الناس

سوريا: الأرامل في الرقة بين المبادرات الخيرية والبحث المضني عن العمل وتقطع سبل العيش/ اسامة الخلف

تمسح عن جبينها قطرات العرق وبقايا الغبار حين عودتها من عملها في أحد المنازل القريبة من حي الفردوس، حيث تقطن وسبعة من أطفالها وممن تبقى من عائلتها وعائلة زوجها الذي توفي في مدينة أورفا التركية العام الماضي. وتقول المعلمة وفاء العيسى (41 عاما) من مدينة الميادين لـ«القدس العربي» وهي نازحة إلى الرقة: «حصلت على إجازة من كلية الشريعة بجامعة الفرات عام 2004 وامتهنت التدريس في مدارس الميادين بريف ديرالزور حتى عام 2014 بعدها توقفت عن التدريس بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة إذ حول المدارس إلى ثكنات عسكرية وسجون. بقيت وزوجي الذي يعمل بتجارة المواد الغذائية في البوكمال حتى خروجنا بعد سيطرة النظام السوري والميليشيات الرديفة 2017 وتوجهنا نحو تركيا وبالتحديد مدينة أورفا. لكن غلاء المعيشة أعادني إلى الرقة 2019 وبقي زوجي يعمل ويرسل المصروف الشهري لي وللعائلة ومعنا أختي ووالدتي وأخوات زوجي ووالدته .

إثر حادث سير في أورفا توفي زوجي عام 2021 وانقطع ما كان يرسله للعائلة». تضيف وفاء العيسى: «لم يبق أمامي سوى البحث عن عمل يقي نفسي والعائلة الكبيرة مشقة التسول. بحثت في قطاعات المنظمات والمدارس ولكن كوني وافدة إلى الرقة وأفضلية الفرص هي للمقيمات من الأهالي لم أحظ بفرصة عمل. أهالي الخير بدورهم من جمعيات ومبادرات ساعدونا بتأمين مسكن بسيط في بناء تعرض للقصف، وقامت أحدى المنظمات بترميمه جزئياً ليناسب السكن .الحي الذي أقطنه والعائلة يعتبر من الأحياء الراقية بالرقة ومن خلال الجيران استطعت تأمين عمل لي ولأخت زوجي وأختي في غسيل السجاد وتنظيف المنازل والتعزيل، ما أعانني كثيراً في تأمين مصروف العائلة الذي كان شاقاً جداً. المدهش أن العديد ممن أعمل لديهن يستغربن أنني مجازة جامعية ومعلمة سابقة وامتهنت هذه المهنة الصعبة التي قد يراها المجتمع مهينة ودون مستوى المرأة المثقفة، لكنني أراها كفاحا مبنيا على الاعتماد على الذات، وأرى العديد من النساء يتسولن في الشوارع وهن قادرات على العمل».

تقول الصحافية والباحثة السورية وضحة عثمان لـ «القدس العربي»: «قضية حقوق الأرامل واللواتي يعملن في دولة تحمي حقوق مواطنيها تختلف عن السوريات. في زمن الحروب والنزاعات وفي الدول التي تكون النساء فيها عنصرا ضعيفا بالمجتمع فهيئة الأمم المتحدة مسؤولة عن تأمين احتياجاتهن وحمايتهن. في سوريا لا توجد دولة تحمي مواطنيها على اختلاف أطيافهم من رجال ونساء وكبار بالسن، بالتالي فإن التوجه سيكون نحو الأمم المتحدة من خلال جهود المناصرة من قبل النساء العالم والسوريات المؤثرات في مراكز صناعة القرار لإيصال أصوات الأرامل والمعيلات مثل المعلمة وفاء ومثيلاتها للوصول لأبسط حقوقهن في الحياة الكريمة بدون التعرض للاستغلال كالتحرش والتنمر. كسوريات لم نحصل على حقوقنا خاصة ونحن في دولة مفككة غير قادرة أن تؤمن احتياج أي مواطن، فما بالك بالنساء اللواتي هن عرضة للاستغلال على كل الصعد؟».

لم ترتق مبادرات منظمات المجتمع المدني بالرقة إلى المستوى المطلوب، وهو ما أكده الناشط المدني من الرقة مناف الأسعد لـ«القدس العربي» و«شريحة الأرامل واليتامى ودعمهم بمشاريع، هو ما تم العمل عليه من قبل المنظمات بمبادرات مجتمعية، وهناك جمعيات خيرية ساعدت هذه الشريحة التي تحتاج بشكل كبير إلى نوعية أجود وأفضل من مشاريع سبل عيش، من تدريبات مهنية، بناء قدرات ودمجهم بالمجتمع ودعمهم اقتصاديا».

ويرى مناف أن يتم تسليط الضوء على قصصهم وقضاياهم من خلال المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني للوصول إلى تحقيق واقع اقتصادي يحقق اكتفاء الأرامل والمعيلات في المجتمع .

بالمقابل أقامت عدة فعاليات خيرية وأهلية بالرقة مبادرات خيرية خاصة بالأرامل والمعيلات من النساء مثل «مبادرة صنائع المعروف» و«مطبخ باب بغداد الخيري» و«مطبخ الفردوس» و«العيادات التخصصية لشباب تفاؤل» وهو ما أكده في تصريح خاص الدكتور فراس ممدوح الفهد حيث قال :»منذ عام استطعنا و81 طبيبا وطبيبة من افتتاح العيادات الطبية التخصصية ضمن 17 اختصاصا طبيا لعلاج الأرامل والأيتام، وهو ما يخفف عبئاً كبيرا عن كاهل المجتمع من الناحية الطبية وتوفير المعالجة النوعية والخاصة لتلك الشريحة الكبرى بالمجتمع من الوافدين والمقيمين .وأنشأت الإدارة الذاتية ومجلس الرقة المدني لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل ولجنة المرأة التي تتابع أوضاع الأرامل والمعيلات من خلال دورات مهنية في الخياطة والبيوت البلاستيكية ودورات تدريس وتأهيل تربوية». لكن العدد كبير حسب عبدالسلام حمسورك نائب الهيئة الرئاسية في مجلس الرقة المدني والذي قال: «تمحور دور لجان ومكاتب المجلس بتأهيل وإعداد عدد من المعلمات والمدرسات خلال العطلة الصيفية منذ تأسيس مجلس الرقة المدني 2017 وعينت اللجنة العديد منهن في القطاع التربوي والمدارس، بالإضافة للدورات المهنية التي أقامتها لجنة المرأة وتوزيع مستلزمات ماكينات الخياطة ومعدات بيوت بلاستيكية وبيت المؤونة» وأضاف «المسؤولية كبيرة وتلقي بظلالها على المجتمع ككل وعلينا التظافر وتوحيد جهودنا لاحتواء الأرامل والأيتام والمعيلات، خاصة بعد موجات النزوح نحو مدينة الرقة من مناطق سورية متعددة».

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى