الناس

عن أزمات اللاجئين السوريين -مقالات مختارة-

—————————

اللاجئون السوريون في الأردن… تهديدات بالطرد ووقف المساعدات/ يزن الشامي

على عكس لبنان، لم يقم الأردن بعمليات ترحيل صريحة للاجئين السوريين، إلا أنه عمد إلى طرد عشرات الآلاف خلال الأعوام الماضية بسبب جرائم مزعومة أو لعدم تسجيل أنفسهم بشكل رسمي لدى السلطات الأردنية، وهو أمر لا يختلف كثيراً عن الترحيل.

“يجب إعادة اللاجئين السوريين من الأردن غصباً”، هذا ملخص ما قاله الوزير الأردني السابق ممدوح العبادي خلال لقاء له على قناة “رؤيا”.  لم يخفِ العبادي خطاب الكراهية  تجاه اللاجئين السوريين، فقال: “الذي أدخل السوريين خرب بيت الأردن، ليش أجيب مليون و700 ألف سوري عندي هون أنا مشكلتي بالمياه. طوعية ليش طوعية بدو يرجع غصباً عنه”.

 زعم العبادي أن سوريا آمنة 100 بالمئة، ما عدا الشمال الشرقي والشمال الغربي”، ليس هذا وحسب بل أنكر موت أي سوري تحت يد النظام، فقال: “أنا ما شفت انقتل حدا من حماة لدرعا، والله يلي انقتلوا بالأردن أكثر، 99 بالمئة من السوريين لا يريدون العودة إلى سوريا، إذاً عندما تقول طوعية فأنت تكذب لأنه لن يرجع أحد”.

تقارب سوري – أردني ضد اللاجئين

خطاب العبادي هو خطاب تنامى في أوساط السلطة تجاه اللاجئين السوريين بعد تقارب النظامين السوري والأردني، ففي الأول من أيار/ مايو الماضي عُقِدَ اجتماع تشاوري حول سوريا في عمان بمشاركة وزراء خارجية كل من سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر، بُحثت خلاله سُبل عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وإعادة بسط النظام السوري سيطرته على جميع الأراضي.

يأتي ذلك وسط تنامي خيبة الأمل الأردنية من موقف السلطة السورية في ملفات عدة، ليس أولها اللاجئين وليس آخرها الكبتاغون. عادت الفجوة السورية – الأردنية للظهور مرة أخرى، رغم الآمال بعكس ذلك، بخاصة بعد دخول الأردن كوسيط لحل الأزمة السورية. لكن يبدو أن تطلع السلطة الأردنية الى تعاون النظام السوري سقط أمام حقيقة نظام الأسد، الذي لن يتوقف بطبيعة الحال عن جعل الأردن ممراً لكبتاغونه، وهو ما أثبته قصف الأردن منطقة سورية للمرة الثانية، والذي استهدف مزرعة في مدينة السويداء، تقع على طريق تهريب المخدرات بين البلدين، فيما يبدو إشارة إلى أن الأردن سيتخلى عن مساعدة النظام السوري في مكافحة تجارة المخدرات.

وقبل الاجتماع الذي صدر عنه “بيان عمّان”، وافق رئيس النظام السوري بشار الأسد على السماح لألف لاجئ سوري يعيشون في الأردن بما يسمى “العودة بأمان” إلى ديارهم، في تجربة لإعادة أعداد أكبر في المستقبل إلى سوريا. آنذاك، قال نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، آدم كوغل، إنّ “الخطاب الرسمي يتحرّك الآن نحو دعم عودتهم… إنّه أحد أسباب القلق الشديد”.

تحدث وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، منذ حضور الأسد القمّة السنوية الأولى لجامعة الدول العربية منذ 13 عاماً، عن آمال بلاده بعودة اللاجئين، كنتيجة حتمية لعودة الأسد إلى الحضن العربي. وفي حزيران/ يونيو الماضي بحث الصفدي مع مفوض الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، في عمان، ملف اللاجئين السوريين في الأردن. وقالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان، إن الصفدي بحث مع المسؤول الأممي موضوع تهيئة الظروف والبيئة اللازمة لعودة اللاجئين السوريين طوعاً إلى بلدهم، فيما قال الصفدي إن “مستقبلهم هو في بلدهم”.

ساهمت خطوة برنامج الأغذية العالمي في قطع المساعدات عن اللاجئين في الأردن، في ارتفاع خطاب الكراهية ضد اللاجئين، وهو خطاب تزايد مع ارتفاع معدّلات البطالة والتضخم، فصارت الحكومة تتحدّث بصراحة أكبر عن ضرورة عودة اللاجئين إلى وطنهم. وعلى عكس لبنان، لم يقم الأردن بعمليات ترحيل صريحة للاجئين السوريين، إلا أنه عمد إلى طرد عشرات الآلاف خلال الأعوام الماضية بسبب جرائم مزعومة أو لعدم تسجيل أنفسهم بشكل رسمي لدى السلطات الأردنية، وهو أمر لا يختلف كثيراً عن الترحيل.

لم يلقَ خطاب العبادي آذاناً صاغية بين الأردنيين، إذ ظهر رد فعل مستنكر لتصريحاته على مواقع التواصل الإجتماعي، ما يبدو تضارباً بين مخططات الحكومة والرغبة الحقيقية للأردنيين، والذي تثبته أصوات  أخرى وقفت إلى جانب السوريين.

لا يمكن إنكار أن اللاجئين السوريين يعيشون في دور الجوار( تركيا ولبنان والعراق) أياماً عصيبة، مع تصاعد الخطاب العنصري ضدهم ونقص التمويل والمساعدات الإنسانية. وحتى في الأردن أيضاً، لا يعيش اللاجئون في أفضل حال، بخاصة مع إعلان تخفيف ومن ثم قطع المساعدات الإنسانية. ففي 18 تموز/ يوليو الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة أن المزيد من التخفيضات في المساعدات الغذائية للاجئين في الأردن أصبح حتمياً بسبب نقص التمويل، إذ سيضطر البرنامج إلى تخفيض قيمة المساعدات الشهرية بمقدار الثلث لجميع اللاجئين السوريين في مخيمي الزعتري والأزرق، والبالغ عددهم 119 ألف لاجئ. وابتداء من شهر آب/ أغسطس، يحصل اللاجئون السوريون في مخيمات الزعتري على تحويل نقدي مخفّض قدره 21 دولاراً أميركياً أو ما يعادل 15 ديناراً أردنياً للفرد شهرياً، بعدمت كان المبلغ 32 دولاراً أميركياً أو ما يوازي 23 ديناراً أردنياً، مع أن اللاجئين هناك لا يمتلكون مصادر دخل أخرى ويعمل عدد قليل جداً في وظائف مؤقتة.

يمكن فهم مخاوف هذه الدول، حول اللاجئين، في ظل الأوضاع الاقتصادية والأمنية غير المستقرة في المنطقة، لكن المشكلة هي حين يرتكز الخطاب على اللاجئين كسبب وليس كنتيجة. ففي كلمة لوزير الداخلية الأردني مازن الفراية، قبل أيام، قال: “إن أولوية الحكومة الأردنية هي مواطنوها وليس اللاجئين، ونحن ملتزمون بتسهيل إجراءات العودة الطوعية كون الاندماج ليس خياراً، وإن الحقيقة الثابتة بأن موطن اللاجئ هو بلده الأصلي”. وفي قول الفراية ما يشبه الخطاب اللبناني، الذي يتجاهل الوضع السياسي في سوريا والسبب الرئيسي في كون اللاجئين أصبحوا لاجئين بالفعل.

ما زال ملايين السوريين بحاجة إلى مساعدة

في الأردن، مخيمان أساسيان للاجئين السوريين، يستضيف مخيم الزعتري، وهو أكبر مخيم، ما يقرب من الـ80 ألف لاجئ ويقع على بعد 10 كيلومترات شرق مدينة المفرق شمال الأردن، بينما يستضيف مخيم الأزرق 38 ألف لاجئ، ويقع شمال شرقي المملكة. يعيش 18 بالمائة فقط من اللاجئين في الأردن في مخيمات اللاجئين، ويعتمد 57 بالمئة من سكان المخيمات على المساعدات النقدية، والتي تعتبر دخلهم الوحيد، وتخفيضها سيشكل تحدياً حقيقياً لهم، بخاصة أن برنامج الأغذية العالمي ما زال يواجه نقصاً حادّاً في التمويل قدره 41 مليون دولار أميركي حتى نهاية عام 2023.

يُذكر أن معظم اللاجئين الذين تركوا سوريا وعبروا الحدود خلال الاثني عشر عاماً الماضية، أكثر من 5.5 مليون منهم يعيشون في الدول المجاورة لسوريا، في تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق، وهي دول تعاني من مشاكل أمنية واقتصادية في الأصل، وهي تحديات تزداد مع الوقت، ما يعني اضطرار اللاجئ الى التعامل مع مشاكل حملها من بلده ومشاكل البلد المضيف.

من جهة أخرى، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في 10 أيلول/ سبتمبر، عن تقديم ألمانيا منحة مالية تبلغ 10 ملايين يورو (10.8 مليون دولار أميركي) لتجنب قطع المساعدات الغذائية في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل عن اللاجئين السوريين في الأردن. وبحسب البيان، تعد ألمانيا ثاني أكبر جهة مانحة لبرنامج الأغذية العالمي على مستوى العالم، وواحدة من أكبر الجهات المانحة لبرنامج الأغذية العالمي في الأردن.

وبحسب رولا أمين، مسؤولة الإعلام والاتصال لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد السوريين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية يزداد كل عام، وقد وصل إلى 15.3 مليون سوري.

درج

———————————-

لا حلّ سياسيا ولا عودة للاجئين السوريين في المستقبل القريب/ عمر اونهون

لا يبدو أن ملايين السوريين الذين فروا من بيوتهم خلال الحرب الأهلية سيعودون إلى بلادهم قريبا. فوفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يبلغ عدد السوريين المهجرين في الخارج نحو 6.5 مليون نسمة، يعيش 77 في المئة منهم في الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن والعراق.

في تركيا، باتت مسألة الهجرة، أو من يطلق عليهم “الأجانب”، حساسة للغاية. ولا ينطبق هذا المصطلح على السوريين المقيمين تحت الحماية المؤقتة فحسب، بل على جميع المهاجرين غير الشرعيين، وبصفة رئيسة الأفغان والأفارقة.

ولكن السوريين يتصدرون المشهد كبند دائم في الأجندة السياسية الضيقة والمعقدة في تركيا لأنهم الأكثر عددا؛ إذ وفقا لإدارة الهجرة التركية، يبلغ عدد السوريين في تركيا 3.3 مليون نسمة، بالإضافة إلى السوريين غير المسجلين والذين لا يعرف عددهم.

ويشعر بعض الأتراك بالقلق من إمكانية تغيير السوريين للتركيبة الديموغرافية في بعض مناطق البلاد وإمكانية تسببهم مستقبلا في اضطرابات اجتماعية مشابهة لتلك التي نشهدها في باريس. كما أنهم يُجادلون بأن الحرب في سوريا انتهت ويجب على السوريين العودة إليها.

أما الآخرون الذين يتشاركون معهم في جوهر هذه المشاعر، فيتصرفون بشكل برغماتي بسبب اعتباراتهم الاقتصادية؛ إذ يشعر أصحاب الأعمال والمنتجون من مختلف المستويات ضمن هذه الفئة بالقلق من فقدان ميزة اقتصادية في حال غادر السوريون، وكذلك الأفغان، الذين يتقاضون أجورا أقل مقارنة بالأتراك وعادة ما يعملون لساعات أطول.

ولا يمكن القول بأن كل الموجودين في تركيا غير راضين عن وجود السوريين فيها؛ إذ تؤمن الفئات الآيديولوجية والمحافظة في المجتمع بأن للسوريين الحق في الوجود بتركيا باعتبارهم إخوة في الإسلام ومواطنين سابقين في “الدولة العلية”. وعلى الرغم من أن الرئيس أردوغان بسبب برغماتيته السياسية تجاهل الرأي العام الشعبي، فإنه في واقع الحال أقرب إلى هذه العقلية ذات الدوافع الدينية والتاريخية.

وكانت حقوق تصويت الأجانب محل جدل خلال الانتخابات السابقة في مايو/أيار ويونيو/حزيران؛ إذ تساءل كثير من الأتراك، خاصة أولئك الذين يعارضون الحكومة، بصوت عال عن سبب منح الأجانب الذين يشترون العقارات ولا يقضون سوى فترات قصيرة في تركيا ولا يجيدون حتى اللغة التركية الحق في التصويت في الانتخابات؟ ولماذا يجب أن يكون للسوريين والمصريين وغيرهم الذين حصلوا على الجنسية التركية بطرق يشكك فيها كثير من الناس، دور في مستقبل هذا البلد؟

وقبيل الانتخابات، قلل وزير الداخلية السابق من شأن هذه المخاوف معتبرا أن عدد السوريين الذين مُنحوا الجنسية بلغ 230,998 وأن 130,914 فقط منهم بلغوا سن الاقتراع. وجادل بأن الأعداد صغيرة جدا ولن يكون لها أي تأثير على نتائج الانتخابات. ولكن من يمكن أن يؤكد صحة أرقامه؟

علاوة على ذلك، في ظل نظام انتخابي يفوز فيه من يحصل على 50 في المئة زائد واحد، فإن صوتا انتخابيا واحدا يمكن أن يشكل فرقا. وبالتالي، لم تقلل حجج الوزير من المخاوف.

ولا يمكن تحديد عدد السوريين الذين عادوا إلى سوريا من تركيا؛ فحتى أكثر السياسيين والمسؤولين الحكوميين تأثيرا يتناقضون مع بعضهم بعضا عندما يتعلق الأمر بالأرقام؛ إذ يتفاوت عدد العائدين الذين يُعلن عنهم من نصف مليون إلى مليون شخص. ويرجع هذا جزئيا إلى الممارسة العالمية الراسخة المتمثلة في تلاعب السياسيين بالإحصائيات على النحو الذي يرونه مناسبا.

واستنادا إلى البيانات الرسمية لإدارة الهجرة التركية، وبعد اقتطاع عدد السوريين الحالي من عددهم الأكبر الذي بلغ 3.7 مليون نسمة عام 2021، يُقدّر عدد السوريين العائدين بحوالي 400 ألف شخص.

والسؤال هنا: هل سيعود السوريون حقا بأعداد كبيرة بشكل طوعي؟

قال أردوغان إن المشاريع التي تتضمن وحدات سكنية صغيرة شمالي سوريا ستشجع المزيد من اللاجئين على العودة. كما أكد في مناسبة أخرى أن العودة الطوعية والآمنة والكريمة ستتسرع إذا استقرت سوريا.

وفي مقابلته قبل بضعة أيام، تحدث الأسد أيضا عن هذه المسألة؛ إذ قال إنه خلال السنوات الماضية، عاد نحو نصف مليون لاجئ إلى سوريا، إلا أن العودة توقفت الآن. وجادل الأسد بأن ذلك لم يكن بسبب اعتقال العائدين، لأن ذلك لم يحدث فعليا، ولكنه بسبب ظروف الحياة. وتساءل أيضا كيف يمكن للاجئ أن يعود دون وجود لأساسيات الحياة مثل المياه والكهرباء والتعليم والعلاج الطبي.

وتعتبر تصريحات الأسد حول نقص الاحتياجات الأساسية التي تحول دون عودة السوريين صحيحة بالتأكيد، ولكنها ليست السبب الوحيد. فما لم يقله الأسد هو أن كثيرا من السوريين لن يعودوا أبدا لأنه موجود في السلطة.

ومن ناحية أخرى، فإن تصريحاته حول عدم احتجاز أي عائد ليست دقيقة تماما؛ إذ أفاد عدد من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والسوريين عن احتجاز عدد من السوريين الذين عادوا إلى سوريا أو تعرضوا لمصير أسوأ. كما يعتبر التجنيد الإجباري عاملا آخر يساهم في تشجيع السوريين على عدم العودة.

هناك 13.5 مليون سوري مهجر، يعيش نصفهم تقريبا خارج البلاد، أما البقية فهم نازحون داخليا. ويبدو أن الأسد يرحب بالعائدين، ولكن لماذا عليه أن يكون مستعدا لقبول عودة أولئك الأشخاص، خاصة أن الكثير منهم يعارضونه؟ ولماذا عليه أن يرغب في إعادة أفواه إضافية إلى مناطق سيطرته ويعمل على تأمين الغذاء لها في بيئة اقتصادية مرهقة أساسا؟

وتجدر الإشارة إلى أنه وبينما هناك محاولات لإيجاد سبل لعودة السوريين إلى بلادهم، فإن خطر حدوث موجة لجوء جديدة من إدلب وشمال سوريا، حيث يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص، يشكل كابوسا لصانعي السياسات والسياسيين في تركيا.

وتحتاج الحكومة التركية إلى الاستجابة للاحتجاجات العامة وإظهار أنها تسير في الطريق الصحيح للتعامل مع مخاوف الناس. وتساهم الانتخابات المحلية الهامة المقبلة في الضغط على الحكومة لإظهار أنها تستجيب لهذه المخاوف بطريقة ما. وفي هذا السياق، قامت الحكومة التركية مؤخرا بترحيل السوريين والأفغان الذين لا يملكون وثائق صحيحة. كما تقوم أيضا بإعادة السوريين المتورطين في جرائم فورا إلى سوريا.

ويعتبر هذا الأمر مجرد إجراءات تخفيفية، إلا أن حل قضية عودة السوريين بشكل كامل يكمن لدى مصدرها، أي سوريا. فإيجاد حل سياسي والبدء في عملية الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي للبلاد من شأنه أن يشجع بشكل جدي على عودة اللاجئين.

ولكن، لا يبدو أن هناك إمكانية لإيجاد حل سياسي حقيقي ودائم، على الأقل في هذه المرحلة، لأن الأسد ليس في مزاج لذلك، ولأنه من المرجح أن يعيق تنافس القوى والمنافسات بين إيران والولايات المتحدة وتركيا وروسيا وغيرهم أي جهد لإيجاد الحل.

كذلك، فإن المجتمع الدولي المعني ليس مستعدا حقا للضغط من أجل إيجاد حل معقول في سوريا، حيث إن لديه كثيرا من المشكلات الأخرى للتعامل معها، مثل الحرب في أوكرانيا.

المجلة

————————————

ادعاءات حول عودة اللاجئين!/ فايز سارة

لا خلاف حول أهمية قضية اللاجئين السوريين التي تشغل بصورة طبيعية اهتمامات واسعة في المستويات السورية والإقليمية والدولية. وتعبر أطراف في المستويات المختلفة عن اهتمامها في مواقفها وآرائها حول القضية، ولا تفوت غالبيتها فرصة حديث يتصل بالقضية السورية، دون إشارة إلى موضوع اللاجئين وعودتهم إلى سوريا.

أهمية القضية مستمدة من معطيات وتفاصيل تتصل وتحيط بها، لعل الأبرز فيها أنها تتعلق بنحو 13 مليون نسمة، يشكلون أكثر من نصف سكان سوريا، موزعين في عشرات من بلدان العالم، يشكلون الرقم الأكبر في ظاهرة الهجرة العالمية، ما يعني أنها التعبير الأبرز عن مشكلة سياسية وإنسانية عالمية، تتصل بمجموعة بشرية كبيرة من مواطني كيان سياسي صغير، وتترك أثرها على عدد من البلدان، وتشغل حيزاً من اهتمامات السياسة الدولية.

العامل الثاني، أن لجوء السوريين متواصل وانتشارهم في العالم مستمر؛ لأن العوامل الطاردة ما زالت حاضرة، وتزداد قسوتها مع مرور الأيام. وكما تثبت الوقائع، فإن كل الظروف والقيود المفروضة على حركة السوريين، لا تمنع تسربهم إلى بيئات حماية وإلى بلدان أقل خطراً وقسوة من الواقع السوري. وحسب كثير من التقديرات، فإن فتح حدود سوريا مع دول الجوار، سيدفع أغلب الباقين من سكانها لمغادرتها.

العامل الثالث، يمثله الامتداد الزمني لمسار اللجوء المتواصل منذ 13 عاماً، لا تتبين له نهاية عملية قريبة. بل إن طول المسار يخلق عوامل تمنع فئات أكثر من اللاجئين إلى عدم العودة إلى بلدهم لاحقاً، في ظل ما جرى ويجري من تغييرات حولهم، وما يتصل بهم وببلدهم من ناحية ثانية.

العامل الرابع، يكرسه واقع أن عدداً من بلدان اللجوء، وبفعل ظروف مختلفة، تحولت قضية اللاجئين فيها إلى ورقة في السياسات المحلية، وعامل في صراع الجماعات السياسية، وفي بعض الحالات جرى استخدام أزمات بنيوية؛ لا سيما الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك محدودية الموارد والقدرات، كعوامل تأثير واستغلال في قضية اللاجئين.

وثمة عوامل أخرى يمكن الإشارة إليها في سياق ما يجعل قضية اللاجئين موضع اهتمام أطراف كثيرة حول العالم، تدفع كل واحد من بلدانه أو مجموعة منها إلى تناول القضية من زاوية المصالح والاحتياجات السياسية.

وإذا كان لا بد من إشارة سريعة إلى أكثر النقاط أهمية في القضية، فإن الأهم كونها تعبيراً عن الانقسام السوري؛ حيث أغلبية السوريين تطالب، وتسعى، لعودة اللاجئين غير المشروطة إلى بلدهم وممتلكاتهم، وإنهاء معاناتهم وتشردهم، باعتبارها حقوق أساسية من حقوقهم، وأنها لا بد من أن تتم في سياق حل شامل للقضية، بينما يعارض نظامهم عودة اللاجئين باعتبارها واحدة من أوراق الضغط لتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي، ويستخدم حجة عدم توفر الإمكانات لعودتهم بوابة للحصول على مساعدات ينهبها، كما حصل في مساعدات كارثة زلزال 2023.

وسط انقسام الأطراف بين دعاة ومؤيدين لعودة اللاجئين وآخرين يعارضونها، يطرح كل طرف من الأطراف مسوغات ومبررات موقفه، غير أنه عبر تنوع الآراء والمواقف، يتم دس بعض ادعاءات تصل إلى حد التضليل، وتتجاوزه إلى الكذب الصريح، في قضية اللاجئين. والهدف الرئيس لهذه الادعاءات تغطية مواقف بعض الدول لخدمة أهداف سياسية، لا تتصل أصلاً بقضية عودة اللاجئين.

أول الادعاءات وأهمها، قول إن الظروف باتت آمنة في سوريا، وهو ادعاء شائع في عدد من الدول الأوروبية، أعلنته الدنمارك قبل سنوات، وباتت تتبناه وتعمل على خطاه دول بينها السويد التي كانت بين أكثر الدول إيجابية في التعامل مع اللاجئين، وقد كررت الأمم المتحدة نفي هذا الادعاء؛ بل إن وقائع الحياة اليومية في المناطق السورية تكذبه؛ حيث ما زالت عمليات الاعتقال والخطف وعمليات التفجير والقتل والموت تحت التعذيب في المعتقلات تتواصل، وثمة توثيق تقوم به منظمات حقوقية سورية وأجنبية، لما يحصل من انتهاكات في سوريا.

ويمثل شعار العودة الآمنة والطوعية، ثاني أسوأ الادعاءات حول عودة اللاجئين. وأساس السوء فيه أنه مطروح في أكبر تجمعين للاجئين، أولهما في تركيا التي فيها نحو 3 ملايين ونصف مليون سوري، والثاني في لبنان وفيه أكثر من مليون سوري، بينما ترفع جهات لبنانية العدد إلى أكثر من مليوني سوري.

وللحق، فإن الجهات الرسمية في تركيا وفي لبنان، تبنت الشعار تحت ضغط فئات سياسية محلية، ترتبط بالنظام في سوريا، ودفعت السلطات في البلدين أجهزة أمنية وعسكرية للقيام بعمليات ترحيل إجبارية تصاعدت في السنوات الأخيرة، فقام الجيش وجهاز الأمن اللبنانيان بتسليم عشرات آلاف اللاجئين لسوريا، وقام الأمن التركي بترحيل مئات آلاف السوريين، بعد إجبارهم على توقيع موافقة على ترحيلهم إلى منطقة شمال غربي سوريا التي تديرها جهات متعاونة مع تركيا.

وبخلاف ما سبق، فقد عملت روسيا في سنوات مضت على ادعاء أن عودة اللاجئين إلى سوريا سوف تشكل مرحلة بداية مهمة في تسوية القضية السورية، وشجعت عبر علاقاتها مع دول الجوار السوري على ترحيل المقيمين فيها، مما شجع هذه الدول على ترحيل سوريين لأي سبب كان.

إن القاسم المشترك في الادعاءات المتصلة بعودة اللاجئين، هو تهرب الدول المعنية من مسؤولياتها والتزاماتها السياسية والإنسانية، وسط مساعي خلق «مبررات» لسياستها، وتحميل الضحايا نتائج سياسات من أوصلهم إلى كارثة اللجوء، بدل السعي إلى حل يوقف استمرار وتواصل المأساة، حل يعيد اللاجئين إلى بلادهم وبيوتهم وممتلكاتهم كما يفترض!

الشرق الأوسط

——————————–

حكومات العالم تتكاتف ضد المهاجرين غير الشرعيين/ يزن الشامي

مع انعدام الجهود لحل أسباب الأزمات التي دفعت الى الهجرة واللجوء، هناك أشبه بتعاون حكومي للتضييق أكثر على المهاجرين غير الشرعيين بدلاً من حل أسباب هروبهم.

الهجرة غير الشرعية ليست خياراً يتّخذه الإنسان بإرادته. فاللاجئون من حول العالم هم ضحايا عسف السياسة وديكتاتورية الأنظمة والأزمات الاقتصادية وحتى المناخية، رغم ذلك يتم التعامل معهم كمسؤولين عن وضعهم الإنساني، ويوصمون ويعامَلون بكراهية وازدراء في كثير من بلدان اللجوء.

مع تصاعد أسباب الفرار من الأوطان المأزومة، يُفرض المزيد من القيود على الهجرة غير الشرعية، إذ لا يتحمل المهاجرون مخاطر الهجرة غير الشرعية وحسب، بل  يواجهون قرارات الحكومات حول العالم التي تزيد من صعوبة وصولهم إلى مناطق آمنة، ما يعرّضهم لمزيد من الأخطار.

كان سبق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هدّد بإلقاء المهاجرين غير الشرعيين على أعتاب تركيا، في سياق محاولاته الالتحاق بالاتحاد الأوروبي والضغط عبر ورقة الهجرة غير الشرعية. ومنذ أيام، كرر زعيم “حزب الله” حسن نصرالله أمراً شبيهاً، إذ لوّح بإرسال سفن لاجئين سوريين الى أوروبا كوسيلة ضغط، معتبراً أن “الدول الأوروبية ستأتي خاضعة الى بيروت وتقول ماذا تريدون…”.

من المعلوم أن لبنان بات نقطة لانطلاق المهاجرين غير الشرعيين نحو قبرص، ومنها باتجاه دول أوروبا. وفي سياق خطة محاربة قبرص المهاجرين غير الشرعيين، كشفت صحيفة philenews القبرصية عن رسالة وجهها وزير الداخلية اليوناني، كونستانتينوس أيوانو، الى نظيره اللبناني، بسام مولوي، يقترح فيها اتخاذ إجراءات عملية للحد من تدفق المهاجرين الذين يغادرون من شواطئ لبنان. ومن بين الإجراءات المقترحة،  توفير زوارق سريعة وتدريبٍ للضباط اللبنانيين. تبدو الرسالة أشبه باتخاذ مسار أكثر قسوة تجاه المهاجرين الذي يختارون لبنان لبدء رحلتهم، قسوة باتت تنتهجها كلّ حكومات الدول التي يمر بها هؤلاء ويذهبون إليها. كذلك، تتوجه ألمانيا الى فرض ضوابط أكثر صرامة لدخول المهاجرين غير الشرعيين بالتعاون مع تشيكيا وبولندا. تشكل هذه التحركات التي تنحوها غالبية الدول التي تستقبل اللاجئين، إلى تغيير سيزيد من معاناة الآلاف حول العالم، المنتظرين في دول العبور وعلى حدود بلاد اللجوء.

مع انعدام الجهود لحل أسباب الأزمات التي دفعت الى الهجرة واللجوء، هناك أشبه بتعاون حكومي للتضييق أكثر على المهاجرين غير الشرعيين بدلاً من حل أسباب هروبهم.

  يبدو أن الإجراءات التي اقترحها الجانب القبرصي، هي عرض مستميت لتقديم كل الوسائل الممكنة للبنان للحد من تدفق اللاجئين، إذ عرض الوزير القبرصي التبرع بستة قوارب سريعة تم شراؤها مسبقاً، منها اثنان بطول 12 متراً وبسرعة 12 عقدة، ومن المتوقع تسليمها في نهاية عام 2023، وأربعة قوارب بسرعة 30 عقدة، يُتوقع تسليمها بحلول نهاية عام 2024، بالإضافة إلى تدريب ثمانية أفراد من الجيش اللبناني في مجالات مراقبة وعمليات الإنقاذ، وستغطي قبرص جميع التكاليف.

الاستماتة القبرصية في صد الهجرة غير الشرعية تتجلى بوضوح في الإجراءات المقترحة التي تتضمن تقديم دعم فني من خبراء قبارصة في المسائل البحرية، مثل إصلاح وتجهيز المحركات على القوارب اللبنانية المستخدمة للإتجار بالبشر. ويمكن تنفيذ هذه الخدمات إما من خلال زيارة وفد قبرصي أو إرسال بعثة لبنانية للإقامة في قبرص. كما أبدت الأخيرة رغبتها في دفع أجور 10 أفراد من القوات المسلحة اللبنانية، يساهمون بنشاط في اعترض القوارب التي تنقل المهاجرين غير الشرعيين إلى قبرص.

الهجرة غير الشرعية ليست خياراً يتّخذه الإنسان بإرادته. فاللاجئون من حول العالم هم ضحايا عسف السياسة وديكتاتورية الأنظمة والأزمات الاقتصادية وحتى المناخية.

ألمانيا على طريق فرض ضوابط على حدودها

لم يظهر الى الآن الرد اللبناني على هذه المقترحات، فالبلد الصغير الذي يعاني أصلاً من مشاكل اقتصادية وفراغ سياسي، ليس مستعداً لازدياد أعداد المهاجرين الذين سيفشلون في المغادرة في ما لو نجحت خطة قبرص، وسط توجهٍ حكومي الى تصعيد التضييق وترحيل اللاجئين، ما يعني تعرض المزيد من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين لخطر الترحيل إلى سوريا، البلد غير الآمن لا سياسياً ولا اقتصادياً، وهو الأمر الذي تتجاهله قيادات دول مثل لبنان وتركيا.

في هذا السياق، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، يوم 27 أيلول/ سبتمبر، أن بلادها ستفرض ضوابط جديدة هذا الأسبوع على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك، بعد ارتفاع طلبات اللجوء. وستركز الإجراءات الجديدة على مهربي البشر الذين سهلوا مرور ربع المهاجرين الذين يدخلون ألمانيا. ويبدو أن إعلان فيزر موجه إلى مهربي البشر، لكن الواقع يقول إن هذه التحركات ستؤثر بشكل أساسي على المهاجرين وفرص دخولهم إلى بلاد اللجوء. وفيما يكمن الحل الأفضل في إيجاد حلول للأزمات العالمية والتركيز أكثر على إحلال السلام حول العالم، يبدو أن بعض الدول تتوجّه الى حماية نفسها والتركيز على طرق تخفف أعباء اللاجئين عنها، بغض النظر عن النتائج الإنسانية الكارثية على الفئات الأكثر ضعفاً.

في ألمانيا التي تستقبل أكبر عدد لاجئين سوريين في العالم، أظهرت بيانات الشرطة الألمانية في شهر آب/ أغسطس، أن عدد المعابر الحدودية غير القانونية المسجلة في ألمانيا وصلت إلى 14701 بزيادة 66 في المئة عن الشهر نفسه من العام الماضي.

لن ينتهي اللجوء حتى تختفي أسبابه

لا يمكن إنكار أن جميع الأطراف متعبة، لكن العبء الأكبر اليوم هو على اللاجئين، إذ تلقي أزمة اللجوء بثقلها على دول مثل تركيا التي تستقبل أكبر عدد لاجئين في العالم، ولبنان الذي يحتل المركز الأول كأكبر نسبة لاجئين مقابل الفرد الواحد. لكن لن يتوقع، في القريب، تغير في أعداد اللاجئين مع اندلاع المزيد من الحروب في السودان وأذربيجان، وزيادة تقييد الحريات في دول مثل إيران، بالإضافة إلى التغيير المناخي الذي يزيد من الجوع والعطش حول العالم ويتسبب بكوارث تدفع الناس إلى البحث عن بلدان جديدة للعيش.

تأتي هذه الخطوات بينما يتجه العالم الى مزيد من موجات اللجوء، وسط الانهيار الذي يعصف بدول العالم الثالث المشتعل بالحروب والمجاعات والأزمات، من دون أن ننسى أن التغير المناخي ساهم كذلك في موجات اللجوء، إذ ارتفعت طلبات اللجوء إلى ألمانيا للمرة الأولى بنسبة 78 في المئة في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، وجاء أكثر من ثلثي اللاجئين (69 بالمائة) من خمسة بلدان فقط، وهي: سوريا (6.8 مليون)، فنزويلا (4.6 مليون)، أفغانستان (2.7 مليون)، جنوب السودان (2.4 مليون) وميانمار (1.2 مليون). وفي نهاية عام 2022، كان عدد النازحين قسراً حول العالم 108.4 مليون شخص، وشكّل عدد طالبي اللجوء في عام 2022 رقماً قياسياً، بحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، بارتفاع نسبته 23 بالمئة مقارنة مع العام 2021.

لن تنتهي أزمة اللجوء في العالم بالقريب العاجل، فالواضح أن العالم يتّجه إلى مزيد من التعقيدات المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، في ظل غياب نية عالمية حقيقية لإحلال السلام، الذي يعدّ الحل الأول للحدّ من الهجرة غير الشرعية.

————————————

بعد حرب سوريا… الأزمة الاقتصادية تخلق موجة هجرات جديدة/ نوار جبور

حملة الشهادات وأفق المستقبل المغلق

دمشق: ترتفع في سوريا الأصوات المعبّرة عن السخط من الظروف المعيشية المتردّية، ولاسيما في أوساط الشباب. فالتحدّيات الاقتصادية في سوريا، تتجاوز المستوى الطبيعي أو الموضوعي. والقرارات الحكومية الأخيرة التي رفعت مستوى الأجور، تلتها قرارات رفع الدعم عن قطاع المحروقات، مما جعل الزيادة في الرواتب الأخيرة مدار جدال وأزمة كبيرين، بعدما فقد السوريون الأمل في تحسّن الأوضاع، خاصة بعد الانتظار الطويل للقرارات الحكومية، في ظلّ الانهيار الشديد لليرة السورية.

تشير الأرقام الحكومية إلى أن البطالة تصل إلى حدود 20 في المئة من السكان، لكن أغلب الدراسات الاقتصادية ترى أن الرقم الحقيقي يتجاوز الخمسين في المئة، خاصة مع تدنّي مستوى الأجور في القطاعين الرسمي والخاص. فالمعدل الشهري لراتب الموظف درجة أولى لا يتجاوز 12دولارا، أما أجور القطاع الخاص المنهار تقريبا، فلا تتجاوز 20 دولارا. أي أن شكل البطالة يلتبس أنواع الأعمال وأتعابها، ويشعر أي موظف حكومي أو في القطاع الخاص بأنه يعيش بطالة يضاف إليها العجز عن فعل شيء، إذ أن الأجر لا يؤسّس سبل عيش آمنة أو معقولة.

يحتلّ الشباب صدارة الاهتمام في خضم هذه الأزمة، خاصة مع ظهور طبقة منهم محتجّة ومتفاعلة تبحث عن دور في ظلّ انسداد الأفق السياسي والاجتماعي. فيندفع الشباب إلى محاولة توحيد التعبيرات المطلبية، عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتحسين الأوضاع، خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين لم يستطيعوا الحصول على فرصة للهجرة إلى دول الخليج العربي أو أوروبا.

ضمن الخط الاعتيادي للحياة الاجتماعية للأُسر السورية، تدور حياة العائلة نحو دفع الشباب إلى التحصيل العلمي، وتندرج أهمية الشهادة الجامعية بوصفها إطارا لتأمين الحياة الاقتصادية والاجتماعية اللائقة. خلال الربع الأول من الألفية الجديدة، كانت الشهادة الجامعية ذات معيار اجتماعي أولا واقتصادي ثانيا. حيث تظهر أبعاد اجتماعية وقيمية للشهادة الجامعية في سوريا، وتركز العائلات السورية على المعنى المضاف لبعض الشهادات كالطب والصيدلة وفروع الهندسة المختلفة.

منذ ثمانينات القرن الماضي، حتى أحداث عام 2011، كان الاهتمام بالوصول إلى الفروع العليا مدار جدال لدى العائلات السورية، فالشهادة الثانوية تشكل عبئا مضافا ومصيريا في حياة كل عائلة. وأنشأ الصراع على الوصول إلى الكليات العليا اقتصادا موازيا للحركة التعليمية الرسمية في ما يُسمى بالتعليم الخاص، أي الجامعات التي لا تتشدّد مثل الجامعات الحكومية في تسجيل الطلاب وفقا للعلامات التي حصلوا عليها. فتخطّي الفتيان والفتيات الشهادة الثانوية بمعدّلات مرتفعة، هو أمل ومهمة شاقة مشتركة بين الطلاب وأهلهم، لا سيما أن بلوغ المرحلة الجامعية يؤمّن وصولا إلى سوق العمل. وقد لجأت الطبقتان الثرية والمتوسطة إلى التعليم الخاص، عند فشل الطلاب في تحقيق العلامات المؤهلة لكليات الطب والهندسة. وافتتحت الجامعات والكليات الخاصة فروعا مختلفة، منها الحقوق والصحافة والإعلام وغيرها من الفروع الموازية والمختلفة عن فروع الجامعات الرسمية، تواؤما مع الاندفاع الاجتماعي لتحصيل الشهادات.

انهيار المنظومة التعليمية

 إلا أن تحولا طارئا حدث منذ 2011، مع انهيار المنظومة التعليمية، وانكشاف عدم جودتها في أن تكون رافدة لسوق العمل، وانهيار الاقتصاد جراء عبثية الحرب، وضربها البنى التحتية والاجتماعية للبلاد، وصولا إلى القرارات الأخيرة القاضية بإلزام طلبة سوريا فتح حساب بنكي لاستيفاء الرسوم الجامعية، التي تتزايد في السنوات الثلاث الأخيرة بوتيرة لا تتناسب مع الدخل أو حال الطالب السوري المعيشي، وكان ذلك وفقا للقرار رقم 1109 الصادر عن وزارة التعليم العالي في يوليو/تموز الماضي. واعتبر كثر هذه القرارات كيدية، إذ صدرت بالتوازي مع احتجاجات عامة وشبابية مطالبة بتخفيف النفقات.

إلا أن الشهادة العليا لم تعد في حدّ ذاتها كفيلة بتأمين عمل للطالب الجامعي، وأصبحت الحسابات الاجتماعية والاقتصادية تأخذ طابعا مختلفا. خلال العقد الأخير أصبح سوق العمل محدودا للغاية، فآلاف الطلاب من المتخرجين لا يجدون فرصة عمل مناسبة لهم أو لخبراتهم. فتضيع الخبرات في سوق غير منظم وغير متطور، وينهار معنى الخيار الجامعي أو المهني للاحتراف الاكاديمي.  

لا يجد طلاب الصيدلة، على سبيل المثل، عملا في اختصاصهم لانحسار عمل الشركات الدوائية، وتقلّص مجالات العمل بسبب الحرب. فبات مستحيلا توفير مكان لفتح صيدلية. أما طلاب الطب، بعد مرحلة الجامعة التي تمتدّ لست سنين، فيحتاجون إلى التخصّص لكي يمارسوا المهنة ويتمكنوا من الحصول على رواتب مجزية نتيجة عملهم وتطوير خبراتهم الاختصاصية داخل المستشفيات. الرواتب في الطب العام لا تزيد على 30 دولارا، وتمتدّ مرحلة الاختصاص إلى ست سنين أخرى، مما يجعل حياة الطبيب دون أي مردود مادي يؤمن الحدّ الأدنى من العيش لمدة 12 عاما.

أما فروع الهندسة بمختلف أنواعها، فلا تؤمن للمتخرجين، هي الأخرى، سبل العيش، فالبلاد تكتظ بالمهندسين الذين لا يجدون عملا يتناسب مع خبراتهم.

في المقابل، هناك شهادات لم تعد توفر فرص العمل، لا سيما بعد إغراق السوق بها، خاصة دراسات العلوم اﻹنسانية من علم اجتماع وعلم نفس، فضلا عن الحقوق والآداب.

المفارقة السورية

للإضاءة أكثر على المسألة، توجّهنا إلى الدكتورة هناء جابر المتخصّصة بشؤون الشرق الأوسط، التي أجرت بحثا استقصائيا مطولا في الثمانينات عن هجرات العمل في منطقة شرق آسيا، تناولت فيها آثار غرق المجتمعات بالشهادات الجامعية.

تشدّد جابر أن سوق العمل يعتمد على مبدأ العرض والطلب و”المفارقة في سوريا تكمن في تزامن وفرة الشهادات والمتخرجين مع ثلاثة أمور: أولا تدنّي صدقية الشهادات – العلمية منها بالتحديد- بحكم المأساة التي يعيشها المجتمع السوري منذ أكثر من عقد، ثانيا انعدام فرص العمل في غياب أفق إعادة الإعمار، وأخيرا انسداد أفق الهجرة بحثا عن سبل العيش. وهذا ينعكس حكما على القيمة العملية أو الرمزية للشهادة: العملية في الاقتصاد (مردود مالي)، الرمزية في المجتمع (الصورة الاجتماعية المرتبطة بالمهنة). إنما على أية حال تبقى للشهادة قيمة على صعيد الفرد، إذ تشير إلى رغبة الفرد في الحصول على المعرفة وعلى الاعتراف المجتمعي بالجهد المبذول في هذا الصدد”.

فقدت العملية التعليمية وأعداد المتخرجين غايتها أو أهميتها في سوريا، كما ترى جابر، حيث تلجأ الحكومة السورية للمباهاة بأعداد المتخرجين من الشهادات العليا، دون التفات إلى وضع السياق التعليمي المحترف داخل سوق العمل. الأمثلة قد تكون مكررة، الفاقة والانهيار الاقتصادي يغيران قيم المجتمع وخبرات الأسر وقيمها.

لم تعد العائلات السورية تجتهد من أجل حصول أبنائها على الشهادات العليا، لأن الحصول على الشهادة الجامعية في حدّ ذاتها يتطلّب وقتا طويلا، وبالتالي يتأخّر دخول الشباب إلى سوق العمل، مما يجعل فرصة الدراسة المنهجية وتكوين الخبرات في أزمة أمام السياق الاجتماعي والاقتصادي. ولا تزال بعض العائلات تعول على القيمة المعنوية للشهادة الجامعية، إلا أن حجم البطالة الهائل وانحسار قيمة اﻷجور، جعل الشهادة الجامعية والدراسة دون أهمية تذكر في سياق الحياة اليومية السورية.

سبل النجاة

قبل هذا شهدت البلاد إحدى أكبر موجات هروب الخبرات منها، خلال اﻷعوام اﻷولى من الأزمة السورية هاجرت أعداد هائلة من الشباب إلى دول الجوار أو الدول اﻷوروبية، ونجح الكثير منها في الحصول على معايرة جيدة لخبراته العلمية والمهنية، والوظائف التي حصل عليها هؤلاء ترتبط بمعيار الاستحقاق العلمي الذي تحصلوا عليه، لكن امتداد عمر اﻷزمة السورية جعل قضية الهجرة الشابة أشبه بالنزيف الدائم. وانهارت الخبرات السورية في معايير السوق، فلم تعد أي سوق مجاورة عربية قابلة لاستيعاب الأعداد الهائلة من السوريين، فتضرّرت فئة الشباب تماما، ولم تعد الخبرات المكتسبة عبر الدراسة الجامعية مطلبا لها لتأمين سبل الحياة.

في دول الخليج، التي استوعبت أعدادا كبرى من السوريين، لم تعد الشهادة العلمية مطلبا للفرد بحد ذاته ليقدم على وظيفة، بل أصبح يكتفي بالخروج من سوريا ومزوالة أي عمل قد يكون مناسبا لبناء حياة مهنية.

هذه الخبرات تغير منطلقاتها، بل تكيف نفسها مع نطاق أي عمل يمكن الحصول عليه في الخليج. يمكن رصد مئات المهندسين يعملون في مهن مختلفة وأدنى من خبراتهم وجهدهم المعرفي، لكسب قوت العيش وإعالة عائلاتهم، وتحول الخبرة وجهتها نحو متطلبات سوق استهلاكية مختلفة، فمعايير العمل ومتطلباته تجعل الشاب السوري يتنازل عن كل خبراته من أجل العمل.وفي العودة إلى الدكتورة هناء جابر سألناها : ما مصير الخبرات السورية التي تعلمت منهجيا وذهبت إلى الخارج لتعمل؟ في المنظور العربي هل سيكون لخبراتهم دور لاحق؟

تجيب: “الشهادات هي بطبيعة الحال رصيد مهم جدّا في رأسمال الفرد المهاجر، على المدى القصير والمتوسط. توظيف هذا الرصيد يرتبط بالعرض والطلب في سوق العمل في بلد الوصول، كما يرتبط بقوانين العمل والهجرة في ذلك البلد. وهنا تختلف السيناريوهات وفقا لبلد الاستقبال. في بلدان الخليج، حيث الهجرة موقتة ومرتبطة حكما بسوق، يكيِّف الفرد كفاءاته مع هذين المعيارين الأساسيين. أما في بلدان أوروبا وأميركا الشمالية وأوستراليا، حيث يتوفر إمكان الإدماج على المدى المتوسط، ففي إمكان الفرد أن يبلور استراتيجيا تتماشى مع طموحاته. إنما في كلتا الحالين، هناك مرحلة متراوحة المدّة – غالبا ما تصبح مستدامة في حالات الهجرة إلى دول الخليج- يشغل فيها عدد كبير من المهاجرين السوريين وظائف ومهنا دون مستوى كفاءاتهم. كأن يعمل الطبيب ممرضا أو المهندس فنيّا في مشروع ما، إلخ.

هجرات

هذه الحالة ليست طارئة على سوق العمل. وقد رصدها منذ منتصف التسعينات تحت مسمّى  Deskilling Process ماركو دو غوزمان، وهو باحث في علم الاجتماع، صبّ اهتمامه على دراسة الاقتصاد السياسي للهجرات الفيلبينية في دول الخليج منذ السبعينات. هو مسار ينطبق على معظم جماعات المهاجرين حين تضيق بهم سبل العيش وتصعب العودة إلى البلد الأم. انظر إلى الهجرات السودانية أو المصرية إلى المشرق: كثير منهم من حملة الكفاءات التقنية لكنهم يعملون في حراسة البنايات والخدمة المنزلية.

أي أن من امتلك من السوريين مالا لمحاولة الوصول بطرق غير شرعية الى أوروبا، أو من حاول الحصول على فرصة لإكمال تعليمه في أوروبا، قد نجا. الوجهة الحقيقة التي تغيرت هي الشعور بالإخفاق العلمي والشخصي لدى كل شاب سوري لم ينضم الى قائمة الناجين للعمل بخبراتهم التي اكتسبوها عبر شهاداتهم.

تضيف جابر: “يستطيع أي شخص تأمّل نطاق شهادات وخبرات ضحايا سفن البحر في السنتين الأخيرتين، ويتفاجأ بالكم الكبير للمتخرجين الجامعيين من السوريين، أو حتى تتبع خطوات المتخرجين وأعمالهم في دول الجوار، فلم تعد الشهادة الجامعية تحصيلا مرافقا للشخص، بل دلالة لإخفاق اجتماعي وفردي في آنٍ معا، فالنازع نحو التعليم بدأ يأخذ أشكالا ساخرة، فالمتعلمون هم الفقراء والفاشلون، وأصحاب المهن والتجار هم الناجحون”.

أدّى العوز والفقر والفساد القيمي والأخلاقي إلى تفكيك ثقافة التعليم، التي حرص عليها السوري منذ خمسينات القرن الماضي، وتغيرت الأهداف الاجتماعية استدراكا لطبيعة السوق والحياة اليومية وأدنى متطلباتها.

هدم الخبرات وتراكم معارفها وقيمها يؤثر على بنية سوريا المستقبلية، فالخبرات التي انتقلت ستؤسّس حياتها في أمكنة أخرى، وتخلّف السوق السورية وانكفاؤها، سيحوّلان الخبرات إلى طاقات خامدة، تشعر بالإخفاق والإحباط. تتحول آلية تفكير الشباب بالسخرية من واقعهم بما يسمى الارتداد على الذات، أي تحطيم الشخص لنفسه بالسخرية، أو الإحساس باللامعنى والخواء، مما يجعل عواطفه وأفكاره المحبطة ترتد عليه وتتسبب إما باكتئاب أو بإيذاء تراكمي للذات عبر السخرية واحيانا الانتحار. يمكن فهم هذا من أوراق السير الشخصية الطويلة، التي يدور فيها الشاب من مكان إلى آخر للحصول على عمل، أو مراسلة شركات خارج سوريا، أو محاولة الأهل بيع ممتلكاتهم لتأمين ثمن رحلة إلى الخارج.

تعدّ الاحتجاجات السورية الأخيرة، ومشارجلةكة الشباب الواضحة فيها، صورة عن هذه الآلية. فهي محاولة لتحويل الغضب نحو الخارج، أي نحو السلطة السياسية، للخلاص من كمية الإحباط والعوز، فالتحركات التي يدعو إليها الشباب في جلها مطلبية من أجل حدّ أدنى للعيش.

آثار

سؤالنا الأخير الى الدكتورة هناء جابر عن الآثار الاجتماعية والنفسية لهذا الواقع، وخصوصا اضطرار حملة الشهادات إلى العمل في مجالات أقلّ من خبراتهم أو حتى مختلفة عن دراستهم.

تقول جابر: “من الطبيعي أن يولد التوظيف في مناصب أدنى من الكفاءات والخبرة المستحصلة إحساسا بالغبن، لا سيما إن لم يكن الأجر كافيا ليسمح للفرد ببناء رؤية لمستقبله. هذا الشعور بالجور لن تجده لدى التقني الذي يشغل منصبا يتناسب مع شهادته. يتحوّل الغبن إلى حالة بنيوية في غياب إمكان تعديلها بما يعيد الى الفرد اعتباره لنفسه”.

وتضيف جابر: “ضمن الإحساس بالعوز والإخفاق والإحباط تدور مصائر الشباب السوري، والنموذج المتوقع ذو أثر نفسي واجتماعي كبير، وهو جزء ليس صغيرا من كمية الدمار السوري. بين الخبرة والتحصيل العلمي، ومشاكل اللجوء والهروب ستتمحور حياة الشباب السوري، والتحركات الاحتجاجية الأخيرة تخبرنا أكثر عن قدرة الشباب على قيادة مصيرهم خاصة ممن بقوا عالقين في الداخل ومشلولي الأيدي والقدرة على فعل شيء”.

المجلة

——————————

خصوم “حزب الله” في خدمة مشروعه/ عالية منصور

حملة العنصرية على اللاجئين السوريين في لبنان مستمرة، وإن كانت قد بدأت مع بداية اللجوء السوري إلى لبنان وإعلان النظام السوري حربه على السوريين الثائرين من أجل حريتهم وكرامتهم. إلا أنها وصلت مؤخرا إلى مستوى ينذر بما هو أخطر، وبما يحضّر للبنان وليس فقط للاجئين فيه.

لم تعد السلطة اللبنانية بكل مؤسساتها غائبة عن المشهد، بل أصبحت شريكا أساسيا وفاعلا في عملية التحريض. هذه السلطة التي فشلت في تنظيم ملف اللاجئين على أرضها منذ مارس/آذار 2011، كما فشلت في الكثير من الملفات، وجدت في السوري “كبش محرقة” يسعفها على تحمل مسؤولية ما اقترفت بحق لبنان واللبنانيين.

وزير الداخلية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، خرج قبل أيام بمؤتمر صحافي يهدد ويتوعد، غاضبا من الفوضى الحاصلة في ملف اللاجئين، حتى يظن من يسمع لصراخه لأول وهلة أن الوزير قد تسلم الوزارة لتوه وتفاجأ بما يحصل، وكأنه ليس وزير داخلية لبنان منذ أعوام، والمضحك المبكي أنه يحمّل مسؤولية الفلتان الحاصل للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وللاجئين أنفسهم، في غياب تام لمفهوم الدولة ومؤسسات الدولة. فإن كانت المفوضية هي المسؤولة المتآمرة وكل الصفات الأخرى التي نسمعها يوميا عن دورها المسبب للفوضى في ملف اللاجئين، فلماذا لم نسمع عن دورها التخريبي التآمري إلا في لبنان؟ لماذا لم يشتكِ الأردن على سبيل المثال من دور المفوضية، وهو الذي يعاني أيضا جراء أزمة اللجوء السوري؟ لقد وصل الأمر ببعض المسؤولين اللبنانيين إلى المطالبة بطرد المفوضية وإغلاق مكاتبها. هل يعلم هؤلاء حقا ما هي المفوضية وما دورها ولأي منظمة أممية تتبع؟ لا يهم، فالمهم هو الصراخ والتهديد والوعيد.

وفي خضم سباق الشعبوية المحتدم، قرر البعض إطلاق مصطلح “الاحتلال السوري” على اللاجئين، وكأي احتلال تصبح مقاومته أمرا مشروعا بل وضروريا.

وبعد تعثر التطبيع العربي مع النظام السوري، وبعد فشل نظام الأسد في استخدام ملفي الكبتاغون واللاجئين لابتزاز الدول العربية لإعطائه المال ولتطالب هي برفع العقوبات المفروضة عليه، دون أن يقدم هو أي خطوة ولو صغيرة لإثبات حسن نيته فيما يتعلق بالحل السياسي في سوريا، يبدو أنه اتجه مع جوقة المتواطئين معه في لبنان وبالشراكة مع “حزب الله” إلى السعي لتحويل ملف اللاجئين السوريين من ملف يشكل عبئا اقتصاديا إلى خطر أمني.

بين ليلة وضحاها، بتنا نسمع عن آلاف من الشباب السوريين يدخلون خلسة إلى لبنان من المعابر غير الشرعية، وتحولت مهمة القوى الأمنية إلى إصدار بيانات يومية بتعداد من دخلوا خلسة. لكن أليس النظام السوري و”حزب الله” هما اللذان يسيطران على جانبي الحدود؟ أليست هذه المعابر هي نفسها التي يستخدمها “حزب الله” لتهريب السلاح والمقاتلين والمخدرات؟ أليست نفسها تلك المعابر التي استعملت منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019 لتهريب كل المواد المدعومة إلى نظام الأسد، يوم كان اللبناني يقف ساعات وساعات ينتظر دوره للحصول على جزء بسيط من تلك المواد في بلده وتحت أعين دولته وأجهزتها الأمنية؟

ألم يخوّن “حزب الله” يوما، بل ويوميا، من طالب بضبط هذه الحدود وترسيمها؟ وإن نسي بعض أخصام “حزب الله” كل ذلك، ألم يستمعوا لخطاب أمين عام الحزب حسن نصرالله الأخير الذي هدد فيه بإغراق أوروبا باللاجئين السوريين والسماح لهم بالهجرة غير الشرعية عبر البحر، حتى تأتي أوروبا صاغرة فيطالبونها برفع العقوبات عن نظام الأسد؟

وإن كان هذا التهديد مقتبسا من تهديد سابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن أردوغان رئيس منتخب، وبلاده لديها حدود برية وبحرية مع أوروبا، وهناك مفاوضات بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وملفات كثيرة أخرى، بينما نصرالله وحزبه على قوائم الإرهاب، يشاركون في احتلال سوريا وقتل شعبها وتهجيرهم، لكن المؤسف ليس أن نصرالله نسي هذه الأمور، بل حتى بعض خصومه نسوا وتجاهلوا كل ذلك وانضموا إلى جوقة التهديد، ولم ينتبهوا إلى أن النظام السوري و”حزب الله” يستغلان ملف اللاجئين لابتزاز الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سياسيا وحتى أمنيا لرفع العقوبات عن النظام.

لم ينسوا وحسب، بل ومن حيث يدرون أو لا يدرون بدأوا يلعبون أدوارا رئيسة في مخطط الثنائي الأسد-نصرالله، إن تذكرهم بالأرقام ومسؤوليات الدولة اللبنانية والأجهزة الأمنية، إن تخبرهم بأن هناك لاجئا هرب من النظام السوري وأن هناك عاملا مقيما هنا منذ عشرات السنين، أمور لا يرغبون في سماعها حتى وإن كانوا يدركون صوابيتها، فالمعركة اليوم هي من يثبت لناخبيه أنه أكثر عداء للاجئ السوري، أو “المحتل الجديد”، كما باتوا يطلقون عليه.

لم يعد اليوم الخوف فقط على اللاجئين السوريين في لبنان، وإن كانوا هم الحلقة الأضعف، بل صار الخوف مضاعفا على لبنان نفسه، لبنان الذي يأبى بعض سياسييه أن يتعلموا من أخطائهم، أن يقرأوا التاريخ، أو يقرأوا خريطة المنطقة السياسية اليوم، مسؤولون يرفضون تحمل أي مسؤولية، وهم على أتم الاستعداد للتخلي عن أي خطاب وطني قد يخسرهم أصوات بعض الناخبين مقابل تبنيهم خطابا مذهبيا عنصريا قد يكسبهم بعض الأصوات في انتخابات ما، ولكن ما نفع أصوات الناخبين إن خسروا لبنان، والانتخابات النيابية الأخيرة خير دليل على ذلك.

حمى الله لبنان واللبنانيين وكل من في لبنان من مخططات الأسد- نصرالله، ومن تهور بعض الحالمين.

المجلة

——————————-

كيف يُرمى اللاجئون السوريون في البحر/ دلال البزري

منذ البداية، يرمي بشّار الأسد ضحاياه على حدود برّية بعينها: تركية وأردنية ولبنانية. مستثنياً الحدود العراقية، وحدوده البحرية، على شواطئ اللاذقية. لدى كل من الدولتين الأوليين، تركيا والأردن، رئيس وجيش وحكومة. تتصرّف كل واحدة منهما حسب نظامها ومصالحها وعقليتها. استقرّ عدد اللاجئين السوريين في البلدين منذ بداية الحرب، أي أكثر من عشر سنوات.

يبقى لبنان، الذي لم يتوقف لحظة عن استقبال المطرودين من سورية. ولبنان بالذات، لأسباب معلومة. نظامه الممسوك أمنياً من حزب الله، دولته وقوانينه وحربه الأهلية “الباردة”، وسيَبان اقتصاده، فضلاً عن “حرّاس” حدوده، الذين يمارسون كل أنواع الانتهاكات للقوانين، ويطعنون يومياً بكل مقوّمات الدولة الحامية الضابطة.

دع الجيش جانباً والذي لا “يسيطر”، إن سيطَر، إلا على نقاطٍ محدودة، لا يؤتمن لجوانبها، فيبقى مهرِّبون وعصابات تتداخل فيها أنواع الجرائم والابتزازت والمغانم وتجارة الأعضاء والاغتصاب وشبكات العبودية الجنسية، فضلاً عن تهريب كل أنواع الاحتياجات من الجهتين، السورية، حيث الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، شقيق بشّار، واللبنانية، التي لا تغيب عن نظر حزب الله، الساهر على أمن حدود لبنان الشمالية والشرقية، وحيث تمر بضائعه ورجاله وسلاحه وأمنه وحلفاؤه … إلخ.

ولكن منذ فترة، بدأت موجة جديدة من الرمي على الحدود اللبنانية، بعد قراراتٍ اقتصاديةٍ اتخذها بشّار الأسد، كانت تضييقا إضافياً على معيشة السوريين الباقين ضمن أراضيه، المسمّاة “مفيدة”. فضاقت جحيمهم بهم، وبدأوا يهربون إلى الحدود اللبنانية، “السائبة” للرؤية بعين مجرّدة، والمضبوطة بعين المناظير المتطوّرة. هكذا، شهد لبنان ما سمّي “طوفانا” من اللاجئين السوريين. لم يُعرف عددهم بالضبط، وان كانت أخبارهم وصورهم ترمي إلى الإيحاء بالآلاف… بعدسات مكبِّرة، ولا مرّة ناقصة. مثلها مثل “أرقام” السوريين في لبنان، التي تتراوح، وحسب الطرف وحسب الظرف، بين ثمانمائة ألف وثلاثة ملايين سوري لاجئ. علماً أن اللبنانيين أنفسهم لا يعرفون إحصاء دقيقاً لعددهم منذ عقود.

المهم أن المزيد من السوريين يتدفّقون إلى لبنان، الذي يستقبلهم على وقع انهياره، وعلى وتيرة متناغمة مع بشّار. و”تاريخ” أصبح طويلا من الاكتشافات المتكرِّرة لـ”الأضرار” التي يلحقها “النازحون السوريون” بلبنان، باقتصاده، بأخلاقه (الرفيعة)، بإجرامه، بديمغرافيته التي تهدّد التوازن المختلّ لطوائفه. الحوادث التمييزية ضد اللاجئين السوريين لم تتوقف منذ لجوئهم. وإن كان بضعة لبنانيين يقفون ضدها، أو يصمتون عنها. ولكن الوضع الآن يختلف. كل الأفق مسدودة. واللاجئون موضوع دسم وسهل. وإثارته، بعد هذه الموجة الجديدة من التدفّق، تحرّك ركود انتخاب رئيس صديق لبشّار الأسد. فمن يطلق “المبادرة”؟

حسن نصر الله، المتسبِّب الثاني بعد بشّار برميهم في الربوع اللبنانية، يتساءل ببراءة في خطابه الأخير: “لماذا تمنعون النازحين السوريين من مغادرة لبنان في البحر إلى أوروبا، لماذا تمنعونهم؟ وعندما تمنعونهم ويذهبون تهريبًا، يضطرّون إلى أن يركبوا بهذه المراكب المطّاطية وكل يوم يومين ثلاثة عندنا مصيبة وغرق في البحر؟ (…) اتركوا الموضوع ودعوهم يصعدون بالسفن، وليس فقط بالمراكب المطّاطية…”. ونصر الله يعلم تماما أن أوروبا كلها تراجع قوانين الهجرة لديها، لتجعلها أكثر تشديداً، وتغلقها على الهاربين إلى شواطئها. ومن بينهم السوريون، هم الأكثر عدداً. أي أن نصر الله، بعدما رمى بشّار الأسد مواطنيه في لبنان، يستمر بالرمي هذا، ولكن هذه المرّة في البحر. ارموهم في البحر، إذا لم يسحبوا “قانون قيصر”، فنكسب معركتنا ضد الإمبريالية والصهيونية إلخ… (وقيصر هو اسم المصوّر الذي التقط آلافا من الصور لجثث ضحايا زنزانات النظام السوري، وعلى أساسها، فرضت أميركا وأوروبا العقاب على الكيانات والرجال مرتكبي تلك الجرائم).

طبعاً، الوزير اللبناني “السوري” الأول، عصام شرف الدين، المحسوب على “السوري- الدرزي” طلال أرسلان، يبْصم على خطاب نصر الله. ويضيف من عنديّاته صيحة منفّرة. يتوجّه إلى اللاجئين السوريين بالقول: “البحر من أمامكم وسورية من ورائكم!”؛ مكرّراً طلب إلغاء قانون قيصر، ومحمِّلاً الحكومة اللبنانية، التي هو عضو فيها، مسؤولية “التقاعس والتلكؤ في معالجة موضوع النازحين”، متهماً زميله وزير الخارجية بـ”تجنّب زيارة دمشق”.

أبواب أخرى من الرزق فتحها حسن نصر الله على الباقين من المنظومة، معارضين أو موالين أو “بين بين”. وزير الداخلية، بسام المولوي، المنْسوب إليه طموحٌ برئاسة مجلس الوزراء المقبل، يطلق سلسلة من قرارات، يعتقد أنها تكفل تحقيق هذا الطموح. يسلِّط الضوء على نسبة المجرمين السوريين في لبنان: هي 30% من العدد الأصلي. فيصدر أوامره لقوى الأمن بإيقاف كل الدرّاجات التي يقودها سوريون لا يحملون أوراق إقامة (علماً أن هذه الأوراق يتقاعس عنها الأمن اللبناني)، ولأن “بعضهم يستخدم هذه الدرّاجات للسرقة ولإطلاق النار وتجارة المخدّرات”. وقرار آخر “بمنع الشحاذة “، خصوصاً التي يمارسها الأطفال “غير اللبنانيين”. وهذا “التوضيح” مثيرٌ للسخرية: يعني من يكون هؤلاء الأطفال “غير اللبنانيين”؟ بريطانيين؟ إندونيسيين؟ أو، هل يكون الشحاذون اللبنانيون من الأطفال شيئا عاديا؟ طبيعيا؟ أطفال شوارع… ولكن لبنانيين…؟ وأصلاً، ما معنى “منع الشحاذة” نفسها؟

ولكن الإنجاز الأكبر الذي حقّقه نصر الله بخطابه “البحري” يأتي من عدوّه المحلي اللدود، سمير جعجع. هذا الأخير لا يذهب إلى الرمي في البحر، يرتدي هنداما “رسمياً قانونياً”. يريد أن يتصرّف الآن كرجل دولة، لا صاحب أقوى مليشيا في لبنان بعد مليشيا حزب الله. ولكنه يريد أيضاً، مثل منافسه جبران باسيل، أن يرضي غليان شارعه الخائف والغاضب، أن يغذّي قاعدته الطائفية، فيشتدّ بذلك عصبها من هذا الطوفان السوري… ولكن بأناقة: “الوجود السوري في لبنان غير شرعي”، يعلن؛ ممرِّراً، بمرونة، الرنّة الأنتي سورية التي ازدهرت أيام الوصاية السورية، فيمزج بين نظام الوصاية السالف واللاجئين السوريين. ويقرّر بذلك عدم شرعية هذا الوجود الذي يحمل صورة غازي كنعان أو رستم غزالة. وهو يملك إقتراحين لطرد السوريين من لبنان، سيقدّمه نوّابه إلى البرلمان: إيقاف كل أنشطة الهيئة العليا لللاجئين في لبنان، العاملة على التخفيف من أعباء لجوئهم. ثم الطلب من قوى الأمن “تنفيذ القوانين السارية” في ما يتعلق بأوراق إقامة الأجانب في لبنان، و”على رأسهم السوريون” (هو أيضا يتجاهل مسؤولية الأمن اللبناني عن القيام بهذه المهمة البديهية). طرحت الكتائب، ربما للمرّة الأولى، فكرة أخرى: توطين السوريين في لبنان مشروع أميركي واضح. فيما جبران باسيل، لا حساب لكلماته المرسلة. خذْ هذه: “المتآمرون على لبنان لا يتخلون عن أهدافهم وهم يحاولون تفكيك لبنان عبر النازحين السوريين…”.

جنبلاط وحده، الزعيم الدرزي، ربما لحساباتٍ أخرى، يخرج عن هذا “الإجماع الوطني”. دعا إلى “وقف التحريض” على السوريين، “درءاً لمخاطر أزمة النزوح السوري على الأمن الداخلي”. وسأل مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، عن “ماهية دعوة حسن نصر الله البحرية”، وتوجّه إليه بالقول إنه بعد هذا الخطاب “تظهّرون أنفسكم أنكم شركاء في استقدام اللاجئين”.

اختلفت الأساليب بين الممْسكين بلبنان، من أتباع أصحاب الحسابات الدقيقة ومعارضيهم. وقد فتح خطاب نصر الله الباب على “وحدة وطنية”، نزلت إلى الشارع، فغصّ لبنان بما يشبه البوغروم ضد السوريين: ملاحقات “أهلية” ضد سوريين، وشجارات دموية، مداهمات وكشف عن أسلحة ومخدّرات في خيمهم البائسة، إغلاق محلات تجارية لسوريين عمرُها عشر سنين، إخراج عائلاتٍ من سكنها في بناياتٍ في الضاحيتَين الجنوبية والشمالية، إلى الشوارع، في الأحياء والبلدات ومدن مختلفة في العاصمة بيروت، في الجنوب في جبل لبنان في المتن… والأكثر رمزية، ذاك الاشتباك الذي وقع منذ أيام في مخيم البدّاوي، وهو أصلاً للاجئين فلسطينيين، يسكنه أيضا لاجئون سوريون. والإشتباك كان بين مجموعة منهم وأخرى من “سرايا المقاومة”، أي التنظيم غير الشيعي العامل على تنفيذ سياسة حزب الله في مناطق غير شيعية. فكان السؤال العميم: هل ستندلع الحرب بين السوريين واللبنانيين؟ حربٌ أقلّ شمولية من تلك المشتعلة الآن بين إسرائيل و”حماس”؟ أم تكون هذه الأخيرة، أي الحرب، ذريعة إضافية للفتكْ باللاجئين السوريين، يضيع فيها اسم “العدو”؟

—————————

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى