل للسوريين الذين يعملون لدى الشركات والمعامل التركية.

يضاف إلى ذلك عدم الموافقة على تجديد الإقامات للسوريين الذين يقيمون في تركيا بموجب إقامات سياحية، علماً أن معظمهم لاجئون لا يملكون إقامة في بلد آخر واستخرجوا تلك الإقامة كونها الوحيدة التي تسمح لهم بالتنقل الذي قد تتطلبه طبيعة أعمالهم.

أما المعارضة التركية، فلا تزال تحرّض ضد اللاجئين السوريين، سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر التصريحات التي تحمّل السوريين مسؤولية كل السلبيات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، بدءاً من التضخم وارتفاع الأسعار، وانتهاءً بتخريب المرافق العامة.

هذا الواقع يدفع الكثير من السوريين في تركيا، خصوصاً الذين لا يستطيعون العيش في أي من مناطق الصراع في سورية، للتفكير في تأمين بلد بديل للعيش فيه، قبل أن يجدوا أنفسهم أمام خيار الترحيل. وبدأ الكثير ممن يملكون إقامات سياحية، بالتوجه إلى العدد القليل من البلدان التي تستقبلهم لاستخراج إقامات فيها، مثل جورجيا وشمال العراق والإمارات والسودان، كونها الخيارات شبه الوحيدة المتاحة أمامهم.

أما حاملو بطاقات الحماية المؤقتة فليس من سبيل أمامهم سوى الهرب عبر الطرق غير الشرعية، والتي يتم معظمها عبر المغامرة في البحر. وعلى الرغم من توقّف تهريب البشر بحراً في فصل الشتاء، إلا أن هذه السنة تشهد ازدحاماً في عبور هذا الطريق والمغامرة بالحياة حتى في فصل الشتاء. هذا الواقع يُبقي المواطن السوري أكثر من يدفع فاتورة تغير سياسات الدول.

العربي الجديد

————————

تركيا تقترب من إتمام صفقة شراء طائرات أف – 16 وتراوح في التطبيع مع نظام الأسد/ منهل باريش

تمضي أنقرة قدما بحلحلة العقد مع واشنطن، أو على الأقل، بما يخص صفقة طائرات أف-16 وإعادة تعمير أسطولها الجوي من الطائرة ذاتها. وتحاول الإدارة الأمريكية التقليل من تسييس الصفقة المرتقبة واشتراط إنجازها بموافقة نهائية من قبل تركيا لدخول فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو».

وشدد الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، على أن إدارته «تواصل دعم تسليم مقاتلات إف-16 لتركيا مع الإقرار بمخاوف الكونغرس». وحول المسألة وصف السفير الأمريكي في أنقرة جيفري فليك أن عملية بيع طائرات «إف-16» لتركيا بانه «غير مرتبط بمسيرة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)».

هذا في العلن، أما في السر فإن «موافقة الكونغرس على البيع تتوقف على موافقة تركيا لانضمام هيلسنكي وستوكهولم لـ(الناتو)» كما صرح مسؤولون في الإدارة الأمريكية لوكالات الأنباء.

وفي الغضون، ناقش وزيرا الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والتركي مولود جاووش أوغلو، جوانب الأزمة السورية كافة، مؤكدين على التزام الطرفين بعملية سياسية في سوريا، وجاء ذلك خلال اجتماع الآلية الاستراتيجية بين أمريكا وتركيا.

وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية الخميس، بيانًا أشار إلى أن الوزيرين رحّبا بـ «تصويت مجلس الأمن الدولي لتمديد تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وفق القرار 2672 الذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي في 9 كانون الثاني (يناير) الجاري». وأكد البيان أن الاجتماع «ناقش كافة الجوانب المرتبطة بالأزمة السورية، والتزام كل من الولايات المتحدة وتركيا بعملية سياسية يقودها السوريون وفق قرار مجلس الأمن 2254».

وأصدر الوزيران عقب اللقاء بيانا مشتركا قالا فيه أن الاجتماع «ناقش تعزيز الشراكة الدفاعية بين البلدين، بما يشمل تحديث أسطول أف-16التركي، والتزامهما بتوسيع حلف شمال الأطلسي».

وأشار الوزير التركي في مؤتمر صحافي عقب اللقاء المشترك إلى عدم التزام أمريكا ببعض وعودها مع تركيا بما يخص الملف السوري، وأشار إلى أن تركيا مستعدة للتعاون مع أمريكا من أجل ما وصفه بـ «إعادة التركيز على سوريا، إلا أن واشنطن لم تفِ ببعض وعودها، وبشكل خاص خريطة طريق منبج».

وفيما يبدو من تصريح الوزير التركي فإن الملف السوري لم يكن على رأس قائمة المباحثات بين الطرفين، على حساب ملفات أخرى من أبرزها طلب تركيا شراء المقاتلات الأمريكية ومفاوضات انضمام كل من فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي «الناتو» وهو ما تعارضه أنقرة التي تطالب السويد ببذل جهود أكبر في محاربة التنظيمات الكردية التي تصنفها تركيا مهددة لأمنها القومي.

وفي سياقٍ متصل، قالت وزارة الدفاع التركية، الخميس، أن وفدها مستمر في «المشاورات مع نظيره الأمريكي» فيما يخص شراء مقاتلات أف-35 وأشار البيان إلى أن المرحلة التالية من المشاورات ستعقد في ربيع 2023 في أنقرة.

الجدير بالذكر، أن تصريحات الوزيرين وما صدر من بيانات حول اللقاء لم تتناول موضوع التقارب التركي مع نظام الأسد برعاية روسية، إلا ان السفير الأمريكي في أنقرة جيفري فليك، أكد في مؤتمر صحافي على معارضة واشنطن التطبيع وبناء العلاقات مع نظام الأسد. مضيفا: «نتواصل مع نظرائنا الأتراك بخصوص الأوضاع الأمنية في شمال شرق سوريا، ونبحث دائما عن سبل العمل مع حلفائنا الأتراك».

وبالتزامن مع اللقاء التركي- الأمريكي، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف من موسكو خلال المؤتمر الصحافي السنوي الموجز لرؤية روسيا لمجريات 2022 أن بلاده تعمل على رعاية عقد لقاء يجمع وزير الخارجية التركي ووزير خارجية نظام الأسد، وأشار لافروف إلى طلب أنقرة من موسكو المساعدة في التطبيع مع نظام الأسد. وأضاف أن بلاده «تتفهم المخاوف الأمنية التركية في شمال سوريا» متهما واشنطن بتأجيج الأوضاع في المنطقة، واستخدامها للأكراد لـ «إنشاء كيانات انفصالية».

وذكر لافروف أن الولايات المتحدة اقتنعت بضرورة التعامل مع «السلطات الشرعية في بلدان مثل سوريا» وكشف عما وصفها بـ «اتصالات واشنطن خلف الأبواب المغلقة مع نظام الأسد».

من جهة أخرى لم تكن ايران بعيدة عن التطورات الأخيرة المرتبطة بسوريا، فقد زار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان أنقرة الثلاثاء بعد زيارته لدمشق الأحد، وتأتي زيارة عبد اللهيان لأنقرة قبل زيارة قريبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

ورحب الوزير الإيراني بما وصفها بـ «خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق» فيما أشار تصريح نظيره التركي مولود جاووش أوغلو إلى أن أنقرة «لن تسمح بقيام دولة إرهابية على حدودها الجنوبية». وفي محاولة تخفيف الامتعاض ايران من استثنائها من مسار التطبيع بين الأسد واردوغان قال إن التنسيق «مستمر في إطار أستانة، وأن أنقرة لديها رغبة في تفعيل مسار الحل السياسي».

وأشار أوغلو إلى أن كل من الولايات المتحدة وروسيا لم «تلتزما بتعهداتهما بموجب تفاهمات 2019 لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدود تركيا» مضيفاً «أن تركيا لديها الحق للقيام بما يلزم، ولن تسمح بقيام دولة إرهابية على حدودها الجنوبية».

وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أن زيارة رئيسي إلى أنقرة تأجلت بعد أن كانت مقررة في وقت سابق، وجاء التأجيل لأسباب مرتبطة بجدول أعمال رئيسي الذي قد يزور دمشق، ما يدلل على رغبة طهران في المشاركة برعاية وممارسة دور الوساطة لتقارب تركي مع نظام الأسد.

وفي سياقٍ متصل، وفي محاولة التناغم مع شروط النظام السوري حول انسحاب تركيا العسكري من شمال سوريا قبل البدء بأي تطبيع، قال المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، عمر شيليك: «أن تركيا ليست بلد احتلال في سوريا» مؤكدا على «احترام أنقرة الدائم لوحدة وسلامة سوريا» وجاءت تصريحات شيليك مطلع الأسبوع الماضي ردا على تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد اشترط فيها انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.

ميدانياً، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بسقوط عدة قذائف في محيط القاعدة التركية المجاورة للمشفى الوطني في مدينة اعزاز والأطراف الجنوبية من المدينة، مصدرها مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وقوات النظام السوري بريف حلب الشمالي، وأسفر القصف عن إصابة ستة عناصر من الشرطة المدنية بجروح. وردت المدفعية التركية بقصف استهدف مقرات «قسد» في قرى وبلدات أبين ومرعناز والمالكية والشوارغة التابعة لناحية شران بريف عفرين الشرقي.

واستهدفت مسيرة تركية الخميس، الفائت حاجزا أمنيا لـ «قسد» على المدخل الجنوبي لمدينة الرميلان في محافظة الحسكة، كما طال القصف التركي الأربعاء مواقع عدة لـ «قسد» في محيط عين عيسى وصيدا والمعلق بريف محافظة الرقة، وفي اليوم ذاته قصفت مسيرة تركية سيارة عسكرية تابعة لـ «قسد» بالقرب من قرية معشوق على الطريق الواصل بين بلدتي الجوادية- القحطانية بريف الحسكة، وسبق ذلك استهداف المسيرات التركية ليل الإثنين لعربة عسكرية تابعة لـ «قسد» في محيط قرية تل موزان في الحسكة.

وتأتي هذه التطورات مع تصريحات قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، ترجح بدء العملية التركية في شمال شرق سوريا في شباط (فبراير) المقبل، متوقعا أن العملية سوف تستهدف مدينة عين العرب «كوباني» على الرغم من معارضة التحالف الدولي.

كما استبعد عبدي نجاح الوساطة الروسية في تمكين تقارب تركي مع النظام السوري، مرجعاً سبب ذلك بتمسك النظام بشرط الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وبنفس الوقت عجزه عن الاستجابة لمطالب تركيا بالتعاون في محاربة قوات سوريا الديمقراطية «قسد».

يبدو أن التطبيع بين أنقرة ودمشق ما زال غير ممكن بسبب تشدد النظام السوري في مسألة جدولة انسحاب الجيش التركي من شمال سوريا أو على الأقل تحقيق اختراق ما في هذا الملف يجعل الأسد يوافق على مسايرة روسيا في ضغوطها، وبالتأكيد فإن ربط التطبيع بمسار أستانة وإعطاء دور أكبر لإيران غير كاف أيضاً. ويرجح ذلك أن تلجأ موسكو إلى الإصرار على تطبيق اتفاق موسكو بخصوص إدلب والذي ينص على انسحاب قوات المعارضة إلى شمال طريق حلب اللاذقية/M4 وإنشاء ممر أمني على جانبي الطريق بعمق 6 كم.

القدس العربي

—————————–

قطار التطبيع السوري ـ التركي على طريق حلب ـ اللاذقية/ إبراهيم حميدي

طهران منزعجة بعد استبعادها من المسار… وقلق الأكراد يدفعهم للذهاب إلى دمشق

اتسعت مروحة الاتصالات الأمنية والسياسية السرية والعلنية، في الأيام الأخيرة، لاختبار جديد لأفق التطبيع مع دمشق، بينها لقاءات أمنية سورية – تركية في ريف اللاذقية بهدف فتح طريق حلب – اللاذقية، ووصول وفد كردي من القامشلي إلى العاصمة السورية لاكتشاف حدود التعاون السوري – التركي ضدهم، إضافة إلى وساطة أميركية بين أنقرة والأكراد لتجنب توغل تركي شرق الفرات، وسعي إيراني للدخول إلى خط الوساطة الروسية بين دمشق وأنقرة.

– رعاية روسية

الجديد – القديم في الجهود الروسية، هو إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تمهيد الأرضية لجمع الرئيسين رجب طيب إردوغان وبشار الأسد قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في مايو (أيار) المقبل.

بعد اللقاءات الأمنية بين مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ومدير المخابرات التركية حقان فيدان ثم اجتماع وزراء الدفاع السوري والتركي والروسي، كان مقرراً عقد لقاء بين وزراء الخارجية الثلاثة في العاصمة الروسية.

موسكو وضعت موعداً للاجتماع في 11 الشهر الجاري، لكن أنقرة لم تكن مستعدة لهذا اللقاء بعد «نصيحة أميركية» بعدم إجرائه قبل وصول وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إلى واشنطن في 18 الشهر الجاري. كما أن دمشق لم تكن مستعدة لـ«لقاء لأجل اللقاء»، بل تريد «جدولاً ومخرجات واضحة منه».

استدعى هذا سلسلة اتصالات إضافية. المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف زار دمشق والتقى الأسد. جدد الجانب الروسي رغبته بلقاء الأسد وإردوغان، لكن الأسد ربط حصول هذا اللقاء بالانسحاب التركي من شمال سوريا أو بوضع جدول زمني للانسحاب. وواضح، أن دمشق تريد «إنجازا رمزياً» قبل لقاء الأسد -إردوغان.

أنقرة، من جهتها، أبلغت محاوريها أن جيشها «لن ينسحب من سوريا تحت أي ظرف من الظروف، حتى لو انسحب الأميركيون»، في موقف مناقض لمواقف سابقة، كانت تربط فيها الانسحاب التركي بخروج جميع القوات الأجنبية التي دخلت سوريا بعد 2011 والحل السياسي.

هنا، تركز البحث، عن اختراق في مكان آخر، هو فتح طريق حلب – اللاذقية، أو «إم 4»، ذلك أن هذا الطريق كان مشمولاً باتفاقات خفض التصعيد بين موسكو وأنقرة حول إدلب، بمراحل عدة، بما شمل تسيير دوريات روسية وتركية على هذا الطريق وإقامة منطقة آمنة على جانبيه.

الدوريات توقفت وجهود فتحه علقت في السنوات الثلاث، بعد توقيع اتفاق موسكو في مارس (آذار) 2020. لم تعد موسكو تضغط على أنقرة، لحاجتها إليها في ملفات عدة بينها الحرب في أوكرانيا.

وبالتوازي مع بحث استئناف التعاون ضد «حزب العمال الكردستاني» وبحث إحياء نسخة معدلة من اتفاق أضنة، وعودة اللاجئين السوريين، فإن الجديد حالياً، هو عودة الحديث الجدي لفتح الطريق. بالفعل، عقدت اجتماعات أمنية سورية – تركية في كسب بريف اللاذقية لفتح هذا الشريان، وسط مرونة تركية بالاستعداد لتشغيله مع بقاء سيطرتها عليه وتمسك سوري بموضوع السيادة والسيطرة السورية.

– قلق كردي

على وقع التطبيع السوري – التركي، فتحت الخطوط مجدداً بين دمشق والأكراد. كل طرف يريد جس نبض الآخر بعد رياح التطبيع. بالفعل، زار وفد كردي العاصمة السورية قبل أيام.

حصلت جولات تفاوضية سابقة بغطاء روسي، وجرى تشكيل لجان، وعقدت اجتماعات ثم جمدت، لكن دمشق أرادت حالياً، معرفة مزاج «حلفاء الأميركيين» في الأسابيع الأخيرة. أما، الأكراد، فأرادوا معرفة حدود التطبيع مع أنقرة.

أهداف الاجتماعات، هي بحث العودة إلى تنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعت بين العسكر من الطرفين على وقع الانسحاب الأميركي المفاجئ الذي أقره الرئيس السابق دونالد ترمب في نهاية 2019، وتضمنت انتشار القوات السورية شرق الفرات. الأكراد باتوا أكثر استعداداً على أمل إبعاد شبح التوغل التركي. دمشق باتت أكثر استعداداً للتعامل مع الأكراد من موقع ضعفهم.

مخيم للنازحين في إدلب شمال غربي سوريا في 14 يناير الجاري (إ.ب.أ)

– وساطة أميركية

معروف أن العلاقة بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك وأنقرة، في غاية السوء، لكن الجديد، أن اجتماعاً سرياً عقد في دولة خليجية بين ماكغورك وفيدان، بهدف ترطيب الأجواء. رسالة الأميركيين: ماذا يمكن فعله لتجنب توغل تركي شرق الفرات؟ ماذا يمكن فعله لتلبية بعض المطالب التركية؟ ماذا يمكن فعله لمنع كارثة تحل بالجهود لمحاربة الإرهاب التي تقوم بها شريكة التحالف الدولي، «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)؟

عقب هذا اللقاء، قام المسؤول الأميركي نيكولاس غرينجر بجولة سرية بين أنقرة والقامشلي. محور الوساطة هو: بحث انسحاب قوات الشرطة (أسايش) الكردية من شريط بعمق 30 كلم أو سحب سلاحها، وإعادة تشكيل المجالس المحلية، إضافة إلى إعادة لاجئين سوريين إلى هذه المناطق.

جاويش أوغلو حرص على لقاء المبعوث الأممي غير بيدرسن للإيحاء بأنه مهتم بالحل السياسي في سوريا، قبل سفره إلى واشنطن للقاء نظيره الأميركي أنتوني بلينكن. لكن واقع الحال، أن أي اختراق لم يتم الإعلان عنه. تركيا تقول إنها قالت أكثر من مرة إن «الكيل طفح» وإنها ستقوم بإجراءات أحادية. وأميركا تحذر من أي خطوة تؤثر على الحرب ضد الإرهاب وتفكيك «قسد».

– انزعاج إيراني

إيران منزعجة من الوساطة الروسية بين دمشق وأنقرة لأسباب كثيرة: أولاً، تمت من وراء ظهرها، بل إن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، اشتكى في دمشق قبل أيام، أنه سمع باللقاءات السورية – التركية من الإعلام. ثانياً، اعتقادها أن أي تقدم في هذه العلاقة سيكون على حساب الدور الإيراني العسكري وغير العسكري في سوريا. ثالثاً، دخول الإمارات على الخط، وعرض استضافة أو المشاركة في الاجتماعات السورية – التركية – الروسية بما فيها لقاء القمة الثلاثي المرتقب. وأضيفت إلى ذلك، العقبات التي أخرت ترتيب زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى دمشق التي كانت مقررة آخر العام الماضي. دمشق، التي تريد أن تلعب بأوراق المنافسة بين حليفتيها، موسكو وطهران، منزعجة من استمرار إرسال شحنات أسلحة إلى مطار دمشق الدولي وتعرضه لقصف إسرائيلي متكرر. أيضاً، منزعجة من تأخر وصول ثلاث سفن للنفط من إيران، ومن مسودات اتفاقات تتضمن «تنازلات سيادية» في أمور اقتصادية وتخص معاملة الإيرانيين في سوريا مثل السوريين.

كانت هذه عناوين في زيارة عبداللهيان، أسفرت عن بعض الاختراقات. طهران وعدت بإرسال سفن النفط. دمشق وعدت بالتنسيق إزاء التطبيع مع أنقرة. والجهود استؤنفت لترتيب زيارة رئيسي إلى العاصمة السورية. وبين هذا وذاك، قصفت فصائل موالية لطهران موقع «حلفاء أميركا» شرق الفرات.

مخرجات هذه الاتصالات العلنية والسرية أو بعضها، ستظهر على طريق حلب – اللاذقية وساحات القتال شمال سوريا وشرقها ومروحة الغارات الجوية، مع ترقب السوريين في بيوتهم وخيمهم، بانعكاسها على تحسن وضعهم الإنساني والاقتصادي.

الشرق الأوسط

————————–

تركيا 2023… هل فاز أردوغان؟/ د. خالد محمد باطرفي

يروى أن مدينة كانت تعاني من نظام المواصلات التي تربطها بالمدن والبلدات المجاورة. المشكلة أن الحافلات والناقلات التي تقوم بالرحلات اليومية مرهقة بتراكم السنين وكثرة الصيانة والتعديل، وتعدد السائقين والمهندسين والإداريين… وبالفساد. ولذلك تتأخر أحياناً وتتوقف أخرى، وترتفع قيمة تذاكرها بين حين وآخر، وخاصة في السنوات الأخيرة. وقد أثر ذلك على تكلفة المعيشة وسهولة التنقل وحياة الناس اليومية.

تغيير النظام

انقسم السكان بين من يرى ضرورة التغيير الشامل، واستبدال القائمين على المواصلات بغيرهم، خاصة السائقين الذي كبروا في العمر، وثقلت ظهورهم وكثرت أخطاؤهم. ولم يعودوا بيقظة ونشاط الشباب التي كانوا عليها يوم طوّروا النظام الحالي، ووضعوا أسس الإدارة القائمة، وفكوا ارتباطها بمراكز القوى، خاصة الأمنية. ويوم أنهوا تدخل العسكر والسياسين وغير المتخصصين في شؤون المدينة وإدارة المواصلات فيها.

ويرى المطالبون بضرورة إحالة الجيل السابق الى التقاعد، مع الشكر لما قدّمه، والمحاسبة على ما قصر فيه، واستبدال النظام كله بنظام جديد أكثر حداثة وصلابة، نزاهة وشفافية، إبداعاً وحيوية. ومعالجة تركيبته جذرياً وتفصيلياً بما يضمن التوافق مع الأنظمة المتبعة في المدن الأكثر تقدماً، وخاصة تلك المجاورة والأكثر تشابكاً وترابطاً مع مدينتهم جغرافياً، واقتصادياً، وثقافياً ومجتمعياً.

عيوب المعارضة

وهناك قسم أكثر تحفظاً وخبرة يرى أن التغيير لا يتم بدون التثبت من كفاءة البديل، وأن المشاريع المطروحة من المعارضين والمجددين ومرشحيهم لا ترقى الى وحدة الفكرة، والعمل، والوضوح، المتوافرة لدى الإدراة الحالية، التي أثبتت خلال عقدين قدرتها على العطاء والتجدد والاستمرار، بنفس القيادة، ونفس المشروع، ونفس الأهداف.

ولاحظوا أنه ليس بين أطراف الفريق المتوثب للإحلال التناغم والتوافق المطلوب، وكلٌ يغنى على ليلاه.

فهذا قروي بسيط التعليم، وذاك أستاذ جامعي، وهذا شاب يساري الهوى، لا خبرة له في شؤون الإدارة، أو حتى الحياة، وذاك عالم دين حلوله كلها ماضوية، وعلومه أرشيفية. وهناك السياسي المحنك، يقابله الصحافي المؤدلج. والبيروقراطي العتيق مع رجل الأعمال الدولي، وكلاهما أفنى عمره بين أروقة السياسة والمال والأعمال، ولكن بدون رصيد إنجازات يُذكر في مجال الإدارة الحكومية.

وبين هذا وذاك كل ألوان الطيف الفكري والديني والمؤسسي. وليس هناك تاريخ حافل لعمل مشترك، أو إنجاز باهر، أو خبرة إدارية، أو حتى برنامج واحد وفكر واحد وقيادة واحدة.

الاستقرار والتجربة

وفي المقابل، يرى المحافظون، امتلاك الإدارة الحالية في رصيدها الطويل عقوداً من الخبرة والتماسك والإنجاز. ورغم ترهّلها في السنوات الأخيرة، والخلافات التي فكّكت بعض ترابطها، وتهم الفساد وسوء الإدارة، تبقى صاحبة مشروع واضح، تحقق منه الكثير على أرض الواقع. نظامها (رغم تعقيداته وتثاقله) ما زال يعمل، ومركباتها (رغم التقادم والعيوب) لا تزال تجري كل يوم، وفريقها (رغم التباين وانسحاب بعض أعضائه) لا يزال متناغماً، مترابطاً، وصاحب برامج واقعية، وإنجازات حقيقية، وقيادة موحدة.

وبناءً على ذلك، يرى القسم المحافظ من السكان، وهم أغلبية، أن تبقى الحال على ما هي عليه، في المرحلة الحالية، مع المطالبة بالإصلاح والتطوير والتطهير، بالتدريج، وأن تعطى لأصحاب البدائل والحلول النظرية والأفكار التقدمية والروح الحماسية فرصتهم للتوافق بينهم، والاتفاق على خطة عملية واحدة، يمكن تطبيقها بالإمكانات المتاحة، وبالمستوى المطلوب. وعندما يتحقق ذلك، بعيداً عن الخيال والتنظير، يمكن التدارس مرة أخرى في مطالبات الإحلال والتغيير.

“المستنيرون” يرون

القسم المعارض من السكان، وهم أغلبية، يعتبرون أنفسهم من طبقة ”مستنيرة“ ومتوثبة، متحررة ومنفتحة. وهم يصرّون على أن استمرار الحال من المحال، والتغيير بطبيعته له مخاطره، إلا أنها مخاطرة مقبولة، ومخاض محتمل، في سبيل حياة أكثر مواكبة لوتيرة الحاضر الكوني، وأكثر قدرة للتسابق على مسار المستقبل. والحلول وإن كانت نظرية حالياً، فإنها تتشكل مع الأيام، وقابلة للتحقيق، وتجارب المدن الأخرى تثبت ذلك. ومهما كان الثمن الذي ستدفعه المدينة وأهلها اليوم، سيكون أرحم من الثمن الذي سيدفعه الجيل القادم، فقطار التاريخ يمضي بأسرع من قدرة الإدارة الحالية على النموّ والتحول والتطوّر، وبالتالي اللحاق بالركب العالمي.

ويعترف هذا القسم بوجود اختلافات في المنطلقات والرؤى والقيادات بين المجموعات المتحالفة، إلا أنها مسألة طبيعية لا تختلف عن أي واقع أي ائتلاف في أي مدينة أخرى. والمهم أن الجميع متفق على ضرورة التغيير للأفضل، وإصلاح النظام السائد. وفي النهاية سيتمخض هذا الحراك عن برنامج عملي وقيادة قادرة على تحقيق الأهداف، بتعاون أهل المدينة وتكاتفهم، وصبرهم وثباتهم، ودعمهم وتأييدهم.

شبكة متداخلة

الخلاف والاختلاف ليسا حالة محلية، منبعها ومؤثراتها وتداعياتها تخص المدينة وحدها. فالمدن والمناطق المحيطة، خاصة الأكثر ثراءً وتأثيراً، لها مصالح مشتركة، وعلاقات قوية مع هذا الطرف أو ذاك. والمدينة جزء من شبكة المواصلات والمنظومة الإقليمية والدولية. وأي تقلبات أو تغييرات محلية، غير مدروسة أو محسوبة، وغير متفق عليها مع محيطها، تؤثر تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على كل ذي صلة ومصلحة في الداخل والخارج.

ولأن نظم المواصلات في المناطق الأخرى تمر هي الأخرى بمراجعات بعضها جذري، وتواجه تحديات بعضها أصعب، فإن الحالة، حالياً، تتطلب نظاماً متماسكاً، صعباً ومعروفاً. يسهل التعامل معه والاعتماد عليه. وفي غياب البديل الأفضل والأضمن، فقد قرر الجميع، حتى المختلفون منهم، دعم الوضع الحالي، والترحيب بمبادراته التوافقية، وتنازلاته الشجاعة، والعمل معه على تحسين الشبكة الداخلية وحل إشكاليات الشبكة المشتركة.

من القصر الى القبر

أما قادة النظام الحالي، فالمسألة بالنسبة اليهم حياة أو موت. فخروجهم من الإدارة، وتسلّم إدارة مناوئة للسلطة، يعني فتح ملفات قديمة وجديدة، ورفع قضايا دعاوى تتعلق بمخالفات نظامية ومالية، قد تنتهي بخروجهم الى السجون لا البيوت، وتلحق بتاريخهم الموسوم بالإنجازات والنجاحات الخزي والعار. وتقلب عليهم صفحات التاريخ التي يكتبها، دوماً وأبداً، المنتصرون، من أصحاب السلطة والمال، والبوق والقلم. ولذا فسيعملون المستحيل، ويقدّمون التضحيات والتنازلات، ويقومون بالمراجعات والتصحيحات، ويعملون على تصفير المشاكل وتوفيق المواقف مع المؤثرين في الداخل والخارج.

وقصص من خسر كرسيّه، فخسر مصالحه، أو حريته، أو حياته، وانتهى الى هامش التاريخ، حاضرة ومتكررة ومؤلمة، حاضراً وماضياً، في كل المدن القريبة والبعيدة. ومن لا يعتبر بغيره يعتبر به غيره، “فما أكثر العبر وأقل الاعتبار”.

الفوز المضمون

وبناءً على ذلك، فقد توافقت القوى والظروف والمصالح المحلية والخارجية على التجديد للإدارة الحالية. فما يجري في المحيط من تحولات وتقلبات، وما يخطط له من مواجهة وتغيير، وما ينتظر اندلاعه من صراعات وثورات، يتطلب تمكين المدائن المستقرة، والقيادات القوية، والشركاء المجرّبين.

وتفاعل الإدارة الحالية مع الأحداث، وتجاوبها مع مع المخططات الدولية للحل، وقدرتها على لعب الأدوار المحددة لها، وتحقيق النتائج المطلوبة منها، تجعلها الخيار، لا الأفضل فحسب، بل الوحيد. فالبديل مفكك، تائه، وضعيف. ليس له تاريخ يمكن البناء عليه، أو حاضر يمكن الاطمئنان إليه، أو مشروع مستقبل يمكن التفكر فيه.

هذه القصة تمثّل حال حزب العدالة والتنمية في #تركيا والرئيس رجب طيب #اردوغان. وموقف الناخبين تجاه الانتخابات القادمة. والتي ستكون تصويتًا على أداء الإدارة والحزب في السنوات الأخيرة، مقابل التحالف الهشّ الذي يجمع أحزابًا غير مجربة وغير متّفقة، وتفتقد لقيادة موحّدة، وشخصية معروفة، لها شعبيتها وتاريخها.

التوقّعات تشير إلى عدم وجود معارضة قوية، متماسكة ومنسجمة، أو برنامج واضح مطمئن. والخوف يجمع المتردّدين والمعارضين لسياسات الحزب الحاكم من البديل الغامض، في خضمّ التحدّيات التي يمرّ بها العالم، والمنطقة، وتركيا.

إذن، هل نقول مباركًا التجديد للرئيس اردوغان وحكومته وحزبه؟ ربما كان الوقت مبكرًا لحكم جازم، حازم، فالمفاجأة في مواسم الانتخابات واردة.

في كلّ الأحوال ندعو للفائز بالتوفيق والنجاح في المرحلة العاصفة، الصعبة، الحرجة، القادمة.

*أستاذ بجامعة الفيصل

النهار العربي

————————–

اختلافات داخل المعارضة السورية في أميركا..بعد لقاء تشاووش أوغلو

شهدت الأوساط السورية في الولايات المتحدة حالة من الانقسام، وذلك على خلفية لقاء وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بممثلين عن الجالية السورية في نيويورك، ومنظمات أميركية- سورية، الجمعة، قبل اختتام زيارته إلى الولايات المتحدة.

وأبدت شخصيات سورية اعتراضها على اللقاء، معتبرة أن اللقاء مع تشاووش أوغلو في الوقت الذي تتوجه فيه بلاده إلى التطبيع مع النظام السوري، قد يُفهم منه موافقة الجالية السورية الأميركية على المسار الذي اختارته أنقرة.

ويرفض الرئيس التنفيذي لمنظمة “سوريا طريق الحرية” الدكتور هشام نشواتي، اعتبار الشخصيات السورية التي حضرت اللقاء أنها تمثل المعارضة السورية في الولايات المتحدة، ويقول لـ”المدن”: “غالبية الحاضرين يترأسون منظمات مجتمع مدني، وتنفذ منظماتهم المشاريع في الشمال السوري الخاضع للنفوذ التركي، ما يعني أن موقفهم من التطبيع سيكون خجولاً، لأنهم يخضعون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لتأثير القرار التركي”.

وكان تشاووش أوغلو، قال بعد اللقاء إنه “التقى بممثلي الجالية السورية في الولايات المتحدة، وجددنا دعمنا للعملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254”.

وحسب نشواتي، فإن اللقاء لم يُفلح بالحصول حتى على وعود من الوزير التركي بوقف مسار التطبيع، متسائلاً: “ما هو الهدف من اللقاء”؟، معتبراً أن “الأجدى بمنظمات المجتمع المدني السورية- الأميركية إرسال مواقف أكثر قوة وحزماً ورافضة للتطبيع رفضاً مطلقاً بين تركيا والنظام”.

وبذلك، يشدد الرئيس التنفيذي لمنظمة “سوريا طريق الحرية” على أن الاجتماع لا يمثل الموقف السياسي للمعارضة السورية في الولايات المتحدة، لأنه ليس لدى المعارضة السورية في أميركا جهة تمثيلية واحدة، أو مكتب سياسي يعبر عن موقفها السياسي، وإنما هناك تجمعات مدنية ومنظماتية، ويقول: “يجب ألا يُفهم اللقاء على أنه لقاء سياسي وإنما لقاء تجمع لأفراد يمثلون أو يعملون في منظمات المجتمع المدني”.

ويرى نشواتي أن القضية السورية يجب ألا تكون عرضة للمساومات، قائلاً: “للجانب التركي حساباته في موضوع التطبيع مع الأسد، لكن هذه الحسابات لا تعنينا، علماً أن لتركيا إسهامات إيجابية في الملف السوري، وخاصة على مستوى استضافة اللاجئين السوريين”.

بيان الجالية السورية

وأعلنت الجالية السورية، في بيان، انعقاد لقاء مع تشاووش أوغلو بالتنسيق بين “التحالف الأميركي من أجل سوريا” و”المجلس الأطلسي”، كما حضره ممثلون عن الجالية من أكثر من 15 منظمة تسعى لتحقيق الحرية والديمقراطية في سوريا.

وقالت إن قادة الجالية قدموا للوزير التركي والوفد المرافق له توصياتهم السياسية التي تم جمعها من السوريين المقيمين في الولايات المتحدة وفي سوريا، مؤكداً أن “الجالية عبرت عن رفضها بشدة أي تطبيع مع نظام الأسد، وحثت خلال الاجتماع على تذكر الفظائع التي ارتكبها النظام السوري ودوره في رعاية وتمكين الإرهاب قبل بحث أي مصالحة معه”.

من جهته، يرفض رئيس منظمة “مواطنون من أجل أميركا آمنة ومأمونة”، الدكتور محمد بكر غبيس الذي حضر اللقاء، اعتبار البعض أن اللقاء مع الوزير التركي كان بمثابة غطاء لاستمرار مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري.

ويقول لـ”المدن”: “في اللقاء كان الوزير التركي يستمع من الحاضرين للأفكار والتحفظات على مسار التطبيع”، مشيراً إلى أنه “جرى الاتفاق على استمرار عمليات التشاور مع الجانب التركي”.

مجريات اللقاء

وعن مجريات اللقاء، يقول غبيس إن “الوزير التركي أوضح أن المحاولات التي تقوم بها بلاده للتواصل مع النظام السوري، تأتي في إطار التعامل من تركيا مع الواقع، وليس من باب القبول بسلوك النظام”.

وأضاف أن تشاووش أوغلو أشار إلى توقف كل المسارات السياسية السورية بسبب تعنت النظام، وقال إن “المسار الجديد جاء بمبادرة روسية بهدف تحريك الحل السياسي”.

أما عن الجانب السوري في الاجتماع، فأكد غبيس أن الرفض للتطبيع كان قاسماً مشتركاً لكل الحاضرين، وقال: “حضرّنا جيداً للقاء، وأكدنا على موقف موحد رافض للتطبيع”.

من جهة أخرى، أشار غبيس إلى تناول ملف اللاجئين السوريين في تركيا، مبيناً أن “الوزير التركي نفى أن تكون لدى بلاده نوايا لإجبار اللاجئين السوريين على العودة قسرياً”.

وكذلك قال رئيس “مواطنون من أجل أميركا آمنة ومأمونة” إنه تم التطرق إلى المخاطر المحدقة بملايين السوريين في الشمال السوري في حال فتح مسألة “المصالحة” مع النظام، مشيراً إلى أن “تشاووش أوغلو شدد على أن تركيا لن تتخلى عن السوريين والمعارضة السورية، من دون أن يخوض في تفاصيل أوسع”.

———————-

قلق الأكراد يدفعهم إلى «حضن» دمشق

إيران منزعجة من استبعادها عن «قطار التطبيع» السوري ـ التركي

لندن: إبراهيم حميدي

يبدو أن قلق أكراد سوريا يدفعهم إلى حضن دمشق. فعلى وقع القلق من التطبيع السوري – التركي، زار وفد كردي، دمشق قبل أيام؛ لبحث تنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعت نهاية 2019، وتضمنت انتشار القوات السورية شرق الفرات.

وكانت موسكو وضعت موعداً للاجتماع الوزاري السوري – التركي – الروسي في 11 فبراير (شباط) المقبل، لكن أنقرة لم تكن مستعدة لهذا اللقاء بعد «نصيحة أميركية» بعدم إجرائه قبل وصول وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إلى واشنطن في 18 الجاري. كما أن دمشق لم تكن مستعدة لـ«لقاء لأجل اللقاء»، بل تريد «جدولاً ومخرجات واضحة منه».

واستدعى ذلك قيام المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينييف بزيارة لدمشق ولقاء الرئيس بشار الأسد، لنقل رغبة الرئيس فلاديمير بوتين في لقاء الأسد والرئيس رجب طيب إردوغان، لكن الأسد ربط حصول اللقاء بالانسحاب التركي من شمال سوريا أو بوضع جدول زمني له، لكن تركيا أبلغت محاوريها أن جيشها «لن ينسحب من سوريا تحت أي ظرف».

وتركز البحث على اختراق في مكان آخر، هو فتح طريق حلب – اللاذقية، المشمول باتفاقات خفض التصعيد حول إدلب، وعُقدت اجتماعات أمنية سورية – تركية في ريف اللاذقية لبحث فتح الطريق المعروف بـ«إم 4».

من جهته، أبلغ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان دمشق بانزعاج بلاده من استبعادها عن وساطة موسكو بين دمشق وأنقرة.

————————–

هل تفاهمت أنقرة وواشنطن سوريًا؟/ سمير صالحة

أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الأميركي أنتوني بلينكين، “حواراً شاملاً حول التعاون الثنائي الموسع الذي يركز على أهمية الشراكة القائمة بين البلدين” بحسب البيان الختامي المشترك الصادر عن الطرفين. هي الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها الوزير التركي إلى العاصمة الأميركية منذ عامين، بعد تدهور العلاقات في كثير من الملفات الثنائية والإقليمية.

لم يقصد جاويش أوغلو العاصمة الأميركية لسماع عبارات الإطراء والإشادة بالجهود التركية في التعامل مع ملف الحرب في أوكرانيا. ولم يتوجه إلى هناك من أجل تصريحات تؤكد التزام الطرفين بالعملية السياسية التي لا بد منها في سوريا وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. أو محاولة إقناع الجانب الأميركي بتشكيل آلية عمل موحدة تناقش ملفات الخلاف والتباعد. هو كان يبحث أكثرعن معرفة مدى استعداد واشنطن لمراجعة سياستها السورية وهل ستعطي أنقرة ما تريده مما سيفتح الطريق أمام السياسة التركية الجديدة أو لا ومما ستكون له ارتداداته الإيجابية في الداخل التركي حول تراجع التوتر والاحتقان المزمن في العلاقة بين أنقرة وواشنطن.

تلتقي قناعة الكثيرين في تركيا وأميركا على السواء عند ضرورة إنهاء الخلافات وتراجع أميركا عن محاولات عزل تركيا وإضعافها إقليميا. وأنه على واشنطن البحث عن فرص ووسائل كسب أنقرة إلى جانبها بعدما تزايد نفوذها وموقعها الإقليمي في التعامل مع ملفات استراتيجية حساسة تعني أميركا. لكن الواقع يقول إن مسألة التقارب والتطبيع التركي الأميركي تحتاج إلى وقت طويل وستكون مرتبطة بخيار أنقرة الدخول في تقارب وتطبيع مع النظام في دمشق أم لا.

تدرك أنقرة أن الليونة الأميركية في موضوع صفقة المقاتلات أف 16 ودفع الملف نحو الكونغرس للموافقة عليه هدفها تسهيل صفقة المقاتلات أف 35 اليونانية وتجنب إغضاب الأتراك أكثر من ذلك فالروس والإيرانيون ينتظرون لحظة من هذا النوع. لكن المقايضات التركية الأميركية هي أبعد وأهم من ذلك. أنقرة تريد إنجاز اختراق حقيقي في التعامل مع الملف السوري بأكثر من اتجاه:

 – مصير العملية العسكرية التركية في شرق الفرات ومعرفة إذا ما كانت واشنطن ستراجع مواقفها حيال “قوات سوريا الديمقراطية” أم لا.

– الموقف الأميركي بإتجاه السياسة التركية الجديدة في سوريا.

– القرار النهائي لواشنطن حيال الحوار التركي مع النظام في دمشق.

– ما الذي تقوله وتريده واشنطن حول ترتيبات اللقاء الثلاثي على مستوى وزراء الخارجية بين جاويش أوغلو والمقداد برعاية لافروف.

تحاول واشنطن إطالة عمر الأزمة السورية قدر الإمكان لعرقلة حسابات اللاعبين المؤثرين في الملف. وتحاول أنقرة إبلاغها أن الأمور لم تعد تحتمل الإطالة لأنها هي من يتحمل ارتدادات المسار السلبي في الموضوع. وهنا يدخل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على الخط، ليعلن أمام العدسات من موسكو أنَّ بلاده دعمت وتدعم تسوية العلاقات مع الأكراد في سوريا، وتوسيع قنوات الحوار للمكوّن الكردي مع دمشق؛ لكن “واشنطن سعت لاستخدام الأكراد لبناء دويلة انفصالية في سوريا، بهدف تحولها إلى مصدر إزعاج وتهديد لبقية الأطراف، ما أثار قلق تركيا”.

ما يقوله لافروف في العلن لا يقل قيمة وأهمية عن زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة قبل ساعات من توجه جاويش أوغلو إلى واشنطن. موسكو وطهران تريدان عبر خطوة من هذا النوع إرباك حسابات أي تقارب تركي أميركي قد يهدد نفوذهما ومصالحهما في سوريا.

تقول أنقرة لواشنطن ما تفعلونه في سوريا وما لا تريدون الإعلان عنه هناك يتعارض مع سياسات وحسابات تركيا. انعدام الموقف الأميركي الواضح سيدفع أنقرة لمواصلة سياسة الانفتاح على موسكو في سوريا أكثر فأكثر، وعلى واشنطن أن تتحمل مسؤولية ذلك. هدف أنقرة هو جر واشنطن إلى المسار التركي الجديد في سوريا أو إلزامها بتقديم البديل، وإلا فإنها ستكون هي المسؤولة عن تحمل وزر المزيد من التباعد بين الطرفين في سوريا.

تريد أنقرة أن تعرف مدى استعداد فريق عمل الرئيس جو بايدن للانفتاح على تنسيق تركي روسي في سوريا، وما سيواكب ذلك من متغيرات سياسية وميدانية في مسار الملف. أم هناك عروضا أميركية عملية بديلة تطمئن أنقرة في سوريا وهو ما لم تقدم عليه واشنطن حتى الآن.

لم تعط أنقرة وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته الأخيرة للعاصمة التركية، كل ما أراده من تطمينات وتعهدات حول مراعاة ما تقوله طهران وتريده في سوريا. والدليل أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يقول إن اللقاء الثلاثي المرتقب بين جاويش أوغلو والمقداد بحضوره ورعايته سيعقد وسط تعتيم كامل على الدور الإيراني وطلب طهران المشاركة في هذا اللقاء. ارتدادات تصريح لافروف كان لها تأثيرها حتما في واشنطن حيث تتمسك تركيا بعملية المقايضة في شرق الفرات. “قسد” مقابل النفوذ والتوغل الإيراني في سوريا. فهل نجح جاويش أوغلو بإقناع الجانب الأميركي أن التمسك بوضع روسيا وإيران على مسافة واحدة في سوريا لن يخدم فرص البحث عن صيغة خروج من الأزمة هناك؟

حتما كانت هناك نقاشات صعبة في واشنطن بين الوزيرين لكنها لم تتوج بقرار بايدن فتح مكتبه البيضاوي أمام جاويش أوغلو كما فعل أردوغان مع الوزير عبد اللهيان قبل أيام. هل يعني ذلك أن نتائج المحادثات لم تتوج بانبعاث الدخان الأبيض من مبنى الخارجية الأميركية وأن النقاشات ما زالت تحتاج إلى المزيد من اللقاءات والشد والجذب حيث يحاول كل طرف أن يفاوض الطرف الآخر في الملف السوري آخذا بعين الاعتبارمصالحه وعلاقاته مع حلفائه المحليين والإقليميين ولعبة التوازنات القائمة؟

الانفتاح التركي الأخير على تل أبيب والعديد من العواصم العربية والتمسك بحبال العلاقة مع واشنطن بين البدائل التي تريد تركيا حمايتها في حسابات خط الرجعة مع روسيا وإيران. احتمال آخر أن تكون تصريحات الرئيس التركي في مطلع تشرين الثاني المنصرم وفي ذروة التقارب التركي الإسرائيلي حول “سنبذل ما بوسعنا للتعاون مع إسرائيل في شرق المتوسط، ولإحراز تقدّم عبر مقاربات إيجابية قائمة على أساس الربح المتبادل” بين ما يرضي الإدارة الأميركية أيضا.

تصلب أنقرة لناحية التمسك في انفتاحها على موسكو في سوريا، قابله حتما تصلب واشنطن في موضوع ضرورة إضعاف طهران هناك، إرضاء لحلفائها وشركائها الإقليميين وهو ما قد لا تعترض عليه القيادة التركية. هذا ما تعرفه إيران جيدا وهذا ما دفع عبد اللهيان للتحرك باتجاه العاصمة التركية في محاولة لتقديم العروض والتنازلات أو التلويح بأوراق القوة التي تملكها بلاده والقادرة على المساس بمصالح تركيا في أكثر من بقعة جغرافية.

ما بقي في الذهن هو رسائل التفاؤل التي أعلنها جاويش أوغلو وهو يستعد للعودة إلى أنقرة “اللقاء مع بلينكين كان مثمرا للغاية ومفيدا من ناحية تطوير العلاقات الثنائية”. هل ينبطق ذلك على العلاقات التركية الأميركية في سوريا؟

تلفزيون سوريا

—————————–

====================

تحديث 31 كانون الثاني 2023

——————————-

سوريا بين القوى الإقليمية/ رياض نعسان أغا

حين انكفأت الراية العربية بعد سقوط بغداد، تداول حملَها الفرس والأتراك وظهرت دول عديدة منها دول البويهيين والسلاجقة، ثم استعاد العربُ حضورَهم حين ظهرت دولة الفاطميين في المغرب ومصر، وظهر الحمدانيون والزنكيون والأيوبيون والمماليك في مصر وبلاد الشام، كما ظهرت دول الموحدين والمرابطين والأدارسة في المغرب. وكان الفاطميون قد أسسوا أولَ خلافة شيعية، انتهت بظهور دولة صلاح الدين الأيوبي الذي تصدى للفرنجة وأسس دولتَه كامتداد للدولة الزنكية. وانتهت دولةُ الأيوبيين إلى دول المماليك التي انتهت بدورها بظهور الدولة العثمانية. وكان الصراع بين الأتراك والفرس أقدَم من ظهور الإسلام، إذ نشبت بينهما حروبٌ ضخمة في القرن السادس الميلادي، ثم وحّد بينهم الإسلامُ، لكن فرقتهما المذاهبُ والطموحات فتوالت الحروب بين الصفويين والعثمانيين، وكانت بدايتها معركة جالديران في مطلع القرن السادس عشر، واستمرت إلى الحرب العثمانية القاجارية ومعاهدة أرض روم، في القرن التاسع عشر.

وقد حرصت إيران وتركيا في القرن العشرين على تعزيز الصِّلات السلمية بينهما وطي صفحة حروب الماضي، وبقي لكل دولة منهما مشروعها ونظامها الخاص، وبقيت سوريا وبلاد الشام الفسحة الأكبر بينهما. وبعد انهيار الدولة العثمانية ساد في بلاد الشام شعورٌ رسمي بالعداء لتركيا وللتاريخ العثماني كله، وكانت العلاقات بين سوريا وتركيا شديدة الجفاء في القرن الماضي، حتى أنها وصلت حافة الانفجار في التسعينيات بسبب قضية عبد الله أوجلان، وجاء الحسم باتفاقية أضنة. ومع استلام أردوغان رئاسةَ الوزراء في تركيا بدأ تحسن العلاقات بين البلدين، ووصلَ ذروةً عاليةً في العقد الأول من القرن الراهن، ورأت تركيا في سوريا بوابةً تنطلق منها لتعميق صلتها بالعالم العربي، وتعويضاً عن القبول في الاتحاد الأوربي، حيث بدأت تركيا تركز على عمقها العربي والإسلامي وعمقت علاقاتها مع إيران.

وحين بدأت المأساة السورية عام 2011 حرصت دول شقيقة وصديقة على مساعدة الحكومة السورية في إطفاء النيران قبل أن يتسع لهيبها، وكانت الإمارات والسعودية وتركيا من أبرز المتدخلين لإطفاء الحرائق، وتكررت الزيارات لسوريا بغية التشاور والنصح وتقديم العون، لكن التدخلات الإقليمية الأخرى كانت أقوى تأثيراً، وتصاعدت الحرائق وتباعدت المواقف. وبحكم الجوار استقبلت تركيا ملايين اللاجئين السوريين الذين طال أمد لجوئهم. ومع ظهور القضية الكردية في الشمال الشرقي السوري، خشيت تركيا من التداعيات وانغمست في الصراع السوري. ومع تزايد التدخلات العسكرية الدولية، تحولت تركيا إلى طرف في الصراع، وتصاعد سعيها للتوازن في علاقاتها مع إيران وروسيا، فباتت عضواً معهما في ثلاثي آستانة.

ومع أن مسار التقارب الراهن بين أنقرة ودمشق قد تعثر، لصعوبة الشروط التي تبادلها الفريقان، فإن الحديث عن القرار الدولي 2254 دفع الخارجية الإيرانية للحضور في مسار الحدث، لاسيما بعد أن ظهر موقف عربي مؤيد لمسار التقارب.

وبقي السؤال الدائر: هل يمكن لهذا التقارب أن يتجاوز الشروط المعلنة صعبة التحقق؟ وهل يمكن أن يتنازل أحد الطرفين عن تفسيره للقرار الدولي 2254؟ وهل ستقبل إيران بتغيير دورها في ملف الصراع السوري؟ وهل ستكون الولايات المتحدة راضية بتصاعد التفاهم العربي التركي الروسي؟ وهل يمكن إجراء مصالحات بين السوريين، عرباً وكرداً، في شرق الفرات وغربه؟

سيبقى مفتاح الحل بيد روسيا التي تملك التأثير الأكبر على دمشق.. وفيما تتنافس دول كبرى على حصتها من النفوذ، يغرق ملايين السوريين في أوحال غربتهم ومنافيهم.

*نقلا عن الاتحاد

———————————

تركيا تدعم جهود مساءلة نظام الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما

حديث كردي عن «صفقة» قيد البحث تشمل مشروعاً متكاملاً لشمال سوريا وشرقها

أنقرة: سعيد عبد الرازق

أعلنت تركيا، اليوم (الأحد)، أنها ستواصل دعم جهود منظمة «حظر الأسلحة الكيميائية» الرامية لضمان المساءلة عن استخدام تلك الأسلحة في سوريا، وذلك على خلفية الهجوم بغاز الكلور في دوما بريف دمشق الذي أدى إلى مقتل 48 شخصا والذي كشف فريق التحقيق، التابع للمنظمة، مسؤولية النظام السوري عن تنفيذه.

وذكرت وزارة الخارجية التركية، في تعليق على تقرير منظمة «حظر الأسلحة الكيميائية» الصادر الجمعة، حول استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية في الهجوم الذي وقع في 7 أبريل (نيسان) 2018، أن «فريق التحقيق والكشف التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الذي أنشئ لتحديد الأطراف التي تستخدم الأسلحة الكيميائية في سوريا، كشف في تقريره الثالث أن الهجوم بغاز الكلور الذي وقع في دوما، نفذه النظام».

وأضاف بيان الخارجية التركية: «لقد ثبت أن النظام مسؤول عن هجوم آخر بالأسلحة الكيميائية… ستواصل تركيا دعم الجهود الرامية لضمان المساءلة في سوريا، ولا سيما الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية».

وقالت المنظمة الدولية، ومقرها لاهاي في تقريرها، إن محققيها وجدوا أسبابا «ذات أساس» تفيد بأن النظام السوري أسقط أسطوانتين تحويان غاز الكلور على مدينة دوما في أبريل 2018، ما أسفر عن مقتل 43 شخصا، مشيرا إلى استخدام نظام بشار الأسد الأسلحة الكيميائية خلال الحرب الأهلية الطاحنة في بلاده.

وجاء في التقرير أنه «استنادًا إلى التقييم الشامل، استنتج فريق التحقيق التابع للمنظمة أنه مساء يوم 7 أبريل 2018، ألقت طائرة هليكوبتر واحدة على الأقل من قوات النمر التابعة للنظام، أسطوانتين صفراوتي اللون تحتويان غاز الكلور السام على بنايتين سكنيتين بمنطقة مأهولة بالسكان في دوما ما أسفر عن مقتل 43 شخصا وإصابة عشرات».

وانضمت سوريا إلى منظمة «حظر الأسلحة الكيميائية» عام 2013، تحت ضغط من المجتمع الدولي بعد إلقاء اللوم عليها في هجوم آخر قاتل بالأسلحة الكيميائية، لكن النظام السوري لا يعترف بسلطة فريق التحقيق التابع للمنظمة، وينفي أي تقارير بشأن استخدامه الأسلحة الكيميائية في عملياته.

على صعيد آخر، قصفت قوات النظام المتمركزة بالحواجز المحيطة بمنطقة خفض التصعيد في محيط مدينة الأتارب، وبلدتي كفرتعال، وكفرعمة بريف حلب الغربي بالمدفعية الثقيلة.

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بأنه لم يتم رصد خسائر بشرية في الهجمات وأن الأضرار اقتصرت على الماديات. كما اندلعت اشتباكات متقطعة، بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، بين قوات النظام و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا، على أطراف مدينة مارع بريف حلب الشمالي.

كما أفيد عن استهداف المدفعية التركية لقريتي حربل والشيخ عيسى بريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة «قسد» والنظام السوري في ريف حلب الشمالي. كما استهدفت قوات النظام مواقع «الجيش الوطني» بالمدفعية الثقيلة.

واستقدمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تعزيزات عسكرية جديدة ضمت مدرعات وصهاريج وقود، عبر معبر الوليد الحدودي مع إقليم كردستان العراق باتجاه قواعدها العسكرية بريف الحسكة، للمرة الثانية في أقل من أسبوع، وسط تصاعد تحذيرات «قسد» من إقدام تركيا على عملية عسكرية تستهدف مواقعها في شمال سوريا.

وتألفت التعزيزات العسكرية من 20 شاحنة مغلقة، إضافة إلى شاحنات أخرى تحمل مواد لوجستية، ومدرعات عسكرية، وعدد من صهاريج الوقود. والى ذلك، تحدثت تقارير في وسائل إعلام كردية، عن مساع للولايات المتحدة لطرح ما وصفته، بـ«مشروع متكامل» في مناطق شمال وشرق سوريا، بعد أن تتفق مع تركيا على صيغة محددة، خلال اللقاءات المكثفة التي يجريها المبعوث الأميركي لشرق سوريا نيكولاس غرينجر بمختلف الأطراف في المنطقة، ضمن مساع جديدة لتشكيل إطار واسع يضم مختلف القوى السياسية والعشائرية من مختلف المكونات.

وعقد غرينجر خلال الأسبوعين الماضيين لقاءات مع عدد من القوى السياسية وزعماء العشائر الكردية والعربية والسريانية والآشورية في شمال شرقي سوريا، تمهيدا لطرح مشروع متكامل في المنطقة وانعقاد مؤتمر لتلك الأطراف.

وبحسب التقارير، فإن المبعوث الأميركي «لم يطرح شيئا ملموسا حتى الآن، بل يقوم بالاستماع ومناقشة أفكار عامة، مثل أهمية أن يكون هناك استقرار في المنطقة، وضرورة مشاركة الجميع في إدارتها، من دون استثناء أحد، وألا تكون العلاقة مع تركيا عدائية… وإن المشروع الكامل سيطرح بعد الاتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا على صيغة محددة، نظرا لاستمرار اللقاءات بين الطرفين على مستوى الدبلوماسيين المعنيين بالملف السوري حول هذا الموضوع، لا سيما بعد زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لواشنطن الأسبوع قبل الماضي».

ويرى مراقبون أن أنقرة باتت تتمهل في تصريحاتها وخطواتها للتطبيع مع نظام الأسد بعد زيارة جاويش أوغلو للولايات المتحدة، التي أعلنت صراحة رفضها أي تقارب من جانب أي دولة مع النظام، لكن تركيا تطمح في الوقت ذاته، إلى تنفيذ مطالبها في شمال سوريا المتعلقة بتنفيذ الولايات المتحدة وروسيا تعهداتهما بإبعاد «قسد» عن حدودها لمسافة 30 كيلومترا بهدف إقامة حزام أمني واستكمال المناطق الآمنة لاستيعاب اللاجئين السوريين لديها.

الشرق الأوسط

———————

هل أضحت تركيا عبئاً على الناتو؟/ محمود علوش

منتصف مايو/ أيار المقبل، سيكون قد مضى عام على تقديم فنلندا والسويد طلباً للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). رغم أنّ الطلب مُصمّم لمواكبة التحوّلات التي أحدثها غزو روسيا أوكرانيا على الهيكل الأمني الأوروبي السائد منذ نهاية الحرب الباردة، إلّا أنّ الدولة التي لا تزال تُعرقله هي تركيا العضو في الحلف، ولديها مشروعية في هذا، فقد سبق وأبرمت معهما في يونيو/ حزيران الماضي مذكرة تفاهم ثلاثية لتلبية مجموعة من المطالب، في مقدمها تعاون الدولتين معها في مكافحة الإرهاب وتسليم مطلوبين لديها، لكنّ معظمها لم يتحقق. مع ذلك، لا يتعلق اعتراض تركيا على توسيع “الناتو” في جوهره بأزمتها مع هذين البلدين، بل في نتيجة عقود من تراجع الثقة المتبادلة بينها وبين شركائها الغربيين، أعادت إثارة جدل قديم جديد في الغرب بشأن مستقبل تركيا في الحلف، وما إذا كانت قد أضحت عبئاً عليه. مع أن مثل هذا النقاش يظل محصوراً في إطار الدوائر الإعلامية الغربية، التي ركّزت عليه في الآونة الأخيرة، ولم تتبنَّه أي دولة غربية بشكل مُعلن، إلّا أنّه صدى لنمو خطاب سياسي غربي يعمل على التشكيك الضمني بجدوى أن تبقى تركيا شريكاً في المنظومة الأطلسية.

إثارة مثل هذا التساؤل في الوقت الراهن بشأن عضوية حليف مهم وحيوي في الوقت الذي يسعى “الناتو” إلى ضم بلدان أخرى أقل أهمية من الناحية الجيوسياسية والعسكرية يفتقر إلى الحكمة والبصيرة الاستراتيجية. لكنّه، مع ذلك، يُمكن أن يُنتج نقاشاً صحياً إذا ما أدّى إلى طرح الأسباب الحقيقية التي جعلت تركيا تلعب، من وجهة نظر بعض الغربيين، دوراً مفسداً داخل الحلف. بعيداً عن بعض الأطروحات الغربية غير الواقعية بشأن الهوّة المتزايدة في القيم والمبادئ الديمقراطية بين الغرب وتركيا سببا لابتعادها عنه، والتي تبدو محاولة من بعض الغربيين تبرير مسؤوليتهم عن تردّي العلاقات مع أنقرة، فإنّ من الأفضل التركيز، بدلاً من ذلك، على الأسباب الواقعية لهذه المشكلة. قبل كلّ شيء، لم يكن عامل القيم والمبادئ ما دفع تركيا والحلف إلى الدخول في علاقة في خمسينيات القرن الماضي، بل المصالح الواقعية التي أملت على الطرفين في تلك الفترة هذه العلاقة. لم تنضم تركيا إلى “الناتو” بسبب رغبة عميقة في أن تصبح جزءًا من الغرب، ولم ترحب الولايات المتحدة بتركيا في التحالف من منطلق التزامها المبدئي بالديمقراطية. منذ نشأة الحرب الباردة، كان تحالف الولايات المتحدة مع تركيا قائمًا على أهداف مشتركة، وليس على مُثُل مشتركة، وهي مواجهة التهديد المتصوّر على أنقرة و”الناتو” من الاتحاد السوفييتي. ولكنّ تراجع هذا التهديد سُرعان ما أدّى إلى تراجع القضية المشتركة وبروز تأثير القضايا الخلافية على ديناميكية العلاقة.

لذلك، فإنّ تقييماً واقعياً للعلاقة بين تركيا وحلف الناتو في الوقت الحالي ينبغي أن يستند، بشكل أساسي، على واقعية المصالح المتحولة للوصول إلى استنتاج عملي بعيداً عن الصورة النمطية الغربية لأنقرة ودورها في الحلف. كما أنّ مقاربة دور تركيا في الناتو من منظور العلاقات التركية الأميركية يُساعد على نحو كبير فهم الواقع الحالي للعلاقات التركية الغربية. مع أن واشنطن سعت في بداية أزمة انضمام فنلندا والسويد للحلف إلى عدم التدخل المباشر فيها، إلا أنها بدت مؤخراً أكثر إدراكاً لدور خلافاتها مع تركيا في تعظيم هذه الأزمة من خلال تقديم عرض لأنقرة بتسهيل بيعها مقاتلات إف ستة عشر مقابل تخليها عن معارضة توسيع الحلف. واقع أن الخلافات التركية الأميركية تتجاوز بكثير مسألة بيع المقاتلات الحربية وتتعلق بقضايا أخرى أكثر تعقيداً كمسألة الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية السورية وعلاقات واشنطن العسكرية المتنامية مع اليونان، تجعل من الصعب التوصل إلى تسوية شاملة أو جزئية بين أنقرة وواشنطن تقلص عقبات دخول فنلندا والسويد إلى “الناتو”. يسود اعتقاد في عواصم غربية أن الرئيس رجب طيب أردوغان يطرح مطالب تعجيزية على السويد، من أجل الحصول على مكاسب كبيرة من الدول الغربية، وربما يسعى إلى توظيف هذه المسألة لتحسين فرص إعادة انتخابه في مايو/ أيار المقبل. يبدو ذلك واقعياً بعض الشيء، لكنّه لا يخفي أنّ المعضلة الأساسية بالنسبة لتركيا لا تتعلق بمشكلتها مع السويد فحسب، بل بالسياسات الغربية التي لا تراعي مصالح تركيا الوطنية، وتهدف إلى معاقبتها على خياراتها الجيوسياسية المستقلّة جزئياً عن الغرب.

قائمة المظالم التركية كبيرة، ولا يُمكن ذكر جميعها لكنّها مهمّة لتفسير المشكلة التي تواجه العلاقات التركية الغربية. مع ذلك، لا تزال العلاقة بين الطرفين تُشكل مصلحة لكليهما. لا تزال تركيا دولة مهمة للحلف. هي قبل كل شيء الدولة المسلمة الوحيدة في “الناتو” وتمتلك ثاني أكبر جيش فيه، ولديها قدرات عسكرية صاعدة، كما أن أراضيها تحتضن عدّة قواعد عسكرية مهمة للحلف، كقاعدة إنجرليك التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في المنطقة، وهي بمثابة الخاصرة الجنوبية لحلف الناتو، وأيضاً قاعدة أزمير التي يقع فيها مقرّ القيادة البرّية للجزء الجنوبي من الحلف. لقد أعادت الحرب الروسية الأوكرانية إبراز أهمية تركيا لحلف الناتو أكثر من أي وقت مضى. في الوقت الذي أدّت فيه هذه الحرب إلى إعادة تركيز الحلف على القضية الأساسية التي تشكّل من أجلها، وهي مواجهة التهديد الروسي، فإن أهمية تركيا الآن لا تختلف عن الأهمية التي دفعت إلى ضمّها للحلف. النموذج الاستثنائي الذي تُقدمه أنقرة في إدارة متوازنة لموقفها في الصراع الروسي الغربي أظهر أنه لا يُشكّل بالضرورة تهديداً لمصالح “الناتو”. بينما يأمل الغرب، بشكل غير واقعي، في انخراط تركي في عزل روسيا، فإن دور تركيا وسيطا بين موسكو وكييف يفتح ثغرة مهمة في جدار تسوية سياسية للحرب، ويُقلص مخاطر انزلاق الصراع إلى مواجهة بين روسيا والناتو.

فضلاً عن ذلك، فإنّ تركيا مهمة لحلف الناتو في منطقة البحر الأسود بوصفها قوة موازنة لروسيا في هذه المنطقة الحيوية التي يصعب على الحلف العمل فيها بفعالية. وقد برزت هذه الأهمية بشكل أكبر بعد الحرب، عندما فعلت أنقرة معاهدة مونترو لإغلاق المضائق أمام حركة السفن الحربية من البحر الأسود وإليه. رغم أن هذه المعاهدة تُقيد قدرة الأساطيل الغربية على الوصول إلى البحر الأسود في زمن الحرب، إلا أنها، في المقابل، أوجدت صعوبات كبيرة أمام روسيا للاستفادة من أسطولها في البحر الأسود في حربها على أوكرانيا. لقد ساهم في إضعاف تأثير القوة البحرية الروسية في البحر الأسود بما يخدم مصالح الغرب. على الرغم من الشراكة الجيوسياسية التي تجمع تركيا وروسيا، إلا أنها جعلت تركيا قوة منافسة لروسيا على النفوذ والتأثير. بقدر ما أن الشراكة التركية الروسية في السنوات الأخيرة تسبّب في توسيع الفجوة بين تركيا وبعض حلفاء “الناتو” كالولايات المتحدة، إلا أن عضوية تركيا في “الناتو” تُساهم في الواقع في وضع حدود لعلاقتها بروسيا وتمنعها من الانجراف بعيداً عن الغرب. لذلك، لا يزال “الناتو” يرى فائدة كبيرة في الحفاظ على عضوية تركيا فيه. قبل أن يتورّط الغربيون في إثارة نقاش بشأن ما إذا كان ينبغي لتركيا أن تبقى في “الناتو” فإنّ عليهم فهم الأسباب التي تجعلها تقف حجر عثرة أمام ضم أعضاء جدد. حلّ المعضلة الحالية لا يتوقف فقط على ما تقوله السويد أو تفعله، بل يتعلق أيضاً بما ينبغي على الولايات المتحدة القيام به في سورية واليونان، والذي يؤثر على مصالح الأمن القومي لتركيا.

————————————

منافسة المصالح في سوريا/ رياض معسعس

في الوقت الذي يسود الظلام في المدن السورية لعدم توفر الكهرباء، ومعاناة السواد الأعظم من الشعب السوري من تدني الأجور، وتآكل القوة الشرائية مع كل انخفاض لسعر الليرة مقابل الدولار، ومعاناة النازحين من شتاء آخر تحت الخيام، ترتفع حمى منافسة المصالح في سوريا.

الدول التي صار لها مصالح على الأرض تريد الحفاظ عليها أو تساوم فيها، وأخرى تسعى ليكون لها موطئ قدم فيها.

التخوف الإيراني

تخشى إيران من فقدان نفوذها في سوريا، خاصة بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري في موسكو الذي لم تتم دعوة طهران إليه حيث لم تتأخر بإرسال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في زيارة دمشق، ثم أنقرة لوضع النقاط على الحروف والتذكير أن لا حل في سوريا، وهذا ما أكده عبد اللهيان لنظيره في دمشق لفيصل المقداد، ولرئيس النظام بشار الأسد من خلال تصريحاته الصحافية أن لإيران وحسب مسار “آستانة” للدول الضامنة (روسيا، تركيا، إيران) دورا في “أي حل سوري”، وهذا ما ينم عن تخوف كبير في دوائر القرار الإيرانية أن يتم صياغة جديدة لمستقبل سوريا باستبعاد إيران منها. وفي تركيا حيث التقى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، والرئيس رجب طيب أردوغان، أعرب عن ترحيب إيران لانفتاح أنقرة على النظام السوري، لكنه أضاف أن إيران غير مرتاحة لاستبعادها من المحادثات الجارية بين أنقرة والنظام السوري برعاية روسية، وتدعو لتعديل صيغة “أستانة” لتصبح رباعية كي تضم النظام السوري.

ورغم أن عبد اللهيان أبدى نوعا من الارتياح بمحادثاته في أنقرة ولكن هذا لا يخفي المنافسة الشديدة بين البلدين في سوريا، والنفوذ المتزايد لتركيا في جنوب القوقاز بعد حرب كاراباخ في 2020.

وتزداد مخاوف طهران من التقارب الخليجي مع النظام والذي تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة التي فتحت سفارتها في دمشق، وكذلك مملكة البحرين.

أزمة اقتصادية خانقة

من جانب آخر تضغط إيران على النظام السوري اقتصاديا، بعد أن رفعت سعر صادرات النفط الإيراني لأكثر من الضعف (قفز السعر من 30 إلى 70 دولارا للبرميل)، وطلبت الدفع مسبقا لأي شحنات لاحقة في وقت يعاني فيه النظام من أزمة اقتصادية خانقة، وتدهور سعر الليرة، وأزمة وقود كبيرة أدت إلى تعطيل الكثير من المنشآت، وتوقف خدمات الكهرباء التي تعتمد على النفط، والمواصلات، وفيها بالطبع رسالة واضحة للنظام السوري أن عهد الدعم المفتوح مقابل توسيع النفوذ انتهت أيامه، وتحولت إلى المقايضة: الأرض مقابل الدعم، خاصة وأن إيران تعاني من أزمات مماثلة بسبب العقوبات الأمريكية.

وقال المتحدث باسم اتحاد مصدّري النفط والغاز والبتروكيميائيات في طهران، حميد حسيني: “نحن أنفسنا نعاني الآن؛ لذلك لا يوجد منطق في بيع النفط إلى سوريا بسعر منخفض”. وتأتي هذه الخطوات المفاجئة لتضاف إلى رغبة دفينة في التخلص من الوجود العسكري الإيراني لوضع حد لضربات دولة الاحتلال المكررة على المنشآت العسكرية الإيرانية والمطارات والموانئ السورية أيضا.

تركيا والمعضلة السورية

جاءت غزوة روسيا لأوكرانيا لتضيف تعقيد المعضلة السورية عقدة أخرى، فعلى ضوء هذه الحرب الطويلة أصبحت أولويات موسكو مع تركيا وإيران مختلفة، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحسب المثل الفرنسي “يريد أن يوقد نارا من أي حطب” فهو يستغل تركيا لاستخدام نفوذها داخل حلف “الناتو” واتضح ذلك برفض تركيا عضوية السويد وفنلندا لإرضاء موسكو بعدم توسعة الحلف إلى دول قريبة من روسيا، وإن كان السبب المعلن هو عدم تسليم أحد معارضي نظام أردوغان، مقابل دعم روسي في ملف وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، بالمقابل تنفذ تركيا مطلب بوتين بالانفتاح على نظام الأسد، الذي بدأ بمحادثات ثنائية ثم ثلاثية بلقاء وزراء دفاع الدول الثلاث في موسكو.

ورغم ما أبداه أردوغان من رغبته في لقاء بشار الأسد إلا أن هذا الأخير وضع شروطه “بإنهاء الاحتلال التركي” وانسحاب قواتها من شمال شرق سوريا ما جعل تركيا تعود خطوة للوراء، وتتخذ وضع مكانك راوح بانتظار جلاء المشهد بوضوح.

قوات حماية الشعب الكردية

في تلك الأثناء وتحسبا لأي تفاهمات تركية مع نظام دمشق تجبر قوات حماية الشعب الكردية بالانسحاب بعمق 30 كم من الحدود التركية، أو عودة تركيا للتهديد بشن حملة عسكرية واسعة النطاق للسيطرة على منبج وتل رفعت وكوباني، قام وفد رفيع حسب موقع “باسنيوز” برئاسة بدران جيا كورد رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية في زيارة دمشق لاستئناف اللقاءات مع مسؤولي نظام الأسد لكن “نظام الأسد رفض استقبال وفد الإدارة حيث اقتصر استقباله على مدير مكتب أحد قيادات النظام في دمشق.

وقد طرح بدران جيا كورد خلال لقائه مدير المكتب الاعتراف بالإدارة الذاتية لكن هذا الشخص أبلغه برفض النظام ذلك.

وأشار أن روسيا طالبت الوفد الكردي أن تنضم الإدارة الذاتية للنظام وتسلمه ملفي النفط والغاز، مقابل بعض الامتيازات. وكانت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله قد نشرت خبرا تقول فيه إن وفدا من الإدارة الذاتية بقيادة رئيس هيئة العلاقات الخارجية بدران كرد أجرى محادثات مع النظام السوري وأن الطرفين تفاهما على “ثوابت أولية منها وحدة الأراضي السورية، والعلم الوطني، وشخص بشار الأسد، وأشارت إلى “إجماع بين الطرفين على ضرورة الحفاظ على مسار الحوار، مع البحث عن نقاط التقاء للمضي في خطوات متقدمة مستقبلاً”.

ويبدو إلى الآن أن النظام السوري يحاول أن يعطي الانطباع أن له كلمته أيضا، رغم أن الظاهر هو أن روسيا هي التي لها الكلمة العليا في الشأن السوري، وهي التي تضع السيناريوهات وتعمل على تنفيذها داخليا وخارجيا.

كاتب سوري

——————————

ثمن إغضاب ستوكهولم لأنقرة؟/ سمير صالحة

أعلن وزير الدفاع السويدي بال جونسون، عن تمسك بلاده بمذكرة التفاهم الثلاثية المبرمة مع تركيا في 28 حزيران المنصرم، بغية انضمام ستوكهولم وهلسنكي إلى حلف شمال الأطلسي.

يبدو أن جونسون يريد التعتيم على ما شهدته العلاقات التركية السويدية من تأزم خلال الأسبوعين الأخيرين وتجاهل حقيقة بأي اتجاه تتقدم الأمور مما يستدعي تذكيره:

– في 11 كانون الثاني الجاري، نظم مجموعة من أنصار تنظيم “بي كي كي” الإرهابي وداعميهم من المجموعات المتطرفة الناشطة في السويد، مظاهرة شهدت تعليق دمية تشبه الرئيس أردوغان من قدميها على عمود أمام مبنى البلدية في العاصمة ستوكهولم.

– في اليوم التالي ألغيت زيارة رئيس البرلمان السويدي أندرياس نورلين إلى أنقرة، بطلب من نظيره التركي مصطفى شنطوب الذي قال إنه لا يمكن تحقيقها وسط أجواء التوتر الحاصل.

– في 20 كانون الثاني، أحرق زعيم حزب “الخط المتشدد” الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان، نسخة من القرآن قرب السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حماية مشددة من الشرطة التي منعت اقتراب أحد منه في أثناء ارتكابه هذا العمل الاستفزازي.

– في اليوم نفسه ألغت أنقرة زيارة وزير الدفاع السويدي بال جونسون المقررة في 27 كانون الثاني. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار “في هذه المرحلة، صارت زيارة بلا معنى، لذلك ألغيناها”.

– واكب ذلك قرار أنقرة إلغاء اجتماع آلية التنسيق الثلاثية التركية السويدية الفنلندية الذي كان مقرراً في شباط المقبل دون أن يعلن عن موعد جديد بديل.

– خلال الأسبوعين الأخيرين فقط استدعت الخارجية التركية السفير السويدي، ستافان هيرستروم، إلى مقر الوزارة مرتين متتاليتين لتبلغه إدانتها للأعمال الاستفزازية التي ترتكب ضد تركيا ورئيسها والعالم الإسلامي.

ليعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه “إذا كنتم لا تحترمون المعتقدات الدينية لتركيا أو المسلمين، فلا تنتظروا أي دعم في ما يتعلق بعضويتكم في الناتو، هذا الفعل القبيح هو إهانة ضد كل من يحترم الحقوق والحريات الأساسية للناس وعلى رأسهم المسلمون”. ويفتح بذلك الطريق أمام وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو ليضع نقطة على السطر بإعلانه أن الحكومة السويدية تعد شريكة في حادثة حرق نسخة من القرآن الكريم لسماحها بهذا العمل الدنيء. “هذه الحادثة تعد جريمة كراهية وفعلا عنصريا، وليست حرية تعبير كما يريد البعض أن يفسرها”.

من الذي يزرع الألغام على طريق عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي؟ وما هي الخيارات والبدائل بعد هذه الساعة؟

هناك سيناريوهات كثيرة طبعا يتقدمها نظرية المؤامرة: البحث عن المستفيد الأول من كل ما يجري، أصابع موسكو ربما. أن تكون هي وراء تحريك مجموعات حزب العمال في السويد وأن يكون بالودان من أصل روسي وعميل قديم في حجرة نائمة أيقظته المخابرات الروسية عندما احتاجت إليه. وأن يجري كل ذلك بالتوقيت مع إدانة بوتين نفسه لما جرى في السويد. هدف موسكو هنا كما يرى أنصار هذه النظرية هو إسقاط أكثر من عصفور بحجر واحد: تأزيم العلاقات التركية مع السويد وفنلندا وتوتير العلاقات التركية الأميركية في ملف التوسعة الأطلسية وتفجير العلاقات التركية الأطلسية ليحمل كل ذلك معه نقاشات حول ورطة الوجود التركي في هذا الحلف وسبل إبعاد أنقرة بعدما انبرى الأمين العام للناتو ستولتنبرغ بنفسه لوصف ما جرى بأنه حرية رأي وتعبير.

– سيناريو آخر بتوليف أجهزة استخبارات غربية هذه المرة وأن تكون هي وراء ما يدور على الساحة السويدية للتأثير في مسار الانتخابات التركية البرلمانية والرئاسية، وليتحول هذا الملف إلى ورقة تصعيد وتوتر سياسي تركي، يفجر العلاقة بين الأحزاب التركية. لكن التعويل على خطة من هذا النوع سقط باكرا. العقبة كانت أولا في الاصطفاف السياسي والشعبي في الداخل التركي وراء موقف حزب العدالة والتنمية وقرار تجميد المفاوضات، ولأن صفوف الحكم والمعارضة والقيادات الدينية ومنظمات المجتمع المدني كلها انتقدت ما جرى في السويد. ثم ثانيا في تجاهل حقيقة أن انضمام البلدين للناتو تستدعي موافقة البرلمان التركي والذي ببنيته الحالية يتطلب دعم الحكم والمعارضة على السواء لتمرير قرار من هذا النوع.

– السيناريو الثالث الأقرب إلى المنطق هو محاولة السويد التخلي عن التزاماتها المقدمة لأنقرة في مذكرة التفاهم لاستحالة تنفيذ بنودها واللجوء إلى واشنطن لإخراجها من ورطتها عبر تحريك ملفات مؤثرة في العلاقات التركية الأميركية للضغط على الجانب التركي في إطار سياسة العصا والجزرة. يقول جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية للأمن القومي في البيت الأبيض، إن واشنطن تدعم بقوة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، إلا أنها ترى ضرورة أن يتم حل الخلافات مع تركيا فيما بين الدول الثلاث. إلا أن ما يقوله القائد الأميركي السابق لقوات حلف الأطلسي الأوروبية جيمس ستافريدس “إذا عرقلت تركيا عضوية السويد وفنلندا هل سنخرجها من الأطلسي؟”، مؤشر على أن أميركا في قلب المشهد ولن تتراجع عن رغبة ضم البلدين إلى الحلف بأسرع ما يكون.

تدرك أنقرة أنه من حق السويد وفنلندا الالتحاق بحلف شمال الأطلسي لحماية نفسيهما من الخطر الروسي. تماما كما فعلت هي في مطلع الخمسينيات وفعل غيرها من دول أوروبا الشرقية والإسكندنافية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. وهي تدرك أيضا أنها لن تتمكن من الوقوف بمفردها في وجه 29 دولة تدعم هذه التوسعة. ما تريده تركيا هو انتزاع مواقف سياسية وأمنية داعمة لمواقفها في الحرب على التنظيمات التي تصنفها إرهابية وتسهيل إنهاء الحظر على تكنولوجيا البلدين العسكرية. تقدمت أنقرة بطلب العضوية إلى الاتحاد الأوروبي قبل أكثر من 60 عاما وهي ما زالت تنتظر. الاتحاد يقول لا فرصة للعضوية التركية الكاملة قبل تحقيق مطالبه وشروطه. لماذا يغضب التشدد التركي حيال السويد وفنلندا العواصم الأوروبية  إذاً طالما أنه حق قانوني وسياسي لأنقرة كما تفعل هذه العواصم؟

تراجعت فرضية أن واشنطن تفصل بين موضوع عضوية البلدين في الناتو وبين صفقة المقاتلات أف – 16 الأميركية التي تريدها أنقرة. فيكتوريا لولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركي تفرغ ما في جعبتها بالقول إن تسهيل عضوية السويد وفنلندا من قبل الجانب التركي قد يدعم فرص إقناع الكونغرس بضرورة بيع تركيا هذه المقاتلات. لكن الأمور قد تتقدم باتجاه آخر فقد صرّح وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو، بأن تركيا “منصدمة وساخطة” إزاء حرق نسخة من المصحف في السويد، مبيناً أن مثل هذا التصرف يمس بأمن السويد وأمن بلاده. وأضاف أنه على بلاده التفكير في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بشكل مستقل عن السويد إن تطلب الأمر.

واشنطن هي المدافع الأول عن طلب إلحاق ستوكهولم وهلسنكي بأسرع ما يكون في حلف الناتو، لكن التصلب التركي بعد أحداث الأسبوعين الأخيرين قد يدفع أنقرة لتبني سيناريو تدريجي جديد يقوم على الفصل بين عضوية السويد وفنلندا ووضع خريطة طريق تركية غربية بهذا الاتجاه، تبدأ بضم فنلندا أولا. قررت هلسنكي رفع الحظر عن تصدير التكنولوجيا العسكرية إلى تركيا والذي اتخذته عام 2019 على خلفية إطلاق تركيا عملية نبع السلام في شمال سوريا. قد تكون هذه الخطوة بين الأسباب الإضافية التي تدعم سيناريو تقديم عضوية فنلندا، وربما هذا ما سيأتي وزير الخارجية الأميركي من أجله إلى أنقرة في الشهر المقبل.

تلفزيون سوريا

——————————-

2023 حرب الانتخابات التركية المبكرة/ فراس رضوان أوغلو

بعد تجاذبات سياسية وإعلامية بين الائتلاف المعارض ونظيره الحكومي حول مسألة الانتخابات الرئاسية والتشريعية المبكرة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موعداً لها في 14 من شهر أيار مايو منهياً بذلك جدلاً تناولته كثير من وسائل إعلام تركية حول هذه الخطوة في حال تم اتخاذها، لتُفتح بعدها صفحة جديدة في تلك الوسائل عن خلفية هذا القرار ولماذا بكر الرئيس التركي موعد الانتخابات رغم رفضه ذلك مرات عدة من قبل، وهل يحاول مسابقة الزمن مع المعارضة التي لم تختر حتى الآن مرشحها ليضيق عليها مساحة الزمان والمكان.

هذا الإعلان المبكر سوف يزيد من الضغوطات على المعارضة السداسية التي لم تحدد بعد بشكل واضح خارطتها السياسية وبرنامجها السياسي بشكل تفصيلي، ولم تتخذ مرشحاً لها رغم الاجتماعات العدة التي قامت بها والآن بعد الإعلان عن موعد مبكر للانتخابات سيكون الزمن لصالح الرئيس أردوغان وحلفائه الذي يمشي بخطى أكثر ثباتاً من المعارضة التي تواجه مصاعب حقيقية في هذه الانتخابات، ليس لأنها من أيدولوجيات متعددة ومختلفة بل لأنها وضعت نفسها في مسارين صعبين، الأول هو إسقاط أردوغان والفوز عليه في الانتخابات، والثاني هو تغيير نظام الحكم من رئاسي وإرجاعه للنظام البرلماني، وهذا يتطلب جهوداً مضاعفة في سن تشاريع وتغيير قوانين وبيروقراطيات أخذت الدولة التركية تسير عليها منذ عدة سنوات بعد الفوز بالانتخابات السابقة (وأيضاً لا يمكن إعادة القوانين السابقة وذلك لتغير الزمان والحياة) علاوة على الوضع الاقتصادي غير الجيد في تركيا وارتفاع نسبة التضخم لمستويات لم تحصل من قبل، ولا يمكن التصور أن تُحل المشاكل الاقتصادية وحدها دون تداخلها مع الملفات السياسية، والتي هي بدورها تحتاج لعمل كثير وخاصةً أن المعارضة لديها رؤية مختلفة تماماً عن الحكومة الحالية في كثير من الملفات الداخلية والإقليمية والدولية.

أما الائتلاف الحاكم والذي يبدو أن هذا الإعلان جاء لمصلحته ظاهرياً إلا أنه في حقيقة الأمر هو عكس ذلك، لأنه عليه العمل بشكل مضاعف ودون توقف للوصول للأهداف التي يسعى إليها، فكل القرارات التي صدرت قبل فترة وجيزة من الانتخابات كرفع المعاشات والتقاعديات والأجور الدنيا وغيرها كلها جاءت قبل الانتخابات لتشعر المواطن بأن الوعود التي طُرحت تُنفذ وأن الائتلاف الحاكم (حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية) أموره تسير على ما يرام، ولا يوجد خلاف بينهم وأن انسيابية العمل السياسي قائمة على أعلى مستوى على عكس المعارضة، إضافة لذلك ما يثقل كاهل ائتلاف الجمهور أنه في حال خسارته في الانتخابات فإنه يدرك الصدى الكبير لها لأن الخسارة ستكون مضاعفة، ولا يمكن تعويضها بسرعة أو بسهولة لما ستؤول إليه من تداعيات، ويعلم أن المعارضة في حال فوزها ربما يتبعه فوز آخر مما يجعلها أكثر تمكناً على الساحة السياسية في السنوات المقبلة، مما يصعب المهمة على حزب العدالة والتنمية استعادة تفوقه السياسي الذي كان يتمتع به خلال عقدين من الزمن.

في خضم الحرب الكلامية الانتخابية المتوقعة بين الطرفين هناك أسئلة عدة تُطرح على كلا الجانبين عن إمكانية تنفيذ بعض ما يطرح، فهل بإمكان المعارضة إخراج اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى سوريا بعد فوزهم كما قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أليس هذا الملف مرتبطاً بسياسات دولية متشابكة، وهل يستطيع فتح علاقات مع دمشق في ظل الرفض الأميركي والمعروف أن واشنطن تدعم المعارضة، وأما فيما يخص الحكومة التركية الحالية فهل تستطيع أن تخطو خطوات كبيرة نحو التطبيع مع دمشق وإلى أي مدى تستطيع أن توافق بينها وبين الدول المرحبة وغير المرحبة بهذا التقارب، وهل هي قادرة على تحسين الوضع الاقتصادي الذي شهد تراجعاً ملحوظاً قبل الأزمة الاقتصادية التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية.

لا شك أن دول الجوار تترقب باهتمام بالغ هذه الانتخابات لما سيترتب عليها من سياسات لتلك الدول سواء على الصعيد الثنائي بينها وبين تركيا، أو على الصعيد الإقليمي بشكل عام، فما قامت به حكومة العدالة والتنمية وحلفاؤها من التقارب مع الجميع حتى مع النظام السوري وذلك لتشعر الجميع في الداخل التركي أو الخارج من أنها على أعلى مستوى من التعامل السياسي، والقدرة على هذا التعامل وخاصة أنها على مدى سنوات طويلة كانت لها سياستها في الملفات الثقيلة ابتداءً من الملف السوري، وحتى الملف الروسي الأوكراني التي نجحت فيه بشكل كبير، مما يجعل المجتمع الدولي ربما أكثر ميولاً نحو الحكومة التي تعامل معها لعقدين من الزمن.

تلفزيون سوريا

——————————-

اِحذروا هذا التاريخ: منتصف أيار/ عمر قدور

في تجمع لشباب حزبه أعلن أردوغان تقديم موعد الانتخابات، وقد كان مقرراً إجراؤها في 18 حزيران 2023، إلى 14 أيار. للموعد الجديد رمزية يعرفها الأتراك جيداً، فيوم 14 أيار 1950 جرت أول انتخابات تعددية في تركيا، وفاز بها الحزب الديموقراطي بقيادة عدنان مندريس، على حساب حزب الشعب الجمهوري “الأتاتوركي”، وهو حالياً العدو الأبرز لأردوغان.

لا اعتراض لدى أحزاب المعارضة، ومنها حزب الشعب، على تقديم الانتخابات؛ اعتراضها هو على أحقية أردوغان بالترشح، حيث تحتسب ولايته الرئاسية الأولى قبل تعديل الدستور، ليصبح ترشحه الآن لولاية ثالثة، بينما يرى أردوغان أن الدستور الجديد عام 2018 يجبُّ ما قبله، ويحق له تالياً الترشح لولاية رئاسية ثانية أخيرة. من المرجح أن طعون المعارضة في شرعية ترشحه لن تنفع، وستُضطر قريباً لاختيار منافس له من بين صفوفها، ولا يُعرف ما إذا كان التأخر في ذلك سيكون لصالحها أو لصالح غريمها.

إذاً، في منتصف أيار سيكون أردوغان مرشحاً في مواجهة خصم لا نعرفه بعد. في ما يخص السوريين تحديداً، نعلم أن هذا الخصم سيواجه أردوغان بمشروع إعادة اللاجئين إلى سوريا، خلال سنتين كما تلوّح شخصيات من المعارضة تربط ذلك بالانفتاح على بشار الأسد، وطي صفحة سياسات أردوغان التي وصلت يوماً حد المطالبة برحيله.

في الحملة الانتخابية الشرسة، سيُبرز أردوغان خطته لإعادة توطين مليون لاجئ في مناطق من الشمال السوري واقعة تحت نفوذه، وكذلك خطوات الانفتاح على الأسد التي قد تتيح إعادة مئات الألوف إلى مناطق سيطرة الأخير. وسيُواجَه على الأرجح من خصومه بالقول أنه بذلك يستولي على مطالب المعارضة التي هي الأجدر بتنفيذها، وأن محاولة عودته إلى سياسة “صفر مشاكل” تُسجَّل لصاحب الأطروحة الأصلي أحمد دواود أوغلو الذي انتقل من حزب العدالة إلى صفوف المعارضة.

ضمن المتوقع، لن يكون موقف أردوغان قوياً في الشأن السوري، ولا يُستبعد نيله الانتقادات حتى بسبب الجفاء مع واشنطن ما يجعل الأخيرة أقرب إلى الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني. لذا، منذ الآن حتى منتصف أيار، قد يحتاج أردوغان إلى تسجيل هدف غير متوقع يقوّي من مكانته الانتخابية، وهو سيسعى إلى ذلك بقوة على كافة الجبهات المتاحة له.

هناك مثلاً إمكانية تحقيق انتصار دبلوماسي ما في قضية انضمام السويد إلى حلف الناتو، بعدما طوى أردوغان اعتراضه على انضمام فنلندا، وهناك الحرب في أوكرانيا التي منحته دور الوسيط في موضوع تصدير الحبوب، بينما يطمح إلى وساطة سياسية كبرى تكرّسه كزعيم عالمي. إلا أن تحقيق اختراق في الجبهة الأوكرانية، أو لجهة إرغام السويد على تغيير معاملتها للأكراد أصعب بكثير من تحقيق إنجاز وتسويقه على الجبهة السورية. هذا ما تتحسب له واشنطن التي تحاول فرملة أردوغان، فيما تبقى من وقت حتى الانتخابات، وذلك بتقديم تطمينات له في الشمال السوري، إلا أن مشكلة الخطوات الأمريكية “إذا صحّت” هي في بطئها وتقليديتها، بينما يحتاج أردوغان خطوات دراماتيكية يكسب بها شعبية انتخابية، فوق أنه شخصياً يهوى هذا الصنف.

تاريخ منتصف أيار، على أهمية تأثيره سوريّاً، لا نجد تعاطياً معه على المستوى المطلوب، رغم كونه تحذيراً قوياً جداً سواء بما قد يسبقه أو يليه. الإدارة الذاتية الكردية، بعدما ظهرت متخوفة من توغل عسكري تركي، يبدو أنها حصلت على تطمينات أمريكية وروسية. أما الشق العربي من المعارضة فكأنما لا خيار أمامه سوى التمسك بتطمينات تركية، ولو كانت أضعف من الرسائل التركية الموجَّهة للمعارضة نفسها بأن عليها قبول انفتاح أردوغان على الأسد.

إذا كان الأمر مرتبطاً بالعسكرة تحديداً، من المفهوم أن الفصائل خاضعة تماماً لأجندات أنقرة، وكذلك هو حال المستوى السياسي المعيَّن من قبل الأخيرة. ما يلفت الانتباه أن السؤال عمّا يجب فعله غائب تماماً عن النقاش العام. بتواضع يتناسب مع الأحوال، نقصد بالغياب انعدام التفكير في مآل القضية السورية إذا اقتضت مصلحة أردوغان الانتخابية القيام بخطوة دراماتيكية تجاه الأسد، خطوة تؤسس حقاً لشراكة بينهما.

قد يخسر أردوغان الانتخابات، وهذا احتمال آخر ينبغي التفكير، لأن البديل يتوعد سلفاً بعلاقات دافئة مع الأسد من أجل إعادة اللاجئين، وانطلاقاً من الاعتراض على سياسة أردوغان. ليست المسألة بالطبع أن يبحث الائتلاف، في حال فوز مرشح آخر، عن بلد بديل يستضيفه. المسألة هي في تغير المعطيات الفاعلة على الأرض، باستثناء الثبات الأمريكي الذي لا يمكن التكهن بمدى استمراره، والقلق الكردي الذي يعلو ويهبط لا يعطي إشارة إيجابية عنه. الأكراد لن يكونوا في منأى عن العاصفة في حال فوز مرشح آخر، لأن اتفاقه مع الأسد سيكون على حسابهم أيضاً، وشيطنة أردوغان كرديّاً مرتبطة إلى حد كبير بمنصبه، وتجربتهم مع الكماليين تؤكد ذلك. إن كان من ترقب كردي فهو ممزوج بالاستسلام والتسليم، لا على مستوى السلطة فحسب وإنما على المستوى العام حيث يغيب النقاش فيما قد يأتي.

نتحدث عن توقيت هو في عرف السياسة راهن جداً، فالشهور الثلاثة والنصف ليست مدة زمنية طويلة للتفكير في معطياتها ما لم تأتِ المفاجآت، بل ينبغي التفكير في احتمال حدوثها، في حال كانت هناك تفاهمات ستخرج إلى العلن أو التنفيذ في توقيت مناسب للمستفيد منها. هذا الراهن على أهميته لم يستفزّ حراكاً فكرياً لدى المعارضين، بمن فيهم الذين هم في الأصل يريدون التخلص من دور أردوغان ولا يكفّون عن هجائه وتبيان أثره السلبي على القضية السورية. وبهذه الإشارة لسنا نعيد ونكرر الشكوى الدائمة من استسلام السوريين وتسليم شؤونهم لقوى الخارج، فخارج الاعتيادي هناك مرحلة جديدة، ورغم أن لا شي محتَّم في الاستدارة التركية إلا أنه من الخطأ الظن أنها مجرد لعبة عابرة من مراوغات أردوغان.

يدعم ذلك الاستسلام والتسليم وجود ارتياح خفي لدى بعض الأوساط إلى عدم اتفاق المعارضة التركية حتى الآن على مرشح يهدد حظوظ أردوغان في الفوز، والفكرة الدارجة أن الأخير بمجرد فوزه سيعود إلى سياسته المعهودة على الجبهة السورية. هذا التفكير لا يلحظ تغيرات أردوغان نفسه، ومنها مثلاً التغير على خلفية محاولة الانقلاب عليه، وهو تغير يرقى إلى أنه انقلب على نفسه. بعبارة أخرى، يجوز التساؤل عن سياسة أردوغان في ولايته المقبلة الأخيرة على غرار التساؤل عن سياسة أي فائز آخر غير معروف، ما يجعل منتصف أيار توقيتاً مفصلياً في كل الأحوال. يُقال في تركيا أن لهذه الانتخابات رمزية مختلفة، لمصادفتها مئوية تأسيس تركيا الحديثة، لكن من المؤكد أنها هذه المرة شأن سوري بامتياز لتأثيرها الشديد على سوريا التي لا يُعرف إن كانت قيد إعادة التأسيس أو الانحلال.

المدن

———————————–

بعد أنباء عن هزيمة انتخابية بانتظاره، لماذا يطبّع إردوغان مع نظام الأسد؟/ مروان شلالا

لا يكاد يمر يوم من دون أن تنشر وسائل الإعلام التركية أحدث نتائج الاستطلاع حول السلوك الانتخابي المتوقع. لا تزال الحكومة مترددة في إعلان الموعد المحدد للانتخابات، ولأسباب تكتيكية تحجب المعارضة اسم الخصم المشترك.

في غضون ذلك، فإن استطلاعات الرأي في المعسكر الحكومي لا تسبب سوى عاصفة فرح. رجب طيب أردوغان، الذي كان في السلطة منذ عشرين عامًا، يقف وراء الجدار، وتنتشر سيناريوهات الهزيمة الانتخابية المحتملة.

يتحدى الرئيس وحكومته الاتجاه بمجموعة متنوعة من المبادرات. ليس هذا النشاط السياسي نادرًا في الفترة التي تسبق انتخابات مهمة. لا يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية وحدها، وهي محور الحملة الانتخابية في ضوء التطورات التي مزقتها الأزمة في السنوات الأخيرة. تلعب السياسة الخارجية أيضًا دورًا مهمًا في النضال من أجل مصلحة الناخبين: فالرئيس أردوغان بارع في استخدام السياسة الخارجية لأغراض سياسية داخلية. إضافة إلى الظهور البارز على مسرح الدبلوماسية الدولية، على سبيل المثال كوسيط بين الأطراف المتحاربة في أوكرانيا، أصبحت السياسة تجاه سوريا موضع تركيز متزايد في الأسابيع الأخيرة.

تحول في سياسة سوريا

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتخذ فيها الرئيس التركي مبادرات تجاه الدولة العربية المجاورة لأسباب داخلية. كتب جونول تول في كتاب نُشر مؤخرًا بعنوان حرب أردوغان – السياسة التي تحددها بشكل حاسم مصالحها السياسية المحلية: “سوريا لها مكانة فريدة في إستراتيجية أردوغان للبقاء السياسي”.

منذ عدة أسابيع، كانت هناك مؤشرات متزايدة على ما لا يمكن وصفه إلا بأنه تحول جذري في موقف تركيا تجاه النظام في دمشق. في بداية العام، تحدث الرئيس أردوغان مرة أخرى – وبشكل أوضح من ذي قبل – عن إمكانية لقاء مباشر مع الدكتاتور السوري بشار الأسد. وستكون القمة التركية – السورية تتويجًا لعملية ظلت موسكو تجريها وراء الكواليس منذ شهور يتوقع في نهايتها تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

يبدو أن هذه العملية متقدمة بشكل جيد: قبل وقت قصير من مطلع العام، انعقد اجتماع لوزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا في العاصمة الروسية. أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الآن أن وزراء الخارجية الثلاثة سيجتمعون في فبراير لوضع أسس القمة المزمعة بين الأسد وأردوغان.

بوتين إلى جانب الأسد

في سياق الحرب السورية المستعرة منذ أكثر من عشر سنوات، انهارت العلاقات التركية – السورية تمامًا. وبتحريض من أردوغان، أصبحت تركيا الداعم الأكثر أهمية للمعارضة وفي بعض الأحيان أهم منطقة انتشار للمعارضين المسلحين للأسد. من ناحية أخرى، كانت روسيا بوتين – ولا تزال – أهم داعم للأسد. قد يفسر هذا الظرف وحده اهتمام موسكو الخاص بتسوية سورية – تركية.

سيكون اجتماع القمة بين الأسد وأردوغان انتصارًا سياسيًا لفلاديمير بوتين – وهزيمة للأمريكيين.

واشنطن، التي تقاتل إلى جانب الميليشيات الكردية ضد “الدولة الإسلامية” في سوريا، الأمر الذي يثير استياء تركيا، لم تخفِ حقيقة أنها ترفض تطبيع العلاقات مع نظام الأسد: “نحن لا نؤيد التطبيع”، على حد قولهم. بإيجاز كرد فعل على التطورات الجارية في مثلث العمل موسكو – أنقرة – دمشق.

من الواضح أن التحذير الأميركي كان له تأثير ضئيل على أردوغان: في السياسة السورية، يستمع الرئيس التركي إلى بوتين وليس لجو بايدن هذه الأيام، وهذا أمر مؤكد.

مقايضة من نوع خاص

وفقًا لتقارير إعلامية، فإن الأساس السياسي لاتفاق تركي سوري ناشئ هو نوع خاص من صفقة المقايضة: في مقابل اعتراف أنقرة بالأسد كحاكم لسوريا وتطبيع العلاقات الثنائية على جميع المستويات، يقال إن دمشق التزمت. إلى الهياكل الكردية في شمال سوريا والتأكد من أنها لا تلعب دورًا في مفاوضات السلام المستقبلية.

بالنسبة لأردوغان، الذي تحرك قراراته بشكل متزايد استطلاعات الرأي، فإن مثل هذه الصفقة مع الديكتاتور السوري قد تكون مفتاح النجاح في الانتخابات.

تظهر الاستطلاعات أنه بعد الأزمة الاقتصادية، أصبح ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري بسبب الحرب في تركيا هم أهم قضية بالنسبة للناس. لم يتبق سوى القليل من “ثقافة الترحيب” الأولية في الأناضول ؛ تفضل الغالبية العظمى من الأتراك رؤية السوريين يذهبون اليوم وليس غدًا. تم تأكيد هذا الموقف السلبي للتو مرة أخرى من خلال دراسة استقصائية. تُظهر النسخة الحالية من “بارومتر السوريين”، وهي دراسة مستمرة من قبل عالم السياسة مراد أردوغان، والتي تجمع أحدث النتائج عن السوريين في تركيا على فترات منتظمة، أن حوالي 70 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع غير راضين عن سياسة الحكومة السورية. عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين من الدولة المجاورة، فإن أردوغان يقف وراء الجدار.

سيكون الاتفاق السياسي مع الأسد الذي من شأنه أن يكرس مطلب تركيا بعودة اللاجئين، فضلاً عن عقد يُنهي الميليشيات الكردية في منطقة الحدود السورية، هبة سياسية من السماء لأردوغان قبل فترة وجيزة من الانتخابات.

أعدت “إيلاف” هذا التقرير عن مقالة كتبها رونالدو مينارد وشنرها موقع “دي دبليو” الألماني

—————————

تركيا وحسابات الاستقطاب الانتخابية/ بشار نرش

في انتخاباتٍ رئاسيةٍ وبرلمانيةٍ تُعدّ الأكثر أهميةً وحساسيةً في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة الممتد منذ قرن، وبعد تقريب موعد إجرائها إلى 14 مايو/ أيار المقبل عوضاً عن 18 يونيو/ حزيران، حسب تصريحات الرئيس أردوغان، يبدو أنّ المشهد السياسي التركي سيكون، في الأشهر القليلة المقبلة، أكثر سخونةً ونشاطاً، وسيشهد مزيداً من الحراك في خريطة التحالفات والاستقطابات الحزبية العابرة للأيديولوجيات والتوجهات. 

المتتبع للمشهد التركي الحالي والتحالفات الرئيسية التي تدور في فلك ثلاثة تحالفاتٍ أساسيةٍ، وهي تحالف الشعب الحاكم، وتحالف الطاولة السداسية المعارض، وتحالف العمل والحرية المكوّن من ستة أحزابٍ كرديةٍ ويساريةٍ معارضةٍ، يُدرك مدى حساسية هذه الانتخابات وأهمية التحالفات التي تكتسب أهميةً خاصةً في ظلّ حالة الاستقطاب السياسي المرتفعة جداً في البلاد، والتي تشير إلى أنّ الفترة الباقية قبل الانتخابات ستشهد مزيداً من التحالفات السياسية والحزبية، والتي ستفتح بدورها الباب واسعاً أمام مزيد من الاستقطابات الحادة للحصول على أكبر قدرٍ من أصوات الناخبين الأتراك الذين يعيشون أسوأ أزمةٍ اقتصاديةٍ ومعيشيةٍ منذ عقدين. 

في حسابات هذا الاستقطاب الذي يُعدّ جزءاً من المشهد السياسي التركي، يتبنّى تحالف المعارضة مقاربةً تميل إلى التركيز على التحدّيات الداخلية، وخصوصاً في ما يتعلّق بالعامل الاقتصادي، وموضوع اللاجئين السوريين، في محاولةٍ منه لإلحاق أول هزيمةٍ بأردوغان الذي لم يذق طعم الهزيمة في 13 انتخاباً متتالياً.

وفي ما يتعلّق بالعامل الاقتصادي الذي يُعدّ من أكثر العوامل تأثيراً في قرار الناخب التركي، تعوّل المعارضة على الحالة الاقتصادية المتردية التي تعاني منها البلاد لاستقطاب الناخب، فبنت خطابها الانتخابي وتحرّكاتها الداخلية على الانتقاد الواسع لسياسات الحكومة الاقتصادية والمالية والمعيشية، وقدّمت خطاباً يقوم على وعودٍ انتخابيةٍ تحاكي عواطف الناخبين المستائين من التراجع المتسارع لجودة حياتهم، بعد أن وصل التضخم إلى 85% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن يتراجع إلى 64% في الوقت الراهن. كذلك ربطت هذا الخطاب الانتخابي باستراتيجيةٍ تعتمد على التقرّب من شرائحٍ معينةٍ من المجتمع  لتشتيت أصواتها، كالشريحة المحافظة التي كانت تُصوّت تقليدياً لحزب العدالة والتنمية، من خلال تقديم وعودٍ اقتصاديةٍ وخطابٍ جديدٍ يهدف إلى بناء الثقة مع هذه الفئة، معوّلةً في ذلك على الانشقاقات التي أصابت الحزب بعد تأسيس كل من علي بابا جان وأحمد داود أوغلو حزبي الديمقراطية والتقدّم والمستقبل، والتي جعلت حدود الخلاف بين التيارات القومية ذات الصبغة العلمانية والتيار المحافظ تتماهى وتتداخل في ما بينها بعد أن بقيت فتراتٍ طويلةٍ واضحة المعالم، وكذلك التقرّب من حزب الشعوب الديمقراطي الذي يحصد غالبية أصوات الأكراد منذ 2012.

وفي ما يتعلّق بموضوع اللاجئين السوريين الذي تحوّل إلى ملفٍ سياسيٍ بامتياز وخرج عن طبيعته الإنسانية، بعد أن أصبح أحد أهم بنود المنافسة السياسية المستعرة بين الأحزاب، والبرنامج الرئيس لبعض الأحزاب المعارضة المتطرّفة لاستقطاب الناخبين، فقد بنت المعارضة استراتيجيتها على تحويل هذا الملف إلى ركنٍ أساسيٍ في الدعاية الانتخابية، فانتقدت سياسة الحكومة تجاه ملف اللاجئين، وشنّت هجوماً على أردوغان وحزبه، وعدّته المسؤول عن هذه الإشكالية التي ربطتها بارتفاع نسبة البطالة، وغيرها من الإشكالات المجتمعية، وقدّمت وعوداً بإرجاع اللاجئين والتصالح مع النظام السوري في حال فوزها بالانتخابات.

على الطرف المقابل، بنى تحالف الحكومة استراتيجيته الانتخابية لاستقطاب الناخبين على ثلاثة عناوين رئيسةٍ: تذكير الناخبين الأتراك بالإنجازات التي استطاع أردوغان وحزبه تحقيقها خلال العقدين الماضيين، والتي قد تدفع شريحةً كبيرةً من الأتراك إلى إيثار الاستقرار والخبرة في إدارة البلاد على الخوض في مسارٍ مجهولٍ مع أحزاب المعارضة التي تأتي من خلفياتٍ متباعدةٍ ومتناقضةٍ يمينيةٍ ويساريةٍ وقوميةٍ. تقديم حزمةٍ من إجراءات التحفيز الاقتصادي لدعم المواطن، كرفع الحدّ الأدنى للأجور بأكثر من 55%، والسماح لأكثر من مليوني عاملٍ بالتقاعد المبكّر، وإطلاق مشاريع للإسكان الاجتماعي بأسعارٍ مخفضةٍ جداً ودفعاتٍ ميسّرةٍ. تبنّي مشروع العودة الطوعية للاجئين السوريين، لتحييد هذا الملف عن سيرورة الانتخابات وسحبه من يد المعارضة.

وبالتالي، ستكون لهذه العوامل انعكاساتها الواضحة في خطط التحالفات وبرامجها في الفترة المقبلة، وسيكون لها تأثيرها الواضح في إقناع الناخبين بالتصويت لمرشّحي التحالفات وفقاً لتماسُك رؤاها ومخطّطاتها وما تقتضيه متطلبات المرحلة المقبلة، لتكون بذلك الانتخابات المقبلة من أكثر الانتخابات التاريخية في تركيا التي سيشتد فيها السباق، وتصل التوتّرات والاستقطابات السياسية إلى ذروتها في ظل إصرار المعارضة وحشدها لإسقاط النظام الرئاسي، واستعادة النظام البرلماني الذي صوّت الشعب ضده عام 2017.

العربي الجديد

————————-

روسيا تعمل لتطبيع علاقات الاسد مع الدول المجاورة لسوريا

أكد نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أن بلاده مستعدة لمواصلة دعم النظام السوري لتطبيع العلاقات ليس فقط مع تركيا وإنما مع باقي الدول الإقليمية المجاورة لسوريا.

جاء ذلك في بيان نشرته وزارة الخارجية الروسية الثلاثاء، أوضحت خلاله أن بوغدانوف التقى نائب وزير خارجية النظام السوري أيمن سوسان في العاصمة الروسية موسكو، موضحةً أنهما “بحثا الوضع في سوريا وجهود تعزيز التسوية الشاملة في البلاد”.

وأضاف البيان أن الجانب الروسي أعرب خلال اللقاء عن استعداده لتقديم المساعدة اللازمة للنظام السوري في إطار “مهام التطور التدريجي لحوار دمشق مع البيئة الإقليمية كعنصر مهم في تسوية شاملة طويلة الأجل في سوريا”.

وذكرت الوزارة الروسية أنها مستعدة كذلك لمواصلة دعم تطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري “وفق مبادئ الاحترام غير المشروط لوحدة وسلامة وسيادة الأراضي السورية”.

وتبادل بوغدانوف مع سوسان “وجهات النظر حول الوضع في سوريا، مع التأكيد على مهام تعزيز التسوية الشاملة هناك”، وشدّدا على “الدور الريادي لصيغة أستانا وأهميتها”، وأكدا على “تكثيف العمل البنّاء للجنة الدستورية السورية”، بحسب البيان.

والاثنين، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مواصلة عقد اللقاءات بين بلاده وروسيا والنظام السوري بمشاركة من إيران ضمن مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

وقال أردوغان: “لتجتمع تركيا وروسيا وسوريا، ويمكن أن تنضم إيران أيضاً، ولنعقد لقاءاتنا على هذا المنوال، لكي يعم الاستقرار في المنطقة، وتتخلص المنطقة من المشكلات التي تعيشها”. وأضاف: “قد حصلنا وما زلنا نحصل وسنحصل على نتائج في هذا السياق”.

ويُفترض أن يشهد شباط/ فبراير، لقاء دبلوماسياً يجمع وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري ضمن لقاءات التطبيع المدعومة من روسيا، بعدما أنتج المسار لقاءً جمع وزراء دفاع البلدان الثلاث نهاية 2022، وذلك بحسب ما قاله في وقت سابق، وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو.

لكن مراقبين رجّحوا أن ثمة تعثراً في عقد اللقاء الدبلوماسي، معيدين السبب إلى سقف المطالب المرتفع الذي طالب به رئيس النظام السوري بشار الأسد حيث اشترط انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية قبل المضي قدماً بالمسار، بالتزامن مع سعي إيراني للعب دور أكبر.

————————–

الأيادي التي تعبث بالشعب السوري/ سوسن جميل حسن

متلازمة اليد الغريبة … ربما توحي هذه التسمية (أو التعبير) بمجاز أدبي أو دراسة في علم الاجتماع، لكنها في الواقع هي تسمية لأحد الأمراض العصبية التي تنجُم عن إصابات متنوعة على مستوى المراكز العليا في الدماغ، بشكل خاص، تصيب البالغين في العادة، مع تسجيل حالاتٍ نادرةٍ عند الأطفال على أبواب المراهقة، أكثر ما يميّز هذه الحالة المرضية أن اليد المستهدفة تنفصل عن إرادة الدماغ، وتصبح مستقلّة الإرادة، وهذا فظيع، لأن اليد ستتصرّف بلا عقل، بلا قيم، بلا عاطفة، بلا مشاعر، فهل يمكن إدانتها بما تقترف؟ أم تُحاكم على أنها فاقدة للأهلية القانونية، أو غير مسؤولة عن تصرّفاتها؟

أثارت أسئلة امتحان واردة بمقرر اللغة الإنكليزية لطلاب السنة التحضيرية في جامعة دمشق موجة من التعليقات والاستهجان والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، والسنة التحضيرية هذه تضمّ المتقدّمين لامتحان مفاضلة القبول في كليات الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة، وكانت الأسئلة تدور حول أمور مثل: انفصال لاعب نادي برشلونة الإسباني المعتزل جيرارد بيكيه عن المغنية الكولومبية شاكيرا، ولون فستان “الفانشيستا” ماريا، بالإضافة إلى أسئلة عن جواز السفر السوري، وعن مدى شهرة رواية لمؤلف أميركي صدرت منذ أيام (لم تتعرف كاتبة هذه السطور إليها بعد)، وأيضاً عن كتاب الأمير البريطاني هاري الذي صدر أخيراً.

وأمام موجة السخرية والاستهجان، قال مسؤول في وزارة التعليم العالي، رداً على الأمر، لصحيفة الوطن، إنّ اللغة الإنكليزية الموضوعة كمقرّرات في السنة التحضيرية الطبية هي في مستوى الثانوية العامة نفسها أو أعلى منها بقليل! مضيفاً: بالطريقة نفسها، تشمل الأسئلة في اللغة بالثانوية مواضيع عامة كأن تكون عن ممثلين وفنانين. وتابع: من الطبيعي انتقاء نصوص عامة لقياس مهارة الطالب التي اكتسبها خلال الفصل، والتي كان هدفها الأساسي اكتساب القدرة على فهم الأفكار واستخلاصها من النصوص، ليستطيع بعدها الاستفادة من “الكتب المرجعية” بالشكل الأمثل.

فهل هذه هي الكتب المرجعية التي ينتظر طالب الطب أو الصيدلة، الرجوع إليها؟ وهل هذه المواضيع من الأمور المهمة بالنسبة إلى طالبٍ يصل إلى الجامعة وكأنه ما زال في سباق المسافات الطويلة، لا يعلم غير الله كيف مرّت الشهور عليه وعلى أسرته، وكم كابد أبواه وعاشا الحرمان، كي يسانداه في طريقه المليء بالأشواك والحجارة. من يقف خلف هذا القصور والتردّي، بل والعجز في إدارة أمور الناس، والذي يعتبر التعليم والعناية بالطلاب وتوفير ما يلزم العملية التعليمية من أدواتها ومتطلباتها الأساسية، حقًّا من حقوقهم؟ لمن تلك الأيادي المتخفّية في قفّازات، تعبث بكل القيم والقواعد؟ ليتها مصابة بمتلازمة اليد الغريبة، ربما كان علاجها أسهل وأجدى، لكنها أيادٍ خاضعة لإرادات فاعلة تسطو على المجال العام وتديره وفق أجنداتٍ وعملياتٍ دماغية أكثر تعقيداً وتركيزاً واستهدافاً.

أوشكنا على دخول السنة الثالثة عشرة من عمر الأزمة السورية، بغضّ النظر عن التسمية، ورغم كلّ العثرات والفشل والانزياح الذي وقعت فيه الثورة، يبقى الفعل الثوري مطلباً ومتغيّراً باستمرار، كما قال جيل دولوز: “فشل الثورات سيشعل شرارة صيرورة ثورية من جديد” لكنّ الحديث المجدي هو تسليط الضوء باستمرار على التغيّرات الدراماتيكية التي تحصل في بنية المجتمع/ المجتمعات السورية، وفي منظومة القيم والمعارف، وفي هبوط المؤشّرات كلها باتجاه الحضيض، مؤشّرات لها علاقة بالمعيشة والتعليم، والحريات، والثقافة، والاقتصاد، وكل ما يميز نشاط الشعوب وإنتاجها، فالوعي العام في تراجع، وإذا كان الشعب قد انقسم في بداية الانتفاضة على نفسه، بين مؤيّد ومعارض للحدث الكبير، فإن ما وقع في السنوات الماضية سلب القدرة على التفكير، بما أغرق الناس في مستنقعات الهموم المعيشية، وما تم من ممارساتٍ طمرت جمر الفتنة تحت رماد الواقع المحروق.

ليست أيادي مصابةً بمتلازمة الغربة والانفصال عن إرادة الدماغ، بل هي إرادة جبّارة أطلقت أياديها بكل خبراتها المكتسبة والمبتكرة لتقضي على ما بقي من واحاتٍ يمكن أن ينبت فيها العشب في أرواح شرائح المجتمع كافة، هي أيادٍ مرتبطة بالخارج، أيادٍ استباحت حياة هذا الشعب ونفوسه وكرامته وبلاده، قتلت فيه حتى روح التضامن، ماذا لو كانت النصوص المطروحة في الامتحان حول ما يجري في فلسطين المحتلة اليوم، هل يمكن لإنسان سليم المشاعر والعواطف أن يشيح النظر عنها؟ أليست فلسطين هي البوصلة، كما جرت العادة في تجريع هذا الشعب شعاراتٍ جوفاء حولها؟ ماذا لو كان نصّاً يحكي عن مراكب الموت التي تحصُد السوريين الهاربين من موت محقّق إلى موت شبه محقّق؟ ماذا لو كانت النصوص عن رغيف الخبز، والبرد وأحلام الأطفال؟

أي أيدٍ هذه العابثة بأمن الناس وعقولهم وكرامتهم؟ في الطب، تتصف متلازمة اليد الغريبة بانفصال الإرادة، حدّ أنها يمكن أن تشلّ اليد الأخرى عن أداء وظيفتها، فتعاكسها فيما تنوي القيام به، وهي أيضاً، يمكن أن تمتدّ إلى عنق صاحبها وتخنقه، ربما أصبح معظمنا لا يملك غير الدعاء مثل العجائز المقعدات، فندعو ليتها تفعل، لكن غربة الأيادي العابثة بمصير هذا الشعب من نوعٍ آخر، إنها أياد جبارة، تحرّكها إراداتٌ أكثر جبروتًا، إنها محصّنةٌ ضدّ أنواع العواطف والمشاعر النبيلة، ضدّ الرحمة، ضدّ الرأفة، ضدّ الحكمة، ضدّ العطاء، ضدّ كل ما هو نبيلٌ من صفاتٍ يمكن لليد أن تتباهى بها، محصّنة أيضًا ضدّ كل أشكال الأوساخ والجرائم، فتغوص فيها بنشوة مصّاصي الدماء، هي أيادٍ تجيد الخفاء مثلما تجيد الصراحة والفجور، تعرف متى تكشّر عن “مخالبها”، ومتى تلبس القفّازات، أياد تعرف ما تريد، وتفعل ما تريد، تعبث هذه الأيادي بأمن الشعب وأمن البلاد منذ عقودٍ خلت. ازداد جبروتها وازدادت جرأتها على اللعب المكشوف في العقد الأخير، والمصيبة الكبرى أنها صارت، بتعدّدها واختلاف أدواتها في الداخل، مباركةً لدى الشعب المنقسم أو المقسّم، الخاضع لاحتلالاتها، بل هناك، في كلّ المناطق من يتمسّكون بها وينحنون لتقبيلها، في أبشع صور الولاء الرخيص. هي ليست متلازمة اليد الغريبة، بل هي أيادٍ مصابةٌ بالثآليل التي تتكاثر وتتورّم مثل السرطان، تشيع المرض في جسد هذا الشعب المهجّر، المفقر، الرازح تحت الجوع والحرمان حدّ شلّ قدرته على التفكير، وأيديه عن العمل.

العربي الجديد

————————————

=====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى