سياسة

“مؤشرات المواجهة ترتفع”.. ماذا يحصل بين أمريكا وروسيا في سورية؟

ما الذي سيحدث في شرق الفرات -مقالات وتحليلات-

===========================

تحديث 17 آب 2023

——————————–

هل أجهضت واشنطن معركة دير الزور الإيرانية؟/ عبدالناصر العايد

أطلق سياسي مقرب من حزب الله، مؤخراً، تحذيراً يبدو غريباً نوعاً ما، طلب فيه من اللبنانيين الاستعداد لموجة نزوح سوري سببه معركة دير الزور “الكبرى” التي باتت قريبة جداً، ويأتي ذلك بالتزامن مع صدور تصريحات ودراسات وتقييمات متعددة، تدور حول هذه المعركة التي تحدثنا عنها في باكراً في مقال سابق، وقلنا حينها أن المعركة قريبة ومؤكدة. لكن يبدو معطيات ميدانية غيّرت بعض القرارات أو دفعت إلى تأجيلها، على الرغم من استمرار وتصاعد الزخم الإعلامي حول المعركة، وهنا سنحاول إعادة بناء المشهد لفهمه أكثر باعتباره ما زال مرشحاً لأحداث مهمة.

بدأ الحديث اعلامياً عن المعركة مع إطلاق وسائل اعلام مقربة من إيران، شائعة تقول بأن الولايات المتحدة تستعد لمهاجمة البوكمال وقطع طريق التواصل بين سوريا والعراق. وقد تلقى اعلام المعارضة السورية، الشائعة، وردد الصدى وضخّمه، مع تأكيدات غير رسمية له، ليعود الإيرانيون ويتلقفونه ويقدمونه كحقيقة. وبناء عليه، تحركت أذرعها المحلية لإقامة الاستعراضات العسكرية والمهرجانات الخطابية التي تندد وتتحدى المشروع الأميركي المفترض، والذي نعتقد أنه لم يكن موجوداَ ولا وقائع تؤكده. وبدأ الحشد الإيراني عبر تشكيل قوة عسكرية من أبناء عشائر المنطقة الواقعة تحت سيطرتها، ودعم مليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام، وتحشيد المليشيات الإيرانية وتعزيزها بالأسلحة على امتداد نهر الفرات.

وعندما تنبهت القوات الأميركية لما يحدث وتفحصت جوارها، فوجئت بأن الحرس الثوري ونظام الأسد قد فخخ الأرض حول قواعدها بالخلايا النائمة، خصوصاً في صفوف قوات “قسد” الحليفة لها، الأمر الذي دفعها إلى تغيير تلك القوات بشكل عاجل بأخرى لا يعتقد أنه تم العمل في صفوفها. وأثار ذلك استياء ما يدعى بمجلس دير الزور العسكري الذي كان يسيطر على المنطقة، ورفض القرارات التي تتضمن ما يشبه كفّ اليد، ونشب صراع عسكري بينه وبين القيادة الكردية، وعملت المليشيات والنظام على تأجيجه بقوة. لكن القوات الأميركية احتوته بسرعة ومنعته من التطور، وفي هذه الأثناء تم جلب أعداد كبيرة من القوات والأسلحة، تحسباً لهجوم إيراني واسع ومتعدد المستويات، وجرى اظهار ذلك للعيان في محاولة لردع طهران ومنعها من الإقدام على هذه الخطوة.

لكن الإيرانيين لجأوا إلى رفع الرهان، على ما يبدو، وهددوا بتوسيع دائرة المواجهة لتصبح في عموم المنطقة. كما بدا واضحاً أن الخطط التي تُحاك، تدعمها روسيا بقوة عبر سلاحها الجوي المتمركز في سوريا، كما أوضح معهد دراسات الحرب الأميركي، وهو ما استدعى مسارعة واشنطن لتعزيز قواتها في كامل المنطقة، لا سيما في الخليج العربي والعراق، وإرسال أحدث الطائرات الأميركية، لتحلق طرازات منها للمرة الأولى في سماء المنطقة، وأبلغت القوات الروسية عن رصدها لطائرات إف-35 الشبحية للمرة الأولى في الأجواء السورية.

وفي وقت لاحق، وخلال زيارته طهران، أعلن وزير خارجية النظام السوري، إن على القوات الأميركية أن تنسحب من سوريا قبل أن تُجبر على ذلك، ثم بُثت مقابلة تلفزيونية مع رأس النظام بشار الأسد، شدد خلالها على عمق وأولوية التحالف حتى النهاية مع طهران. وبُعيد ذلك، بدأت تظهر إعلانات ما يسمى بالمقاومة السورية، للإبلاغ عن هجمات بالصواريخ والمسيرات على مواقع أميركية. ومع أن واشنطن لم تُبلغ عن وقوع هذه الهجمات ولم تنفِ حدوثها، إلا أننا نميل للاعتقاد بأن الهجمات حدثت بالفعل، لكن الصواريخ والمسيرات مُنعت من الوصول إلى أهدافها من خلال التقنيات المتقدمة التي جُلبت مؤخرا إلى القواعد الأميركية للتعامل مع هذا النوع التهديدات، وترافق ذلك مع ضربات غير عادية للمليشيات الإيرانية في دير الزور ودمشق، يبدو انها حصدت خسائر جسيمة.

عند هذا الحد، دخل الصراع الذي نتحدث عنه في العتمة الاستخباراتية، ولم يعد الرصد الخارجي ممكناً. لكن خبراً أوردته وسائل اعلام محلية، عن تغيير الحرس الثوري لقائد قواتها في دير الزور لسنوات، وهو الحاج كميل، بقيادي يُعد أحد تلامذة قاسم سليماني هو موسوي الموسوي، يقول بأن طهران تعيد النظر في خططها، لكنها لا تتراجع عنها. فتبديل الأحصنة هذا، ينطوي على دلالة تفيد بأنها أجّلت عملها في دير الزور، لكنها من ناحية أخرى ستربطه أكثر بمواجهة إقليمية مع أذرع الحرس الثوري في الإقليم الذي يبدو أن موسوي يتقنه أكثر بحكم مرافقته لسليماني. وهو تطور خطير، يدفع شركاء واشنطن وحلفائها للاستنفار. وعلى خلفية ذلك، وصلت تعزيزات بريطانية وأخرى فرنسية إلى المنطقة، وتهيأت إسرائيل أكثر، أما الدول العربية فأوقفت على الفور مسار التطبيع مع النظام، بل وانقلبت عليه في أكثر من مناسبة.

كخلاصة، نرجّح أن معركة دير الزور “الكبرى” أصبحت مكشوفة، وتتوافر للجانب الأميركي وسائل التعامل معها، وأن قواتها لن تخضع للتهديد في شرق سوريا وتنسحب كما كان يأمل الإيرانيون الحالمون بتوسيع معبر شرق سوريا إلى المتوسط. كما أن التلويح بمعركة الساحات المتعددة، استنفد إمكاناته مع تحشيد القوات الأميركية في المنطقة. وما وُصف بأنه “وابل” من الصواريخ ينهمر على القواعد الأميركية في شرق الفرات، ربما يصبح حديثاً اعلامياً لن يتوقف في المرحلة المقبلة. فاستراتيجية الحرس الثوري تقوم أساساً على الحرب النفسية والاستنزاف، وهو ما يمكن أن يحصل بطبيعة الحال، لكنه لن يحصد التأثير الاستراتيجي الذي كان يمكن لطهران أن تجنيه فيما لو استمرت بخطة المواجهة الإقليمية، التي لا نستطيع على كل حال أن ننفي وقوعها بشكل قطعي في الأسابيع المقبلة.

المدن

——————————

شمال-شرق سوريا: تعزيز أوراق لا التحضير للحرب/ العقيد عبد الجبار العكيدي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عملية عسكرية يتم التحضير لها من قبل القوات الأميركية الموجودة في شرق سوريا، تستهدف أذرع إيران وميليشياتها على الحدود السورية-العراقية، بالتزامن مع ارسال الولايات المتحدة تعزيزات الى منطقة الشرق الأوسط، بما فيها قطع عسكرية نوعية على صعيدي القوات البحرية والجوية، ما يثير التساؤلات عن موعد هذه المواجهة، وإن كانت واشنطن جادة فعلاً هذه المرة فيها، أم أن الموضوع لا يتعدى التصريحات والتصعيد الإعلامي.

إلا أن تزامن هذا الحديث وهذه التعزيزات مع صفقة إفراج طهران عن المواطنين الأميركيين من أصول إيرانية مقابل إفراج واشنطن عن أموال إيرانية محتجزة، يقلل من احتمالية هذه المواجهة بل يجعلها قريبة من الصفر، ويضع كل هذه التحركات العسكرية (من الطرفين) في سياق تعزيز الأوراق السياسية على طاولة التفاوض التي كانت جارية بينهما.

بالمقابل، ترسل قوات النظام والميليشيات التابعة لإيران منذ أسابيع الحشود وتعزز مواقعها وتقوم بعمليات التحصين الهندسي ورفع السواتر في ضفة الفرات المقابلة للتواجد الأميركي وحليفها المحلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في نفس الوقت تقوم بعض الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني بعملية إعادة انتشار وتموضع في باديتي البوكمال والميادين، لاستكمال الاستحواذ على تلك المنطقة ذات الأهمية الجيواستراتيجية بالنسبة لجميع الفاعلين على الأرض السورية، وتحسباً لأي احتمال خارج إطار التفاهمات.

ما يحصل في المنطقة الشرقية من تسخين الساحة سياسيا وعسكريا بين إيران والأسد ومن وراءهم روسيا، من جهة، وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى، مؤشر على احتدام التنافس بين الأطراف المحلية والدولية، وقد يكون على مشاريع جديدة لم تتضح معالمها بعد.

بالمقابل فإن الولايات المتحدة من جانبها تبدو بالفعل مهتمة بإعادة هيكلة القوى الموجودة في المنطقة وتنظيمها وضبطها وإشراك قوى عشائرية ذات تأثير فيها، بما يتلاءم مع مستجدات المرحلة القادمة التي قد تتطلب قطع أذرع إيران أو تحجيم نفوذها في المنطقة، وهذا يتطلب من الأميركيين اعداد قوى عسكرية من أبناء المنطقة ومن العشائر العربية، على غرار ما فعلت في عام 2014، مع جيش مغاوير الثورة الذي أعدته ودربته في الأردن قبل زجّه في مواجهة تنظيم داعش في منطقة التنف على المثلث الحدودي وفي أماكن اخرى. وربما هذا ما تفكر به واشنطن اليوم، لعلمها ان قسد التي يتولى زمام أمرها قادة حزب العمال الكردستاني المرتبطين ارتباطاً وثيقا مع قيادتهم في قنديل، والمرتبطة بدورها بعلاقات ومصالح كبيرة مع إيران والنظام السوري، ترفض الدخول في أي مواجهة مع الإيرانيين.

لكن رغم كل ما سبق، إلا أن الحديث عن مشروع أميركي لتقويض المشروع الإيراني في المنطقة، وتحجيم وجوده لم يعد مقنعاً للسوريين، ومثلهم العرب في الخليج كما بات واضحاً لأي متابع لمجريات الأحداث!

فتغلغل كل تلك الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة كان على مرأى ومسمع الولايات المتحدة والعالم أجمع، ولا يخفى على أحد أن العلاقة بين واشنطن وطهران منذ ثورة الخميني في عام 1979، قائمة على حرب صوتية متفق عليها، وعلى الصفقات التي لم تتأخر، ولن يكون آخرها الإفراج عن المواطنين الأميركيين المحتجزين في إيران.

الولايات المتحدة أيضاً لم تعلن في أي يوم أن استراتيجيتها تقوم على تقويض الوجود الإيراني في المنطقة، لأن جذور الخلاف بين واشنطن وطهران ليس الصراع على النفوذ بحد ذاته بل على حجم هذا النفوذ، فإيران تتموضع في سوريا والعراق ولبنان واليمن سياسيا وعسكرياً، وهي صاحبة القرار واليد الطولى في تلك الدول، ومع ذلك لا تتعرض لأي استهداف أميركي او إسرائيلي الا عندما تتجاوز ميليشياتها حدود التفاهمات المتفق عليها، والمواقع الإيرانية ليست مجهولة بالنسبة للقوات الأميركية إذ لا يفصلهما عن بعض في سوريا سوى أمتار من عرض مجرى نهر الفرات.

ربما من حق الجميع أن يتساءل هل فعلاً قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة غير قادرة على القيام بتنفيذ ضربة عسكرية تنهي التواجد الإيراني في مناطق شرق سوريا؟ وهل هذه الميليشيات التي تستهدف بين الفينة والأخرى القواعد الأميركية المتواجدة شرق الفرات، دون وقوع أي أضرار، تشكل تحد حقيقي لواشنطن؟

بعيداً عن النفي والتأكيد وتحليل موازين القوى العسكرية وأبعاد أي مواجهة ونتائجها على كافة الصعد، وبعيداً عن نظرية المؤامرة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الأهداف التي يمكن ان تدفع أميركا لهكذا مواجهة؟ وما هي الأهداف التي تدفع إيران أيضاً لهذه المواجهة؟ وهل هذه الأهداف تستحق ان تكون ثمن كافٍ ومغرٍ لنشوب مواجهة عسكرية مكلفة جداً لكلاً منهما؟

في الوقت الراهن لا يوجد أي سبب يستدعي نشوب أي صراع او مواجهة بين الطرفين، فالعدو المشترك لجميع الأطراف والذي يعطيهم ذريعة التواجد هو محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، الذي يعتبر ورقة استثمار بيد الجميع، فيما أرتال الميليشيات الإيرانية تنتقل من طهران عبر العراق وصولاً الى دمشق وبيروت مروراً بالأراضي الواقعة تحت سيطرة ونفوذ القوات الأميركية وحلفائها قسد وجيش سوريا الحر، دون أن يتعرض لها أحد، فهل يمكن لإيران ان تحظى بعدو حميم أفضل من الولايات المتحدة؟ وما الداعي لمواجهتها؟

في نفس الوقت، فإن الولايات المتحدة التي سهلت لها إيران احتلال أفغانستان، ومكنتها من دخول العراق واحتلاله وكانت الحامي لجنودها، لم تتعرض لأي هجوم حقيقي منذ ان دخلت قيادة قوات التحالف الدولي الى سوريا في صيف عام 2014، ما يؤكد وجود تفاهمات وخطوط ساخنة تحفظ أمن ومصالح جميع الأطراف المتواجدة على الأرض السورية.

وعليه من المرجح أن كل ما تريده واشنطن حالياً من تعزيزاتها العسكرية في المنطقة هو عدم ترك فراغ فيها، وتعزيز أمن الشرق الأوسط وطمأنة الحلفاء الخليجيين بأنها موجودة ولم تغادر المنطقة، بالإضافة الى تأمين الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر والمحيط الهندي، بينما تستهدف كل التحركات الموازية الأخرى، إبعاد إيران عن روسيا ما أمكن، وعزل موسكو عن أحد أهم حلفائها.

المدن

—————————

الروس في سوريا من سرقة الآثار إلى مناوشة الأميركان/ فراس سعد

بعد سنتين من التدخل العسكري الروسي في سوريا توقع محللون انسحاب القوات الروسية خلال شهور، طبعا لم يكن توقع المحللين في محله، فلقد كان لدى الروس ما يفعلونه في سوريا، تحديدا بالنسبة للمدن والمنشآت المدنية أسوة بما فعلوه في الشيشان سابقا، وكما سيفعلونه لاحقا في أوكرانيا.. إضافة لذلك فالحلم الروسي بالمياه الدافئة وبموضع قدم في الشواطئ الشرقية للمتوسط تحقق أخيرا وبطلب أميركي إسرائيلي كما تسرب لاحقا، لمواجهة تغلغل إيران، ولمنع سقوط نظام الأسد أمام تقدم قوات المعارضة في ذات الوقت..

بعد أن استقر لهم الأمر في سوريا راح الروس يتصرفون مثل أي احتلال عرفته البلاد طوال قرون، فهم بعد أن استقر لهم المقام بدؤوا بممارسة العمل الأساسي لكل احتلال: نهب الثروات بكل أنواعها ما ظهر منها وما بطن، فعدا ملايين أطنان الفوسفات التي ينهبها الروس من ريف حمص والبادية هناك مواقع في جبال اللاذقية بعضها أثري وبعضها أراض عادية أغلبها كروم زيتون يجري تطويقها ليلاً بحواجز جهاز مخابراتي سوري يمنع حركة السير في محيطها ويحولها إلى مناطق أمنية صغيرة جدا لأيام تقصر أو تطول، تدخل فرق النهب الروسية تنقب وتحفر وتنهب ثم تخرج، بعد ذلك ينسحب عناصر الأمن، كل ذلك يجري تحت جنح الليل..

أصحاب الكروم والأراضي التي جرت فيها عمليات الحفر والنهب، يُسروّن في مجالسهم الخاصة أن أراضيهم قُلبت رأسا على عقب كما لو أن الفرق الروسية تبحث عن كنوز خفية أو أشياء أخرى..

بل إن اهتمام الروس بالآثار ظهر في كلام منشور عقب تشكيل نظام عصابة الأسد فريق عمل استشاري، بهدف التباحث مع الجانب الإيراني بخصوص إعداد “مسودة عقد” لإدارة المرفأ من قبل إيران، التي تسعى إلى جعل المرفأ منفذا لها على البحر المتوسط.

وبعيد الكشف عن تلك “المسودة-الوثيقة” أعلنت روسيا عن عزمها إرسال فرق للتنقيب عن الآثار الغارقة في السواحل السورية، الأمر الذي فسره ناشطون حينها، بأنه رسالة من موسكو لطهران، مفادها أن الاقتراب من الساحل السوري خط أحمر. كما ينقل موقع عربي 21.

يتصرف الروس في سوريا وفي الساحل خصوصا كما لو أنهم باقون لاسيما بعد استثمار مناطق سياحية في الساحل لإقامة منتجعات سياحية هناك.. في وقت قالت دراسة نشرها باحثون سوريون إن قاعدة حميميم الروسية بالقرب من مدينة جبلة تستجر الكهرباء والمياه مجانا، وكشفت الدراسة أن القاعدة كبدت خزينة الحكومة السورية أربع مليارات ليرة سورية (بأسعار 2022) فقط ثمنا للكهرباء والماء.

يتصرف الروس في سوريا حينا كما لو أنهم لصوص يسرقون ويهربون وحينا كما لو أنهم على العكس من ذلك مستثمرون وسواح باقون ليستمتعوا بالأرض والشمس والبحر..

بل إن بعض الروس المهووسين من النخبة الإعلامية يحلم أن يستعمر سوريا لوقت طويل كما فعلت أوروبا بفلسطين، فقبل سنوات سبع قالت القناة التلفزيونية الحكومية الروسية الأولى إنه ليس هناك دولة في التاريخ اسمها سوريا، وأن هذه البقعة من الأرض المسماة الآن سوريا ستكون روسيا.. هذا ما أكدت صحفية معارضة لموسكو تعمل في قناة “نوفوسيبيرسك” إذ قالت منتقدة نظام بوتين: “الخراب في روسيا يغطونه بحروب ضد الأضعف وينسون أن الحرب الصغيرة يمكن أن تتحول إلى هزيمة كبيرة” وأضافت الصحفية المعارضة لنظام بوتين قائلة “وصلت الهلوسة بالقناة الأولى الحكومية الروسية الرسمية بأن تقول إنه لم يكن في التاريخ دولة اسمها سوريا وإن هذه البقعة من الأرض تابعة لروسيا وستكون الآن سوريا هي روسيا الجديدة”.

ليس ذلك فحسب فالروس في سوريا يشعرون بالملل من الهدوء المدقع الذي يضرب مناطق الساحل، رغم الجوع والقمع والإهانة التي يتعرض لها السكان باستمرار، لذلك فهم لأجل إضفاء شيء من الإثارة يرغبون بالقيام ببعض التفجيرات هنا وهناك فآخر مرة فجروا فيها بقنابل طائراتهم مدرسة أو فرناً أو مشفى في إدلب تعود لشهور عديدة، لا بأس إذاً ببعض “الأكشن” ما بين الحين والآخر، كإثبات وجود، غير أن القيادة العسكرية الروسية في سوريا أخذت في الشهرين الأخيرين تتعمد التصعيد الجوي في مواجهة الطيران الحربي الأميركي في الأجواء السورية على خلفية احتدام المعارك في أوكرانيا وانشقاق بريغوجين وخسائر القيادة الروسية المعنوية داخليا وخارجيا الناتجة عن فشلها حتى الآن بتحقيق النصر على أوكرانيا… هذا التصعيد في الساحة السورية جزء من معركة روسيا مع الغرب ومع أميركا تحديدا، علّها بذلك ترفع معنويات جنودها في أوكرانيا، ومعنويات أنصارها في سوريا وبعض الدول العربية.. أما في روسيا فكثير من الروس راحوا يرفعون الصوت احتجاجا على سياسة بوتين العسكرية المغامرة والمتهورة التي مازال الغرب يقابلها بحكمة بالغة في محاولة لامتصاص نقمة بوتين، لدرجة إعلان أوروبا بعد ضرب مسيرات أوكرانية لمدن روسية أنها ليست مع هذا السلوك الأوكراني، ولدرجة استرضاء بوتين بمنحه مساحة للوجود العسكري والاقتصادي في أفريقيا..

———————————-

واشنطن تحشد وطهران تتوعد/ أحمد رحال

“إعلان حرب” هو التوصيف الإيراني لعملية متوقعة تهدف لإغلاق الحدود العراقية السورية من قبل القوات الأميركية، بعد أن نقلت عدة تقارير غربية عن مصادر متعددة بأن واشنطن قد وصلت لطريق مسدود مع إيران عبر كل ساحات التفاوض، ولئن كان “الكي هو آخر العلاج”، فإن واشنطن مقدمة على تلك الخطوة، بل تشعر أنها تأخرت وماطلت كثيراً بطريقة تعاطيها مع الوجود الإيراني في سوريا، وتحويل سوريا تالياً لقلعة عسكرية ومستودع ضخم للأسلحة والعتاد الإيراني القادر على زعزعة استقرار معظم دول الشرق الأوسط، والإضرار بحلفاء واشنطن، وتهديد الوجود الغربي في شرقي سوريا، إضافة إلى أن إيران وحزب الله وأجهزة أمن الأسد حولت سوريا لعاصمة للكبتاغون والمخدرات التي باتت تهدد أكثر من دول خليجية، وأكثر دول حوض البحر الأبيض المتوسط.

 لا شك أن الكوريدور الإيراني على الحدود العراقية السورية ما بين قاعدة التنف ومدينة البوكمال يشكل نقطة ارتكاز قوية للوجود الإيراني في سوريا، لأنه يعتبر الممر الأكثر استخداماً في تهريب السلاح والعتاد والميليشيا لتأمين خط طهران بيروت عبر بغداد ودمشق، ومنفذاً تعبر من خلاله شحنات المخدرات باتجاه أسواق التصريف.

ولأن واشنطن تُدرك أن المطالب لا تؤخذ بالتمني والحروب لا تحسمها التصريحات؛ فقد بدأت حملة استعدادات غير مسبوقة وتحركات عسكرية برية وبحرية وجوية، شملت تحريك أجزاء كبيرة من قدراتها العسكرية الخارجية، فوصلت حاملات الطائرات إبراهام لينكولن وجورج واشنطن للبحر المتوسط، وحاملة الطائرات الأميركية جورج دبليو بوش تمركزت في البحر الأبيض المتوسط أيضاً، لكنها اقتربت من سواحل مدينة اللاذقية لتناور مقابل قاعدة حميميم التي تحتلها القوات الروسية، إضافة لتحريك عدة قطع بحرية نوعية إلى سواحل المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي منها الغواصة الاستراتيجية (يو إس إس فرجينيا) وغيرها، لتضاف لجهود جوية أخرى نقلتها الولايات المتحدة مؤخراً شملت عدة أسراب من طائرات مقاتلة ومقاتلة قاذفة وقاذفات استراتيجية تم نشرها في قواعد أمريكية في دول شرق أوسطية.

وعندما يُبحر الجنرال مايكل “إريك” كوريلا على متن المدمِّرة “يو إس إس توماس هودنر” أثناء عبورها مضيق هرمز، برفقة نائب الأدميرال براد كوبر، قائد الأسطول الخامس، ويبقى على متن المدمرة ثلاثة أيام، ليعلن عن نشر المدمرة “هودنر” مع مقاتلات إف -35 وإف -16 في الشرق الأوسط “للدفاع عن المصالح الأميركية وحماية حرية الملاحة في المنطقة، فإن رسالة قوية وصلت لطهران خاصة بعد أن صرح الجنرال كوريلا قائلاً: “توفر لي هذه الجولات إلى المنطقة رؤية عميقة للعلاقات مع شركائنا واستعداد القوات الأمريكية وقوات التحالف المنتشرة هناك، ما زلت معجباً بالمستوى العالي من الاستعداد والاحتراف والقدرة لدى القوات الأمريكية العاملة في القيادة المركزية الأميركية، والتزام قواتنا وشركائنا هو مفتاح الأمن الإقليمي”. ورداً على احتجاز إيران لناقلتين بحريتين وصل للبحر الأحمر 3000 جندي من مشاة البحرية الأميركية على متن سفينتين حربيتين (يو إس إس باتان، ويو إس إس كارتر هول)، وتلك التحركات والتحشدات الأميركية الضخمة أثارت مخاوف إيران التي اعتبرتها تثير حالة من عدم الاستقرار في المنطقة.

لكن رد إيران لم يكن فقط عبر تصريحات سياسية بل تحركت ميدانياً مع معلومات عن خطة إعادة انتشار وتمركز جديدة اتخذتها الميليشيات الإيرانية خاصة في شرق سوريا، منها في محيط مدن البوكمال والميادين ودير الزور وامتدت حتى البادية السورية، خوفاً من هجمات جوية أميركية أو إسرائيلية مفاجئة، لكنها باتت متوقعة بأي لحظة، ثم دفع الحرس الثوري الإيراني بالجنرال إسماعيل قاآني لتفقد ميليشياته في المنطقة مع زيارة خاطفة لبيروت للقاء قيادات في حزب الله اللبناني، كما أن إيران التي استشعرت  بزيادة التهديدات على مواقعها في سوريا التي تتعرض دورياً لضربات جوية إسرائيلية متلاحقة، قامت بنقل بعض أجزاء من منظومات دفاع جوي إيرانية (خرداد 15، وباور 373) إلى سوريا بعد أن سحبت روسيا منظومة إس-300 من جيش نظام الأسد، لأنها مقتنعة تماماً أن القدرات الجوية لقاعدة حميميم ومنظومات دفاعها الجوي لم ولن تشارك في أي عملية تصدي لضربات جوية إسرائيلية سابقة أو ضربات أميركية لاحقة، رغم أن المناورات الروسية التي جرت الأسبوع الماضي على أطراف مدينة حماه في وسط سوريا وبمشاركة مع الفرقة 25 التي يقودها العميد سهيل الحسن لكنها تتبع عملياتياً لقاعدة حميميم، كانت رسالة موجهة للتحشدات والمناورات الأميركية الجارية في شرق سوريا قدمتها موسكو كنوع من الدعم لحليفتها إيران، وكان ملاحظاً أن قاعدة حميميم وضعت هدف الإرهاب عنواناً لمناوراتها، لكن عين المراقب العسكري تُدرك أن إرهاب تنظيم “داعش” المفكك والذي بات ضعيفاً ويقاتل بتكتيك الذئاب المنفردة والضربات السريعة والخاطفة تحت مبدأ: اضرب، اقتل، اغتنم، واهرب، لا يحتاج لتدريبات ومناورات على استخدام راجمات صواريخ والقيام بإنزالات جوية واستخدام منظومات صواريخ وتنفيذ اقتحام تحصينات، التي تضمنتها المناورات الروسية.

أيضاً لوحظ بالفترة الأخيرة نقل عدة عربات محملة برشاشات متوسطة ومدفعية ومنها تحمل صواريخ تتبع لحزب الله وقامت بالانتشار على حدود منطقة الـ 55 التي تخضع ميدانياً لجيش سوريا الحرة وتحظى بتغطية جوية من التحالف الدولي الذي رصد أكثر من 30 خرقاً جوياً للطائرات الروسية لسماء تلك المنطقة في الشهرين الأخيرين، وترافقت تلك الخروقات مع تصريحات من نظام الأسد تضمنت إطلاق ما يسمى “المقاومة الشعبية” التي تعتمد على توريط العشائر والمدنيين في شرق سوريا، بعمليات منفردة تأخذ طابع حرب العصابات ضد الوجود الأمريكي، وتلك الخطوة من نظام الأسد تٌعطي صورة واضحة عن مدى عجز بشار الأسد عن القيام بأي عمل عسكري ضد الوجود الأميركي لإدراكه التام أن ما تبقى من فلول جيشه المدمر والمتعب والمنهك ستكون وجبة خفيفة أمام القدرات الأمريكية إذا ما تحرشت أو تعمدت مواجهة التحالف في سوريا.

في المجمل يمكن القول أن الولايات المتحدة الأميركية تبدو اليوم جادة أكثر من أي وقت مضى على تصفية، أو التضييق على الوجود الإيراني في سوريا، وجادة أكثر بإغلاق الحدود العراقية السورية أمام تحركات ميليشيات إيران، وأن البنتاغون الأميركي يُدرك تماماً أن أي عمل عسكري ضد إيران في سوريا لن تبقى آثاره حبيسة الجغرافية السورية، وأن البحر الأحمر والخليج وبحر العرب بما فيها مضيقي باب المندب ومضيق هرمز وحتى العراق، قد تشتعل ساحاته عبر تحريك إيران لأدواتها وأذرعها الإرهابية، والتحشدات والتعزيزات الأميركية تعكس قراءة سياسية وعسكرية بعيدة المدى لكل الاحتمالات وأنها تضع كل تلك الاعتبارات بالحسبان، بما فيها التنسيق مع الجانب التركي ومعلومات عن موافقة أنقرة على نقل عدة فصائل من الجيش الوطني من مناطق ما يسمى “غصن الزيتون” و”درع الفرات” إلى قاعدة التنف، تعويضاً عن احتمالية عدم مشاركة قوات سوريا الديموقراطية بأي معارك خارج مناطق شرق الفرات كما صرح قادتها أكثر من مرة.

فهل تحسم واشنطن قرارها وتتخذ خطوتها التي طال انتظارها؟ خاصة أن إيران عودتنا في كل المراحل السابقة أنها تخوض حروبها عبر “جعجعات” إعلامها وأبواق مرتزقتها لكن عندما تقترب الأمور من الصدام تتراجع خطوات للخلف وليس خطوة واحدة.

نورث برس

———————————-

التحالف ينفي تجهيز عملية عسكرية ضد إيران شرق الفرات.. “قسد” تعلق

نفى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تجهيز أي عمل عسكري ضد الميليشيات الإيرانية في شرق الفرات بسورية.

جاء ذلك خلال لقاء قائد قوة المهام المشتركة لعملية “العزم الصلب” في “التحالف الدولي”، الجنرال ماثيو ماكفارلين، مع وسائل الإعلام.

وقال ماكفارلين إن التحالف الدولي لا يعد أي عمليات عسكرية لقطع الطريق على أي جهة في شرق سورية، باستثناء تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وأضاف “نحن نركز على داعش، وانعدام الاستقرار الذي قد تتسبب به حفنة من المقاتلين إذا استعادت السيطرة أو أعادت بناء عديدها لتشكل تهديداً أكبر”.

ويجري حديث منذ أسابيع حول تجهيز قوات التحالف الدولي لعملية عسكرية ضد ميليشيات إيران شرق الفرات، بهدف السيطرة على الحدود السورية- العراقية.

“قسد” تنفي

من جانبها، نفت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ما تداولته وسائل إعلام حول عدم انخراطها في أي عملية عسكرية ضد ميليشيات إيران شرق الفرات.

وقال مدير المركز الإعلامي في “قسد” فرهاد الشامي، إن “وسائل إعلام نشرت أكاذيب حول موقف قسد فيما يتعلق بتحرك وشيك لقوات التحالف ضد مجموعات إيران في سورية”.

وأضاف: “هذه المعلومات كاذبة ولا تستند إلى أي أساس ونحن تربطنا علاقات وثيقة مع التحالف في إطار الشراكة ضد داعش”.

واعتبر أن “المعلومات التي تدّعيها بعض وسائل الإعلام حول رفض قسد للمشاركة في أي معركة وشيكة ضد إيران في سورية كاذبة”.

وأكد الشامي أنه “حتى هذه اللحظة لم يعرض علينا أي معركة خارج إطار محاربة داعش”.

وكان موقع” باس نيوز” الكردي نقل عن مصادر، أمس، بأن “قسد” تجري مفاوضات مع نظام الأسد برعاية إيرانية.

وتتمحور المفاوضات، وفق الموقع، حول تحييد “قسد” عن أي مشاركة مع التحالف الدولي في أي عملية عسكرية ضد الميليشيات الإيرانية في المنطقة.

ونقل الموقع عن “مصدر كردي” قوله إن “النظام بحاجة إلى (قسد) في هذه الفترة ويريد إرضاءها حتى لا تشارك في أي ضربات محتملة من قبل التحالف الدولي والقوات الأمريكية للميليشيات التابعة لإيران في سورية”.

وأشار إلى أن “النظام يريد أيضاً أن تبقى (قسد) لحماية المنطقة من المعارضة، وجزءاً من مشروعه بشكل كامل”.

وعرض النظام على “قسد” البقاء بكامل سلاحها في مناطقها مقابل عودة مؤسسات الدولة المدنية إلى تلك المناطق، حسب المصدر.

وتنتشر الميليشيات الإيرانية في شرق الفرات، وقرب الحدود السورية مع العراق.

وتعتبر مدينتا البوكمال والميادين في ريف دير الزور الشرقي، من المناطق التي تلقى اهتماماً خاصاً من طهران، نظراً لموقعهما الجغرافي المحاذي للحدود العراقية.

———————————–

======================

———————————-

حلف “أستانة” بمواجهة واشنطن في شرق سوريا

لا تتوقف أو تهدأ التحركات الإيرانية والروسية في شرق سوريا للتضييق على القوات الأميركية ودفعها للانسحاب، وقد انضمت إليها مؤخراً في هذه الجهود تركيا، والهدف شبه المعلن الذي لا يخفى على أحد للعمليات المتصاعدة هو إثارة الفوضى وزعزعة الأرض تحت القوات الأميركية وتعكير الأجواء في سماء منطقة العمليات، وتعقيد المهمات الاستخبارية، وصولاً الى بلوغ القادة الأميركيين الاقتناع الكافي بأن قواتهم في سوريا معزولة وتواجه خطراً داهماً واستصدار أمر بسحبها.

يتلخص دور إيران في الأحداث الجارية بعبارة العقل المدبّر، فهي الأكثر نفوذاً والأكثر احتياجاً رمزياً وعسكرياً لانسحاب أميركي من المنطقة وتوسيع ممرها البري إلى البحر المتوسط، وهي قامت بعملها بصبر وهدوء طوال السنوات الماضية، توّجته بصنع تحالف يضم أطراف أستانة، ايران وروسيا وتركيا، وتوحيدها وراء هذه الغاية.

لكن إضافة إلى هذا الدور السياسي وقبله، عمل الحرس الثوري الإيراني على تهيئة الميدان من النواحي العسكرية والاستخباراتية، واستعداده لهجوم بري عبر تكديس الأسلحة والمعدات واستجلاب أعداد كبيرة من المقاتلين من العراق ولبنان وأفغانستان وتجنيد متصاعد للسكان المحليين.

ويبدو أن أخطر أدوارها تمثل بالنجاح بتجنيد عدد كبير من الخلايا في منطقة النفوذ الأميركي شرق الفرات من القبائل العربية ومن المكون الكردي ذاته للعمل لصالحها، وتوتير الأجواء بين العرب والكرد وإدخال المنطقة في نفق من الصراع القومي العرقي الدامي، والذي يفقد القوات الأميركية السيطرة على المجتمعات المحلية والثقة بها والانكفاء إلى داخل قواعدها المتناثرة على ضفة الفرات ما يسهل تقدم الميليشيات الإيرانية وحلفائها المحليين من العشائر العربية عندما تحين ساعة الصفر.

هو الأمر الذي نجحت بإنجاز شوط كبير منه من خلال إحداث صدام غير مفهوم وغير مبرر بين المجلس العسكري لدير الزور المكون من عشائر عربية ومجمل “قوات سوريا الديمقراطية” التي يسيطر عليها الأكراد، ونجم عنه قتلى وجرحى، خرجت على أثره مجاميع مسلحة لا يعرف عنها انتماؤها سابقاً إلى أي قوة عسكرية أو سياسية في المنطقة، بمهاجمة نقاط عسكرية لـ”قسد” وإزالتها من المنطقة التي تحولت إلى مسرح سائب غير مسيطر عليه.

وبينما تقوم الميليشيات الإيرانية بدورها هذا على الأرض، بدأت روسيا بلعب دور مماثل في السماء، من خلال اعتراض ومناكفة الطيران الأميركي العامل في الأجواء السورية الذي وصل إلى حد تعطيل طائرة مسيّرة أميركية بإلقاء قنابل ضوئية فوقها أدت إلى تلف محركها، وهذه مجرد مقدمات لإغلاق المجال الجوي الخاضع لروسيا في سوريا بوجه الطيران الأميركي عندما تقرر واشنطن شن ضربات انتقامية على مقرات وقواعد الميليشيات الإيرانية مستقبلاً، وارباك تلك الضربات إن لم تتمكن من منعها، كما أن هذا الاحتكاك والصدام في الأجواء يمثل عامل خطورة إضافي يمكن لمقرري البنتاغون أن يضيفوه إلى الأسباب التي تدعوهم لوصف وضع قواتهم في سوريا بالخطر جداً، مع احتمال العجز عن حمايتها جوياً والتفكير بسحبها من هناك كخيار لا بد منه.

أما الدور التركي المفاجئ في هذه الترتيبات، فيتمثل بالإيعاز لقوى عربية مرتبطة بها في شرق سوريا بتأجيج الصراع مع كوادر “حزب العمال الكردستاني” ودعم الجانب الإيراني استخباراتياً بحكم إلمامها بالوضع في شرق الفرات، ويبرز هنا اعتراض يرتكز على التحسن الملحوظ في العلاقات الأميركية التركية في الآونة الأخيرة، لكن هذا الاعتراض يتجاهل ويتناسى أن الخلاف الأميركي التركي حول حماية “حزب العمال الكردستاني” في سوريا لم يحلّ بعد، وأن موقف انقرة منه يختلف عن مواقفها الأخرى، فالحزب هو التهديد الأول لأمنها القومي من منظورها، وتشاركها ايران هذا القلق.

أما قوات النظام في المنطقة، فدورها يقتصر على دعم الميلشيات الإيرانية واسنادها، وتقديم نفسها لاحقاً كغطاء “شرعي” للسيطرة الإيرانية والروسية. ودور الاسناد هذا يقوم به جناح من كوادر “حزب العمال الكردستاني”، لا يثق بواشنطن ويميل إلى فرض الروس والإيرانيين سيطرتهم على شرق الفرات، والتحالف معهم في وجه الاتراك.

إزاء هذه التطورات، اتخذت القيادة الأميركية جملة إجراءات احترازية واستدعت المزيد من القوات إلى المنطقة الشرق الأوسط، فهي تعلم أن اشتباكاً مع الميلشيات الإيرانية في سوريا سوف تتبعه سلسلة هجمات تمتد من اليمن مروراً بالخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان، وربما في مناطق أخرى غير متوقعة وبطرق غير مسبوقة ايضاً، وهو ما يعقّد المهمة ويدفع الإدارة إلى إطلاق تحذيرات متسارعة للجانب الإيراني لردعها عن القيام بهذه العملية الخطرة، كان آخرها تسريب المجمع الاستخباراتي الأميركي وثائق لصحيفة “نيوزويك” عن “فرقة الامام الحسين”، والتي تقول بوضوح إن البنتاغون يعرف على نحو تفصيلي ما تخطط له إيران وهو مستعد للرد، وتأمل واشنطن من خلال ذلك ردع إيران عبر تحذيرها من العواقب والخسائر التي ستترتب على مغامرتها هذه.

من نافل القول إن ايران لن تأبه لحجم الخسائر مهما بلغ، فهي تقاتل بمرتزقة لا بإيرانيين، ومن حشدتهم في دير الزور مثلاً، ويتوقع أن يكونوا موضوع مجزرة أميركية محتملة، هم من أبناء عشائر المنطقة الذين تدفعهم أمامها تحت شعار المقاومة المحلية لطرد الاحتلال الأميركي، يُضاف اليهم عناصر ميلشياتها متعددة الجنسيات من لبنان والعراق وأفغانستان، كما أن الخسائر على الجانب الآخر ستكون بغالبيتها العظمى من أبناء العشائر العربية الموالية للأميركيين، وباختصار ستسفر العملية المحتملة عن نكبة جديدة للمكوّن العربي، وهو واحد من ابرز اهداف ايران الاستراتيجية في تلك المنطقة المناهضة لها بشدة.

المؤسف هنا، هو الغياب الكامل للدول العربية، فلا هي عابئة لمصير سوريا المرتبط بمصير كل المشرق العربي بشدة، ولا هي تمارس بديهيات الاشتباك سياسياً في قضايا الجوار التي يمكن التأثير عليها لانتزاع مكاسب مهما كانت بسيطة، وهو ما يصعّب ويعقّد حالة السوريين المتروكين بلا حليف ولا راع ولا قيادة.

——————————-

موسكو وواشنطن… احتكاك مضبوط في سماء سورية/ محمد أمين

ارتفعت وتيرة الاحتكاكات بين الروس والأميركيين خلال الشهر الحالي في السماء السورية، وهو ما ينذر بحدوث مواجهة يحرص الطرفان، كما يبدو حتى اللحظة، على تجنبها، كي لا ينزلقا في صراع عسكري مباشر، أو عبر وكلاء لهما في شرق البلاد، يصعب تطويق تداعياته.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأول من أمس السبت، أن موسكو لا تسعى إلى صدام مع قوات حلف شمال الأطلسي “ناتو” في سورية، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي: “إذا أراد أحد ذلك فإن روسيا مستعدة”.

من جهته، دعا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، السبت الماضي، خلال مؤتمر صحافي عقده أثناء زيارته إلى أستراليا، القيادة الروسية لـ”التأكد من أنها تصدر توجيهات لقواتها للالتزام بقوانين السماء والتأكد من وقف هذا السلوك غير المسؤول”.

وجاء كلام المسؤول الأميركي الرفيع بعد تعرض طائرة أميركية مسيّرة لأضرار بالغة، بعدما أصيبت بشعلة من طائرة مقاتلة روسية في الأجواء السورية، في 25 يوليو/ تموز الحالي، وفق القوة الجوية المركزية الأميركية، التي أكدت أن طائرة مسيّرة تتبع لها تعرضت لـ”أضرار جسيمة” إثر “سلوك غير مهني لطائرة روسية في سورية”.

من جهته، قال نائب رئيس “مركز المصالحة الروسي” في سورية أوليغ غورينوف، في بيان، إنه “تم مرة أخرى تسجيل اقتراب خطير لمسيّرة MQ-9 التابعة لما يسمى “التحالف الدولي” الذي تقوده أميركا، من مقاتلة “سو 34″ التابعة للقوات الجوية الروسية في منطقة قرية نفلة بمحافظة الرقة”.

ولفت إلى أن “الطيارين الروس اتخذوا الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب لتلافي الاصطدام مع مسيّرة “التحالف”، مضيفاً أن روسيا “تشعر بقلق من الطبيعة الاستفزازية والعدوانية الواضحة لإجراءات المسيّرات في تعاملها مع القوات الجوية الروسية”.

جنود أميركيون وروس قرب الحسكة، أكتوبر 2022 (دليل سليمان/ فرانس برس)

وأعلن مركز المصالحة الروسي في سورية التابع لوزارة الدفاع الروسية، أمس الأحد، أن حصيلة الانتهاكات الأميركية التي أحصتها في سورية خلال يوليو/ تموز الحالي لبروتوكولات “منع التصادم” تجاوزت 300، فيما أجرى طيران التحالف 23 مواجهة خطيرة هذا العام مع الطائرات الروسية في سماء سورية. وكانت طائرة روسية قد حلّقت بشكل “خطير” في 18 الشهر الحالي بالقرب من مسيّرات أميركية، وهو ما اعتبرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في حينه “سلوكاً متهوراً”.

إمكانية وقوع صدام عسكري بـ”الوكالة”

ويُنذر تبادل التهم بين موسكو وواشنطن باحتمال وقوع مواجهة عسكرية بين الطرفين بـ”الوكالة”، من خلال الصدام بين مليشيات إيرانية ومحلية مدعومة من الروس في محافظة دير الزور من جهة، وبين “مجلس دير الزور” العسكري التابع لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من الأميركيين من جهة أخرى.

وعلى مدى السنوات الماضية، حافظ الروس والأميركيون على بروتوكولات خاصة بعدم الاشتباك داخل الأراضي السورية لتجنّب صدام مباشر، يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة على كل احتمال، خصوصاً أن الجانبين لديهما قوات على الأرض في مناطق متقاربة ومتداخلة داخل محافظات الرقة ودير الزور والحسكة في شرق وشمال سورية.

ولا يمكن عزل حوادث الاحتكاك في سورية بين الروس والأميركيين عن توتر العلاقات بين موسكو والغرب منذ فبراير/شباط 2022، حين بدأت الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وتدعم روسيا النظام السوري، في حين تؤكد الولايات المتحدة أن وجودها في سورية ينحصر في مواجهة تنظيم “داعش”، وخطره على المنطقة.

تحديد مناطق نشاط الروس والأميركيين

ويبدو أن الطرفين وضعا خلال السنوات الماضية خرائط تحدد نشاط كل طرف، بحيث يفصل نهر الفرات بين مناطق النفوذ بينهما. فالتحالف الدولي تنحصر عملياته ضد “داعش” في منطقة شرق نهر الفرات، في حين يتولى الروس تنفيذ عمليات ضد التنظيم في البادية السورية جنوب نهر الفرات.

ولكن التحالف الدولي نفذ خلال السنوات الماضية العديد من العمليات في شمال وشمال غرب سورية، غرب نهر الفرات، استهدفت قياديين بارزين في تنظيمات إرهابية مثل “داعش”، و”حراس الدين”، في مقدمتهم أبو بكر البغدادي وهو الزعيم الأول لتنظيم “داعش”.

استبعاد وقوع صدام مباشر

ورأى المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد أن لـ”الصدام العسكري المباشر بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية في سورية تداعيات عالمية”، مستبعداً، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يقع أي صدام مباشر بين روسيا وأميركا في سورية، أو غيرها.

وتابع: “واشنطن وموسكو صادقتان حين تؤكدان أنهما لا تريدان مواجهة مباشرة مع الآخر، لأنهما تدركان أن افتعال أي منهما صداما مباشرا مع الآخر قد يخرج بكل بساطة عن السيطرة والتحكم، ولن يبقى محصوراً ضمن الجغرافيا السورية، وسرعان ما سيتحول إلى مواجهة مفتوحة على معظم الجبهات في الشرق الأوسط وفي أوروبا بين أكبر قوتين نوويتين عالمياً”.

واعتبر أن “ما يزيد من خطورة مثل هذا الصدام في حال حدوثه، ويزيد من احتمالات خروجه عن السيطرة، أنه لو نشب في هذه المرحلة، فسيكون تحت تأثير مزاجية المواجهة الساخنة سياسياً من أجل الهيمنة العالمية وإعادة بناء بنية النظام العالمي”.

وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده أن “احتمال وقوع حوادث خطيرة بين الطائرات الروسية والأميركية في الأجواء السورية قائم ما دامت طلعاتهما الجوية في ذات المجال الجوي مستمرة”، مضيفاً: “تسعى موسكو وواشنطن إلى محاصرة تداعيات أي حادث كهذا، وعدم السماح بتحوله إلى مواجهة مباشرة، ولهذا يكرر الروس والأميركيون تمسكهم بمذكرات التفاهم في سورية لمنع الصدام”.

من جانبه، لا يستبعد اللواء محمد الحاج علي، وهو من المنشقين عن قوات النظام، في حديث مع “العربي الجديد”، حدوث صدام بين الروس والأميركيين في سورية “في حال احتكاك أحد الطرفين بالآخر”، مضيفاً أن الجانبين لديهما لجنة للتفاهم في سورية، لذا لن يصلا إلى مرحلة المواجهة المفتوحة.

ويمتلك الروس حضوراً عسكرياً واسعاً في سورية منذ العام 2015 حين تدخلوا لصالح النظام السوري، الذي يعتمد عليهم وعلى الإيرانيين في بقائه بالسلطة حتى اللحظة. وللروس قاعدتان مهمتان في سورية في غرب البلاد وشرقه، وهما حميميم على الساحل السوري، وفيها قيادة القوات الروسية في سورية، وفي شمال شرق البلاد داخل مطار القامشلي القريب من منطقة رميلان النفطية التي تضم وجوداً أميركياً مهما.

وللتحالف الدولي أكثر من قاعدة كبرى في سورية، في مقدمتها قاعدة في حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي، وأخرى في منطقة التنف في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني. وتجوب طائرات الروس والأميركيين السماء السورية، وهو ما يعزز فرص الاحتكاك على ضوء التوتر الذي يضرب علاقات البلدين على المستويات كافة منذ أكثر من عام.

العربي الجديد

——————————

أجواء حرب في شرق سورية/ أحمد رحّال

الجسر العسكري العائم الذي تعمل عليه روسيا حالياً، ويصل بين حويجة صكر ومرات على الضفة الشرقية للفرات في ريف دير الزور، قد ينسف استقرار المنطقة. صحيحٌ أن التمدّد الروسي في تلك المنطقة يأتي على حساب مناطق نفوذ إيران التي تسيطر على عدة قرى عبر جيب صغير في مناطق النفوذ الأميركي عبر فصيل أسود الشرقية التابع لنواف البشير العامل لصالح مليشيات إيران، والتحرّك الروسي يُحدِث تماسّا آخر مع قوات التحالف الدولي، في وقت تتصاعد فيه لغة العداء بين واشنطن وموسكو.

التحرّكات الأميركية أخيراً عبر التحالف الدولي في شرقي الفرات وفي قاعدة التنف، إن كانت عبر مناورات مشتركة جرت مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو تدريبات بالأسلحة الحية جرت مع جيش سوريا الحرّة في محيط منطقة الـ55 والتنف، أو عبر تعزيزات أميركية وأسلحة ثقيلة قدّمتها واشنطن لقوات قسد ومنها منظومة صواريخ “هيمارس” أو عربات “برادلي” القتالية، أو من خلال نقل وزارة الدفاع الأميركية وزجّها سربي طائرات “A- 10″ و”رابتور F – 22” إلى القواعد الأميركية في الشرق الأوسط، أو عبر نقل الغواصة النووية الأميركية “يو إس إس فرجينيا” كإحدى أحدث أربع غواصات في العالم إلى منطقة الخليج العربي، وعلى متنها 154 صاروخ توماهوك، كلها تعزيزات توحي بأجواء حرب أميركية مقبلة، خصوصا إذا ما ترافقت تلك التعزيزات مع حركة عسكرية أميركية دؤوبة للتوفيق بين حلفائها في قاعدة التنف ومناطق شرق الفرات كانت باكورة تلك الحركة إيجاد توافق عسكري بين جيش سوريا الحرّة وقوات الصناديد التابعة لعشيرة شمّر، ونفي جيش سوريا الحرّة أي استعدادات حرب بعد مناوراته أخيرا قد يأتي في إطار إجراءات التمويه العسكري. أما نفي “قسد” تلك الحرب فيأتي من ضمن أدبيات القتال لقواتها التي ترفض دائماً القتال ضد مليشيات إيران أو نظام الأسد. لذلك اتجهت الولايات المتحدة، أخيرا، إلى نسج علاقات مع العشائر العربية، وتشكيل جيش جديد من شبابها أو ما بات يٌعرف بـ”الحزام العشائري”.

دفعت التعزيزات الأميركية إيران، ووفق مصادر ميدانية في الشرق السوري، لتعزيز قواتها في كامل مناطق دير الزور والميادين والبوكمال، عبر مليشيات جديدة استقدمتها من العراق، وبدعم من الجانب الروسي الذي دأب خلال الأشهر الأخيرة على إيجاد ساحة اشتباك واستنزاف للولايات المتحدة في شرق سورية عبر أدوات إيرانية نوعا من الانتقام لما يحصل على جبهات أوكرانيا، وبرز هذا الأمر عبر تطوير مشترك “روسي – إيراني” لعبوات ناسفة مضادّة للدروع، تم التدريب عليها وتسليمها لمليشيات إيران في مناطق الميادين والبوكمال، ثم أوقف الجانب الروسي التنسيق الجوي الأميركي الروسي في السماء السورية. أعقب ذلك اختراق الطيران الروسي ومرّات عديدة أجواء منطقة الـ55 المحمية أميركياً، ولتتوّج التحرّشات الروسية خلال الأسبوعين الأخيرين بشبه اصطدام جوي ولثلاث مرّات بين الطائرات الحربية الروسية والمسيّرات الأميركية في سماء سورية.

كان مسار نهر الفرات في الأراضي السورية يمثّل الحد الفاصل بين مناطق النفوذ لكل من أميركا وروسيا باستثناء جيوب صغيرة، لكن هناك رغبة روسية بتكرار ما حصل في عام 2018 في محيط دير الزور عبر مغامرة قامت بها شركة مرتزقة فاغنر التي دفعت ثمنها أرواح مئات من عناصرها، بعد إبادة الطائرات الأميركية وحوّامات الأباتشي قوات فاغنر الروسية التي كانت تتحضّر لمعركة تهدف إلى السيطرة على آبار نفط في شرقي الفرات تخضع للنفوذ الأميركي.

قالت مصادر إن التحرّكات الأميركية ليست تحرّكات حرب، بل تحرّكات غايتها إيجاد ضغوط عسكرية على إيران يٌقبض ثمنها سياسياً عبر اتفاق مؤقت “أميركي – إيراني” يجري العمل عليه عبر وساطات، منها عُمانية، ومنها أوروبية، ينتهي بتعهّد إيران بوقف تخصيب اليورانيوم على مستوى 60%، مع إفراج إيران عن رهائن أميركيين وغربيين في سجونها يحتاجهم الرئيس بايدن قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتقبض إيران ثمن هذا الاتفاق عشرات مليارات الدولارات من أموالها المحتجزة، خصوصا في كوريا الجنوبية، إضافة إلى تخفيف بعض العقوبات الأميركية على الخزانة الإيرانية، وعلى الحرس الثوري الإيراني.

قد تكون لفرضية الضغط الأميركي مبرراتها، لكن الاستعدادات العسكرية الأميركية، وتعزيزات الأسلحة المنقولة إلى مناطق شرقي الفرات وقاعدة التنف وأسراب الطائرات التي تم زجّها في القواعد الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، مع طبيعة المناورات والتدريبات بالأسلحة الحية، وعبر منظوماتٍ صاروخية “هيمارس” التي جرت في شرق سورية، هي أكبر من أهداف أميركا بمحاربة الإرهاب “الداعشي”، وتٌقرأ بمنظور الخبرات العسكرية على أنها مؤشرات حرب، وليس بضغط سياسي فقط، خصوصا مع تسريبات عن خطط أميركية إسرائيلية لتقليص الوجود الإيراني في سورية وإبعادها عن حدود الجولان السوري والحدود الأردنية لضبط تهريب المخدرات، قد تترافق تلك الخطط مع عمل عسكري آخر وبأدوات عشائرية سورية عبر ما يسمّى “الحزام العشائري” لإغلاق الكوريدور الإيراني، الممتد ما بين التنف والبوكمال على الحدود العراقية – السورية.

حرارة التصعيد العسكري للأطراف الأميركية والروسية والإيرانية قد تفوق حرارة صيف البادية السورية، فهل ينفجر الشرق السوري في وقتٍ يُنكر فيه الجميع استعداده للحرب، بينما تؤكّده تحرّكاته وتعزيزاته وبقوة؟

العربي الجديد

—————————

مؤشرات المواجهة ترتفع”.. ماذا يحصل بين أمريكا وروسيا في سورية؟

قال مسؤولون أمريكيون إن مؤشرات خطر المواجهة بين أمريكا وروسيا في سورية “ترتفع”، مع تصاعد التوترات بينهما، خلال الأيام الماضية.

وكانت التوترات قد عكستها حوادث احتكاك بين الطائرات الحربية الروسية والطائرات المسيّرة الأمريكية في الأجواء السورية، وسط اتهامات متبادلة بشأن “الطرف الذي بدأ بالاعتداء أولاً”.

وتقول صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها، اليوم الجمعة، إن التوترات الحالية يمكن أن تتحول لـ “ساحة صراع” بين البلدين، ونقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن “مؤشرات خطر المواجهة ارتفعت”.

وألقت مقاتلة روسية، يوم الأربعاء، قنابل مضيئة فوق مسيَّرة أمريكية أثناء مشاركتها في مهمة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية، مما ألحق أضراراً بمروحتها.

“سلسلة حوادث”

وجاء الحادث في أعقاب حادثة مماثلة وقعت، الأحد، الماضي عندما تضررت طائرة مسيرة أخرى من طراز “MQ-9″، فيما يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه “جهد روسي منسق للضغط على الجيش الأميركي للانسحاب من سورية”.

ولم تكن الطائرات المسيرة هي الوحيدة التي تعرضت للمضايقات من قبل الطيارين الروس في الأسابيع الأخيرة.

ففي 16 يوليو/تموز الحالي، نفذت مقاتلة روسية مناورة خطيرة واقتربت كثيراً من طائرة استطلاع أمريكية مأهولة، مما عرض طاقمها للخطر وأجبرها على التحليق المضطرب وقلل “قدرة الطاقم على تشغيل الطائرة بأمان”، وفقاً لقائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأميركية الجنرال أليكسوس غرينكويتش.

وفي أعقاب حادثة يوم الأحد، أشارت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) علناً إلى أن المضايقات الروسية للطائرة الأمريكية المسيرة كانت غير مهنية وأصدر مقطع فيديو للحادثة.

وتوضح الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يأملون أن يؤدي هذا الإعلان إلى تراجع روسيا عن مضايقاتها، لكنهم أحبطوا من الحادثة الجديدة التي وقعت يوم الأربعاء.

وتضيف أن روسيا كانت قد أقدمت قبل ذلك على حادث مماثل فوق البحر الأسود عندما ضايقت مقاتلة روسية في مارس الماضي طائرة مسيرة أميركية من طراز “MQ-9″، مما أدى إلى إتلاف أحد مراوحها وأجبر القوات الاميركية على إسقاطها في مياه البحر.

وعن تلك الحادثة، ذكرت الصحيفة أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أثنى على الطيارين الروس الذين نفذوا الحادث.

بالمقابل قال مسؤول عسكري روسي رفيع، الأسبوع الماضي، إن طائرة عسكرية روسية تعرضت “لأنظمة توجيه” لطائرات مقاتلة من طراز إف-16 تابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة خلال دورية روتينية فوق الحدود الجنوبية لسورية.

ماذا تريد موسكو؟

ويرى قائد القيادة المركزية الأميركية السابق الجنرال المتقاعد فرانك ماكنزي أن استراتيجية موسكو تتمثل في محاولة إجبار القوات الأمريكية على التراجع في سورية، بالتزامن مع تراجع وجودها العسكري في الشرق الأوسط بشكل عام.

ويضيف ماكنزي أن الروس “يريدون جعل العملية (البقاء في سورية) مكلفة جداً، بحيث لا يمكن للأمريكيين المضي قدماً فيها، وبالتالي الخروج من المنطقة”.

ووفقاً لصحيفة “وول ستريت” فقد دفعت تصرفات موسكو المسؤولين الأمريكيين إلى التفكير في كيفية الرد، بما في ذلك من خلال الوسائل غير العسكرية، في حال أقدم الروس على إسقاط طائرة مسيرة أمريكية.

ونقلت عم مسؤول دفاعي أميركي القول: “إنه بالتأكيد أمر نوليه المزيد من الاهتمام”.

بالمقابل أعلن الجيش الأمريكي في بيان، الأربعاء، أن 12 مقاتلة متطورة من طراز “إف -35” وصلت إلى الشرق الأوسط، بهدف ردع الهجمات الإيرانية على السفن التجارية في الخليج.

وتؤكد الصحيفة أن الجيش الأمريكي أشار أيضاً في البيان إلى أن هذه الطائرات يمكنها “التحليق في المجال الجوي المتنازع عليه عبر مسرح العمليات إذا لزم الأمر”، في إشارة إلى مهمة القوات الأمريكية المستمرة لهزيمة تنظيم “الدولة”.

——————————-

توترات في شرق سورية: نذر صدام بالوكالة بين واشنطن وموسكو/ محمد أمين

تشي تصريحات مسؤولين عسكريين أميركيين، بأن الشرق السوري ربما يشهد مواجهة بـ”الوكالة” بين موسكو وواشنطن التي تتحدث عن “عدائية متزايدة” من الجانب الروسي الذي تحرّشت طائراته في الآونة الأخيرة بالطيران الأميركي الحربي في سماء سورية، في خطوة اعتبرتها واشنطن “سلوكاً متهوراً”.

ونقلت وكالة “أسوشييتد برس”، أول من أمس السبت، عن “مسؤول دفاعي أميركي كبير” قوله إنّ بلاده “تدرس عدداً من الخيارات العسكرية للتعامل مع العدائية الروسية المتزايدة”، في سماء سورية منذ مارس/ آذار الماضي. ولم يخض المسؤول الأميركي في تفاصيل هذه الخيارات، بيد أنه أكد أن واشنطن لن تتنازل عن الأراضي التي تعمل فيها في شرق وشمال شرقي سورية وأنها ستواصل التحليق في الجزء الغربي من سورية لأداء مهمات ضد تنظيم “داعش”.

وتحدث المسؤول الأميركي عن “تنامي” التعاون والتنسيق بين موسكو وطهران والنظام السوري لمحاولة الضغط على الولايات المتحدة للمغادرة. وأضاف أن بلاده لمست مزيداً من التعاون والتخطيط وتبادل المعلومات الاستخبارية، بين الروس وقادة “فيلق القدس” الإيراني في سورية، للضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من هناك، حيث يوجد نحو 900 جندي أميركي في البلاد.

وتصاعد التوتر بين الروس والأميركيين في السماء السورية خلال شهر يوليو/ تموز الحالي، حيث حلّقت أكثر من مرة طائرات مقاتلة روسية، بالقرب من مسيّرات أميركية عدة، وهو ما اعتبرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) “سلوكاً متهوراً”، داعية القوات الروسية إلى “الالتزام بمعايير السلوك المتوقعة من قوة جوية محترفة، حتى نتمكن من استئناف تركيزنا على الهزيمة الدائمة لداعش”، وفق بيان لها.

تحشيد عسكري في دير الزور

في الأثناء، تواصل جميع الأطراف حشد قوات في ريف دير الزور الشرقي، وهو المسرح المتوقع لأي صدام عسكري محتمل، حيث يستقدم “التحالف الدولي”، بقيادة الولايات المتحدة، تعزيزات من العراق إلى قاعدتي حقلي “العمر” للنفط، و”كونيكو” للغاز. بينما يواصل الروس والإيرانيون حشد مليشيات طائفية ومحلية تتبع لهم إلى خطوط التماس مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ذراع “التحالف الدولي” العسكرية البرّية، والتي نقلت هي الأخرى وحدات قتالية إلى ريف دير الزور، شمال نهر الفرات.

ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، أمس الأحد، عن متزعم لمليشيا عشائرية في دير الزور أنه “في حال كسر قواعد الاشتباك، فالأمور ستكون مفتوحة”.

وتنتشر في ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات مليشيات طائفية إيرانية، وأخرى محلية، مرتبطة بالروس والإيرانيين، وتتحرك وفق أوامرهم. ولم يسبق أن دخل الروس والأميركيون في مواجهات مباشرة أو غير مباشرة في سورية، سواء غربي الفرات أو شرقه، ما خلا احتكاكات بين دوريات في ريف الحسكة. غير أن التطورات المتلاحقة في الشرق السوري تشي بأن الأوضاع ربما تنزلق الى صدام بـ”الوكالة” بين “قسد” من جهة ومليشيات إيرانية ومحلية من جهة أخرى.

ويفصل نهر الفرات بين المناطق الخاضعة للنفوذ الأميركي في شماله، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بمنطقة “شرق الفرات”، وتلك الخاضعة للنفوذين الروسي والإيراني في محافظة دير الزور، جنوب النهر، في أقصى الشرق السوري. وسبق للمليشيات الإيرانية أن استهدفت القوات الأميركية في قاعدتي العمر وكونيكو، ما أدى في مارس الماضي إلى مقتل متعهد أميركي بعدما قصفت طائرة مسيّرة يشتبه بأنها تابعة لمليشيا موالية لإيران، منشأة تأوي موظفين أميركيين في شمال شرق سورية، ما استدعى رداً عسكرياً أميركياً محدوداً.

وبدأ التدخل الأميركي العسكري في سورية في عام 2014 مع بدء الحرب ضد “داعش”، في حين شرع الروس في تدخلهم العسكري المباشر إلى جانب النظام أواخر سبتمبر/أيلول 2015. ويتركز الحضور العسكري الأميركي في سورية في منطقة شرقي نهر الفرات، وخصوصاً في محافظتي دير الزور والحسكة، وهناك العديد من القواعد التابعة لـ”التحالف الدولي”، فضلاً عن قاعدة التنف في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وهي أبرز القواعد الغربية في سورية. بينما ينتشر الروس في غربي البلاد، حيث قاعدة حميميم على الساحل، وفي أقصى الشمال الشرقي من سورية، حيث قاعدة مطار القامشلي، إضافة إلى وجودهم في العديد من المناطق السورية الخاضعة للنظام. وحرص الجانبان طيلة أكثر من 8 سنوات على تجنّب أي صدام مباشر يمكن أن يتطور إلى مواجهة عسكرية.

استبعاد المواجهة المباشرة

وأشار المحلل العسكري في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن القوات الروسية “أجرت أخيراً تدريبات في ريف حلب الشرقي”، مضيفاً أن “هناك تعزيزات من قوات النظام والمليشيات الإيرانية في دير الزور”. لكنه رأى أن “كل ذلك لا يُقارن من حيث الكمّ والنوع مع التجهيزات العسكرية الأميركية، سواء للقوات والقواعد أو لحلفائها المحليين (“جيش سورية الحرّة” و”قسد”).

وبرأي حوراني، فإن “تبدل الموقف السياسي لتركيا في قمة حلف شمال الأطلسي التي انعقدت أخيراً في ليتوانيا، وعدم الاهتمام الجدّي من قبل أنقرة بمسألة التطبيع مع النظام برعاية روسية، هي أمور تأخذها روسيا بعين الاعتبار”، مضيفاً أن “الموقف العام في سورية ليس لصالح موسكو، لذا تحاول من باب البروباغندا (الدعاية) مجاراة التجهيزات العسكرية الأميركية في سورية الموجهة ضدها”.

واستبعد حوراني حدوث مواجهة مباشرة بين الطرفين الأميركي والروسي في سورية، أو بالوكالة، مضيفاً أنه “إذا وصلت الأمور بإرادة أميركية إلى حد المواجهة فستميل روسيا لإرضاء الولايات المتحدة، والتراجع عن خطواتها ضدها في سورية، خصوصاً أن موقف الروس العسكري في أوكرانيا مضطرب”، بحسب اعتقاده.

بدوره، رجّح الباحث السياسي محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، ألا يتحول التصعيد بين الروس والأميركيين إلى “مواجهات واسعة النطاق”، بل “سيبقى في معدل المناوشات الخفيفة التي نشهدها حالياً”. أما في حال اتساع هذه المناوشات، فإن الكفة تميل برأيه لصالح الولايات المتحدة والتحالف الدولي، نظراً للفوارق التقنية العسكرية”، مضيفاً أنه “إذا تمكن الروس والإيرانيون من قتل جنود أميركيين في سورية (وهو ما يراه مستبعداً جداً)، سيشكل ذلك إحراجاً للولايات المتحدة والإدارة الأميركية الحالية المقبلة على انتخابات”.

العربي الجديد

——————————

تسخين أميركي متواصل شرقاً | واشنطن – موسكو: المواجهة السورية أقرب/ علاء حلبي

تتابع كل من الولايات المتحدة وروسيا، تسخين الأجواء السورية، على وقع محاولات أميركية لتحقيق خطوة ميدانية استباقية لمنع التضييق المتوقّع على حضورها العسكري غير الشرعي في سوريا، خصوصاً مع اقتراب التوافق المحتمل بين دمشق وأنقرة، الرافضتَين للوجود الأميركي على الأراضي السورية. وإذ يأتي هذا التسخين المتواصل في ظلّ الكباش الروسي ـــ الأميركي المستمر في أوكرانيا، فهو يشيع أجواءً مشحونة يتبادل خلالها الطرفان تصريحات تصعيدية متتابعة، تدور حالياً حول الشرق السوري، الذي تسيطر واشنطن على منابعه النفطية وتحاول التحصّن فيه، استعداداً لما يُعتبر تصعيداً ثلاثياً تشارك فيه إيران، إلى جانب سوريا وروسيا.

تعزيزاتٌ جديدة استقدمتها الولايات المتحدة إلى قواعدها في الشرق السوري، وبشكل خاص في حقلي «العمر» النفطي و«كونيكو» للغاز، قرب مدينة الميادين في دير الزور، تضمّنت وفق مصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار» نصب أنظمة صاروخية، وأنظمة حرب إلكترونية، بالإضافة إلى استقدام تعزيزات من الفصائل المتحالفة مع واشنطن إلى محيط المنطقة، فيما يشبه عمليات تحصين عميقة لمنع أي هجمات من شأنها أن تلحق أضراراً كبيرة في صفوف الجيش الأميركي.

وترافقت التحركات الأميركية المتسارعة، مع بدء ارتفاع وتيرة الحديث عن خطة أميركية تهدف إلى قضم مناطق حدودية مع العراق، ضمن إجراءات ترمي إلى قطع طرق الإمداد الإيرانية لـ«فصائل المقاومة» سواء في البادية السورية، أو حتى في لبنان والتي تعتبرها «مهدِّدة لأمن إسرائيل». واستدعى هذا الأمر من الطرف المقابل (فصائل المقاومة) استعدادات متواصلة لمنع أي هجمات أميركية، بالتوازي مع تصريحات أطلقها عدد من قياديي الفصائل السورية تهدّد القوات الأميركية، أو أي فصيل تابع لها، بردٍّ حازم في حال التفكير بالاقتراب من أي منطقة تسيطر عليها الدولة السورية.

ولوحظ، خلال الأيام الخمسة الماضية، قيام عدّة منصات ومواقع ووسائل إعلام، بعضها تديرها مجموعات من المعارضة، بنشر شائعات تستهدف مناطق سيطرة الحكومة السورية، وتشكيلات «المقاومة»، عبر الحديث عن حركات نزوح من السكان تارة، ووقوع خلافات أو انسحاب لبعض مقاتلي الفصائل تارة أخرى. ويعزو مصدر ميداني سوري هذه الشائعات إلى أنها «جزءُ من حرب إعلامية تديرها واشنطن»، مشيراً إلى أن بعض وسائل الإعلام تحصل على تمويل مباشر من الخارجية الأميركية مقابل نشر دعاية تخدم مصالحها في سوريا، بشكل يُظهر التحركات الأميركية على أنها «استمرار للحرب على تنظيم داعش الإرهابي»، وأن أي ضغوطات ميدانية تتعرّض لها القواعد الأميركية من شأنها أن «تهدّد الحرب على الإرهاب». وإذ تحدّث عن إمكانية استخدام واشنطن الأمر «لتبرير أي من هجماتها على مواقع تنتشر فيها فصائل المقاومة»، أوضح المصدر أن القوات الأميركية لن تتمكّن من تحقيق أي خرق للوضع الميداني، وخصوصاً في مناطق سيطرة الحكومة السورية. وأضاف أن أي تغيير قد يحدث يتعلّق فقط «بخروج القوات الأميركية» غير الشرعية من سوريا، وهو أمر شدّدت دمشق عليه بشتّى الوسائل، وكان آخرها الزيارات المتكرّرة لمسؤولين سوريين رفيعي المستوى، بينهم وزيران، إلى منطقة الميادين المحاذية للقواعد الأميركية في حقل «العمر».

وبينما شهدت الأجواء السورية احتكاكات عديدة بين الطائرات الروسية والأميركية، في تجاهل مستمر لاتفاقية عدم «التصادم» الموقّعة بين البلدين عام 2015، نقلت وكالة «أسوشييتدبرس» الأميركية عن مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون أن واشنطن تدرس، منذ آذار الماضي، عدداً من الخيارات العسكرية للتعامل مع ما تطلق عليه مسمّى «العدائية الروسية المتزايدة» في سماء سوريا. وإذ أشار إلى أن واشنطن «لن تتنازل عن الأراضي التي تعمل فيها»، أكّد المسؤول نفسه أن «النشاط العسكري تزايد مع تنامي التعاون والتنسيق بين موسكو وطهران والنظام السوري في محاولة للضغط على الولايات المتحدة لمغادرة سوريا»، معلناً في الوقت ذاته إرسال مُقاتلات «إف-16» إلى منطقة الخليج لتعزيز قوة طائرات «إيه-10» التي تقوم بدوريات منذ نحو أسبوع.

وتُظهر التحرّكات الأميركية المتواصلة في المنطقة، سواء في سوريا أو في الخليج، والحديث المتكرّر عن تعاون سوري ـــ روسي ـــ إيراني، ربطاً غير مباشر بين ميدان القتال الأوكراني والساحة السورية، إذ تتهم واشنطن طهران بتقديم مساعدات عسكرية إلى روسيا في حربها في أوكرانيا، كما تنظر إلى التعاون المشترك في سوريا على أنه «تهديد مباشر للمصالح الأميركية»، وخصوصاً أن رفض الوجود الأميركي في سوريا يُعتبر إحدى أبرز نقاط التوافق بين دول مسار «أستانا» الروسي للحلّ في سوريا، وأحد أعمدة خريطة الطريق التي قدّمتها موسكو للتطبيع بين دمشق وأنقرة. وهذا الأمر يُفسّر حديث المسؤول في البنتاغون عن تكثيف الولايات المتحدة طلعاتها في غرب سوريا، وهي المنطقة التي تعيش حالياً مخاضَ توافقٍ سوري ــــ تركي، قد يؤدي إلى تغييرات ميدانية عديدة، أبرزها استعادة الجيش السوري مناطق في الغرب، وترتيب يهدف، بحسب مطالب دمشق المعلنة، إلى سحب تركيا جنودها من سوريا وفق خطوات محددة بجدول زمني، وهي نقطة لا تزال قيد البحث بين الطرفين، بوساطة إيرانية وروسية.

في كلّ الأحوال، لا تزال غالبية التحركات الحالية مجرد تحصينات استباقية تأتي في إطار عملية التسخين المستمرة التي تمتد من منطقة التنف عند المثلث الحدودي السوري ـــ العراقي ـــ الأردني، التي تقيم واشنطن عليها إحدى أكبر قواعدها في سوريا، وتعتبرها موسكو ودمشق قاعدة دعم خلفية لفصائل «إرهابية»، وصولاً إلى الشرق السوري النفطي والحدود العراقية، حيث يحاول الأميركيون تحصين حضورههم العسكري، وتوسيعه. وتضاف إلى ما تَقدّم، محاولاتهم المستمرة لتنمية فصائل عربية في مدينة الرقة الحدودية مع تركيا، والتي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية ـــ قسد»، بدعم أميركي، ضمن مخطط يهدف إلى «ضرب الاستقرار في سوريا»، وفق تعبير موسكو.

الأخبار»

———————————-

تعزيزات متبادلة وتهويل متعاظم: «شعرة معاوية» لا تزال قائمة/ أيهم مرعي

تصاعَد التوتّر الروسي – الأميركي بشكل لافت، خلال اليومَين الأخيرَين، وسط غياب أيّ مؤشّرات ميدانية فعلية إلى قرْب المواجهة بين الجانبَين على الأراضي السورية. وظَهر هذا التصعيد، بعد ورود عدّة تقارير نشرتها وزارة الدفاع الروسية عبر مركزها للمصالحة في سوريا، اتهمت فيها الجانب الأميركي بارتكاب انتهاكات متكرّرة فوق الأراضي السورية، ردّت عليها واشنطن بالأسلوب ذاته، عبر تصريحات إعلامية، أكّد فيها مسؤولون أميركيون أنهم «يدرسون خيارات عسكرية للرّد على العدوان الروسي المتزايد في سوريا». ورفض مسؤول أميركي، في تصريحات إعلامية، الإفصاح عن خيارات الرّد بالتفصيل.

وبعدها بساعات، عادت وسائل إعلام أميركية لنشر تصريحات نقلاً عن مسؤول دفاعي كبير قال إن «طائرة استطلاع روسية حلّقت، صباح الجمعة، فوق قاعدة أميركية في سوريا لمدّة طويلة، من دون أن تتمكّن القوات الأميركية من اعتراضها». وأوضح المسؤول، في حديث إلى شبكة «سي إن إن»، أن «الطائرة من طراز “أنتونوف إن – 30″، حلّقت ذهاباً وإياباً عدّة مرّات فوق قاعدة التنف والمنطقة المحيطة»، وأن «الروس يواصلون القيام بأنشطة تثير قلقنا البالغ»، مبيّناً أنه «تمّ توجيه احتجاج شديد إلى روسيا عبر خطّ منع الصدام الذي تم إنشاؤه في سوريا». وفي الإطار نفسه، كشفت شبكة «7 نيوز» الأميركية، أن «2500 عسكري أميركي من الفرقة الجبلية العاشرة في طريقهم إلى سوريا والعراق». ونقلت عن قائد الوحدة، مات برامان، قوله إن «هؤلاء الجنود سيكونون جزءاً من عملية العزم الصلب التابعة للتحالف الأميركي في المنطقة»، مضيفاً أنهم قد يحلّون محلّ القوات الموجودة حالياً.

من جهتها، سارعت روسيا للردّ على التصريحات الأميركية، من خلال إصدار بيانَين صحافيَّين خلال أقلّ من 24 ساعة، نقلاً عن «مركز المصالحة الروسي» في سوريا، أكدت فيهما بشكل منفصل، أن «الطائرات من دون طيار التابعة للتحالف الأميركي، ارتكبت 13 انتهاكاً مساء الجمعة، و14 انتهاكاً يوم السبت، وخرقت بروتوكولات عدم التضارب في سماء سوريا».

وترافق التصعيد الإعلامي، مع تحرّكات ميدانية على الأرض، من خلال إرسال الأميركيين دفعتَين من الأسلحة والمعدّات إلى قاعدتَي «العمر» و«كونيكو» في ريف دير الزور، وتزويدهما بمزيد من بالونات المراقبة، بالإضافة إلى تركيب منظومة «هيمارس». كما أرسلت «قسد»، وبطلب من الولايات المتحدة، تعزيزات عسكرية من «جيش الثوار» و«الصناديد» إلى ريفَي دير الزور الشمالي والشرقي، بهدف تعزيز مواقعها في المنطقة. وقالت مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، إن «الولايات المتحدة أبلغت قسد بضرورة تعزيز قواتها، لوجود احتمالية حصول هجوم سوري – روسي مشترك في المنطقة»، مشيرة إلى أنها «أخطرت أيضاً جيش سوريا الحرة بضرورة تحصين مواقعه، بسبب وجود خطر ميداني مصدره المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري في محيط منطقة الـ55 كيلومتراً». واعتبرت المصادر أنه «لا مؤشرات ميدانية حتى الآن إلى أيّ صدام عسكري في المنطقة»، متوقعةً أن «كلا الطرفَين الأميركي والروسي لا يرغبان في تصعيد ميداني خطير، سواء في التنف أو على ضفاف نهر الفرات في دير الزور».

وفي المقابل، نفّذ «الدفاع الوطني» في دير الزور، بحضور عدد من الضباط الروس وشيوخ ووجهاء المحافظة، عرضاً عسكرياً في ريف البوكمال، على بعد أقلّ من كيلومتر واحد من مناطق سيطرة «قسد»، بهدف التأكّد من الجاهزية القتالية، لمواجهة أيّ هجوم من القوات الأميركية والقوات الموالية لها على المدينة. وتوازى العرض العسكري، مع دفع القوات الرديفة للجيش السوري في دير الزور، بتعزيزات عسكرية على امتداد ضفّة نهر الفرات في مدينة البوكمال وبلدة العشارة، وصولاً إلى مدينة الميادين، كإجراءات احترازية لأيّ طارئ ميداني في المنطقة. وفي هذا السياق، نفى مصدر رسمي في دير الزور «وجود أيّ حالات نزوح من المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري في دير الزور»، مؤكداً أن «المنطقة تعيش حياة اعتيادية، دون أيّ تغيير عن الفترات السابقة». ولفت المصدر إلى أن «المنطقة تتعرّض لحملة إعلامية واضحة، هدفها دفْع الأهالي لترك منازلهم وبلداتهم وقراهم»، مشيراً إلى أن «الحملة تمّت مواجهتها بعدم انجرار الأهالي وراء الشائعات، والحفاظ على تواجدهم في بيوتهم». ورأى المصدر أن «الاحتلال الأميركي يقوم يومياً بنهب وسرقة النفط السوري، ولا يحظى بأيّ تأييد شعبي في المنطقة»، لافتاً إلى أن «المقاومة الشعبية ستتواصل، إلى حين تحقيق هدفها في طرد الاحتلال من كامل الأراضي السورية، واستعادة السيادة الوطنية على كامل جغرافية الوطن».

———————————

——————————

تحشيد أميركي في شرق الفرات.. حرب أم ردع؟/ عبدالناصر العايد

يشاهد سكان شرق الفرات أرتالاً من الشاحنات العسكرية الأميركية وهي تمر بشكل يومي نحو حقل العمر أو القرية الخضراء، محملة بمعدات عسكرية عُرفت منها دبابات قتالية وعربات مصفحة ومدفعية بعيدة المدى وجسور متحركة. ولم يُكشف عن محتوى عدد كبير من الشاحنات المغلقة، لكن مصادر إعلامية أميركية موثوقة تحدثت الشهر الماضي عن نشر منظومة  صواريخ أرض-أرض “متحركة” قصيرة ومتوسطة المدى من نوع HIMARS، للمرة الأولى في سوريا. وتتزامن هذه المعلومات الميدانية مع أخبار عن نشر واشنطن لطائرات اف-22 المتقدمة في الشرق الأوسط، إضافة إلى طائرات الدعم الأرضي القريب إي-10.

والسؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن من يتابع هذه التطورات هو عما إذا كانت واشنطن بصدد شن حرب في المنطقة، خصوصاً أن مصادر عديدة غير موثوقة راحت تتحدث عن مخطط لوصل قاعدة التنف التي تسيطر عليها الولايات المتحدة أيضاً، بمناطق شرق الفرات، وقطع الجسر الإيراني إلى المتوسط في منطقة البوكمال، وهو السيناريو الذي نعتقد أن الترويج له هو جزء من استراتيجية أميركية تسعى إلى الهدف المعاكس لما نشاهده من تحضيرات، أي منع وقوع حرب.

عندما يشاهد المرء هذا التحشد العسكري الأميركي في تلك المنطقة، فإنه لا بد أن يتفحص المشهد لمعرفة الخصم الذي يحتمل أن يكون هدفاً لهذه التحركات أو الهجوم المحتمل. وهناك سيجد أربعة خصوم لا تشير أوضاعهم  إلى أسباب كافية للقيام بعملية عسكرية ضد أي منهم.

أوّلهم، الخصم التقليدي، وهو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وهذا في حالة موت سريري، وتكاد خلاياه التي كانت تبث الذعر في المجتمع المحلي وقوات سوريا الديموقراطية، تختفي تماماً من المشهد. وقد كشف شريط فيديو بث مؤخراً لمجموعة متعاونين مع التنظيم في ريف دير الزور الغربي، أن أعضاءها الذين نفذوا كافة العمليات المنسوبة لداعش هناك خلال نحو سنة، كانوا يعملون بصفة قتلة مأجورين يدفع لهم مبلغ صغير لا يصل إلى مئة دولار مقابل كل عملية ينفذونها، وأن هؤلاء ليسوا أعضاء أصيلين بالمعنى الأيديولوجي، ولم يتلقوا أي تلقين تنظيمي ممنهج، بل أن نحو نصفهم من المراهقين العاطلين عن العمل. ويمكننا الانطلاق من هذا المثال الوحيد على نشاط التنظيم في السنة السابقة، لتعميم الحالة والقول داعش لم يعد قوة أمنية منظّمة ومتشعبة، وأنه فقد الزخم الأيديولوجي والموارد المالية، وهو عاجز فعلياً عن شن عمليات اغتيال صغيرة، وليس من المنطقي أن يتم حشد هذه الأسلحة تحسباً لمعاودته الظهور.

أما ثاني خصوم واشنطن المُعلَنين فهو نظام الأسد، واستراتيجية واشنطن نحوه ما زالت على حالها وهي الضغط عليه عبر العقوبات لإضعافه وإرغامه على التفاوض مع المعارضة. أما النظام من جهته، فيضع نصب عينيه مسألة اجبار القوات الأميركية على الانسحاب واستعادة الموارد النفطية والزراعية في شرق الفرات، لكن أدواته محدودة للغاية، وتقتصر على التواصل مع السكان المحليين ومحاولة تجنيد خلايا صغيرة تستطيع أن تنشر العبوات الناسفة أو تطلق صواريخ محدودة القوة على القواعد الأميركية، وهي أنشطة لا تبدو أخطر من أنشطة داعش، وليس من المحتمل أن تكون قوات النظام بالتالي هدفاً لهذه الاستعدادات الأميركية.

أما الخصم الثالث لواشنطن في شرق الفرات، فهو روسيا، وهنا يجب أن نميز بين القوات الروسية النظامية، متمثلة في الشرطة العسكرية والقوات الجوية والدفاع الجوي الروسية المتمركزة في مطاري دير الزور والقامشلي، وهذه من غير المحتمل أن لديها نية أو قدرة للتحرش بالأميركيين في ظل ظروف الحرب الأوكرانية. أما مليشيا “فاغنر”، فلديها الأسباب والقدرة على ذلك، وقد كان لافتاً أن يفغيني بريغوجين نشر لأول مرة صوراً للمحرقة الأميركية لقواته في منطقة خشام سنة 2018 عندما حاول الاستيلاء على معمل غاز كونيكو، وانحنى باللائمة على القوات النظامية التي امتنعت عن تقديم العون لمرتزقته. لكن هذه الفرضية التي يمكن أن تدعم بحجة أن المغامر بريغوجين يمكن أن يلجأ لتفجير صراع مع الأميركيين في المنطقة للضغط على الكرملين، باتت غير واردة بعدما انهارت امبراطوريته، إذ سارع الجنود الروس إلى اعتقال رجاله في دير الزور وسلموا مقراتهم للإيرانيين أو للسكان المحليين الذين اغتصبت “فاغنر” منازلهم وعقاراتهم في مراحل سابقة، مثل مقرات في بلدات حطلة ومراط.

إن الجانب الروسي ليس بوارد التحرش بالأميركيين، وإذا كان بريغوجين قد خطط لذلك في وقت ما، فإن هذا المخطط انتهى الآن، فلماذا تستمر الأسلحة الأميركية بالتدفق؟

في تصورنا أن الخصم الوحيد الذي يمتلك الأسباب والموارد والإرادة والاستراتيجية للضغط على الوجود الأميركي في شرق الفرات، هو إيران. فالنظر إلى خرائط النفوذ يظهر أن الممر الإيراني نحو الغرب يعاني اختناقاً شديداً في شرق سوريا، ويكاد يقتصر على شريان ضيق في البوكمال الحدودية. ومن دون السيطرة على الضفة الأخرى من نهر الفرات، على الأقل، سيبقى الممر والمشروع الإيراني برمته في خطر. بل يمكن لمن يدقق في الخرائط والأنشطة جيداً أن يلاحظ أن محافظة دير الزور ليست فقط المحور الأساسي لعمل الحرس الثوري الإيراني في هذه المرحلة، بل عاصمة ذلك الحرس الفعلية والتي تقع جغرافياً في قلب مناطق نفوذه في العراق وسوريا ولبنان، ولا تعاني سوى من وجود القوات الأميركية في جوارها الحيوي القريب. وبالتالي فإن مناكفة هذا الجار ومحاولة دفعه للرحيل قد تكون الهدف الاستراتيجي على الصعيد الإقليمي لكل السياسة الإيرانية في هذه المرحلة المتقدمة من مراحل الصراع على النفوذ والأرض في الشرق الأوسط، وتتويجاً لما يعتقد الإيرانيون أنه انتصارهم الساحق على دول الجوار العربي واستسلام تلك الدول أمام تقدمها الثابت.

نحن إذاً أمام استراتيجيتين متباينتين. أميركية تريد الاحتفاظ بوجودها العسكري في سوريا لاستمرار ممارسة دور استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط يتمثل في الضغط على كافة قوى المنطقة، سواء الخصوم كروسيا وايران ونظام الأسد وداعش، أو حليفة مثل تركيا ودول الخليج العربي. واستراتيجية إيرانية تقوم على التوسع واستكمال طوق القوى المليشيوية الصغيرة حول الدول العربية وإسرائيل للوصول إلى أقصى درجات التأثير الإقليمي والدولي. لكن، بينما تجد إيران أن صداماً محدوداً بين مليشياتها والقوات الأميركية على الأرض السورية مسألة لا بد منها، لا ترى واشنطن أن ذلك يصب في صالحها أو يفيد استراتيجية البقاء في سوريا بأقل كلفة ممكنة. فالاشتباك المحدود مع المليشيات الإيرانية سيكون هزيمة لقواتها، إن لم يصبح حرباً شاملة تقتلعها من جذورها في شرق سوريا، وهذا الأمر يعني حرباً كاملة مع ايران، لا ترغب فيها واشنطن ولا هي مستعدة لها في هذه المرحلة. لذلك يبدو أنها لجأت إلى الخيار الأقل كلفة، وهو اتقاء تلك الحرب بتدعيم قواتها وتحصينها من ناحية، والتلويح بإمكانية المواجهة الشاملة فيما إذا أحرج الحرس الثوري، القوات الأميركية، وألحق بها خسائر كبيرة في ضربة ما مثل التي تحدثت عنها صحيفة “واشنطن بوست” الشهر الماضي.

تدعم التصور أعلاه، العلنية المبالغ فيها في دفع أسلحة وقوات أميركية إلى المنطقة، وتسريب معلومات إلى الصحافة الدولية، وإشاعة معلومات عن نيّة للقيام بهجوم في البوكمال لوصله مع التنف، والقيام بتدريبات ومناورات يومية قرب مناطق التماس تحاكي صد هجمات قادمة من مناطق سيطرة الميلشيات الإيرانية. والرسالة من وراء ذلك واضحة: لا تحاولوا مهاجمتنا لأننا متيقظون ومستعدون ولن تنالوا منا… هذا، وهذا فقط، ما تريد واشنطن قوله.

المدن

————————————-

معركة قريبة ومؤكدة…بين إيران وأميركا في شرق سوريا/ عبدالناصر العايد

ما عادت سرّاً الاستعدادات الإيرانية لشن هجوم على القوات الأميركية، فالسكان المحليون بدأوا بالنزوح من قرى وبلدات عديدة على خلفية مشاهدتهم حشد المقاتلين والأسلحة من الطرفين، والحديث يدور حول زج مقاتلين من المليشيات الإيرانية في محورَين: الأول في البلدات على ضفة نهر الفرات الغربية مقابل حقل العمر النفطي ومعمل غاز كونيكو على الضفة الأخرى، حيث تتمركز القوات الأميركية. والثاني هو محور البلدات في شرق الفرات، والتي تسيطر عليها إيران، بدءاً من بلدة حطلة، مروراً بمراط، ووصولاً إلى خشام القريبة جداً من معمل كونيكو.

ومن الواضح أن الخطة الإيرانية هي شن هجوم صاروخي ومدفعي بعيد من وراء النهر، فيما تحاول قواتها التقدم على الأرض، على امتداد الضفة الأخرى من النهر. وفي المقابل، لم تتوقف القوات الأميركية عن دفع المزيد من العتاد والمقاتلين في المنطقة، أما طيرانها فلا يفارق الأجواء لحظة واحدة منذ ما لا يقل عن أسبوعين.

إن التحشيد المتبادل وفوضى المشهد، يجعلان من الصعب معرفة مَن الذي يستعد للهجوم على الآخر، لكن السياق الجيوسياسي، ونوعية التحركات، يؤكدان أن المبادرة إيرانية، فيما يقبع الأميركيون في موقع ردّ الفعل. فالحرس الثوري يهيئ الميدان منذ سنوات لهذه المعركة التي ستسيطر من خلالها إيران على ضفتي نهر الفرات لإنهاء اختناق الطريق البري الى المتوسط في هذه المنطقة المناوئة لها بشدة.

كما ترغب طهران في إيصال رسالة واستعراض قوتها في الشرق الأوسط، من خلال تحدي ومنازلة القوات الأميركية، وهو ما سيكبدها خسائر بشرية كبيرة على نحو محقق، إلا أنها لن تكون هزيمة المشروع الامبراطوري بل سيتم تعزيزه ولفت النظر إلى عمقه واتساعه، خصوصاً فيما إذا توسعت المواجهة لتشمل مناطق أخرى من التي تسيطر عليها ايران أو تمتلك نفوذاً فيها، وهي تمتد من خليج عدن إلى الخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان. وخسارتها لبضعة مئات من المقاتلين في شرق سوريا، أو حتى الآلاف، لن يكون ذا أهمية في مقابل المكاسب السياسية التي ستحصدها، لا سيما أن هؤلاء في غالبيتهم العظمى ليسوا مواطنين إيرانيين، بل قوة متعددة الجنسيات تضم الأفغان والباكستانيين والعراقيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم.

أما عن موقف وأدوار القوى الأخرى الموجودة في المنطقة، فهي أيضاً متأثرة بالمبادرة الإيرانية، وليست قائمة على مشروع أو توجّه مدروس. فقوات نظام الأسد مثلاً، تحاول مجاراة الحرس الثوري، وأن يكون لها دور في معركة “التحرير” هذه، وقد أدت محاولاتها المتخبطة لحجز مكان، إلى مزاحمة الحرس الثوري الإيراني والمواجهة معه، إلى درجة إشهار السلاح على بعضهما البعض مطلع هذا الأسبوع في بلدة مراط عندما حاولت المليشيات الإيرانية انتزاع موقع متقدم من قوات النظام لتتمركز فيه. فيما يحاول الجانب الروسي، الضعيف والخائف من الاستهداف الأميركي، الحفاظ على مواقعه، خصوصاً بعد تفكيك قوات “فاغنر” في المنطقة.

وتبدو قوات سوريا الديموقراطية، مرتبكة، إذ تنقسم قيادتها إلى تيارين، أحدهما يرفض المواجهة مع إيران، وربما لديه مشروع للتفاهم معها في حال أصبحت القوة المهيمنة في المنطقة، وتيار يستمع للتعليمات الأميركية ويحاول أن يحافظ على تحالفه معها.

أما السكان المحليون من القبائل العربية، فيبدو أن المليشيات الإيرانية حققت اختراقًا كبيراً في صفوفهم، سواء في شرق الفرات أو غربه، حيث ستدفع بقوة عشائرية إلى مقدمة الهجوم لنِسبته إلى هذه القبائل والتنصل من تبعاته الأولية. بينما ستعمد خلاياها النائمة، والتي يبدو أنها أصبحت كثيرة جداً، إلى ضرب الأميركيين من الخلف وفي العمق، وربما تستخدم خلايا “داعش” المتبقية في هجمات من هذا النوع. وهذا الموقف السلبي من جهة العشائر نحو الأميركيين هو ناتج سياستهم التي تعاملوا بها مع السكان المحليين العرب، والذين هُمّشوا بشدة لصالح العناصر الكردية.

من جوانبها العسكرية تبدو ملامح العملية الإيرانية المرتقبة شبيهة بمعركة خشام في شباط 2018، عندما حاول مرتزقة “فاغنر” احتلال حقل كونيكو، وقد يكون الرد الأميركي شبيهاً بما حدث في تلك السنة عندما أباد القوات المهاجمة. لكن النتائج الاستراتيجية ستكون مختلفة هذه المرة، فالجانب الإيراني هنا يركز على احتلال أراض وايقاع خسائر بشرية في صفوف القوات الأميركية، وإحداث ضجيج دولي عبر استنفار مليشياتها في كامل إقليم الشرق الأوسط. وهدف العملية هو عرض عضلات استراتيجي، لإرهاب الأطراف الأقل قوة من الولايات المتحدة وإسرائيل، وتعزيز صورة إيران كمنتصر إقليمي في نهاية هذا الشوط من الصراع الذي امتد من لحظة سقوط بغداد العام 2003 إلى يومنا هذا.

المدن

———————————————-

روسيا “تختبر” أميركا في سوريا… وعينها على أوكرانيا/ أنطون مارداسوف

موسكو زادت تحركاتها العسكرية شرق الفرات

اسطنبول- في بداية شهر فبراير/شباط من العام الماضي- قبل أسبوع من بدء غزو أوكرانيا- امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصور المركبات المدرعة الروسية محفور عليها حرف “Z” ورموز أخرى. ورغم أن اللافتات كان لها غرض وظيفي بحت (علامات لتجنب “النيران الصديقة”)، فقد أصبح يُنظر إليها على أنها رموز رسمية للغزو، حتى إنها حُظِرت في بعض البلدان. ومن المفارقات الآن أن نرى الجيش الأوكراني، في لقطات من شبكات التواصل الاجتماعي، يضع علامات مماثلة على مركباته المدرعة بينما يواصل هجومه المضاد الذي طال انتظاره.

وفي ظل هذه الظروف، سيتعين على الكرملين أن يولي اهتماما تاما بالجبهة الأوكرانية، خاصة إذا أعلنت كييف ليس فقط عن عزمها إخراج القوات الروسية من مناطق دونباس، بل والسعي أيضا لاستعادة شبه جزيرة القرم.

وبالإضافة إلى ذلك، احتدم النزاع بين يفغيني بريغوجين، مالك شركة فاغنر العسكرية الخاصة، والمؤسسة العسكرية الروسية الرسمية، مجددا على نحو عنيف. فقد أهان بريغوجين شخصيا كلا من وزير الدفاع سيرجي شويغو، ورئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف على اختلاقهما “مجاعة القذائف” كما زعم. وتباهى أيضا أنه بفضل مرتزقته فقط تأخر بدء الهجوم الأوكراني المضاد والواسع النطاق، حيث احتجزت القوات الأوكرانية في أرتيميفسك (باخموت) لأشهر وهي تقاتل قوات فاغنر العسكرية الخاصة.

تحول في التركيز

منذ بداية مارس/آذار، وطوال أبريل/نيسان، ومايو/أيار، أبدى الطيران الروسي نشاطا متزايدا في سوريا، كما ذكر مسؤولون أميركيون مرارا. فقد بدأت الطائرات والطائرات دون طيار الروسية في التحليق فوق أهداف عسكرية أميركية بكثافة، خلافا لاتفاقيات فض الاشتباك. وقد لا تكون هذه هي المرة الأولى، فربما جرت حوادث مماثلة من قبل، ولكن على نحو أقل. وحسب وثائق البنتاغون المسربة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فإن قوات الدفاع الجوي الروسية في القامشلي كادت أن تُسقط طائرة “MQ-9 Reaper UAV”، وهي من نوع الطائرات دون طيار نفسه التي اعترضتها مقاتلة روسية وأصابتها فوق المياه المحايدة للبحر الأسود في مارس/آذار 2023.

ووجهت موسكو اتهاماتها لواشنطن بأنها تحاول تصعيد التوتر ليس في منطقة البحر الأسود فحسب، بل في منطقة البحر الأبيض المتوسط أيضا، وادعت أن التحالف بقيادة الولايات المتحدة انتهك بروتوكولات فض الاشتباك وبنود المذكرة الأميركية الروسية بشأن السلامة الجوية فوق سوريا 213 مرة في أبريل/نيسان وحده.

ومع ذلك، أظهرت وثائق البنتاغون المسربة نفسها أن المخابرات العسكرية الأوكرانية كانت تخطط لمهاجمة القوات الروسية في سوريا، وهو ما كان سيجبر موسكو على نقل بعض القوات العسكرية من أوكرانيا. وحسب المصدر نفسه، تخلت أوكرانيا في النهاية عن الفكرة لعدد من الأسباب الفنية والسياسية.

غير أن هناك شكوكا موضوعية في أن موسكو تبنت موقفا تفاعليا بحتا في سوريا، وثمة مبررات للاعتقاد بأنها قد تبادر إلى ممارسة الضغط على المنشآت الأميركية في المنطقة.

أولا، في وقت مبكر من عام 2021، حاول الكرملين إجبار الناتو على التفاوض على هيكل أمني أوروبي جديد، ليس فقط من خلال التهديد بعمل عسكري ضد أوكرانيا، وإنما أيضا بالعمل النشط في سوريا، مثل إجراء تدريبات واسعة النطاق أو نشر قاذفات استراتيجية ذات قدرة نووية لفترة قصيرة في قاعدة حميميم الجوية. ومن المؤكد أن روسيا نشرت مجددا قاذفات “TU-22M3” في قاعدتها السورية نهاية مارس/آذار 2023.

ثانيا، ليس من قبيل الصدفة أن تصاعد النشاط الروسي في سوريا قد تزامن مجددا مع زيادة الحوادث التي تشتبك فيها القوات التي تعمل بالوكالة عن إيران والقوات الأميركية. وبينما أحجمت روسيا سابقا عن ربط نفسها بالهجمات الإيرانية وجمدت أنشطتها في شرق سوريا إلى حد كبير، فإنها مع بداية الحرب في أوكرانيا تعمّدت إظهار التنسيق مع إيران أو حتى الصين، غالبا دون موافقتهما، لإثبات صلابة وضع الكرملين وتوافر الموارد لخوض الحرب. غير أن الكرملين يعي أن التضامن مع إيران لا بد أن تكون له حدود واضحة، نظرا لمعارضة إسرائيل نشر طهران رادارات ومنصات للدفاع الجوي في سوريا.

ولهذه الأسباب مجتمعة، قد تنطوي تصرفات روسيا على تكتيك يهدف لتقليل الضغط عليها في أوكرانيا بالضغط على منافسيها في مناطق خارج أوكرانيا. والمخطط الذي كان من الممكن لكييف أن تجده مفيدا قد يكون أيضا جذابا لموسكو، التي لا تمتلك الكثير من الموارد لإنشاء أي خطوط حمراء في الظروف الحالية. مع ذلك، يحاول الكرملين جاهدا رسم خطوط حمراء تظهر لواشنطن أن عليها تقديم تنازلات في أوكرانيا وفي الأسلحة الاستراتيجية أيضا. على سبيل المثال، لم تخفِ موسكو رغبتها في إبرام معاهدة جديدة لمنع الحوادث في أعالي البحار وفي الجو شبيهة بالمعاهدة السوفياتية الأميركية لعام 1972، التي حدّدت، في حقبة الحرب الباردة من بين أمور أخرى، المسافة التي يسمح فيها للسفن والطائرات الحربية بأن تقترب من بعضها بعضا أثناء المناورات.

ولكن أن تربط موسكو بعناية مناطق البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط في “حزمة” واحدة، فهو في الواقع أمر طبيعي تماما وليس خطة تكتيكية لمواجهة الأزمة. والحقيقة أن الكرملين لا يسترشد في هذا الأمر بالمنطق الدبلوماسي أو حتى السياسي، بل بالتفكير العسكري الخالص. وإذا أخذنا منطق التخطيط العسكري هذا في الاعتبار، يمكننا أن نقدم تفسيرا منطقيا لكثير من خطوات موسكو التي تبدو غير متوقعة.

مسرحا الحرب مسرح واحد

عندما باتت موسكو رسميا طرفا في الحرب الأهلية السورية عام 2015، بدا الكثير من حججها غير منطقي. وحتى أن كثيرا من المستشرقين الروس والباحثين في الشأن القوقازي، مثلا، شككوا دائما في الخط الرسمي القائل بأن الحملة في سوريا يفترض بها أن تساعد السلطات الروسية على “محاربة الإرهاب بمقاربات بعيدة”. ويدرك الخبراء أن السلطات الروسية نفسها شجعت أشخاصا غير مرغوب فيهم على مغادرة شمال القوقاز إلى الشرق الأوسط، وذلك قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014 في سوتشي، ومن دون أن تولي هذه السلطات اهتماما كبيرا بالقضاء على الأسباب المؤدية إلى انتشار الأفكار المتطرفة بين المسلمين. ومع ذلك وقعت هجمات إرهابية في روسيا، وقد ربطها مرتكبوها ربطا مباشرا بالثأر من التدخل في سوريا.

وقد كان هناك أيضا كثير من الدبلوماسيين الروس ممن فهموا أن فرضية “محاربة التطرف” كانت مجرد دعاية، وأن العملية العسكرية كان لها أهداف وغايات مغايرة تماما، سياسية في المقام الأول.

ومع ذلك، فمن وجهة نظر الجيش الروسي تعتمد أفعال الكرملين على منطق قويم. والجيش هو من نسج سردية التدخل الروسي في الاتجاه الذي يحلو له.

وحسب التخطيط العسكري الروسي، فإن الجهة الاستراتيجية الجنوبية التي تتوافق مع المنطقة العسكرية الجنوبية، لا تشمل آسيا الوسطى ومنطقة البحر الأسود والحدود الروسية الأوكرانية فحسب، بل تشمل أيضا شمال القوقاز وجنوبه، وهي رأس جسر لنشر القوات في البحر الأبيض المتوسط. وفي الواقع، منذ الحرب مع جورجيا عام 2008، تلقت قوات المنطقة العسكرية الجنوبية معدات أكثر تطورا دون غيرها من المناطق الأخرى، وتلقت تدريبا أفضل على نحو بيّن.

وقد أدرجت شبه الجزيرة القرم وسيفاستوبول، بعد ضمهما، في المنطقة العسكرية الجنوبية عام 2014، ثم تلتهما أراضي دونباس عام 2023. وبسبب قرب شبه الجزيرة من سوريا، زود الجيش الروسي المتمركز في هذه المنطقة بسفن إنزال كبيرة من سيفاستوبول. كما نفذت سفن أسطول البحر الأسود وأسطول بحر قزوين، وهما جزء من المنطقة العسكرية الجنوبية، ضربات ضد أهداف للمعارضة وأهداف للإرهابيين في سوريا. كما أُعيد انتشار الطيران القتالي في الغالب من مطارات القرم لصالح العملية في سوريا، بينما شكلت وحدات المنطقة العسكرية الجنوبية العمود الفقري للشرطة العسكرية الروسية شرقي حلب.

ولكن حتى مع التغييرات الأخيرة، تظل المنطقة العسكرية الجنوبية أصغر منطقة عسكرية في روسيا، بينما تشمل مساحة مسؤوليتها المناطق الأكثر إشكالية والمعرضة أكثر للصراع. أما في التخطيط العسكري لحلف الناتو، فإن أهم رأس جسر لهجوم محتمل على شبه جزيرة القرم هو البحر الأبيض المتوسط. وقد رأت الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة، الجزء الشرقي من هذا الحوض البحري الشاسع كمنصة ملائمة لـهجوم افتراضي على جنوب وسط روسيا من حاملات الطائرات وصواريخ توماهوك كروز.

بعد بدء الحرب في أوكرانيا وبعد تدمير طراد الصواريخ الموجهة موسكفا والغرق القسري لسفينة الهبوط الكبيرة ساراتوف في بيرديانسك، حامت شكوك حول القدرة الحقيقية لأسطول البحر الأسود على القيام بعمليات قتالية على نحو فعال. وهذا ما يجعل روسيا تستعد الآن لنقل الأساطيل الروسية الأربعة وأسطول بحر قزوين من مناطقها العسكرية وإعادتها تحت إمرة القيادة الرئيسة للبحرية، كما كان في السابق، ليتمكن البحارة من المشاركة مباشرة في التدريب القتالي، متجاوزين الإجراءات البيروقراطية.

ولكن حتى في حال النقل المفترض للعمليات القتالية إلى شبه جزيرة القرم، فإن إمدادات المجموعة الروسية في سوريا ستظل دونما تغيير. وبعد قرار تركيا في عام 2022 بتقييد الرحلات الجوية العسكرية الروسية إلى سوريا وإغلاق المضائق التركية أمام السفن الحربية، أمست سيفاستوبول معزولة عما يسمى Syria”

“Express، وبات عبء إمداد القوات الروسية وقوات نظام الأسد بالسلاح والمساعدات الإنسانية ينقل بكامله عن طريق سفن الشحن الجافة على امتداد مسار نوفوروسيسك- طرطوس- نوفوروسيسك. وكيما يصل الإمداد على نحو أسرع، تستخدم غالبا طائرات النقل التي تحلق عبر إيران والأردن منذ أكثر من عام، باستثناء الرحلات الجوية الفورية التي تحمل شحنات إنسانية، التي تسمح لها تركيا بعبور مجالها الجوي إلى حميميم.

عامل التعب

منذ نهاية أبريل/نيسان 2023، نشأ وضع غير مسبوق أمام القوات المسلحة الروسية قبالة السواحل السورية؛ حيث تم تقليص قدرات قوة المهام الروسية على نحو جذري، حيث غادرت البحر الأبيض المتوسط ثلاث سفن في وقت واحد- فرقاطة البحر الأسود الأدميرال غريغوروفيتش واثنان من طرادات البلطيق سوبرازيتلني، وستويكي.

وقد أمضت طواقم الطرادين سوبرازيتلني وستويكي قرابة نصف عام (منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022) في شرق البحر الأبيض المتوسط، بينما سجل طاقم الأدميرال غريغوروفيتش رقما قياسيا لم يسجَّل من قبل أيام الاتحاد السوفياتي ولا في أيام روسيا الحديثة. فقد غادرت السفينة سيفاستوبول متوجهة إلى سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وبقيت في الخدمة القتالية طوال هذا الوقت دون أي رسو أو أي إصلاحات أخرى.

ولم يبقَ من السفن السطحية القتالية الكبيرة في المنطقة سوى فرقاطة الأدميرال غورشكوف، إضافة لغواصة حربية واحدة تعمل بالديزل والكهرباء من طراز “B-265” كراسنودار، وهي لا تكفي لخلق دفاع فعال على مقربة من الساحل السوري ضد تشكيل من السفن الكبيرة. ومن المستحيل استبدالها بسفن من سيفاستوبول بسبب الحظر التركي، والطريقة الوحيدة لتقوية المجموعة هي إرسال السفينة الكبيرة المضادة للغواصات الأدميرال ليفتشينكو من الأسطول الشمالي إلى الساحل السوري.

الشيء الوحيد الذي أسعف موقف روسيا، أن الولايات المتحدة قد سحبت الآن مجموعة من حاملات الطائرات بقيادة الحاملة “يو إس إس جورج إتش دبليو بوش” من البحر الأبيض المتوسط.

وهكذا، يواجه الجيش الروسي مهمة الحفاظ على نشاط دائم في البحر الأسود ومناطق البحر الأبيض المتوسط، وذلك لإبراز صورة القوة والاستجابة لمختلف تدريبات الناتو مثل مناورات نبتون سترايك 2022 للأسطول الأميركي السادس وممارسة الضغط السياسي على خصومه الجيوسياسيين.

لكن بسبب نقص السفن السطحية الكبيرة في الأسطول واستمرار الحظر التركي على مرور السفن الحربية الروسية عبر مضيق البوسفور والدردنيل، وهو ما يؤثر في قدرتها على إصلاح وتحديث سفن أسطول البحر الأبيض المتوسط، فإن القدرة الروسية على إبراز القوة في مسارح العمليات تلك- البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط- غير متكافئة. من الواضح أن من مصلحة الكرملين سد هذه الفجوة بالموارد المتاحة مثل نشاط الطيران.

المجلة

—————————-

ما تبقى من “داعش” في شرق الفرات/ عبدالناصر العايد

نشرت “قوات سوريا الديموقراطية” مؤخراً، تسجيلاً مصوراً لاعترافات مجموعة أشخاص تابعين/مأجورين لتنظيم “داعش”، نفّذوا عمليات ومحاولات اغتيال وتفجير في منطقة شرق الفرات، خلال نصف السنة المنصرم. وبتحليل ودراسة الاعترافات -في حال كانت صحيحة ودقيقة- أن التنظيم قد تلاشى عملياً، ولم تعد لديه قوة أيديولوجية ولا اقتصادية ولا منظومة عسكرية أو حتى أمنية، في تلك المنطقة التي كان قد استوطن فيها واخترقها بعمق، وصار يستأجر أشخاصاً لتنفيذ عمليات تذكر به وتبقيه في التداول الإعلامي.

في الفيديو المشار إليه، يعترف المتهمون بالقيام بنحو عشر عمليات، هي معظم العمليات المبلّغ عنها في منطقة شرق الفرات خلال النصف الأول من هذا العام، أي أن التنظيم اعتمد عملياً على هذه الخلية الوحيدة في نشاطه الأمني، وهذا يفيد بانحسار هائل، ليس في أنشطة التنظيم فحسب، بل بانتشاره، وعدد بؤره وخلاياه العاملة والنائمة.

الخلية التي قُبض عليها ليست من سكان منطقة شرق الفرات، بل من غربه، ويعيش معظم أفرادها في مخيم للهاربين من نظام الأسد، أقيم في إحدى قرى ريف دير الزور الغربي، ويوصف بأنه الأسوأ لناحية الخدمات والمساعدات التي تقدم لقاطنيه، حيث ترتفع البطالة بين سكانه إلى الحدود العظمى. وتهمّش “قوات سوريا الديموقراطية” وذراعها المدنية، العائلات وجيل الشبان الذين يعيشون فيه من ناحية الوظائف والمهن، نظراً لكونهم نازحين من مناطق أخرى، وهو الأمر الذي يعمق أزمتهم بعدما ابتعدوا عن مصادر رزقهم الأصلية، المتمثلة في الأراضي الزراعية وسواها. وبالتالي فإن مشاعر التهميش النسبي غالباً ما تهيمن على أمثال هؤلاء وتدفعهم لارتكاب الأعمال العنيفة، خصوصاً إذا ما كانت مقترنة بعائد مادي، وبالتالي فإن أيديولوجيا التنظيم الأصلية ليست هي ما دفع هؤلاء للقيام بتلك العمليات، بل القهر والحاجة وانعدام الاهتمام من السلطة القائمة، وربما تنمرها عليهم.

يؤلف شبان صغار ومراهقون تحت سن الثامنة عشرة، غالبية أعضاء تلك الخلية، وهؤلاء كانوا أطفالاً عندما كانت التنظيم يسيطر على المنطقة قبل العام 2019، وليس من المحتمل أنهم تعرضوا لعملية أدلجة الى الدرجة التي تدفعهم إلى القيام بأعمال خطيرة كهذه، علاوة عن تلقي التدريب العسكري والأمني. وإذا كان هذا هو حال منسوبي التنظيم، أو ما تبقى من المتعاطفين معه، فإن التنظيم في طريقه إلى التحلل الكامل، ومَن بذلوا جهوداً لتربيتهم وتدريبهم، إما قتلوا أو اعتقلوا أو انفكوا عنه، وبات بلا زخم عقائدي مؤثر أو قوة بشرية قادرة على إحداث التأثير القسري.

تُظهر اعترافات أعضاء الخلية أنهم كُلفوا بالقيام بأي عملية قتل ممكنة لأي منتسب لـ”قوات سوريا الديموقراطية” أو إداراتها المدنية، وأنهم قاموا بهذه العمليات من دون تمييز أو تخطيط معمق، وكان استهدافهم سطحياً وبلا تأثير، ومنها ما جرى فيه استهداف أشخاص يرتدون سترة عسكرية على أمل أن يكونوا من عناصر “قسد” من دون التحقق من ذلك، ويبدو أنهم كانوا تحت ضغط من الجهة الممولة للقيام بأي عملية أمنية تُنسب للتنظيم وتظهره حياً وفاعلاً.

تكشف المبالغ التي تقدم للخلية كمكافأة لعمليات القتل أو محاولاتها، تراجع قوة التنظيم الاقتصادية. فوفق المتحدثين، تمنح الخلية ما يتراوح بين 70 و100 دولار مقابل العملية الواحدة، وهذا مبلغ جيد في منطقة لا يزيد الأجر الشهري للموظف فيها عن عشرين دولاراً، لكنه ضئيل مقارنة بالخطورة والجسامة التي ينطوي عليها العمل وحجم فائدة التنظيم السياسية منها، وبما كان يدفع سابقاً لعمليات من هذا المستوى.

الضائقة المالية للتنظيم تقترن وتؤثر في قدرته على الاختباء والتواري. فأعضاء الخلية كُشفوا بسهولة على ما يبدو لعجزهم عن اتخاذ الاحتياطات والتمويه المناسب لأنشطتهم، مثل إنشاء أعمال أو مصالح كواجهات يتوارون خلفها، أو استخدام المركبات المناسبة للتنقل والفرار، أو استعمال وسائل اتصال مشفرة، وغير ذلك مما تعمد إليه التنظيمات المقتدرة في عملها الأمني.

اتضح من اعترافات المجموعة أن قائدها يقطن في مناطق شرق الفرات التي يسيطر عليها النظام السوري والمليشيات الإيرانية والروسية. وهذا، عدا أنه يثير تساؤلات حول صلة هذه الأطراف بالنشاط الإرهابي للتنظيم في مناطق السيطرة الأميركية، يكشف أيضاً أن قادة “داعش” الفعليين، ما عاد بإمكانهم التواجد والعمل الدائم في شرق الفرات، بسبب الانكشاف الكامل، وفعالية الإجراءات التي تقوم بها القوات الأميركية وحليفتها “قسد”.

مع ذلك، برزت في الأيام الماضية حادثة شغلت وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة وأثارت الكثير من الاسئلة، إذ عمدت مجموعة من الشبان إلى التظاهر في إحدى قرى شرق الفرات، تعبيراً عن الغضب من حادثة إهانة القرآن في السويد، ورفعوا بهذه المناسبة راية تنظيم “داعش” وتجولوا بها مخفورة بالأسلحة النارية. أصوات عديدة اتخذت من ذلك ذريعة للقول إن التنظيم ما زال حاضراً وبقوة، فيما برر بعض المقربين من القائمين بالمظاهرة ما حدث، وأن ما رُفع هو “راية العُقاب”، أي راية النبي محمد، وأن اتخاذها من قبل التنظيم رمزاً له، لا يعني أنه امتلكها، ولا يعني أن كل من يحملها هو “داعشي” بالضرورة.

وهذا يمكن أن يكون صحيحاً فعلاً، فهذا الفصل بين اعتبار التنظيم لا يمثل الإسلام والمسلمين، واستعادة ما استولى عليه من رموز وقيم أيديولوجية من قبل عموم المسلمين، قد يكون مظهراً آخر من مظاهر الاضمحلال، وليس علامة على استعادة التنظيم هيمنته وقوته. فكل عارف ومطّلع على الأوضاع الأمنية في المنطقة، لن يصدق في حال من الأحوال أن يظهر أعضاء التنظيم أو حتى المتعاطفون معه بتلك الصورة العلنية المستفزة وأن يكشفوا أنفسهم، في حين يُعتقل أو يُقتل كل مَن يشك بقربه أو اعتناقه لأيديولوجيته.

المدن

——————————

توتّر وغموض غرب الفرات رغم نفي “قسد” نيّتها استهداف النظام والميليشيات

نفت “قوّات سوريا الديموقراطية” (قسد) نيّتها القيام بعملية عسكرية ضد الجيش السوري والميليشيات الإيرانية التي تسيطر على 7 قرى غرب نهر الفرات. وجاء النفي بعد اجتماع ضباط أكراد مع ضباط في الجيش السوري. ومع ذلك ظلّ الغموض والتوتر يخيمان على أجواء المنطقة، وخصوصاً مع استمرار التحركات العسكرية غير المألوفة، ومواصلة بعض الأطراف إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة.

وفي تعليق على تحركاتها الأخيرة في مناطق دير الزور، نفت “قسد” الروايات والتكهنات التي كانت تشير إلى أنها ستشن عمليات ضد حكومة دمشق وفصائل إيرانية غرب الفرات.

“معلومات مغلوطة”

وقالت “قسد” في بيان لها في موقعها الرسمي، إن “بعض وسائل الإعلام تداولت خلال الأيام الماضية، معلومات مغلوطة حول تحركات لقوّاتنا في منطقة دير الزور، ونشرت وسائل أخرى تكهنات حول عمليات ووجهة محتملة للقوّات”.

وأكدت أن “كل المعلومات المتداولة وكذلك التكهنات غير صحيحة ولا تستند إلى أي أساس واقعي”.

 وأضافت أنها قامت خلال الأيام الماضية بعمليات غير طارئة في إطار العمليات العسكرية الروتينية “للحفاظ على مستوى التقدم للكفاح” ضد “داعش”، و”تحقيق مستوى أفضل من الأمن والاستقرار لسكان المنطقة”، لافتة إلى أن قواتها ستبقى مع قوى الأمن الداخلي “الأسايش” أكثر نشاطاً خلال الفترة المقبلة، في إطار جهود القضاء النهائي على خلايا “داعش” وحماية السكان.

تكهّنات… واجتماع لتدارك التصعيد

وكان العديد من التقارير الإعلامية قد رصد في الأيام الماضية تعزيزات عسكرية قامت “قسد”، بالتنسيق مع التحالف الدولي، بإرسالها إلى خطوط التماس مع الميليشيات الإيرانية، وسادت تكهنات بناءً على ذلك بأن القوات الأميركية تخطط للقيام بعملية عسكرية تنهي من خلالها سيطرة ميليشيات إيرانية على جيب غرب الفرات يمكنها من استهداف قواعدها العسكرية في المنطقة، وبخاصة قاعدتها في معمل كونيكو.

وبحسب مواقع سورية معارضة، فقد عقد اجتماع ليلة الاثنين، بين قياديين من “قسد” وآخرين من النظام السوري، في بلدة الصالحية شمال دير الزور للتباحث في التطورات المستجدة بخصوص التصعيد المتبادل الذي قد يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه.

وذكرت المصادر أن الاجتماع جرى بين قياديين أكراد من كوادر “قسد” في دير الزور، ووفد أمني من شعبة المخابرات العسكرية ونائب وزير الدفاع في النظام، ومحافظ دير الزور فاضل نجار، وأمين فرع حزب البعث، في مقر عسكري للنظام في بلدة الصالحية الفاصلة بين مناطق القوتين.

وأكد قادة “قسد” أنه لا نية لديهم للتقدم الى مناطق النظام، مع الإشارة إلى أنهم لا يضمنون مسلحي العشائر وعناصر مجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”، وذلك بعد طلب النظام منها ضبط العشائر في مناطق سيطرتها.

اجتماع سابق بين وفد من “قسد” ووجهاء عشائر في دير الزور. (الأرشيف)

تعزيزات تحت المجهر

وتنتشر منذ أيام شائعات عن نية “قسد” والتحالف الدولي و”جيش سوريا الحرة” في التنف، التقدم إلى مناطق سيطرة النظام في دير الزور، والسيطرة عليها، إلا أنها لا تزال شائعات غير مؤكدة، وسط حالة ترقب من كلا الطرفين، ووصول تعزيزات عسكرية لكليهما إلى الشريط النهري الفاصل بين مناطق سيطرتهما.

وأفاد مراسلو “نهر ميديا” في بلدتي بقرص والشحيل شرق دير الزور، بنشوب اشتباك مسلح وتبادل لإطلاق النار، بين نقطتين عسكريتين (واحدة لـ”قسد” في الشحيل وأخرى للنظام في بقرص)، على ضفّتي نهر الفرات، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة المتوسطة، من دون ورود معلومات عن سقوط قتلى أو جرحى من الطرفين.

وفي السياق وصل إلى مدينة دير الزور، صباح الثلثاء، وفد روسي وآخر إيراني قدما من العاصمة دمشق عبر مطار دير الزور العسكري.

وقالت مصادر خاصة لشبكة “عين الفرات” إنَّ وفداً من الضباط الروس الرفيعي المستوى، وصل إلى مدينة دير الزور، وانتقل بسيارات مظللة من المطار إلى مقر القوات الروسية في فرع مكافحة المخدرات جنوب المدينة.

وأضافت المصادر أنَّ وصول الضباط الروس تزامن مع وصول وفد من القادة الإيرانيين من دمشق، وأشارت إلى أنّ الوفد الإيراني توجه إلى مقر المدعو “الحاج كميل” في حي الفيلات في مدينة دير الزور.

ولم تتسرب أي معلومات عن مهمة الوفدين، غير أن العديد من النشطاء المحليين أشاروا إلى أن هذه الزيارة ربما تشير إلى وجود مساع جدّية لإنهاء حالة التوتر والعودة إلى وضع التعايش الذي كان سائداً، لأنه ليس من مصلحة أي طرف الدخول في مواجهة عسكرية.

النهار العربي

—————————-

إيران وروسيا “تنسقان بصمت” في سورية للضغط على أمريكا

تجري روسيا وإيران عمليات تنسيق “هادئة” في سورية من أجل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب ما قال مسؤول أمريكي، متحدثاً عن “أدلة ومؤشرات”.

وقال المسؤول لموقع “المونيتور“، اليوم السبت إن “روسيا تحاول إخراج الولايات المتحدة من المجال الجوي السوري بينما يواصل الحرس الثوري الإيراني تدفق الأسلحة المستخدمة لمهاجمة القواعد الأمريكية داخل البلاد”.

ورغم أن الطيارين الروس تراجعوا عن الموجة الأخيرة من الرحلات الجوية المسلحة المهددة فوق القواعد الأمريكية بينما صمتت الهجمات التي تنفذها ميليشيات إيران، إلا أن العديد من المؤشرات تقود إلى ترتيب جديد.

وأضاف المسؤول أن “المؤشرات تقود إلى أن القادة العسكريين الروس في سورية ينسقون بهدوء مع الحرس الثوري الإيراني بشأن خطط طويلة الأجل للضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلاد”.

وأوضح: “هناك تلاقي مصالح بين هذه المجموعات الثلاث الإيرانيين والروس والسوريين”.

“أدلة على التخطيط”

وكان المجال الجوي السوري قد شهد خلال الأسبوعين الماضيين أكثر من حادثة احتكاك بين الطائرات الحربية الروسية والطائرات المسيّرة الأمريكية التي تجري عمليات مراقبة باستمرار.

وبينما اتهمت الولايات المتحدة موسكو بإجراء “أنشطة استفزازية” وجهت الأخيرة ذات الاتهام، وتحدثت عن أكثر من 10 تحرشات أمريكية بطائراتها في المجال الجوي السوري.

وقال المسؤول الأمريكي إنه “يرى أدلة من التخطيط على المستوى العملياتي بين قيادة فيلق القدس المتوسط المستوى التي يعمل في سورية والقوات الروسية العاملة هناك”.

وفي حين رفض المسؤول مناقشة طبيعة الأدلة، إلا أنه وصف التعاون بـ”تخطيط تعاوني، وفهم تعاوني، وتبادل معلومات استخباراتية” على مستوى “متوسط إلى أعلى رتبة” للجيشين الروسي والإيراني.

وأضاف: “بصراحة، [إنها] نفس الأشياء التي سنفعلها مع شركائنا في مواجهة شيء كنا نحاول تحقيقه”.

“نراهم يفعلون ذلك من جانبهم، وهم يحاولون التفكير في كيفية مزامنة الأشياء المختلفة التي تقوم بها أذرعهم المختلفة من أجل ممارسة هذا الضغط علينا”.

وأشار المسؤول إلى حادثة الأسبوع الماضي، بعدما أقدم طيارو Su-35 الروس على مضايقة 3 طائرات مسيرة أمريكية من طراز MQ-9 بينما كانوا يستعدون لشن هجوم على أحد كبار قادة تنظيم “الدولة الإسلامية” في شمال غرب سورية.

“لا انسحاب”

وينفي مسؤولو البنتاغون أن يكون لأعمال قواتهم في سورية أي علاقة بالاستفزازات الروسية والإيرانية.

ويقولون إنهم يعتقدون أن الردود الأمريكية الأخيرة قد أوقفت دورة التصعيد في الوقت الحالي.

وقال كبير مديري العمليات في الأركان المشتركة، اللفتنانت جنرال دوغلاس سيمز، للصحفيين في وقت سابق من هذا الأسبوع: “لا نتوقع أي مشكلة، ولا نرى مستوى من التصعيد نشعر بالقلق حياله في سورية”.

ومع ذلك، لا تزال المجموعة المتبقية المكونة من حوالي 900 جندي أمريكي في سورية معرضة للخطر.

وفي السابق، كان نهر الفرات بمثابة حدود معترف بها بشكل متبادل بين الجيوش المتنافسة.

وجادل المسؤول العسكري الأمريكي البارز يوم الجمعة لـ”المونيتور” بأنه سيكون من غير الحكمة التخلي عن أي مساحة أو مجال جوي إضافي للقوات الروسية والإيرانية في سورية.

وأضاف: “لأنه بمجرد أن تفعل ذلك، سينتقلون فقط إلى المكان التالي وسيواصلون محاولة الضغط عليك”.

وأفاد موقع “المونيتور” لأول مرة في فبراير/شباط الماضي عن مخاوف بين كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين بشأن احتمال التعاون الروسي والإيراني ضد الوجود الصغير للقوات الأمريكية في سورية، كنتيجة للدعم العسكري الإيراني لحرب الكرملين في أوكرانيا.

وفي الشهر الماضي، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” وثيقة مسربة للبنتاغون تكشف أن القادة الروس والإيرانيين اتفقا على تشكيل مركز عمليات مشترك لتنسيق الجهود للضغط على القوات الأمريكية في سورية.

“لا معركة كبيرة”

وتحتفظ الولايات المتحدة بقواتها في سورية في أعقاب الحملة متعددة الجنسيات ضد “الدولة الإسلامية” في ظل سلطات منحها الكونغرس في الأصل عام 2001 لتمكين إدارة جورج دبليو بوش من ملاحقة مخططي هجمات 11 سبتمبر.

وتتركز القوات الأمريكية اليوم في أقصى شمال شرق البلاد وفي موقع بعيد للعمليات الخاصة يعرف باسم قاعدة التنف.

في المقابل يدعم كل من الجيش الروسي و”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني نظام الدكتاتور بشار الأسد.

لكن التنافس بين الاثنين على النفوذ في مناطق رئيسية والوصول إلى القواعد أعاق منذ فترة طويلة التنسيق رفيع المستوى ضد منافسهما المتبادل (أمريكا).

وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، بدأ الطيارون المقاتلون الروس ينتهكون بشكل متزايد بروتوكولات المجال الجوي المتفق عليها مع القادة الأمريكيين في سورية.

وتم ذلك من خلال التحليق على ارتفاع منخفض فوق القواعد الأمريكية هناك، وخاصة قاعدة التنف.

وقال مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى يوم الجمعة: “لم يكن هناك شيء مختلف في سلوكنا على الإطلاق عما كنا نفعله منذ خمس سنوات”.

وأوضح المسؤول أن الخط الهاتفي “الساخن” الذي تم إنشاؤه في عام 2016 للحد من فرص اندلاع حريق بين الجانبين الأمريكي والروسي لا يزال نشطاً.

وكشف بالقول: “لم تكن لدينا أوقات رفضوا فيها الرد على الهاتف”.

ومع ذلك، يقدر كبار الضباط الأمريكيين أنه لا القادة الروس ولا الإيرانيون في سورية يريدون الدخول في معركة كبيرة مع خصومهم الأمريكيين في أي وقت قريب.

واعتبر المسؤول الأمريكي الكبير أن “الجنرالات [الروس] المسؤولين في سورية هم في الغالب جنرالات أرسلوا من أوكرانيا بعد فشلهم في إحدى عمليات الدفع إلى كييف أو في دونباس”.

وعندما أعيد تكليفهم بأدوار قيادية كبيرة في سورية، قال المسؤول إن “لديهم شيء لإثباته”.

———————————

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى