سياسة

تطبيع الامارات مع الأسد تشجيع على الإبادة -مقالات تناولت محاولات التطبيع مع دمشق وتداعياتها

آخر المقالات والتحليلات المضافة في نهاية المقال -محدث بشكل يومي-

الولايات المتحدة توجه رسالة واضحة: لا تطبيع مع الأسد
ميشال غندور – واشنطن
أعربت الخارجية الأميركية، الثلاثاء، عن قلقها إزاء التقارير التي تحدثت عن اجتماع وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في دمشق وعلى الإشارة التي ترسلها.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، في مؤتمره الصحافي اليومي: “كما قلنا سابقاً إن هذه الإدارة (الأميركية) لن تعبر عن دعمها لأي جهود للتطبيع أو لتأهيل بشار الأسد الذي هو ديكتاتور متوحش”.

ودعا برايس “الدول في المنطقة للنظر بعناية إلى الأعمال الوحشية التي ارتكبها النظام السوري والأسد نفسه ضد شعبه خلال العقد الأخير. وجهود النظام السوري المتواصلة لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى العديد من المناطق”.

وأضاف برايس “إن هذا الموضوع نناقشه بشكل متواصل مع شركائنا القريبين في المنطقة بما في ذلك الإماراتيين وأوضحنا لهم موقفنا حيال ذلك”.

وأكد المتحدث أنه “فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فلن نطبع علاقاتنا أو نرفع مستواها مع نظام الأسد، ولا ندعم تطبيع دول أخرى أو رفع مستوى علاقاتها مع النظام نظراً للأعمال الوحشية التي ارتكبها هذا النظام ضد شعبه”.

وقال إن الإدارة الأميركية ترى “أن الاستقرار في سوريا والمنطقة يمكن تحقيقه فقط من خلال العملية السياسية التي تمثل إرادة كل السوريين ونحن ملتزمون بالعمل مع حلفائنا وشركائنا والأمم المتحدة من أجل تحقيق حل سياسي دائم”.

وحدد برايس أهداف الولايات المتحدة في سوريا، وهي: “توسيع وصول المساعدات الإنسانية وهذه هي الأولوية القصوى بالنسبة لنا وهذا ما يقوم النظام السوري بمقاومته والحد منه ومواصلة جهود الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد داعش والقاعدة والمجموعات الإرهابية في سوريا”.

وأضاف أن تلك الأهداف تتضمن أيضا “محاسبة النظام السوري والحفاظ على المعايير الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان ومنع الانتشار والمحافظة على اتفاقات وقف النار المحلية. ونواصل تقييم السبل الأفضل لدفع مسار التسوية السياسية بشكل أفضل كما هو محدد في القرار الدولي 2254”.

وأشار برايس إلى أنه تسنى لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الحديث مع نظيره الإماراتي في بريطانيا، الأسبوع الماضي، وأن زيارته إلى دمشق لم تشكل مفاجأة للولايات المتحدة.

من جهته، انتقد كبير الجمهوريين بلجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جيمس ريتش، زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق.

وقال في تغريدة نشرها على حسابه: “إنه لأمر مخز أن ينفتح عدد متزايد من الدول على تطبيع العلاقات مع الأسد. يجب على الإمارات العربية المتحدة والآخرين الذين يتجاهلون العنف المستمر ضد المدنيين السوريين العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 قبل اتخاذ أي خطوات أخرى نحو التطبيع”.

واجتمع رئيس النظام السوري، الثلاثاء، بوزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، في زيارة هي الأولى على هذا المستوى إلى دمشق منذ 10 سنوات.

ورافق وزير الخارجية الإماراتية في زيارته، كل من خليفة شاهين، وزير دولة في الخارجية الإماراتية، وعلي محمد حماد الشامسي، رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ بمرتبة وزير.

وأكد الأسد على “العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع بين سوريا والإمارات منذ أيام الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان”، وفق ما نقلت “سانا”.

كما أشاد بـ”المواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات”، معتبرا أن “الإمارات وقفت دائما إلى جانب الشعب السوري”.

بدوره، أكد وزير الخارجية الإماراتية على دعم بلاده لجهود الاستقرار في سوريا، معتبرا أن “ما حصل في السنوات الماضية أثر على كل الدول العربية”.

وأعرب عن ثقته في أن “سوريا وبقيادة الأسد وجهود شعبها قادرة على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب”، مؤكدا أن “الإمارات مستعدة دائما لمساندة الشعب السوري”.

وجاء الاتصال بعد قرابة 3 سنوات على إعلان الإمارات عودة العمل في سفارتها في دمشق، عقب 7 سنوات على قطع علاقاتها مع سوريا على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عام 2011 وتحولت لاحقا إلى حرب أهلية.

وأسفر النزاع السوري، منذ اندلاعه في مارس 2011، عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من 6.6 مليون لاجئ، فروا بشكل أساسي الى الدول المجاورة، لبنان والأردن وتركيا.
ميشال غندور – واشنطن

الولايات المتحدة توجه رسالة واضحة: لا تطبيع مع الأسد
ميشال غندور – واشنطن
أعربت الخارجية الأميركية، الثلاثاء، عن قلقها إزاء التقارير التي تحدثت عن اجتماع وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في دمشق وعلى الإشارة التي ترسلها.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، في مؤتمره الصحافي اليومي: “كما قلنا سابقاً إن هذه الإدارة (الأميركية) لن تعبر عن دعمها لأي جهود للتطبيع أو لتأهيل بشار الأسد الذي هو ديكتاتور متوحش”.

ودعا برايس “الدول في المنطقة للنظر بعناية إلى الأعمال الوحشية التي ارتكبها النظام السوري والأسد نفسه ضد شعبه خلال العقد الأخير. وجهود النظام السوري المتواصلة لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى العديد من المناطق”.

وأضاف برايس “إن هذا الموضوع نناقشه بشكل متواصل مع شركائنا القريبين في المنطقة بما في ذلك الإماراتيين وأوضحنا لهم موقفنا حيال ذلك”.

وأكد المتحدث أنه “فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فلن نطبع علاقاتنا أو نرفع مستواها مع نظام الأسد، ولا ندعم تطبيع دول أخرى أو رفع مستوى علاقاتها مع النظام نظراً للأعمال الوحشية التي ارتكبها هذا النظام ضد شعبه”.

وقال إن الإدارة الأميركية ترى “أن الاستقرار في سوريا والمنطقة يمكن تحقيقه فقط من خلال العملية السياسية التي تمثل إرادة كل السوريين ونحن ملتزمون بالعمل مع حلفائنا وشركائنا والأمم المتحدة من أجل تحقيق حل سياسي دائم”.

وحدد برايس أهداف الولايات المتحدة في سوريا، وهي: “توسيع وصول المساعدات الإنسانية وهذه هي الأولوية القصوى بالنسبة لنا وهذا ما يقوم النظام السوري بمقاومته والحد منه ومواصلة جهود الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد داعش والقاعدة والمجموعات الإرهابية في سوريا”.

وأضاف أن تلك الأهداف تتضمن أيضا “محاسبة النظام السوري والحفاظ على المعايير الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان ومنع الانتشار والمحافظة على اتفاقات وقف النار المحلية. ونواصل تقييم السبل الأفضل لدفع مسار التسوية السياسية بشكل أفضل كما هو محدد في القرار الدولي 2254”.

وأشار برايس إلى أنه تسنى لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الحديث مع نظيره الإماراتي في بريطانيا، الأسبوع الماضي، وأن زيارته إلى دمشق لم تشكل مفاجأة للولايات المتحدة.

من جهته، انتقد كبير الجمهوريين بلجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جيمس ريتش، زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق.

وقال في تغريدة نشرها على حسابه: “إنه لأمر مخز أن ينفتح عدد متزايد من الدول على تطبيع العلاقات مع الأسد. يجب على الإمارات العربية المتحدة والآخرين الذين يتجاهلون العنف المستمر ضد المدنيين السوريين العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 قبل اتخاذ أي خطوات أخرى نحو التطبيع”.

واجتمع رئيس النظام السوري، الثلاثاء، بوزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، في زيارة هي الأولى على هذا المستوى إلى دمشق منذ 10 سنوات.

ورافق وزير الخارجية الإماراتية في زيارته، كل من خليفة شاهين، وزير دولة في الخارجية الإماراتية، وعلي محمد حماد الشامسي، رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ بمرتبة وزير.

وأكد الأسد على “العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع بين سوريا والإمارات منذ أيام الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان”، وفق ما نقلت “سانا”.

كما أشاد بـ”المواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات”، معتبرا أن “الإمارات وقفت دائما إلى جانب الشعب السوري”.

بدوره، أكد وزير الخارجية الإماراتية على دعم بلاده لجهود الاستقرار في سوريا، معتبرا أن “ما حصل في السنوات الماضية أثر على كل الدول العربية”.

وأعرب عن ثقته في أن “سوريا وبقيادة الأسد وجهود شعبها قادرة على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب”، مؤكدا أن “الإمارات مستعدة دائما لمساندة الشعب السوري”.

وجاء الاتصال بعد قرابة 3 سنوات على إعلان الإمارات عودة العمل في سفارتها في دمشق، عقب 7 سنوات على قطع علاقاتها مع سوريا على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عام 2011 وتحولت لاحقا إلى حرب أهلية.

وأسفر النزاع السوري، منذ اندلاعه في مارس 2011، عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من 6.6 مليون لاجئ، فروا بشكل أساسي الى الدول المجاورة، لبنان والأردن وتركيا.
ميشال غندور – واشنطن


—————————————–

رأي عن الموقف الأميركي من التطبيع الإماراتي مع الأسد/ حمزة المصطفى

“لم يحصل ذلك من دون ضوء أخضر أو موافقة أميركية”. ما تزال الأدوات التحليلية المستخدمة لدى كثير من المتابعين والمحللين السوريين في قراءة الموقف الأميركي من تطبيع بعض الدول العربية مع نظام الأسد تبسيطية وتقليدية جداً، وتعتمد في غالبيتها على مدخل التبعية، المركز/ الأطراف في العلاقات الدولية.

تفترض هذه النظرية هامشية أدوار اللاعبين الإقليميين واضطرارهم الدائم إلى التطابق في المواقف مع اللاعبين الدوليين، أو العمل بالملفات الإقليمية بالوكالة عنهم من دون إقامة اعتبار أو وزن تحليلي لهوامش الحركة والقدرة على الاختلاف أو المبادرة خارج رغبة الفاعل الأقوى.

وفق هذا الفهم، فإن قيام الأردن سابقاً والإمارات لاحقاً وربما دول عربية أخرى بالتطبيع مع الأسد، لن يكون إلا تنفيذاً لرغبة أميركية، وإن إبداء الأخيرة معارضتها للخطوة لا يعدو كونه مناورة إعلامية من قبل الولايات المتحدة لخداع السوريين وحثهم على القبول بالمواقف الجديدة، وفي هذا تبسيط أيضاً.

من البديهي أن الولايات المتحدة قوة عظمى، وغالباً ما تتخذ مواقفها بشكل علني حتى في حالة الحروب أو الانسحاب من الحروب، ولا أعتقد أنها تقيم في تغيير مواقفها وزناً للمعارضة السورية أو الرأي العام المعارض، فهي ليست في موقف ضعف لإخفاء ذلك.

منذ عام 2012، كان الموقف الأميركي تجاه سوريا واضحاً مع بعض التغيير التكتيكي:

    لا تدخل عسكري لإسقاط النظام

    لا تطبيع معه من دون تسوية سياسية تمنع على الأقل مرحلياً تجدد الصراع، وإذا لم يتحقق ذلك يجب حصر الصراع داخل حدوده لأنه سيكون طويلاً

    الاعتماد على العزل الدبلوماسي والعقوبات

الموقف السابق بحد ذاته لم يكن مناصراً للثورة السورية بمقدار ما هو ضغط نسبي على النظام لمنع الانتصار الكامل على الثورة أو حل الأزمة من دون تسوية سياسية.

وللأسف فإن المحددات الرئيسية لهذا الموقف الأميركي لم تتغير لا في عهد أوباما، أو ترامب، ولا يبدو أنها ستتغير في عهد بايدن.

إن الاختلاف يتعلق بمستجدات الصراع لا بأسسه، ويظهر من خلال النبرة الدبلوماسية فقط والتعامل مع المتدخلين الكثر في الصراع دولاً كانوا أو فاعلين من غير الدولة. وقد أُبلغت المعارضة السياسية والعسكرية بهذا الموقف بشكل صريح مراراً وتكراراً، لكن الأخيرة كانت وما تزال تعوّل على دور أكبر لواشنطن.

تم اختبار الموقف الأميركي في مناسبات عدة، أولها عام 2018 بعد زيارة عمر البشير إلى دمشق، إذ قاد جهداً إماراتياً مصرياً حينذاك لإعادة النظام إلى الجامعة  العربية، وثانيها، بعد عام 2019 مع بروز ملامح جديدة في الموقف السعودي، وثالثها في عام 2020 بعد الاتصال الرسمي بين محمد بن زايد وبشار الأسد، هذا عدا المطالب المستمرة لكل من العراق، ولبنان، والجزائر بعودة النظام إلى الجامعة العربية.

في جميع المواقف السابقة، كانت الولايات المتحدة الأميركية تعلن موقفاً بسيطاً تقليدياً ترفض الخطوة وتحث الراغبين على التفكير مليّاً. هذا الموقف البسيط عادة ما يمثل ذخيرة معنوية لبعض الدول الرافضة لإعادة تعويم النظام، وتتسلح بها لمواجهة فرضه كأمر واقع في الجامعة العربية.

بكلمات أخرى، إذا طرحت هذه القضية للتصويت الآن في الجامعة العربية فإن دولة عربية واحدة أو دولتين على الأكثر ستعارضها فقط، وسيقبل الباقون أو يمتنعون عن التصويت. لكن قرار التجميد أو الإعادة يحتاج إلى إجماع كامل تسعى واشنطن إلى منع حصوله.

بالانتقال إلى الإمارات، فالانحياز إلى النظام ليس وليدَ اليوم، هو في العلن منذ عام 2018 ولا مفاجأة بالزيارة للمتابعين سوى بفجاجتها، وترتيبات إقليمية تريدها الإمارات فيما يبدو حتى خارج الرغبة أو الموافقة الأميركية.

تبنّت الإمارات سياسة مواظبة ولافتة للنظر في دعم الديكتاتوريات ونجحت في إعادة تشكيل المشهد العربي بطريقتها خلال العقد الأخير. كما اتبعت سياسة براغماتية لا حدود لها في معاندة كل القضايا التي تحظى بجماهيرية عربية.

وأعلنت الإمارات رسمياً انتصارها على الشعوب في مسألة الربيع العربي، وتحاول في القضية الفلسطينية رسمَ مشهدٍ جديد كلياً. فالإمارات مُبادرة وتستفيد من تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، لكن لا تحظى جميع سياساتها بمباركة أو موافقة أميركية.

والخلاف في الموقف والتوجهات قائم حتى بين حلفاء الولايات المتحدة، وهذا مفهوم للأخيرة ضمن هوامش الفعل الدولي. ولا يستقيم تحليل في العلاقات الدولية يركز على المستوى الدولي ويتجاهل التفاعلات على مستوى الإقليم والدولة، وخصائص صانع القرار.

ليس الغرض من العرض السابق تأكيد ما خلص إليه من نتائج رغم أن هذه المسألة تمثل هاجساً واهتماماً لكاتبها، لكن على الأقل فتح مساحات أخرى في التحليل خارج التعميم والجزم السائد في الساحة السورية

تلفزيون سوريا

—————————–

عبد الله بن زايد في دمشق… إحياء أوهام استعادة الأسد من الحضن الإيراني/ ربيع دمج

لم تكن زيارة وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى دمشق، يوم الإثنين الماضي، بعد عشر سنوات من بدء الاحتجاجات والمقاطعة العربية، مفاجئةً، فهي كانت متوقّعة لمتابعي الملف السوري عن كثب، لكن توقيتها كان مفاجئاً، كون الأردن كان يأخذ على عاتقه قيادة المفاوضات مع الجانب السوري، للعودة إلى الجامعة العربية.

أواخر العام 2011، أوقفت العديد من الدول العربية، من بينها الإمارات، عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، ودعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، إلى حين تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين.

والإمارات من البلدان القليلة التي أبقت على اتصالاتها مع النظام في دمشق، ولو بخجل، أو على شكل تواصل من تحت الطاولة، ثم أعادت افتتاح سفارتها مجدداً في العاصمة السورية عام 2018، ومؤخراً اتصل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، بالرئيس السوري بشار الأسد، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وطالب بن زايد بعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، ليتبع ذلك اتفاق البلدين على خطط مستقبلية لتعزيز التعاون الاقتصادي، واستكشاف قطاعات جديدة خلال المرحلة المقبلة.

وأولى ردود الفعل على هذه الزيارة، كانت من المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، الذي لام الإمارات من دون أن يسمّيها، قائلاً في بيان: “على دول المنطقة إعادة النظر بعناية في الفظائع التي ارتكبها نظام بشار الأسد بحق شعبه على مدار العقد الماضي، فضلاً عن جهود النظام المستمرة لمنع وصول الكثير من المساعدات الإنسانية إلى البلاد، والأمن”.

وضع الرئيس الإقليمي لـ”المركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط”، أمجد طه، في حديثه لرصيف22، الزيارة ضمن “الإطار القانوني الدولي، والمواثيق الدولية التي تسعى إلى حلحلة الأمور بالطرق السلمية بين الدول، والإمارات تسعى دائماً إلى حل الخلافات بين الدول”، زاعماً أن “الولايات المتحدة ليست أكثر خبرةً من الدول العربية في سياسة الشرق الأوسط، والإمارات لها باع طويل في رأب الصدع بين الدول المتناحرة”.

وكشف طه عن “مفاجآت كبيرة ستأتي في غضون أيام قليلة، على الأرجح الأسبوع المقبل، ننتظر حركة زيارات كثيفة ذات مستوى عال ستشمل دولاً تدعم التطرف الإسلامي في سوريا، وستكون هناك مباحثات تتعلق بالتعاون الاقتصادي بين الدول المعنية، مقابل رفع اليد عن دعم الإرهاب، وترك سوريا بشأنها”.

ويتحدث طه عن “تغييرات كبيرة ستشهدها المنطقة قريباً، لكن الأولوية حالياً لملف سوريا والإرهاب، وإعادة الإعمار، كذلك إعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، والمتوقع في مطلع شهر شباط/ فبراير المقبل”.

وكانت دول الخليج قد قطعت علاقاتها في الأيام الماضية مع لبنان، على خلفية تصريح وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، الذي وصف فيه الحرب في اليمن بالعبثية، ويُذكر أن سوريا من أبرز حلفاء إيران التي تخوض عبر أذرعها حرب اليمن.

وقال طه، في سياق تعليقه، على اختلاف الأزمة الخليجية مع لبنان عن المشكلات السابقة مع سوريا: “الحوار الإماراتي مع سوريا هو بين دولة ودولة، وليس بين دولة وحزب”، من دون أن يضيف أي تعليقات أخرى.

ورأى مصدر إماراتي (سياسي أكاديمي رفض الإفصاح عن اسمه)، في حديث إلى رصيف22، أن “التقارب مع سوريا ليس جرماً، فسوريا دولة عربية، وشعبها عربي، وجامعة الدول العربية مرّت بظروف مشابهة مع دول أخرى. فعندما قاطعت الدول العربية مصر، كانت الإمارات الدولة التي لم تقاطعها، بل أصرّت على العرب لعودتها إلى جامعة الدول العربية”.

وفي رده حول مصير الملف الأكثر جدلاً في سوريا والمنطقة، وهو ملف إيران وحزب الله، إلى جانب ملف اليمن، قال المصدر: “بالنسبة إلى الحوثي وحزب الله، الفراغ العربي في المشهد السوري جعل سوريا بين فكّي تركيا وإيران، وهذا واضح لأن كلا الدولتين ذات أطماع توسعية، وفي ظل القطيعة لم يكن لسوريا خيارات عديدة، وقتال حزب الله ليس فقط في بلد مثل سوريا، ففروع حزب الله منتشرة في دول عدة، حتى في الخليج”.

من وجهة نظره، فإن “الإمارات تبحث عن تخفيف التوترات في المنطقة، بالتنسيق مع الحكومات، لا مع الجماعات والأحزاب، وقد ظهر ذلك من خلال التقارب مع تركيا وقطر وإيران، والإمارات تؤمن بالحوار والمصالح الاقتصادية، ويكفي ما تحملته الشعوب من دمار، حان الوقت لبناء حوارات جادة بعيدة عن العواطف والخوف والشعارات التي لا تحل الأزمات”.

ويعود الفضل في التحول الإيجابي نحو سوريا، إلى زيارة قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله بن حسين، للولايات المتحدة، في تموز/ يوليو 2021. وذكرت تقارير صحافية، أن “بن حسين أقنع الرئيس جو بايدن بأن الأسد سيظل في منصبه، ويتعيّن على المجتمع الدولي التعامل معه”.

ووفقاً للتقارير، فإن ملك الأردن حصل على إذن من الولايات المتحدة لاستئناف الروابط التجارية مع سوريا، وأن يُستثنى الأردن من نظام العقوبات المعروف باسم قانون قيصر”، وفعلاً فُتح في أيلول/ سبتمبر الماضي، معبر جابر-نصيب الحدودي بين الدولتين، وعادت العلاقات التجارية بينهما.

لكن لماذا لم يستطِع الأردن إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟ يجيب عن هذا السؤال الباحث السياسي السوري، أسامة دنورة، قائلاً إن “مثل هذا القرار لا يكون أحادياً، ولا يمكن لدولة واحدة أن تقرره، بل يتطلب إجماع الدول العربية وفق ظروف ومعطيات إقليمية، فحين اتصل الملك عبد الله بالرئيس الأسد، كان ذلك من باب تعزيز العلاقة، ولم يكن في وسعه فعل أكثر من ذلك”.

في العام 2018، استعادت الإمارات علاقتها مع سوريا. ومع تفشي جائحة كورونا في العام 2020، توطدت آواصر العلاقة. من هذا المنطلق، أكد عضو مجلس الشعب السوري، أحمد مرعي، في حديثه مع رصيف22، بأن الإمارات هي أول دول عربية أعادت زمن الوصال مع سوريا، والعاهل الإماراتي تعهد بأنه لن يترك سوريا تواجه بمفردها مخاطر الجائحة، ومنذ ذلك التاريخ وُلد مناخ جديد في العلاقات”.

ورأى مرعي أن الإمارات اليوم تلعب دور عرّاب المصالحات في المنطقة، بين سوريا والدول العربية الأخرى، ويؤكد في هذا الصدد أن “هذه الزيارة لم تكن لتحدث لولا وجود تنسيق مع الدول العربية الأخرى”، وأضاف: “الإمارات تدرك تماماً دور سوريا في منظومة جامعة الدول العربية، وهي اليوم تريد ترتيب العلاقات بين سوريا وبقية الدول العربية، خاصةً وأن الإمارات تعلم أن الحرب لا يمكن أن تستمر، ولم تنتج أي شيء، ولم تحقق أهدافها بإسقاط الدولة السورية، وكسر جيشها، ومحاولة خلق نظام سياسي جديد مُلحق بالولايات المتحدة”.

هل حملت زيارة آل نهيان شروطاً ما إلى بشار الأسد، خاصةً في ما يتعلق بملف الحرب في اليمن، وملف العلاقات مع إيران؟ أجاب مرعي: “لا أعتقد بأن الزيارة هي زيارة شروط حالياً، وإنما لتحسين العلاقات، خاصة في ما يخص الملف الاقتصادي”.

ومن وجهة نظر لبنانية متابعة للملف السوري-الخليجي، قال الحقوقي والمستشار في العلاقات الدولية، الدكتور علي يحيى: “كانت هناك لقاءات سورية إماراتية عديدة على هامش المنتدى الدولي لأسبوع الطاقة الروسي، قبل شهر، ومعرض إكسبو دبي قبل أيام، لذا لا توجد مفاجآت في الموضوع”.

وأضاف: “التبادل التجاري لم ينقطع بين البلدين، طوال فترة الحرب، وقد وصلت قيمته إلى 2.6 مليار دولار أميركي خلال العام الماضي، وهو ما أعطى بعداً متمايزاً للإمارات نحو سوريا، عن بعض محيطها الخليجي، وهو التمايز الذي فرضه الصدام الإماراتي-التركي القطري بالدرجة الأساس”، ولفت إلى أن “العودة لن تكون مشروطةً سياسياً بتعديل علاقة دمشق بطهران، بل ستكون من بوابة الاقتصاد والاستثمار عند الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط”.

وبرأي يحيى، فإن “تصنيف الموقف الأمريكي، الذي وعلى الرغم من إعراب الخارجية الأميركية عن قلقها من الزيارة، إلا أن هذا التقارب سيُستثنى من قانون قيصر، كما استُثني خط الغاز والكهرباء من مصر والأردن، وهو ما يبدو أنه مقدمة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، قبيل قمة الجزائر المقبلة”.

من جهته، رأى المعارض السوري سمير نشار، أن “زيارة عبد الله بن زايد تشكّل محاولةً جديدة للتقارب والتطبيع مع نظام بشار الأسد، في ظل موقف إدارة بايدن من إيران. سابقاً، كانت هناك محاولات في ظل إدارة دونالد ترامب، لكنها جوبهت بفيتو على أي تقارب عربي، لا الإماراتي فحسب، مع الأسد، ليس فقط للجرائم التي ارتكبها في سوريا، وإنما أيضاً كونه إحدى أدوات إيران في المنطقة”.

وأضاف: “بعد قدوم إدارة بايدن، وإعلانها أن خيارها مع إيران هو الدبلوماسية، أعادت الدول العربية، ومنها الأردن والإمارات، محاولات التطبيع، بذريعة إعادته إلى الصف العربي، والجامعة العربية، وإخراجه من الحضن الإيراني، ومحاولة تغيير سلوكه”.

وبالنسبة إلى النقطة الأخيرة، قال النشار: “من غير الممكن للنظام تغيير سلوكه، لأنه بسبب ممارسة هذا السلوك في سوريا، والإقليم، استطاع الاستمرار أكثر من خمسين عاماً، وإن تغيير سلوكه قد يؤدي إلى تفكيكه تدريجياً، والنظام يدرك ذلك جيداً، وخير مؤشر على ذلك أنه خلال فترة الصراع على مدى عشر سنوات، لم يقدّم أي تنازل لقوى المعارضة، على الرغم من الضغوط الدولية والإقليمية كلها”.

“لماذا يخرج النظام من الحضن الإيراني، وإيران هي أول من أوعزت إلى حزب الله بالتدخل لإنقاذه من السقوط أولاً، وعندما لم تستطع ميليشيات إيران، من حزب الله والعراق والحرس الثوري، إنقاذه، طلبت التدخل من روسيا عام 2015؟ والسؤال لماذا يخرج؟ مقابل التطبيع مع الدول العربية التي تآمرت لإسقاطه، ودعمت المعارضة ضده؟ أم لعودته إلى الجامعة العربية؟ أو مقابل المساعدات المالية، وهو يشعر بزهو الانتصار؟”، والكلام لنشار.

وأضاف: “إيران سوف تكون سعيدةً بعودة بشار الأسد ونظامه إلى الحضن العربي، والجامعة العربية، لأنه سيكون صوتها في المحافل العربية، والمعبّر عن مواقفها ومصالحها في المنطقة، ولن يقدّم أي تنازل حقيقي للدول العربية، أو غيرها حتى”.

وتابع: “الإمارات تتمتع بتأثير في المنطقة العربية، وفي علاقتها الدولية، أكثر من الأردن برأيي، وهي ذات قدرات وإمكانات مالية وسياسية غير متاحة للأردن، خاصةً أنها تقود التطبيع مع إسرائيل في هذه المرحلة، وهذا فتح لها آفاقاً في علاقاتها مع القوى الدولية، علماً أن الشيخ عبد الله بن زايد بعد مقابلته الأسد، غادر دمشق إلى الأردن للتنسيق”.

وعن المقارنة بين موقف الخليج من لبنان مؤخراً جراء تصريح قرداحي، وبين سوريا حليفة إيران الأزلية، قال نشار: “ترجح برأيي لأهمية سوريا ونظامها في المنطقة بالنسبة إلى المشروع الإيراني فيها. سوريا دورها الإقليمي أهم من لبنان، وموقعها الجيو-سياسي أيضاً أهم من لبنان، وهي الرئة التي يتنفس منها حزب الله. للأسف اليوم لبنان مكسر عصا كما يقال باللبناني”.

رصيف 22

—————————-

اتفاقات ابراهام تحط في دمشق …فأهلا وسهلاً بها/ حازم الأمين

العقل المدبر لاتفاقات ابراهام وصديق تل أبيب، زار دمشق عشية تنفيذ أصدقائه غارات صاروخية على سوريا، وربما التقت الطائرة المغيرة بالطائرة الزائرة في أجواء حمص ولوح قبطاناهما لبعضهما بعضاً بأيديهما.

من المسلي، وإن كان من غير المفيد، رصد مزاجي الممانعة وممانعي الممانعة، في ضوء زيارة وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة عبدالله بن زايد العاصمة السورية، وافتتاحه “زمناً عربياً جديداً فيها”، ذاك أن هراء الخطابين المتواجهين على مدى السنوات العشر الأخيرة، ارتسم على نحو يفترض أن يحول الزيارة إلى ملهاة، على رغم كل ما سال من دماء ومآسٍ وشقاق!

إنه محمد بن زايد، مهندس اتفاقات ابراهام، الرجل الذي ورد اسمه في بياناتكم، يا رجال المقاومة ويا أقلامها ووجوهها وملاليها، بوصفه شيطان الارتهان والتنازلات، وقد حط في عاصمتكم، فأين ستذهبون بوجوهكم؟

لا بأس فقد سبق لوجوهكم أن بذلت مياهها على وقع “الهندسة الروسية الدقيقة” للغارات الإسرائيلية المهينة على مواقعكم المتقدمة في دمشق. الغارات التي تمارسون حيالها صمتاً تخرقونه بدعواتكم للحفاظ على “الكرامة الوطنية” في وجه طالبي الاعتذار من السعودية بعد تصريحات جورج قرداحي!

لكنه أيضاً بشار الأسد أيها الداعون إلى مواجهة النفوذ الإيراني في الإقليم! بشار الأسد الذي تتولون شيطنة حسن نصرالله لأنه يقاتل دفاعاً عن نظامه في سوريا. فقد بُذلت لكم الشاشات والمواقع والصحف لخوض حرب شعواء على أهل “المحور” وعلى طائفته وسلاحه، وإذ بمرشدكم وقد حط برحاله في قصر المهاجرين، وحل ضيفاً عزيزاً على من ثقبتم رؤوسنا في الأوصاف الشنيعة التي أطلقتموها عليه! ونحن للسذاجة، ولكن أيضاً لضعف في الحساسية، صدقنا أنكم معنا في مشاعرنا حيال ديكتاتور دمشق، فكان أن انهزمت ثورتنا على وقع السذاجة، لكن الأهم أنها هُزمت أيضاً على وقع ضعف الحساسية حيال ديكتاتورنا، وتكثفها حيال ديكتاتورهم.

قد يبدو هذا الكلام محاولة سجال مع الخطابين، وهذا لن يكون مفيداً في ضوء ما أصابهما من زيارات وغارات وخطوات بهلوانية، وما كشفاه من رياء. لكن قد تكون الزيارة مناسبة لإعادة حقيقة الصراع إلى جادته الفعلية. الهزيمة ألحقت بنا، ولا داعي لمزيد من جلد النفس، وما بقي من مشهد النزاع هو مضمونه المذهبي. وعلى طرفي هذا المشهد تقبع مخيمات اللاجئين والمدن المدمرة والمقابر التي تضم رفات مئات آلاف الضحايا، فيما الناجون يقيمون الآن في “دياسبورا الثورة” بعيداً من أعين الديكتاتور وضيفه.

لقد زالت الأقنعة تماماً. فلسطين تخففت من أعباء الخطاب الذي وضعها عنواناً لمجازره، وها هو عبدالله بن زايد، الذي أهدى بنيامين نتانياهو القدس، في دمشق، ليس بعيداً من معسكرات الحرس الثوري الإيراني. الرسالة مزدوجة وتفشت على طرفي الانقسام الزائف بين رافضي “أنظمة الارتهان” ومستهولي جرائم ديكتاتور الممانعة. وبقي المضمون الفعلي للحرب الأهلية والمذهبية التي تعيشها دولنا ومجتمعاتنا. الحرب بين السنة والشيعة، وبين الأكراد والعرب، وبين مصالح النظام في إيران ومصالح أنظمة دول الخليج. ولفهم الزيارة بعيداً مما تستدرجه من نقاش عقيم، من المفيد وضعها في هذا السياق. إيران تقاتل في سوريا وفي لبنان وفي العراق وفي اليمن من أجل ذلك، وعبد الله بن زايد يتحرك على وقع هذه المعادلة.

لكن يمكننا أن نفتح هامشاً فكاهياً في ظل هذا المشهد القاتم، إذ يراود كثيرين وهم بضرورة انتزاع بشار الأسد من الحضن الإيراني، وهو ما يفسر خطوات حكومات وأنظمة عربية تجاهه، وهو وهم صادر عن سذاجة مدهشة لجهة جهل أصحابها بالوقائع السورية الثقيلة. أما الهزال على الجهة الأخرى من الطرفة، فيبقى أن العقل المدبر لاتفاقات ابراهام وصديق تل أبيب، زار دمشق عشية تنفيذ أصدقائه غارات صاروخية على سوريا، وربما التقت الطائرة المغيرة بالطائرة الزائرة في أجواء حمص ولوح قبطاناهما لبعضهما بعضاً بأيديهما.   

درج

———————————-

الإمارات في حضن الأسد/ رضوان زيادة

في دولة المؤسسات الديمقراطية ثلاثة عوامل تؤخذ بعين الاعتبار دوما عند اتخاذ أية قرار يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية، العامل الأول هو بالطبع الدعم الشعبي لهذا القرار بحكم أن أية سلطة منتخبة تكون قد وصلت إلى السلطة لتحقيق مصالح الشعب أو على الأقل كي تعكس مصالح الناخبين الذين انتخبوها، العامل الثاني هو العقلانية في اتخاذ القرار فالمؤسسات الديمقراطية بكل تأكيد تبطئ اتخاذ أي قرار لأن عليه أن يمر بالكثير من المؤسسات التي عليها أن توافق عليه من مثل مجلس الوزراء مجتمعا أو الحكومة ومن مثل البرلمان وأحيانا القضاء ممثلا في المحكمة الدستورية العليا إذا وجدت المعارضة في هذا القرار خرقا دستوريا، أما العامل الثالث فهو تبرير أو تسويق هذا القرار للشعب برمته وهو ما يعني كسب الإعلام لصالحك إذا كنت تريد الفوز في الانتخابات المقبلة فحصولك على الدعم الشعبي مهم جدا في هذا الإطار.

لكن في دول تغيب عنها كل هذه المؤسسات كالإمارات نجد غيابا كاملا لكل هذه العوامل بل إن السلطة حينها تعمل بعكس هذه العوامل كلية، ولذلك تجد العشوائية في اتخاذ القرارات، عدم احترام الرأي العام، وعدم احترام المصالح العليا للشعب ويصبح الهدف الوحيد هو مصالح النخبة الحاكمة والأسوأ من ذلك أن السياسة الخارجية تصبح عشوائية بشكل من الصعب تصور أن قيما ما تحكمها أو تحدد بوصلتها، إذ يمكن أن تصحو صباحا وتجد الإمارات قد قررت فرض حظر بري وبحري وجوي على جارتها قطر لأسباب واهية لا تعرف لها مبررا، وقد تصحو في اليوم التالي وترى أن الإمارات قررت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بشكل كامل دون أن تعرف الجدوى أو العوائد من هذه الخطوة وهل تبرر الخروج عن النسق العربي لتوقيع اتفاقيات لا تحدث أي تغيير في حياة الفلسطينيين وتنهي مسيرة احتلال عمره أكثر من 70 عاما دون أخذ بعين الاعتبار مشاعر ملايين العرب والمسلمين وأولهم الفلسطينيون بعين الاعتبار.

ثم في اليوم الثالث تصحو لتجد أن الوزير ذاته قرر أن يحط بطائرته في دمشق للقاء مجرم الحرب بشار الأسد رغم أنه يعرف أن الأسد هو حليف إيران الموثوق في المنطقة بل وأكثر من ذلك استدعى مئات الألوف من مرتزقتها من أجل قتل السوريين في وطنهم، وهو يقول لنا إن سياسته الخارجية تقوم على محاربة إيران في المنطقة، من الصعب أن نفهم إذا ما هي القيم التي تعكسها هذه السياسة الخارجية، تحالف مع إسرائيل التي تقصف الأسد يوميا وتحالف جديد مع الأسد الذي هو تحت العقوبات الأميركية والأوروبية بسبب جرائم الحرب وضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري.

هذه السطور السابقة تعكس تماما فوضى السياسة الخارجية الإماراتية وفوضى القرار العقلاني الذي يحكمها فأصبحت قائمة فقط على العشوائية والتخبط بهدف تحقيق اهتمامات شخصية أكثر منها وطنية أو عربية، إنها انشقاق كامل عن المحيط العربي وتحول باتجاه سياسة عشوائية تقوم على الفائدة الشخصية، إنها انهيار كامل لفكرة أن القيم هي ما يحكم أية سياسة داخلية أو خارجية وتحويل هذه القيم إلى مجرد ربح مادي يبحث عن العائد والفائدة بدل أن تكون السياسة كما هي في صلبها احترام المصالح القريبة والبعيدة للمواطنين.

بالطبع لا يحتاج وزير الخارجية إلى تبرير سياسته الخارجية هذه فلا وجود لبرلمان ولا وجود لمؤسسات حكومية ولا وجود لانتخابات ديمقراطية يمكن أن تحاسب المسؤول على أفعاله وقراراته، ولذلك يقال دوما إن الديمقراطية هي ترشيد للسياسة الداخلية والخارجية وتطعيمها بالعقلانية الضرورية التي يمكن أن تبرر قرارات السياسة الداخلية والخارجية.

لكن عندما تغيب هذه المؤسسات الديمقراطية تكون النتيجة سياسة عشوائية متخبطة يقررها فرد فننام على سياسة ونصحو على سياسة معاكسة تماما، وهو ما يجعل الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء يشكون في مدى موثوقية هذه السياسة وجدواها على المديين القريب والبعيد.

تلفزيون سوريا

————————————

وزير إماراتي في دمشق..فك العزلتين/ ساطع نور الدين

غريبٌ فعلاً أن يحتفل “حزب الله” بزيارة وزير خارجية الامارات الى دمشق، بإعتبارها خطوة إضافية نحو فك العزلة العربية عن نظام الرئيس بشار الاسد. وهو ما لم تجاهر به طهران نفسها، برغم ما يجمعها مع دولة الامارات من علاقات ثنائية وثيقة جداً، لم تتأثر أبداً بقرار التطبيع الاماراتي مع العدو الاسرائيلي.. وبرغم حرصها المطلق على الاسد.

ثمة ما يدعو الى الاشتباه، بان زيارة الوزير الاماراتي عبد الله بن زايد، التي وضعت في سياق تطوير العلاقة مع نظام الاسد وإعادة سوريا الى بيئتها العربية، كانت في جوهرها جزءاً من حوار ثنائي إماراتي إيراني، وبادرة ودية جديدة من قبل أبو ظبي نحو طهران. أما القول أن بن زايد إنما جاء الى دمشق، لكي يستردها من الايرانيين، فذلك تخريف لا شك فيه، يتنافى مع أي قراءة بسيطة للعلاقة الاستراتيجية بين النظامين السوري والايراني، المستمرة منذ نحو نصف قرن، ولم تفلح شتى الضغوط العربية والدولية في قطعها، أو حتى في فهمها.

لكن، حتى هذه الشبهة لا تستقيم مع المغامرات السياسية الاماراتية، التي أخرجت الامارات نفسها من البيئة العربية، ووضعتها في مكان لا تحسد عليه، حتى من وجهة نظر رواد التطبيع العرب مع العدو الاسرائيلي، كما من وجهة نظر الجمهور العربي الذي يملك أدلة على تورط الامارات في جميع الثورات المضادة التي أجهضت الربيع العربي طوال السنوات العشر الماضية. اللقاء مع الاسد، ذروة لهذا المسار الاماراتي المريب، وربما كان في سياق البحث عن مخارجٍ من عزلتين. والافق العربي مفتوح لإعادة الاسد الى الجامعة العربية، ودخوله قاعة القمة المقبلة في الجزائر برفقة وفد أماراتي؟

ومثلما لا تثير زيارة دمشق الاماراتية سوى الارتياح في طهران، والاحتفاء في بيروت، فإنها أيضاً لا تستدعي من الاسرائيليين سوى الاطمئنان الى أن ابو ظبي تفتح آفاقاً جديدة، في العلاقات العربية، بعدما فشلت المساعي الاماراتية والاسرائيلية، حتى الآن على الاقل، في إختراق المجال السياسي الفلسطيني وإنتاج قيادات بديلة للسلطة وحماس على حد سواء.

وفي السياق نفسه، تقدم الزيارة الاماراتية دليلاً على أن الادارة الاميركية الحالية، ليست رافضة أو حتى غاضبة من العودة العربية الى دمشق. هي قلقة، ولا تشجع، ولا تعلن دعمها لأي خطوة في هذا الاتجاه، لكنها لا تعلن معارضتها لأي تقارب عربي مع “الدكتاتور الوحشي”، حسب وصفها الرسمي الاخير للرئيس الاسد. وما زال سارياً الموقف الاميركي الصريح الذي أبلغ الى الملك الاردني عبد الله الثاني قبل اشهر: “من يريد الذهاب الى دمشق، فليذهب على مسؤوليته..”، من أن يؤدي ذلك الى المساس بموقف المفاوض الاميركي مع إيران، أو مع روسيا. وهكذا كان.

الزيارة الاماراتية الى دمشق، هي خبط عشواء جديد. كان يمكن أن تسهم في فك عزلتي البلدين، لولا الموقف المصري المميز الذي عبر عنه وزير الخارجية سامح شكري، في ندوة “مركز ويلسون” الاميركي، قبل يومين، والذي يستعيد رصانة سابقة في السياسة الخارجية المصرية قبل العام 2014، عندما حدد لعودة سوريا الى الصف العربي متطلبات أبرزها رغبة نظامها بالالتزام بالامن القومي العربي (الابتعاد عن إيران) ومعالجة الديناميات الداخلية للازمة السورية، السياسية منها والانسانية(مشكلة اللاجئين) وإظهار المزيد من الاعتدال في كيفية إستعادة الثقة العربية..

ربما لن يكون هذا الموقف المصري كابحاً للمزيد من الزيارات العربية الى دمشق، ولاحقا الزيارات الرئاسية السورية المتوقعة الى كل من الامارات والجزائر..لكنها على الاقل تخفف من بريق الاحتفالات الجارية في طهران وفي بيروت، ومعهما الجزائر التي سبقت العرب جميعا في “مباركة” الخطوة الاماراتية، من أن تتزحزح عن موقفها المشدد من العدو الاسرائيلي ومن حقوق الشعب الفلسطيني التي لا تقبل التصرف. 

المدن

————————-

التطبيع مع الأسد تشجيع على الإبادة/ ياسر أبو هلالة

يتباطأ العرب في التحرّك لحل مشكلات أبسط كثيرا من الكارثة السورية ولا يفعلون. مثلا، لا ينشغلون في حل الخلاف الجزائري المغربي الذي يتصاعد بشكل مقلق. هذه المسارعة نحو نظام المجرم بشار الأسد محيرة، فالنظام مثبّت بقوة الاحتلالات الخارجية وتقاسم مساحات النفوذ، ولا يملك سيطرةً فعلية على البلاد، وعاجز تماما، أقله اقتصاديا، عن تلبية متطلبات الحد الأدنى من حياة الناس في مناطق نفوذه.

لم يبق النظام لولا الاحتلالين الإيراني والروسي. من حقائق التاريخ التي وثقها مسؤول إيراني أن بشار الأسد كان يبحث عن مهربٍ لولا تدخل إيران وحزب الله. .. حتى ذلك لم ينفعه، واضطر للاستعانة بروسيا قوة عظمى للبقاء. وفي مقابلة أخيرة مع حسن نصرالله، كشف أن زيارة القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى موسكو، هي التي حسمت التدخل الروسي. أدرك سليماني أن الأسد في حاجة إلى مجرم حرب، لتكرار نموذج غروزني للانتصار على الشعب الشيشاني.

بعد كل الإبادة التي نفذها النظام، ومن حالفه مباشرة كروسيا وإيران، ومن حالفه موضوعيا كتنظيم داعش، ظل الشعب السوري يفاجئنا بصموده، فدرعا مهد الثورة تواصل تمرّدها تظاهرا سلميا وعسكريا بعد عقد من التدمير المنهجي. وفي إدلب، يواصل الناس صمودهم وتقديم نموذج حياة أفضل كثيرا من مناطق النظام.

ليس الاحتلالان الروسي والإيراني فقط. الاحتلال الأميركي موجود في قاعدة التنف، وعبر الوكيل، قوات سورية الديمقراطية (قسد)، الذي يعمل مرتزقا عند المخابرات الأميركية. طبعا، لم يغب الاحتلال الإسرائيلي عن الجولان منذ نصف قرن، ويستبيح سماء سورية وأرضها على عين النظام وصورايخ أس 400. لو غادر هؤلاء سورية لسبقهم الأسد إلى موسكو أو طهران.

قبل زيارة وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، أول من أمس، كان اتصال بشار الأسد بالملك عبد الله الثاني بعد زيارة الأخير أميركا. وسبقتهما زيارة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، أرفع مسؤول عربي يزور الأسد. والحماسة تجاه عودة بشار تتجاوز هذه الدول إلى مصر والجزائر ولبنان والعراق. ولكل بلد أسبابه، فأهمية سورية للأردن اقتصادية، وأمنيا ظلت سورية مصدر القلق الرئيسي للنظام في الأردن في كل عهودها. وبعد الثورة، زاد العبئان الاقتصادي والأمني. الجزائر ولبنان والعراق دول حليفة لإيران تاريخيا. اللافت حماسة الإمارات، وخصوصا بعد تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل.

لا توجد لدى الإمارات حدود مع سورية، كما لا توجد لها حدود مع دولة الاحتلال، وعلاقتها معهما متشابهة. تطبيع سرّي، فعلني. في ظل المواقف العلنية المؤيدة للثورة السورية، ظلت الأبواب الخلفية مفتوحة للنظام، خصوصا من خلال ذراعه المالية رامي مخلوف، وغيره من رجال الأعمال. ومع أن الإمارات كانت جزءا من غرفة عمليات الموك والموم، المسؤولتين عن تقديم الدعم للجبهات العسكرية من الأردن وتركيا، إلا أنها وقفت في اللحظة الحاسمة مع النظام، عندما أوشك على السقوط عسكريا.

بعد قصف الغوطة بالسلاح الكيميائي، تحرّكت إدارة أوباما لتوجيه ضربة عسكرية، كانت ستنتهي بسقوط النظام. يومها، ذهل الأميركان من الانهيار المتسارع للنظام قبيل الضربة من خلال هروب مسؤولين كثيرين وعائلاتهم. تدخلت الإمارات لدى إدارة أوباما، ونجحت، بتضافر جهودها مع روسيا وإسرائيل، في منع الضربة. رأت الإمارات يومها في هزيمة الأسد انتصارا للربيع العربي، وضمّته ركنا من أركان الثورة المضادّة. وواصلت دعمها له سرّا ليتحول لاحقا علانياً. الثورة المضادّة هي تحالف قوى “الاستقرار” والاستبداد والاحتلال في العالم العربي. ولا مشكلة لها مع إيران، والحديث عن إبعاد الأسد عن إيران تغابٍ لا غباء، فالعلاقة بينهما عضوية تعود إلى الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، ولا تزال، فأسرة الأسد التي حكمت سورية باسم “البعث” تحالفت ضد صدّام البعثي مع الخميني. وعلى عينها دمّرت الحركة الوطنية اللبنانية، بأطيافها القومية واليسارية، لصالح مشروع حزب الله الإيراني.

يشجّع التطبيع مع نظام الأسد على مواصلة تدمير سورية وإعادة هندستها طائفيا من خلال عمليات الإبادة والتهجير، خصوصا أنه لا يقدّم أي مبادرة لصالح الشعب السوري، فالتطبيع مع الأردن، مثلا، لم يساهم في إعادة مهجر واحد إلى درعا، ولا الإفراج عن معتقل أردني، ولا معرفة مصير مئات المفقودين الأردنيين، فضلا عن السوريين. لو رفع المطبّعون في الأردن والإمارات شعار التطبيع مقابل عودة اللاجئين، ولو رمزيا، لكان مفهوما. أسّست الإمارات مخيم الأزرق في الأردن وموّلته، لماذا لا تستغل علاقتها الحميمة لإعادة لاجئيه؟ لماذا لا يطرح الأردن مبادرة التطبيع مقابل عودة لاجئي الزعتري؟

للأسف، يتواصل التطبيع مع الأسد كما مع العدو الصهيوني، مع تواصل جرائمه، وكأنه مكافأة له. وعلى الأقل، لو يطرح أنصار عودة الأسد والتطبيع معه مبدأ لا عودة إلى جامعة الدول العربية بدون عودة المهجّرين. .. المأمول أن تستمرّ عزلته حتى محاكمته وعودة اللاجئين رغما عنه.

العربي الجديد

——————————-

خريطة طريق للذاهبين إلى دمشق/ غازي دحمان

بدأ قطار التطبيع العربي مع نظام الأسد السير بتسارع ملحوظ، والتقديرات أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التحرّكات في هذا المسار، والذريعة العربية، المرفوعة هنا، ليس حبّاً ببشار الأسد، بل لتدعيم ركائز النظام العربي في مواجهة محاولات اختراقه من دول الجوار، مع أن هذا النظام معطّل منذ تم إنشاؤه، والغريب أن محاولات تفعيله سيكون وقودها دماء السوريين التي هُدرت أو ستهدر لاحقاً.

لا يستطيع أحد منع أي طرف يريد استعادة تواصله مع نظام الأسد، فالعلاقة بين الوحدات السياسية غالباً ما تكون محكومةً بتقديرات صناع القرار لمصالح بلادهم، والفرص التي من الممكن الحصول عليها من إعادة العلاقات والمخاطر المترتبة على إبقاء العلاقات مقطوعة، وهذه في الغالب يتم تقديرها حسب زاوية النظر التي تتم من خلالها رؤية القضية التي على أساسها يتم حساب الأرباح والخسائر في هذه العملية.

ولأن الموضوع خارج قدرات الآخرين، ومنهم الشعب السوري، في التأثير على قرارات أولئك الذين حزموا أمرهم على زيارة دمشق، لن يسع السوريين سوى تقديم استشارة، قد لا تكون ضرورية، ولكنها فقط للتذكير، المقصود منها تقديم خريطة طريق للذاهبين إلى دمشق، علّها تجنبهم صدمة ما قد يواجهونه في دمشق.

أولاً: لا تستغربوا أنكم لن تجدوا أثرا لرائحة الياسمين في دمشق، فكل ياسمين دمشق جرى قطعه، لوضعه على قبور الذين قتلتهم عصابة الأسد، لذا ستشمّون رائحة الدم في كل زاوية وركن فلا تتفاجأوا.

ثانيا: لن تجدوا صدى لأشعار نزار قباني، فالعصابة تمنع هذا النوع من الكلام من التداول، لأنه قد يزيد من شجن الناس وغضبهم على دمشق المغدورة التي بدّلت الياسمين باللطميات والسواد في شوارعها وباتت إحدى علاماتها المميزة.

ثالثاً: ستقابلون هناك أعداء دمشق، أولئك الذين لديهم خيار دائم يتمثل في تدميرها إذا شعروا بأن السلطة ستخرج من أيديهم. هذا أسهل الخيارات، على مدار خمسة عقود من الحكم، لم يجهزوا سوى هذا الخيار، صنعوا له هياكل وأطرا، معسكراتٍ تزنّر دمشق، دبابات وطائرات جاهزة لتنفيذ هذا الخيار، وجيوشاً تتكوّن من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية العديدة، وجلبوا مليشيات إيران احتياطا كي تساعدهم على إنجاز هذه المهمة على أكمل وجه.

رابعاً: اعلموا أن سورية فقدت نصف سكانها بين قتيل ومخفي وهارب إلى اللجوء، والنصف الآخر يحلم بالرحيل غداً، بل يعيش النصف الآخر بلا روح، بعدما داستها العصابة ومزّقتها، رعباً تارّة، وإذلالاً دائماً جرياً وراء لقمة الخبز.

خامساً: ثمّة مناطق وشوارع لا ننصحكم بالمرور بها، وهي في الغالب غالبية شوارع المدينة، حيث تنتشر أجهزة أمن العصابة، فهناك ما زالت السوريات يغتصبن، ولا يحبذ أن تصل صرخات ألمهن إلى مسامعكم، حتى لا يقال، “لا سمح الله”، إنكم شركاء في هذه الجريمة القذرة. وهناك أيضا يجري في كل ساعة قتل سجين وربما أكثر، ويجري أيضاً تشليح عائلاتٍ باعت أرزاقها لتخليص أبنائها الذين اعتقلتهم أجهزة العصابة، لا لذنبٍ ارتكبوه، فقط ليدفع أهلهم الفدية لإخراجهم.

سادساً: بقدر ما سيشعر زعيم العصابة هناك بالفخر، لأنه استطاع إخضاعكم وجلبكم إلى دمشق، سيشعر ملايين السوريين، في دمشق وغيرها، بالحزن. سيقولون إنه لولا ضغط أميركا لتقاطر العرب بالدور على أبواب قصر رئيس العصابة فوق جبل قاسيون. سيتساءلون: هل نهر الدماء الذي سال من أجساد أبنائنا غير كافٍ لإقناع العرب بنبذ الأزعر؟

سابعاً: لا تستغربوا، غداً أو بعده، ستخرج منابر إيران الناطقة بالعربية في بيروت، بعناوين من نوع “المهرولون إلى دمشق”، وستفيض المتون بلغة الشماتة والفخر بالنصر المتحقّق عليكم، وستنضم لهم جوقة صحافيي إيران في عمّان ورام الله، سيصفونكم بـ”المهزومين” الذين جاؤوا يسترضون زعيم العصابة في دمشق، وسيقولون إن “سورية الأسد” لا تذهب إلى الآخرين، عليهم أن يأتوا إلى دمشق لإبداء الأسف راكعين.

هل معهم حقٌّ في ذلك؟ لا نستطيع مجادلتهم، أنتم قلتم إنكم تريدون هزيمة إيران في سورية والانتصار للشعب السوري، وقلتم أيضاً إن على العالم أن يتحرّك لوقف المذبحة الجارية أمام أنظاره، فما الذي تغيّر اليوم؟ لا المذبحة توقفت، فقط هي تجري بالخفاء وبعيداً عن أعين الكاميرات، ولا نفوذ إيران سيتراجع بعودتكم لنظام الأسد، ولن يتراجع ما لم تتم إزالة الأسد وعصابته.

ثامناً: اعلموا، أيها الذاهبون إلى دمشق، أن زعيم العصابة هناك لن يراكم سوى أكياس أموال متحرّكة، وتذكّروا أن ما قاله إعلامه في أثناء مقاطعتكم له، من وصفكم بالعربان وأنصاف الرجال وشاربي البول، لم يكن نتيجة نزق، بل كان يقول ما تؤمن به هذه العصابة وكيف تنظر لكم، دعكم مما سيقوله لكم في أثناء الاجتماع عن الأخوة العربية وضرورة توحيد الصف العربي، حيث سيضحك كثيراً، هو ومستشاروه، بعد مغادرتكم الاجتماع، على هذه الفانتازيا التي صدرت منه، وسيزيد في الضحك كيف اقتنعتم ببساطة بهذه الفانتازيا.

تاسعاً: لا تسلّموا بأيديكم على كل من يقابلكم من أفراد العصابة، كلهم أيديهم ملوثة بالدماء، لا أبرياء بينهم، أسماؤهم معروفة ومعروضة على شبكات التواصل الاجتماعي.

عاشراً: أيها الذاهبون إلى دمشق، سلّموا لنا على وطنٍ بات للإيراني والروسي أكثر مما هو لأبنائه. أخبروه، ولو همساً، بأننا، وكما قال الفلسطينيون قبلنا، لن ننسى دار أهلنا، كما لن ننسى جروحنا ودماءنا وشواهد قبور أحبتنا.

العربي الجديد

———————————-

بن زايد في دمشق… رواية إبعاد الأسد عن إيران/ أمين العاصي

حطّ وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد رحاله، أول من أمس الثلاثاء، في العاصمة السورية دمشق ساعات عدة، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عشر سنوات، كان النظام السوري يعيش خلالها شبه عزلة عربية، بسبب رفضه كل المبادرات لإيقاف الحرب التي شنها على السوريين المطالبين بتغيير في بلادهم. واحتفى إعلام النظام السوري بالزيارة، ووصفتها صحيفة “الوطن” بأنها “بداية انفتاح عربي” على النظام، الساعي بكل الوسائل للعودة إلى جامعة الدول العربية، بعد أن تم تعليق عضوية سورية في عام 2012. ولا تُعدّ زيارة بن زايد بمثابة الخطوة الإماراتية الأولى تجاه النظام السوري، إذ كانت أبو ظبي سبّاقة في إعادة فتح سفارتها في دمشق في 2018. وسبق الزيارة اتصال هاتفي أجراه رئيس النظام السوري بشار الأسد مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. واتخذت أبو ظبي من تفشي وباء كورونا في سورية، غطاءً لإرسال عدة طائرات محمّلة بمساعدات للنظام السوري. وكانت دول الخليج العربي قطعت علاقاتها مع النظام السوري في عام 2011، باستثناء سلطنة عمان، بسبب رفض النظام التجاوب مع مبادرات عربية عديدة لإيجاد حلول سياسية ومحاصرة الحريق، الذي امتد لاحقاً إلى عموم البلاد بسبب انتهاج النظام الحل العسكري والأمني في مواجهة الثورة. وتندرج الزيارة التي قام بها بن زايد إلى دمشق في سياق خطوات حثيثة من دول عربية تجاه الأسد، الذي سبق أن أجرى اتصالا هاتفيا قبل نحو شهر بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مع إعادة افتتاح مركز جابر – نصيب الحدودي مع سورية أمام المسافرين وحركة الشحن. وكان وزير السياحة في حكومة النظام محمد مارتيني، قد شارك بدعوة من المملكة العربية السعودية في شهر مايو/أيار الماضي، في اجتماع للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط في الرياض، وهو ما اعتُبر تبدلاً في موقف الرياض تجاه النظام السوري.

في المقابل، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس عن “قلق” واشنطن من الزيارة، حاثًاً دول المنطقة على التفكير ملياً في “الفظائع” التي ارتكبها الأسد. وقال برايس في إفادة صحافية اعتيادية “نشعر بالقلق إزاء التقارير عن هذا الاجتماع والإشارة التي يبعث بها”. وأضاف “مثلما قلنا من قبل، لن تعبّر هذه الإدارة عن أي دعم لمساعي تطبيع العلاقات مع بشار الأسد، الديكتاتور الوحشي”.

وحول الزيارة الإماراتية والتعليق الأميركي، اعتبر الباحث في مركز “الحوار السوري”، أحمد القربي، أنه “حدث تبدل في السياسة الأميركية تجاه القضية السورية”، مضيفاً في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنه “من الواضح أن الإدارة الأميركية تولي ملفين أهمية في القضية السورية. الأول هو ملف المساعدات الإنسانية، والثاني تطويق النفوذ الإيراني في سورية”. ورأى أنه وفق هاتين المقاربتين يتضح أن واشنطن قدمت تنازلات لموسكو في ملف العقوبات الأميركية على النظام السوري، وملف التطبيع. وأن موسكو تحاول جاهدة إعادة تعويم النظام من عدة مداخل، أحدها عودته إلى الجامعة العربية.

وأشار القربي إلى أن الزيارة “حلقة من سلسلة للتطبيع مع الأسد، بدأت مع زيارة العاهل الأردني أخيراً إلى واشنطن، وكان من الواضح أنه أخذ ضوءاً أخضر من الأميركيين للبدء في التطبيع مع الأسد”، مضيفاً أن عمان قدمت “لا ورقة” للإدارة الأميركية تخص الملف السوري، دعت فيها إلى تقديم حوافز للنظام. وأعرب عن اعتقاده أن “بعض الدول العربية ترى أن نظام الأسد انتصر، وأن الحد من النفوذ الإيراني في سورية يمر عبر إعادة هذا النظام الى المحيط العربي”. ووضع زيارة وزير الخارجية الإماراتي في سياق “محاولة سحب النظام من الحضن الإيراني في مقابل تقديم حوافز، تحديداً في ملف إعادة الإعمار”. ولكن القربي اعتبر أن المحاولات لإبعاد النظام السوري عن إيران مجرد “حرث في الهواء”، غير أنه توقع أن يكون هناك بعد أمني في الزيارة، وهو التعاون مع نظام الأسد “في ملف مكافحة الإرهاب وهو ملف حاضر لدى الإدارة الأميركية، وهذا ما يفسر وجود رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ في الوفد الإماراتي علي محمد حماد الشامسي”.

من جهته قال المتحدث باسم “هيئة المفاوضات” التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، في حديث مع “العربي الجديد” إنه “لم يتغير شيء في سورية كي تحدث هذه الزيارة”، مشيراً إلى أن القصف مستمر من قبل النظام والاعتقالات باتت أكثر شراسة، وأن هناك سوريين يقتلون تحت التعذيب. كما شدّد على “عدم تبدّل شيء في الجانب السياسي”، مضيفاً أن النظام يتملص من تطبيق قرارات الشرعية الدولية تحت مرأى العالم كله. وأكد أن الزيارة “مرفوضة تحت أي ذريعة كانت”، معرباً عن اعتقاده بأنها تمت “بدفع من موسكو، التي تحاول إعادة تأهيل نظام بشار الأسد في سورية، لأنه الوحيد الذي يعطيها غطاء لاحتلالها سورية”. وأشار إلى أنه “لا يمكن فصل النظام عن الجانب الإيراني، وبالتالي إن هذه الزيارات تدعم العلاقة القائمة بين نظام الأسد وطهران وليس العكس كما يتوهم البعض”، معرباً عن اعتقاده بأن الموقف الأميركي من نظام الأسد “ثابت ولم يتغير”. وتطرق العريضي إلى “قانون قيصر”، مؤكداً أن القانون جزء من المنظومة القانونية الأميركية، وأن تعديله أو الغاءه لا يتم إلا عن طريق الكونغرس. ونظام الأسد لا يمكن تسويقه مرة أخرى واللعبة الروسية الإماراتية قصيرة العمر ولن تنجح في إعادة تأهيل منظومة استبدادية.

العربي الجديد

———————————

سوريا: إدانة أقرب إلى شعار/ إيلي عبدو

بقدر ما أن الإدانة السورية المعارضة، للقوى المتحمسة للتطبيع مع السلطة في دمشق، ضرورية ومحقة، بقدر ما أنها تحتاج إلى تطوير، لتلحظ تحولات مرت بها المنطقة منذ 2011 وحتى الآن، وكذلك، الانتباه للافتقار إلى معيار واضح أو سقف سياسي، يدان على أساسه المطبّع.

انتفاضة 2011، هُزمت، لأسباب ذاتية تتعلق ببنى المجتمع السوري، وسوء أداء المعارضة، وأخرى موضوعية تتعلق بطبيعة التحالفات في المنطقة، والتدخلات الخارجية لصالح النظام، لكن هذه الهزيمة مرّت بمراحل، كان خلالها المندفعون للتطبيع مع النظام حالياً، رأس حربة في المعركة لإسقاطه. وموقعهم السابق، لم يكن بالتأكيد، إيماناً منهم بحرية الشعب السوري وديمقراطيته، بقدر ما كان استجابة لتحول دولي وإقليمي فرضته الانتفاضة، وطمعا بلعب دور وتحقيق نفوذ، وحجز موقع في أي خريطة جديدة سترسم. ما يعني أن تحول هؤلاء الآن تجاه النظام، متعلق بتغيرات تلازمت مع الهزيمة التدريجية للانتفاضة. والبعد الأخلاقي، الذي يُنتقدون على أساسه من قبل المعارضين السوريين، لم يكن موجودا في السابق، أي عند عدائهم للنظام، كي يكون مرجعا لإدانتهم عند تقاربهم معه.

وبالتوازي مع التسليم ببديهية انتفاء البعد الأخلاقي، لا بد من التسليم كذلك بأن، لا يوجد نظام أو دولة في المنطقة، ستمنح الانتفاضة، صكا على بياض، وموقفا أبديا بالوقوف معها، بصرف النظر عن التحولات وتغير الاستراتيجيات حيالها. هذه الدول، محكومة باعتبارات تحدد وجهتها، والاعتبارات تلك، لا يتغير تأثيرها، بتغير طبيعة نظام الحكم، إن كان سلطويا أو ديمقراطياً. فرنسا نفسها حين تصاعدت فيها العمليات الإرهابية، منح رئيسها الأولوية، لخطر التطرف، على خطر النظام، مبرراً معادلته بأن الأخير عكس الأول لا يهاجم فرنسا. معادلة إيمانويل ماكرون، آنذاك، كانت سطحية وغير أخلاقية، لكنها بدت استجابة لموقعه كرئيس محكوم بمعادلات السياسة الداخلية في بلده، وصعود منافسين له من اليمين، والحاجة لمخاطبة رأي عام، ينتظر حلولا سريعة. إذن، هي التحولات، التي تغير المواقف والاستراتيجيات، وتجعل الدول تنتقل من الحماسة لإسقاط النظام، إلى الحماسة للتطبيع أو التنسيق الأمني معه، أو تقليل خطره. والمعارضات السورية غالباً ما كانت ضعيفة التأثير في هذه التحولات، وغير قادرة على تجييرها ولو جزئيا لصالحها، وأحياناً غير مدركة لأثرها في تغيير موقف الدول والأنظمة. في مسألة الإرهاب مثلا، الذي بنى عليها ماكرون، مقاربته السيئة حيال الملف السوري، لم يجر تطوير موقف واضح ينبذ الإرهاب من داخل الفصائل المقاتلة، ويترجم عملياً، وهو ما خلق هواجس لدى الأمريكيين أيضاً. اختلفت وتضاربت استراتيجيات الدول الداعمة للانتفاضة، لاسيما بعد 2013، وبدت المعارضات عاجزة عن التقاط التحولات المفصلية، ليس فقط نتيجة لقصور في فهم موازين القوى، بل بفعل تركيبتها الأيديولوجية، الإسلامية واليسارية الكلاسيكية، التي تفضل الحصول على كل شيء، وترفض مراكمة مكسب من هنا أو إنجاز من هناك، عدا عن ارتباطاتها الخارجية، والوصايات عليها. والنتيجة كانت تحوّلات على حساب الانتفاضة، تراكم خطوات إضافية، نحو هزيمتها. ومع تسارع التحولات وبطء حركة المعارضات، انتزعت المبادرة تماماً من المعارضات، وصار جزء منها يفاوض، من أجل تغيير في نص الدستور لا أكثر. ما يعني أن هناك فجوة بين الشعار والممارسة، لدى المعارضة، الكل يريد التخلص من النظام، والكل منخرط في تحالفات وارتباطات مع قوى تغيرت استراتيجياتها، سواء لناحية التقرب من السلطة في دمشق أو التنسيق معها. وعليه، يصبح، مجهولاً، في السياسة، المعيار الذي يدان على أساسه المطبّع.

صحيح أن هناك رأيا عاما معارضا رافضا بالمطلق للتطبيع مع النظام، لكنه غير مؤطر سياسياً، يكتفي بالتعبير عن نفسه، عبر مواقع التواصل، بمفردات تعفي الذات من المسؤولية، بلغة أخرى، إدانة التطبيع، ما لم يتم تطويرها، ستظل مجرد شعار، وربما تكون، تحولا جديدا، ينهي هذه المرة الانتفاضة، فيما مناصروها مشغولون بإدانة خالية من السياسة، تتجنب طرح أسئلة حول ضعف التأثير في الأحداث، وتسليم قرار الانتفاضة للغير، منذ 2011 وحتى الآن.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————-

وزير الخارجية الإماراتي في دمشق: ماذا تريد “أبو ظبي”؟

وصل وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر، في أرفع زيارة لمسؤول إماراتي منذ أكثر من عشر سنوات. وسبق هذه الزيارةَ اتصالاتٌ عدّة أجراها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع رأس النظام السوري خلال العامين الماضيين.

بطبيعة الحال، فإنّ النظام في حالة من الضعف التي لا تسمح له بتقديم أي عوائد فعلية لأي فاعل، ولذا فإنّ الزيارة الإماراتية تستهدف على ما يبدو تحقيق مصالح وتوجيه رسائل لفاعلين آخرين، بعضهم في سورية وآخرون خارجها.

الإمارات تعمل في هذه المرحلة على وضع الترتيبات الأخيرة لتقاسُم النفوذ في اليمن مع الحوثيين، من خلال مجلس رئاسي سيُنهي آخر ما تبقى من حضور سياسي لخصوم الإمارات في الحكومة اليمنية، استعداداً لانسحاب سعودي وشيك من الحرب هناك. وتعني هذه الترتيبات أن الإمارات وإيران بحاجة لترتيب ملفاتهما في اليمن والإقليم، خاصة أن طهران لا تنظر بالكثير من الترحاب للدور الإماراتي في المنطقة، نظراً لطبيعة تحالفاتها الإقليمية.

ومنذ قدوم إدارة بايدن، تم إزاحة الإمارات من قائمة الدول المفضَّلة، والتي تربعت عليها في عهد إدارة ترامب. ولكنها وبحكم توقيعها لاتفاقية سلام كاملة مع تل أبيب فإنّها أُعفيت من الاستهداف العلني الذي تعرّض له بقية حلفاء ترامب، رغم استهدافها بشكل غير معلن، من خلال وقف صفقات التسلح التي أقرها ترامب في أيامه الأخيرة، وغيرها من الخطوات السلبية.

كما تشعر “أبو ظبي” بالامتعاض الشديد من تحييدها أمريكياً في عدّة ملفات، مقابل رفع مستوى الاعتماد على الدوحة، والتي ارتفع مستوى حضورها الدبلوماسي أمريكياً ودولياً بعد سيطرة حركة “طالبان” على كابول.

التموضع الجديد غير المريح لأبو ظبي في واشنطن دفعها لتبني سياسات غير متناسقة مع التوجهات الأمريكية، سواء من خلال دعم الانقلاب في تونس والسودان؛ أو من خلال الزيارة الأخيرة لدمشق. حيث يبدو أن أبو ظبي -وغالباً بالتنسيق مع تل أبيب- تحاول الضغط على واشنطن من أجل دفعها لتبني سياسات مختلفة تجاه حلفائها في المنطقة.

وفي خضم سياساتها لتوسيع النفوذ في الشرق الأوسط وإفريقيا، وجدت أبو ظبي في موسكو حليفاً يمكن الاعتماد عليه في العديد من الملفات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية، وانعكس هذا التحالف بشكل صلب في الملف الليبي، كما ظهر واضحاً في العديد من الملفات الأخرى في إفريقيا، كما في الموقف من الانقلاب الأخير في السودان.

بالمجمل، يمكن القول: إن “أبو ظبي” تسعى لتوسيع هوامشها الذاتية في المنطقة، بما قد يدفع واشنطن لإعادة التفكير بالآلية الممكنة للتعامل مع الدور الإماراتي، وبما يدفع إيران وروسيا لمنح الإمارات معاملة تفضيلية في الملفات المختلفة، وهو ما يساعد في امتلاك الإمارات لمزيد من أوراق التأثير، كما أن تبني “أبو ظبي” لما تُسميه “إعادة سورية للحضن العربي” يُظهر “أبو ظبي” كقائد في المنطقة العربية، وهو ما يُكرس سياسة التحدي التي تنتهجها “أبو ظبي” تِجاه الرياض.

أما الحديث عن مشروع “إماراتي-إسرائيلي” للتقارب مع النظام مقابل قيامه بإخراج إيران من سورية، فهو حديث واهن يفتقر إلى معرفة فعلية بطبيعة الوجود الإيراني في سورية، وطبيعة العلاقة الإيرانية مع النظام، ولا يُعتقد أن “أبو ظبي” أو “تل أبيب” تجهلان هذه العلاقة، وتعتقدان أن بشار الأسد قادر على إخراج أحد من غير السوريين خارج سورية!

جسور

———————————

قافلة التطبيع الإماراتية تمرّ عبر دمشق، فما الذي تغيّر؟/ محمد السكري

في مؤتمرٍ لمجموعة أصدقاء الشعب السوري، وخلال كلمة جيّاشة بالمشاعر الإنسانية، عبّر وزير الخارجية الإماراتي عن استيائه من ضحك النظام السوري على المجتمع الدولي، بينما يموت الشعب السوري، متهماً أول مبعوث أممي إلى سوريا، كوفي عنان، بعدم الاهتمام بمأساة السوريين.

عنان، الذي قالها منذ بداية الثورة السورية: “لا يمكنني أن أرغب في تحقيق السلام أكثر من الفرقاء، أو أكثر من مجلس الأمن، أو المجتمع الدولي”، في تعبيرٍ منه عن عدم وجود رغبة دولية في إزاحة الأسد عن السلطة، ممّا دفعه إلى تقديم استقالته، وذلك في 8 آب/ أغسطس 2012.

ومنذ تلك اللحظة، بقي الفرقاء الذين تحدث عنهم عنان مختلفين، ولكن مع تبدل مواقف بعضهم من النظام، ولا سيما الدول العربية التي رجّحت بعضها أن تعيد حساباتها السياسية على حساب دماء الشعب السوري، وتضحياته، وكان آخرهم عبد الله بن زايد الذي وبّخ عنان قبل تسع سنوات، على تقصيره حيال الملف السياسي.

ويبدو أنّ النبوءة التي نطق بها المبعوث الدولي، ستيفان دي مستورا، أكثر العابثين بالملف السياسي السوري، باتت تتحقق بالفعل، إذ قال في جملته الأخيرة رداً على سؤالٍ عن سبب الاستقالة: “شعرت بأن الحرب على الأرض تقترب من نهايتها، ولن أستطيع أن أكون الشخص الذي يصافح يد الأسد، بعد أن ناضلت بشدةٍ ضد ما حدث في حلب، وإدلب، وداريا”. بهذه الكلمات أعلن المبعوث الدولي انتصار بشار الأسد قبل ثلاث سنوات من بدء التقارب العربي مع نظامه.

في صباح 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وردت الأنباء عن زيارة وفد رفيع المستوى من قبل الإمارات إلى دمشق، بغية بحث العلاقات المشتركة. الوفد برئاسة وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير الدولة في وزارة الخارجية خليفة شاهين، ورئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك، علي محمد حماد الشامسي.

بدا الخبر للوهلة الأولى صعب التصديق، ليس لأنَّ الإمارات لا تفعلها، فهي ماهرة في التطبيع ليس مع نظام الأسد فحسب، وإنما مع إسرائيل والأنظمة والدول المارقة كلها، حتى باتت هذه الدولة من أكثر دول الوطن العربي معاداةً لشعوب المنطقة، وإنما لطبيعة السياسة والتوجهات الإماراتية في التعاطي مع الملف الإيراني، إذ يُعدّ نظام الأسد ذراع طهران في المنطقة، وخنجرها في ظهر دول الخليج العربي، مما أثار شكوكاً حول الأهداف الإماراتية من هذا التطبيع العلني الذي لم يعد يقبل الشك.

اتّبعت الإمارات سياسة الخطوة خطوة، ففي نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2018، افتتحت قنصليتها في دمشق، في بادرة هي الأولى من قبل دولة عربية تعيد علاقاتها شبه الرسمية مع نظام الأسد، وأجرى ولي عهد الإمارات اتصالين برئيس النظام السوري، الأول في آذار/ مارس 2020، والثاني في العام نفسه في تشرين الأول/ أكتوبر، لتكون الزيارة هي الخطوة التالية التي على ما يبدو لن تكون الخطوة الأخيرة في إطار سياسة أبو ظبي في التعامل مع الملف السوري، والتي تسعى من خلالها إلى إعادته إلى الجامعة العربية.

ولم يخفِ أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيظ، هذه المساعي، بعدما أفصح عن مواقف بعض الدول في هذا الخصوص، والتي تؤيد عودة النظام إلى الجامعة، وكانت على القائمة الجزائر، والعراق، والأردن، فيما غابت الإمارات عنها.

من الواضح أن هناك إصراراً من هذه الدول، وأبو ظبي، على إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي، من خلال الاعتماد على الدبلوماسية السياسية، والدعم الاقتصادي، لا سيما أنَّ الإمارات فعّلت في وقت مضى مجلس رجال الأعمال السوري-الإماراتي، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

وكأنّ الأمر بتلك السهولة، فلا يخفى على أحد أنَّ علاقة النظام السوري، سواءً أيام الأب حافظ أو الابن بشار، ليست علاقةً إستراتيجيةً فحسب، كما يعتقد بعض علماء السياسة، وإنما هي علاقة “أبوية” مبنية على الطاعة الكاملة من قبل دمشق لطهران الحليف الذي يثق به بشار أكثر من روسيا، وغيرها.

تتقاطع المساعي الإماراتية مع الروسية، وتندرج في إطار المراهنات على قدرة المجتمع الدولي على إبعاد النظام عن إيران، تمهيداً لإعادته إلى الحضن العربي، الحضن الذي كفر به حافظ في وقت سابق، ويكفر به بشار الأسد على حساب الحضن الإيراني الذي على ما يبدو فيه الأمان.

لا يوجد نظام في العالم يهبه المجتمع الدولي الحياة، مقابل أن يتنازل عن علاقته بإيران، ويرفض، إلّا النظام السوري، فعلى ماذا تراهن الإمارات والدول العربية؟ وهل بالفعل تحتاج هذه الدولة التي حوّلت منطقة صحراوية إلى صرحٍ حضاري، إلى نظام قتل مليون سوري، وهجّر 15 مليوناً؟

تغيير لسلوك النظام أم تطبيع معه؟

توجهت الأنظار إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي على الأقل ما زالت ترفض أي إعادة للعلاقات مع النظام السوري، مع أنَّها مهتمة في “تحسين سلوك النظام”؛ هذه الجملة التي تعبّر عن فلسفة إدارة جو بايدن في التعاطي مع الملف السوري، وكأنَّه يسخر من السوريين بقوله: سنغيّر سلوك من يقتلكم.

التصريحات الأمريكية الأخيرة كانت بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لمن يريد التطبيع مع نظام الأسد، في ظل الانسداد، وحالة الاستعصاء السياسي حول إيجاد حل للملف، وضعف أداء المعارضة السورية التي بكل تأكيد تتحمل جزءاً من مسؤولية التراخي الدولي في تناول الملف السوري، بعدما فشلت في الدفاع عن ثورة الشعب.

وحين بدأت أحداث مدينة درعا في النصف الثاني من عام 2021، لبسط السيطرة الروسية بشكل كامل على جنوب سوريا، مقابل خط الغازي المصري-الإسرائيلي الذي يمرّ عبر الأراضي السورية، ومن الجنوب هرول الملك عبد الله لإجراء اتصال مع رئيس النظام السوري الذي لطالما طالبه بالرحيل مقابل الغاز، علّقت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لا تمانع المشروع، على الرغم من أنَّه يتنافى مع روح قانون قيصر الذي لا يجيز التعامل الاقتصادي مع دمشق، قبل إنجاز الحل السياسي. هذه الخطوة كانت مؤشراً على مرحلة عربية جديدة للتعامل في ملف سوريا.

وفي العودة إلى سياق الزيارة الإماراتية، علّقت الخارجية الأمريكية بالاستياء من هذه الخطوة، إذ قال المتحدث الرسمي باسمها، نيد برايس، إنَّ بلاده تشعر بالقلق إزاء الاجتماع، ووصف الأسد بالديكتاتور الوحشي، وإنَّهم لا يدعمون إعادة تأهيل بشار الأسد، والتطبيع معه، كما ذكّر دول المنطقة بالجرائم التي ارتكبها النظام.

في الواقع، هذه التصريحات قد تعبّر بالفعل عن سياسة واشنطن بعدم رغبتها في عودة النظام، ولكنها في المقابل توضح عدم الاهتمام، أو الاكتراث، بالملف السوري، مما ساعد دول المنطقة للدفع في اتجاه إيجاد حلول مع نظام الأسد، لإبعاده عن إيران.

وبعيداً عن السياسة، إنَّ الحقيقة المطلقة التي لا نرغب في تصديقها، نحن شعوب المنطقة، هي أنَّ دولنا القابعة تحت نير الاستبداد، وتحكمها نظمٌ ديكتاتورية وفردانية، لا يمكن أن تدعم أي ثورة شعبية، لأنَّها تهدد مملكة الصمت والفرد، فكيف لنظام ملكي لا يوجد فيه فقه الديمقراطية، أن يدعم الربيع العربي؟ ألم يحن الوقت لتدرك الشعوب العربية أنَّ عدوّها الأول هو تلك الأنظمة الوظيفية الشمولية، فالانعتاق منها هو الخلاص الوحيد؟

رصيف 22

————————————

بعثيون يحيّون “الروح الوثابة” للإمارات بعد عودتها لحضن الأسد/ وليد بركسية

يتقلب موالو النظام السوري بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان الخاطفة إلى دمشق، بين أغنيتين للمغنية اللبنانية نوال الزغبي: “مش مسامحة” و”خلاص سامحت”، في مشهد يلخص كيف يغير نظام الأسد خطابه الإعلامي حسب تغير المعطيات السياسية من حوله، لأنه بعد سنوات من الحديث عن عدم عروبة سوريا مقابل مشرقيتها كدولة ممتدة في عمق التاريخ، عاد إلى الحديث عن العروبة كمرجعية ثقافية تحدد هويته كنظام سياسي.

وفيما كان المعارضون عموماً يتحدثون عن فظاعة التطبيع العربي مع نظام متوحش أباد شعبه طوال عشر سنوات، وإن لم يكن ذلك مفاجئاً لهم نظراً لدور أبوظبي الإقليمي المعروف كقائدة لمحور الثورات المضادة بعد الربيع العربي ولكون الإمارات أول دول عربية أعادت فتح سفارتها في دمشق العام 2018، فإن الموالين بدوا حائرين أمام المشهد بعد سنوات من الضخ الرسمي المعادي للدول العربية، وحافظوا بالتالي على مزيج متباين من المشاعر تجاه “عربان الخليج” مثلما كانت الشاشات الرسمية في سوريا تصف الحكام الخليجيين، طوال سنوات، من منطلق أنهم “شركاء في المؤامرة الكونية على سوريا” و”أدوات للمخطط الصهيوأميركي” في الشرق الأوسط.

ونظراً لذلك استمر البعض في تقديم تعليقات حادة اعتبرت الإماراتيين غير مرحب بهم في البلاد بينما قدم آخرون رؤية أكثر تفاؤلاً وتسامحاً من باب الأخوة والأخلاق العربية الأصيلة، فيما كان لافتاً اختفاء الأصوات الأكثر راديكالية من مواقع التواصل عن التعليق، وكأن توجيهات رسمية موحدة جعلت الصوت الموالي في العموم مقتصراً على تبادل خبر الزيارة نقلاً عن “سانا”، لا أكثر. ووصل ذلك إلى الإعلام الرسمي نفسه الذي كانت الزيارة غائبة عنه إلى حد كبير باستثناء الجانب الخبري منها وتلاوة البيانات الرسمية الصادرة عن رئاسة الجمهورية.

يعاكس ذلك الصورة التي تتبادر للأذهان عند سماع خبر الزيارة رفيعة المستوى وهي الأولى لمسؤول إمارتي إلى دمشق منذ العام 2011، فالتعاطي الإعلامي الباهت يخالف ما جرت عليه العادة من مبالغة. واختفت بالتالي العبارات الطنانة ورقصات الدبكة وحتى كلمات المديح لرئيس النظام بشار الأسد الذي “يهرول العرب عائدين إليه”. وتبدو الزيارة من هذا المنطلق ذات جوانب اقتصادية متعلقة بخطوط الغاز والطاقة التي يجري الحديث عنها في المنطقة، أكثر من كونها زيارة سياسية بحتة.

يدرك النظام تلك الحقيقة ويرضى باللعب على النفس الطويل إعلامياً ودبلوماسياً، مع كل الأطراف، من أجل إبقاء نفسه على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة، فيما تصعب عملية تعويم النظام عربياً إلى حد كبير لعدم سيطرته على كامل الأراضي السورية من جهة، وتحوله من جهة أخرى إلى مجرد واجهة للقوى الداعمة له: إيران وروسيا خارجياً وشبكة الميليشيات ورجال الأعمال المرتبطة به داخلياً، بالإضافة للرفض الأميركي والأوروبي لذلك التعويم مثلما بدا على الأقل في التصريحات الرسمية بهذا الخصوص، مع عدم وجود أفق سياسي للحل في البلاد، بسبب تزمت النظام طوال سنوات بهذا الشأن.

ورغم كل ذلك تبقى الزيارة ككل مثيرة للنكات والسخرية بسبب كمية التناقضات التي تحتويها، فمن جهة تقود أبو ظبي محور التطبيع مع إسرائيل في وقت يقدم فيه نظام الأسد نفسه واحداً من قادة دول محور الممانعة. ومن جهة أخرى كان النظام يقدم معارضيه على أنهم عبيد منبطحون أمام “البترودولار” فيما يقوم هو اليوم بذلك بدليل افتتاحية جريدة “البعث” الرسمية التي حملت عنوان “خطوة عربية أصيلة” وامتلأت بعبارات الثناء للقادة الخليجيين الذين تجاوزوا “كبوات التاريخ” أخيراً بفعل “الروح الوثابة” التي يمتلكونها.

يصل الأمر إلى حد فكرة الهوية ومعنى الدولة السورية أيضاً، حيث كانت العروبة فكرة دافع عنها النظام طوال عقود، لكنه تخلى عنها بعد الثورة السورية بشكل واضح بعد طرده من جامعة الدول العربية ومقاطعة تلك الدول له. وتجلى ذلك في إحياء التراث السوري الآتي من الحضارات الأولى التي قامت في المنطقة، على الشاشات الرسمية والتي بلغت ذروتها العام 2016 في الاحتفال الرسمي بعيد السنة الآشورية “أكيتو”، وهو أحد الأعياد الممنوعة في البلاد على غرار عيد النوروز الكردي، قبل ذلك.

لكن عودة العلاقات الدبلوماسية بين النظام السوري ودول عربية منذ العام 2018، أفضت إلى عودة حاسمة نحو الفكر العروبي، كما أن الثقل الذي باتت تمتلكه وزارة الأوقاف السورية في البلاد، شكل دفعة إضافية لتبني الخطاب العروبي مجدداً، لأن الخطاب الديني يمزج دائماً بين الإسلام والعروبة. وهو ما تجلى في خطاب لوزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد العام الماضي  قال فيه أنه “لا يمكن الفصل بين العروبة والإسلام” فيما كان الأسد شخصياً أكثر وضوحاً عندما قال في خطاب العام الماضي أن الدولة السورية هي دولة عربية حصراً في رده على على الدعوات التي تحدثت طوال السنوات الماضية عن أن سوريا ليست بلداً عربياً بل بلد غزاه العرب بعد الإسلام فقط.

ومن المثير للسخرية أن النظام قدم كل ذلك من باب شعارات حزب “البعث” الحاكم لتحقيق الوحدة العربية رغم أن مشروع القومية العربية انهار منذ سنوات طويلة وأثبت فشله وعدم واقعيته. وبهذا يرجع إلى جذوره ويتخلى مجدداً عن رغبته في تقديم نفسه كنظام متحضر حام لثقافات متعددة في بلد يحتوي طوائف إثنية ودينية متعددة، وإن لم يكن ذلك مهماً تماماً طالما أنه لا يحكم إلا من خلال القوة بوصفه مجرد ميليشيا تتحكم بالسلطة بدعم من قوى خارجية.

وبما أن حكام الإمارات يحبون كيل المديح لهم فمن اللائق هنا رفع القبعة لهم على تمهيدهم لهذا التطبيع مع النظام الأسدي المسؤول عن مقتل نصف مليون شخص وتهجير 12 مليوناً آخرين، عبر التطبيع أولاً مع نظام أقل إجراماً ربما هو إسرائيل، كي لا يكون الخبر صاعقاً ومؤلماً للمتابعين. سخرية لا بد منها لأن المشهد ككل يبقى محزناً ومخزياً في وقت واحد.

    سأل أحدهم…

    كيف سمحت “إسرائيل” لحليفتها الإمارات بالتّطبيع مع “الممانع” (بشّار الأسد) العدوّ الأوّل للعدوّ الصّهيوني..!؟

    — Zeinab saleh (@zeinabsaleh588) November 10, 2021

وهنا، أعاد معارضو النظام حديثهم عن انحسار الثورة السورية والمعارضة بشكل عام، تدريجياً خلال السنوات الماضية، ورأوا في الزيارة نهاية رسمية للثورة السورية، التي تآمرت عليها قوى إقليمية ودولية قادت الثورة المضادة للربيع العربي. وكانت الحسرة واضحة في عشرات التعليقات التي رأت في سياسة الإمارات الخارجية، نهاية للربيع العربي وأحلام جيل بكامله رغب في التحرر من الدكتاتوريات التقليدية وبناء مجتمعات ديموقراطية.

وكانت الدول العربية، بما فيها الإمارات، قطعت علاقتها مع النظام السوري في بداية الثورة العام 2011، على المستوى الدبلوماسي، أي إغلاق السفارات، بسبب استخدامه القمع ضد المتظاهرين السلميين. وأغلقت الإمارات بالتحديد سفارتها العام 2012 تزامناً مع إجراءات مماثلة اتخذتها عدة دول عربية وغربية، نتيجة قرارات غير ملزمة من جامعة الدول العربية بنزع الشرعية عن نظام الأسد، لكن على عكس تلك الدول، أبقت الإمارات قسماً قنصلياً في السفارة السورية في أبو ظبي قيد الخدمة، من أجل تقديم الخدمات للجالية السورية الموجودة على الأراضي الإماراتية.

المدن

———————————

وزير خارجية الإمارات يلتقي الأسد..وواشنطن تشعر بالقلق!

استقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، برفقة وفد رفيع المستوى، في العاصمة السورية دمشق، وبحثا “العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك”، بحسب بيان للرئاسة السورية.

وعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، على الزيارة بالقول إن الولايات المتحدة قلقة بسبب لقاء وزير خارجية الإمارات مع رئيس النظام السوري وحث دول المنطقة على التفكير ملياً في الفظائع التي ارتكبها الأسد.

وقال برايس، في إفادة صحافية اعتيادية: “نشعر بالقلق إزاء التقارير عن هذا الاجتماع والإشارة التي يبعث بها”. وأضاف “مثلما قلنا من قبل، لن تعبر هذه الإدارة عن أي دعم لمساعي تطبيع العلاقات مع بشار الأسد، الدكتاتور الوحشي”.

وتُعد زيارة الوزير الاماراتي الى دمشق الأولى من نوعها منذ قطعت الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد إثر اندلاع الثورة في العام 2011، قبل أن تتصدر الإمارات جهود بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الأسد.

ووصل بن زايد إلى دمشق برفقة وزير الدولة الإماراتي خليفة شاهين، ورئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ بمرتبة وزير، علي محمد حماد الشامسي”.

وجاء في بيان الرئاسة السورية، أنه “جرى خلال اللقاء، بحث العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف الجهود لاستكشاف آفاق جديدة لهذا التعاون، وخصوصاً في القطاعات الحيوية من أجل تعزيز الشراكات الاستثمارية في هذه القطاعات”، كما تناول النقاش “الأوضاع على الساحتين العربية والإقليمية”.

وأشار البيان إلى أنه “تمّ الاتفاق على استمرار التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا والتحديات التي تواجه المنطقة العربية، من أجل تحقيق تطلعات شعوبها وبإرادتهم بعيداً عن أي تدخلات خارجية”.

وقال الأسد إن “العلاقات الأخوية الوثيقة تجمع بين سوريا والإمارات منذ أيام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان”، وأشار إلى “المواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات”، لافتاً إلى أن “الإمارات وقفت دائماً إلى جانب الشعب السوري”، بحسب بيان الرئاسة.

من جهته، أكد الوزير الإماراتي دعم بلاده لجهود الاستقرار في سوريا، معتبراً أن ما حصل في سوريا أثّر على كل الدول العربية، مشيراً إلى أن “الإمارات مستعدة دائماً لمساندة الشعب السوري”.

————————

اعتراضات اميركية على زيارة الوزير الاماراتي “المخزية” الى دمشق

برّر المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، زيارة وزير خارجية بلاده عبد الله بن زايد إلى دمشق، بالقول إن “الإمارات تواصل بناء الجسور ووصل ما انقطع”.

وقال قرقاش في تغريدة: “الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتعزيز العلاقات ووصل ما قُطع، وستحرص في ذلك كله على البُعد العربي وتجنيب المنطقة المزيد من الاحتقان والصراعات المستمرة”.

    الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتعزيز العلاقات ووصل ما قُطع، وستحرص في ذلك كله على البُعد العربي وتجنيب المنطقة المزيد من الاحتقان والصراعات المستمرة.

    — د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) November 9, 2021

وكان بن زايد وصل ظهر الثلاثاء إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد، لتُضاف هذه الزيارة إلى سجل محاولات الإمارات المستمرة لكسر عزلة الأسد عربياً، وإعادة تطبيع العلاقات معه.

لكن الزيارة الإماراتية أثارت حفيظة واشنطن. وأعربت الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء التقارير التي تحدثت عن اجتماع وزير الخارجية الإماراتي، مع الأسد، في دمشق وعلى الإشارة التي ترسلها.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس في مؤتمره الصحافي اليومي: “كما قلنا سابقاً إن هذه الإدارة (الأميركية) لن تعبر عن دعمها لأي جهود للتطبيع أو لتأهيل بشار الأسد الذي هو ديكتاتور متوحش”.

من جهته، انتقد كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جيمس ريتش، زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق.

وقال في تغريدة: “إنه لأمر مخزٍ أن ينفتح عدد متزايد من الدول على تطبيع العلاقات مع الأسد. يجب على الإمارات العربية المتحدة والآخرين الذين يتجاهلون العنف المستمر ضد المدنيين السوريين، العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 قبل اتخاذ أي خطوات أخرى نحو التطبيع”.

    It is shameful that a growing number of countries are open to normalizing relations w/ #Assad. The #UAE and others that are ignoring the ongoing violence against #Syrian civilians should work towards implementing #UNSCR2254 before taking any further steps toward normalization.

    — Senate Foreign Relations Committee Ranking Member (@SenateForeign) November 9, 2021

———————————

الإمارات وسوريا تدشّنان مرحلة جديدة في العلاقات

الأسد استقبل عبد الله بن زايد… وواشنطن ترفض {التطبيع مع الديكتاتور}

دمشق – أبوظبي: «الشرق الأوسط»

دشّنت دمشق وأبوظبي أمس مرحلة جديدة في العلاقات بينهما، وذلك باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، في أول زيارة من نوعها للعاصمة السورية منذ 2011.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) بأن اللقاء تناول «العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات».ونقلت «سانا» عن الأسد «تأكيده على العلاقات الأخوية الوثيقة} بين سوريا والإمارات، وأنه «نوّه بالمواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات». من جانبه، أكد الشيخ عبد الله «دعم الإمارات لجهود الاستقرار في سوريا»، معتبراً أن ما حصل فيها {أثر على كل الدول العربية»، حسب «سانا».

وانتقدت الولايات المتحدة هذا اللقاء، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس: «نشعر بالقلق إزاء التقارير عن هذا الاجتماع والإشارة التي يبعث بها». وأضاف: «مثلما قلنا من قبل، لن تعبّر هذه الإدارة عن أي دعم لمساعي تطبيع العلاقات… مع بشار الأسد، الديكتاتور الوحشي».

الشرق الأوسط

——————————-

الأسد يعتبر مواقف الإمارات “موضوعية وصائبة”.. وبن زايد من دمشق لعمّان

أعلن نظام الأسد رسمياً، مساء اليوم الثلاثاء، عن زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى العاصمة السورية دمشق، التقى خلالها رأس النظام، بشار الأسد.

وذكرت “رئاسة الجمهورية” عبر معرفاتها الرسمية، أن الأسد استقبل وفداً إماراتياً رفيع المستوى، يرأسه وزير خارجية البلاد، يرافقه وزير الدولة في الخارجية الإماراتية خليفة شاهين، ورئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، علي محمد حماد الشامسي.

وأشارت إلى أن اللقاء تمحور حول قضايا ثنائية مختلفة، أبرزها تعزيز الجهود الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية، إلى جانب بحث قضايا عربية وإقليمية.

    الرئيس #بشار_الأسد يستقبل الشيخ #عبد_الله_بن_زايد #آل_نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في دولة #الإمارات العربية المتحدة، يُرافقه خليفة شاهين وزير دولة في الخارجية الإماراتية، وعلي محمد حماد الشامسي رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ بمرتبة وزير. pic.twitter.com/1UEFbuITHr

    — Syrian Presidency (@Presidency_Sy) November 9, 2021

وبحسب “رئاسة الجمهورية” أكد الأسد على “العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع بين سورية والإمارات العربية المتحدة، منذ أيام الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان”.

واعتبر أن التحركات الأخيرة للإمارات اتجاهه مواقف “موضوعية وصائبة”.

في حين نقلت حسابات الرئاسة عن وزير الخارجية الإماراتي قوله إن “ما حصل في سورية أثَّر على كل الدول العربية، معرباً عن ثقته أن سورية وبقيادة الرئيس الأسد، وجهود شعبها قادرة على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب”.

وحضر اللقاء من الجانب السوري، إلى جانب الأسد، وزير خارجيته فيصل المقداد ومسؤولين آخرين في الخارجية.

ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب الإماراتي حول الزيارة حتى اللحظة.

والزيارة هي الأولى من نوعها التي يقوم بها علناً مسؤول إماراتي بهذا المستوى إلى سورية، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وسط توقعات بمساعٍ إماراتية لإخراج الأسد من عزلته العربية.

ومن المقرر أن يتجه وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، إلى الأردن، بعد مغادرته سورية، بحسب ما ذكرت وكالة “عمون” الأردنية، ليعقد لقاء مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.

يُشار إلى أن العلاقات بين الإمارات ونظام الأسد شهدت تحسناً متسارعاً، خلال العامين الماضيين، إذ افتتحت أبو ظبي عام 2018 سفارتها في دمشق بشكل رسمي، وتم تكليف عبد الحكيم النعيمي للقيام بالأعمال بالنيابة.

وإلى جانب ذلك بدأت زيارة الوفود الاقتصادية بين البلدين، وعودة بعض الشركات الإماراتية للاستثمار إلى داخل سورية.

كما اتصل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع رئيس النظام بشار الأسد، في مارس/ آذار 2020، بحجة دعم سورية في مواجهة فيروس “كورونا المستجد”.

———————————–

طالبت بتطويق الأسد و تقود محاولات تعويمه..محطات علاقة الإمارات بالنظام

“كفى قتلاً وتعذيباً ومجازر وكفى علينا المشاهدة” بهذا الكلمات، وجه وزير الخارجية الإمارتي، عبد الله بن زايد(شقيق محمد)، سنة 2012، تساؤلات إلى المجتمع الدولي حول المدة التي سيستمر فيها الصمت والسكوت عن المجازر التي يرتكبها نظام الأسد بحق السوريين.

حديث بن زايد حينها، الذي أطلقه أمام العشرات من وزراء خارجية الدول، التي وصفت نفسها بأنها “صديقة الشعب السوري” في مؤتمر باريس، يوليو/تموز 2012، اعتبره كثيرون بأنه اصطفاف الإمارات إلى جانب الشعب السوري مع بقية الدول الخليجية.

وتساءل بن زايد في كلمته، التي وُصِفت حينها بأنها “مشرفة” و”قوية”، “إلى متى سنعطي النظام السوري الحجة علينا أنه يستطيع أن يضحك ويضحك ويضحك على المجتمع الدولي والشعب السوري يموت”.

واعتبر أن العقوبات الاقتصادية لن تغير سلوك نظام الأسد، قائلًا “لا أعرف كما من أعداد من أخوتنا في سورية يجب أن يموتوا قبل أن نبحث عن تغيير هذه الاستراتيجية”.

زيارة “استثنائية” لدمشق

بعد سنواتٍ قليلة من خطابه هذا، بدأت العلاقات بين الإمارات ونظام الأسد، بالعودة تدريجياً، وإن كان بشكلٍ غير مُعلن تماماً على المستوى السياسي.

وتحت حجة “الإنسانية” ومواجهة “كورونا”، وعلى الرغم من استمرار النظام بارتكاب نفس الجرائم التي دفعت بن زايد لمهاجمته سنة 2012، إلا أن أبو ظبي غيّرت موقفها من نظام الأسد، حتى ذهب محللون إلى أن العلاقات ربما لم تنقطع إلا مدة قصيرة، تحولت فيها العلاقات لحالة العداء.

وكما يقال فإن السياسة قائمة على المصالح، وعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم.

ومن بوابة “كورونا” و”مساعدة الشعب السوري”، تواصل محمد بن زايد مع بشار الأسد هاتفياً السنة الماضية، فيما اعتبر شقيقه عبد الله بن زايد أن عقوبات قانون “قيصر”، مطبات تقف بوجه التنسيق والعمل المشترك مع نظام الأسد، مشيراً خلال زيارة له إلى موسكو في مارس/ آذار الماضي، إلى ضرورة عودة سورية إلى محطيها ودورها في جامعة الدول العربية.

اليوم الثلاثاء، ومن دون إعلان مسبق، أجرى وزير الخارجية الإماراتي زيارة إلى العاصمة السورية دمشق، التقى خلالها رأس النظام، بشار الأسد.

ويرصد فريق “السورية.نت” أبرز المحطات التي مرت بها العلاقات بين نظام الأسد والإمارات العربية المتحدة منذ بداية الثورة السورية وحتى اليوم.

متابعة التطورات

عملت الإمارات خلال الأشهر الأولى لاندلاع الثورة السورية، على متابعة التطورات الميدانية والسياسية، كغيرها من الدول الخليجية، التي حاولت الضغط على النظام، من أجل عدم السماح للأوضاع بالتفاقم وإيجاد حلول للخروج من الأوضاع.

واستقبل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في 5 يونيو/حزيران 2011، وزير خارجية نظام الأسد، وليد المعلم، على الرغم من تصاعد الأحداث في المدن السورية وخاصة في درعا، ومقتل واعتقال العشرات من السوريين على يد مخابرات الأسد.

وأبلغ بن زايد حينها وليد المعلم بأن الإمارات تتابع “باهتمام بالغ” التطورات في سورية، داعياً إلى الإصلاح والحاجة إلى الاستقرار كونهما هدفان متلازمان ويمكن التوفيق بينهما.

وطلب بن زايد، المعلم، أيصال تحياته إلى رئيس النظام، بشار الأسد، معربًا عن أمينته بخروج سورية وشعبها من المِحنة.

بدء التحرك ضد النظام

ومع تصاعد العنف من قبل نظام الأسد، وضربه دعوات الدول والجامعة العربية إلى الهدوء والبدء بعملية الحوار مع المعارضة، عرض الحائط، قررت الدول الخليجية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام.

وأعلنت الدول الخليجية، في 6 مارس/آذار 2012، بما فيها الإمارات، استدعاء سفرائها من سورية، والطلب من جميع سفراء النظام مغادرة أراضيها “بشكل فوري”، لكن دولة الإمارات أبقت على بعثة دبلوماسية للنظام على أراضيها من أجل تسيير معاملات السوريين المتواجدين على أراضيها.

كما انضمت الإمارات إلى حلف أصدقاء سورية الذي يضم 100 دولة، والذي اعتبر أن الحل في سورية سياسي، وشدد على رحيل النظام ورئيسه، بشار الأسد.

كما عارضت الإمارات في 2014 إجراء الانتخابات الرئاسية للنظام على أراضيها، وحملت الفشل في الملف السوري إلى عدم حدوث توافق ميداني ودولي عليها.

علاقات اقتصادية خفية

لكن في ظل تصريحات سياسية من قبل مسؤولين إماراتيين ضد النظام، تحولت مدينة دبي إلى مكان لإقامة شخصيات من عائلة الأسد، أهمها بشرى الأسد شقيقة رئيس النظام بشار الأسد، وزوجة العماد المقتول آصف شوكت، بحسب ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في 2012.

كما كانت والدة الأسد مقيمة في دولة الإمارات، وتوفت في دبي في فبراير/شباط 2016، قبل نقل الجثمان ودفنها في اللاذقية، إلى جانب استثمارات رامي مخلوف، ابن خال الأسد، والذي يملك استثمارات متعددة وأبراج وسط مدينة دبي.

كما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على شركة “بانجيتس” ومقرها الشارقة، بسبب توريدها منتجات نفطية لسورية، منها وقود طيران من عام 2012 حتى أبريل/نيسان 2014، مرجحة أن هذه المنتجات استخدمت في أغراض عسكرية.

كما لعبت الإمارات دوراً خفياً في تعاملها مع فصائل المعارضة السورية، وخاصة في الجنوب السوري، إذ حاولت تطويعهم وزرع العملاء بينهم، ما أدى إلى تفككها ودفعها إلى إجراء “تسويات”.

عودة العلاقات

وفي 27  ديسمبر/كانون الأول 2018، أعلنت الإمارات إعادة افتتاح سفارتها في دمشق بشكل رسمي وتكليف عبد الحكيم النعيمي للقيام بالأعمال بالنيابة.

وربط وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حينها عودة العلاقات مع نظام الأسد، إلى الوقوف في وجه التدخلات الإيرانية في المنطقة.

وقال قرقاش إن “الجميع مقتنع بأنه لا بد من مسار سياسي لحل الأزمة السورية، وإن فتح الاتصال مع دمشق لن يترك الساحة مفتوحة للتدخلات الإيرانية”.

وإلى جانب ذلك بدأت زيارة الوفود الاقتصادية بين البلدين، وعودة الشركات الإماراتية للاستثمار إلى داخل سورية.

وفي ظل أنباء عن وجود علاقات بين النظام والإمارات بشكل خفي، ظهرت هذه العلاقات إلى العلن باتصال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع رئيس النظام بشار الأسد، في مارس/ آذار 2020.

وفي تغريدة على حسابه الرسمي، بموقع “تويتر”، قال بن زايد:”بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسورية العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.

    بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار ، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة.

    — محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) March 27, 2020

من جهته اعتبر قرقاش عبر حسابه في “تويتر” أن “الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا تتطلب خطوات غير مسبوقة، وتواصل الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري هذا سياقه”.

كما اعتبر أن “البعد الإنساني له الأولوية وتعزيز الدور العربي يعبر عن توجه الإمارات، خطوة شجاعة تجاه الشعب السوري الشقيق تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة”

————————–

ثلاثة أهداف للإمارات من التقارب مع النظام السوري/ فراس فحام

خطت الإمارات خطوة جديدة وكبيرة في طريق تطبيع العلاقات مع النظام السوري، حيث حطت طائرة وزير الخارجية “عبد الله بن زايد” يوم الثلاثاء الفائت في العاصمة دمشق، بعد مرور ثلاث سنوات كاملة على افتتاح السفارة الإماراتية في سوريا آواخر عام 2018.

وظهرت أولى المؤشرات على انعطافة إماراتية في الملف السوري، منذ أن ضغطت أبو ظبي على فصائل الجبهة الجنوبية التي دعمتها سابقاً من أجل الدخول في التسوية مع روسيا صيف 2018.

ويمكن تحديد جملة من الأهداف السياسية والاقتصادية، التي تسعى الإمارات إلى تحقيقها من خلال التقارب مع النظام السوري.

أسباب سياسية

زيارة “بن زايد” استبقت انعقاد جولة جديدة من المحادثات الاستراتيجية حول الملف السوري، بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي “بريت ماكغورك”، والمبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا “ألكسندر لافرنتييف”، وتتزامن مع تشدد أقل من إدارة بايدن تجاه إعادة العلاقات مع النظام السوري، حيث قدمت تساهلات في ملف العقوبات الاقتصادية على دمشق، وتغاضت عن فتح الأردن لمعبر جابر / نصيب قبل عدة أشهر، كنوع من بناء الثقة مع موسكو لدفع التفاهمات إلى الأمام، وتبدو أن عدم معارضة زيارة “بن زايد” تأتي في السياق ذاته.

ورغم إعلان وزارة الخارجية الأميركية “استياءها” من زيارة “عبد الله بن زايد”، لكنها لم تتدخل لمنعها على غرار ما فعلته في زمن إدارة “ترامب”، عندما هددت حينذاك بالعقوبات على أي دولة تنتهك “قانون قيصر”.

    وزارة الخارجية الأميركية لتلفزيون سوريا: التطبيع مع الأسد يخالف الإجماع الدولي وواشنطن لم تغير موقفها من الأسد@homamsarraj

@USAbilAraby#سوريا_اليوم #تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/FzjSK1Hr1J — تلفزيون سوريا (@syr_television) November 10, 2021

تحاول أبو ظبي أن تستفيد من الظرف من أجل توسيع دورها في منطقة الشرق الأوسط من بوابة الوساطة في الأزمة السورية، فهي تمتلك أموالاً يمكن أن تستثمرها في إعادة الإعمار على الأراضي السورية، ويمكن لها أن تقدم للنظام السوري متنفساً اقتصادياً، وهذا يجعلها في موقف تفاوضي مع كل من واشنطن وموسكو.

ضمان دور إماراتي أوسع في سوريا، يتيح لأبو ظبي أيضاً تقوية موقفها في مواجهة بعض الدول المنافسة مثل تركيا وإيران، ويدعم صلاتها مع بلدان أخرى مثل إسرائيل، من خلال تقديم الورقة الاقتصادية للنظام السوري لدفعه باتجاه خفض تأثير إيران تدريجياً على قراره.

أسباب اقتصادية

تشير التقديرات إلى أن استثمارات الإمارات في سوريا بلغت 20 مليار دولار أميركي قبل عام 2011، مما جعلها ثاني بلد عربي من حيث حجم الاستثمارات في الاقتصاد السوري.

وموقع سوريا على البحر المتوسط يجعلها بوابة عبور مهمة إلى السوق الأوروبية، ولذلك أعلنت شركة موانئ دبي العالمية مطلع عام 2019 عن إنشاء ممر من ميناء جبل علي في دبي وصولاً إلى معبر جابر/ نصيب على الحدود الأردنية – السورية، لاختصار المسافة إلى 6 أيام بعد أن كانت تستغرق 24 يوماً.

واتجه “بن زايد” لزيارة الأردن بعد سوريا، والتقى نظيره الأردني “أيمن الصفدي”، وبحث معه تطوير العلاقات والشراكات الاقتصادية، مما يعزز احتمال نقاش تفعيل خط التصدير بين “جبل علي” و “جابر / نصيب”.

ملف الطاقة

تلقت طموحات الإمارات بتوريد الطاقة (النفط والغاز) من دول الخليج إلى أوروبا عن طريق البحر المتوسط ضربة موجعة، بعد أن رفضت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية في مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري منح الترخيص لخط نفط يربط بين الإمارات ومدينة “عسقلان” ودول أوروبا.

ويبدو أن القرار الإسرائيلي المفاجئ، دفع أبو ظبي للبحث عن بدائل من بوابة السواحل السورية، خاصة وأن الإمارات ترتبط بعلاقات إيجابية مع روسيا، الأمر الذي قد يتيح لها الاستثمار في منطقة حوض شرق المتوسط من البوابة السورية، لتصبح من ضمن موردي الطاقة إلى السوق الأوروبية التي تعاني من أزمة بسبب الاحتياجات المتزايدة للطاقة.

وفي أواخر عام 2020 انضمت الإمارات بشكل رسمي إلى منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم كلاً من مصر – اليونان – قبرص – الأردن – إسرائيل – إيطاليا، مما أعطى مؤشراً واضحاً على مدى الاهتمام الإماراتي في هذه البقعة الجغرافية الغنية بالغاز والنفط.

تحقيق المكاسب السابقة يفرض على الإمارات تقديم مكاسب سياسية لروسيا، حيث تكافح الأخيرة منذ مدة لتطبيع علاقات النظام السوري مع الدول العربية بهدف إعادة تعويمه دولياً، ويبدو أن أبو ظبي الطامحة لتوسيع دورها السياسي والاقتصادي في المنطقة، ثاني المستجيبين للطرح الروسي بعد الأردن.

وتبقى النتائج التي تسعى الإمارات إلى تحقيقها من تطبيع العلاقات مع النظام السوري مرتبطة بشكل أساسي بالمواقف الدولية ومستقبل التفاهمات حول الملف السوري، خاصة مدى قدرة كل من واشنطن وموسكو على التوصل إلى خطة عمل واتفاق متين حول مصير الحل السياسي النهائي، ورغبة أو قدرة موسكو على ضمان إحداث تغييرات في سلوك نظام الأسد، بما في ذلك خفض النفوذ الإيراني وتأثيره على قرار دمشق، فلا يمكن فهم الموقف الأميركي المتراخي الحالي أنه نهائي، وإنما يمكن أن تتدخل واشنطن في أي لحظة لتعطيل تنفيذ أي تفاهمات بين الإمارات وروسيا والنظام السوري في حال كانت لا تتناسب مع رؤيتها.

تلفزيون سوريا

—————————-

لماذا الآن زيارة بن زايد إلى دمشق؟… / هبة محمد

محلل لـ«القدس العربي»: أبو ظبي ممتعضة من تحييد أمريكا لها في ملفات عدّة

أثارت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق واجتماعه مع رأس النظام السوري بشار الأسد ردود فعل بين المحللين والمهتمين بالشأن السوري. وكانت الخارجية الأمريكية أكدت أنها لا تدعم أي جهود للتطبيع مع النظام السوري، وذلك بسبب أرفع زيارة لمسؤول إماراتي منذ أكثر من عشر سنوات، حيث التقى وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، رئيس النظام السوري بشار الأسد، في العاصمة السورية، دمشق. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في مؤتمر صحافي أمس «نحن قلقون من التقارير الخاصة بهذا الاجتماع والإشارة التي يرسلها» حسب ما نقلته وكالة «رويترز».

وفسر الخبير السياسي محمد سرميني هذا اللقاء بأنه يستهدف «تحقيق مصالح وتوجيه رسائل لفاعلين آخرين، بعضهم في سوريا وآخرون خارجها». وأضاف «النظام السوري في حالة من الضعف التي لا تسمح له بتقديم أي عوائد فعلية لأي فاعل… والإمارات تعمل في هذه المرحلة تبحث عن توسيع دورها الإقليمي في المنطقة بعد سلسلة من الاخفاقات واجهتها في دول عديدة حاولت أن تلعب فيها دوراً فعالاً لكنها اصطدمت بقوى أخرى اقوى وأكثر تأثيراً، فهي تعمل على وضع الترتيبات الأخيرة لتقاسم النفوذ في اليمن مع الحوثيين، من خلال مجلس رئاسي سيُنهي آخر ما تبقى من حضور سياسي لخصوم الإمارات في الحكومة اليمنية، استعداداً لانسحاب سعودي وشيك من الحرب هناك».

وتعني هذه الترتيبات وفق سرميني أن «الإمارات وإيران في حاجة لترتيب ملفاتهم في اليمن والإقليم، خاصة أن طهران لا تنظر بالكثير من الترحاب للدور الإماراتي في المنطقة، نظراً لطبيعة تحالفاتها الإقليمية، ومنذ قدوم إدارة بايدن، تمت إزاحة الإمارات من قائمة الدول المفضلة، والتي تربعت عليها في عهد إدارة ترامب. ولكنها وبحكم توقيعها لاتفاقية سلام كاملة مع تل أبيب فإنّها أُعفيت من الاستهداف العلني الذي تعرّض له بقية حلفاء ترامب، رغم استهدافها بشكل غير معلن، من خلال وقف صفقات التسلح».

وأضاف «تشعر أبو ظبي بالامتعاض الشديد من تحييدها أمريكياً في عدّة ملفات، مقابل رفع مستوى الاعتماد على الدوحة، والتي ارتفع مستوى حضورها الدبلوماسي أمريكياً ودولياً بعد سيطرة حركة طالبان على كابول. التموضع الجديد غير المريح لأبو ظبي في واشنطن دفعها لتبني سياسات غير متناسقة مع التوجهات الأمريكية، سواء من خلال دعم الانقلاب في تونس والسودان؛ أو من خلال زيارة دمشق. حيث يبدو أن أبو ظبي بالتنسيق مع تل أبيب تحاول الضغط على واشنطن من أجل دفعها لتبني سياسات مختلفة تجاه حلفائها، وفي خضم سياساتها لتوسيع النفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا، وجدت أبو ظبي في موسكو حليفاً يمكن الاعتماد عليه في العديد من الملفات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية، وانعكس هذا التحالف في الملف الليبي، كما ظهر واضحاً في العديد من الملفات الأخرى، مثل الموقف من الانقلاب الأخير في السودان».

واعتبر سرميني أن أبو ظبي تسعى بذلك لتوسيع هوامشها الذاتية في المنطقة، بما قد يدفع واشنطن لإعادة التفكير بالآلية الممكنة للتعامل مع الدور الإماراتي، وبما يدفع إيران وروسيا لمنح الإمارات معاملة تفضيلية في الملفات المختلفة، وهو ما يساعد في امتلاك الإمارات لمزيد من أوراق التأثير، كما أن تبني أبو ظبي لما تُسميه «إعادة سوريا للحضن العربي» يُظهر أبو ظبي كمحاولة للعب دور قائد في المنطقة العربية، وهو ما يُكرس سياسة التحدي التي تنتهجها أبو ظبي تجاه الرياض.

وقال «إن الحديث عن مشروع إماراتي-إسرائيلي للتقارب مع النظام مقابل إخراج إيران من سوريا، يفتقر إلى المعرفة بطبيعة الوجود الإيراني في سوريا، وطبيعة العلاقة الإيرانية مع النظام، وهذا ما تدركه أبو ظبي وتل أبيب وأن بشار الأسد غير قادر على إخراج أحد من غير السوريين خارج سوريا».

بينما استذكر المعارض السوري فلاح آلياس تصريحات وزير الخارجية الإماراتي خلال اجتماع أصدقاء الشعب السوري في العاصمة الفرنسية باريس بتاريخ 6 يوليو/تموز 2012 وكتب معقبًا «نذكّر بكلام وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد …إلى متى سنعطي هذا النظام الحجة علينا؟ أنه يستطيع أن يضحك ويضحك ويضحك على المجتمع الدولي، والشعب السوري يموت. متى سنقف كمجتمع دولي ونقول: كفى. كفى قتلاً، كفى تعذيباً، كفى مجازر. وكفى علينا المشاهدة والحديث».

وانتقد المحامي السوري بسام طبلية دور الإمارات حيث كتب «زيارة وزير الخارجية الإماراتي للنظام في سوريا ما هي إلا دليل إلى عدم اكتراث الإمارات بمشاعر السوريين والوقوف الصريح ضد إرادة الشعب السوري».

بينما كتب أنور علي بورسان يقول «حكام أبو ظبي عايشين في قفص خيالي أكثر من اللازم بمعنى الشرعية التي حصلوا عليها من أمريكا في تحطيم الثورات بحجة قمع الإسلامويين غرد عليه حكام أبو ظبي بعيداً ونسوا أنهم يلعبون بهامش حدود السياسة الأمريكية وتصريح الخارجية

القدس العربي

———————————

بوليتيكو: هل رفعت الولايات المتحدة الفيتو عن التطبيع العربي مع نظام الأسد؟

سلّط تقرير جديد لبوليتيكو الأمريكية الضوء على الموقف الأمريكي “الملتبس” من إقدام عدة دول عربية، تدور في فلك واشنطن، على تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد في سوريا وقيادة مساع هادفة إلى إعادة النظام السوري المنبوذ دوليًا إلى الجامعة العربية. فواشنطن تفرض عقوبات على نظام الأسد، كما أنها عبرت في أكثر من مناسبة عن رفضها دعم أي مسار لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، رابطةً أي مبادرة من هذا القبيل بتحقيق تقدم صوب حلّ سياسي للنزاع في سوريا.

لكن  واشنطن مع ذلك لم تعمل، حسب تقارير مختلفة، على ثني أي من حلفائها، على غرار الأردن والإمارات والبحرين، عن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد بل إنها تبدو غير ممانعة للجهود المبذولة في هذا الصدد، الأمر الذي أثار أسئلة عديدة حول حقيقة الموقف الأمريكي من نظام الأسد في ظل الإدارة الحالية التي يقودها بايدن.

 الولايات المتحدة لا تمنع شركاءها من التقارب مع الأسد

مطلع الأسبوع الجاري التقى وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان في دمشق رأس النظام السوري بشار الأسد، في توجه واضح، إلى أن دولًا عربية عدة في المنطقة تتطلع إلى مرحلة ما بعد سنوات الحرب التي أودت بحياة أكثر من 400 ألف شخص وشردت الملايين من السوريين. فقبل حوالي شهر أيضًا تحدث ملك الأردن عبد الله الثاني هاتفيًا مع بشار الأسد، منهيًا بتلك المكالمة حسب واشنطن بوست سياسة استمرت لمدة عقد من الزمن، لعزل الدكتاتور السوري بسبب الفظائع التي ارتكبها. كما أدلى وزير الخارجية المصري سامح شكري على هامش لقائه بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد بتصريحات قال فيها إن مصر “تتطلع إلى عودة سوريا إلى محيطها العربي والجامعة العربية”، وبدوره أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أن بلاده، التي ستحتضن قمة جامعة الدول العربية القادمة، تبحث عن توافُق عربي لضمان عودة سوريا إلى الجامعة، مؤكداً أنه “حان الوقت لاستعادة سوريا مقعدها بالجامعة العربية، دون التدخل في شؤونها الداخلية”. كما أعلن لعمامرة يوم أمس الأربعاء، عن “مباركته” زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، وقال إنّه “قد حان أوان عودة سوريا إلى الجامعة العربية دون تدخل في شؤونها”.

يحاجج مسؤولون أمريكيون في الإدارة الأمريكية السابقة والحالية أن السبب الرئيسي لهذا التقارب مع نظام الأسد، بصرف النظر عن الرغبة في مواجهة إيران، هو أن إدارة بايدن لا تحض الشركاء العرب على عدم إعادة التعامل مع الأسد والتطبيع معه.

وفي هذا الصدد يقول جيمس جيفري الممثل الخاص السابق لإدارة ترامب في سوريا، أن المحادثات الأخيرة التي قامت بها بعض القيادات العربية مع النظام السوري لم تلق اعتراضًا أمريكيا، حيث لم يتم إخبار أي منهم، من قبل كبار المسؤولين الأمريكيين، بعدم التحدث مع الأسد، ونتيجة لذلك يقول جيمس جيفري، “يشعر هؤلاء القادة أن لديهم ضوءًا أخضر ضمنيًا لتعزيز العلاقات مع النظام السوري”.

كما نقلت بوليتيكو عن مسؤول في الخارجية الأمريكية، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن إدارة بايدن سهّلت  على الدول العربية إعادة بناء العلاقات مع النظام السوري، وذلك عبر ترحيب وزارة الخارجية الأمريكية بإعلان استئناف النشاط الحدودي بين سوريا والأردن، في البداية، وبتجنب قول أي شيء عن المكالمة الهاتفية بين الملك عبد الله والأسد.

كما يعتبر آخرون أن موافقة الولايات المتحدة على صفقة تزويد لبنان بالغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر خطوط تمر من سوريا كانت بمثابة ضوء أخضر أمريكي باستئناف العلاقات مع نظام الأسد دون الخوف من تسليط عقوبات بموجب قانون “قيصر”، علما بأن النظام السوري سيستفيد على الصعيد الاقتصادي من صفقة تمديد خطوط الغاز والكهرباء التي سيتولى تمويلها البنك الدولي.

الترا صوت

————————–

خيار سيادي” و”قلق”..ثلاث دول تعلق على لقاء بن زايد بالأسد

تباينت مواقف الدول بشأن زيارة وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، إلى سورية، ولقائه برئيس النظام، بشار الأسد، الثلاثاء الماضي، بين اعتبار الزيارة “خيار سيادي” للإمارات وبين القلق من اللقاء.

وفي بيان للمتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، آن كلير لوجندر، أمس الأربعاء، اعتبرت في رد على سؤال حول موقف باريس من الزيارة، أن “فرنسا لا تعلق على الخيارات السيادية للدول الشريكة”.

وأضافت المتحدثة أن “فرنسا تؤكد أنه لا توجد لديها حاليا أية نية للتطبيع مع النظام السوري، خاصة مع استمرار انتهاكات حقوق الإنسان على كامل الأراضي وتوقف العملية السياسية”.

كما اعتبرت أن “فرنسا لا تزال مصممة على مواصلة جهودها الدبلوماسية مع جميع شركائها، من أجل حل سياسي موثوق ودائم للصراع السوري، وفقًا لقرار مجلس الأمن 2254”.

في حين عارضت بريطانيا “بشدة” ما أسمتها تطوير “العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد”، حسب ما قال المبعوث البريطاني الخاص إلى سورية، جوناثان هارجريفز، عبر حسابه في “تويتر”.

وقال هارجريفز إن “المملكة المتحدة، تدعو جميع الدول للنظر فيما ألحقه النظام للشعب السوري من معاناة لا توصف، فالتطبيع مع نظام الأسد أو تطوير العلاقات الدبلوماسية، ليس طريقاً لتحسين أوضاع الأهالي في سورية”.

    Normalising or upgrading diplomatic relations with the Asad regime is not a route to improving the situation of people in Syria. The UK remains firmly opposed to normalisation & urges all states to consider the untold suffering that the regime has inflicted on the Syrian people

    — Jonathan Hargreaves (@UKSyriaRep) November 10, 2021

ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، أمس الأربعاء، عن مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، كريس دويل، قوله، إن “فتح نظام الأسد علاقاته مع الإمارات يمكن أن يمنحه مساحة مستقلة للمناورة، نتيجة المواجهة التي يمكن أن تحصل بين الإمارات وإيران، لكن تقليص النفوذ الإيراني في سورية قد يكون تحدياً صعباً لدول الخليج ومن المستحيل تغيير موقف إيران في سورية”.

وأشار دويل إلى أن باقي الدول العربية التي تخشى استغلال نظام الأسد، ستراقب لترى كيف تتطور العلاقة.

أما الموقف الأمريكي فقد كان عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الذي أكد عدم دعم واشنطن لأي جهود للتطبيع مع نظام الأسد لإعادة تأهيله.

وطلب برايس دول المنطقة “النظر بعناية إلى الفظائع التي ارتكبها الأسد”، واصفاً إياه بـ”دكتاتور وحشي، حسبما نقلته وكالة “رويترز“، الثلاثاء الماضي، مشيراً إلى قلق بلاده من اللقاء.

وكان بن زايد زار دمشق والتقى الأسد في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 2011، وكان برفقة بن زايد وزير الدولة الإماراتي، خليفة شاهين، ورئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ بمرتبة وزير، علي محمد حماد الشامسي.

وبعد زيارة دمشق توجه بن زايد إلى الأردن، التي كان ملكها عبد الله الثاني، أجرى الاتصال الأول من نوعه منذ 2011، مع الأسد في 3 من تشرين الأول الماضي.

 وفي حديث لوزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، لـ”CNN” ، برر فتح العلاقات مع نظام الأسد، لغياب “أي استراتيجية فعالة لحل الصراع” في سورية، وأن “الأزمة استمرت طويلاً”.

وأشار الصفدي إلى معاناة بلاده مما سماه “الحرب الأهلية السورية، حيث تشق المخدرات والإرهاب طريقها عبر الحدود، وتستضيف البلاد 1.3 مليون لاجئ سوري لا يتلقون الدعم الذي قدمه العالم من قبل”.

    وزير خارجية #الأردن لـCNN: موقفنا بشأن #سوريا كان ثابتًا دائمًا والأزمة السورية استمرت طويلا جدًا https://t.co/s4VPiDRs0M@AymanHsafadi pic.twitter.com/uhlUI15IuL

    — CNN بالعربية (@cnnarabic) November 10, 2021

وكانت زيارة بن زايد إلى دمشق استحوذت، على اهتمام صحف غربية، رأت في الزيارة دلالات سياسية قد تفتح الباب لمرحلة عربية جديدة مع النظام السوري.

وانصب اهتمام هذه الصحف بمجمله حول كسر حاجز القطيعة العربية لبشار الأسد، الذي اعتبرته صحف غربية “منبوذاً” ولم يحظَ خلال السنوات الماضية بزيارة عربية بهذا المستوى.

وجاءت الزيارة بعد انقطاع في العلاقات العلنية مع النظام منذ العام 2011، إذ رأت الإمارات أنه من الواجب محاسبة نظام الأسد على “جرائمه” بحق الشعب السوري، لكنها في السنوات الأخيرة بدأت تغير موقفها، واستأنفت التواصل مع نظام الأسد، ليخرج ذلك للعلن بذرائع “إنسانية” وأخرى متعلقة بـ “إعادة الإعمار”.

—————————–

زيارة بن زايد لدمشق… الرسالة الأوضح لرغبة عربية باعادة التعامل مع الأسد/ فاطمة الغول

توّجت زيارة وزيرة الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد الى سوريا أمس مساراً تدريجياً بدأته أبو ظبي في اتجاه دمشق بعد المقاطعة العربية والخليجية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وهي شكلت الرسالة الأوضح لرغبة الدول العربية بمعادوة التعامل مع  الأسد وإعادة سوريا الى الحضن العربي. ويأتي ذلك في سياق تحولات تشهدها المنطقة على إيقاع تراجع الانخراط الاميركي فيها.

ومع أن واشنطن انتقدت الزيارة، إلا أن كلام الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس يؤكد أنها كانت على علم بها ولم تحاول منعها، علماً أن بن زايد التقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في غلاسكو الأسبوع الماضي.

والتقى  الوزير الإماراتي الرئيس السوري في الزيارة الرسمية الأولى من نوعها لمسؤول خليجي رفيع المستوى منذ بدء الحرب السورية، وقد تمهّد الطريق لزيارات أخرى بعد طرد دمشق من الجامعة العربية وعزلها عن محيطها العربي منذ بدء الحرب عام 2011.

توقيت وأهمية الزيارة

ولم تكن الزيارة مفاجئة رغم عدم الإعلان عنها، نظراً إلى أن الامارات من أوائل الدول العربية التي أعادت التواصل مع سوريا، إذ سبق هذه الزيارة فتح السفارة الإماراتية في دمشق عام 2018، وتبادل الاتصالات الرفيعة المستوى بين الجانبين.

وليس توقيت الزيارة بعيداً من التحركات الإماراتية النشطة في السنوات الأخيرة ضمن سعي أبو ظبي لفتح صفحة جديدة في المنطقة، في انسجام مع سياسة القوة الناعمة التي باتت عنواناً لسياستها.

ويرى الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله في حديث إلى “النهار العربي”، أن “الزيارة مهمة جداً وتصل إلى مستوى زيارة تاريخية لاعتبارات لها علاقة بعودة سوريا الى الحضن العربي وترتيب البيت العربي الذي تبعثر خلال السنوات الماضية، وأيضاً لاعتبارات إنسانية عميقة. هذه الزيارة هدفها الأساسي مساعدة الشعب السوري واستعادة عافيته بعد تجربة مريرة خلال عقد كامل، وأيضاً من أهدافها المساعدة في عودة عشرة ملايين سوري لاجئين في دول الجوار”.

وأضاف: “تندرج هذه الزيارة في سياق هدف كبير هو زيادة الحضور العربي، وتقليص الحضور الإيراني في سوريا، والإمارات اختارت التوقيت الصحيح للذهاب الى دمشق من أجل تحقيق هدف الإجماع العربي حالياً لأن الوقت قد حان لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وعودة العرب إلى سوريا بعد غياب طويل”.

مفصل مهم

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي السوري  أسامة دنورة في تصريح إلى “النهار العربي”، إن “مسار تحسن العلاقات السورية – العربية مسار مستمر ومتصاعد، لكن هذه الزيارة تعتبر بمثابة عتبة قطعتها هذه العلاقات، وهي مفصل هام جداً يشير الى تراجع سياسات العزل والحصار التي راهن  عليها العديد من الأطراف ضد سوريا خلال العقد الماضي، وكانت الإمارات أول الأطراف التي شرعت في كسر حلقة العزل عن سوريا منذ عام 2018”.

ويضيف دنورة: “تأتي الزيارة في ظل افتقاد المنظومة العربية للدور السوري، الذي لو كان موجوداً لكان فاعلاً في العديد من الأزمات التي تعاني منها المنطقة، سواء ما يتعلق بالحرب اليمنية أو التوترات في العراق وحتى في الأحداث الأخيرة بين لبنان ودول الخليج، وما يتعلق بالأمن القومي العربي بشكل عام”.

انفتاح خليجي وعربي

وتضمنت الفترة الماضية مؤشرات تدل على رغبة عربية في إعادة سوريا إلى محيطها العربي وعودتها إلى جامعة الدول العربية، أبرزها، الانفتاح الأردني الواسع مؤخراً وما حمله من اتصالات وتنسيق وفتح للحدود، فضلاً عن مؤشرات دولية أبرزها قرار المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) بإعادة التعاون مع سوريا ودمجها في نظامها المعلوماتي.

الدوافع وراء الانفتاح

ويرى البعض أن الدافع الرئيسي وراء هذا الانفتاح العربي “سواء بقبوله أو السير نحوه” قد يكون ناتجاً من استعادة الدولة السورية معظم أراضي البلاد، وهو ما أكسب دمشق حيوية سياسية ودبلوماسية. بينما يعتبر فريق آخر أن قرار بعض الدول العربية التطبيع مع دمشق لفتة سياسية رداً على المخاوف بشأن تعميق النفوذ الإيراني والتركي، فضلاً عن القضايا الاقتصادية والأمنية الإقليمية.

وبالنسبة للولايات المتحدة من الواضح أن سوريا والمنطقة لا تشكلان أولوية لإدارة بايدن التي تركز على الصين وروسيا، وعلى الرغم من قانون قيصر لعام 2020، الذي سمح لوزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على أي شخص يتعامل مع كيانات وأفراد سوريين، إلا أن الإدارة الأميركية الحالية لا تبدو متحمسة لمنع إعادة الارتباط الإقليمي مع دمشق.

ويبيّن عبدالخالق أن “الزيارة تأتي لتقوية العلاقات الثنائية السورية – الإماراتية في المقام الأول، رغم أن الإمارات أيضاً تقوم بدور تمهيد الطريق لدول عربية أخرى لاتخاذ مثل هذه القرارات الجريئة، وتعتبر الزيارة تتويجاً لجملة المبادرات الإماراتية تجاه سوريا، والتي كانت على شكل استقبال وفود وزارية وتجارية سورية، وفتح السفارة الإماراتية في دمشق، وآخرها المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأسد وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد. لا شك في أن العلاقات بين سوريا والإمارات وتقويتها واستعادتها إلى ما كانت عليه قبل عام 2011 في قلب هذه الزيارة وربما أهم بند من بنودها”.

ويشرح عبدالخالق أن “الانفتاح الإماراتي سيتبعه انفتاح خليجي على سوريا، وسيعقبه أيضاً انفتاح عربي، لأن أغلبية الدول العربية اليوم لديها هذه النية. لا شك في أن هناك تردداً من بعض الدول العربية التي ترى أن الوقت لم يحن بعد لهذه الخطوة، لكن الإمارات بهذه الزيارة تقول إن هناك حقائق على الأرض تشير إلى أنه لا بد من التصالح مهما كانت التحفظات على النظام السوري، فالمهم للإمارات بالدرجة الأولى هو التواصل مع الشعب السوري الذي يحتاج اليوم للعرب أكثر من أي وقت آخر”.

فيما يرى دنورة أن “هذه العودة للعلاقات السورية – الإماراتية قد تكون بيضة القبان في عودة سورية إلى شغل مقعدها الفارغ في جامعة الدول العربية. ولا شك في أن وجود انقطاع في العلاقات العربية – العربية هو يخدم الأطراف الخارجية  التي تريد أن تستفرد بكل دولة عربية، لذلك استعادة هذه العلاقة هو أمر مهم وإيجابي، وهو بداية لحكم جديد وحقبة جديدة بعد ما يسمى الربيع العربي”.

ويشاطر دنورة  عبدالله بأن هذه العودة “سوف تسرّع ايضاً العلاقات السورية – الخليجية، بخاصة أن هناك مستوى مقبولاً من العلاقات مع كل من سلطنة عمان والبحرين الى حد كبير. وتبقى السعودية والكويت، حيث يمكن أن تساعد العودة للعلاقة الطبيعية مع الإمارات في تسريع عودة العلاقات مع الخليج بشكل كامل، وتؤثر في المنظومة العربية بشكل عام. وهناك رغبة سورية في إعادة العلاقات مع المحيط العربي، فالموضوع بالنسبة الى سوريا يتعدى

لمصلحة ويصل الى حدود الانتماء العربي السوري، لذلك استعادة سوريا لدورها العربي كان ولا يزال هدفاً رئيسياً للدولة السورية”.

النهار العربي

—————————–

 كسر عزلة الأسد.. “أسباب” زيارة الوفد الإماراتي وتعاون الأردن ومصر

مصطفى هاشم – واشنطن

لم تكن زيارة الوفد الرسمي الإماراتي برئاسة وزير الخارجية، عبدالله بن زايد، الثلاثاء، إلى دمشق هي أولى الخطوات التي تكسر عزلة نظام بشار الأسد من محيطه الإقليمي والعربي، في وقت عبرت فيه واشنطن عن رفضها لأي شكل من تطبيع العلاقات.

فرغم أن الزيارة هي الأولى منذ عشر سنوات، إلا أن مكالمة سبقتها بين ولي عهد أبوظبي ورئيس النظام السوري، في أغسطس الماضي.

كما تواصل الأسد أيضا مع ملك الأردن، عبدالله الثاني، في أكتوبر الماضي، لأول مرة أيضا منذ عشر سنوات.

لا يقتصر الأمر على مكالمات أو زيارات ضمت مسؤولين مصريين أيضا، على مدار السنوات الأخيرة، فقد شملت خطوات أخرى إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق عام 2018، وفتح معبر جابر الحدودي بين الأردن وسوريا، إضافة إلى استئناف الرحلات البرية والجوية بين البلدين.

وتأتي هذه التحركات السياسية والدبلوماسية من قبل بعض الدول العربية مع نظام الأسد قبل القمة العربية التي تستضيفها الجزائر، في مارس المقبل، حيث علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا، منذ اندلاع النزاع فيها عام 2011.

وقطعت حينها دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق، بينها الإمارات، فيما أبقت أخرى بينها الأردن على اتصالات محدودة بين الطرفين. وشكّلت سلطنة عمان استثناء بين الدول الخليجية.

“إعادة سوريا إلى الحضن العربي”

يصف المحلل الإماراتي، حميد الزعابي، في حديثه مع موقع “الحرة”، زيارة وزير خارجية بلاده لدمشق، بأنها “دبلوماسية شجاعة، هدفها حقن الدماء وبناء الأوطان والتنمية في سوريا”، مشيرا إلى أن “الرسالة الرئيسية التي تحملها هذه الزيارة، هي أن الإمارات تدعم جهود الاستقرار في سوريا”.

وجاء الاتصال بعد قرابة 3 سنوات على إعلان الإمارات عودة العمل في سفارتها بدمشق، عقب سبع سنوات على قطع علاقاتها مع سوريا على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2011 وتحولت لاحقا إلى حرب أهلية.

وأسفر النزاع السوري، منذ اندلاعه في مارس 2011، عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من 6.6 مليون لاجئ، فروا بشكل أساسي إلى الدول المجاورة، لبنان والأردن وتركيا.

يشير المحلل الأردني، زيد النوايسة، في حديثه مع موقع “الحرة” إلى أن “الأردن والإمارات وأعتقد مصر والعديد من الأقطار، وربما بتوافق مع العراق، تعمل على عودة سوريا إلى الحضن العربي، بعد حالة الاستقرار الأمني النسبي في سوريا بعد أن استطاع النظام السيطرة على 80 في المئة من الأراضي السورية”.

وأضاف “هناك إقرار في العالم العربي، فيما يبدو، باستثناء بلد أو بلدين عربيين بأن المقاربة العربية مع الأزمة السورية خلال العشر سنوات لم تكن دقيقة وسمحت للقوى الإقليمية بالانخراط في الملف السوري وغاب العرب عن المشهد ما خلق بيئة مناسبة للفوضى والإرهاب”.

وقدّمت دول خليجية، أبرزها السعودية وقطر، دعماً مالياً وعسكرياً لفصائل المعارضة السورية قبل أن يتراجع الدعم تدريجياً خلال السنوات الماضية مع تقدم القوات الحكومية بدعم عسكري روسي وإيراني على الأرض.

يعتقد النوايسة أن القمة العربية التي ستعقد في مارس المقبل “سيكون عنوانها الرئيسي عودة سوريا لجامعة الدولة العربية”.

الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، كرم سعيد، يؤكد في حديثه مع موقع “الحرة” أن “العلاقات المصرية السورية موجودة، وهناك تنسيق سياسي ودبلوماسي وأمني ممتد على مدار السنوات السبع الماضية، فضلا عن زيارات أمنية متبادلة ربما غير معلن عنها، بالإضافة إلى أن هناك ‘منصة القاهرة’ التي تستضيف أيضا تيارات معارضة سورية”.

وفي الأردن، الذي يتوجه إليه وزير الخارجية الإماراتي بعد زيارته لدمشق، استقبل نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، الثلاثاء، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسون، لبحث الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.

وأكّد الصفدي خلال اللقاء ضرورة العمل بشكل منهجي وفاعل لحل سياسي للأزمة السورية، ووقف ما تسببه من معاناةٍ ودمارٍ.

يوضح سعيد لموقع “الحرة” أن هناك زخما إقليميا لتسوية الأزمة في سوريا، “الروس لديهم رغبة كبيرة في بقاء الأسد في صدارة المشهد، بعد كل التحركات التي خاضتها دول إقليمية لإسقاط الأسد والتي لم تنجح”.

غير أن سعيد يشير إلى أن” الخطوات العربية وخاصة الإماراتية وربما ستأتي لاحقا السعودية، (جاءت) لأن هذه الدول أصبحت تتبنى رؤية مغايرة لما كانت عليه قبل سنوات وأيضا رؤية مغايرة للولايات المتحدة، حتى أصبحت تبحث عن دوائر تستطيع من خلالها التقارب مع قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين”.

يوضح سعيد أنه “لا يمكن فصل هذه التحركات عن حالة التوتر المكتوم بين إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وعدد من الدول الخليجية خاصة الإمارات والسعودية، بعد رفع الولايات المتحدة المظلة الأمنية التي كانت معهودة لدول الخليج”.

ويضيف “هناك حديث عن صفقات خليجية روسية بعد إعلان إدارة بايدن تخفيف وجودها العسكري في الخليج، والضغوطات التي تمارس من قبل واشنطن في ملفات حقوقية وملف اليمن وتوجيه إدانات مباشرة للسعودية والإمارات، حتى أصبح للصين نفوذ في المنطقة”.

الموقف الأميركي

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الثلاثاء، إن “الإدارة الأميركية لا تدعم أي جهود لتعويم نظام الأسد وندعو الدول إلى النظر إلى الأعمال الوحشية التي ارتكبها هذا النظام ضد شعبه”.

وأضاف أن الولايات المتحدة ملتزمة “بالعمل مع الشركاء للوصول إلى حل للصراع في سوريا”، مؤكدا أن “السلام سيعود إلى سوريا عندما تتحقق آمال الشعب السوري”.

لكن الزعابي، وهو رئيس تحرير في “مؤسسة دبي للإعلام”، يرى في حديثه مع موقع “الحرة” أنه “حتى لو أن نظام بشار الأسد فعل ما فعل، فهناك حلول يمكن الاتفاق عليها. علينا ألا نقف مكاننا، ولابد من إعادة المياه إلى مجاريها”.

من جانبه يرى النوايسة، أن “الولايات المتحدة لديها مقاربة مختلفة عن إدارة (دونالد) ترامب حتى ربما نسبيا عن إدارة (باراك) أوباما التي شغل فيها بايدن نائبا للرئيس، لأن هناك واقعا جديدا على الأرض، (يتجسد في) سلسلة المواقف الأميركية فيما يتعلق بقانون قيصر والسماح باستثناءات وتقارب حلفاء قريبين جدا لواشنطن من نظام الأسد مثل الإمارات ومصر وحديث عن السعودية”.

وتفرض الولايات المتحدة عقوبات عدّة على سوريا، أبرزها بموجب قانون قيصر الذي دخل حيّز التنفيذ، العام الماضي، ويفرض عقوبات على أي جهة تتعامل مع نظام الأسد.

ويقول النوايسة لموقع “الحرة” إنه “لا يمكن فصل موقف الولايات المتحدة من سوريا من مجمل الموقف الأميركي في المنطقة، حيث تنسحب من أفغانستان والعراق وتقترب من العودة للاتفاق النووي مع إيران”، مضيفا أن “التسوية السياسية مع طهران لن تكون سوريا بعيدا عنها”.

ويضيف أن “الموقف الأميركي.. لم يتغير بشكل كبير، لكن من الواضح أنه ينسحب من المنطقة بشكل تدريجي وربما لديه تفاهمات مع مصر والأردن والعديد من الأقطار العربية، وربما مع الإمارات بضرورة توفير مناخ لتسوية سياسية في سوريا”.

يدلل النوايسة على وجهة نظره، إلى الزيارة التي قام بها الملك عبدالله الثاني للولايات المتحدة، في يوليو الماضي، والحصول على شبه استثناء في جزء من عقوبات قيصر والتي تبدت في السماح بنقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا ومن ثم تزويد لبنان بالتيار الكهربائي من الأردن، “ومن الطبيعي أن تحصل سوريا على جزء منه”.

“محاصرة نفوذ الخصوم”

يشير الزعابي إلى أن الخطوة الإماراتية تأتي أيضا في إطار أن “سوريا بلد عربي والإمارات تدعم الأمن القومي العربي وأمن المنطقة وهذه استراتيجيتها”.

فيما يوضح النوايسة أن “هناك سيطرة من قبل الحكومة الرسمية على أجزاء كبيرة من البلاد، ما عدا منطقة إدلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة المدعومة من تركيا، وهناك مشكلة مع ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على شمال شرق الفرات، فضلا عن عملية تركية واسعة أعتقد أن الإمارات والأردن والعديد من الأقطار العربية وفي طليعتها مصر تشعر بالقلق من الانخراط التركي بهذه الطريقة في الملف السوري”.

ويضيف أن “التقارب مع سوريا ينطلق من فكرة أنه لم يعد مقبولا ترك سوريا عرضة للقوى الإقليمية تحديدا الإيرانيين والأتراك”.

ويتفق سعيد مع النوايسة، من أن التحركات العربية تأتي أيضا في إطار محاصرة نفوذ الخصوم في المنطقة على رأسها تركيا وإيران.

ورغم التقارب الذي حصل ما بين تركيا ومصر والإمارات، والاتصال الهاتفي الذي جرى بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في أغسطس، ثم زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد لتركيا، إلا أنه “لا تزال مساحات الخلافات كبيرة وصراع كبير على مناطق النفوذ بدءا من عمق القارة الأفريقية مثل الصومال إلى سوريا وليبيا امتدادا إلى بلاد القوقاز وآسيا الوسطى”، بحسب سعيد.

الإعمار والغاز

بالإضافة إلى سعي لمحاصرة الدورين التركي والإيراني في سوريا والمنطقة، فإن التقارب مع نظام الأسد له اعتبارات أخرى مثل “عقود إعادة الإعمار في سوريا بعد إنهاء الأزمة، والتي ربما سيكون فيها نافذة كبيرة للشركات المصرية والاستثمارات الخليجية وخاصة الإماراتية والسعودية”، بحسب سعيد.

ويشير إلى أن هناك “صراعا على النفوذ على مكامن الطاقة في منطقة شرق المتوسط والسواحل السورية غنية”. ولم تنخرط سوريا حتى الآن في الاتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود أو آليات التنقيب عن الطاقة.

ويقول سعيد: “ربما تسعى القاهرة التي أسست منتدى غاز المتوسط لاجتذاب سوريا لهذا التجمع، والإمارات داعمة لهذا المنتدى ولديها علاقات قوية مع اليونان وقبرص والقاهرة في هذا السياق”.

الحرة

————————-

الجزائر تشيد بالزيارة الإمارتية للأسد..ومصر تحدد شروط عودته للجامعة

أشاد وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة بزيارة وزير الخارجية الإماراتية  عبد الله بن زايد إلى سوريا. وقال في تصريحات صحافية: “أبارك زيارة بن زايد آل نهيان لدمشق، ونأمل في أن تسهم الزيارة في تذليل العقبات بين سوريا ودول عربية أخرى لنبلغ هدف جمع الشمل”.

وشدد الوزير الجزائري على أهمية عودة سوريا إلى الجامعة العربية. وقال: “آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية”.

ووصل بن زايد إلى دمشق في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول إماراتي بهذا المستوى منذ أكثر من 10 أعوام. والتقى بن زايد رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأكد بعد اللقاء “حرص الإمارات على أمن واستقرار ووحدة سوريا”.

وشدد على دعم الإمارات لكل الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية وترسيخ دعائم الاستقرار بسوريا وتلبية تطلعات الشعب السوري الشقيق في التنمية والتطور والرخاء.

من جهة ثانية، اعتبر وزير الخارجية المصرية سامح شكري أن “سوريا عنصر مهم جداً للأمن القومي العربي، ولكن يجب إدراك أن التطورات التي حدثت خلال السنوات العشر الماضية وما بعدها أثرت سلبياً على الشعب السوري، وأن الوضع الحالي لا يزال متقلباً إلى حد كبير”.

وأعرب شكري خلال جلسة نقاشية نظمها مركز “ويلسون” البحثي، عن اعتقاد بلاده بضرورة أن يكون هناك وقت يجري فيه إعادة دمج سوريا بالصف العربي، ولكن هذا يجب أن يتزامن “مع السياسات التي ستظهرها الحكومة السورية”.

وتابع: “على حكومة النظام السوري أن تكون مستعدة للعب دورها التقليدي مرة أخرى في دعم الأمن القومي العربي، ومعالجة الديناميات الداخلية للأزمة في البعد الإنساني أيضاً، ومشكلة اللاجئين، وكذلك إظهار مزيد من الاعتدال في كيفية استعادة ثقة المنطقة ودينامياتها الداخلية”.

وأضاف “عندما نتحقق من أن هذا هو الحال، فأنا واثق من أنه سيكون هناك عودة متقبلة لسوريا إلى جامعة الدول العربية والصف العربي”

————————–

لماذا تأخر موقف الائتلاف السوري..من الزيارة الإماراتية لدمشق

أثار الائتلاف الوطني السوري بتأخره عن التعليق على زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد إلى دمشق، انتقادات من الأوساط السورية المعارضة، واتهامات للائتلاف بالتخلف عن تسجيل موقف إزاء تطور على صلة وثيقة بالثورة السورية.

وحتى ظهر الخميس، لم يصدر عن الائتلاف أي بيان رسمي على الزيارة التي تمت الثلاثاء، والتساؤل الأبرز كان بشأن سبب هذا التخلف عن التعاطي مع تطور سياسي بهذا الحجم.

وترجع مصادر “المدن” موقف الائتلاف إلى سببين، الأول انشغال الهيئة الرئاسية والهيئة السياسية للائتلاف، بالاجتماعات التي تجري حالياً مع وفد “هيئة التنسيق الوطنية” في مقر الائتلاف في إسطنبول، وهي الاجتماعات التي بدأت منذ الثلاثاء، بهدف توحيد قوى الثورة والمعارضة، والحد من الخلافات بين مكونات “هيئة التفاوض”.

أما السبب الثاني، فيرجع إلى تعمد رئاسة الائتلاف التريث والانتظار لفهم حيثيات الخطوة الإماراتية غير المسبوقة، والموقف السعودي منها، وفق المصادر ذاتها التي أشارت إلى حالة من التردد داخل أروقة الائتلاف بشأن التعليق على الزيارة.

يضاف إلى ما سبق، طبقاً للمصادر حرص رئيس الائتلاف الشيخ سالم عبد العزيز المسلط على عدم تأزيم علاقة الائتلاف بالأطراف الخليجية، وخصوصاً أن المسلط من التيار المحسوب على السعودية في الائتلاف، وتربطه علاقة قوية بالإمارات.

والأرجح وفق معطيات استقتها “المدن” من مصادرها، أن يعلن الائتلاف في مؤتمر صحافي مشترك مع “هيئة التنسيق”، عن موقفه من زيارة وزير الخارجية الإماراتي في وقت لاحق الخميس. لكن وفق المصادر ذاتها، لا يُنتظر أن يكون تعليق الائتلاف على الزيارة الإماراتية شديد اللهجة، وذلك بالنظر إلى حرص الائتلاف على استمرارية علاقته مع الإمارات.

وبعيد الزيارة، كانت الخارجية الأميركية قد عبرت قلقها من الزيارة وعلى الإشارة التي ترسلها، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس: “كما قلنا سابقاً إن هذه الإدارة الأميركية لن تعبر عن دعمها لأي جهود للتطبيع أو لتأهيل بشار الأسد الذي هو دكتاتور متوحش”.

—————————–

اعتبره “اعترافاً عربياً” بالانتصار على المسلحين! حسن نصر الله يثني على لقاء عبد الله بن زايد والأسد

عربي بوست

قال الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية، حسن نصر الله، الخميس 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق تساوي “الاعتراف” بانتصار بشار الأسد على المعارضة التي كانت تموّلها دول خليجية، على حد و صفه.

تأتي تصريحات نصر الله، بعد يومين من قيام وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، أكبر مسؤول إماراتي، بزيارة سوريا ولقاء بشار الأسد، وذلك لأول مرة منذ أن بدأت الحرب الأهلية قبل نحو عشر سنوات.

نصرا لله قال أيضاً في تصريحاته، إن الاتصالات الأخيرة بين الإمارات ونظام بشار الأسد “تساوي الاعتراف العربي بانتصار سوريا”، على حد وصفه.

في المقابل قالت وسائل إعلام رسمية سورية، إن بشار الأسد استقبل وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد بدمشق، وذلك في مؤشر جديد على تحسُّن العلاقات بين البلدين بعد أن دعمت أبوظبي يوماً المعارضة المسلحة لنظام الأسد.

تطبيع العلاقات مع دمشق

بهذا يصبح الشيخ عبد الله هو المسؤول الإماراتي الأرفع الذي يزور سوريا خلال عشر سنوات منذ اندلاع الحرب هناك، إذ تتصدر الإمارات جهود بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات مع دمشق.

تحدَّث الأسد عن “العلاقات الأخوية الوثيقة مع الإمارات”، منوهاً بما سمَّاه “مواقف موضوعية وصلبة لها”.

فيما أكد بن زايد “دعم بلاده جهود الاستقرار في سوريا”، و”ثقته بأن سوريا قادرة على تجاوز تحديات الحرب”، بحسب “سانا”، التي نشرت على موقعها الإلكتروني ثلاث صور للقاء.

ووفق الوكالة، “تم الاتفاق بين الأسد وعبد الله بن زايد، على استمرار التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا والتحديات”.

أول زيارة رسمية

هذه أول زيارة رسمية لمسؤول إماراتي رفيع لسوريا منذ اندلاع الحرب في البلاد قبل 10 سنوات.

بدورها، أفادت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) بأن اللقاء بين الأسد وعبد الله بن زايد “بحث العلاقات الثنائية وأهمية هذه الزيارة في تعزيزها وتنمية التعاون المشترك في مختلف المجالات”.

استعرض الجانبان خلال اللقاء “تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وسوريا، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”، وفق “وام”.

من جانبه، أكد بن زايد “حرص الإمارات على أمن واستقرار ووحدة سوريا، ودعمها لكل الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية”.

أعادت السفارة الإماراتية، في 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، فتح أبوابها في دمشق، بعد إغلاقٍ دامَ 7 سنوات، بتمثيل قائم بالأعمال.

في يونيو/حزيران 2020، حذَّرت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، أبوظبي من تداعيات استمرار تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، وإمكانية أن تواجَه بعقوبات “قانون قيصر”، الذي يستهدف كلَّ من يتعامل مع نظام الأسد.

منذ يوليو/تموز2021، تسارعت خطوات تطبيع عربي مع نظام بشار الأسد، لاسيما من جانب الأردن والإمارات ومصر، مُتمثلة في لقاءات متبادلة واتفاقات وتفاهمات اقتصادية.

أمام تطوُّر التطبيع العربي مع نظام الأسد، وفق مراقبين، اختبار صعب في مارس/آذار 2022، مع عقد القمة العربية في الجزائر، وسط “خلاف عربي” معلن بشأن رفع تعليق عضوية سوريا، القائم منذ 2011، رداً على استخدام العنف بحقِّ المتظاهرين ضد النظام.

اندلعت بسوريا، في مارس/آذار 2011، احتجاجات شعبية تطالب ببدء تداول سلمي للسلطة، لكن نظام الأسد اختار قمعها عسكرياً؛ ما دفع بالبلاد إلى حرب مدمرة.

—————————-

========================

تحديث 12 تشرين الثاني 2021

——————————

ملحق سري لـ«وثيقة التطبيع العربي» مع سوريا يتضمن خروج القوات الأجنبية/ إبراهيم حميدي

وضع جدولاً للخطوات المطلوبة من دمشق و«الحوافز» المعروضة… و«الشرق الأوسط» تنشر نص الورقتين

كشفت الوثيقة الأردنية وملحقها السري، اللذان حصلت «الشرق الأوسط» على نصهما، أن الهدف النهائي من الخطوات العربية للتطبيع مع دمشق هو «خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011»، بما في ذلك «انسحاب القوات الأميركية والتحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف الأميركية» قرب حدود الأردن والعراق، بعد سلسلة خطوات وفق مقاربة «خطوة مقابل خطوة» تشمل بداية «الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا»، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية لروسيا».

وتشكل هذه الوثيقة، التي سُميت «لا ورقة» ولاتتضمن جدولاً زمنياً، أساس الخطوات التي تقوم بها دول عربية تجاه دمشق وشمل ذلك لقاء وزير الخارجية فيصل المقداد تسعة وزراء عرب في نيويورك وزيارات رسمية أردنية – سورية واتصالات بين قادة عرب والرئيس بشار الأسد ولقاءه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في دمشق الثلاثاء.

وأعد الجانب الأردني هذ الخطة قبل أشهر، وناقشها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز)، والروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) ومع قادة عرب وأجانب. وتضمنت الوثيقة، التي تقع مع ملحقها في ست صفحات، مراجعة للسنوات العشر الماضية وسياسة «تغيير النظام» السوري، قبل أن تقترح «تغييرا متدرجا لسلوك النظام» السوري بعد «الفشل» في «تغيير النظام».

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لشبكة «سي إن إن» الأميركية أمس، إن «الأردن يتحدث مع الأسد بعد عدم رؤية أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري». وأضاف أن «التعايش مع الوضع الراهن ليس خيارا»، مضيفا: «ماذا فعلنا كمجتمع عالمي لحل الأزمة؟ 11 عاما في الأزمة ماذا كانت النتيجة؟ الأردن عانى نتيجة الحرب الأهلية السورية، حيث تشق المخدرات والإرهاب طريقها عبر الحدود، وتستضيف البلاد 1.3 مليون لاجئ سوري لا يتلقون الدعم الذي قدمه العالم من قبل».

وكشف الصفدي أن «الأردن أجرى محادثات مع الولايات المتحدة حول جهود التقارب»، ذلك في إشارة إلى زيارة العاهل الأردني. كما أن مدير المخابرات الأردنية اللواء أحمد حسني حاتوقي أعلن أن الأردن يتعامل مع الملف السوري كـ«أمر واقع». وتتطابق تصريحات الوزير الصفدي مع «الوثيقة الأردنية»، وهنا نصها:

بعد مرور عشر سنوات منذ اندلاع الأزمة السورية، تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها. ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح. ولا يمكن للنُهُج الضيقة المعنية بمعالجة مختلف جوانب الأزمة ونتائجها على أساس المعاملات وعلى أساس الأغراض المحددة أن تُحقق الحل السياسي اللازم. يتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة. وتغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضا مؤثرا في حد ذاته. والهدف المعلن، هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. بيد أنه لا يوجد تقدم ذي مغزى على هذا المسار. فالوضع الراهن يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري وتعزيز مواقف الخصوم. لقد أثبت النَهج الحالي في التعامل مع الأزمة فشلا باهظ التكلفة:

– الشعب السوري: بحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة، هناك 6.7 مليون لاجئ سوري، مع 6.6 مليون نازح داخليا، و13 مليون سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك 6 ملايين مواطن في حالة عوز شديد، و12.4 مليون سوري يكابدون انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 80 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع 2.5 مليون طفل خارج نظام التعليم في سوريا، بالإضافة إلى 1.6 مليون طفل معرضين لمخاطر التسرب من المنظومة التعليمية.

– الإرهاب: لقد هُزم تنظيم «داعش» الإرهابي لكنه لم يُستأصل بالكامل. ويحاول أعضاؤه إعادة ترتيب الصفوف، وهم يعاودون الظهور في أجزاء من البلاد التي طُرد منها «داعش»، مثل جنوب غربي سوريا. كما يعملون على توطيد وجودهم في مناطق أخرى مثل الجنوب الشرقي. وتستمر تنظيمات إرهابية أخرى في العمل في أجزاء مختلفة من سوريا، حتى إنها تستفيد من الملاذات الآمنة في الشمال الشرقي.

– إيران: تستمر إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري، وعلى أجزاء حيوية عدة في سوريا. من استغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، ويزداد وكلاؤها قوة في المناطق الرئيسية، بما في ذلك جنوب البلاد. وتُدر تجارة المخدرات دخلا معتبرا لهذه الجماعات، كما تُشكل تهديدا متزايدا على المنطقة وخارجها.

– اللاجئون: لا يرجع أي من اللاجئين – أو حتى عدد متواضع منهم – إلى سوريا بسبب عدم تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد. ويتناقص التمويل الدولي للاجئين، فضلا عن المجتمعات المضيفة، مما يهدد الهياكل الأساسية لدعم اللاجئين.

> ما ينبغي فعله؟

من اللازم اعتماد نهج فعال جديد يعيد تركيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، والتخفيف من تداعياتها الإنسانية والأمنية. ينبغي للنهج المختار أن يتحلى بالتدرج، وأن يركز في بدايته على الحد من معاناة الشعب السوري. كما يتعين كذلك تحديد الإجراءات التي من شأنها تعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ الإيراني المتنامي، ووقف المزيد من التدهور الذي يضر بمصالحنا الجماعية.

ومن شأن ذلك النهج أن يستهدف تغييرا تدريجيا في سلوك النظام الحاكم في مقابل حوافز يجري تحديدها بعناية لصالح الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين. السبيل إلى ذلك:

1) وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار 2254.

2) بناء الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل.

3) السعي إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا.

4) الاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري.

5) التنفيذ.

> المقاربة

نهج تدريجي يتبناه جميع الشركاء والحلفاء لتشجيع السلوك الإيجابي والاستفادة من نفوذنا الجماعي لتحقيق ذلك. فهو يقدم حوافز للنظام مقابل اتخاذ التدابير المنشودة والتغييرات السياسية المطلوبة التي سيكون لها أثرها المباشر على الشعب السوري. وسيتم تحديد «العروض» المقدمة إلى النظام بدقة في مقابل «المطالب» التي سوف تُطرح عليه. وسوف ينصب التركيز الأولي على القضايا الإنسانية في كل من العروض والمطالب. مع التقدم التدريجي على مسار القضايا السياسية التي تُتوج بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254. وسوف يتم الاتفاق على العروض والمطالب مع الأمم المتحدة، استنادا إلى بياناتها الخاصة بالاحتياجات الإنسانية.

1) بناء الدعم: من الأهمية أن يدعم الحلفاء العرب والأوروبيون الرئيسيون هذا النهج. وسوف يضمن ذلك صوتا جماعيا في المحادثات مع النظام وحلفائه. وسوف يضمن أيضا ألا نفقد نفوذنا نتيجة لفتح بعض البلدان قنوات ثنائية مع النظام السوري.

وسوف نتفق على البلدان التي نتقارب معها في بداية الأمر بغرض التشاور والدعم. وسوف تتلخص الخطوة التالية في تأييد هذا النهج ضمن (المجموعة المصغرة) قبل السعي إلى الحصول على تأييد الحلفاء كافة.

2) إشراك روسيا: إن كسب موافقة روسيا على هذا النهج هو عامل أساسي من عوامل النجاح. ومن الممكن الاستعانة بالاعتراف بالمصالح الروسية «المشروعة» وتضمينها في إطار «العرض» لضمان قبول وتنفيذ هذا النهج من قبل النظام السوري. إن تحديد الأرضية المشتركة مع روسيا أمر ضروري لضمان التقدم نحو حل سياسي. كما أنه من اللازم لنجاح الجهود الرامية إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي. وقد كانت روسيا منفتحة على العروض الخاصة بالقضايا الإنسانية مقابل إجراءات عملية من جانب النظام الحاكم.

3) إشراك النظام: يمكن أن تتم المشاركة من خلال قنوات متعددة:

– المشاركة غير المباشرة عبر روسيا.

– المشاركة المباشرة من مجموعة من الدول العربية. (هذا من شأنه رأب التصدعات في الموقف العربي، ومعالجة المخاوف بشأن غياب الدور العربي الجماعي في الجهود الرامية إلى حل الأزمة، والاستفادة من المشاركة العربية مع النظام من أجل الحصول على الحوافز مع تأطيرها ضمن الجهود الرامية إلى إحداث تغييرات إيجابية). ويمكن أن تقود الأردن تواصلا مبدئيا مع النظام لضمان الالتزام قبل بدء الاتصالات الموسعة.

4) التنفيذ: سوف توضع آلية رسمية لرصد التنفيذ والامتثال. وسوف تتولى الأمم المتحدة مسؤولية تقديم جميع المساعدات الإنسانية. وسوف يؤخذ تجسيد الاتفاق ضمن قرار صادر عن الأمم المتحدة في الاعتبار.

الخطوات التالية (لتطبيق المبادرة):

1) مناقشة النهج والاتفاق عليه.

2) الاتفاق على قيام الأطراف بصياغة المطالب والعروض.

3) الاتفاق على خريطة الطريق وكيفية المضي قدما.

من شأن هذا النهج أن يواجه العقبات بكل تأكيد. بل وربما يصل إلى طريق مسدود مع بدء المرحلة السياسية. ومع ذلك، فإن تركيزه الأولي على البُعد الإنساني سوف يخفف من معاناة السوريين، وسيدعم الجهود الرامية إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية، ويقلل من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا. كما أنه سوف يعيد بناء الصوت الجماعي الموحد بين الشركاء والحلفاء إزاء الأزمة، مع استعادة زمام المبادرة في محاولة لإيجاد حل سياسي ووقف الكارثة الإنسانية.

> جدول الخطوات

وتضمن الوثيقة ملحقا سرياً يتضمن شرحا لمقاربة «خطوة مقابل خطوة»، يشمل البند المحدد و«المطلوب» من دمشق و«المعروض» من الآخرين. وتبدأ الخطوة الأولى بـ«ضمان وصول المساعدات الإنسانية والاتفاق على تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود مقابل تسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سوريا، وإرسال المساعدات الصحية إلى سوريا».

وتشمل الخطوة الثانية تهيئة دمشق «البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين ومنح المفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم» مقابل خطوات غربية تشمل «اعتماد خطة المساعدة المرحلية للسوريين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع النظام، وتمويل مشاريع الإنعاش المبكر، وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار وتنفيذها وتمويل برامج التعافي المبكرة الخاصة بالمساعدة لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم ومدنهم وصياغة البرامج ودعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تساعد على استعادة نوع من الحياة الطبيعية في سبل عيش الشعب السوري بشكل عام».

تتعلق المرحلة الثالثة بـتطبيق القرار 2254 و«المشاركة الإيجابية من دمشق في اللجنة الدستورية المؤدية إلى إصلاح الدستور»، و«الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، وتحديد مصير المفقودين والاتفاق على تشكيل صيغة حقيقية للحكومة تؤدي إلى حكم أكثر شمولا في سوريا وإجراء الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة بما يؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة».

في المقابل، توافق دول عربية وغربية على «التخفيف التدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا. بما في ذلك تسهيل تجارة السلع مع أطراف ثالثة، ورفع العقوبات عن القطاعات العامة السورية، بما في ذلك البنك المركزي، والكيانات الحكومية، والمسؤولون الحكوميون، ورفع العقوبات القطاعية، وإجراء التقارب الدبلوماسي التدريجي لاستعادة العلاقات مع سوريا، وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في دمشق والعواصم المعنية، وتسهيل عودة سوريا إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية».

> ماذا عن {داعش}؟

أما المرحلة الرابعة من البرنامج، فتشمل «مكافحة داعش والجماعات الإرهابية، والتعاون في التصدي لتنظيم (داعش) والعناصر الإرهابية المماثلة، بما في ذلك في شرق سوريا، والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في جنوب سوريا والصحراء السورية، والتعاون في مواجهة المقاتلين الأجانب، وتبادل المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية، والروابط مع عناصر التجنيد الدولية، وشبكات التمويل، ووقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران واستفزازاتها للطوائف السنية والأقليات العرقية في سوريا»، مقابل «التعاون مع النظام السوري وروسيا في مكافحة الإرهاب في شمال غربي سوريا، ومكافحة العناصر الإرهابية في شرق سوريا والتنسيق بين النظام و(قوات سوريا الديمقراطية) في التعامل مع سكان مخيم الهول، والمقاتلين الأجانب، وعناصر (داعش) المعتقلين وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار والتعافي المبكر في المناطق المحررة من (داعش) والخاضعة لسيطرة النظام السوري».

في المرحلة الخامسة، يتم «إعلان وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، مما يؤدي إلى إعلان وقف العمليات العسكرية الكبرى وإعلان وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات ووقف جميع العمليات الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، ما لم يكن ذلك في إطار عملية وقف إطلاق النار، واالتزام الشركاء على الأرض في سوريا والحلفاء الإقليميين (بما في ذلك تركيا) بوقف إطلاق النار المعلن في جميع أنحاء البلاد».

وفي المرحلة السادسة والأخيرة، يتم «انسحاب جميع القوات الأجنبية، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار والأمن الإقليميين، بما في ذلك الوفاء بالالتزامات بموجب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، وانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما بعد عام 2011، وانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف»، في المقابل يتم «فتح قنوات تنسيق بين الجيش السوري والأجهزة العسكرية والأمنية في دول الجوار لضمان أمن الحدود مع سوريا».

الشرق الأوسط

——————————-

«وثيقة التطبيع» مع سوريا تشترط خروج القوات الأجنبية

ملحق سري تضمن خطوات من دمشق مقابل «حوافز»… و«الشرق الأوسط» تنشر النص

لندن: إبراهيم حميدي

كشفت وثيقة أردنية وملحقها السري، تنشر «الشرق الأوسط» نصهما، أن الهدف النهائي من «التطبيع العربي» مع دمشق هو «خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا، الذين دخلوا البلاد بعد 2011»، بما في ذلك «انسحاب أميركا والتحالف من شمال شرقي سوريا و(تفكيك) قاعدة التنف الأميركية» قرب حدود الأردن والعراق، بعد سلسلة خطوات وفق مقاربة «خطوة مقابل خطوة» تشمل بداية «الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا»، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية لروسيا».

وتشكل الوثيقة، أساس الخطوات التي تقوم بها دول عربية تجاه دمشق، وشمل ذلك لقاء وزير الخارجية فيصل المقداد تسعة وزراء عرب في نيويورك وزيارات رسمية أردنية – سورية واتصالات بين قادة عرب والرئيس بشار الأسد.

ويتضمن التطبيع «حوافز» لدمشق مثل مرور «أنبوب الغاز العربي» عبر سوريا من مصر والأردن إلى لبنان، وإقامة الإمارات محطة كهرباء في سوريا، وعدم اعتراض واشنطن على هذه الخطوات، بل إنها استمرت بتقديم إعفاءات من عقوبات «قانون قيصر».

وأعد الجانب الأردني هذه الخطة قبل أشهر، وناقشها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز)، والروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) ومع قادة عرب وأجانب.

من جهة أخرى، أفادت مصادر أمس، بأن الرئيس الأسد أبعد ممثل «الحرس» الايراني في سوريا جواد غفاري بسبب «عدم الرضا عن تدخلاته».

الشرق الأوسط

—————————–

لماذا تقاربَ معسكرا التطبيع مع إسرائيل والأسد؟

رحّب وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، الأربعاء، بزيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، إلى دمشق، في اليوم الذي سبقه، قائلا إن بلاده «تبارك هذه الخطوة» وتبع ذلك اتصال من وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان بنظيره الإماراتي، رحّب فيه أيضا بزيارة المسؤول الإماراتي الكبير واعتبرها «خطوة إيجابية».

بعد يومين فحسب من الزيارة، باشرت أبو ظبي، بسرعة، خطوات أخرى للتطبيع مع النظام السوري، فأعلنت عن اتفاق مع حكومة دمشق على إنشاء محطة توليد كهرضوئية، وقدّم وزير ومستشار سوري سابق، كمال زهر الدين، أوراق اعتماده قنصلا في دبي والإمارات الشمالية، وهو ما يعني أن الاتفاقات وتسليم أوراق الاعتماد كانا قد نوقشا سابقا، وأن إجراءات أخرى ستتبعها.

تذّكر الخطوات الإماراتية، بالطبع، بالتسارع الهائل في العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والسياحية بين أبو ظبي وتل أبيب، والذي حصل بعد اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي في 13 آب/أغسطس 2020، حين أصبحت الإمارات ثالث دولة عربية، بعد مصر والأردن، توقّع «اتفاقية سلام» مع إسرائيل، والدولة الخليجية الأولى التي تقوم بذلك.

وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، الذي كانت بلاده لعبت دورا كبيرا في تحريك ملف التطبيع مع النظام السوري، ورأى أن ما يحدث مع النظام السوري هو «لغياب أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري» لكنّه أوضح، من جهة أخرى، أسباب عمّان الداخلية التي دفعت بهذا الاتجاه حيث قال إن بلاده «تستضيف 1,3 مليون لاجئ سوري لا يتلقون الدعم الذي قدّمه العالم من قبل».

موقف الجزائر، التي تستعد لاستقبال قمة الجامعة العربية السنة المقبلة، الداعم للنظام السوري، كان واضحا منذ بدايات الأحداث السورية، ويمكن تلمّس أسبابه في طبيعة النظام الجزائري العسكرية والأمنية المشابهة، نسبيا، لطبيعة النظام السوري، والتي تبدت بخوضه حربا هائلة لمنع استلام «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» للسلطة عام 1991 بعد فوزها في الانتخابات البرلمانية، وكذلك في مواقفه من الحراك الشعبي السلمي الذي انطلق عام 2019.

تشير هذه المواقف المتعددة إلى وجود أسباب خاصة بكل دولة عربية للترحيب بالتقارب مع النظام السوري، فالجزائر والعراق ومصر (بعد استلام الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة عام 2013) كانت من الدول الداعمة، بشكل أو آخر، للنظام السوري، وهو ما ينطبق على فصائل وأحزاب واتجاهات سياسية عربية موالية لإيران، كما هو حال «حزب الله» اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية، وحوثيي اليمن، لكن المستجد كان التحول التدريجي في مواقف الدول الخليجية، التي خفضت بعثاتها الدبلوماسية أو أغلقتها عام 2012 احتجاجا على تعامل النظام مع المتظاهرين.

هل يعتبر الأمر، إذن «اعترافا بانتصار الرئيس بشار الأسد» على ما رأى أمين عام «حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، في كلمة له أمس، أم أنه، عمليا، اقتراب من نظام الأسد المنهار اقتصاديا، والذي سقطت شرعيته السياسية وتدهورت علاقاته مع المنظومة الدولية، من إسرائيل؟

وكيف يمكن فهم سعي الجزائر لإعادة نظام متهالك سياسيا واقتصاديا وتاريخه مبقع بالوحشية، التي ما زالت عجلاتها تدور يوميا ضد شعبه، إلى الجامعة العربية، وتستطيع مباركة مواقف الإمارات، التي تقاربت بشكل مذهل مع إسرائيل، في الوقت الذي ترفع فيه وتيرة التصعيد السياسي وتهدد بلدا شقيقا ومجاورا، هو المغرب، بالعقاب، وتتهمه بالتآمر عليها مع تل أبيب؟

ما يحصل لا يمكن ربطه بإعلاء شؤون السياسة والدبلوماسية في ملفي إسرائيل والنظام السوري، في الوقت الذي تتجبّر فيه إسرائيل ونظام الأسد ضد الفلسطينيين والسوريين، لكن يمكن، بالأحرى، ربطه بالتقاء بوصلتي الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي والاستبداد العربي، مع كل ذيوله وتداعياته.

القدس العربي،

———————————

التفاهم الإيراني-الأميركي: الأسد بقطار التطبيع.. ولبنان ينجز “الترسيم”/ منير الربيع

لم تكن خطوة زيارة وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الى دمشق، ولقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد، منفصلة عن سياق تحولات تعيشها منطقة الشرق الأوسط. فالمنطقة تدخل في عصر “التطبيع”، خصوصاً أن الأسد قال، في البيان الذي أصدره عقب اللقاء، إنه أشاد بالمواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات.

بين السطور

هنا لا حاجة لتفسير المقصود بمصطلح “المواقف الموضوعية” لأنها واضحة وتتعلق بالعلاقة مع إسرائيل. أما مصطلح “الصائبة”، فله مدى أبعد يشير إلى إطلاق موقف ضمني بالموافقة على ما تقوم به دولة الإمارات. بمجرد قراءة ما بين سطور هذا البيان، يكتشف المرء تأييد الأسد للمسار الإماراتي، بخلاف كل التصريحات العلنية الأخرى التي تصدر عن مسؤولين سوريين وحلفائهم، بما يتعلق بمواجهة إسرائيل. وعلى ما يبدو أن الأسد سيلبي سريعاً الدعوة التي وجهت إليه لزيارة أبو ظبي.

جاء اللقاء، في أعقاب زيارة لسوريين من الطائفة اليهودية أجروها إلى سوريا، وعقدوا لقاءات فيها. وتأتي هذه الزيارة على بعد أيام من لقاء نظّمته السفارة اللبنانية في باريس ليهود لبنانيين. هنا، لا حاجة للدخول في نقاش أو سجال يتعلق بحق هؤلاء كمواطنين. فالأساس هنا يتعلق بالتوقيت، لأن أي حركة من هذا النوع سابقاً كانت ممنوعة، وتدخل في خانة المحرمات.

روسيا وإسرائيل

بين التحركات الثلاثة ثمة قاسم مشترك مباشر وهو إسرائيل. وقاسم مشترك غير مباشر هو روسيا. إذ أن كل المعلومات تؤكد أن موسكو هي التي طلبت تنظيم مثل هذه اللقاءات، على إيقاع دعم مسار التطبيع في المنطقة، وتخفيف التوتر بين العرب واليهود، وصولاً أيضاً إلى إرساء تفاهمات ضمنية على عدم التصعيد العسكري أو ضمان أمن إسرائيل سواء في سوريا وتحديداً في الجنوب، أم في لبنان، والذي يمثل نقطة تقاطع أساسية أميركية-روسية لمنع حصول أي تصعيد على الحدود مع إسرائيل، ربطاً بملف ترسيم الحدود والذي يفترض به الوصول إلى تفاهمات جديدة تنتج استقراراً.

الأسد يبحث عن فرصة لتعويم نفسه عربياً وغربياً. هذا التعويم لا يمكن له المرور إلا عبر إسرائيل وموافقتها، ما يفرض على الأسد تقديم تنازلات استراتيجية، تعمل روسيا على توفيرها إنطلاقاً من علاقتها مع إيران. وهنا تختلف المسألة عن ما يخرج به بعض المتحمسين، الذين يراهنون على دور روسي لإخراج إيران من سوريا. هذه نقطة مستحيلة، إنما ما تسعى إليه موسكو هو ترتيب الوضعية السورية بشكل تتوفر فيها الحماية لإسرائيل والحفاظ على نفوذ إيراني.

ولتحقيق ذلك هناك طريق وحيدة تتعلق بمسار المفاوضات الإيرانية الأميركية وتفاهماتها على النفوذ الإقليمي. أمام هذه المعادلة تجد إيران نفسها موافقة على زيارة الأسد إلى الإمارات، لا بل قد تنظر إلى ذلك كمتنفس بالنسبة إليها. موقع الأسد يختلف هنا عن موقع علي عبد الله صالح، والذي كان مصيره الاغتيال عندما استشعرت طهران مساعيه للتقرب من السعودية.

إنجاز ترسيم الحدود

ثمة ضوابط موضوعة في سوريا، لا يمكن لأي طرف أن يخترقها. وهي عدم المساس بالأمن الإسرائيلي، مقابل عدم ضرب الإسرائيلي لمواقع النظام ومؤسساته. ومع ذلك، لم يطبق اتفاق خروج إيران من الجنوب السوري بعمق 80 كليومتراً. إذ عملت على تأسيس جماعات وخلايا تابعة لها هناك. وهذا الأمر دفع الإسرائيليين إلى تعميق البحث بهذا الموضوع. فأيّ اتفاق لا يمكن أن يحصل من دون توافق إيراني أميركي. ولذا، لا بد من انتظار مسار المفاوضات النووية، لتنتقل بعدها إلى التفاوض على النفوذ الإقليمي.

وهنا لا يمكن فصل لبنان على هذا المسار، سواء بما يتعلق بملف ترسيم الحدود، والتي تقول المعلومات إنه أصبح ناجزاً من الناحية التقنية، وقد حصل الاتفاق، فيما تبقى مسألة توقيعه مرتبطة بتوقيت سياسي.

المدن

—————————–

الإمارات ومستقبل العلاقة مع سوريا/ جويس كرم

زيارة وزير الخارجية الإماراتية، الشيخ عبدالله بن زايد، إلى سوريا هذا الأسبوع أحدثت صخبا إعلاميا وسياسيا، رغم أنها بالشكل والمضمون والتوقيت ليست مفاجئة وتعتبر خلاصة لمنعطف سياسي قامت به الإمارات في السنوات الأخيرة.

الزيارة ولقاء الشيخ عبدالله بالرئيس السوري بشار الأسد، لا بد أن يكونا محط جدل. فتاريخ نظام الأسد الدموي من الأب إلى الابن والدمار الذي ألحقته استراتيجية بشار الأسد بسوريا وتشريعها أبواب دمشق أمام إيران وحزب الله ومرتزقة من أفغانستان إلى الشيشان، يختلف بالجوهر عن تاريخ الإمارات وما بناه وأسسه الشيخ زايد وأبناؤه وجعل البلاد واحة استقرار ورخاء اقتصادي وانفتاح اجتماعي ومدني يواكب حداثة القرن الواحد والعشرين.

من هنا اللقاء ليس احتضانا للأسد وتاريخه السياسي، بل ضرورة استراتيجية وسياسية تمضي بها الإمارات ومعها الأردن والعراق ومصر في سوريا ولأسباب عدة بينها:

1-  خيارات محدودة عموما للخارج في سوريا بعد فوز النظام بحرب قتلت نصف مليون سوري وهجرت وشردت الملايين. البديل عن الإقرار بهذا الواقع هو استكمال الحرب فيما المعارضة مفتتة، وتطرف داعش وأحرار الشام قضى على الأفق المعنوي لإعادة تأهيلها.

2- وحدة سوريا الجغرافية والخوف من دخول تركيا شمالا، وصعود الإسلاميين هو أيضا في حسابات الإمارات والأردن ومصر وغيرهم ممن فتحوا قنوات ديبلوماسية وأمنية مع النظام.

3- قياس التهديدات وما تطمح له الإمارات إقليميا: وهنا دعم الأنظمة ومنع تفكك الدول المركزية هو طريق ترى في أبوظبي الوسيلة الوحيدة لمنع صعود الحركات الميليشياوية. ولذلك يبدو الأسد أو أيا كان على رأس السلطة في سوريا خيارا مفضلا على حركات مسلحة ترى فيها دول الجوار خطرا على استقرارها.

4- العامل الاقتصادي وما يعنيه الانفتاح على سوريا في حال لحق ذلك تسوية سياسية والدخول بمرحلة إعادة الإعمار وبناء البنية التحتية وتحديث سوريا بشكل تردد بالقيام به حافظ الأسد، وحاول بشار الأسد المضي به قبل الانزلاق بخيار الحرب.

٥- العامل الخارجي والدور الذي لعبته روسيا منذ دخولها سوريا في 2015، بتقريب وجهات النظر بين الأسد ودول الخليج وليس فقط الإمارات.

دبلوماسية الإمارات في سوريا مسارها مبن على إعادة دعم الدولة المركزية ودخول أبوظبي كعراب اقتصادي ودبلوماسي في دمشق، وهو مسار عمره أكثر من ثلاث سنوات بعد اعادة فتح القنصلية الإماراتية في 2018، وعودة المحادثات الأمنية والاقتصادية.

دعم الدولة المركزية سيكون على حساب الميليشيات في حال قرر الأسد مواجهتها. وهنا الحكمة الدبلوماسية لرونالد ريغان “الثقة تحتاج إلى برهان”. فالأسد الابن راوغ لسنوات في هذا الملف حتى قبل الحرب، وكان يقول للعراقيين وللأميركيين إنه سيوقف تسلل الانتحاريين إلى بغداد عبر حدوده فيما الطائرات المحملة بالجهاديين كانت تصل إلى دمشق.

الكثير تغير منذ 2003، ونظام الأسد هو أضعف بكثير مما كان عليه وتحت وصاية روسية وإيرانية إنما الخروج منها يتطلب درجة عالية من الوضوح والبرهان من الأطراف العربية في التعامل مع الأسد.

الخطوات التالية التي ستلحق زيارة الشيخ عبدالله إلى دمشق سترتكز على الشأن الاقتصادي والإنساني بدون المجازفة بخرق العقوبات. ما بعد ذلك يتطلب تسوية سياسية في سوريا، تفتح الباب أمام مصالحة والعودة إلى الجامعة العربية في قمة الجزائر الربيع المقبل.

الحرة

————————-

هل تفرمل واشنطن الاندفاع العربي تجاه الأسد؟/ أمين العاصي

تتوالى الخطوات من دول عربية باتجاه التطبيع مع نظام بشار الأسد في الآونة الأخيرة، في ظل محاولات تبدو جادة لإعادة هذا النظام إلى الجامعة العربية، بينما لا تزال بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عند موقفها الرافض لتأهيل هذا النظام المتهم بارتكاب عمليات إبادة جماعية على مدى أكثر من عشر سنوات.

وفي جديد المواقف العربية الداعية للتقارب مع النظام السوري، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أمس الأول، إنه آن الأوان لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، مضيفاً: كرسي سورية يجب أن يعود إليها من دون التدخل في سياساتها ومن يحكمها. وأكد الوزير الجزائري أن بلاده لم توافق أصلاً على تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، مشيراً إلى أن ذلك لم يسهم في الحلول. وكانت جامعة الدول العربية اتخذت قراراً، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بتعليق عضوية النظام في الجامعة بسبب رفضه التجاوب مع مبادرة لها للحل في سورية. وطلب القرار سحب السفراء مع إبقاء الطلب “قراراً سيادياً لكل دولة”. وصدر القرار بموافقة 18 دولة واعتراض 3 هي سورية ولبنان واليمن، وامتناع العراق عن التصويت.

وفي سياق تبرير التطبيع مع نظام بشار الأسد، كشف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في تصريحات تلفزيونية الأربعاء الماضي، أن بلاده أجرت محادثات مع الولايات المتحدة “حول جهود التقارب” مع النظام السوري، مضيفاً: “الأردن يتحدث مع الأسد بعد عدم رؤية أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري”. وتابع: “الأردن عانى نتيجة الحرب الأهلية السورية، حيث تشق المخدرات والإرهاب طريقهما عبر الحدود، وتستضيف البلاد 1.3 مليون لاجئ سوري لا يتلقون الدعم الذي قدمه العالم من قبل”. وجاءت تصريحات الوزيرين، الجزائري والأردني، بعد يوم واحد من زيارة قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، إلى العاصمة السورية دمشق، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عشر سنوات، التقى خلالها الأسد.

ولكن يبدو أن الموقف العربي تجاه النظام السوري متباين، إذ ما تزال عدة دول عربية ترفض تعويم النظام السوري مرة أخرى، مثل السعودية وقطر، بينما يبدو الموقف المصري غير محسوم حتى اللحظة، على الرغم من اللقاء الذي تم بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير خارجية النظام فيصل مقداد، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

اللقاء الثلاثي في الدوحة

وتشي المعطيات السياسية بأن موقف بعض الدول العربية المندفع اتجاه النظام السوري يصطدم برفض من الولايات المتحدة، التي أعلنت، الثلاثاء الماضي، رفضها أي محاولة للتطبيع مع الأسد، والذي وصفته بـ”الديكتاتور الوحشي”. وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس عن “قلق” واشنطن من زيارة بن زايد إلى دمشق، حاثاً دول المنطقة على التفكير ملياً في “الفظائع” التي ارتكبها الأسد. ويحكم “قانون قيصر”، الذي فُعّل منتصف العام الماضي، العلاقة بين واشنطن والنظام السوري، إذ فرضت الولايات المتحدة بموجب هذا القانون عقوبات رادعة على أبرز الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية في النظام السوري، إضافة إلى الشخصيات والكيانات الاقتصادية والعسكرية التي تقدم عوناً له. و”قيصر” هو الاسم الحركي لعسكري ومصور في الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية للنظام، وثّق عمليات قتل تحت التعذيب في سجون نظام الأسد من 2011 حتى منتصف 2013.

وذكرت مصادر مطلعة، لـ”العربي الجديد”، أن واشنطن أفشلت خلال العامين الأخيرين محاولات من أطراف عربية لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، لإبقائه في عزلة، كي ينصاع للإرادة الدولية في التوصل لحل سياسي للقضية السورية. غير أن نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض ربى حبوش قالت، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الموقف الغربي تجاه محاولات إعادة تأهيل نظام بشار الأسد “ضعيف وغير كافٍ”، مضيفة: “ننتظر منهم دوراً أقوى، وإجراءات جدية وفعلية تمنع عملية التطبيع مع المجرم”.

وعن الخطوات التي تقوم بها المعارضة للحيلولة دون عودة النظام إلى الجامعة العربية، قالت حبوش: “مستمرون بالعمل على إيقاف التطبيع مع النظام”. وأضافت: “أثناء وجود وفد من الائتلاف في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية، عقدنا الكثير من الاجتماعات مع دول فاعلة في القضية السورية، تحدثنا خلالها عن الخطر الكارثي على سورية والشعب السوري من التطبيع مع الأسد، كما التقينا مع وفد جامعة الدول العربية هناك وشرحنا موقفنا بهذا الخصوص، وبيّنا خطورة إعادة النظام للجامعة”. وأشارت إلى أن “التطبيع مع نظام مجرم، أو التفكير بإعادته لواجهة المجتمع الدولي، سيزيد من معاناة السوريين، خصوصاً المهجرين والنازحين واللاجئين في المخيمات، ويقتل العملية السياسية”، مضيفة: على الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، أن يقوم بتحرك جاد لإيقاف هذا التطبيع.

وعلى الرغم من ظهور مؤشرات على تبدل ما في الموقف الأميركي تجاه النظام السوري، إلا أن الباحث السياسي المختص بالشأن الأميركي رضوان زيادة رأى، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “لا تبدل في موقف واشنطن من الأسد ونظامه”، مستدركاً بالقول: “لكنها لا تبذل جهوداً دبلوماسية جدية وحقيقية من أجل منع أو محاسبة المطبعين مع الأسد”. وأشار إلى أن “موقف الخارجية من زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق مهم”، مضيفاً: لكن الأهم أن يصدر بلغة أقوى، ومن مستوى أعلى من المتحدث باسم الخارجية، لأن الأطراف العربية تقرأ الرسائل بحسب المتحدث وليس حسب الموقف ذاته. ولفت زيادة إلى أنه “لا يوجد تغير في موقف السعودية وقطر من نظام بشار الأسد”، مضيفاً: لذا لن يعود نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية في الوقت الحالي. وحول موقف دول الاتحاد الأوروبي، قال زيادة: موقفها واضح برفض التطبيع مع نظام الأسد. للأسف المعايير العربية لا تراعي حقوق الإنسان والعدالة والمحاسبة.

العربي الجديد

————————-

الأردن:التطبيع مع الأسد نتيجة لغياب”استراتيجية فعالة”للحل السوري

قال وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي إن السبب الرئيسي لتطبيع علاقات بلاده مع الرئيس السوري بشار الأسد يعود إلى “عدم وجود رؤية أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري”، مؤكداً أن “الحل السياسي لا يزال مطلوباً في سوريا بما يتماشى مع القانون الدولي”.

وأوضح الصفدي في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية، تعليقاً على الجهود العربية والإقليمية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، أن “التعايش مع الوضع الراهن ليس خياراً”، وسأل: “ماذا فعلنا كمجتمع عالمي لحل الأزمة.. بعد 11 عاماً، ماذا كانت النتيجة”، مشيراً إلى أن الأزمة السورية “حطمت حياة الملايين من الناس، وكان لها تداعيات أمنية واقتصادية، وانعكاسات اجتماعية علينا جميعاً”.

وتابع الوزير الأردني أن بلاده “عانت نتيجة الحرب الأهلية السورية، حيث تشق المخدرات والإرهاب طريقها عبر الحدود”، مشيراً إلى أن الأردن يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري، وهم حالياً لا يتلقون الدعم الذي كانوا يتلقونه في السابق”، موضحاً “نحن بصفتنا الدولة المضيفة، يتعين علينا التعامل مع عبء ذلك بأموال أقل وأقل”.

وقال إن الأردن أجرى محادثات مع الولايات المتحدة حول جهود التقارب مع النظام، مضيفاً “بصفتنا دولة مجاورة لسوريا، إن مهمتنا هي معالجة مخاوفنا، لقد عانينا بشدة من هذه الأزمة، أكثر من أي بلد آخر”.

وجاء تصريح وزير الخارجية الأردنية بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان للعاصمة الأردنية عمان، قادماً من دمشق، حيث أنهى أول زيارة رسمية منذ عام 2011. وبرّر المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش، زيارة وزير خارجية بلاده إلى دمشق، بالقول إن “الإمارات تواصل بناء الجسور ووصل ما انقطع”، مضيفاً “الامارات ستحرص في ذلك كله على البُعد العربي وتجنيب المنطقة المزيد من الاحتقان والصراعات المستمرة”.

وتلقى الملك الأردني عبد الله الثاني في تشرين الأول/أكتوبر، اتصالاً هاتفياً من الأسد، بعد مرور عقد منذ آخر اتصال رسمي بين الرجلين. وتناول الاتصال العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيز التعاون بينهما.

ويحاول الأردن جاهداً خلال الأشهر الماضية إعادة تعويم نظام الأسد عربياً ودولياً عبر مبادرة حملها الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض وعرضها على الرئيس الأميركي جو بايدن، تتضمن تقليص عقوبات واشنطن المفروضة على الأسد بما يخدم المصالح الأردنية.

المدن

———————–

موجة التطبيع الجديدة مع إسرائيل: حب فلسطين أم الخوف من إيران؟/ محجوب الزويري

إن أولوية الإمارات هي عقد صفقات تجارة ثنائية مع إسرائيل؛ لذلك من الواضح أن الأعمال التجارية ستكون لها الأسبقية على تقديم الدعم أو الاهتمام بحقوق الفلسطينيين وقضيتهم.

عادة ما يُروج لمفهوم التطبيع مع إسرائيل على أساس أنه يحقق الرخاء والاستقرار والتنمية الاقتصادية لأولئك المنخرطين فيه، ويكون له تأثير إيجابي في المنطقة. لكن هذا الازدهار المتوقع لم يتحقق في مصر والأردن بعد سنوات من التطبيع؛ كما أنه من غير المرجح أن نرى هذا الازدهار بعد اتفاقات أبراهام إذا ما نظرنا إلى أهدافها النهائية التي تتمثل في تسهيل العلاقات الثنائية وخلق سياسة أمنية جماعية لمواجهة إيران.

مرّ أكثر من عام على توقيع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، اتفاقات أبراهام مع وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في 15 أيلول/ سبتمبر 2020 في واشنطن العاصمة. كيف أثّرت هذه الصفقة في المنطقة وهل تفتح الباب لصفقات تطبيع مستقبلية مع دول خليجية إضافية في ضوء الديناميكيات الأخيرة في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ورحيل ترامب عن السلطة؟

لا تهدف اتفاقات أبراهام إلى حل الصراع الفلسطيني، ولم يضع الموقّعون عليها هذا الغرض في حسبانهم. ومع ذلك، وفي ظل غضب الرأي العام السائد في العالم العربي من إسرائيل بشدة ومدافعته عن القضية الفلسطينية، سلّطت دولة الإمارات العربية المتحدة الضوء على فرص إرساء السلام الجديدة والتي يمكن أن تتمخّض عن عملية التطبيع، لتبرير سبب إبرام الاتفاق. وفي ندوة عُقدت في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، صرّح السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، أن اتفاقات أبراهام تم تنسيقها أساساً للحد من الضم الإسرائيلي للضفة الغربية ولاستبقاء إمكانية تطبيق حل الدولتين. ومع ذلك، وفي خضم تصاعد القمع الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس وتنامي عدد القتلى في غزة، لم يصدر عن دولة الإمارات العربية المتحدة أي تصريح بشأن تأثير هذه الأعمال في الفلسطينيين أو الكيفية التي ستعزّز بها اتفاقات أبراهام حقوق الفلسطينيين.

ضمنت الاتفاقات- التي حظيت بدعم الولايات المتحدة- مساراً لعلاقات أمنية واقتصادية أوثق بين الدول الموقِّعة، من دون الالتفات إلى حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

اتفاقات أبراهام ومعاهدات السلام السابقة: مقارنة موجزة

لفهم عملية التطبيع التي أطلقتها اتفاقات إبراهيم فهماً جيداً، يجب أن يفهم المرء سياق هذه العملية ومدى اختلافها عن عمليات التطبيع السابقة التي دُشنت بين إسرائيل والدول العربية. فقد كانت اتفاقيات مصر والأردن مع إسرائيل تدور في الغالب حول إنهاء الصراع النشط، وتأسّست على فكرة السلام مقابل اعتراف مصر والأردن بسيطرة إسرائيل على الأراضي التي انتزعتها من الفلسطينيين. وعلى عكس هذه الاتفاقيات، تتجاهل اتفاقات أبراهام أساساً قضية فلسطين بالكامل، وينصب تركيزها بشكل أكبر على ديناميكيات إقليمية واقتصادية.

كانت لصفقات السلام السابقة تداعيات وأثمان سياسية كبيرة، لا سيما بالنسبة إلى مصر التي عُلّقت عضويتها موقتاً في جامعة الدول العربية جراء ذلك (وُقّعت اتفاقيات كامب ديفيد في أيلول/ سبتمبر 1978، تلاها توقيع معاهدة سلام في آذار/ مارس 1979)، والتي اغتيل رئيسها الأسبق أنور السادات (في تشرين الأول/ أكتوبر 1981). وفي حالة الإمارات والبحرين، واجهت الدولتان تداعيات قليلة أو معدومة على المستويين الإقليمي والعالمي لتطبيعهما العلاقات مع إسرائيل.

كانت الأُطر الرئيسية التي وُقّعت في ضوئها معاهدة السلام عام 1979 بين إسرائيل ومصر هي اعتراف الجانبين بسيادة كل منهما، ووقف الصراع المستمر والمستعر بينهما منذ حرب 1948 العربية الإسرائيلية، وتطبيع العلاقات، وانسحاب القوات الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين من سيناء المحتلة. وبهذه الاتفاقية أصبحت مصر- الدولة العربية الأكثر نفوذاً- أول دولة عربية تعترف بإسرائيل رسمياً. وكانت الاتفاقية جزءاً من تحوّل استراتيجي كبير، حيث تحول عدو إسرائيل من خصم إلى جار مُسالم. ومع ذلك، وُصف هذا السلام كثيراً بأنه “سلام بارد” لأن العلاقات الديبلوماسية مستقرة، مقابل رفض التطبيع في المجتمع المصري.

كانت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، والمعروفة باسم معاهدة وادي عربة، تهدف أيضاً بشكل أساسي إلى إنهاء الصراع بين البلدين في أعقاب حربي 1948 و1967 بين العرب وإسرائيل. وحسمت المعاهدة أيضاً نزاعات حول الأراضي والمياه، وأتاحت فرصاً للتعاون في السياحة والتجارة، وألزمت البلدين بعدم السماح لدولة ثالثة باستخدام أراضيهما كمنطقة مواجهات عسكرية.

على عكس الاتفاقيات السابقة، لا تهدف اتفاقات أبراهام إلى وقف الصراع، فما من صراع مباشر بين الدول الموقّعة على هذه الاتفاقات. وبدلاً من ذلك، يركّز الاتفاق الثلاثي على مصالح أمنية جماعية مدفوعة بقضايا إقليمية مشتركة مثل إيران، ما يجعل دولتي الخليج العربي الموقّعتين على الاتفاق أقرب إلى إسرائيل في ما يتعلق بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية. ومن شأن الاتفاقات أن توفّر لإسرائيل وصولاً مباشراً لا مثيل له إلى شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، وأن تعزز التطورات الاقتصادية والتعاون على مختلف المستويات. وقد روّج مهندسو هذه الاتفاقات لها باعتبارها لبنة في “شرق أوسط جديد” يضم إسرائيل. ويفترض أن تساعد اتفاقات أبراهام على إنهاء الاحتلال غير الشرعي لفلسطين، ولكنها من الناحية العملية لا تفعل شيئاً يُذكر في هذا الاتجاه.

الخوف من إيران يفوق المخاوف على حقوق الفلسطينيين

لقد وصلت الدول الموقِّعة على اتفاقات أبراهام إلى مستوى من التطبيع أشبه ما يكون باتفاقية أمن جماعي؛ إذ إن التقارب الحادث بين هذه الدول يبدو بشكل واضح مدفوعاً بالرغبة في عزل تهديد مشترك في المنطقة. فقد اعتبرت إسرائيل ودولٌ عدة في مجلس التعاون الخليجي- مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية- أن الوجودَ الإيراني المتنامي على الساحة الدولية هو الخطر الأكبر الذي يهدد المنطقة. وبناءً على ذلك، دعمت الإمارات العربية المتحدة استراتيجية الضغط الأقصى التي اتبعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضد إيران.

هكذا يتبين أن الاتفاقات كانت معنية بإيران أكثر بكثير من حقوق الفلسطينيين وضم إسرائيل غير الشرعي للأراضي الفلسطينية؛ فقد عقدت كلٌ من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة النية على اتباع استراتيجية من شأنها أن تكبح جماح إيران في المنطقة، بصرف النظر عن أي علاقات محتملة بين إيران والإمارات.

لذلك تبدو الاتفاقات في النهاية خطوةً على طريق سياسة إقليمية خارجية جديدة، أكثر من كونها معنية بالسلام أو بفلسطين؛ ويمكن رؤية هذه الخطوة متوازيةً مع عملية التطبيع مع إسرائيل، التي تهدف إلى إحداث تغييرات في الجغرافيا السياسية الحالية في المنطقة، وتكوين محور جديد في الخليج لمواجهة إيران.

ضمنت الاتفاقات- التي حظيت بدعم الولايات المتحدة- مساراً لعلاقات أمنية واقتصادية أوثق بين الدول الموقِّعة، من دون الالتفات إلى حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

هل تصمد “اتفاقات أبراهام”؟

وفقاً للاستطلاع الذي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في حزيران/ يونيو 2020 -أي قبل نحو ثلاثة أشهر من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة- كانت نسبة المؤيدين الإماراتيين لدعم العلاقات مع إسرائيل لا تتجاوز الـ20 في المئة؛ وفي استطلاعٍ أحدث أجراه المعهد نفسه في تشرين الثاني/ نوفمبر- أي بعد توقيع الاتفاقية- تبين أن التصورات عن التطبيع قد تحسنت بشكل طفيف، إلا أن مواقف الإماراتيين ظلت متباينة، حيث رأى 47 في المئة منهم أن توقيع الاتفاقات خطوة إيجابية، بينما اعتبرها 49 في المئة منهم خطوة سلبية.

تجدر الإشارة إلى أن الاعتداء الإسرائيلي على غزة في أيار/مايو 2021، قدم صورة أكثر سلبية عن الاتفاقات. لعقودٍ طويلة كان هناك تصور مُضمَر في أنحاء العالم العربي يقضي بأنه من غير المقبول السعي إلى التطبيع ما لم تُحل القضية الفلسطينية. يمكن القول إن الهجمات الإسرائيلية هي تذكيرٌ رادع بأن الاتفاقات لم تحسّن وضع الفلسطينيين. وعلى الرغم من وقوع هذه الهجمات، لم تُنتقد اتفاقات أبراهام بشكل جاد ومستمر في الدول الموقعِّة عليها. تاريخياً، لم يحدث أن منحت الإمارات مواطنيها منصة مفتوحة ليعبروا فيها عن نقدهم أو معارضتهم؛ لذلك، لا يُتوقع أن يفصح الجمهور عن استيائه من عملية التطبيع، حتى لو ظل الإماراتيون منقسمين حيال الموقف من التطبيع.

وفي حين يشير منتقدو اتفاقات أبراهام إلى الدماء التي تُراق في غزة، والتظاهرات العنيفة داخل الضفة الغربية المحتلة، ليؤكدوا أن الاتفاقات رجعت بخُفّي حُنَيْن إلى الفلسطينيين؛ فإن هذا لم يبطئ أو يؤثر في عملية إنشاء غرفة التجارة والصناعة الإسرائيلية- الخليجية في الإمارات العربية المتحدة. فقد وافق صندوق الثروة السيادية الإماراتي راهناً على مذكرة تفاهم لشراء حقل غاز طبيعي في إسرائيل بتكلفة 1.1 مليار دولار أميركي.

إن أولوية الإمارات هي عقد صفقات تجارة ثنائية مع إسرائيل؛ لذلك من الواضح أن الأعمال التجارية ستكون لها الأسبقية على تقديم الدعم أو الاهتمام بحقوق الفلسطينيين وقضيتهم.

وفي ظل هذه الظروف، تظل مسألة انضمام دول الخليج الأخرى إلى قاطرة التطبيع الآن بعد ترك ترامب السلطة معلقة. في الوقت الحالي، من المتوقع أن تنتظر هذه الدول حلاً سياسياً للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، قبل أن تحذو حذو الإمارات والبحرين. فالمملكة العربية السعودية تواصل دعمها المواقف الفلسطينية في ما يتعلق بالقضايا الأساسية؛ وفي الوقت نفسه، تتمسك الكويت وقطر بمعارضتهما فكرة الضم الإسرائيلي أحادي الجانب لمناطق في الضفة الغربية، وتشددان على أن هذا يتعارض مع الحل العادل للقضية الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية.

مدير مركز دراسات الخليج/ جامعة قطر

درج

—————————-

الإمارات تقلب صفحة مع سوريا وتمهّد لمبادرات الآخرين إلى تأهيل نظام الأسد

تحركات دبلوماسية تضغط لعودة دمشق إلى الجامعة العربية.

بدأت الإمارات والأردن تحركات مكثفة للبحث عن فرص لعقد تسوية إقليمية قد تنتهي بالتطبيع العربي مع نظام بشار الأسد كخطوة أولى باتجاه الاعتراف به دوليا، ما لم تتمسك الولايات المتحدة برفضها إعادة تأهيل الأسد للعودة إلى الساحة الإقليمية والدولية.

دمشق – بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة في سوريا واستحالة الإطاحة عسكريا بنظام بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران، اتجهت دول عربية وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والأردن إلى إعادة ضبط علاقاتها مع دمشق.

وتقول سارة الديب وباسم مروة في تقرير لوكالة الأسوشيتد برس إن زيارة كبير الدبلوماسيين الإماراتيين هذا الأسبوع ربما طوت صفحة حصار الرئيس السوري، مما مكّن المزيد من الدول العربية من التواصل مرة أخرى معه.

وسيكون هذا تحولا كبيرا في منطقة نبذت بشار الأسد على مدى عقد من الزمن، ودعمت خصومه وعملت مع الولايات المتحدة للسعي إلى تسوية تفاوضية للصراع السوري.

فرصة لصالح دمشق

وتسببت الحرب الأهلية في سوريا في نزوح نصف سكانها وقتل مئات الآلاف ودفعت اقتصاد البلاد إلى الهاوية.

توجه وزير الخارجية الإماراتي بعد زيارته المفاجئة التي استغرقت أربع ساعات إلى العاصمة السورية دمشق الثلاثاء، إلى الأردن، الذي أعاد أيضا فتح قنوات تواصله مع سوريا بعد انقطاع دام عقدا.

وذكر بيان للديوان الملكي في عمان أن الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان التقى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الأربعاء، وبحث الجانبان “الجهود المبذولة للتوصل إلى حلول سياسية للأزمة في المنطقة”.

وفي وقت لاحق، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لشبكة “سي.أن.أن” الأميركية، إن المملكة التي استضافت معارضة الأسد المسلحة لسنوات، بحاجة إلى أن تكون عمليّة وأن تراعي مصالحها الوطنية، في وقت يبدو فيه حل الصراع السوري بعيد المنال.

ويستضيف الأردن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين ويعاني من تباطؤ اقتصادي حاد، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة. وقد أعاد فتح حدوده مع سوريا مؤخرا، وتبادل زيارات وأعاد الرحلات الجوية بين عمان ودمشق.

وإذا أدت مثل هذه الاتصالات بين سوريا وبعض الدول العربية إلى مصالحة رسمية، فسيكون ذلك نعمة للاقتصاد السوري المتعثر، بما في ذلك العملة الوطنية المنهارة وجفاف خزائن الحكومة. كما ستتطلب سوريا أيضا استثمارات ضخمة في إعادة الإعمار.

وقد يعني التقارب أيضا توغلا عربيا في سوريا، حيث كان لإيران (المنافس الرئيسي لدول الخليج العربي) وجود على الأرض من خلال الميليشيات بالوكالة لسنوات.

ويكثف اللاعبون العرب لعبتهم في المنطقة التي تمزقها الصراعات في الوقت الذي يبدو أن واشنطن تنفصل فيه عن المنطقة، وتسحب القوات من العراق وأفغانستان وتعيد توجيه تركيزها نحو التحديات الاستراتيجية التي تفرضها الصين الصاعدة.

في المقابل، يرفض الائتلاف الوطني السوري المعارض مبررات بعض الدول العربية لإعادة العلاقات مع النظام السوري، معتبرا أن إعادة العلاقات بمثابة “قبول وشراكة بجرائم النظام ضد الشعب السوري”.

وقال دبلوماسي عربي مقيم في الشرق الأوسط تحدث إلى وكالة أسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته “يتحدث الجميع مع الجميع”. على سبيل المثال، كان العراق يستضيف محادثات بين إيران والمملكة العربية السعودية.

ويعدّ احتضان الإمارات لسوريا اختبارا لمعرفة ما إذا كان ممكنا أن تؤدي إعادة مشاركة بشار الأسد، الرجل السوري القوي إلى بعض التنازلات التي فشلت سنوات من العقوبات والمقاطعة في تحقيقها.

عراقيل كثيرة

قد تؤدي إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية إلى تقليص النفوذين الإيراني والتركي. ويبدو أن التعامل مع الأسد، الذي تُتهم قواته بالتسبب في معظم فظائع الحرب، مخاطرة تستحق العناء، حيث يسعى الإماراتيون إلى التحوط من رهاناتهم في المنطقة.

وقال المحلل المهتم بشؤون الخليج العربي وايران أمجد طه “إذا تمكنا من تحقيق السلام مع دول مختلفة، فيجب أن تكون سوريا واحدة من أهم الدول في الشرق الأوسط. لا ينبغي ترك سوريا وحيدة. إذا كان الإيرانيون والروس هناك، فينبغي للعرب أن يكونوا كذلك”.

وتنتهج الإمارات سياسة خارجية عالية المخاطر مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل، واتخاذ خطوات لإشراك قطر وتركيا دبلوماسيا بعد سنوات من المواجهة السياسية والانتقادات اللاذعة ودعم الأطراف المتعارضة في النزاعات الإقليمية.

وأشادت الناطقة بلسان الحزب الحاكم في سوريا بزيارة وزير الخارجية الإماراتي ووصفتها بأنها “خطوة عربية قومية حقيقية” بعد ما وصفته بسنوات من الأوهام بإمكانية استبدال الأسد وحكومته بالحرب.

وكانت الإمارات تضغط في المنتديات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية من أجل المزيد من المساعدات لسوريا، ويمكن أن توسع مثل هذه الدعوات. كما يمكن للإمارات تشجيع الشركات السورية – الإماراتية إذا لم تكن هناك تهديدات باستخدام العقوبات لمنعها.

وستراقب الدول العربية لترى ما ستربحه الإمارات من استئناف العلاقات قبل الاندفاع.

وأشار المحلل طه إلى أن هناك بالفعل جهودا بقيادة الإمارات للضغط على الدول العربية لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، مؤكدا أن الجهد كبير على الرغم من بعض الاعتراضات العربية. وستقام القمة القادمة في الجزائر في شهر مارس من العام المقبل، وفق ما أكده الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.

ويمكن لدمشق أن تقدم إشارات تشير إلى تراجع النفوذ الإيراني. وتعدّ روسيا حليفا رئيسيا آخر لسوريا، ووسعت وجودها في بعض المناطق السورية على حساب إيران، إما لتهدئة إسرائيل وإما الولايات المتحدة، ولكن في الغالب لصالح تحسين قبضتها على الشؤون في سوريا.

وقال إبراهيم حميدي الصحافي السوري المقيم في لندن، “لقد انتهت سوريا التي عرفناها. وولت أيام سوريا التي يمكن أن تلعب دورا إقليميا. إن سوريا مدمرة وهي مشغولة بمشكلاتها الخاصة”.

ويمكن أن تثبط المعارضة السورية وواشنطن هذا الاتجاه الجديد. كما يمكن للأسد نفسه أيضا أن يفسده إما بالفشل في تقديم أي تنازلات وإما بالسعي إلى توجيه لاعبين مختلفين ضد بعضهم البعض.

كما يمكن أن تضع العقوبات الأميركية حدا للمدى الذي يمكن للجميع أن يذهب إليه، ويمكن استخدامه كأداة لمنع الاستثمار.

وقال جويل ريبيرن المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا والزميل في مؤسسة أميركا الجديدة، إن الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات مع سوريا ستكون دائما محدودة بسبب عدم رغبة الولايات المتحدة في إعادة تأهيل الأسد و”عدم رغبة الأسد الدائمة في القيام بالحدّ الأدنى الذي يحتاجه ‘المطبعون’ لتبرير سياسة الاسترضاء التي اختاروها”.

العرب

————————-

خطوات الإمارات نحو سوريا لم تأت من فراغ/ الحبيب الأسود

الثابت والمؤكد أن الإمارات لم تنتظر ضوءا أخضر من أي كان للسير خطوات جديدة في اتجاه دمشق فالسنوات الماضية كانت كافية لتجعلها تحدد مساراتها السياسية والدبلوماسية برؤية مستقلة تماما.

الزيارة التي أداها وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى دمشق لم تأت من فراغ، وإنما من سياق شامل شهد الكثير من المبادرات والمواقف اللافتة خلال السنوات الماضية. ففي السابع والعشرين من ديسمبر 2018 أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق، وفي السابع والعشرين من مارس 2020، وبينما كانت سوريا تواجه نذر الانتشار الواسع لجائحة كورونا بحث ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في اتصال هاتفي مع الرئيس بشار الأسد سبل التصدي لتلك الأزمة، وأكد دعم بلاده للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية، مشيرا إلى أن “التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار”، ومؤكدا أن “سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.

وفي العشرين من أكتوبر 2021 تلقى ولي عهد أبوظبي اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري بحثا خلاله الأوضاع في سوريا والشرق الأوسط و”علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة” وفق البيان الرسمي الإماراتي.

قبل ذلك بأيام قليلة، قالت وزارة الاقتصاد الإماراتية إن الإمارات وسوريا اتفقتا على خطط لتعزيز التعاون الاقتصادي واستكشاف قطاعات جديدة.

نظرة بسيطة على مستوى التعاون بين البلدين تكفي لفهم طبيعة العلاقات الوطيدة والعريقة بينها، وهي علاقات تتخذ أبعادا اجتماعية وحضارية وثقافية مهمة إلى جانب البعد الاقتصادي، ولديها جذور ضاربة في التاريخ وممتدة من خلال جسور الجغرافيا، وحتى مرتبطة بالعاطفة القومية والإنسانية. كل من قضى فترة من الزمن في الإمارات لا بد أن يلاحظ الحضور القوي للسوريين هناك، والاحترام الكبير الذي يحظون به في الدولة الخليجية المحبة للشام وأهلها. ورغم كل الـظروف التي مرت بها سوريا خلال السنوات العشر الماضية لم تنقطع جسور التواصل بينها وبين الإمارات التي كانت تراقب عن قرب كل التحولات الجارية في المنطقة منذ أوائل العام 2011 في ظل ما يسمى بثورات الربيع العربي، وإذا كانت أبوظبي مرتبطة بالتزامات إقليمية ودولية تفرض عليها بعض المواقف المعلنة، إلا أنها لم تكن من تلك الأطراف المندفعة لصب الزيت على النار في الداخل السوري من خلال تمويل وتسليح وتبنّي الجماعات الإرهابية، وتحويل دمار سوريا وتخريبها إلى مشروع ارتزاق عابر للحدود، فالقراءة الإماراتية كانت منذ البداية واضحة في رؤيتها للواقع: هي مع الدول الوطنية مهما كان الخلاف السياسي قائما معها، وضد فوضى ميليشيات الإسلام السياسي بشقيه السنّي والشيعي، وتدرك أن أي دعم لتلك الميليشيات إنما هو تآمر مباشر ومعلن على الأمن القومي العربي، وخدمة مجانية للمشاريع التوسعية للقوى الإقليمية المتنافسة على بسط نفوذها على المنطقة العربية.

وإلى حد الآن تعد الإمارات أهم الشركاء التجاريين لسوريا على المستوى العالمي، وتحتل المرتبة الأولى عربيا والثالثة عالميا، إذ تستحوذ على ما يتجاوز 14 في المئة من تجارة سوريا الخارجية.

وقد بلغ حجم التجارة غير النفطية بين البلدين مليار درهم (272 مليون دولار) في النصف الأول من 2021، في حين بلغ خلال العام الماضي 2020 نحو 2.6 مليار درهم، كما تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في الإمارات 1.5 مليار درهم (408 ملايين دولار) بنهاية 2019.

هذه الأرقام وغيرها تشير إلى أن العلاقات لم تنقطع يوما بين البلدين، كما أن الرحلات الجوية استمرت على نشاطها، وكذلك تحويلات الجالية السورية التي مثلت أحد أهم موارد العملة الصعبة لميزانية الدولة، فقد كانت الإمارات الرئة الفعلية التي يتنفس منها السوريون من خارج بلادهم ولاسيما في محيطهم العربي.

وجاءت زيارة الشيخ عبدالله بن زايد إلى دمشق الثلاثاء الماضي لتتناول “العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات” وفق وكالة الأنباء السورية التي نقلت عن الرئيس بشار الأسد تأكيده على العلاقات الأخوية الوثيقة بين سوريا والإمارات، وأنه “نوّه بالمواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات”.

وزير الخارجية الإماراتي أكد “دعم الإمارات لجهود الاستقرار في سوريا”، معتبرا أنه “حصل فيها أثر على كل الدول العربية”، وهذا الأمر يدركه كل من ينظر إلى الواقع من خارج الأحكام الأيديولوجية والسياسية أو الحسابات المصلحية، حيث أن العرب وكعادتهم فشلوا في الامتحان السوري، كما فشلوا قبله في الامتحان العراقي، وفي امتحاني ليبيا واليمن، وذلك بسبب تشنج المواقف والتحرك من منطلق المشاعر والشعارات والحسابات الضيقة، وفقدانهم للرؤية الاستشرافية والوعي الاستراتيجي بالأحداث وما قد ينجم عنها من نتائج مدمّرة من شأنها أن تعيد تشكيل خارطة الأولويات بشكل عبثي.

كانت الإمارات سبّاقة، ومنذ عهد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في تبني مبدأ الاحتواء، كانت دائما ضد الحروب والمواجهات والمؤامرات والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهي بالطبع ضد العنف بكل أشكاله، ومن ذلك العنف السياسي، وضد صراع الأيديولوجيات ومنها أيديولوجيا الإسلام السياسي ومشاريع الإخوان الساعين إلى السيطرة على المنطقة بإطاحة مفهوم الدولة الوطنية ومؤسساتها، ولذلك اعتبر البعض أن الإمارات تمثل الثورة المضادة، أو أنها تدعم الدكتاتوريات، بينما هي تقف ضد مشروع الفوضى الذي تم التخطيط له في الغرف المظلمة ونفذه رعاة التغيير العنيف عبر استباحة الأوطان وسفك دماء الشعوب من أجل التمكين للإسلاميين.

ربما اعتبرت بعض الدول العربية التحالف السوري مع إيران خطرا على الأمن القومي، وهذا أمر قد يستمر الجدل حوله طويلا بسبب خلفياته التاريخية والأيديولوجية والسياسية، ولكن المؤكد أن قدرة النظام السوري على الصمود في وجه العواصف التي مرت به خلال السنوات الماضية لا تقل أهمية عن ثورة الثلاثين من يونيو المصرية ضد حكم المرشد في التصدي لمشروع جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية، فقد كان حكم الشام مشروعا ملحّا للإسلام السياسي في كامل البلاد العربية والإسلامية بما فيها منطقة الخليج العربي، وكان الترويج له يدور في المساجد والمجالس والمنتديات على أنه المنطلق الأساسي لإعادة تكريس مشروع الخلافة بدءا من دمشق، ولو نجح هذا المشروع لذهبت العاصفة بعيدا في شتى الاتجاهات.

تراهن الإمارات على أن يعي العرب ضرورة استعادة سوريا لموقعها في قلب أمتها العربية، وأن يتخلى بعضهم عن العناد كآلية بدائية لتصفية الحسابات، وعن الرهانات التي تجاوزها الزمان، بل يمكن القول إن الإمارات فسحت المجال أمام بقية دول الخليج ولاسيما المملكة العربية السعودية لإعادة تطبيق تجربتها الاحتوائية الناجحة في العراق على النموذج السوري، وللوقوف مع عروبة سوريا كما كان الوقوف مع عروبة العراق في وجه أطماع الجارين الفارسي والتركي.

وما تدافع عنه الإمارات هو أن سوريا دولة مركزية ولا يمكن تهميشها، كما لا يمكن السماح بالتخلي عنها، فالسياسة كالطبيعة تأبى الفراغ، والفراغ في سوريا إن لم يملأه العرب، سيأتي آخرون ويملأونه وهم كثر يتحركون برّا وبحرا وجوّا، ويطمحون إلى تقاسم سوريا كغنيمة حرب في آخر المطاف، وليس من مصلحة العرب التخلي عن شامهم لأي كان سواء كان روسيّا أو تركيّا أو إيرانيّا أو أميركيّا أو غيرهم.

والثابت والمؤكد أن الإمارات لم تنتظر ضوءا أخضر من أي كان للسير خطوات جديدة في اتجاه دمشق، فالسنوات الماضية كانت كافية لتجعلها تحدد مساراتها السياسية والدبلوماسية برؤية مستقلة تماما من خلال سعيها لضمان التوازن في علاقاتها الخارجية ولتنفيذ قناعاتها المبدئية في التعامل مع الأحداث المؤثرة والملفات الشائكة إقليميا ودوليا، وكذلك من خلال عدم ربط قراراتها بأي طرف كان، وخاصة بعد أن أثبتت واشنطن بالذات والدول الغربية جهلا كبيرا بالمنطقة العربية وفشلا ذريعا في التعامل مع ملفاتها وتذبذبا في اتخاذ القرارات المناسبة.

في أواخر مارس القادم ستنعقد القمة العربية بالعاصمة الجزائر، وهناك مساع لأن يكون من أولوياتها إعادة سوريا إلى بيت العرب الذي كانت من إحدى دوله المؤسسة في العام 1945، وقد تكون زيارة الشيخ عبدالله بن زايد إلى دمشق مناسبة لتوجيه رسائل في اتجاهات عدة ومنها دول الخليج العربي التي لا يزال بعضها رافضا لعودة سوريا إلى حاضنتها القومية.

العرب

———————–

هل يطمع أحد بتحصيل فوائد اقتصادية من سوريا؟/ غازي دحمان

يروج أركان نظام الأسد أن المرحلة القادمة ستكون زاهية إلى أبعد الحدود، ذلك أن العرب سيتسابقون، دولاً وقطاعات خاصة، على الفرص الاقتصادية الدسمة التي ستمنحها سوريا لهم، والتي ستكون عوائدها بمثابة إنقاذ للاقتصاد الإقليمي المتراجع، وربما الاقتصاد العالمي برمته.

وبالطبع، إذا كان مسؤولو النظام مقتنعين بهذا الكلام، فإن البلاد باتت شبه ورشة لتجهيز استقبال الاستثمارات، حيث تنشغل المؤسسات كبيرها وصغيرها في رسم خرائط مواقع الاستثمار التي سيتم طرحها وإعداد القوانين المساعدة في تسيير هذه العملية وتجهيز حواملها؛ من ترتيبات لوجستية إلى تهيئة بيئة أمنية مناسبة وسواها من لزوميات تشجيع الاستثمار.

ما هي درجة منطقية هذا الكلام؟ وما هي أوراق القوّة التي تملكها سوريا في المجال الاقتصادي؟ وهل ما يجري طرحه ليس سوى أساطير الهدف منها إيهام الداخل والخارج بتغيّر الأوضاع؟ أم أن المسؤولين السوريين بالفعل ضحايا أوهام صنعتها حالة العجز والإحباط وهم يرون البلاد، على امتداد الأفق، مجرد خرائب تسند بعضها؟!

يخبرنا وزير اقتصاد النظام، محمد سامر خليل، بسر يفك هذا اللغز المحيط بهذه العملية، ويقول: “إن البلاد تنام اليوم على كنز ضخم من الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات”، ودون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن مواطن هذا الكنز. سنكتشف سريعاً أنه يقصد سلسلة الخراب الممتدة في أركان سوريا، وكأن الوزير يطرح نظرية اقتصادية جديدة في التنمية والتطور؛ مفادها دمّر بلدك، وهجّر الكفاءات والأيدي العاملة، وامنح أصولك الاقتصادية للمافيات التي جاءت لحمايتك، ثم اضرب واطرح وقسّم كل ذلك، وسيكون الناتج عبارة عن كنوز ضخمة من الفرص الاقتصادية!

لا يكتفي الوزير بهذا السر، بل يدعمه بمعلومة مهمة جداً، وهي أن الاقتصاد السوري جاذب للاستثمارات لأنه اقتصاد متنوع تمكّن من مواجهة جميع أشكال الضغوط وأدوات الحرب التي استُخدمت لدفعه نحو الانهيار خلال فترة تزيد عن عشر سنوات!

السؤال الطبيعي: هل الاقتصاد السوري غير منهار فعلاً؟ الاقتصاد الذي لم يستطع إلباس وإطعام السكان وتأمين أبسط الضروريات؛ هل هو اقتصاد معافى؟ وسوريا التي هجرتها رؤوس الأموال الوطنية، حيث توطّنت كبرى العلامات التجارية وشركات صناعة الأغذية والملابس في مصر والسودان والأردن وتركيا والإمارات، كيف ستكون جاذبة للاستثمارات الخارجية؟

لكن السؤال الأهم من ذلك هو أين مؤشرات القوة في الاقتصاد السوري؟ بل ما هو نمط ونوع الاقتصاد القائم في سوريا الآن ومنذ عدة سنوات؟ ليس سراً أن ما هو موجود في سوريا اليوم هو اقتصاد أسود يديره أمراء حرب ومافيات يتبعون غالبيتهم لرأس واحد هو بشار الأسد، ولهم شبكة علاقات إقليمية ودولية ذات طبيعة مافيوية، ويقوم على التهريب وتجارة المخدرات التي وصلت أرباحها إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار، حسب تقارير دولية.

ويستند هذا الاقتصاد على التحويلات المالية التي يرسلها اللاجئون إلى ذويهم، والتي تدر حوالي ثلاثة مليارات دولار سنويا على خزينة نظام الأسد، تضاف لذلك الفديات التي يتم تحصيلها من أهالي المعتقلين والتي بلغت في السنوات السابقة حوالي 900 مليون دولار، حسب جهات سورية مختصة، وحوالي 100 مليون دولار تم تحصيلها كفارق في التصريف من منظمات الأمم المتحدة في سوريا، وعشرات الملايين من استصدار جوازات سفر للسوريين في الخارج.. هذه هي بنود عناصر الاقتصاد المتنوع حسب وصف وزير النظام.

على ذلك، يبدو من الصعب تغيير معطيات هذا الاقتصاد وتحويله إلى اقتصاد قانوني وطبيعي. ففي السنوات العشر السابقة كان الاقتصاد السوري معزولا عن الديناميكيات الاقتصادية العالمية، وفي هذه السنوات حصلت متغيرات كثيرة لا يمكن اللحاق بها بسهولة. وفي الأغلب أن الشركات التي ستستثمر في سوريا ستعمد إلى: إما الانخراط في هذه النشاطات المتوفرة، أو في عمليات تبييض الأموال، وفي أحسن الأحوال الاستثمار في قطاع العقارات عبر بناء جزر في مناطق معينة، خارج المناطق المدمّرة، وتحويلها إلى جنّة للمافيات وللدعارة الإقليمية.

لا يمكن اعتبار الحرب وخسائرها الإطار التحليلي الوحيد لأزمة الاقتصاد السوري، فهذه أزمة بنيوية ناتجة عن سياسات خرقاء على مدار سنوات طويلة، سياسات انتهازية قصيرة المدى، أضف إلى ذلك الفساد الذي يطوي أيضا البيروقراطية المتخلفة.

عملياً، أغلب المشاريع التي تحتاجها سوريا هي مشاريع بنية تحتية، وهذه أرباحها متدنية وغالبا لا يقدم عليها القطاع الخاص، وبات هذا النوع من الأعمال مقتصراً على الشركات الصينية، التي لها شروط لا تملكها السوق السورية في الوقت الحاضر، والتي تقوم على رهن بعض الأصول الاقتصادية لضمان سداد قيمة الاستثمار، مثل الموانئ وآبار النفط أو مناجم الفوسفات، وهذه كلها أصبحت مملوكة بالتقاسم بين روسيا وإيران.

غالبية الأطراف التي تغازل نظام الأسد، تطمح لتشغيل شركاتها وعمالها وموانئها وأساطيل نقلها، لكن من أين سيأتي التمويل لكل ذلك؟

ليس أكثر وهماً من نظام الأسد سوى أولئك الذين يبحثون عن فرص استفادة من عملية إعمار لا يوجد في الأفق من يتقدم لتمويلها، والذين ينطبق عليهم المثل القائل: “الأوهام لا تقلي بيضاً”.

————————–

النظام الرسمي العربي وثورة السوريين/ وحسن النيفي

في السؤال عن التأثير الذي تركته ثورات الربيع العربي على بنية (النظام الرسمي العربي)، قد نجد في الجواب ما هو خاذل إلى حدّ ما ، إذ تشير الوقائع إلى أن مجمل ما حمله هذا الربيع لا يتجاوز أن أحدث تغييراً أو استبدالاً للسلطات، دون أن تحمل السلطات الجديدة سماتٍ مباينة أو مفارقة للسلطات السابقة، قد يبدو هذا الكلام صحيحاً إلى درجة ما، إلّا أنه لا يعزز اليقين بأن هذا التأثير المحدود للثورات العربية قد وصل إلى منتهاه، أو أنه هو الهدف، إذ يذهب كثيرون إلى أن ما تحقق من أثر بفعل الثورات هو خطوة لا بدّ منها، ولكنها خطوة في بداية الطريق، باعتبار أن عملية التغيير الاجتماعي والتحول الديمقراطي من طور الاستبداد إلى طور الديمقراطية والحداثة، هي نتيجة لمسار تراكمي من العمل والاجتهاد والتجارب المتتابعة، فضلاً عن أن مسألة التغيير المجتمعي هي عملية لا تنحصر بالانشطار الأفقي والتغيير السياسي على مستوى السلطات والحكومات فحسب، بل هي تتطلب الحفْر في عمق الدولة والمجتمع، بغية العمل على هدم الأنساق القديمة المهترئة للدولة، واستبدالها بأنساق حديثة تحيا على قيم الحرية والحداثة وحقوق الإنسان.

وبناءً على هذا الفهم يرى كثيرون أن بنية السلطات في معظم الدول العربية، بما فيها التي شهدت ثورات شعبية، لم تغادر منظومة ( النظام الرسمي العربي) بسماته التقليدية المعهودة، تلك المنظومة التي لم يكن هدفها وسلوكها على الإجمال منذ مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى الوقت الراهن، يتجاوز هواجسها الأمنية وحرصها الشديد على حماية ذواتها من الزوال، كما يمكن التأكيد على أنّ مجمل مشاريعها التي عملت عليها تحت شعارات مختلفة ( التنمية – التقدم – التصدي للاستعمار ……. إلخ) كانت جميعها مقرونة بما ينسجم مع مصالحها السلطوية بالدرجة الأولى، بل ربما لا نستغرب تبدّل الأولويات لديها بطريقة تثير الذهول أحيانا، كأنْ يتحوّل شعار محاربة إسرائيل وتحرير الأراضي المغتصبة مثلاً، إلى رغبة شديدة، بل استجداء ذليل لإسرائيل ذاتها، كما لدى نظام دمشق مثلاً، وذلك حين تكون العلاقة مع الكيان الصهيوني هي العاصم الضامن لنظام الأسد من الانهيار والسقوط، بل ربما أحياناً يكون استجداء الودّ الإسرائيلي شكلاً من أشكال الخطوة الاستباقية لاستشعار الخطر، كما حصل في دولة الإمارات والبحرين والسودان، ولعل ذلك بمجمله يؤكّد بقوّة على افتقار ذلك –  النظام، الأنظمة – إلى مفهوم حقيقي للأمن الوطني أو القومي، طالما أن أمن تلك الأنظمة يبقى مرهوناً أو تابعاً لمنظومات أمنية خارجية.

ما لا يحتاج إلى تأكيد أن معظم الأنظمة العربية قد فشلت حتى الآن في تحقيق تنمية حقيقية لشعوبها، وما نراه من مظاهر قد تدل على تطور سواء في الجانب التكنولوجي أو تنظيم الإدارات، إنما يخضع لاستراتيجية الاستهلاك وليس الإنتاج لدى تلك الدول، فضلاً عن أن وجوده محصور ببعض الدول الغنية بمواردها النفطية، إلّا أن مظاهر ( التطور) لدى تلك الدول ذاتها ربما تغدو في مهبّ الريح نتيجة أول إشعار بالخطر، وهذا ما تعانيه دول الخليج برمتها إزاء التوغل الإيراني الذي يجعل أمن المنطقة برمتها في حالة عدم استقرار دائمة.

لعل النهج الإستراتيجي الذي واظب النظام الرسمي على اتباعه ما يزال هو الناظم الوحيد لسلوك السلطات العربية حيال قضايا شعوبها عامة، ذلك أن تذبذب المواقف والسياسات أو انزياحها من النقيض إلى النقيض الآخر، لا يندرج البتة في إطار الاحتياجات التي تمليها مصالح الشعوب، وإنما في سياق المصالح التي تقتضيها السلطات الحاكمة بالدرجة الأولى، فكما انتهى العداء لإسرائيل والاعتياش على الشعارات المركزية الكبرى إلى استجداء رخيص لإسرائيل ذاتها، كذلك ينتهي العداء لإيران، باعتبارها خطراً يهدد الأمن القومي ومبعثاً لعدم الاستقرار، إلى استجداء ربما بدا خجولاً، ولكنه واضح الأهداف والمعالم، إلّا أن تلك الرغبة حيال مخاطبة ودّ طهران قد تستدعي هذه المرة المرور عبر طريق آخر، وهو طرْق أبواب دمشق، إذ قد يبدو المثل الشعبي القائل (كلب الأمير أمير) صائباً، وبخاصة في هذا الظرف الذي تجد إيران فيه أن الحفاظ على نظام الأسد هو إحدى أولوياتها في المنطقة، فلمَ لا يكون استغلال عزلة الأسد، واستثمار تعطّشه إلى الخروج من شرنقته الخانقة سبيلاً إلى حيازة رضا طهران؟

لقد أبدت الدول العربية مقاطعتها لنظام دمشق، عبر إطار الجامعة العربية، في العام 2012 بناء على موقف علني رافض للنهج الدموي الذي مارسه الأسد بحق السوريين، ومهما كانت الدوافع الكامنة وراء هذا الموقف العربي الجامع آنذاك، فإنه جسّد حالة من الرضا بل الإكبار من جانب السوريين، باعتباره موقفا أخلاقياً وإنسانياً بالدرجة الأولى، بل ربما أحيا ذلك الموقف حينذاك  بعضاً من مشاعر الإحساس بالتضامن العربي لدى السوريين بعد أن تجفّفت تلك المشاعر وشابها كثير من اليباس،  فضلاً عن كونه منسجماً مع موقف دولي واسع حيال نظام الأسد آنذاك، فما الذي يجعل الموقف العربي الرسمي اليوم يبدأ بالانعطافة نحو نقيضه، وما الذي يجعل الموقف الرافض لإجرام الأسد نزوعا مفعماً بالحنين إلى احتضانه؟ علماً أن جميع مقوّمات وحوافز الموقف الرافض ما تزال قائمة، بل ربما ازدادت تداعياتها فداحةً.

في موازاة التقارب الأردني والإماراتي المعلن مع نظام دمشق، وفي ضوء رغبة واضحة في اتباع خطوات مماثلة تبديها حكومات أخرى، ربما تكون قد نضجت إلى حين انعقاد القمة العربية المُرتقبة في آذار المقبل، يبدو الأمر المثير للدهشة والمرارة معاً، حين تكون العودة العربية إلى الدولة الأسدية تحت شعار التضامن العربي ودور سوريا الحيوي والاستراتيجي في بناء الأمن القومي العربي! فهل سيكون رئيس دولة البراميل والكيمياوي وقتل وتهجير الملايين من السوريين رائداً لصياغة أمن قومي جديد؟ ربما تفقد هذه المفارقة كثيرا من حدّتها بالعودة إلى استيعاب وفهم الآليات الناظمة لسلوك تلك الحكومات على مدى عقود من الزمن، لقد اقتضت المصالح الأمنية لتلك الحكومات – طوال عقود مضت، أن تمارس على شعوبها شتى أشكال الاستعباد والطغيان، مرة تحت شعار مناهضة إسرائيل والصهيونية، ولدى البعض الآخر تحت شعار مقاومة الهيمنة الإيرانية، وقد حان الوقت ليصبح استقواء تلك الأنظمة ذاتها بإسرائيل وإيران هو الضامن لاستمرارها والانتصار على شعوبها.

 تلفزيون سوريا

—————————-

إضاءة سياسيّة على زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد لدمشق/ عبد العزيز مطر

لا شك أنّ المتغيّرات الكثيرة التي تطرأ على المسرح السياسي في منطقة الشرق الأوسط كبيرة وكثيرة بفعل الأحداث التي شهدها العقد المنصرم والمرتبطة أساساً بثورات الربيع العربي ومآلات هذا الربيع الذي تحوّل لشتاء قاسٍ وملتهب لشعوب المنطقة، وخصوصاً الشعب السوري الذي يكابد ويعاني من أعظم مأساة عرفها في العصر الحديث.

تلك المتغيّرات فرضت تحولات سياسية في المنطقة وتحالفات وتشكيل محاور معلنة وأخرى غير معلنة، وفقاً للمصالح الدولية وطبيعتها وأشكال تناقضها أو توافقها. وبرؤية واقعية ما زال محور الشر الإيراني أو ما يسمى محور المقاومة المزعومة في عين العاصفة والمحاولات الجادة من قبل القوى الإقليمية مدفوعة بدعم دولي واضح لإنهاء هذا المحور وتحجيمه بسبب استفحال خطره وخطر التهديدات التي يمثّلها لشعوب المنطقة.

تلك المحاولات المدفوعة بدعم ودور محوري للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة التي تخوض أشرس صراع مع هذا المحور على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية أيضاً، ولاسيما مع ذراع هذا المحور في اليمن، الأمر الذي دعا لتضافر كافة الجهود الإقليمية، وخصوصاً العربية، لتصب في هذا الاتجاه. ولم تكن زيارة وزير الخارجية الإماراتي والاتصالات السابقة في هذا السياق لمسؤولين عرب ومسؤولين في الجامعة العربية إلا في هذا السياق.

إنّ هشاشة الوضع السوري الذي ينبئ بكارثة كبيرة على الصعيد الإنساني والاقتصادي في سوريا ستنعكس بصورة أقسى على المحيط الإقليمي والشعوب العربية، وكان لابد من تدارك هذه الوضع الكارثي، فبعد لقاءات ونقاشات معمقة بين المحيط الإقليمي، وبشكل خاص العربي، وبين القوى الدولية، توصّلت هذه القوى لتكوين رؤية وخطة عمل، أحد محاورها الأساسية إبعاد شبح خطر المشروع الإيراني على المنطقة وتفعيل الوصول لحل سياسي وفق القرار ٢٢٥٤ في سوريا عبر انتهاج وسائل أكثر دبلوماسية وعدم إفساح المجال للتغوّل الإيراني في سوريا، كما حدث سابقاً في السنوات الماضية.

إن تخفيف المعاناة عن الشعب السوري الذي بدأت تضعف مقاومته وقدرته على تحمل المزيد كانت أبرز الدوافع التي جعلت هذا الحراك ضرورياً في هذه المرحلة، ومن يراقب توقيت هذه الزيارة وماذا حدث قبلها يدرك تماماً أن لا علاقة لها بأي علاقات عربية-عربية أو موضوع إعادة سوريا للجامعة العربية، كما أشيع، وكما تناوله الإعلام المقروء والمسموع.

الزيارة أتت عقب حركة سياسية نشيطة للخارجية الإماراتية والأمريكية والإسرائيلية التي تحاول بلورة رؤية واضحة وحلّ لهذه المشكلة، حيث جرت لقاءات ثلاث بين وزيري خارجية أمريكا والإمارات، عقب زيارة الملك الأردني للبيت الأبيض. إن السياسة والطروحات للخارجية الأمريكية مؤخراً بدت أنها تصبّ في هذه الاتجاه، وزياره الوزير الإماراتي لدمشق أتت في هذا السياق. وترافقت هذه اللقاءات بأخرى على محور آخر بين رئاسة الحكومة الإسرائيلية والكرملين، حيث نتج عنها الاتفاق الكامل للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وكان الوضع في سوريا هو محور اللقاء الروسي الإسرائيلي.

وعقب زيارة الوزير الإماراتي لدمشق وتوجهه للأردن مباشره للقاء الملك عبد الله، يؤكد أن هذه الزيارة تأتي في إطار حراك وخطة سياسية، أهم محاورها إسرائيل والأردن لتغيير دفة السياسية الخارجية الأمريكية، وجعل إدارة السيد بايدن مهتمة أكثر بالوضع في سوريا، وجعلها في اتجاه وتوجه أساسي يهدف لإخراج إيران وميليشياتها عسكرياً وأمنياً من سوريا بالتنسيق مع قوى إقليمية مركزها ومحورها الحالي هو إسرائيل والحلف الجديد الذي جمعه الخطر المشترك القادم من إيران، وبإخراج إيران من سوريا مع حزب الله وتحجيمها في العراق واليمن ولبنان يحرمها من امتيازات وأوراق تسعى للاحتفاظ فيها ومساومة المجتمع الدولي على ملفات أكثر خطورة، كالملف النووي، والسعي لتحقيق مكاسب في هذا الملف.

أما بالنسبة لطبيعة التموضع الروسي في المنطقة وسوريا، والذي يهدف لتحقيق التوازن بين تحالفها مع إيران في سوريا وبين مقتضيات التفاهمات الجديد مع المحور الجديد الرافض للوجود الإيراني، فسيسعى هذا التموضع للدخول في بازار سياسي مع الجميع مستثمرة انتصارها ونفوذها في سوريا ولو كان على حساب دماء الشعب السوري، مقابل تحقيق مكاسب دولية لها على صعيد ملفات أخرى، كالقرم وأوكرانيا وغيرها.

بالتأكيد مما سبق، وبالمحصلة، هذه الحركة الدبلوماسية هي بداية مسار ومخططات ستغيّر وجه المنطقة بالكامل والتحالفات فيها وتشكيل محور من نوع مختلف كان على عداء سابق مع محور هذا التحالف من سبعة عقود ليُبنى على أسس مصالحية وتوافقات جديدة وبدعم دولي واضح، وبالنسبة للحركة باتجاه دمشق ما هو إلا تفصيل صغير من جوانب كثيرة لهذه المخططات، الجميع يعلم ما تكبده مؤخراً ما سمي زوراً وبهتاناً بمحور المقاومة، وبداية ضعف وتفكك حالة العداء السابقة بين إسرائيل ومحيطها العربي وتحول هذا العداء إلى ما يشبه تحالف على قاعدة المصالح المشتركة، ولن يتأخر الوقت كثيراً قبل أن تظهر نتائج هذا التحالف وينقشع الضباب الذي يحيط به، وسنشهد قريباً انتصارات لهذا التحالف الجديد وهزيمة لمحور المقاومة المزعوم، ولاسيما على الساحة السورية، وبالتأكيد كل البيانات مؤخراً التي صدرت بشأن زيارة الدبلوماسية الإمارتية لدمشق لا تعدو كونها تعبير عن الرضى أكثر من تعبيرها عن الرفض لأن الجميع يعلم أن هذه الحركة لا يمكن أن تتم بدون رضاً أمريكي أوربي روسي.

أما عن تبجّح إعلام النظام بموضوع انتهاء المقاطعة وانتصاره المزعوم، فالدور الحالي والمؤقت لهذا النظام لا يعدو استقبال وتوديع من يأتي لفرض وإعطاء ونقل التعليمات والتعهد من قبل النظام للضيوف بالالتزام بمقررات المخطط الجديد على الرغم من سياسة المقاومة التي غاص في مستنقعها، وسيحاول قدر الإمكان التماهي مع الحلف الجديد دون إغضاب ملالي طهران والذين عاجلاً أم آجلاً سيفاوضون عليه مع ضيوفه العرب وغير العرب لاحقاً. بالتأكيد لا نملك نحن كسوريين أي قرار مهما كان الطرف الذي نقف فيه، ويقع على عاتقنا أن نساند أي جهد ينهي هذه الكارثة والمأساة، وأن نكون البوصلة الحقيقية التي توجه كل تحرك يصب في مصلحة الشعب السوري بغض النظر عما يرغب به النظام أو المعارضة.

————————-

روبرت فورد حول سورية: أمريكا فشلت في توحيد المعارضة “ولا إجراءات

قال السفير الأمريكي السابق في سورية، روبرت فورد إن أمريكا فشلت في توحيد المعارضة السورية منذ عام 2011، مستبعداً أن تتخذ أي “إجراءات ملموسة” في الوقت الحالي حيال الدول التي بدأت بإعادة علاقاتها مع نظام الأسد.

ويأتي حديث فورد في تعليقه على الزيارة الأخيرة التي أجراها وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى برأس النظام، بشار الأسد، في تطور هو الأور من نوعه منذ عشر سنوات.

وأضاف السفير الأمريكي السابق في مقابلة مع قناة “فرانس 24″، اليوم الجمعة أن ما يجري في الوقت الحالي يندرج ضمن “الواقعية السياسية”.

وأوضح أن الدول العربية من بينها الإمارات تسير باستراتيجية جديدة، مفادها: “بدلاً من الأمل في تغيير النظام بدمشق، من الممكن البدء بتعاون نسبي للوصول إلى نتائج إيجابية”.

وبحسب فورد فإنه يعتقد أن “واشنطن وإدارة بايدن تفهم أنه من الصعب عليها إجبار أو منع الجهود عربية لإيجاد طريقة من التعايش مع الحكومة السورية والموجودة في السلطة بدمشق”.

وتابع: “لكن ذلك لا يعني أن واشنطن سعيدة بالجهود العربية لإيجاد طريقة التعايش، وفي نفس الوقت هي غير قادرة على سياسة بديلة للاستراتيجية العربية التي شهدناها مع زيارة وزير الخارجية الإماراتي”.

وكانت زيارة بن زايد إلى دمشق قبل يومين قد استحوذت حديث الشارع السوري، بالإضافة إلى الشارع العربي والغربي.

وتشي معظم المؤشرات إلى أن الزيارة تحمل دلالات سياسية قد تفتح الباب لمرحلة عربية جديدة مع النظام السوري.

وجاءت الزيارة بعد انقطاع في العلاقات العلنية مع النظام منذ العام 2011، إذ رأت الإمارات أنه من الواجب محاسبة نظام الأسد على “جرائمه” بحق الشعب السوري.

لكنها في السنوات الأخيرة بدأت تغير موقفها، واستأنفت التواصل مع نظام الأسد، ليخرج ذلك للعلن بذرائع “إنسانية” وأخرى متعلقة بـ “إعادة الإعمار”.

واستبعد روبرت فورت في سياق حديثه أن تقدم إدارة بايدن على أي خطوات ملموسة حيال الدول التي تريد تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، مشيراً: “قد نسمع بعض الانتقادات الشفوية فقط”.

وفي حديث سابق لـ”السورية.نت قال الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي إنه وحتى اليوم “لا يوجد شيء واضح بشأن مسألة كيف يفكر الأمريكان في سورية ككل”.

وأضاف بربندي: “برأيي يعتبرون سورية منطقة جغرافية فيها أزمات، وفيها روسيا وإيران وتركيا بشكل رئيسي. وجودهم في هذه المنطقة استنزاف للكل، بمعنى التحارب بين هذه الدول يعني الاستنزاف لها. الأمور يجب أن تسير كذلك لكن ضمن الضوابط الأمريكية”.

من جانبه أكد رئيس “المجلس السوري الأمريكي”، زكي لبابيدي، أن “الموقف الأمريكي حيال سورية غير واضح”.

وأضاف: “حتى الآن هناك أعضاء في الحكومة الأمريكية غير موافقين عن سياسة سورية، ولذلك تحاول الجالية السورية الأمريكية قدر الإمكان مع هؤلاء المسؤولين وأعضاء الكونغرس لتغييرها في أسرع وقت ممكن”.

—————————-

======================

تحديث 13تشرين الثاني 2021

————————-

شراء الأسد:رياضة خليجية خاسرة/ عمر قدور

هناك منطق عربي، خليجي في المقام الأول والأكثر تأثيراً، مفاده: لقد فشلنا في مواجهة إيران عسكرياً في سوريا؛ فشلنا في إسقاط رجلها بشار الأسد. فلنحاولْ سلوك سبيل آخر، لنشترِ الأسد، ونغريه بالابتعاد عن طهران. لقد فشلت سياسة المقاطعة، بل أدت إلى ارتمائه في الحضن الإيراني أكثر فأكثر، لذا تجب العودة عنها لاستعادته. وهو مختلف عما يسوق الحماس الأردني للتطبيع مع بشار، من هواجس أمنية وأخرى تتعلق بإيواء اللاجئين.

لا يصعب استئنافاً توقّع حضور بشار نفسه مؤتمر القمة العربية المقبل، في الجزائر آذار2022، لولا أن زياراته النادرة جداً إلى الخارج تقتصر على روسيا وإيران، وتُحاط بسرية تامة لدواعي أمنه الشخصي. وغياب بشار الاضطراري سيُترجم بكلمة مُعدَّة سلفاً يلقيها من يرأس وفده، ويؤدي دوره من النفاق بالتأكيد على البعد العربي لسوريا. وسيكون غيابه إنقاذاً للنفاق المتفق عليه، إذ لو حضر لا بد أن يمارس هوايته في الخروج عن النص المكتوب، ليفصح عما في داخله من قبيل أنه لم يتغير وأن نظراءه العرب هم الذين اكتشفوا خطأ سياساتهم في السنوات الماضية وتراجعوا عنه.

في خريف 2009، أنهت الرياض سنوات الجفاء ثم القطيعة اللتين أعقبتا اغتيال الحريري وحرب تموز، ليعود الدفء إلى العلاقات، وعلى رأسها الاقتصادية، وكان ذلك واضحاً جداً من خلال الوفد الاقتصادي الذي رافق الملك عبدالله إلى دمشق في السابع من أكتوبر لذلك العام. الخلاف تفاقم أيامها بعد خطاب النصر الذي ألقاه بشار باسم المحور الإيراني بعد حرب تموز، وفيه وصفَ “في إشارة بدت موجهة إلى الرياض خاصة” القادةَ العرب بأشباه الرجال، لكن قبلها كان قد حنث بوعده الرياض وباريس بحماية الرئيس الحريري. مع ذلك كان تنازل الرياض مفهوماً على خلفية حماية المصالح السعودية في لبنان التي لا يناسبها وجود “قاتل متسلسل” يغتال خصوم المحور الإيراني.

حالياً، بينما تضغط دول خليجية على لبنان بسبب سيطرة حزب الله، هي ليست بحاجة إلى بشار الأسد هناك كما كان الوضع من قبل، فنفوذه قد لا يتعدى القدرة على التوسط لدى الحزب من أجل استقالة وزير لبناني. بعبارة أخرى، لا فائدة منتظرة من التطبيع مع بشار، والتطبيع معه لا يدفع أذى يهدد المصالح الخليجية أو العربية، فهو قد أدى دوره كاملاً في لبنان والعراق وغزة لصالح طهران.

الفكرة الخاطئة الأخرى التي تدفع ضمناً بفكرة التطبيع هي القدرة على شراء بشار بالمساعدات والاستثمارات الخليجية، وجذرها الصائب “الذي تتوقف عنده” هو تلهفه أو جشعه إلى تلقف تلك المساعدات، وحتى تقديمه الوعود الكاذبة من أجل الحصول عليها. يُذكر أن المساعدات والاستثمارات الخليجية حتى عام2011 لم تغب عن حكم الأسد، وكانت بدايتها مع حرب تشرين1973، وصولاً إلى منتصف الثمانينات حيث كانت الإمارات آخر دولة تقطع المساعدات، ثم أُعيدت المساعدات والاستثمارات كجزء من أثمان الانضمام الرمزي إلى التحالف الدولي في حرب الخليج الثانية.

خلال ثلاثة عقود ونصف “قبل الثورة” تنعّم الأب والابن بالسخاء الخليجي، وهي مدة تغطي أكثر من ثلاثة أرباع حكمهما حتى ذلك التاريخ، من دون ظهور ثمار لتلك المساعدات. على العكس من ذلك، ما يروجه الإعلام المقرَّب من دوائر خليجية ساعية للتطبيع مع بشار يكشف عن جهل أو تجاهل لذلك التاريخ الخاسر، وعن عدم فهم سلطة الأسد في طوريها وعلاقتها في كل طور مع حكم الملالي.

في صيف 2000 كان حسن نصرالله يعزّي بوفاة حافظ الأسد، في القرداحة، مصطحباً مجموعة من مقاتليه أدت عرضاً عسكرياً لا يبدد غرابته في هكذا مناسبة سوى اعتباره رسالة فظة مفادها أن الوريث يحظى بحماية طهران. تلك الرسالة كانت تتويجاً لمسار متصاعد من العلاقة بين الطرفين، وقد اكتسب زخماً أشدّ مع مرض حافظ الأسد وانشغاله بلا منازع بتوريث ابنه وضمان الحماية له. في النصف الثاني من التسعينات انتهى زمن التوازن الذي كان الأب يقيمه أحياناً، ويوحي به أحياناً أخرى، بين علاقاته الخليجية وعلاقته بإيران لصالح الأخيرة. سبق ذلك كما هو معلوم حل الميليشيات اللبنانية وتسليم سلاحها في مستهل التسعينات، باستثناء حزب الله الذي صار له ما يشبه دولة داخل دولة تمهيداً للسيطرة على الثانية.

غالباً يُنسى مسار العلاقة لصالح تصوير بشار كأنه اضطر إلى الوصاية الإيرانية بسبب الثورة، وما تلاها من مقاطعة وعقوبات غربية وعربية، في حين أن التدخل الإيراني لحمايته سبق المقاطعة العربية والغربية، وكانت الثورة كاشفة لجهة إظهار ما هو سابق عليها. علاقة الأسد-طهران صارت مع توريث الابن أبعد من السياسة، وحيث لا يمكن اتهامه بالمبدئية فإن العلاقة أصبحت عضوية ضمن سياق من المصالح المتكاملة، أي أشمل من الأموال الموضوعة فوق الطاولة أو تحتها كإغراء للتخلي عنها. هذا على افتراض أنه قادر على اتخاذ القرار، وأن طبيعة العلاقة لم تسلبه هذه الميزة.

حتى في التعويل على دور روسي لإبعاد بشار عن طهران، أو لإبعاد طهران ونفوذها، يُنسى مجيء التدخل الروسي بالتنسيق التام بين الجانبين، بل قيل بطلب من قاسم سليماني. خلال ما يزيد عن ست سنوات لم تلبِّ موسكو الطلبات أو التمنيات المتعلقة بإبعاد إيران، ومصالحها لا تقتضي هذا النوع من الاشتباك، وإن كانت لا تمانع الاستفادة من قطف ثماره إذا أثبت طرف آخر قدرته على التقليل من الوجود الإيراني، مع مراهنة روسية محدودة على الضربات الإسرائيلية إلا أنها تبقى واقعية أكثر من المراهنة على الجزرة الخليجية.

إما أن تبرير الاندفاعة الخليجية فيه غفلة فادحة، أو فيه استغفال صارخ للعقول، وأفضل رد عليه ثناء وزير الخارجية الإيراني على زيارة نظيره الإماراتي إلى دمشق أثناء اتصاله به. في الأصل، وباستعارة من الإعلام الروسي، لا تستقيم معاداة الكلب وملاطفة ذيله، إلا إذا كانت الملاطفة على سبيل التودد إلى الكلب.

المدن

——————————

في “انتصار” نظام الأسد/ معن البياري

ضمّ الوفد الإماراتي، برئاسة وزير الخارجية، عبدالله بن زايد، إلى دمشق، والذي استقبله، الثلاثاء الماضي، بشار الأسد، رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ (برتبة وزير)، واسمه علي الشامسي، ما يبيح القول إن الزيارة تتجاوز مضمونَها السياسي الظاهر إلى ما يتعلق بما هو تنفيذي في شؤونٍ أخرى، تقع ضمن مسؤوليات هذا الرجل، بعد أن كانت العلاقات بين أبوظبي والنظام في دمشق قد قطعت أشواط إعادة فتح سفارة الإمارات في العام 2018، بعد إغلاقها ثماني سنوات، وتبادل زيارات وفود تتابعت، قبل اتصالين بين الأسد وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، وفي مارس/ آذار 2020، وبعدهما. وهذا بيان الخارجية الإماراتية يفيد بأنه جرى في مباحثات دمشق “تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف الجهود لاستكشاف آفاق جديدة لهذا التعاون، وخصوصا في القطاعات الحيوية من أجل تعزيز الشراكات الاستثمارية في هذه القطاعات”. ويعدّ كلامٌ كهذا، وبوجود علي الشامسي في صحبة عبدالله بن زايد، إيذانا بطوْر متقدّمٍ في العلاقات، على غير صعيد، ما يصبّ حكما في دعمٍ قويٍّ يحرزه نظام الأسد، والذي كان إسقاطه، في طور سابق، من أهداف الإمارات، إلى حدّ ما، في مشاركاتٍ استخبارية وعسكرية محدودة، سرعان ما غادرتها أبوظبي، لمّا لمست أن بشار الأسد ماضٍ إلى كسب الحرب التي يشنها على الشعب السوري، وأن الولايات المتحدة غير معنيةٍ بإسقاطه، ولا تساند، في الجوهر، الثورة ضد استبداده وفساده.

لم تفتح السفارة الأردنية في دمشق بعد، ولا عاد سفير سوري إلى عمّان، غير أن القائم بأعماله، أيمن علوش، يؤدّي مهامه بمثابرةٍ ظاهرة، وعندما يحدّث الصحافة الأردنية إن قنوات الاتصال بين حكومة بلاده والحكومة الأردنية مفتوحة فهو لا يكذب، فوزراء ومسؤولون عديدون تبادلوا الزيارات. وإذ تلقّى الملك عبدالله الثاني اتصالا هاتفيا من الأسد، قبل أيام، فذلك من علائم ما سيجري لاحقا من اندفاعةٍ أقوى للعلاقات على غير مستوى، والتي تأكّد أن الولايات المتحدة لن تمتعض منها. وقبل ذلك وبعده، ثمّة عوائد اقتصادية يحتاجها الأردن من حركة النقل والشحن في المعبر الحدودي مع سورية، ومن المبادلات التجارية. وثمّة أيضا الحسابات الأمنية المقلقة التي ظلت على طاولة صانع القرار الأردني، فيما يتعلق بنشاط مجاميع جهادية في الجنوب السوري. وإذ ليس متوقعا أن ينعكس التحسّن المطرد في هذه العلاقات إيجابا باتجاه عودةٍ مأمونةٍ لآلاف اللاجئين السوريين من مخيماتهم في الأردن، ولا باتجاه إفراج سلطات النظام في دمشق عن معتقلين أردنيين من سجونه، فذلك يعود إلى عدم إلحاح عمّان على ربط القضيتين بمسار تحسن العلاقات، وإلى أن أمورا مثل هذه لم تكن يوما في وارد اكتراث نظام غاز السارين الحاكم في دمشق.

يُؤتى هنا على مسعى كلّ من الإمارات والأردن إلى استعادة العلاقات الكاملة مع نظام دمشق، لتمايز منظوري البلدين بشأن هذا النظام لمّا بدأ حملتَه العسكرية على الثورة وناسها، ولمّا اتجهت الحكومات العربية، تحت مظلة جامعة الدول العربية، إلى معاقبة النظام المذكور، بمقاطعته، عمّا أخذته الجزائر والعراق وعُمان ولبنان، من مواقف، تحفّظت ورفضت وامتنعت عن المشاركة في ذلك القرار العام 2011. وفي البال أن الملك عبدالله الثاني جهر، في تلك الغضون، بنصيحةٍ إلى بشار الأسد بأن يتنحّى، ولاحقا سُمع عبدالله بن زايد يمتدح عظمة الثورة السورية. وبذلك، يصير جائزا أن يقال إن زيارة الأخير دمشق وذلك التواصل الهاتفي مع الملك هما من عناوين انتصار بشار الأسد ونظامه في سورية، وليس انتصار سورية على ما قال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، أول من أمس. لكنه انتصارٌ من شديد الضرورة القول إنه ما صار إلا بقوة نيران القتل والفتك وبغازات الخردل وغيره من محظورات وبالصواريخ والمقذوفات التي استهدفت سوريين عزّلا في بيوتهم وحقولهم ومساجدهم وكنائسهم، ما جعل نحو أربعة ملايين منهم يهربون لجوءا إلى الخارج (بينهم موالون بالمناسبة). .. لم يكن في وسع ثورةٍ طعنها الإرهاب الذي نبت في حوافّها، وتخلّى عنها الجميع، وواجهها الأسد بأن ما لا تحلّه القوة يحلّه مزيد من القوة، قوة القتل والفتك، لم يكن في وسعها غير أن تهزم نظاما عديم الإنسانية أخلاقيا، فكانت النتيجة انتصاره الذي سوّغ أن يُلتمس منه قبول عودة النظام العربي إليه، وأن يستقبل في قصر المهاجرين رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ في الإمارات.

العربي الجديد

————————-

مساومات دولية حول سورية: روسيا تقود مسار تعويم الأسد/ عماد كركص

يعود الملف السوري ليشهد تعقيدات جديدة في ظل تشابك خيوط السياسة الدولية والإقليمية المحيطة به حالياً. فبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق، ولقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، تدور الأسئلة حول ردة الفعل الباردة للإدارة الأميركية حيال الزحف المتواصل نحو التطبيع مع النظام، سواء من قِبل الإمارات أو الأردن قبلها، لا سيما أن إدارة جو بايدن، وإن كانت نددت بالتطبيع، إلا أنها لم تلوّح بورقة “قانون قيصر” أمام الدول التي سلكت الطريق نحو دمشق للتطبيع، وأخرى التي تنتظر أقرب فرصة.

ومع هذا الموقف الأميركي، وشبه الصمت الغربي، وجدت الجزائر نفسها أمام فرصة الإعلان الرسمي عن موقفها من عودة النظام إلى الجامعة العربية، حين طالب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بإعادة كرسي سورية (النظام) إليها، في تلميح لبدء الترويج لدعوة النظام للقمة العربية التي ستستضيفها الجزائر في مارس/آذار من العام المقبل. وفي اليوم ذاته الذي خرجت به تصريحات لعمامرة إلى العلن، كان نظيره الأردني أيمن الصفدي يبرر “عودة التفاعل” بين المملكة ونظام الأسد بأن “التعايش مع الوضع الراهن ليس خياراً”، كاشفاً عن أن بلاده أجرت محادثات مع الولايات المتحدة حول التقارب مع النظام، في إشارة للزيارة التي قام بها العاهل الأردني عبدالله الثاني إلى واشنطن في يوليو/تموز الماضي، حينها، دار الحديث عن “خريطة طريق لحل الأزمة السورية” قدّمها العاهل لبايدن، من دون الكشف عن ردود فعل الإدارة الأميركية حيالها.

وفيما يبدو الموقف المصري باهتاً حيال عودة النظام للجامعة العربية، فإن القاهرة تظهر وكأنها تنتظر مزيداً من الضوء الأخضر الغربي والعربي، لتعلن موقفها المؤيد لعودة النظام، من بوابة عودة سورية كدولة إلى مقعدها في الجامعة، واحتوائها عربياً بعيداً عن الاستقطاب الإيراني، ودعمها ضد التدخل الأجنبي والتركي على وجه الخصوص. وعلى ذلك، كان وزير الخارجية المصري سامح شكري يجدد موقف بلاده بقبول عودة النظام للحظيرة العربية مقابل تعهدات من النظام بالذهاب نحو بعض الحلول السياسية والإنسانية للأزمة السورية، وفي مقدمتها إعادة اللاجئين.

وأمام ذلك، يسود الاعتقاد بوجود “غض طرف” من قبل إدارة بايدن، يهدف إلى اختبار تأثير الدول المطبّعة على النظام لتغيير سلوكه. وفي حين ينظر إلى هذا الرهان باعتباره خاسراً، في حال صح الاعتقاد، فإن معالم ذلك ستتضح بعد اللقاء المنتظر الذي سيجمع منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك مع مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين في جنيف، لبحث ملفات عدة في سورية.

وتسود الشكوك حول اللقاء عن إبرام صفقة روسية ـ أميركية جديدة، أو آنية على الأقل حيال سورية. ففي حين تبدي إدارة بايدن اهتماماً بالملفات الإنسانية دون غيرها في سورية، يُتوقع أن تركز في محادثاتها المقبلة مع موسكو على عدم اعتراض الأخيرة لتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، والتي ستنتهي بداية العام المقبل، في حين ستحاول موسكو تحصيل مزيد من الاستثناءات في تطبيق “قانون قيصر”، ولا سيما تلك التي تخص الاستقرار والتعافي المبكر، بالإضافة لرفع القيود عن المقاولين والشركات المنخرطة في البرامج التي تستهدف مواجهة جائحة كورونا وتقديم المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة. وكانت واشنطن أصدرت إعفاءات جديدة بهذا الخصوص قبل يومين، فيما تتطلع موسكو لمزيد من الإعفاءات لتشمل مزيداً من الشركات والمقاولين الذين يعملون في كنف النظام.

اللقاء الثلاثي في الدوحة

أما روسيا، التي غيّرت توجهها في العامين الأخيرين، من محاولة تعويم النظام دولياً، إلى تمرير ذلك شيئاً فشيئاً عبر البوابة العربية، فمن المتوقع أن يكون ذلك مطلبها خلال اللقاء المقبل بين ماكغورك من جهة وفرشينين ولافرنتييف من جهة أخرى، إذ يتطلع المسؤولون الروس إلى إعادة النظام للجامعة العربية من بوابة قمة الجزائر المقبلة، وهذا الأمر يتطلب غضّ طرف أميركي كبير عن المسألة، بالإضافة لإعادة المحاولة مع كل من السعودية وقطر، واللتان تربطان عودة سورية للحضن العربي بإنجاز الحل السياسي كاملاً بمشاركة المعارضة. وتتطلع موسكو لإنجاز زج النظام مجدداً في الحاضنة العربية، ولو بشكل جزئي، لتضمن بدء مرحلة إعادة الإعمار وتمويلها خليجياً، وهي تعلم أن ذلك لن يمر من دون مباركة واشنطن، أو الإيعاز بذلك لحلفائها في الخليج.

في خضم ذلك، يُتوقع أن يستمر الدعم الروسي للنظام بالقفز فوق المسارات والحلول السياسية الأممية، بهدف تسجيل مزيد من النقاط لصالح الأسد، وذلك بعد إعادة الكثير من المساحات الجغرافية التي خسرها إثر التدخل والمساندة المباشرة من روسية، وإنجاز الانتخابات الرئاسية بإنجاح الأسد فيها على الرغم من المقاطعة والمعارضة الدولية والغربية. وتساعد الجهود الدبلوماسية الروسية النظام بالالتفاف على المسار الأممي المتبقي لحل الأزمة السورية، أي اللجنة الدستورية، التي فشلت جولتها السادسة الشهر الماضي بتسجيل أي خرق لجهة البدء بصياغة مواد للدستور، على الرغم من الوعود الروسية للمبعوث الأممي غير بيدرسن بدفع النظام للانخراط بهذا المسار جدياً، ويتوقع أن يكون خيارها ثابتاً حيال الجولات والمحطات المقبلة من المسار.

وتحافظ موسكو على إبقاء مسارها الذي اخترعته بنفسها لـ”الحل” من خلال محادثات أستانة، وهو مسار ذو صبغة عسكرية – سياسية، حققت من خلاله مكاسب للنظام، بالالتفاف على مخرجاته في كل جولة من جولاتها التي وصلت إلى 16 جولة كان آخرها في يوليو/تموز الماضي. وأكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قبل يومين الموعد الجديد للجولة الـ17 على أنه سيكون بعد العشرين من الشهر المقبل. وكانت وسائل إعلام روسية ألمحت لإمكانية مشاركة وزير الخارجية سيرغي لافروف في الجولة المقبلة إلى جانب نظيريه الإيراني والتركي، بحكم رعاية الدول الثلاث للمسار، إلا أن بوغدانوف لم يؤكد ذلك، مشيراً إلى أن مشاركة الوزير أمر غير مخطط له. لكن الأكيد، أن الجولة المقبلة ستبحث تطبيق ما سيتم التفاهم عليه مع واشنطن حيال نقاط عدة، أولها تمرير آلية إيصال المساعدات، وتخفيف العقوبات بموجب “قانون قيصر” على النظام بذريعة الجوانب الإنسانية، علماً أنه ومنذ وصول الإدارة الأميركية الحالية إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وحتى اليوم، لم تفرض أي حزمة جديدة من عقوبات القانون على النظام، على خلاف ما كان عليه منذ صدور القانون خلال عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

العربي الجديد

————————

في ثبات السيناريوهات في سورية/ عمار ديوب

تعلن تركيا في الأسابيع الأخيرة أنها ستقوم بعملية عسكرية في الأراضي السورية. لم تحدّد مكانها بدقة، هل في تل رفعت، أم منبج، أم كوباني؛ وحاول الرئيس أردوغان، في لقاءاته أخيرا مع رئيسي روسيا، بوتين، وأميركا بايدن، أن يقيم توافقاً بصدد العملية مع بوتين، الذي رفض ذلك، ومع بايدن الذي بدوره رفضها. الاستنتاج هنا أن روسيا وأميركا لا تريدان تغييراً في مناطق النفوذ، والتي أصبحت تركيا تعاني منها؛ فتركيا ترفض وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على حدودها الجنوبية، وتعتبره تهديداً لأمنها القومي، وروسيا تعزّز من وجودها في تل رفعت، وفي الشمال الشرقي وتجري مناورات عسكرية مع النظام، وتستهدف منها التدخل التركي في سورية، للقول إن النظام السوري باقٍ. وتتحالف “قسد” بدورها مع روسيا، والملاحظ أن أية عملية عسكرية تركية قد تؤدي إلى تصعيد خطير بين كل من روسيا وتركيا. ورسالة أميركا إلى تركيا في الإطار ذاته، وجاءت تصريحات المبعوث الأميركي السابق إلى سورية، جيمس جيفري، بتحذير تركيا من التورّط في عملية عسكرية.

في الخلاف الإسرائيلي الإيراني، لم تتوقف دولة الاحتلال عن قصف المواقع العسكرية الإيرانية في سورية، وزادت حدّتها بعد لقاء رئيس الحكومة، بينت، وبوتين، بينما كان النظام وإيران يرغبان بإيقاف القصف، سيما أن إيران، ومع إحكام النظام سيطرته على درعا، راحت “تُبعد” قواتها من تلك المدينة. يبدو أن بوتين وبينت اتفقا على استمرار العمليات الإسرائيلية، وبغض النظر عن الاتفاق حول إرسال معلومات مسبقة إلى الجانب الروسي عنها، فهناك مسائل تخصّ التوافق الإسرائيلي الروسي، وتتعلق برسائل توصلها روسيا إلى أميركا وتخصّ قضايا كثيرة، ومنها ما يتعلق بسورية أو لبنان أو إيران وسواها كثير. إذاً لم تغيّر إسرائيل من سياساتها إزاء إيران، وربما هناك توافقاتٌ سريةٌ مع روسيا يخصّ كل الوجود الإيراني وضرورة إنهاء الجانب العسكري منه في سورية. إيران التي تقرأ المواقف الدولية الرافضة تمدّدها الإقليمي وفي سورية، والتي ترى ضغطاً دولياً من أجل عودتها إلى الاتفاق النووي. ويتفق الروس مع هذه الرؤية، تحاول ألا تغيّر من وجودها في سورية، وتعزّزه في مختلف المدن السورية، و”تحاول” فقط الابتعاد عن الحدود المباشرة مع إسرائيل، وطبعاً هذا لا يرضي الأخيرة. تعزّز إيران وجودها بصورة خاصة في حلب والمنطقة الشرقية، وأجرت، أخيرا، هجماتٍ خطيرة بالطائرات المسيرة على قاعدة التنف. وكان التعليق الأميركي بشأنها أنها ستردّ في الوقت والمكان المناسبين. الجدير ملاحظته هنا أن حدّة الخلافات بين الأميركان والإيرانيين تتصاعد، وإذا كانت إيران تحاول اختبار تلك “الحدّة”، عبر المسيّرات المذكورة، أو السيطرة على ناقلة النفط في بحر عُمان، أخيرا، أو التأخر بالموافقة على العودة إلى النووي، فإن أميركا “الديمقراطية” لا تستبعد أية خياراتٍ بالموقف من إيران، وإنْ كانت تحاول ضبط الموقف الإسرائيلي، الذي رَسم خياراته كما يبدو في التشدّد ضد إيران، ووضَعَ سيناريوهاتٍ لعمليات عسكرية في الداخل الإيراني، ولكنه ينتظر الموافقة الأميركية.

تتخوّف تركيا من سيناريو روسي جديد، قوامه أن تسلم تركيا بموجبه مناطق واسعة من إدلب لها، وأن تعطي أميركا لروسيا مناطق واسعة في شرق سورية. تؤكّد روسيا ضرورة أن يفتح الطريق إم 4، وهذا يستدعي إخراج هيئة تحرير الشام من أريحا وجسر الشغور، وربما جبل الزاوية بأكمله؛ وهذا سيعني طرد ملايين السوريين إلى الحدود التركية، وسيقلّص قوة تركيا في سورية. رفضت تركيا ذلك في لقاء بوتين أردوغان، أخيرا، وضغطت على هيئة تحرير الشام للتخلص من الجهاديين في الكبانة في ريف اللاذقية، حيث كان أبو مسلم الشيشاني، وجماعات أخرى متطرّفة، يسيطرون، وفعلاً سيطرت هيئة تحرير الشام. لا ترفض روسيا تلك الجماعات فقط، وإنما ترفض هيئة تحرير الشام أيضا. وعكس ذلك، تريد تركيا تسويقها، بينما الروس والأميركان لا يتقبلون ذلك. يمكن أن تضحي تركيا بالجولاني، ولكن حين تتوفر التوافقات الإقليمية على تسويةٍ تؤدي إلى الحل السياسي في سورية، وتأخذ فيها حصة كبيرة. لا يتفق السيناريو الروسي مع تركيا، بل يريد تهميش الوجود التركي أكثر فأكثر، وهذا ما فعلته روسيا منذ تدخلها، والبدء بمسار أستانة ومناطق خفض التصعيد، ووصلت الآن إلى توافقات مع “قسد”، وعزّزت أخيرا وجودها في تل رفعت وفي كل المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. وبالطبع، هذا يعبر عن توافق روسي أميركي حول ذلك. تدفع أميركا “قسد”، بصورة مستمرة، للتوافق مع روسيا. وبالتالي، وفي الوقت الذي تحمي فيه “قسد”، ونقصد أميركا، فهي تريد لروسيا أن توسع من سيطرتها على سورية، وعلى حساب تركيا وإيران، وبما يحفظ أمن إسرائيل.

تنامت في الأشهر الأخيرة أوهام النظام السوري، ومن خلفه إيران وربما روسيا، أن أميركا في طريقها إلى تعويم النظام السوري، وشكل الاتفاق حول خط الغاز وإمداد الكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية ذروة الأوهام تلك. حاول النظام تسويق الوهم، وربما استساغ ذلك في لقاءات وزير خارجيته، فيصل المقداد، على هامش الاجتماع العمومي لهيئة الأمم المتحدة، ولقاء هذا الوزير بعددٍ من الوزراء العرب. هذا الوهم سرعان ما بَهُتَ ألقه، فلم تعد سورية إلى جامعة الدول العربية، ولم تخفف أميركا من عقوباتها على النظام السوري، وهناك تسريباتٌ تؤكّد أن موسكو طلبت من نفتالي بينت التوسط لدى الإدارة الأميركية لتخفيف تلك العقوبات، وربما ستطلب منه تخفيف الضغوط الخليجية عن لبنان مع اشتداد أزمته الراهنة إثر تصريحات سابقة لوزير الإعلام، جورج قرداحي، والتسريبات الخاصة بوزير خارجية لبنان، عبدالله بوحبيب، والتي تؤيد السياسة الإيرانية في لبنان، وتقلّل من “هيبة” الدور الخليجي، وتحديداً السعودية، في لبنان أو اليمن. وقد انبنت أوهام النظام في سورية بصورة خاطئة على رسائل تتبادلها روسيا وأميركا، وصارت الأخيرة واضحةً فيها، حيث تتقدم بخطوة نحو حلحلة الوضع السوري، كي تبادلها روسيا بخطوةٍ مماثلة. إذاً السيناريو الأميركي هذا لا يُقصد به تعويم النظام إقليمياً أو دولياً، بل هدفه تدوير الزوايا مع روسيا، وحثّها على إيجاد تسويةٍ، تسيطر بها روسيا على سورية، وهذا جزء من السياسة الأميركية اتجاه روسيا في سورية والمنطقة، وبهدف إبعادها عن الصين وزرع الشقاق بينهما.

إذاً ليس من تغيير في السيناريوهات الإقليمية تجاه سورية، مع التأكيد أن روسيا وإسرائيل وأميركا تحاول تقليص النفوذين، التركي والإيراني، وبشكل متدرّج، ووصولاً إلى تسويةٍ للوضع السوري، وهذا ما تنتظره كل من أميركا وإسرائيل من روسيا.

العربي الجديد

————————-

أكاديمي إماراتي يتحدث عن نتائج زيارة بن زايد لدمشق ويثير السخرية

أثارت تغريدة للأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، سخرية عدد من المغردين، بعد حديثه عن طرد قائد الحرس الثوري في سوريا، بعد زيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد.

وقال المستشار السياسي والمقرب من دوائر صنع القرار في أبوظبي: “أول نتائج زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق، قرار سوري بطرد جواد غفاري قائد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وإنهاء وجوده واعتباره شخصا غير مرغوب به. والقادم أهم”.

    أول نتائج زيارة وزير خارجية #الإمارات إلى دمشق قرار سوري بطرد جواد غفاري قائد الحرس الثوري الإيراني في #سوريا وانهاء وجوده واعتباره شخص غير مرغوب به. والقادم أهم

    — Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) November 11, 2021

وتعليقا على ذلك، انهال مغردون باستهزاء وسخرية على حديث الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، معتبرين أن إيران قدمت لنظام بشار الأسد ما لم يقدمه أحد من حماية ومشاركة في القتال ضد شعبه، وأن بشار الأسد لا يمكن أن يتخلى عن إيران لأجل الإمارات وعبد الله بن زايد.

    ايران قدمت لنظام بشار مالم يقدمه احد من حماية ومشاركة في القتال ضد شعبه والمؤكد ان ما قدمته ايران لنظام الاسد ليس بمجاني ،

    لكن السؤال هل هناك احد عاقل سياسيا يعتقد ان بشار الاسد ممكن يتخلى عن ايران لاجل الامارات و عبد الله بن زايد ، والله مضحك !!؟!

    — ! 🇯🇴 (@s1AM1y) November 11, 2021

    اذا تم طرد الايرانيين من الجزر الثلاث، حينها سنصدق ما تقول، والله ودي اصدقك بس حيل قوية 😂

    — بلقيس الحريزي يمنية 🇾🇪 في عُمان 🇴🇲 (@blq_h) November 11, 2021

    هههههههههههههه خلاص بشار بيطلع إيران وروسيا وامريكا وتركيا وينضم للتحالف العربي ويرجع أرواح اللي قتلهم خلال عشر سنين 😁

    — سعد (@ZVp8b) November 11, 2021

    هذا المستوى من الاستخفاف بعقول الناس لم يسبقك به أحد من الخلق سعادة الدكتور حتى مواليد 2020 يدركون أن بشار الأسد لا يستطيع حتى الذهاب إلى الحمام دون إذن مسبق من الحرس الثوري الإيراني.!

    — موسى تيهوساي Mussa Tehusai (@ALTEHOSAI122) November 11, 2021

    انت دكتور في العلوم السياسية بربك مابتخجل على حالك لما بتشوف كمّ التعليقات اللي بستهزئ فيك وبكلامك الطفولي ! بربك أنت دارس ألف باء العلوم السياسية ! إلا شهادتك مثل شهادة رفعت الأسد

    — ماجد عبد النور (@Magedabdelnour1) November 12, 2021

القدس العربي

———————-

الصورة تكشف التزوير..هل اجتمع رئيسا المخابرات السورية والسعودية؟

نشر المتحدث الرسمي باسم لجنة “المصالحة السورية” التابعة للنظام، عمر رحمون، صورة لما قال إنه لقاء ثنائي بين رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان، مع مدير إدارة المخابرات العامة لدى النظام السوري حسام لوقا، على هامش “المنتدى العربي الاستخباراتي” المنعقد في مصر، في أول لقاء علني بين مسؤولين من النظام السوري والسعودية.

وقال رحمون في تغريدة إن “رئيسي المخابرات السورية والسعودية في لقاء ثنائي على هامش المنتدى العربي الاستخباري بمصر. الأمور تسير نحو تسوية قريبة سورية-سعودية وإعادة فتح صفحة جديدة بعدما تغيرت مصالح السعودية بطريقة ايجابية نحو دمشق”. وكشف أن “اللقاءات الأمنية لم تتوقف أبداً لكنها كانت لقاءات سرية واليوم أصبحت علنية”.

    رئيسا المخابرات السورية والسعودية في لقاء ثنائي على هامش المنتدى العربي الاستخباري بمصر

    الأمور تسير نحو تسوية قريبة #سورية #سعودية واعادة فتح صفحة جديدة بعد أن تغيرت مصالح #السعودية بطريقة ايجابية نحو #دمشق

    واللقاءات الأمنية لم تتوقف أبداً لكنها كانت لقاءات سرية واليوم علنية .. https://t.co/M5AmWBJXv6 pic.twitter.com/DVsVEHOlUk

    — عمر رحمون (@Rahmon83) November 13, 2021

لكن ناشطين نشروا في وقت لاحق الصورة الحقيقية للاجتماع والتي تبين أن اللقاء لم يكن ثنائياً بل كان ضمن اجتماع ضم رؤساء جميع أجهزة الاستخبارات المشاركين في المنتدى، والتي تبين أن لوقا كان جالساً في المقعد الذي يقع مباشرة بجانب مقعد رئيس الاستخبارات السعودية.

    الفرق بين الصورة الاصلية والصورة التي يروجها النظام..

    لا اجتماع مغلق ولا ثنائي ولا بطيخ. pic.twitter.com/O6hvcp5vbz

    — عقيل حسين (@akilhousain) November 13, 2021

وافتُتح “المنتدى العربي الاستخباراتي” في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعدد من رؤساء أجهزة المخابرات العربية، وبحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ومشاركة مدير إدارة المخابرات العامة لدى النظام السوري رغم العقوبات الأميركية عليه بموجب قانون قيصر، والمدرج أيضاً في لائحة الاتحاد الأوروبي للعقوبات منذ العام 2012، بسبب مشاركته في تعذيب المتظاهرين والسكان المدنيين.

وكان وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان، أكد قبل أيام، أن بلاده لا تفكر في التعامل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في الوقت الحالي.

وفي معرض ردّه على سؤال في مقابلة مع قناة “CNBC” الأميركية، حول إن كانت السعودية تفكر في التواصل مع الأسد أسوة بالعديد من الحكومات، قال بن فرحان: “السعودية لا تفكر بذلك حالياً”. إلا أنه أشار إلى أن الرياض تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة، وأنها تريد الحفاظ على الأمن وتدعم ما يحقق مصلحة الشعب السوري.

وكانت تقارير إعلامية تحدثت في أيار/مايو عن زيارة وفد سعودي أمني لدمشق، برئاسة رئيس جهاز المخابرات السعودية، فالتقى بمسؤولين أمنيين سوريين وعلى رأسهم بشار الأسد واللواء علي مملوك.

ونفت حينها وزارة الخارجية السعودية، الزيارة، مؤكدة أن تلك المعلومات “غير دقيقة”. إلا أن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أشار لموقع “الحرة” الأميركي حينها بأن “واشنطن على علم بالتقارير التي تحدثت عن محادثات سورية-سعودية جارية لإعادة فتح السفارة السعودية في العاصمة السورية”.

ويأتي اللقاء بعد 4 أيام من زيارة قام بها وزير الخارجية الإماراتية، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى دمشق، والتقى خلالها الأسد.

————————

وزير الخارجية الأردنية ينفي التخطيط لزيارة دمشق

أكد وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، أنه لا خطط لديه لزيارة سوريا قريباً، مضيفاً أن “الأردن يعمل مع شركائه وأشقائه من أجل التقدم في حل سياسي للأزمة السورية”.

وقال الصفدي في مقابلة مع قناة “فرانس 24″، إن “الكل يُجمع بأن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً وهذا ما نقوم به بالتنسيق والتشاور مع شركائنا وأشقائنا بهذا الموضوع”، مشدداً على أن “الأزمة السورية يجب أن تنتهي وثمة مرجعية يتفق عليها الجميع للحل السياسي في سوريا وهو القرار الأممي 2254 وهذا ما نعمل بالتنسيق مع الجميع من أجله”.

وأوضح أن الأردن “يعمل من أجل إيجاد تحرك فاعل باتجاه الأزمة السورية التي تسببت بكوارث للشعب السوري وللمنطقة برمتها”، مضيفاً: “ما نريده هو ما يريده العالم أجمع عبر إنجاز حل سياسي ينهي هذه المعاناة ويحفظ وحدة سوريا وتماسكها ويعيد لها أمنها واستقرارها ودورها”.

وقال إن “الأردن من أكثر المتأثرين بالأزمة السورية، سواء في ما يتعلق باستضافته لـ1.3 مليون لاجئ وبتوقف التجارة وبتهديد الإرهاب الذي كان موجوداً على الحدود وبعضه ما يزال، وكذلك تهديد تهريب المخدرات”.

وتابع: “اللاجئون لا يعودون ونحن نتحمل هذا العبء ونقدم كل ما نستطيع لأشقائنا.. مساعدات الأمم المتحدة بدأت تشح، وهنالك تراجع خطير في الدعم الدولي أو التركيز الدولي على قضية اللاجئين”، مؤكداً أن قضية اللاجئين “ليست مسؤولية الدول المستضيفة فقط بل هي مسؤولية المجتمع الدولي برمته، ولا بد من العمل على تحقيق الاستقرار في سوريا لأن في ذلك مصلحة أردنية”.

وحول إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أوضح أنه “ليس قراراً أردنياً بل هو قرار عربي”، مطالباً “بحوار عربي جماعي يهدف إلى التوصل لحل سياسي يحمي سوريا وشعبها، ويؤدي إلى استقرار المنطقة برمتها”.

وشهدت العلاقات بين عمّان ودمشق تطبيعاً متسارعاً، تمثل في زيارات واتصالات رفيعة المستوى، أبرزها اتصال رئيس النظام السوري بشار الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني مطلع تشرين الأول/أكتوبر، حيث تسعى عمّان وعبر منظومة علاقات دولية وارتباطاتها مع واشنطن وموسكو، إلى إنهاء القطيعة مع نظام الأسد وتسريع حركة التجارة والاقتصاد معه.

————————-

وزير خارجية قطر:لا نفكر بالتطبيع مع الأسد

أكد وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن في واشنطن، أن بلاده لا تفكر في تطبيع العلاقات مع النظام السوري، معرباً عن أمله في وقف التطبيع مع بشار الأسد.

وقال الوزير القطري في المؤتمر المشترك مع بلينكن ليل الجمعة: “لا نفكر حالياً في التطبيع مع نظام الأسد، ونعتقد أنه يجب محاسبته على جرائمه”. وأضاف “موقف قطر سيبقى على حاله، لا نرى أي خطوات جادة لنظام الأسد تظهر التزامه بإصلاح الضرر الذي ألحقه ببلده وشعبه”.

وتابع أنه “طالما لم يتخذ النظام السوري أي خطوة جادة، فإننا نعتقد أن تغيير الموقف ليس خياراً قابلاً للتطبيق”.

وفيما ذكر الوزير القطري أن الدول الأخرى لها “حق سيادي” في اتخاذ قراراتها الخاصة بشأن سوريا، أعرب عن أمله في “أن تحجم الدول عن اتخاذ المزيد من الخطوات تجاه النظام السوري”. وقال: “سيكون من قبيل التمني الاعتقاد بأن كل الدول في المنطقة ستتحد في ما يتعلق بالموقف من سوريا، لكن نأمل أن تحجم الدول عن اتخاذ المزيد من الخطوات باتجاه النظام السوري حتى لا تتفاقم معاناة الشعب السوري”.

بدوره، أعرب بلينكن عن قلق بلاده “من الإشارات التي تبعثها زيارة وزير الخارجية الإماراتية إلى دمشق”، مضيفاً “أود أن أحضّ جميع شركائنا على تذكر الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وما زال يرتكبها”.

وتأتي هذه التصريحات بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتية عبد الله بن زايد الثلاثاء إلى دمشق، على رأس وفد دبلوماسي رفيع، ولقائهم رأس النظام بشار الأسد، إيذاناً بتطبيع العلاقات مع النظام السوري بعد قطيعة دامت 10 سنوات منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.

وكانت قطر من بين عدد من دول المنطقة، بينها السعودية، التي دعمت جماعات المعارضة السورية منذ اندلاع الثورة السورية. وسعت بعض الدول مثل الإمارات لتطبيع العلاقات مع النظام السوري بعد استعادته السيطرة على أغلب البلاد.

وفي سياق آخر، ناقش الوزيران التعاون الاستراتيجي في أفغانستان، بالإضافة إلى العلاقة مع إيران. وقال الوزير القطري إن “إيران جار لنا وعلاقتنا بها ليست عقبة في طريق علاقتنا مع الولايات المتحدة. نختلف مع بعض السياسات الإيرانية لكن ذلك لا يعني عدم الحديث معها”.

وخلال المؤتمر الصحافي، وقّع الوزيران اتفاقية تتولى بموجبها قطر تمثيل وحماية المصالح الدبلوماسية الأميركية في أفغانستان.

————————

الجزائر:سوريا أساسي في القمة العربية..ونتطلع لعودتها

حدد وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة 3 عناوين أساسية على رأس أجندة قمة جامعة الدول العربية المقرر عقدها في الجزائر في آذار مارس العام 2022، وهي: القضية الفلسطينية والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وأعلن لعمامرة عن بدء المشاورات قريباً مع الأمانة العامة للجامعة العربية والدول العربية، بشأن القمة. وقال في حوار بثته قناة “الجزائر الدولية”: “الجزائر تتطلع إلى تهيئة كافة الظروف لنجاح القمة العربية”، و”معالجة بعض الملفات والقضايا بالغة الأهمية بالنسبة للشعوب والدول العربية، أبرزها إعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها كقضية مركزية في العمل العربي المشترك”.

وقال إن “هناك بعض التراخي الملاحظ أخيراً في التمسك بالقضية المركزية القضية الفلسطينية”، منتقداً هرولة بعض الدول نحو التطبيع و”منح الكيان الصهيوني فرصة تحقيق اختراقات في الجسم العربي”.

وبشأن ملف عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، قال لعمامرة إن الجزائر تتطلع إلى “عودة سوريا”، مذكّراً بأن الجزائر “كانت تحفظت على تجميد مقعد سوريا في الجامعة العربية”، كما “عارضت منح المقعد السوري إلى غير نظام الرئيس السوري بشار الاسد”. وأضاف أن “عودة سوريا ستعطي الجانب العربي إمكانية حل الأزمة السورية، بدلاً من حلول أخرى، وهذه مسؤولية تاريخية”.

وكان لعمامرة قال في حديث للصحافيين في ختام اجتماع نظمته الخارجية الجزائرية مع رؤساء بعثاتها الدبلوماسية الأربعاء، إن بلاده التي ستحتضن القمة العربية، تبحث عن توافق عربي لضمان عودة سوريا إلى الجامعة، مضيفاً “حان الوقت لاستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، لكن من دون التدخل في شؤونها الداخلية”.

وبشأن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإماراتية عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق، قال لعمامرة إن بلاده “تبارك هذه الخطوة”.

وتلقى لعمامرة مكالمة هاتفية الخميس، من نظيره الإيراني حسین أمیر عبد اللهیان، عبّر فيها الأخير عن إسناد طهران وتثمينها لمساعي الجزائر، إزاء ما وصفه ب”الموقف القيم والعقلاني من خلال الدعوة إلى عودة سوريا لجامعة الدول العربية”. وأعرب عبد اللهيان عن أمله في أن “ينتج عن الاجتماع القادم لجامعة الدول العربية فوائد مهمة للأمة”.

والموقف الجزائري، بشأن عضوية سوريا في الجامعة العربية، ليس بالجديد، إذ كانت الدولة الوحيدة، إلى جانب العراق، التي تحفظت على قرار تجميد العضوية، كما لم تغلق سفارتها في دمشق طوال سنوات الأزمة هناك.

وحصلت تحولات مهمة مؤخراً في مواقف بعض الدول العربية بشأن سوريا، بينها التطبيع الجاري بين النظام وأبوظبي بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتية إلى دمشق الثلاثاء. وهذه التحولات قد تمنح مساحة أكبر للدفع بفكرة عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

ومنذ تموز/يوليو، تسارعت خطوات التطبيع العربي مع النظام السوري، لا سيما من جانب الأردن والإمارات ومصر، متمثلة في لقاءات متبادلة واتفاقات وتفاهمات اقتصادية.

———————

توسع إيران في سوريا رسخه الإنفاق المالي والتعبئة الدينية/ وليد شقير

موسكو تلح على الخليجيين ملء الفراغ بدعم الاقتصاد لمواجهة نفوذ طهران

تتسارع خطوات “الحرس الثوري” الإيراني من أجل ترسيخ نفوذه في سوريا، وتسابق المساعي الروسية من أجل خفض قدرة طهران على التأثير في مركز القرار في دمشق، بموازاة إصرار الدول الغربية على أن تشمل جهود إحداث تقدم في الحل السياسي انسحاب القوات الإيرانية من بلاد الشام، كشرط من شروط التعاطي المختلف مع الوضع في سوريا.

إلا أن اشتراط الدول الغربية أن تتعاون روسيا معها في الضغط على إيران كي تسحب قواتها من الميدان السوري يصطدم في كل مرة بعدم قدرة موسكو على تحقيق ذلك، بسبب اتساع وعمق الوجود الإيراني على الأراضي السورية، في وقت يرى محللون سوريون أن الكرملين ليس في وارد الضغط على طهران في سوريا حتى إشعار آخر، لأنه يعتمد على وجودها على الأرض من أجل تثبيت رئيس النظام السوري بشار الأسد في الحكم، طالما لم يحصل اتفاق نهائي بينه وبين الإدارة الأميركية، سواء على سوريا أو على قضايا إقليمية ودولية جوهرية أخرى. ويرى هؤلاء أن موسكو تحاول تحسين موقعها على الأرض من وقت لآخر، في إطار تناقض المصالح.

تفوق إيراني عقاري وبالتعبئة الدينية

وعلى الرغم من التنافس المتواصل بين روسيا وإيران على النفوذ في دمشق، فإن بعض المراقبين السوريين يعتقدون أن طهران استطاعت في السنوات الأخيرة، بعمل دؤوب وخطط بعيدة المدى، أن تكسب وجوداً اقتصادياً وعقارياً في العديد من المناطق السورية، سواء في الجنوب أو في الشمال الشرقي، وصولاً إلى مدينة حلب عن طريق إنشاء الجمعيات وعمليات التشييع وشراء العقارات التي تنشئ بيئة اجتماعية يجري فيها زرع القواعد العسكرية من مقاتلي الميليشيات الذين استقدمتهم من العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان.

فالبيئات التي كسبت طهران ولاءها صارت بؤراً شعبية واجتماعية يسهل تغلغل الوجود العسكري الإيراني فيها.

وإذا كان محيط بعض المقدسات مثل مقام السيدة زينب في دمشق أحد الأمثلة على التوسع العقاري لهذا المعلم الديني الذي كان قبل الحرب السورية في عهدة عائلات سنية تخدم الحج إليه، ثم تحول بعدها إلى منطقة تحيط بها القواعد العسكرية الأخيرة الإيرانية والتابعة لـ”حزب الله”، فإن التقارير أخذت تتحدث في الآونة عن موجة شراء “الحرس الثوري” العديد من العقارات في محيط دمشق تمكنه من إحكام نفوذه في منطقتها الجنوبية الشرقية.

توسع البيئات الحاضنة للقواعد العسكرية

لكنه استطاع أيضاً إنشاء مواقع دينية أخرى في مناطق في وسط سوريا وفي الشمال الشرقي، سنية بمعظمها، مثل محيط مدينة حمص حيث أقيم مزار تحلقت من حوله منافع اقتصادية لما بقي من سكان فيها، حملتهم الضائقة الاقتصادية على تأجير أبنية أو بيع أراض، وعلى القبول بالتشيّع في بعض الأحيان، من أجل الإفادة المالية والتجارية الناجمة عن تمركز الميليشيات التي تستقر فيها. ويقول هؤلاء إن معظم المناطق التي تتكرر أسماؤها على أنها تعرضت للقصف الإسرائيلي الدوري (آخرها قبل 3 أيام في 8  نوفمبر “تشرين الثاني” على وسط وغرب سوريا ومطار الشعيرات جنوب غرب حمص) لاحتوائها على مستودعات أسلحة إيرانية، أو على قواعد للحرس الثوري و”حزب الله” ولميليشيا “فاطميون” و”زينبيون”، هي مناطق تعرضت لتغييرات ديموغرافية ودينية، فصارت حاضنة لمواقع عسكرية بطريقة أو بأخرى.

وهذا يشمل الشرق السوري حيث ازداد عدد الأفغان الهزارة (لا سيما بعد انتقال أعداد منهم إلى سوريا إثر الانسحاب الأميركي من أفغانستان) ومطار “تي فور” ومحيطه، ومنطقة الميادين والبوكمال على الحدود العراقية السورية حيث يوجد مقاتلو “حزب الله” العراقي و”عصائب أهل الحق” ومجموعات من “الحشد الشعبي” العراقي، وتحولت تلك البقعة الحدودية إلى منطقة تبادل تجاري.

ويسجل المراقبون السوريون وجود بعض الميليشيات الموالية لإيران في جنوب غرب منطقة دير الزور، وفي بعض المواقع على المجرى الجنوبي لنهر الفرات بحيث يتم التحكم والقدرة على التدخل، على الطرقات إلى حلب، وتدمر وحمص.

استغلال الضائقة الاقتصادية خلافاً لروسيا

يختصر الذين يرصدون هذا التوسع عبر استئجار أو شراء الأراضي في هذه المناطق بالقول إن إهمال الدولة السورية السكان وتدهور معيشتهم في ظل الأزمة الاقتصادية جعل المنافع الاقتصادية التي يقدمها الجانب الإيراني وإغراءات التشيّع سبباً لهذا التوسع. وهو أمر سبق أن حصل في الجنوب السوري في محافظات درعا، حيث سعى الجانب الروسي خلال الصيف الماضي إلى الحد من توسع الانتشار الإيراني عبر الاتفاق الذي رعاه بين النظام والمجموعات المسلحة المعارضة له. هذا بالإضافة إلى محافظة السويداء التي تشهد غلياناً متواصلاً جراء التغلغل الإيراني ووجود مجموعات تابعة للنظام، والقنيطرة، حيث تمكن السخاء الإيراني بالإنفاق ليس فقط من إنشاء حاضنة محلية لتأسيس قواعد عسكرية، بل لإقامة جمعيات ومجموعات مسلحة موالية إما مباشرة أو حليفة، عبر دعم انخراط هذه المجموعات في “قوات الدفاع الوطني” التابعة للنظام السوري، التي لطهران تأثير عليها، فضلاً عن أنها أسهمت في تمويلها. وهذه المجموعات هي التي تتعرض للقصف الإسرائيلي بين الفينة والأخرى لوجود مستودعات أسلحة بحمايتها، أو بحماية الفرقة الرابعة في الجيش السوري، التي يقودها شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد.

يتميز الوجود الإيراني عن الوجود الروسي في بعض المناطق بتوظيف الإنفاق المالي في دعم الحضور ذي الطابع الديني، لانتشار “الحرس الثوري”، خلافاً للقوات الروسية التي تعتمد على الدور العسكري والاستخباراتي لترسيخ النفوذ، بالعلاقة مع الجيش ومع الدولة السورية. المتابعون للفارق بين وجود الدولتين يشيرون إلى أن الجانب الروسي قام مثلاً بصرف موظفين من مصنع الفوسفات الذي حازت موسكو على عقد استثماره، ما تسبب بنقمة لدى عشرات العائلات. وهذا ما حصل أيضاً عند تسلم الجانب الروسي عملية تشغيل مرفأ طرطوس، بعد استبعاد إيران من التزام إدارته.

تسهيل النظام للتمدد الإيراني

وفي وقت يعمل الجانب الإيراني بنفس طويل وفق مخطط مدروس يوائم بين تنمية الحضور الديني والاستثمار المالي والتغيير الديموغرافي لمناطق عديدة لترسيخ الوجود العسكري، فإن كثراً من الذين رصدوا الأسلوب الذي يعتمده “الحرس الثوري” يرون أن الغياب العربي عن الساحة السورية في السنوات الماضية أفسح المجال أمام ملء طهران الفراغ. ولو وظفت الدول العربية المقتدرة المال لشراء الأراضي والمساحات المبنية من أصحابها الذين يعانون الضائقة الاقتصادية لكانت هذه الدول حالت دون استفراد طهران بسوق العقارات.

إلا أن هؤلاء يشيرون إلى أن النظام السوري سهَّل لطهران استحواذها على تلك المساحات، وتحويلها إلى ما يشبه بيئة الحزب في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، مقابل دورها في تثبيت الأسد في السلطة. فحاكم دمشق سبق أن سلم أوراقه بالكامل لإيران. ومن الأمثلة على ذلك ترخيص السلطة قبل أسابيع، لإقامة جمعية كشفية تحت عنوان الصداقة الإيرانية السورية تستقطب الشباب والفتية وفقاً للعقيدة الإسلامية الشيعية. ويلفت هؤلاء إلى أن رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد كان ألغى قبل سنوات من وفاته جمعية كشفية كانت تنشط تحت جناح ما سمي “طلائع البعث” التي كانت علمانية، أي إن الأسد سمح بهذا الترخيص الذي يسمح بتعبئة جيل من الأطفال بالفكر الديني.

الفريق الرئاسي الحاكم يرد على مطالبة بعض الدول العربية له بفك ارتباطه مع إيران بالقول إن الأخيرة دافعت عنه حين كان معظم الدول العربية إما يتفرج على محاولة إسقاطه، أو يمول المعارضة ضده. كما أن الأسد انحاز في نهاية المطاف إلى ما يريح إيران في سوريا، إزاء المطالبة الروسية له بمجاراة سعيها إلى الحلول السياسية، وفق القرار الدولي رقم 2254.

التشجيع الروسي على عودة العرب

لطالما سعت موسكو إلى إقناع دول عربية بالانفتاح على الأسد حتى لا تترك الساحة لإيران. وتعمل القيادة الروسية على عدم الاعتماد الضمني فقط على الاستهداف الإسرائيلي القواعد ومستودعات الأسلحة الإيرانية، بتشجيعها الدول العربية منذ سنوات على استعادة العلاقة مع نظام الأسد للتخفيف من ملء طهران الفراغ.

ويؤكد سياسيون سوريون ولبنانيون على صلة بالقيادة الروسية أنه كان لها مساهمة فاعلة في انفتاح دولة الإمارات العربية المتحدة على دمشق، بدءاً بفتحها سفارتها في العاصمة السورية في عام 2018 . فموسكو تلح على دول الخليج منذ سنوات أن توجد في سوريا إذا كانت تريد إبعاد النفوذ الإيراني. وهي تشجعها على الاستثمار الاقتصادي فيها في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها. وكذلك يفعل عدد من الفعاليات السورية منذ سنوات، التي تعتبر أنه بغض النظر عن الانفتاح على النظام أو عدمه، فإن الوجود العربي ولا سيما الخليجي يمكن أن يقطع الطريق على توسع النفوذ الإيراني عبر التوظيفات المالية في المجال العقاري، لأن السوريين يفضلون الخليجيين إذا احتاجوا إلى بيع عقاراتهم، على الإيرانيين. ويرى هؤلاء أن التعامل مع بعض المجموعات المسلحة غير الموالية للنظام وتمويلها لتحافظ على استقلاليتها المالية يحول دون اجتذابها بالمال من قبل “الحرس الثوري” و”حزب الله”، لأن من مغريات التقارب الإيراني معها وعدها بحمايتها من بطش النظام وتأمين المال لها. وفي المعلومات أن بعض الدول العربية استجاب لنصائح كهذه وأسهم في تمويل بعض التشكيلات التي قامت بالمصالحات مع النظام لا سيما في الجنوب السوري.

زيارة عبد الله بن زايد

واللافت في زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق في 9 نوفمبر الحالي، اصطحابه وفداً اقتصادياً والإعلان عن اتفاق على تمويل بناء محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في ريف دمشق.

وفي سياق الدور الروسي في الانفتاح الخليجي تفيد المعلومات أن بعض الاجتماعات التي جرت بعيداً من الأضواء تمت برعاية روسية، إلى درجة أن طائرة روسية هي التي نقلت أحد المسؤولين الأمنيين السوريين إلى إحدى العواصم العربية للاجتماع إلى نظرائه فيها.

ويقول المطلعون على خلفية دور الجانب الروسي إنه أبلغ بعض المسؤولين العرب أن الحل السياسي في سوريا سيؤدي في نهاية المطاف إلى الانسحاب العسكري الإيراني، لكن قاعدة النفوذ الاقتصادي التي بنتها طهران تتطلب منافستها كي لا تلعب دوراً في ترسيخ نفوذها على سوريا ما بعد الحرب. كما أن إعمار ما هدمته الحرب يحتاج إلى استثمارات طائلة لا يمكن تأمينها من دون دول الخليج العربي، قياساً إلى إيران. وفي التعاون الروسي الخليجي من هذا المنظار فائدة لموسكو التي تطمح أن يكون لشركاتها دور رئيس في هذه المرحلة عندما يأتي أوانها، التي تحتاج إلى التمهيد لها منذ الآن. وإذا كانت دول الخليج قد ترددت في الانفتاح الاقتصادي سابقاً بسبب العقوبات التي يفرضها قانون “قيصر” الأميركي على التعامل مع النظام السوري، فإن الشركات الروسية لديها وسائلها للالتفاف على هذا القانون.

من يملأ فراغ الانسحابات؟

لا تقتصر أسباب تشجيع روسيا الدول الخليجية على الوجود في سوريا على الحاجة إلى ملء الفراغ الذي احتلته إيران حتى الآن، بل تتعداها إلى سعيها للاحتياط منذ الآن لاحتمال حصول انسحاب أميركي من شرق الفرات، تنوي إيران الإفادة منه لتوسيع نفوذها في تلك المنطقة الغنية بالنفط، ولتغييرات في الشمال السوري، حيث تتقاسم تركيا الميدان مع تحالف “قسد” بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وفصائل كردية أخرى حيث توجد قوات أميركية. وفي وقت تتهيأ إيران إلى ملء الفراغ هناك والتسلل إلى الشمال عبر حشد ميليشياتها في منطقة حلب فإن موسكو تعمل على تجنب العملية العسكرية التركية التي تنوي أنقرة القيام بها من أجل احتلال منطقة سيطرة “قسد”، عبر اتفاقات تعمل على صوغها في لقاءات تنظمها في موسكو مع قيادة الأخيرة، ومع قادة العشائر العربية لتقليص رقعة السيطرة الكردية، بحيث تتولى قوات روسية الحدود مع تركيا مع قوات من نظام الأسد، تحت رعايتها، لضمان أمن الحدود مع تركيا بحيث تستغني الأخيرة عن فكرة العملية العسكرية ضد المنطقة الكردية.

وبهذا المعنى فإن أحد أوجه الانفتاح الإماراتي على دمشق هو المخاوف من أن تملأ تركيا الفراغ الذي يمكن أن يتركه الانسحاب الأميركي من مناطق شمال سوريا.

————————————-

في انتظار تداعي المصالح الأميركية أي مستقبل لحرب بوتين في سوريا؟

إيلاف من بيروت: في حين غالباً ما يعتقد المسؤولون الأميركيون أنهم بحاجة إلى حل المشاكل العالمية كالنزاع في سوريا، فإن بوتين ينظر إلى الأمور بمنظار مختلف. فهو سعيد بترك المشاكل على ما هي عليه إلى حين تداعي المصالح الأميركية.

في 4 نوفمبر، عقد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى منتدى سياسي افتراضي مع آنا بورشيفسكايا وليستر غراو ومايكل ماكفول، عن الموقف الروسي في سوريا حيث يبدو الرئيس فلاديمير بوتين سعيداً بالنزاع المجمد طالما أن أحداً لا يولي تلك البلاد اهتماماً جدياً . وبورشيفسكايا هي زميلة أقدم في المعهد ومؤلفة الكتاب الجديد “حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أميركا”. وغراو هو مدير الأبحاث في مكتب الدراسات العسكرية الأجنبية في منشأة فورت ليفنوورث التابعة للجيش الأميركي بولاية كانساس، وأحد كبار خبراء الجيش الأميركي في شؤون روسيا. وماكفول مدير معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد وسفير الولايات المتحدة السابق في روسيا.

امتداد طبيعي

تقول بورشيفسكايا، وفق تقرير نشرع معهد واشنطن على موقعه الإلكتروني إن الانخراط الحالي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا يُعتبر جزئياً على الأقل امتداداً طبيعياً لمصلحة بلاده القائمة منذ قرون في الشرق الأوسط عموماً، وفي شرق البحر المتوسط ​​على وجه التحديد.

وعبر التاريخ، لطالما ساور روسيا قلق كبير بشأن حدودها الجنوبية، معتبرةً إياها نقطة ضعفها الرخوة. وينفرد بوتين ببعض جوانب تدخّل موسكو في سوريا، بينما تقوم الجوانب الأخرى على التعاملات القصيرة الأجل، لكن المصالح الروسية في المنطقة أعمق بكثير من المشروع الخاص بالزعيم الحالي.

ولفهم هذه المصالح، يجب أن نقر بأن روسيا تمتلك رؤية لعالم متعدد المراكز، وأن هذه الرؤية تتعارض بطبيعتها مع أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ونتيجةً لذلك، ركزت موسكو منذ فترة طويلة على كبح النفوذ الأميركي في الخارج. وقد ورث بوتين وجهة النظر هذه وتصرّف على أساسها بطرق جديدة. فمنذ البداية، سعى إلى إعادة انخراط روسيا في الشرق الأوسط، وهو أكثر واقعية واستعداداً من أسلافه لتنمية العلاقات مع كافة الأطراف في المنطقة.

مع ذلك، فإن رؤيته المعادية للغرب دفعته إلى تعزيز أعمق العلاقات مع قادة ذوي التفكير المماثل من أمثال الرئيس السوري بشار الأسد. وبالتالي، فمنذ اندلاع الحرب السورية، كان بوتين مصمماً على منع سقوط الأسد. فلم يكن يريد أن يرى الولايات المتحدة تُطيح بقائد مستبد آخر، لذلك شرع في حماية الأسد بطرق متعددة حتى قبل التدخل العسكري الروسي في عام 2015.

التزام متناقص

اليوم، حقق هذا الهدف دون أن يتورط في أزمة أو يتكبد تكاليف باهظة. [ونتيجة لذلك] أخذت سائر المنطقة في الحسبان موقف روسيا المعزز في سوريا – ففي نظرها يتناقض التزام بوتين بحماية الأسد بشكل صارخ مع الموقف المتأرجح للدول الغربية.

وعلى الأرجح ستعود سوريا الآن إلى حالة النزاع المجمّد. وقد يكون ذلك مناسباً للغاية بالنسبة لروسيا التي تتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع مثل هذه النزاعات، وقادرة على الصمود في هذه البيئة. كما يمكن لموسكو أن تعمل كوسيط، والتحدث مع جهات فاعلة معيّنة لا يمكن للآخرين التفاوض معها. وإذا تمكّنت الأطراف من التوصل إلى حل فعلي في سوريا، فلن يحتاج أحد إلى بوتين، لكن الجميع سيكون بحاجة إليه إذا تم فقط إدارة النزاع.

وحالياً، لا يزال العالم أحادي القطب وتستمر الولايات المتحدة في تمتعها بالعديد من المزايا. لكنها قد تفقد هذه المزايا إذا أساءت التعامل مع الشرق الأوسط. وتولي واشنطن أولوية قصوى للصين، لكن لا يجب التعامل مع سوريا على أنها مجرد مصدر إلهاء. والسؤال الفعلي ليس ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة التصدي للنفوذ الروسي في سوريا، بل ما إذا كانت ستدرك الأهمية الاستراتيجية للنزاع وتستثمر الموارد الضرورية لتحقيق أهدافها هناك.

لن تكون سوريا ملفاً سهلاً للتعامل معه بغض النظر عن النهج الذي تتبعه واشنطن، لكن الأسد يُعتبر من أسوأ الديكتاتوريين في أيامنا هذه، لذا فإن اتخاذ موقف أقوى وأكثر صرامةً كان ضرورياً منذ البداية، ولا يزال كذلك حتى يومنا هذا.

ومن الناحية المثالية، ستعيد روسيا تأهيل نفسها يوماً ما وتغيّر سلوكها الحالي. ويقيناً، لا توجد سوابق كثيرة لمثل هذا التحوّل – على الرغم من أنه كان بالإمكان العثور على أصوات ليبرالية بين القيادة الروسية في وقت مبكر من فترة ولاية بوريس يلتسن خلال التسعينيات، لكن سرعان ما تم إبعادها، وأُغلقت نافذة الفرصة تلك. نأمل أن يُعاد فتحها في المستقبل.

أرض سبخة

قال ليستر غراو إنه بعيداً عن كون النزاع السوري أرضاً سبخة، أثبت أنه ساحة مثالية للجيش الروسي لشحذ قدراته واختبار أنظمة قتالية جديدة، وإجراء اختبارات جهد وإصلاح الأنظمة القديمة، وتوفير الخبرة القتالية لجميع عناصره. فالخسائر التي مُني بها كانت محدودة للغاية عموماً – والاستثناء الوحيد كان أسطول الإنزال البرمائي، الذي تم نشره على نطاق واسع لدعم الأسد، وأُصيب بأضرار جسيمة، ويتم الآن إعادة بنائه بتكلفة كبيرة.

استغلت القوات الروسية التدخل أيضاً من أجل تطوير بعض قدراتها. على سبيل المثال، كان نشرها لنظام جسر عائم جديد على طول نهر الفرات إنجازاً هندسياً مدهشاً. وحقق الجيش أهدافه الاستراتيجية المتمثلة بدعم الأسد مستفيداً في الوقت نفسه من جني المزيد من المزايا الفورية لفائدته.

واكتسبت “مجموعة فاغنر” وشركات عسكرية خاصة أخرى مرتبطة بالحكومة الروسية أيضاً خبرة قتالية قيّمة في سوريا. وقد مكّنت هذه المنظمات موسكو من الانخراط في عمليات ربما لم تكن ترغب في أن يرتبط اسمها بها بشكل مباشر، مما يوفر لها قدرة إنكار معقولة مع الاستمرار في الوقت نفسه في تعزيز أهداف الكرملين في سوريا.

ولم يخلُ التدخل الروسي من التحديات، كما أن التوترات المختلفة التي تغلي تحت السطح قد تطرح مشاكل في الفترة المقبلة. على سبيل المثال، يوجد في روسيا أقلية مسلمة كبيرة، وقد يؤدي التدخل في سوريا إلى تفاقم العلاقات المتوترة بين الحين والآخر بين هذه الجماعة والمجتمع المسيحي في البلاد. لكن خلاصة القول هي أن موسكو حققت هدفها الأساسي وهو بقاء نظام الأسد، دون الدخول في الأرض السبخة التي توقعها الكثيرون، ومع بعض الفوائد الإضافية لجيشها.

فشلنا فشلاً ذريعاً

وقال مايكل ماكفول إنه على الرغم من أن القوات الجوية الروسية لم تبدأ بقصف عناصر المعارضة في سوريا قبل عام 2015، إلا أن موسكو تتمتع بوجود دبلوماسي وعسكري قوي في البلاد منذ عقود. وخلال فترة تواجدي في الحكومة الأميركية كانت سوريا أبرز قضايا السياسة الخارجية على جدول الأعمال، والحقيقة أننا فشلنا فشلاً ذريعاً على هذا الصعيد. أعتقد أنه من الضروري أن نكون واضحين بشأن ذلك – فنهجنا لم ينجح.

بالتالي، فإن السؤال هو ما الذي كان بإمكاننا فعله بطريقة مختلفة؟

أعطى بوتين أهمية لدعم الديكتاتوريين في مواجهة الثورات المدعومة من الغرب. فهل ستتصرف روسيا دائماً بهذه الطريقة، أم هل يمكن أن تتغير طريقة التفكير هذه، ربما في عهد رئيس جديد؟ لقد كنت موجوداً في الغرفة في آذار/مارس 2011 عندما أذعن الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف لتدخل الأمم المتحدة ضد الدكتاتور الليبي معمر القذافي. ونعرف أن بوتين لم يستجب بشكل جيد إزاء ذلك. لذا، فإن استمرارية استراتيجية موسكو المعادية للغرب هي سؤال مفتوح.

وفي الوقت الحالي، حقق بوتين هدفه الرئيسي في سوريا، وهو إبقاء الأسد في السلطة. كما حقق بعض الفوائد الثانوية، لا سيما في اختبار وعرض أنواع جديدة من السلطة العسكرية. ومع ذلك، ثمة حدود لنجاحاته. فسوريا تبقى منطقة نزاع منقسمة إلى حد كبير. فهل هو مرتاح لهذا الترتيب؟ هل يهتم بتوحيد البلاد؟ من الضروري أن تعرف واشنطن وشركاؤها ما إذا كان بإمكانه التعايش مع هذا الوضع الراهن.

وحالياً، يبدو بوتين سعيداً بالنزاع المجمد طالما أن أحداً لا يولي اهتماماً جدياً بسوريا. ففي حين غالباً ما يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنهم بحاجة إلى “حل” المشاكل العالمية مثل النزاع في سوريا، إلا أن بوتين ينظر إلى الأمور بمنظار مختلف. فهو سعيد بترك المشاكل على ما هي عليه إلى حين تداعي المصالح الأمريكية. فهو يتّبع استراتيجية عامة تتمثل بالانتظار والترقب.

وتشير بعض رسائل إدارة بايدن إلى أنها لا تمانع النزاع المجمّد، سواء في سوريا أو مع روسيا بشكل عام. ومع ذلك، لا تزال استراتيجية البيت الأبيض إزاء سوريا مربكة. ويبدو أن الإدارة الأمريكية مهتمة للغاية بالمسائل الصغيرة مثل المفاوضات بشأن المساعدات الإنسانية العابرة للحدود. فواقع أن واشنطن تُشغل وقت الرئيس الأمريكي بضغوط حول معبر حدودي واحد يُظهر أن ميزان القوى في سوريا قد تحوّل إلى حدّ كبير نحو مسار مواتٍ لروسيا.

———————-

هل تعرقل قطر و”دول أخرى” التطبيع العربي مع سوريا؟/ نهى محمود

جاءت تصريحات وزير خارجية قطر، محمد عبد الرحمن آل ثاني، بشأن عدم تفكير الإمارة الخليجية حاليا في التطبيع مع النظام السوري، لتؤكد أنه لا إجماع عربيا، على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وذلك بعد أيام من زيارة قام بها وزير الخارجية الإماراتي لدمشق.

وقد أعرب الوزير القطري عن أمله في إحجام دول أخرى عن اتخاذ المزيد من الخطوات للتقارب مع نظام الرئيس بشار الأسد، فيما تثار تساؤلات بشأن أسماء الدول الأخرى التي قد تحذو حذو الدوحة التي دعمت قديما المعارضة المسلحة في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ نحو عقد.

يقول الأكاديمي القطري أستاذ العلوم السياسية، علي الهيل، لموقع “الحرة” إن “موقف قطر يتماهى مع موقف تركيا بشأن عدم التطبيع مع النظام السوري لأنه، من وجهتي نظر الدولتين، لم يقم بخطوات جادة تجاه شعبه والأسرى والنازحين والمشردين واللاجئين السوريين”.

أما المحلل السياسي السوري غسان إبراهيم فيقول لموقع “الحرة”: “قطر تمتلك نظرة خاصة للملف السوري، بالنظر إلى تحالفها مع تركيا”.

وأضاف “هناك تفاهم قطري-تركي فيما يتعلق بالتطبيع مع سوريا، وتركيا لديها موقف واضح بشأن القضاء على النفوذ الكردي في الشمال السوري، وإيجاد حل يضمن لها مصالحها في سوريا”.

وفي مقابل قطر تبرز مواقف حلفاء أقوياء لواشنطن في المنطقة، عززوا العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع نظام الأسد بعد نبذه، إثر حملة دموية بدأت قبل أكثر من عشر سنوات على احتجاجات سلمية ضد حكمه، وتطورت إلى حرب متعددة الأطراف أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.

هل من دول أخرى؟

ويشير بعض المراقبين للموقف إلى دول عربية يبدو أنها ستحذو حذو قطر، فيما ستتبنى بلدان أخرى موقف الإمارات.

وبعد اجتماع وزير الخارجية الإماراتي مع رئيس النظام السوري في دمشق، رحبت الجزائر، التي ستستضيف القمة العربية في مارس المقبل، بالانفتاح على سوريا.

وقالت على لسان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة: “آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية ومقعدها في الجامعة يجب أن يعود إليها”، مما أثار تكهنات بحضور دمشق القمة العربية المقبلة.

وكانت واشنطن، التي تعارض مساعي تطبيع العلاقات مع النظام السوري لحين تحقيقه تقدما صوب تسوية سياسية للصراع، قالت إنها قلقة من الخطوة التي اتخذتها حليفتها الإمارات.

وفي المقابل، يستبعد الهيل أن يطبع العراق علاقاته مع سوريا “على الأقل في المدى المنظور”، قائلا: “بغداد تريد النأى بنفسها عن إيران حتى لا يُنظر لاستئناف العلاقات على أنه هدية لطهران” التي تتمتع بنفوذ واسع لدى بعض الفصائل المسلحة في بلاد الرافدين.

بينما يستبعد غسان انضمام السعودية لموقف الإمارات رغم محادثات متبادلة بين مديري المخابرات في كل من الرياض ودمشق، عقدت على مدى الأشهر الماضية، وكان آخرها في القاهرة، على هامش اجتماع دوري لرؤساء المخابرات في الدول العربية في القاهرة.

    رئيسا المخابرات السورية والسعودية في لقاء ثنائي على هامش المنتدى العربي الاستخباري بمصر

    الأمور تسير نحو تسوية قريبة #سورية #سعودية واعادة فتح صفحة جديدة بعد أن تغيرت مصالح #السعودية بطريقة ايجابية نحو #دمشق

    واللقاءات الأمنية لم تتوقف أبداً لكنها كانت لقاءات سرية واليوم علنية .. https://t.co/M5AmWBJXv6 pic.twitter.com/DVsVEHOlUk

    — عمر رحمون (@Rahmon83) November 13, 2021

ويقول غسان: “السعودية لن تطبع مع سوريا حتى تشاهد عمليا إبعاد إيران خصوصا في ظل موقف الرياض المتشدد تجاه حزب الله في لبنان والحكومة الموالية له”.

وأضاف “الواقع على الأرض يقول إن إيران متواجدة في اليمن عبر الحوثيين، ولبنان عبر حزب الله، وسوريا عبر الأسد، فلماذا ستقدم السعودية على هذه الخطوة دون مقابل وتغير في السياسة الإيرانية؟”.

وتشهد المنطقة صراعا إقليميا بين السعودية وإيران بينما لم تحرز المحادثات بينهما، والتي تهدف إلى خفض التوتر، تقدما يذكر.

لماذا الآن؟

ومنذ أن هزمت القوات الحكومية السورية، بمساعدة روسية وإيرانية، مسلحي المعارضة في معظم أنحاء سوريا، باستثناء بعض مناطق شمال وشرق البلاد التي لا تزال خارج قبضته، اتخذت بعض الدول خطوات نحو تطبيق العلاقات، الأمر الذي أرجعه الهيل إلى “تغير المعطيات”.

وأضاف “الإجماع على المعارضة السورية الآن ليس كما كما كان قبل 11 عاما. السياسة تقوم على تقاطع المصالح، والدول التي تريد التطبيع مع سوريا تدرك تماما أن النظام السوري أصبح واقعا سياسيا لا محالة عنه، وعلينا أن نتعامل مع النظام السوري من حيث ما هو كائن وليس من حيث ما يجب أن يكون”.

وقد تصدرت الإمارات مساعي بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات مع دمشق، ودعت في وقت سابق هذا العام لعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية. وكانت قد أعادت فتح سفارتها في دمشق قبل ثلاثة أعوام.

وفي أكتوبر الماضي، ناقش ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هاتفيا مع الأسد التطورات في سوريا والشرق الأوسط.

كما التقى وزيرا الخارجية المصري والسوري، في سبتمبر الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، فيما وصفته وسائل إعلام مصرية بأنه أول اجتماع على هذا المستوى منذ ما يقرب من عشر سنوات.

أما الأردن فقد أعاد فتح معبره الرئيسي على الحدود مع سوريا بالكامل، في أواخر سبتمبر، بهدف تعزيز الاقتصاد المتعثر في البلدين، وتعزيز مساعي الدول العربية لإعادة دمج سوريا.

كما تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله مع الأسد لأول مرة منذ عشر سنوات في أكتوبر.

غير أن الهيل يعتقد أن التحالفات الإقليمية بشأن سوريا ستنعكس إيجابا أو سلبا على التطبيع، قائلا: “موقف قطر وتركيا سيؤثر سلبا على الانفتاح مع سوريا”.

أطراف فاعلة غير عربية

وتقول بعض الدول التي تسعى لإعادة التطبيع مع دمشق إنها تحاول مواجهة نفوذ أطراف فاعلة غير عربية مثل إيران، التي تدعم الأسد إلى جانب روسيا، وتركيا التي تدعم جماعات متمردة.

ويقول غسان إن “بعض الدول في المنطقة كالإمارات والبحرين ومصر ترى أن الانفتاح على سوريا سوف يؤدي إلى تحجيم نفوذ القوى الخارجية كإيران وتركيا”.

غير أن الهيل يقول: “ليس بالضرورة أن يحد التطبيع مع سوريا من التدخل الأجنبي، فيمكن عودة العلاقات في ظل بقاء النفوذ الروسي والإيراني”.

وأوضح قائلا: “العلاقة السورية الإيرانية استراتيجية منذ حرب الخليج الأولى، وكذلك العلاقات بين سوريا وروسيا التي تحكمها اتفاقية الدفاع المشترك فضلا عن أن النظام السوري هو الذي طلب تدخل روسيا، ولولا تدخلها لسقط النظام منذ زمن بعيد”.

أما غسان فيقول: “هذا يتوقف على مدى رغبة النظام السوري في الخروج من ورطته. استمرار علاقة الأسد مع الإيرانيين يعني رسم حدود للتطبيع العربي، وعدم حدوث انفتاح كلي، واشتراط عودته إلى الجامعة العربية”.

وتساءل قائلا: “هل سيقتنص الأسد الفرصة ويأخذ موقفا يرحب عمليا، وليس نظريا، بالتطبيع العربي، ويبتعد عن الإيرانيين ويبدأ حل الأزمة السورية بأسلوب حضاري؟”.

نهى محمود – دبي

الحرة

————————-

متى سينضم نظام الأسد لقائمة المطبعين مع إسرائيل/ سامر إلياس

حملت الزيارة التي قام بها مؤخرا إلى دمشق وزير خارجية دولة الإمارات عبد الله بن زايد، ولقاؤه مع بشار الأسد، العديد من الرسائل أبعد من ترتيب العلاقات الثنائية، وخاصة أنها أتت قبل أيام من بدء مناورات في البحر الأحمر بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة قوات إسرائيلية وإماراتية وبحرينية، في سابقة هي الأولى من نوعها، وربطت مصادر إسرائيلية هذه المناورات بما وصفته بالتهديد الإيراني والمناورات التي تجريها القوات الإيرانية، وتمتد من شرق مضيق هرمز وبحر عمان إلى شمال المحيط الهندي.

وكان لافتاً أيضاً أن زيارة عبد الله بن زايد أعقبها توجه عدد من كبار مسؤولي الموساد وأجهزة الأمن وجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أبو ظبي، ويتوقع أن يكون الملف السوري من بين الملفات التي سيبحثونها مع المسؤولين الإماراتيين، علماً بأن عمليات التحضير للتطبيع مع دول عربية توكل عادة لجهاز الموساد والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأن الإمارات كانت الوسيط في عملية التطبيع بين نظام الحكم في السودان والحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة نتنياهو.

كما سُربت مؤخراً أخبار عن وساطة تقوم بها موسكو بين نظام بشار الأسد وحكومة الاحتلال الإسرائيلي لبحث إمكانية إطلاق مفاوضات سياسية بين الجانبين، بعد نجاح الوسيط الروسي في إنجاز صفقة تبادل أسرى بينهما في فبراير/ شباط من العام الجاري، وسبقتها صفقة أخرى في نيسان/أبريل عام 2019 تم فيها إطلاق سراح أربعة معتقلين سوريين من السجون الإسرائيلية مقابل تسليم رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل، الذي قتل في معركة “السلطان يعقوب” في البقاع اللبناني عام 1982.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي تم تداول معلومات عن لقاءات بين مسؤولين أمنيين سوريين مع جنرالات إسرائيليين في قبرص، وأخرى برعاية روسية في قاعدة حميميم شارك فيها حسب عدد من المصادر علي مملوك وبسام الحسن من جانب النظام، والجنرال احتياط غادي آيزنكوت والمختص بالشؤون الإيرانية آري بن منشيه من الجانب الإسرائيلي، وهما مسؤولان سابقان في جهاز الموساد، بالإضافة إلى الجنرال الروسي ألكسندر تشيكوف. ورغم عدم وجود معلومات دقيقة حول ما جرى في اللقاءات، إلا أن جنرالاً إسرائيلياً قال في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، إن نظام الأسد يريد من إسرائيل دعمه للعودة إلى جامعة الدول العربية، والتوسط لدى واشنطن وحلفائها العرب للحصول على مساعدات اقتصادية. مقابل العمل على إخراج إيران والميليشيات التابعة لها من سوريا، والاستعداد للبدء بمفاوضات سياسية مع إسرائيل حول الجولان والتطبيع ومواضيع أخرى.

ربما يبدو ما سبق في جزء منه غير قابل للتصديق لدى كثيرين، حتى ممن يعارضون النظام، وستتبادر في ذهن القارئ العديد من الأسئلة منها: لماذا يطلب النظام من إسرائيل مساعدته للعودة إلى الجامعة العربية؟ وهل إسرائيل مفتاح رئيس للحصول على مساعدات اقتصادية؟ وهل الظروف مهيأة للخوض في عملية تفاوضية مع إسرائيل؟ وما مصلحة النظام في هذا خاصة وأن الثمن المطروح إسرائيلياً تخليه عن استعادة الجولان؟ وكيف يمكن للنظام التخلي عن حليفه الإيراني؟ لكن قراءة هادئة ومعمقة لمجموعة من التطورات التي شهدها الملف السوري خلال الأشهر الماضية قد ترجح صحة ما جاء في التسريبات والادعاءات الإسرائيلية حول تهافت النظام، وضلوع عواصم عربية في تسويقها والعمل على تمريرها وتنفيذها.

في الإجابة على الأسئلة المذكورة؛ من الملاحظ تطابق خريطة الدول العربية الداعية لإعادة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية مع خريطة المطبعين والساعين للتطبيع مع إسرائيل، وتكشف كثير من الوقائع أن الأمر لا يتعلق فقط باتفاق أنظمة تلك الدول على معاداة ثورات الربيع العربي، والعمل على إجهاض أي حركات شعبية تتطلع نحو الحرية وقيام أنظمة ديمقراطية تعددية، بل يتعلق الأمر أيضاً بمشاريع رسم خريطة جديدة للمنطقة، يكون فيها لإسرائيل والعلاقات التحالفية معها الدور المحوري، ليس على حساب القضية الفلسطينية فقط، إنما على حساب كل الشعوب العربية وقضاياها. ومن السذاجة الاعتقاد بأن تزامن انفتاح بعض الدول مثل مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب غير مرتبط بملف التطبيع مع إسرائيل، وأن الأخيرة لا يد لها في هذا.

ولا يغير من ذلك انفتاح دول عربية أخرى غير مطبعة كالجزائر أو تونس التي أطلقت قوى مؤثرة فيها، من بينها اتحاد الشغل، دعوات لعودة العلاقات مع نظام الأسد، ففي الحالتين الجزائرية والتونسية يحمل الموقف في طياته شبهة تشخيص خاطئ، باستناده إلى رؤية تنطلق للأسف من أن ما حدث في سوريا (مؤامرة على النهج القومي والعروبي لنظام الأسد والأنظمة العربية الوطنية والقومية)، رغم ثبوت زيف هذه الشعارات الشعبوية الخشبية للمرة الألف أو أكثر منذ خمسينيات القرن الماضي، وتعرية ثورات الربيع العربي لها. ولطالما استخدمت الأنظمة العربية القمعية الديكتاتورية القضية الفلسطينية لتعويم نفسها وتبرير فسادها وسياساتها القمعية، التي ألحقت ضرراً كبيراً بفلسطين وشعبها في الداخل ومناطق اللجوء.

ويتطلب إدماج  نظام بشار الأسد في الخريطة الجديدة، التي تُرسم للمنطقة، تلبية شروط إعادة تأهيله وتعويمه، وأهمها القبول بالرؤية الأميركية والغربية لهندسة المنطقة، والتي لا تعدو كونها إعادة تسويق للشروط والإملاءات الإسرائيلية، المتواطئ عليها من قبل محاور إقليمية عربية، حول ما يصطلح على تسميتها بـ “تسوية متوافق عليها لحل عناصر الصراع العربي الإسرائيلي”، تشترط إسرائيل أن تكون غير شاملة كي تستفرد بكل طرف عربي على حدة، مع إدخال رتوش تجميلية لذر الرماد في العيون، مثل الحديث عن القرارات الدولية ذات الصلة كأساس للتسوية، علماً بأن كل تلك القرارات حمالة للأوجه وتُرك تفسيرها للمتفاوضين، وبالتالي الطرف الأقوى سيكون هو الأقدر على فرض تفسيراته ومقارباته.

وهناك وهم تسوق له العديد من الدول العربية بأن استرضاء إسرائيل كفيل بتليين مواقف واشنطن، ومن هذه الزاوية قد يرى نظام الأسد بأن التطبيع مفتاح رئيس لحصول النظام على مساعدات اقتصادية ومنح مالية لإعادة الإعمار، لأن أي مساعدات اقتصادية أو مالية وازنة أو مشاريع وبرامج لإعادة الإعمار، حتى من قبل دول عربية ممولة، يجب أن تحصل على موافقة أميركية مسبقة، وهناك مراهنة من نظام الأسد والدول المطبعة على إمكانية ممارسة اللوبي الصهيوني في واشنطن ضغوطاً على إدارة الرئيس جو بايدن للقبول بتعويم نظام الأسد من بوابة استجابته للإملاءات الإسرائيلية، وخاصة مع قرب استحقاق الانتخابات التشريعية النصفية في أميركا العام المقبل.

أما بالنسبة لإمكانية قبول نظام الأسد بعملية تفاوضية مع إسرائيل فهذا لا ينطلق مع توافر ظروف مواتية من عدمها، بل من بحث النظام عن مخارج للحفاظ على نفسه كأولوية قصوى، سفك هو وحلفاؤه من أجلها دماء مئات الآلاف وهجر وشرد الملايين من السوريين.

قطع نظام الأسد عملياً شوطاً كبيراً على طريق التطبيع مع إسرائيل عبر التزامه بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية حول الملف السوري، وقواعد الاشتباك التي أعطت موسكو من خلالها لتل أبيب حرية الاستمرار بمهاجمة الطائرات الإسرائيلية لمواقع القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في سوريا، ضمن شروط محددة تتجنب فيها الطائرات الإسرائيلية استهداف قوات النظام، مقابل التزام الأخير بعدم شن هجمات ضد الجيش الإسرائيلي. ومنذ عام 2017 يطبخ الجنرالات الروس في قاعدة حميميم على نار هادئة، وبتعليمات من الكرملين، توافقات بين نظام الأسد وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، لاستكمال شروط وترتيبات التطبيع بينهما وإظهاره للعلن، ومنها تفكيك العلاقة التحالفية بين النظام وإيران، كشرط تتمسك به تل أبيب بقوة. ورغم أن تنفيذ ذلك لن يكون سهلاً لكنه يشكِّل ممراً إجبارياً لنظام الأسد إذا ما قرَّر الالتحاق بقطار التطبيع بتشجيع من روسيا ودولة الإمارات وباقي دول محور المطبعين، ومن شأن ذلك إحداث تحول دراماتيكي في مسار الأزمة السورية، والمنطقة ككل.

تلفزيون سوريا

————————–

الخارجية الأميركية تلوح بعقوبات على الاستثمارات الإماراتية الأخيرة بسوريا/ ميشال غندور

شدد متحدث في وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أوضح أن واشنطن لم ترفع عقوباتها عن النظام السوري، وذلك ردا على قرار اتخذته دولة الإمارات ببناء محطة طاقة شمسية في ريف دمشق.

وتعليقا على قرار الإمارات، خلال زيارة وزير خارجيتها عبدالله بن زايد، الأخيرة لسوريا بناء محطة طاقة شمسية في ريف دمشق، قال متحدث في وزارة الخارجية الأميركية لقناة الحرة : “إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أوضح أننا لم نرفع العقوبات عن سوريا ولم نغير موقفنا إزاء معارضة إعادة إعمارها، إلى حين تحقيق تقدم لا عودة عنه تجاه حل سياسي نعتبره ضرورياً وحيوياً”.

وأضاف المتحدث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، “أنه في حين أن المساعدات الإنسانية إلى سوريا مستثناة من العقوبات، إلا أن استثمارات أخرى عديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ليست مستثناة”.

وكان النظام السوري أعلن، الخميس، توقيع عقد مع مجموعة شركات إماراتية لبناء محطة للطاقة الشمسية في إحدى ضواحي دمشق، بعد زيارة التقى خلالها وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان برئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق.

وتسيطر القوات الحكومية السورية الآن على جزء كبير من البلاد، بفضل روسيا وإيران اللتين ساعدتا في قلب ميزان القوة لصالح الأسد.

وتسببت الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011 في مقتل مئات آلاف من الأشخاص وتشريد نصف سكان سوريا وترك أجزاء كبيرة من البلاد مدمرة بعد حملة قمع شرسة للأسد وحلفائه.

وركزت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على الإغاثة الإنسانية في سوريا، لكنها تعهدت بعدم التطبيع مع النظام وتواصل الضغط من أجل تسوية سلمية والوصول إلى حل سياسي.

وفرضت واشنطن عقوبات على دمشق بموجب قانون قيصر العام الماضي، وينص القانون على فرض عقوبات على أي شخص يتعاون مع الأسد لإعادة إعمار سوريا، كجزء من جهد لتشجيع المحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان.

ويهدف قانون قيصر الذي يترافق مع حزمة عقوبات أميركية مفروضة على سوريين مقربين من الأسد، إلى المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام السوري والتشجيع على التوصل إلى حل سياسي في سوريا.

و”قيصر” هو الاسم المستعار لمصور سابق في دائرة التوثيق التابعة للشرطة العسكرية السورية، قرر الانشقاق وخاطر بحياته لتهريب 53275 صورة لجثث 6786 من المعتقلين السوريين في مراكز الاحتجاز السورية.

ميشال غندور – واشنطن

————————-

بعد التقاعس الأمريكي والغربي عن القضية السورية..الهرولة العربية باتجاه دمشق ..هل بات السوريين أمام فصل أخر من سنوات الضياع ؟

أ.فهد القاضي

فيما يبدو بأن تقاعس إدارة الرئيس الأمريكي بايدن عن القضية السورية منتهجاً ذات المسار الغربي بذلك والذي يكتفي عقب كل مجزرة ترتكب بحق أطفال المدارس والمشافي والبنى التحتية المدنية بنيران عصابات الأسد وحلفائه بإصدار بيانات الإدانة والتنديد الإعلامية الخجولة مشددين بذلك على تنفيذ العدالة بسورية ومحاسبة الأسد.

في الوقت الذي حددت فيه الولايات المتحدة الأمريكية معالم سياساتها الاستراتيجية في سورية والتي أعلن عنها وبصراحة وعلى لسان أرفع المسؤولين بالإدارة الأمريكية وبشكل متكرر والمتضمنة قتال تنظيم الدولة (داعش) والعمل على تعديل سلوك نظام الأسد والضغط عليه للانخراط في العملية السياسية وتقديم الدعم الغير محدود لتنظيمات قنديل الإرهابية

وبالتالي فإن ذلك التقاعس والتماهي وتلك السياسة المعلنة والواضحة المعالم شجعت الكثير من المنظمات الدولية والأنظمة العربية بإعادة تطبيع علاقاتها مع حكومة دمشق فيما يبدو أنها خطوة أولى سيتبعها خطوات لاحقة ذات شأن أعلى تدريجياً لعودة نظام الأسد المجرم إلى الحظيرة الدولية وخاصة بعد الخطوة الخطيرة والتي اتخذتها منظمة الشرطة الدولية (الانتربول) بعودة نظام الأسد والسماح له بالوصول إلى بيانات تلك المنظمة وإعادة تفعيل عضويته المجمدة فيها منذ مطلع عام 2012

ويرى بعض المراقبين المختصين في الشأن السوري بأن الاستراتيجية الأمريكية تجاه سورية ورغم الالتواءات التي رافقتها منذ عام 2011 وحتى الآن فإنها سياسة واضحة المعالم ولم تصب بأي ارتباك نتيجة تعاقب الإدارات السابقة والحالية على البيت الأبيض وإنما الارتباك كان بجزئيات فقط.

وهي غير مؤثرة على خطوط السياسة العامة الأمريكية.

وبالتالي فإن تغول نظام الأسد وحلفائه واسرافهم في الإجرام وقتل الناس المدنيين وهم نيام في عام 2013 عندما قصف منطقة الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي وقصفه للمدارس والمشافي والمخابز واستخدام حصار التجويع لكثير من المدن والبلدات والذي استمر لسنوات من أجل تركيع السكان الذين انتفضوا ضده.

واستخدام افران الصهر لحرق الجثث لإخفاء جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها عصاباته وميليشياته بحق نزلاء السجون إضافة إلى المقابر الجماعية المختلفة التي قمنا بتوثيق بعضها بواسطة صور الأقمار الصناعية.

كل ذلك العنف والوحشية والانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد بحق السوريين المدنيين وكل الملفات والأدلة التي تمتلكها الإدارة الأمريكية على إجرام هذا النظام ووحشيته التي فاقت النازية في قسوتها كل ذلك لم يشكل أي دافع لدى الإدارة الأمريكية للقيام بواجبها الأخلاقي في وضع أي قيود أو القيام بأي اجراءات جدية حيال تلك الانتهاكات الخطيرة التي يرتكبها نظام الأسد وحلفائه في سوريه

وإنما عقب كل مجزرة كانوا يحذرونه من أجل عدم استعمال السلاح الكيماوي مع ذلك ورغم كل تلك التحذيرات الجوفاء والإعلامية فقط فإن نظام الأسد قد داس على كل تلك التحذيرات وتجاوز الخطوط الحمراء وقام باستخدام تلك الأسلحة الكيماوية المحظورة بعنف مفرط وسقط فيها ألاف القتلى من الأطفال والنساء سواء في الغوطة أو في سراقب أو خان شيخون ورغم ذلك فإن ردة الفعل الأمريكية كانت عبارة عن عقاب بمنتهى اللطف والنعومة والأناقة.

إذ أن الضوء الأخضر كان ممنوح له لقتل السوريين بجميع آلات القتل الجوية والبرية والبحرية إضافة للحرق داخل أفران الصهر وأساليب التعذيب في السجون والمعتقلات حتى الموت.

وكما هو واضح فإن أحد أهم الاستراتيجيات الأمريكية والتي سارت عليها في سورية من بعد عام 2011 كما يراها مراقبون فإنها قامت بتحويل سورية لمكب نفايات لظاهرة الجهاد العالمي بعد أن فشلت بتحقيق ذلك في العراق كونها تلقت ضربات قوية ومؤلمة بسبب انتشار قواتها هناك في ذلك الوقت مما أجبرها على تخفيف حجم قواتها هناك وحصرهم في ثكنات محمية برأ و جواً ولكنها في سورية استطاعت أن تقطع شوطاً كبيراً في ذلك المسار كونه لا يتواجد قوات امريكية على الأرض لا بل إنها استطاعت ومن خلال المتطرفين الارهابيين الإسلاميين الذين غضت الطرف عن وصولهم لسورية عبر الحدود العراقية.

لا بل إنها أيضاً ومن خلال مراكز الدراسات والأبحاث التي تمتلكها الإدارة الأمريكية وتديرها فإنها رويداً رويداً جاءت بتهمة الإرهاب إلى الثورة السورية مستخدمة المتطرفين (تنظيم داعش الإرهابي ومن لف لفيفهم) كذريعة من أجل التدخل في سورية لمنع سقوط النظام الذي أصبح مجرد ميليشيات مبعثرة حيث قامت بتشكيل التحالف الدولي لقتال داعش وأعطت الضوء الأخضر لروسيا للتدخل وحماية النظام المتهالك الذي أوشك على السقوط في عام 2015.

إن الولايات المتحدة ومن أجل تحقيق مصالحها بعام 2014 شكلت التحالف الدولي لقتال داعش بمشاركة أكثر من ستين دولة ولم تلتفت إلى بيان جنيف ولا للقرار 2118 ولا للقرار 2254 وأيضاً لم تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن يسمح لها بذلك كما حصل في العراق إبان غزوه، فقد قامت بتشكيل تحالف دولي خارج مجلس الأمن من أجل غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين.

يذكر بأن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبعام 2015 تحدت كل الضغوط الداخلية التي مورست عليها من أقوى اللوبيات المتواجدة في واشنطن وهو اللوبي السعودي واللوبي الإماراتي واللوبي الإسرائيلي وضربت بتلك اللوبيات وبضغوطها عرض الحائط وأبرمت الاتفاق النووي مع إيران والذي كان من اهم شروطه ونتائجه منع سقوط النظام السوري من خلال الدعم المالي الذي حصلت عليه إيران بمناسبة ذلك الاتفاق والذي تم تتوجيه بالإفراج عن مئات المليارات من الدولارات المجمدة لإيران في البنوك الأمريكية والتي كان لها تأثير قوي بتمدد نفوذ إيران في العراق واليمن وسورية ولبنان والتي ساهمت بدعم نظام الأسد مالياً من الإفلاس الاقتصادي الذي كان سيؤدي لسقوطه بكل الأحوال.

إن السوريين من مختلف أعراقهم وأديانهم وطوائفهم عندما نزلوا إلى الشوارع بعام 2011 (أطفال ورجال ونساء وشيوخ) للمطالبة بالإصلاح السياسي في البلاد وقليل من الحرية بعد أن تسلطت عليهم الأجهزة الأمنية لأربع عقود خلت وحمل الكثير منهم الورود وأغصان الزيتون للتعبير عن سلميتهم وحضارتهم ورقيهم وأطلقوا الشعارات الوطنية التي تعبر عن وحدة الشعب السوري والبعيدة عن الطائفية وعن تهديم الوحدة الوطنية محافظة بذلك على النسيج الاجتماعي السوري.

فإن المجرم بشار الأسد نعتهم بالجراثيم ووصفهم وزير داخليته آنذاك بالموتوريين ووصفتهم أجهزته الأمنية والقمعية بالمسلحين والارهابيين رغم انه وباعتراف رأس العصابة بشار الأسد مع إحدى الصحف الأمريكية قال إن الشهور الستة الأولى في بداية الحراك الشعبي كانت سلمية ولم يكن للسلاح أي وجود.

والان وبعد عشرة سنوات ونيف فإن ما تم قتله من السوريين على يد نظام الأسد وحلفائه وميليشياته يفوق المليون إنسان واختفى أكثر من 250 ألف أخرون وأصبح أكثر من نصف سكان سورية ما بين نازح ولاجئ ومشرد وأصبحت الدول والمنظمات الدولية والحقوقية والقانونية تمتلك ألاف الوثائق المليئة بالأدلة على جرائم هذا النظام المارق وحلفائه وميليشياته من أجل مقاضاته مسائلته عنها ورغم كل  ذلك وعلى الرغم من فداحة الجرائم وقسوتها المرتكبة من قبل ذلك النظام المجرم ورأسه فإن بشار الأسد ما زال يتبرع في دمشق على سدة الحكم اليوم وبشكل مريح أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2011.

مما يتوضح لنا حقيقة مهمة وهي أن المجتمع الدولي المتخبط غير مهتم بكل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد في سورية وغير أبه بمطالب الشعب السوري بالحرية والتغيير والديموقراطية والتحرر.

وذلك من خلال إحجامه عن القيام بأي إجراء قانوني أو سياسي ملموس بحل المأساة السورية المستمرة وتحقيق أي نوع من العدالة والمساءلة.

مما يشير إلى أمر في غاية الخطورة على ما يبدو وهو أن العالم سيقبل تدريجياً بعودة نظام الأسد المجرم إلى الساحة الدولية والمجتمع الدولي متناسياً ومتغافلاً عن كل جرائمه الوحشية وانتهاكاته التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

وما عودة نظام الأسد إلى منظمة الانتربول الدولي والهرولة العربية إلى دمشق وغض الطرف الأمريكي عن ذلك والدعم الروسي المقدم له إلا خطوات في ذلك الطريق ستتبعها خطوات أخرى كما اعتقد في المستقبل القريب وبالتالي فإن مسلسل سنوات الضياع المستمر في سورية منذ عشر سنوات سيتبعه أجزاء أخرى ربما تمتد لسنوات توازي الجزء الأول منه.

هل سيستفيق المجتمع الدولي من سباته حيال العدالة الإنسانية في سورية أم أنه شريك في هذه المأساة الإنسانية كما هو واضح ؟؟؟

مدير المكتب المكتب القانوني

———————

ما هو ثمن عودة سورية وبقاء الأسد؟

بعد أقل من 24 ساعة على زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد دمشق ولقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، خرج نظيره الجزائري رمطان لعمامرة قائلا «حان الوقت لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية».

لقد كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أول من قرأ فنجان الأسد من الولايات المتحدة في يوليو الماضي، حين قال «إن الأسد ونظامه سيبقيان في سورية لأمد طويل».

فيما يبدو تصريح وزارة الخارجية الأمريكية «بأنها ليست مؤيدة لخطوة الإمارات باتجاه النظام السوري مجرد حبر على ورق»، خصوصا أن واشنطن كانت جزءا من صفقة أنبوب الغاز من مصر إلى الأردن وسورية فلبنان، بل إن الموقف الأمريكي ذاته ليس ضد إعادة «تعويم الأسد»، إذ صرح أكثر من مسؤول أمريكي بأن واشنطن ليست في صدد تغيير النظام وإنما تعديل سلوكه؛ أما روسيا فكانت العراب الأول لعودة نظام دمشق إلى الجامعة العربية، وبذلت في هذا الإطار جهودا لإقناع البعض بقبول عودة سورية إلى مقعدها في «بيت العرب».

من يعرف تركيبة وبنية النظام السوري المعقدة والنادرة من نوعها، يعلم أنه قادر على الاستمرار لأكثر من عقد على هذه الشاكلة وفي ظل أصعب الظروف الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية، ما دام هناك غياب تحالف دولي لتغييره، تماماً كما هو الحال في نظام صدام حسين الذي بقي على قيد الحياة من غزو الكويت عام 1990 إلى عام 2003 حين قررت الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي لإسقاط نظام صدام وطي صفحة البعث إلى الأبد، وهذا ما لم يحدث في سورية. السبب في استمرار الأسد ونظامه، أنه مازال يمارس دور الأداة الطوعية بيد «السيستم العالمي»، ولم يكن خيار إسقاط النظام ولا لمرة واحدة على طاولة الدول الكبرى، ناهيك عن الدعم الروسي والصيني وبعض الدعم الإقليمي، وبالتالي فإن النتيجة عودة سورية وبقاء الأسد ما دام يؤدي الدور الوظيفي بالقضاء على دور سورية الجيوسياسي في صفقة غير معلنة بين منظومة الأسد والنظام العالمي، مفادها «الحكم مقابل سورية منزوعة الصفات الإقليمية والعربية والإستراتيجية»، ولعل ورقة الكيماوي كانت خير دليل على أكبر المساومات في تاريخ سورية، حين هندست الولايات المتحدة في عهد باراك أوباما صفقة «البقاء مقابل تسليم الترسانة الكيماوية».

نحن الآن في مرحلة جديدة من الصراع على سورية، هذا الصراع الذي ابتكره حافظ الأسد منذ وصول الخميني إلى السلطة أوائل عام 1979؛ إذ وضع العرب وإيران في الميزان واتبع سياسة التوازن بحيث ألا يفقد أحدهما، وقد نجحت هذه السياسة في ذروة اختبار القومية العربية، عندما وقف الأسد «العروبي» إلى جانب إيران «الفارسية – الخمينية» ضد صدام حسين شريكه في البعث، ومع ذلك تمكن حافظ الأسد من تدوير الزوايا والاستمرار بالجناحين العربي والإيراني، إلا أن الخلل الذي أحدثه بشار الأسد بكسر هذا التوازن والرهان على إيران بشكل مطلق، أخذ سورية إلى معارك لم تكن بحاجة إليها، وفتح الباب لإيران التي أصبحت لاعبا محوريا في سورية للتغلغل أكثر في فترة الحرب. إن السؤال الكبير الآن بعد عودة العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، وربما دول أخرى على الطريق، أكبر من أن يجيب عليه الأسد نفسه، وهو اتجاهات السياسة السورية في حال تدفق الزيارات العربية إلى دمشق، فهل يتمكن الأسد من تحديد النفوذ الإيراني العميق ووضعه في حدوده الطبيعية كدولة إقليمية داعمة للنظام؟ أو أنه سيتمكن من اتباع سياسة التوزان على طريقة الأب؟. كيف يتمكن النظام السوري من تلبية كل المصالح الإقليمية والدولية على الرقعة السورية المتعبة أصلا؟ وماذا لدى النظام من أوراق يمكن اللعب بها على طاولة المصالح الدولية!؟ إن فاتورة الحرب المترتبة على نظام الأسد أكبر بكثير من أن يتحمل عبئها، وهذه الأعباء ستبقى تلاحق الأسد ما دام في الحكم، فالعقود الاقتصادية التي انتزعتها روسيا بشكل علني وسري تجعل هذا النظام في دائرة الدَّين لخمسة عقود، زد على ذلك الاستحقاقات الإيرانية، إذ طالما صرح مسؤولون إيرانيون أن الحرب في سورية كلفت بلادهم نحو 6 مليارات دولار، أما الاستحقاق الكبير فهو في الداخل السوري الذي يتهاوى يوما بعد يوم، إذن ماذا سيقدم الأسد للموالين في مناطقه بعد سنوات أودت بالشعب إلى الجحيم؟.

لن تكون عودة الأسد إلى الساحة العربية والدولية «شيكا على بياض»؛ ولعل هذه العودة اختبار لقدرة النظام على التموضع من جديد عربياً وإقليمياً، إذ لا يمكن القبول بأي شكل من الأشكال عربيا أو دوليا أن يكسب الأسد كل الأوراق بوجود إيران.

يحاول النظام أن يستثمر العودة العربية إلى أبعد حدود، لكن المعطيات تشير إلى أن الأسد في ورطة ومقايضة مجبر على اتخاذ قرار حولها، وهي إما عربا أو فرسا.

ومن يعرف بشار الأسد يعلم تماما أنه لم يكن يوما ما يضع العرب في أولوياته السياسية، بل كانت هذه العلاقات تفرضها الظروف والطبيعة العربية، ولعل اندلاع الثورة السورية بداية 2011 والمواقف الدولية والعربية من هذه الأزمة كشف حقيقة ميول النظام ومرتكزاته على المستوى الإقليمي.

ما يجري الآن هو مرحلة جديدة من الصراع على سورية، لكن هذه المرة إرادة السوريين خارج أي حساب بعد ما تحولت البلاد بالأمر الواقع إلى ثلاثة أقاليم؛ مناطق تحت سيطرة المعارضة، ومناطق تحت سيطرة قوات سورية الديموقراطية والجيش الأمريكي، وأخرى تحت سيطرة النظام، وهذا ما يحرج الأسد أكثر فأكثر، كونه أصبح لاعبا يتساوى إلى حد كبير مع اللاعبين المحليين على الأرض.

———————-

====================

تحديث 14 تشرين الثاني 2021

————————————-

لا تنازلات سورية للإمارات: السعودية الضيف التالي؟/ حسين الأمين

على وقع زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، لدمشق، ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، والمعلومات التي وردت حول دعوته إيّاه لزيارة أبو ظبي، احتدم النقاش حول طبيعة العلاقات الإماراتية ــــ السورية، والخلفيات التي سمحت بعودتها وتمتينها، واحتمال أن تنضمّ إليها دول أخرى، في مقدِّمها السعودية. وانطلاقاً من الإجابات المفترضة حول هذه النقاط، حُكيَ عن أن دمشق قدّمت تنازلات سياسية، أفضَت إلى تزخيم جهود إعادتها إلى «الحضن العربي»، وإن كان أصحاب هذا الرأي، أهملوا واقع التحولّات التي تمرّ بها المنطقة، وأبرزها ارتخاء القبضة الأميركية

طوال السنوات الثلاث الفائتة، ولدى سؤال بعض أصدقاء الحكومة السورية مسؤولين رفيعين فيها، حول مستوى العلاقات بين أبو ظبي ودمشق، كان هؤلاء يجيبون بأنها «كما يُحكى في الإعلام، وليس فيها أيّ بنود خفيّة أو خطط مستقبلية، خارج المجال الاقتصادي». لكن يبدو واضحاً اليوم أن هذه العلاقات بدأت تتّخذ منحىً سياسياً، وخصوصاً بعدما ثَبت لدى السوريين أن المبادرة الإماراتية ليست سوى مهمّة استطلاعية، تقوم بها أبو ظبي نيابةً عن عدة عواصم عربية، أبرزها الرياض التي تابعت هذه الجهود بعدما اطمأنّت إلى أنها لن تقابَل بالرفض، وواكبتها بإجراءات غير علنية، كزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، خالد الحميدان، لدمشق في أيار الماضي، حيث قدّم عرض بلاده المعروف، والذي قضى حينها بـ«موازنة علاقات سوريا مع إيران والسعودية»، في مقابل إعادة سوريا إلى «المنظومة العربية». ومع أن دمشق لم تتجاوب مع هذا العرض، إلّا أن ذلك لم يمنع الرياض من استكمال جهودها، وإنْ من خلف الستار، وسط معلومات تُشاع عن زيارة «علنية» يُتوقَّع أن يقوم بها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، في الأسابيع المقبلة.

وليست كلّ هذه التحوّلات معزولة من سياق إقليمي، عنوانه إعادة صياغة التحالفات والتوازنات، تأسيساً على عدّة معطيات، أبرزها ما يأتي:

ــــ تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، واحتمال تراجعه أكثر خلال السنوات المقبلة، ما سيعني اتّساع هامش المناورة لدى دول المعسكر الأميركي، خارج السياق الضيّق الذي كانت ترسمه لها واشنطن، مع الحرص على عدم الاقتراب كثيراً من الخطوط الحمر الأميركية، فضلاً عن تجاوزها.

ــــ مسار المفاوضات النووية الأميركية ــــ الإيرانية، ومراحل تطوّرها، وفرص نجاحها واحتمالات فشلها.

ــــ تغيّر توازنات القوّة في المنطقة، بناءً على نتائج الصراع في عدّة ساحات أساسية، كاليمن وسوريا، والتي ضمنت للمحور المناوئ للمحور الأميركي مزيداً من النفوذ.

في خضمّ ما تقدَّم، تبرز عدّة دوافع يبدو أنها حدت بأبو ظبي إلى تمتين علاقاتها مع دمشق وإظهارها إلى العلن، والتبرّع بالقيام بدور الوسيط الذي يعيدها إلى «الحضن العربي». وهي دوافع يمكن تلخيصها بالآتي:

ــــ البحث عن دور في تشكيل المنظومة الإقليمية الجديدة، بعيداً من الانتظام في معسكر مغلق بدأت واشنطن تخفّض موقعه في لائحة أولويّاتها. إذ يريد حكّام أبو ظبي إظهار أنفسهم على أنهم قادرون على أداء دور إقليمي متميّز خارج الجلباب السعودي، وأيضاً خارج معسكر التطبيع، عبر تمتين العلاقات مع دولة معادية لإسرائيل، منخرطة في محور المقاومة، وأهمّ حلفائها على الإطلاق، إيران.

ــــ مساوقة المحاولات العربية ــــ الروسية المشتركة لإعادة سوريا إلى المنظومة العربية، ضمن سياسة هادفة إلى احتوائها، وإيجاد نوع من التوازن فيها في مقابل النفوذ الإيراني. كما يمكن، من جهة أخرى، أن تشكّل سوريا الساحة التي تلتقي فيها مصالح «محور المقاومة»، مع المصالح الخليجية، وتحديداً الإماراتية، وأن تكون أرضاً للتسويات، محيّدة عن الاشتباك.

ــــ الخشية من تمدّد النفوذ التركي، والاعتقاد بأن سوريا قادرة قويّة، بقيادة متفاهمة مع الدول الخليجية والعربية على ضرورة مواجهة أنقرة، يمكن أن يقوم بدور أساسيّ في عرقلة المشاريع التركية، وأن يشكّل إزعاجاً دائماً للأمن القومي التركي.

أمّا بالنسبة إلى الموقف السوري، و«الحفاوة» التي أبداها الرسميون في دمشق أمام ضيوفهم الإماراتيين خصوصاً، فضلاً عن تكثيف الجهود لتمتين العلاقات بين البلدين، فهو مبنيّ على عدّة نقاط، أبرزها:

ــــ السعي إلى توسيع شرعية النظام، وانتزاع اعتراف عربي ودولي بانتصاره في الحرب، وأهليّته للاستمرار، وخصوصاً أن سوريا تنظر إلى ما بعد الإمارات، أي إلى «الحضن العربي» الأوسع.

ــــ الحاجة الماسّة إلى الأموال والاستثمارات الأجنبية، لكسر الحصار وتنشيط الاقتصاد، والشروع بمرحلة إعادة الإعمار، مع إدراكٍ سوري أن الدول الخليجية تستطيع الحصول على استثناءات ــــ ولو محدودة ــــ من العقوبات الأميركية، كما حصل مع الأردن.

ــــ حقيقة أن لا قدرة لدى إيران على خوض معركة إعادة الإعمار. وكذلك، لا قدرة ولا رغبة لدى روسيا بتحمّل هذه المسؤولية، فيما الصين، الطرف الوحيد القادر على النهوض بهذا العبء، غير جاهزة لتحمّله. ولعلّ هذا ما دفع السوريين إلى البحث عن مصادر تمويل أخرى لإعادة الإعمار، وتغطية جزء أساسي من «الفاتورة».

استناداً إلى ما سبق، لا يمكن اعتبار ما يجري بين سوريا والإمارات تحالفاً سياسياً، كما أنه لا يشبه التحالف السوري ــــ الإيراني، ولا هو تشكيل لمحور جديد. بل هو نوع من التفاهم بناءً على مجموعة من المصالح المشتركة والحاجات المتبادلة، التي قد لا تفوق التناقضات، ولا سيما أن انتصار الدولة السورية وحلفائها على أعدائهم عسكرياً بات حقيقة واقعة، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة معاملة النظام في سوريا كحقيقة باقية لسنوات مقبلة. وبالحديث عن «تنازلات» قدّمتها دمشق، فإن مصادر دبلوماسية سورية تؤكد أن «ما لم تقدّمه سوريا من تنازلات قبل الحرب، أو في ذروتها، لن تقدّمه في نهايتها وهي منتصرة». وتضيف: «العلاقة بين دمشق وطهران أمتن بكثير مما يعتقد البعض»، متسائلة: «هل العلاقات بين إيران والإمارات مقطوعة؟ وماذا عن التبادلات التجارية المرتفعة بينهما؟». من جهته، يعتقد مسؤول دبلوماسي إقليمي أنه «إذا كانت دمشق في وارد تقديم تنازلات ما، وخصوصاً في ما يخصّ العلاقة مع إيران، فهي بالتأكيد لن تقدّمها أمام دولة صغيرة محدودة التأثير كالإمارات»، وأنها، برأيه، «تستطيع تقديمها أمام الأميركيين مثلاً، وتحصل بذلك على مكاسب أكبر بكثير، ويصبح الانفتاح العربي متحقّقاً ضمناً بأمر أميركي».

الاخبار

———————————–

التعويم السوري والمد الإيراني/ حسام كنفاني

لم تكن زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، دمشق بادرة الانفتاح الأولى من أبوظبي باتجاه النظام السوري. إذ سبقتها قبل أكثر من سنة إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في العاصمة السورية، وهي تكمل حلقة من محاولات تعويم هذا النظام بدأت قبل أعوام من بعض الأنظمة العربية المعادية جهاراً للثورات، أو تلك التي تدور في فلك ما تسمى “أنظمة الممانعة” غير البعيدة عن إيران.

لكن اللافت هو تناقض عناوين وأهداف على الأسد من معادي الثورات والممانعين وأهدافه، والتي تتمحور حول إيران، فالتبريرات الإماراتية للتطبيع مع النظام السوري تدور حول فكرة إبعاده عن إيران. هذا على الأقل ما تروّجه الأصوات الإماراتية المبرّرة لهذه الخطوة. في المقابل، يرى الآخرين في هذا الانفتاح والتعويم نصراً للنظام السوري، وبالتالي لإيران. الأمر الذي لم يخفه على سبيل المثال الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، والذي فسّر الزيارات بأنها “نصر للنظام في سورية” وبأنها أثبتت تصاعد قوة “محور المقاومة” (اقرأ الممانعة).

من المستحيل تصديق التبريرات التي تسوقها الإمارات للانفتاح على النظام السوري، والذي قد يأخذ منحى أكبر في القمة العربية المقبلة في الجزائر مع محاولات إعادة مقعد سورية في جامعة الدول العربية إلى النظام، فللإمارات أهداف أخرى بعيدة كل البعد عن فصل دمشق عن الحضن الإيراني، ولا سيما أنه فات الأوان منذ زمن كبير لذلك، فالتغلغل الإيراني في سورية بات غير قابل للاحتواء، حتى إذا أراد نظام بشار الأسد ذلك. تغلغل تخطّى الحدود العسكرية ليدخل في الأطر الاجتماعية والاقتصادية والدينية، في مؤشّر إلى بقاء طويل الأمد.

قد تكون النظرة الإماراتية لتعويم النظام السوري مرتبطةً بما دأبت عليه أبوظبي منذ بداية الثورات العربية، أي محاولة إنهاء كل التغييرات التي رافقت الاحتجاجات وسقوط عدد من الأنظمة، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه. وهي نجحت فعلياً في ذلك في كل من مصر وليبيا، والآن السودان وربما تونس، فيما بقيت بعيدةً عن ملف الثورة السورية بسبب التعقيدات والتداخلات الإقليمية والدولية فيه. لكنها اليوم، وفي ظل الجهود الروسية الكبيرة لتسويق النظام السوري عربياً وعالمياً، والانكفاء الأميركي عن التدخل في الملف السوري، أو على الأقل غموض توجهات إدارة جو بايدن تجاه هذا الملف، ترى أن هناك فرصة حقيقية لإسدال الستار على ما تبقى من الثورة السورية، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 2011.

مثل هذا التوجه تشاركها فيه كل الدول العربية المعادية للثورات، أو العائدة من ثورات، ولكن بدرجاتٍ متفاوتةٍ وبخطوات أقل جرأة من التي قامت بها أبوظبي. فالسعودية، وعلى الرغم من عدم إعلان نيتها الانفتاح على نظام الأسد، إلا أنها لم تمانع لقاء رئيس مخابراتها خالد الحميدان مع رئيس مخابرات النظام حسام لوقا على هامش “المنتدى العربي الاستخباراتي” في القاهرة قبل أيام. الأمر نفسه بالنسبة للقاهرة التي استقبلت رئيس المخابرات السوري.

وفي المقابل، ستكون تداعيات تعويم نظام الأسد كبيرة على الوضع العربي، وتحديداً للدول التي تناصب العداء لإيران. فقراءة نصرالله، وغيره من المسؤولين الذين يدورون في الفلك الإيراني، لهذا الانفتاح على أنه انتصار لمحور الممانعة فيه كثير من الحقيقة، ومن المرجّح أنه سيحفّز هذا المحور على مزيد من التمدّد في الملفات العربية، وخصوصاً في ظل خطوط الحوار المفتوحة بين النظام الإيراني الجديد والدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة في ما بعد عهد دونالد ترامب.

العربي الحديد

———————————–

ما هو ثمن عودة سورية وبقاء الأسد؟/ عبدالله الغضوي

بعد أقل من 24 ساعة على زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد دمشق ولقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، خرج نظيره الجزائري رمطان لعمامرة قائلا «حان الوقت لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية».

لقد كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أول من قرأ فنجان الأسد من الولايات المتحدة في يوليو الماضي، حين قال «إن الأسد ونظامه سيبقيان في سورية لأمد طويل».

فيما يبدو تصريح وزارة الخارجية الأمريكية «بأنها ليست مؤيدة لخطوة الإمارات باتجاه النظام السوري مجرد حبر على ورق»، خصوصا أن واشنطن كانت جزءا من صفقة أنبوب الغاز من مصر إلى الأردن وسورية فلبنان، بل إن الموقف الأمريكي ذاته ليس ضد إعادة «تعويم الأسد»، إذ صرح أكثر من مسؤول أمريكي بأن واشنطن ليست في صدد تغيير النظام وإنما تعديل سلوكه؛ أما روسيا فكانت العراب الأول لعودة نظام دمشق إلى الجامعة العربية، وبذلت في هذا الإطار جهودا لإقناع البعض بقبول عودة سورية إلى مقعدها في «بيت العرب».

من يعرف تركيبة وبنية النظام السوري المعقدة والنادرة من نوعها، يعلم أنه قادر على الاستمرار لأكثر من عقد على هذه الشاكلة وفي ظل أصعب الظروف الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية، ما دام هناك غياب تحالف دولي لتغييره، تماماً كما هو الحال في نظام صدام حسين الذي بقي على قيد الحياة من غزو الكويت عام 1990 إلى عام 2003 حين قررت الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي لإسقاط نظام صدام وطي صفحة البعث إلى الأبد، وهذا ما لم يحدث في سورية. السبب في استمرار الأسد ونظامه، أنه مازال يمارس دور الأداة الطوعية بيد «السيستم العالمي»، ولم يكن خيار إسقاط النظام ولا لمرة واحدة على طاولة الدول الكبرى، ناهيك عن الدعم الروسي والصيني وبعض الدعم الإقليمي، وبالتالي فإن النتيجة عودة سورية وبقاء الأسد ما دام يؤدي الدور الوظيفي بالقضاء على دور سورية الجيوسياسي في صفقة غير معلنة بين منظومة الأسد والنظام العالمي، مفادها «الحكم مقابل سورية منزوعة الصفات الإقليمية والعربية والإستراتيجية»، ولعل ورقة الكيماوي كانت خير دليل على أكبر المساومات في تاريخ سورية، حين هندست الولايات المتحدة في عهد باراك أوباما صفقة «البقاء مقابل تسليم الترسانة الكيماوية».

نحن الآن في مرحلة جديدة من الصراع على سورية، هذا الصراع الذي ابتكره حافظ الأسد منذ وصول الخميني إلى السلطة أوائل عام 1979؛ إذ وضع العرب وإيران في الميزان واتبع سياسة التوازن بحيث ألا يفقد أحدهما، وقد نجحت هذه السياسة في ذروة اختبار القومية العربية، عندما وقف الأسد «العروبي» إلى جانب إيران «الفارسية – الخمينية» ضد صدام حسين شريكه في البعث، ومع ذلك تمكن حافظ الأسد من تدوير الزوايا والاستمرار بالجناحين العربي والإيراني، إلا أن الخلل الذي أحدثه بشار الأسد بكسر هذا التوازن والرهان على إيران بشكل مطلق، أخذ سورية إلى معارك لم تكن بحاجة إليها، وفتح الباب لإيران التي أصبحت لاعبا محوريا في سورية للتغلغل أكثر في فترة الحرب. إن السؤال الكبير الآن بعد عودة العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، وربما دول أخرى على الطريق، أكبر من أن يجيب عليه الأسد نفسه، وهو اتجاهات السياسة السورية في حال تدفق الزيارات العربية إلى دمشق، فهل يتمكن الأسد من تحديد النفوذ الإيراني العميق ووضعه في حدوده الطبيعية كدولة إقليمية داعمة للنظام؟ أو أنه سيتمكن من اتباع سياسة التوزان على طريقة الأب؟. كيف يتمكن النظام السوري من تلبية كل المصالح الإقليمية والدولية على الرقعة السورية المتعبة أصلا؟ وماذا لدى النظام من أوراق يمكن اللعب بها على طاولة المصالح الدولية!؟ إن فاتورة الحرب المترتبة على نظام الأسد أكبر بكثير من أن يتحمل عبئها، وهذه الأعباء ستبقى تلاحق الأسد ما دام في الحكم، فالعقود الاقتصادية التي انتزعتها روسيا بشكل علني وسري تجعل هذا النظام في دائرة الدَّين لخمسة عقود، زد على ذلك الاستحقاقات الإيرانية، إذ طالما صرح مسؤولون إيرانيون أن الحرب في سورية كلفت بلادهم نحو 6 مليارات دولار، أما الاستحقاق الكبير فهو في الداخل السوري الذي يتهاوى يوما بعد يوم، إذن ماذا سيقدم الأسد للموالين في مناطقه بعد سنوات أودت بالشعب إلى الجحيم؟.

لن تكون عودة الأسد إلى الساحة العربية والدولية «شيكا على بياض»؛ ولعل هذه العودة اختبار لقدرة النظام على التموضع من جديد عربياً وإقليمياً، إذ لا يمكن القبول بأي شكل من الأشكال عربيا أو دوليا أن يكسب الأسد كل الأوراق بوجود إيران.

يحاول النظام أن يستثمر العودة العربية إلى أبعد حدود، لكن المعطيات تشير إلى أن الأسد في ورطة ومقايضة مجبر على اتخاذ قرار حولها، وهي إما عربا أو فرسا.

ومن يعرف بشار الأسد يعلم تماما أنه لم يكن يوما ما يضع العرب في أولوياته السياسية، بل كانت هذه العلاقات تفرضها الظروف والطبيعة العربية، ولعل اندلاع الثورة السورية بداية 2011 والمواقف الدولية والعربية من هذه الأزمة كشف حقيقة ميول النظام ومرتكزاته على المستوى الإقليمي.

ما يجري الآن هو مرحلة جديدة من الصراع على سورية، لكن هذه المرة إرادة السوريين خارج أي حساب بعد ما تحولت البلاد بالأمر الواقع إلى ثلاثة أقاليم؛ مناطق تحت سيطرة المعارضة، ومناطق تحت سيطرة قوات سورية الديموقراطية والجيش الأمريكي، وأخرى تحت سيطرة النظام، وهذا ما يحرج الأسد أكثر فأكثر، كونه أصبح لاعبا يتساوى إلى حد كبير مع اللاعبين المحليين على الأرض.

————————–

الوزير في دمشق/ باسل طلوزي

بداية، لا بد من تبيان أنّ هذا السؤال غير سياسي البتة، بمعنى أن المعنيين بالإجابة عنه من غير فئة “المراقبين” و”المحللين” و”المتابعين”، بل هو موجّه، بالدرجة الأولى، إلى الطهاة وعباقرة المطابخ، حصراً، من أولئك الذين باستطاعتهم ابتكار وصفات طبخ غير تقليدية، على غرار طهي “حلّة” ملوخية بالسمك، مثلاً، وإلا فكيف يمكن تفسير الجمع بين “سيّد جبهة الصمود والتصدّي” وأحد سادة “المطبعين الجدد” إلى عاصمة “المقاومة والممانعة” كما يراها المهووسون بدكتاتوريات اليسار، وقيادات مجالس الثورات.

هو بالفعل تنافر لا يستقيم مع المنطق، فقد كنّا نتوقع أن تكون الإمارات آخر الدول العربية التي ستخطب ودّ الأسد “المنتصر على شعبه” لأسباب عدة، ليس أولها أنها كانت من دعاة إسقاط الأسد إبّان اندلاع الثورة السورية، وليس آخرها، توجبه أحكام التباين “العقائدي” بين نظامي حكم تفصل بينهما اشتراكية ماركس ولينين وقومية جمال عبد الناصر. والأهم أنّ ثمة فاصلاً جديداً يفترض أنّه أمتن من جدار برلين، نشأ مع تجريد الإمارات حملة ضروساً للتطبيع مع إسرائيل سبقت بها دول التطبيع القديمة، بفضل إشهارٍ لا يحتمل ذرّة حياء، تجسّد في الزيارات الحميمة المتبادلة، و”بيت إبراهيم” وأنشطة السفير الإماراتي في تل أبيب، الذي يداوم على التغزّل بالصهاينة وأخلاقهم ورحمتهم، مقابل نظام يزعم أنّه لن يعترف بإسرائيل، وتتلقى بلاده ضربات جوية وصاروخية شبه يومية من تل أبيب، ويتلقى دعماً إيرانيّاً مفتوحاً “على بياض” وبلاده لم تزل متخمةً بالمليشيات الإيرانية التي شاركت في إجهاض ثورة الربيع السورية، امتداداً لتحالف قديم بين الأسد الأب والخميني لم تفصمه الحرب العراقية الإيرانية طوال ثماني سنوات، ولا احتلال إيران جزراً تابعة لدولة “الفتى الوسيم” الذي يعرف جيداً أنّه لو اندلعت حرب بين بلاده وإيران لاصطفّ أسد النظام السوري إلى جانب إيران عسكريّاً وسياسيّاً بلا أدنى تردّد.

ذلك كله أو بعضه كان يقضي أن تكون الإمارات، فعلاً، آخر الدول “المطبّعة” مع دمشق الأسد لا أولها، احتراماً على الأقل لجزرها الي لم تزل محتلة إيرانيّاً، أو لموقفها القديم من الثورة السورية الذي ثقبت به آذاننا، أو انسجاماً مع التباين العقائدي بين نظامي حكم لا يجمع بينهما غير الملوخية والسمك، غير أنّ عبد الله بن زايد باغتنا حقّاً بهذه الزيارة “الغارة” على دمشق، فارجاً شفتيه وهو ينظر إلى الأسد كمن ينظر من حفرة، فهل ضلّ طريق “التطبيع” هذه المرّة ظنّاً منه أنّه إنما يتوجه إلى تل أبيب؟

بالطبع، لا، كان ابن زايد يعرف طريقه جيداً، ويعرف أنّها ليست المرة الأولى التي يزور فيها دمشق هو أو غيره من دول لعبت أسوأ الأدوار في إجهاض ثورة الربيع السورية، إلى جانب أخواتها من الثورات الأخرى. قد لا يكون هو بشخصه من زارها، لكنّ المؤشرات إلى أنّه كان ثمة مؤامرة ما دارت من خلف ظهر الشعب السوري الذي وثق بأنّ هذه الأنظمة ستكون نصيراً له على طاغيته، غير أنّ ما أثبتته الأيام أنّ الخطة كانت “ملعوبة” بدقة، منذ بدأت عسكرة الثورة وحرفها باتجاه اللحى المريبة، وسيوف “داعش والغبراء”.

لم يزر عبد الله بن زايد دمشق ليُطبِّع “المُطبَّع”، بل للاحتفال بوأد الثورة التي ستدفن إلى جانب أخواتها في مصر وتونس واليمن وليبيا، وللتخطيط للمرحلة المقبلة التي توجب خلع قناع المقاومة والممانعة، وكشف أسرار العلاقة الحميمة بين نظام تتمسّك ببقائه أميركا وإسرائيل أزيد مما يتمسّك هو بعروشه وكراسيه؛ لأنّه خير من يخدم مصالحهما وأهدافهما الخفية، وإن من باب “الشعارات” والتنظير، فهما تحتاجان إلى هذين النمطين معاً؛ التطبيع المعلن، والتطبيع الخفيّ.

العربي الجديد

—————————

إعادة تأهيل أم لَعِب بالنار/ د يحيى العريضي

عَوَز، وفقر، وإذلال، واعتقال، واغتيال، ومخدرات، وموت بطيء مستمر، وطموح وحيد عند غالبية مَن هو موجود حيث “النظام” بالخروج من هذه “الجهنم”.

وفي الضفة الأخرى، يتبعثر أكثر من نصف سكان سورية خارج بيوتهم في أربعة أصقاع الأرض. و “هيومن رايتس ووتش/ Human Rights Watch ” تُعنوِن تقريراً لها: “حياة أشبه بالموت”.

ذلك هو وضع شعب سورية، الذي يتباكى عليه بعض المنافقين. فرغم أن هذا هو حال ملايين السوريين، يجري الحديث عن إعادة تأهيل طغمة لا يتجاوز عددها المئات تحت يافطة “انتصارها” على الإرهاب والمؤامرة الكونية. وها هم البعض يتزاحمون على بوابتها؛ ويزورونها، وهم ذاتهم  مَن وصفوها بالأمس بأقذع الأوصاف.

بالأمس، وعند الاستماع لوصف سابق للسيد “محمد بن زايد” لنظام بشار الأسد بالقاتل؛ ونراه اليوم يصافحه؛ رغم أن شيئاً لم يتغيّر في موقف أو سلوك هذا “النظام”؛ ندرك تماماً أن هناك حملة بهلوانية يائسة بائسة تقودها موسكو لإعادة منظومة الاستبداد مُستخدِمةً مَن يتصور أن لديه غطاءً إسرائيلياً في وجه أمريكا، ومن تعوَّد العيش على لعق الدماء والمواقف كأداة.

ربما لا يدرك أهل هذه الحملة الساقطة أن إعادة إعمار الحَجَر والتباهي بأطول برج ناطح للسحاب لا تعيد تأهيلَ أو إعمارَ النفوس والعقول والإرادات والمنظومات الذهنية للبشر، ولا تصنع من “الوسخ” معجون أسنان.

إذا كانت الحُجة “إنقاذ الشعب السوري”، فهي واهية وغير صادقة، لأن مَن يريد إنقاذ السوريين، كان بإمكانه إنقاذهم من قَاتِلهم خلال عشرة أعوام. وإذا كانت ذريعة التقارب إبعادَ إيران من سورية وعنها؛ فلا يعيد لها تأهيل نصفها الآخر، ويعزز أداتها في تخريب المنطقة.

وإذا كان رهان البعض بأن تكون لهم الكلمة الفصل في مصير ومستقبل سورية، فهذا الرهان بوجود منظومة إجرامية فعلت ما فعلت في سورية ليس إلا استثماراً فاشلاً في منظومة موبوءة مصيرها تلويث مَن يقترب منها.

فلا روسيا ولا إيران ولا أي قوة تسعى لإنقاذ أو إعادة تكرير هذه المنظومة ستنجح؛ ولكنها على العكس تماماً ستُضعفها أكثرَ وتجعلها ورقة للمساومة.

وكل تلك المحاولات البهلوانية ستعطي مفاعيلَ عكسيةً؛ فبدل الانفتاح، فإنها تفتح قِدْر القاذورات، وتستفزّ وتستنفر مَن يدير ظهره لظاهرة الإجرام القائمة. وما إسراع أمريكا باستهجان أو استنكار الخطوة  (ولو لذرّ الرماد في العيون) إلا دلالة على فتح العيون من جديد على منجم الإجرام هذا.

رغم أن “حُسن النوايا” لا علاقة له بعالم السياسة، لنفترض أن النوايا حسنة؛ والغاية من خطوات كهذه هي إعادة تأهيل سورية بملايينها؛ ألا يستلزم أمر كهذا ثقةً ومصداقيةً وخبرةً لدى مَن يُراد إعادة تأهيله؟! وهل ما زال غير واضح أن الثقة والمصداقية لا مكان لهما في قاموس منظومة معطوبة بِنْيوياً وأخلاقياً؟! ألم يثبت بالدليل القاطع أن خبرتها الوحيدة محصورة بالقتل والحواجز والاعتقال والمخدرات وبيع الأوطان للمحتل؟! وهل هذا يعيد إعمار أوطان أو يعيد لاجئين؟

وإذا ما أُجري استبيان حقيقي لمن لا يزال مضطراً أو مُرغَماً أو رمادياً أو مختاراً لاستفادته من بقايا هذه المنظومة، فلن يظهر أي ثقة أو قبول حتى من هؤلاء. فما لم يحصل للمستفتين، شهدوه بأمّ أعينهم يُمارَس على آخرين؛ فهذه المنظومة لا أمان لها بحكم بِنْيتها المسمومة. فهي ليست إلا وباء ورائحة نَتِنة لا يمكن العيش أو التعايش معها.

يدرك هؤلاء أنهم حتى ولو لم يشتركوا مباشرة بجريمتها بحق سورية عامة، فالجريمة تطالهم. وما نأيهم بأنفسهم عنها إلا بعضاً من التكفير عن صمتهم على الجريمة. ما حدث وما ارتكبته منظومة الاستبداد الإجرامية لا يسقط بالتقادم، ولا يُنسى، ولا  تنازُل عنه أو مسامحة من تلك الملايين المجروحة، أكانت معه أو ضده.

لا بد كسوريين من حل وعودة لاجئين وإعادة إعمار، ولكن خارج معادلات الجميع. لقد كان “اللانظام” وخرق القانون، والقهر، والظلم، وانسداد الآفاق، والعذابات، دروساً مريرةً صَقَلت معظم السوريين الذين تركوا تلك البقعة الجغرافية الموبوءة بكل ذلك.

لقد أطَلَّ هؤلاء السوريون على ما يعاكسها تماماً؛ فكانت لهم فرصة انطلاقة جبّارة؛ هم ذاتهم مَن سيعيد الإعمار، وبهم سترجع سورية إلى سكّة الحياة.

حيث هُم الآن، القانون مسألة مقدسة، والحرية كالهواء، والفرص لمن اجتهد وبنى ذاته دون تمييز، والعلم والمعرفة والارتقاء بقدر الجهد لا بقدر التدخلات الجائرة. لقد أطل السوريون الناجون على مؤسسات تلك الدول التي تحوّلت إلى مستقر لهم، فعرفوا قوانينها وهيكليتها ومنهجية عملها؛ ولن يعجزوا عن بناء ما يشبهها ويفوقها؛ وهذا الذي سيعيد بناء سورية البشر والحجر.

زمننا يتسارع، ويتحوّل إلى “لوغارثمات” تكثف كل شيء؛ وهذا السوري على اطلاع بهذا المنجز، ودخل به. أما منظومة الاستبداد، فتريد أن تُوقِف الزمن، أو تعيده إلى الخلف، أو تُفصِّله حسب إرادتها المريضة. وعملياً هي اضمحلت، وتتلاشى، وأضحت خارج الزمن. ولن يتفاعل أهل زماننا إلا مع مَن يثق بهم، لا مع مَن أضحوا بأفعالهم الإجرامية الحالة النشاز.

ولا يطبّع مع قاتل إلا مَن هو مثله، أو معاقٌ عقلياً وأخلاقياً أو رخيصٌ. حتى أولئك الذين ساعدوه بالقتل لن يجدوا مصلحتهم معه. فلا حياة ولا مستقبل له؛ وخاصة أنه تحت هذه المقاطعة العالمية ككارثة خارج الزمن.

باختصار شديد، لم يعد هناك “نظام” في سورية اليوم؛ نحن أمام مجرد عصابة تحاول التماسك، لكن لا تستطيع؛ فليس من طبيعتها أن تكون نظاماً أو تخضع لقانون؛ إنها مجرد منظومة معتمدة  ببقائها الآن على بيع سيادة سورية واستقلالها؛ وعلى تحقيق مصالح الآخرين المحتلين؛ وعلى ما يوفرونه لها من قوة عسكرية؛ وعلى الإرهاب منهجاً وأداةً، والخطف وأخذ الرهائن والمخدرات اقتصاداً. منظومةٌ كهذه يستحيل إعادةُ تأهيلها. وبذلك يصبح الأمر نوعاً من محاولة استدراج التنازلات حيال الموقف الأمريكي في ملفات أخرى… لكنه في النهاية لَعِب بالنار.

نداء بوست

——————————-

النظام السوري وسَراب الحضن العربي/ وائل علوان

إعادة سورية للحضن العربي هو الوهم الذي ما تزال تعيشه الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج، وهذا الوهم يلتقي مع هدف إسرائيل ومصالح روسيا في المنطقة.

كان عنوان النظرة العربية وبالتحديد دول الخليج العربي للنظام في سورية قبيل الثورة أنَّ النظام السوري جزء من مشروع إيران في المنطقة، الأمر الذي تعزز خلال عشر سنوات من تدمير النظام لسورية وتشريد أبنائها بالشراكة مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وكان الموقف الأمريكي متفاعلاً بشكل كبير جداً سياسياً وأمنياً وعسكرياً في خريطة الصراع المستمر في سورية، وهذا كان مؤثراً مباشراً على موقف حلفاء الولايات المتحدة الذين مازالوا حلفاءها حتى اليوم، لكن الموقف الأمريكي هو الذي تراجع تاركاً لمصالح هؤلاء الحلفاء وللأدوار التي يريدون أن يقوموا بها هامشاً واسعاً.

اهتمام الولايات المتحدة اليوم ليس في الشرق الأوسط مع بقاء عينها عليه، وهي لا تسمح بإيجاد صيغة نهائية للحل لا تناسبها، وليست مضطرة كما باقي الفاعلين الخارجيين لإيجاد حلول للقضية السورية، لكن الهامش واسع في ساحة مليئة بالمتناقضات والتحديات والقلق لتجد كل دولة مصالحها الخاصة أو تجد لها دوراً في جملة التدخلات الخارجية في القضية السورية، وبشكل مباشر فالمصالح الاقتصادية أو السياسية صعبة جداً وغير مُجدِية في سورية أو مع النظام، لكن تنظر الدول الإقليمية إلى تحقيق مصالح من خلال الوجود والدور الروسي في سورية، وإمكانية الضغط على المشروع الإيراني في سورية من خلال تفاهُمات مستمرة مع روسيا.

إعادة سورية إلى الحضن العربي هو عنوان عريض لتفاهمات الدول العربية ومنها دول الخليج مع روسيا، وإن كانت هذه الدول على يقين أنَّ النظام مرتبط بالدور الإيراني، وأنَّ بقاء النظام يمنع عودة سورية إلى الحضن العربي، لكن هذا العنوان مناسب للتصدير الإعلامي السياسي العامّ، ويلتقي مع مصالح روسيا وأهداف إسرائيل والخط العامّ الذي لا تعارضه الولايات المتحدة.

الوجود الإيراني اليوم في سورية أعمق وأكبر من البساطة التي تتحدث عنها التصريحات العربية، وحتى روسيا بحضورها الأمني والعسكري والسياسي لا تنظر إلى الموضوع بهذه البساطة، وتستطيع روسيا أن تضبط الوجود الإيراني في سورية بما لا يضر بمصالحها، لكنها لم تلتزم الجدية الكافية سابقاً سواء مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل في الحدّ من النفوذ الإيراني أو إبعاده حتى عن الجنوب السوري، فضلاً عن أن المشروع الإيراني المتجذر في المنطقة من طهران إلى بغداد إلى دمشق وصولاً إلى بيروت قطع أشواطاً كبيرة في خلق الحلفاء المحليين في سورية من مجموعات أمنية إلى تشكيلات عسكرية إلى شركات ومصالح اقتصادية.

تكتيكات جَزّ العشب التي عملت عليها إسرائيل لأعوام لم تؤثر سلباً على تزايُد النفوذ الإيراني في سورية، والموقف الأمريكي كان يختلف من إدارة لأخرى في التعامل مع النفوذ الإيراني في سورية، وبالتالي فتواصُل الحكام العرب مع النظام بشكل مباشر أو تفاهُمات الدول مع روسيا لن ينزع عن سورية قناعها الإيراني الأسود، فطالما أنهم يتعاملون مع سورية الأسد فهي سورية الفارسية، مختلفة كل الاختلاف عن سورية الياسمين الدمشقي الأبيض بعراقته وجماله العربي الأصيل.

—————————-

ماذا تريد أبو ظبي من زيارة وزير خارجيتها لنظام الأسد؟/ محمد سرميني

وصل وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر، في أرفع زيارة لمسؤول إماراتي منذ أكثر من عشر سنوات. وسبق هذه الزيارةَ اتصالاتٌ عدّة أجراها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع رأس النظام السوري خلال العامين الماضيين.

‏وبطبيعة الحال، فإنّ النظام في حالة من الضعف التي لا تسمح له بتقديم أي عوائد فعلية لأي فاعل، ولذا فإنّ الزيارة الإماراتية تستهدف تحقيق مصالح وتوجيه رسائل لفاعلين آخرين، بعضهم في سورية وآخرون خارجها.

وتعني هذه الترتيبات أن الإمارات وإيران بحاجة لترتيب ملفاتهما في اليمن والإقليم، خاصة أن طهران لا تنظر بالكثير من الترحاب للدور الإماراتي في المنطقة، نظراً لطبيعة تحالفاتها الإقليمية.

‏ومنذ قدوم إدارة بايدن، تم إزاحة الإمارات من قائمة الدول المفضلة، والتي تربعت عليها في عهد إدارة ترامب . ولكنها وبحكم توقيعها لاتفاقية سلام كاملة مع تل أبيب فإنّها أُعفيت من الاستهداف العلني الذي تعرّض له بقية حلفاء ترامب، رغم استهدافها بشكل غير مُعلَن، من خلال وقف صفقات التسلح.

‏ تشعر أبو ظبي بالامتعاض الشديد من تحييدها أمريكياً في عدّة ملفات، مقابل رفع مستوى الاعتماد على الدوحة، والتي ارتفع مستوى حضورها الدبلوماسي أمريكياً ودولياً بعد سيطرة حركة “طالبان” على كابول.

‏ التموضع الجديد غير المريح لأبو ظبي في واشنطن دفعها لتبني سياسات غير متناسقة مع التوجهات الأمريكية، سواء من خلال دعم الانقلاب في تونس والسودان؛ أو من خلال زيارة دمشق. حيث يبدو أن أبو ظبي بالتنسيق مع تل أبيب تحاول الضغط على واشنطن من أجل دفعها لتبني سياسات مختلفة تجاه حلفائها.

‏وفي خضم سياساتها لتوسيع النفوذ في الشرق الأوسط وإفريقيا، وجدت أبو ظبي في موسكو حليفاً يمكن الاعتماد عليه في العديد من الملفات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية، وانعكس هذا التحالف في الملف الليبي، كما ظهر واضحاً في العديد من الملفات الأخرى، مثل الموقف من الانقلاب الأخير في السودان.

‏ بذلك فإن أبو ظبي تسعى لتوسيع هوامشها الذاتية في المنطقة، بما قد يدفع واشنطن لإعادة التفكير بالآلية الممكنة للتعامل مع الدور الإماراتي، وبما يدفع إيران وروسيا لمنح الإمارات معاملة تفضيلية في الملفات المختلفة، وهو ما يساعد في امتلاك الإمارات لمزيد من أوراق التأثير.

كما أن تبنِّي أبو ظبي لما تُسميه “إعادة سورية للحضن العربي” يُظهر أبو ظبي كمحاولة للعب دور قائد في المنطقة العربية، وهو ما يُكرس سياسة التحدي التي تنتهجها أبو ظبي تجاه الرياض.

ولذلك فإن الحديث عن مشروع “إماراتي-إسرائيلي” للتقارب مع النظام مُقابَل بإخراج إيران من سورية يفتقر إلى المعرفة بطبيعة الوجود الإيراني في سورية، وطبيعة العلاقة الإيرانية مع النظام، وهذا ما تدركه أبو ظبي وتل أبيب وأن بشار الأسد غير قادر على إخراج أحد من غير السوريين خارج سورية!!

—————–

الفساد وانتهاك السيادة.. تفاصيل الصدام بين الأسد وقائد فيلق القدس في سوريا

اعتبر المصدر أن هذا الإقصاء هو جزء من التوجه السلبي الذي يواجه التموضع الإيراني في سوريا وفي المنطقة بأكملها

علمت قناة “الحدث” من مصدر مطلع على التطورات والمستجدات في سوريا، أن مسؤولين رفيعي المستوى في النظام السوري، وعلى رأسهم بشار الأسد، كانوا وراء إقصاء قائد فيلق القدس في سوريا مصطفى جواد غفاري.

ووفق المصدر فإن قصر الرئاسة السورية لم يكن راضيًا عن تصرفات غفاري كممثل للقوات الإيرانية وميليشياتها في سوريا، بعد أشهر طويلة من خلافات حول نشاطات قائد الفيلق التي اعتبرت خرقا كبيرا للسيادة السورية على كافة المستويات.

تهريب البضائع

ويقول المصدر إن غفاري تجاوز الأعراف السورية وهرّب بضائع بهدف خلق “سوق سوداء”، ما يشكل تحديا ومنافسة للسوق السوري.

وأضاف المصدر لـ”الحدث” أن القوات الإيرانية في سوريا قامت مرارا باستغلال الموارد الطبيعية السورية من أجل مصالحها الشخصية، كما قامت بنهب مصادر اقتصادية والتهرب من دفع ضرائب للدولة السورية.

كما كشف المصدر أنه في أعقاب سلسلة من الأحداث وعلى خلفية الغارات المنسوبة لإسرائيل، اعترف غفاري بوجود عناصر وأسلحة إيرانية في المناطق التي حظر النظام السوري تموضعها فيها.

كما قام غفاري وخلافا للتعليمات بعدد من النشاطات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل كادت تؤدي إلى إدخال سوريا في حرب إقليمية غير مرغوب بها، من بينها مهاجمة أهداف أميركية في سوريا في العشرين من أكتوبر على يد ميليشيات مدعومة إيرانيًا.

واعتبر المصدر أن هذا الإقصاء هو جزء من التوجه السلبي الذي يواجه التموضع الإيراني في سوريا وفي المنطقة بأكملها.

واعتبر المصدر أن إقصاء مصطفى غفاري الذي يسير على خطى قاسم سليماني بإنشاء ميليشيا حزب الله السورية ضربة لرؤية وحلم سليماني في إقامة مجال بري بين إيران ولبنان.

————————–

5 أسباب وراء القلق الإيراني/ شارل جبور

تتطوّر العلاقة الخليجية مع النظام السوري واستطراداً العربية، باتجاه التطبيع السياسي، في الوقت الذي تتدحرج فيه العلاقة بين الفريق الأول والنظام الإيراني وأذرعه باتجاه الأسوأ، فمن يجب ان يخشى على وضعه أكثر: القوى السيادية في لبنان أم «حزب الله»؟

نجحت طهران في إبقاء النظام السوري على قيد الحياة السياسية، من خلال انخراطها العسكري المباشر، دفاعاً عن استمراره في موقعه، حتى ولو خسر حكمه على مساحة الجغرافيا السورية، إنما الأساس كان الحؤول دون إسقاطه بالقوة، ولكنها فشلت طبعاً وغير قادرة حتماً على منحه شرعية عربية هو بأمسّ الحاجة إليها للعودة إلى الجامعة العربية، ولا شرعية دولية بطبيعة الحال تعيده إلى الأمم المتحدة.

فصحيح انّ النظام الإيراني حال دون سقوط النظام السوري، ولكن الأخير يريد الخروج من عزلته العربية والدولية، وخريطة طريق هذا الخروج خليجية بامتياز، وخلاف ذلك يبقى حاكماً على جزء من سوريا ومجرّداً من اي دور سياسي سوري وعربي ودولي، وليس بإمكانه ان يستمر خارج دائرة الدور والتأثير السياسيين.

والدور الإيراني في سوريا انتهى عملياً مع انتهاء العمليات العسكرية، واستمراره يندرج في سياق الحفاظ على نفوذه المباشر وليس بواسطة حليفه النظام السوري فقط، كما يندرج في إطار ربط تواجده العسكري بالتسوية السياسية التي يريد ان يكون جزءاً منها تجنّباً لأن يفقد لا فقط جهوده العسكرية والسياسية، إنما أيضاً سوريا كدولة استراتيجية له، تشكّل ممراً وجسراً لذراعه الأساسي في لبنان والمتمثِّل في «حزب الله» ودوره على خط الصراع العربي-الإسرائيلي.

وما حققته طهران، بالنسبة للنظام السوري، قد تحقّق من خلال استمراره في سدّة الحكم، ولكن دورها انتهى عند هذا الحدّ، ولم يعد باستطاعتها ان تقدِّم المزيد له، وهذا المزيد الذي يسعى إليه ويشكّل حاجة قصوى له، هو بيد أخصام طهران الخليجيين، وليس بإمكانه انتظار التسوية الدولية والأميركية تحديداً مع طهران لمعرفة مصيره واستعادة دوره، لأنّ مسار التسوية قد يطول وقد لا يصل أساساً إلى برّ الأمان، فضلاً عن خشيته من ان تتمّ اي تسوية على حسابه واستمراريته في موقعه، وبالتالي يريد الإسراع في ترتيب وضعه بمعزل عن مصير التسوية في المنطقة.

وبمعزل عن التحالف التاريخي بين النظامين الإيراني والسوري، وبمعزل عن المؤازرة الإيرانية العسكرية للنظام السوري التي أبقته في سدّة الحكم، إلّا انّ بشار الأسد يريد الخروج من ستاتيكو الحرب، لاستعادة شرعيته العربية أولاً والغربية لاحقاً، الأمر الذي لا يمكن ان يتحقّق لا عن طريق طهران ولا من خلال استمرار التصاقه بها، ما يعني انّ عليه الابتعاد عنها لإعادة تعويم وضعه السياسي.

واللافت انّ التطبيع الخليجي التدريجي مع النظام السوري يجري على وقع سخونة مع النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة، اي على قاعدة الفرز والتمييز بين الانفتاح على الأسد وإغلاق الأبواب أمام طهران، الأمر الذي يثير ريبة إيران وخشيتها للأسباب الآتية:

السبب الأول، كون الانفتاح على النظام السوري لا يتمّ عن طريقها ومن خلال التفاوض معها، خصوصاً انّها تعتبر انّه مع دورها بالحرب في سوريا أصبحت الورقة السورية في يدها على غرار ورقة «حزب الله» في لبنان والحوثي في اليمن وميليشياتها في العراق، وبالتالي لم تتوقّع ان تتجدّد المحاولات القديمة بإبعاد النظام السوري عنها.

السبب الثاني، كون التطبيع الخليجي مع النظام السوري سيجعله معطّلاً حتى إشعار آخر بالحدّ الأدنى، بفعل حاجته إلى هذا التطبيع، ومن دون إسقاط احتمال ان تفترق السياسات معه بالحدّ الأقصى، ويدخل في عملية تضييق على الجسر الممتد من طهران إلى بيروت، كأقساط عليه تسديدها إلى الدول الخليجية مقابل استعادته لشرعيته العربية.

السبب الثالث، كون الانفتاح الخليجي على النظام السوري يحصل في ذروة التصعيد معها ومع أذرعها في لبنان والعراق واليمن، وفي تصعيد يكاد يكون غير مسبوق وأشبه بحرب مفتوحة على شتى الاحتمالات ومن دون هوادة، في محاولة للحدّ من دورها بمعزل عن مفاوضاتها النووية.

السبب الرابع، كون التطبيع يحصل على وقع تنسيق ثلاثي روسي وإماراتي وإسرائيلي، وهنا بالذات مكمن الخطورة بالنسبة إلى طهران، باعتبار انّ دخول سوريا ضمن هذا المثلث يمكن ان يقودها او يجرّها إلى السلام مع إسرائيل، فيقع الفصل تماماً بينها وبين النظام السوري، ويُقطع جسرها مع بيروت، ويُصبح ذراعها في لبنان في حكم الساقط عسكرياً، ويضطر إلى الدخول في تسوية سياسية يسلِّم بموجبها سلاحه.

السبب الخامس، كون اي تطبيع محتمل يؤدي إلى خسارة إيران ورقة تفاوضية من أوراقها الأساسية، التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من أدوارها على مستوى المنطقة، فضلاً عن انعكاسات هذا التطبيع على أوراقها الأخرى، باعتبار انّ الجغرافيا السورية محورية لجهة الفصل مع لبنان من جهة، وضبط الحدود مع العراق من جهة أخرى. وفي اللحظة ذاتها التي يتراجع فيها النفوذ الإيراني في العراق، مقابل تقدُّم مشروع الدولة العراقية، وهذا ما أظهرته الانتخابات العراقية الأخيرة.

وإزاء كل ما تقدّم، فأنّ الخشية من التطبيع الخليجي مع النظام السوري هي إيرانية بامتياز، كونها تتمّ في لحظة صدام كبرى معها وبعيداً عن اي تفاوض او تنسيق بينها وبين العواصم الخليجية، ولا بل في ظلّ خطة واضحة هادفة إلى الفصل بين النظامين السوري والإيراني، والقطع بين بيروت وطهران.

وفي موازاة الجمود على خط التفاوض النووي الإيراني في ظل التشدُّد الأميركي معها، فإنّ المنطقة تتحرّك بوتيرة متسارعة، بدءاً من الأزمة اللبنانية التي أدخلت لبنان في شلل وجمود، من غير المعروف بعد كيفية تطوّر فصول التأزُّم وانعكاسه على الاستقرار، في ظل أزمة مالية مفتوحة على الأسوأ في ضوء غياب المعالجات الجدّية، بعدما عطّل «حزب الله» الحكومة، مروراً بالواقع العراقي على أثر محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وصولاً إلى التطبيع المحرج مع النظام السوري وانعكاسات تتويجه على واقع الدور الإيراني.

وكل هذه التطورات او الحراك الحاصل، وضع إيران في موقع الدفاع، بعدما كانت طويلاً في موقع الهجوم، وإذا بها تنتقل إلى تلقّي الضربات الواحدة تلو الأخرى، واستمرار هذا المسار يعني المزيد من التضييق عليها وانتزاع أوراق قوتها الواحدة تلو الأخرى أيضاً. وبالتالي، حيال هذا الحصار أو الإطباق الذي تتعرّض له في أكثر من جانب، فإنّ الأنظار تتركّز على ردّ فعلها وطبيعته، لأنّ استمرار الأمور على هذا المنوال يعني استمرارها في موقع الدفاع وتلقّي الضربات وعدّ الخسائر، الأمر الذي لا يمكنها تحمّله، كونه سيقود في نهاية المطاف إلى خسارة أوراقها والحدّ من دورها.

ولذلك، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستردّ عسكرياً وأمنياً، وأين، لأنّ ردودها السياسية التعطيلية انتفت ولم تعد تفعل فعلها، ولم يعد أمامها سوى استخدام العنف والقوة لفكّ الحصار عنها وعن أذرعها على امتداد المنطقة؟ وهل اللجوء إلى العنف أو الحرب يؤدي إلى إنقاذها وإعادة فتح المسارات أمامها، أم سيؤدي إلى مزيد من تعميق أزمتها؟

————————

“تعويم” الأسد وإغراق حزب الله: امتحان أميركي للنفوذ الإيراني/ منير الربيع

تتشعّب الدائرة السياسية المحلية وتتوسع لترتبط أكثر بسياق إقليمي دولي. حركة المتغيرات التي تشهدها المنطقة تشير إلى تحضير أرضية عامة لجولات تفاوض متنوعة. في هذا السياق تقرأ زيارة وزير خارجية دولة الإمارات إلى سوريا، والتي حضّرت لزيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات.

هنا أيضاً لا بد من التوقف عند اللقاء الاستخباري الذي عقد بين رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان ورئيس المخابرات السوري حسام لوقا، جاء اللقاء في سياق تقني أمني استخباري، على وقع مواقف سعودية واضحة برفض التطبيع السياسي مع النظام السوري. في مثل هذه الحالات تحيل القوى المتخاصمة الأمر إلى التنسيق الأمني الذي يبقى مستمراً على الرغم من العداء السياسي. ولكن غالباً ما تقود اللقاءات الأمنية إلى وضع أرضيات تفاوضية تنتج حواراً سياسياً.

عروض للأسد

هذا الحراك الذي تشهده المنطقة، يشبه إلى حدّ بعيد زيارة-مبادرة قام بها رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى العراق في العام 2003، قبل الاجتياح الأميركي للعراق وإسقاط صدام حسين. كانت المبادرة تقوم على تقديم عرض واضح لصدام حسين بمغادرة العراق، لأن واشنطن ستجتاحه. وفتحت أمام الرئيس العراقي أبواب كثيرة، لكنه رفضها. قد تشبه اللقاءات مع بشار الأسد والاتصالات الأمنية معه إلى حدّ بعيد تلك المبادرة وفحواها. هناك عروض يتم تقديمها للأسد، وهي لا تتعلق بمغادرته السلطة ولا الخروج من سوريا، إنما الذهاب إلى مقاربات سياسية جديدة، تتلاءم مع التطورات في المنطقة.

هذه الوقائع وبعيداً عن الكلام الذي يتعلق بإخراج إيران من سوريا أو تطويقها أو تحجيم نفوذها أو إخراج بشار الأسد من الحضن الإيراني، فإن ما هو مطروح على الأسد أمر مختلف، يصل إلى حدود رسم مثلث واضح المعالم، من ترسيم الحدود في جنوب لبنان، إلى توفير أمن إسرائيل في الجنوبين اللبناني والسوري، والوصول إلى تفاهم حول الوضع في الجولان. ليس المطلوب من النظام السوري الذهاب إلى تطبيع علني مع إسرائيل، ولا إلى إتفاق سلام، إنما فقط الدخول في هدنة طويلة، تشكل مظلة لعمليات الترسيم وتعلن الأمن على الخطوط الحدودية.

عقبات حزب الله الكثيرة

يأتي ذلك على وقع الاستعداد الإيراني لانطلاق جولات التفاوض حول الملف النووي. فلا يريد الإيرانيون توقيع اتفاق نووي فقط، كما كانوا في السابق. بل يريدون الاتفاق على مناطق نفوذهم في المنطقة. انقلب المعيار. سابقاً، كانت إيران ترفض البحث بملف نفوذها في المنطقة مقابل تشدد واشنطن بالبحث به ضمن السلّة النووية. هذا التغير ينتج عن رؤية طهران للإدارة الأميركية الحالية، فيما واشنطن تنظر إلى المشروع الإيراني في المنطقة يمرّ في أصعب مراحله، ويتعرض لانتكاسات كبيرة. ولذلك، هم لا يريدون الخوض في تفاصيل الاتفاق. ولهذا السبب قررت طهران التصعيد في كل مواقع قوتها، من لبنان إلى العراق واليمن. ولبنانياً، اصطدم الحزب بالكثير من العقبات، منها التحقيق بتفجير المرفأ، ومشكلة الطيونة، والأزمة الخليجية، فيما عطّل الحزب حكومته لتحقيق مكاسب سياسية.

من الواضح أن السياسة الأميركية طوال الفترة الماضية كانت تتعاطى بإغراق الحزب في الأزمات الداخلية اللبنانية وباليوميات السياسية، ما جعله يلهث بالبحث الدائم عن حلول يومية لقضايا معيشية، وعلى نحو لا يمكنه الوصول إلى نتائج ناجعة أو مجدية. هذا الغرق ينعكس على أداء حزب الله في لبنان. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن طريقة التعاطي مع الأزمة الحكومية تبدو تبسيطية إلى حدود بعيدة، ما سيزيد من منسوب التعقيد، في ظل بقاء كل طرف على موقفه وتعطّل كل مقومات التحاور والتفاوض.

التجارب علّمت اللبنانيين أنه عندما يتوقف الحوار بين القوى المتعارضة، تحضر فوراً التوترات الأمنية.

المدن

——————————-

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟/ عريب الرنتاوي

أول ما يقفز إلى الأذهان، وأنت تقرأ خبر زيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق، أن الرجل وفِدَ إلى العاصمة السورية في مهمة تطبيعية مع إسرائيل.. من يقرأ تعليقات عشرات القراء على الخبر الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، يجد أن ثمة غالبية ساحقة منها، ذهبت في هذا الاتجاه، فأبوظبي باتت الأكثر حماسةً للتطبيع، ويبدو أنها لن تدّخر جهداً في سبيل تعميمه.

على أن حظوظ عبدالله بن زايد بالنجاح في مسعاه مع بشار الأسد، ستختلف نوعاً، عن حظوظه مع عبد الفتاح البرهان وخليفة حفتر وعيدروس الزبيدي… الأسد، لديه أراضٍ تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، والتطبيع معها قبل إنهاء احتلالها، سيكون بمثابة “جائزة ترضية” مجانية لعدو لا يتوقف عن استباحة أرضه وأجوائه… ومن نافل القول، إن إسرائيل تحت قيادة بينت أو غيره من قادتها، ليست بوارد الجلاء عن الجولان المحتل، سيما بعد أن اعترفت إدارة ترامب بالهضبة، جزءاً من الأرض والسيادة الإسرائيليتين.

ثم أن للأسد حلفاء في حربه الممتدة لعشرية سوداء كاملة، لن يسرهم أبداً إقدامه على تنفيذ قفزة في المجهول من هذا النوع… سوريا بالنسبة لمحور طهران، هي “واسطة عقد” هذا المحور، والأخير دفع دماءً غزيرة ومليارات الدولارات للإبقاء على الأسد في مكتبه بقصر الشعب… هذا ليس خياراً لإيران وحزب الله و”القوى الرديفة”، والأسد ما زال يستشعر حاجتها لهذه الأطراف، فالمهمة لم تنته بعد.

في المقابل، ستجد الخطوة الإماراتية، ترحيباً وتشجيعاً من قبل حليف استراتيجي آخر لدمشق: روسيا، التي سعت بدورها من قبل لـ”تسليك” قنوات تفاوض بين إسرائيل وسوريا، حتى وهي تدرك أن ليس في إسرائيل من هو على استعداد للهبوط عن الهضبة الاستراتيجية… الكرملين الذي يحتفظ بعلاقات متميزة مع أضلاع المثلث السوري – الإماراتي – الإسرائيلي، لا شك يرغب في رؤية دور إماراتي ناشط على هذا المضمار.

لكن للمسألة وجه آخر، لابد من ملامسته، قبل إطلاق الأحكام على مآلات مسعى إماراتي محتمل بين إسرائيل وسوريا… فربما وصلت الأطراف إلى نتيجة مفادها أن ليس المطلوب عملية تفاوضية تنتهي إلى ترجمة مبدأ الأرض مقابل السلام الشهير… يكفي أن تكون هناك “عملية” حتى وإن من دون سلام، حتى تشعر الأطراف بقدر من الرضى عن النتائج، وربما هذا ما كانت تفكر موسكو قبل أشهر عدة عندما حاولت لأول مرة جمع الطرفين في مهمة وساطة.

“العملية” مهمة ومطلوبة بذاتها، حتى وإن لم تنته إلى سلام أو تطبيع، فهي وحدها كفيلة بالشروع في تفكيك أطواق العزلة والحصار المضروبة حول دمشق… إذ دللت التجربة التاريخية، على أنه يكفي أن تنخرط في عملية تفاوضية – سلمية – تطبيعية مع إسرائيل، حتى “يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر”… أليس هذا هو لسان حال جنرالات الجيش والجنجويد في السودان؟… أليس هذا هو المحفز الرئيس للجنرال العجوز خليفة حفتر، للكشف عن مسار التطبيع المُضمر (عبر نجله) ونوايا التطبيع المستقبلية؟… أليس هذا ما يدفع بعيدروس الزبيدي ومجلسه الانتقالي في اليمن، للبوح بنوايا التطبيع مع إسرائيل، نظير تسهيل انبثاق دولة الجنوب المستقلة؟

المهمة الإماراتية في سوريا صعبة، حتى بفرض أنها ستتوقف عند حدود إطلاق “العملية” دون “سلام” أو “تطييع” بالضرورة، وتعود صعوبتها لسببين، إسرائيلي وسوري: إسرائيلياً؛ ليست حكومة بينت بوارد الشروع في مسارات تفاوضية لا مع السوريين ولا مع الفلسطينيين، فمثل هذا الخيار من شأنه البعث برسائل خاطئة، مفادها أنها ستفتح الباب وإن موارباً لخيارات التنازل عن الأرض أو بعضها نظير السلام والتطبيع، وهذا خارج حسابات الائتلاف الهش، المطارد بشبح نتنياهو… سورياً؛ أي رسائل من هذا النوع تصدر عن دمشق، ستحدث اهتزازها في روابط “محورها” وفرضياته، وقد تطيح بكامل البنيان الذي شيّده هذا المحور طوال سنيّ الأزمة العشر.

وأحسب أنه من “الاختزال” رؤية التحرك الإماراتي صوب سوريا من هذا المنظار حصراً، صحيح أنه قد يحتل مكانة محورية في المبادرة الإماراتية، بيد أنه لا يختصرها بالكامل… فثمة بعد كردي – تركي محتمل، أو حتى مرجح في التحرك الإماراتي… أبو ظبي نسجت علاقات وطيدة مع أكراد سوريا زمن العشرية الفائتة، بعد أن “نفضت يديها” من المعارضات السورية ذات المرجعيات الإسلامية في الغالب، وهي أولت اهتماماً بدعم أكراد سوريا بدلاً عنها… وهي إذ تنجح في استحداث قفزة في علاقاتها مع الأسد ونظامه، فإنها ستصبح وسيطاً محتملاً للقيام بجهد بين القامشلي ودمشق.

مرة أخرى، ستجد الدبلوماسية الإماراتية دعماً وتشجيعاً من موسكو، فالأخيرة لطالما بذلت جهوداً في السر والعلن بين النظام والأكراد من دون جدوى، وهي تكثف اليوم هذه الجهود، على وقع الحشود التركية في الشمال، وأبوظبي تشاطر موسكو قلقها من تركيا وسياساتها وتحالفاتها، حتى بعد أن انفتحت عليها، إثر زيارة رجلها الغامض طحنون بن زايد لأنقرة مؤخراً، وتبادل رسائل الغزل بين الدولتين، والتي حلّت محل رسائل الاتهامات والتهديدات المتبادلة.

ولا يتعين بحال من الأحوال، القفز عن فكرة أن “البيزنيس” كان على الدوام مصاحباً للدبلوماسية الإماراتية، فهذه الدولة تعرف من أين تؤكل الكتف، ولديها في سوريا فرص عديدة للنفاذ إلى “الكعكة الكبيرة” تحت مظلة إعادة الإعمار، حين تحين لحظته المناسبة… الإمارات التي نجحت في أن تكون ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، الدولة التي تحتل جزرها الثلاث، وتخضع لأشد العقوبات الأميركية صرامةً، يمكنها أن تكون شريكاً تجارياً أولاً لسوريا، برغم قيود “قيصر” الأميركي، وبتشجيع مضمون من “قيصر” روسيا.

عواصم عدة ترقب التحرك الإماراتي صوب سوريا، والذي وإن بدا “منسقاً” مع الدور الأردني الريادي في هذا المجال، إلا أنه يدخل كمنافس قوي لدور عمّان، بالنظر أولاً، لتباين الأدوات والإمكانيات التي تتوفر لدى البلدين، وثانياً، لما تمتع الدبلوماسية الإمارتية من “جسارة” لا تتوفر لنظيرتها الأردنية… من بين العواصم المترقّبة كذلك، الدوحة التي تعرض نفسها كوسيط ومنصة لمختلف أزمات إقليم الشرق الأوسط الكبير، باستثناء سوريا… أما الرياض، فهي تنظر للدور الإماراتي حيال سوريا، كما نظرت إليه في مضمار التطبيع مع إسرائيل: رأس جسر متقدم، تقرر خطوتها التالية في ضوء ما يترتب على الخطوة الإماراتية الأولى من نتائج وتداعيات… أما واشنطن، فيساورها قدر من القلق لتغريد بعضٍ من حلفائها خارج سربها، واستياؤها من الخطوة الإماراتية لا تضاهيه سوى سعادة موسكو بها.

————————-

هل تتنافسان طهران وأبو ظبي في دمشق؟/ سامر السليمان

أسوأ ما يكتنف المقال السياسي أن يضع احتمالاً واحداً لاستنتاجاته حول حدث ما، بينما الصحيح هو أن الاحتمالات تتعدد بتعقد المصالح بين الدول، والتي لها أوجه كثيرة، لا سيما حينما يَضعفُ النظام السياسي في بلد ما، وتَكثُر التدخلات الخارجية وتتواجه الدول العظمى على أرضه، أميركا وروسيا.

شكلت زيارة وزير خارجية الإمارات منذ عدّة أيامٍ حدثاً دبلوماسياً للنقاش في مسار التطبيع بين نظام الأسد والعالم العربي، ومن مقتضيات ذلك التطبيع والتخفيف من الحضور الإيراني والتقارب بين نظام دمشق وإسرائيل بالضرورة، والزائر الحليف الأبرز لإسرائيل، وأقلّها منذ اتفاقيات أبراهام 2020. عكس ذلك، إن الوجود الإيراني راسخ وقوي، وتتحالف إيران مع الروس، وهناك مصالح كبرى بين نظامي دمشق وطهران، وقوّيت بسبب الدعم الكامل للنظام السوري في مواجهة ثورة الشعب منذ 2011.

منذ 2018 افترقت أبو ظبي عن الرياض، وأعادت علاقاتها مع إيران، وكذلك بنت شراكة مع تل أبيب، وإذا كانت العلاقة اضطرارية مع طهران بحكم التقارب الجغرافي وضعف أبو ظبي ودول الخليج عامة إزاء إيران، فالعلاقة مع تل أبيب تبدو بطور الترسخ والثقة أكثر فأكثر، ولكن هل وضع نظام الأسد وعلاقاته التاريخية مع طهران يسمحان له بالقفز إلى الحضن العربي، وإقامة علاقات سلام وتطبيع مع الكيان الصهيوني، كما يُستَشفُ من تحليلاتٍ صحفية كثيرة، وبالطبع، تدعم ذلك واشنطن وموسكو.

إن زيارة الوفد الدبلوماسي الإماراتي تأتي في إطار جس النبض بالنسبة للموقف الأميركي، وكذلك بعد إعادة العلاقات بين نظام الأسد والأردن، ومطالبات الجزائر الملحة بضرورة عودة النظام إلى الجامعة العربية، وهناك جملة علاقات دبلوماسية، غطاها الإعلام العربي عن لقاءاٍت وزير خارجية نظام الأسد مع زملائه العرب مؤخراً، وأخيراً، وهو الأهم العلاقات الاقتصادية الجديدة عبر خط الغاز والكهرباء من مصر والأردن وإلى لبنان وعبر سوريا، وعدم رفض الإدارة الأميركية لهذه الخطوات، مع تأكيدها أنها لن تطبع مع النظام وستُبقي على قانون قيصر.

القضية الآن، ولو توسعنا بالإحاطة بها، تكمن في التعقيد الكبير الذي يشوب المسار السياسي السوري الجاد، وغياب التنسيق الأميركي الروسي بخصوص صفقة سياسية تضع حداً للسياسات المختلفة بينهما تجاه الوضع السوري، وأمّا قضايا الاتفاق فتقتصر على استمرار فتح المعابر للمساعدات الإنسانية وعدم التصادم العسكري المباشر. غير ذلك، إن الأميركان ينتهجون سياسة الخطوة خطوة، ومنها التعافي المبكر والسماح ببعض الأموال لقضايا الصحة مثلاً، ويدفعون المعارضة السورية وقسد للتقارب مع نظام الأسد، ومع موسكو وذلك من أجل تقريب وجهات النظر والبحث عن مشتركات. إن إعطاء أميركا لروسيا الإشراف على علاقات المعارضة وقسد مع النظام، لا يعني أن هناك صفقة سياسية قريبة الأجل، حيث لا تعمل عليها واشنطن، وتستمر موسكو بمساراتها عبر الأستانة واللجنة الدستورية ومحاولة تعويم النظام عربياً ودولياً.

يعاني الوجود الإيراني في سوريا من رفضٍ كبير له، إقليمياً وعربياً وعالمياً، ولاحظ كل المحللين أن الضربات الإسرائيلية ازدادت حدّتها بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو، والاستنتاج هنا، أن موسكو سمحت لتل أبيب بالضربات شريطة الابتعاد عن مواقع الجيش السوري. قضية هذا الوجود مطروحة كذلك على نظام الأسد، وورقة اللاورقة الأردنية وملحقها السري المعلن عنه مؤخراً تطرحه بوضوحٍ شديد، وبالتأكيد زيارة وزير خارجية أبو ظبي تأتي بهذا الاتجاه، ولإغراء دمشق بالابتعاد عن محور طهران. ما العمل الآن بالنسبة لطهران ودمشق أيضاً، حيث تعاني كلتيهما من رفضٍ دوليٍّ وإقليميٍّ واسع لسياساتهما، وتوضع شروط كثيرة من أجل القبول بإيران إقليمياً والإبقاء على نظام الأسد.

إن الضربات الإسرائيلية في سوريا، والتهديد بمثلها داخل إيران، لا ترفضها واشطن بصفة عامة، وبالوقت ذاته تلجم تل أبيب عن القيام بها في الداخل الإيراني، ولا سيما قبل معرفة مصير الاتفاق النووي، وسيّعقد اجتماع بخصوصه في أواخر هذا الشهر. أيضاً تتذمر واشطن من السياسات الإيرانية في لبنان واليمن والعراق وسوريا بالتأكيد، ولن نتوسع في أسباب التذمر كثيراً؛ فهناك حادثة الهجوم على رئيس الوزراء العراقي، والتحرش بسفن النفط في خليج عمان، ورفض الحوثيين عقد اتفاقيةٍ للسلام، وأيضاً محاولة حزب الله إيقاف كل أشكال التحقيق في قضية مرفأ بيروت وتصعيد الموقف نحو تهيئة الأجواء نحو “حربٍ أهلية” في الداخل اللبناني؛ إذاً، هناك قضايا كثيرة ترفضها واشنطن في سياسات طهران، وقد نرى الموقف من التصعيد على ضوء الاتفاق النووي، فإن حصل، فهناك سياسات إيجابية مع طهران، وإن تعثر هناك سياسات سلبية ضدها، ووفقاً للحالتين ستتغير معطيات كثيرة في المنطقة!

لا يخشى صاحب هذا المقال من هذه الزيارة، وهو ليس من المُهمشين لخطورة مسار التطبيع الذي ينتهجه النظام وتدعمه روسيا وحتى إيران ولا تتخذ الإدارة الأميركية موقفاً صلباً تجاهه. ما هو واقعي حالياً، أن إيران مجبرةً على تُخفيض وجودها العسكري في غربي سوريا، وتحاول جاهدة ألّا تتعارض مصالحها مع روسيا، وتفوز باستثمارات اقتصادية كبيرة، وأن تحافظ على وجودٍ عسكريٍّ في المنطقة الشرقية وحلب بصفة خاصة وبمحيط إدلب. لا شك أن إيران تضع أوراقها الإقليمية على طاولة التفاوض السري والعلني مع أميركا، وما لن تتراجع عنها هي مصالحها الاقتصادية ويمكن فقط التخفيف من وجودها العسكري، أو التضحية بالميليشيات التي تأتمر بأوامرها، وتقدم لها كل أشكال الدعم المالي والسلاح. إن تحقيق ذلك يرتبط بشكلٍ عميقٍ برفع كل أشكال العقوبات الاقتصادية، وربما بضمان تعويم نظام الأسد من جديد، وطيّ ملفاته وملفات الدور التدميري والإجرامي لإيران في سوريا، وهذا مما لا يمكن طيّه، وبالتالي، وفي الوقت الذي يستمر فيه قطار التطبيع بالتحرك البطيء فلن يحدث التصادم بين مصالح أبو ظبي ورغبتها المستقبلية بالاستثمار في سوريا المدمرة وطهران في دمشق؛ فهل نشهد تقارباً أكبر بين الروس والأميركان وتنازلات من هاتين الدولتين، وبما يمهد إلى صفقة سياسة تنقذ موسكو من تخبطها في سوريا وتسمح لواشنطن بالمغادرة؟ دون الفكرة الأخيرة ليس من تطبيعٍ كامل وليس من تقاربٍ كبير بين المحاور المتعاكسة في سوريا.

تلفزيون سوريا

——————–

هل حقًا انتصر بشار الأسد/ إبراهيم العلوش

 استقبل بشار الأسد وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الثلاثاء الماضي، وقبلها اتصل بالرئيس الصيني، وفي الصيف الماضي اتصل بالملك الأردني، فهل حقًا انتصر بشار الأسد على السوريين؟

بعد عشر سنوات من الانتصارات المزعومة، نال الأسد زيارة وزير الخارجية الإماراتي التي باركها حسن نصر الله بخطابه الأخير، في 11 من تشرين الثاني الحالي، بوصفه الوكيل الإقليمي لنظام الملالي، وأعاد “الشبيحة” مدح العروبة والقومية العربية، بعدما كان العرب في تعليقاتهم مجرد غزاة جاؤوا على الإبل إلى سوريا (الأسد) التي صار يحكمها قادة “الحرس الثوري الإيراني” بالتعاون مع ضباط قاعدة “حميميم” الروسية.

وبعد عشر سنوات، لم يتمكن النظام من استعادة مقعده في الجامعة العربية، خاصة أن مصر الداعمة لإعادة تأهيل الأسد اشترطت بشكل مفاجئ شرطًا جديدًا لعودة النظام إلى الجامعة العربية، وهو عدم القبول بالإجراءات القسرية (التهجير السكاني وغيره) التي حدثت في سوريا. هذا حسب تصريحات الرئيس السيسي قبل أكثر من شهر، وأضافت إلى ذلك أن يلتزم النظام بمعاهدة الأمن العربي، أي التخلي عن الدعم الإيراني، حسب التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصري، سامح شكري.

ورغم الثقل الروسي فإن أيًا من المسؤولين العرب لم يزر سوريا سابقًا إلا الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي تم تسفيره من موسكو قسرًا إلى سوريا، وقد تم خلعه بعد أشهر عدة من زيارته إلى دمشق.

ينتظر بشار الأسد مع قادة الجيش الـ40 الكبار الذين ينتمون إلى عائلته وأقاربه أن يتقدم العالم إليهم بالاحتفالات والتكريمات، وأن يلصقوا صورهم في “الميديا” كونهم تمكّنوا من تدمير البلاد، وهجّروا أكثر من نصف السوريين من بيوتهم، ومن بلادهم، ضمن مشاهد مروّعة لم تشهد سوريا مثلها منذ الغزو المغولي في القرن الـ13 الميلادي.

الخارجية الأمريكية التي تركت وزير الخارجية الإماراتي يزور دمشق، وصمتت عن رد الملك الأردني على مكالمة بشار الأسد، أعلنت تعجبها من مواقف هذه الدول التي تعيد الحياة لدكتاتور وحشي ارتكب المجازر المروّعة ضد شعبه!

الأردن يقول إنه غير معنيّ بالشعب السوري بقدر عنايته بالممر التجاري الذي يعيد إنعاش الاقتصاد المحلي، والإمارات ترسل وزيرها إرضاء لروسيا، ورشوة لإيران لتخفيف ضغوطها عليها بعد عقد الصلح الإماراتي مع إسرائيل، بالإضافة إلى كون الإمارات منغمسة بدعم الثورات المضادة للربيع العربي، واعتبرت في نهجها الجديد أن كل من يطالب بالحرية هو مجرم تجب معاقبته في ليبيا واليمن وفي سوريا، وربما قريبًا في لبنان!

لم يقم أي من المتحدثين مع بشار الأسد بالاتصال به، بل قام بشار الأسد بالاتصال بهم، وحتمًا فإن بشار الأسد لم يقم بالاتصال بالرئيس الصيني مصادفة أو أنه أمر بإحضار التلفون ومحاولة طلبه، على طريقة السوريين في الثمانينيات عندما كانوا يحاولون في طلب رقم النداء 011 دمشق أو 022 حلب للتحدث مع أقاربهم أو مع التجار الذين يتعاملون معهم، وكان يستغرق التقاط النداء ساعات طويلة من المحاولات، بل اتصل به وبغيره بناء على رغبتهم بذلك رغم رفضهم المبادرة للاتصال به.

وعندما التقط بشار الخط أخيرًا مع الرئيس الصيني، شي جين، في 5 من تشرين الثاني الحالي، أعلن أنه يضع سوريا في خدمة المشروع الصيني “الحزام والطريق”، رغم أنه تعهد سابقًا بإعطاء الموانئ للروس وللإيرانيين، وذلك في محاولة منه لإدخال محتل رسمي ثالث إلى الأراضي السورية التي صار ثلثها خاليًا من السكان بعد التهجير، وصار الشعب الجائع غير آبه بالقبول بأي شيء مقابل لقمة الخبز التي تسبب النظام بقطعها، وبسبب البؤس الذي حلّ حتى في أوساط مؤيدي النظام!

بشار الأسد الذي يخضع لقانون “قيصر” لا يزال منبوذًا، ولا تزال صورته المباشرة غير مقبولة ناهيك عن رائحة الدم التي تفوح منه ومن المتحدثين معه، فإيران وروسيا والصين لها دور مباشر في عمليات القتل والتهجير الجماعي الذي حدث بقوة الميليشيات الطائفية، وبالصواريخ والطائرات الروسية، وكذلك بـ”الفيتو” الروسي- الصيني!

مأساة الشعب السوري لا تزال ماثلة أمام العالم، ولا يستطيع أي طرف تجاهلها، حتى إن السوريين أنفسهم لا يستطيعون إغماض عيونهم وإعادة قبول بشار الأسد والـ40 مجرمًا الذين يتصدرون قيادة الجيش والمجازر، كما أن مؤيدي الأسد لا يستطيعون تجاهل المأساة التي قادهم إليها بشار الأسد ونظامه، إذ حوّل البيوت إلى قبور، والأطفال إلى أيتام، والنساء إلى أرامل بمئات الألوف من أجل أن يستمر في الحكم!

بشار الأسد الذي يدّعي النصر على الشعب السوري، يعيش في عزلة خانقة ويحاول استجداء شرعية باهتة، يغطي بها حقيقة رفض السوريين له في حال حصلت انتخابات نزيهة ومراقبة من قبل الأمم المتحدة.

وهو يصارع الزمن من أجل أن يعيد تجميل صورته وصورة القادة الذين شاركوه الجرائم والمجازر، ومن أجل أن يعيد الزمن القديم الذي يفرض فيه على السوريين كل نزوات العائلة الحاكمة، وما مثال شام ابنة ماهر الأسد التي فازت قبل أيام بالمركزين الأول والثاني، بآن واحد، في مسابقة الفروسية، إلا خردة من بقايا الزمن القديم الذي صار يثير سخرية كل السوريين، في الداخل وفي الخارج، ويتعجبون جميعًا من تفكير هذا النظام الملتصق بزمن الثمانينيات الوحشي، الذي لن يتركه ما دام حافظ الأسد يحكم سوريا من القبر!

———————

مشهد التطبيع ببعده السوري والإسرائيلي … والقلق الوجودي لمن؟/ راغدة درغام

لافتة وتيرة التموضع وحجز الأمكنة التي تسبق 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، موعد استئناف المفاوضات النووية مع إيران في فيينا، لافتة، ليس فقط بأبعادها الأميركية والروسية والصينية والأوروبية نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإنما أيضاً لجهة تزامنها مع مستجدّات إقليمية مفاجئة دلالاتها فائقة الأهمية وردود الفعل نحوها مثيرة للفضول والاهتمام. ففي خضمّ مشروع الفوضى في العراق الذي تنفّذه طهران عبر وكلائها بمختلف الوسائل، منها الرافضة لنتيجة الانتخابات ومنها المتوعّدة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وفي أوّج تصعيد “حزب الله” ضد دول الخليج العربية وضد القضاء في لبنان بتعليمات من إيران، حدث اختراقٌ عبر البوابة السورية بزيارة وزير خارجية دولة الإمارات للرئيس السوري لاقى مواقف ذات دلالات تستحق القراءة المنفتحة على ماذا يجول في ذهن القيادات الإيرانية وكيف يترجمها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله.

وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان تواصل مع وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد في أعقاب اجتماع بن زايد مع الرئيس السوري بشار الأسد فيما كانت إيران تقوم بمناورات عسكرية كبيرة في البحر الأحمر ومياه الخليج قرب مضيق هرمز بتزامن مع بدء الإمارات والبحرين وإسرائيل مناورات عسكرية مشتركة هي الأولى التي يُعلن عنها تقودها القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية في البحر الأحمر والخليج.

شتائم حسن نصرالله المتوقَّعة لمثل هذه التدريبات لدول خليجية مع إسرائيل أخذت طريقها بسرعة الى الثلّاجة. أتت تعليقاته على لقاء بن زايد بالأسد مقنَّنة في تصنيفها “إعلاناً للهزيمة العربية” أمام ما سمّاه انتصار النظام السوري وانتصار الحرب على الإرهاب. مواقفه عكست بدء هبوطه من أعلى الشجرة التي تسلّقها في مواجهته مع الدول الخليجية مستخدماً جورج قرداحي، وزير الإعلام الجاهل والمتعجرف في آن، أداة تصعيد لاقى استياءً شعبياً من تسلّط “حزب الله” على الدولة والسيادة في لبنان، ولاقى احتقاراً عارماً لرفض قرداحي الاستقالة مكلّفاً بمواقفه المُزارع والتاجر في الداخل والمواطن اللبناني في الخارج قطع الأرزاق.

حسن نصرالله وجد نفسه فجأة رافعاً إصبعه وهو يتأبّط غصن شجرة قد يتهاوى. صعَّد ضد السعودية وتباهى أنه على علم بأربع جولات من المحادثات المهمّة بين السعودية وإيران في العراق زاعماً أنه “لم يؤتَ فيها على ذكر لبنان وعلى ذكر “حزب الله” على الإطلاق، لا في مسألة اليمن ولا في غير مسألة يمن”. تحدّث بلغة الاستراتيجية العسكرية الإقليمية ليبيّن أنه على علم بمعادلات الصفقات، وقال إن “القصّة هي قصّة مأرب” اليمنية وليس الأزمة اللبنانية. بصراحة، إن التباهي بعدم ذكر لبنان أو “حزب الله” في المحادثات الإيرانية – السعودية يفتقد المنطق ويعكس التوتّر الاستراتيجي لـ”حزب الله” النابع من الخوف من صفقات كبرى وراء ظهر لاعب أصغر يعتبر نفسه غير قابل للاستغناء عنه – لكنه يقلق.

المشهد الدولي والاقليمي ركّز ويركّز على ما يمكن اعتباره العدّ العكسي الى إحياء الاتفاق النووي مع إيران وتطوير العلاقات الأميركية والأوروبية مع طهران، وما يرافق ذلك من تفاهمات مع اسرائيل- دولية وإقليمية. وهنا نظرة ضرورية لهذا المشهد:

– لم تقبع الدول الخليجية العربية في ظل الانتظار الى حين إتمام الصفقات الإيرانية الدولية ولم ترافق المؤشرات نقلة نوعية في هذه الصفقات مستلقية. بل انها أخذت الى المبادرة الاستراتيجية.

– المباحثات السعودية – الإيرانية جزء من هذه المبادرة التي بالطبع تركّز على ملف اليمن لأنه يتعلّق بالأمن القومي السعودي، لكنّها مباحثات أمنيّة أوسع تطرق باب الأمن القومي للدول العربية الخليجية وغير الخليجية- والعراق قد يكون في مقدمها.

– لبنان ليس في الأولوية في تلك المحادثات لأنه سقط في أيادي “حزب الله” وهو أداة مقايضة ثمينة لدى طهران في مساوماتها الدولية والإقليمية، بما فيها تلك التي تجريها مع إسرائيل عبر روسيا أو سوريا، أو عبر “حدود” الانتهاكات والمواجهات السيبرانية أو الميدانية في سوريا. ما تريده السعودية والدول الخليجية العربية الأخرى من إيران في ما يتعلق بـ”حزب الله”، هو كفّ يده عن الأمن القومي الخليجي عبر بوابة اليمن وبوّابة العراق، وبالتأكيد التدخل المباشر منه في الدول الخليجية.

– العراق فائق الأهمية لمشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي لن تستغني عنه إلا إذا عدلت عن مشروع هلالها الفارسي أو إذا ضمنت القوى الدولية والإقليمية لطهران مصالح استراتيجية واقتصادية هائلة في العراق. حتى الآن، ما زال العراق في مرحلة تقويض سيادته وتدجينه عبر استراتيجية الفوضى أوّلاً ثم إلحاقها بتكتيك تمكين رجال طهران من فرض ما يريدونه بآليات السيطرة المنظَّمة على الأمن في البلاد.

– سوريا مشهد آخر من حيث تقاطع المواقف العربية والأميركية والروسية والإسرائيلية والإيرانية فيها على وقع استمرار بشار الأسد في السلطة. الأردن كان ناشطاً جدّاً مؤخراً في دفع تطبيع العلاقات العربية مع سوريا الأسد. جزء من جهود الملك عبدالله كان مع الرئيس الأميركي جو بايدن وجزء آخر صبَّ في تعاونٍ مع مصر ومع البنك الدولي ومع إدارة بايدن في تفاهمٍ على مد الغاز عبر أنابيب من مصر الى الأردن الى سوريا فلبنان. برّرت إدارة بايدن مباركتها باسم المساعدات الإنسانية للبنان. حقيقة الأمر هي أن هذه الصيغة كانت أولى خطوات المَخرج من “قانون قيصر” الذي يحظر التعامل مع سوريا الأسد والذي فرضه الكونغرس في عهد دونالد ترامب.

– القرار الأميركي هو الخروج العسكري من سوريا، ورأي إدارة بايدن هو أن هذا الخروج يتطلّب بالضرورة تعاون روسيا وبشار الأسد- وكذلك إيران. وما إبعاد ممثل “الحرس الثوري” الفائض حماسه ضد القوات الأميركية في سوريا، جواد غفاري، سوى مؤشر على التفاهمات الجارية والتي يقودها مسؤول الشرق الأوسط الأول في البيت الأبيض، بريت ماكغورك. فالولايات المتحدة، بالذات في زمن بايدن، تريد أن تتحرّر من أعباء منطقة الشرق الأوسط برمتها. تريد المغادرة.

– سوريا هي أيضاً محطّة مهمّة في التطبيع مع إسرائيل- الأمر الذي تريده روسيا والولايات المتحدة وكذلك الدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل. إحدى عراقيل التطبيع بين سوريا وإسرائيل هي إيران التي لم توافق بعد على الجهود الروسية الرامية الى صفحة جديدة في العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية، أقلّه على الصعيد العلني. قوة إيران العسكرية داخل سوريا ميدانية وفي شتى أنحاء سوريا ولذلك يُؤخَذ برأيها. لكن قوة إسرائيل العسكرية داخل سوريا تجد لنفسها مباركة روسية صامتة، وربما مباركة سورية – إذا برزت الحاجة. استراتيجياً، روسيا أقوى من إيران في سوريا. تكتيكياً، إيران تبقى قوية ما لم يتم تحييدها في سوريا – وهذا يتطلّب قرارات كبرى، دولية وإقليمية.

– التطبيع العربي مع دمشق يحدث على أصعدة عدّة بمشاركة أردنية وإماراتية ومصرية وبحرينية وربما يكون هدفه الحدّ من نفوذ إيران في مناطق معينة في سوريا. هذه الدول العربية تعترف بالمصالح الروسية في سوريا وشرعيّتها التي أضفاها عليها بشار الأسد. وهذه الدول الأربع هي التي طبّعت مع إسرائيل وهي في صدارة التطبيع مع سوريا. والمسألة ليست مصادفة، بل إنها خطوة استراتيجية لبشار الأسد موقع قدم فيها ومصالح متعددة.

– اذا ركبت سوريا قطار التطبيع مع إسرائيل لن تكون وحدها، فهي تتأبّط لبنان معها في “تلازم المسارين”، وهي قد تتبع المغرب وليبيا في هذه الخطوة التي لم تعد غير واردة. ماذا سيفعل “حزب الله” بمقاومته عندئذ؟ ما زال ذلك أمراً مجهولاً، لكن السؤال يُطرَح ليس فقط في معادلة التطبيع العربي مع سوريا وإسرائيل، وإنما في معادلة التطبيع الأميركي – الإيراني أيضاً.

– الإمارات أخذت على عاتقها قفزة استراتيجية لافتة لم تأتِ من فراغ – إن كان في علاقاتها المعلنة مع إسرائيل والقائمة على تعزيز التعاون التجاري والتدريب العسكري، أو في اعتمادها مبدأ خفض- التصعيد de-escalation مع إيران، الى زيارة وزير خارجيتها دمشق ولقاء الأسد بلا أي اعتراض أميركي جدّي للقفز على “قانون قيصر”. الإمارات دخلت عضواً في المنتدى الاقتصادي الرباعي الجديد الذي يضم الولايات المتحدة والهند وإسرائيل. البعض اعتقد أن هدف المنتدى مواجهة الصين، لكن علاقات الإمارات بالصين قويّة جدّاً ولن تدخل في تكتّلات ضدها ولا ضد روسيا. فسياسة الإمارات نحو سوريا تتوافق كثيراً مع الأولويات الروسية هناك. وهذا الأسبوع، فازت الإمارات باستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP28 عام 2023- فاهتماماتها متعدّدة من المناخ الى الطاقة الى التجارة الى الأمن البحري ضمن استراتيجية مدروسة على المدى البعيد.

الأسبوع المقبل سيجري المبعوث الأميركي الخاص لإيران، روبرت مالي، مشاورات مع السعودية والإمارات والبحرين وإسرائيل للتنسيق بشأن مسائل عدّة ومخاوف، منها ما يدخل في المسيرة التطبيعية، ومنها ما يتطرّق الى المخاوف من الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار. إنما الأولوية القاطعة لإدارة بايدن هي ألا يؤثِّر أي شيء في الجولة المقبلة من المحادثات النووية وإحياء صفقة JCPOA.

شدّ الحبال سيزداد في الأسبوعين المقبلين، لكن “الطبخة استوت” بحسب المؤشرات. ظاهرياً، تبدو الشروط الإيرانية تعجيزية لإدارة بايدن، لكن هناك تصريحات ذات دلالات على نسق ما قاله وزير الخارجية الإيراني عن استعداد بلاده “لتفاهم جيّد” وعن اعتبار عودة كل الأطراف الى التزاماتها “مبدأ مهم وأساسي”. وفعلياً، إن ما يريده الرئيس جو بايدن هو استعادة العلاقات الأميركية – الإيرانية التي أبرمها الرئيس الأسبق باراك أوباما ونائبه بايدن وفريقهما حينذاك الذي يمسك زمام الملف الآن.

الفارق هو أن الدول الخليجية العربية أُصيبت حينذاك بالصدمة الأوبامية، لكنها اليوم تموضعت لاستيعاب القرارات البايدنية. هذه الدول هي ذاتها التي يعتقد “حزب الله” إنها عابرة وقابلة للإهانة. واقع الأمر، أن بلاغة “حزب الله” التصعيدية تأتي على حساب الشعب اللبناني الذي أبلغه بكل وضوح أن إذلاله وقهره وتجويعه للبنانيين ليس “مقاومة”. السيد حسن نصرالله يقول إن إسرائيل تعيش القلق الوجودي من المقاومة التي حيّدها لسنوات بقرار منه ومن إيران. مع اختلاط الأوراق الإقليمية والدولية، يبدو “حزب الله” هو الذي يعيش هذه الأيام القلق الوجودي خائفاً من لعنة الاستغناء.

النهار العربي

——————————-

العاهل الأردني واللعب على الحبال الإقليميّة والدوليّة/ درويش خليفة

عمِل العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين خلال الأشهر القليلة الماضية على تحديث المنظومة السياسية لبلاده، بعد أن شكّل لجنة مؤلفة من 92 عضواً يمثّلون أطياف سياسية وفكرية مختلفة في خطوة إصلاحية لتطوير النظام المحلي وإعطاء الشباب والمرأة دور في إدارة البلاد.

لكن أن يفكر الملك الأردني بتحديث المنظومة العربية أو منطقة الهلال الخصيب، عبر إعادة تدوير رأس النظام السوري بشار الأسد، فإنّ هذا يتطلب إجماع غالبية السوريين، بما يتناسب مع مصالحهم وليس بحسب المصلحة الأردنية.

تمتدّ معاناة السوريين مع النظام حتى ما قبل 50 عاماً، تجرّعوا خلالها مرارة العيش في ظل حكم الأسد والطبقة المحيطة به، لكن العقد الماضي كان الأكثر دموية في تاريخ سوريا، إذ قتَل النظام وحلفاؤه ما لا يقلّ عن مليون شخص، وتسبب في إعاقات وإصابات لمئات الآلاف، وهجّر 13 مليوناً، مقسمين بين نازحين في الداخل ولاجئين في بلاد الشتات، وبالتالي؛ عندما تحضُر لغة الأرقام باللاشعور تتشكل عقبة أمام أي حل لا يتناسب مع حجم التضحيات السورية ولما خرج من أجله عموم السوريين.

في حقيقة الأمر، إنَّ الدول العربية تتصرّف كل منها وفق مصالحها، بعيداً عن آلية الدفاع المشترك، حيث يرى البعض أنَّ الأردن يغرّد خارج السرب بعد أن أمست إيران العدو الأول للعرب، وليس إسرائيل، كما كانت في العقود التي سبقت العقد الماضي.

ومن هذا المبدأ، نجد أنَّ الأردن أصبح محور القضية السورية، ويحاول لعب دور الوساطة بين قادة الدول والنظام السوري، في ظلّ الغياب الكامل للمعارضة السياسية السورية وبجميع أطيافها.

تساؤلات كثيرة تدور في أذهان شعوب المنطقة العربية، لاسيَّما بعد زيارة العاهل الأردني لواشنطن ولقائه بسيد البيت الأبيض، كأول زعيم عربي وشرق أوسطي، وأعقب ذلك بزيارة إلى موسكو لإبلاغ الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بنتائج اجتماعه مع الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، إضافةً إلى ما حمله الملك الأردني في جعبته من مقترحات بشأن دول المنطقة المتعثرة نتيجة التدخل الإيراني في كلٍّ من العراق ولبنان وإظهار اهتمام أكبر بالقضية السورية، الأمر الذي أعاد منطقة الهلال الخصيب إلى عقود من التخلف والترهل الاقتصادي.

وفي مقابلته على قناة فرانس 24 أكّد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أنَّ الحل في سوريا سيكون سياسياً وفق قرار مجلس الأمن 2254، وبأنَّ المملكة الأردنية جزء من المجموعة العربية ولا يمكنها بمفردها اتخاذ قرار إعادة مقعد الجامعة العربية للنظام السوري. بيد أنَّ طرح الملك الأردني للوثيقة التي سربتها صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، مختلف تماماً عن طرح وزير خارجية بلاده.

وتقول الصحيفة إنّ الوثيقة المسماة “لا ورقة” تتضمن شرحاً للخطوات العربية للتطبيع مع النظام السوري وفق “خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011″، وتنصّ أيضاً على انسحاب القوات الأمريكية مع التحالف الدولي من شمال شرق سوريا، بما في ذلك قاعدة التنف، دون تحديد جدول زمني لإنجازها.

من يقرأ الوثيقة يتراءى له لوهلة، أنَّ الجزء الأول من الورقة أتى من موسكو، والجزء الثاني منها، كُتب بيد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.

كما يلاحِظ قارئ الوثيقة، مدى اهتمام الأردن اللامتناهي بـ”المصالح الشرعية لروسيا” كما نصّت في متنها.

في حقيقة الأمر، الوثيقة؛ عبارة عن استعراض للسنوات العشر الماضية وما شهدته من أحداث ومعاناة للشعب السوري، بالإضافة إلى ذكر أعداد اللاجئين والمصابين ونسبة السوريين الذي باتوا تحت خط الفقر، الأمر الذي يمكن لمبعوثٍ عربي أو أممي أنّ يقدمه وليس لدولة جارة ذاقت من الأسد جزءاً يسيراً مما ذاقه السوريون، عبر مرور حبوب الكبتاغون المخدرة من أراضيها باتجاه دول الخليج العربي وتهجير أهالي حوران الذين تربطهم صلة قرابة مع سكان المدن القريبة من الحدود السورية الأردنية.

ماذا يريد العاهل الأردني؟

من الواضح أنَّ الملك عبد لله يحاول أنّ يغطي على المشكلات الداخلية في بلاده، من خلال تبنّي حلّ لقضايا المنطقة، ولاسيَّما تلك التي تخصّ دول جواره وإشغال الأردنيين فيها، لصرف أنظارهم عن الاضطرابات داخل الأسرة الحاكمة حينما وضع الملك عبد الله أخاه غير الشقيق الأمير «حمزة بن الحسين» في الإقامة الجبرية، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الأردن، وعدم إيجاد بدائل لشح المياه ومواد الطاقة النظيفة، فضلاً عن الفضيحة المدوية بما يسمَّى “أوراق باندورا” التي كشفتها صحيفة ″واشنطن بوست″ المتعلّقة بالأرصدة البنكية وعقارات لحكام ومشاهير، بينهم الملك الأردني، الذي يملك عقارات تفوق قيمتها 100 مليون دولار، في وقتٍ يمر الأردن فيه بوضعٍ اقتصادي متهالك.

بشكل واضح، إنَّ الأردن ليس لديه رؤية متكاملة واستراتيجية لعلاقاته المستقبلية مع سوريا، بل إنَّ تحركاته الدبلوماسية تقتصر على ما يسمح به الضوء الأخضر الأمريكي، ثمَّ الدعم المادي العربي الذي يقيده قانون قيصر الصادر عن الكونغرس وبإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

قد يُعذر حلفاء النظام السوري على وقوفهم إلى جانبه، لأنهم قدموا الكثير في سبيل بقائه على رأس السلطة، من حيث المال والعتاد والأشخاص، لتحقيق مصالحهم على كافة الأصعدة، ولكن من غير المفهوم في الآونة الأخيرة؛ هو اصطفاف بعض القادة العرب مع بشار الأسد الذي لا يوفر فرصة للنّيل من هيبتهم وهو القاصر الذي لا يملك من أمره شيئاً.

—————————-

“الإمارات تطبّع”.. ما هو موقف بقية دول الخليج من نظام الأسد؟

في تطور هو الأول من نوعه منذ عام 2011 زار وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد العاصمة السورية دمشق، والتقى رأس النظام السوري، بشار الأسد، الأمر الذي فتح باب الحديث عن مرحلة جديدة قد يقبل عليها المشهد السياسي للبلاد في المرحلة المقبلة.

ولن تكون هذه المرحلة لصالح السوريين الذين يعانون من الحرب التي بدأها ضدهم النظام السوري منذ عشر سنوات، بينما ستنعكس بالفائدة أكثر على الأسد، والذي تشير معظم المعطيات إلى أنه بات مقبلاً على “محطات تطبيع عربي” قد تكسر عزلته الدولية والإقليمية.

وفي الوقت الذي تثبّت فيه الإمارات سياستها الجديدة مع نظام الأسد، تتجه الأنظار إلى باقي الدول الخليجية، وعما إذا كانت ستحذو حذو أبو ظبي، أو أنها ستبقى على الموقف الذي اتخذته قبل سنوات طويلة.

ولعبت الدول الخليجية في مطلع أحداث الثورة السورية دوراً أساسياً في الملف السوري، سواء على صعيد السياسة أو العسكرة من خلال دعم فصائل على الأرض معارضة لنظام الأسد.

والآن يرى مراقبون أنها ستكون لاعباً أيضاً، لكن بشكل مختلف لعدة اعتبارات، أولها تلك الخاصة بالظرف السياسي الحاصل، وثانيها فيما يتعلق بكيفية التعاطي مع الصورة التي وصل إليها الأسد ونظامه، بعد سنوات قتل قادها ضد كل من نادى بإسقاطه.

ويستعرض فريق “السورية.نت” أبرز مواقف الدول الخليجية خلال السنوات الماضية، وصولاً إلى المسار الذي تسلكه حالياً حيال العلاقة مع نظام الأسد.

“قطر: لا تطبيع”

في مؤتمر صحفي له الجمعة قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إنه يأمل وقف تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

وأضاف خلال المؤتمر الذي جمعه مع نظيره الأمريكي، أنطوني بلينكن: “نأمل بأن لا تتشجع الدول على اتّخاذ خطوات إضافية تجاه النظام السوري”، مشيراً: “لا نفكر حالياً في التطبيع مع النظام، ونعتقد أنه يجب محاسبته على جرائمه”.

وتابع آل ثاني: “موقف قطر سيبقى على حاله، ولا نرى أي خطوات جادة لنظام الأسد تظهر التزامه بإصلاح الضرر الذي ألحقه ببلده وشعبه”.

ولم يتغير موقف قطر من النظام خلال السنوات الماضية، بحسب حديث المسؤولين القطريين، على رأسهم وزير الخارجية، والذي سبق وأن تحدث عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين.

وفي الوقت الحالي تشير تصريحات آل ثاني إلى أن الدوحة لن تكون طرفاً في “قطار التطبيع العربي”، خاصة مع التزام النظام بالسياسة التي بدأها منذ 2011، فضلاً عن عرقلته لكافة مسارات الحل السياسي، لاسيما تلك المتعلقة بقرار مجلس الأمن “2254”.

“السعودية لا تفكر في التعامل”

إلى جانب قطر لا توجد أيضاً بوادر إعادة تطبيع فوري للعلاقات مع النظام السوري من جانب المملكة العربية السعودية، أكبر الدول الخليجية.

وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الحالي قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، رداً على سؤال إن كانت الرياض تفكر في التواصل مع الأسد أسوة بالعديد من الحكومات: “السعودية لا تفكر بذلك حالياً”.

وأضاف في مقابلة مع مع قناة “سي إن بي سي” الأمريكية: “الرياض تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة”، وأنها تريد المحافظة على الأمن وتدعم ما يحقق مصلحة الشعب السوري.

وكانت الرياض سحبت سفيرها لدى دمشق عام 2011، وجمدت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، على خلفية قمع قواته للمظاهرات الشعبية السلمية، ما خلف أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى.

وتبعتها بذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي عام 2012، إلا أن الإمارات والبحرين أعادتا فتح سفارتيهما في دمشق نهاية عام 2018، على مستوى القائمين بالأعمال.

ووفقاً لتقارير إعلامية كانت السعودية قد أعادت في مايو/أيار الماضي فتح قنوات مباشرة مع النظام، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، خالد الحميدان لدمشق، وهو ما نفته الرياض حينها.

“البحرين على الأبواب”

لا تختلف نظرة مملكة البحرين من نظام الأسد عن تلك التي اتخذتها الإمارات في الفترة الأخيرة، سواء بإعادة العلاقات الدبلوماسية من بوابة السفارات أولاً، ومن ثم التوجه للقاءات مباشرة لـ”رفع الغمامة”.

وكانت مصادر مقربة من نظام الأسد وآخرين من المعلقين الإماراتيين قد توقعوا في الأيام الماضية أن تتجه المنامة إلى خطوة مشابهة لتلك التي اتخذها وزير خارجية أبو ظبي، عبد الله بن زايد، وذلك خلال الأيام المقبلة.

لكن حتى اللحظة لم يصدر أي تعليق رسمي من البحرين بشأن إعادة تطبيع العلاقات كاملة مع نظام الأسد.

وكان وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قد قال في لقاء مع قناة “العربية”، أكتوبر/تشرين الأول 2018 إن “الحكومة السورية هي حكومة سورية، ونحن نعمل مع الدول وإن اختلفنا معها، ولا نعمل مع من يسقط تلك الدول، ونحن نسعى لتحقيق تطلعات الشعب السوري”.

وجاء حديثه بعد لقائه مع وزير خارجية نظام الأسد السابق، وليد المعلم، مضيفاً أنه “لم يكن الأول منذ بدء الأحداث في سورية، وتم في فترة يشهد فيها العالم تحولات إيجابية تجاه أن يكون هناك دور عربي فاعل في المسألة السورية”.

وأغلقت البحرين سفارتها في دمشق، في مارس/ آذار 2012، لتكون حينها ثاني دولة عربية في الخليج تتخذ مثل هذا القرار، لكنها أعادت فتحها، أواخر عام 2018، بعد يوم من افتتاح الإمارات العربية المتحدة سفارتها بشكل رسمي.

الكويت: العلاقات مجمّدة

على خلاف الدول المذكورة سابقاً تشي معظم تصريحات المسؤولين الكويتيين إلى حالة من “الحياد النسبي” اتجاه العلاقة مع نظام الأسد، وهي سياسة لطالما انسحبت إلى معظم الشؤون الإقليمية.

وتلتزم الكويت علناً بقرار 2012 (إغلاق السفارات) ونفت، في نوفمبر/ تشرين ثانٍ 2018، صحة أنباء ترددت عن إعادة فتح سفارتها في دمشق.

وبحسب “المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني“: “من مصلحة الكويت تحويل قرارات مثل الاعتراف بالأسد إلى هذه المؤسسات المتعددة الأطراف (الجامعة العربية، مجلس التعاون الخليجي)”.

وينعكس ما سبق في خطاب الكويت بشأن هذه القضية، حيث قالت إنها ستنتظر “الضوء الأخضر” من جامعة الدول العربية قبل الالتزام بأي نهج معين تجاه سورية.

واستضافت الكويت المؤتمرين الثاني والثالث للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سوریة، في عامي 2014 و2015، وشاركت في رئاسة المؤتمر الرابع في لندن، عام 2016.

ومن المرجح أن تؤجل أي قرار يتعلق بشرعية الأسد حتى يتم التوصل إلى إجماع في جامعة الدول العربية.

ويقول “المركز الأطلسي”: “على الرغم من أنها لا تبدو مولعة بشكل مفرط بنظام الأسد، فمن المحتمل ألا تقف في طريق عودته للجامعة العربية”.

من جانبه كان نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، قد أكد في أواخر عام 2018 أن العلاقات بين بلاده ونظام الأسد “مجمَّدة وليست مقطوعة، وفقاً لقرارات الجامعة العربية”.

“عُمان خارج السرب”

في غضون ذلك وانتقالاً إلى سلطنة عُمان الدولة الخليجية الأخيرة، فقد غردّت خارج السرب اتجاه العلاقة مع نظام الأسد، على الرغم من التزامها بقرار 2012، القاضي بقطع العلاقات الدبلوماسية.

وعُمان واحدة من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع نظام بشار الأسد بعد انتفاضة 2011، على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة وحلفاء خليجيين آخرين.

وكان السلطان هيثم بن طارق تعهد عند توليه السلطة في يناير/ كانون الثاني 2021 بمواصلة إقامة علاقات ودية مع جميع الدول.

وفي مارس/آذار الماضي التقى بوزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد في العاصمة مسقط، في زيارة كانت قد سبقتها واحدة للوزير السابق وليد المعلم، في أغسطس/آب 2015.

و”تمارس سلطنة عمان تأثيراً مطّرداً في سورية، ما قد يجعل منها لاعباً دبلوماسياً ذا أهمية متزايدة هناك، ولكن يتعيّن على السلطنة التنبه جيداً لخطواتها”، بحسب تقرير لمؤسسة “كارينغي للسلام الدولي” في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

وتحدث التقرير عن استراتيجية السلطنة القائمة على الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع بلدان الشرق الأوسط خلال مراحل العزل النسبي التي تمر بها تلك البلدان، والتي تندرج في إطار الأعراف والشخصية الوطنية العُمانية التي تركّز على الحاجة إلى الحفاظ على حوار سليم وعلاقات دبلوماسية مع جميع الحكومات.

وقال التقرير إن مسقط كانت واضحة بأن كل ما تريده هو الاضطلاع بأدوار إنسانية ودبلوماسية في سورية، لا إرسال الأسلحة والدعم المادي إلى الفصائل المعارضة للنظام، مثلما فعلت قطر والسعودية.

——————–

بيان الائتلاف السوري.. مراعاة للحرج الثوري/ درويش خليفة

ساهمت زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق، ولقاؤه رأسَ النظام السوري بشار الأسد،

في إثارة موجة من الغضب العارم بين صفوف جمهور الثورة السورية، إذ طالب الشارع السوري المناهض لحكم الأسد الكيانات السياسية المعارضة بإصدار موقفٍ حازم، وتوضيح ذلك في بيان يرفض الزيارة؛  حيث لا تزال أسباب قطيعة الدول العربية ومنها الإمارات العربية المتحدة للنظام في دمشق قائمة، فلم يفرج النظام عن المعتقلين ولم ينفذ القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، ولا هو أوقف قصف المدن والمناطق التي ثارت عليه منذ منتصف آذار/ مارس 2011.

وطالب بيان الائتلاف السوري المعارض دولة الإمارات العربية المتحدة بمراجعة موقفها من نظام الأسد، متمنياً عودة الإماراتيين إلى الموقف العربي الموحَّد، وألا يكونوا طريقاً أو طرفاً في أي محاولة من شأنها تعويم نظام إجرامي قتل مئات الآلاف من السوريين قصفاً وتعذيباً في معتقلاته وهجّر نصف الشعب السوري.

من الواضح أنّ هناك تخوفاً لدى المعارضة من إعادة النظام إلى الجامعة العربية، علماً أنَّ مجلس الجامعة قرر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، تعليق عضوية وفود الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس الجامعة، وتوفير الحماية للمدنيين السوريين.

وعلى أثر ذاك القرار، توالت القرارات العقابية العربية بحق النظام، وذلك كلما اشتدَّ إجرام الأخير بحق الشعب السوري المنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية، حيث ينص أحد تلك القرارات، الذي جاء في منتصف عام 2012 على توجيه نداءٍ صريح يدعو فيه الأسد للتنحي عن السلطة، والمطالبة بعقد اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار توصيات إجرائية لمواجهة تدهور الأوضاع في سوريا، بما في ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض عزلة على النظام السوري.

وهذا ما دفع جامعة الدول العربية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 إلى مطالبة المنظمات الإقليمية والدولية الاعترافَ بالائتلاف السوري المعارض، ممثلاً شرعياً لتطلعات الشعب السوري.

ولم يقف الأمر عند تلك المطالبات والدعوات من قبل مجلس الجامعة العربية، بل قاموا في القمة العربية بالعاصمة القطرية الدوحة بمنح الائتلاف السوري المعارض مقعدَ سوريا ضمن الجامعة العربية. وبالفعل؛ قام رئيس الائتلاف معاذ الخطيب المستقيل وقتئذ قبل يومين من انعقاد القمة العربية بإلقاء كلمة باسم الشعب السوري؛ مؤكداً في الدقيقة 6.35 من خطابه ” أنَّ المعارضة لن تبيع وطنها”، وشكر الخطيب في ذلك الوقت دولة الإمارات من جملة الدول التي شكرها في ذاك الاجتماع الذي حضره معظم زعماء الدول العربية.

تشير حقيقة الواقع إلى أنّ المعارضة السياسية الرسمية، لم تكن على قدر التضحيات التي قدمها الشعب السوري، إذ نجد الصراعات البينية والتسابق لملء مناصب “كرتونية” هاجسهم من حينٍ لآخر، هذا عدا عن ارتهان معظمهم لدولٍ إقليمية والاستقواء بدول أخرى في سبيل تحقيق مكاسب لا تُسمن ولا تغني من جوع في بطون السوريين القابعين في المخيمات، سواء بدول الجوار أو في الداخل السوري الخارج عن سلطة الأسد.

وبالعودة لبيان الائتلاف حول زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، فقد تضمن في بداية فقراته أنه ” لطالما كان السوريون على ثقة بأشقائهم العرب تجاه الالتزام بقرارات جامعة الدول العربية ومواقف الشعوب العربية ومقتضيات القانون الدولي والقرارات الدولية في ما يتعلق بالحل في سورية والعلاقة مع النظام المجرم”.

وهنا، يجدر التساؤل؛ أليس حريَّاً بكم (المعارضة الائتلافية) العمل على كسب ثقة السوريين والأشقاء العرب قبل أن تذكِّروهم بثقة الشعب السوري بهم، وهل قمتم بإجراء دراسة أو استطلاع للرأي لمعرفة ماهية الأسباب التي أدَّت لإعادة بعض الدول العربية علاقاتها مع النظام وتجاهلكم؟ وهل تفرقكم وارتهانكم سببٌ في ذلك.. ؟

إنَّ العمل السياسي ليس لقاءاتٍ واتصالات مع الحكومات والسفارات الدبلوماسية فحسب، بل إنَّ جزءاً أصيلاً منه يكون في كسب المواقف واقتناص الفرص لصالح القضية والهدف الأسمى المتمثل بإسقاط النظام وإحلال الدولة العصرية الديمقراطية.

من ناحية أخرى، هل من الحكمة بمكان أن تتجه بعض الدول العربية، كالأردن والبحرين والإمارات، إلى التطبيع مع النظام السوري الفاقد للشرعية المحلية بعد قتله مئات الآلاف من الشعب السوري وتوطين المرتزقة الطائفيين الذين أتى بهم من كلِّ أصقاع الأقاليم، أو حتى التفكير بالانفتاح عليه اقتصادياً ودبلوماسياً بعد الفشل في تغييره!

في حقيقة الأمر، بات السوريون في حيرة من أمرهم؛ هل يعاتبون الحكومات العربية أم يلومون معارضتهم التي زعمت أنها تمثلهم؟ وهل يتوجهون إلى المجتمع الدولي ومنظماته التي شاهدت مأساة الشعب السوري لمدة عقدٍ كاملٍ من الزمن!

تبقى في مجملها أسئلة محقة تتوجَّب الإجابة عنها في القريب العاجل، قبل أن يفوت قطار التغيير والانتقال لدولة المواطنة التي كثيراً ما حلم بها أغلبُ السوريين.

————————–

عن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسفاح الشام/ عمار جلو

فتحت الزيارةُ التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد إلى دمشق، ولقاؤه سفاحَها، بابَ التساؤلات والمخاوف حول فحوى الزيارة وأهدافها، في ضوء ما يُشاع عن قرب عودة دمشق إلى الجامعة العربية.

هبطت طائرة الوزير الإماراتي في دمشق، وهبطت معها كوابيس إعادة تعويم النظام من بوابة الجامعة العربية بعد عقد القطيعة العربية، حيث تمَّ تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية إثر الجرائم التي قام بها نظام بشار السفَّاح في مواجهة الشعب السوري المطالب بالحرية عام 2011.

انضمت الإمارات العربية لمجموعة أصدقاء سوريا وعملت على دعم القوى المطالبة بإسقاط الأسد، ضمن محور سعودي قطري تركي، انشق على نفسه لاحقاً نتيجة تباين رؤى دولِه، وبقيت أبو ظبي ضمن الخط المناهض لنظام الأسد حتى عام2018، رغم تماهيها مع شخصيات سياسية واقتصادية محسوبة على نظام الأسد، ثمَّ بدأت الإمارات المتحدة بالاستدارة على سياساتها السابقة بعد توقف معارك الحُديدة على وقع الضغوط الدبلوماسية المُمارسة عليها.

في تناقض لسياساتها السابقة بضرب الحوثيين كأحد الأذرع الإيرانية في المنطقة، أعلنت أبو ظبي عن افتتاح سفارتها في دمشق نهاية عام 2018، ممَّا أوقعها تحت التأنيب الترامبي، وخلال شهور الجائحة العالمية فتحت الإمارات باب السياسة الإنسانية لتبرير سلوكها، إذ أجرى الحاكم الفعلي للإمارات المتحدة، محمد بن زايد آل نهيان اتصالات مع الأسد وروحاني؛ عارضاً الخدمات الإماراتية لمساعدة البلدين في مواجهة الجائحة، وحطت طائرتان تحملان المساعدات الطبية في طهران كترجمة لهذا الاتصال الإنساني المولود على أنغام أحداث الفجيرة، إذ عمّقت التفجيرات التي تعرضت لها بعض السفن في ميناء الفجيرة من القناعة الإماراتية بعدم الركون للغطاء الصوتي الترامبي المتعلق بأمن الخليج ودوله، بعد تمزق الغطاء الأمريكي بسكاكين الاتفاق النووي.

مع أحداث الفجيرة تلقت الإمارات تهديداً إيرانياً، يقول: “ضربة إيرانية واحدة تدمِّر اقتصادكم” وهو ما أثار مخاوف الإمارات التي تبني سياستها على التجارة والاستثمار، وعلى مكافحة الإرهاب في مقصد إماراتي يشير إلى الإخوان وحلفائهم، لذا فإنها ترى في السلطة القابضة على دمشق شريكاً جِدياً في هذه الساحة، إضافة لساحة مناهضة النفوذ التركي في سوريا والمنطقة، وهو ما جمع الجانبين بدايةً.

تفتح عقود إعادة الإعمار المتوقعة في سوريا، شهية الإمارة الطموحة، لذا تسارع أبوظبي لحجز مقعد لها في هذا الحقل، على اعتبار أن الحرب في سوريا قد حُسمت لصالح النظام، ودُفنت كلُّ الأصوات المنادية بالإطاحة بالأسد بعد الانخراط العسكري الروسي في الصراع السوري وما فرضه من قلب لموازين القوة على الأرض السورية.

قلبَ التدخل الروسي موازين القوة لصالح النظام، إلا أنَّه بقي عاجزاً عن فرض الحل النهائي في سورية، فالحل النهائي يحتاج الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، وفي هذا السبيل تفرش موسكو الورود في طريق التواصل بين أبوظبي ودمشق، ضمن تنبؤ روسي أن دخول “أبو ظبي” في إعادة إعمار سوريا سيجر أقدام الدول الخليجية إلى الوليمة السورية، كما تنظر روسيا للجانب الإماراتي على أنه شريك محتمل لمواجهة النفوذ التركي في سوريا، فيما ترى الإمارات المتحدة أو يتراءى لها أن علاقة مع دمشق تفتح نافذة في جدار العزلة المفروضة على الأسد وما تفرضه من الارتماء في الحضن الإيراني.

تنسى الإمارات أو تتناسى، أن معادلة “الحضن العربي” البديل عن الحضن الإيراني هي  تعبير عن جِماع سياسي منحدِر أخلاقياً، ومنحدِر تكتيكياً واستراتيجياً، بعد أن رفع الأسد الصغير عمامة الولي الفقيه على مآذن دمشق العروبة، في استمرار وانحدار لسياسة الأسد المورِّث الذي بنى تحالفه مع طهران على أسس مواجهة الشقيق العربي والبعثي أيضاً، في عراق صدام حسين سابقاً.

جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، بعد أسابيع من الاتصال الهاتفي الذي تلقاه ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان من جزار الشام، ناقشا فيه علاقة البلدين وسبل تطويرها، وهذا مثار استفهام في ظل العلاقة المقطوعة بين البلدين!. كذلك الحديث عن البُعد الإنساني لزيارة بن زايد إلى دمشق يُعدّ مثارَ استفهام وغموض بعد لقائِه الأسد؛ إذ غالباً ما تفترض الأعراف الدبلوماسية اللقاءات بين النظراء، إلا في حال حمل الوزير رسائلَ تحتاج الإجابة عنها من رأس السلطة، وهنا تُثار تساؤلات أخرى تتعدى فحوى الرسالة ومضمونها لتمتد إلى جهتها، وهل هي مقصورة على الجانب الإماراتي أم تتعداه إلى دول أخرى، في ضوء مياعة المواقف السياسية لبعض الدول العربية تجاه عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية ووضوحها لدى البعض الآخر؟

رغم نفي الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، تلقيه أي طلب رسمي أو شفهي بخصوص عودة دمشق إلى مقعدها ضمن المنظمة الإقليمية، معتبراً أن الأمر مقرون بتوافق عربي غائب في الوقت الحالي، حيث فشلت الجزائر في العام الماضي بتأمين هذا التوافق لكنها تسعى لتحقيقه قبل اجتماع القمة القادم في مارس ٢٠٢٢، مستفيدة من المتغيرات على الساحة الإقليمية والدولية، وقد صرّح وزير الخارجية الجزائري، صبري بو قادوم، أنَّ “غياب سوريا تسبب بضرر كبير للجامعة والعرب” وهو ما وافقه عليه لاحقاً، وزيرُ الخارجية الإماراتي خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره الروسي سيرغي لافروف، حيث قال: “إنَّ عودة سوريا إلى محيطها العربي، لابدَّ منه، وفي مصلحتها ومصلحة دول أخرى في المنطقة” محمِّلاً مسؤولية العزلة السورية لقانون قيصر الأمريكي.

“إنَّ الأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا لاتزال قائمة” بهذه العبارة ردَّ وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، على تصريحات نظيره الإماراتي ربيع هذا العام، غير أن الصفقات والمقايضات السياسية تُعقد في العتمة وتظهر آثارها بعد سطوع الضوء، لذا يجب النظر إلى زيارة الوزير الإماراتي إلى دمشق كحدث له امتداده وتداعياته، وأقلها تتابع دول أخرى لخطوات مشابهة في ظل التغافل الأمريكي عن تفعيل مخالب قانون قيصر.

—————————–

==================

تحديث 15 تشرين الثاني 2021

————————

في حيثيات المواقف من التطبيع مع الأسد/ عمر كوش

أثارت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق في التاسع من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري ولقاؤه بشار الأسد، ضجيجاً إعلامياً وسياسياً، وبالرغم من أنها جاءت تتويجاً لمسار تطبيع مع نظام الأسد بدأته الإمارات منذ مدّة، وفي وقت يتسارع فيه قطار التطبيع العربي مع النظام.

وتباينت حيثيات المواقف الدولية والإقليمية حيالها، وهي بالمناسبة مجردة من أي بعد أخلاقي أو إنساني ومحكومة بالمصالح والتوجهات، حيث أكدت الولايات المتحدة الأميركية على عدم دعمها لأي جهود للتطبيع مع نظام الأسد أو لإعادة تأهيله، مع الدعوة إلى النظر في الفظائع التي ارتكبها “الديكتاتور الوحشي”، لكن بالرغم من إبدائها بعض القلق من الزيارة، إلا أنها في الوقت نفسه لم تظهر أي رفض أو اعتراض على خطوات للتطبيع العربي مع النظام، لذلك لا مانع لديها من ذهاب الراغبين من مسؤولي الأنظمة إلى دمشق، إذ ما يزال موقفها هو نفسه الذي أبدته حيال مبادرة الملك عبد الله الثاني، التي حاول تسويقها في واشنطن منذ بضعة أشهر، وتنهض على معادلة أن النظام باق في السلطة، والأفضل التطبيع معه بدلاً من تركه على حاله. ووفق هذا التفضيل طالب أنظمة الدول بأن تكون “ناضجة في تفكيرها”.

وعلى منوال الموقف الأميركي نفسه تقريباً، جاءت مواقف بعض الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا غير المؤيدة للخطوة، وفرنسا التي اعتبرتها شأناً سيادياً لا تتدخل فيه، لكن اللافت هو عدم صدور أي موقف علني من طرف ساسة موسكو حيال الزيارة، مع أنهم أسهموا في دفع الخطوات التي قامت بها الإمارات حيال نظام الأسد منذ إعادة فتح سفاراتها عام 2018، ولم يكفوا عن مطالبة الأنظمة العربية وغيرها بالتطبيع مع نظام الأسد، وحثها على مساعدته وعلى الإسهام في إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.

وجاءت المواقف العربية المؤيدة للزيارة من طرف مسؤولين في الأنظمة العربية التي ركبت قطار التطبيع مع نظام الأسد، حيث سارع وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، إلى الترحيب بالزيارة ومباركتها، مع تجديد الدعوة إلى مشاركة النظام في القمة العربية المقبلة، وإلى ضرورة عودته إلى حضن الجامعة العربية، وذلك تماشياً مع الموقف الذي اتخذته بلاده منذ بداية الثورة السورية بالوقوف إلى جانب نظام الأسد، الذي لا يفترق كثيراً في طبيعته العسكرية والأمنية عن النظام الجزائري، وبالتالي ليس مستغرباً أن يلتقي الموقف الجزائري مع الموقف الإيراني الذي عبّر عنه وزير خارجية إيران، أمير عبد اللهيان، لنظيره الإماراتي، واعتبرها خطوة إيجابية، وموضع ترحيب لدى نظام الملالي في طهران، كونها تأتي في سياق فك العزلة عن نظام متهم، وفق تقارير أممية ودولية، بارتكاب شتى أنواع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب السوري.

ووفق هذا السياق كان من الطبيعي أن يحتفل حزب الله اللبناني بالزيارة، ويعتبرها أمينه العام “اعترافاً بانتصار بشار الأسد”، وانتصار لأنظمة الممانعة وميليشياتها الطائفية، بالرغم من أنها لاقت صداها المطمئن في تل أبيب، وجاءت من طرف نظام بات يحظى بأفضل العلاقات مع إسرائيل بعد أن قام بالتطبيع الكامل معها.

وإن كان نظام الأسد سعيداً للغاية بالزيارة، التي اعتبرها دلالة على صواب موقف الإمارات وموضوعيته، إلا أن تعدد المواقف العربية حولها لا شك في أنه يعود إلى وجود حيثيات وأسباب خاصة بكل دولة عربية، بمن فيها تلك التي تهرول مسرعة باتجاه التقارب مع نظام الأسد. وقد يبدو مناسباً أو مفهوماً استغلال وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، الزيارة من أجل تبرير الدور الذي تقوم به بلاده في تحريك ملف التطبيع مع نظام الأسد، وإرجاعه ذلك إلى “غياب أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري”، مع أنه لم يخفِ وجود أسباب داخلية دفعت النظام الأردني إلى لعب هذا الدور، لكنه لجأ إلى لغة مخاتلة والتذرع بوجود 1.3 مليون لاجئ سوري، في حين صمت عن حيثيات طلب الملك عبد الله الثاني، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، من الرئيس الأميركي جو بايدن، استثناء الأردن من عقوبات قيصر، من أجل صفقة توريد الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية.

اللافت أن الزيارة تبعتها خطوة إماراتية أخرى للتطبيع مع نظام الأسد على المستوى الاقتصادي، وذلك بالإعلان عن اتفاق يقضي بإنشاء محطة توليد كهرضوئية في ريف دمشق. وهي خطوة من المفترض أن تصطدم بقانون “قيصر” الأميركي، لكن يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية ليس في وارد تطبيقه حيال خطوات التطبيع، وسبق لها أن قدمت استثناءات منه للأردن ومصر ولبنان في إطار صفقة توريد الغاز والكهرباء إلى لبنان، وقبلها تغاضت عن فتح الأردن لمعبر جابر/ نصيب الحدودي وسوى ذلك.

ولا تبتعد حيثيات التطبيع الإماراتي مع نظام الأسد عما يجري من تحولات في منطقة الشرق الأوسط، بحيث يمكن القول إنها تندرج في سياق بحث حكام الإمارات عن سبل تقوية تموضعهم الجيوسياسي الجديد فيها، وذلك بالتزامن مع محاولات جميع دول الإقليم إشغال الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي منها، والذي بدأ في كل من أفغانستان والعراق، وقد يمتدّ قريباً إلى سوريا، لذلك تحاول الإمارات أن تلعب دوراً محورياً في ملفات المنطقة، وأن تظهر نفسها بوصفها لاعباً إقليمياً محورياً يمكن الاعتماد عليه أميركياً وروسياً، وربما ليس مصادفة أن تسبق زيارة الوزير الإماراتي انعقاد جولة جديدة من المحادثات الاستراتيجية حول الملف السوري، بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك”، والمبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا “ألكسندر لافرنتييف”.

بالمقابل، لاقت خطوات التطبيع مع نظام الأسد إدانات واسعة من طرف شخصيات وقوى في المعارضة السورية، إلا أنها بقيت مجردة، ودون أن يبنى عليها مواقف وحمولات سياسية، ولم تبتعد عن مشاعر الأسى والخيبة من مواقف القوى الفاعلة في المجتمع الدولي حيال القضية السورية، خاصة وأن نظام الأسد المتهم بارتكاب جرائم حرب لا تُحصى، بات مقبلاً على العودة إلى المجتمع الدولي، ولم يحاسبه أحد على جرائمه، في إفلات كلي من العقاب.

تلفزيون سوريا

—————————

 الوثيقة الاردنية للحل في سوريا

كشفت الوثيقة الأردنية وملحقها السري، اللذان حصلت «الشرق الأوسط» على نصهما، أن الهدف النهائي من الخطوات العربية للتطبيع مع دمشق هو «خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011»، بما في ذلك «انسحاب القوات الأميركية والتحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف الأميركية» قرب حدود الأردن والعراق، بعد سلسلة خطوات وفق مقاربة «خطوة مقابل خطوة» تشمل بداية «الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا»، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية لروسيا».

وتشكل هذه الوثيقة، التي سُميت «لا ورقة» ولاتتضمن جدولاً زمنياً، أساس الخطوات التي تقوم بها دول عربية تجاه دمشق وشمل ذلك لقاء وزير الخارجية فيصل المقداد تسعة وزراء عرب في نيويورك وزيارات رسمية أردنية – سورية واتصالات بين قادة عرب والرئيس بشار الأسد ولقاءه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في دمشق الثلاثاء.

وأعد الجانب الأردني هذ الخطة قبل أشهر، وناقشها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز)، والروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) ومع قادة عرب وأجانب. وتضمنت الوثيقة، التي تقع مع ملحقها في ست صفحات، مراجعة للسنوات العشر الماضية وسياسة «تغيير النظام» السوري، قبل أن تقترح «تغييرا متدرجا لسلوك النظام» السوري بعد «الفشل» في «تغيير النظام».

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لشبكة «سي إن إن» الأميركية أمس، إن «الأردن يتحدث مع الأسد بعد عدم رؤية أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري». وأضاف أن «التعايش مع الوضع الراهن ليس خيارا»، مضيفا: «ماذا فعلنا كمجتمع عالمي لحل الأزمة؟ 11 عاما في الأزمة ماذا كانت النتيجة؟ الأردن عانى نتيجة الحرب الأهلية السورية، حيث تشق المخدرات والإرهاب طريقها عبر الحدود، وتستضيف البلاد 1.3 مليون لاجئ سوري لا يتلقون الدعم الذي قدمه العالم من قبل».

وكشف الصفدي أن «الأردن أجرى محادثات مع الولايات المتحدة حول جهود التقارب»، ذلك في إشارة إلى زيارة العاهل الأردني. كما أن مدير المخابرات الأردنية اللواء أحمد حسني حاتوقي أعلن أن الأردن يتعامل مع الملف السوري كـ«أمر واقع». وتتطابق تصريحات الوزير الصفدي مع «الوثيقة الأردنية»، وهنا نصها:

بعد مرور عشر سنوات منذ اندلاع الأزمة السورية، تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها. ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح. ولا يمكن للنُهُج الضيقة المعنية بمعالجة مختلف جوانب الأزمة ونتائجها على أساس المعاملات وعلى أساس الأغراض المحددة أن تُحقق الحل السياسي اللازم. يتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة. وتغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضا مؤثرا في حد ذاته. والهدف المعلن، هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. بيد أنه لا يوجد تقدم ذي مغزى على هذا المسار. فالوضع الراهن يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري وتعزيز مواقف الخصوم. لقد أثبت النَهج الحالي في التعامل مع الأزمة فشلا باهظ التكلفة:

– الشعب السوري: بحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة، هناك 6.7 مليون لاجئ سوري، مع 6.6 مليون نازح داخليا، و13 مليون سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك 6 ملايين مواطن في حالة عوز شديد، و12.4 مليون سوري يكابدون انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 80 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع 2.5 مليون طفل خارج نظام التعليم في سوريا، بالإضافة إلى 1.6 مليون طفل معرضين لمخاطر التسرب من المنظومة التعليمية.

– الإرهاب: لقد هُزم تنظيم «داعش» الإرهابي لكنه لم يُستأصل بالكامل. ويحاول أعضاؤه إعادة ترتيب الصفوف، وهم يعاودون الظهور في أجزاء من البلاد التي طُرد منها «داعش»، مثل جنوب غربي سوريا. كما يعملون على توطيد وجودهم في مناطق أخرى مثل الجنوب الشرقي. وتستمر تنظيمات إرهابية أخرى في العمل في أجزاء مختلفة من سوريا، حتى إنها تستفيد من الملاذات الآمنة في الشمال الشرقي.

– إيران: تستمر إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري، وعلى أجزاء حيوية عدة في سوريا. من استغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، ويزداد وكلاؤها قوة في المناطق الرئيسية، بما في ذلك جنوب البلاد. وتُدر تجارة المخدرات دخلا معتبرا لهذه الجماعات، كما تُشكل تهديدا متزايدا على المنطقة وخارجها.

– اللاجئون: لا يرجع أي من اللاجئين – أو حتى عدد متواضع منهم – إلى سوريا بسبب عدم تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد. ويتناقص التمويل الدولي للاجئين، فضلا عن المجتمعات المضيفة، مما يهدد الهياكل الأساسية لدعم اللاجئين.

> ما ينبغي فعله؟

من اللازم اعتماد نهج فعال جديد يعيد تركيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، والتخفيف من تداعياتها الإنسانية والأمنية. ينبغي للنهج المختار أن يتحلى بالتدرج، وأن يركز في بدايته على الحد من معاناة الشعب السوري. كما يتعين كذلك تحديد الإجراءات التي من شأنها تعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ الإيراني المتنامي، ووقف المزيد من التدهور الذي يضر بمصالحنا الجماعية.

ومن شأن ذلك النهج أن يستهدف تغييرا تدريجيا في سلوك النظام الحاكم في مقابل حوافز يجري تحديدها بعناية لصالح الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين. السبيل إلى ذلك:

1) وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار 2254.

2) بناء الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل.

3) السعي إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا.

4) الاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري.

5) التنفيذ.

> المقاربة

نهج تدريجي يتبناه جميع الشركاء والحلفاء لتشجيع السلوك الإيجابي والاستفادة من نفوذنا الجماعي لتحقيق ذلك. فهو يقدم حوافز للنظام مقابل اتخاذ التدابير المنشودة والتغييرات السياسية المطلوبة التي سيكون لها أثرها المباشر على الشعب السوري. وسيتم تحديد «العروض» المقدمة إلى النظام بدقة في مقابل «المطالب» التي سوف تُطرح عليه. وسوف ينصب التركيز الأولي على القضايا الإنسانية في كل من العروض والمطالب. مع التقدم التدريجي على مسار القضايا السياسية التي تُتوج بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254. وسوف يتم الاتفاق على العروض والمطالب مع الأمم المتحدة، استنادا إلى بياناتها الخاصة بالاحتياجات الإنسانية.

1) بناء الدعم: من الأهمية أن يدعم الحلفاء العرب والأوروبيون الرئيسيون هذا النهج. وسوف يضمن ذلك صوتا جماعيا في المحادثات مع النظام وحلفائه. وسوف يضمن أيضا ألا نفقد نفوذنا نتيجة لفتح بعض البلدان قنوات ثنائية مع النظام السوري.

وسوف نتفق على البلدان التي نتقارب معها في بداية الأمر بغرض التشاور والدعم. وسوف تتلخص الخطوة التالية في تأييد هذا النهج ضمن (المجموعة المصغرة) قبل السعي إلى الحصول على تأييد الحلفاء كافة.

2) إشراك روسيا: إن كسب موافقة روسيا على هذا النهج هو عامل أساسي من عوامل النجاح. ومن الممكن الاستعانة بالاعتراف بالمصالح الروسية «المشروعة» وتضمينها في إطار «العرض» لضمان قبول وتنفيذ هذا النهج من قبل النظام السوري. إن تحديد الأرضية المشتركة مع روسيا أمر ضروري لضمان التقدم نحو حل سياسي. كما أنه من اللازم لنجاح الجهود الرامية إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي. وقد كانت روسيا منفتحة على العروض الخاصة بالقضايا الإنسانية مقابل إجراءات عملية من جانب النظام الحاكم.

3) إشراك النظام: يمكن أن تتم المشاركة من خلال قنوات متعددة:

– المشاركة غير المباشرة عبر روسيا.

– المشاركة المباشرة من مجموعة من الدول العربية. (هذا من شأنه رأب التصدعات في الموقف العربي، ومعالجة المخاوف بشأن غياب الدور العربي الجماعي في الجهود الرامية إلى حل الأزمة، والاستفادة من المشاركة العربية مع النظام من أجل الحصول على الحوافز مع تأطيرها ضمن الجهود الرامية إلى إحداث تغييرات إيجابية). ويمكن أن تقود الأردن تواصلا مبدئيا مع النظام لضمان الالتزام قبل بدء الاتصالات الموسعة.

4) التنفيذ: سوف توضع آلية رسمية لرصد التنفيذ والامتثال. وسوف تتولى الأمم المتحدة مسؤولية تقديم جميع المساعدات الإنسانية. وسوف يؤخذ تجسيد الاتفاق ضمن قرار صادر عن الأمم المتحدة في الاعتبار.

الخطوات التالية (لتطبيق المبادرة):

1) مناقشة النهج والاتفاق عليه.

2) الاتفاق على قيام الأطراف بصياغة المطالب والعروض.

3) الاتفاق على خريطة الطريق وكيفية المضي قدما.

من شأن هذا النهج أن يواجه العقبات بكل تأكيد. بل وربما يصل إلى طريق مسدود مع بدء المرحلة السياسية. ومع ذلك، فإن تركيزه الأولي على البُعد الإنساني سوف يخفف من معاناة السوريين، وسيدعم الجهود الرامية إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية، ويقلل من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا. كما أنه سوف يعيد بناء الصوت الجماعي الموحد بين الشركاء والحلفاء إزاء الأزمة، مع استعادة زمام المبادرة في محاولة لإيجاد حل سياسي ووقف الكارثة الإنسانية.

> جدول الخطوات

وتضمن الوثيقة ملحقا سرياً يتضمن شرحا لمقاربة «خطوة مقابل خطوة»، يشمل البند المحدد و«المطلوب» من دمشق و«المعروض» من الآخرين. وتبدأ الخطوة الأولى بـ«ضمان وصول المساعدات الإنسانية والاتفاق على تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود مقابل تسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سوريا، وإرسال المساعدات الصحية إلى سوريا».

وتشمل الخطوة الثانية تهيئة دمشق «البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين ومنح المفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم» مقابل خطوات غربية تشمل «اعتماد خطة المساعدة المرحلية للسوريين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع النظام، وتمويل مشاريع الإنعاش المبكر، وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار وتنفيذها وتمويل برامج التعافي المبكرة الخاصة بالمساعدة لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم ومدنهم وصياغة البرامج ودعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تساعد على استعادة نوع من الحياة الطبيعية في سبل عيش الشعب السوري بشكل عام».

تتعلق المرحلة الثالثة بـتطبيق القرار 2254 و«المشاركة الإيجابية من دمشق في اللجنة الدستورية المؤدية إلى إصلاح الدستور»، و«الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، وتحديد مصير المفقودين والاتفاق على تشكيل صيغة حقيقية للحكومة تؤدي إلى حكم أكثر شمولا في سوريا وإجراء الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة بما يؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة».

في المقابل، توافق دول عربية وغربية على «التخفيف التدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا. بما في ذلك تسهيل تجارة السلع مع أطراف ثالثة، ورفع العقوبات عن القطاعات العامة السورية، بما في ذلك البنك المركزي، والكيانات الحكومية، والمسؤولون الحكوميون، ورفع العقوبات القطاعية، وإجراء التقارب الدبلوماسي التدريجي لاستعادة العلاقات مع سوريا، وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في دمشق والعواصم المعنية، وتسهيل عودة سوريا إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية».

> ماذا عن {داعش}؟

أما المرحلة الرابعة من البرنامج، فتشمل «مكافحة داعش والجماعات الإرهابية، والتعاون في التصدي لتنظيم (داعش) والعناصر الإرهابية المماثلة، بما في ذلك في شرق سوريا، والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في جنوب سوريا والصحراء السورية، والتعاون في مواجهة المقاتلين الأجانب، وتبادل المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية، والروابط مع عناصر التجنيد الدولية، وشبكات التمويل، ووقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران واستفزازاتها للطوائف السنية والأقليات العرقية في سوريا»، مقابل «التعاون مع النظام السوري وروسيا في مكافحة الإرهاب في شمال غربي سوريا، ومكافحة العناصر الإرهابية في شرق سوريا والتنسيق بين النظام و(قوات سوريا الديمقراطية) في التعامل مع سكان مخيم الهول، والمقاتلين الأجانب، وعناصر (داعش) المعتقلين وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار والتعافي المبكر في المناطق المحررة من (داعش) والخاضعة لسيطرة النظام السوري».

في المرحلة الخامسة، يتم «إعلان وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، مما يؤدي إلى إعلان وقف العمليات العسكرية الكبرى وإعلان وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات ووقف جميع العمليات الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، ما لم يكن ذلك في إطار عملية وقف إطلاق النار، واالتزام الشركاء على الأرض في سوريا والحلفاء الإقليميين (بما في ذلك تركيا) بوقف إطلاق النار المعلن في جميع أنحاء البلاد».

وفي المرحلة السادسة والأخيرة، يتم «انسحاب جميع القوات الأجنبية، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار والأمن الإقليميين، بما في ذلك الوفاء بالالتزامات بموجب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، وانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما بعد عام 2011، وانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف»، في المقابل يتم «فتح قنوات تنسيق بين الجيش السوري والأجهزة العسكرية والأمنية في دول الجوار لضمان أمن الحدود مع سوريا».

الرافد

—————————

 الإمارات تفتح باب الجامعة العربية أمام سوريا وأميركا في معضلة/ سن إسميك

أواخر عام 2020 الماضي، وتحديداً في الثلاثين من كانون الأول(ديسمبر) نشرت مقالاً عنوانه “كي لا يخسر الجميع في سوريا”، بحثت فيه عن الحلول التي قد تضمن أن تكون كل الأطراف الجديرة رابحة في سوريا، ووجدت أن الأمر يتطلب «استثمار رأسمال سياسي لا يقل من حيث القيمة عما هو مطلوب لإعادة الإعمار»، وقلت صراحة أنه «ليس من دولة تستطيع التصدي لدور وساطة كهذا باقتدار كدولة الإمارات العربية المتحدة». واليوم تخطو دولة الإمارات بالفعل خطوة بالغة الأهمية في هذا الاتجاه، وذلك بزيارة وزير خارجيتها سمو الشيخ عبد الله بن زياد يوم الثلثاء 9 تشرين الثاني(نوڤمبر) للعاصمة السورية دمشق واجتماعه هناك مع الرئيس بشار الأسد.

زيارة هي الأولى من نوعها، يقوم بها مسؤول عربي على هذا المستوى، منذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011 واندلاع شرارة الحرب التي مازالت –إلى حد ما– مستمرة هناك. تلك الحرب الوحشية متعددة الأوجه التي أودت بحياة مئات الآلاف، وأجبرت الملايين على ترك منازلهم، ودمرت قسماً كبيراً من البنية التحتية لسوريا، وأدت إلى انهيار كبير في اقتصادها وتراجع هائل في سبل عيش السوريين.

قالت وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام” إن وزير الخارجية “نقل إلى الرئيس الأسد تحيات أصحاب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي العهد أمير أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وتمنياتهم لمزيد من الاستقرار والتقدم والازدهار في سوريا». و «من جانبه، أكد سمو الشيخ عبد الله حرص دولة الإمارات على ضمان أمن واستقرار ووحدة سوريا، ودعمها لكافة الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية وترسيخ الاستقرار في البلاد وتلبية تطلعات الشعب السوري نحو التنمية والتقدم والازدهار».

أما وكالة الأنباء السورية “سانا” فقد نقلت عن الرئيس الأسد تأكيده على العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع بين سوريا والإمارات العربية المتحدة منذ أيام الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتنويهه بالمواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات، وتشديده على أن الإمارات وقفت دائماً إلى جانب الشعب السوري.

ورغم أنها الأولى من نوعها، لم تكن هذه الزيارة هي أول بشائر تطبيع العلاقات بين البلدين، أو حتى علاقات سوريا مع العالم العربي، بل جاءت تتويجاً لمجموعة من الخطوات السابقة التي بدأتها الإمارات ذاتها في كانون الأول(ديسمبر) 2018 عندما أعادت فتح سفارتها في دمشق. إلا أن التسارع في هذه الخطوات بلغ أوجه في الشهرين الماضيين، ففي مطلع شهر تشرين الأول(أكتوبر) الماضي، اتصل الأسد بالعاهل الأردني عبد الله الثاني للمرة الأولى منذ بدء الصراع في سورية. كما أعاد البلدان فتح معبر جابر –نصيب الحدودي الرئيسي بينهما؛ وفي العشرين من الشهر نفسه، بحث الأسد مع محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، في اتصال هاتفي العلاقات الثنائية وسبل تعزيز المصالح المشتركة للشعبين. ناهيك عن خطوات من قبيل مشاركة سوريا في معرض إكسبو الدولي الذي تستضيفه دبي بالإمارات هذا العام، والاجتماع بين وزيري نفط البلدين كدليل على استمرار التعاون الاقتصادي؛ أو اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيره السوري فيصل المقداد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي.. وغيرها من الخطوات التي تؤشر إلى أن الصف العربي عائد إلى التوحد قريباً.

لا يعني ذلك بطبيعة الحال ألا عوائق ما تزال تعترض التطبيع الكامل لعلاقات سوريا العربية، أولها وأبرزها وأشدها تأثيراً يأتي من واشنطن التي سارعت بعد الزيارة إلى إعلان “امتعاضها” وذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي قال في مؤتمر صحافي: «لن نقوم بتطبيع أو ترقية علاقاتنا الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا ندعم تطبيع أو ترقية علاقات الدول الأخرى … نتشارك مع العديد من شركائنا الاعتقاد بأن الاستقرار في سوريا والمنطقة الكبرى لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين». وتابع فأضاف: «إن الولايات المتحدة لا تزال تقيم أفضل طريقة لدفع آفاق تسوية سياسية في سوريا على النحو المحدد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».

كذلك قال برايس إن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين كان قد سجل رفض إدارته للزيارة في وقت سابق خلال اجتماع مع الشيخ عبد الله في أوروبا، مشيراً إلى أن توسلات بلينكن قد باءت بالفشل. كما نُقل عن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إنها تركز حالياً على الإغاثة الإنسانية لسوريا.

تظهر الموقف والتصريحات غير الحاسمة الصادرة عن إدارة بايدن وعن الناطقين باسمها أن الولايات المتحدة تواجه “معضلة حقيقية” في تعاملها مع الملف السوري، فهم ما زلوا يريدون الظهور بمظهر الرافض للأسد، والمتمسك بخيار “التغيير السياسي” في سوريا، مستندين في ذلك إلى 10 سنوات من الافتراضات قصيرة النظر والتحليلات الخاطئة للأحداث وللتطورات وللأمر الواقع، والاعتقاد المتعجرف بأن الأسد قاب قوسين أو أدنى من السقوط، ويبدو أن واشنطن قد تسلقت الشجرة عالياً، وبات النزول عنها أمراً صعباً، بدون أن تفقد القوة الأكبر في العالم كثيراً من “ماء وجهها”.

في الوقت ذاته، لدى الولايات المتحدة جملة من الأهداف والمصالح تحتاج إلى تحقيقها في سوريا، وفي الشرق الأوسط الأوسع، وتوافق لذلك ضمنياً على استثناء دول جوار سورية من العقوبات، وكذلك الأمر بالنسبة للمبادرات الدبلوماسية العربية الأخيرة، ليبقى السؤال هنا: كم من الوقت ستحتاج الإدارة الأميركية لتدرك أن الاعتراف بالأخطاء وتغيير المواقف بات أمراً لا مفر منه، وأن كل يوم تتأخر فيه عن القيام بهذه الخطوة، هو إطالة في أمد معاناة السوريين، فقانون “قيصر” الذي يفرض عقوبات صارمة على قطاعات مهمة من الاقتصاد السوري ما زال قائماً، ويشكل مع التهديدات بالعقوبات التي يفرضها الكونغرس، رادعاً كبيراً أمام الشركات العربية والأجنبية التي تتطلع للقيام بأعمال تجارية في سوريا، الأمر الذي يؤجل أي شكل من أشكال التعافي التي قد يشهدها الاقتصاد السوري، ومعه سبل عيش السوريين.

هذه المرونة التي مازالت الولايات المتحدة تخفيها، تظهر واضحة لدى دولة الإمارات التي برزت كوسيط قوي رئيسي في المنطقة التي تمزقها الأزمات، فلم توفر جهداً لرأب الصدوع وإصلاح العلاقات، حتى مع الأعداء التقليديين. فقد قامت أبوظبي بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وسعت أيضًا إلى إصلاح العلاقات الدبلوماسية المتوترة مع إيران. ولذلك من الطبيعي أن تفتح اليوم مساراً دبلوماسياً جديداً مع الأشقاء في دمشق لإعادة سوريا إلى النظام السياسي العربي. لقد أدركت الإمارات ومعها عدة دول عربية (كمصر والأردن) أن المقاربة العربية للأزمة السورية لم تكن دقيقة، ما سمح لدول المنطقة الأخرى بالانخراط في الشأن السوري وسط غياب صوت عربي وازن، الأمر الذي فتح المجال واسعاً لتغلغل الإرهاب وانتشار الفوضى. ومن البديهي أن المزيد من الوجود العربي في سوريا سيعني بلا شك وجوداً إقليمياً أقل، فهو سيمنح دمشق خياراً لم تكن تمتلكه في السابق.

تحاول دولة الإمارات بوضوح قيادة عمل عربي مشترك، وهذا أمر يدعو إلى التفاؤل. تفاؤلٌ يشاركني فيه كثير من العرب، وإن لم يعلنوا ذلك صراحة، وكثير من السوريين أيضاً خاصة أولئك الذين ما زالوا في سوريا، ولي بينهم أصدقاء كثر، نقلوا إليّ احتفاء الشارع السوري بزيارة سمو الشيخ عبدالله لبلادهم، وأكدوا أن شيئاً من الارتياح ساد الداخل السوري نتيجة هذه اللقاء. تظهر ردود الفعل المرحبة هذه أملاً لدى السوريين بأن أزمتهم لن تستمر إلى الأبد، وأنهم ليسوا وحيدين، وأن حاضنتهم العربية لم تتخل عنهم تماماً، وأن واقعهم المضني، سيتغير غداً لا محالة. واليوم الكل ينتظر القمة العربية في الجزائر، المزمع عقدها في شهر آذار(مارس) من العام القادم، والكل يتساءل هل سيظل كرسي سوريا شاغراً، أم ستعود هذه الدولة العربية المهمة لتلعب دورها الإقليمي والدولي؟ لتثبت الدول العربية أنها قادرة من خلال التشاور والتنسيق فيما بينها على تحقيق تطلعات شعوبها وإرادتهم بعيداً عن أي تدخلات خارجية.

النهار العربي

—————————–

العرب يُعيدون فتحَ الطريق إلى دمشق

ترجمة: مدني قصري

يعيد انتهاءُ الاستثمار الأمريكي في الشرق الأوسط، الكثيرَ من العواصم العربية التي قطعت صلتها مع سوريا بشار الأسد، إلى طريق التطبيع مع هذا النظام. لاسيما وأنّ التشخيص السائد في المنطقة هو أنّ النظام السوري سيبقَى في مكانه لفترة طويلة قادمة.

هل شهد العالم في الأشهر الأخيرة إعادة تشكيل جذري للمشهد السياسي في الشرق الأوسط؟ على أي حال هناك العديد من الدلائل على أنّ التحالفات التي تبدو قويّة تتعرّض لتآكل الوقت والأحداث. ولا شك أنّ الملف السوري خير شاهد على ذلك. النظام القائم، الذي اعتُبِر منبوذ المنطقة منذ عام 2011 والذي شنّ قمعاً شرساً ضد الاحتجاج ثم ضد الثورة التي انتشرت في البلاد، يرى بالفعل “إخوانه” العرب يُعيدون تقييم مواقفهم تجاهه بشكل إيجابي.

تم تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 (فقط لبنان واليمن كانا ضدّ ذلك التعليق في ذلك الوقت)، ولم يتم إعادتها إلى هذا النادي الإقليمي، لكن الموضوع مطروح الآن أكثر فأكثر. كان نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو نظام قوي آخر، يشجع على إعادة التأهيل هذه منذ عدة سنوات. والآن، يبدو أنّ أصواتًا قليلة تعارض هذا السيناريو، ويمكن القول إنّ عودة دمشق إلى الجامعة العربية مسألة أشهر على الأكثر.

في الخليج، غيّرت العديد من الدول خياراتها بشكل كبير. الإشارات الأولى ليست حديثة العهد. أعادت الإمارات العربية المتحدة، فتح سفارتها في العاصمة السورية في 27 كانون الأول ( ديسمبر) 2018، تلتها البحرين مباشرة. لكن المملكة العربية السعودية، صاحبة الوزن الثقيل في الخليج، تدرس الخطوة المقبلة.

الأردن مركز متقدم في المصالحة

منذ هذا الصيف، يشهد التحرك نحو إعادة تأهيل سوريا بشار الأسد، انطلاقة جديدة. فمن خلال الجهود في هذا الاتجاه التي يبذلها أحد أكثر جيرانها العرب وهي المملكة الأردنية الهاشمية، ترتسم أبرز التطورات. انتظر الملك عبد الله الثاني تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه هذا العام، وفي تموز (يوليو) 2021 خلال زيارته الأولى لجو بايدن في واشنطن، ناشد العاهل الأردني الرئيس الأمريكي عدم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر” الذي أقرّه الكونغرس في كانون الأول (ديسمبر) 2019 في ملف مهم، والذي دخل حيّز التنفيذ في حزيران (يونيو) 2020، تحت رئاسة دونالد ترامب. ينص هذا القانون الأمريكي على عقوبات ضد الأفراد أو الكيانات أو الشركات التي لها علاقات اقتصادية مع دمشق. في هذا السياق كان الأردن يطالب بإعفاءٍ من أجل التمكن من تنفيذ مشروع إقليمي: تزويد لبنان الذي يعاني اقتصاده من مصاعب جمة، بالغاز المصري بشكل منتظم عبر الأردن وسوريا. في نهاية هذه المقابلة أجرى الملك مقابلة مع شبكة CNN للإبلاغ عن تطوّر تفكيره حيث صرّح قائلا: “النظام السوري موجود ليبقى (…) من الأفضل دفع الحوار إلى الأمام بطريقة منسّقة بدلاً من تركه كما هو”.

في أيلول (سبتمبر) ضاعف الأردنيون من الاتصالات الوزارية والأمنية مع السلطات السورية، ولا سيما في 3 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021، حيث تحدّث الملك عبد الله الثاني رسمياً عبر الهاتف مع بشار الأسد لأوّل مرّة. وفي هذا الصدد أوضح المحلل السياسي عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات في عمّان، في صحيفة لوموند في 6 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021 أنّ “التقارب يقع في صميم السياسة الواقعية، حيث لا مكان للأحكام الأخلاقية”. لا توجد إشارة على تغيير النظام في سوريا، سيبقى الأسد في السلطة، وعلينا التعامل مع جارتنا سوريا. هناك أيضاً إعادة تعديل إقليمي مرتبط بتغييرات كبيرة، مثل فكّ ارتباط الولايات المتحدة بأفغانستان.”

العقوبات الأمريكية لن ترفع

وافق جو بايدن على الطلب الأردني بعدم تطبيق عقوبات على إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا. ومع ذلك، لا تنوي الولايات المتحدة أن يستنتج حلفاؤها العرب أنها على وشك إعلان أنّ قانون قيصر باطل ولاغٍ. تدرك إدارة بايدن جيداً أنّ هذا القانون قد تم تمريره بأغلبية ساحقة من الحزبين في الكونغرس. “ما لم نفعله ولا ننوي فعله”، قال وزير الخارجية أنطوني بلينكين في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل السيّد الأسد (…) لم نرفع أدنى عقوبة ضد سوريا ونظل نعارض أي دعم لإعادة إعمار البلاد طالما لا يوجد تقدّم ثابت لا رجوع فيه نحو حلّ سياسي”.

هذه الآراء السياسية لا تقنع الجميع في الشرق الأوسط. “أعلنت إدارة بايدن أنها لن تعيد تطبيع العلاقات مع الأسد، لكن يبدو أنها لم تعد تثني الشركاء العرب عن القيام بذلك”، وهذا ما شرحه لمجلة نيوزويك في 13 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021 ديفيد شينكر الذي شغل منصب نائب سكرتير وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى حتى كانون الثاني (يناير) 2021، وهو الآن القائم بأعمال البعثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “يمكن لقانون قيصر، إذا تم تطبيقه، منع الدول العربية من استئناف العلاقات (الطبيعية)، بما في ذلك التجارة مع سوريا الأسد. لكن الالتزامات (العربية) المتزايدة تقوّض عزلة نظام الأسد وما تبقى من سياسة الضغط على النظام في عهد ترامب. حتى الآن منعت هذه السياسة نظام الأسد من تحقيق نصر كامل. مع اقتراب الدول العربية من الأسد، سيكون من الصعب بشكل متزايد الإبقاءُ على العقوبات”.

وهكذا فإنّ الولايات المتحدة تزرع الغموض والالتباس. “إذا استمرت إدارة بايدن، كما كتب أنطوني سمراني في رسالة نشرت في الجريدة اللبنانية “لوريان لو جور” الإخبارية في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، في المطالبة برحيل بشار الأسد، وتأكدت من أنّ موقفها من الموضوع لن يتغير، فإنها مع ذلك لم تعارض التقارب بين حليفتها عمّان ودمشق. يبدو أنّ واشنطن تعتبر أنّ هناك مصلحة في السماح لدمشق باستعادة موطئ قدم لها في الحضن العربي، من دون تمهيد الطريق لعودتها إلى الساحة الدولية في الوقت الحالي”.

لا يمكن للموقف الأمريكي الغامض أن يمنع ملاحظة أنّ سوريا نجحت في كسر عزلتها الدبلوماسية. في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2021 اِلتقى ما لا يقل عن عشرة وزراء خارجية من الدول العربية بنظرائهم السوريين. فهو الحدث الأوّل منذ عشر سنوات. وهذا ليس كل شيء: مكاسب دمشق تتجاوز الإطار العربي، كما يؤكد ذلك إعادة دمج سوريا الذي أُعلِن عنه في نهاية أيلول (سبتمبر) في نظام تبادل المعلومات التابع للشرطة الدولية (الإنتربول). لقد تم استبعاد دمشق من هذا النظام في 2012. وقد تمّت هذه العودة دون ضجة، لكن الحقيقة تبقى أنّ نطاقها يتجاوز مجرد الدلالات الرمزية.

من كان يريد حقًا القطيعة مع النظام ؟

سيقول البعض بلا شك: هنا نظام متّهم بارتكاب جرائم حرب لا حصر لها، من القصف المكثف لأهداف مدنية (المستشفيات، المدارس، الأسواق، إلخ) إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، بما في ذلك التعذيب الممنهج لعشرات الآلاف من السجناء، وهي الجرائم التي دفعت الملايين من المواطنين إلى اختيار المنفى. ومع ذلك فإنّ هذا النظام يتحرك الآن مع إفلاته من العقاب نحو العودة إلى مجتمع الأمم. السخط منطقي ومبرّر. لكن لا ننسى أنّ الولايات المتحدة، سواء بقيادة باراك أوباما أو دونالد ترامب أو جو بايدن لم تسعَ أبداً إلى إسقاط النظام. فالوسائل العسكرية التي نشرها هؤلاء الرؤساء في سوريا كانت مكرّسة إلى حدّ كبير لمحاربة الجماعة الإرهابية الوحيدة: تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي شلّت وأدهشت جميع من جاءوا للبيت الأبيض، وحتى مسؤولين أوروبيين. فلا أحد كان يمكن أن يتصوّر بشكل معقول أنّ فرض العقوبات، مهما كانت قاسية، كان سيُنهي النظام القائم في دمشق، خاصة وأنّ بشار الأسد وشعبه لم يتوقفوا عن التمتع بدعم قويّ وملموس وفعّال من روسيا وإيران.

وعلاوة على كون الولايات المتحدة تخفي بشكل متزايد رغبتها في فك الارتباط بالشرق الأوسط لمواجهة تحديات أخرى، وفي مقدمتها التحدي الذي  فرضته عليها الطموحات الجيوستراتيجية العدوانية المنسوبة إلى الصين، فلا حاجة لها إلى المزيد من التحديات التي ستدفع الدول العربية إلى التفكير في مراجعة عميقة لخياراتها وتحالفاتها.

حسابات الرياض الدقيقة

وفي الرياض يُنظَر إلى سلوك الحليف الأمريكي الذي لم يؤيد أثناء إدارة ترامب معاقبةَ إيران على الهجمات التي شنتها على المنشآت النفطية، بِريبة متزايدة. في رقعة الشطرنج الشرق أوسطية المعقدة، التي بدأ “العم سام” يبتعد عنها  تدريجياً، وحيث لم يعد بشار الأسد شخصاً غير مرغوب فيه، وحيث يتم إعادة تقييم التحالفات، بدأ الروسي فلاديمير بوتين يحسب نقاطه بارتياح. أصبح سيد الكرملين في غضون سنوات قليلة لاعباً رئيسياً، بفضل تدخله العسكري الحاسم إلى جانب النظام السوري اعتباراً من أيلول (سبتمبر) 2015. لقد فهمت تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان الوضعَ قبل غيرها، فتحاورت مع موسكو في وقت مبكر من عام 2017 من أجل الدفاع عن مصالحها في شمال سوريا على حساب الأكراد الذين يُعتبَر حكمهم الذاتي بحكم الأمر الواقع خطراً قومياً محتملاً. ولا يزال التوتر قائماً في محافظات شمال سوريا، حيث اكتسبت القوات التركية موطئ قدم في السنوات الأخيرة، لا يقل أهميَة، لا سيما في منطقة إدلب، آخر معقل للتمرد المسلح الذي يهيمن عليه الجهاديون. تخضع صفقة بوتين وأردوغان حالياً لاختبار ثقةٍ تظل غير مؤكّدة في هذه المنطقة.

أما الاتحاد الأوروبي فلم يلعب دوراً بارزاً في الملف السوري حتى الآن. فهو يرفض المشاركة في جهود إعادة الإعمار حتى يتم الشروع في تحقيق انتقال سياسي ذي مصداقية. وبالمثل، مسألة عودة اللاجئين ستظل عالقة حتى يتم استيفاء الشروط الأمنية. في 27 أيار(مايو) 2021، مدد مجلس الوزراء الأوروبي لسنة إضافية، لغاية 1 حزيران (يونيو) 2022، الإجراءات التقييدية المتخذة ضد النظام السوري، “في ظل القمع المستمر ضد السكان المدنيين في هذا البلد”. هذه التدابير: فرض حظر على النفط، وفرض قيود على صادرات المعدات والتكنولوجيات التي يُرجَّح استخدامها للقمع الداخلي، فضلاً عن تجميد الأصول لِما يقرب من 300 شخص وحوالي 70 كياناً، كانت قد اتخذت في وقت مبكر من عام 2011. تقول دول الاتحاد الأوروبي المتحدة بشأن هذه المسألة إنها “مصمّمة على إيجاد حلّ سياسي دائم وموثوق للصراع في سوريا”، وهو موقف بالكاد يخفي عجزها.

مع ذلك، ففي قصره على جبل قاسيون المطل على دمشق، يستطيع بشار الأسد أن يتنفس الآن. أصعب الأمور في نظره قد انتهت. فهو الحاكم السائد باعتراف الجميع، على بلد في حالة إفلاس، وجزئياً في حالة خراب، ومعتمِدٍ على حلفائه الروس والإيرانيين. لكنه نجا، وكذلك نظامه.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine

—————————

ما دلالات ومضامين الانفتاح العربي على دمشق؟/ عمر الرداد

لم تشكل زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد مفاجأة لكثير من المتابعين، رغم ما أثارته بعض الأوساط من ملاحظات على الزيارة، وخاصة من قبل أوساط المعارضة السورية في الخارج؛ لأنّ الكثير من الدلائل والمعطيات كانت تؤكد أنّ هناك تحوّلاً عميقاً باتجاه إعادة استئناف العلاقات العربية مع دمشق، بما في ذلك توجّه عدد من الدول العربية، “من بينها الإمارات”، لمطالبة الجامعة العربية بتوجيه دعوة للقيادة السورية للمشاركة في القمّة العربية المزمع عقدها في الجزائر في آذار (مارس) المقبل، تتويجاً لسلسلة من المحطات المتتالية التي أكدت أنّ القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري غادرت مقاربة “المساهمة بإسقاط النظام السوري”، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومعها الكثير من الدول العربية، وفق قناعات بأنّ أقصى ما يمكن تحقيقه في سوريا هو إعادة تأهيل النظام السوري بصورة جديدة وخطاب جديد، لا سيّما أنّ بدائل إسقاط النظام السوري لن تكون بمخرجات أفضل ممّا هي عليه الصومال وليبيا واليمن، وحتى عراق ما بعد صدام حسين، وفقاً للمفاهيم الأمريكية والأوروبية.

مقاربة الإمارات بتطبيع العلاقات مع القيادة السورية تأتي وفقاً لمرجعية جوهرها الانفتاح   “عربياً” على سوريا، لإبعادها عن التأثير الإيراني، منسجمة مع موقف دول الخليج باستثناء الموقف القطري، ومع الموقف الدولي، لا سيّما أنّ هناك قناعات دولية وإقليمية ترسخت بأنّ التطبيع مع دمشق لا بدّ أن يكون مشروطاً بالتزام جادٍّ من دمشق بإخراج إيران من سوريا، كخطوة أولى تتبعها خطوات تالية، والمضي بتسوية سياسية سوريةـ سورية تستجيب لتطلعات الشعب السوري، عنوانها الأمم المتحدة واللجنة الدستورية.

واضح أنّ خطوة الإمارات غير بعيدة عن الانفتاح الأردني والمصري على سوريا، بمرجعية توريد الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، والاجتماعات المكثفة التي عقدت بين وزراء الطاقة بالدول المعنية، والاتصالات الأردنية مع الحكومة السورية وبمستويات مختلفة، جاءت في إطار مقاربة أردنية، لم تعترض عليها واشنطن، تتضمن الانفتاح التدريجي على “النظام” السوري عبر خطوات اقتصادية، تتضمن استثناءات من عقوبات قيصر، في ظلّ حلول لأزمات الأردن الاقتصادية، ويبدو أنّ المقاربة الأردنية تحقق نجاحات متسارعة وملحوظة، تمّت ترجمتها على الأرض بانفتاح غير مسبوق على سوريا.

التحفظ الأمريكي والبريطاني على الانفتاح العربي على سوريا لا يشير إلى أنّ هناك رفضاً أمريكياً وأوروبياً تجاه إعادة الاعتراف بحكومة الأسد، وإنّما يعكس جوانب من المطالب الأمريكية والأوروبية واشتراطاتها لإعادة الاعتراف بحكومة الأسد، والقبول بها، تتجاوز مسألة الوجود الإيراني، هذا الوجود الذي تمّ تخفيضه من قبل إيران، فيما تتواصل الضربات الإسرائيلية للميليشيات الإيرانية في سوريا، بالتزامن مع صدور تصريحات من القيادة السورية تعبّر عن رغبة بإنهاء التواجد الإيراني، غير معزولة عن ضوء روسي أخضر جديد لإسرائيل بمواصلة تلك الضربات، عبّر عنها الرئيس بوتين خلال لقائه الأول مع رئيس الحكومة الإسرائيلي “بينت” قبل أيام في روسيا، علاوة على خسارات إيران ووكلائها في المنطقة عبر أزمات يعيشها وكلاؤها في العراق ولبنان، بالإضافة إلى سوريا واليمن، تشير مخرجاتها إلى أنّ النفوذ الإقليمي لإيران والحرس الثوري يذهب باتجاه المزيد من الانحسار، وربما يكون كل ذلك بموافقة إيرانية “غير معلنة”، تمهّد لمفاوضات جنيف حول الصفقة النووية الجديدة، والتي تدلّ مؤشرات على أنها ستشمل النفوذ الإقليمي لإيران وبرنامجها الصاروخي، رغم إنكار الإعلام الإيراني وتصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني لذلك.

مؤكد أنّ ردود فعل دمشق الإيجابية على الانفتاح العربي عليها  غير بعيدة عن ضوء أخضر أرسلته موسكو وطهران للقيادة السورية، في ظلّ تنافس للتكيّف مع المتطلبات الأمريكية والأوروبية، وقد أرسلت رسائل ذات دلالة بهذا الانفتاح، فعلى صعيد الانفتاح الأردني والموافقة على مرور الكهرباء الأردنية، فإنّ دمشق تدرك أنّ مُشغل الكهرباء الأردنية هو الغاز “الإسرائيلي”، وأنّ إسرائيل هي الطرف غير المعلن باتفاق الكهرباء والغاز المصري الأردني، وتدرك سوريا أنّ الإمارات تنفتح على دمشق بعد توقيعها اتفاق التطبيع مع إسرائيل.

وبالخلاصة، فإنّ رهانات الانفتاح العربي على دمشق تتجاوز قضية التواجد الإيراني في سوريا، وترتبط بقضايا ما بعد خروج إيران، أو إعادة مرجعيات وجودها في سوريا، خارج إطار الميليشيات وتهريب الأسلحة إلى لبنان، واستراتيجية طريق “طهران، بغداد، دمشق، بيروت”، في ظلّ تحوّلات عميقة تشهدها المنطقة تذهب باتجاه إنجاز تسويات كبرى عنوانها إيران وإسرائيل على المستويين العسكري والأمني، ومستقبل التنافس على مشاريع إعادة إعمار سوريا على المستوى الاقتصادي، وهو ما تدركه دمشق، ومن خلفها موسكو التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع تل أبيب.

———————–

التّطبيع مع الأسد والاستثمار الإيراني/ علي حمادة

لم يأت قرار التطبيع الإماراتي مع نظام بشار الأسد من دون مقدمات. فقد سبقت ذلك إعادة افتتاح القنصلية والسفارة الإماراتيتين في دمشق، ثم توالت اللقاءات على المستوى الأمني والسياسي بين أبوظبي ودمشق، كما أن الاتصالات على أعلى المستويات توالت، حيث بدا أن المسار الإمارتي مع نظام بشار ينحو صوب التطبيع.

طبعاً لا يمكن عزل قرار التطبيع عن التحولات التي تشهدها المنطقة، وخصوصاً أن ثمة وجهة نظر عربية تُناقش تراهن على إعادة وصل العلاقة مع نظام الأسد، بعدما ظهر أن القوى الدولية الرئيسية، لا سيما القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول أوروبا الرئيسية، قاطعت الأسد، لكنها لم تسقطه. كان بوسع تلك القوى أن تسقطه حتى في ظل الدعم الذي حازه من الإيرانيين والروس. كانت الفرصة مناسبة سنة 2013 إثر قصف بشار الأسد المدنيين في غوطة دمشق بالسلاح الكيماوي. يومها لم يف الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بوعده العلني الذي قطعه بجعل استخدام السلاح الكيماوي خطاً أحمر يؤدي تخطيه الى ضربة حاسمة من الولايات المتحدة.

المرة الثانية التي ضبط فيها الأسد بعدما استخدم سلاحاً كيماوياً كانت في بداية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. وجهت ضربة بصواريخ كروز ضد قواته، لكن انتهى الأمر عند هذه الحدود. قبل ذلك كانت إدارة أوباما تفسح المجال لتدخل روسيا في خريف 2015 للحيلولة دون سقوط آخر مواقع النظام في منطقة الساحل. غضّ الأميركيون النظر عن وحشية القصف الروسي على المدنيين، وكان هاجس أوباما إتمام الاتفاق النووي مع إيران، وعدم إزعاجها فيما كانت تنخرط في الاتفاق. لقد قام الغرب، وفي المقدمة الأميركيون، بكل ما في وسعهم لمنع سقوط الأسد. من ناحية تمسكوا بمواقف إعلامية مناوئة لبشار، ومن ناحية أخرى حالوا دون إسقاطه، تارة بدعوى منع سيطرة المتطرفين الإسلاميين على سوريا، وطوراً بدعوى عدم إنجاز اتفاق للمرحلة الانتقالية السياسية. إذاً تقع المسؤولية الأولى في عدم التخلص من بشار الأسد، المسؤول عن أكبر جريمة إنسانية وحربية في التاريخ الحديث، على عاتق من نادوا وينادون بالأخلاق السياسية وحقوق الإنسان.

ما تقدم لا يعفي دولاً عربية من مسؤولية التخبط خلال السنوات الطويلة التي حالت دون تخليص الشعب السوري من نظام الأسد، لكن إذا كانت السياسة الواقعية التي ثبتت الأسد، أقله في المرحلة الحالية في موقعه، على الرغم من استتباعه شبه التام من الإيرانيين، غير أن الواقعية تقول أيضاً إن الرهان على سحب الورقة السورية أو جزء منها من يد الإيرانيين، عبر فتح باب التطبيع العربي مع الأسد، أمر شبه مستحيل. فيقيننا أن الإيرانيين إن شعروا بأن بشار ينوي أن يتلاعب بهم، فإنهم لن يوفروه. سيصفونه وهم قادرون على تصفيته رغماً عن أنف روسيا وكل الدنيا. لقد استثمر الإيرانيون في سوريا منذ بداية الثمانينات، مثلما استثمروا في “حزب الله” في لبنان. وهذان الاستثماران يمثلان حجر الزاوية في الاستراتيجية الإيرانية، والدفاع عن الأسد في دمشق، لا يقل أهمية عن الدفاع عن حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت. هذان خطا دفاع حيويان عن النظام في قلب طهران وقم وكل إيران.

فهل ننسى أن طهران أشعلت حرب تطهير عرقي في قلب سوريا دفاعاً عن نظام الأسد؟ وهل ننسى مئات آلاف القتلى وملايين المهجرين السوريين؟ هل ننسى أكبر مجزرة في التاريخ الحديث والإيرانيون أبطالها؟!

إن الرهان على استعادة الأسد ليس فكرة جديدة. والمحاولة الحالية لها سوابق عربية أخرى فشلت كلها في سحب الأسد من يد الإيرانيين. وسؤالنا اليوم: ما الجديد تحت شمس الإقليم الذي من شأنه أن يعزز الأمل في أن محاولة إعادة تأهيل الأسد قد تسحب الورقة السورية أو جزءاً منها من يد الإيرانيين؟ أكثر من ذلك، ما هي الضمانة في أن يعزز التطبيع المسار السياسي في سوريا؟ أسئلة كبيرة لا تزال بحاجة الى إجابات، لا سيما أن الاستثمار الإيراني في سوريا سيدفع طهران الى الاستشراس أكثر لمنع أي اختراق عربي تحت أي مسمى كان!

النهار العربي

——————————–

 تأهيل الأسد إلى قمة الجزائر/ طوني فرنسيس

لا تبدو بوادر استعادة التواصل العربي مع النظام السوري معزولة عن تطورات إقليمية ومشاورات دولية بشأن الوضع في سوريا، بل إن هذا التواصل يمكن اعتباره جزءاً من هذه التطورات والمشاورات وتتمة طبيعية لها.

منذ عامين على الأقل فتحت قنوات اتصال بين بعض العواصم العربية ودمشق، إلا أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بقيت معلقة، ولم تسفر الاتصالات عن عودة رسمية كاملة، وبقي التشاور في إطاره الأمني والإنساني. كانت دمشق تطلب استعادة موقعها في الجامعة ودعمتها روسيا في سعيها هذا، ولم يحدث تقدم في هذا المجال، واستمر داعمو رئيس النظام السوري بشار الأسد، خصوصاً من المرتبطين بإيران، في محاولاتهم تصوير التواصل العربي مع القيادة السورية، وكأنه اعتراف بهزيمة ورضوخ للانتصار السوري على الحرب الكونية المزعومة.

الآن يبدو أن وقائع جديدة دخلت المشهد، منها وقائع عربية ودولية وإسرائيلية.

انعكست الوقائع العربية في تمكن وزير الخارجية السورية فيصل المقداد من لقاء تسعة وزراء خارجية عرب خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك، وفي اتصالات سورية عربية على مستوى الأجهزة الأمنية، وأخيراً زيارة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن نهيان إلى دمشق.

 في السياق تم التواصل الأردني اللبناني السوري المصري بشأن خط الغاز العربي إلى لبنان، وبرزت إلى الواجهة الوثيقة الأردنية حول تسوية العلاقات مع نظام الأسد، التي تنص بشكل خاص على خروج جميع القوى الأجنبية من سوريا مع الاعتراف بـ”المصالح المشروعة لروسيا”. وحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، “فإن الأردن أعد هذه الوثيقة قبل أشهر وناقشها الملك عبدالله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز) الماضي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) ومع قادة عرب وأجانب. وفي خلاصتها تقترح الوثيقة بدلاً من تغيير النظام، تغييراً تدريجياً في سلوكه، وآلية للوصول إلى حل سياسي على أساس القرار 2254.

لا تبدو خطوات التقارب العربية الأخيرة مع دمشق بعيدة عن مناخ الوثيقة الأردنية التي تترك انسحاب القوات الأجنبية إلى المرحلة الأخيرة، وتتحدث عن “الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا” قبل التوصل إلى الانسحاب الشامل لمختلف القوى، كما أن هذه الوثيقة تبدو في جوهرها أقرب إلى ما نقل عن أولويات إدارة بايدن التي لا تتحدث عن إخراج إيران ولا عن الدورين الروسي والتركي، وتكتفي علناً بإعلان “عدم دعمها” السلام مع دمشق.

شيء ما يتحرك بخصوص الوضع السوري ومن دون ضجيج، وبين نهاية الشهر الحالي موعد العودة إلى مفاوضات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، ونهاية مارس (آذار) المقبل، موعد انعقاد القمة الدورية لجامعة الدول العربية، يجدر بنا انتظار ترجمة لسلسلة المواقف واللقاءات المتتالية ومعظمها يتم بتكتم وحذر.

عملت إيران عشية العودة إلى المفاوضات على تعزيز أوراقها، وحرصت على الظهور بمظهر المتحكم بأوضاع العراق، على الرغم من تلقيها ضربة في الانتخابات، وقادت الحوثيين في تصعيدهم الحرب ضد مأرب والسعودية، وأمسكت الوضع في لبنان على ضفتي التعطيل والتفجير، وأرسلت إلى الأميركيين شروطها الثلاثة لإنجاح التفاوض.

أبقت الولايات المتحدة على تعاملها الهادئ مع إيران، ولم تستجب للتوترات في الخليج وبحر عُمان حتى أنها أعفت إيران من المسؤولية عن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. رغم أن طهران ترفض اتهامها بمحاولة اغتيال الكاظمي. بدا أن واشنطن متمسكة بالعودة إلى خطة العمل المشتركة بأي ثمن، وخففت من الأثر الإيراني في المنطقة العربية وسوريا، ومع ذلك واصلت طهران اشتراطاتها “غير الواقعية” كما وصفها خبراء أميركيون رأوا أن ما من حكومة في أميركا تستطيع تلبية هذه الاشتراطات، وما من اتفاقات جدية من دون اتصال مباشر أميركي إيراني.

كان سعيد خطيب زادة، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، تحدث عن ثلاثة شروط للعودة إلى الاتفاق، تمثلت في اعتراف أميركا بذنبها في ترك الاتفاق، ورفع العقوبات معاً بشكل فعال، وتقديم تعهد بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق في أي حكومة أخرى. وفي تفنيد لهذه الشروط يظهر أن الهدف الإيراني أثار الغبار لإخفاء المسؤولية الإيرانية الإقليمية، وهو أمر أظهر أن المفاوضين غير قادرين على تجاهله. ليست المسألة في شروط زادة، إذ إن الشرط الأول اعترفت به إدارة بايدن، والثاني تناولته كل الجولات الست المنقضية من مباحثات فيينا، والثالث لا يمكن لأي حكومة في التاريخ أن تضمنه.

البحث الإقليمي التفصيلي بدا أساسياً في اللقاءات (الأميركية – الروسية)، بعد زيارة مدير المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز إلى موسكو مطلع الشهر الحالي تكثفت اللقاءات على أعلى المستويات في جنيف بين الروس والأميركيين، وتناولت مباحثات الجانبين الوضع في سوريا الذي يبدو نقطة ساخنة بالنسبة إلى الجميع وإلى الروس خصوصاً.

هذه اللقاءات كانت متتالية منذ سبتمبر (أيلول)، وفيها تم عرض مشروع تسهيل خط الغاز من مصر إلى لبنان عبر سوريا والأردن، كما تمت سلسلة تدابير بينها تسهيل الأميركيين حركة القوات الجوية الروسية في سماء سوريا وتعزيز القاعدة الروسية في القامشلى بالطائرات.

في المقابل لم تُبد روسيا قلقها من تصعيد إسرائيل غاراتها على المواقع الإيرانية في سوريا التي بلغت 7 غارات خلال شهر، ولم تنف ما قيل في تل أبيب عن اتفاق بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نافتالي بينيت على العمل لإخراج إيران من سوريا!

لا تسير الأمور على سكة واحدة، لكن الأشهر القليلة المقبلة حتى مارس، وهو شهر الانتخابات النيابية في لبنان المأزوم، ستكون حافلة بالعمل لإعادة تأهيل الوضع السوري على قاعدة تشذيب التأثير الإيراني. هذا ما سيكون عليه الشرط العربي ومن ورائه نظيره الدولي لعودة الأسد المحتملة إلى الجامعة العربية، وربما عبر قمة الجزائر .وإذا حصل مثل هذا الأمر فإن انعكاساته ستشمل المنطقة المحيطة، ومنها لبنان الذي يستعد لانتخابات نيابية ثم رئاسية فاصلة.

النهار العربي

——————————-

تطمينات أميركية للائتلاف..باستمرار العقوبات والضغط على الأسد

أكد رئيس هيئة التفاوض عن المعارضة السورية أنس العبدة تلقي الهيئة تطمينات أميركية وأوربية باستمرار الضغط على النظام السوري، حتى الوصول إلى حل سياسي وفق القرارات الأممية.

وقال العبدة في تغريدة: “أكد لنا المسؤولون في واشنطن والاتحاد الأوروبي أن الحل وفق القرار (2254) هو ما يسعون إليه، وأن العقوبات قائمة حتى ذلك الحين”، مضيفاً أن “التطبيع مع النظام سيُعرقل الحل وستكون له آثار كارثية على سوريا والمنطقة”.

وتابع العبدة أن “الشعب السوري ينتظر من الأشقاء العرب الاستمرار بالوقوف معه للوصول إلى حل سياسي عادل”.

من جانبه، قال الرئيس المشترك للجنة الدستورية السورية عن المعارضة، هادي البحرة، في تغريدة، إن “على الشعب السوري أن يثق في قدرتنا على الوصول إلى دستور يضمن حقوقه الوطنية”.

يأتي ذلك بعد أيام على زيارة قام بها وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، برفقة وفد رفيع المستوى، إلى دمشق، حيث التقى رئيس النظام بشار الأسد، في أول زيارة عربية على هذا المستوى، منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.

وشهدت الفترة الاخيرة تقارب عدد من الدول العربية من النظام السوري وتطبيع العلاقات معه، وسط محاولات لإعادته إلى جامعة الدول العربية، أبرزها الأردن، والإمارات، ومصر، وعمان، والعراق، فيما تؤكد المعارضة السورية أن التطبيع مع النظام، يعني مشاركته في جرائمه وقتله للسوريين.

وكان وزير الخارجية الأميركية أنتوين بلينكن قد أعرب في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية القطرية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قبل أيام، عن قلق بلاده “من الإشارات التي تبعثها زيارة وزير الخارجية الإماراتية إلى دمشق”، مضيفاً “أود أن أحضّ جميع شركائنا على تذكر الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وما زال يرتكبها”. وأكد أن “لا نية لدى الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن الأسد ولا حتى استئناف التعامل معه، إلى أن يتحقق تقدم لا رجعة فيه باتجاه الحل السياسي”.

وفي وقت سابق، استنكرت 65 مؤسسة سورية، جهود التطبيع من قبل بعض الدول مع نظام الأسد، مؤكدة أن تلك الجهود قاتلة للشعب السوري، ومضرة بمن يقوم بها على المدى البعيد.

وأدانت المؤسسات والهيئات المدنية في بيان بشدة أي “خطوات تطبيع مع نظام الإجرام والإبادة الأسدي”، مضيفةً “نعدّها خطوات قاتلة للشعب السوري، ومضرة بمن يقوم بها على المدى البعيد”، فضلاً عن كونها “تشجيعاً على قتل السوريين، واستمرار شتاتهم، وعرقلة لعودة السوريين إلى وطنهم، ومنع أي حل جديد للقضية السورية”، إضافة إلى كونها “ترسيخاً للاحتلال الإيراني في سوريا الذي يُعد التهديد الأكبر للأمن القومي العربي في المنطقة”.

——————–

=====================

تحديث 16 تشرين الثاني 2021

———————————-

التطبيع الإماراتي مع النظام السوري:التمسك بالسلطوية ومناهضة التغيير الديموقراطي

المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات

قام وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بزيارة إلى دمشق هي الأولى منذ عشر سنوات، التقى خلالها رئيس النظام السوري بشار الأسد، ووجه إليه دعوة لزيارة الجناح السوري في معرض “إكسبو دبي 2020”. وتأتي هذه الزيارة في سياق سلسلة خطوات بدأتها الإمارات العربية المتحدة عام 2018؛ بهدف إعادة تأهيل النظام السوري وتطبيع العلاقات معه، في إطار جهود تُشارِك فيها أيضًا، لأسباب مختلفة، كل من الأردن والجزائر ودول عربية أخرى.

تطور الموقف الإماراتي من الثورة السورية

رأت الإمارات، مع انطلاق الثورة السورية مطلع عام 2011، مثل دول خليجية أخرى، في حراك الشعب السوري فرصةً لاحتواء النفوذ الإيراني وتطويقه في المنطقة؛ فانضمت إلى جهود عزل النظام السوري داخل جامعة الدول العربية، وأدّت دورًا مهمًا في دعم المعارضة السورية، وخصوصًا في إطار مجموعة أصدقاء الشعب السوري، التي جرى تشكيلها مطلع عام 2012 لحل الأزمة السورية خارج إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتجنّب الموقفين الروسي والصيني المؤيدين للنظام. لكنّ الموقف الإماراتي لم يستمر طويلًا؛ إذ بدأت أبوظبي – التي تحولت إلى خصم إقليمي بارز ومعلَن لثورات الشعوب العربية بدايةً من عام 2013 – تتخذ موقفًا غامضًا من الثورة السورية، وصارت تقدم مساعدات للنظام السوري في إطار تحول نظرتها إلى الصراع في سورية، من كونه فرصةً لاحتواء إيران إلى كونه جزءًا من الحرب على الإرهاب. ففي عام 2014، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن إدراج شركة النفط الإماراتية “بانغيتس العالمية” Pangates International Corporation Limited ضمن القائمة السوداء للكيانات الخاضعة للعقوبات. وذلك نتيجة خرقها العقوبات المفروضة على النظام السوري، وقيامها بتزويد سلاح الجو التابع له بوقود الطائرات. وكانت أبوظبي تحولت قبل ذلك إلى ملجأ لرؤوس الأموال والأصول المالية التابعة للنظام السوري والشخصيات المقربة منه، الهاربة من العقوبات الغربية، وذلك على الرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية رسميًا بين البلدين منذ مطلع عام 2012.

وكانت الإمارات أول دولة عربية تشارك في قصف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” في سورية، مع انطلاق الحملة الجوية لقوات التحالف الدولي الذي أنشأته واشنطن في أيلول/ سبتمبر 2014. ولم يكن في ذلك مشكلة، فقد مثّل التنظيم خطرًا على الثورة السورية والشعبين السوري والعراقي، ولكن الفرق أن أبوظبي كانت تنسق في ذلك مع النظام السوري. وبحسب تقارير غربية كان يجري إطفاء بطاريات صواريخ أرض-جو السورية، وقت تحليق الطائرات الإماراتية في سماء سورية لاستهداف التنظيم، في أوضح مؤشر دالّ على قوة التنسيق بين الطرفين. وبعكس مواقف دول الخليج الأخرى، امتنعت أبوظبي عن انتقاد التدخل العسكري الروسي في سورية في عام 2015. وبعد شهرين، تحول الموقف الإماراتي من الصمت إلى الترحيب بالتدخل الروسي؛ إذ صرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أن روسيا تستهدف في سورية عدوًا مشتركًا بينها وبين الإمارات. وفي عام 2016، أعلنت الإمارات أنها تشارك روسيا رؤيتها للحل في سورية؛ ما يعني ضمنًا أنها لا تعارض استمرار نظام الأسد.

وكانت الإمارات أول دولة عربية تعيد فتح سفارتها في دمشق، في كانون الأول/ ديسمبر 2018. وفي مطلع عام 2020، جرى أول اتصال هاتفي علني بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ورئيس النظام السوري، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2012. وعلى الأثر، بدأت أبوظبي بإرسال مساعدات طبية إلى النظام السوري لمواجهة تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وقامت أيضًا بتمويل عملية إعادة بناء بعض المباني العامة، ومحطات الطاقة الحرارية، وشبكات المياه في دمشق. ونشرت وسائل إعلام غربية تفاصيل حصول تعاون بين الإمارات ونظام الأسد لمواجهة تركيا في كل من سورية وليبيا، بما في ذلك دعم أبوظبي محاولات النظام السوري إشغال تركيا في إدلب أواخر عام 2019 ومطلع عام 2020؛ بما يمكّن اللواء المتقاعد خليفة حفتر من الإجهاز على طرابلس. ويربط كثيرون قرار معسكر شرق ليبيا بإعادة فتح السفارة الليبية، في دمشق في آذار/ مارس 2020، بجهود الإمارات لتعويم النظام في دمشق ورفع مستوى التعاون بين الأسد وحفتر. وفي 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بلغ التطبيع بين الجانبين ذروته، حينما أجرى رئيس النظام السوري اتصالًا هاتفيًا مع الشيخ محمد بن زايد، جرى خلاله الاتفاق على إيفاد وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، إلى دمشق. وقد سبق ذلك قيام وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، محمد سامر خليل، بزيارة إلى دبي تلبية لدعوة للمشاركة في “إكسبو دبي 2020”.

أسباب اندفاع الإمارات إلى التطبيع مع النظام السوري

يمثل التطبيع الإماراتي مع النظام السوري جزءًا من استراتيجية علنية اتضحت ملامحها منذ سنوات، وتشمل إضافة إلى إعادة تأهيل النظام السوري، تسهيل وصول نظم عسكرية إلى السلطة في العالم العربي، وإدماج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي بعد أن قامت أبوظبي بتوقيع اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات معها بداية من أيلول/ سبتمبر 2020. ويمكن تحديد جملة أسباب تقف وراء تسريع خطوات التطبيع مع النظام السوري والعمل على إعادة تأهيله عربيًا وإقليميًا، أهمها أن أبوظبي تسعى لطي صفحة الربيع العربي، ولا شك في أن إعادة تعويم حتى أكثر النظم العربية إجرامًا ووحشية من شأنه أن يغلق الدائرة ويطوي معها هذه الصفحة من تاريخ الشعوب العربية من منظور هذه الاستراتيجية. وتضع هذه الاستراتيجية الإمارات في موقع أقرب إلى الموقفين الروسي والصيني (وكذلك الإسرائيلي الأقرب إلى روسيا والإمارات في الموقف من الانتقال الديمقراطي عربيًا) منها إلى الموقف الأميركي، والغربي عمومًا. وفي وقت تروّج أبوظبي بأن هدفها من إعادة العلاقات مع النظام السوري هو تعزيز الحضور العربي في سورية في مواجهة نفوذ إيران، يبدو عسيرًا على الفهم إمكانية تحقق ذلك من خلال دعم الأسد، حليف إيران. فتاريخيًا لم يؤد دعم دول الخليج لنظام الأسد من السبعينيات حتى عام 2005 إلى إبعاد سورية عن إيران، بل وازاه تعزيز مثابر للتحالف بين دمشق وطهران. وتنظر أبوظبي باهتمام أيضًا إلى أي فرص اقتصادية تتصل بإعادة الإعمار في سورية أو بخريطة الطاقة وخطوط نقلها في المنطقة.

ويبدو أن الإمارات تستغل ضعف الموقف الأميركي في موضوع التطبيع مع النظام السوري، للاندفاع أكثر في هذا الاتجاه؛ إذ يأتي الانفتاح المتزايد لأبوظبي على النظام في دمشق بعد موافقة واشنطن على تزويد لبنان بالغاز والكهرباء من مصر (وإسرائيل) والأردن عبر الأراضي السورية، ومن خلال دعم تمويل البنك الدولي للاتفاق الرباعي المصري – الأردني – السوري – اللبناني بهذا الشأن، بما في ذلك إصلاح خطوط نقل الغاز والكهرباء في الأراضي السورية. يضاف إلى ذلك أن واشنطن لا تبدي موقفًا حازمًا في معارضة خطوات التطبيع التي تتخذها دول عربية مع النظام السوري؛ إذ اقتصرت المواقف الأميركية خلال الفترة الأخيرة على توضيح أن الولايات المتحدة “لا تدعم جهود التطبيع مع نظام الأسد”. كما كان موقف وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، باهتًا بهذا الخصوص؛ إذ قال خلال مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيرَيه الإسرائيلي والإماراتي، في تشرين الأول/ أكتوبر 2021: “ما لم نفعله ولا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات” مع نظام الأسد.

توجه عربي إلى التطبيع مع النظام

يُعدّ التوجه الإماراتي إلى التطبيع مع النظام السوري جزءًا من توجه إلى إعادة النظام السوري إلى المنظومة الرسمية العربية، تقوده إلى جانب الإمارات كل من الأردن والجزائر، التي تفعل ذلك لأسباب مختلفة؛ إذ لا تتفق الجزائر مع الإمارات في مسألة التطبيع مع إسرائيل. وقد جاءت ردود فعل البلدين تجاه الخطوة الإماراتية منسجمة مع هذا التوجه. فقد بارك وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، مؤكدًا أنه “يأمل في أن تسهم في تذليل العقبات بين سورية ودول عربية أخرى”، وجدد دعوة بلاده لعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية. أما وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، فقد برر التقارب العربي مع نظام الأسد بأنه يأتي نتيجة غياب أي “استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري”. وفي حين تبدي مصر والمملكة العربية السعودية بعض التحفظات على هذا التوجه، على الرغم من حصول لقاءات سياسية وأمنية بين مسؤولين في النظام السوري وكل من رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، ومع رئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان، كذلك، فإنه باستثناء قطر، لا توجد معارضة فعلية عربية للتطبيع مع النظام السوري. ومن المعلوم أن كل أسباب عزل النظام السوري عربيًا لا تزال قائمة، وكل شروط عودته إلى جامعة الدول العربية غير محققة، بما فيها استمرار النظام في سياساته القمعية ورفض أي مقاربة سياسية للحل. وكانت الجامعة قد اتخذت، في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، قرارًا بتعليق عضوية النظام السوري فيها، وطالبت بسحب السفراء العرب من دمشق مع إبقاء الطلب “قرارًا سياديًا لكل دولة”. وصدر هذا القرار بموافقة 18 دولة، واعتراض 3 دول هي سورية ولبنان واليمن، وامتناع العراق عن التصويت.

خاتمة

على الرغم من وجود توجه عربي إلى التطبيع مع النظام السوري وإعادة تأهيله، فإن الإمارات تُعدّ حتى الآن الأكثر حماسة في هذا الاتجاه، مع أنها الأقل تضررًا بالأزمة السورية. والحقيقة أن بعض الدول العربية قاطعت نظام الأسد، ليس لما يقترفه من جرائم ضد شعبه، بل لعلاقاته مع إيران، مستغلةً ارتكابه هذه الجرائم، إلا أنها عادت وأبدت استعدادًا للتطبيع معه، على الرغم من استمرار تحالفه من طهران وتعزيزه. وفي حين تتمحور أسباب الأردن، مثلًا، في التطبيع مع النظام السوري، حول مصالحه الاقتصادية والأمنية ومحاولته إيجاد حل لوجود نحو مليون لاجئ سوري على أراضيه، فإن دوافع أبوظبي تكاد تكون مرتبطة كليًا بموقف “أيديولوجي”، تعبر عنه بمناهضة أي تغيير ديمقراطي، وتمسك باستقرار الأنظمة السلطوية في الجمهوريات العربية، في مقابل تحالف يتطور بسرعة مع إسرائيل بما في ذلك عسكريًا وأمنيًا، كما دلت عليه المناورات المشتركة الأخيرة التي جرت في البحر الأحمر.

———————————-

عودة الأسد.. المسؤولية السياسية والأخلاقية للمعارضة السورية/ رستم محمود

في رد فعلها على زيادة وتيرة التواصل والاعتراف والتعويم والقبول الحديثة التي صار يحظى بها النظام السوري مؤخرا، فإن المعارضة السورية تشبه روحا فلسطينية كانت صعدت أثناء الهجوم الإسرائيلي على مدينة بيروت في صيف العام 1982. فالنزعة الفلسطينية وقتئذ، كانت تتمثل في الجلوس بالقرب من صخرة الروشة الشهيرة في ساحل مدينة بيروت، مع توجيه ملامة عُظمى للفاعلين والمنخرطين، وحتى لكل العالم، والصياح بأعلى صوت “يااا وحدنا”.

بالضبط كما كان ذلك الصوت الفلسطيني، المليء بكل أشكال الطهرانية السياسية والمظلومية النفسية وتبرئة الذات من كُل لوثة طوال الدروب التي أوصلتهم إلى تلك النقطة، فإن فضاء المعارضة السورية راهنا تفعل شيئا كثيرا من ذلك: تقدم الصُراخ وتمنع المحاكمات العقلية، تستجر الخطابات الأخلاقية وترفض المناقشة والفهم المعرفي والسياسي لأسباب ما جرى، تستدعي لغة المؤامرات ومنطق الخرافات وتتقصد عدم الاعتراف بمصالح الآخرين ورؤية حقوقهم الطبيعية في حفظ ذواتهم. وقبل كُل شيء تميل لعبارة أسطورية في عالم السياسة “لأننا أصحاب مأساة، فعلى الآخرين أن يساندوننا، وإن على حسابهم، وإلى أن ننتصر”.

الطريق السورية نحو هذه الهوة الكارثية، بدأ منذ عشر سنوات، ومرّ بأربعة مفاصل أساسية. كانت المعارضة السورية، بنُخبها وتنظيماتها وأيديولوجياتها، مسؤولة عن تلك المفاصل في كل لحظة ومفصل، وما تزال. وهذه المفاصل بالضبط، هي من أسست هذه الكارثة، وساهمت في إيصال السوريين إلى هذه اللحظة، التي تعني فعليا نهاية كل أمل، والعودة إلى ما دون شروط انطلاق الثورة السورية نفسها. فالسوريون اليوم وأحوالهم هي ما دون الصفر بكثير.  

في الشهور الستة الأولى من الثورة السورية، فشلت هذه الجهات المعارضة تماما في القول “ما هو شكل ومضمون الكيان السوري في مرحلة ما بعد الأسد”، إلا بعض العبارات الفلكلورية النمطية المنمقة عن الديمقراطية ودولة المواطنة المدنية واحترام حقوق الإنسان. شيء مما فعلته قوى الحُرية والعدالة في السودان مثلا أو الاتحاد العام للشُغل في تونس، أو عدد آخر من الجهات التي حملت روح الانتفاضات التي جرت طوال العقد الماضي في الدول الأخرى.

كان السوريون يتحججون بأن أوضاع سوريا في ظلال الأسدية كانت أكثر خرابا من تلك الدول، لذلك لم يفرزوا مثل تلك الجهات، وهي حجة متهافتة للغاية، أثبتتها عشر سنوات متراكمة من العمل السياسي. إذ لم يستطع مثلا مئة شخص نخبوي سياسي سوري من الاجتماع وقول شيء بمضمون ومعنى وبإغراء وتأثير على ملايين الشابات والشبان السوريين الذين كانوا الأكثر إيمانا بهذه الثورة.

فشل هؤلاء في إفراز مقولات وطروحات كان من المفترض أن تطمئن السوريين والمحيط الجيوسياسي والقوى الدولية ومؤسساتها على حد سواء. عن شكل الحياة السياسية داخل سوريا مستقبلا، حقوق الجماعات الأهلية والعرقية في ظلال حروبها الباردة والساخنة التي امتدت لعقود، وتملك ذاكرة متبادلة شديدة الغضب والقلق من بعضها، لم يقولوا شيئا عن موقف سوريا المستقبلي من مسائل الهوية والضخ الإيديولوجي، علاقة سوريا المتوقعة من صراعات المنطقة، وشكل الدولة وهويتها ومضمون طاقة المدن الرئيسية وسلطتها المركزية على البلاد. 

عدم قول كل ذلك طوال عقد كامل، جرى بسبب الروح القومية المستترة لأغلبية هذه النخبة، التي كانت تنادي ببعض الشعارات، لكنها تستبطن أسدية عقائدية وروحية عميقة، ظهرت فما تحمله من طائفية وعرقية وميل للتخوين والخلاص الفردي.

المفصل الثاني كان يتمثل في غض النظر عن الإسلام السياسي، العنيف منه بالذات. فحمل السلاح لحماية التظاهرات، الذي بدأ منذ خريف العام 2011، ما لبث أن تحول بعد شهور قليلة إلى إسلام سياسي عنيف، وفي أكثر من بقعة في سوريا، وفوق ذلك كان يملك أجندات وخيارات وتطلعات مستقبلة منافية تماما لما خرج السوريون لأجله، بالذات قيم الحرية والأعراف المدنية وأسس الدولة الديمقراطية.

لسطحية بعض القوى السياسية المعارضة، ولما كان يضمره بعضها الآخر، فإنه لم يكن في القاموس السياسي لهذه المعارضة أية رؤية أو نقد واضح لهذا الإسلام المسلح. فطوال المؤتمرات التي عقدتها في إسطنبول والقاهرة، وحينما أسست المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف السوري، وبعد مرور أكثر من عام ونصف على نشاط ذلك الإسلام السياسي العنيف، فإنه لم يكن من قول فصل تجاه ذلك. كانت السذاجة السطحية متغلغلة في أعماق بعضهم، لدرجة الاعتقاد بإمكانية استغلال الإسلام السياسي في مواجهة الأسد، والذي حدث فعليا أن هذه الأخيرة فقط هي من استخدمت سطحيتهم تلك.

استغلت الأسدية ذلك تماما. فمن جهة تراكمت مخاوف القوى الإقليمية والدولية من أي بديل للأسد، ومن جهة أخرى التصقت الطبقات الاجتماعية الوسطى والعليا والجماعات الأهلية الداخلية المرعوبة من هذا الإسلام السياسي بالأسد تماما. لكن الأهم كان خسارة القضية السورية لأهم عناصرها، المتمثلة بالكتلة المدنية المؤمنة بقيم الحداثة، التي هي البديل الحقيقي والوحيد لنظام الأسد، والتي صارت في وجدانها العميق تماهي بين المعارضة والإسلام المُسلح.

المفصل الثلاث كان كامنا في هذه القابلية المريعة لنسبة واضحة من أعضاء ونُخب هذه المعارضة لأن يكونوا مجرد “أدوات” بيد رجال الاستخبارات وأجندة الدول والأطراف الإقليمية والدولية، الناشطة في المسألة السورية.

ليس في ذلك أية ميول للاتهام أو التخوين، وحيث أن ترسانة واضحة من قرارات وسلوكيات النُخب السورية المعارضة تدل على ذلك بوضوح تام.

إذ كيف يمكن فهم لحظة الكارثة السورية هذه، من دون تذكر أن رأس النُخبة المعارضة هذه باركت غزوا خارجيا لمنطقة من بلادها، غزوا لم يكن يستهدف النظام السياسي الحاكم لذلك البلد، بل جماعة أهلية تكوينية من سكان البلاد، هم الأكراد. وحيث هجرت تلك الغزوات مئات الآلاف منهم، وسمحت لقطعان الرعاع من عناصر فصائلها المُسلحة بنهب مدن ومناطق بكاملها، وإحداث تغيير ديموغرافي مريع بحقهم. شيء في أفضل الأحوال يوازي الأسدية نفسها، ما لم يكن يفوقها.

وكيف أيضا يمكن فهم لحظة الكارثة السورية من دون تذكر تنظيمات مثل جيش الإسلام وأحرار الشرقية، الذين كانوا يعتبرون فعليا ورسميا الأذرع العسكرية لهذه المعارضة، بينما كانوا يمارسون أعتى أشكال الفاشية بحق المختلفين طائفيا وعرقيا. لكن المعارضة كان ترعى هذه التشكيلات العسكرية موضوعيا وذاتيا، استجابة لأجندات إقليمية واضحة الفاعلية.

أخيرا، فإن أفراد وتنظيمات هذه المعارضة أظهرت سمات يُستحال الاعتداد بها، نرجسية فائقة، مضافة لصراعات شخصية متراكمة، ومعها قابلية لا تُصدق للفساد، وسوء قابلية للانتظام، وبعدها جاهزية تامة للانجراف نحو الأهواء، وأخطرها سوء ولاء وإيمان بالقضية التي يعملون عليها.

خلال السنوات الماضية تضخمت الثروات المالية لأغلبية واضحة من أعضاء نُخبة هذه المعارضة، صارت عائلاتهم ومصالحهم خارج البلاد، وشبكة علاقاتهم مع المسألة السورية مُجرد نوع من البريستيج المعارض، لتغطية أفعال شائنة يندى لها الجبين، يُمكن سماعها وتصديقها وإيجاد دلائل عليها في كُل حدب.

طبعا كان ثمة استثناءات، لكنها لسوء طالع السوريين كانت قليلة جدا. فالذين سيطروا على العمل السوري المعارض كانوا مزيجا متهالكا من المُغتربين العاطلين عن العمل مع قادة سابقين مهمشين من الجيش السوري، يكتنزون احتقانا طائفيا مع رغبة مُلحة للظهور والسُلطة والنفاذ إلى العالم الخارجي، ومعهم بعض النُخب الإسلامية المؤدلجة، وهؤلاء جميعا هُم الأكثر خلطا بين السياسية والتجارة واللعب.

سيجلسون على خرائب بلادهم ويصرخون “يااا وحدنا”، لكنهم المُنعمون، والخراب من حصة ملايين الناس، الذين ما كانوا يريدون إلا شيئا واحدا، حياة كريمة، صارت بعيدة تماما.

الحرة

————————————-

السوريون يريدون حلاً لا سراباً/ عبد الباسط سيدا

ليست أوضاع الدول العربية، بصورة عامة، على ما يُرام. هذا معروفٌ لدى المهتمين المتابعين، بل واقع ملموس بين أوساط الناس العاديين لكون الموضوع قد أصبح جزءاً من منغّصات حياتهم اليومية في مختلف الميادين. وربما يختلف الساعون إلى تحديد بواعث هذه الظاهرة المستدامة وخلفياتها وآثارها حول بعض التفصيليات والأسباب؛ ولكنهم يتوافقون بشأن مأساوية الظروف التي يعيشها الناس في معظم تلك الدول التي يعاني بعضها من خلافات داخلية وصراعات حول السلطة، كما الأحوال في السودان وتونس وليبيا؛ بينما يعاني بعضها الآخر من توتراتٍ بينية، كما هو الوضع بين الجزائر والمغرب. هذا في حين أن جملة من تلك الدول قد باتت ضحية التدخلات والمشاريع الأجنبية، لا سيما الإيرانية منها، كما هي الأحوال عليه في سورية ولبنان والعراق واليمن. وهناك دول تعاني من صعوبات اقتصادية تثقل كاهل الناس، وترفع حدّة التذمّر لديهم، ويتجلى ذلك في مثالي مصر والأردن.

وحدها دول مجلس التعاون الخليج تتمتع باستقرار معقول، وهي تمتلك إمكانات مالية ضخمة، وطاقات ومؤهلات بشرية واعدة، كما تتمتع بوزن مؤثر عربياً وإسلامياً ودولياً، غير أن ما نشهده اليوم من مبادرات وتحرّكات فردية من هذه الدولة أو تلك من الدول المنضوية تحت لوائه في التعامل مع قضايا بالغة الحساسية والتأثير، يؤكد أن الأمور داخل المجلس هي الأخرى ليست على ما يُرام، على الرغم من الانطباع السائد بوجود صيغةٍ من التفاهم والتنسيق في المواقف، فما حصل بالنسبة لموضوع التطبيع مع إسرائيل أثار تساؤلاتٍ كثيرة، تمحورت، في معظمها، حول الموقف السعودي الفعلي مما جرى ويجري.

موضوع السلام مع إسرائيل حيوي محوري، عُقدت من أجله اجتماعات كثيرة، وطُرحت مبادرات كثيرة، لعل أهمها مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، وتبنتّها القمة العربية في بيروت عام 2002، وهناك قرارات دولية أممية في هذا الشأن، سيما قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967. ومن شأن الوصول إلى حل عادل لهذا الموضوع أن يفتح الآفاق أمام تنمية مستدامة لصالح جميع دول المنطقة وشعوبها وأجيالها المقبلة. ولكن مثل هذا الحل يستوجب موقفاً جماعياً، يراعي الحقوق الفلسطينية المشروعة. أما المواقف والصفقات الفردية فتُضعف الموقف العربي، ولا تساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. كما أن المواقف الفردية تفتح المجال أمام القوى الإقليمية والدولية للتدخل، وتمكّنها من تجيير المواقف بما يتناغم مع حساباتها واستراتيجياتها؛ وهذا ما تفعله على سبيل المثال إيران من خلال ما يُعرف بـ “محور المقاومة والممانعة”. والأمر كذلك فيما يخص التعامل مع ملفات مختلف الدول العربية، سواء في سورية واليمن والعراق أو في لبنان وليبيا وتونس، أو في السودان وفلسطين.

مناسبة هذا الحديث زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، إلى دمشق، ولقاؤه مع بشار الأسد، وتبادل عبارات المجاملة معه، وسط تكهنات بانفتاح عربي رسمي على النظام، يكون مقدّمة لإعادته إلى جامعة الدول العربية. وبعد جملة من الخطوات التعويمية ضغطت روسيا من أجلها في مختلف الاتجاهات، بهدف تسويق الأسد مجدّداً. وكان لافتا الترحيب الإيراني بالزيارة، وقول الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، إنها أكّدت “هزيمة المشروع الإرهابي”، وذلك في إشارة إلى الثورة السورية التي كانت على استبداد الحكم الأسدي “عماد محور المقاومة” وفساده. هذا في حين أن الولايات المتحدة أعلنت على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، عن قلقها من الإشارات التي ترسلها الزيارات الرسمية إلى سورية، كما بيّن بلينكن مجدّداً أنهم لا يدعمون التطبيع مع النظام، ودعا شركاء أميركا إلى تذكّر الجرائم التي ارتكبها النظام المعني بحق السوريين، وذلك في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في واشنطن. بينما أكد الوزير القطري عدم استعداد بلاده للتطبيع مع نظام الأسد؛ بل أضاف أن بلاده ترى ضرورة محاسبة النظام المذكور على جرائمه التي ارتكبها في حق الشعب السوري. .. وهذا مع العلم أن قانون قيصر الأميركي يفرض العقوبات على الجهات التي تساهم في مشاريع إعادة الإعمار مع نظام بشار، وذلك قبل حدوث عملية انتقال سياسي حقيقية تأخذ بالاعتبار حقوق السوريين.

جاءت الخطوة الإماراتية بعد خطوات ومشاريع فسّرت بأنها تمهيد لفك العزلة عن النظام، منها: مشروع نقل الغاز من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسورية؛ والاتصال الذي تم بين بشار الأسد وملك الأردن عبدالله الثاني، والاتصال الذي تم بين الأول وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، واللقاءات التي تمّت بين وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، ووزراء خارجية دول عربية عديدة في نيويورك. ولكن الأنظار جميعها متجهة اليوم نحو السعودية في انتظار معرفة موقفها الرسمي من هذا الموضوع. هل تعتبر هذه الخطوات مجرّد بالونات اختبار في انتظار التوافق الروسي والأميركي بشأن سورية، وهو توافق من المفروض أنه سيأخذ بالاعتبار مواقف القوى الإقليمية الكبرى، كما أنه سيتفاعل معها من جهتي التأثير والتأثر؟

بكلام آخر: هل السعودية موافقة على الخطوة الإماراتية ومباركة لها، أم أن هذه الخطوة مجرّد مبادرة فردية، يسوّغها مبدأ الحق السيادي، فهي نتيجة اجتهاد شخصي تمليها الحسابات الخاصة بالإمارات وحدها؟ هذا في حين أن ما يجري في سورية والمنطقة من تدخل إيراني شمولي سافر يؤكد أن الحسابات الفردية لا تكون مجديةً عادة في التعامل مع قضايا استراتيجية كبرى تهم الجميع، وتلحق نتائجها السلبية الضرر بالجميع، وتستلزم حلولها تضافر جهود الجميع وتكاملها.

السوريون جميعهم، وفي منأى عن المصطلحات النمطية (موالاة ومعارضة وغيرهما) يرون أن الحل السياسي هو المطلوب في سورية، غير أن هذا الحل لا يمكن أن يكون عبر الإقرار بصوابية مواقف مَنْ أوصل السوريين وبلدهم إلى وضعيةٍ كارثيةٍ غير مسبوقة بكل المقاييس. وما زال يفكر بعقلية انتقامية ثأرية، ويخوّن غالبية الشعب السوري، بل يسخر من دول الخليج ومجتمعاتها، ويتهمها علناً باشتراكها في “المؤامرة الكونية” التي استهدفت نظامه، ودوره المفصلي في “محور المقاومة” الذي خلخل المجتمعات، ودمّر العمران في المنطقة.

ولعل من نافل القول هنا التذكير مجدّداً بأن كل هذا ما كان له أن يحصل لولا سلبية المجتمع الدولي، وتراجعه أمام الإصرارين، الروسي والإيراني، على الاحتفاظ بالأسد عبر دعم نظامه بكل أشكال الدعم. .. من تسبّب في تهجير أكثر من نصف السوريين، وقتل أكثر من مليون سوري، ودمر المدن والبلدات السورية، وقضى على مستقبل جيل كامل، لا تجوز مكافأته بذريعة أن ذلك سيبعده عن النظام الإيراني، والجميع يعلم أن العلاقة بين النظامين أكثر من عضوية، ولا تشمل سورية وحدها، بل تمتد إلى لبنان واليمن والعراق وفلسطين، وتستهدف المزيد. وهناك حديثٌ عن مبادرات وتوافقات و”لا أوراق”، لكن ذلك كله يصطدم بتناقضه مع الوقائع، وتجاهله طبيعة هذا النظام الذي أدمن التقية، وأثبت في جميع المراحل عدم التزامه بأي وعد أو تعهد.

مجلس التعاون الخليجي، بقيادة السعودية، يمكنه التأثير في المواقف العربية والإقليمية والإسلامية، ويستطيع، بفضل تأثيره في الميدان الدولي، أن يتدخّل لإعادة التوازن إلى الوضع المختل في المنطقة، وهذا ما سيكون في مصلحة دوله ومصلحة المنطقة بأسرها. وهو يستطيع، من خلال حوارات إقليمية معمقة مع جميع الأطراف، أن يدفع الأمور نحو تفاهمات وتوافقات، تأخذ بالاعتبار مصالح شعوب المنطقة ودولها، وتمهّد الأرضية لحلول سلمية تضع حدّاً للآثار المدمرة التي تركتها النزاعات والحروب التي تعيشها منطقتنا منذ عقود. ولكن هذا كله يستوجب توحيد المواقف، والتقدّم باستراتيجية متكاملة مبنية على الحلول العادلة التي تقدم معالجة حقيقية، معالجة تتجاوز بدعة المبادرات الفردية التي تشوّش البوصلة، وتهدر الإمكانات والطاقات، ولا تؤدّي إلى المطلوب.

العربي الجديد

————————————

التطبيع العربي مع دمشق.. لتحجيم إيران؟

تأمل الدول التي تعتزم تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، أن يساهم ذلك في تحجيم جزئي للنفوذ الإيراني في سوريا، ومنع المزيد من التدخلات الإقليمية والدولية عبر حضور عربي واسع.

هذا الحضور العربي يتولى دون قيود قانونية ملف إعادة الاعمار وبناء علاقات اقتصادية تستفيد منها تلك الدول، الخليجية الغنية تحديدا، ودول أخرى مثل الأردن والعراق ولبنان بإعادة حركة التجارة المتبادلة مع سوريا.

ويرى المؤيدون لعودة العلاقات العربية مع دمشق أن هناك دولا، من بينها إيران القوة الإقليمية المؤثرة في سوريا، تحاول عرقلة عودة العلاقات العربية السورية إلى سياقاتها الطبيعية، خاصة الدول الخليجية المناهضة لإيران في المنطقة.

إذ سيكون على إيران التوافق مع المتغيرات التي تطرأ على سياسات الحكومة السورية التي لابد أن تكون أكثر انسجاما مع المواقف العربية، وأكثر بعدا عن المواقف الإيرانية تجاه جملة من الملفات الخلافية بين بعض الدول العربية وطهران حول الصراعات في سوريا واليمن، ونفوذ إيران وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدولتين وكذلك لبنان والعراق.

ويرى متابعون أن الرهان على عودة سوريا إلى محيطها العربي وابتعادها عن إيران، غير واقعي في ظل نجاح إيران في بناء أسس نفوذ اقتصادي وعسكري واجتماعي راسخ في سوريا.

هذا النفوذ تعززه حملات التغيير في التركيبة السكانية لصالح الشرائح الاجتماعية الحليفة لإيران في جغرافيات العاصمة ومحيطها، وصولا إلى الحدود اللبنانية وفي جنوب سوريا على الحدود مع الأردن وشرقا باتجاه الحدود العراقية.

ولأول مرة يزور مسؤول إماراتي على مستوى رفيع سوريا بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية والموقف العربي الذي أجمع على رفض انتهاكات النظام السوري، وقتل مئات آلاف المدنيين ونزوح الملايين وتدمير البنية التحتية والتواطؤ مع المشروع الإيراني في المنطقة.

وأجرى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد مباحثات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد فور وصوله إلى العاصمة السورية مساء الثلاثاء 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.

وقالت وكالة أنباء الإمارات الرسمية إن وزير الخارجية أكد حرص أبوظبي على ضمان أمن واستقرار ووحدة سوريا ودعمها لكافة الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية.

ونقلت وكالة أنباء النظام السوري عن مكتب رئيس النظام أن الجانبين ناقشا سبل تطوير التعاون وفرص الاستثمار.

وأشاد رئيس النظام “بالمواقف الموضوعية والحكيمة التي اتخذتها الإمارات التي وقفت دائما إلى جانب الشعب السوري”.

وللنظام السوري علاقات اقتصادية مع الإمارات، تعززت بشكل أكبر بعد تشكيل مجلس الأعمال السوري الإماراتي في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لتفعيل التجارة البينية ودور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين بكل مجالاته التجارية والصناعية والزراعية والسياحية، وإقامة محطة توليد كهرضوئية باستطاعة 300 ميغا واط في دمشق بتنفيذ إماراتي.

وسبق لوزير الموارد المائية بالنظام السوري تمام رعد أن بحث في سبتمبر/ أيلول الماضي في أبو ظبي مع وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي، سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين بمختلف المجالات وخاصة المائية والطاقة.

وانتقدت الولايات المتحدة في تصريحات للمتحدث باسم الخارجية نيد برايس للصحافيين زيارة الوزير الإماراتي، مؤكدا على أن واشنطن لا تدعم أي جهد للتطبيع مع النظام السوري أو إعادة تأهيله، واصفا إياه بـ”الديكتاتور الوحشي”.

ومنذ سنوات لعبت مصر ودول عربية أخرى دورا كبيرا داخل أروقة الجامعة العربية لإعادة شغل سوريا مقعدها الشاغر بقرار “تعليق” عضويتها المتخذ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، مع حزمة عقوبات سياسية واقتصادية شملت تعليق مشاركة وفود سوريا في اجتماعات الجامعة العربية أو أي منظمات أو أجهزة تابعة لها إلى حين قيامها بوقف العنف وتوفير الحماية للمدنيين السوريين.

وتدرك الحكومة السورية أن الاعتماد على إيران أو روسيا لا يمكن أن يتعدى الجانب العسكري إلى الجانب الاقتصادي، الذي ستجد نفسها أمام تحديات اقتصادية هائلة بعد انتهاء الحرب وضرورات الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب ومستلزمات إعادة إعمار ما دمرته الحرب.

لذلك فإن سوريا ترحب بعودة العلاقات مع الدول العربية بشكل عام، والدول الخليجية الغنية بشكل خاص.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تبلغ 388 مليار دولار، بينما توقع الرئيس السوري أن بلاده بحاجة إلى ما بين 250 و400 مليار دولار لإعادة الإعمار والاستعداد لعودة ملايين اللاجئين والنازحين داخليا إلى قراهم ومدنهم الأصلية.

وتتسارع خطوات التطبيع العربي مع النظام السوري بجهود مصرية وإماراتية وأردنية، بالإضافة إلى كل من العراق ولبنان والجزائر، التي من المقرر أن تستضيف القمة العربية الاعتيادية في مارس/ آذار من العام المقبل.

ويأتي الحديث عن التطبيع مع النظام السوري في ظل قناعة دولية وعربية بعدم إمكانية إسقاط النظام، وعبثية مواصلة الرهان على الحل العسكري، واللجوء إلى مسار الحل السياسي والتسوية الأممية وفق مخرجات اجتماع جنيف الأول والقرارات الدولية ذات الصلة، مع قناعات بقطع النظام مراحل متقدمة في طريق استعادة جميع أراضي البلاد تحت سيطرته ثانية.

ويبدو أن النظام السوري في هذه المرحلة يقطع خطوات كبيرة باتجاه استعادة قوته وسيطرته على أراضي البلاد، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عسكرة الثورة صيف 2011، وتشكيل فصائل المعارضة المسلحة، التي أفقدت النظام أكثر من ثلثي مساحة البلاد بحلول عام 2013.

ويسيطر النظام حاليا على أقل من 70 في المائة من الأراضي السورية، فيما تسيطر فصائل المعارضة المسلحة على نسبة تصل إلى 9 في المائة، ونحو 27 في المائة لا تزال تحت سيطرة تنظيمي “بي كا كا” وي ب ك” المسلحين.

الأناضول

———————–

هل اقتربت نهاية عُزلة الأسد؟ المؤيدون والرافضون لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وأسباب كل منهم

عربي بوست

تتباين مواقف حكومات الدول العربية من عودة سوريا لجامعة الدول العربية بعد تجميد عضويتها عام 2011، إثر قمع نظامها الحاكم للاحتجاجات السلمية بصورة دموية.

ومؤخراً، شهد الشرق الأوسط تحولاً تُعيد من خلاله دول عربية حليفة لواشنطن، العلاقات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية، وصلت هذه التغيرات إلى أوجها عندما زار وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد دمشق والتقى بشار الأسد، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

ويبدو أن بعض القادة العرب بدأوا تقبُّل حقيقة استمرار قبضة الأسد القوية على السلطة في بلاده، متذرعين بنتائج الانتخابات التي شهدتها سوريا في مايو/أيار الماضي، والتي أسفرت عن تمديد رئاسة الأسد المستمرة منذ عقدين.

“يرى البعض أن الرهان على عودة سوريا إلى محيطها العربي وابتعادها عن إيران، غير واقعي في ظل نجاح إيران في بناء أسس نفوذ اقتصادي وعسكري واجتماعي راسخ في سوريا”، أرشيفية/ AA

وتأمل بعض الدول التي أعادت علاقاتها مع دمشق أو تعتزم ذلك، أن يساهم هذا الأمر بـ”تحجيم جزئي” للنفوذ الإيراني في سوريا، ومنع المزيد من التدخلات الإقليمية والدولية عبر حضور عربي واسع، فيما يرى رافضون أن الرهان على عودة سوريا إلى محيطها العربي وابتعادها عن إيران، غير واقعي في ظل نجاح إيران في بناء أسس نفوذ اقتصادي وعسكري واجتماعي راسخ في سوريا.

هذا الحضور العربي يريد أن يتولى دون قيود قانونية ملف إعادة الإعمار وبناء علاقات اقتصادية تستفيد منها تلك الدول الخليجية، الغنية تحديداً، ودول أخرى مثل الأردن والعراق ولبنان بإعادة حركة التجارة المتبادلة مع سوريا.

وأدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بما صاحبه من فوضى، إلى تعزيز اعتقاد بين القادة العرب بأنهم بحاجة لرسم مسارهم بأنفسهم. ومع توقع نهج تميل فيه واشنطن إلى الوقوف على الحياد، لانشغالها الآن بالتحدي الذي تمثله الصين أصبحت أولويات القادة العرب تحفز خطواتهم، وعلى رأسها كيفية إصلاح اقتصادهم الذي كبَّلته سنوات الصراع وجائحة كوفيد-19.

المؤيدون والرافضون لعودة سوريا إلى الجامعة العربية

1- الدول المؤيدة لعودة سوريا

    الجزائر: في 10 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، إنه “حان وقت عودة سوريا للجامعة العربية لكن دون التدخل في شؤونها الداخلية”، وأضاف لعمامرة أن بلاده، التي ستحتضن قمة جامعة الدول العربية القادمة، تبحث عن توافُق عربي لضمان عودة سوريا إلى الجامعة، معرباً عن ترحيب بلاده بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي لدمشق ولقائه بشار الأسد.

يُذكر أن الموقف الجزائري بشأن عضوية سوريا في الجامعة العربية ليس بجديد؛ إذ كانت الدولةَ الوحيدةَ رفقة العراق، التي تحفَّظت على قرار تجميد العضوية، كما لم تغلق سفارتها في دمشق طوال سنوات الأزمة هناك.

    العراق: يؤيد العراق منذ سنوات الحرب الأهلية السورية، ضرورةَ عودة دمشق للجامعة العربية. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أكد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين أن بلاده تعمل من أجل عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية.

    مصر: سبق لمصر أن أكدت أنها ليس لديها أي شروط لعودة سوريا للجامعة العربية، وذلك وفق تصريحات سابقة لوزير الخارجية سامح شكري. وفي مارس/آذار الماضي، قال شكري إن “عودة سوريا إلى الحاضنة العربية أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي”.

    لبنان: تعد بيروت من أبرز المؤيدين لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، وكانت من الرافضين لتجميد عضويتها فيها أكثر من مرة.

2- دول عربية طبّعت العلاقات مع النظام السوري دون موقف عودته للجامعة

    الإمارات: أعادت أبوظبي فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وفي عام 2020 اتصل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لأول مرة ببشار الأسد وأكد على “ضرورة وقوف بلاده إلى جانب دمشق في محنتها”.

    وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، زار وزیر خارجية الإمارات عبد الله بن زاید دمشق، والتقى الأسد، وشدّد على “دعم الإمارات لجهود الاستقرار في سوريا”، معتبراً أن ما حصل فيها “أثر على كل الدول العربية”.

    الأردن: شهدت العلاقات بين عمّان ودمشق تذبذباً كبيراً خلال سنوات الحرب، لكن خلال السنوات الأخيرة بدأت العلاقة تتجه نحو فتح الحدود والمعابر التجارية بين الطرفين، وتسارع التطبيع بين اتصال هاتفي بين العاهل الأردني والأسد، وحدوث زيارات رفيعة المستوى بين الطرفين، خلال العام 2021.

    البحرين: في ديسمبر/كانون الأول 2018، أعلنت المنامة مواصلة عمل سفارتها في دمشق، واستمرار الرحلات الجوية المتبادلة بين الطرفين، مؤكدة في أكثر من مناسبة على أن قرار إعادة سوريا إلى جامعة الدول “يجب أن يُتخذ في الجامعة على أعلى مستوى”.

    موريتانيا: لأول مرة منذ عام 2011، عينت نواكشوط سفيراً لها في دمشق في عام 2020، دون إبداء موقف واضح من عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.

    سلطنة عُمان: كانت السلطنة من الدول العربية والخليجية السباقة إلى تسريع التطبيع مع نظام الأسد، حيث أعادت، في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2020، سفيرها إلى دمشق. وحافظت مسقط على علاقتها بالنظام السوري خلال الثورة، وأبقت على سفارتها مفتوحة في دمشق رغم تخفيض تمثيلها الدبلوماسي عام 2012.

3- دول عربية رافضة لعودة دمشق للجامعة العربية

    السعودية: صرّح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بأن الرياض لا تفكر في التعامل مع رئيس النظام السوري الأسد في الوقت الحالي. وأضاف بن فرحان في مقابلة مع “CNBC” الأمريكية، أن بلاده تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة.

    وجاءت هذه التصريحات، في ظل تقارير إعلامية، تفيد بأن الرياض أعادت في مايو/أيار الماضي، فتح قنوات مباشرة مع النظام، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي خالد الحميدان، إلى دمشق ولقائه الأسد، دون تأكيد أو نفي سعودي.

    قطر: في مارس/آذار الماضي، أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن “أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة”. وشدد آل ثاني آنذاك، على “وحدة الأراضي السورية والتوافق على رفض الحل العسكري للأزمة”.

    وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعرب الوزير القطري عن أمله في إحجام دول أخرى عن اتخاذ المزيد من الخطوات للتقارب مع نظام الأسد، فيما تثار تساؤلات بشأن أسماء الدول الأخرى التي قد تحذو حذو الدوحة، التي دعمت قديماً المعارضة المسلحة في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ نحو عقد.

4- دول عربية لم تعلن مواقفها

    حتى الآن، لم تعلن دول المغرب وليبيا والسودان وجيبوتي واليمن وجزر القمر والكويت وفلسطين والصومال موقفاً واضحاً إزاء النظام السوري أو عودته إلى جامعة الدول العربية. لكن في تونس هناك حراك كبير لإعادة العلاقات مع دمشق، ففي أغسطس/آب 2021، حث “الاتحاد العام التونسي للشغل” (أكبر المنظمات النقابية) الرئيس قيس سعيّد، على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، لكن دون تجاوب رسمي واضح.

—————————-

هذا الشرق العتيد.. في تهافت السياسة/ بسام يوسف

قبل عدة أشهر أجرى صحفي أميركي يعمل في “النيويورك تايمز” حواراً مطولاً مع “سيف الإسلام القذافي”، نجل الرئيس الليبي المخلوع، وفي نهاية الحوار يوجز الكاتب خلاصة حواره مع سيف الإسلام القذافي فيقول: (سألتُه عن رأيه في ثورات الربيع العربي، فقال دون لحظة تردد واحدة، “العرب الحمقى دمروا بلدانهم”).

ومنذ عدة أيام أعلن “سيف الإسلام” – الذي دُمرت ليبيا بفضله وفضل والده –  ترشحه لرئاسة ليبيا، رغم أنه مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، وهو من توعد الليبيين عندما ثاروا على حكم والده بالويل والثبور، وقال حينها في حديث له لصحيفة الشرق الأوسط: (حين كانت الأمور بخير كنت معارضاً وإصلاحياً، ولكن عندما يدوس الناس الخطوط الحمراء؛ فأنا أضربهم بالجزمة وأضرب أبوهم كمان بالجزمة).

 لا يمكنك أن تقرأ في التاريخ المعاصر للبشرية، فانتازيا كهذه، إلا في بلدان هذا المشرق العتيد!

وأن تنشب أزمة سياسية تصل حد قطع العلاقات الديبلوماسية بين عدة دول، أمرٌ مألوف في السياسة الدولية، لكن أن يكون سببها المباشر تصريحاً لشخص لا أهمية سياسية أو فكرية أو ثقافية له، وأن فتوحاته العظيمة، وتاريخه كلّه، يمكن تلخيصه ببرامج مسابقات سابقاً، وبكونه حالياً مجرد صدى لجهة ما. وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة، وبغض النظر عن ماوراء الأكمة كما يقال، ألم يجد الساسة والقادة في بلداننا المنكوبة بهم أساساً، إخراجاً أفضل لمسرحية العبث هذه، أليست أيضا فانتازيا خارقة، لكن لا يمكن أن تراها إلا في هذا المشرق العتيد؟!

وأن يزور وزير الخارجية الإماراتي الشيخ “عبد الله بن زايد آل نهيان” سوريا، وأن يلتقي بمن دمّر سوريا، وقتل مليونا من أبنائها، وهجّر نصف شعبها، وهو نفسه من ألقى خطبة عصماء في الأمم المتحدة يوماً ما، تحدّث فيها عن إجرام النظام السوري، وكيف يستهزىء بالجميع ويواصل إجرامه بحق الشعب السوري! ثم يعقب هذه الزيارة سيل من احتفالات وتحليلات عن انتصار إلهي جديد، وعن تغيير معادلات، وانقلاب موازين، هي أيضاً فانتازيا لايمكن أن تراها إلا في هذا المشرق العتيد!

أن يصرح “حسن نصر الله”، الأمين العام لحزب الله، أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى سوريا (هو اعتراف بانتصار سوريا)، وهو صاحب تاريخ طويل من “الانتصارات الإلهية ” التي لم تفعل شيئاً، سوى إيصال لبنان إلى حضيض ينذر بكارثة قد تودي بلبنان، هي أيضاً فانتازيا لايمكنك أن تراها إلا في بلدان هذا المشرق العتيد!

    أي سياسة هذه، وأي ساسة، عندما تنهب هذه البلاد، وعندما تحتلها الجيوش الخارجية، وعندما تفقّر شعوبها، وتجوّع، ويحلم كل من يعيش فيها بالهجرة منها

وأن يصرح الملك عبد الله بضرورة عودة سوريا إلى “الحضن العربي”، لكأن الحضن العربي هو أرض الخلاص، ولكأن هذه البلاد الممتدة من “الأطلسي” إلى “بحر العرب وخليج عمان” تستطيع أن تفعل شيئاً، إلا أن يتكدّس مواطنوها الهاربون منها على حدود الدول الأخرى، طلباً لقليل من الأمن والخبز، هل يحتمل عقل أن يكون بين اللاجئين المحاصرين بالبرد والجوع على الحدود البولونية البيلاروسية، مواطنون من العراق الذي لم يعد في حالة حرب، والمصنّف بين الدول الأغنى نفطياً في العالم، أليست فانتازيا تفوق الخيال، لكنك أيضاً لن تستطيع أن تراها إلا في بلدان هذا المشرق العتيد!

وأن تتصارع الدول، وأن تخوض حروبا عسكرية واقتصادية وسياسية، هو أمر دائم في عالمنا البشع، لكن أن يصبح الهاربون من الموت والجوع والقمع أحد أدوات هذه الحرب، وأن تصبح مصائرهم وحياتهم مجرد أوراق ضغط يمارسها طرف ما على طرف آخر، هو فانتازيا لا يمكنك أن تراها إلا إذا كان هؤلاء اللاجئين من بلدان هذا المشرق العتيد!

أي سياسة هذه، وأي ساسة، عندما تنهب هذه البلاد، وعندما تحتلها الجيوش الخارجية، وعندما تفقّر شعوبها، وتجوّع، ويحلم كل من يعيش فيها بالهجرة منها، وعندما تتباهى شركات الأسلحة بأنّها جربت فعالية ما تنتجه من أسلحة بلحم شعوبها، وبعد كل هذا تصبح أعظم انتصارات سياسييها مجرد زيارة، وعندما لايقبل طغاتها بأقل من 95% للفوز بانتخابات مهزلتهم، وأي ..وأي؟؟!!!

الفاجعة الكبرى في هذا المشهد السوريالي الغريب، هو أن أعظم ما يمكن لسياسيي هذه البلاد فعله، هو أن يكونوا أكثر قبولاً لدى الأطراف الخارجية، وأن تكون انتصاراتهم الكبرى هي تنفيذ ما تطلبه هذه الأطراف، وليس ما تطلبه شعوب هذه البلاد، ومتطلبات تطورها.

إذا كانت السياسة في أبسط تعريفاتها، هي إدارة كل شؤون الدولة الداخلية، والخارجية، وتوزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما، ودراسة وفهم الواقع السياسي وتغييره موضوعياً، فأين يمكننا أن نتلمس الفعل السياسي في هذه البلدان؟

يصح عند توصيف السياسة في بلداننا القول عنها بأنها إدارة التبعية والنهب، مع ما يتطلبه هذا من قمع لأي نفوذ أو قوة داخل هذة البلدان تتعارض مع هذه التبعية، ليس هذا فحسب بل وبما تتطلبه استدامة التبعية من سحق لممكنات التغيير والانتقال إلى الدولة الحقيقية ذات السيادة، وتقويض عوامل قوة ونهوض هذه المجتمعات، وتفويت فرص امتلاك هذه المجتمعات لقرارها.

من أهم دلالات تهافت السياسة في مجتمعاتنا، ليس ضمن الشريحة الحاكمة وحسب، بل وداخل بنيات المجتمع الأخرى، ولاسيما في فئات المثقفين والمفكرين والساسة هو الانشغال كأفراد وجماعات وقوى بما هو هامشي في السياسة، أو هو منفعل، والابتعاد عن محدداتها الأساسية، ومجالاتها المؤسِّسة، وعمّا هو فاعل فيها.

ليست السياسة لدينا سياسة، ولا الحقوق حقوق، ولا البرلمانات برلمانات، ولا الحكومات حكومات، ولا الدول دول، ولا الأحزاب أحزاب، ولا ..ولا… فهل يحق لنا والحال هكذا أن نستغرب شيئاً.

صحيح أن السياسة الحالية التي تقود العالم اليوم محكومة بالتهافت، والابتذال، لكنها في مشرقنا العتيد تفوقت كثيراً على الآخرين في ابتذالها وتهافتها.

تلفزيون سوريا

———————————-

==================

تحديث 17 تشرين الثاني 2021

————————

الإمارات ودمشق وترسيخ “الاستقرار” الاستبدادي في المنطقة/ جوزيف ضاهر

لا تزال الإمارات تسعى باستمرار إلى تغيير استراتيجيتها نحو سوريا منذ عام 2015، والدفع تجاه التطبيع مع النظام السوري يمضي قدماً وإن كان بوتيرة بطيئة.

التقى وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الرئيس السوري في العاصمة دمشق يوم الثلاثاء 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. تشير الزيارة التي قام بها أكبر مسؤول إماراتي- والتي تعد الأولى من نوعها منذ عشر سنوات- إلى بداية توطيد العلاقات بين دمشق وأبوظبي. وقد شهد النهج الإماراتي في التعامل مع الأزمة السورية تحولاً منذ عام 2015، فقد انتقلت الإمارات من الدعم الصريح للمعارضة، إلى اعتزال النزاع، ثم إلى التقارب مع النظام وإقامة علاقات ودية معه، ليتوج هذا المسار في النهاية بإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق في كانون الأول/ ديسمبر 2018، بعد سبع سنوات من إغلاقها.

كانت الإمارات في طليعة الدول العربية المؤثرة التي طبّعت مع دمشق، بعد موافقتها على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. حدث ذلك مع إعادة توجيه واشنطن سياستها الخارجية، وحقيقة أن الشأن السوري لم يعد يشكل أولوية قصوى، إذ ينصب تركيز الولايات المتحدة في ظل إدارة جو بايدن على ضرورة “دعم القدرة التنافسية الأميركية”، لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين- بصفة رئيسية- ثم روسيا. في الوقت نفسه، يحرص حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة على انتهاج سياسات أكثر استقلالية عن واشنطن، مع عجز الولايات المتحدة المتنامي عن الاضطلاع بدور الشريك والضامن الأمني على المدى الطويل.

تعزيز العلاقات السياسية بين الإمارات وسوريا

شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً منذ أواخر كانون الأول 2018. وأصبحت الزيارات والمشاركات المتعددة للمسؤولين السوريين في الفعاليات التي تنظمها الإمارات حقيقة فعلية على أرض الواقع منذ 2019، وقد تزامن ذلك مع زيارة المسؤولين ورجال الأعمال الإماراتيين سوريا.

دأبت الإمارات على تقديم قدر كبير من المساعدات الإنسانية لسوريا من خلال وكالات الأمم المتحدة الموجودة في دمشق التي تعمل بتنسيق وثيق مع النظام السوري. فقد بلغت قيمة المساعدات الإماراتية المقدمة لسوريا في مجالي الإغاثة الإنسانية والتنمية من عام 2012 إلى آذار/ مارس 2021 ما يزيد عن 1.1 مليار دولار، ووفرت الإمارات خدمات أساسية للسوريين داخل سوريا ودول الجوار في قطاعات التعليم والصحة والإسكان والإمداد بالطاقة. علاوة على ذلك، ساهمت الإمارات بما يزيد عن 50 مليون دولار لتمويل برامج ومشاريع إعادة الاستقرار في شمال شرقي سوريا بالتعاون مع شركاء دوليين. وخلال جائحة “كورونا”، أرسلت الإمارات ما لا يقل عن أربع شحنات من اللقاحات إلى سوريا، ووفرت في الوقت ذاته كميات كبيرة نسبياً من الأدوية ومواد التعقيم والمعدات اللازمة لإجراء اختبارات فايروس “كورونا”. وقدم المسؤولون الإماراتيون تلك المساعدات الإنسانية المتواصلة إلى سوريا للتعبير عن تضامن الإمارات مع الشعب السوري.

يشجع المسؤولون الإماراتيون أيضاً على التطبيع مع النظام السوري إقليمياً ودولياً، مع الدعوة أكثر من مرة إلى عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية. اتخذت بلدان عربية أخرى موقفاً مماثلاً من النظام السوري- متأسّيةً بِسياسة التقارب التي اتبعتها الإمارات- لا سيما خلال الأشهر القليلة الماضية. ففي أيلول/ سبتمبر من العام الحالي، وللمرة الأولى منذ عشر سنوات، زار وفد رسمي من وزراء لبنانيين بارزين دمشق، والتقى وزير الخارجية المصري نظيره السوري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعد شهر، أتى دور العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ليعيد التواصل مع الأسد من خلال مكالمة هاتفية هي الأولى بينهما منذ عشر سنوات. قبل بضعة أسابيع من ذلك الاتصال، أعاد الأردن فتح المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين (مركز حدود جابر) بشكل كامل. إضافة إلى ذلك، تم الاتفاق في آب/ أغسطس 2021، بموافقة واشنطن، على نقل الغاز الطبيعي المصري والكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا.

في آذار/ مارس، دعا وزير الخارجية الإماراتي إلى ضرورة التعاون الدولي مع النظام السوري قائلاً إن العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا “تجعل الأمر في غاية الصعوبة”. كانت إعادة انتخاب بشار الأسد أيضاً في أيار/ مايو 2021 بمثابة رسالة ضمنية إلى الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية، مفادها أن النظام السوري باقٍ، وأنه “لا سبيل إلى تقديم تنازلات سياسية من جانبه”. وفي الأشهر التالية، عُقدت اجتماعات جديدة في الإمارات بين المسؤولين السوريين والإماراتيين، لبحث سبل تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين، بما في ذلك الدور الذي يمكن أن تضطلع به الإمارات لإصلاح شبكات المياه والبنية التحتية في سوريا. وفي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر أُعيد تفعيل مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي المشترك.

إلى جانب الهدف الإماراتي المتمثل في الحث على تطبيع العلاقات مع النظام السوري على المستويين الإقليمي والدولي، تسعى أبوظبي أيضاً إلى الاضطلاع بدورٍ في مستقبل سوريا، شأنها شأن الأطراف الفاعلة الإقليمية الأخرى كتركيا وإيران: لكنها لا تمتلك القوة اللازمة لمواجهة النفوذ الإيراني والتركي في سوريا. فخلال السنوات القليلة الماضية ازداد التوتر الذي يشوب علاقات أبوظبي مع أنقرة وطهران، وأدان الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، تصرفات إيران وتركيا في سوريا ووصفها بـ”الاستعمارية” عام 2017. لكن في الآونة الأخير خفت حدة تلك التوترات بعض الشيء. فقد عقدت أبوظبي وأنقرة عدة اجتماعات رفيعة المستوى، من بينها زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، إلى تركيا في منتصف آب/ أغسطس 2021، وبعد تلك الزيارة ببضعة أسابيع، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً.

في الوقت ذاته، بدأ العداء بين الإمارات وإيران في التلاشي منذ صيف 2019. وبعد يومين من زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، وصف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الزيارة بأنها “خطوة إيجابية” تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي، مؤكداً، في اتصال هاتفي أجراه مع نظيره الإماراتي، أن العلاقات الثنائية بين أبوظبي وطهران “تحظى بأهمية خاصة”.

في حين أعرب مسؤولون أميركيون عن قلق واشنطن من هذا الاجتماع “والرسالة التي يبعثها”. وأكدوا مجدداً أن “الولايات المتحدة لن تدعم الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد أو إصلاحه”.

محدودية الفرص الاقتصادية

من شأن توطيد العلاقات السياسية بين أبو ظبي ودمشق أن يؤدي إلى فتح المجال أمام الاستثمارات الإماراتية في مختلف القطاعات الاقتصادية في سوريا. وكما كان الحال قبل عام 2011، ستتركز اهتمامات المستثمرين الإماراتيين بصورة رئيسية على المشاريع العقارية والإنشاءات والنقل والتجارة. فمنذ عام 2017، أصبحت الإمارات ثالث أهم مورد للسلع في سوريا، وبلغت قيمة صادراتها 750 مليون دولار أميركي عام 2020. غير أن صادرات الإمارات هي في معظمها منتجات صينية وإيرانية تمر عبر دبي. ثم يعاد تغيير علامتها التجارية على أنها منتجات إماراتية الصنع من أجل الاستفادة من المزايا التي تقدمها “منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى”: إذ تُعفى دول المنظمة من الرسوم الجمركية على التبادلات التجارية.

بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، عقدت وزارة الكهرباء السورية ومجموعة من الشركات الإماراتية اتفاقية تعاون لإنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 300 ميغاواط في منطقة وديان الربيع بالقرب من محطة توليد تشرين في ريف دمشق. ومن المقرر أن يستغرق بناء المحطة عامين. بيد أن ثمة تعقيدات تكتنف احتمالات تحقيق عائد ضخم على الاستثمارات الإماراتية في سوريا سواء على المدى القريب أو المتوسط. فضلاً عن أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على سوريا لا تزال تشكل عقبة كبيرة أمام المستثمرين الإماراتيين. لذا قد تصبح بسهولة المشاريع العقارية والاستثمارات الكبرى المحتملة في القطاعات الرئيسة من الاقتصاد السوري التي قد تعود بالنفع على دمشق، ورجال الأعمال المرتبطين بالنظام، هدفاً للعقوبات. وفي هذا الصدد، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الاتفاقية الإماراتية- السورية الأخيرة لبناء محطة للطاقة الشمسية في محافظة دمشق ستُعفى من العقوبات الأميركية، مثل مشروع نقل الطاقة المصرية والأردنية إلى لبنان من طريق سوريا. فقد وافقت واشنطن على هذه الاتفاقية باعتبارها تندرج ضمن “فئة المساعدات الإنسانية”، وبالتالي “لن تكون هناك حاجة إلى أي استثناء من العقوبات في هذه الحالة”.

في الوقت نفسه، ركزت الإمارات على الانتعاش الاقتصادي الداخلي والإصلاحات في أعقاب جائحة “كوفيد- 19” والأزمة الاقتصادية المرتبطة بها. وسعت إلى اجتذاب المهنيين ذوي المهارات العالية وتعزيز التجارة والاستثمارات الأجنبية. فعام 2020، تقلص الاقتصاد الإماراتي بنسبة 6.1 في المئة. وقد كان ذلك أول انخفاض في إجمالي الناتج المحلي تشهده البلاد منذ الأزمة المالية عام 2009. وعلاوة على ذلك، فإن احتمالات وجود استثمارات إماراتية كبيرة، وبشكل أعم أي استثمارات أجنبية، في سوريا لا تزال منخفضة بسبب انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، فضلاً عن البنية التحتية المدمرة والفساد المستشري في البلاد بمستويات مرتفعة. وفي هذا السياق، لا يشجع نقص الأرباح الاقتصادية المحتملة، في الأمدين القصير والمتوسط في سوريا، الاستثمارات الإماراتية والأجنبية. فقد سجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصاد السوري قيمة ضئيلة للغاية عام 2020، للسنة التاسعة على التوالي، وفقاً لتقارير “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية”. ولا تزال هناك مستويات دنيا من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة مستمرة من روسيا، وبدرجة أقل من الدول المجاورة مثل لبنان.

لا تزال الإمارات تسعى باستمرار إلى تغيير استراتيجيتها نحو سوريا منذ عام 2015، والدفع تجاه التطبيع مع النظام السوري يمضي قدماً وإن كان بوتيرة بطيئة. ومن المرجح أن تواصل الإمارات القيام بدور قيادي في عودة دمشق إلى الساحة الإقليمية. ومن المحتمل أيضاً أن تؤدي دور الوسيط لمصلحة سوريا، مع الدول الغربية، وبخاصة في ما يتصل بالقضايا التي تهم الغرب مثل “الحرب على الإرهاب”، أو الحاجة إلى “الاستقرار الإقليمي” من أجل وقف “التدفقات الجديدة من المهاجرين” إلى أوروبا.

وعموماً تعكس زيارة الإمارات دمشق وتنسيق العلاقات بين مختلف الأنظمة العربية وسوريا توجهاً واسعاً بالنسبة إلى معظم الأطراف الإقليمية المؤثرة، بدعم من مختلف القوى الدولية. فضلاً عن أن هناك اتجاهاً نحو ترسيخ شكل من أشكال الاستقرار الاستبدادي في المنطقة. وعلى رغم المشاحنات المستمرة بين مختلف دول المنطقة، فإنها تتبنى موقفاً مشتركاً يتمثل في رغبتها في العودة إلى وضع مماثل للوضع الذي كان سائداً قبل الانتفاضات عام 2011.

في هذا الإطار، يُعد إضفاء الشرعية على النظام السوري على الساحة الإقليمية جزءاً من هذه الخطة التي تتزعمها الإمارات ودول أخرى. وقد واكبت ذلك عمليات أخرى مثل وضع حد (على سبيل المثال الانقلاب العسكري في السودان) للاحتجاجات والتجارب الديموقراطية ومحاولات احتواء الجماعات الجهادية.

هذا المقال مترجم عن موقع The Middle East Directions Programme Blog ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

درج

———————–

أبو ظبي… رأس حربة الرجعية الإقليمية/ جلبير الأشقر

شكّلت المملكة السعودية منذ منتصف القرن العشرين وحتى العقد الأول من القرن الراهن قلعة الرجعية العربية الرئيسية. وكان ذلك متناسباً مع حجم المملكة من حيث مساحتها وموقعها الجغرافي في قلب الجزيرة العربية وإشرافها على الأماكن المقدسة وتعدادها السكاني وبالطبع ثروتها النفطية. وقد ارتبط ذلك الدور ارتباطاً وثيقاً بالعلاقة الاستراتيجية التي نسجتها المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكية عند نهاية الحرب العالمية الثانية، بحيث كانت المملكة حليف واشنطن الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط خلال حقبة الحرب الباردة، بمواجهة الحركة القومية العربية مدعومة من الاتحاد السوفييتي. وقد يسّر قيام المملكة بذلك الدور الاستقطاب السياسي الحاد الذي ميّز تلك المرحلة التاريخية والذي جعل واشنطن تنهج نهجاً محافظاً للغاية، توافقَ مع الطابع المحافظ للغاية الذي ميّز المملكة منذ نشأتها.

هذا وقد شهدت المنطقة تحوّلاً خطيراً خلال السنوات الأخيرة، لم يحز بعد على ما يستحق من اهتمام وتحليل. يقوم هذا التحوّل على صعود دور إمارة أبو ظبي ووليّ عهدها، محمد بن زايد، في زعامة الرجعية العربية. فيكفي النظر إلى الدور الخطير الذي تلعبه أبو ظبي في شتى ساحات المنطقة الساخنة، في اليمن والسودان وليبيا وتونس وسوريا، بدون أن ننسى الساحة الفلسطينية واحتضان أبو ظبي لمحمد دحلان، ناهيكم بالطبع من العلاقة الاستراتيجية التي حاكتها الإمارة مع الدولة الصهيونية والتي باتت الآن مكشوفة إلى حد الوقاحة.

وصفنا قبل سنة تحديداً على هذه الصفحات ما أسميناه «الحلف الثلاثي الرجعي» مكوّناً من أبو ظبي ومصر السيسي وروسيا («الحلف الثلاثي الرجعي: موسكو وأبو ظبي والقاهرة» 17/11/2020). وقد اتّضح مع الزمن دور أبو ظبي الريادي في هذا التحالف، الذي تؤازره المملكة السعودية أحياناً بدون أن تشارك على الدوام في نشاطاته، مثلما هي الحال في ليبيا على سبيل المثال، ومثلما بيّنه بقاء الرياض حتى الآن خارج دائرة التطبيع، بل التحالف المكشوف، مع إسرائيل الذي تخوض فيه أبو ظبي والقاهرة، وبقاء الرياض كذلك خارج دائرة التطبيع مع نظام آل الأسد، آخر حلقات هجمة أبو ظبي الإقليمية الرجعية. فما هي الظروف الدولية والإقليمية التي تكمن وراء هذا التحوّل المهم، فضلاً عن الطموح الشخصي لوليّ عهد أبو ظبي وموقفه الشخصي الغارق في الرجعية؟

أهم الظروف المُشار إليها هو بالتأكيد خروج العالم من حقبة الحرب الباردة والتغيّرات التي طرأت على موقف الولايات المتحدة، لاسيما إثر إخفاق مشروعها في الهيمنة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط من خلال الحرب التي شنّتها على العراق في عام 1991، عند نهاية الحرب الباردة، ومن ثم احتلالها لبلاد ما بين النهرين الذي انتهى بفشل ذريع إذ اضطرّت إلى الانسحاب منها وقد باتت حكومتها خاضعة للوصاية الإيرانية. تنضاف إلى هذه المعطيات السيرورة الثورية التي اندلعت في المنطقة العربية قبل عشر سنوات والتي كانت بالطبع مصدر ذعر شديد لدى القوى المحافظة الإقليمية.

وما أذعر هذه القوى بصورة رئيسية هو أن واشنطن تحت رئاسة باراك أوباما آثرت أن تجاري «الربيع العربي» حفظاً لمصالحها وتماشياً مع ادعاءاتها الأيديولوجية الديمقراطية، وقد اتكلت في ذلك على وساطة دولة قطر.

امتعضت من ذلك كافة أطراف القطب العربي المحافظ، بيد أن المملكة السعودية استمرت بمسايرة واشنطن، لاسيما بسبب ذعرها الأكبر من جارتها الإيرانية. أما أبو ظبي فليس لديها هاجس إيران بمثل ما لدى المملكة، بل غدت الانتفاضات الإقليمية هاجس بن زايد الرئيسي. كما أن أبو ظبي أقل ارتهاناً بأمريكا بكثير مما هي المملكة. لذلك رأينا الإمارة تبدأ بنسج علاقة وطيدة مع موسكو، التي باتت تحتل بامتياز مكانة القوة العظمى المدافعة عن النظام العربي القديم بشتى مكوناته، مثلما أثبتت أولاً من خلال تدخلها لإنقاذ نظام آل الأسد. بل أخذت أبو ظبي تتدخّل في السياسة الأمريكية الداخلية، بما يشبه تدخّل بنيامين نتنياهو الذي تعدّى كل ما فعلته الحكومات الصهيونية قبله. فقد دعمت أبو ظبي بالتعاون مع روسيا حملة دونالد ترامب الرئاسية في عام 2016، بحيث خوّل ترامب إليها إدارة سياسته الإقليمية بعد فوزه، وقد جعلته يحثّ الرياض على مقاطعة قطر التي بدأت بعد أيام من زيارته للمملكة، أولى زياراته الخارجية بعد توليه الرئاسة. أما وقد خسر ترامب معركة تجديد رئاسته، فقد توطّدت العلاقة بين أبو ظبي وموسكو، التي كانت أواصرها قد اشتدت من خلال تدخلهما المشترك مع القاهرة في الساحة الليبية. ونرى اليوم تحوّل الحلف الثلاثي المذكور أعلاه إلى حلف رباعي مع انضمام الدولة الصهيونية إليه، وقد جعل ذلك ممكناً انتقال أبو ظبي إلى علاقة سافرة مع هذه الأخيرة. ومن المرجّح أن تشهد سوريا في الأشهر القادمة تبعات ذاك التحول، لاسيما في ما يتعلق بالدورين الإيراني والتركي على أرضها.

كاتب وأكاديمي من لبنان

———————–

سقف «التطبيع» مع دمشق… ومآلاته/ إبراهيم حميدي

بعد جرعات «التطبيع العربي» الأخيرة مع دمشق، هناك توقعات من دول عربية رئيسية لـ«خطوات سورية» قبل الإقدام على مبادرة سياسية أكبر تتمثل بعودة دمشق إلى الجامعة العربية خلال القمة العربية المقررة في الجزائر في ربيع العام المقبل.

وبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، لدمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي، واجتماع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، مع عدد من نظرائه في نيويورك قبل شهرين، ومشاركة مدير إدارة المخابرات اللواء حسام لوقا في «المنتدى العربي الاستخباراتي» في القاهرة قبل أيام، اتجهت الأنظار إلى الخطوة المقبلة في مسار التطبيع ومن يقوم بها.

وعُقدت في الأيام الماضية، سلسلة لقاءات علنية وغير علنية بين مسؤولين عرب وأجانب لبحث الملف السوري للبحث عن تنسيق بين الأطراف المنخرطة «كي لا يكون التطبيع مجانياً»، حيث جرى وضع سلسلة أفكار على مائدة الدول العربية الأساسية.

وبالنسبة إلى هذه الدول، فإنها ترى أنها قامت بـ«الخطوة الأولى» مع دمشق، وبالتالي فهي تنتظر «خطوات سورية مقابلة»، قبل أن يمضي قطار التطبيع إلى محطاته المقبلة، وتتعلق التوقعات العربية الفردية أو الجمعية بثلاثة مستويات:

الأول، ملفات سورية، مثل التعامل الإيجابي مع العملية السياسية واجتماعات اللجنة الدستورية التي يجري التفكير الأممي بعقد جولتها السابعة في 13 الشهر المقبل بتسهيل من المبعوث غير بيدرسن، ومع ملف عودة اللاجئين والمعتقلين والنازحين، وانتهاءً بتطبيق القرار 2254.

الثاني، توقعات جيوسياسية، تخص الوجود الإيراني في سوريا والتوغل التركي في شمالها واحتمالات فتح أقنية بين تل أبيب ودمشق. لم تعد المطالب تركز على إخراج إيران بشكل كامل من سوريا، بل تدور التوقعات على تخفيف الدور الإيراني وإعادة تعريفه أو تذويبه، إضافةً إلى تراجع تقديم سوريا دعماً لوجيستياً – عسكرياً – تدريبياً لإيران في ملفات أخرى تخص دول عربية.

وتنطبق واقعية التوقعات ذاتها على الدور التركي الذي بات مستقبله مرتبطاً بالتفاهمات بين موسكو وأنقرة (وطهران)، حيث تبدي دول عربية استعدادها لتقديم دعم سياسي للحكومة السورية للعودة إلى «الحضن العربي»، لكنها تتردد قبل تقديم دعم عسكري باعتبار أن عواصم عربية عدة فتحت مشاورات مع أنقرة تخص أموراً ثنائية وإقليمية، وليست بصدد الدخول في مواجهة عسكرية.

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فهناك رهان لدى بعض الدول على تقريب دمشق من تل أبيب على أمل إبعادها عن طهران، مدعوم برهان على التنسيق العميق بين روسيا وإسرائيل ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا.

الثالث، مستوى ثنائي، يخص تعاون دمشق في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة وضبط الحدود مع الأردن، ووقف تهريب المخدرات إلى الدول العربية سواء من حدود الأردن أو من الموانئ السورية واللبنانية، إضافةً إلى التعاون بعدم تقديم «دفعات إضافية» من اللاجئين إلى الدول الجوار.

أميركياً، لم تمنع واشنطن الدول العربية من التطبيع مع دمشق، وهي تطلب من هذه الدول الحصول على «تنازلات سورية» داخلية أو جيوسياسية مع تذكيرها بـعقوبات «قانون قيصر». لكن واشنطن، في الوقت نفسه أبلغت دولاً أوروبية بضرورة الحفاظ على «اللاءات الثلاث»: لا لتمويل إعمار سوريا، لا لفك العزلة، لا لرفع العقوبات قبل تحقيق تقديم بالعملية السياسية وفق 2254.

وبالفعل، لا تزال الدول ملتزمة مواقفها وأدرجت (أمس) وزراء سوريين جدداً في العقوبات، لكنّ عدداً من الدول الأوروبية بدأ يطرح أسئلة عن مستقبل السياسة الأوروبية المرتبكة بين ثلاثة اتجاهات: استعجال دول عربية تطبيعها مع دمشق، والشكوك الكبيرة خصوصاً من فرنسا وألمانيا من جدوى الانخراط مع روسيا التي تزيد الضغط على أوروبا بـ«سلاح اللاجئين» من بوابة بيلاروسيا، ونصائح أميركية بالتزام السياسة التقليدية مع سوريا من دون استثمار سياسي لتنفيذ هذه النصائح.

جرعات التطبيع العربي جدّدت الدعوة لضرورة التوصل إلى صيغة دولية – عربية لمقاربة «خطوة مقابل خطوة» تحدد المطلوب من دمشق والحوافز المقدمة إليها، لكن لم يظهر تفاهم جماعي على ذلك بعد. وأمام اختلاف الأولويات ومدى قدرة كل دولة على الصبر وقبول الواقع السوري الجديد وتحمل منعكساته، يبدو أن المسار الأقرب إلى التحقق هو اختراقات ثنائية لـ«تعاون» دمشق في ملفات محددة مقابل لقاءات سياسية علنية أو سرية… ومكـافآت اقتصادية لدمشق يسمح بها «قانون قيصر» الأميركي أو يروج لها «القيصر» الروسي.

————————–

العراق: دول عربية عديدة أعادت علاقتها مع الأسد سراً

العراق: دول عربية عديدة أعادت علاقتها مع الأسد سراً الخارجية العراقية: استقرار الأوضاع في سوريا يعود بالنفع على العراق (Getty)

أشار وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين إلى أن دولاً عربية عديدة أعادت علاقاتها مع النظام السوري بشكل سري، مضيفاً أن بلاده تشجع تطبيع العلاقات مع النظام.

وقال الوزير العراقي في حديث مع قناة “سي أن أن” الأميركية: “أعتقد أن معظم الدول العربية هذه الأيام بدأت في إقامة علاقات مع النظام، بعضها أعلن ذلك والبعض الآخر لم يعلن”، مؤكداً أنه “في غضون فترة قصيرة، ستكون هناك علاقات طبيعية بين العديد من الدول العربية والنظام”.

وتابع: “علاقات العراق الدبلوماسية مع النظام لم تنقطع أبداً، ولطالما شجعنا الدول العربية على أن تكون لها علاقات طبيعية مع دمشق”، لافتاً إلى أنه “كونها دولة غير مستقرة، فإن سوريا تخلق الكثير من المشاكل في العراق، وبالتالي فإن استقرار الأوضاع في سوريا يعود بالنفع على العراق”.

وفي أيلول/سبتمبر، قال الرئيس العراقي برهم صالح إن “الأزمة السورية واستمرار تداعياتها الإنسانية بات أمراً غير مقبول”، مشيراً إلى أن “هناك بؤراً خطيرة للإرهاب تعتاش على ديمومة الأزمة وتهدد بلدنا وكل المنطقة، وآن الأوان لتحرك جاد لإنهاء معاناة السوريين”.

وفي آب/أغسطس، بحث رئيس النظام بشار الأسد في اتصال هاتفي مع نظيره العراقي برهم صالح “العلاقات الثنائية والتعاون في مكافحة الإرهاب بين البلدين”.

وفي العام 2018، قاد العراق مع دول عربية عديدة مساعي لعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية.

وتتباين مواقف الدول العربية حول قضية تطبيع علاقاتها مع النظام السوري. ففي 9 تشرين الثاني/نوفمبر، التقى وزير الخارجية الإماراتية عبد الله بن زايد ببشار الأسد في العاصمة السورية دمشق، وسبقه اتصال أجراه الملك الأردني عبد الله الثاني بالأسد، كان الأول من نوعه منذ العام 2011.

بدوره، قال وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة إن بلاده التي ستحتضن قمة جامعة الدول العربية المقبلة، تبحث عن توافق عربي لضمان عودة سوريا إلى الجامعة.

بينما تتخذ الحكومة المصرية موقفاً أقرب إلى الرمادية من النظام السوري، إذ نفى وزير الخارجية المصرية سامح شكري، وجود خطط لزيارة مصرية إلى دمشق، على غرار الزيارة الإماراتية.

وقال شكري خلال مؤتمر صحافي في واشنطن في 10 تشرين الثاني: “لقد عبّرنا عن الموقف المصري تجاه الأوضاع في سوريا في اللقاء مع وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، ونحن ننظر بكثير من الألم لما أصاب سوريا من تدمير مع وجود عناصر إرهابيين يستحوذون على الأراضي السورية”.

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية القطرية عدم نيتها تطبيع علاقاتها مع الأسد، في المرحلة الحالية. وقال وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن في واشنطن منذ أيام: “لا نفكر حالياً في التطبيع مع نظام الأسد، ونعتقد أنه يجب محاسبته على جرائمه”.

————————–

عن تأهيل بشار ووضع عربي رسمي تائه.. إلى أين؟/ ياسر الزعاترة

عكست مساعي بعض الأنظمة العربية إلى إعادة الشرعية لنظام بشار، في الوقت ذاته الذي تعانق فيه الكيان الصهيوني؛ حجم التيه الذي يعيشه النظام العربي الرسمي في هذه المرحلة الحسّاسة من مراحل التاريخ.

ونقول إنها مرحلة حسّاسة، لأنها مرحلة انتقال تاريخي في المشهد الدولي، بوجود صراع محتدم بين القوى الثلاث الكبرى (أمريكا، الصين وروسيا)، على امتلاك القوة ومواقع النفوذ، وبحضور لا بأس به لعدد من  القوى الباحثة عن دور في العالم الجديد، بجانب صراع الإقليم الذي لم ينته فصولا، والذي تتصدّره إيران وتركيا، بجانب وضع عربي متشرذم، وبوجود الكيان الصهيوني الذي يعتقد أن لحظته المناسبة لتصفية القضية الفلسطينية قد حانت، إثر محاولتين سابقتين فاشلتين؛ بعد “أوسلو”، وبعد غزو العراق.

لا بد من حديث هنا قد يطول بعض الشيء (وربما كان مكرّرا) عن الشأن السوري الذي لم ينته الجدل بشأنه، وكان الأكثر تعقيدا بين المشاهد العربية الأخرى خلال “الربيع العربي”، حيث واجه الشعب السوري حالة بالغة التعقيد، ما كان لها أن تمنحه انتصارا على نظام الطاغية؛ رغم فرادة الأخير بين الأنظمة العربية، بل بين أنظمة العالم لجهة تحكّم أقلية طائفية لا تتجاوز 10% من السكان في بلد كامل.

نقول ذلك لأن هناك من يعتقد أن بعض الأنظمة قد انقلبت من النقيض إلى النقيض، من حيث سعيها لإسقاط النظام، ثم العمل على دعمه راهنا، فيما الحقيقة أن أيا منها لم يكن مع إسقاط النظام، الأمر الذي لم تمنعه إيران وروسيا وحسب، بل أيضا القوى التي عملت في الظاهر ضد النظام مثل أمريكا والغرب، إذ أجمعت كلها على المقاربة الإسرائيلية ممثلة في تحويل سوريا إلى “ثقب أسود” يستنزف الجميع، من دون إسقاط النظام، وهي المقاربة التي ناسبت تلك الأنظمة العربية، لجهة التقائها مع مشاغلة إيران في سوريا.

باستثناء تركيا وقطر؛ لم تكن لدى أي طرف نية لإسقاط النظام،  فالجنوب كان محكوما لإرادة غرفة “الموك” بمحدّداتها الواضحة، فيما كان المشهد برمته محكوما لمحدّدات في التسليح؛ بـ”الفيتو” الأمريكي الصارم على السلاح النوعي (المضاد للطيران)، والذي كان وحده القادر على منع سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها الروس في مناطق الثوار، باستثناء مناطق  الأكراد، وحيث يتواجد الأمريكان.

شبيحة النظام وأنصاره كانوا يعرفون هذه الحقيقة، لكن حديثهم عن “المؤامرة الكونية على نظام الممانعة”، كان جزءا من الدعاية. واللافت هنا أن القوة الأكبر في المشهد العربي (مصر)، كانت محايدة في الصراع، مع آخرين داعمين سياسيا، كما حال الجزائر ودول أخرى؛ بينما بقي الآخرون مع المقاربة التي ذكرناها آنفا، لأن انتصار الثورة كان يعني الكثير لمسيرة الربيع العربي” الذي مثّل الشيطان الأكبر في عرفهم، ودفعوا وما زالوا يدفعون لأجل شطب ما تبقى من روائحه السياسية والفكرية.

تنبع أهمية المشهد السوري من وقوعه بين بُعدين: علاقته بمشروع التمدد المذهبي الإيراني، وكونه جزءا من  ربيع العرب. وهنا تحديدا؛ كان من الطبيعي أن تتقدّم أولوية حرب الثاني على الأول، مع قدر من إقناع النفس بأن دعم النظام سيبعده بهذا القدر أو ذاك عن إيران، مع أن ذلك محض وهمٍّ كبير، لأن حضور الأخيرة في سوريا لم يعد رهنا بقرار عابر من بشار، بل هو حضور متغلغل في الدوائر الأمنية والعسكرية، بل وبعض المدنية أيضا؛ رغم مساعي روسيا لتحجيمه، تبعا لحساباتها الخاصة، ومن ضمن ذلك العلاقة الخاصة مع الكيان الصهيوني.

قد تحضر هنا بعض المصالح الخاصة، كما في الحالة المصرية التي ستستفيد من إيران من الناحية الاقتصادية عبر البوابة العراقية، وكما هو حال الأردن الذي يرتبط بمصالح اقتصادية مهمة مع سوريا، وكذا مع العراق (إيران قبلت منهما الحياد في الملف السوري؛ تبعا لأهمية موقفهما)، لكن أساس المعضلة الراهنة يتمثّل في حالة التيه التي يعيشها النظام العربي الرسمي، والتي نتجت عن أولوية حرب “ربيع العرب” و”الإسلام السياسي” على كل الأولويات الأخرى، أكانت المواجهة مع مشروع التمدّد الإيراني، أم منع المشروع الصهيوني من تحقيق هدفه بتصفية القضية الفلسطينية؛ دون خطوات جدية لمحاصرته، كما كان الحال دائما.

في محاور القوة العربية الراهنة، يغيب الثقل المصري، وتراه يجامل إيران ويجامل الكيان الصهيوني أيضا، كما لم يفعل من قبل، فيما تراوح أخرى بين محاربة إيران بالصوت، وبين التحالف مع الكيان الصهيوني، أو الدعم الضمني المتحفظ لاعتبارات ما، في ذات الوقت الذي تراها متورّطة ومتناقضة في اليمن الذي يتقدم الحوثيون نحو إحكام السيطرة عليه، دون ردّ مقنع.

صحيح أن إيران مأزومة في العراق وسوريا ولبنان، لكن الحقيقة أن نفوذها ليس مُهدّدا بتراجع لافت قريبا، أما السيناريو الأسوأ، فيتمثل في تفاهمات أمريكية إيرانية يرضى بها الإسرائيليون، وتعطي إيران نفوذا في الدول التي سيطرت عليها تقريبا، فيما يتقدم الصهاينة نحو تصفية القضية، والذهاب أبعد في اختراق المنطقة، وبذلك يضيع العرب بين المحورين، فيما يكون حضورهما في المشهد الدولي المتغيّر أقل تأثيرا.

معادلة شيطانية تحتاج معجزة للخروج منها، والمعجزة هي ترميم حقيقي للوضع الرسمي العربي يعيد ترتيب أولوياته من جديد، مع تفاهمات مع تركيا وإيران، تأخذ مصالح الشعوب في الاعتبار، بعيدا عن الأحلام والأوهام، وتحسّن فرص الاستفادة من الصراع الدولي الراهن.

عربي21

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

==================

تحديث 18 تشرين الثاني 2021

———————-

في التطبيع مع بشار/ بكر صدقي

فتحت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق باب التحليلات والتكهنات على اتساعه. وفي حين يعتبر إعلام «دول المحور» هذه الزيارة بمثابة اعتراف «دول التحالف» بانتصار بشار على شعبه، تسعى هذه الأخيرة إلى تقديم الأمر على أنه في إطار تصور للحل يقوم على مبدأ «خطوة مقابل خطوة» على ما تفيدنا «اللا – ورقة» الأردنية.

تقوم فكرة اللا ورقة على أساس أن نظام بشار يمر بضائقة كبيرة، اقتصادية أساساً مع أبعاد سياسية أيضاً، بل بأزمة حكم تتجلى في عدم قدرة النظام على الحكم بصورة عادية، لتجد هذا الأساس مناسباً لإغراء النظام بحوافز «لا يمكنه رفضها» للحصول منه على تنازلات تتمثل في «تغيير سلوكه».

لا يمانع النظام، بالمقابل، في تلقي الحوافز، وبخاصة الإعلامية منها كالتطبيع وفتح قنوات الاتصال مع خصوم الأمس، فهو مما ينفع للزعم بأن «الآخرين» قد أدركوا خطأهم و«عادوا إلى دمشق»!. بكلمات أخرى: ينفع التطبيع في التأكيد على أن النظام كان (وما زال) على حق في الحرب التي شنها على الشعب، وفي أنه الدليل القاطع على انتصاره فيها باعتراف الخصوم قبل الحلفاء.

أما إذا أدى التطبيع المجرد، أي الإعلامي، إلى إجراءات عملية كالحصول على مساعدات اقتصادية أو استثمارات في قطاعات حيوية كالكهرباء أو الوقود أو تنشيط التجارة الخارجية، فهذه مكافآت لا مانع من القبول بها على موافقته على التطبيع، أي قبوله لاعتذار خصوم الأمس. أما أن يتوقع هؤلاء ثمناً مقابل ذلك فهذا أمر مفارق لعقل النظام ومنطقه: متى كانت إعادة الحق إلى نصابه ديناً يتوجب الوفاء به؟ وبخاصة إذا كان في الثمن المطلوب إخلال بـ«السيادة الوطنية» كالمطالبة بطرد الإيرانيين وميليشياتهم، أو إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، أو تيسير وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق «الإرهابيين» أو كبرى الكبائر: المضي في الحل السياسي وفقاً لقرارات مجلس الأمن تحت مظلة الأمم المتحدة!

فمن قال إن هناك مشكلة سياسية في سوريا، أصلاً، ليتنطح الآخرون لتقديم حلول؟ الإرهاب وتم الانتصار عليه، الاقتصاد أقلع كما فهمنا من نص كلمة بشار في مستهل ولايته الرابعة، تأهيل البنية التحتية التي خربها الإرهابيون جارية على قدم وساق كما تقول وسائل إعلام النظام، والشعب قال كلمته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بالتصويت بأغلبية ساحقة لبشار الأسد، معبراً بذلك عن تأييده لـ«لقيادته الحكيمة» وتجديد ثقته به. وما مشاركة «وفد وطني» (لا يمثل الحكومة السورية ولا يلزمها بشيء) في اجتماعات اللجنة الدستورية المزعومة في جنيف إلا لإرضاء الحليف الروسي ومساعدته على التظاهر بالبحث عن «حل سياسي» وللرد على مزاعم واتهامات «الوفد الآخر» وإفشال خططه المعادية لسوريا.

الفقرة السابقة ليست من نوع الفانتازيا الساخرة ولا الافتراء، بل هكذا يفكر النظام ويتصرف ويقول. ولا هو تصوير لبروباغندة النظام، بل لقناعاته الحقيقية. فإذا حدث بعض التململ في القاعدة الاجتماعية للنظام، كما رأينا في عديد الأمثلة خلال السنتين الماضيتين، بسبب الوضع الكارثي في شروط الحياة، وساورت النظام ظلال شك في صحة خياراته، جاء التطبيع الاعتذاري لبعض الدول ليبدد تلك الظلال تماماً، ويعيد تثبيت القناعات الراسخة حول صحة و«حكمة» تلك الخيارات. حتى العم رفعت أدرك خطأه وعاد إلى جادة الصواب بملء إرادته!

لا بد لنا هنا من تأويل الفرقعة التي أطلقها جورج قرداحي ضد السعودية ودول الخليج، في الإطار نفسه. فما قاله الوزير اللبناني المعروف بولائه لنظام الأسد يعبر عن «رد في المكان والزمان المناسبين» على مبادرات التطبيع التي يراد لها أن تشكل «حوافز» للنظام من أجل «تغيير سلوكه» وفقاً للتعبير الأمريكي. يقول النظام، على لسان قرداحي، إن على مقدمي الحوافز أن يغيروا سلوكهم تجاهه، وليس العكس. النظام يقبل الاعتذار وتغيير السلوك من الآخرين، مقابل «العفو عما مضى». ربما تساعد كنية الوزير اللبناني أيضاً في التأكيد على أنه إنما ينطق بلسان آل الأسد المتحدرين من قرية القرداحة، بصرف النظر عما إذا كانت قرداحة القرداحي مطابقة جغرافياً أم لا لقرداحة الأسد.

سوابق النظام تبرر هذه القراءة. ففي العام 2009 جاء العاهل السعودي إلى دمشق، بعد قطيعة استمرت سنوات بسبب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ومن هناك انتقلا معا إلى بيروت. كانت الزيارة حافزاً لبشار الأسد، من وجهة نظر السعودية، لتيسير أمر تشكيل الحكومة اللبنانية. وكان رد الأسد وحزب الله، ومن ورائهما إيران، هو تعطيل البرلمان اللبناني.

أما الدول الغربية فمشكلتها مع نظام الأسد تكاد تتلخص بموضوع تدفق اللاجئين. حتى رغبة الأمريكيين في الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، يبدو أنها تراجعت، وفقاً لما سربته صحيفة «الشرق الأوسط» أخيراً. فإذا كانت تلك الدول تسعى إلى تنازلات من النظام مقابل الحوافز، فهدفها هو أن يوفر النظام، من خلال «تغيير سلوكه» تجاه محكوميه، ولو بشكل طفيف، لخلق بيئة مناسبة لعودة اللاجئين إلى سوريا. ولكن من قال إن النظام لا يتعامل مع موضوع اللاجئين كسلاح في وجه الدول المضيفة لهم لترضخ هي لشروطه؟ أي لكي يقبل اعتذارها ويطبّع العلاقات معها، كما يفعل اليوم مع الإمارات والأردن. منظمة العفو الدولية وثقت، الشهر الماضي، كيف تستقبل أجهزة مخابرات النظام العائدين إلى سوريا، من تعذيب واغتصاب وقتل تحت التعذيب. ليس هذا التعامل مجرد انتقام ممن غادر البلاد في سنوات الثورة والحرب، بل أيضاً رسالة إلى دول الغرب مفادها أنه لا يريد عودة اللاجئين، وأن أقصى ما يمكن أن تتمناه تلك الدول هو أن يخفف من تدفق لاجئين جدد إذا قدمت له حوافز مناسبة، لا أن يوقفه تماماً.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

واشنطن بوست: العقوبات الأمريكية على النظام السوري تمنع من تقدم الدول العربية في تطبيع العلاقات معه/ إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته ليز سلاي وسارة دعدوش قالتا فيه إن التواصل العربي مع الأسد يزيد من آمال سوريا للعودة إلى الحظيرة العربية.

وأضافتا أن الرئيس السوري بشار الأسد، حظي في الأسابيع الماضية بدفعة مهمة، حيث عبرت دول عربية مهمة عن الرغبة بإعادة التواصل مع النظام الذي نبذ لعقد من الزمان، مما زاد من آمال دمشق بتدفق للإستثمارات والمساعدة في إعادة إعمار البنية التحتية والأقتصاد المحطم.

وكانت المكالمة الهاتفية في الشهر الماضي بين الملك الأردني عبد الله الثاني والأسد أعلى مستوى من التواصل سوريا والدولة العربية الحليفة للولايات المتحدة ومنذ عدة سنين. وزادت زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد واجتماعه مع الأسد في الأسبوع الماضي من اقتراب نهاية عزلة سوريا عن جيرانها.

وتعلق الصحيفة أن هذه الزيارات تعلم استعدادا من الدول العربية التي دعمت المعارضة السورية وطردت سوريا من الجامعة العربية، للقبول بنجاة الأسد المحتومة. ونقلت الصحيفة عن المحلل الإماراتي عبد الله عبد الخالق قوله “بعد حوالي 11 عاما من المقاطعة والإنقطاع، فقد حان الوقت لطي الصفحة وبداية فصل جديد في تاريخ سوريا وجلبها إلى الحظيرة العربية”. وتعلق الصحيفة إن هناك الكثير من المعوقات لا تزال قائمة بعد عقد من الحرب التي أدت لحالة استقطاب في المنطقة ودمرت سوريا ولا تزال مستمرة حتى الآن، مع أن العمليات القتالية الكبرى قد توقفت والإستثمار في البلد لا يزال غير جذاب.

وأكدت قطر موقفها من أنها لا تفكر بالتواصل من جديد مع سوريا بدون تحقق عملية إصلاح مقنعة ومحاسبة. وقال وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن الثاني “تطبيع العلاقات مع نظام الأسد هي الخطوة التي نفكر فيها أو ننظر فيها الآن”.

وفي مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية رد وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان إن بلاده “حاليا لا تفكر” بالتواصل الكامل مع الحكومة السورية، مع أن مسؤولي الإستخبارات السوريين والسعوديين تبادلوا الزيارات في عدة مناسبات وخلال الأشهر الماضية.

وكانت السعودية وقطر من أكبر داعمي المقاتلين المعارضين للأسد خلال الثورة. ولم تقطع مصر التي قد تلعب دورا مهما في تحقيق القبول الكامل لسوريا في العالم العربي علاقاتها مع دمشق وواصلت الإتصالات الدورية مع مسؤولي الحكومة السورية. ولكن القاهرة لم تدفع باتجاه التواصل الكامل، في وقت ضغطت فيه وبدون نتيجة باتجاه المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة منذ 7 أعوام لتحقيق عملية إصلاح سياسي.

وقال عبد الله، المحلل الإماراتي إن بعض الدول العربية تجد صعوبة للعودة والإنخراط مع نظام متهم بقتل مئات الألاف من الأشخاص في محاولته لسحق التمرد. لكن الإمارات ترى أن حتمية مواجهة التأثير الإيراني في سوريا، حيث تحتفظ بقواعد عسكرية وقوات وميليشيات موالية لها، تتفوق على مظاهر القلق الأخرى.

ويتوقع عبد الله متابعة الدول العربية الإمارات والتغلب على ترددها في التعامل من جديد مع نظام الأسد واتخاذ الخطوة الرمزية وهي إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية. ويقول “لو مضى كل شيء حسب المخطط فلن يكون هناك تأثيرا إيرانيا واسعا وبالمقابل سيكون هناك تأثير عربي أوسع في سوريا”.

وعبرت وزارة الخارجية الأمريكية علنا عن عدم موافقتها على زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس “لن نطبع علاقاتنا أو نرفع من مستوى العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد. ولا ندعم تطبيع الدول الأخرى أو رفعها لمستوى التمثيل الدبلوماسي في ضوء الجرائم التي ارتكبها هذا النظام ضد شعبه”.

ويقول عبد الله إن الولايات المتحدة وإن لم تدعم النهج الإماراتي أو حاولت معارضته إلا أنها أعطت ما يقول إنه “ضوء أصفر” للدول العربية كي تتصرف حسبما تشاء. ولاحظ مسؤول أمريكي بارز بأن الكثير من التحركات باتجاه التطبيع بما في ذلك إستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وسوريا، حدثت في إدارة دونالد ترامب التي فرضت عقوبات مشددة على سوريا. وقصد من هذه العقوبات منع أي استثمارات قد تنفع الأسد أو نظامه وتظل عقبة مباشرة أمام أي نوع من الإستثمارات العربية في الإقتصاد السوري الذي يحتاجها بشكل عاجل.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إن إدارة جو بايدن لم تخفف من العقوبات، مع أن وتيرة تنفيذها تباطأت منذ وصوله إلى السلطة. وقال مسؤول أمريكي بارز رفض الكشف عن هويته “لسوء الحظ نشاهد هذه الموجة نحو التطبيع في المنطقة.. ولكننا بالتأكيد لم نغير موقفنا من العقوبات أو سياستنا”.

ولا تعد العقوبات المعوق الوحيد أمام المستثمرين، فهناك مناخ التجارة والوضع الضعيف للإقتصاد وإمكانية عدم الإستقرار. فانقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود وغياب النظام المصرفي الفاعل، جعل من البلد غير جاذب للمستثمرين. بل وفاقمت حملة من الحكومة السورية الضغط على رجال الأعمال والشركات بدفع أموال يفترض أنها مستحقة للضريبة والغرامات من الأزمة الإقتصادية، ذلك أنها دفعت بالكثيرين منهم لنقل مصالحهم التجارية إلى الخارج.

وقال جهاد يازجي، محرر “سيريا ريبورت” سيثبط هذا من الإستثمار في البلد، عندما يغادر المدراء التنفيذيون البلد”.

وأضاف أن “المزاج بالتأكيد متشائم ومن لا يفكرون بالمغادرة أجلوا مشاريعهم”. ويعتقد الدبلوماسي السوري السابق المقيم في واشنطن بسام بربندي إن الإتصالات الدبلوماسية  ورجال الأمن والوفود الإقتصادية ستظل مستمرة، بحيث تعطي الأسد فرصة لتقوية شرعيته بين السوريين  “وهي ترسل رسالة: لقد انتصرنا ونحن أقوياء وعدنا” و”لكنها فارغة وجوفاء”.

القدس العربي

——————————–

إعادة التموضع من دمشق حتى الساحل الغربي/ نبيل البكيري

في ذروة الأزمة الدبلوماسية والسياسية بين السعودية وحزب الله اللبناني، وهي ليست وليدة تصريحات وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي فحسب، وإنما أزمة عميقة لتراكمات عدة، كان في ذروتها تشكيل الحكومة اللبنانية، برئاسة نجيب ميقاتي، والتي يهيمن عليها حزب الله، الذراع الإيراني على شواطئ شرق المتوسط. في ذروة هذه الأزمة، يطير وزير الخارجية الإمارتية، عبدالله بن زايد، إلى دمشق، كأول مسؤول خليجي يزور دمشق منذ سنوات، في مؤشّر تحول حقيقي في الأزمة السورية تحديدا، وهو إعادة تأهيل نظام دمشق، والدفع به مجدّدا إلى جامعة الدول العربية، والاعتراف التام بالنفوذ الإيراني الممتد على الهلال الخصيب، من بغداد مرورا بدمشق وبيروت وصولا إلى جنوب الجزيرة العربية صنعاء.

وعلى ضوء هذه الزيارة التي مثلما تؤشّر إلى أزمة سعودية إماراتية، غير معلنة، فهي مؤشّر، في الوقت نفسه، إلى وجود حزمة تفاهمات مسبقة بين أبو ظبي وطهران، تجلّت في هذه الزيارة الإماراتية لدمشق، ولكن التجلي الأبرز لها إنسحاب القوات المرابطة بالساحل الغربي في اليمن يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، والذي كانت تسيطر عليه قوات يمنية متعدّدة من ألوية العمالقة السلفية والمقاومة التهامية، وكلها قواتٌ مموّلة ومدعومة إماراتيا، عدا عن ألوية تابعة لطارق صالح التي تتخذ من مدينة المخا التعْزية مقرّا لها، فبعد يوم من زيارة مبعوث الأمم المتحدة، السويدي هانز غرودنبرغ، المخا، صدرت أوامر غير معروفة المصدر، إلى القوات المرابطة شمال مدينة الحديدة وفي كيلو 16 ومدينة الصالح ومشارف مطار الحديدة بالانسحاب من دون أي مقدمات، فأحدث هذا الانسحاب ارتباكا كبيراً في أوساط مواطني تلك المناطق وبين كتائب تلك القوات المنسحبة وفصائلها كلها، ما أوجد فراغا كبير تمكّنت قوات الحوثي من ملئه خلال ساعات بدون أي مقاومة تذكر، وسط ذهول الجميع هناك.

ذهبت تفسيرات وتحليلات مذاهب شتى في تفسير ما جرى، لكن أشد هذه التحليلات مسرحية كانت التحليلات التي ذهبت إلى الحديث عن أن ما جرى لم يكن سوى تنفيذ لبنود اتفاقية استوكهولم الموقع بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، والتي لم يطبق منها شيء طوال الفترة الماضية. والمضحك فعلا في هذا التحليل أن القوات المشتركة التي يمثلها سياسيا طارق صالح كانت طوال الفترة الماضية تتحدّث عن ضرورة إلغاء اتفاق استوكهولم، وإفساح المجال أمام هذه القوات لتحرير الحديدة، على الرغم من أنها، أو هذا الطرف تحديدا، ليس طرفا في توقيع الاتفاق، وليس معترفا بالشرعية أصلا التي وقعته، والذي لم يطبق منه حرفا، ونصّ على انسحاباتٍ متبادلة على مسافة خمسة كيلو من كل طرف، وترك مساحة منزوعة السلاح وإشراف أممي على وقف إطلاق النار وعلى إدارة الميناء ومواردها. ولكن أيا من بنود ذلك الاتفاق لم تطبق، فظل حبرا على ورق، وخصوصا من جماعة الحوثي التي رفضته تماما، على الرغم من توقيعها عليه، وبرعاية وإشراف دولي حينها. ولكن المستجد اليوم، على ضوء هذا الانسحاب المفاجئ، هو ذهاب بعضهم إلى تبرير الانسحاب بحجّة اتفاق استوكهولم، فيما الأمم المتحدة نفسها نفت علمها بهذا الإنسحاب، وكذلك الحكومة اليمنية الشرعية أيضا. وهذا كله يعزّز فكرة أن الانسحاب فعلا حصيلة تفاهمات تمّت، وأن ما يطفو على سطح المشهد من دمشق إلى الساحل الغربي ليس سوى نتائج لهذه الصفقة.

بمعنى آخر، ما يجري ليس سوى ترجمة حرفية لتفاهمات على هذه الانسحابات. وما يؤكد وجود هذه الصفقة أن القوات التي على الأرض ذاتها لم تدر بذلك إلا لحظة صدور أوامر الانسحاب التي أربكتها، ودفعت بعضا من قيادات هذه الوحدات إلى رفض الانسحاب، ما اضطٌّر لتهديدهم بضربهم بالطيران، في حال أصرّوا على هذا. ويضعنا ما جرى في الساحل الغربي في صورة تلك التفاهمات غير المعلنة التي لن تتوقف هنا، فجزء كبير من هذه التفاهمات الإيرانية الإماراتية قد يطبق على الأرض اليمنية ربما في مقبل الإيام، خصوصا أن الإمارات لا تزال هي صاحبة اليد الطولى في تمويل هذه الوحدات المقاتلة غير النظامية التي فشلت الشرعية اليمنية في دمجها، في إطار القوات الرسمية اليمنية، وظلت خاضعة لأجندات المموّل الإماراتي، على الرغم من وطنية هذه القوات التي يفترض أنها تابعة مباشرة لوزارة الدفاع اليمنية.

الحاصل اليوم أن هذا الانسحاب، والذي أدّى إلى تراجع قوات العمالقة وقوات الألوية التهامية ما يقارب 80 كيلو مترا من مشارف مدينة الحديدة إلى أطراف مديرية الخوخة، يكشف حقيقة هذه القوات وحقيقة المهمة والوظيفة التي يؤدّيها طارق صالح، والذي ظهر، هو الآخر، مرتبكا وضعيفا، وبلا قرار فعلي على هذه القوات أيضا، عدا عن غياب الرؤية والهدف من وجودهم هناك، وهي قواتٌ يفترض للتحرير، وليس للبقاء في المخا وبناء الوحدات السكنية وتشكيل مجلس سياسي لتمثيلها في أي مفاوضات قادمة، كما كشف ذلك طارق صالح في لقائه مع المبعوث الأممي، الذي استقبلته أيضا جماعة الحوثي بقصف مدينة المخأ بثلاثة صواريخ بالستية، تزامنا مع وجوده فيها.

ليس من أهداف السيناريو المقبل مواجهة جماعة الحوثي، أو فزّاعة محاربة إيران في اليمن التي انكشفت، بقدر ما يذهب هذا السيناريو إلى موضوع تعلنه الإمارات دائما، وفي كل وسائل إعلامها والممولة منها، تصفية أي وجود لأي طرفٍ كان له علاقة بثورة 11 فبراير والربيع العربي عموما. ولهذا السبب، قد نشاهد في الأيام المقبلة الدفع بهذه القوات مثلا إلى الصدام مع الجيش الوطني في تعز، وإن كنت أستبعد هذا السيناريو حاليا. السيناريو المرشّح هو ما يتم التمهيد له في إعلامهم بالحديث عن تعزيز جبهة شبوة، وإسقاط المحافظ بحجّة مواجهة قوات الحوثي في مديريتي بيحان وعسيلان اللتين سقطتا، أخيرا، بيد جماعة الحوثي. يظهر هذا السيناريو بقوة في ما يكتبه ناشطو الإعلام المموّل إماراتيا، وهو ما ينسجم مع المهمة التي جاءت من أجلها الإمارات، وأعلنتها أكثر من مرّة، وهي محاربة الجماعات الإرهابية، وتقصد حزب التجمع اليمني للإصلاح وحلفاءه فقط، باعتبارهم ذوي علاقة بالربيع العربي، فيما لا وجود لأي أجندات للإمارات معلنة لمواجهة جماعة الحوثي. وهذا ما ينعكس أيضا على خطاب مسمّى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يضخم خطر حزب الإصلاح على خطر جماعة الحوثي التي لم تدخل بأي مواجهة حقيقية معه عسكريا، كما دخل في مواجهات مسلحة مع القوات التابعة للحكومة اليمنية الشرعية التي يتهمونها بأنها تابعة للتجمّع اليمني للإصلاح، “إخوان اليمن” كما يسمّونهم.

.. أين السعودية من هذا كله؟ هل كانت على علاقة بموضوع الإنسحاب من الساحل الغربي؟ وفي حال أنها على غير علم بذلك، وهذا ربما مستبعد، ما الذي يمكنها عمله؟ خصوصا أن مسألة أمن البحر الأحمر، بالدرجة الرئيسية، مسألة سعودية، حيث سعت، منذ فترة مبكرة من العام الماضي، إلى تأسيس مسمّى رابطة الدول المطلة على البحر الأحمر، وعقدت أول لقاء لها في الرياض، في 6 يناير/ كانون الثاني 2020. مما يعني أن هذا الانسحاب من الحديدة قد يكون بغير علمها. وعلى افتراض ذلك، ما الذي يمكنها فعله في ظل هذا التضارب في الأجندات الذي انعكس سلبا بشكل كبير على أداء المملكة سياسيا وعسكريا، وأظهرها في موقف المنهزم عسكريا في حرب اليمن.

ختاما، ربما فاجأ الجميع انسحاب القوات المشتركة من الساحل الغربي، لكن المتابع لهذه القوات وأدائها وكيفية إنشائها والهدف منها يدرك جيدا أن هذا المآل الذي ألت إليه الأحداث مسار طبيعي، لقواتٍ بلا قرار وطني، وليست ضمن مؤسّسات الدولة الرسمية، وأنها تستلم مساعدتها العسكرية من خارج الحدود. وبالتالي، من يدفع لها هو صاحب قرارها الحقيقي. ولكن إلى أي مدى سيستفيد اليمنيون من هذا المشهد؟ وكيف يمكن لهم استعادة قرارهم الوطني المختطف؟ بدون سيادتك على قرارك الوطني أنت لا تملك سيادة على نفسك، وستظل تابعا ذليلا للمموّل وأجنداته، ما سهّل المهمة على سماسرة السياسة الجدد في إبرام تفاهمات وصفقات عدة، وعلى حساب كل شيء، حتى على حساب كرامتهم التي يفتقدونها.

الشيء الإيجابي الوحيد للذي يجري أن يعرف اليمنيون ويعوا جيدا عدوّهم من صديقهم، ويعرفوا جيدا أنهم من دون استعادة قرارهم الوطني سيظلون مجرّد بيادق في يد المموّل، وأن بلادهم المليئة بالخيرات والمقدّرات لا ينقصها سوى استعادة قرارهم الوطني، والانطلاق نحو معركة الكرامة واستعادة الدولة اليمنية والكرامة اليمنية المستلبة من الحلفاء والأعداء في الداخل، على حدّ سواء.

العربي الجديد

————————-

سقف «التطبيع» مع دمشق… ومآلاته/ إبراهيم حميدي

بعد جرعات «التطبيع العربي» الأخيرة مع دمشق، هناك توقعات من دول عربية رئيسية لـ«خطوات سورية» قبل الإقدام على مبادرة سياسية أكبر تتمثل بعودة دمشق إلى الجامعة العربية خلال القمة العربية المقررة في الجزائر في ربيع العام المقبل.

وبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، لدمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي، واجتماع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، مع عدد من نظرائه في نيويورك قبل شهرين، ومشاركة مدير إدارة المخابرات اللواء حسام لوقا في «المنتدى العربي الاستخباراتي» في القاهرة قبل أيام، اتجهت الأنظار إلى الخطوة المقبلة في مسار التطبيع ومن يقوم بها.

وعُقدت في الأيام الماضية، سلسلة لقاءات علنية وغير علنية بين مسؤولين عرب وأجانب لبحث الملف السوري للبحث عن تنسيق بين الأطراف المنخرطة «كي لا يكون التطبيع مجانياً»، حيث جرى وضع سلسلة أفكار على مائدة الدول العربية الأساسية.

وبالنسبة إلى هذه الدول، فإنها ترى أنها قامت بـ«الخطوة الأولى» مع دمشق، وبالتالي فهي تنتظر «خطوات سورية مقابلة»، قبل أن يمضي قطار التطبيع إلى محطاته المقبلة، وتتعلق التوقعات العربية الفردية أو الجمعية بثلاثة مستويات:

الأول، ملفات سورية، مثل التعامل الإيجابي مع العملية السياسية واجتماعات اللجنة الدستورية التي يجري التفكير الأممي بعقد جولتها السابعة في 13 الشهر المقبل بتسهيل من المبعوث غير بيدرسن، ومع ملف عودة اللاجئين والمعتقلين والنازحين، وانتهاءً بتطبيق القرار 2254.

الثاني، توقعات جيوسياسية، تخص الوجود الإيراني في سوريا والتوغل التركي في شمالها واحتمالات فتح أقنية بين تل أبيب ودمشق. لم تعد المطالب تركز على إخراج إيران بشكل كامل من سوريا، بل تدور التوقعات على تخفيف الدور الإيراني وإعادة تعريفه أو تذويبه، إضافةً إلى تراجع تقديم سوريا دعماً لوجيستياً – عسكرياً – تدريبياً لإيران في ملفات أخرى تخص دول عربية.

وتنطبق واقعية التوقعات ذاتها على الدور التركي الذي بات مستقبله مرتبطاً بالتفاهمات بين موسكو وأنقرة (وطهران)، حيث تبدي دول عربية استعدادها لتقديم دعم سياسي للحكومة السورية للعودة إلى «الحضن العربي»، لكنها تتردد قبل تقديم دعم عسكري باعتبار أن عواصم عربية عدة فتحت مشاورات مع أنقرة تخص أموراً ثنائية وإقليمية، وليست بصدد الدخول في مواجهة عسكرية.

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فهناك رهان لدى بعض الدول على تقريب دمشق من تل أبيب على أمل إبعادها عن طهران، مدعوم برهان على التنسيق العميق بين روسيا وإسرائيل ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا.

الثالث، مستوى ثنائي، يخص تعاون دمشق في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة وضبط الحدود مع الأردن، ووقف تهريب المخدرات إلى الدول العربية سواء من حدود الأردن أو من الموانئ السورية واللبنانية، إضافةً إلى التعاون بعدم تقديم «دفعات إضافية» من اللاجئين إلى الدول الجوار.

أميركياً، لم تمنع واشنطن الدول العربية من التطبيع مع دمشق، وهي تطلب من هذه الدول الحصول على «تنازلات سورية» داخلية أو جيوسياسية مع تذكيرها بـعقوبات «قانون قيصر». لكن واشنطن، في الوقت نفسه أبلغت دولاً أوروبية بضرورة الحفاظ على «اللاءات الثلاث»: لا لتمويل إعمار سوريا، لا لفك العزلة، لا لرفع العقوبات قبل تحقيق تقديم بالعملية السياسية وفق 2254.

وبالفعل، لا تزال الدول ملتزمة مواقفها وأدرجت (أمس) وزراء سوريين جدداً في العقوبات، لكنّ عدداً من الدول الأوروبية بدأ يطرح أسئلة عن مستقبل السياسة الأوروبية المرتبكة بين ثلاثة اتجاهات: استعجال دول عربية تطبيعها مع دمشق، والشكوك الكبيرة خصوصاً من فرنسا وألمانيا من جدوى الانخراط مع روسيا التي تزيد الضغط على أوروبا بـ«سلاح اللاجئين» من بوابة بيلاروسيا، ونصائح أميركية بالتزام السياسة التقليدية مع سوريا من دون استثمار سياسي لتنفيذ هذه النصائح.

جرعات التطبيع العربي جدّدت الدعوة لضرورة التوصل إلى صيغة دولية – عربية لمقاربة «خطوة مقابل خطوة» تحدد المطلوب من دمشق والحوافز المقدمة إليها، لكن لم يظهر تفاهم جماعي على ذلك بعد. وأمام اختلاف الأولويات ومدى قدرة كل دولة على الصبر وقبول الواقع السوري الجديد وتحمل منعكساته، يبدو أن المسار الأقرب إلى التحقق هو اختراقات ثنائية لـ«تعاون» دمشق في ملفات محددة مقابل لقاءات سياسية علنية أو سرية… ومكـافآت اقتصادية لدمشق يسمح بها «قانون قيصر» الأميركي أو يروج لها «القيصر» الروسي.

الشرق الأوسط

—————————-

الوثيقة العربية تجاه سوريا الواقع والتمني/ عماد الدين الجبوري

الإرادة الجماعية سيكون تأثيرها أقوى من طرف دولة واحدة

يُعد التحرك العربي نحو إعادة سوريا إلى الصف بعد 10 سنوات من الإبعاد، أمراً محفوفاً بالمصاعب الشائكة داخلياً وخارجياً، ويتطلب تفكيك هذه الصعوبات رؤية شمولية ناجعة ومقبولة من أطراف سورية وإقليمية ودولية عدة بغية تحقيق الهدف المنشود، لذلك تجد أن الوثيقة الأردنية بصفحاتها الست وملحقها السري تطرح الخطوات العربية المطلوبة تجاه سوريا.

وتشير الوثيقة إلى أنه منذ اندلاع الأزمة السورية تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها، ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح، ويتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة، وأن تغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضاً مؤثراً في حد ذاته، والهدف المعلن هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن الدولي الرقم (2254).

 بيد أنه لا تقدم ذا مغزى على هذا المسار، فالوضع يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري، وأكثر من 80 في المئة منه يعيشون تحت خط الفقر.

ويزداد الأمر تعقيداً مع وجود فلول تنظيم “داعش” الإرهابي واستمرار إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري وأجزاء حيوية في سوريا، واستغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، فيما تدر تجارة المخدرات دخلاً معتبراً لهذه الجماعات التي تشكل تهديداً متزايداً على المنطقة وخارجها، إضافة إلى صعوبة عودة اللاجئين السوريين بسبب عدم تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد.

وحيال ذلك كله ترى الوثيقة أنه من اللازم اعتماد نهج فعال جديد يعيد تركيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، والتخفيف من تداعياتها الإنسانية والأمنية بشكل تدريجي، إذ يبدأ بالحد من معاناة الشعب السوري، ومن شأن هذا النهج أن يستهدف تغييراً تدريجياً في سلوك النظام الحاكم في مقابل حوافز يجري تحديدها لمصلحة الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين.

وتحصر الورقة الأردنية السبيل إلى إنجاز ذلك في خمس نقاط، وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار (2254)، وبناء الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل، والسعي إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا، والاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري، وأخيراً التنفيذ.

وعن بعض المقاربات ومنها أهمية أن يدعم الحلفاء العرب والأوروبيون الرئيسون هذا النهج الذي يضمن ذلك صوتاً جماعياً في المحادثات مع النظام وحلفائه، وكذلك كسب موافقة روسيا على هذا النهج عامل أساس من عوامل النجاح، ويمكن مشاركة النظام السوري بشكل مباشر أو عبر روسيا، ووضع آلية رسمية لرصد التنفيذ والامتثال، ويؤخذ تجسيد الاتفاق ضمن قرار صادر من الأمم المتحدة.

أما خطوات تطبيق هذه المبادرة فتقوم على ثلاثة محاور، أولها مناقشة النهج والاتفاق عليه، وثانيها الاتفاق على قيام الأطراف بصياغة المطالب والعروض، وثالثها الاتفاق على خريطة الطريق وكيفية المضي قدماً.

وبالنسبة إلى الملحق السري للوثيقة فإنه يعتمد على التحرك وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، وذلك ما بين المطلوب من دمشق والمعروض من الآخرين، فالخطوة الأولى تبدأ في “ضمان وصول المساعدات الإنسانية” والصحية إلى سوريا، والخطوة الثانية تهيئة دمشق “البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين، ومنح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين”، أما الخطوة الثالثة فتتعلق بتطبيق فقرات القرار (2254)، والخطوة الرابعة في “مكافحة داعش والجماعات الإرهابية”، والخطوة الخامسة أن يتم إعلان عن وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، وفي الخطوة السادسة والأخيرة يتم انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما بعد عام 2011.

إن هذه الوثيقة التي سُميت “لا ورقة”، على الرغم مما تحويه من رؤية واقعية ومسارات واضحة في الخروج بحلول متدرجة المراحل، يبدو تحقيق هدفها النهائي بعودة سوريا لمحيطها العربي أقرب إلى التمني منه إلى حقائق الواقع، لأسباب كثيرة أهمها أن النظام الحاكم ذاته مستمر في اضطهاد شعبه، وهو الذي أباح الوجود العسكري الإيراني ثم الروسي بجانب التدخل العسكري الأميركي والتركي، وأن التخلص من تلك القوات الأجنبية لن يكون إلا بما يخدم مصالح دولها، إضافة إلى غياب الإرادة الدولية في تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم (2254)، فيما الإرادة العربية لا تستطيع تطبيق شيء.

ولم تعط اللقاءات والزيارات التي جرت بين بعض المسؤولين العرب مؤشراً إلى عودة سوريا قريباً إلى مقعدها في الجامعة العربية، إذ ما زالت عضويتها معلقة، بل إن وزير خارجية قطر محمد آل ثاني دعا إلى وقف تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، كونه “لم يتخذ أي خطوة جادة” لبلده وشعبه، لكن هذا لا يمنع من أهمية التحرك العربي تجاه سوريا، شرط أن يكون تحركاً جماعياً وليس ثنائياً، سواء من الجانب الأردني ومناقشة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن يوليو (تموز) الماضي هذه الوثيقة، وكذلك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب)، إضافة إلى قادة عرب وأجانب، والأمر نفسه بالنسبة إلى تحرك الإمارات واستقبال الرئيس السوري بشار الأسد وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد في دمشق في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

ورب سائل يقول ما الضير في التحرك الثنائي طالما يصب في مصلحة طرفين عربيين؟ إن الأزمة في سوريا لها أطراف إقليمية ودولية، والتحرك الجماعي العربي يعني وحدة الموقف تجاه هذه الأزمة، كما أن الإرادة الجماعية سيكون تأثيرها في الجهات الخارجية الداخلة في سوريا أقوى من طرف دولة عربية واحدة، وكذلك سيكون النظام الحاكم أكثر إذعاناً والتزاماً بتنفيذ الإصلاح الحقيقي، وهنا سيكون تحقيق الهدف النهائي بعودة سوريا أقرب إلى الواقع من التمني النفسي.

——————————

الأسد.. التطبيع والوقت الضائع/ منير الربيع

عشرون سنة عمر بشار الأسد على رأس النظام السوري. يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل. المرحلة الأولى كانت في البداية والتي ادعى فيها أنه يريد سلوك خطّ الإصلاح والتطوير والتقدم في سوريا مع تعهد بتوسيع هامش الحرية السياسية. مرحلة سرعان ما انفضح زيفها بذهاب الأسد أكثر إلى جانب إيران والانخراط بمشروع ضرب الحواضن العربية، والذي بدأ بعد اجتياح العراق، اغتيال ياسر عرفات، واغتيال رفيق الحريري.

هنا كانت بداية المرحلة الثانية من عمر الأسد السياسي، في عزلة عربية وغرق أكثر في المشروع الإيراني، الذي بدأت معالم فك العزلة عنه أيام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انطلاقاً من نزعة أقلوية استشراقية في المقاربة السياسية للوضع في منطقة الشرق الأوسط، وتزامنت مع استقبال باريس لمؤتمر سان كلو لبحث ملف لبنان والذي تحدثت فيه عن الذهاب إلى المثالثة في النظام اللبناني بدلاً من المناصفة، ساهمت حقبة نهاية ولاية جورج بوش ومجيء باراك أوباما وتسارع خطا المفاوضات الإيرانية الأميركية بفرض وقائع جديدة أدت إلى انفتاح عربي جديد على الأسد مقابل انتزاعه من الحضن الإيراني.

سرعان ما باءت المحاولة بالفشل، فسقطت هذه التجربة السياسية مع اندلاع الثورة السورية والتي تجلّت فيها مرحلة دموية الأسد وشراسته في الذهاب إلى تهجير السوريين وسحقهم وقتلهم في أبرز تجليات النزعة الأقلوية، مرتكزاً على معركة التخويف المذهبي والطائفي واستنفار العصبيات. فكانت سياسته سبباً لإعادة إحياء عهد الانتدابات في سوريا، من خلال بروز قوى متعددة تتمتع بالسيطرة على مساحات جغرافية واسعة من الأراضي السورية، لينتفي بموجب سياسته أي مفهوم للسيادة. حوّل الأسد في هذه المرحلة سوريا إلى حقل تجارب للأسلحة، وساحة تجاذب لاختبار آلية توزيع مناطق النفوذ في سوريا بين قوى دولية وإقليمية متعددة. وسط سياسة دولية واضحة تتناغم مع سياسة التوسع الإيراني وتهجير السكان الأصليين.

في هذه المرحلة بلغت إيران أوج قوتها في المنطقة، فكانت سوريا الدولة الثالثة التي تسقط في قبضتها بشكل شبه كامل بعد لبنان والعراق، في حين كانت إيران تسجل الاختراقات في الساحة الفلسطينية يوماً بعد آخر. بعد سقوط هذه الدول في يد إيران وعلى مرأى من العالم، ركزت طهران معركتها باتجاه دول الخليج العربي وتحديداً المملكة العربية السعودية، مشبعة بكل ما توافر من حقد تاريخي هدفه فتح معركة الصراع على مكة، فكانت حرب اليمن كرد على انتقال إيراني استراتيجي إلى فتح المعارك على حدود المملكة العربية السعودية واستهداف الأمن القومي السعودي. هذه التجربة حتماً ماثلة أمام أنظار السعوديين الذين يعتبرون أنه بتراجعهم في لبنان وسوريا والعراق تمكنت إيران من فتح المعارك على الحدود السعودية. كان نتاج هذه السياسة، ربطاً بالسياسة الأميركية الواضحة في الوصول إلى تفاهم مع إيران من دون البحث بنفوذها الإقليمي، هي الدافع الأساسي لكثير من الدول العربية للتفكير بإبرام اتفاقات السلام مع إسرائيل. ومعلوم أن أي اتفاق مع إسرائيل سيكون له نتائج تتعلق بتصغير الكيانات جغرافيا انسجاماً مع صغر الكيان الإسرائيلي، ومع انكسار سياسي للقوة الديمغرافية الأكبر في المنطقة من خلال تمكين إسرائيل من إعلان قومية ويهودية الدولة، وكانت سوريا المسرح الأمثل لافتتاح هذا العصر.

حالياً دخل الأسد في مرحلة جديدة، عنوانها محاولات إعادة تعويمه انطلاقاً من وجهة نظر استعادته من الحضن الإيراني، وانطلاقاً أيضاً من الرهان على الانسحاب الأميركي من منطقة الشرق الأوسط، في حين تلجأ بعض الدول العربية والخليجية إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع روسيا لزيادة منسوب النفوذ، وهنا يعتقد بعض المتوهمين اللبنانيين بأن محاولات إعادة علاقات الأسد العربية ستكون ممهدة لإعادة نفوذه إلى لبنان بقوة عربية روسية، في حين تتمكن روسيا من الاحتفاظ بنفوذ داخل لبنان بقناع الأسد.

أثبتت التجارب السياسية التاريخية أن من يمر في مثل هذه المراحل المتضاربة والمتقلبة، فوق ركام بلاد وعلى أشلاء ضحايا، لا يمكن له أن يستمر ولا مجال لإعادة تعويمه، إنما تكون الغاية من التواصل معه هي الإمعان في استخدامه أكثر لتمرير مشاريع لا يكون أحد غير قادر على تمريرها، سواء بطرح فكرة الهدنة مع إسرائيل أو التطبيع أو إيجاد تسوية حول الجولان، أما فيما يتعلق بتمرير خطوط النفط والغاز والكهرباء. وحتى لو كانت إيران تحاول الاستفادة من الأسد تارة في مواجهة العرب وطوراً في محاولة للاستفادة منهم، فإنه سيجد نفسه في النهاية أمام مصير قاتل كما كان الحال بالنسبة إلى الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.

تلفزيون سوريا

———————————–

مُخرجات حرب الأسد وبوتين في سوريا/ أحمد بغدادي

بعد توقيع وثيقة (اتفاقية) هلسنكي في فنلندا عام 1975 لرتق الأزمات الجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ودول أوروبية أخرى، إبان الحرب الباردة، تمخضت الاتفاقية عن قرارات عديدة اقتضت بدورها تمكين العلاقات السياسية والقضايا الاقتصادية بين البلدان الموقعة، والعمل الجدّي في قضايا حقوق الإنسان. عقب ذلك، بدأت نتائج إيجابية تلوح في الأفق، بما يخص السلم العالمي (في المقام الأول الدول الأوروبية)، والسعي إلى تحسين وضع تلك البلدان السياسي والاقتصادي، ومنع نشوب أزمات بين المعسكرين الشرقي والغربي، والتصدي للكوارث الإنسانية والاقتصادية الناجمة عن الحروب. تحولت تلك الاتفاقية بعد ذلك إلى “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا”، والتي تضم في عضويتها 65 دولة.

وعليه؛ يحاول الروس، في الفترة المنصرمة (بعد التدخّل العسكري في سوريا 2015)، وحتى الآن، إلى إنشاء منصة شبيهة بمخرجات اتفاقية هلسنكي، تكون في الشرق الأوسط، تجمع دول المنطقة، بالإضافة إلى إيران، الذي سيكون وجودها أمراً مقلقاً، أو قبوله على مضض من جانب الأطراف الخليجية، التي تعتبر واشنطن حليفتها الأولى، وتشير دائماً إلى الخطر الإيراني الداهم الذي يهدد أمنها!

وخلال هذا السعي، الذي تراقبه واشنطن، وخاصةً تحركات “بوتين” بين دول الخليج، وتعنّته في الملف السوري، علاوة على “التحالف الجزئي الاقتصادي والعسكري” مع تركيا، ومكايدة واشنطن بعقد صفقات مع بعض حلفائها، نجد أن “حُلم” موسكو في إنشاء تحالف استراتيجي كما ذكرنا على غرار اتفاقية هلسنكي، سوف يكون صعباً، لأمرين: الأول، أن واشنطن قادرة على كسر أي تحالف لا يخرج من تحت عباءتها، ولا يصبّ في مصلحتها، ولديها ما يكفي من الأدوات لوأد هذا المشروع في مهده، على الأرض السورية، أو في دول الخليج، التي يرى فيها بوتين مموّلاً اقتصادياً كبيراً للتحالف المنشود. أما الثاني، هو أن بوتين لم يزل مقتنعاً بلعب دور المغامر في خوض حرب باردة أخرى مع أميركا – طبعاً الحلبة هي سوريا، وكأنه لم يرَ خسارة الاتحاد السوفييتي أمام أميركا في مطلع التسعينيات المتمثلة في انتهاء حربهما الباردة، إضافة إلى ذلك، أن واشنطن فعلياً هي الآن ضمن حرب باردة، لكن مع الصين؛ لذا، هكذا تحالف يسعى إليه بوتين،  لن يكون سوى مناكفة سياسية، أو محاولة استراتيجية عبثية لن تجدي نفعاً، وخاصةً أمام تداعيات الشأن العربي في المنطقة، مثل الحرب في اليمن، والوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، والمأزق الإيراني الغربي في الملف النووي، والمستنقع  السياسي العراقي، يضاف أيضاً، عدم وضوح سياسات دول كثيرة حول مصير “الأسد”؛ هذا ولم نتطرق إلى قضايا أخرى، منها ما تسمى “الحرب على الإرهاب” التي تركزت في سوريا، فهذه القضية لم تحسم  بعد، إذ إن خلايا تنظيم الدولة تنشط من جديد في البادية السورية، ومناطق “قسد”، في دير الزور والحسكة، ومن جانب آخر، قضية الشمال السوري (إدلب) التي تعتبر مسألة شائكة بالنسبة لموسكو ونظام الأسد، الذي يحاول إعادة ترقيع شكله السياسي باستجداء الشرعية من قبل بعض دول الخليج، ومعارك جانبية ليست بقراره، أو أكذوبة المصالحات في المدن السورية، ومؤخراً  في درعا ودير الزور! ولا بدّ أن نذكر أيضاً اللاعب التركي، حيث لن تسمح أنقرة باندلاع حرب واسعة النطاق على حدودها، قد تؤثر على أمنها القومي.

بالتالي، سيعود بوتين إلى المربع الأول، وهو تسويف الوقت، وإضاعته، كما فعل في مسار أستانا، مع خلق ضغوطات منها عسكرية على مقاتلي إدلب، وسياسية أغلبها على أنقرة، كي يُمهد لفصل آخر من فصول عمليات المصالحة في إدلب، مع المطالبة بتسليم السلاح الثقيل، لإنشاء قطّاع أو بؤرة ساخنة شبيهة بقطاع غزة، تكون محاصرة بذريعة الفكر الجهادي، أو وجود خلايا مقاتلة متشددة.

أما عن بشار الأسد، حالياً كما يرى الجميع، تهافت بعض دول الخليج إلى إعادة العلاقات مع نظامه، فضلاً عن دول عربية أخرى لم تقطع علاقاتها معه كمصر والجزائر والعراق، وحتى الأردن، الذي لم يغلق سفارته في دمشق، أعاد علناً وبشكل سياسي شرعنة قاتل ومجرم حرب. وشاهدنا أيضاً زيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد لدمشق ولقائه مع بشار الأسد يوم الثلاثاء الماضي، لتكون “العجلة العربية” قد سارت إلى الأمام، وهي تدهس كل شهداء سوريا، وقد تعلن لاحقاً دعوة الأسد إلى القمة العربية في الجزائر خلال آذار المقبل في عام 2022،  تمهيداً لفتح جميع الأبواب أمامه، وحتماً، سوف يتجنب الأسد الإشارة إلى علاقة الإمارات والبحرين مع “إسرائيل”، رغم دراية الجميع بأن نظام الأسد (الأب والابن) كان “الرئة الحرام” المنعشة لمخططات القادة الصهاينة في تل أبيب، ابتداءً من حربه على الفلسطينيين في لبنان، ووصولاً لتنفيذ وظائف مباشرة أو غير مباشرة في الوطن العربي، وسوريا، آخرها كانت تدمير الشعب السوري وتفكيك مجتمعه، مع ضرب رمزية الوجود الفلسطيني في سوريا، ووأد أي حراك أو مطالبات تنادي بتحرير الأراضي المحتلة،  بذرائع  واهية كلنا عهدناها، يتشدق بها نظام الأسد؛ إذن.. لن يُصاب الأسد “بوباء الكرامة” إن صافح وزيراً “عربياً” أو عانقه، وكان قد جاء من “تل أبيب” بعد أن صافح كبار رجالات الموساد!

ويبدو في نهاية المطاف، أن بشار الأسد قد أخذ بنصيحة “مادلين أولبرايت” وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق “بيل كلنتون”، حينما زارت سوريا في عام 2000 لحضور مراسم تشييع ودفن حافظ الأسد، والتي قالت للوريث بشار بحسب صحف غربية آنذاك “إننا نمضي إلى حل إقليمي تكون إسرائيل جزءاً منه”. وشاهدنا جميعاً الزيارات المكوكية لــ بوتين، بين إسرائيل ودول عربية، تشير إلى محاولات حثيثة لتشكيل التحالف الذي ذكرناه في المقدمة، وأيضاً قد تفضي إلى ما أسرّت به أولبرايت لبشار الأسد، لكن ليس على الطريقة الروسية!

أخيراً.. ليس من المستغرب أن تضخ بعض دول الخليج أموالاً طائلة في سوريا لاحقاً، (بعد قمة الجزائر) لدعم إعادة الإعمار – بموافقة أميركية، ويتم استقطاب شركات استثمار غربية وروسية، وبالتزامن مع ذلك، يكون الأسد قد وافق أمام العالم أجمع على قرار الرئيس السابق “ترامب” بضم الجولان رسمياً للأراضي الإسرائيلية، ويعترف بحق العيش والسلام لشعب الاحتلال الإسرائيلي، ويأكل “الشاورما” مُجدداً، لكن ليس في أزقة دمشق، إنما في استراحة الغداء الخاصة باجتماع قمة تفكيك “محور الممانعة”!.

————————————

ابتسموا “عشان الصورة تطلع حلوة”/ عبير نصر

من الجليّ أنّ تعنّت النظام السوري سياسياً، واتكاله المستمر على حلفائه البراغماتيين، كذلك أحلامه الوردية حيال مسار التطبيع الذي بادرت إليه بعض الدول العربية مؤخراً، هو سبب كلّ مآسي السوريين وليس الانهيار الاقتصادي فحسب. وليس أدلّ على ذلك سوى المشهد التالي: “مليونا سوريّ نازح، معظمهم من النساء والأطفال يعيشون في مخيمات هشة في الوديان التي تغمرها المياه، أو على سفوح التلال الصخرية المعرضة للعوامل الجوية، والذين يبحثون في القمامة عن بقايا الكرتون والألبسة والأحذية القديمة لاستخدامها وقوداً للتدفئة، رغم المخاطر التي تنطوي على إشعالها والأبخرة السامة التي قد تنبعث منها”. أي مشهد أقسى من هذا؟

طبعاً دون أن يفوتنا ذكر أزمة الكهرباء والوقود غير المسبوقة في مناطق سيطرة النظام، إضافة إلى انعدام الأمن الغذائي بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة بوتيرة متسارعة تصل إلى 1.5% يومياً و10.5% أسبوعياً. لا شك هذا الأمر لا يعدو كونه نتيجة طبيعية لسوء إدارة الحكومة السورية التي أدخلت ميزانيتها والمواطن في معادلة صفرية أو قلْ معادلة يخسر فيها الطرفان.

ووسط هذه الظروف الكارثية، وعلى الرغم من الموقف المعلن لوزير الخارجية الإماراتي “عبد الله بن زايد” الذي طالب بشار الأسد بالتنحي وترك السلطة خلال ما عرف بمؤتمر أصدقاء سوريا بداية الحرب، يقوم اليوم بزيارة دمشق للمرة الأولى منذ عام 2011. وفي الحقيقة بدا اللقاء التاريخي براقاً وأقرب إلى المثالية وكأنّ شيئاً لم يكن، إذ تباحث الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تطوير التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك. وبينما أكد الأسد على “العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع البلدين منذ أيام الراحل الشيخ “زايد بن سلطان آل نهيان”، من جهته، شدّد وزير الخارجية الإماراتي، على “دعم الإمارات جهود الاستقرار في سوريا”، معتبراً أنّ “ما حدث أثّر في كل الدول العربية”، معرباً عن “ثقته بأنّ سوريا بقيادة الرئيس الأسد وجهود شعبها قادرة على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب.

من الواضح أنّ ثمّة انقلاب سياسي عربي يلوح في الأفق سيعزز شرعية النظام السوري، إذ تأتي هذه التحركات الدبلوماسية قبل القمة العربية التي تستضيفها الجزائر، في مارس/ آذار المقبل. جديرٌ ذكره أنّ جامعة الدول العربية علّقت عضوية سوريا منذ اندلاع النزاع فيها، وقطعت حينها دول عدّة علاقاتها مع دمشق، بينها الإمارات، فيما أبقت أخرى، كالأردن، على اتصالاتٍ محدودة بين الطرفين. وشكّلت سلطنة عمان استثناء بين الدول الخليجية. وبوادر الانفتاح ظهرت مذ أُعيد فتح السفارتين الإماراتية والبحرينية عام 2018 في دمشق، واعتبرت هذه البوادر تغيراً كبيراً في السياسية الخليجية تجاه سوريا، وكانت من بين أول المؤشرات على تطبيع أكثر شمولاً. وتُعدّ الإمارات أحد أهم الشركاء التجاريين لسوريا، وتأتي في المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً بالنسبة لحجم التجارة معها، وتشير بيانات وزارة الاقتصاد الإماراتية إلى أنّ حجم التداول التجاري غير النفطي بين الإمارات وسوريا بلغ (مليار درهم) عام 2021. لذا لم يشكل التناقض الذي تشهده سياسية البلدين تجاه إسرائيل أي عائق بالنسبة للنظام السوري البراغماتي، بدوره، بطبيعة الحال، ولم يهزّه ذهاب الإمارات الى ما هو أبعد من التطبيع في العلاقة مع تل أبيب.

وحقيقة الأمر أنّ الإمارات تحاول تحييد هذا المعطى باعتباره قراراً داخلياً، مقابل عدم التدخل في الحلف الاستراتيجي المتين بين سوريا وإيران. ورغم أنّ المستشار السياسي “عبد الخالق عبد الله” المقرب من دوائر صنع القرار في “أبو ظبي” قال: “أول نتائج زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق، قرار سوري بطرد جواد غفاري قائد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وإنهاء وجوده واعتباره شخصاً غير مرغوب به. والقادم أهم”، إلاّ أنّ الزعم القائل بأنّ الخطوة الإماراتية تهدف إلى تخفيف نفوذ إيران في سوريا، هو محض ادّعاء سخيف، وسبق استخدامه كذريعة لتمرير أجندات أخرى، وهو يُستخدم الآن كقنبلةٍ دخانية لامتصاص الغضب المحتمل المتعلق بهذا الانفتاح، ولإيجاد تبريرات مخادعة لمن يريد الاعتراض عليها. على المقلب الآخر سعت روسيا لـ”تسليك” قنوات تفاوض بين إسرائيل وسوريا، حتى وهي تدرك أنه ليس في إسرائيل من هو على استعدادٍ للهبوط عن الهضبة الاستراتيجية، إلا أنّ الكرملين الذي يحتفظ بعلاقاتٍ متميزة مع أضلاع المثلث السوري– الإماراتي– الإسرائيلي، لا شكّ يرغب في رؤية دور إماراتي نشط على هذا الصعيد.

وفي وقتٍ عبّرت فيه الولايات المتحدة عن قلقها من هذه الزيارة، مؤكدة أنها لن ترفع العقوبات، بما فيها إجراءات تجميد أصول، عن أيّ شخص يتعامل مع سوريا بغضّ النظر عن جنسيته، يرى مراقبون أنه لا يمكن لوزير الخارجية الإماراتي أن يلتقي الأسد من دون ضوء أخضر أمريكي، خاصة أنّ الإمارات مرتبطة بالولايات والمحور الغربي، ومن الصعب أن يكون هناك مبادرة أو زيارة دون تنسيق مع دول خليجية وعربية، ومن الواضح أنّ الأمريكيين لديهم تفاهمات مع العديد من الأقطار العربية، ومع الإمارات بشكل خاص بضرورة توفير مناخ لتسوية سياسية في سوريا، الأمر الذي يكرّس واقعاً جديداً، ويكسر حاجزاً نفسياً أمام بقية الدول التي ترغب في أن تحذو حذو الإمارات تجاه دمشق. فيما أكد آخرون أنّ الخطوات العربية، سيّما الإماراتية، وربما ستأتي لاحقاً السعودية، جاءت لأن هذه الدول أصبحت تتبنى رؤية مغايرة لما كانت عليه قبل سنوات، حتى أصبحت تبحث عن دوائر تستطيع من خلالها التقارب مع قوى دولية مثل روسيا والصين.

وبينما يؤكد سيلٌ متواصل من الإشارات الصادرة عن دمشق، وغيرها من العواصم العربية، أنّ الخصوم السابقين اقتربوا من التوصل إلى ترتيباتٍ ذات منفعة متبادلة مع النظام السوري، وقد تعهد بعضهم في يوم من الأيام بإسقاطه، وبات ينتظر اليوم أن تلوح في الأفق عقود إعادة الإعمار وصفقات الطاقة، تأمل دمشق في المقابل أن تمارس الأصوات العربية ذات النفوذ ضغوطاً من أجل رفع العقوبات الصارمة التي تهدف إلى معاقبة المسؤولين والمنظمات المتورطة في انتهاكاتٍ حقوقية وإنسانية. ووسط هذه “المعمعة السياسية” يبدو أن الشعب السوري آخر ما يهم هذه الأطراف الفاعلة. وهل أبشع من انشغال وسائل الإعلام السورية الرسمية بتسويق تفاصيل الزيارة بنبرة الواثق المنتصر، متناسية الخراب المؤلم الذي يعمّ البلاد؟ إذ لا يهم استنزاف البنى التحتية والاقتصادية ومختلف المرافق العامة، كذلك شلل مجمل مضامير الحياة، ولا يهم تشريد سبعة ملايين سوري داخل البلاد ولا تهجير خمسة ملايين ونصف خارجها، وفق تقارير الأمم المتحدة، ولا يهم أنّ حوالي مليوني سوري يعيشون في فقر مدقع، في وقت يكافح فيه نحو (13) مليون نسمة داخل سوريا للحصول على طعام يسد الرمق، وبالطبع لا يهم وجود أكثر من مليونين ونصف من الأطفال خارج النظام التعليمي، بما يشبه تجهيلاً مستداماً لأجيال قادمة، ما ينعكس على تعميق الأزمة وجعل تداعياتها طويلة الأمد، بحيث تستمر مفاعيلها التدميرية لعشرات السنين القادمة. لا يهم كلّ هذا طالما أنّ الابتسامة بين الرئيس الأسد والوزير الإماراتي كانت واسعة ووردية بما يكفي “عشان الصورة تطلع حلوة”.

ليفانت – عبير نصر

————————-

لماذا تبدو إسرائيل سعيدة بالتقارب العربي مع الأسد؟ السر في صفقة بوتين ونتنياهو التي أبقته بالسلطة

عربي بوست

العلاقة بين إسرائيل والأسد علاقة غريبة، فهي رسمياً علاقة عداء كلامي شديد مع بعض الغارات الجوية المحدودة، ولكن واقعياً لم تحاول إسرائيل قط إسقاط النظام في ذروة ضعفه، بل هي اليوم مرتاحة للتطبيع العربي في إسرائيل وجهوده إعادة النظام للجامعة العربية.

وفي الأسابيع الأخيرة اجتمع ممثلون كبار من مصر والأردن والإمارات مع نظرائهم السوريين، بل وزاروا دمشق.

وبدأ النظام السوري بعد سنواتٍ طويلة من العزلة خلال الحرب الأهلية السورية، يُنتَشَل ببطءٍ من حالة الجمود.

ومن المثير للاهتمام أن الدول التي تتولَّى زمام المبادرة، نيابةً عن بقية جامعة الدول العربية، هي تلك التي تتمتَّع إسرائيل معها بعلاقاتٍ أمنية، بل ودبلوماسية، قوية على نحوٍ متزايد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.

لم يلق التقارب العربي أيَّ ردٍّ من إسرائيل، على الأقل ليس علناً، ويتعامل كبار المسؤولين الإسرائيليين مع هذا الأمر في السر بعدم اكتراث.

ولكنهم أعربوا عن أملهم بشكلٍ غير رسمي في أن يكون هذا على الأقل بمثابة نقطة مواجهة للنفوذ الإيراني في سوريا. هذا الموقف الإسرائيلي لا ينبغي أن يكون مفاجئاً.

طبيعة العلاقة الغامضة بين إسرائيل والأسد ظهرت خلال الحرب الأهلية

لم تتدخَّل إسرائيل بشكلٍ حاسمٍ في أيِّ وقتٍ خلال السنوات العشر من الحرب الأهلية السورية. وفي الواقع، في وقتٍ مبكِّرٍ من الحرب، نَصَحَ رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، في اجتماعاته مع القادة الغربيين، بعدم تزويد المعارضين بأسلحةٍ متطوِّرة، لا سيما الصواريخ المضادة للطائرات، التي كان يخشى وقوعها في الأيدي الخطأ واستخدامها ضد الطائرات الإسرائيلية.

قدَّمَت إسرائيل كمياتٍ صغيرة من الأسلحة الخفيفة -إلى جانب المساعدات الطبية والإمدادات الغذائية- لبعض الجماعات المعارضة في الجولان. لكن هذا بشكلٍ أساسي كان لضمان أن المنطقة القريبة من الحدود الإسرائيلية لا تصبح جيباً لتنظيم داعش، وفقاً لتقرير Haaretz.

لماذا لم تحاول إسقاطه في ذروة قوة المعارضة؟

في السنوات الأولى من العقد الماضي، عندما بدا أن مستقبل الأسد كان محفوفاً بالمخاطر في مراحل مختلفة من الحرب الأهلية السورية، كانت هناك بعض الأصوات الجادة داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي جادلت بأن إسرائيل يجب أن تقتنص الفرصة لتسريع إزاحة الأسد. وكانت هناك حجةٌ استراتيجية وأخلاقية مفادها أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تقف جانباً بينما هناك ديكتاتورٌ متعطِّشٌ للدماء، على الجهة المقابلة من الحدود مباشرةً، يذبح مئات الآلاف من المدنيين، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

وبينما لم يطالب أحدٌ بضربةٍ مباشرة لقلب النظام، كانت هناك مساراتٌ أخرى يجري الدفاع عنها. كان أحد هذه المسارات هو إنشاء “ممر إنساني” واسع، أو “منطقة حظر طيران” على حدود إسرائيل في الجولان، حيث يُحمَى المدنيون من قوات الأسد وداعش، بواسطة القوة الجوية الإسرائيلية.

اقتراحٌ آخر عبَّر عنه علناً اللواء عاموس يادلين هو أن تشن إسرائيل غاراتٍ جوية لتدمير الطائرات والمروحيات الهجومية للقوات الجوية السورية التي كانت تُستخدَم لقصف المناطق المدنية.

نتنياهو تجنَّب مهاجمة قوات الأسد واكتفى بضرب وجود إيران وحزب الله

أزاح نتنياهو هذين الاقتراحين جانباً، فيما كان يصرُّ على أن إسرائيل لن تنغمس في المأساة السورية، على أن ينصب التركيز على الأهداف المرتبطة بإيران فقط، وألَّا تُضرَب قواعد النظام السوري إلا إذا كانت تستضيف عناصر فيلق القدس الإيراني أو تُستخدَم لتخزين الأسلحة الخاصة بحزب الله.

وأصبح الجدل الدائر في إسرائيل حول ما يتعيَّن فعله إزاء الأسد غير واقعي في 30 سبتمبر/أيلول 2015، عندما نفَّذَ سلاح الجو الروسي أول غارة جوية ضد المعارضين السوريين كجزءٍ من حملته الناجحة لإنقاذ نظام الأسد.

إسرائيل والأسد

منذ اللحظة التي هبطت فيها أول طائرة مقاتلة روسية من طراز سوخوي في قاعدة حميميم الجوية، بالقرب من اللاذقية، كان الأسد يحظى بمظلةٍ من قوة عظمى.

ومنذ أن أوضحت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، بالفعل قبل عامين أنه بغض النظر عن عدد المدنيين السوريين الذين قتلهم الأسد بالأسلحة الكيماوية، فإن الولايات المتحدة لن تتدخَّل، لم يكن أمام إسرائيل خيارٌ سوى إجراء ترتيباتٍ مع روسيا. وفي غضون أيام، كان نتنياهو على متن طائرةٍ للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ثم أبرم صفقة سرية مع بوتين الذي كان يريد تحجيم نفوذ طهران

كان الاتفاق الروسي الذي توصل إليه بوتين ونتنياهو واضحاً وبموجبه تعهدت إسرائيل للروس بأنه لن يُمَس عميلهم السوري ما دامت إسرائيل مستمرة في مهاجمة الأهداف الإيرانية. كان بوتين ولا يزال راضياً عن هذا الترتيب، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

ربما دَعَمَ الإيرانيون الأسد بعشرات الآلاف من رجال الميليشيات الشيعية الفقراء من العراق وأفغانستان، الذين نقلتهم إيران للقتال والموت في سوريا، لكن بوتين لم يرد أن يسيطر الإيرانيون على سوريا، وبالتالي كان سعيداً تماماً بأن تكبح إسرائيل تطلُّعاتهم.

لماذا خشيت إسرائيل من سقوط الأسد؟

لكن المحصلة النهائية هي أن إسرائيل أذعنت في وقتٍ مبكِّرٍ لبقاء الأسد في السلطة. وفي الواقع، فإن وجود ديكتاتور ضعيف وفاقد للمصداقية في دمشق هو الخيار المُفضَّل بالنسبة لإسرائيل.

إذ كانت إسرائيل تخشى أنه إذا نجحت المعارضة في إزاحة الأسد فقد ينشئون نظاماً جديداً أقل تطرُّفاً، وكانت إسرائيل ستتعرَّض في هذه الحالة لضغوطٍ متجدِّدة للانسحاب من الجولان. أما الأسد فلا أحد يدعمه في الخارج الآن، ولن يدعم أحدٌ مطالبته بالأرض الآن.

علاوة على ذلك، فإن وجود الأسد في السلطة أفضل من البديل الآخر الأكثر ترجيحاً، والذي كان سيصبح فوضوياً ويجعل سوريا كقاعدةٍ لداعش، وهذه هي الحسابات نفسها التي يجريها الحلفاء العرب لإسرائيل.

هناك سابقةٌ حديثة لهذا، كان نظام الرئيس السوداني عمر البشير مُلطَّخاً بالدماء مثل نظام الأسد، لكنه استُقبِلَ مرةً أخرى في الحظيرة العربية السنيَّة بمجرد موافقته على قطع العلاقات مع إيران، التي سبق أن استخدمت أراضيه لتهريب الأسلحة. والمساعدات المالية السعودية والدعم الإسرائيلي والأمريكي الهادئ هما ما ضمنا هذا الانتقال بعيداً عن إيران، وفيما بعد عُزِلَ البشير وحوكِم.

كان يتعيَّن أن يكون الأسد في لاهاي جالساً في قفص الاتهام في المحكمة الجنائية الدولية ويواجه عدة تهم بالإبادة الجماعية، لكن بفضل بوتين والقيادة الإيرانية لن يحدث ذلك. زعماء الأردن والإمارات يعرفون ذلك، وهم أكثر اهتماماً الآن بتحقيق الاستقرار ومحاولة تقليص نفوذ إيران، ولم يعد يعنيهم مصير الأسد.

لا يتعلَّق الأمر بإعادة تأهيل الأسد، لن يحدث هذا أبداً، يتعلَّق الأمر بحماية المصالح البراغماتية للأنظمة العربية السنيَّة، وفي هذه الحالة فإن هذه المصالح تتطابق مع مصالح إسرائيل.

——————————–

تقارب العرب مع سوريا.. هل يخدم إسرائيل؟

اعتبر تحليل نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن الأردن ومصر والإمارات معنية باستقرار سوريا ومحاولة تقليص نفوذ إيران هناك أكثر من إعادة تأهيل النظام للعودة للحضن العربي. وهو ما يتفق مع ما تريده إسرائيل بتقليل النفوذ الإيراني في البلاد.

وتكشف التحركات العربية نوعا من كسر العزلة لنظام بشار الأسد، حيث نشهد تحركات إماراتية وأردنية ومصرية، وكان آخرها زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، إلى دمشق خلال الفترة الماضية.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، كان هناك لقاءات وتحركات بين الجانبين الأردني والسوري، حيث تم إعادة فتح المعابر الحدودية بين البلدين، وعادت حركة الرحلات الجوية والبرية بينهما.

فهل سنشهد مزيدا من تطبيع العلاقات بين دول عربية وسوريا؟ وهل يعمل التقارب العربي مع الأسد لصالح إسرائيل أيضا؟ هل يمكن احتواء النفوذ الإيراني في سوريا من خلال إعادة علاقات الدول العربية معها؟

الحد من النفوذ الإيراني

ويشير تحليل صحيفة “هآرتس” إلى أنه من المثير للاهتمام، أن الدول التي تتولى زمام المبادرة نيابة عن بقية الدول العربية، هي تلك التي تتمتع إسرائيل معها بعلاقات “أمنية ودبلوماسية” قوية.

ويؤكد أن قادة الأردن والإمارات يعلمون تماما أن تحقيق الاستقرار في سوريا وإعادة تأهيل الأسد، قد يعني احتواء النفوذ الإيراني هناك، وحماية المصالح “البراغماتية” للأنظمة العربية، وهو ما قد يتطابق مع “وجهة نظر إسرائيل”.

وحتى الآن، لم تعلن إسرائيل بشكل رسمي عن رأيها علنا في التقارب العربي السوري، ولكن مسؤولين أعربوا بشكل غير معلن أن التقارب العربي السوري، يعتبر نقطة بداية لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.

وخلال الحرب السورية خلال العقد الماضي، لم تتدخل إسرائيل بشكل مباشر فيما يحصل هناك، ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي اس آنذاك بنيامين نتانياهو الدول الغربية إلى عدم تزويد المتمردين بأسلحة متطورة خوفا من وقوعها في الأيدي الخطأ.

إسرائيل قدمت مساعدات صغيرة من الأسلحة الخفيفة ومساعدات طبية وغذائية لجماعات متمردة في مرتفعات الجولان، وذلك من أجل ضمان ألا تصبح الحدود المتاخمة مع إسرائيل جيبا لداعش.

وحافظ نتانياهو على اتباع سياسة أن إسرائيل لن تتدخل بضرب قواعد سورية إلا إذا كانت تستضيف عناصر إيرانية، أو أماكن تستخدم لتخزين الأسلحة التي كان يتم تهريبها لحزب الله.

ووصلت إسرائيل إلى إجراء ترتيبات واتفاقات غير مباشرة مع روسيا، بأنها لن تهاجم سوريا، ولكنها سيتم السماح لها بمهاجمة الأهداف الإيرانية، وهو ما كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين يدعمه خلال السنوات الماضية.

وبعد سنوات من الحرب السورية، وجدت إسرائيل أن خياراتها الأفضل تعني استمرار وجود “ديكتاتور ضعيف، وفاقد للمصداقية”، وهو أفضل من سيناريو أن تصبح سوريا منطقة فوضى وقاعدة لداعش.

“يصب في مصلحة إسرائيل”

المحلل السياسي، عامر السبايلة، قال في حديث مع موقع “الحرة” إن “هناك رغبة في توسع دائرة الدول التي ترغب في العودة للتقارب مع سوريا”.

وأضاف “أن هناك نظرية تقول إنه لا يمكن احتواء النفوذ الإيراني في سوريا إلا من خلال استبداله بالتواجد العربي، وتعزيز العلاقات من خلال بوابة الاقتصاد، وبهذا يتم إعادة سوريا بشكل تدريجي إلى الحضن العربي”.

وأشار السبايلة إلى أننا “سنشهد في مراحل لاحقة تواجدا عربيا بتقديم المساعدات إلى سوريا، والدخول كشركاء في مرحلة إعادة الإعمار”.

وأوضح “أنه بلا شك أن النفوذ العربي للدول المطبعة مع إسرائيل من أجل الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، يصب بمصلحة إسرائيل”.

ويؤكد أن “إسرائيل لا توفر أي جهود باستهداف المصالح الإيرانية في سوريا عبر ضربات جوية تستهدف فيها أماكن تخزين الأسلحة أو تواجد العناصر الإيرانية”.

ويرى أن “عملية الاحتواء للنفوذ الإيراني في سوريا، ستكسر حالة العزلة التي يعيشها النظام السوري، وتعيدها للحضن العربي في المراحل الأولى، وللمجتمع الدولي بعد ذلك، والتي قد يتبعها بعد ذلك نوع من المساعدات لإعادة إعمار البلاد.

وبعيد اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا، كما قطعت دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق بينها الإمارات، فيما أبقت أخرى بينها الأردن على اتصالات محدودة بين الطرفين. وشكلت سلطنة عمان استثناء بين الدول الخليجية.

وفي نهاية 2018، استأنفت الإمارات العمل في سفارتها لدى دمشق مع بدء مؤشرات انفتاح خليجي حيال سوريا.

وقدمت دول خليجية أبرزها السعودية وقطر دعما ماليا وعسكريا لفصائل المعارضة السورية قبل أن يتراجع الدعم تدريجيا خلال السنوات الماضية.

وتأخذ دول خليجية وعربية على الأسد تحالفه الوثيق مع إيران التي تتهمها بـ”التدخل” في دول المنطقة ودعم أطراف مسلحة في لبنان والعراق واليمن.

وتعد إيران أبرز الحلفاء الإقليميين للأسد، وقدمت دعما سياسيا واقتصاديا وعسكريا لسوريا على مدى الأعوام الماضية.

الأمن القومي العربي

المحلل السياسي، علي رجب، قال في رد على استفسارات “الحرة” إن “عملية إعادة التطبيع بين الدول العربية وسوريا، تعتمد على موقف كل دولة ومدى استعدادها في التعامل مع دمشق، واستعادة سوريا إلى الوطن العربي، بما يساعد على لعب الدول العربية دورا مهما في إنهاء الصراع السوري المحتدم منذ أكثر من 10 سنوات”.

وأضاف أن “إنهاء الصراع يشكل جزء كبير في استقرار الأمن القومي العربي على مختلف الأصعدة ويوقف نزيف الهجرة واللاجئين بما يؤهل على عودة السوريين المهجرين إلى ديارهم مرة أخرى ويساهم في عملية وقف التغيير الديمغرافي الذي يحدث في سوريا”.

وأوضح رجب “أن هناك عدة دول عربية في مقدمتها مصر والأردن والإمارات والجزائر بالإضافة الى العراق ولبنان، تدعم عودة سوريا الى الجامعة العربية، وهو ما يشكل بادرة إلى استعادة الدور العربي في سوريا، وأيضا إنهاء سنوات القطيعة العربية السورية”.

وحول احتواء إيران في سوريا، قال ” ليست للدول العربية وجهة نظر واحدة نحو طهران لأن لكل دولة طبيعتها الخاصة في السياسة الخارجية، لكن ما يحدث هو السعي لتحجيم الوجود الإيراني في سوريا، لوقف نزيف الهجرية السورية، وإخراج الميليشيات الإيرانية من البلاد، بما يساهم في عودة اللحمة الوطنية بين السوريين، وينهي حالة الصراع الأهلي، وكذلك ينهي نفوذ ليس إيران فقط ولكن أيضا نفوذ تركيا ودول أخرى”.

ويرى رجب” أن عملية التقارب بين الدول العربية ودمشق، ليست من أجل مصالح إسرائيل، وإنما هي عملية ترميم للعلاقات العربية السورية، وهو ما يعني أن هذه العلاقة هي في صالح الشعب السوري والدولة السورية والأمن القومي العربي، خاصة بعد سنوات من تغلل دول إيران وتركيا في المنطقة”.

ويؤكد أن عودة الدولة السورية للحضن العربي هو استعادة لجزء من الأمن القومي العربي، وهو لصالح الأمن القومي السوري والعربي، وليس لصالح دول أخرى.

وكشفت وثيقة مسربة حصلت عليها صحيفة الشرق الأوسط خلال الأيام الماضية، عن “خطة أردنية لتشجيع عمليات تطبيع عربية واسعة مع سوريا تحت حكم الرئيس بشار الأسد”.

وتضمنت الوثيقة استراتيجية “خطوة مقابل خطوة” للوصول إلى تطبيع العلاقات بين دمشق والدول العربية، وركزت على انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا بما فيها القوات الأميركية والروسية والإيرانية، بالإضافة إلى ضمان وصول المساعدات الدولية والإفراج عن المعتقلين وعودة اللاجئين، ومشاركة النظام الفعالة في لجنة إصلاح الدستور، وتأكيد الحرب على داعش والإرهاب.

وتشهد سوريا نزاعا داميا منذ العام 2011 تسبب بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى تهجير ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.

الحرة

————————–

عن الحضن العربي/ شورش درويش

لم تحظَ زيارة وزير الخارجية الإماراتية عبدالله بن زايد دمشق بشروح وتعليقات وافية رغم أنّها تصدّرت نشرات الأخبار، ذلك أنّها بدت مربكة لجهة الشجب الذي أبدته واشنطن في معرض تعليقها على الزيارة، وأنّها إلى ذلك بدت خروجاً إماراتياً منفرداً عن جوٍّ خليجي أعم لازال متباين الرؤى وشديد التباين إزاء الموقف من النظام السوري، لا سيّما مواقف السعودية وقطر، وإذا كانت الأخيرة قد بلغت حدّ ربط موقفها النهائي بالموقف التركي في الملف السوري، فإنّ نوازع السعودية منصبّة على إمكانية إحداث شكل من أشكال “التغيير” (لا يهم إن كان التغيير ديمقراطياً أم لا) في مواقع النظام المتقدّمة، طالما أنّه يؤمّن قسطاً من مصالح السعودية، ويرفع الحرج عنها، إذ تمثّل عودة العلاقات دون شروط انتصاراً للأسد، حيث لا يمكن التقليل من الحاجز النفسي في سياق فهم السياسات العربيّة.

واحدة من ترجيحات عودة العلاقات يكمن في الفهم الإماراتيّ وتأويله الخطاب الرسميّ الأميركي القائل بأن واشنطن تطمح إلى “تغيير سلوك النظام” وليس تغييره، وتغيير السلوك عبارة لا تعني سوى التسليم بمقرّرات جنيف، والأبعد من ذلك فض الشراكة والتحالف السورية الإيرانية، وفصم عرى هذا التحالف في لبنان أيضاً، وهذا ما لا يمكن أن يحصل بحال من الأحوال، بيد أنّ المقاربة الإماراتية في سوريا، والتي تحظى بدورها بعلاقات تجاريّة ودبلوماسيّة فوق عادية مع طهران، قائمة على فكرة مفادها: الكثير من الأسد والقليل من إيران، وأنّ النبذ العربيّ المتواصل، يعني في مكانٍ ما، مواصلة إيران ابتلاعها لكل ما هو سوريّ وما هو عائد للنظام أيضاً، وبذا تصبح المهمّة هي تمكين النظام من تطويق تنامي الوجود الإيراني، أو إبقائه في نطاق محدود، لا يعني ذلك أن يبلغ الخيال مستويات فصل النظام السوري عن شقيقه الإيراني، إنّما الحد من حالة تدهور النظام لصالح التمكين الإيراني الحاصل.

وإذا كان لا بد من العودة إلى سيرة أسبق يمكن الحديث عن علاقة إماراتيّة مع نظام صدّام حسين في التسعينيات، خلال سنوات الحصار، والتي تنامت على نحو أسرع قبل قليل من سقوط نظام صدّام، ووصلت إلى حدّ طرح مبادرات وقف الحرب عبر تأمين ملاذ آمن لصدّام وعائلته، وقد فُسّر التحرّك الإماراتي وقتئذ بأنّه خروج عن البيت الخليجي السعيد بأفول حكم صدّام، غير أنّ مسعى الإمارات كان في جوهره ينطوي على خشية من تغوّلٍ إيرانيّ مشفوع بطاقة طائفية مهولة، وبذا يصبح الاحتواء حالة أمثل قياساً إلى المواجهة العدميّة، خاصة وأن الإمارات لا تبدو مهجوسة البتة بفكرة حقوق الإنسان والمحاسبة والتحوّل الديمقراطي الذي بات ضرباً من ضروب الخيال مع انسداد الأفق السياسيّ واستنقاع أوضاع المعارضة وتهافت قواها، وبالتالي ثمّة تصالح مع فكرة شديدة الراهنية تتمثّل في أن بقاء النظام إلى أجل غير مسمّى بات هو وسيلة القياس الوحيدة في عودة العلاقات، أو قطعها على نحوٍ مفتوح، ويزيد من هذا الاحتمال التموضع الروسي وانعدام الحماسة الأميركية في إحداث أي تغيير مهم.

قبل الإمارات أعادت سلطنة عمان والأردن والجزائر وموريتانيا علاقاتها بدمشق، ومصر أيضاً تجتهد في ذات المسار، فيما توضّح الخريطة الحالية انقسام الدول العربية إلى ثلاثة اتجاهات: متصالحة، ومتردّدة، ورافضة، وهذه الأخيرة لم يعد يحمل لواءها سوى قطر والسعودية، وهما بدورهما لا يغنّيان الأغنية ذاتها، إن لم نقل بأنّهما يختلفان في كل ما يمتّ لمستقبل سوريا المتخيّل، وهما أيضاً الدولتان التي “تهاوشتا والصيدة فلتت (طارت)” طبقاً لقول مأثور لحمد بن جاسم وزير خارجية قطر السابق.

غير أنّ الثقة بدور وموقع وأهمية الإمارات تجعل من عودة العلاقات العربية مسألة وقت، والحال أنه يمكن تحريك بديهية مفادها أنّ الإمارات ليست موريتانيا، وأن النظام بدأ يتعافى دبلوماسياً في المستوى العربيّ فحسب، دون الدوليّ، كما لا يعني التعافي الدبلوماسي تعافياً اقتصادياً ولا يمكن للنظم العربية الثريّة أن تحدث فارقاً كبيراً في انتشال سوريا من أزمتها الاقتصادية، إلّا إذ اقتصر الدور العربيّ على رفد السوريين بالدواء والغذاء، كما لا تعني عودة النظام إلى قلب المنظومة العربية عودته إلى دوره في تقريع نظم عربيّة لا تشاطره الرأي ولا تخضع لابتزازه، لا تعني العودة أيضاً قدرة النظام على تشكيل تحالفات موازية لتلك التي تقودها الترويكة العربية، مصر والسعودية والإمارات، ذلك أن مياهاً كثيرة جرت في نهر النظام العربي الحالي خلال السنوات العشر الماضية.

الثابت أن عودة العلاقات العربية من الباب الإماراتي يضعف موقف المعارضة، هذا إنّ تبقّى لها أن تعبّر عن موقفها، ويدفعها إلى التسليم بالأمر الواقع، وهي المستسلمة في أي حال لمواقف الدول الراعية، والثابت أيضاً أن الدول العربيّة “المطبِّعة” لن تتمكّن من تجاوز خطوط الحصار المفروضة أميركياً طبقاً لقانون “سيزر”، وهو ما يجعل فكرة الانفتاح والتطبيع تفسيراً للعنوان الأميركي القائم على تغيير سلوك النظام، لا تغيير النظام، ولعل ما يدخل في سياسة تغيير السلوك تلك هو السعي للوصول إلى صيغة تدمج تعبيرات معارضة في جسد السلطة التنفيذية، على هيئة وزراء وبعنوان قد يستلهم شعار “حكومة وحدة وطنيّة”، غير أنّ ذلك لن يعني بأي حال عودة “الإخوان المسلمين” فهم طبقاً لفهم النظام وكذا الثلاثي العربي مصر والسعودية والإمارات، أعداء، يمكن الاستمرار في تجاوزهم ونبذهم.

إلى جوار الانفتاح الإماراتي على النظام السوري، ثمّة خطوٌ إماراتيّ تجاه النظام التركي، ولكن هل يدخل هذا الانفتاح على أنقرة في مسار الوصول إلى تصوّر إماراتي لحل الانسداد السياسي الحاصل في المشهد السوري؟ الغالب على الظنّ، ثمّة شيء من ذلك.

نورث بوست

———————-

تريث في الاندماج مع دمشق.. تراجعٌ عربي عن التطبيع؟/ عبير محمد

تطبيع علني وغير علني، أجرته بعض الدول العربية مع دمشق عقب قطيعة دبلوماسية لغالبية تلك الدول منذ نحو 10 سنوات.

ويبدو أن بعض الدول العربية أبدت مؤخرا خيار التريث في الاندماج مع دمشق، لحين إجراء بعض التغييرات الداخلية في سوريا وفق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.

الاندماج مع دمشق وخيار عدم الاستعجال

قررت الجزائر عدم الاستعجال في دعوة الحكومة السورية لحضور القمة العربية المقرر عقدها في آذار/ مارس 2022، ذلك بعد اتصالات أجرتها مع دول عربية.

وتنتظر دول عربية خطوات داخل سوريا على ثلاث مستويات، قبل الحذو نحو تطبيع العلاقات و الاندماج مع دمشق.

كي لا تكون خطوة مجانية لصالح الحكومة السورية، بحسب صحيفة (الشرق الأوسط).

إذ تتعلق الخطوات بملف اللاجئين والتسوية بشكل إيجابي، ومسائل جيوسياسية تتعلق بملفات بينها الوجود الإيراني.

إلى جانب ثنائية تتناول التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة وتهريب المخدرات.

فيما سبق وأن أشار وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة، إلى أن بلاده، تبحث عن توافق عربي لضمان عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

لماذا تراجعت بعض الدول العربية عن التطبيع؟

الكاتب والصحفي مصطفى النعيمي يرى في حديث مع (الحل نت)، أن تصريح الجزائر بهذا الخصوص له بعدين.

الأول، هو أن الدول العربية باتت تعاني كثيرا من مسألة تغول إيران في أجهزة الحكومة السورية، ولا سيما في المؤسسة العسكرية.

وأصبحت تستخدم سوريا كحديقة خلفية لها لتمرير مشروعها التوسعي.

والذي يبدأ بالمشروع الدعوي وينتهي ببسط النفوذ العسكري من خلال الميليشيات التي تنشأها في ظل ضعف الدول.

فيما ينطبق هذا على كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن.

لذا يعتقد النعيمي أن الجهود الإيرانية اليوم تخطت المنطقة العربية في قارة آسيا وانتقلت إلى أفريقيا.

وما نشهده من تحركات في السودان وجيبوتي وأرتيريا وأثيوبيا، هو بداية لملامح تغول إيراني جديد، إلا أنه قد يكون مشروع بعيد الأمد.

أما البعد الثاني وفق النعيمي، فهو يرتكز من منطلقات اقتصادية بحتة.

فسيطرة إيران على المنطقة المستهدفة تبدأ بعملية تمرير مشروعها الاقتصادي.

وبالتالي، تبدأ طهران بتفكيك الدولة من خلال أدوات التأثير التي تم إنتاجها من خلال المرحلة الأولى من مشروع السيطرة.

لذلك، يعتقد النعيمي أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تحتاج إلى قرار سياسي دولي.

لكن حتى هذه اللحظة، ذاك القرار غير موجود سوى من خلال البوابة الأردنية، نظرا لمجموعة من العوامل.

أبرزها مراقبة كل ما سيدخل إلى سوريا عبر منفذ جابر نصيب الحدودي.

وتمتلك الأردن القدرة على تحديد ماهية المواد التي ستدخل بموجب التفاهم مع المنظومة الدولية.

وهذا الإستثناء منح بموجب زيارة سابقة للملك عبدالله الأردني إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي جو بايدن.

ولربما هذه النظرية تأتي بعد مؤتمر جوار العراق، والذي كان من أهم أهدافه إعادة العراق إلى الحضن العربي وتخفيض أداء الدور الإيراني تدريجيا وعلى مراحل.

وصولا لاستعادة دور الدولة العراقية بعيد عن الاصطفافات الحزبية والميليشيات الموالية لإيران المؤثرة في القرارات العراقية، بحسب النعيمي.

انفتاح عربي مع الأسد “مؤجل”

في ظل الاستبداد الإيراني وإنتشاره في الخارطة السورية، أصبح لدى بعض الدول العربية قناعة مطلقة بأنها في الحقيقة تتفاهم مع سوريين لايمتلكون قرارهم.

لربما تؤجل بعض الدول العربية الاندماج مع دمشق في ضوء الانقتاح العربي مع الحكومة السورية، لأنها تأخذ بعين الاعتبار العقوبات على دمشق، ومنها قانون قيصر، وفقا للنعيمي.

لكن، لايزال المشهد ضبابيا بهذا الشأن، فمسألة الانفتاح العربي على الحكومة السورية برئاسة بشار الأسد، مرهونا بقرار دولي بعد التوافق على شكل وماهية سوريا المستقبل.

من جانبها، تشجع العراق تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، إذ أشار وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين إلى أن دولا عربية عديدة أعادت علاقاتها مع دمشق بشكل سري.

موضحا في حديث مع قناة (سي إن إن) الأميركية، أن علاقات بلاده الدبلوماسية مع الحكومة السورية لم تنقطع أبدا.

في حين، أكد حسين، أنه في غضون فترة قصيرة، ستكون هناك علاقات طبيعية بين العديد من الدول العربية ودمشق.

—————————————–

الجزائر تتريث في دعوة سوريا للقمة العربية

استمرار «التطبيع» رهن خطوات من دمشق

إبراهيم حميدي

أسفرت اتصالات أجرتها الجزائر مع دول عربية عن التريث في دعوة سوريا إلى حضور القمة العربية المقررة في الجزائر في مارس (آذار) المقبل، في انتظار خطوات تقوم بها دمشق لاستمرار «التطبيع العربي».

وكان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قد قال بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد لدمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد الأسبوع الماضي، إن «الأوان قد آن لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وإن كرسي سوريا يجب أن يعود إليها من دون التدخل في سياساتها وفي من يحكمها».

كما تلقى لعمامرة اتصالاً مع نظيره الإيراني حسين أميرعبد اللهيان يحثه على دعوة الحكومة السورية إلى القمة، علماً بأن الجامعة العربية قررت تجميد عضوية سوريا في نهاية 2011.

وحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، أسفرت حصيلة الاتصالات التي أجراها لعمامرة عن «قرار بعدم الاستعجال وضرورة قيام دمشق بخطوات محددة وتوفير إجماع عربي لعودتها للجامعة».

وترى دول عربية رئيسية أنها قامت بـ«خطوات أولى» مع دمشق، وهي تنتظر «خطوات سورية» تتعلق بالتوقعات العربية بثلاثة مستويات «داخلية، تخص التعاطي الإيجابي مع ملف اللاجئين والتسوية وفق القرار الدولي 2254، وجيوسياسية تتعلق بملفات بينها الوجود الإيراني، وثنائية تتناول التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة وتهريب المخدرات».

————————-

التطبيع العربي مع الأسد: علاقات مصلحة مع رئيس مأزوم؟

قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن إعادة بعض الدول العربية لعلاقاتها بشكل تدريجي مع سوريا، لن يكون مؤثراً في ظل غرق بشار الأسد في “أزمات لا يمكنه الهروب منها”.

وبحسب ما ترجم موقع “الحل نت” أشارت الصحيفة إلى أن “هناك شعور يجتاح جميع أنحاء الشرق الأوسط بأن بشار الأسد يخرج الآن من عزلته، ما يعكس استسلامهم لبقائه. كما ساد تفكير بأن الحرب قد توقفت عن الاحتدام وما زال الأسد في مكانه، لذلك ربما حان الوقت لسوريا لتعيد الاتصال بجيرانها”.

في حين تعتبر الصحيفة أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع الأسد تتعامل بنهج أقل عدوانية، مقارنةً بإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن إدارة بايدن لا تزال تثبط شركائها العرب عن تطبيع العلاقات مع الأسد. وفي مقابلة مع مسؤول كبير في إدارة بايدن، قال بأن نجاة الأسد كانت واضحة وأن العقوبات لم تسفر عن تنازلات قليلة. لذلك فضّلت الإدارة التركيز على قضايا أخرى، بما في ذلك مكافحة جائحة كورونا وتخفيف الضائقة الاقتصادية في المنطقة والحد من النفوذ الإيراني.

ووفق ما نقلت الصحيفة، فإن المسؤول الأميركي أشار إلى إن الولايات المتحدة ترغب في صفقة نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، التي لا تزال تفاصيلها قيد الإعداد بغية تجنّب فرض عقوبات وتوفير الحد الأدنى من الفوائد للأسد.

كذلك كانت الإدارة تخبر أصدقائها بعدم السماح للأسد بالخروج من مأزقه.وفق المسؤول الأميركي. ويضيف قائلاً: “نحن نقول للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية: لا تذهبوا لبناء مراكز تسوق. لا تقوموا بإلغاء تجميد أصول بشار الأسد. لا تسمحوا للحكومة السورية بالحصول على أي نوع من العائدات لإعادة البناء أو إعادة الإعمار”.

واختتم حديثه بالقول بأنهم سمحوا بالمرونة في قضايا، مثل توفير الكهرباء من أجل لبنان وبعض أنواع المساعدات داخل سوريا، على أمل أن تكون هناك “سياسة إنسانية معقولة”.

الأسد الذي يعاني في “بلاد ممزقة” استنجد به مؤخراً مسؤولون كبار من لبنان طالبين مساعدته في حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في بلادهم. وكان وزير اقتصاده يقف إلى جانب نظيره الإماراتي في معرض تجاري في دبي. في الوقت الذي تحدث فيه الأسد هاتفياً إلى الملك الأردني عبد الله الثاني للمرة الأولى منذ عشرة أعوام.

وبعد عشرة أعوام من الحرب في سوريا، يتساءل الكثير من السوريين عما إذا كان من الممكن إعادة توحيد البلاد في حال وجود فكرة واضحة بما يكفي عن ماهية سوريا ما بعد الحرب.

ما زالت قبضة الأسد على السلطة ضعيفة حتى في المناطق التي تخضع لسيطرته. لقد عوّل الأخير بشكلٍ كبير على روسيا وإيران في التصدي للمعارضة المسلحة في بلاده، ويتطلع كلا البلدان الآن إلى اقتصاده للحصول على فرص بغية استرداد ما استثمروه في حربه. لكن الاقتصاد ضعيف للحد الذي يجعل رجال الأعمال يغلقون أعمالهم ويهربون.

باتت تحركات جيران سوريا للتقرب من الأسد تعكس تلاشي الشعور بوجوب نبذه، عندما تكون هناك العديد من المشاكل الأخرى في المنطقة. وفق الصحيفة.

كذلك أعاد الأردن فتح حدوده مع سوريا أمام التجارة، سعياً منه لإنعاش اقتصاده المتعثر. كما استضاف مؤخراً وزير الدفاع السوري لإجراء محادثات أمنية. وبحسب الديوان الملكي الأردني، فإن الملك عبد الله الثاني الذي دعا الأسد للتنحي في العام 2011، تحدث إلى الرئيس السوري لمناقشة العلاقات بين الدولتين الشقيقتين وسبل تعزيز التعاون فيما بينها.

كذلك دول الخليج الثرية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي موّل البعض منها المتمردين في بداية الحرب، تخلّت عن معارضتها للأسد بهدف الحصول على فرص استثمارية في سوريا.

———————

التطبيع العربي مع الأسد.. دوافعه ومآلاته/ حسن النيفي

يتنامى الحديث في الأوساط السياسية المحلية والخارجية عن  خطوات متلاحقة للتطبيع العربي مع نظام الأسد، أو بتعبير أدق: إعادة العلاقات بطريقة تدريجية وصولاً إلى الحالة التي كانت قبل عام 2011، وذلك في سياق موجة إعلامية يحرص نظام الأسد ومؤيدوه على استثمارها وتوظيفها ضمن ما تبقى لهم من حاضنة في الداخل السوري قبل أي طرف آخر، ليؤكّد النظام لحاشيته وأتباعه أن المؤامرة الكونية التي يواجهها منذ أكثر من عشر سنوات بدأت بالتفكك، بل ربما بدأت تتلاشى أمام صمود الأسد. وفي حال أفلح الأسد في تعزيز هذه الرغبة الافتراضية لدى حاشيته، فما دور هذا النجاح الافتراضي على الواقع الفعلي للنظام ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟

لا بد من التأكيد على أن الأسباب التي أوجبت عزلة النظام عربياً، ما تزال قائمة، ولم يستجد أي حدث أو موقف ميداني أو سياسي يوحي بأن الأسد قد غيّر نهجه الدموي في مواجهة السوريين، أو أنه أظهر رغبة جدّية بالتخلّي عن الخيارات الأمنية والتفاعل مع الطروحات السياسية التي تحيل إليها القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية، فما الذي يجعل بعض الأنظمة العربية تواجه تصلّب الموقف الأسدي واستمرار توحّشه حيال شعبه، بموقف فيه كثير من الهشاشة، بل والانزياح التدريجي نحو إعادة العلاقات مع دمشق؟

لعله من المفيد الإشارة إلى أن موقف الجامعة العربية الرافض لنهج العنف والتوحّش الأسدي عام 2012، كان مسبوقاً بموقف شبه عالمي، بل موقف أميركي على وجه التحديد، وكان يكفي لموقف واشنطن الصارم الذي ذهب إلى درجة إسقاط الأسد ونزع شرعيته (إعلامياً) أن يكون حافزاً للعديد من الدول العربية أن تتماهى مع موقف الولايات المتحدة، أضف إلى ذلك أن الموقف العربي، والخليجي حصراً، المنحاز إلى جانب ثورة السوريين إبان انطلاقتها، كان موقفاً (مركّباً)، لا ينحصر بالتماهي مع رغبة السوريين المتمثلة بالخلاص من الاستبداد والانتقال إلى التغيير الديمقراطي فحسب، بل برغبة خليحية عامة بإبعاد النفوذ الإيراني الضالع في سوريا أيضاً، إلّا أن الموقف الخليجي في مواجهة إيران ظل مقروناً على الدوام (من حيث التصعيد أو المهادنة) بالموقف الأميركي الذي كان يتغيّر بتغيّر الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة الأميركية ذاتها، ويمكن لنا إدراك ذلك بوضوح من تتبّع سياق التقارب العربي مع نظام دمشق، من خلال الخطوة التي بادرت بها دولة الإمارات في أواخر العام 2018 ، والتي تمثلت بإعادة فتح قنصليتها في دمشق، وربما كانت تلك الخطوة الإماراتية حافزاً للعديد من الدول لأنْ تمضي في الطريق ذاته، بل يمكن القول إن القمة العربية التي انعقدت في تونس في آذار 2019، قد شهدت عدّة محادثات ومداولات بينية غير رسمية بين عدة دول عربية (مصر والعراق والأردن ولبنان) تهدف إلى طرح عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وإنهاء عزلته، ولكن ما أفشل تلك المبادرة هو رسالة الخارجية الأميركية إلى الخارجية المصرية، والتي تضمنت تحذيراً أميركياً صارماً حيال أي تقارب مع نظام دمشق.

حمل مجيء الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض استراتيجية أميركية حيال إيران تتميّز عن استراتيجية سلفه دونالد ترامب، إذ يرمي بايدن إلى تعزيز النهج الذي كان قد أسس له أوباما، والذي يتمثل بسياسة الاحتواء بدلاً من المصادمة، والتفاهم والحوار بغية تقنين النشاط النووي الإيراني والسيطرة عليه من خلال إبرام تفاهمات مع طهران من شأنها أن تفضي إلى نوع من المهادنة واستبعاد التوتر بين الطرفين، ولئن يرى كثيرون أن نهج الإدارة الأميركية الجديد حيال إيران من شأنه أن يشرْعن الطموح الإيراني نحو التمدّد والهيمنة في المنطقة العربية، إلّا أن البعض الآخر لا يرى بدّا من التماهي مع الخطاب الأميركي، والتعاطي مع الخطر الإيراني وفقاً لما تتبعه الإدارة الأميركية، ولعل ملك الأردن كان السبّاق إلى اغتنام فرصة اللقاء مع بايدن وإقناعه بفكرة مرور الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وذلك في خطوة يرى فيها كثيرون ليونة أميركية واضحة في خرق أو تجاوز عقوبات قانون قيصر، الأمر الذي أحيا من جديد رغبة العديد من العواصم العربية بالانعطافة نحو نظام الأسد.

يبقى السؤال الأهم حول الجدوى الفعلية التي سيحصدها المطبعون مع الأسد من جهة، وماذا سيحصد الأسد من هذا التطبيع من جهة أخرى؟

لعله غير بعيد عن الصواب، الذهاب إلى أن مجمل دوافع الأنظمة العربية الزاحفة تجاه الأسد إنما تحكمها المصالح السلطوية والهواجس الأمنية بالدرجة الأولى، ولم تكن تلك الدوافع منبثقة من مصالح الشعوب المحكومة من تلك الأنظمة، ولئن كان الأردن مسكوناً بمخاوفه من عبور النفوذ الإيراني إلى أراضيه عبر الجنوب السوري، فلربما ظن أن السبيل المتاح لدرء تلك المخاوف هو الاقتراب من دمشق لإرضاء إيران، وبالتالي تحاشى خطرها الميليشياوي الذي بات مقلقاً للمنطقة برمتها، أما مسألة تصدير الغاز والكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا، فلا تبدو أنها ستكون الثمن الوحيد الذي تتوخّاه عمان من خلال انفتاحها على دمشق، في حين ما تزال مصر منهمكة بالتنافس الإقليمي مع تركيا، لأسباب عديدة، ليس أقلّها الموقف التركي الرافض لانقلاب السيسي، والمؤيد للإخوان المسلمين في مصر، ودون تسوية فعلية للخلافات التركية المصرية، ستبقى مصر تتحدث عن توغل تركي في سوريا، وربما اعتقدت أن التقارب مع دمشق إنما يندرج في مواجهة نفوذ أنقرة في الشأن السوري. أمّا لبنان والعراق فإن تبعيتهما المطلقة لقرار طهران ووقوع هذين البلدين تحت الهيمنة الأمنية الإيرانية، يجعل من سعيهما للتطبيع مع الأسد تحصيل حاصل، إذ هما – بالأصل – منحازان لآلة القتل الأسدية في مواجهة ثورة السوريين، ولا يحتاجان إلى تطبيع جديد.

مما لا شك فيه، أن انعطافة عدد من العواصم العربية إلى نظام الأسد ستكون مُحفّزاً آخر لبشار الأسد للاستمرار في تحدّيه إرادة السوريين، فضلاً عن كونها تجسد دعماً معنوياً أو رمزياً لنظام الحكم، وخاصة أمام حاضنته ومؤيديه، كما يمكن لها أيضاً أن تساهم في تعزيز المسعى الروسي الهادف إلى تعويم الأسد عربياً ودولياً، بغية إعادة إنتاجه بما ينسجم مع المصالح الروسية، ولكن مما لا شك فيه أيضاً، أن تلك الانعطافة السالفة الذكر لن يكون بمقدورها – على المستوى الفعلي – أن تنتشل نظام دمشق مما هو فيه، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، بل لعلها من المفارقات التي تبعث على السخرية حين يتساءل المرء: إن نظام الحكم في العراق الذي يقف عاجزاً عن تأمين مياه الشرب والكهرباء لمواطنيه، فضلاً عن استشراء الفساد واللصوصية في أنساقه السلطوية جميعها، ما الذي يمكن أن يقدمه نظام كهذا لبشار الأسد الذي لا يقل عنه تردّياً؟ ثم ما الذي يمكن أن ينتظره الأسد من لبنان المحكوم من جانب حزب الله  الذي لم يبق أمامه سوى تصدير المخدرات كمصدر لتمويل نشاط ميليشياته الطائفية؟ فضلاً عن القول: إن قدرة بعض الأطراف على اختراق أو تجاوز قانون قيصر، لا ينفي الخناق الاقتصادي الذي سيبقى مضروباً على عنق الدولة الأسدية.

لعل الأمر الذي لم يكن موضع اهتمام مجمل من انعطفوا إلى نظام التوحّش الأسدي من العرب، هو أن إعادة تأهيل الأسد اقتصادياً وأمنياً لن تنقذه من السقوط الأخلاقي والإنساني والحقوقي، ذلك أن تداعيات الإجرام الأسدي بحق السوريين لم تعد مجرّد أخبار تتناقلها وسائل الإعلام، أو حكايات تُروى، بل باتت حقائق موثقة لدى كل الجهات الحقوقية الدولية والمحلية، ولئن استطاع الأسد أن يكون بمنأى عن أن تطوله العدالة في الحالة الراهنة، فذلك بفضل حصانة القوّة التي لا بدّ وأن تقوّضها قوّة الحق في يوم ما.

ولعلّه من الضرورة الملحّة، ألّا يغيب عن أذهان الجميع، بما فيهم الزاحفون إلى الأسد، أن الشعب السوري حين انتفض بوجه الطغيان الأسدي في آذار 2011، كان نظام الأسد يقيم أفضل العلاقات مع كل الأنظمة العربية، كما كان يحظى بالتأييد السياسي والمادي من جانب أكثر الدول العربية غنًى وثراء، إلّا أن ذلك كلّه لم يكن حائلاً دون إرادة السوريين ونزوعهم نحو التحرر وإطلاق ثورتهم المباركة.

تلفزيون سوريا

——————————

بوتين: ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية

بوتين: ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بوتين: يجب أن تستمر موسكو بتعزيز ودعم المسار السياسي للتسوية في سوريا (Getty)

طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعضاء وزارة الخارجية الروسية بـ”ضرورة أن تساعد الدبلوماسية الروسية في تطبيع العلاقات بين سوريا والدول العربية الأخرى”.

وقال بوتين خلال اجتماع موسع مع أعضاء وزارة الخارجية الروسية: “يجب أن تواصل الدبلوماسية الروسية الإسهام في تطبيع العلاقات بين سوريا والدول العربية، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في أسرع وقت ممكن، وجذب المساعدات الدولية بغية تحسين الوضع الإنساني في هذا البلد”.

وأكد بوتين أن “الدبلوماسية الروسية يجب أن تستمر بتعزيز ودعم المسار السياسي للتسوية في سوريا”. وأضاف “في إطار صيغة أستانة، وبالتعاون مع تركيا وإيران، أطلقنا عملية التسوية بين السوريين تحت رعاية الأمم المتحدة”.

واعتبر أن تدخل بلاده في الحرب السورية “ساهم في قطع الإرهاب الدولي في سوريا، ومنع تفكك سوريا”.

ويأتي تصريح بوتين بعد ساعات على لقاء ممثله الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف مع رئيس النظام السوري حيث اعتبر الزائر الروسي أنه “لا يمكن تحويل سوريا إلى ساحة لتصفية حسابات البعض بما في ذلك المعارضين الإقليميين، لذلك سنواصل عملنا في هذا الاتجاه وسنسعى إلى وقف غير مشروط لهذه الأعمال”.

كما أشار لافرنتييف إلى أنه “لا بد من استمرار محاربة التنظيمات الإرهابية وخاصة الموجودة في إدلب، وتنفيذ الاتفاقيات التي وقعتها تركيا التي تتحمل مسؤولية الهجمات الإرهابية هناك، كما يجب أيضا محاربة تنظيم داعش الإرهابي في مناطق شرق سوريا”.

وتحاول موسكو تعويم النظام السوري وإعادته إلى الساحة الدولية، كما أنها تدعم تواصل بعض الدول العربية مع النظام، حيث أعرب وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في وقت سابق، عن قناعته بأن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية سينعكس بطرية إيجابية على الظروف في الشرق الأوسط.

=================

تحديث 20 تشرين الثاني 2021


ريبورن: المطبعون مع الأسد سيخيب أملهم بشدة قريباً
قال المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جويل ريبورن إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أبلغت الدول التي تسعى إلى التطبيع مع النظام السوري، رفضها التام لهذا القرار، مضيفاً أن “المطبعين مع نظام بشار الأسد سيخيب أملهم بشدة قريباً”.
وقال ريبورن في مقابلة مع “تلفزيون سوريا”، إن “المجتمع الدولي ملتزم بعزل رئيس النظام بشار الأسد سياسياً”، وأن “المطبعين مع نظام الأسد سيخيب أملهم بشدة قريباً”.
وكشف المبعوث الأميركي أن “الولايات المتحدة تتحرك وتتواصل مع الدول الساعية للتطبيع مع الأسد، لتبلّغهم برفضها هذا القرار”، لافتاً إلى أن “اتفاقيات التطبيع مع الأسد، سوف تصطدم بعقوبات قانون قيصر”. وتابع أن الإدارة الأميركية ستتابع الأعمال العسكرية في شمال شرقي سوريا، وذلك بالتنسيق مع روسيا وتركيا.
واستبعد المبعوث السابق التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران مشابه لاتفاق عام 2015، مشيراً إلى أن النظام الإيراني غير مهتم بالتوصل إلى اتفاق نووي جديد.
وشغل ريبورن منصب المبعوث الأميركي الخاص لسوريا من تموز/يوليو 2018 إلى كانون الثاني/يناير 2021، وهو أشرف على الأنشطة الدبلوماسية الأميركية المتعلقة بسوريا، وعلى أكثر من 100 دبلوماسي وموظف حكومي في جميع أرجاء الشرق الأوسط وأوروبا.
وكان ريبورن قد قال الجمعة، إنه بالرغم من تغير الإدارات في البيت الأبيض، إلا أن الهدف تجاه الوضع في سوريا واحد، مشيراً إلى أن الأزمة السورية ستبقى مهمة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، “إذ يبدو أن الحل لم يحصل بعد وسيستمر طويلاً”. وتابع: “لا ألوم الشعب السوري على شعوره بالخيبة وفقدانه الأمل بالحل، أنا نفسي أشعر بالخيبة من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، رغم كوني جزءاً منه سابقاً”.
وقبل أيام، أكد نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية إيثان غولدريتش، خلال اجتماعات مع “الائتلاف الوطني السوري” المعارض والحكومة السورية المؤقتة، وممثلين عن هيئة التفاوض والدفاع المدني السوري في إسطنبول، “دعم الولايات المتحدة لجهود مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن لدفع حل سياسي للصراع السوري، وشدد على موقف الولايات المتحدة الرافض للتطبيع مع نظام الأسد”.
وقال غولدريتش: “نحن ملتزمون بموقفنا من نظام الأسد ونحمله المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات ضد المدنيين واستهداف المناطق السورية بالأسلحة الكيماوية، وكذلك ملتزمون بدعم العملية السياسية التي تهدف لتطبيق القرار الأممي 2254”.

المدن


متى يطعن الاسد روسيا أو إيران؟/ بسام مقداد
على الرغم من مرور أكثر من اسبوع عليها،لا تزال زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق تستحوذ على إهتمام مواقع الإعلام الناطقة بالروسية وتحليل إشاراتها وغاياتها. ومع أن دوائر السياسة الخارجية الأميركية والأوروبية أبدت إعتراضها على الزيارة وما تعنيه من إشارات خاطئة لنظام الأسد، إلا أن محللين روس شبهوا هذا الإعتراض بخطوط أوباما الحمراء العام 2013، والتي لم تحل دون إستمرار الأسد في إستخدام الكيماوي لاحقاً.
صحيفة NG الروسية، وفي معرض حديثها عن لحاق السعودية بركب التطبيع مع الأسد، قالت بأن الإمارات كانت السباقة في التطبيع مع النظام السوري بإعادة إفتتاح سفارتها في دمشق العام 2018، وقالت بأن الزيارة الأخيرة طرحت مسالة التطوير اللاحق للعلاقات بين البلدين. وذكّرت بلقاء وزير التجارة الخارجية السوري في معرض إكسبو دبي مع زميله الإماراتي، وقالت بأن دمشق ودبي تمكنتا من إقامة “الحد الأدنى” من التعاون الإقتصادي. واشارت إلى أن وزارة الإقتصاد الإماراتية ذكرت بأن حجم التجارة غير النفطية بين سويا والإمارات بلغ في النصف الأول من السنة الجارية 272 مليون $.
موقع haqqin.az الناطق بالروسية المعارض في أذربيجان نشر نصاً بعنوان “الإمارات سامحت الأسد وأتت إليه في دمشق”. قال الموقع بأن لدى الأسد سبباً ليفرك يديه مسروراً، فمن منبوذ العالم العربي يتحول إلى شخص مرغوب به، ما يمنحه ضمانة إضافية ببقائه في السلطة بسوريا، خاصة وأن عبدالله بن زايد “عبر له عن دعمه”، وإن كان لا يزال من غير المفهوم كيف سيتجلى هذا الدعم في الواقع.
ليست المرة الأولى التي يدور الحديث فيها عن تطبيع علاقات ممالك الخليج مع دمشق، لكن وحتى هذه المرة لم يطرأ ما هو ملموس. والحديث يدور بالفعل عن مساومة، “فليس في عالمنا ما هو مجاني”، بما فيه مقابل الشطب من قائمة المنبوذين. فما هو مدعاة سرور للأسد، هو وجع أاس لموسكو وطهران وواشنطن.
ومن دون أن يشير إلى إنتقاد الخارجية الأوروبية، أشار الموقع إلى ردة الفعل الشديدة عليها من الجانب الأميركي. ورأى أن موسكو وطهران لاذتا بالصمت التقليدي، لكن لا شك في أنهما كانتا متوترتين، لأن ليس من ثقة البتة بالأسد، حيث أظهر أنه شريك غير موثوق للغاية في السنوات الأخيرة. فهو دوماً يعمل على مصادمتهما مع بعضهما، يضخم التناقضات بينهما ويحاول الحصول في هذه المياه العكرة على مصالحه السياسية والمالية.
بالنسبة لإيران وروسيا الأسد الجالس عل حرابهما تحول منذ زمن بعيد إلى عبء ومصدراً للقلق الدائم، حيث يمكن توقع خنجر منه في الظهر في أية لحظة. لكن ليس من بديل له، لأن البديل من غير عائلة الأسد ليس مقبولاً لهما، ومن داخلها ليس من بديل يسمن على جسد بلد ينزف دماً، ويحيك دوماً أحابيله.
ويقول الموقع بأنه وفقاً لكلام الأسد نفسه جرى في اللقاء بحث مستقبل التعاون بين البلدين، وخاصة في المجال الإقتصادي. وعلى الرغم من أنه بدا وكأنه لا يكذب هذة المرة، إلا أنه لم يقل الحقيقة كاملة. فواشنطن لن تسمح للإمارات في المساعدة بإعادة إعمار سوريا وصولاً حتى فرض عقوبات عليها. والإمارات نفسها لن تقدم على توتير العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل دمشق. ولذلك، فإذا كانت قد بحثت مسائل إقتصادية ما، فلم يُبحث سوى مصير أموال عائلة الأسد في مصارف الإمارات.
وفي إشارة إلى سائر العائلات الحاكمة في الأنظمة الإستبدادية، يقول الموقع بأن عائلة الأسد، وكما سائر “الوطنيين الإسميين”، لا تحتفظ بأموالها في سوريا، بل هي موزعة في حسابات مصرفية كثيرة في الخليج. ومن المهم جدا للأسد أن يطمئن على مصيرها، وهو على إستعداد للإقدام على أي شيئ في سبيلها، وليس على حلفيتيه روسيا وإيران أن تنتظرا طويلاً “لعبته” التالية، “والسؤال فقط كيف سيتم ذلك”.
موقع GEOFOR الروسي المتخصص بتحليل الشؤون الدولية نشر نصاً في 18 الجاري إستعرض فيه أهداف زيارة زير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، وكيف ترتبط ب”إتفاقيات إبراهيم” التي لم يمض أكثر من سنة بقليل على توقيعها بإشراف إدارة دونالد ترامب. ابو ظبي لم تضع الوقت سدى، فخلال هذه السنة أقامت أساساً صلباً للتعاون الإماراتي الإسرائيلي في مجالات الإستثمار والتجارة والتكنولوجيا. وأصبحت الإمارات في الحقيقة الشريك الرئيسي لإسرائيل في العالم العربي، حيث وضعت بمتناول يدها رؤوس أموالها وأسواقها وبنيتها التحتية اللوجستية. وبذلك وفرت لنفسها ضمانة كلية ضد أية تهديدات محتملة من جانب الولايات المتحدة.
يؤكد الموقع أن هذه “المناعة” الأميركية التي إكتسبتها الإمارات بفضل اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، سمحت لها بمتابعة تعاونها مع نظام الأسد بعد إعادة إفتتاح سفارتها في دمشق. ويرى أن نشاط الإمارات في سوريا تم “على الأغلب تنسيقه مع الجانب الإسرائيلي”، وهذا مفهوم لأن تل أبيب ليست قادرة على الدخول في حوار مباشر مع دمشق.
وقد دفع تنامي هذا التعاون بعض المراقبين الروس إلى القول بسعي الإمارات إلى إبعاد تركيا عن سوريا وإحتلال موقع الصدارة في العملية المقبلة لإعادة إعمار سوريا. لكن الموقع يرفض هذه الفرضية، ويقول بأن عوائد مشاريع بناء سوريا جديدة لا يمكنها أن تغطي المسؤولية السياسية الهائلة المترتبة عليها، ومشايخ الإمارات ليسوا “على هذا القدر من الغباء” ليتحملوها. ومع أنهم ليسوا ضد توظيف رؤوس اموالهم في قطاعات إقتصادية سورية معينة والتحكم بتوجيهها، إلا أنهم يسعون لأمر آخر يتمثل في توظيف الساحة السورية لإقامة وبلورة معادلة جديدة لميزان القوى الإقليمي. هذه المعادلة تستهدف ربط أربعة عناصر إقليمية رئيسية: العرب، إسرائيل، تركيا وإيران، على أن يحصل كل منها على موقعه ودوره وصوته.
للوهلة الأولى يبدو من العسير جداً أخذ مصالح إيران في المعادلة الإقليمية الجديدة، لكن الموقع يذكر بكلام وزير الخارجية الإيراني في وصفه للزيارة بأنها “خطوة إيجابية”والعلاقات الإماراتية الإيرانية بأنها “تقليدية وإيجابية”. وهذا مع بلد عقد منذ سنة فقط “إتفاقيات إبراهيم” مع العدو الصهيوني” وبإشراف ومباركة “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة. ويرى الموقع أن الكلام الإيراني هذا يمكن فهمه كإشارة إلى أن إيران ليست ضد الحوار مع إسرائيل عبر أبو ظبي، خاصة حول الشان السوري.
وبعد أن يتحدث الموقع عن العلاقات الإماراتية التركية وتدهورها خلال السنوات الأخيرة، وليس بسبب الخلاف حول مسألة “الإخوان المسلمين”، بشير إلى الزيارة المتوقعة لمحمد بن زايد إلى أنقرة قبل نهاية الشهر الجاري، وإلى زيارة وزير الخارجية التركية إلى طهران والبحث خلالها في مشروع ممر بري يربط الخيج بتركيا عبر إيران واالعراق.
ويقول الموقع أن مشروع المعادلة الجديدة لميزان القوى الإقليمي “هش للغاية”، ويرتبط نجاحه بمتغبرات عديدة تتمثل إحداها بموقف الولايات المتحدة وروسيا منه. فالولايات المتحدة يبدو أنها لا تعارضه، وقد يكون لأنها تسعى منذ زمن بعيد للتخلص من المسؤلية الكاملة عن الشرق الأوسط، والتفرغ للمواجهة مع الصين.
أما بالنسبة لروسيا، يعتقد الموقع أن إستراتيجية الإمارات هذه تنطوي على مخاطر معينة، حيث أن روسيا وظفت الكثير جداً في سوريا حتى توافق على شطب مصالحها من المعادلة الإقليمية. فالأسد مدين “لنا بإنقاذه”، وإيران مدينة بإمكانية تثبيت وجودها العسكري السياسي في سوريا وتشريعه، وتركيا “بفضل وجودنا” تمكنت من تحاشي المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران على الأرض السورية. لكنه يستدرك بالقول أن هذا ليس حجة في السياسة، خاصة في الشرق الأوسط. فالحجة الوحيدة التي يمكنها إجبار الجميع الأخذ بالحسبان رأي روسيا ومصالحها هو دورها كضامن للأمن. فجميع التصاميم البارعة التي يجري تطويرها في أبو ظبي أو تل ابيب، في أنقرة أو طهران، لا معنى لها إلا في ظل الأمن في سوريا الذي لا يمكن سوى لموسكو أن توفره، شرط تعاون جميع اللاعبين في المنطقة”. ولا يستبعد الموقع أن تستقبل موسكو أو سوتشي قريباً “أحداً من آل النهيان”.

المدن

=================

تحديث 20 تشرين الثاني 2021


ريبورن: المطبعون مع الأسد سيخيب أملهم بشدة قريباً
قال المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جويل ريبورن إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أبلغت الدول التي تسعى إلى التطبيع مع النظام السوري، رفضها التام لهذا القرار، مضيفاً أن “المطبعين مع نظام بشار الأسد سيخيب أملهم بشدة قريباً”.
وقال ريبورن في مقابلة مع “تلفزيون سوريا”، إن “المجتمع الدولي ملتزم بعزل رئيس النظام بشار الأسد سياسياً”، وأن “المطبعين مع نظام الأسد سيخيب أملهم بشدة قريباً”.
وكشف المبعوث الأميركي أن “الولايات المتحدة تتحرك وتتواصل مع الدول الساعية للتطبيع مع الأسد، لتبلّغهم برفضها هذا القرار”، لافتاً إلى أن “اتفاقيات التطبيع مع الأسد، سوف تصطدم بعقوبات قانون قيصر”. وتابع أن الإدارة الأميركية ستتابع الأعمال العسكرية في شمال شرقي سوريا، وذلك بالتنسيق مع روسيا وتركيا.
واستبعد المبعوث السابق التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران مشابه لاتفاق عام 2015، مشيراً إلى أن النظام الإيراني غير مهتم بالتوصل إلى اتفاق نووي جديد.
وشغل ريبورن منصب المبعوث الأميركي الخاص لسوريا من تموز/يوليو 2018 إلى كانون الثاني/يناير 2021، وهو أشرف على الأنشطة الدبلوماسية الأميركية المتعلقة بسوريا، وعلى أكثر من 100 دبلوماسي وموظف حكومي في جميع أرجاء الشرق الأوسط وأوروبا.
وكان ريبورن قد قال الجمعة، إنه بالرغم من تغير الإدارات في البيت الأبيض، إلا أن الهدف تجاه الوضع في سوريا واحد، مشيراً إلى أن الأزمة السورية ستبقى مهمة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، “إذ يبدو أن الحل لم يحصل بعد وسيستمر طويلاً”. وتابع: “لا ألوم الشعب السوري على شعوره بالخيبة وفقدانه الأمل بالحل، أنا نفسي أشعر بالخيبة من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، رغم كوني جزءاً منه سابقاً”.
وقبل أيام، أكد نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية إيثان غولدريتش، خلال اجتماعات مع “الائتلاف الوطني السوري” المعارض والحكومة السورية المؤقتة، وممثلين عن هيئة التفاوض والدفاع المدني السوري في إسطنبول، “دعم الولايات المتحدة لجهود مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن لدفع حل سياسي للصراع السوري، وشدد على موقف الولايات المتحدة الرافض للتطبيع مع نظام الأسد”.
وقال غولدريتش: “نحن ملتزمون بموقفنا من نظام الأسد ونحمله المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات ضد المدنيين واستهداف المناطق السورية بالأسلحة الكيماوية، وكذلك ملتزمون بدعم العملية السياسية التي تهدف لتطبيق القرار الأممي 2254”.

المدن


متى يطعن الاسد روسيا أو إيران؟/ بسام مقداد
على الرغم من مرور أكثر من اسبوع عليها،لا تزال زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق تستحوذ على إهتمام مواقع الإعلام الناطقة بالروسية وتحليل إشاراتها وغاياتها. ومع أن دوائر السياسة الخارجية الأميركية والأوروبية أبدت إعتراضها على الزيارة وما تعنيه من إشارات خاطئة لنظام الأسد، إلا أن محللين روس شبهوا هذا الإعتراض بخطوط أوباما الحمراء العام 2013، والتي لم تحل دون إستمرار الأسد في إستخدام الكيماوي لاحقاً.
صحيفة NG الروسية، وفي معرض حديثها عن لحاق السعودية بركب التطبيع مع الأسد، قالت بأن الإمارات كانت السباقة في التطبيع مع النظام السوري بإعادة إفتتاح سفارتها في دمشق العام 2018، وقالت بأن الزيارة الأخيرة طرحت مسالة التطوير اللاحق للعلاقات بين البلدين. وذكّرت بلقاء وزير التجارة الخارجية السوري في معرض إكسبو دبي مع زميله الإماراتي، وقالت بأن دمشق ودبي تمكنتا من إقامة “الحد الأدنى” من التعاون الإقتصادي. واشارت إلى أن وزارة الإقتصاد الإماراتية ذكرت بأن حجم التجارة غير النفطية بين سويا والإمارات بلغ في النصف الأول من السنة الجارية 272 مليون $.
موقع haqqin.az الناطق بالروسية المعارض في أذربيجان نشر نصاً بعنوان “الإمارات سامحت الأسد وأتت إليه في دمشق”. قال الموقع بأن لدى الأسد سبباً ليفرك يديه مسروراً، فمن منبوذ العالم العربي يتحول إلى شخص مرغوب به، ما يمنحه ضمانة إضافية ببقائه في السلطة بسوريا، خاصة وأن عبدالله بن زايد “عبر له عن دعمه”، وإن كان لا يزال من غير المفهوم كيف سيتجلى هذا الدعم في الواقع.
ليست المرة الأولى التي يدور الحديث فيها عن تطبيع علاقات ممالك الخليج مع دمشق، لكن وحتى هذه المرة لم يطرأ ما هو ملموس. والحديث يدور بالفعل عن مساومة، “فليس في عالمنا ما هو مجاني”، بما فيه مقابل الشطب من قائمة المنبوذين. فما هو مدعاة سرور للأسد، هو وجع أاس لموسكو وطهران وواشنطن.
ومن دون أن يشير إلى إنتقاد الخارجية الأوروبية، أشار الموقع إلى ردة الفعل الشديدة عليها من الجانب الأميركي. ورأى أن موسكو وطهران لاذتا بالصمت التقليدي، لكن لا شك في أنهما كانتا متوترتين، لأن ليس من ثقة البتة بالأسد، حيث أظهر أنه شريك غير موثوق للغاية في السنوات الأخيرة. فهو دوماً يعمل على مصادمتهما مع بعضهما، يضخم التناقضات بينهما ويحاول الحصول في هذه المياه العكرة على مصالحه السياسية والمالية.
بالنسبة لإيران وروسيا الأسد الجالس عل حرابهما تحول منذ زمن بعيد إلى عبء ومصدراً للقلق الدائم، حيث يمكن توقع خنجر منه في الظهر في أية لحظة. لكن ليس من بديل له، لأن البديل من غير عائلة الأسد ليس مقبولاً لهما، ومن داخلها ليس من بديل يسمن على جسد بلد ينزف دماً، ويحيك دوماً أحابيله.
ويقول الموقع بأنه وفقاً لكلام الأسد نفسه جرى في اللقاء بحث مستقبل التعاون بين البلدين، وخاصة في المجال الإقتصادي. وعلى الرغم من أنه بدا وكأنه لا يكذب هذة المرة، إلا أنه لم يقل الحقيقة كاملة. فواشنطن لن تسمح للإمارات في المساعدة بإعادة إعمار سوريا وصولاً حتى فرض عقوبات عليها. والإمارات نفسها لن تقدم على توتير العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل دمشق. ولذلك، فإذا كانت قد بحثت مسائل إقتصادية ما، فلم يُبحث سوى مصير أموال عائلة الأسد في مصارف الإمارات.
وفي إشارة إلى سائر العائلات الحاكمة في الأنظمة الإستبدادية، يقول الموقع بأن عائلة الأسد، وكما سائر “الوطنيين الإسميين”، لا تحتفظ بأموالها في سوريا، بل هي موزعة في حسابات مصرفية كثيرة في الخليج. ومن المهم جدا للأسد أن يطمئن على مصيرها، وهو على إستعداد للإقدام على أي شيئ في سبيلها، وليس على حلفيتيه روسيا وإيران أن تنتظرا طويلاً “لعبته” التالية، “والسؤال فقط كيف سيتم ذلك”.
موقع GEOFOR الروسي المتخصص بتحليل الشؤون الدولية نشر نصاً في 18 الجاري إستعرض فيه أهداف زيارة زير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، وكيف ترتبط ب”إتفاقيات إبراهيم” التي لم يمض أكثر من سنة بقليل على توقيعها بإشراف إدارة دونالد ترامب. ابو ظبي لم تضع الوقت سدى، فخلال هذه السنة أقامت أساساً صلباً للتعاون الإماراتي الإسرائيلي في مجالات الإستثمار والتجارة والتكنولوجيا. وأصبحت الإمارات في الحقيقة الشريك الرئيسي لإسرائيل في العالم العربي، حيث وضعت بمتناول يدها رؤوس أموالها وأسواقها وبنيتها التحتية اللوجستية. وبذلك وفرت لنفسها ضمانة كلية ضد أية تهديدات محتملة من جانب الولايات المتحدة.
يؤكد الموقع أن هذه “المناعة” الأميركية التي إكتسبتها الإمارات بفضل اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، سمحت لها بمتابعة تعاونها مع نظام الأسد بعد إعادة إفتتاح سفارتها في دمشق. ويرى أن نشاط الإمارات في سوريا تم “على الأغلب تنسيقه مع الجانب الإسرائيلي”، وهذا مفهوم لأن تل أبيب ليست قادرة على الدخول في حوار مباشر مع دمشق.
وقد دفع تنامي هذا التعاون بعض المراقبين الروس إلى القول بسعي الإمارات إلى إبعاد تركيا عن سوريا وإحتلال موقع الصدارة في العملية المقبلة لإعادة إعمار سوريا. لكن الموقع يرفض هذه الفرضية، ويقول بأن عوائد مشاريع بناء سوريا جديدة لا يمكنها أن تغطي المسؤولية السياسية الهائلة المترتبة عليها، ومشايخ الإمارات ليسوا “على هذا القدر من الغباء” ليتحملوها. ومع أنهم ليسوا ضد توظيف رؤوس اموالهم في قطاعات إقتصادية سورية معينة والتحكم بتوجيهها، إلا أنهم يسعون لأمر آخر يتمثل في توظيف الساحة السورية لإقامة وبلورة معادلة جديدة لميزان القوى الإقليمي. هذه المعادلة تستهدف ربط أربعة عناصر إقليمية رئيسية: العرب، إسرائيل، تركيا وإيران، على أن يحصل كل منها على موقعه ودوره وصوته.
للوهلة الأولى يبدو من العسير جداً أخذ مصالح إيران في المعادلة الإقليمية الجديدة، لكن الموقع يذكر بكلام وزير الخارجية الإيراني في وصفه للزيارة بأنها “خطوة إيجابية”والعلاقات الإماراتية الإيرانية بأنها “تقليدية وإيجابية”. وهذا مع بلد عقد منذ سنة فقط “إتفاقيات إبراهيم” مع العدو الصهيوني” وبإشراف ومباركة “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة. ويرى الموقع أن الكلام الإيراني هذا يمكن فهمه كإشارة إلى أن إيران ليست ضد الحوار مع إسرائيل عبر أبو ظبي، خاصة حول الشان السوري.
وبعد أن يتحدث الموقع عن العلاقات الإماراتية التركية وتدهورها خلال السنوات الأخيرة، وليس بسبب الخلاف حول مسألة “الإخوان المسلمين”، بشير إلى الزيارة المتوقعة لمحمد بن زايد إلى أنقرة قبل نهاية الشهر الجاري، وإلى زيارة وزير الخارجية التركية إلى طهران والبحث خلالها في مشروع ممر بري يربط الخيج بتركيا عبر إيران واالعراق.
ويقول الموقع أن مشروع المعادلة الجديدة لميزان القوى الإقليمي “هش للغاية”، ويرتبط نجاحه بمتغبرات عديدة تتمثل إحداها بموقف الولايات المتحدة وروسيا منه. فالولايات المتحدة يبدو أنها لا تعارضه، وقد يكون لأنها تسعى منذ زمن بعيد للتخلص من المسؤلية الكاملة عن الشرق الأوسط، والتفرغ للمواجهة مع الصين.
أما بالنسبة لروسيا، يعتقد الموقع أن إستراتيجية الإمارات هذه تنطوي على مخاطر معينة، حيث أن روسيا وظفت الكثير جداً في سوريا حتى توافق على شطب مصالحها من المعادلة الإقليمية. فالأسد مدين “لنا بإنقاذه”، وإيران مدينة بإمكانية تثبيت وجودها العسكري السياسي في سوريا وتشريعه، وتركيا “بفضل وجودنا” تمكنت من تحاشي المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران على الأرض السورية. لكنه يستدرك بالقول أن هذا ليس حجة في السياسة، خاصة في الشرق الأوسط. فالحجة الوحيدة التي يمكنها إجبار الجميع الأخذ بالحسبان رأي روسيا ومصالحها هو دورها كضامن للأمن. فجميع التصاميم البارعة التي يجري تطويرها في أبو ظبي أو تل ابيب، في أنقرة أو طهران، لا معنى لها إلا في ظل الأمن في سوريا الذي لا يمكن سوى لموسكو أن توفره، شرط تعاون جميع اللاعبين في المنطقة”. ولا يستبعد الموقع أن تستقبل موسكو أو سوتشي قريباً “أحداً من آل النهيان”.

المدن


==================

تحديث 23 تشرين الثاني 2021

—————————

الإمارات والتطبيع المزدوج مع الأسد والمحتل/ نزار السهلي

أبرز ما طرأ من تغيير في المشهد العربي، الموازي لارتكاب النظام السوري لجرائمه بحق الشعب السوري، السعي الحثيث من قبل أطراف عربية، لمد جسور التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، في ذروة تقديم نظام الأسد لسجل ” انتصاراته” بجرائم حرب على المجتمع السوري، بأن اتخذ محور التطبيع العربي مع المؤسسة الصهيونية، إقامة جسرٍ موازٍ للتطبيع مع نظام الأسد، واحتفاء إعلام دمشق عن بداية “انفتاح عربي” في زيارة وزير خارجية الإمارات، كان لها صدى سابق في تل أبيب، عند توقيع عبد الله بن زايد لاتفاق التطبيع بينه وبين بنيامين نتنياهو والتي سميت ” اتفاق أبراهام” بمشاركة البحرين والمغرب وبمباركة الإدارة الأمريكية السابقة في عهد ترامب، جرى الحديث عن “بداية انفتاح عربي” على المؤسسة الصهيونية، كرسته أبو ظبي بتوقيع سلسلة من الاتفاقات غير المسبوقة بمنح الدعم لقادة المستعمرات الإسرائيلية، وتسهيل وصول بضائعها للأسواق الإماراتية، فضلاً عن توقيع سلسلة من الاتفاقات الأمنية والتكنولوجية والمالية التي تدعم المؤسسة الصهيونية وقوتها الاستعمارية، لتشديد قبضتها على المناطق المحتلة في فلسطين.

التطبيع الإماراتي مع نظام بشار الأسد، خطوة في الاتجاه المعاكس لمسيرة العداء الذي يسلكه قادة الإمارات، ضد مصالح الشارع العربي، أو دورها في ملفات دعم الثورة المضادة في اليمن وليبيا وتونس وسوريا ومصر وفلسطين والسودان، وشيطنة كل القضايا على رأسها القضية الفلسطينية بتجنيد الأبواق الإعلامية وغيرها، بالهجوم على قضايا التحرر وإقامة حلف مع الأنظمة المستبدة، ووسم كل الانتفاضات العربية بالإرهاب، هو التقاء عند خط المصالح المشتركة، التي تجمع بعض النظام الرسمي العربي ومطبِّعيه مع المؤسسة الصهيونية، لإحداث مزيد من التماسك والتلاحم فيما بينهم، بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها صورة النظام العربي أثناء الثورات ليبقى السؤال المدوي عن مصلحة وفائدة التطبيع سواء المتعلق بالمؤسسة الصهيونية ومحاولة مسح جرائمها، ودعمها بمختلف المشاريع، أو بين منظومة الاستبداد والقمع العربي فيما بينها؟

الاجابات صارخة أيضاً ومدوية، مع كل يوم يمر، لم تعد معها الديباجات العربية تنفع لستر ثقوب الاهتراء لسياسة عربية منبطحة أمام الاحتلال وأمام نفسها، وكل الأعذار والتبريرات التي سيقت عن محاصرة وتمدد النفوذ الإيراني ومنع الإرهاب، تبين القصد من ورائها محاصرة وإجهاض آمال المجتمعات العربية من التحرر بإسقاط الاستبداد ونيل المواطنة والكرامة. صحيح أن فكرة “الممانعة والمقاومة” مرغ أنفها نظام الأسد مع حلفائه في موسكو وطهران، وسقطت عند تخوم المدن والقرى والبلدات السورية، لصالح شعارات قدرة “الممانعة ” على هزيمة ” التكفيريين والإرهابيين”، لكن ماذا عن الشعارات الكبرى التي تستر بها هذا الحلف ” بشأن التطبيع”، لا يهم في كل ذلك سوى أن يبقى نظام الأسد ومنظومته الباطشة للمجتمع السوري قائمة على نفس الركائز، التي يتسلح بها محور التطبيع مع المؤسسة الصهيونية، ولكل محور له ما يشاء لإطلاق تسميته، فالنتيجة واحدة لهدف مشترك.

في كل العواصم العربية، التي تخوض معركة دحر الثورة المضادة، يحضر فيها التطبيع مع المؤسسة الصهيونية منقذا لكرسي الحاكم العربي. ومن سوتشي التي همس فيها بوتين بأذن نفتالي بينت لتوسيطه عند الإدارة الأمريكية لتخفيف الضغوط عن نظام الأسد، تكتمل الأدوار على مسرح الأحداث، تل أبيب بوصلة “البقاء” للحاكم العربي، وللأخير ترسانة عسكرية وأمنية بوصلتها الجسد العربي، تظهر عليه ملامح انتصار ممانعة الأسد. في أبو ظبي لا يكفي الاحتفاء بالطقوس التلمودية في الإمارة السعيدة بالتصهين، فالتطبيع مع الأسد ينتظر احتفالات راقصة في ساحة الأمويين، نعم “انتصر” المشروع الأسدي لسوريا الأنحف والأنظف دون ملايين السوريين، والدعوات أخيراً للتطبيع مع الأسد، وعودته لحضن الاستبداد العربي في جامعته الشكلية الباحث معظم أنظمتها، عن طرق الوصول لتل ابيب ودمشق، لم يطرأ عليها جديد، والمتغير الوحيد والباقي في السنوات الماضية واللاحقة هزيمة كل الشعارات التي تعني “الممانعة والمقاومة”

أخيراً، تطبيع الإمارات مع المؤسسة الصهيونية، أو مع نظام قائم على المذابح في دمشق، سيكون بمقدوره تعزيز الاستيطان وتوفير حماية عربية له، وسيدفع بتعزيز صمود آلة القتل والدمار لنظام الأسد، لكن في المجمل لن يغير الوقائع ولا التسميات مهما أطلق عليها المحتلون والمستبدون من تزوير، رغم ما يبديه الطاغية والمحتل من قوة وجبروت، إلا أنه لا يدرك أن نقطة ضعفه الكبرى، تكمن في شوارع عربية تمتلك الإرادة والتاريخ والحضارة لمواصلة الصراع حتى سقوط الطاغية والمحتل مهما طال الزمن.

٭ كاتب فلسطيني

القدس العربي

—————————–

تحذير إسرائيلي من التطبيع مع الأسد:لن ينفصل عن الإيرانيين

حذرت الباحثة في “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي كرميت فلنسي من توجه الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت للاعتراف برئيس النظام السوري بشار الأسد، بهدف تقويض التمركز الإيراني في سوريا، مشيرةً إلى أنه “من ناحية، إن علاقة الاسد مع إيران قديمة ومتجذرة، ومن ناحية أخرى، إن الإيرانيين تسللوا إلى كل المؤسسات في سوريا وبات إخراجهم أمراً صعباً جداً”.

وقالت الباحثة الإسرائيلية فلنسي لقناة “12” الإسرائيلية، إن هناك من يعتقد في إسرائيل أن دولاً عربية باتت تعمل على إعادة نظام الأسد إلى الصف العربي بتشجيع من روسيا، من منطلق أن هذا التطور يمكن أن يفضي إلى فك ارتباط النظام بإيران، بشكل يمكن أن يدفعه في النهاية للتقارب أيضاً مع الولايات المتحدة وحتى إسرائيل.

ولفتت إلى أن المنطق الذي يحكم هذه المقاربة يقول إنه يمكن لإسرائيل أن تعترف بنظام الأسد وتلتزم بعدم القيام بعمليات عسكرية يمكن أن تمسّ استقرار نظامه، مقابل انفصال النظام عن إيران والمحور الذي تقوده في المنطقة.

ودعت فلنسي صنّاع القرار في إسرائيل إلى التريث و”عدم الانجرار وراء رياح المصالحة والتطبيع بين نظام الأسد ودول في المنطقة”، مشيرة إلى أن “الأسد هو الذي سمح بالتمركز الإيراني بعيد المدى في سوريا، وهو ما بات يمثل التهديد الأمني الأخطر على إسرائيل من ناحية الحدود الشمالية”.

وقالت الباحثة الإسرائيلية إن “التزام عائلة الأسد تجاه إيران قديم”، مضيفةً أن “هذا الالتزام تعاظم تحديداً بعد الاستثمار الإيراني الكبير في دعم الأسد، والذي سمح بعدم سقوط نظامه كما سقطت نظم أخرى في المنطقة”.

ودعت إلى عدم التعاطي بجدية مع التقارير التي أشارت إلى أن الأسد قرر طرد قائد قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا جواد رفاري، مرجحةً أن “القائد الإيراني قرر إنهاء خدمته العسكرية في سوريا منذ وقت طويل وبمبادرة شخصية، وليس بناءً على توجيهات الأسد”.

وحول تفسير تعاطي الأسد مع مبادرات دول عربية للانفتاح عليه، رأت أن الأسد أقدم فقط على المناورة من منطلق إدراكه طابع مصالح مختلف الأطراف، بحيث يتمكن من الحفاظ على تحالفه مع إيران والانفتاح على الحكومات العربية.

وأضافت أنه حتى لو قرر الأسد تغيير موقفه من العلاقة مع إيران، فإنه لن يكون بوسعه إخراجها من سوريا من منطلق أن الإيرانيين “باتوا جزءاً من ال(دي إن أي) السوري وتسللوا إلى كل المؤسسات العسكرية والاجتماعية والثقافية السورية بشكل يجعل مهمة إخراجهم من هناك صعبة جداً”.

واقترحت فلنسي على صنّاع القرار في إسرائيل، “العمل على استغلال اتفاقات التطبيع في بناء جبهة مع الدول السنية في مواجهة النفوذ الإيراني، الذي ينظر إليه على أساس أنه تهديد مشترك”. وأضافت أنه “في حال رأت إسرائيل أن مصلحتها تتطلب الانضمام إلى تسوية إقليمية تسلم بوجود نظام الأسد، فإن عليها أن تطرح قائمة من المطالب تتعلق بطابع وحجم الجهود الهادفة إلى تقليص وجود إيران والقوى التابعة لها في سوريا”.

وأشارت إلى أنه في كل الأحوال، فإن إسرائيل مطالبة بتأمين قدرتها على مراقبة الأوضاع وملاحظة التحولات في سوريا، وضمن ذلك الحرص على تمتعها بهامش حرية على صعيد العمل العسكري تحديداً من الجو.

المدن

———————

أنباء عن «تفاهم» روسي ـ إيراني يفضي إلى إخلاء مطار التيفور

بالتزامن مع زيارة لافرنتييف وفيرشينين ومسؤولين عسكريين لطهران… ووسائل إعلام إيرانية تنفي حصول أي تغيير في نقاط الانتشار بالمطار ومحيطه

جنود إسرائيليون خلال تدريبات في الجولان على الحدود مع سوريا الشهر الماضي (إ.ب.أ)

موسكو: رائد جبر

بدا أمس، أن موسكو نجحت في إقناع الإيرانيين بالانسحاب من مطار التيفور الواقع قرب حمص، بعد سجالات طويلة بين الطرفين امتدت لشهور. وبرزت معطيات عن قيام الحرس الثوري الإيراني بسحب معدات ثقيلة استعداداً لإخلاء المطار الذي كان يوصف بأنه موقع استراتيجي بالنسبة إلى التحركات الإيرانية في سوريا. ورغم أن التنافس الروسي – الإيراني حول السيطرة على المطار ليس جديداً، لكن بدا أن موسكو استفادت من الغارات الإسرائيلية المتواصلة عليه من أجل حمل القوات الإيرانية على الانسحاب منه.

وكان لافتاً أن الأنباء عن بدء إخلاء المطار تزامنت مع زيارة قام بها إلى طهران وفد روسي ضم المبعوث الرئاسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين وعدداً من المسؤولين العسكريين في وزارة الدفاع.

ولم يتطرق الطرفان الروسي والإيراني في البيانات الرسمية إلى أن موضوع مطار التيفور كان على رأس جدول الأعمال، لكن توقيت الزيارة وتزامنها مع عملية الإخلاء، فضلاً عن أنها جاءت مباشرة بعد زيارة للوفد الروسي إلى دمشق، عكس أجواء تفيد بأن موسكو ضغطت بقوة لإنجاز تفاهم حول هذا الموضوع.

وكان لافرنتييف قال في دمشق رداً على سؤال عن الغارات الإسرائيلية المتواصلة على مواقع إيرانية في سوريا، إن موسكو «بذلت وتبذل جهوداً لإنهاء هذه الغارات والتوصل إلى تفاهمات تقوم على احترام السيادة السورية». وأشار إلى رفض بلاده مبدأ الرد العسكري على الغارات الإسرائيلية، موضحاً أنه «لا أحد في سوريا بحاجة إلى حرب جديدة»، داعياً إلى «التواصل مع إسرائيل» في هذا الشأن. ومباشرة بعد هذه التصريحات، برزت معطيات في موسكو بأن الجانب الروسي سعى إلى إقناع الإيرانيين بإخلاء عدد من المواقع التي تسيطر طهران عليها في سوريا، بذريعة أنها تتعرض لغارات إسرائيلية متواصلة، ولسحب الحجة الإسرائيلية في استمرار هذه الغارات.

لكن الخلاف الروسي – الإيراني حول مطار التيفور ليس جديداً، وقد تفاقم أكثر من مرة منذ بداية العام الجاري، رغم أن الجانبين على المستوى الرسمي حاولا عدم إثارة الملف.

وفي فبراير (شباط) الماضي، سحبت موسكو قوات كانت منتشرة في المطار، بعد خلاف مع الميليشيات الإيرانية حول الجهة التي ينبغي أن تتمركز في أرجائه. ورفضت الميليشيات الإيرانية مطلباً قدمته قاعدة «حميميم» الروسية بإخلاء المطار، مبررةً ذلك بأنَّ وجودها داخل التيفور سبق وجود القوات الروسية، وبالتالي على الأخيرة مغادرة المطار، لتبدأ بعدها روسيا بإرسال تعزيزات نحو المطار قبل أن تتخذ في وقت لاحق من الشهر قراراً مفاجئاً بالانسحاب منه.

وخلال الشهور اللاحقة، تعرض مطار التيفور إلى سلسلة غارات إسرائيلية، وتسربت معطيات عن أن الجانب الإيراني طلب من موسكو أكثر من مرة إعادة نشر بعض المقاتلات الروسية على مدرجات المطار لمنع إسرائيل من استهدافه، لكن موسكو رفضت العرض.

بالنتيجة، جاء الإعلان عن إخلاء إيران قواتها من المطار ونقلها إلى مطار الشعيرات على الحدود السورية – اللبنانية، ليسجل نجاحاً لموسكو في المواجهة الخفية مع طهران خلال الفترة الماضية.

ونقل موقع «عين الفرات» عن مصادر في المعارضة السورية، أن ميليشيات الحرس الثوري الإيراني نقلت معدات عسكرية ثقيلة ضمن 4 شاحنات شملت «معدات اتصالات ومدفعيات ثقيلة ومحركات كهربائية وصناديق ذخيرة». وأوضحت مصادر الموقع أن عملية النقل ستكون على مراحل حتى يتم إفراغ المطار من ميليشيا الحرس الثوري الإيراني نحو مطار الشعيرات، ومواقع أخرى بناء على تفاهمات مع الجانب الروسي، وذلك تفادياً لاستهداف التيفور بغارات جوية جديدة.

وأكّدت المصادر أن قوات النظام السوري إلى جانب الشرطة العسكرية الروسية ستحل مكان الميليشيات الإيرانية عقب إتمام عملية إخلاء مطار التيفور والانتهاء من نقل المعدات.

وكان ملاحظاً أمس، أن مصادر إيرانية ردت بنفي صحة هذه المعطيات، رغم أن أطرافاً عدة متطابقة أكدتها. وأفادت مصادر بأن إيران لا تنوي تسليم المطار لروسيا والنظام بعد أن أصبح مركزاً لتجميع الطائرات المسيرة للحرس الثوري الإيراني في سوريا. ورأت أن مطاري الشعيرات والتيفور يعدان بمثابة شريان دعم لوجيستي للقوات الإيرانية في وسط سوريا، وتتجه منهما شحنات الأسلحة باتجاه جنوب سوريا وشمالها، وكذلك إلى «حزب الله» في الداخل اللبناني.

ونقلت قناة «العالم» الإيرانية الرسمية، معطيات مماثلة عن مصادرها، وأكدت أن «القوات العسكرية السورية أو حتى الحلفاء، لم تجرِ أي تبديل في عديد قواتها أو تمركزها في المطار أو محيطه».

وأضافت القناة أن «سبب تركيز بعض وسائل الإعلام المرتبطة بالعدوان على سوريا، هو أن مطار التيفور يعد عقدة الربط الرئيسية في ريف حمص الشرقي، والبادية بشكل عام وبادية تدمر بشكل خاص، ونقطة الرصد الأهم للجيش السوري وحلفائه، حيث تتقاطع المعلومات العسكرية، كما يؤمن المطار ومنظومات الدفاع الجوي فيه إمكانات الرصد الجوي البادية السورية، وصولاً إلى منطقة التنف ومشارف دير الزور».

وأوضحت المصادر أن «آلية التنسيق بين الجيش السوري وقوات الحلفاء الإيرانيين والروس الموجودين في تدمر تجعل من الصعوبة سحب أو تبديل أي قوات فيه، كون هذا الانسحاب سيحدث فراغاً تنتظره القوات الأميركية في قاعدة التنف وخلايا داعش المنتشرة حولها، ما يساعدها في شن هجمات في البادية السورية أو شرق حمص».

وفي مقابل هذه السجالات حول الموضوع، اكتفت الخارجية الروسية، في بيان مقتضب أصدرته، بالإشارة إلى أن الوفد الروسي ناقش في طهران ضمان تثبيت استقرار الوضع على الأرض في سوريا، وقالت إن الطرفين أجريا «تبادلاً مكثفاً لوجهات النظر». كما تطرقت المحادثات إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2585 بشأن المساعدة الإنسانية في سوريا وقرار المجلس رقم 2254 حول تسوية الأزمة في سوريا.

الشرق الأوسط

=====================

تحديث 24 تشرين الثاني 2021

———————–

الإمارات في سوريا: الاستعداد للفرص القادمة/ الحواس تقية

تحث الإمارات خطى التقارب مع النظام السوري لكنها لا تستعجل تحقيق المكاسب المتوخاة في الآجال القريبة بل تعزز وضعها التنافسي استعدادًا لاقتناص الفرص القادمة.

زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى دمشق ولقاؤه بالرئيس السوري، بشار الأسد، هي خطوة أخرى في استراتيجية النفس الطويل، استعدادًا للحظة خروج سوريا من عزلتها الدولية، فتحقق حينها ثلاثة أهداف رئيسية: الحصول على موقع قدم في الموانئ السورية المطلَّة على شرق المتوسط، وقد تتمدد منها إلى الموانئ اللبنانية، واحتواء تركيا بحزام جنوبي، والحصول على أكبر نصيب من كعكة الإعمار.

سلسلة التقارب

زار وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، دمشق، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، والتقى الرئيس السوري، بشار الأسد، وأكد التزام بلاده بأمن ووحدة واستقرار سوريا. ومن جهته، أشاد بشار بمواقف الإمارات الموضوعية والصائبة، واتفق الطرفان على تطوير التعاون بينهما. ويعد عبد الله بن زايد أرفع مسؤول إماراتي يزور سوريا منذ 2011، لما قطعت بلاده علاقاتها مع النظام السوري، وانضمَّت إلى الجهود الدولية لإسقاطه. وتضاف زيارته لخطوات تقارب سابقة قطعتها الإمارات، فلقد سبق أن أعادت فتح سفارتها في دمشق، في ديسمبر/كانون الأول 2018، وأعلنت “الطيران الإماراتية”، في يونيو/حزيران 2019، استعدادها لاستئناف الرحلات نحو دمشق. ومن جانبها، استأنفت الخطوط الجوية السورية رحلاتها إلى الإمارات، في يونيو/حزيران 2021، وشاركت سوريا في معرض إكسبو 2020 دبي، واجتمع وزيرا تجارة البلدين على هامشه، وهاتف الرئيس الأسد ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

تشير مجمل تصريحات القيادات الإماراتية إلى أنها قادرة على مساعدة النظام السوري في أهم تحديين يواجهانه حاليًّا، وهما: فكُّ العزلة الدولية عنه، وإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي. توالي الإمارات الدعوة إلى إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وتجدد استعداها للتعاون الاقتصادي معه.

هل تستطيع تحقيق الأمرين؟ وإذا كانت لا تستطيع، فلماذا تحث خطى التقارب مع النظام السوري؟ وما أهدافها من وراء ذلك؟

النَّفَس الطويل

علَّق نايد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، على هذه الزيارة، بأن بلاده لن تطبِّع علاقاتها مع النظام السوري، أو ترقِّي علاقتها الدبلوماسية معه، ولا تدعم تطبيع بقية الدول علاقتها معه أو ترقية تمثيلها الدبلوماسي، واشترط لتغيير موقف بلاده قبول النظام السوري بتسوية سياسية مع المعارضة، مستندة لقرار مجلس الأمن 2254. هذا الموقف الأميركي العلني والصريح يرفع تكلفة التقارب الثنائي، الإماراتي/السوري، ويحد من قدرة الإمارات على إقناع دول عربية أخرى بتطبيع علاقتها مع النظام السوري أو قبوله في الجامعة العربية، وقد أوردت صحيفة الغارديان أن واشنطن تضغط على السعودية ومصر لتأجيل إعادة النظام السوري إلى الجامعة. ويمكن للولايات المتحدة أن تستعمل عدة إجراءات لمعاقبة المخالفين، وَرَدَ بعضها في قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2021، وهي عقوبات تحرم الأسد من الحصول على الموارد الاقتصادية التي ترسخ حكمه، وتشمل كل الدول والكيانات التي تريد توفير المساعدة الاقتصادية والمالية له. وليست الإمارات استثناء، وتضع في حسبانها بالتأكيد المضارَّ التي ستصيب علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية بالولايات المتحدة إذا ما تجاوزت الخطوط الحمراء التي وضعتها واشنطن.

تواجه الإمارات عقبة إقليمية إضافية في إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وهي اعتراض دول عربية، مثل قطر والكويت، على عودته، ما لم يمتثل لقرار مجلس الأمن 2254، ومن المعلوم أن العضوية تحصل بإجماع بقية الدول. ومن المستبعد أن تتمكن الإمارات في الظروف الحالية من إقناع الدول الرافضة بموقفها لاعتبارات عديدة، وليس من المحتمل تغير هذا الوضع في الأجل القريب.

تضع الإمارات كل هذا الاعتبارات في حسابها، وتدري أنها لن تستطيع تحقيق مبتغاها قريبًا. إذن، لماذا هذا الإصرار والمثابرة على التقارب مع النظام السوري؟

التكتيكي والاستراتيجي

يبدو أن الإمارات تنشد تحقيق أهداف مرحلية تجعلها في وضع أحسن لتحقيق أهدافها النهائية. أولًا: تطبيع الإمارات علاقتها الدبلوماسية مع النظام السوري يخفف عزلته الخارجية وإن كان لا ينهيها بالكامل. ثانيًا: خلصت الإمارات إلى أن بشار الأسد باق وأنه سيكون الفاعل الرئيسي في مستقبل سوريا، وأنَّ من الأجدى سياسيًّا المبادرة إلى كسب ودِّه والوقوف إلى جانبه حتى يذكر للإمارات هذا الموقف مستقبلًا عندما يقارنها ببقية الدول التي تتمسك بمقاطعته. ثالثًا: يبدو أن الإمارات تراهن على أن عزلة النظام السوري مؤقتة ومرحلية وأن خروجه منها مؤكد في المستقبل، ومن الأفضل للإمارات أن تكون قريبة من النظام السوري حينها حتى تكون أسبق من غيرها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب بأقل التكاليف. تضع هذه الخطوات الإمارات في وضع أفضل لتحقيق أهدافها البعيدة.

تقع سوريا في تقاطع ثلاثة أهداف استراتيجية إماراتية: الهدف الأول: نسج شبكة من الموانئ تمتد من منطقة الخليج والمحيط الهندي إلى شرق إفريقيا وشرق المتوسط، وقد تمتد إلى شرق المحيط الأطلسي بعد فتح الإمارات تمثيلية دبلوماسية في الصحراء الغربية. الهدف من استراتيجية الموانئ هو التموقع في المسالك البحرية للاستفادة من التبادل التجاري الدولي والتحكم في المضائق المهمة في تسهيل أو إعاقة تحركات القوات البحرية لمختلف الدول خلال الحروب. يمنح هذا الوضع الإمارات تأثيرًا استثنائيًّا ويجعلها قوة لا يمكن الاستغناء عنها. ومن هذا المنظور، تبرز أهمية موقع سوريا في شرق المتوسط، فهو قريب من عدد من المواقع المهمة للإمارات: شواطئ شرق ليبيا التي تتطلع إلى الوجود فيها، وقريب من قناة السويس، ومن قبرص الجنوبية التي تستثمر في حقولها النفطية البحرية، ومن اليونان، حليفتها في مواجهة تركيا، وفرصتها في الاستفادة من احتياطاتها الطاقوية البحرية. وليس مستبعدًا أن النظام السوري قد يتوسط لدى حليفه، حزب الله، كي يسهِّل حصول الإمارات على مواقع في الموانئ اللبنانية. وفي المقابل، تقترب الإمارات أكثر من النظام الإيراني، لأن لهما مصلحة مشتركة في الحفاظ على الوضع في سوريا ولبنان. وتبدو دعوة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، لزيارة طهران مؤشرًا على هذا التطور، فلقد أتت عقب زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، دمشق. وإجمالًا، لم تكن الإمارات في قطيعة مع إيران، بل كانت -حسب المسؤولين الإيرانيين- ثاني أهم شريك تجاري، وساعدتها على تجاوز العقوبات المفروضة عليها.

ثانيًا: تواجه الإمارات تركيا في أغلب مناطق نفوذها: في ليبيا تدعم حفتر وشرق ليبيا بينما تدعم تركيا الحكومة الشرعية وغرب ليبيا، وفي الصومال تدعم الإمارات صوماليلاند وبونتلاند بينما تدعم تركيا الحكومة الشرعية في مقديشو، وفي النزاع بشرق المتوسط تدعم الإمارات اليونان في مواجهة تركيا، ونشطت في جامعة الدول العربية لنزع الشرعية عن النفوذ التركي في إدلب بشمال سوريا. يمنح موقع سوريا الإمارات ميزات استثنائية في مواجهتها مع تركيا؛ حيث تخوض قوات النظام السوري والفصائل المسلحة الرديفة لها حرب استنزاف للقوات التركية والقوات السورية الرديفة لها. وإذا ظلت هذه الجبهة مفتوحة في جنوب تركيا فإنها ستشغل تركيا عن بقية الجبهات الموجودة بها، وتستنزف مواردها الاقتصادية، وتكون سياجًا يمنع تمددها نحو المناطق العربية، فتظل تركيا حبيسة في شمال سوريا. إضافة إلى أن هذا الحزام بشمال سوريا، قد يفجِّر الوضع داخل تركيا نفسها؛ لأنه موطن غالبية أكراد سوريا، ويرتبط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، أهم قوة سياسية مسلحة بالمنطقة، بحزب العمال الكردستاني الذي يشن هجمات على القوات التركية لنحو أربعين سنة. قد تسعى الإمارات لرعاية اتفاق بين النظام السوري والقادة الأكراد لتشكيل جبهة مناوئة لتركيا، وإن كانت حظوظ نجاح هذا المسعى ليست كبيرة في الوقت الحالي.

ثالثًا: الإمارات شريك سوريا التجاري الأول عربيًّا والثالث عالميًّا، وتحوز 14 بالمئة من تجارة سوريا الخارجية. ومن الممكن أن مكاسب الإمارات الاقتصادية من سوريا سترتفع بمقدار نصيبها من كعكة إعادة الإعمار المقدَّرة، حسب الرئيس الأسد، بنحو 400 مليار دولار، وهو ذات المبلغ الذي خلصت إليه الأمم المتحدة.

مخاطر عالية

تعترض هذا الاستراتيجية عدة عقبات، فقد تتفق الولايات المتحدة وتركيا على صيغة لتسوية الملف الكردي في سوريا في مقابل القبول بتوسيع النفوذ التركي ليوازن النفوذ الإيراني والروسي. وقد تمتعض السعودية من التقارب الإماراتي/الإيراني في سوريا ولبنان فتضغط على الإمارات إما بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد تعترض الولايات المتحدة على الاستراتيجية الإماراتية في سوريا؛ لأنها تخدم خصميها، إيران وروسيا.

هذه استراتيجية عالية المخاطر؛ لأنها تقع في الحد الفاصل بين الاصطفافات على المستوى الدولي، روسيا في مواجهة الولايات المتحدة، والإقليمي، إيران في مواجهة أميركا من جانب ومواجهة تركيا من جانب آخر، وسيكون صعبًا على أية استراتيجية مهما كانت مرنة الحفاظ على توازنها في هذه المنطقة الزلزالية.

نبذة عن الكاتب

الحواس تقية

باحث بمركز الجزيرة للدراسات، مشرف على دراسات العالم العربي. حاصل على بكالوريوس إعلام. ترأس تحرير عدد من الصحف الجزائرية المستقلة. نشر عددا من المقالات والدراسات في الصحف والمجلات الجزائرية حول القضايا السياسية والاستراتيجية. شارك بأوراق بحثية في عدة مؤتمرات دولية حول الشؤون السياسية والاستراتيجية.

—————————–

=====================

تحديث 25 تشرين الثاني 2021

—————————–

هل تنجح أبو ظبي في إعادة تأهيل الأسد؟/ رضوان زيادة

السياسة كما يقال تقوم على حساب الربح والخسارة، والربح والخسارة هنا تقوم على مصالح الشعب الذي تؤتمن الحكومة على تحقيق هذه المصالح، بعض المصالح في الدول التسلطية تختصر في بقاء الحاكم مدى الحياة وربما توريث السلطة من بعده لمن يخلفه من أولاده، هذه المصلحة تصبح الهدف الأعلى للدولة ومؤسساتها بغض النظر عن رأي الشعب أو مصالحه القريبة والبعيدة كما عرف المصلحة ماكس فيبر يوماً.

لقد أمضيت وقتا لا بأس به وأنا أتأمل زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق للقاء الأسد، باحثا عن المصلحة أو المنفعة التي يمكن أن تعود على الإمارات في التطبيع مع مجرم حرب من مستوى الأسد، منبوذ داخليا وعربيا وعالمياً، في الحقيقة لم أستطع حل هذا اللغز.

بيد أن المتابع للسياسة الخارجية الإماراتية والمراقب لتحركاتها الدولية في التحالف مع إسرائيل والضرب بعرض الحائط بكل القرارات العربية الخاصة بالحقوق الفلسطينية وعدم الاكتراث للمشاعر الفلسطينية وزيارة وزير الخارجية الإماراتي نفسه واشنطن مصحوبا بوزير الخارجية الإسرائيلي للحديث عن “الأجندة المشتركة” يدرك تماما مدى تخبط هذه السياسة وعشوائيتها، فهي تقوم على التميز أكثر من كونها قائمة على مصالح الشعب الإماراتي ولذلك فهي سياسة قصيرة النظر ومن شأنها أن ترتد على أعقابها قريبا، فهي لا تقوم على أسس واضحة من القيم والالتزام بمصالح الشعب الإماراتي والعربي الذي تظهر استطلاعات الرأي أنه ما زال يعطي أغلبية واضحة ضد التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

في الحقيقة هذه السياسة الإماراتية بدأت تتضح أكثر وأكثر منذ سنوات تقريبا، بدءاً من دعم المجلس الجنوبي في اليمن على عكس دعم حليفتها السعودية في وحدة اليمن، ثم التحالف مع إسرائيل على عكس مواثيق جامعة الدول العربية، ثم التطبيع مع الأسد ومحاولة إعادة تأهيله للجامعة العربية بعد أن نبذه الجميع في مخالفة لحليفة الإمارات واشنطن التي أقرت قانون قيصر، ولذلك من الصعب في الحقيقة فهم هذه السياسة المضطربة وغير المستقرة في مصالحها وقيمها، وهو ما يدعو للشك فيها من قبل الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء فحليف اليوم يمكنه أن يصبح عدو الغد من دون أي معايير أو قيم تحكم المصالح العامة هنا وتؤطر السياسة وفقها.

إنها نموذج للاعقلانية السياسية التي أصبحت سمة عربية للأسف في أنظمتها التسلطية شرقا وغربا، وربما في زيارة الأسد مثلت الوجه الأقبح لهذه السياسة في تجلياتها وانعكاساتها في التطبيع مع الأسد الذي شرد شعبه كاملا في كل بلدان اللجوء عبر العالم وجعل العرب أضحوكة في عدم قدرتهم على مواجهته لمساعدة الشعب السوري في محنته وفي النهاية طلب منهم قبوله لأن هذه هي “السياسة الواقعية” وأن “الأسد هو المنتصر” والسياسة يجب أن تعكس هذا الانتصار بدل أن تعكس القيم التي تدافع عن حقوق الإنسان والعدالة والإنصاف.

الطريف في الأمر أن تسويق الإمارات لهذه الزيارة بهدف إعادة الأسد إلى الحضن العربي وإبعاده عن إيران أشبه بالسذاجة السياسية، فإيران حرفيا باتت تحتل سوريا عبر مليشياتها وسفارتها وبعثاتها وأموالها، فما الذي يدفع الأسد كي يفك تحالفه الوثيق مع إيران التي دافعت عنه بشكل أعمى في أحلك الظروف مقابل علاقة غير مأمونة الجانب مع الإمارات، إنها السذاجة السياسية بعينها التي تريد إقناع العرب بأن علاقة جيدة مع إسرائيل ستخدم صراعهم مع إيران.

وصلت السياسة الإماراتية إلى حدودها القصوى في اللعب على أوتار الخلاف والشقاق العربي وأعتقد أنها كما فشلت في اليمن وليبيا ستحصد ثمار فشلها قريبا في سوريا وفلسطين، الشعب هو من يحدد المصالح ويحميها وليس الحاكم الذي سيذهب ويزول يوما ما، ولذلك قيل دائما المنفعة والمصلحة مرتبطتان بالخير العام وليس بالمصلحة الخاصة والشخصية.

——————————–

الامارات تدفع الجزية لتركيا/ ساطع نور الدين

هو أشبه ما يكون بإعلان لوقف إطلاق النار بين دولتين متحاربتين، يفرض على إحداهما دفع جزية، وليس إتفاقاً للتعاون الاقتصادي والدخول في حقبة السلام بصندوق إستثماري ضخم تبلغ قيمته 10 مليارات دولار أميركي.

هذا هو الانطباع الاول الذي تتركه زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الى تركيا ولقاؤه الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي سبق ان خاض معه الكثير من المواجهات العسكرية والامنية والاستخباراتية طوال السنوات العشر الماضية، وتبادل معه التهديدات، وحتى الإهانات، السياسية منها والشخصية.

لم تكن الزيارة مفاجئة تماماً. مهدت لها أبو ظبي، بالكثير من الزيارات والرسائل   التي سعت الى إزالة إسم دولة الامارات عن لائحة الدول المحركة للثورات المضادة في العالم العربي، وتلك التي تتهم تركيا، بأنها قلعة إسلامية ليس إلا، تمول وتسلح وترعى جماعة الاخوان المسلمين وغيرها من الحركات الاسلامية التي تشارك في قتال أو رفض غالبية الانظمة العربية.

لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت زيارة بن زايد تعني أن الامارات قد تراجعت فعلا عن دورها في تحريض الثورات العربية المضادة، وإكتشفت متأخرة أن تركيا بزعامة أردوغان وحزبه تحديداً، هي دولة قومية تحركها العصبية الوطنية، وتحفزها أرقام التجارة والاقتصاد والاعمال، أكثر مما يثيرها مشروع سياسي إسلامي، ليس له أفق عربي واسع، وليس له أثر عميق في تركيا نفسها. البيانات الصادرة عن الجانبين التركي والاماراتي، في اعقاب الزيارة لم تقارب السياسة ولا ملفاتها المعقدة، لاسيما منها تلك التي كانت(وربما لا تزال) بمثابة جبهات حرب بين البلدين، من سوريا الى ليبيا الى تونس الى العراق..مرورا طبعا بمصر التي تسير اليوم على نهج الامارات، ولو بقدر أقل من الحماسة والنكران.

الجزية البالغة عشرة مليارات دولار ، هي ربما ثمن الإتفاق على وقف القتال، وهي مؤشر أيضاً الى الكفة التي رجحت في النهاية، وساهمت كما يبدو في طي الملف الحساس جداً في العلاقات بين الدولتين، وهو الاتهام الرسمي التركي للامارات بالتورط في محاولة الانقلاب على أردوغان في صيف العام 2016، والذي إشتعلت بعده مختلف جبهات القتال في الاقليم.

إشترت الامارات الصفح التركي عن تجربة السنوات العشر الماضية. لكن اردوغان قبض الثمن. هو لم ينتظر إنجاز صفقة التسوية في ليبيا على الاقل، والتي لا تزال محكومة بمصير ونتيجة الانتخابات الرئاسية الليبية المقررة الشهر المقبل. ولم يناهض قبل ذلك مسار التطبيع الاماراتي مع العدو الاسرائيلي الذي بلغ مستويات باتت محرجة لدولتي التطبيع الاول، مصر والاردن. صدرت يومها بيانات رسمية تركية تحذر من مخاطر هذا المسار على القضية الفلسطينية، لكنها نُسيت في اليوم التالي، في بلد سبّاقٍ في العلاقات مع إسرائيل.

أما الملف السوري، الذي لم تذكره أيضا البيانات الرسمية التركية والاماراتية، فإنه كان وسيبقى واحداً من أعقد وأغرب الملفات، ليس بين الدولتين اللتين تمضيان في وجهتين متناقضتين، بل بين مختلف دول العالم المعنية به. لكن لا يمكن أن تنتقد تركيا إذا كانت تصالح الامارات التي تسير بسرعة نحو التطبيع مع نظام الاسد، الذي لا تزال أنقرة تناهضه. فهذا شأنها أيضا مع روسيا وإيران اللتين تتقاسم معهما أكثر من مسار تفاوضي سوري، وتقيم معهما حواراً ثلاثياً، وتتقاسم معهما الوجود والنفوذ على الاراضي السورية.

هي قمة الواقعية السياسية،الامارتية والتركية، المحصنة بالجزية السخية، التي تضمن على الاقل ألا يتجدد إطلاق النار بين البلدين. الفرص الاستثمارية في تركيا متعددة، ومنافسة للفرص المتاحة للامارات في أميركا او أوروبا الغربية، لكنها ليست بقدر الفرص السياسية المحدودة، المتوافرة لبلدين خاضا صراعاً مريراً إكتسب في بعض الأحيان طابعاً أيديولوجياً..ثبت اليوم أنه بلا أساس.  

المدن

——————————-

الانخراط مع الأسد والرهان على إخراج إيران/ شارلز ليستر

بعد عقد من العزلة شبه الكاملة، يعاين النظام السوري موجة مفاجئة من جهود إعادة التعاون من بعض جيرانه الإقليميين خلال الأسابيع الأخيرة. وفي هذا الإطار، استقبل وزير الخارجية فيصل المقداد، سبعة على الأقل من نظرائه الإقليميين في اجتماعات ثنائية على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول)، وجرى كذلك تبادل عدة زيارات مع الأردن على المستوى الوزاري. وزار مسؤولون ماليون وتجاريون سوريون «إكسبو 2020 دبي»، علاوة على مشاركة رئيس الاستخبارات العامة السورية حسام لوقا، في منتدى الاستخبارات العربي بالقاهرة. ومن جانبها، كررت الجزائر تأكيد دعوتها لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما أجرى العاهل الأردني الملك عبد الله اتصالاً هاتفياً مع بشار الأسد، مطلع أكتوبر (تشرين الأول). كما زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، دمشق والتقى الأسد في 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ اشتعال الأزمة السورية عام 2011.

وتبدو هذه الموجة من الاتصالات الدبلوماسية مع نظام الأسد لافتة للغاية، خصوصاً بالنظر إلى السياسات العنيفة الوحشية التي انتهجها النظام في السنوات الأخيرة وطرحت أمام محققين دوليين مزيداً من الأدلة حول ارتكابه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية تفوق الأدلة التي كانت قائمة ضد هتلر وحزبه النازي في نورنبرغ.

وفي الوقت الراهن على الأقل، لا يزال البعض يعارض مثل هذه الموجة الجديدة من الاتصالات.

ورغم تشبث دول من الصعب تجاهل المسار الذي ظهرت ملامحه خلال الأسابيع الأخيرة. ويبدو أن التحول في النهج مدفوع بعدد من الديناميكيات، أبرزها الشعور الجماعي بالاستسلام أمام فكرة أن النظام سيبقى، وأنه لا يوجد أحد في المجتمع الدولي يخطط لتغيير هذا الوضع.

وفيما يخص بعض الدول، مثل الأردن، ثمة عوامل فريدة محلية تلعب دوراً في الأمر، بشكل أساسي الرغبة في وقف تجارة المخدرات الهائلة التي يوجهها النظام والعابرة لحدودها، والتصميم على تحقيق أي شيء قد يسهم في تسهيل عودة اللاجئين وتخفيف العبء الواقع على كاهل الاقتصاد.

إضافةً لذلك، يبدو أن هناك عوامل جيوسياسية تشكّل أحد الدوافع وراء التقارب الحالي مع النظام السوري، خصوصاً في خضمّ الشعور الحاد والمتنامي على مستوى المنطقة اليوم بالاختلال والتغيير وعدم اليقين تجاه المستقبل. وتبدو احتمالات النجاح في المفاوضات النووية الخاصة بإيران المقبلة في فيينا ضئيلة على نحو متزايد، ورغم الجهود الدؤوبة التي بذلوها في الفترة الأخيرة، يبدو أن مسؤولي إدارة بايدن لم ينجحوا في طمأنة الحلفاء إزاء استمرار اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط.

وفي غضون فترة تشبه بحر الرمال المتحركة، يرى البعض في المنطقة بوضوح أن سوريا فرصة لإعادة إقرار مصالح والتنافس في مواجهة دول منافسة. وترى بعض الدول أن إعادة التعامل مع نظام الأسد يوفر فرصة محتملة للتصدي لتركيا، ولكن من وجهة نظر الكثيرين، يبدو أن الدافع الجيوسياسي الأساسي يكمن في الرغبة في تقليص الدور الإيراني في قلب الشرق الأوسط.

في حين أن الهدف يبدو جديراً بالتقدير، يبقى في حكم المستحيل تقريباً توقع أي سيناريو يجري فيه قلب مكاسب إيران للاتجاه المعاكس -مكاسب تحققت بشِقّ الأنفس داخل سوريا- على يد الدول التي يجري النظر إليها على أنها كانت داعمة للمعارضة السورية خلال السنوات المهمة. علاوة على ذلك، حققت إيران أبرز مكاسبها داخل سوريا منذ سنوات، ومنذ عام 2017 تنتهج جهوداً لتعزيز مكاسبها، تشمل جوانب عسكرية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية. في الواقع، من الواضح أن اقتلاع مكانة إيران في سوريا من خلال تطبيع العلاقات مع الأسد ليس سوى حلم زائف.

وعلى عكس بعض التقارير الإعلامية، فإن رحيل الجنرال في الحرس الثوري الإيراني جواد الغفاري، في نوفمبر، لا علاقة له بإعادة التعاون الإقليمي مع سوريا، تبعاً لما أفادت به مصادر مطلعة. في الواقع، لقد جرى تحديد موعد رحيله قبل أشهر عندما جرى تشخيص إصابته بالسرطان، وسعى للعودة إلى إيران لتلقي العلاج. وبالمثل، فإن الفحص السريع للتطورات التدريجية على الأرض عبر مجموعة متنوعة من المجالات، يكشف أن المزاعم المتجددة لإيران «بإنهاء» انتشارها في سوريا مجرد مزاعم خيالية. ويمكن القول إن الزيادة الأخيرة في الضربات الجوية الإسرائيلية عبر الأراضي السورية، بما في ذلك الكثير من الضربات التي جرى تنفيذها بشكل غير معتاد في وضح النهار، تعد مؤشراً على زيادة النشاطات الإيرانية الخبيثة.

ومنذ عام 2017 عندما بدأت إيران في تعزيز انتصارها داخل سوريا، اكتسب الحرس الثوري الإيراني سيطرة شبه كاملة على المعبر السوري – العراقي بين البوكمال والقائم الذي يعد حيوياً من الناحية الاستراتيجية -واستغل المعبر في نقل رجال ميليشيات والأسلحة والمال متى شاء. وفي مكان ليس ببعيد، شيّد الحرس الثوري الإيراني قاعدة «الإمام علي» العسكرية، منشأة مصممة خصيصاً لإيواء عشرات الآلاف من الأفراد وإخفاء أنظمة أسلحة استراتيجية في مخابئ تحت الأرض.

وبفضل دعمه لنظام الأسد الذي بدّل قواعد اللعبة، يسيطر الحرس الثوري الإيراني كذلك على أجنحة كاملة من الكثير من القواعد العسكرية والجوية الأخرى في جميع أرجاء سوريا (بينها «تي فور» و«الضمير» و«الشعيرات»)، حيث سعى لنشر صواريخ دقيقة التوجيه، وأنظمة الدفاع الجوي والمزيد. وأطلق الحرس الثوري الإيراني طائرات مسيّرة هجومية باتجاه إسرائيل من منشآت القواعد الموازية في سوريا، وفي عام 2018 سعى إلى استخدام طائرة من دون طيار لنقل مواد متفجرة إلى وكلاء في فلسطين. وإذا ما رسمنا منشآت عسكرية على صلة بالحرس الثوري الإيراني، فإن الضفة الغربية لنهر الفرات قد تبدو كأنها أرض إيرانية.

وعلى عكس نهجها الأمني الموازي في العراق ولبنان، سعت إيران إلى دمج وكلائها السوريين داخل جهاز الأمن السوري، ليتسللوا بذلك إلى أكثر أجهزة الدولة حساسية بشكل لا رجوع فيه. ومن خلال قوات الدفاع الوطني المحلية، فضلاً عن الهيئات الموالية مثل استخبارات القوات الجوية والفرقة الرابعة، نجح الحرس الثوري الإيراني في بناء نفوذ دائم له في أكثر قطاعات البلد أهمية. وبالنظر إلى الديناميكيات الجيوسياسية المعقّدة في سوريا -التنافس مع روسيا، والعداء مع إيران، والقلق من أي مكان آخر في المنطقة- يبدو هذا التأثير خفياً، لكنه يظل دائم الوجود.

وبالنظر إلى هذه العناصر مجتمعة وقرنها بجهود إيران المكثفة في المجالات الاقتصادية والثقافية، يبدو في حكم المؤكد أن سوريا تمثل «جوهرة تاج» الأجندة الإقليمية لإيران. وليس هناك على أرض الواقع ما يمكنه تهديد هذه الإنجازات التي ترسخت منذ فترة طويلة على مدى السنوات الخمس الماضية، بسبب أي تأثير قد تشتريه جهات خارجية أخرى. والملاحَظ أن التعامل الإسرائيلي مع الوجود الإيراني داخل سوريا أصبح أكثر عدوانية بمرور الوقت، الأمر الذي يشير ليس فقط إلى أن إيران تواصل تحقيق المزيد على الأراضي السورية، وإنما كذلك إلى أنه على الرغم من العديد من الوعود، فإن روسيا إما غير راغبة أو غير قادرة على الحد من النفوذ الإيراني وتقييد أنشطة الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا.

على المستوى الأخلاقي، قليلون قد يجادلون في أن إعادة التعامل مع نظام الأسد أمر مقيت. لكن بالنسبة لأولئك الذين يزعمون أن إعادة الانخراط خطوة ضرورية لتحقيق النفوذ في سوريا والحد من المنافسين الإقليميين، هناك حاجة للحفاظ على السيطرة على الواقع.

الشرق الأوسط

زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط

——————————–

فايننشال تايمز: تطبيع عربي مع الأسد.. وإسرائيل تفضل بقاءه رغم حربها ضد حليفته إيران

إبراهيم درويش

قال المعلق ديفيد غاردنر في مقال بصحيفة “فايننشال تايمز” إن القادة العرب يدرسون فكرة التطبيع مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وأضاف أنه يجري إعادة الأسد وبشكل تدريجي إلى المجتمع الدبلوماسي الإقليمي.

وأشار الكاتب إلى أن الأسد الذي عومل كمنبوذ لشنه حربا شاملة على شعبه في العقد الماضي، يعود ببطء إلى دبلوماسية المنطقة. فرغم طرد سوريا من الجامعة العربية، إلا أن القادة العرب يتواصلون من جديد مع الأسد، الشخصية التي نظر الجميع إليها بغير المرغوبة والسامّة باستثناء الصين وإيران وروسيا. وفي الشهر الماضي، اتصل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي طلب قبل عقد من الأسد التنحي، هاتفيا به. وفي هذا الشهر زار الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي، دمشق واجتمع بالأسد. وعبرت إدارة جو بايدن عن دهشتها وعدم موافقتها على تلك التحركات، في وقت حاول الأوروبيون الإمساك بأنوفهم تجنبا لشم رائحة “التطبيع” في العلاقات مع الأسد.

ولكن علينا تذكر أن الأردن والإمارات هما حليفان مهمان للولايات المتحدة وإسرائيل أيضا. وظلت الأخيرة تفضل بقاء الأسد في السلطة قريبا من حدودها التي لم تطلق منها ولا رصاصة منذ حرب عام 1973 وحتى بداية الحرب الأهلية في 2011. ولا تزال إسرائيل تفضل هذا الخيار، حتى في ظل شنها حربا جوية وإلكترونية ضد سوريا والعراق وتستهدف إيران وجماعاتها الوكيلة مثل حزب الله.

ويناقش الكاتب أن الدافع العربي لترطيب العلاقات مع الأسد هو رد على “الهلال الشيعي” الذي حذر منه الملك عبد الله منذ عام 2004. ويقال إن إيران تقوم ومنذ الغزو الأمريكي للعراق، ببناء شبكة تأثير حول الشرق الأوسط. وكان الغزو بمثابة هدية أمريكية للشيعة في العراق وإيران الذين سيطروا على بغداد. ويرى غاردنر أن الإمارات تستخدم جاذبيتها القوية كسوق متقدم ومتوسع في الخليج للمساعدة على إعادة إعمار سوريا وشركات الإنشاءات لكي تقوم بها. ولا تزال السعودية وقطر اللتان دعمتا المتمردين ضد الأسد حذرتان في مواقفهما حتى الآن. وبعد التخلي عن الدبلوماسية مع العراق، فتحت السعودية خطوط اتصال مع القادة العراقيين وبخاصة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي تحول إلى عراب السلطة بعد جولتين انتخابيتين وهزم جماعات إيران في العراق.

وتزيد دول الخليج الضغط على لبنان ردا على سيطرة حزب الله عليه. وعندما ينظر القادة العرب إلى طهران وهي تفتح ممرا من أراضيها على البحر المتوسط، وينظرون إلى اليمن فإنهم يشاهدون إمبريالية فارسية جديدة، وبنبرة تفوق شيعية مهددة، وهي نبرة لم يقض عليها السلوك الأمريكي الميلودرامي ولا القيود الاوروبية.

ومن الغزو الأمريكي للعراق في عهد جورج دبليو بوش، إلى استراتيجية “أقصى ضغط” لدونالد ترامب، ظهرت إيران الرابح الأكبر من المعركة الجيوسياسية في المنطقة. وفقدت الولايات المتحدة مصداقيتها، وخاصة في سوريا وكذا في كل المنطقة. وكان فشل ترامب بالرد على الهجوم بالطائرات المسيرة والصواريخ على المنشآت النفطية السعودية في أيلول/سبتمبر 2019 نقطة محورية. وبعد مداولات ومفاخرة، توصل ترامب إلى أن السعودية هي التي تعرضت للهجوم وليس أمريكا.

وفي الوقت نفسه، أنشأت تركيا منذ عام 2016 ثلاثة جيوب في شمال سوريا ودفعت الأكراد السوريين الذين تخلى عنهم الأمريكيون ويسيطرون على ربع البلاد، باتجاه التعامل مع الأسد. ويدفع الأوروبيون باتجاه حل سياسي شامل في سوريا ودستور جديد. وتفضل روسيا التي أنقذت إلى جانب إيران الأسد هذا الخيار، وهو ما قاد إلى تفكير في غير محله عن قدرة موسكو بالضغط على الأسد والإيرانيين في سوريا.

وهناك تكهنات محمومة حول إبعاد الأسد نفسه عن إيران. جاء هذا بعد طرده الجنرال جواد جعفري، قائد القوة الاستطلاعية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في سوريا منذ 2015. وهذا غير محتمل، وقد يكون التحالف مع إيران تدفعه الضرورة، ولكن والد الأسد، حافظ، وقف مع إيران أثناء الحرب مع العراق ما بين 1980- 1988 وساهم في إنشاء حزب الله.

في المقابل وقفت إيران مع بشار عندما بدأ نظامه بالترنح في 2012 و2015 وقدمت قوات مشاة لجيشه المتعب، ولن يتغير التحالف. لكن قادة دول الخليج يرون أن الجلوس متفرجين لن يحل المشكلة. وبعد كل هذا، فقد كانت سوريا عرضة للتهديد من التحالف الأمريكي عام 2005 و2006، لسماحها بمرور الجهاديين إلى العراق والمشاركة في مواجهة التحالف الأنغلو- أمريكي هناك، ولأنها دعمت حزب الله في حربه مع إسرائيل عام 2006.

ولكن الأسد استُقبل بحفاوة في باريس عام 2008، واجتمع به الرئيس فيه حينه نيكولاي ساركوزي. ويحاول السعوديون والإماراتيون حماية رهاناتهم عبر محادثات موازية مع إيران بهدف خفض التوتر. ولكنهم يعرفون أن سوريا، وهي جزء من قلب العالم العربي، تظل البوصلة التي توجه المسار في بناء الجيو- سياسات، وهم يحولون اتجاههم.

القدس العربي

—————————

سوريا الإيرانية أم العربية… اختلاف حافظ وبشار/ منير الربيع

تترقب المنطقة أجواء عودة المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. بين عهد ترامب وبايدن، يظهر اختلاف واضح في المسار حول طريقة التفاوض النووي. هنا حصل الانقلاب في الأدوار، إذ كان ترامب يصر على التفاوض حول النفوذ الإيراني في المنطقة، فيما ترفضه طهران.

أما اليوم فإن إيران هي التي تريد التفاوض على ملفات المنطقة فيما تريد واشنطن حصر الاتفاق بالشق النووي التقني. هذا التغير يعود إلى أن فكرة طهران تتعلق بتكريس مكتسبات في المنطقة انطلاقاً من الملف النووي. تسعى إيران لانتزاع الاعتراف الأميركي بالمكتسبات التي حققها حالياً، لأنه يعلم أنه لن يكون قادراً على تحقيق المزيد منها.

أما الجانب الأميركي فلا يريد لإيران تكريس هذه المكتسبات بل إظهار أزمته في الملفات الإقليمية أكثر، ومن بينها السماح لحزب الله بإدخال المازوت الإيراني إلى لبنان، فتبين أنها عاجزة عن سداد الحاجة في المجتمع اللبناني، وحتى داخل بيئة الحزب. ما أدى إلى تعميق وطأة الأزمة لدى حزب الله، خصوصاً بعد انعدام قدرته على تكريس أكثريته النيابية ليحكم كما يريد، فجاءت الأكثرية متزامنة مع انهيار مالي واقتصادي كبير، وتراجع في صفوف حلفائه لا سيما على الساحة المسيحية.

تلك الأزمة العميقة في لبنان لها ما يقابلها في سوريا، وهي انعدام القدرة على السيطرة وفرض المشروع والحفاظ على المكتسبات. فهناك المشروع العربي الذي يسعى إلى التطبيع مع الأسد وتمرير النفط والغاز والكهرباء.

وهذا يعني انتقال الصراع إلى مرحلة جديدة، بين سوريا التي تريدها إيران معقلاً لتحالف الأقليات وسوريا التي يُراد إعادتها إلى “الحضن” العربي. وليس مهماً إعلان الانتصارات إنما القدرة على استثمارها وتكريسها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إيران لن تنجح في فرض السلام في سوريا وتكريس الاستقرار، إنما ساعدت بشار الأسد على ضرب المجتمع وهزيمة الثورة وعسكرة الصراع وتأبيده.

وهذا يختلف جذرياً عن الدور الذي لعبه حافظ الأسد سابقاً في لبنان وانتزع من خلاله اعترافاً دولياً، عندما عمل على تكريس “السلم اللبناني” بعد اتفاق الطائف، فتم الاعتراف به دولياً كلاعب إقليمي مستلم لزمام الأمور لبنانياً. هذه نقطة أساسية تغيب عن بال الإيرانيين والأسد، وبالتالي من أوائل بروز وظهور مقومات “الانتصار” لا بد لها أن تكون مقرونة بتكريس الاستقرار، والذي في حال لم يتكرس فإن الصراع سيبقى مفتوحاً.

من الواضح أن الصراع القائم يؤدي إلى استنزاف طويل لإيران، لجهة القدرة على تحمّل العقوبات، واستنزاف اقتصادي ومالي، لا بد أنه سيكون له أثر حقيقي على مسار التفاوض. فتجد إيران نفسها مطوقة بملفات أخرى غير الملفات الداخلية والملف السوري، الجبهة الأذربيجانية مفتوحة، والوضع في أفغانتستان، بالإضافة إلى إعادة تعزيز العلاقات الباكستانية السعودية، في ظل انخفاض القدرة على التصعيد الأمني والعسكري بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وهي التي تبحث عن تهدئة في العراق بدلاً من حصول أي تطورات سلبية.

هنا لا بد لطهران أن تترقب مسار الانسحاب الأميركي من العراق سيكون عنصراً مزعجاً لطهران، بارتداداته على الرغم من محاولتها لتصوير ما جرى أنه انتصار، وهنا ستخرج أصوات كثيرة تطالب بالخروج الإيراني من العراق على غرار الخروج الأميركي، لا سيما أن قوة طهران في العراق كانت مستمدة من قدرته على المساومة مع الأميركيين، أما بعد الانسحاب فلن تكون هناك جهة قابلة للمساومة.

تحاول طهران الاستعاضة عن كل هذه الهموم، بحصر الصراع مع المملكة العربية السعودية، انطلاقاً من حسابات سياسية وطائفية ومذهبية، وهذا يؤكد مجدداً أن الصراع يأخذ طابعاً آخر عربياً إيرانياً، وهو ما سيكون قابلاً للاستثمار من جهات متعددة روسية أميركية وأوروبية.

—————————

الدبلوماسية الإماراتية تتقرّب من خصومها السياسيين… وتساؤلات حول «تغيّر البوصلة»

شهد يوم أمس بوادر تحوّل في السياسة الخارجية الإماراتية وعلاقاتها بدول الجوار، تمثل بثلاثة أحداث أبرزها وصول ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، إلى تركيا والذي تزامن مع زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني لدولة الإمارات، والإعلان عن إجراء محادثات بين أبو ظبي وطالبان حول إدارة مطار كابول الدولي في أفغانستان.

واستقبل المسؤولون الأتراك ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بحفاوة، أمس الأربعاء، في زيارة هي الأولى على هذا المستوى لمسؤول إماراتي منذ عام 2012، تفتح صفحة جديدة بين البلدين.

ووقعت تركيا والإمارات عددا من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات تفاهم في ملفات التجارة والاستثمار، في قمة جمعت الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وولي عهد أبو ظبي في العاصمة التركية أنقرة، في حين امتنع الجانبان عن الحديث حول الملفات السياسية التي جرى تناولها في القمة الأولى منذ 10 سنوات وتصاعدت فيها الخلافات بين البلدين لمستويات غير مسبوقة.

واستقبل اردوغان بن زايد في مراسم رسمية واسعة بالمجمع الرئاسي في أنقرة، حيث صافح اردوغان بن زايد عند بوابة المبنى الرئيسي بالمجمع الرئاسي، قبل أن يتوجها إلى المكان المخصص للمراسم، وتم إطلاق 21 طلقة مدفعية وعزف النشيدين التركي والإماراتي، وجرى اجتماع مغلق بين الزعيمين قبل انضمام وفدي البلدين وتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، كما أقام اردوغان مأدبة عشاء على شرف ضيفه الإماراتي.

ووقعت اتفاقيات بين البنك المركزي التركي ونظيره الإماراتي، وبين الصندوق السيادي التركي والصناديق الاستثمارية الإماراتية، ومذكرة تفاهم لتبادل المعلومات المالية في مجال مكافحة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، ومذكرة تفاهم بين صندوق السيادة التركي وشركة موانئ أبو ظبي، وأخرى بين شركة أبو ظبي التنموية القابضة وهيئة الاستثمار في الرئاسة التركية، ومذكرة تفاهم بين بورصتي إسطنبول وأبو ظبي، واتفاقية تعاون إداري وشراكة في الشؤون الجمركية بين البلدين، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال البيئة. وأعلنت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية تأسيس الإمارات صندوقا استثماريا بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا.

وقال بن زايد إنه أجرى مباحثات مثمرة مع الرئيس التركي. وأضاف، عبر حسابه على «تويتر» أن «المباحثات تركزت حول فرص تعزيز علاقاتنا الاقتصادية». وتابع: «نتطلع إلى فتح آفاق جديدة وواعدة للتعاون والعمل المشترك يعود بالخير على البلدين ويحقق مصالحهما المتبادلة وتطلعاتهما إلى التنمية والازدهار» .

وبدأت مساعي التقارب بين أنقرة وأبو ظبي منذ أشهر طويلة، وحقق اختراقاً لافتاً في الأشهر الأخيرة، فمن المباحثات السرية إلى الرسائل الإيجابية وخطوات بناء الثقة، وصولاً للاتصالات الدبلوماسية التي تطورت سريعاً إلى اتصالات سياسية على أعلى المستويات مهدت لزيارة بن زايد إلى أنقرة ولقاء اردوغان بعد سنوات من اعتبارهما أبرز الزعماء عداوة في المنطقة.

وإلى جانب الاقتصاد الذي حافظ على نموه طوال سنوات الخلاف بين البلدين ضمن استراتيجية تحييد الخلافات السياسية عن الاقتصاد، تراجع الكثير من ملفات الخلاف العالقة بين البلدين لمتغيرات أبرزها تركيبة المنطقة عقب الربيع العربي، والاستقرار الميداني في ليبيا، والتقارب التركي المصري، والمصالحة الخليجية، وتحديات إدارة بايدن، والتطبيع الإماراتي والتقارب التركي المتوقع مع إسرائيل.

وعقب القمة، أعلنت مصادر رسمية تركية أن وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو سوف يزور أبو ظبي منتصف الشهر المقبل.

أما في الإمارات، فالتقى علي باقري كني، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية كبير المفاوضين النوويين، الأربعاء، باثنين من كبار المسؤولين الإماراتيين خلال زيارة نادرة أتت في إطار جهود تخفيف التوتر بين طهران وأبو ظبي. وقالت وكالة أنباء الإمارات إن كني التقى بأنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس بحضور خليفة شاهين المرر وزير الدولة للشؤون الخارجية.

وقالت الوكالة إن المناقشات ركزت على أهمية تقوية العلاقات «على أساس حسن الجوار والاحترام المتبادل في إطار المصالح المشتركة والعمل على تحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار في المنطقة، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين الجارين» .

أما فيما يتعلق بأفغانستان، فقال دبلوماسيون أجانب أربعة موجودون في الخليج إن مسؤولين من الإمارات أجروا سلسلة من المباحثات مع حركة طالبان في الأسابيع الأخيرة لبحث تشغيل مطار كابول الذي يمثل همزة الوصل الجوية الرئيسية بين أفغانستان، التي لا تطل على أي بحار، والعالم الخارجي.

وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الإماراتية إن الإمارات – التي سبق أن أدارت مطار كابول خلال فترة حكم الجمهورية الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة – «لا تزال ملتزمة باستمرار المساعدة في التشغيل» لضمان سهولة استخدام المطار في الأغراض الإنسانية والمرور الآمن. وأكد اثنان من الدبلوماسيين أن حركة طالبان سعت أيضا للحصول على مساعدة مالية من الإمارات، لكنهما أضافا أنه لم يتضح ما إذا كان ذلك مرتبطا بمباحثات المطار.

وأشار اثنان من الدبلوماسيين إلى أن الإمارات احتفظت بعلاقات مع طالبان أيضا. وأضافا أن الإمارات كانت مقر إقامة لبعض أعضاء الحركة في السنوات الأخيرة ومنهم محمد عباس ستانيكزاي، الذي قالا إنه عاش في الشارقة مع أسرته منذ 2013 على الأقل. وأصبح ستانيكزاي الآن نائبا لوزير الخارجية في إدارة طالبان.

القدس العربي»

—————————-

أبعد من قاعدة عسكرية صينية في الإمارات/ ياسر أبو هلالة

مضى أكثر من أربع سنوات على غياب، ولي عهد أبوظبي، الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، عن واشنطن، وهي مدة طويلة للساسة العرب عموما، وخصوصا في الخليج. وهو ما أوحى بأزمة صامتة وبرودة العلاقة بين الحليفين، خصوصا بعد أن بلغت أوجها في عهد إدارة ترامب. قد تحل الأزمة ويعود الدفء، وقد تبقى بانتظار تغير الإدارة الأميركية. المدخل الكلاسيكي عربيا لحل المشكلات مع الإدارات الأميركية هو البوابة الإسرائيلية، والاتفاقات الإبراهيمية وقعت في هذا السياق. وفي الأسبوع الماضي شوهد مبعوث الإدارة الأميركية لشؤون المناخ، جون كيري، يرعى اتفاقية مزرعة الطاقة الشمسية وتحلية المياه بين الأردن وإسرائيل والإمارات. وعلى أهمية التحالف مع الصهاينة في أميركا والغرب، إلا إن هذا وحده ليس كافيا على ما يبدو لعودة درجة حرارة العلاقات كما كانت. توصل الإمارات رسائل مفادها أن الصين حليف أفضل من أميركا، فهي بلاد مستقرّة سياسيا في نظام ديكتاتوري لا تتغير تحالفاته، ومليء ماليا ويقارب حجم اقتصاده الاقتصاد الأميركي. وتعلم أنها لا تستطيع، حتى في أيام ترامب، الجمع بين تحالف مع أميركا وآخر مع الصين، عدوها الأول. لكنها وسيلة ضغط قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، في الأسبوع الماضي، عن توقف بناء منشأة سرية صينية في الإمارات، بعد ضغط أميركي. وفي اتصال هاتفي أجراه الرئيس بايدن مع محمد بن زايد، أعرب عن قلقه بشأن الوجود الصيني المتزايد في الإمارات، وأنه يخشى أن يكون لنشاط الصين تأثير “ضارّ على الشراكة”. وردّ بن زايد بأنه سمع السيد بايدن “بصوت عال وواضح”، وفقًا لمسؤولين تحدّثوا للصحيفة التي ذكرت أن “تلك المحادثة تركت المسؤولين الأميركيين غير متأكدين مما إذا كان الإماراتيون ملتزمين بإبقاء الصين خارج البلاد”. وقال مطلعون إن المسؤولين الأميركيين والإماراتيين أجروا مناقشات عديدة حول قضية ميناء خليفة في وقت سابق من هذا العام. ثم في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، أثناء زيارته أبو ظبي، قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، وكبير مساعدي الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، عرضًا تفصيليًا حول الموقع الصيني، حسبما قال مطلع على الأمر. عاد ماكغورك للقاء ولي العهد، وأجرى الأميركان، أخيرا، تفتيشا للموقع.

قبلها كان وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، في دمشق، وبموضوع له علاقة بالصين، فبحسب مصادر مطلعة على مباحثاته مع بشار الأسد، فإنها ركزت على فرصة لربط خط الصادرات الصيني بالموانئ السورية على المتوسط. فبعد اتفاق الإمارات المبدئي مع حكومة مصطفى الكاظمي في العراق على تأهيل ميناء الفاو بالتنسيق مع الصين، ستصل البضائع الصينية من جبل علي وغيره إلى العراق، وتجد طريقها إلى أوروبا عبر سورية وموانئ المتوسط أو عبر تركيا. والإمارات تفضّل سورية على تركيا. وفي حال تعذر نجاح الخط السوري بسبب عقوبات قيصر، والتحفظ الأميركي، قد تكون تركيا بديلا، وهذا جزء من القضايا التي طرحت في زيارة محمد بن زايد، أمس الأربعاء، تركيا، المنزعجة لأسبابها من إدارة بايدن. .. فوق ذلك، في وقت تضغط الولايات المتحدة والعالم بأجمعه على الصين بخصوص ملف المسلمين الإيغور، كشفت وسائل إعلام غربية عن منشأة تحقيق صينية في الإمارات مع المسلمين الإيغور.

قد يؤدي التحالف مع الصين إلى غضب أميركي على الحليف الإماراتي، خصوصا أن المحاكم الأميركية لا تزال في معركة مفتوحة مع إرث ترامب، الذي لا يزال يشكل تحدّيا عميقا للإدراة الديمقراطية وللديمقراطية عموما في أميركا. وفي قضية توم باراك، المنظورة في المحاكم الأميركية، وهي قضية تمس الأمن القومي الأميركي، يظهر بوضوح اسم الحاكم الفعلي للإمارات، وقبلها اعتقل مستشاره جورج نادر، ولا تعرف المعلومات التي قدمها بخصوص الدور الإماراتي في التدخل الروسي في انتخابات 2016 الرئاسية.

في النهاية، تسعى الإمارات، على الرغم من ذلك كله، إلى استخدام ورقة الصين وغيرها لاستعادة مكانتها لدى الإدارة الأميركية، وهي تسعى إلى بناء تحالف بضمانة الكونغرس، بحيث لا يتضرّر بتغير الإدارات. وتكتب “وول ستريت” في العدد نفسه، الذي كشف قصة المنشأة الصينية السرية: “تسعى الإمارات إلى الحصول على اتفاق استراتيجي مع واشنطن من شأنه أن يضمن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عنها إذا تعرّضت للهجوم” وتضيف أنه “في السنوات الأخيرة، شكّكت دول الخليج العربية التي ترى تهديدًا من إيران، في مدى قوة الالتزام الأميركي”. ويقول مسؤولون خليجيون إنهم شاهدوا الولايات المتحدة تحول تركيزها إلى آسيا، وتزايدت المخاوف بعد الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان.

العربي الجديد

————————–

بن زايد في أنقرة:العداء ينتهي بإستثمار10 مليارات بالاقتصاد التركي

بن زايد في أنقرة:العداء ينتهي بإستثمار10 مليارات بالاقتصاد التركي الزيارة الأولى لولي عهد أبو ظبي منذ العام 2011 إلى تركيا

أعرب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان عن تطلعه لفتح آفاق تعاون جديدة مع تركيا، وذلك خلال زيارته الأولى من نوعها منذ العام 2011 إلى تركيا. فيما نتج عن لقاءاته تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا.

وقال بن زايد في تغريدة: “التقيت اليوم في أنقرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأجرينا مباحثات مثمرة تركزت حول فرص تعزيز علاقاتنا الاقتصادية، ونتطلع إلى فتح آفاق جديدة وواعدة للتعاون والعمل المشترك يعود بالخير على البلدين ويحقق مصالحهما المتبادلة وتطلعاتهما إلى التنمية والازدهار”.

    التقيت اليوم في أنقرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأجرينا مباحثات مثمرة، تركزت حول فرص تعزيز علاقاتنا الاقتصادية ، نتطلع إلى فتح آفاق جديدة وواعدة للتعاون والعمل المشترك يعود بالخير على البلدين ويحقق مصالحهما المتبادلة وتطلعاتهما إلى التنمية والازدهار. pic.twitter.com/ZkPFo3AQLj

    — محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) November 24, 2021

وتوجت المباحثات في أنقرة بين أردوغان وولي عهد أبوظبي بإبرام سلسلة من الاتفاقات الثنائية بين تركيا والإمارات. وأكدت وكالة “الأناضول” أن أردوغان والشيخ محمد حضرا مراسم توقيع هذه الاتفاقات، منها مذكرة تفاهم للتعاون الثنائي بين البنك المركزي التركي ونظيره الإماراتي، بعد اجتماع ثنائي بينهما وآخر على مستوى الوفود.

    مراسم استقبال رسمية لولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أنقرةhttps://t.co/jNPBoYgyVj

    — الرئاسة التركية (@tcbestepe_ar) November 24, 2021

كما تطرقت المباحثات إلى العلاقات الثنائية وسبل فتح آفاق جديدة للتعاون والعمل المشترك بين دولة الإمارات وتركيا في جميع المجالات التي تخدم مصالحهما المتبادلة، إضافة إلى مجمل القضايا والتطورات الإقليمية والدولية التي تهم البلدين.

كما تبادل الجانبان وجهات النظر بشأن عدد من القضايا والتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، مؤكدين أهمية تعزيز ركائز الأمن والسلام والاستقرار التي تشكل القاعدة الأساسية لانطلاق التنمية والبناء، والمضي نحو المستقبل المزدهر الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة.

وعقب المحادثات أعلنت الإمارات، تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، بحسب ما أعلنت وكالة أنباء الإمارات (وام).

وذكرت الوكالة أن هذا الإعلان يأتي عقب المحادثات التي جرت لتعزيز دعم الاقتصاد التركي وتوثيق التعاون بين البلدين. وأضافت:”سيركز الصندوق على الاستثمارات الاستراتيجية، وعلى رأسها القطاعات اللوجستية ومنها الطاقة والصحة والغذاء”.

بدوره، وصف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو المحادثات بين أردوغان ومحمد بن زايد في أنقرة بأنها كانت مثمرة جداً، مؤكداً أنه يعتزم زيارة أبوظبي في كانون الأول/ديسمبر.

بينما أكد وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري أن العلاقات الاقتصادية بين بلاده وتركيا التي تتعزز باستمرار “توفر فرصاً كبيرة لإقامة شراكات جديدة في مختلف المجالات”.

من جانبه، قال وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية ثاني الزيودي إن “تركيا تعد سوقاً مهماً للمنتجات الإماراتية للوصول إلى أوروبا وبعض الدول الآسيوية، فضلاً عن كونها جسراً للمنتجات التركية إلى تصل إلى دول الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا”.

ومرت العلاقات بين الإمارات وتركيا بفترات متوترة على مدى سنوات، إذ دعم كل منهما، أطرافاً مختلفة في الأزمات العربية خصوصاً في ليبيا، كما ترفض أنقرة التقرب الإماراتي من النظام السوري، بينما اتهم أردوغان الإمارات بدعم الانقلاب الفاشل عليه عام 2016، الأمر الذي نفته الإمارات.

ورغم تلك الخلافات إلا أن الفترة السابقة شهدت عودة العلاقات الثنائية وتبادل الاتصالات على مستويات رفيعة، والتي توجت بزيارة ولي عهد أبو ظبي إلى تركيا، حيث ثمّن المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشليك الحوار بين أنقرة وأبو ظبي، مؤكداً أنه يأتي “لحل القضايا الشائكة”

المدن

———————-

بلومبيرغ تكشف “سر” تحركات الإمارات الأخيرة في المنطقة.. أبوظبي “تعهدت” بالتخلي عن الصراعات السياسية

عربي بوست

كشفت وكالة Bloomberg الأمريكية، الخميس 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كواليس زيارة ولي عهد أبوظبي إلي تركيا، واستئناف علاقاتها مع أنقرة، إذ قالت الوكالة الأمريكية إن دبي هي التي ضغطت على أبوظبي لتغيير سياساتها الخارجية، التي نتج عنها فتح الإمارات صفحةً جديدةً مع تركيا وإيران، بعد سنوات من القطيعة والتوتر الدبلوماسي.

الصحيفة قالت :” الأحداث شهدت تحوّلاً سريعاً منذ أن كشفت الإمارات عن إعادة ضبط سياستها الخارجية، في سبتمبر/أيلول، متعهدةً بالتخلّي عن الصراعات السياسية، وإعادة التركيز على الاقتصاد، مستهدفةً بذلك استثمار 150 مليار دولار عبر علاقات أعمق مع الاقتصادات سريعة النمو مثل تركيا”.

ويأتي هذا التحول ضمن تعديلات سياسية أوسع نطاقاً، شهدت تغلُّب الخصوم السابقين في الشرق الأوسط على خلافاتهم العنيفة أحياناً، بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. وبعد عقدٍ كامل من سياسة التدخل التي كبّدت البلاد فرصاً ضائعة بمليارات الدولارات انتصر نموذج دبي، الذي يُركّز على الأعمال التجارية.

إذ كانت دبي مدينةً لصيد اللؤلؤ، حُرِمَت من موارد النفط المتوافرة لدى أبوظبي، أكبر الإمارات السبع، لكنها حوّلت نفسها إلى مركزٍ مالي عالمي بتجنّب النزاعات الإقليمية، وتقديم نفسها باعتبارها ميناءً للاستقرار وملاذاً ضريبياً وسط بحرٍ من الاضطرابات.

وكشفت الوكالة الأمريكية أن دبي هي التي ضغطت من أجل مراجعة السياسات الخارجية، التي وضعت الإمارات بقائمةٍ متزايدة من الأعداء.

بينما قال جيم كرين، مؤلف كتاب “مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية City of Gold: Dubai and the Dream of Capitalism”: “لقد قرروا العودة إلى الأصل، والرجوع إلى فلسفة دبي الكلاسيكية القائمة على عدم التدخل، والحياد، ونهج (الأعمال أولاً). حيث كانت سياسة أبوظبي القائمة على التحيّز لطرفٍ بعينه ودخول المعارك سيئةً بالنسبة للاقتصاد. وقد أدركوا أنّها ليست استراتيجيةً ناجحة”.

صفحة جديدة مع تركيا

ومع لقاء الرئيس التركي مع ولي عهد أبوظبي، هيمنت الأعمال التجارية على الأجندة، لتُطوى صفحة عقدٍ كامل من العلاقات المتوترة والخطاب السام، بإطلاق صندوق قيمته 10 مليارات دولار للاستثمار في البلاد، وسط الاضطرابات المالية.

قد يكون التأثير الاقتصادي لهذا التحول كبيراً، حيث يأتي بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط وانتعاشةٍ عالمية من تداعيات كوفيد-19.

فحين انضمت إلى السعودية ومصر والبحرين في مقاطعة قطر عام 2017، خسرت الإمارات ما لا يقل عن 3.5 مليار من تجارتها السنوية بين ليلةٍ وضحاها.

كما حرمت تلك الخطوة شركات الإمارات من فرص عديدة، للمشاركة في تحضيرات جارتها قطر لكأس العالم لكرة القدم 2022، مثل بناء الاستادات الرياضية والفنادق وتمهيد الطرق. واضطرت حينها قطر، التي كانت تشتري غالبية مواد البناء من الإمارات، إلى البحث عن مُوردين جُدد وتوجيه الشحنات إلى موانئ عمان.

كما تراجعت التجارة مع تركيا بنسبة 44% عام 2018، بعدما دخلت في الأحداث بسبب الخلاف القطري. قبل أن تدخل تلك الدول على طرفي الصراع في الحرب الليبية خلال العام التالي.

وفي الوقت ذاته، دعمت الإمارات قرار دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات عام 2018. وأظهرت بيانات وكالة Bloomberg الأمريكية أنّ التجارة الإماراتية مع إيران انخفضت بأكثر من النصف، لتصل إلى خمسة مليارات دولار فقط في العام التالي، ولكن في نفس يوم الزيارة الإماراتية التاريخية لأنقرة، التقى نائب وزير خارجية إيران بعدد من المسؤولين البارزين في دبي، لإعلان “صفحةٍ جديدة” في العلاقات بين البلدين.

حيث قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي: “هناك إجماعٌ على أنّ الوقت قد حان لتهدئة التوترات بعد 10 سنوات دفعت دبي ثمنها”.

“لا تغيير حقيقياً”

إجمالاً، يُمكن القول إنّ نهج دبي القائم على عدم التدخل لم يكُن بعيداً كل البعد عن نهج بقية الإمارات، لكن الخلافات بدأت تظهر في أعقاب انتفاضات الربيع العربي عام 2011، فبالنسبة لأبوظبي كانت فكرة القضاء على القوى الثورية التي اجتاحت الشرق الأوسط أكثر أهمية من جذب الاستثمارات الأجنبية، وهي النظرة التي ترجع جزئياً إلى ما وصفه الدبلوماسيون بـ”انشغال محمد بن زايد بالأمن”.

وانصاعت دبي مكرهةً رغم تنامي مخاوفها الاقتصادية، وذلك بعد أن دفعت جارتها الثرية أبوظبي كفالة مالية ضخمة لإنقاذها إبان الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.

ففي ليبيا، خسرت الإمارات رهانها على الجنرال المدعوم من روسيا، من أجل الإطاحة بالحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، بينما تعرضت حرب اليمن للانتقادات الدولية، كما وجد كبار المسؤولين أنفسهم مضطرين مع استمرار الحرب لإجراء زيارة متكررة لعائلات الجنود الذين لقوا حتفهم داخل الإمارات الأقل ثراءً في الشمال.

ومع ذلك، لا يعني هذا أنّ الإمارات ستقف مكتوفةَ الأيدي إن عادت التهديدات إلى السطح من جديد.

إذ قال أندرياس كريغ، المحاضر بكلية الملك في لندن: “لقد انتصرت الثورة المضادة في الوقت الراهن، ولكن إذا اندلع ربيعٌ عربي جديد أو انتفاضات أخرى، فسوف يقف الإماراتيون بثبات في صفّ الثورة المضادة، وموقفهم لن يتغيّر في هذا الصدد”.

وقد كانت جهود السعودية لفتح اقتصادها، وتثبيت أقدامها كقاعدةٍ للشركات العالمية في الشرق الأوسط، بمثابة جرس إنذار للإماراتيين، حيث تُعتبر المملكة منافساً قوياً بفضل امتدادها الجغرافي، ونفوذها السياسي، وإمكاناتها غير المستغلة.

لكن من مصلحة الإمارات أنها تمتلك في جعبتها دبي، التي أثبتت نفسها بالفعل كمركزٍ لإدارة الأعمال التجارية.

اتفاقيات ضخمة بمليارات الدولارات

حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين، إذ جرت مراسم التوقيع في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، بعد لقاء ثنائي وآخر على مستوى الوفود بين الجانبين. وشملت المراسم توقيع البنك المركزي التركي ونظيره الإماراتي مذكرة تفاهم للتعاون الثنائي،

وكشف مصدران لوكالة رويترز، أن محافظ البنك المركزي التركي، شهاب قوجي أوغلو، اجتمع مع مسؤولين من دولة الإمارات العربية المتحدة في الرئاسة التركية؛ لإجراء محادثات أولية بشأن اتفاق مبادلة محتمل.

فيما قالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية )وام)، إن الإمارات أعلنت تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار، لدعم الاستثمارات في تركيا، وأضافت الوكالة أن الصندوق سيركز على الاستثمارات الاستراتيجية، ومنها الاستثمار في قطاعي الطاقة والصحة.

——————-

=======================

تحديث 26 تشرين الثاني 2021

————————–

التطبيع مع دمشق ومآلاته المرعبة / غازي دحمان

لو أن تحقيق الرفاهة والاستقرار والأمن للمنطقة يمر إجباريا عبر التطبيع مع الأسد لكان هذا الفعل خطأ سياسياً، وفعلاً غير منطقياً، وفي وقت تشير فيه  كل المعطيات إلى أن هذا التطبيع سيكون سبباً في استدامة الأزمة، ليس على رأس السوريين فحسب، بل وعلى الإقليم والعالم، فإن ذلك يستوجب الحديث بشفافية وصراحة عن المآل الذي ستصل له هذه السياسات.

بعد تراجع فرص إسقاط الأسد، نتيجة سياسات الأرض المحروقة التي اتبعها، بدعم كامل من روسيا وإيران، ظهرت معادلة، وإن لم تكن عادلة وأخلاقية، إلا إنها تشكل امتثالا، بالحد الأدنى، لمقولة” السياسة هي فن الممكن”،

 و تنص على أن خضوع الأسد لمقتضيات عملية السلام في سورية هو الممر الوحيد للتطبيع مع النظام، وقد توافق المجتمع الدولي على ذلك بقرار مجلس الأمن 2254 ومندرجاته.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، ألا يعني التطبيع مع الأسد، دون تحقيق الشروط التي طالب بها المجتمع الدولي، عبر قرار مجلس الأمن، تدميراً مقصوداً للمعادلة المذكورة، وإحلالا بدلاً منها معادلة أخرى تنص على أن استقرار المنطقة، وربما نماؤها يمر عبر التطبيع مع الأسد؟، من استطاع تدوير هذه المعادلة وبهذه الحدّة؟.

من الواضح أن المحرك الأول للتطبيع مع نظام الأسد هي الأنظمة العربية، ولم يعد في ذلك شكاً، لكن دائما ثمّة سؤال يطرح نفسه بقوّة، ما الذي ستستفيده الأنظمة العربية من نظام متهالك؟ ما الذي ستضيفه لها العلاقة مع هذا النظام على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية؟ وهل إعادة العلاقة معه ضرورة ملحّة في هذه المرحلة؟.

وإذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة باتت بديهية ولا تحتاج حتى لنقاش بخصوصها، يبقى السؤال الأهم، من هي الجهات المستفيدة من إعادة العلاقة مع نظام الأسد؟.

ثمّة مقولة للكاتب الأردني فهد الفانك ربما تفسر هذه الفانتازيا، إذ يقول: إن الواقع العربي لا يكاد يسلم نفسه للتحليل العلمي بسبب كثرة المتغيرات وتقلبها، وفي كثير من الأحيان تمردها على المنطق العلمي نتيجة بعض التصرفات والسياسات المزاجية غير المحسوبة، في حين ان الباحث مضطر لافتراض معقولية صانع القرار العربي.

هناك الكثير من الأفعال والسلوكيات التي تحصل في متن السياسة العربية يعجز العقل عن تفسيرها إذا استخدم الأدوات المنطقية في ذلك، وهناك الكثير من الظواهر السياسية يصعب فهمها إذا تمت مقاربتها بالأدوات التحليلية الحديثة، لذا في الغالب يصعب التنبؤ بقرارات صانع القرار العربي ولا معرفة أنماط الاستجابات الممكنة تجاه أزمات وقضايا سياسية معينة، وهذه الظاهرة لا تقتصر على السياسة بل هي موجودة في مختلف الأصعدة نظراً لتأثرها بالحاكم الشمولي الذي يشرف على كل صغيرة وكبيرة في الحياة العامة في بلدان الشرق الأوسط .

ويمكن ببساطة تحليل سلوكيات الأنظمة العربية من خلال خريطة المصالح التي تؤشر عليها القرارات السياسية، فليس سراً، أن الأسد بات محسوباً على الثورات المضادة في مواجهة الحراكات الشعبية، بذريعة أن القوى الإسلامية ركبت هذه الحراكات، وبالتالي فإنها أصبحت تشكّل مصدر خطر على الكثير من الأنظمة التي لديها مشاكل مع الإسلاميين في بلادها، وعند مفاضلة الأسد بالإسلاميين من المؤكد أن كفة الأسد سترجح، لكن المشكلة أن الأسد بات محاطاً بجملة من المخاطر التي لا يمكن التعايش معها لا عربياً ولا إقليمياً.

وليس سراً أن الأسد ارتبط  في السنوات الأخيرة، بدرجة كبيرة، بالمافيات العالمية من أجل تأمين الموارد الضرورية لحربه ضد السوريين، وحوّل سورية إلى مركز لنشاط هذه المافيات، والتي كان لها صور وأشكال عديدة، من تهريب المخدرات إلى تهريب البشر والتجارة بالأعضاء البشرية، بالإضافة إلى تزوير العملات وربما الماركات وحقوق الملكية، وهذه المافيات استوطنت في سورية، حيث أسست مزارع للحشيش ومكاتب للتجارة المشبوهة، وتبحث بشكل دائم عن أسواق لمنتجاتها بأي طريقة وشكل، ودليل ذلك حجم شحنات المخدرات التي يتم إلقاء القبض عليها مهربة داخل منتجات مصدرها سورية أو لبنان.

وبالتوازي مع ذلك، وما لم تلحظه الدراسات الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة، برزت فئات في مرحلة الفوضى في المنطقة، نتيجة قيامها بأعمال مشبوهة، أصبحت فواعل مهمة ومراكز قوى مؤثرة في السياسات الإقليمية، ينخرط بها رجال مخابرات وتجار ووجهاء، على شكل شبكات تنتشر في الإقليم، ومن غير المستبعد أن تكون فروع لشبكات دولية أوسع وأكبر.

هذه الأطراف، كما التنظيمات الإرهابية المتشعبة في المنطقة، تغلغلت في النسج الاجتماعية، وباتت بحكم الفوضى التي سببها الأسد، أطراف موجودة بحكم الواقع، وطالما بقي الأسد بفكره الإجتثاثي، ستكون هذه الأطراف أدوات ضرورية لاكتمال اللعبة.

على ذلك، فإن العلاقة مع الأسد ليست مكسباً، وإذا كان هناك توهم ما بأن الأسد سيكون نصير الأنظمة العربية في مواجهة الإسلاميين، فعليهم إعادة حساباتهم وقراءة مسار سلوك الأسد منذ سنوات حكمه الأولى، إذ رغم العداء الظاهري بين الطرفين، إلا أنهما ارتبطا لسنوات طويلة في علاقات تخادمية، في حرب العراق مثلاً التي ارتكبت فيها التنظيمات المتطرفة مجازر هائلة، بمساعدة الأسد، وباعتراف نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، الذي سبق وأن هدّد بتقديم شكوى للأمم المتحدة ضد الأسد الداعم للجماعات الإرهابية.

يستحيل على الأنظمة العربية التوصل إلى حالة من الاستقرار والأمن في ظل وجود معادلة تحتوي على الأسد والجماعات الإرهابية،  وبدائل هذه المعادلة إجبار الأسد على الانخراط في الحل السلمي عبر تنفيذ مندرجات قرار مجلس الأمن 2254 ومنح السوريين الحق في اختيار شكل ونظام الحكم الذي يناسبهم، أما الخيارات المتاحة للدول العربية فهي متوفرة، أقلها استمرار مقاطعة نظام الأسد وحصاره ودعم القوى الديمقراطية المناوئة له، بدون ذلك، على الأنظمة العربية أن تتوقع استمرار الأزمات في محيطها وربما تطورها لاحقاً إلى كوارث.

—————————–

هدنة الضرورة والمصالح بين الإمارات وتركيا/ أسامة أبو ارشيد

ثمَّة قراءة تسعى إلى تصوير زيارة ولي عهد أبو ظبي، والحاكم الفعلي في الإمارات، محمد بن زايد، أنقرة أنها إقرار إماراتي بالهزيمة بعد عقد من التنافس والصراع مع تركيا على النفوذ إقليمياً. في حين تزعم قراءة أخرى أن هذه الزيارة والاستقبال الحافل الذي حظي به بن زايد من الرئيس رجب طيب أردوغان يمثلان دليلاً على الانتصار الإماراتي ورضوخ تركيا. كلتا القراءتين منحازتان، وهما تعبير عن “التحليل بالأماني”، لا صلة لهما بالموضوعية، دع عنك الواقع. والأصوب هنا القول إن الطرفين، التركي والإماراتي، انطلقا من مصالح وضرورات وإكراهات ذاتية وموضوعية، فضلاً عن إزاحات، جيواستراتيجية إقليمية، وجيوسياسية دولية، دفعت بهما إلى إعادة النظر في مسار التنافس المكلف بينهما. بمعنى، أن الأرضية الأيديولوجية والاستراتيجية للتنافس والتنافر بين الدولتين ما زالت هيَ هيَ، وما تغير هنا هو الأولويات، ومساعي تخفيف الكلف الباهظة التي أثقلت كاهليهما، ولو إلى حين.

تعود جذور التوتر بين تركيا والإمارات إلى مرحلة الربيع العربي قبل عشر سنوات. وقفت أنقرة مع تلك الثورات وأيّدتها وناصرتها. وبسبب تصدّر جماعة الإخوان المسلمين، والتيارات المحسوبة عليها، المشهد في عدة دول عربية، كمصر وتونس وليبيا والمغرب، تولّد انطباع أن تركيا، برئاسة أردوغان، ذي الخلفية الإسلامية، تدعم تلك الثورات لقلب النظام الرسمي العربي لصالح حلفائها الأيديولوجيين. في المقابل، كانت الإمارات مع السعودية قطبي رحى الثورات المضادّة، وقد حقق تحالفهما نجاحاً كبيراً عبر الانقلاب العسكري في مصر، عام 2013، والذي أطاح أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، الراحل محمد مرسي، وكان قيادياً في جماعة الإخوان المسلمين، وجاء بالجنرال عبد الفتاح السيسي مكانه. بعد ذلك، توالى سقوط أحجار الدومينو في المنطقة، وتصاعد التوتر التركي، مسنوداً بقطر، من ناحية، مع المحور السعودي الإماراتي المصري، ومن وقف معه، من ناحية أخرى.

احتضنت تركيا المعارضين العرب الفارّين من بطش أنظمتهم. لم يكونوا كلهم من الإخوان والإسلاميين، وإن كانوا هم الأغلبية، وسمحت لهم بالعمل الإعلامي والسياسي على أراضيها. في المقابل، كان ذلك المحور يمارس تصعيداً شرساً ضد تركيا، ولم تتردّد كل من الرياض وأبو ظبي في تحريك أذرع لوبياتها في العواصم الغربية، وتحديداً في واشنطن، وبتنسيق واضح مع اللوبيات الصهيونية والأرمنية واليونانية، للتحريض على أنقرة وحزب العدالة والتنمية الحاكم. وتضاعف التوتر أكثر مع المحاولة العسكرية الانقلابية الفاشلة في تركيا عام 2016، والتي احتفلت بها وسائل الإعلام المحسوبة على كل من السعودية والإمارات. صحيحٌ إن أنقرة لم تتهم الدولتين بالتورّط بالمؤامرة الانقلابية، مباشرة، إلا أن تلميحات المسؤولين الأتراك، حول الإمارات، تحديداً، كانت كافية لإدراك المغزى.

ومع فرض الحصار السعودي الإماراتي البحريني المصري على قطر عام 2017، بناء على مزاعم مختلقة، وقفت تركيا مع قطر، وتعزّزت ملامح تحالف بين الدولتين فرضت نوعاً من التوازن في المنطقة. أيضاً، كان لنجاح الدوحة في صدِّ محاولات تأليب إدارة دونالد ترامب عليها، ووقوف المؤسسات الأميركية السيادية في صفها في وجه رعونة الرئيس والدائرة الضيقة المحيطة به، دور في تعديل كفّة الميزان أميركياً. مكنَّ هذا الواقع كلاً من تركيا وقطر من تفعيل تحالفهما بشكل أكبر، وكذلك توجهاتهما في المنطقة الأكثر اتساقاً مع نبض الشعوب العربية وتطلعاتها. ومع تورّط الرياض في اغتيال المعارض السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، عام 2018، تضعضعت أكثر مكانة تحالف الثورات المضادّة عالمياً، خصوصاً وأنها جاءت في خضم تصاعد الأصوات الدولية الناقدة للحرب السعودية الإماراتية في اليمن.

إلا أن الضربة الكبرى التي تلقاها هذا المحور كانت في سقوط ترامب ووصول جو بايدن إلى الرئاسة في الولايات المتحدة. على عكس سلفه، جاء بايدن بوعود لإعادة الاعتبار لحقوق الإنسان والديمقراطية في سياسة إدارته الخارجية، وهو لم يكن يخفي مرشّحاً، ولا حتى بعد وصوله للرئاسة، امتعاضه من استمرار الحرب في اليمن. التقطت الإمارات الرسالة سريعاً، فكان أن أعلنت انتهاء دورها في الحرب، وإنْ شكلياً، قبل أسبوعين (7/1/2021) من تنصيب بايدن رئيساً. لم تقف أزمة الرياض أبوظبي مع واشنطن عند هذا الحد، فبايدن يريد العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، والذي انسحبت منه إدارة ترامب عام 2018. كما أنه أعلن مراراً وتكراراً أنه يريد تخفيف الحضور الأميركي في الشرق الأوسط وغيره من الساحات الدولية ضمن مساعي الولايات المتحدة لاحتواء التنين الصيني في شرق آسيا. من ثمَّ، شعرت العاصمتان أنهما مكشوفتان أمام طهران، ومن دون ظهير أميركي يمكن التعويل عليه. صحيحٌ أن ترامب لم يشنّ حرباً على إيران، ولكن نبرته كانت حادّة نحوها، ولم يتردّد في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها. أما بايدن، فكان يرى في إيران وأفغانستان معارك وحروبا هامشية تستنزف قوة بلاده وتشتّتها بدل التركيز على المنافس الجيوسياسي الحقيقي لها، الصين.

في المقابل، لم يكن وضع تركيا أحسن حالاً، فلدى بايدن موقف شخصي معاد لأردوغان، وهو كان أعلن مرشّحاً على أنه سيعمل على إسقاطه في الانتخابات المقبلة ودعم معارضيه. وعلى الرغم من أن إخراج تركيا من برنامج تصنيع الطائرة الأميركية المقاتلة أف – 35 تمَّ خلال إدارة ترامب، إلا أن بايدن أكثر تشدّداً في مسألة العقوبات على أنقرة، كما أنه أكثر انسجاماً مع موقفي اليونان وجمهورية قبرص، ومن ورائهما فرنسا، في رفض الحقوق التركية في شرق البحر المتوسط، ومن ثمَّ إبقاء تركيا حبيسة شطآنها المطلّة عليه. أكثر من ذلك، عاد بايدن إلى مقاربة حقبة إدارة باراك أوباما، والتي كان فيها نائباً للرئيس، إذ ضاعف من الدعم الأميركي للقوات الكردية في شمال سورية، والتي تتهمها أنقرة بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه إرهابياً. وهكذا، استمرّت تركيا تجد نفسها رهينة عدة أفخاخٍ نصبت لها في سورية، سواء أميركياً أم روسياً أم من النظام السوري، وهو ما جعلها في موقفٍ ضعيفٍ قابل للابتزاز.

كانت كل من أنقرة وأبوظبي تواجهان التحدّيات الجيوستراتيجية الخاصة بهما، في الوقت الذي تخوضان فيه صراعات بالوكالة في ساحات عدة، كما في ليبيا، وشرق المتوسط، وسورية… إلخ، وهو ما ضاعف من الاستنزاف الذي تعانيانه، خصوصاً في ظل جائحة كورونا. أمام ذلك، بدأت كل دولةٍ تتلمس تخفيف الكلف التي تثقل عاتقها.

تبعت الإمارات خطى السعودية في إصلاح علاقاتها مع قطر، وفتحت خطوط الحوار مع إيران التي تزداد شراسة، وكذلك مع نظام بشار الأسد، ثمَّ التفتت إلى تركيا، خصوصاً أن حليفيها، السعودي والمصري، سبقاها إلى ذلك. مبنى الحسابات السعودية الإماراتية أن شرقاً أوسط، في ظل تقهقر أميركي منه، يستلزم تحالفاتٍ جديدة، وتسكين صراعات غير ضرورية الآن. جاءت الالتفاتة نحو أنقرة، تماماً كما مع الدوحة، في سياق التسكين، في حين جاء فتح علاقات تطبيع مع إسرائيل في سياق التحالفات الجديدة. وكما يقول الأكاديمي الإماراتي المقرب من دوائر الحكم، عبد الخالق عبد الله، “ما يدفع كل هذا هو التقييم العميق لدور الإمارات في المنطقة، ومراجعة عميقة لنفوذ الإمارات الإقليمي الذي اكتسبته على مدى السنوات العشر الماضية. تحاول الإمارات تعزيز نفوذها الإقليمي وتحاول إظهار نفسها كصانعة سلام من الآن فصاعدا”. ويخلص إلى القول: “لقد سئمنا من عدم الاستقرار والصراع وصدامات المصالح التي لم يربح منها أحد. وإذا كان هناك أي مكسب فهو قليل للغاية”. أنقرة، أيضاً، لم تعد قادرةً على تحمّل أعباء التزاماتها الكثيرة والواسعة في المنطقة. اقتصادها يتداعى. عملتها المحلية، الليرة، تتهاوى إلى قاعات سحيقة. دائرة خصومها أوسع من دائرة حلفائها. ورؤية أردوغان وخططه لعام 2023، أي في الذكرى المئوية الأولى للدولة التركية الحديثة، تواجه تحدّيات عظام، وهو ما قد يعني خسارته وحزبه الانتخابات.

إذن، في مقاربات الطرفين، لا بد من تهدئة، ولو إلى حين، فالحسابات الأيديولوجية يمكنها أن تنتظر، بل وأن تتوارى وراء حسابات الربح والخسارة. ولا شك أن أنقرة وأبوظبي تعولان على مكاسب أكبر بكثير من عشرة مليارات دولار قيمة استثمارات إماراتية قادمة في تركيا في مجالات الطاقة والصحة والبيئة والغذاء، فضلاً عن اتفاقيات شراكة بين بورصات الدولتين وبنوكهما وصناديق الثروة السيادية. كلتاهما تدرك أن كلف استمرار الصراع والتنافس الإقليمي المحموم بينهما الآن سيكون لها تداعيات كارثية عليهما في ظل إزاحاتٍ بنيويةٍ جيوسياسياً وجيوستراتيجياً. إنها المصالح، وهي السياسة، التي تثبت كل مرّة أنها درجة احتراق الأيديولوجيا، في انتظار جولة جديدة من احتدام التنافس والصراع.

العربي الجديد

——————————–

هل تتحرك الإمارات مكان قطر كأفضل شريك خليجي لتركيا؟

قبل أيام وصل ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ عام 2012، والتقى فيها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

وبحضور بن زايد وأردوغان وقعت الدولتان على عشر اتفاقيات ومذكرات تفاهم، صبّت في معظمها في إطار الاستثمارات الاقتصادية، فيما أعلنت أبو ظبي تأسيس صندوق استثماري بـ10 مليارات دولار.

وفتحت هذه الزيارة التي وصفت بـ”التاريخية” باب تحليلات واسعة من قبل باحثين أتراك وعرب، واستعرضوا فيها العوامل الدافعة والسياق والتأثيرات المستقبلية.

الدكتور علي باكير أستاذ العلاقات الدولية في “مركز ابن خلدون” بجامعة قطر قدم ورقة تحليلية اليوم الجمعة لزيارة بن زايد إلى أنقرة، واستشرف فيها مآلات العلاقة المستقبلية، وتأثيراتها على شركاء تركيا، وبالأخص دولة قطر.

“خطوات تعزيز”

على مدى الأشهر الماضية مهدت عدة تطورات الطريق إلى الزيارة الإماراتية، التي حصلت الأسبوع الماضي.

في يناير 2021 أعرب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية آنذاك، أنور قرقاش علانية عن رغبة أبو ظبي في تطبيع العلاقات مع أنقرة.

بعد ذلك وفي أبريل / نيسان أجرى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو.

ومن ثم كانت هناك مكالمة هاتفية أخرى رفيعة المستوى بين محمد بن زايد وأردوغان، وسبقها تطور هام آخر في نهاية أغسطس/آب الماضي، حيث زار مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان أنقرة، والتقى بالرئيس أردوغان.

وناقش الاثنان الخطط الإماراتية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمار في تركيا.

“سياق أوسع”

يتطلب تفريغ سياق رحلة محمد بن زايد إلى أنقرة تحليلاً متعدد الأبعاد، بحسب الدكتور علي باكير.

بعد المصالحة في قمة مجلس التعاون الخليجي في منطقة العلا بالمملكة العربية السعودية في يناير 2021 (الإمارات لم تكن راضية عنها في البداية) كان على دول المنطقة تهدئة التوترات والتكيف مع الحقائق الجديدة ومزامنة نهجها مع إدارة جو بايدن الجديدة.

وبذلك تراجع الانقسام الحاد بين الكتل الإقليمية، وبدأت عواصم المنطقة في إظهار سياسة خارجية أكثر مرونة في السعي لتحقيق مصالحها.

في الواقع قامت الرياض على الفور بتطبيع علاقاتها مع الدوحة، كما انفتحت على تركيا قبل أن يبدو أن ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود قرر وقف ذوبان الجليد.

كما رسمت مصر، وهي حليف آخر للإمارات العربية المتحدة التي كانت تحت نفوذ إماراتي كبير منذ انقلاب 2013 مسارها الخاص بعد اتفاقية العلا، حيث طورت العلاقات بسرعة مع قطر.

بالإضافة إلى ذلك يسير التقارب بين القاهرة وأنقرة ببطء، ولكن بثبات.

وبالنظر إلى هذه الديناميكيات، يقول علي باكير: “شعرت أبو ظبي على ما يبدو بعدم الأمان، وخاصة بالنظر إلى الخلاف المتزايد مع المملكة العربية السعودية في أعقاب المصالحة الخليجية في يناير”.

وبهذا المعنى فإن “الهجوم الإماراتي الإقليمي الساحر” هو جزئياً استجابة للأولويات الجديدة لإدارة بايدن.

وتسعى أبو ظبي، بحسب باكير للإشارة إلى أنها يمكن أن تلعب دوراً بناء، وأن تفيد كل من الولايات المتحدة والمنطقة من خلال الاعتماد على لحظة خفض التصعيد الحالية.

والرسالة الإماراتية هي أيضاً أنها مستعدة لإقامة علاقات مع الجميع، بما في ذلك الأعداء السابقون لكل من أبو ظبي وواشنطن. ليس فقط تركيا، بل طهران أيضاً.

وهناك عناصر أخرى لشعور أبو ظبي بانعدام الأمن، وما يرتبط به من مخاوف من العزلة المحتملة.

ويتابع الدكتور علي باكير أن “أمريكا الأقل التزاماً بأمن دول مجلس التعاون الخليجي ستعرض الإمارات للخطر، خاصة إذا لم يتم إصلاح العلاقات الإماراتية مع السعودية وتركيا وإيران”.

على سبيل المثال لن يعني تطبيع الإمارات مع إسرائيل العام الماضي الكثير إذا قررت المملكة العربية السعودية زيادة الضغط على أبو ظبي وسط الخلاف المتزايد بينهما في حقبة ما بعد اتفاقية العلا.

وفي ظل ما سبق من المرجح أن تكون العلاقات الأفضل مع تركيا وإيران أكثر فاعلية فيما يتعلق بحماية الإمارات العربية المتحدة. والإماراتيون على الأرجح على علم بذلك.

ماذا بعد؟

هناك ثلاثة عوامل أساسية تحفز على المناورة الإماراتية، وفق أستاذ العلاقات الدولية في “مركز ابن خلدون” بجامعة قطر، الدكتور علي باكير.

أولى العوامل: هناك فرص استثمارية واضحة في تركيا الآن، إذ سيسمح انخفاض قيمة الليرة للإمارات بشراء أصول ضخمة وشركات ناجحة بأسعار منخفضة.

وبالنظر إلى حجم وسعة وإمكانيات الاقتصاد التركي، ستكون المكاسب الاقتصادية لأبو ظبي ضخمة بمجرد خروج تركيا من الانكماش الحالي.

ثانياً: يعد استخدام التجارة والاستثمار في التعامل مع تركيا أكثر فاعلية بكثير من مجرد اتباع الدبلوماسية السياسية.

ونظراً لعجز الثقة بين الجانبين، أراد الأتراك دليلاً قوياً من الإماراتيين على نواياهم، وردت الإمارات بالقول إنها ستضع أموالها في مكانها.

ولا تخدم هذه الوعود مصالح أردوغان فحسب، بل تتوافق أيضاً مع لحظة خفض التصعيد الأوسع في المنطقة.

ثالثاً والأهم: على الرغم من أنه قد يبدو أن أبو ظبي تقدم خدمة للرئيس التركي، إلا أن الإمارات العربية المتحدة ربما تستعد في الواقع لسيناريو ما بعد أردوغان من خلال زيادة نفوذها المالي في أنقرة وخلق نفوذ.

وفي نهاية المطاف، تركيا ليست مملكة والتغيير السياسي ممكن دائماً.

إذا حدث التغيير في الانتخابات العامة في تركيا في يونيو 2023 أو قبل ذلك، فستكون دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع جيد للغاية للاستفادة من هذا التحول اقتصادياً وسياسياً في مواجهة خصومها في دول مجلس التعاون الخليجي.

ومع ذلك، إذا ظل أردوغان في السلطة فسيحافظ ذلك على سلاسة علاقات أبو ظبي مع أنقرة حتى تحدث تطورات إقليمية ودولية أخرى.

وهناك أيضا مسألة مستقبل العلاقات بين تركيا وقطر.

ويقول باكير إنه وعلى الرغم من أن قطر دولة غنية، إلا أن قوتها الاقتصادية لا تتفوق على دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويشير إلى أن السوق القطري محدود، المشاريع العملاقة المرتبطة بكأس العالم لكرة القدم التي طال انتظارها في أواخر عام 2022 تنتهي، تجارتها الثنائية مع تركيا ضئيلة على الرغم من الزيادة الملحوظة في أعقاب أزمة الخليج عام 2017.

ويضيف باكير: “ما لم تكن الدوحة على استعداد لمواجهة المناورة الإماراتية بقوة من خلال تدابير موجهة لزيادة التجارة الثنائية والاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير في تركيا، فليس هناك فرصة تذكر أن ما يمكن أن تقدمه قطر مالياً يمكن أن يضاهي ما يمكن أن تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة”.

“ميزات عسكرية”

ومع ذلك تتمتع قطر بميزة واحدة مهمة على الإمارات مقارنة بتركيا، وهي علاقاتها العسكرية.

وبحسب باكير فإن وجود قاعدة عسكرية تركية في قطر يوفر لتركيا موطئ قدم في الخليج، وهذا لا يقل أهمية بالنسبة لأنقرة عن العلاقات التجارية والاستثمارية مع الإمارات.

في هذا السياق، يمكن للدوحة أن تتفوق على أبو ظبي في المناورة، وهي إشراك الرياض في تحالفها مع تركيا، من خلال توحيد القوى في لعبة التأثير الأكبر هذه.

ولن تكون قطر والمملكة العربية السعودية قادرتين على موازنة النفوذ الإماراتي المتزايد في تركيا فحسب، بل ستضمن أيضاً عدم استخدام النفوذ الذي تبنيه الإمارات ضدهما.

ويواجه السيناريو المذكور تحدياً رئيسياً واحداً، ألا وهو موقف محمد بن سلمان.

وعقب المصالحة في قمة دول مجلس التعاون الخليجي في العلا أعربت الدوحة عن استعدادها للتوسط بين أنقرة والرياض إذا قررا الاقتراب منها بمثل هذا الطلب.

ومع ذلك، لم تفعل أي من تركيا ولا المملكة العربية السعودية ذلك – حتى الآن.

وفقًا لمسؤول عربي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قد يزور ولي العهد السعودي الدوحة في الأيام المقبلة حيث تستضيف قطر يومي 30 نوفمبر وحتى 18 ديسمبر كأس العرب لكرة القدم.

وإذا تمت الزيارة، بحسب الباحث علي باكير فهناك فرصة كبيرة أن يبحث القطريون التقارب مع تركيا مع محمد بن سلمان.

وقد تكون نتيجة مثل هذه المحادثة مهمة للغاية بالنظر إلى أن الرئيس أردوغان من المقرر أن يشرع في زيارة غير معلنة حتى الآن إلى الدوحة في 7 ديسمبر، لبحث دور بلاده في المنطقة.

——————————-

لماذا تدعم الجزائر التطبيع العربي مع النظام السوري؟

أنطاكيا – فراس فحام

أعلن وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” في العاشر من الشهر الجاري، أن بلاده التي ستستضيف قمة الجامعة العربية في آذار المقبل، تبحث عن توافقات عربية من أجل استعادة النظام السوري لمقعد في الجامعة العربية.

الموقف الجزائري ليس جديداً، إذ أكد وزير الخارجية الجزائري السابق “صبري بوقادوم” مطلع 2020، أن تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية “خسارة لكل الدول الأعضاء”.

وكانت الجزائر إلى جانب العراق، قد تحفظت على قرار تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية عام 2011، على خلفية استخدام العنف ضد المتظاهرين السوريين.

ورحبت الجزائر مؤخراً بزيارة وزير الخارجية الإماراتي “عبد الله بن زايد” إلى العاصمة دمشق قبل عدة أسابيع، ودعت لاستعادة العلاقات العربية مع النظام السوري.

السياسة التي تنتهجها الجزائر بخصوص الملف السوري، تحكمها أولويات ومحددات أساسية:

1- الصراع الجزائري – المغربي وسياسة المحاور

تخوض الجزائر منذ عقود صراعاً مع جارتها المغرب، من أجل مصير “الصحراء الغربية”، حيث دعمت الجزائر “جبهة البوليساريو” في إعلان “الجمهورية العربية الصحراوية” عام 1976، في حين أن المغرب تنظر لـ “الصحراء الغربية”، على أنها جزء من أراضيها، وتبدي موافقتها على منحها نوعاً من الحكم المحلي لكن تحت عباءة الدولة المغربية.

وتتمتع الصحراء الغربية بأهمية استراتيجية كبيرة، حيث تشير التقديرات إلى وجود فائض كبير من الغاز والفوسفات في تلك الصحراء، إضافة إلى ميناء “الداخلة” على المحيط الأطلسي، الذي تعمل المغرب على استثماره ليكون مركزاً لاستقبال السفن الدولية والأوروبية، ويعطي هذا الميناء من يسيطر عليه، حضوراً وتأثيراً أكبر في المشهد الأفريقي عموماً.

وفي آواخر عام 2020 اعترفت الولايات المتحدة الأميركية بالسيادة المغربية على “الصحراء الغربية”، كجزء من تفاهم واسع يشمل تطبيع العلاقات الإسرائيلية – المغربية، مما دفع الجزائر للبحث عن التموضع ضمن محور يتيح لها دعم موقفها في الصراع مع المغرب على النفوذ في أفريقيا.

ودعمت إيران بشكل منفرد قرار الجزائر في آب 2021، المتضمن قطع العلاقات مع المغرب.

وتعتقد الجزائر أنه ومع عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، تستطيع تشكيل محور يضم أيضاً العراق ولبنان، بهدف التصدي للمحور الآخر الذي تتموضع المغرب ضمنه، على أمل توسيع الاعتراف بالدولة التي أعلنتها “جبهة البوليساريو” في “الصحراء الغربية”، بالإضافة إلى أن الجزائر تسعى للتقارب مع إيران في مواجهة محور “التطبيع”، من بوابة الملف السوري.

2- الشراكة مع روسيا

في الثالث والعشرين من حزيران 2021، أعرب رئيس أركان الجيش الجزائري “السعيد شنقريحة”، عن دعمه للدور الذي تلعبه روسيا في سوريا، وذلك خلال زيارة له إلى العاصمة موسكو، ولقائه وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويغو”.

التصريحات الجزائرية هذه ما هي إلا تجسيد لعمق الشراكة الجزائرية – الروسية، منذ حقبة الاتحاد السوفييتي.

الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين عام 2001، كان بمنزلة نقطة تحول مهمة، تبعتها اتفاقيات عديدة، أبرزها صفقة التعاون بين البلدين في آذار 2006، بقيمة 6.3 مليارات، وتسوية الديون الجزائرية البالغ قيمتها 4.6 مليارات، مقابل عقود تسليح جديدة للجيش الجزائري.

ومنذ عام 2017، أبرمت الجزائر عقود تسليح عديدة مع روسيا، حصلت من خلالها على منظومات دفاع جوي، وطائرات حربية من طرازات مختلفة، وقد سربت وسائل الإعلام الروسية في تشرين الثاني 2020، خبر توقيع الجزائر لعقد شراء 14 طائرة من طراز سوخوي 57، مقابل ملياري دولار أميركي.

وفي تشرين الثاني من العام الجاري، أجرت روسيا والجزائر مناورات عسكرية في منطقة البحر المتوسط، أي بعد مرور عامين كاملين على تدريبات عسكرية شبيهة بين جيشي البلدين عام 2019.

وتنظر الجزائر إلى روسيا على أنها مصدر لإمدادها بالسلاح لتحقيق التوازن مع المغرب بشكل أساسي، التي تعتمد على عقود التسليح الأميركية، بالمقابل فإن الجزائر تعطي موسكو مرتكزاً مهماً لتعزيز النفوذ على الساحل الأفريقي.

ويبدو أن التصعيد بين الجزائر وفرنسا، قد دفع بالعلاقات الجزائرية – الروسية إلى الأمام أيضاً، حيث أتت المناورات العسكرية الأخيرة بين الطرفين في البحر المتوسط في أعقاب توترات بين الجزائر وباريس، تطورت إلى استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، ومنع الطائرات الفرنسية من التحليق في الأجواء الجزائرية، وتصعيد كلامي من رؤساء البلدين.

وتعمل الجزائر وروسيا على التفاهم حول حصة تصدير الغاز إلى السوق الأوروبية، لتجنب الدخول في منافسة مضرة للطرفين، فالدولتان من ضمن أبرز أعضاء منتدى الدول المصدرة للغاز، وأهم مصدرين للغاز الطبيعي المتدفق إلى الدول الأوروبية.

الموقف الجزائري عموماً، سواء على صعيد التمسك بدور النظام السوري، أو العمل على توثيق التحالف مع روسيا وما يترتب عليه من انعكاسات على السياسات الخارجية الجزائرية، يؤكد أن النظام العميق في الجزائر لا يزال مسيطراً على مفاصل القرار، رغم الحراك الشعبي المستمر منذ سنوات، وانتخاب رئيس جديد خلفاً لـ “عبد العزيز بو تفليقة”، إذ إن محددات السياسية الخارجية التقليدية لم تتغير كثيراً، أي أننا أمام سلطة محسوبة على معسكر الأنظمة العربية العسكرية القلقة من ثورات الربيع العربي.

—————————

تقرير إسرائيلي: لنتحدّث مع بشار الأسد

يستغل سلاح الجو الإسرائيلي حالة الطقس الهادئة  في الأيام الأخيرة  من تشرين الثاني (نوفمبر) ليكثف ضرباته على الإيرانيين في سوريا، وفقاً لتقارير أجنبية. ولكن في نهاية الشهر الجاري، يبدو أن فرصة أخرى تتوافر لاسرائيل: الرئيس السوري بشار الاسد يبدي عدم ارتياحه للوجود الايراني في بلاده. وهذه الفرصة تستحق الاستكشاف وثمة فقط طريق واحد لذلك: الحديث مع الاسد، بشكل مباشر أو غير مباشر.

في أيار (مايو) الماضي، بعد 11 سنة على بدء الحرب السورية، أجريت  في سوريا ما سمي “انتخابات للرئاسة”. وبشكل غير مفاجئ، فاز الاسد بتأييد أكثر من 95 في المئة من الاصوات.

أثارت الانتخابات سخرية في اسرائيل، ولكن ينبغي أن نفهم أنه في نظر الاسد، يعد هذا الأمر مختلفاً تماماً: فهو ولد مجدداً في هذه الانتخابات وهو يؤمن بأنه تلقى الشرعية من أبناء شعبه (أو ممن تبقى منهم) لأن يكون الرئيس السوري.

وبعد الانتخابات، بدأ الأسد يثبت حكمه في المناطق المهمة له. فقد أدرك أنه لن يستعيد الاقليم الكردي شبه المستقل، ولا القاطع الامني الذي احتله الأتراك. ومع أن الروس يواصلون ضرب إدلب، يفهم أنه لن يسترجع المنطقة هناك أيضاً. وهو يركز على الاحتفاظ بغرب الدولة: قاطع الشاطئ العلوي وكل ما يوجد على طول محور درعا – دمشق – حمص – حماة – حلب.

عندما انتهينا من السخرية من الأسد الذي يحتفي بـ”انتصاره” في الانتخابات، تعجبنا: بعد عقد من المقاطعات بدأ ممثلو العالم العربي– السُني يتعاملون مع الاسد كزعيم شرعي ويلتقون معه في دمشق. ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وهو أحد الزعماء البارزين اليوم في المنطقة اعطى إشارة الانطلاق، فقد أرسل أخيه وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد لزيارة دمشق. كما جرى اتصال هاتفي لأول مرة منذ 11 عاماً بين الاسد والملك الاردني عبدالله الثاني. وهذا سيتواصل مع دول أخرى.

بالتوازي، بدأ الأسد بالتضييق على خطة الايرانيين في بلاده. وهو يعرب عن نفاد صبره تجاه “التشيع” الذي يقوده “الحرس الثوري” في سوريا، باقامة مؤسسات لتعليم الشيعة في أرجاء الدولة. وجاءت الذروة في بداية الشهر بتنحيته جواد غفاري، قائد “فيلق القدس” الايراني في سوريا. وروت وسائل الاعلام السورية أنه يشتبه في أن غفاري أدار سوقاً سوداء للبضائع، ولكن الأسد استغل الفرصة للتخلص من شريكه السابق بمذبحة  حلب وأحد القادة الكاريزماتيين لـ”فيلق القدس”.

وتكبّد سلسلة الهجمات الجوية في سوريا التي لا تتوقف، والمنسوبة لإسرائيل، الأسد ثمناً كبيراً: ففي كل هجوم تقريباً يفقد عنصراً بارزاً من عناصر الدفاع الجوي وتنسحق صورة من يدعي انه صاحب السيادة في بلاده. كما أن الهجمات في هضبة الجولان تمس برجال جيشه.

300 مليار سبب

ويدفع الارتماء المتجدد للأسد في حضن العالم السُني، مزيداً من الجهات في المؤسسة الامنية في اسرائيل لاغتنام الفرصة. فسوريا بحاجة ماسة الى اعادة بناء بناها التحتية بكلفة خيالية: نحو 300 مليار دولار. ولا يملك العالم اليوم مثل هذا المال، ومن لديه المال، ولا سيما دول الخليج، لن يعطيه لحليف ايران. الاسد يفهم هذا، وهناك من يدعون بأنه نضج اليوم لعقد الصفقات.

لا يجري الحديث عن صفقات كبرى أو، لا سمح الله، صفقة سلام، بل عن صفقات صغيرة: في كل منطقة يبتعد الايرانيون عنها، تعمل اسرائيل على تشجيع الاستثمارات من اصدقائها الجدد في الخليج. وبغياب ادارة أميركية فاعلة في المنطقة، ستستند الوساطة الى الروس او الى دول الخليج. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيسره بالتأكيد ان ينال المقاولون من جانبه عقود اعادة البناء مع مال خليجي ويحول له العمولة، كما جرت العادة.

ثمة أسباب وجيهة كثيرة والكثير من الاصوات المعارضة: ليس على إسرائيل أن تعقد صفقات مع من قتل شعبه بسلاح كيماوي وتقليدي، ولا مع من يحرص على تسليح “حزب الله” بافضل الأسلحة العسكريه لديه ولدى ايران. وفي مواجهة هذه الحجج توجد جائزة ثقيلة الوزن: اخراج سوريا من المحور الشيعي الى حضن العالم السني سيقطع التواصل الجغرافي للمحور ويعرقل سلسلة التوريد لـ”حزب الله”.

لا جدال بأن الحديث يدور عن احد أكبر الانذال الذين شهدهم القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك فان شهية الاسد للعودة الى اسرة الشعوب ولان يعود زعيماً شرعياً يمكن اليوم أن تشكل خطوة تحطم المعادلة على المستوى الاستراتيجي. ليس مؤكدا انه يمكن في هذه اللحظة بناء شرعية له في الغرب، ولكن اذا ما ساعدناه في أن يعود الى الامة العربية التي باتت أجزاء هامة منها حلفاء لنا، فاننا سنفكك المحور الشيعي، ونعطي الجيران في لبنان عرضا مقنعا عن الجدوى من إخراج الايرانيين بل وربما نضع الاساسات لتسوية مستقبلية للنزاع مع سوريا.

 صحيفة “معاريف”

ألون بن دافيد

النهار العربي

——————————-

محمد بن زايد في ضيافة أردوغان… إيران تنتظر والسعودية تنكفئ!/ ربيع دمج

بعد عداء استمرّ تسع سنوات، وصل نائب رئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، إلى أنقرة، حاملاً إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حقيبةً تحتوي على ملفات دسمة، أبرزها سلسلة من الاتفاقات الاستثمارية تصل إلى عشرة مليارات دولار أمريكي، وفقاً لوسائل إعلام تركية وإماراتية، لتُطوى مرحلياً صفحة الخلافات الكبيرة بين البلدين، وكان أبرزها اتهام تركيا لبن زايد بتورطه في محاولة الانقلاب على أردوغان، عام 2016، للإطاحة به.

مهّد لهذا الحدث اتصال هاتفي من أردوغان (الذي قال قبل عام إن تركيا قد تقطع العلاقات الدبلوماسية مع أبو ظبي، بسبب إقامة علاقات مع إسرائيل)، بحاكم أبو ظبي يوم 30 آب/ أغسطس الماضي، سبقته زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، لأنقرة، في 18 آب/ أغسطس، لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.

في يوم وصول بن زايد إلى تركيا، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أنه سيسافر إلى أبو ظبي في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، “على الأرجح لتمهيد الطريق لزيارة أردوغان”، وفقاً لما ذكرته وكالة الأناضول شبه الرسمية في تركيا.

تسع سنوات من الخلافات السياسية، من دون انقطاع التبادل التجاري بين البلدين، تنتهي بتوقيع تسع اتفاقيات مهمة، لكن كيف بدأت الخلافات وتطورت؟

بدأت الخلافات بين البلدين تظهر علناً، مع تدخل الجيش المصري لإقصاء الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، المنتمي إلى الإخوان المسلمين، وهي جماعة تُشكّل هاجساً دائماً لأبو ظبي، وتحاول محاربتها، ومنع تمددها داخل الإمارات وخارجها. وبعد الإطاحة به عام 2013، اتّهم إعلام الإخوان الإمارات بدعم القوى المناهضة لحكمها، مثل حركة “تمرد”، وغيرها.

استضافت تركيا لاحقاً عناصر جماعة الإخوان المصرية، ومسؤوليها، وسمحت لهم بفتح قنوات تلفزيونية عديدة على أرضها، تشن حملاتٍ عنيفةً على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتعود تركيا وتطلب من إعلام الإخوان، عقب مفاوضات إعادة التطبيع بين البلدين، التي جرت بين أنقرة والقاهرة في مصر، في أيار/ مايو 2021، مثل قنوات “الشرق”، و”مكملين”، و”وطن”، بتخفيف تغطيتها السياسية الانتقادية للحكومة المصرية.

أواخر عام 2019، اتهمت تركيا المسؤول الأمني الفلسطيني السابق، محمد دحلان، المقيم في أبو ظبي، بلعب دورٍ في محاولة الانقلاب على أردوغان. أما ثالث المحطات البارزة في الخلاف بين البلدين، فجاءت مع نشوب الأزمة الخليجية عام 2017، حين قامت السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وإلغاء مشاركة الأخيرة في التحالف العربي الذي يقود الحرب في اليمن، وإغلاق المنافذ البرية والجوية مع الدوحة، ليصادق البرلمان التركي بعدها بيومين، على معاهدة للتعاون العسكري بين قطر وتركيا، كانت من بين بنودها إقامة قاعدة عسكرية في قطر، ونشر جنود أتراك في الدولة الخليجية، فضلاً عن الملف الليبي، وكانت مصر ودول الخليج قد طلبوا من تركيا في وقتٍ سابق، سحب قواتها والمقاتلين السوريين الذين تدعمهم من ليبيا.

الإعلان عن الاستثمارات الإماراتية أوحى وكأنها زيارة محض اقتصادية، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، على الرغم من تعويل أبو ظبي وأنقرة على التعاون الاقتصادي بين البلدين، في وقت يواجه فيه كلا البلدين مشكلات اقتصادية، ومستقبلاً غامضاً في ظل التبادلات الحاصلة في المنطقة.

يقول المحلل والباحث السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، في حديثه إلى رصيف22: “طبعاً الزيارة ليست اقتصادية فحسب، بل هي بوابة كبيرة إلى الملفات الأخرى كلها. دبلوماسية الإمارات نجحت في حل النزاعات، عبر الاستثمارات الاقتصادية لحل العقد الكثيرة في المنطقة التي تعيش على فوهة بركان”.

ويضيف: “النقاشات بين الطرفين ستصل إلى عمق الخلافات السياسية، وسيتم حلّها تدريجياً، وفق شروط تناسب الأطراف كلها”، مستشهداً بمقولة لأردوغان قبل أيامٍ، بأن “التقارب سيساهم في إرساء الاستقرار والسلام في المنطقة”.

لكن ماذا عن مصير الإخوان المسلمين اليوم، حلفاء تركيا في الأمس، لا سيّما أنه ورد في بنود الاتفاقيات التسعة بند “مكافحة غسل الأموال”؟ يجيب أوغلو: “تركيا ستكافح جدّياً هذه الجريمة (أي غسل الأموال)، عبر تحجيمٍ كبيرٍ لهم، ولتحركاتهم، ونشاطهم المالي، وغير المالي، داخل تركيا، والذي يضرّ بمصالح الإمارات والمنطقة العربية”. ويضيف: “مكافحة الجريمة المالية ليست محصورةً بالإخوان فحسب، بل بالعصابات الأخرى، فتركيا هي دولة ترانزيت بين الشرق والغرب، لذلك تسعى إلى من يساندها في هذا السياق”.

لا يظنّ أوغلو، وفقاً لمتابعته الملف التركي، أن تكون وُضعت شروط مسبقة من قبل الجانبين التركي أو الإماراتي، قاصداً الشروط حول الملفات الكبيرة، كملف ليبيا، لكنه في الوقت عينه يؤكد أن “تركيا ستليّن مواقفها، لتحسين الكثير من الأمور على الصعيدين السياسي والاقتصادي. والمصالحة التركية الإمارتية لم تأتِ بين ليلة وضحاها، سيّما أنّ العلاقات التجارية بين البلدين لم تنقطع، لكن سبقتها اتصالات بعيدة عن الإعلام، منذ سنة، وتكللت كذلك بالمصالحة التركية المصرية”.

“لا يمكن القول إن هذه الزيارة لها أبعاد أعمق عن ملف الاستثمارات. عنوان الزيارة استثماري اقتصادي، وهناك مساعٍ إماراتية لبناء خطوط اقتصادية جديدة مع تركيا، وقد رأت الأخيرة أنها ستستفيد من هذه الخطوط محلياً وعالمياً، وطبعاً نجاح الملف الاستثماري سينعكس على ملفات أخرى”، يقول الصحافي والباحث التركي المقرّب من السلطة، حمزة تكين، في حديثه إلى رصيف22.

يؤكد تكين في هذا السياق، أن “هناك ملفات سياسية متعددة على طاولة الحوار بين الطرفين، ربما تم تذليل بعض الخلافات فيها، وأخرى لم يتم البت بمصيرها، لكن ما يهمنا اليوم هو التعاون الاقتصادي الكبير، وليس البعد الإستراتيجي السياسي بين البلدين”.

من وجهة نظره، “تركيا ليست ضعيفةً بتاتاً، ولو كانت كذلك لما أتت الإمارات إليها، على الرغم من أن الدعوة من أردوغان. لكن كان في استطاعة بن زايد رفض الدعوة، خاصةً أن شخصيةً كبيرة بحجمه زارت بلداً تعرّض لسنوات للشتم، والحرب الإعلامية الإماراتية، وفجأةً انقلبت الآية، فهذا دليل على أن حربهم فشلت على تركيا، وأصبحت الإمارات، وما تمثّله من قوة، مضطرة إلى العمل مع أنقرة في النواحي الاقتصادية والتجارية”.

والتبادل التجاري غير النفطي بين البلدين، وصل إلى تسعة مليارات دولار أمريكي العام الماضي، وارتفعت الصادرات التركية إلى الإمارات في شهر حزيران/ يونيو الماضي إلى 300 مليون دولار، وتحلّ الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الـ12 من بين الدول المستوردة للبضائع التركية، على مستوى العالم، والثانية عربياً، بينما تُعدّ تاسع أكبر مصدّر للسوق التركية عالمياً، والأولى عربياً، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها صحيفة “الفايننشال تايمز”.

يقول الإعلامي والباحث السياسي الاقتصادي الإماراتي، نائل الجوابرة، لرصيف22: “البلدان وضعا جانباً الخلافات السياسية، وبعد زيارات مكوكية بين الطرفين منذ سنة، توصلا إلى بدء صفحة جديدة عبر بوابة الاقتصاد، خاصةً أن العملة التركية حالياً تمرّ بأزمة كبيرة، وقد ضعفت قيمتها عن السنة الماضية، وينعكس هذا سلباً على القطاع الاقتصادي”.

يضيف: “في العام الماضي، قام مصرف دبي الوطني بشراء مصرف الزراعة في تركيا، بسعرٍ أقل بكثير مما كان عليه في العام 2019، حين كانت المفاوضات جاريةً، وساعد هذا الانصهار بشكل كبير الاقتصاد التركي”، ويكشف أنه “في العام المقبل ستستحوذ الإمارات على شركات ضخمة في تركيا، بسبب ضعف الليرة التركية”.

وعن موضوع خفض صوت الأخوان المسلمين في تركيا، يقول: “المبادرة السابقة بالضغط التركي على إعلام الإخوان بتخفيف حدّتهم، أتت بنتيجةٍ جيدة، وقد تؤدي لاحقاً إلى خروجهم من تركيا”. من وجهة نظره “المبادرة الإماراتية ستفتح الأبواب لدول مجلس التعاون الخليجي للاستثمار بشكلٍ كبيرٍ في تركيا”.

في وقتٍ سابقٍ، جرت العادة أن تكون المملكة العربية السعودية هي السبّاقة إلى رعي المصالحات والمبادرات، لكن اليوم يبدو أن للإمارات دوراً أكبر، خاصةً في الفترات الأخيرة.

والمتابع للملف الخليجي التركي، لاحظ غياب الإعلام السعودي عن ذكر الزيارة في إعلامه المحلي، أو الموجود في الإمارات (العربية، والحدث، وصحيفة الشرق الأوسط، وغيرها). فماذا يحصل تحديداً؟

يقول الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي، أحمد الركبان: “الإعلام السعودي لا يدرك مضامين هذه الزيارة، ولم يصرّح الطرفان، الإماراتي أو التركي، عن المضمون الفعلي، لأن الزيارة برأيي، هي أبعد من استثمار، وتتضمن رسائل سياسية”. يُضيف: “تركيا بادرت سابقاً، وفي أكثر من مناسبة، إلى التقرّب من السعودية، والمملكة هي السبّاقة في فعل الخير في المنطقة العربية، ولكن أظنّ أن زيارة بن زايد قد تكون مجدولةً، وتم الاتفاق عليها مسبقاً مع دول الخليج”.

يرى الركبان أن السعودية لا تنتظر أن تكون “القائد الاقتصادي في الخليج، أو المنطقة، إذ إن المملكة هي من كبار قادة مجموعة العشرين، وهي اليوم تعمل على تحقيق رؤية الـ2030، وتركيزها بات على الدعم الاقتصادي الداخلي، وليس الخارجي، وما يأتي بالخير إلى السعودية، يأتي إلى الإمارات، والعكس صحيح”.

من وجهة نظر قطرية، وقطر هي الحليف الأساسي لتركيا، والعائدة حديثاً إلى حضن مجلس التعاون الخليجي، فإن زيارة بن زايد إلى أنقرة هي لإنشاء طريق تجاري يمرّ بين الإمارات وتركيا عبر إيران، لتوفير المدة الزمنية في النقل التجاري بين البلدين، حسب ما يقول المحلل والباحث القطري، علي الهيل، الذي يرى أن “تركيا اليوم حريصة أكثر على هذا الاستثمار، وقطر لعبت دوراً كبيراً في الزيارة الأخيرة”.

وتم نناقل أخبار نقلاً عن مسؤول إيراني، يؤكد فيها زيارة طحنون بن زايد إلى طهران، تمهيداً لزيارة رسمية لوفد إماراتي، في سياق الانفتاح الإماراتي الذي بدأ قبل مدة بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد، وفي الأمس أردوغان، وقريباً طهران، فيما يبدو أن الرياض تقف بعيدةً عمّا يحصل، مع تراجعٍ واضحٍ للتفاهم الذي ساد بينها وبين أبو ظبي في السنوات الماضية.

رصيف 22

———————————-

تخفيف عقوبات قيصر..الأسد سيجيّر القرار لحسابه/ عقيل حسين

تسبب القرار الأخير للإدارة الأميركية القاضي بتوسيع الاستثناءات الممنوحة للمنظمات غير الحكومية، من أجل العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا، بجدل واسع في أوساط المعارضة، التي اعتبرت أن هذا القرار يشكل أكبر خطوة معلنة من جانب واشنطن على طريق فك العزلة عن النظام.

تعديل “قيصر”

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت الأربعاء، إجراء تعديل في عقوبات قانون “قيصر” المفروضة على النظام السوري، يقضي بالسماح للمنظمات غير الحكومية بالتعامل مع شخصيات ومؤسسات في النظام، ومنحها مجالاً أوسع في أنشطتها.

الإعلان عن هذا القرار أدى لردود فعل سلبية داخل أوساط المعارضة، التي تتهم الإدارة الأميركية بالتراخي تجاه النظام وحلفائه في سوريا. فعلى الرغم من قناعة الكثير من المعارضين السوريين بأن “الالتفاف” على قانون العقوبات “قيصر” يجري عملياً منذ أشهر، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يصبح فيها الأمر قانونياً.

ورغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يستطيع، بموجب الآلية التي تم بها إقرار القانون، إلغاءه، بالنظر إلى كونه وارداً في قانون الميزانية والدفاع الوطني، ويحتاج إلى تصويت في الكونغرس، كما حصل عند إقراره، إلا أن القانون يمنح الرئيس وإدارته الحق في إصدار استثناءات أو تعطيل بعض البنود الواردة فيه وفق تطورات أو ضرورات معينة.

تطمينات أميركية غير كافية

وتعليقاً على هذا القرار، قالت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة أندريا جاكي إن الحكومة الأميركية “تعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، بهدف التخفيف من معاناة الشعب السوري، الذي لا يزال يواجه الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي ووباء كورونا”.

وأضافت جاكي أن “الولايات المتحدة تواصل التركيز على ردع الأنشطة الخبيثة لبشار الأسد ونظامه وأعوانه وداعميه الأجانب، فضلاً عن الجماعات الإرهابية، بما في ذلك الحد من قدرتها على الوصول إلى النظام المالي الدولي وسلاسل التوريد العالمية”.

لكن هذه التطمينات لم تكن كافية للمعارضة السورية التي لم يصدر عنها حتى مساء الخميس أي موقف رسمي، إلا أن المسؤول في الهيئة السياسية للائتلاف السوري المعارض عبد المجيد بركات قال إن “تركيز الولايات المتحدة على “البُعد الإنساني” في المسألة السورية أعطى المجال لحلفاء لها في المنطقة كي يطبّعوا مع النظام من مدخل “إنساني”.

وقال بركات ل”المدن”، إن “هذا المدخل هو ما استغله الباحثون عن التطبيع من أجل نسج علاقات اقتصادية مع النظام، مستغلين التراخي الأميركي في تطبيق العقوبات”.

وأضاف “نخشى أن تصرفات الولايات المتحدة تساعد في تخفيف الضغط على النظام وتشجع بشكل غير مباشر على التطبيع معه، إذ أن ما تقرره واشنطن من معايير للتعاطي مع أي ملف يصبح سلوكاً دولياً، ولذلك طلبنا منهم باستمرار مواقف واضحة ومحددة بحيث لا تُفهَم سياستها أو تُستغَل للتطبيع مع النظام”.

مشروع التعافي المبكر

وبينما كانت المعارضة تبحث عن مواقف أميركية أكثر صلابة تجاه النظام، خاصة بعد الجولة الأخيرة للمبعوث الأميركي إلى شمال شرق سوريا ولقاءاته بالمعارضة، كانت المفاجأة في “قوننة الضوء الأخضر” الذي منحته للتعامل مع النظام، منذ وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام على وجه التحديد، حسب وصف الكثيرين.

لكن مصادر في المعارضة تعتقد أن هذا التعديل يستهدف، بشكل محدد، السماح للإدارة الأميركية بصرف مبلغ 200 مليون دولار مخصصة للمساعدات الانسانية ومشاريع ضمن برنامج التعافي المبكر في سوريا، بما في ذلك مناطق سيطرة النظام.

كما يُعتبر هذا البرنامج جزءاً من الاتفاق الاميركي-الروسي الذي تم التوصل إليه بين الجانبين في حزيران/يونيو 2021، والذي تم بموجبه تمرير القرار الدولي القاضي باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، من خلال المعابر الحدودية وخطوط التماس.

لكن إلى جانب الانتقادات السياسية لهذه الخطوة الأميركية، والتي يرى أصحابها أنها تسرّع من وتيرة إعادة تعويم النظام، فإن الانتقادات طالت أيضاً تجاهل الولايات المتحدة حقيقة أن النظام سيستولي، كما جرت العادة، على أي أموال تصرف في مناطق سيطرته كمساعدات.

لكن السياسي السوري المعارض بسام العمادي، ورغم تأييده لفكرة استفادة النظام من هذا التعديل، إلا أنه يرى أن المخاوف من إعادة انتاج النظام ودمجه في المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي بسبب ذلك “مبالغ فيها”.

ويضيف ل”المدن”، أنه “لا شك أن النظام سيعمل على الاستفادة القصوى من قرار الإدارة الأميركية الجديد ومن غيره من الأمور، ولكن علينا أن نضع في الحسبان أن الدول تسير حسب مصالحها ومخططاتها، والتصريحات القوية الأخيرة التي صدرت عن أميركا وبريطانيا بعدم التطبيع مع الدكتاتور وأنه مجرم حرب، توضح توجهات هذه الدول لمنع حلفائه من إعادة تدويره”.

ويتابع الدبلوماسي المنشق عن النظام: “هذا لا يعني أنهم سيفعلون ما لديهم من امكانيات لإسقاطه، بل سيتركون الأمور تسير بعكس مصالح الروس والإيرانيين، وبشكل يضمن عدم تمكينهم من الاستفادة اقتصادياً مما استثمروه في النظام”. ويقول: “أما ما صدر مؤخراً عن توسيع دائرة السماح بالإنعاش المبكر” فيأتي بسبب المطالبات المتكررة بتخفيف العبء على الشعب السوري من عدة دول”.

رغم نظرهم بإيجابية إلى التأكيدات الأميركية المستمرة على منع إعادة تعويم النظام، وكذلك تأييد المساعي الهادفة إلى تخفيف معاناة السوريين في مناطق سيطرته، إلا أن الكثير من المعارضين السوريين ينظرون بريبة كبيرة إلى الخطوات الأميركية الأخيرة التي يرون أنها تمنح الأسد وحلفاءه مكاسب مجانية دون تقديم أي تنازلات.

المدن

—————————

======================

تحديث 27 تشرين الثاني 2021

——————————-

عودة سورية… «خطوة بعد خطوة»؟

لندن: إبراهيم حميدي

مرة أخرى، يعود الحديث بهدوء في الأروقة الدبلوماسية، عن مقاربة «خطوة مقابل خطوة» في سوريا، واختبار الوصول إلى خريطة طريق تربط بين «المطلوب» من دمشق وشركائها و«المعروض» من واشنطن وحلفائها إلى موسكو التي يبدو أنها تعمل على عودة آخرين إلى سوريا «خطوة بعد خطوة».

الفكرة، أن واشنطن لديها أدوات ضغط، هي الوجود العسكري شرق سوريا، ونظام العقوبات و«قانون قيصر»، والعزلة السياسية لدمشق، وشرطية المساهمة في إعمار سوريا. أما موسكو، فهي معنية بـ«إعادة الاعتراف بالحكومة الشرعية» وفك العزلة، والتوصل إلى تسوية وفق تفسيرها للقرار 2254، وتقوية السلطة المركزية، مع رفع العقوبات عن دمشق وإعمار سوريا.

هذه المقاربة «حلم قديم» جرى اختباره مرات عدة في شكل سري بين الجانبين الأميركي والروسي، لكنه لم يحقق اختراقاً كبيراً في زمن إدارة الرئيس دونالد ترمب، باستثناء مجالات محددة بينها «صفقة الجنوب» في سوريا، التي قضت بتخلي واشنطن عن المعارضة المسلحة، وعودة متدرجة إلى درعا، وانتشار شرطة قاعدة حميميم في الجولان لضمان عودة القوات الدولية لفك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل.

ولدى وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، تصاعدت الدعوات لمعاودة هذه المقاربة مرة أخرى، لثلاثة أسباب: جمود خطوط التماس العسكرية بين مناطق النفوذ الثلاث منذ ربيع 2020، الانهيار الاقتصادي في سوريا، وصول اللاعبين إلى قناعة بأن إمكانية «النصر العسكري» غير ممكنة لأي منهم.

بقي الاقتراح كلاماً حبيس الغرف المغلقة، وقوبل بمعارضة أو أسئلة أو شكوك من الأطراف الفاعلة. ولم تكن أميركا متحمسة له ولا مشجعة لحلفائها للمضي قدماً به، كما أن ألمانيا وفرنسا لم تتحمسا للاقتراح بحكم تجربتهما بـالتفاوض مع روسيا.

موسكو ذاتها، المتمسكة بصيغة «عملية آستانة» مع تركيا وإيران، لم تكن متحمسة لمفاوضات جماعية حول هذه المقاربة، فهي تفضل حوارات ثنائية وتفاهمات مع واشنطن.

لكن تطورات جديدة دفعت إلى البحث عن إمكانية إحياء مقاربة «خطوة مقابل خطوة». فإلى جانب ثبات خطوط التماس لنحو سنتين واستمرار الأزمة الاقتصادية، هناك عناصر إضافية مثل خطوات «التطبيع» العربية مع دمشق، والتي كان بينها اتصال الرئيس بشار الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وزيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، ورفع مستوى الاتصالات الأمنية مع دمشق، إضافة إلى عودة ممثلي الحكومة إلى مؤسسات دولية مثل منظمة الصحة العالمية و«الإنتربول».

لكن السبب الأبرز هو التواصل الأميركي – الروسي، ذلك أن مبعوثي الرئيسين فلاديمير بوتين وبايدن اجتمعوا ثلاث مرات في شكل غير علني في جنيف، بعد لقاء القمة بين الرئيسين في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، كما يجري الحديث عن قمة جديدة بين بوتين وبايدن. الأهمية ليست في اللقاءات، بل في مضمونها. ذلك أن الطرفين نجحا في التفاهم على مسودة لقرار دولي لتمديد تفويض المساعدات الإنسانية في يوليو (تموز) الماضي.

الأهم، هو خفض إدارة بايدن سقف مطالبها في سوريا. فأحد مطالب روسيا السابقة كان صدور تصريحات علنية من أميركا تقول بتخليها عن «تغيير النظام» في سوريا. وحصل هذا سابقاً في تصريحات عرضية، لكنه بات ركناً أساسياً من سياسة إدارة بايدن. وأعرب مبعوث مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك في المنامة بوضوح عن ذلك، بالقول إن أميركا تخلت عن سياسة «بناء الأمم» و«تغيير الأنظمة» التي ظهرت في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

أهداف أميركا السورية انخفضت إلى الحفاظ على مكاسب هزيمة «داعش»، والمساعدات الإنسانية، وتمديد وقف النار، ودعم التسوية السياسية وفق 2254، والمساءلة. لذلك، فإن مساحة التعاون مع روسيا تتسع في مجال المساعدات الإنسانية وتخفيف العقوبات الأميركية على دمشق وعدم عرقلة «التطبيع العربي» مع دمشق ودعم مشاريع اقتصادية إنقاذية في سوريا، مثل «أنبوب الغاز العربي» وشبكة الكهرباء، ورفع الفيتو عن تمويل المؤسسات الأممية لمشاريع «التعافي المبكر» في قطاعات التعليم والصحة والمياه… بحيث بات ينظر على تمديد القرار الخاص بالمساعدات على أنه «إنجاز تاريخي».

عليه، فإن الاتصالات التي ستجري بشأن سوريا في الأيام المقبلة ستكون مهمة لأول اختبار جدوى «خطوة مقابل خطوة»، وتشكيل مجموعة اتصال دولية – إقليمية – عربية، والبحث عن تنسيق بين هجمات التطبيع الثنائية نحو دمشق.

العصف الفكري – السياسي، يشمل اجتماعاً دعت إليه أميركا مع حلفائها العرب والدوليين على مستوى كبار الموظفين في بروكسل في الثاني من الشهر المقبل، واللقاء الوزاري الثلاثي الروسي – الإيراني – التركي في آستانة في 21 من الشهر ذاته.

ما يمكن أن تقدمه واشنطن وحلفاؤها إلى المائدة بات واضحاً، بل إن بعضه قدم سلفاً أو أعلن عنه بوضوح. لكن إلى الآن ليس «واضحاً» ما الذي يمكن أن تقدمه روسيا وشركاؤها في المقابل. وقد يكون السبب عدم قدرة موسكو على فرض أجندتها على دمشق.

وربما ما تريده موسكو فعلاً هو مقاربة «خطوة بعد خطوة»، أي اقتراب أميركا وحلفائها من موقف روسيا خطوة بعد أخرى باتجاه دمشق، وليس «خطوة روسية» مقابل «خطوة أميركية».

الشرق الأوسط

———————————

عودة العرب إلى سوريا أم عودة سوريا إلى العرب؟/ رفيق خوري

“تبدو التسوية صعبة حتى بين طرف قوي هو النظام وطرف ضعيف هو المعارضة”

المشهد ليس متحركاً في سوريا على مسافة أشهر من دخول الحرب عامها الحادي عشر، الأزمة والحرب والعزلة في ستاتيكو. لا طرف يستطيع حسم الوضع نهائياً. لا أحد ربح كل شيء، ولا أحد خسر كل شيء، لكن الخاسر الأكبر هو الشعب الذي صار 90 في المئة منه تحت خط الفقر. لا استقرار مضموناً في الداخل، ولا استقرار إقليمياً لأن من أسبابه مضاعفات حرب سوريا. مساعي الموفد الدولي، غير بيدرسون، لفتح الباب أمام تسوية سياسية للأزمة التي قادت إلى الحرب فشلت حتى في فتح نافذة صغيرة في الحوار حول دستور جديد ضمن اللجنة الدستورية. ومحاولات فك العزلة بجهود روسيا ورغبة بعض العواصم العربية في احتضان دمشق بحجة نزعها من “الحضن الإيراني” لا تزال محدودة وخجولة. الجزائر المتعاطفة مع النظام السوري تراجعت عن دعوته إلى حضور القمة العربية في مارس (آذار) المقبل. والجواب الذي تلقته من عواصم عربية عدة هو أن الوقت ليس ناضجاً لاستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية.

ذلك أن ما تصر عليه دمشق هو عودة العرب إلى سوريا. وما تحرص عليه عواصم عربية مؤثرة هو عودة سوريا إلى العرب والجامعة. والفارق بين الأمرين كبير. عودة العرب إلى سوريا تعني بمنطق النظام أن العرب “أخطأوا في عزلها، وعليهم تصحيح الخطأ”. وبين المتشددين في العاصمة السورية من يقول “إن العرب عزلوا أنفسهم” عن سوريا. والمعنى العملي لذلك أن على العرب التطبيع مع النظام كما هو من دون أي تغيير بعد كل ما حدث في الحرب. وعودة سوريا إلى العرب تعني الذهاب إلى تسوية سياسية بحسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وإعادة نصف شعبها من اللجوء والنزوح، وإخراج إيران منها. وهذه أيضاً الشروط الأميركية للتشجيع على فك العزلة والمساهمة في إعادة الإعمار. وهي شروط الاتحاد الأوروبي الذي أعلن بوضوح “أن الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة لا تفي بالمعايير المحددة في القرار 2254، ولا يمكن أن تسهم في تسوية الصراع، ولا تؤدي إلى إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري”، فضلاً عن تجديد العقوبات والإشارة إلى أن الاتحاد قدم 25 مليار يورو مساعدات للاجئين السوريين خلال عشر سنين.

والمشهد، تكراراً، حمّال أوجه: النظام استعاد بعض قوته، ولا يزال موحداً. المعارضون ضعفوا وتفرقوا… “داعش” لا يزال في البادية، ويقوم بعمليات. روسيا تمسك باللعبة العسكرية، لكنها لا تستطيع إدارة اللعبة السياسية بالكامل. تركيا تحتل مساحة من شمال سوريا. جبهة النصرة وبقية المنظمات الإرهابية تسيطر على محافظة إدلب وأماكن في محافظات أخرى. إيران وميليشياتها تتوسع عسكرياً من البوكمال على الحدود مع العراق إلى ريف حمص وريف دمشق والقلمون على الحدود مع لبنان، وصولاً إلى الساحل السوري. وأميركا مع الكرد في شمال شرقي سوريا الغني بالنفط والزراعة، والممتد على مساحة 30 في المئة من البلد. ولا مخرج من هذا الستاتيكو إلا بتسوية سياسية للأزمة التي من أجل حلها بدأت التظاهرات الشعبية السلمية قبل مواجهة التظاهرات بالعنف، ثم الذهاب إلى الحرب.

لكن التسوية تبدو صعبة حتى بين طرف قوي هو النظام، وطرف ضعيف هو المعارضة. روسيا فشلت في دفع النظام إلى تقديم تنازلات. وتحدث الموفد الرئاسي ألكسندر لافرينتييف عن “انطباع خاطئ بأن وجودنا العسكري في سوريا يعني أن لدينا كل أدوات التأثير على دمشق وإصدار الأوامر الملزمة لها. فنحن لا يسعنا سوى النصح وتقديم بعض التوصيات، لكن القرار في دمشق”. والمشكلة هي صعوبة المشاركة بالنسبة إلى النظام. فهو مبني على الأحادية بعد مرحلة قصيرة من المشاركة بين ضباط “البعث” والضباط الناصريين في ثورة 1963 انتهت بمحاولة ناصرية للانقلاب وقمع بعثي لها.

عام 1966، حدث انقلاب على مؤسس “البعث”، ميشال عفلق، ورفيقه رئيس الوزراء صلاح البيطار، ووزير الدفاع محمد عمران، ورئيس مجلس الرئاسة، أمين الحافظ، بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد. وفي عام 1970 انقلب حافظ الأسد وفريقه على صلاح جديد وفريقه من ضباط ومدنيين، بينهم الرئيس الدكتور نور الدين الأتاسي، ورئيس الوزراء الدكتور يوسف زعين. وصار الرئيس والحاكم الوحيد حتى رحيله عام 2000 حين خلفه نجله بشار، ولا يزال.

والمأزق واضح: من دون تسوية سياسية ومشاركة، لا إعادة إعمار، ولا عودة كاملة إلى الحضن العربي، ولا خروج لإيران، ولا انسحاب للقوات الأميركية والتركية، ولا نهاية لـ”داعش” والإرهاب. والستاتيكو الحالي يعني بقاء الحرب والأزمة والعزلة وتقاسم سوريا بين “خمسة جيوش” كما اعترف غير بيدرسون.

—————————

التطبيع مع الأسد في المحطة السعودية/ بسام مقداد

تحذير مبعوث الولايات المتحدة السابق إلى سوريا جويل ريبورن للدول العربية المتهافتة على التطبيع مع الأسد، لن يختلف وقعه على الأرض عن وقع الإعتراض الأميركي والأوروبي على زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق. وتخويف هذه الدول بالعقوبات المترتبة على”قانون قيصر”، لم يكن له أي أثر على سلوك الإمارات حيال الأسد منذ إعادة إفتتاح سفارتها في دمشق قبل أربعة أعوام، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة لوزير خارجيتها إلى دمشق.”مناعة” الإمارات هذه ضد العقوبات الأميركية، برأي البعض، إكتسبتها من التطبيع مع إسرائيل ونفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. كما أن علاقات إسرائيل الجيدة مع روسيا بوتين الملحة على إعادة الأسد إلى الجامعة العربية، كما اشار بوتين منذ أيام، لا شك بانها لعبت دورها في تخفيض إصرار إسرائيل على شرط إبعاد الأسد عن إيران للتطبيع معه، ما جعل بعض الدول الخليجية المتهافتة على التطبيع مع دمشق وتل أبيب تتغاضى عن هذا الشرط، كما يقال. لكن مساري التطبيع مع إسرائيل والأسد ليسا متلازمين بالضرورة وبشترطان بعضهما، إلا أن ثمة “علاقة ما” متعلقة بإيران تربط بين المسارين.

الصورة التي جمعت مسؤولي المخابرات في كل من سوريا والسعودية، وعلى الرغم مما دار حول صحتها لاحقاً، جعلت مواقع إعلام روسية تعود مجدداً للتركيز على مسار التطبيع بين السعودية والأسد، بعد موجة التعليقات التي رافقت زيارة مسؤول المخابرات السعودي إلى دمشق الربيع المنصرم، ودفعت مواقع إلى توقع إعادة إفتتاح قريبة للسفارة السعودية في دمشق.

صحيفة NG الروسية نشرت في 15 من الجاري نصاً بعنوان “رقعة الشطرنج السورية للاعبين العرب”، وأرفقته بآخر ثانوي ” دمشق والرياض رُصدتا في محادثات سرية”. قالت الصحيفة بأن عملية إعادة العلاقات مع دمشق اصبحت توجهاً عاماً لدول الخليج الرئيسية، وهي تعكس قلقها من مسار المنطقة بعد أن يتم التوصل إلى “تسوية محتملة” بين الولايات المتحدة وإيران. لكن المشكلة التي تبرز هنا هي ما إن كان بوسع الأسد تحمل إشتراطات عودته إلى الأسرة العربية، ويحول دون تحول سوريا إلى “حقل للمنافسة”.

بعد أن تذكّر الصحيفة بطرد دمشق من جامعة الدول العربية ل”قمعها العنيف” للمعارضة ووقوعها في “عزلة شديدة”، تقول بأن النقطة الفاصلة هذه السنة كانت دعوة وزير السياحة السوري إلى الرياض لحضور لقاء منظمة السياحة العالمية. ولفتت إلى إستقبال الوزير السوري والوفد المرافق له في صالة الشرف في مطار العاصمة السعودية، وهو ما توقفت عنده قناة “الجزيرة” وجعلها تقول بأن العائلة المالكة السعودية تعيد النظر في مسألة شرعية الأسد، وبأن الأمير محمد بن سعود معني شخصياً ب”ذوبان الجليد” مع سوريا.

تستطرد الصحيفة في الحديث عن رحلة الإمارات في التطبيع مع الأسد، وتتحدث عن “النتائج الإيجابية” التي تتوقعها مستشارة الأسد بثينة شعبان من التطبيع مع السعودية. وتنقل عن بروفسور في كلية السياسة الدولية في جامعة موسكو بأن عملية التطبيع السعودية السورية سوريا هي الأقل أهمية، بل المهم هي علاقة الولايات المتحدة بالسعودية. كما من المهم أيضاً كيف ستطور الولايات المتحدة علاقتها بإيران، وإلى اي مدى سيتم حل مسألة علاقة الولايات المتحدة بالبرنامج النووي الإيراني. وحل هاتين المسألتين سوف يؤدي إلى تحولات أكثر جدية في موقف السعودية من إيران.

وكما هو معروف، الرياض نفسها منخرطة في مفاوضات مباشرة مع إيران. ويشير البروفسور إلى تصريح لوزير الخارجية السعودي قال فيه بأنه، على الرغم من أن المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية تجري في جو ودي، إلا أن نتائجها لا تزال منخفضة. ويرى البرفسور أن التسوية مع إيران ينبغي أن تؤدي أوتوماتيكياً إلى إلغاء الفيتو عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية وعن إستعادة العلاقات السعودية السورية. لا سيما وأن بعض دول الخليج التي كانت على عداء نشط ضد النظام السوري، وخاصة الإمارات، عادت لتتخذ خطوات جدية في إستعادة العلاقات مع دمشق، ولا يسع السعودية إلا أن تأخذ ذلك بالإعتبار.

لا يستبعد البروفسور، مع عودة دمشق إلى الأسرة العربية، أن تنعكس بعض التناقضات بين بلدان الخليخ على الواقع السوري. فالإمارات قطعت شوطاً فعلياً على هذا المسار وقامت بالكثير لتطوير العلاقات مع سوريا، بينما السعودية تتخلف عنها.  والسؤال أيضاً على من سيقع إختيار كل من هاتين الدولتين للتعاون معه في سوريا. ففي حين تعمل الإمارات على تطوير علاقاتها مع الأسد بصورة أساسية، سوف يتوزع إختيار السعودية بين الأسد والمعارضة. وإذا كان الحديث قد توقف منذ زمن عن ما كان يسمى بمنصة الرياض في المعارضة السورية، فهو ولا شك سيعود إلى الواجهة من جديد.

تواصلت “المدن” مع كاتب النص إيغور سوبوتين المتابع لشؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، وسألته ما إذا كان من ترابط وتفاعل بين عمليتي التطبيع الخليجي مع إسرائيل والأسد، وكيف يرى إلى مسار التطبيع السعودي مع الأسد وتوقع سفارة سعودية قريباً في دمشق. قال سوبوتين بأنه يعتقد أن توسيع دائرة المشاركين في “إتفاقيات إبراهيم”وتطبيع علاقات دول العالم العربي مع دمشق تعكس تحولات معينة في تكوين السلطة الإقليمية، لكنه يرى أن من الصعب القول بترابطهما أو تفاعلهما. فلكل من الإتجاهين منطقه الداخلي ودوافعه الذاتية. الأمر الوحيد الذي ربما يجمع بينهما هو التخلي عن السياسات الموجهة نحو القيم باتجاه براغماتية السياسة الخارجية.

ويقول بأن القيمين على القرار في السعودية لا يسعهم إلا التفكير في ما يتبغي عمله بوضع دمشق على خلفية النشاط المفرط لجارتهم الإمارات العربية المتحدة. ورأى أنه يجب ألا ننسى أن البلدين لا يتبعان دائماً المسار عينه، فليس من النادر أن تختلف سياستهما عن بعضهما البعض على الساحات المختلفة، بل وتدخلان في تناقض بينهما. ثمة وجهة نظر تقول بأن جميع المبادرات البراغماتية تصدر في الرياض عن الجيل الشاب الذي ينتمي إليه ولي العهد الآمير محمد بن سلمان، في حين أن قدماء المشهد السياسي ينتهجون سياسة أكثر محافظة، وهذا ينسحب على العلاقات مع النظام السوري وعلى العلاقات مع إسرائيل. ويقول سوبوتين بأنه لا يصدق كثيراً في إمكانية ظهور سفارة سعودية قريباً في دمشق.

المستشرق والخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية كيريل سيميونوف، وعلى العكس من سوبوتين، يرى أن ثمة علاقة بين مساري التطبيع الخليجي مع الأسد وإسرائيل. ويقول في إجاباته المقتضبة كعادته على الأسئلة نفسها التي تم طرحها على سوبوتين بأن ثمة “علاقة ما” بين المسارين، طالما أن العلاقات مع إسرائيل تتضمن مكوناً معادياً لإيران، وكذلك العلاقات مع الأسد ترمي إلى محاولة تخفيض تأثير طهران على دمشق.

ويرى سيميونوف أن السعودية لا تسير على طريق تطبيع العلاقات مع دمشق، بل تستمر فقط في العلاقات بين الإدارات، وذلك في إشارة إلى زيارة مسؤول المخابرات السعودي إلى دمشق ومن ثمة لقاء المسؤولين في مؤتمر أجهزة المخابرات العربية في القاهرة، وكذلك زيارة وزير السياحة السوري إلى المملكة في إطار لقاء منظمة السياحة العالمية. ويرى أن الرياض على الأغلب لن تنتهج نهج الإمارات ولن تستعيد علاقاتها مع الأسد طالما لم يتخل عن دور حليفه الإيراني.

العرب

—————————–

عون يسلك المسار السوري.. هل يبتعد عن حزب الله؟/ منير الربيع

وصل الجميع في لبنان إلى الساحة المقفلة. إنها ساحة النزال في المجالات السياسية والقضائية، بامتدادات خارجية. وقد يطول المكوث في هذه الساحة، التي يحتاج المتصارعون فيها إلى تدخل خارجي لحسم الموقف أو تحديد وجهته، أو إيجاد تسوية لا يُعرف بعدُ أتكون متوازنة أم تكسر التوازن باعتراف دولي.

هناك عوامل كثيرة للتحكم بقرارات اللاعبين اللبنانيين. والقرار الخارجي يمنع إراقة الدماء، برسائل هددت بأن أي أعمال عنف ستؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة، أو إلى تكرار الموقف الدولي على نحو مماثل لحقبة العامين 2004 و2005. لكن انتظار المفاوضات النووية في فيينا طويل لمعرفة مدى تأثيره على الداخل اللبناني. ووحده حزب الله قادر على الصبر. لكن الآخرين غير جاهزين، وهم يرتبون أمورهم لأشهر قليلة فاصلة عن الانتخابات النيابية والرئاسية، ولا يمكنهم الانتظار أكثر.

خلاف عون وحزب الله

والمقصود هنا رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي لم يعد خفياً غضبه وانزعاجه من حزب الله، الذي يغضب بصمت من ما يعتبره موقف عون: منحه الغطاء للقاضي طارق البيطار. وهذا أكبر تعارض بين الطرفين في السياسة الداخلية اللبنانية.

ويجد عون أنه مكبل بحسابات حزب الله وتحالفاته في الداخل والخارج. ومكبل أيضاً في علاقاته الدولية والعربية، فيما يتلقى الرسائل السلبية من كل حدب وصوب، ولا يبدو قادراً على تغيير المسار، وخصوصاً بعد الأزمة مع دول الخليج. لكنه لن يقف مكتوف الأيدي.

..وخياره الدمشقي

وأمام عون مجموعة أفكار: الاستثمار في الموقف القضائي لتحسين موقعه مسيحياً. ودفع حزب الله لاتخاذ موقف واضح حول مستقبل جبران باسيل السياسي. هذا هو مدخله الوحيد لفتح باب المساومة الداخلية. وهو يبحث السبل التي تعيد إحياء علاقاته بالخارج أو تفتح له أبوابها. لا يريد أن يبتعد كثيراً عن الممانعة. ولكنه يفضل اعتماد السلوك السوري. أي الانفتاح الذي يسعى إليه بشار الأسد على دول عربية، وخليجية بالتحديد، ولو سلكت سلوك التطبيع.

ولذلك، يبدو عون مهتماً كثيراً بتحسين العلاقات مع دمشق، التي يريد أن يذهب إليها سياسياً، ولا يكتفي باعتماد مستشاره بيار رفول منسقاً لعلاقته بها. بل يريد إضافة عناصر جديدة إليها، أبرزها تعيين سفير جديد في دمشق، قد يكون أحد مستشاريه ومقرب من باسيل. وتقول المعلومات إن الشخصية المعنية هي أنطوان قسطنطين. وكانت هناك زيارة تنسيق مع دمشق قام بها قبل مدة رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا.

هذا المسار الذي يريد عون أن يسلكه، يتزامن مع اهتمامه الكبير في ملف ترسيم الحدود، وإطلاقه رسائل بأنه يريد إنجاز هذا الملف سريعاً، ولا أحد قادر على إنجازه سواه. وهذه العناصر كلها تشكل عناوين جديدة للمرحلة السياسية المقبلة، ليبلغ فيها التوتر أقصى مداه لبنانياً. 

شرعيات شعبية وحكومة للسخرية

وبمعزل عن هذه الحسابات السياسية وخلافاتها، هناك من يريد أن يفرز البلد وفق شرعيات جديدة مختلفة. والشرعية الرسمية تتجلى بالجيش والقضاء، في مواجهة قوى سياسية تتمتع بشرعيات شعبية تسمح لها بمواجهة الشرعيات الرسمية.

أما الحكومة فأصبح وجودها على النحو المعروف مدعاة للسخرية والهزء: وزراء يتصرفون وكأنما الأوضاع عادية جداً، فيما يرفض الجيش والقضاء أي مساومة سياسية عليهما وعلى مراكز قرارهما. وهذا يقود بوضوح إلى الانتقال من الانهيار المالي والاقتصادي، إلى انهيار شامل إداري والمؤسساتي، لا ينتج غير الفوضى. والسبل الداخلية للمعالجات أصبحت مسدودة. ولا بد من الرهان الخارج لإحداث تغيير في هذه الوقائع.

وكان تشكيل حكومة نجيب ميقاتي آخر محاولة لملمة الأوضاع اللبنانية، انطلاقاً من مقومات داخلية. وحالياً كل الأدوات الداخلية أصبحت مفقودة. ولا بد من انتظار أدوات خارجية، لا يمكن توافرها بلا ظروف إقليمية ملائمة.

وحده العنف قد يوفرها، طالما الحرب الباردة لا تؤدي إلى مسارعة التدخل. لذا لا بد من تسليط العيون على رئيس الجمهورية، وحركته في المرحلة المقبلة. وتحديداً بين الفترة الحالية وبداية السنة الجديدة. فإما أن يحصل من حزب الله على ما يريد، وإما يكون الطرفان في بداية اختلاف وافتراق.

————————

=================

تحديث 29 تشرين الثاني 2021

————————

الشراكة لا تتضمن التطبيع مع النظام السوري/ عمار ديوب

مقاربة جديدة، تعتمدها واشنطن في العلاقة مع دول الشرق الأوسط، وهي الشراكة بدلاً من التبعية. طبعاً هناك سياسات عامة يجب ألا تتجاوزها دول المنطقة، وهذا يعني أن الشراكة لا تلغي التبعية كذلك. ظهرت في الأشهر الأخيرة مواقف جديدة لبعض دول المنطقة إزاء النظام السوري، كالعلاقة بين الأردن ودمشق، ومؤخراً زيارة وفد دبلوماسي إماراتي كبير، وهناك محاولات لإعادة النظام إلى الجامعة العربية، ودون أن ننسى مشروع الغاز والكهرباء المارين من الأراضي السورية وإلى لبنان، و”بموافقة” أمريكية.

استعجَل باحثون وكتاب كثر بقول التالي: إن أمريكا تنحسب مع الشرق الأوسط لمواجهة الصين، وبالتالي هي بطور الانسحاب من العراق وسوريا، والبعض غامر بالقول إن أمريكا تسلّم إيران المنطقة، إضافة لإسرائيل وتركيا وروسيا.

الاستعجال السابق يتضمن مفهوم الشراكة، وبالطبع تعني أن هناك أطرافاً متساوية في عقد الصفقات أو فسخها، وهذا غير صحيح، فأمريكا ما تزال القطب الأقوى عالمياً، وإن كانت الأقطاب القوية تحاول الوصول إلى تعددية قطبية، وقطعاً ليس منها إيران أو تركيا أو حتى إسرائيل. لا شك أن الانسحاب الأمريكي، وتسليم حركة طالبان أفغانستان، يثير شهية الاستنتاجات السابقة، وهنا من الضرورة التدقيق في المواقف المتعددة لأطراف الإدارة الأمريكية، والتي رفضت ذلك الانسحاب، وكذلك في إيقاف التصريحات العبثية عن انسحابٍ تالٍ من سوريا على غرار أفغانستان، وهناك ضغط إسرائيلي وخليجي لجهة إيقاف تلك الفوضوية، والعودة إلى سياساتٍ أمريكية أكثر صلابة إزاء إيران وروسيا وإشكاليات المنطقة بعامة.

خَفَتَ حديث الانسحاب، وكثرت التصريحات الأمريكية المناهضة لإيران، وهناك المناورات في الخليج العربي مع إسرائيل والإمارات، والتشدّد إلى جانب الكاظمي في العراق، وبخصوص سوريا أُعلِن بوضوحٍ شديدٍ رفض التطبيع، وكرّر الاتحاد الأوربي ذلك، وبالوقت ذاته حذّرت أمريكا الإمارات من علاقات عسكرية واسعة مع الصين.

تكثر التحليلات بخصوص “إعادة” الاتفاق النووي مع طهران، وشروط الأخيرة للعودة إليه، ومنها إنهاء الحصار وإلغاء العقوبات، وهذا قبل العودة للاتفاق، وخلاله يحكى عن اعتراف أمريكا وأوروبا بالموقع والنفوذ الإقليمي لإيران! قطعاً لا يمكن لإيران أن تحوز على هذه الشروط من أمريكا، فالأخيرة ليست دولة خاسرة لحرب مع طهران، وتعترف لها بتلك الشروط.. لا، إن أوهام الحرس الثوري في طهران والمؤيدين له يبالغون كثيراً في ذلك. إنّ إيران تجاوزت بعد 2003، وبعد وصول أوباما للحكم، حدودها الطبيعية، وفرضت حضوراً إقليمياً مرفوضاً عربياً، ومن تركيا وإسرائيل، وأية اتفاقيات بين طهران وواشنطن لا يمكنها تجاهل مصالح الدول المذكورة. إنّ الحراك الإماراتي مؤخراً بين دمشق وعمان وأنقرة يستهدف تقوية مصالح دول المنطقة وإعادة إيران إلى حجمها الطبيعي، والتحرّك الإماراتي هو رسالة موجهة إلى واشنطن، بأن دول المنطقة تريد تحجيم إيران، وهناك الموقف الإسرائيلي المتشدّد إزاء طهران؛ تسليح وحضور إقليمي، وتحديداً بخصوص التطور النووي الكبير، والذي يشار فيه إلى وصول طهران إلى إمكانية إنتاج سلاح نووي.

تتحرّك دول المنطقة تجاه النظام السوري ضمن سياسة اختبار الموقف الأمريكي، فهي لا تعلن تطبيعاً كاملاً، ولا تتقدّم بمشاريع اقتصادية ذات معنى؛ إن كافة أشكال الحراك الدبلوماسي والاقتصادي تجاه النظام السوري ضعيفة وهامشية وليست قادرة على تعويمه أو إنقاذه من أزمته العميقة، وبالطبع كافة تلك الأشكال غير مرفوضة من قبل موسكو، والتي ورغم تزايد خلافاتها مع طهران وتخوفاتها من الحراك الإماراتي، ما تزال تحاول تعويم النظام بالالتفاف على القرارات الدولية المحدِّدة لشكل التعويم، وعبر تغييره أو الوصول إلى صفقة سياسية روسية أمريكية. هذا يعني أن التعويم المذكور ليس بذي قيمة حقيقية، ولكن الحراك الدبلوماسي العربي وبالعلاقة مع دمشق، يوضح أن الوضع السوري أصبح يقتضي تغييراً ما، ومدخله بالضرورة الحوار الروسي الأمريكي، وهذا ما يزال يتعثّر.

إن مفهوم الشراكة الأمريكية عالمياً، يقتضي من الروس أن يتقدموا بصفقة سياسية، وهذا الأمر يتم عبر شروطٍ تبدأ بطرد إيران عسكرياً وتغييرات كبرى في النظام السوري، وحينها يتحقق الاستقرار ومصالح دول المنطقة، ومنها الخليج وتركيا خاصة. إن أمريكا لا تستعجل الحل في سوريا، ولن تُسلِّم سوريا إلى إيران، كما يتوهم تيار الممانعة أو المستعجلون في التحليل؛ إن أمريكا تبحث عن الاستقرار ودون شك تدعم الديكتاتوريات، ويستثنى من ذلك النظام السوري.

إنّ الوضع المعقد الذي وصل إليه هذا النظام، ومواجهته الدموية مع الشعب السوري، وملفاته الدولية الشائنة، تمنع تعويمه، لا كما هو، ولا عبر تغييرات بسيطة فيه، والأمر ينطبق على مواقف الاتحاد الأوربي تجاهه. إن دول المنطقة الدائرة في الفلك الأمريكي والأوربي لا تبالغ بدرجة التطبيع مع دمشق، والأخيرة لم تعد دولة وازنة في المنطقة كذلك، وعكس ذلك فقد أصبحت ورقة بيد روسيا أو إيران أو أمريكا.

إنّ السياسة الأمريكية لا تتغاضى عن مواقفٍ تطبيعيّة كبرى، ولن يستطيع الروس، ومهما اخترعوا من مسارات والتفافات على القرارات الدولية، وتفكيك المعارضة السورية من تعويمه، سيما أن الروس، ونتيجة العلاقات المتصاعدة مع إسرائيل، مضطرون إلى تهميش إيران، وبالتالي ستضطر روسيا، وقد هدأت أسباب الحروب في سوريا، إلى البحث عن صفقة ما، تنطلق من مصالحها ومن علاقتها مع إسرائيل وتركيا، وبالطبع ستتلاقى فيها مع أمريكا، وحينها سنرى أن كل حديث التطبيع كان أضغاث أحلامٍ، ليس أكثر. الفكرة الأخيرة تدفعنا للاستنتاج التالي: إن القراءة الدقيقة للوضع السوري لا تنطلق من موضوع التطبيع بل من الحالة المأزومة، والتي ليس لها من تجاوزٍ، وعليها تبنى السياسات والمواقف تجاه النظام السوري.

——————————-

الإمارات والتغيير المقبل في الشرق الأوسط/ صادق الطائي

أعداء الأمس الذين كانوا يتوعدون بعضهم بالويل والثبور، يحتضنون ويقبلون بعضهم بعضاً، حتى بدا المشهد مدعاة للاستغراب والحيرة. العداء المستحكم والتهديدات بين إيران والإمارات، تحولا فجأة إلى اتفاقات تجارية استراتيجية، وربط موانئ على أعلى مستوى اقتصادي في العالم.

أبوظبي التي اعتبرت تركيا أردوغان والإخوان المسلمين الشيطان الأكبر الذي لا يمكن التعايش معه، بل دعت وسعت لاجتثاث هذا الفكر أينما وجد في المنطقة، وترجمت ذلك إلى سياسات وتدخلات عسكرية، على مدار سنوات العقد الأخير في كل البؤر الساخنة في الشرق الأوسط: في سوريا واليمن وليبيا والصومال، بل إن الأزمة الخليجية والحصار الذي فرضته الدول الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) على قطر، لم يكن محركه الأساس إلا عداء محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي لوجود الإخوان في الدوحة.

فـ(شو عدا مما بدا) كما يقول اللبنانيون، ليتغير كل شيء في مشهد الشرق الأوسط وبشكل متسارع، فنجد عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات يقوم بزيارة لدمشق في أيلول/سبتمبر الماضي، ويحتضن الرئيس بشار الأسد، ويؤكد له «حرص دولة الإمارات على أمن واستقرار ووحدة سوريا الشقيقة ودعمها لكل الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية، وترسيخ دعائم الاستقرار في البلاد، وتلبية تطلعات الشعب السوري الشقيق في التنمية والتطور والرخاء». والعجيب في الأمر رد الفعل السوري، إذ ذكرت الرئاسة السورية في بيان رسمي، أن الجانب السوري والوفد الإماراتي «بحثا العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف الجهود لاستكشاف آفاق جديدة لهذا التعاون». وبعد سعي دول مجلس التعاون وبضمنها الإمارات على مدى عقد من الزمان لإطاحة نظام الأسد، عبر دعم مختلف التيارات المعتدلة والراديكالية في الحرب السورية، نجد الرئيس الأسد يؤكد قوة العلاقات بين البلدين وينوه بـ»المواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات، مشددا على أن الإمارات وقفت دائما إلى جانب الشعب السوري!!».

أما دفء العلاقات الإماراتية الإيرانية، الذي ساد فجأة فهو يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، فبعد كل ما حصل بين الجارين من تهديدات إيرانية بحرية، واتهامات إماراتية موجهة للحرس الثوري الإيراني، بمهاجمة السفن والمنشآت الإماراتية، وتحريض أبو ظبي لواشنطن وتل أبيب لإطلاق عمليات عسكرية ضد طهران، يطوى كل ذلك فجأة، وتفتح صفحة تعاون استراتيجي بانت بوادره باتفاق تجارة بحري استراتيجي هو مشروع خط (الشارقة – بوشهر- مارسين) الذي سيمثل بديلا لخط النقل التجاري المنطلق من الشارقة والمار بمضيق باب المندب، ثم قناة السويس ليصل موانئ البحر المتوسط. الإيرانيون من جانبهم عبروا عن فرحتهم بهذا التغير في مواقف الإمارات، وجاء ذلك في زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، إلى دولة الإمارات يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حيث التقى المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش. وفي سياق التهدئة بين إيران والإمارات، بحث هاتفيا وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، العلاقات الثنائية ومجالات التعاون المشترك بين البلدين. وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد أكّد عدم وجود عقبات في طريق توسيع العلاقات بين إيران والإمارات في مختلف المجالات، خصوصاً المجال الاقتصادي. وفي زيارته الاخيرة لأنقرة يوم 24 نوفمبر الجاري احتضن محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات عدوه اللدود الرئيس رجب طيب أردوغان. وبعد كل التوتر والحرب الباردة بين الدولتين، طويت صفحة الخلافات، وابتدأت صفحة التعاون تحت يافطة الشعار البراغماتي الشهير: في السياسة لا توجد عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، لكن هنالك مصالح دائمة. المصالح التركية تمثلت في خطوات رأت فيها أنقرة إنقاذا لاقتصادها المتدهور، ومعالجة لتدهور سعر صرف الليرة التركية، الذي وصل مراحل غير مسبوقة في التراجع، إذ تم الاتفاق على استثمار الإمارات 10 مليارات دولار في تركيا، وتوقيع 10 اتفاقيات ومذكرات تعاون بين البلدين، ليبقى السؤال المركزي في كل التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط؛ ما هي الأسباب والدوافع التي جعلت أبو ظبي تتحرك في هذا الاتجاه وبهذا الاندفاع؟

وللإجابة نجد أن هناك تباينا في وجهات النظر، وتنوعا في قراءات الموقف الإماراتي، وربما يمكننا إجمال الآراء في عدد من المحاور، أهمها: يرى بعض المحللين أن دولة الإمارات أرادت الدخول في الخطة الصينية المعرفة باسم «مبادرة الحزام والطريق»، أو التي تعرف إعلاميا باسم طريق الحرير الجديد، والمعروف أن إيران وتركيا تلعبان أدوارا مهمة في هذه الخطة، وبالتالي سعت أبوظبي لموازنة مواقفها، وعدم وضع كل البيض في سلة الولايات المتحدة، العدو اللدود للصين، ويرى البعض أن التحول الإماراتي، ابتدأ مع بداية العهدة الرئاسية للرئيس جو بايدن، إذ تبنت الإمارات سياسات خفض التصعيد في الإقليم مع خسارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية. كما يمكننا قراءة بعض السيناريوهات المعتمدة على نمط من نظرية المؤامرة في تحليل سياسات الإمارات الجديدة، مثال ذلك بعض المحللين الذين رأوا في التحركات الإماراتية الأخيرة نوعا من السعي لتحييد السعودية، وبالتالي لعب الدور المركزي في توازنات واستراتيجيات الشرق الأوسط الجديد، وقد رسخت هذه الاعتقادات المساعي الطموحة للتوسع الإقليمي، التي تبناها محمد بن زايد طوال العقد المنصرم، والتي قادت أحيانا إلى التصادم مع سياسات محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، يقابل ذلك الصمت السعودي الرسمي حيال الخطوات الإماراتية، وعدم إظهار الرياض لردود فعلها بوضوح تجاه سياسات أبو ظبي الجديدة، لكن البعض جمع المعطيات التي دخلت كمتغيرات على الموقف الإماراتي في محاولة لقراءة المشهد وفقا لذلك، وأبرز التغيرات في الموقف الإماراتي هو لعبها دورا محوريا في التطبيع مع إسرائيل، واعتبر من تبنى وجهة النظر هذه، أن خطوات أبو ظبي الأخيرة في السعي للتقارب مع طهران وأنقرة، إنما حركها الترويج لسياسات التطبيع مع إسرائيل، إذ كتب بعض المحللين عما سموه «البصمة الإسرائيلية في الانفتاح التركي الإماراتي المفاجئ»، وإن «الحديث عن استثمارات اقتصادية وضخّ المال الإماراتي تجاه أنقرة، لا يمثل سوى غطاء ونافذة لتثبيت أو كسب مواقف وتغيير في التوجهات». أما موقف الرئيس أردوغان فقد ظهر متذبذبا تجاه الإمارات، إذ شن هجوماً عنيفاً على سياسة محمد بن زايد عندما وقّع اتفاقية التطبيع مع «تل أبيب» في آب/أغسطس 2020، وهدَّد بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. لكن وفي تغيير ملحوظ نجد الرئيس أردوغان قد تحدث مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ يوم 24 نوفمبر الجاري وقال له؛ «إن العلاقات التركية الإسرائيلية مهمة وضرورية من أجل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط»، وأكد «ضرورة التحرّك المشترك في إطار التفاهم المتبادل، ليساهم ذلك في تجاوز الخلافات في وجهات النظر حيال القضايا الثنائية والإقليمية، كما أن استمرار الحوار بين تل أبيب وأنقرة يصبّ في مصلحة الطرفين».

وفي خضم هذه التداعيات يمكن أن تبقى نقطة عصية على الفهم، وهي موقف إيران وحلفائها في الإقليم، الذين سوقوا أنفسهم كمحور للمقاومة ومواجهة السياسات الإسرائيلية الاستعمارية في المنطقة، والذين هاجموا الإمارات باعتبارها قد تحولت إلى مخلب إسرائيلي ينفذ سياسات وأجندات التطبيع في الشرق الأوسط، ولا بد من انهم سيواجهون سؤالا محوريا هو؛ كيف ستتعاونون اقتصاديا مع دولة تقود سياسات التطبيع مع إسرائيل في الشرق الأوسط؟ فهل ستتعاطى طهران وحلفاؤها ببراغماتية مع أبوظبي في مسعى لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، وتغمض عينيها عن اتهاماتها السابقة للإماراتيين؟ هذا ما ستظهره الأحداث المقبلة.

كاتب عراقي

القدس العربي

————————

ماذا تريد الإمارات؟/ حيّان جابر

أعلنت الإمارات عن اتفاق إبراهام، الموقع مع الاحتلال الصهيوني منذ قرابة 14 شهراً، وتم ترويجه مقدمة لتحالف إقليمي في مواجهة الخطر الإيراني، فإيران عدوة المنطقة الأولى ومصدر الخطر الأكبر على استقرارها وتطوّرها ربما (وفق المنطق الإماراتي). ثم مضت الأيام وتوالت الاتفاقات الإماراتية – الصهيونية، حتى وصلنا إلى توقيع اتفاق النوايا الثلاثي بين الإمارات والأردن والاحتلال الصهيوني، تمهيدا لاتفاقية الطاقة والمياه، مؤكّدا على جوهر اتفاق أبراهام، القائم على تأمين احتياجات النظم المسيطرة في المنطقة اقتصاديا ولوجستيا، من دون أي اعتبار لما تم وصفه بالخطر الإيراني، إذ لم يُجابه التحالف الإماراتي – الصهيوني نفوذ؛ الخطر؛ إيران، بل على العكس، بدأت تتسرّب أخبار التقارب بين الموقعين على اتفاقيات أبراهام من ناحية وإيران وحلفائها من ناحية ثانية، وفي مقدمتهم الإمارات والاحتلال الصهيوني من ناحية والأسد ولبنان وإيران بدرجة أقل من ناحية ثانية.

تم ترويج اتفاقيات أبراهام تحالفا أمنيا يواجه النفوذ والخطر الإيرانيين، ثم انخرطت السعودية في مباحثات مباشرة مع الحكومة الإيرانية السابقة بداية، والحالية راهنا، ولحقتها الإمارات اليوم، وربما قبل ذلك؛ وفق تصريحات نائب وزير الخارجية الإيرانية، علي باقري كني، في أثناء زيارته أبوظبي أخيرا؛ الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن أهداف الإمارات الحقيقية من التطبيع، بل من التحالف مع الاحتلال الصهيوني، خصوصا إذا ما تمخض التقارب الإماراتي – الإيراني عن تشكيل تحالف بينهما أو على الأقل تعاون. وهو ما يتطلب بعض التدقيق في استراتيجية الإمارات تجاه مجمل المنطقة، والتي يلحظ من غالبيتها انسجام واضح، مثل التعاون والتقارب الإماراتي مع مجمل الأنظمة المسيطرة عسكريا أو قسريا في مصر والسودان وليبيا؛ خليفة حفتر؛ وتونس، وتقاربها السياسي مع الأنظمة المعادية لأبسط القواعد الديمقراطية.

كما يلحظ من الاستراتيجية الإماراتية تجاه المنطقة بعض التوجهات المتناقضة مع هدف مجابهة إيران، سيما بما يخص الملفين، السوري واليمني، فعلى مستوى سورية اتخذت الإمارات، في البداية، موقفا داعما للحراك الثوري ظاهريا، أي كان موقفها الظاهري معاديا لنظام الأسد، وهو ما يتناقض مع مواقف الإمارات تجاه مجمل الأحداث في المنطقة، إذ غالبا ما عادت الإمارات الحركات الثورية، ودعمت النظم الأمنية والاستبدادية والعسكرية. مبرّرة ذلك بضرورة مجابهة النفوذ الإيراني في سورية، أي كرد فعل على دعم إيران نظام الأسد ميدانيا، وهو المنطلق نفسه الذي دفع الإمارات إلى المشاركة في تحالف دعم حكومة عبد ربه منصور هادي في اليمن، أي على اعتبارها تناهض وتجابه الحوثيين الخاضعين للنفوذ الإيراني. وهو ما يتناقض مع دعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، فدعمه يساهم في إضعاف معسكر حكومة هادي لصالح معسكر الحوثيين أو المعسكر الإيراني في اليمن، كما تصرّ الإمارات، أو حليفها اليمني الوثيق، المجلس الانتقالي، على تصعيد الصراع والصدام مع القوات المحسوبة على هادي في المراحل التي تشهد مجابهات عسكرية حامية الوطيس مع الحوثيين، وكأن المقصود، بشكل مباشر أو غير مباشر، دعم الحوثي من خلال تشتيت القوات المحسوبة على هادي، وزعزعة استقرارها.

في السياق ذاته، نجد في سورية، منذ سنوات عديدة خلت، مظاهر تنسيق وتعاون، وربما دعم إماراتي لنظام الأسد، تتناقض مع ادّعائها السابق في دعم الحراك الثوري السوري، على الرغم من ارتباط الأسد الوثيق جدا؛ ربما تبعيته؛ بإيران، حيث تجلى ذلك بتحوّل الإمارات إلى ملاذ أمن ومريح لعائلة الأسد وعائلات رموز النظام والمقرّبين منه؛ منذ العام 2012؛ كما تجلى في مساعدة النظام على تأمين ملاذ آمن للأموال المنهوبة، وفي تجاوز العقوبات المالية من خلال تسهيلات واحتيالات مالية. وكذلك تبدّت في الخطوات الدبلوماسية المتلاحقة، مثل إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق منذ نهاية 2018، والتي تبعتها اتصالات ولقاءات رسمية متبادلة بين الجانبين، جديدها أخيرا زيارة وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، دمشق ولقاؤه بشار الأسد.

من ذلك كله، نستطيع القول إن الإمارات لا تسعى إلى مجابهة إيران ونفوذها في المنطقة، بقدر ما تسعى إلى تقويض احتمالات التغيير الشعبي. لذلك نجدها دائما وأبدا في معسكر القوى الاستبدادية والأمنية، بما فيهم إيران طبعا. الأمر الذي جعلها تسارع في نقل علاقتها مع نظام الأسد، ومع الاحتلال الصهيوني من المستوى السرّي إلى المستوى العلني، فكلاهما قوى هيمنة وقسر في مجابهة قوى المنطقة الشعبية الثائرة والتحريرية. وفي السياق نفسه، نجدها اليوم تنحو نحو الكشف على مدى تقاربها مع إيران من خلال البوابة السورية والاقتصادية من دون خجل أو تردد، فإيران تلعب دورا هاما جدا على صعيد قمع الحركات الثورية في كل من اليمن وسورية ولبنان والعراق بالحد الأدنى، بل في كل المنطقة أيضا، حتى البحرين التي حاولت فيها تطييف الحركة الثورية، وحرفها عن مسارها الوطني.

وعليه، يمكن فهم الاستراتيجية الإماراتية من خلال هذا الهدف الخفي نسبيا، أي هدف قمع الشعوب وأسرها وثبيت القوى الحاكمة، حيث تجنّد الإمارات كل إمكاناتها من أجل ذلك، وفي المقدمة إمكاناتها الاقتصادية والأمنية واللوجستية، من خلال تمويل مشاريع اقتصادية تعزّز التعاون والتشبيك بين قوى الاستغلال والقمع والقسر في المنطقة من الاحتلال الصهيوني وصولا إلى سورية الأسد الممانع، وربما قريبا وصولا إلى إيران الثورة الخمينية، فلولا استعداد إيران وسورية الأسد لبدء مرحلة جديدة من التعاون العلني بين قوى الإجرام والاستبداد، لشهدنا مقاطعة كاملة ومتكاملة لكل ما يتعلق بدولة الإمارات من معارض واتفاقيات ومباحثات، تماما كما تمت مقاطعة مصر بعد توقيع الرئيس الراحل أنور السادات على اتفاق كامب ديفيد، فاتفاقيات أبراهام وما تبعها من اتفاقيات أشد وطأة وهولا من نظيرتها المصرية في حينه. وبالتالي، يبدو أن الإمارات مصمّمة على تشكيل تحالف إقليمي عابر لكل خلافات النظم المسيطرة، من تركيا وإيران وصولا إلى المغرب وتونس مرورا بدول محور الممانعة والاحتلال الصهيوني طبعا، وهو ما يفرض علينا التساؤل بشأن الكيفية التي سوف تتعامل بها شعوب المنطقة مع هذا التحالف؟ وبشأن قدرة شعوب المنطقة على مجابهة هذا التحالف؟ وحول إمكانية تشكيل تحالف إقليمي نقيض جوهره وأساسه تعاون شعوب المنطقة وتآزرها وتلاحمها، من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها؟

العربي الجديد،

——————–

المعنى الحقيقي لإعادة تأهيل نظام الأسد/ هشام ملحم

خلال الخمسين سنة الماضية تعاقب على حكم بعض الدول العربية طغاة حكموا بالسيف وارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وعاثوا في بلادهم الخراب وحولوا بلدانهم إلى أرض يباب.

بعضهم قتلوا بالسيف الذي حكموا به: صدام حسين، علي عبدالله صالح ومعمر القذافي، وبعضهم غيبهم المرض وهم في السلطة مثل حافظ الأسد، أو خلع من الحكم مثل عمر البشير الذي تسعى المحكمة الجنائية الدولية إلى محاكمته بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.

خلال حكمه الطويل، غزا صدام حسين دولتين جارتين خلال عقد من الزمن: إيران والكويت، وتسبب بحربين مكلفتين، ومارس القتل الجماعي ضد شعبه بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد العراقيين.

صدام أعطى العراق اسم “جمهورية الخوف” خلال حكمه الدموي، واحتل المركز الأول في نادي طغاة العرب، إلى أن خلفه على هذا العرش الراسخ على قمة هرم من الجثث بشار الأسد، وهو الطاغي العربي المعاصر الوحيد الذي يستطيع أن يقول إنه استخدم كل سلاح متاح في ترسانته ضد شعبه خلال عقد من الزمن حوّل خلاله سوريا إلى أرض محروقة، ما أدى إلى قتل نصف مليون سوري وتشريد واقتلاع حوالي عشرة ملايين مواطن.

بشار الأسد، المنبوذ دوليا والمسؤول الأول بين مجموعة من الأطراف الدموية التي ساهمت في نحر السوريين مثل “الدولة الإسلامية” (داعش) وجبهة النصرة، وإيران وروسيا وتركيا وحزب الله، يجد نفسه الآن على مشارف العودة إلى “الحظيرة العربية” وإلى حد أقل إلى ما يسمى “المجتمع الدولي” على خلفية التسليم الإقليمي والدولي المتزايد بأنه باق في السلطة في المستقبل المنظور على الأقل، وأنه حافظ على وحدة سوريا ولو نظريا، على الرغم من أن أراضي سوريا خاضعة لاحتلال أو سيطرة جيوش إسرائيلية وتركية وإيرانية وأميركية.

في السنوات الماضية، بدأت دول عربية وأوروبية سيرها البطيء على طريق دمشق. في 2018، افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة سفارتها في دمشق واستأنفت المساعدات الإنسانية وغيرها إلى سوريا، ولحقتها البحرين والأردن، وقامت عمان بإعادة سفيرها إلى دمشق.

وفي الثالث من أكتوبر الماضي، جرى اتصال هاتفي بين العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، وبشار الأسد، هو الأول بعد عشر سنوات من دعوة العاهل الأردني للرئيس السوري بالتنحي عن السلطة.

وفي التاسع من نوفمبر، قام وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبدالله بن زايد، بزيارة دمشق واجتمع بالأسد في خطوة رئيسية باتجاه التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين.

وفي اليوم التالي دعا وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وقال إن بلاده التي ستستضيف الاجتماع المقبل للجامعة، في شهر مارس المقبل، تتطلع إلى إجماع عربي بهذا الشأن.

وكان وزير خارجية مصر، سامح شكري، قد اجتمع بنظيره السوري، فيصل مقداد، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعلى الرغم من تبادل الزيارات بين مسؤولين سوريين وسعوديين إلا أن الرياض لم تعد فتح سفارتها في دمشق، ويعتقد أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لن تكون ممكنة دون موافقة مصر والسعودية.

وعلى الرغم من وجود قرارات من الاتحاد الأوروبي تدين النظام السوري، إلا أن دولا مثل بلغاريا وهنغاريا واليونان وقبرص قد أعادت فتح سفاراتها في دمشق، وإن أبقت تمثيلها على مستوى القائم بالأعمال.

الدول العربية التي تسعى إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، دون الإصرار كشروط مسبقة على بدء عملية إصلاح سياسي حقيقية أو حتى إجراءات مثل إطلاق سراح سجناء سياسيين، تبرر موقفها بالقول إنها تريد أن تساعد سوريا على الإفلات من النفوذ الإيراني ومساعدتها على التصدي للاحتلال التركي واحتواء القوى الإسلامية التي تسيطر على مدينة إدلب ومحيطها.

كما تقول هذه الدول إنها تريد احتواء مضاعفات حروب سوريا الاقتصادية والاجتماعية على جيرانها، مثل الأردن والعراق ولبنان وخاصة أعباء اللاجئين، كما يتبين من جهود مصر والأردن توفير الطاقة الكهربائية إلى لبنان.

يعكس ذلك أيضا قلق بعض دول المنطقة من الانحسار التدريجي للانتشار العسكري الأميركي، ومعه انحسار الاهتمام السياسي النسبي بالمنطقة، والأهم من ذلك عدم معارضة واشنطن، بشكل علني وفعلي، لمساعي تطبيع العلاقات العربية مع نظام الأسد، هي التي تفسر هذه الظاهرة.

يؤكد المسؤولون في إدارة الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستواصل تمسكها بمقاطعة نظام الأسد سياسيا واقتصاديا، وهذا ما أوضحه وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، قبل أسابيع حين قال إن سياسة واشنطن في سوريا تهدف إلى مواصلة المساعدات الإنسانية، والتصدي لتنظيم (داعش) وإبقاء الضغوط على نظام الأسد ودعم اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية.

وأضاف “ما لم نفعله، وما لا نعتزم فعله، هو إظهار أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات أو إعادة الاعتبار للأسد، أو إلغاء أي عقوبة ضد سوريا أو تغيير موقفنا من معارضة إعادة البناء في سوريا، إلا في حال حدوث تقدم غير قابل للإلغاء باتجاه الحل السياسي”.

ولكن هذا الموقف الأميركي الرسمي لم يترجم إلى معارضة علنية أو فعلية لمحاولات التطبيع العربية مع نظام الأسد. كما أن رغبة واشنطن بمساعدة الدول العربية المتضررة من الأزمة السورية مثل الأردن ولبنان دفعتها للإعلان بأنها لن تستخدم العقوبات المفروضة على التعامل الاقتصادي مع سوريا وفقا “لقانون قيصر” لمعاقبة مصر والأردن في سعيهما لإيصال إمدادات الطاقة من مصر عبر سوريا إلى لبنان.

إذا، هناك معارضة أميركية مبدئية ونظرية للتطبيع مع نظام الأسد في سوريا، ولكن واشنطن لن تترجم هذه المعارضة في نقد علني أو في إجراءات عملية ضد الأطراف التي تسعى للتطبيع السياسي مع سوريا.

ويقول السفير الأميركي السابق في سوريا والدبلوماسي المخضرم، كريستوفر روس، في مقابلة خاصة: “قال بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض إن إدارة الرئيس بايدن لا تعتزم السعي إلى تغيير الأنظمة في الشرق الاوسط. ونظام الأسد هو امتحان لهذا الموقف”.

ويضيف روس “لقد حاولنا خلال عقد من الزمن إيجاد بديل، ولكن الحقيقة المرّة أن الأسد وقواته، بممارساتها الوحشية ومؤيديه العرب وغيرهم، هم اللاعبون الوحيدون القادرون على المضي إلى ما وراء سفك الدماء والحفاظ بشكل أو بآخر على وحدة سوريا، والبدء بإعادة بناء اقتصادها المدمّر” ويرى السفير روس أن “هذه الواقعية تتطلب وتفسر رغبة دول عربية وغير عربية باتخاذ خطوات لاستئناف العلاقات مع بشار الأسد”.

ولكن هذه الحقيقة المرّة تشمل أيضا أن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، يعني التعايش مع نظام مارس القتل الجماعي وارتكب جرائم ضد الإنسانية، كما أن مثل هذه الأنظمة غير قابلة لتغيير أساليبها. وحتى إذا لم تعد هناك أعمال قتل جماعي في سوريا، فإن الطبيعة القمعية لنظام الأسد سوف تبقى كما هي، لأنه غير قادر على الاستمرار في السلطة دونها.

إعادة سوريا إلى “الحظيرة العربية” لن يؤدي بالضرورة إلى تقليص النفوذ الإيراني بشكل جذري في سوريا، لأنه نفوذ وصل إلى مختلف أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والمذهبية والثقافية في سوريا.

ويمكن القول إن تدخل إيران وحزب الله أنقذ نظام الأسد من السقوط في بداية الانتفاضة المسلحة، ولاحقا ساهم التدخل الروسي في تعزيز ديمومة النظام.

وعودة الدول العربية إلى دمشق دبلوماسيا لن تساهم في إنهاء الاحتلال التركي لشمال سوريا، وهذا الاحتلال مرشح للبقاء في المستقبل المنظور.

أما مسألة إعادة إعمار سوريا والاستثمار في عملية إعادة البناء، فهذه أهداف لن تتحقق في أي وقت قريب، في غياب المستثمرين الأجانب، والغربيين تحديدا، مع استمرار العقوبات الأميركية.

تطبيع العلاقات العربية والدولية مع نظام الأسد وإعادة تأهيله تعني مسامحة جرائم بشار الأسد ضد شعبه وهي جرائم مستمرة، ودماؤها لم تجف حتى الآن.

كاتب وصحفي لبناني

الحرة

——————————–

تقاربات إقليميّة وسط تباعدات عربيّة/ عبدالوهاب بدرخان

تمرّ المنطقة العربية بمرحلة تحوّلات، قد تطول أو تقصر، وقد تنجح أو تفشل، بحسب النجاحات والتوازنات التي يمكن التوصّل إليها في حوارات التقارب بين العرب ودول الجوار الإقليمي، تركيا وإيران وإسرائيل. كان ذلك خياراً مطروحاً منذ نهاية العقد الماضي، وقبيل اندلاع الانتفاضات الشعبية العربية، ولم يتأمّن توافق عليه بين الدول العربية الأساسية، مصر والسعودية وسوريا، آنذاك، بسبب تباين المقاربات لدى كلٍ من هذه الدول، لا سيما إسرائيل وإيران، أو بسبب الحساسيات حيال تركيا. وإذ ألحّت الولايات المتحدة دائماً على التطبيع العربي – الإسرائيلي من دون أي مبادرة متوازنة، فإنها شجّعت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على تفاهم عربي – إيراني، لكن أيضاً من دون ضوابط للطرف الإيراني. ولا تتبنّى إدارة الرئيس جو بايدن الاتجاه نفسه فحسب، بل إن انسحابها من أفغانستان يجعله خياراً إلزامياً ويمثّل دفعاً عملياً إليه.

تغيّرت الآن تلك الصيغة العربية الثلاثية، التي اختصّت بالشرق الأوسط وبالقضية الفلسطينية تحديداً، بسبب أوضاع سوريا التي باتت مناطق نفوذ للدول الإقليمية الثلاث، إضافة الى روسيا والولايات المتحدة. هناك محاولات لملء الفراغ الذي تركته سوريا، أو لمساعدتها في العودة الى دورها، وربما تأتي مبادرات الإمارات والأردن في هذا السياق، إلا أن فاعليتها تصطدم بطبيعة النظام السوري وبتعقيدات الواقع على الأرض، بمقدار ما تتوقّف على وفاق أميركي – روسي لا يزال صعباً. وفيما يعاني الشرق الأوسط والخليج من سباق محاور داخلية أو مرتبطة بالإشكالات الدولية والإقليمية، لا يبدو المغرب العربي بأفضل حال، خصوصاً بعد القطيعة التي قرّرتها الجزائر مع المغرب على خلفية رفضها الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وما رافقه من تطبيع للعلاقات المغربية – الإسرائيلية. ثم إن الأزمة الليبية وتداعياتها فرضت أيضاً تنافساً مغاربياً ومحاولات لرسم محاور ضائعة بين التدخّلين التركي والروسي، وبين أدوار أميركية وأوروبية دائمة التقلّب بين تفاهمات وتناقضات.

فشلت الانتفاضات الشعبية العربية، وانكفأ ما سُمّي “الربيع العربي”، بعدما استثار كل الانقسامات الاجتماعية. تأذّى العالم العربي كثيراً جرّاء هذا الفشل، وتعرّضت قضاياه العادلة لأسوأ الأضرار. لم تسنح الفرصة التاريخية لتحقيق “التغيير” الذي صدحت به الشوارع والساحات، أما “قوى التغيير” المُفترَضة فجرّبت وجازفت، لكن من دون جدوى، إذ إن نقص الخبرة وهوس التسلّط والنهم الى المكاسب لم تمكّنها من إنتاج أنظمة بديلة أكثر عدالة أو من إنهاض الاقتصادات من عثراتها وتخلّفها. فالذين خرجوا بالأمس للدفاع عن حقوقهم الأساسية، يخرجون اليوم للمطالبة بحد أدنى من العيش السويّ. لا أحد يتذكّر أن تلك الانقسامات كانت إرث الأنظمة المتساقطة لشعوبها، أو أن الاقتصاد – “الاستقرار” كان صامداً فقط بتوفّر غطاء سياسي خارجي لتلك الأنظمة، وليس بفضل استغلال جيّد للموارد الداخلية والمساهمات الدولية أو حسن إدارة لديناميات الإنتاج والنمو. والأسوأ أن أحداً لا يريد الاعتراف بأن تصحيح مسارات البلدان المأزومة يبدأ بالضرورة من معالجة الانقسامات، لئلا تتحوّل الى حروب أهلية بلا أي آفاق.

طوال العقد الماضي، أظهرت الانتفاضات الشعبية، إذاً، ما عندها من تحوّلات سياسية وانهيارات اقتصادية وتوتّرات اجتماعية. وعلى قاعدة إخفاقاتها، يبدو العقد الحالي مفتوحاً على تحوّلات عربية على مستوى الدول والحكومات، لكن في اتجاه القوى الإقليمية وبداية تغيير في نمط العلاقات. تتقدّم مصر خطوةً خطوة نحو تطبيع علاقاتها مع تركيا، وتتحاور السعودية مع إيران في بغداد، وتؤسس الإمارات نموذجاً متكاملاً، إذ تفتح صفحة جديدة مع تركيا وتطوّر توافقاً مع إيران من دون أن يؤثّر ذلك في التطبيع الذي أقامته مع إسرائيل. من الواضح أن تركيا وإسرائيل تحاولان التكيّف مع هذا التوجّه، وإنْ بطرق ومفاهيم مختلفة، أما إيران فلا تبدو جاهزة بعد، وإلا لكانت طبّقت أقوالها عن “الانفتاح على الجوار”، والمقصود به السعودية، بأفعال، ما دام حوارها مع الرياض يقوم على خفض التوتّرات. أما إثيوبيا، وهي دولة إقليمية مطلوب التوافق معها، ففوّتت فرص الوئام مع مصر والسودان بتعنّتها في قضية “سدّ النهضة”، حتى أنها لم تستجب للوساطات الخليجية، وها هي الآن تستفز السودان برغم انشغالها بحرب أهلية طاحنة.

تركيا وإيران تحاولان التقارب، كما اعتادتا دائماً، على قاعدة أن المصالح الاقتصادية أولى من الخلافات السياسية، خصوصاً عندما تكون أنقرة في فترة حرجة مع واشنطن، أو يكون هناك اشتباك “تفاوضي” بين إيران والدول الغربية، لكن الإشكالات كثيرة بينهما، من سوريا الى العراق وأذربيجان والسباق الى الخليج. وتبذل تركيا جهداً لجعل العلاقة السياسية مع إسرائيل بمستوى الازدهار التجاري بينهما، آملةً أن يساهم اللوبي الإسرائيلي في تخفيف الضغوط الأميركية عليها، لكن أنقرة ستكون مدعوّة الى “تصحيح” مواقف أردوغانية تتعلّق بإسرائيل “دولة الإرهاب” أو بالتعاطف التركي مع حركة “حماس”، كما كانت حالها ولا تزال بالنسبة الى عقبة جماعة “الإخوان المسلمين” في ملف التطبيع مع مصر. وإذ تبقى تصفية الخلافات مع السعودية من أبرز الاهتمامات الإقليمية لأنقرة، فإنها خطت فيها خطوات متقدّمة، لكنها غير كافية بعد لتوقّع لقاء قريب على مستوى القمّة. وعموماً، تبحث تركيا في كل مساعي التقارب عمّا يقوّي أوراقها في سوريا وليبيا، حيث تتفق مع روسيا وتتواجه معها في آن.

لا تزال إسرائيل تتطلّع فقط الى المصالح التي تتوخّاها من اتفاقات التطبيع التي وقّعتها مع أربع دول عربية، ولا تعتبر نفسها ملزمة بشيء حيال الشعب الفلسطيني وحقوقه، وهذا نقص فادح في العملية برمّتها، من شأنه أن يترك المجتمعات مشكّكة ومتوجّسة من هذا التطبيع. وفي الوقت نفسه، لم يُسجّل دخول إسرائيل على الخط الإقليمي التأثير المُتوقّع في موازين القوى أمنياً أو عسكرياً، وسط الاختلال الذي تشهده المنطقة بسبب تقليص الوجود الأميركي وإعادة النظر قي تموضعاته. ربما يُعزى ذلك الى اختلاف تطبيق الاستراتيجية الأميركية بين الإدارتين السابقة والحالية، إلا أن جو المواجهة الذي تتبادل إيران وإسرئيل فرضه على المنطقة لم يتغيّر، وهو مقلق جداً للدول العربية التي تريد تجنّب الانجرار الى حرب جديدة أو الوقوع في صراع عسكري قابل للتوسّع. لذلك ينبغي مراقبة التقاربات من زاوية المواجهة المحتملة إذا فشلت مفاوضات فيينا.

النهار العربي

————————-

ما هي انعكاسات تقارب أنقرة وأبو ظبي على دمشق؟/ إعداد وتحرير: معاذ الحمد

طرحت عودة العلاقات بين تركيا والإمارات، تساؤلات حول مدى انعكاسها على علاقات أنقرة بدمشق وعلاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين.

وفي الرابع والعشرين من هذا الشهر، زار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، تركيا، بعد سنوات من القطيعة، والتقى بالرئيس رجب طيب أردوغان، بعد دعوة وجهها الأخير له.

وتأتي هذه الزيارة، بعد أسبوعين تقريباً من زيارة، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عشر سنوات، قام بها وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، إلى دمشق التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد.

وتركيا والإمارات على طرفي نقيض في سوريا، فبينما تدعم تركيا فصائل معارضة مسلحة في شمال غربي وشمال شرقي سوريا، تدعم الإمارات التدخل العسكري الروسي في سوريا والإدارة الذاتية في الشمال الشرقي للبلاد.

وفي عام 2015، عارضت الإمارات طلباً سعودياً، قُدم من قبل سبع دول هي السعودية وقطر وتركيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، يطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية في سوريا.

وفي عام 2020،  قدمت الإمارات مبادرة حول العملية السياسية في سوريا وإشراك الكرد فيها.

وتستوجب المبادرة إعادة رسم الخريطة الميدانية في إدلب والسيطرة على الطريقين الدوليين “إم 4” و”إم 5″، وسحب البساط من تحت تركيا في المنطقة.

كما تنص على فتح معبر “نصيب” الحدودي بين سوريا والأردن بشكل جدي، وتنشيط ميناءي “اللاذقية” و”طرطوس”، مقابل محاولة الإمارات إرجاء العمل بقانون “قيصر” الأميركي، أو تخفيف قيوده على الأقل لفترة تجريبية.

وفعلاً، وفي آب/ أغسطس الماضي، بدأ التشغيل الكامل لمعبر جابر ـ نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، بعد عودة العلاقات بين البلدين.

وقبل أيام، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في إشعار على موقعها الإلكتروني أن الولايات المتحدة عدلت القواعد المتعلقة بالعقوبات المتعلقة بسوريا “لتوسيع التفويض الحالي المتعلق بأنشطة معينة لمنظمات غير حكومية (NGO) في سوريا”.

بداية الخلاف ومراحله

وظهر الخلاف والقطيعة بين الإمارات وتركيا، للعلن، مع تدخل الجيش المصري لإقصاء الرئيس المصري الراحل المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.

وفي أعقاب الإطاحة بمرسي عام 2013 اتهم الإعلام المقرب من جماعة الإخوان المسلمين المصرية الإمارات العربية المتحدة بدعم القوى المناهضة لحكمها.

ووقفت السعودية والإمارات والبحرين بقوة إلى جانب الجيش المصري وقدمت لمصر مساعدات مالية بمليارات الدولارات، وما لبثت الدول الخليجية الثلاث أن قامت بتصنيف الجماعة في خانة المنظمات “الإرهابية”.

من جهتها وقفت تركيا ضد خطوة الجيش المصري وانتقدت بقوة ما جرى في مصر ووصفته بالانقلاب على الشرعية والرئيس الشرعي.

وشكلت تركيا وقطر جبهة معارضة لما جرى في مصر. وزادت حدة التوتر والقطيعة بعد محاولة الانقلاب في تركيا 2016، والاتهامات التي وجهتها أنقرة لأبو ظبي في “سعيها لإثارة البلبلة وزرع الفتنة في تركيا”، بحسب تصريح لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو في شباط/ فبراير 2020.

وما عودة العلاقات التركية الإماراتية، إلا نتيجة لسياسة خطوات متدرجة انتهجتها تركيا خلال الأشهر الماضية لتطبيع العلاقات خاصة بعد القمة الخليجية في السعودية.

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أصدرت الحكومتان المصرية والتركية بياناً مشتركاً في ختام مباحثات بشأن تطبيع العلاقات التي طغى عليها التوتر في السنوات الماضية.

وأشار البيان إلى أن وفدي الجانبين بحثا قضايا ثنائية فضلًا عن عدد من الموضوعات الإقليمية، مثل الوضع في ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين وشرق المتوسط.

وفي أيار/ مايو الماضي، أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو زيارة للسعودية وعقد لقاءً مع نظيره السعودي، غير أن استمرار السعودية في مقاطعة المنتجات التركية يُظهِر أنه من الصعب تطبيع العلاقات بين البلدين بشكل كامل على المدى القصير.

وجاء التقارب التركي مع السعودية بعد القمة الخليجية الـ41 التي انعقدت في مدينة العلا بالسعودية.

ومن مخرجات القمة، عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) وقطر”.

وشدد البيان الختامي للقمة الخليجية، على مواقفه وقراراته الثابتة بشأن “الأزمة السورية” والحل السياسي على مبادئ جنيف (1) وقرار مجلس الأمن 2254.

اقتصاد ومصالح أساس السياسة 

جاءت دعوة أردوغان لنظيره الإماراتي لزيارة تركيا، في وقت تعاني فيه تركيا من أزمة اقتصادية وانهيارٍ في قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.

وبالنسبة للإمارات، فهي تبحث، بحسب تقارير صحفية، عن دخل غير نفطي مع انخفاض أسعار النفط، لذلك تبدو اليوم بأمس الحاجة إلى موطئ قدم قوي ومستقر للاستثمار في العالم، وإلى شركاء تجاريين أقوياء قادرين على دعم خططها بالنمو الاقتصادي.

وخسرت أسعار النفط عشرة دولارات، الجمعة، مسجلة أكبر تراجع في يوم واحد منذ نيسان/ أبريل 2020، بعدما أثار اكتشاف سلالة جديدة من فيروس كورونا قلق المستثمرين وعزز المخاوف من تضخم فائض المعروض العالمي في الربع الأول من العام المقبل.

وانخفض النفط مع أسواق الأسهم العالمية بفعل مخاوف من أن تؤدي السلالة الجديدة، إلى تقويض النمو الاقتصادي والطلب على الوقود.

وأعلن السفير التركي لدى أبو ظبي، توجاي تونشير، خلال مشاركة تركيا في معرض “إكسبو 2020 دبي” عن أن حجم التجارة بين تركيا والإمارات بلغ 8.5 مليار دولار.

وأشار إلى أن الأشهر الستة الأولى من العام الحالي شهدت نمواً في حركة التجارة يقارب الـ100%.

من جهته، قال وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، إن الشراكة الاقتصادية بين الإمارات وتركيا تشهد تطوراً مستمراً.

وأشار إلى أن التبادل التجاري بين البلدين قفز بنسبة 100% في النصف الأول من العام الحالي.

ويرى مراقبون أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، قد تكون سبباً رئيسياً لإدارة الخلافات في القضايا الإقليمية، وعلى وجه الخصوص سوريا.

خاصة في ظل وجهات النظر المتباينة بين تركيا والإمارات، في مسألة تعويم الأسد، حيث ترحب بذلك أبو ظبي، بينما لا تزال أنقرة مترددة.

تعبيد الطريق لعودة دمشق للجامعة

وكثر الحديث، مؤخراً، لدى دول عربية عن نيتها وسعيها لإعادة سوريا للجامعة العربية.

وعلّق وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقدوه في القاهرة أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، عضوية سوريا في الجامعة العربية، إثر اندلاع الحرب في البلاد.

لكن المرحلة الحالية في سوريا على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية تجاوزت الظروف التي برزت عام 2011، مما دفع العديد من الدول على رأسها الإمارات والجزائر والأردن والعراق إلى تبني عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر منذ عقد.

وكانت الجزائر على رأس المتحفظين على قرار تجميد عضوية سوريا، وبعد تولي عبد المجيد تبون الرئاسة دافع عن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

ودعا عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي إلى عودة سوريا لمحيطها العربي.

وقال بن زايد في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في أبوظبي في آذار/ مارس الماضي، إن التعاون الإقليمي ضروري لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها.

واعتبر محللون، هذه الخطوات، مؤشراً قوياً على عودة سوريا للجامعة العربية وخطوة ضرورية لقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي أضرّت بالملف السوري.

ومن هذا المنطلق، تتخوف تركيا من فقدان كل أهدافها وتطلعاتها في سوريا وتضارب مصالحها، ولذلك توجهت للإمارات، التي انفتحت في سياستها الخارجية نحو تصفير المشكلات وتهدئة النزاعات الإقليمية.

وفي أروقة السياسة التركية، يدور حديث عن تحضيرات لعقد صفقة استراتيجية ومصيرية بين أنقرة ودمشق بإدارة من روسيا.

وفي الرابع من أيلول/ سبتمبر الماضي، تحدثت صحيفة “غازاتاسي” التركية (مقربة من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم)، عن لقاء مرتقب في بغداد، بين رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، ومدير مكتب “الأمن الوطني”، اللواء علي مملوك.

ووصف رئيس دائرة المخابرات العسكرية التركية الأسبق، إسماعيل حقي بكين، اللقاء الذي سيعقد في بغداد بأنه بداية لمرحلة جديدة.

وكان مملوك وفيدان التقيا في العاصمة الروسية موسكو للمرة الأولى منذ عام 2011، في كانون الثاني/ يناير 2020، وتباحثا في أمور عدة أهمها الوجود التركي في سوريا، ولم يعلّق الجانب التركي على هذا اللقاء.

وقبل أيام، زار وفد سوري يمثّل وزارة الداخلية السورية تركيا في إطار مشاركته في الاجتماعات الدورية للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، التي انعقدت في إسطنبول.

وجاءت الزيارة بعد الحديث عن قرب عملية تطبيع العلاقات الثنائية بين أنقرة ودمشق، “مع اعتراف أنقرة على لسان كبار مسؤوليها بأن التواصل مع دمشق استخباراتيًا ما زال مستمراً”، بحسب تصريحات سابقة.

نورث برس

—————————

شرق أوسط بدون أمريكا.. قراءة في التحولات الكبرى التي أكدتها زيارة ولي عهد أبوظبي لتركيا

عربي بوست

شهد مطلع 2021 إرهاصات لتحولات في تحالفات الشرق الأوسط والعلاقات بين دوله، لكن زيارة حاكم الإمارات محمد بن زايد إلى تركيا كشفت عما يصفه محللون بخريطة جديدة في المنطقة في مرحلة ما بعد أمريكا.

كانت العلاقات التركية الإماراتية قد شهدت تحسناً كبيراً في الأشهر الأخيرة بعد قطيعة استمرت أكثر من ثماني سنوات. وجاءت زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد لأنقرة في 18 أغسطس/آب الماضي، كبداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، حيث التقى الرئيس التركي وناقش معه القضايا الإقليمية والاستثمارات الإماراتية في تركيا.

لكن وصول محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات إلى تركيا، والاستقبال الخاص الذي استقبله به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لا يمثل فقط تتويجاً لإشارات التقارب بين أبوظبي وأنقرة وفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، بل يعتبر عنوانا أوسع للشرق الأوسط وتحالفاته فيما هو قادم، بحسب محللين.

الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط

وقبل الدخول إلى ملامح الخريطة الجديدة للتحالفات والعلاقات في الشرق الأوسط استعداداً للانسحاب الأمريكي المحتمل من المنطقة، من المهم التوقف عند مسألة الانسحاب نفسها أو انتهاء النفوذ الأمريكي وما يقوله المسؤولون الأمريكيون في هذا الصدد.

لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي، خلال حوار المنامة الذي أقامه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الأسبوع الماضي، قال للصحفيين إنه واجه “مستوى مرتفعاً من القلق لدى الحلفاء بشأن مدى التزام الولايات المتحدة بهذه المنطقة”.

وأضاف أوستن، خلال المؤتمر الأمني السنوي في البحرين، إن أمريكا “ستظل ملتزمة بالتواجد في هذه المنطقة (الشرق الأوسط). لا يزال لدينا آلاف من الجنود في هذه المنطقة. لدينا قدرات ضخمة هنا”، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

وواصل أوستن محاولة إقناع الجميع بأن واشنطن لم تغير من مستوى التزامها بمنطقة الشرق الأوسط، فقال: “أنا شخصياً خضت حروباً كثيرة لعدة سنوات دفاعاً عن المصالح في هذه المنطقة، ودعوني أؤكد لكم أننا لن نتخلى عن تلك المصالح في قادم الأيام”.

لكن تطمينات وزير الدفاع الأمريكي لم تجد أذناً صاغية، إذ واصل المشاركون في المؤتمر في محاصرة المسؤولين الأمريكيين بشأن التراجع الواضح لاهتمام واشنطن بملفات منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كانت أمريكا صاحبة النفوذ الأقوى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. حتى إن أحد المشاركين وجه سؤالاً لأوستن عن سبب غياب الرد الأمريكي على تعرض قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا لهجوم الشهر الماضي، بحسب سي إن إن.

وحاول بريت ماكغورك منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي في إدارة جو بايدن، الإيحاء بأن واشنطن ردّت بالفعل على الهجوم لكن بطريقة “سرية”. “لا يتم الحديث عن مثل هذه المواضيع في وسائل الإعلام كما لن يظهر كل رد فعل أمريكي على شاشة CNN أو غيرها”، مضيفاً أن القول إن أمريكا لم تفعل شيئاً هو “قول غير دقيق”.

لكن الواضح أن اللاعبين الإقليميين في الشرق الأوسط قد عقدوا العزم واتخذوا قرارهم بالفعل فيما يتعلق بالاعتماد على الولايات المتحدة بشأن قضايا الأمن والدفاع عن أنفسهم، بحسب تحليل الشبكة الأمريكية. وقارن محللون تحدثوا للشبكة الأمريكية بين الموقف الأمريكي من غزو صدام حسين الكويت عام 1991، وبين رد الفعل- أو غيابه بمعنى أدق- عندما تعرضت منشآت أرامكو النفطية السعودية لهجوم مدمر بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية منتصف سبتمبر/أيلول 2019.

وكانت سياسة “أمريكا أولاً” التي طبقها الرئيس السابق دونالد ترامب قد تسببت في زعزعة الثقة لدى حلفاء واشنطن في مدى الالتزام الأمريكي تجاههم فيما يتعلق بالقضايا الأمنية والعسكرية، ثم جاءت طريقة انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان في أغسطس/آب الماضي لتضع المسمار الأخير في نعش تلك الثقة، بحسب كثير من المحللين.

زيارة بن زايد إلى تركيا

في إطار هذا السياق، يرى كثير من المحللين أن زيارة ولي عهد أبوظبي إلى تركيا تحديداً تمثل تحولاً جذرياً في الشرق الأوسط، نظراً لما مثله كل منهما على مدى نحو عقد من الصراعات في المنطقة. فالإمارات كانت طرفاً فاعلاً في أكثر صراعات الشرق الأوسط شراسة، سواء في ليبيا أو سوريا أو اليمن أو مصر وتونس والسودان والعراق، إلى الصراع شرق المتوسط، وكانت توصف الإمارات في الغرب بأنها “إسبرطة الصغيرة”.

وبنت الإمارات سياستها الخارجية منذ الربيع العربي على العداء المطلق للإسلام السياسي- وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، وفي المقابل كانت تركيا برئاسة أردوغان تمثل النقيض من تلك السياسة الإماراتية، ووصل العداء بين الجانبين ذروته منذ 2016 عندما اتهمت أنقرة أبوظبي علناً بتمويل ودعم الانقلاب الفاشل في تركيا.

وبالتالي، جاء لقاء محمد بن زايد وأردوغان الأخير ليمثل انطلاقاً لمرحلة جديدة، ليس فقط في علاقات الدولتين، ولكن في الشرق الأوسط ككل، وهي مرحلة عنوانها “التنافس بدلاً من الصراع”، بحسب محللين تحدثوا للشبكة الأمريكية.

وفي تحليل لشبكة CNN عنوانه “ماذا تخبرنا زيارة ولي عهد أبوظبي إلى تركيا بشأن الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد أمريكا”، رأى محللون أن كثيراً من اللاعبين الإقليميين في الشرق، أبرزهم الإمارات، قد انتبهوا أخيراً إلى عدم جدوى الصراعات وأنه حان الوقت لتغيير السياسة الخارجية بشكل جذري للتعامل مع المتغيرات الجديدة، سواء الانسحاب الأمريكي أو التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.

وقال يوسف إريم المحلل السياسي التركي ورئيس تحرير TRT World للشبكة الأمريكية إن “ورقة الرئيس أردوغان الأقوى التي أبقته في السلطة هي الاقتصاد، وبالتالي فإن دخوله السباق الانتخابي عام 2023 في ظل المعاناة الاقتصادية الحالية هو أمر لا يرغب فيه”.

وفي المقابل، واضح أن أبوظبي قد اقتنعت بعدم جدوى مواصلة سياساتها الخارجية العدائية التي تشعل صراعات المنطقة، خصوصاً في ظل الغياب الأمريكي الواضح عن شؤون المنطقة والتركيز أكثر على المنافسة مع الصين، وبالتالي قررت الإمارات اللجوء إلى سياسة أكثر اتزاناً وقبولاً للحوار والحلول السلمية.

وهذا ما عبر عنه عبد الخالق عبد الله المستشار السابق لولي عهد أبوظبي وأستاذ العلوم السياسية، بقوله للشبكة الأمريكية إن ما يقود هذا التحول هو “إعادة تقييم القيادة للدور الإماراتي في المنطقة”، مضيفاً: “نالت المنطقة نصيبها من الصراع وعدم الاستقرار والحروب التي لا يخرج منها أي طرف منتصراً”.

الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد أمريكا

ولا تقتصر تلك التحولات في المنطقة على العلاقة بين تركيا والإمارات وحسب، فالعراق في ظل حكم مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء يسعى إلى لعب دور أكثر استقلالية والتخلص من كونه مسرحاً مفتوحاً للصراع بين إيران والولايات المتحدة. وعلى الرغم من صعوبة المهمة، فإن الكاظمي استطاع أن يجعل بغداد مسرحاً للقاءات لتقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية- وكلتاهما ترى في الأخرى عدوها الإقليمي الأخطر، وهذا التحول يراه أغلب المحللين إيجابياً لجميع الأطراف، ولم يكن ليصبح ممكناً لولا تراجع النفوذ والتأثير الأمريكي في المنطقة.

وكان تحليل لمجلة Slate الأمريكية أواخر أبريل/نيسان الماضي قد تناول الجدل في أروقة السياسة الأمريكية بشأن اللقاءات السرية بين إيران والسعودية في غياب الولايات المتحدة، ورأت المجلة أن هذا التحوُّل كان مدفوعاً بالاعتراف بأن الولايات المتحدة تبتعد عن الشرق الأوسط.

وفي الأسبوع الماضي، صدر بيان مشترك عن الدول الخليجية يدعم إعادة إحياء المفاوضات بين إيران والدول الغربية بشأن الاتفاق النووي، في ظل الجولة الجديدة من المناقشات والمقررة في فيينا الإثنين 29 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. وهذا البيان في حد ذاته يمثل تحولاً جذرياً في موقف السعودية والإمارات، إذ كانت السعودية تحديداً من أكثر المنتقدين للاتفاق النووي الذي وقعته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015.

المحادثات بين السعودية وإيران

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي

وبالتوازي مع التراجع الواضح في النفوذ الأمريكي في المنطقة، رغم النفي المتكرر لمسؤولي إدارة بايدن لتراجع اهتمامهم بقضايا الشرق الأوسط، يتعاظم نفوذ الصين وتواجدها، ليس فقط من بوابة الاقتصاد والاستثمارات، بل أيضاً من بوابة السياسة والوجود العسكري، فالقاعدة العسكرية الصينية الوحيدة بعيداً عن الديار موجودة في جيبوتي، بخلاف التقارير عن وجود قاعدة صينية سرية في الإمارات نفسها.

وتكشف كل هذه المعطيات عما يصفه بعض الدبلوماسيين الغربيين “بإعادة ضبط إعدادات الشرق الأوسط” لتتلاءم مع مرحلة ما بعد الولايات المتحدة، بحسب تقرير خاص لموقع عربي بوست، تحدث فيه مصدر دبلوماسي غربي عن كيف تشهد المنطقة تغييراً في نهج القوى الإقليمية المؤثرة وتحديداً العربية، مشيراً إلى زيارة محمد بن زايد لتركيا ولقاء الرئيس التركي وفتح صفحة جديدة بعد عقد من الصراعات الدموية والسياسية.

وتوقع المصدر الدبلوماسي الغربي أن يكون العام القادم عاماً لفرض الواقع السياسي والإقليمي الجديد نتيجة التحولات الكبرى في الشرق الأوسط، في ظل الانسحاب الأمريكي من المنطقة، والذي يعني أن هناك حاجة لقوى فاعلة لتعبئة هذا الانسحاب.

وبعيداً عن بطء شديد تشهده إعادة رسم المنطقة نتيجة التعقيدات الشديدة في جميع ملفات المنطقة وبؤرها الساخنة، إضافة إلى تعدد الأطراف الفاعلة في كل ملف وتناقض المصالح، إلا أن كثيراً من المحللين يرون أن خريطة النفوذ والتحالفات والعلاقات البينية في المنطقة ستختلف اختلافاً جذرياً في العام المقبل عما كانت عليه في العام الماضي 2019.

————————–

من سيشارك بشار الأسد؟/ فاطمة ياسين

تَصدُر عن مسؤولي النظام في سورية، خصوصاً العاملين في الخارجية، دعوات إلى عودةِ مَن خرج من سورية إليها. ومن خرجوا كتلة سكانية كبيرة، ربما تتجاوز الثمانية ملايين نسمة، فقد أخليت قرى وأحياء بأسرها، توجّه سكانها إلى دول الجوار الجغرافي، ووجد عدد لا بأس به منهم طريقه إلى أوروبا… يريد النظام أن يظهر وجها تصالحياً بدعواتٍ إعلاميةٍ إلى العودة، بذلك ما زال يمثل دور الدولة التي تحرص على مصالح رعاياها. وتُبطن هذه الدعوات احتيالاً سياسياً، لتحقيق بعض شروط رفع عقوبات قانون قيصر، فأحد البنود ينصّ على أنّ التزام النظام بتهيئة أجواء آمنة وكريمة وطوعية يساعد في إلغاء القانون أو التخفيف منه، ويعطي إشارة إلى صاحب القرار الأميركي باستجابة النظام. وقد بدأت هذه الدعوات تصدر وتتكرّر، منذ أعاد النظام السيطرة على المساحات والمدن السورية…

على الرغم من وجودها الميداني الواسع، لم تعد السلطة مركّزة في يد جهة واحدة، كما كان الأمر سائدا قبل اندلاع الثورة، فقد أدخلت الحرب وحيثياتها تعديلاتٍ أساسيةً على معادلة الحكم، أملتها قوى خارجية مؤثّرة، كان دخولها حاسماً فيما آلت إليه الأوضاع، إذ أنبتت تجمعاتٍ مسلحة لا يسيطر عليها النظام، وفرّخت شخصياتٍ متنافسة بشكل علني أو مستتر، فلم يعد رأس النظام وحيداً. وعلى الرغم من أنّ الشكل الخارجي للنظام يظهر تماسكا والتفافاً حول شخصية واحدة، لكنّ الواقع يفيد بوجود استقطابات قادتها بشكل رئيسي كلّ من إيران وروسيا، حين وظفتا طاقاتٍ لبناء قوى داخلية موالية، تثبّتان بها أركان وجودهما الدائم في سورية، بمعزل عن رأي النظام. وقد لعبت الدولتان دوراً تنافسياً في السيطرة على “مراكز القوى” قبل أن يحصل ما يشبه الاتفاق الضمني على توزيعها، فتركّز النشاط الروسي على الشريط الساحلي ومنطقة الجنوب، فيما تركّز الوجود الإيراني على الحدود مع العراق وفي العمق السوري، مع وجود اختراقاتٍ صغيرة هنا وهناك. وأصبح النظام، وفق هذا التقسيم، مجرّد مجموعة متفرقة، متفقة على شيء واحد، الاستمرار في الحكم، ومتنافسة على ما تبقى، خصوصاً إتاوات فاتورة الإعمار الموعودة، والمرتبطة إلى حد كبير بعودة بعض اللاجئين.

تحقيق الاستقرار المطلوب لمناخ ملائم لإعادة الإعمار يتطلب خطة ذات مدى بعيد لإقرار ديمقراطية ما، وإن ببطء، لكن بخطواتٍ فعلية، وهذا ما يعارضه النظام بكل مكوناته ومرجعياته، فتحرّكاتٌ من هذا النوع ستُسقطه فيما لو جرّب تنفيذها فعليا، وهو يدرك ذلك، فيلجأ إلى المراوغة وكسب الوقت، ويظهر ذلك عند كل استحقاق سياسي مفترض، مثل سلوكه تجاه ما تعرف باللجنة الدستورية التي تراوح في منطقة ما قبل الإقلاع منذ أكثر من سنتين. ومؤكّد أنها ستظل كذلك، والنظام يدرك أيضا أن ما يمكن أن يصدر عن لجنةٍ ذات شكل ديمقراطي، مهما كان هزيلا، لا يصبّ في مصلحته، وهو يريد التمسّك بالسلطة، والتعامل مع التحدّيات الاقتصادية، من خلال محاولات النداء المتكرّر لعودة الهاربين، في استجداء لمساعدات، تمكّنه من البدء بمشاريع يسميها إعادة إعمار، وتمدّه بمزيد من المصادر اللازمة لاستمراره.

إعادة الإعمار هدف “حقيقي” للنظام، ولكن بالطريقة التي يفهمها ويريد تطبيقها، بتوجيه انتقائي لمناطق التنمية المطلوبة، وهي المناطق التي دعمت النظام، وقدّمت له خزّانها البشري للاستمرار في حربه، بالإضافة إلى مناطق نفوذ شاسعة في العاصمة، كان قد جرى تأهيلها سابقاً لتصبح تربةً صالحة لمؤيديه، وتتحوّل عملية إعادة الإعمار إلى مكافأةٍ لمن دعم النظام، حتى يستمر في دعمه. ويمكن أن تذهب حصة إلى مناطق أخرى كانت تحت سيطرة المعارضة، أو بعض المناطق التي انتفضت بشدّة في وجه النظام، من دون أن يقبل بإعادة سكانها الأصليين، على الرغم من عقده مواثيق الصلح مع مجموعات وشخصيات محلية فيها، والنظام، بشخص رئيسه بشار الأسد، يبحث الآن عن شريكٍ ثري يشاركه في ذلك كله.

العربي الجديد

————————-

=====================

تحديث 30 تشرين الثاني 2021

———————

التطبيع المحدود.. لماذا تحاول الإمارات إعادة الأسد إلى الجامعة العربية؟/ ميرفت عوف

بعد مقاطعة قاربت على عشر سنوات، شكَّلت زيارة وزير خارجية الإمارات “عبد الله بن زايد” إلى العاصمة السورية دمشق تحوُّلا مهما في مسيرة تقارب الدول العربية مع النظام السوري. وقد بدت الزيارة “روتينية”، حيث ناقش بن زايد مع رئيس النظام السوري “بشار الأسد” سُبل تطوير التعاون الثنائي في شتى المجالات، ولم ينسَ الأسد، الذي قلما حظي بتقارب واعتراف عربي من هذا النوع منذ حملته الدموية التي بدأها ضد الثوار قبل أكثر من عقد، أن يشكر الإمارات على دعمها “في التغلُّب على التحديات السورية التي فرضتها الحرب”، إذ تأتي الزيارة ودمشق بأمسِّ الحاجة إلى تعزيز العلاقات مع دول الخليج الغنية بالنفط، لا سيما واقتصادها مختنق بسبب العقوبات الغربية والمقاطعة العربية.

بيد أن الزيارة التي كسرت عُزلة الأسد عربيا لم تكن مفاجئة، فقد سبق وتلقَّى الأسد اتصالا مباشرا في 27 مارس/آذار الماضي من ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد” وكان أول اتصال مباشر بين زعيم عربي ورئيس النظام السوري منذ عام 2011. كما أن الإمارات تصدَّرت على مدار السنوات الماضية قائمة الدول التي قدَّمت مبادرات لاحتواء دمشق، إذ ترى أبو ظبي فيما يبدو أن الوقت حان لإخراج سوريا ونظامها من عُزلتهما.

أبو ظبي والتطبيع مع الأسد

بدأت المقاطعة الدبلوماسية العربية المنظمة لنظام الأسد في عام الثورة ذاته، 2011، حين طُردت سوريا من الجامعة العربية، فيما أصدرت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بيانا مشتركا أدانت فيه القمع العنيف وطالبت الأسد بإنهاء سفك الدماء، كما أقدمت تلك الدول طيلة السنوات الأولى للحرب الأهلية على اتخاذ المزيد من الخطوات لعزل الأسد دبلوماسيا، فأغلقت الإمارات سفارتها في دمشق عام 2013 أسوة بباقي دول مجلس التعاون.

بيد أنه بعد عقد من هذه الحرب خرج الأسد صامدا بفضل دعم الروس والإيرانيين العسكري الذي حصر المعارضة في جيب بشمال غرب سوريا، فيما انقسمت البلاد بين منطقة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة في الشرق، وشريط آخر شمالي رفيع تسيطر تركيا وحلفاؤها عليه، أما النظام فبات يفرض سيطرته على معظم الأراضي. وقد دفع ذلك الوضع عددا من الدول مؤخرا نحو تغيير موقفها وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، فزار الرئيس السوداني السابق “عمر البشير” العاصمة السورية قبل عدة أيام من الإطاحة به عام 2019، وبرزت الأردن الجارة لسوريا أيضا في مسيرة هذا التطبيع، حيث أجرى الأسد اتصاله الأول بالملك الأردني في سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بعدما أعاد البلدان فتح المعبر الحدودي الرئيسي بينهما.

ثمَّ ظهرت الدول الخليجية على خارطة التطبيع مع النظام السوري، إذ أعادت البحرين فتح سفارتها في دمشق عام 2019، ولحقت بها عُمان بعد عام، فيما اتخذت الرياض قرارات تقارب عن بُعد، حيث التقى رئيس الاستخبارات السعودية اللواء “خالد الحميدان” نظيره في دمشق وكذلك بشار الأسد في مايو/أيار الماضي، فيما ترأس وزير السياحة السوري “رامي مارتيني” وفدا سوريا إلى الرياض لحضور اجتماع لجنة الشرق الأوسط بمنظمة السياحة العالمية في مارس/آذار الماضي.

 Syrian Tourism Minister Rami Martini arrived to Riyadh to participate in the 47th meeting of the World Tourism Organization Committee for the ME pic.twitter.com/miyrtperu4

    — Ayman Abdel Nour (@aabnour) May 25, 2021

في غضون ذلك، عزَّزت أبو ظبي تفاعلها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي مع النظام السوري، وبدأ ذلك بإعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018 للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة، وقد خرج “أنور قرقاش”، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي آنذاك قائلا إن قرار العودة “إلى العمل السياسي والدبلوماسي في دمشق جاء نتيجة قراءة متأنية للتطورات، وإن إعادة تفعيل الدور العربي كان ضروريا بسبب التعدي الإيراني والتركي على سوريا”. هذا وأعلنت الخطوط الجوية السورية في أواخر يونيو/حزيران الماضي عن استئناف رحلاتها المباشرة إلى دبي، كما عجَّلت أبو ظبي لتقديم مساعدات لمناطق النظام إبّان ذورة جائحة كورونا، إذ تدهورت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في أرجاء سوريا بسبب “كوفيد-19”.

فيما يتعلَّق بالتبادل التجاري والاقتصادي، يمكننا الإشارة إلى أن الإمارات، ثاني أكبر مستثمر عربي بسوريا قبل عام 2011 بإجمالي استثمارات بلغ 20 مليار دولار، تهتم بالمكاسب الاقتصادية والتجارية من التواصل مع الأسد، حيث ينجذب المستثمرون الإماراتيون الآن إلى الأرباح التي يمكن تحقيقها من خلال إعادة الإعمار بعد أن تضع الحرب الأهلية أوزارها. وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالت وزارة الاقتصاد الإماراتية إنها اتفقت مع سوريا على خطط مستقبلية لتعزيز التعاون الاقتصادي، وحسب مصادر إماراتية فإن قيمة التجارة غير النفطية بين البلدين في النصف الأول من عام 2021 بلغت مليار درهم (272 مليون دولار).

اعتبارات العودة في دمشق

بالنسبة إلى النظام السوري، شكَّل دعم دول الخليج لشتى جماعات المعارضة وإصرارها على إسقاط الأسد الفجوة الأساسية بين الطرفين في ذروة الحرب السورية، إذ دعمت دول مجلس التعاون الخليجي حلفاء للولايات المتحدة مثل الجيش السوري الحر بالأسلحة والمال بدرجات متفاوتة. ولكن في العامين الأخيرين، تحوَّلت دفة الخليج نحو إعادة التعامل مع نظام الأسد لدوافع عدة، أولها القناعة المتزايدة بأن الحرب في سوريا انتهت لصالح الأسد، وأن ثمَّة ضرورة لدمج سوريا قدر الإمكان في محيطها العربي لتفادي وجود دولة فاشلة قد تُلقي بظلال من عدم الاستقرار على جوارها القريب، وكذا لمحاولة منافسة وتطويق الدور الإيراني المتعاظم في سوريا، الذي يفتقد لأدوات اقتصادية وتجارية عديدة تملكها بوفرة دول الخليج.

بالنسبة لأبو ظبي، تعود بدايات هذا التحوُّل نحو التعاون مع الأسد إلى الأرضية المشتركة التي أوجدها التعاون العسكري مع الروس الحاضرين عسكريا في سوريا منذ عام 2015. فقد رأت الإمارات أن الساحة السورية أضحت منطقة يزداد فيها نفوذ إيران وتركيا على حساب العرب، وأن قبول الأسد وما يُتيحه من فتح باب التفاهم مع روسيا، وإبرام اتفاق روسي-خليجي لإعادة توجيه بوصلة نظام الأسد بعيدا عن الإيرانيين والأتراك كليهما، قد يكون مخرجا جيدا يُحقِّق أقصى ما يُمكن من الأهداف الخليجية.

علاوة على ذلك، كان موقف أبو ظبي الراسخ في التيارات الإسلامية على مختلف أطيافها دافعا لها كي تنأى بنفسها عن دعم جماعات المعارضة السورية الإسلامية في معظمها، إذ ترتكز السياسة الإماراتية الإقليمية اليوم بالأساس على مواجهة جميع التيارات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، في حين تظل السياسة السعودية مُنصبَّة بالأساس على مواجهة إيران جيوسياسيا وتحجيم تمدُّدها، ومن ثمَّ تظل ورقة استغلال نفوذ بعض الجماعات الإسلامية السُّنية في مواجهة إيران حاضرة في ذهن الرياض على عكس أبو ظبي، التي لا يغيب عن تحرُّكاتها بالطبع مناوءة النفوذ التركي، رُغم الانفتاح الاقتصادي الأخير بين البلدين عقب زيارة بن زايد إلى أنقرة.

نتيجة لهذه الحسابات، تمتلك الإمارات الدوافع الأكثر إلحاحا لاستعادة العلاقة مع النظام السوري، وهي دوافع لا تتشاركها بقية دول الخليج بالقدر ذاته، إذ تبقى السعودية بمنأى عن سيناريو إعادة العلاقات مع الأسد، كما أن مسيرة إصلاح العلاقات بين أنقرة والرياض مؤخرا تبدو أكثر جدية وأشمل على المستوى السياسي، حيث تُظهِر المملكة قلقا أقل حيال النفوذ التركي في سوريا، ولا يسعها في الأخير -على غرار دول غربية عديدة- أن تتجاهل ما يمكن أن تُمثِّله أنقرة من ثقل إستراتيجي في محاولات خلق توازن مع إيران.

على صعيد آخر، يظل موقف قطر من استئناف العلاقات مع الأسد على حاله، فمع أن الدوحة قلَّصت تدريجيا دعمها للمعارضة السورية، فإنها تبقى معادية للنظام كما تكشف توابع زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق، حيث دعت قطر إلى وقف تطبيع العلاقات مع سوريا، وقال وزير الخارجية القطري الشيخ “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” خلال مؤتمر صحفي مشترك في واشنطن مع نظيره الأميركي “أنطوني بلينكن” إن “موقف قطر سيبقى على حاله، وإننا نعتقد أن تغيير الموقف ليس خيارا قابلا للتطبيق”.

هل شجَّع الصمت الأميركي التقارب مع الأسد؟

في أول رد فعلي رسمي أميركي على زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق، دعا “نِد برايس” المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية دول الشرق الأوسط إلى “النظر بعناية في الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري خلال العقد الماضي، فضلا عن جهوده المستمرة لحرمان معظم سوريا من الحصول على المساعدات الإنسانية والأمن”، مُعبِّرا عن رفض أميركي صريح لجهود التطبيع مع النظام السوري وإعادة تأهيله.

ولكن رغم تكرار مثل تلك التصريحات الأميركية، فإن موقف واشنطن اقتصر على تلك التصريحات والرسائل المحدودة كلما خطت إحدى الدول العربية خطوة نحو تطبيع العلاقات مع النظام السوري، دون اتخاذ أي خطوات إضافية لوقف هذا التوجُّه، ومن ثمَّ يبدو أن الولايات المتحدة لا تنوي اتباع سياسات حازمة لترسيخ عزلة الأسد إقليميا ودوليا في الوقت الراهن.

يمكن القول إن واشنطن التي تدخَّلت في الحرب الأهلية السورية بدعم جماعات المعارضة المسلحة لم تستغل وجودها كما ينبغي على الأراضي السورية، وأن الملف الوحيد الذي نجحت فيه بإيجاد موطئ قدمٍ لها هو ملف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، حين قدَّمت الأسلحة للأكراد ووجَّهت جهودها لمحاربة داعش في سوريا، وهو موقع لا يضعها في تعارض جوهري مع الأسد وروسيا من ورائه، بل يُمكِّنها من التوصل مع موسكو عبر تفاهمات دولية ثنائية إلى حلٍّ نهائي، في حين يضعها ذلك الموقف بالضرورة في تنافر شديد مع تركيا التي ترفض “قسد” بسبب صِلاتها بحزب العمال الكردستاني، الذي تُصنِّفه أنقرة منظمة إرهابية.

بعبارة أخرى، رغم عدم تغيُّر موقفها الرسمي من النظام السوري، تبدو شهية واشنطن في فرض العزلة على دمشق وقد تضاءلت، إذ تراجعت بوضوح عن استخدام الوسائل العسكرية أو العقوبات الاقتصادية في مواجهة الأسد، وقد ظهر ذلك بوضوح حين وافقت واشنطن ضمنيا على مد خط أنابيب غاز جديد إلى لبنان بهدف التخفيف من النقص الحاد في الوقود، إذ نصَّ الاتفاق على أن يمر هذا الخط عبر سوريا، ما يعني استثناء القرار من نظام العقوبات الذي تفرضه واشنطن على الأسد.

على الرغم من ذلك، ستكون مسيرة الدول المُطبِّعة مع الأسد محفوفة بالمخاطر بسبب قانون قيصر الصادر عام 2019، الذي يُخوِّل للخزانة الأميركية فرض عقوبات على أي شخص يتعامل مع نظام الأسد تجاريا. ومن المتوقَّع أن يكبح ذلك القانون من رغبة دول الخليج وغيرها بالمُضي نحو التطبيع الاقتصادي، إذ يمنع القانون أنواعا معينة من العلاقات الاقتصادية، ويستهدف الأجانب الذين يقدِّمون “خدمات بناء أو هندسة مهمة للحكومة السورية” أو “دعما ماليا أو ماديا أو تكنولوجيا مهما” أو ينخرطون “في صفقات مع الحكومة السورية أو العناصر الأجنبية في سوريا التي تدعم الجهود الحربية لنظام الأسد”.

يبقى الوضع مرهونا، على الأقل بالنسبة للدول الثقيلة اقتصاديا والحليفة لواشنطن مثل دول الخليج، بإمكانية إلغاء القانون إذا ما توصَّلت واشنطن مع موسكو إلى حلٍّ وتسوية في سوريا، بيد أن ذلك لا يبدو واضحا في الأفق، لا سيما مع انشغال الولايات المتحدة بمواجهة الصين وانسحابها التدريجي من الشرق الأوسط. ولا أدلَّ على ذلك من غياب واشنطن عن النقاشات التي تقودها موسكو حول صياغة دستور سوري اليوم.

“نأمل بالعودة إلى الوضع الطبيعي، ونريد البيع في هذه الأسواق، ولهذا السبب فنحن هنا لكي نبيع للعالم من دبي”، هذا ما قاله ممثل مبيعات سوري يقف مبهورا في جناح بلده في معرض دبي إكسبو 2020. ومن أمام صورة دعائية للأسد وزوجته أسماء وهُما ينظران لبعضهما بعضا، عبَّر الرجل عمّا يأمله النظام السوري وأنصاره بعد 10 سنوات من الحرب.

أما ما يريده السوريون والأصوات المناصرة لهم من الوصول إلى تسوية سياسية تستثني الأسد الذي فاز لتوِّه بولاية رئاسية رابعة في مايو/أيار الماضي، فإن الدلائل تُخبرنا أنه بات أبعد ما يكون عن التحقُّق. فقد استمسك الأسد بالسلطة وهو في أضعف حالاته، فلا نتوقَّع أن يتنازل اليوم عنها، أو أن يُقدِّم تنازلات في ملفات مثل السجناء والعودة الآمنة للاجئين، وهي على الأرجح شروط دولية ستقترن بأي تسوية ممكنة.

في النهاية، لن يكون من السهل التوصُّل إلى أي تسوية قريبة يمكن أن تُحقِّق الأهداف الاقتصادية للدول الساعية إلى التقارب مع الأسد والاستثمار داخل سوريا، ليس فقط بسبب الرفض الغربي لبقاء الأسد، ولكن لأن النفوذ الإيراني المتجذِّر على الأرض بمقاتليه ومصالحه لن يرحل بسهولة، لا سيما أنه مرتبط بنفوذ قائم وممتد من جنوب لبنان إلى جنوب العراق. وبالنظر إلى أن تطويق النفوذ الإيراني في سوريا هدف مهم لكلٍّ من واشنطن والرياض، فإن الانفتاح على الأسد بما قد يحمله من شروط “إيرانية” يظل صعبا.

في نهاية المطاف، يبدو أن استئناف العلاقات الخليجية مع سوريا لن يتخطى ما هو أبعد من الخطوط الدبلوماسية التي لا يزال يمكن وصفها بالرمزية والمحدودة، في حين تظل هنالك ملفات أثقل حضورا تعوق حدوث تحوُّل سياسي واقتصادي حقيقي، أبرزها العقوبات الأميركية القائمة، وغياب التسوية الدولية، والحضور الإيراني الثابت، فضلا عن الإرث الدموي لعشر سنوات من الحرب.

المصدر : الجزيرة

———————

هل تحوّل مسار الاتجاه المعاكس بين أنقرة وأبوظبي؟/ مثنى عبد الله

في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وصل ولي عهد أبوظبي إلى العاصمة التركية أنقرة في زيارة رسمية التقى فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد تقاطعات سياسية كبرى في ملفات إقليمية ودولية عديدة، وحملات إعلامية متبادلة. وإذا كان البعض يرى الخطوة مفاجئة، فالحق أن ما سبقها من زيارة لمستشار الأمن القومي الإماراتي إلى تركيا في 18 أغسطس/آب الماضي كانت هي المفاجأة. ويبدو أن تلك الزيارة، أذابت الكثير من أوجه الخلاف بين الطرفين، وصولا للقاء القمة. فهل تطاحن المصالح هو ما دفع لتغيير المسار المختلف؟ أم أن التحديات الأمنية هي التي أجبرت الجميع على تبريد الخلافات؟ وهل الطريق لعودة العلاقات إلى طبيعتها باتت سالكة؟

لا بد من القول إن وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان، غير التوازنات التي كانت قائمة في المنطقة، وفرض على جميع اللاعبين تغيير مسار العلاقات السياسية بينهم. فقد تداخلت الملفات في ظل فوضى عارمة، ولم يعد أحد قادرا لوحده على تحقيق مصالحه، ولأن أنقرة وأبوظبي نازلا بعضهما في ساحات كثيرة، في سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط والسودان والصومال والبحر الأحمر، ولم يستطع أي منهما تحقيق كامل استراتيجيته في هذه المناطق، فإن التغيرات التي حصلت في المنطقة فرضت شروطها عليهما معا، وقادتهما للاتجاه نحو التعاون. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار، أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأوسط، وأن العلاقات التجارية بينهما لم تتأثر بالأزمة السياسية، فيبدو أن جميع هذه الظروف، ساهمت في إنضاج رؤية للتعاون بدل الخلاف، لكن هل هذه العوامل هي وحدها كانت الدافع؟ إن السياسة الجديدة التي يبدو أن الإمارات تعتمدها مع تركيا، والتي تشي بفتح جسور للتعاون، هو تبدل حصل في ضوء عاملين رئيسيين: أولهما لم يعد هنالك أفق لفكرة الخلافات التي كانت سائدة، خاصة بعد تفكك معضلة الخلاف الخليجي، وحدوث حلحلة في مسار العلاقات بين جميع الأطراف، التي كانت في خضم الأزمة، وبذلك فإن أساس هذه الخلافات قد انتهى، ولا بد من تفكيك كل السياسات التي كانت قائمة على تلك النقطة. وهنا وجدت الإمارات نفسها وحيدة ومتأخرة فعليا في الوصول إلى هذا المسار الجديد. وهذا بدا واضحا مع تغير الإدارة الأمريكية وعدم وجود أفق لإبقاء هذا الصراع، وبالتالي لا بد من البحث في حل هذه الإشكالات.

أما العامل الثاني فهو التحديات الأمنية الكبرى في المنطقة، وواضح جدا أن الزلزال الأمني بعد تطورات الوضع في أفغانستان، وما سبقه من خراب اقتصادي جراء الوباء، وهنالك منظومات في خطر وليست بمنأى عن التداعيات. كل هذه المناخات تسمح لكل الأطراف المتضادة في السنوات الماضية إلى اليوم، أن تصل إلى نقطة تصفير هذه المشاكل والاستعداد لما هو مقبل. بالتالي وجدت الإمارات أنه يمكن أن يكون المسار الأمني بوابة رئيسية للولوج منها إلى فكرة إعادة العلاقات، وأن الوقت الحالي هو الأنسب للاستثمار في هذه الصيغة، والدليل على ذلك هو أن بوابة الانفتاح على تركيا كانت بزيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي، وليس وزير الخارجية أو وزير الاقتصاد أو أحد أمراء العائلة الحاكمة.

وبما أن السياسة هي كتلة من المتغيرات ولا ثوابت فيها، وأن مرحلة التقييم الحالي تقول إن هناك أخطارا مقبلة واستنزافا في كثير من محطات الصراع، ولم يبق هناك أفق ولم تتحقق مكاسب، هنا يصبح لا بد من تغيير هذا المسار وتصفير المشاكل والاستعداد لمرحلة مقبلة. وعندما تتخذ الإمارات خطوات في هذا الطريق، معنى ذلك أنها أدركت أنه لا بد من إحداث نوع من التغيير في السياسات التي تتبعها. أما تقييم هذا التغيير وحجمه وقدرته في أن يترجم كواقع على الأرض، فيمكن القول إن حجم الصراعات التي كانت سائدة، لا يمكن أن تُحل بهذه السهولة وبزيارة هنا وأخرى هناك، على الرغم من أن الأتراك لديهم رغبة أيضا في تصفير المشاكل في المرحلة الراهنة، فالخلافات الأيديولوجية حية وقائمة، لأن أبوظبي ما زالت تحمل مشروع الثورات المضادة بالنسبة لحركات التغيير في العالم العربي والإسلامي. في الوقت نفسه فإن أنقرة مستمرة في تبنى مشروع الإسلام السياسي. إذن نحن أمام تضاد بين المشروعين على مستوى الأيديولوجيا، والرغبة في حل وتصفير المشاكل ربما هي على المستوى المنظور فقط.

وبما أن المؤشرات المتوفرة، التي نراها على أرض الواقع في زيارة ولي عهد الإمارات إلى أنقرة، وقبلها زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي، تعني أن هناك تراكما في الإنجازات في هذا الموضوع، وانفراجة ممكنة، يضاف إليها عامل آخر له صلة بالموضوع، حيث أن حالة من الانفراج سبقت هذه وهي الحوار المصري التركي، والحوار القطري المصري، لكن حجم التناقضات والصراعات عميق جدا، ويكاد يقود إلى اعتقاد بأن الخلافات لن تنتهي، وربما لا نرى انفراجات كبرى، لكن ما نجده أمامنا هو استعداد من الجميع لما هو مقبل، وإدراك مشترك لحجم الأخطار المقبلة. وبالتالي إذا كانت هنالك فرصة لإغلاق هذه الخلافات، أو انتهاج نوع من أنواع التكتيك السياسي، الذي يسمح له بتخفيف الخطر المقبل في ظل فكرة التوظيف السياسي، فليكن ذلك. فهل تسير الإمارات في هذا الاتجاه؟

يقينا واجهت أبوظبي تداعيات كبرى في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص.. خلافات متعددة مع دول إقليمية مهمة… ووضعا أمنيا سيئا في كل المناطق التي تصارعت فيها مع أنقرة، من اليمن إلى ليبيا إلى كل الملفات الأخرى التي حشدت فيها إمكاناتها، كذلك الوضع الجديد في أفغانستان بالتالي تصبح فكرة التوظيف السياسي فكرة مهمة وكبيرة، ويكون التحرك لإغلاق الملفات ذا جدوى سياسية، وفيها منافع أمنية أيضا. وهذا الذي يفسر الان أن المحرك الأساسي هو الأمن، وليس الدبلوماسية ولا الاقتصاد. فدول الشرق الأوسط غالبا ما يقود سياساتها ويشكلها الأمن وليس العكس. بمعنى أن هذه الدول ليست الدبلوماسية هي التي تصنع شكل السياسة فيها، بل الأمن هو الذي يصيغها، من هنا نجد أن المنطقة اليوم لديها توجس أمني وخوف من فكرة ما هو مقبل، ووجود شكوك في طبيعة تصرفات وتوجهات كل هذه الدول، وبالتالي إذا استطاعت أنقرة وأبوظبي أن تعيدا فكرة صفر مشاكل، أو في أضعف الإيمان التفاهم وفتح القنوات الأمنية في التعاون الأمني، قد تكون أجدى للمرحلة المقبلة.

لا شك في أن هناك واقعا جديدا يتشكل في المنطقة، فرضه فقدان شهية الولايات المتحدة للخوض في الخلافات البينية. كما أن الجغرافيا حاضرة وتفرض نفسها، وهذا الواقع الجيوسياسي يلزم الإمارات وتركيا وغيرهما التعاون وحل الملفات العالقة، وبالتالي الذهاب إلى السياسة الواقعية والتعاطي بطريقة مختلفة، وإيجاد أرضية من التفاهمات لأن الجميع على تماس مع بعضهم بعضا.

كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية

القدس العربي

————————

التطبيع مع الأسد في المحطة السعودية/ بسام مقداد

تحذير مبعوث الولايات المتحدة السابق إلى سوريا جويل ريبورن للدول العربية المتهافتة على التطبيع مع الأسد، لن يختلف وقعه على الأرض عن وقع الإعتراض الأميركي والأوروبي على زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق. وتخويف هذه الدول بالعقوبات المترتبة على”قانون قيصر”، لم يكن له أي أثر على سلوك الإمارات حيال الأسد منذ إعادة إفتتاح سفارتها في دمشق قبل أربعة أعوام، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة لوزير خارجيتها إلى دمشق.”مناعة” الإمارات هذه ضد العقوبات الأميركية، برأي البعض، إكتسبتها من التطبيع مع إسرائيل ونفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. كما أن علاقات إسرائيل الجيدة مع روسيا بوتين الملحة على إعادة الأسد إلى الجامعة العربية، كما اشار بوتين منذ أيام، لا شك بانها لعبت دورها في تخفيض إصرار إسرائيل على شرط إبعاد الأسد عن إيران للتطبيع معه، ما جعل بعض الدول الخليجية المتهافتة على التطبيع مع دمشق وتل أبيب تتغاضى عن هذا الشرط، كما يقال. لكن مساري التطبيع مع إسرائيل والأسد ليسا متلازمين بالضرورة وبشترطان بعضهما، إلا أن ثمة “علاقة ما” متعلقة بإيران تربط بين المسارين.

الصورة التي جمعت مسؤولي المخابرات في كل من سوريا والسعودية، وعلى الرغم مما دار حول صحتها لاحقاً، جعلت مواقع إعلام روسية تعود مجدداً للتركيز على مسار التطبيع بين السعودية والأسد، بعد موجة التعليقات التي رافقت زيارة مسؤول المخابرات السعودي إلى دمشق الربيع المنصرم، ودفعت مواقع إلى توقع إعادة إفتتاح قريبة للسفارة السعودية في دمشق.

صحيفة NG الروسية نشرت في 15 من الجاري نصاً بعنوان “رقعة الشطرنج السورية للاعبين العرب”، وأرفقته بآخر ثانوي ” دمشق والرياض رُصدتا في محادثات سرية”. قالت الصحيفة بأن عملية إعادة العلاقات مع دمشق اصبحت توجهاً عاماً لدول الخليج الرئيسية، وهي تعكس قلقها من مسار المنطقة بعد أن يتم التوصل إلى “تسوية محتملة” بين الولايات المتحدة وإيران. لكن المشكلة التي تبرز هنا هي ما إن كان بوسع الأسد تحمل إشتراطات عودته إلى الأسرة العربية، ويحول دون تحول سوريا إلى “حقل للمنافسة”.

بعد أن تذكّر الصحيفة بطرد دمشق من جامعة الدول العربية ل”قمعها العنيف” للمعارضة ووقوعها في “عزلة شديدة”، تقول بأن النقطة الفاصلة هذه السنة كانت دعوة وزير السياحة السوري إلى الرياض لحضور لقاء منظمة السياحة العالمية. ولفتت إلى إستقبال الوزير السوري والوفد المرافق له في صالة الشرف في مطار العاصمة السعودية، وهو ما توقفت عنده قناة “الجزيرة” وجعلها تقول بأن العائلة المالكة السعودية تعيد النظر في مسألة شرعية الأسد، وبأن الأمير محمد بن سعود معني شخصياً ب”ذوبان الجليد” مع سوريا.

تستطرد الصحيفة في الحديث عن رحلة الإمارات في التطبيع مع الأسد، وتتحدث عن “النتائج الإيجابية” التي تتوقعها مستشارة الأسد بثينة شعبان من التطبيع مع السعودية. وتنقل عن بروفسور في كلية السياسة الدولية في جامعة موسكو بأن عملية التطبيع السعودية السورية سوريا هي الأقل أهمية، بل المهم هي علاقة الولايات المتحدة بالسعودية. كما من المهم أيضاً كيف ستطور الولايات المتحدة علاقتها بإيران، وإلى اي مدى سيتم حل مسألة علاقة الولايات المتحدة بالبرنامج النووي الإيراني. وحل هاتين المسألتين سوف يؤدي إلى تحولات أكثر جدية في موقف السعودية من إيران.

وكما هو معروف، الرياض نفسها منخرطة في مفاوضات مباشرة مع إيران. ويشير البروفسور إلى تصريح لوزير الخارجية السعودي قال فيه بأنه، على الرغم من أن المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية تجري في جو ودي، إلا أن نتائجها لا تزال منخفضة. ويرى البرفسور أن التسوية مع إيران ينبغي أن تؤدي أوتوماتيكياً إلى إلغاء الفيتو عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية وعن إستعادة العلاقات السعودية السورية. لا سيما وأن بعض دول الخليج التي كانت على عداء نشط ضد النظام السوري، وخاصة الإمارات، عادت لتتخذ خطوات جدية في إستعادة العلاقات مع دمشق، ولا يسع السعودية إلا أن تأخذ ذلك بالإعتبار.

لا يستبعد البروفسور، مع عودة دمشق إلى الأسرة العربية، أن تنعكس بعض التناقضات بين بلدان الخليخ على الواقع السوري. فالإمارات قطعت شوطاً فعلياً على هذا المسار وقامت بالكثير لتطوير العلاقات مع سوريا، بينما السعودية تتخلف عنها.  والسؤال أيضاً على من سيقع إختيار كل من هاتين الدولتين للتعاون معه في سوريا. ففي حين تعمل الإمارات على تطوير علاقاتها مع الأسد بصورة أساسية، سوف يتوزع إختيار السعودية بين الأسد والمعارضة. وإذا كان الحديث قد توقف منذ زمن عن ما كان يسمى بمنصة الرياض في المعارضة السورية، فهو ولا شك سيعود إلى الواجهة من جديد.

تواصلت “المدن” مع كاتب النص إيغور سوبوتين المتابع لشؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، وسألته ما إذا كان من ترابط وتفاعل بين عمليتي التطبيع الخليجي مع إسرائيل والأسد، وكيف يرى إلى مسار التطبيع السعودي مع الأسد وتوقع سفارة سعودية قريباً في دمشق. قال سوبوتين بأنه يعتقد أن توسيع دائرة المشاركين في “إتفاقيات إبراهيم”وتطبيع علاقات دول العالم العربي مع دمشق تعكس تحولات معينة في تكوين السلطة الإقليمية، لكنه يرى أن من الصعب القول بترابطهما أو تفاعلهما. فلكل من الإتجاهين منطقه الداخلي ودوافعه الذاتية. الأمر الوحيد الذي ربما يجمع بينهما هو التخلي عن السياسات الموجهة نحو القيم باتجاه براغماتية السياسة الخارجية.

ويقول بأن القيمين على القرار في السعودية لا يسعهم إلا التفكير في ما يتبغي عمله بوضع دمشق على خلفية النشاط المفرط لجارتهم الإمارات العربية المتحدة. ورأى أنه يجب ألا ننسى أن البلدين لا يتبعان دائماً المسار عينه، فليس من النادر أن تختلف سياستهما عن بعضهما البعض على الساحات المختلفة، بل وتدخلان في تناقض بينهما. ثمة وجهة نظر تقول بأن جميع المبادرات البراغماتية تصدر في الرياض عن الجيل الشاب الذي ينتمي إليه ولي العهد الآمير محمد بن سلمان، في حين أن قدماء المشهد السياسي ينتهجون سياسة أكثر محافظة، وهذا ينسحب على العلاقات مع النظام السوري وعلى العلاقات مع إسرائيل. ويقول سوبوتين بأنه لا يصدق كثيراً في إمكانية ظهور سفارة سعودية قريباً في دمشق.

المستشرق والخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية كيريل سيميونوف، وعلى العكس من سوبوتين، يرى أن ثمة علاقة بين مساري التطبيع الخليجي مع الأسد وإسرائيل. ويقول في إجاباته المقتضبة كعادته على الأسئلة نفسها التي تم طرحها على سوبوتين بأن ثمة “علاقة ما” بين المسارين، طالما أن العلاقات مع إسرائيل تتضمن مكوناً معادياً لإيران، وكذلك العلاقات مع الأسد ترمي إلى محاولة تخفيض تأثير طهران على دمشق.

ويرى سيميونوف أن السعودية لا تسير على طريق تطبيع العلاقات مع دمشق، بل تستمر فقط في العلاقات بين الإدارات، وذلك في إشارة إلى زيارة مسؤول المخابرات السعودي إلى دمشق ومن ثمة لقاء المسؤولين في مؤتمر أجهزة المخابرات العربية في القاهرة، وكذلك زيارة وزير السياحة السوري إلى المملكة في إطار لقاء منظمة السياحة العالمية. ويرى أن الرياض على الأغلب لن تنتهج نهج الإمارات ولن تستعيد علاقاتها مع الأسد طالما لم يتخل عن دور حليفه الإيراني.

المدن

كاتب لبناني

—————————–

9دول عربية تدعم عودة النظام السوري للجامعة العربية

قال دبلوماسيون ومسؤولون كبار في الشرق الأوسط لصحيفة “ذا ناشيونال” إن الدول الإقليمية التي تسعى لإعادة التواصل مع سوريا تحاول إيجاد آلية مشتركة وإجماع لإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية.

وأشار دبلوماسيون للصحيفة إلى أن قرار إخراج سوريا من الجامعة العربية كان قراراً خاطئاً لأنها أبعدت أي صوت إقليمي في محاولتها التوسط مع دمشق لإنهاء إراقة الدماء منذ بدء الثورة السورية، وتنازلت فعلياً عن المسؤولية الجماعية العربية تجاه الأزمة السورية، ولكن الأمر قد يتغير في الوقت الحالي.

وقال مسؤول في الجامعة العربية للصحيفة، إن قرار إعادة سوريا إلى الجامعة قد يستغرق وقتاً، وقد يتم تحديده في الوقت المناسب قبيل قمة الجزائر آذار/مارس2022.

وكشفت المصادر للصحيفة، أن مناقشة عودة سوريا تتم في الوقت الحالي خلف الأبواب المغلقة، حيث تحافظ بعض الدول على استراتجية الانتظار والترقب، فيما تفضل بعض الدول العربية التوصل إلى اتفاق سياسي بين النظام السوري والمعارضة قبل اتخاذ قرار عودة النظام إلى الحضن العربي.

كما كشف مسؤول عربي للصحيفة، أن “تسعة وزراء خارجية عرب أبلغوا الجامعة العربية بأن غياب سوريا أضر بالمساعي العربية المشتركة، معتبرين أن “سوريا يجب أن تعود عاجلاً وليس آجلاً”، مضيفاً أن “قرار عزل سوريا كان متسرعاً وساهم في تعقد الوضع هناك”.

وقال مسؤول أردني للصحيفة إن “المسؤولين الأردنيين يشيرون إلى الفوائد الاقتصادية المحتملة كدافع رئيسي وراء الخطوات النشطة التي اتخذتها المملكة في الأشهر الثلاثة الماضية لاستيعاب الرئيس الأسد”. “عندما يتعلق الأمر بالعلاقات التجارية مع سوريا ، فلا توجد قيود ممنوعة”.

وبحسب البنك الدولي فإن المملكة الهاشمية خففت القيود على المعابر الحدودية مع سوريا، كما تسعى إلى تعاون سوري وثيق لوضع حد لتهريب المخدرات عبر حدودها.

ورغم التصاريح بعودة الملاحة الجوية بين دمشق وعمان، إلا أن الأردن تراجع عن الخطوة، لتجنب العقوبات الأميركية على النظام السوري.

القمة العربية في الجزائر

جاءت المبادرات العربية-السورية قبل قمة عربية تستضيفها الجزائر الداعمة القوية لرفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة.

وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل أيام “عندما ننظم قمة عربية يجب أن تكون قمة موحدة ويجب أن تكون سوريا حاضرة”.

بينما قال وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة، إن “سوريا ستكون في المقام الأول على جدول أعمال الاجتماع، حيث أن الجزائر تتفق مع دول عربية أخرى تدعم عودة سوريا”.

وفي المقابل التقى وزير الخارجية التونسية عثمان الجرندي بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في أيلول/سبتمبر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. كما التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، بالمقداد في نيويورك لأول مرة منذ أكثر من عقد، وذلك بالتزامن مع موافقة القاهرة على تصدير الغاز الطبيعي للمساعدة في تخفيف أزمة الوقود في لبنان عبر خط أنابيب يمر من سوريا.

أما عراقياً، فقد ضغطت بغداد لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، إلا أن جهودها في الفترة الماضية لم تسفر عن أي تقدم.

وقال مستشار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للصحيفة: “إنهم يروننا حليفاً للأسد وكأننا نعمل لصالح نظامه بخلاف ما يعود بالفائدة على المنطقة بأسرها ، ولا سيما جيران سوريا”.

أما لبنانياً، قال مصدر مقرب من الرئيس اللبناني ميشال عون للصحيفة: “لبنان ينتظر الجامعة العربية لوضع عودة سوريا على جدول أعمالها لاتخاذ موقف رسمي”.

ورغم تقدم حظوظ النظام السوري بالعودة للجامعة العربية إلا أن إعادة التواصل مع الأسد لا يزال يواجه رياحاً معاكسة قوية على المستويي الإقليمي والدولي، حيث كرر وزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني آماله في ثني الدول عن اتخاذ المزيد من الخطوات مع النظام السوري، وذلك خلال كلمة مشتركة مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن الذي لم يُبدِ أي دعم لإعادة تعويم رئيس النظام السوري.

أما السعودية فقد أصرت على أن إحراز أي تقدم في العملية السياسية لإنهاء الصراع في سوريا ضروري لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام أو إعادته إلى الجامعة العربية.

المدن

———————

======================

تحديث 02 كانون الأول 2021

——————-

أسئلة التطبيع الإماراتي/ بكر صدقي

ثلاثة «اختراقات» أقدمت عليها أبو ظبي، في الأشهر الماضية، تدعو للتأمل:

مع إسرائيل أولاً، حيث تجاوزت العلاقات المستوى العادي من فتح سفارات أو تبادل زيارات سياسية… إلخ، لتصل حدود المناورات العسكرية المشتركة في البحر الأحمر، وما يعنيه ذلك من علاقة تحالفية.

ومع نظام الأسد الكيماوي ثانياً، الأمر الذي انتقل من مجرد فتح السفارة الإماراتية في دمشق، نهاية العام 2018، إلى زيارة وزير الخارجية إلى دمشق قبل نحو أسبوعين.

ومع أنقرة ثالثاً، التي زارها رجل الإمارات القوي ولي العهد محمد بن زايد، حيث استقبل ببروتوكول يخصص عادةً لرؤساء الدول، وتم التوقيع خلال الزيارة على حزمة استثمارية بلغت عشرة مليارات دولار.

ما يجمع الدول الثلاث، على اختلافاتها الكثيرة، هو أنها منبوذة بدرجات ومعان مختلفة. فإسرائيل منبوذة في محيطها العربي كدولة (أو كانت كذلك إلى ما قبل معاهدات ابراهام) بصرف النظر عن الحزب الذي يحكمها. إضافة إلى كونها «مكروهة» في كثير من الدوائر الغربية، وينظر إليها في الرأي العام بوصفها تشكل عبئاً أخلاقياً ثقيل الظل. وإذا كانت الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً لإسرائيل، بصرف النظر عن التغيرات السياسية في كل من واشنطن وتل أبيب، فلا تخلو العلاقة بين البلدين من توترات سياسية، كثيراً ما ترجمت في تدخلات أمريكية في السياسة الداخلية الإسرائيلية بهدف التخلص من حكومة غير مرغوبة واستبدالها، بواسطة الانتخابات، بغيرها. وبصرف النظر عن حملة التطبيع العربي مع إسرائيل التي قادها جاريد كوشنر في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ما زالت قرارات الأمم المتحدة بحقها، في مجلس الأمن والجمعية العامة، بشأن احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية وإجراءاتها العنصرية، دليلاً على عزلتها ونبذها، وإن كانت بعيدة عن التطبيق.

نظام بشار الكيماوي هو أشد عزلة ونبذاً اليوم من إسرائيل، وإن كان هذا النبذ لا يستغرق الدولة السورية، إذا كان جائزاً الحديث عن دولة سورية في الشروط القائمة الآن. وعلى رغم «أجواء التطبيع» التي أسعدت النظام في الأشهر الأخيرة منذ لقاءات وزير خارجيته فيصل المقداد مع بعض نظرائه العرب على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول، ومشروع نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية، والاتصال الهاتفي مع ملك الأردن عبد الثاني… يبقى النظام بعيداً عن نيل الاعتراف الدولي بمشروعيته، ويبقى هو نفسه العقبة الرئيسية لأي تطبيع مع الدول الأخرى، لأنه ليس في وارد «تحسين سلوكه» كما هو مطلوب منه، أي أنه لا يعطي الراغبين في التطبيع معه أي سبب قد يغطي على سلوكه الإجرامي. وستبقى «الاختراقات» العربية في التطبيع معه مجرد نقاط سوداء في سجل المطبعين، وبلا فائدة عملية للنظام، حتى نقول لسوريا.

أما تركيا فعزلتها النسبية من قبل حلفائها في حلف الناتو، من أمريكيين وأوروبيين، تتعلق بالسياسات الاقليمية التركية، وبدرجة أقل فيما يتصل بالشؤون الداخلية التركية. الحكومات الغربية، وبخاصة الإدارة الأمريكية، لا تخفي استياءها من السياسات التركية التي بات الرئيس أردوغان هو المسؤول عن رسمها منذ جمع كل الصلاحيات في يده. أما عزلتها العربية، مصر والسعودية والإمارات بصورة خاصة، فهي تتعلق أساساً بموقف تركيا من انقلاب السيسي في مصر عام 2013، وتداعيات ذلك. هذه العزلة بدأت تتفكك منذ أشهر في اجتماعات مصرية ـ تركية لتسوية الخلافات، لم تصل بعد إلى توافق بين الطرفين، وكانت زيارة ولي عهد أبو ظبي لأنقرة هي الاختراق الأهم على هذه الجبهة.

ليس فقط لأنه أرفع مسؤول في الدول الثلاث المناوئة لتركيا أردوغان، مصر والسعودية والإمارات، بل لأن أجواء العداء بين أنقرة وأبو ظبي وصلت درجات كان من الصعب تخيل تجاوزها. فقد واظبت أنقرة على اتهام القيادة الإماراتية، وولي العهد بالذات، بتمويل المحاولة الانقلابية في تموز 2016، وتحميله مسؤولية مقتل 251 تركياً قتلوا برصاص الجنود الانقلابيين.

لكن السياسة لا تقوم على ثوابت أيديولوجية أو مبدئية، بل على «البراغماتية والواقعية» كما برر أحد مستشاري الرئيس التركي حدوث الزيارة في وجه منتقدي الحكومة على عدم إثارة موضوع تمويل الانقلاب العسكري الفاشل في اللقاء بين أردوغان وبن زايد. أما أردوغان فقد قال للصحافيين إن خطوات مماثلة قد تحدث مع السعودية وإسرائيل.

على أي حال، بصرف النظر عن الدوافع التركية للتطبيع مع الإمارات، ومع وضوح الدوافع لدى كل من إسرائيل والأسد، يبقى التساؤل عن دوافع أبو ظبي لحملة التطبيعات الثلاث المذكورة.

بدايةً لا أحد يفترض مبادئ إيديولوجية لدى دولة الإمارات، قامت بتجاوزها في حملات التطبيع المشار إليها، وبخاصة بالنسبة لإسرائيل التي ربما كان التطبيع معها هو الأكثر انسجاماً مع براغماتيتها المطلقة. أما تطبيعها مع نظام بشار فيمكن قراءته بكون الإمارات قائدة التحالف المعادي لثورات الربيع العربي. فمن هذا الموقع كان لا بد لها أن تكافئ السفاح السوري على «نجاحه» الدموي في وأد ثورة الشعب السوري. أخيراً بالنسبة لتطبيعها المفاجئ مع أنقرة، فهذا هو الاختراق الأهم، لأن العداء السابق معها قام أساساً على الخيارات الإيديولوجية، أي العداء لجماعة الإخوان المسلمين، وللإسلام السياسي بصورة أعم من جهة الإمارات، والتحالف معه من جهة تركيا.

دولة الإمارات التي طالما كانت مكتفية بدورها الاقتصادي والمالي، غيرتها ثورات الربيع العربي فأصبح لها دور عسكري مباشر في ليبيا واليمن، وطموحات سياسية إقليمية للتنافس مع دول الإقليم الأخرى، وما حملات التطبيع المذكورة إلا خطوات في تمتين هذا الدور الإقليمي استعداداً لحصة في ترتيبات نهائية تأخذ بنظر الاعتبار فراغ القوة الأمريكية، وعودة روسيا، والتمدد الإيراني الذي بلغ ذروته. ويظهر بوضوح أن التنافس هو بين السعودية وإيران وقطر على قيادة المجال العربي، مع بقاء «القوى الكبرى الإقليمية» متمثلة في تركيا وإيران وإسرائيل.

كاتب سوري

القدس العربي

———————–

الأردن .. مبادرات كبرى لأهداف تكتيكية/ غازي دحمان

من مواصفات مرحلة ما بعد الربيع العربي، انتقال الفعالية في الإقليم العربي إلى لاعبين صغار، وانكفاء اللاعبين الكبار، أو استغراقهم في أزمات داخلية وخارجية، فيما يدير لاعبون أصغر، مثل الأردن وقطر والإمارات، حراكات دبلوماسية يغلب عليها طابع إعادة هندسة العلاقات الإقليمية، داخل الإقليم نفسه أو مع البيئة الخارجية. وهذا متغيّر جديد في الواقع العربي الذي مر عليه زمنٌ كانت فيه مثل هذه المهمة يتولاها فاعلون كبار تحرّكهم الأيديولوجيات الكبرى، القومية والإسلامية.

الأردن مثال ساطع على هذا المتغير. وعلى الرغم من أنّ الأردن كان على مرّ التاريخ الحديث في قلب التحوّلات بحكم موقعه الجغرافي على خطوط الصّدع، سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية، أو بوصفه بلداً فاصلاً بين بؤر التوتر العربية، بين مصر والسعودية في خمسينيات القرن المنصرم وستينياته، وبين سورية والعراق في ثمانينياته، إلّا أنّه، في الغالب، كان طرفاً منفعلاً، وليس صانعاً للتحوّلات وموجهاً للتطورات.

وبالإضافة إلى حجمه الصغير على المستويين، الجغرافي والسكاني، شكّلت ندرة الموارد في الأردن أحد محدّدات الدور الخارجي. وكان تقريرٌ للأمم المتحدة صادر في ستينيات القرن الماضي قد صنّف الأردن ضمن ثلاث دول حُكم عليها بالتخلف الأزلي بسبب قلة مواردها؛ الأردن وليبيا، أو بسبب نمط ثقافة سكانها؛ تايلاند، التي يصعب تحقيق تراكم ثروة فيها بسبب الإنفاق الكثيف على المعابد والرموز الدينية فيها. لكنّ الأردن استطاع الخروج من هذا التصنيف، عبر سياسة التركيز على الموارد البشرية والاستثمار في الممكن والمتاح، فضلاً عن المساعدات الخارجية.

ما يميز الأردن عن الفاعلين الإقليميين، السابقين والحاليين، عدم تبنّيه مشروعاً جيوستراتيجياً، وحصر فاعليته وتركيز طاقاته الدبلوماسية لتحقيق أهداف عملانية وسريعة، تمحورت، على الدوام، حول تأمين أوضاع أفضل لمعيشة مواطنيه. وبغض النظر عن مستوى النجاح المتحقّق على هذا الصعيد، خصوصاً على مستوى رضى الشارع الأردني عن ذلك، فإنّ هذا الفعل لم يكن، على الدوام، ميسراً من الخارج الذي طالما ربط الانفتاح على عمّان، وتقديم التسهيلات الاقتصادية بشروطٍ سياسيةٍ قلصت هوامش المناورة أمام صانع القرار الأردني إلى حدّ بعيد.

كانت السنوات الأخيرة مثالاً بارزاً على هذه المعادلة التي جرى وضع الأردن داخلها، في ظل اشتعال ثورات الربيع العربي، وسيطرة اليمين المتطرّف على السياسة في إسرائيل، ووصول إدارة دونالد ترامب إلى الحكم في أميركا، والتي افتقدت للحساسية تجاه موقع الأردن وأهميته في خريطة التفاعلات الإقليمية، وتراجع الدعم الخليجي إلى حدودٍ دنيا. وقد أفرزت هذه التطورات تراجعاً ملحوظاً في مكانة الأردن الإقليمية وفاعلية دوره. إلّا أنّ عمّان استطاعت إعادة صياغة دورها، أخيراً، من خلال إدراكها لتغير المعطيات الإقليمية والدولية، وتقدير صانع القرار بوجود فرص في المناخ يمكن استثمارها والإفادة منها. أما طريقة التنفيذ فقد قامت في شكل جملةٍ من التكتيكات، على شكل مبادراتٍ إقليمية، انخرطت فيها عمّان أو قادتها، وذلك بعد إعادة ترشيق علاقاتها الإقليمية والدولية، مثل تزخيم العلاقات مع الدوحة وإعادة خطوط التنسيق مع أبوظبي، وتكثيف التواصل مع واشنطن وموسكو، بوصفهما أهم لاعبين في المنطقة في المرحلة الحالية.

المثال الأول على هذا النمط الاستراتيجي في تفعيل الدور الأردني تمثل في مشروع “الشام الجديد” الذي يربط الأردن ومصر والعراق ضمن نسق علائقي جديد، يقوم في أساسه على هدف تكاملي ضمن قطاعات الطاقة، الكهرباء والنفط. ودور الأردن هنا صلة الوصل الجغرافي بين مصر والعراق، بالإضافة إلى إمكانية تصدير الكهرباء الأردنية للعراق. وعلى الرغم من أنّ المشروع ظاهرياً يبدو كأنّه محاولة لإحداث توازن مع الدور الإيراني في العراق والمنطقة، فإنّ الأردن لم يرصد موارد استراتيجية لمثل هذا المشروع، ولم يكن في موقع تصادمي مع إيران. وباستثناء التحذير الشهير للملك عبد الله الثاني في عام 2004 من خطر تشكيل إيران هلالاً شيعياً في المنطقة، فإنّ الأردن لم تكن له سوى سياسات دفاعية تجاه المدّ الإيراني في المنطقة، تمثلت في تعزيز الحدود مع سورية لمنع تسلل نشاط المليشيات الإيرانية داخله.

المثال الثاني، كان ما سمّيت “اللا ورقة” الخاصة بحلّ الأزمة السورية، وجرى تقييمها أنها محاولة لإعادة تطبيع العلاقة مع النظام السوري، بل إعادة تأهيله عربياً ودولياً، وهو أمر لا بد أنّ صانع القرار الأردني ذا الخبرة الهائلة في تشابكات الأزمة السورية وأدوار اللاعبين الخارجيين فيها، يدرك أنّه يستحيل تحقيق خرق ما من دون حصول توافقات دولية، أكبر من قدرة الأردن الدبلوماسية، وأثقل من وزن العالم العربي بأجمعه في هذا المجال.

يكتشف المتتبع لسياق التطورات أن المبادرة الكبيرة التي قادها الأردن حققت أهدافا صغيرة، لكنّها ضرورية بالنسبة لعمّان، خصوصاً على مستوى انسيابية الحركة التجارية مع سورية وعبرها إلى أوروبا، وعودة عوائد حركة الترانزيت بين سورية ودول الخليج التي تؤثر، بشكل واضح، في ميزان المدفوعات الأردني، والشيء نفسه بخصوص وضع الأردن في مشروع “الشام الجديد”، حيث تشكّل العوائد الحاصلة والمرجوّة هدفاً مهماً للدبلوماسية الأردنية.

هل يمكن وصف السياسة الأردنية بالانتهازية؟ بالنظر إلى ضعف الخيارات وقلة البدائل، وظروف الأردن بالغة الصعوبة، ووجود ملايين اللاجئين، من سورية والعراق، يبدو مشروعاً للأردن اللعب ضمن هوامش محدّدة لتحقيق المكاسب، لا يُعتقد أنّ أحداً في الشارع العربي يعارضها.

العربي الجديد

————————-

في تحوّلات صراع الجغرافيا السياسية الإقليمية/ محمود علوش

عند اندلاع احتجاجات الربيع العربي في 2011، بدا بالنسبة لمعظم شعوب المنطقة أنها لحظة تحوّل تاريخية من حكم الديكتاتوريات إلى عصر الديمقراطيات، لكنّها كانت بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية بداية صراع يسعى إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية. قبل هذا التاريخ، كانت إيران والسعودية الأكثر نشاطاً في هذه العملية من خلال التنافس الذي نشأ بينهما على النفوذ في عدد من الدول العربية. لكنّ التحوّلات التي أعقبت 2011 أفسحت المجال أمام قوى جديدة داخل المنطقة وخارجها للانخراط بفعالية في هذه المنافسة الجيوسياسية، كتركيا وروسيا وقطر والإمارات. بالنّظر إلى أن هذه التحوّلات أضعفت، على نحو كبير، من قدرة دول المنطقة على مقاومة التدخلات الخارجية، فإنها أسهمت، في المقابل، في صعود تأثير القوى الأخرى. وقد برز هذا الصعود بالانخراط العسكري الروسي والتركي والصراعين، السوري والليبي، ثم الانخراط العسكري الإيراني غير المباشر في الحرب اليمنية، فضلاً عن التدخل العسكري للتحالف الدولي بقيادة واشنطن في سورية والعراق من أجل مواجهة تنظيم داعش.

منذ عام 2011، شهدت المنطقة ثلاثة تحوّلات رئيسية، غيّرت من مسار الصراع الإقليمي والدولي على إعادة تشكيل جغرافيتها السياسية، ففي النصف الأول من العقد الماضي، انتهجت القوى الفاعلة في الإقليم وخارجه سياسة الانخراط غير المباشر في النزاعات العربية، قبل التحوّل إلى الانخراط المباشر في النصف الثاني من العقد. لكن مع دخول العقد الثاني من الصراع، بدأت القوى الإقليمية تميل تدريجياً إلى التخلي عن النّهجين السابقين، وتبني نهج جديد يُعطي أولوية للحوار والدبلوماسية في إدارة الخلافات بينها. وفيما تمكّنت روسيا من تثبيت حضورها القوي في شرق المتوسط، ونجحت في مدّه إلى جنوب المتوسط من خلال الحضورين، السياسي والعسكري، في الشرق الليبي، انحسر دور الغربيين في المنطقة مع تخليهم التدريجي عن دعم الربيع العربي والتركيز على مكافحة الإرهاب. هناك أربعة عوامل رئيسية أدّت إلى هذا التحوّل في التنافس الجيوسياسي الإقليمي من الصراع الحادّ إلى التهدئة وانخراط الأطراف الإقليمية كتركيا والقوى العربية في مراجعة سياستهما الإقليمية.

أولاً: خلال العقد الماضي، انخرطت ثلاثة تكتلات إقليمية تقودها كل من تركيا والسعودية وإيران في صراعات متعدّدة الأوجه، لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة. وبالنّظر إلى أن التحالف الذي تقوده طهران اتّخذ موقفاً دفاعياً للحفاظ على مناطق نفوذه التي هدّدها الربيع العربي، فإن المنافسة بين المحورين، التركي والسعودي، أخذت طابعاً هجومياً وشغلت الحيز الأكبر من الجغرافيا العربية من شمال سورية إلى شمال إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي مروراً بالخليج. كلا المحورين حقق مكاسب في مناطق وأخفق في أخرى. نجحت تركيا في تكريس وجودها في شمال سورية وليبيا وقطر والصومال، بينما خسرت في مصر بعد إطاحة حكم محمد مرسي. بينما نجح التحالف السعودي ـ الإماراتي ـ المصري في استعادة مصر إلى حاضنته. على الرغم من ذلك، لم يتمكّن أي من الطرفين من إحداث تغيير جوهري لصالحه في خريطة التنافس الجيوسياسي، ما أدخل المواجهة بينهما في دائرة مغلقة، استنزفت من قدراتهما السياسية والعسكرية والاقتصادية، ما ساعد إيران في استثمار هذه الحالة لتعزيز حضورها في سورية ولبنان واليمن والعراق.

ثانياً: أدّى الانخراط العسكري الإيراني غير المباشر في الحرب اليمنية إلى تحوّل منطقة جنوب الخليج إلى ساحة صراع عسكرية بالوكالة بين طهران وخصومها الخليجيين. دفع هذا التحول بالسعودية إلى الانخراط المباشر في الصراع ضمن تحالفٍ جمع دولاً عربية، وحظي بدعم أميركي، لكنّه لم يؤدِّ إلى إنهاء حربٍ أخذت فيما بعد أبعاداً عسكرية أكثر خطورةً بعد الهجوم الكبير الذي يُعتقد أنه إيراني على منشآت أرامكو النفطية في 2019. بالتوازي مع ذلك، وضعت اتفاقات السلام التي أبرمتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل منطقة الخليج في قلب الصراع الإيراني الإسرائيلي، ما زاد من المخاطر على أمن دول الخليج، وعلى أمن إمدادات الطاقة التي تُعتبر مصدر دخل رئيسي للاقتصادات الخليجية. وقد شكّل هذا التحول ضغطا إضافياً على خيارات دول الخليج، ودفعها إلى البحث عن سبل جديدة لتهدئة التوتر مع طهران، حيث دفعت حرب الاستنزاف التي خاضتها إيران ضد السعودية ،عبر حليفها الحوثي، الرياض وأبو ظبي إلى البحث عن سبل للتفاوض معها لوقف هذا الاستنزاف.

ثالثاً: التحول الأميركي الذي برز مع مجيئ إدارة الرئيس جو بايدن نحو تقليل الانخراط في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لصالح التركيز على مناطق أخرى، والتفرّغ لمواجهة الصعود الصيني. برز هذا التحوّل مع وقف الدعم العسكري الأميركي للتحالف العربي في اليمن وسحب منظومات صواريخ باتريوت من السعودية، والضغط على حلفاء واشنطن الخليجيين للدخول في تسوية مع الحوثيين، بالإضافة إلى شروع واشنطن في مفاوضات مع طهران للعودة إلى الاتفاق النووي. دفع هذا التحوّل دول الخليج التي كانت تعتمد على الولايات المتحدة في تأمين مصالحها الإقليمية إلى التكيف مع الوضع الإقليمي الجديد، للحدّ من تداعيات تراجع الدور الأميركي والغربي عليها، عبر الشروع في عمليةٍ لإصلاح العلاقات مع تركيا، لما تشكّله من قوةٍ يُمكن أن تُساعد الخليجيين في إحداث توازنٍ مع إيران بديلا واقعيا منخفض التكاليف ومربحا، في الوقت نفسه، على الصعيد الاقتصادي. في المقابل، برزت حاجة تركيا إلى إعادة التطبيع مع السعودية ومصر والإمارات لكسر عزلتها في صراع شرق المتوسط، واستعادة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع القوتين الخليجيتين لدفع اقتصادها المتعثر.

رابعاً: ظهور وباء كورونا الذي ألقى ظلالا سلبية على اقتصادات دول المنطقة، ودفعها إلى التركيز على سبل التعافي من تداعيات الأزمة الوبائية، والتكيف مع الوضع الجديد في مجال الاقتصاد. زاد هذا الأمر من الضغوط على القوى الإقليمية الفاعلة للتحول من نهج العسكرة في سياساتها الإقليمية إلى نهج إدارة التنافس فيما بينها عبر إعطاء الأولوية لتقليص النفقات العسكرية والاقتصادية على دورها الإقليمي، ومنح فرصة للدبلوماسية فيما بينها مع التركيز على التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة.

برزت نتائج هذه التحولات الأربعة مع مطلع العقد الثاني بالمصالحة التي أبرمتها تركيا والإمارات، وبانفتاح أنقرة على إصلاح العلاقات مع القوى العربية الأخرى، كمصر والسعودية، بالإضافة إلى رغبتها بإصلاح العلاقات مع إسرائيل، فضلاً عن شروع السعودية في مفاوضات مباشرة مع إيران بوساطة عراقية. شكّلت المصالحة التركية الإماراتية لحظة تحوّل مهمة في الصراع الجيوسياسي، إذ لا تنحصر نتائجها على العلاقات التركية الإماراتية، بل يتوقع أن تؤدّي إلى نقل العلاقات التركية العربية من مرحلة التنافس الجيوسياسي الحادّ إلى مرحلة إدارة هذا التنافس بشكل مربح للطرفين. تسبب العقد الأول من الصراع بفوضى واسعة النطاق في العلاقات الإقليمية الإقليمية، لكن دول المنطقة تتطلع الآن إلى طي هذه المرحلة، والانخراط في أجندات إقليمية إيجابية في لحظة تحول عالمي نادرة، تُتيح لها إدارة عملية إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية، مع انحسار الدور الغربي الذي غذّى الفوضى الإقليمية خلال العقد المنصرم.

العربي الجديد

—————————

«هجمات» دبلوماسية: تطبيع وجيوش وتجارة ورياضة!

شهد العالم العربي خلال عامي 2020 و2021، «هجمات» تطبيع دبلوماسية ضروس من قبل إسرائيل، وبرعاية إدارتين أمريكيتين، ودول عربية، مما أسفر عن تطبيع شامل واتفاقات متلاحقة بين أبو ظبي وتل أبيب، وغيرها مع البحرين، وتقارب وزيارات متكررة وتدخلات سياسية وأمنية في السودان، مما كان له دوره، حسب مصادر عديدة، في حصول الانقلاب العسكري الأخير ضد حكومة عبد الله حمدوك، وصولا إلى زيارة وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس إلى المغرب مؤخرا، والتي أسفرت عن «مذكرة تفاهم» عسكرية وأمنية، وكان ذلك خلفية سعي المغرب لإقرار دولي بسيادته على الصحراء الغربية.

شهدنا كذلك «هجمة» دبلوماسية عالميّة باتجاه قطر، الدولة الخليجية الصغيرة التي كانت محاصرة ومقاطعة من أربع دول عربية لسنوات، وذلك بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف العديدة الأخرى من افغانستان، ونتج عنها توكيل واشنطن، وعواصم أخرى، للدوحة بمهامها الدبلوماسية في كابول، كما نشهد حاليا قدوم زعماء عرب إلى قطر، على خلفية مسابقة «كأس العرب» بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس اللبناني ميشال عون، وهناك حديث عن قرب وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدوحة، لبحث الشأن اللبناني المتدهور مع عون، ولابد أن حدوث اللقاء في الدوحة يعني أن هناك استشرافا لدور لها تلعبه بعد استعصاء الأزمة بين بيروت ودول الخليج الأخرى.

راقبنا أيضا «هجمة» دبلوماسية مفاجئة من ملك الأردن عبد الله الثاني باتجاه النظام السوري، وذلك بعد عودة من زيارة ناجحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية إثر تشكيل إدارة الرئيس جو بايدن، قيل بعدها أن العاهل الأردني استعاد مركز الزعيم العربي «المفضّل» للإدارة الأمريكية، وتبع ذلك إعلان عن موافقة أمريكية لتأمين الوقود المصريّ (أو الإسرائيلي كما قالت تل أبيب) عبر الأراضي السورية نحو لبنان، في تخفيف لإجراءات قانون «قيصر» والعقوبات الأمريكية على نظام دمشق.

تبعت ذلك زيارة «مفاجئة» لوليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيّان، إلى دمشق، التقى فيها بشّار الأسد، وتزامنت معها تصريحات مرحّبة من قبل الجزائر، تحت إطار إعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام.

وإذا كان موقف أبو ظبي من النظام السوريّ قريبا للاستيعاب، حيث أن الإمارات، أكثر من أي دولة خليجية، تركت أبوابا عديدة للتعامل مع النظام السوري حتى في الفترة التي جرى فيها اصطفاف خليجي عام ضدّه، كما أن علاقاتها مع إيران، راعي وحليف النظام السوري، شهدت تحسنا متزايدا بعد إعلان انسحاب قواتها من اليمن، فإن الزيارة التالية لبن زايد إلى أنقرة كانت أكثر مفاجأة واستدعاء للتحليلات المضنية حول معاني إعادة تموضع أبو ظبي ضمن المعادلات الإقليمية التي لعبت فيها دورا رئيسيا في أكثر من ساحة عربية، وكانت على مواجهة شبه دائمة مع تركيا، بل إن أبو ظبي، رغم استقبالها رئيس أفغانستان الهارب أشرف غني، ورصيدها الطويل من القتال ضد أي أشكال الحركات الإسلامية، المسلحة منها والمدنية، فقد باشرت مباحثات مع حركة طالبان، وعرضت عليها إدارة مطار كابول.

تعكس بعض التحرّكات الدبلوماسية الحاصلة رغبة في الخروج من استعصاءات كبيرة في المنطقة العربية، كما تعكس التغيّرات العالمية التي مثّلتها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي فرضت انسحاب واشنطن من أفغانستان، وتراجع اهتمامها بمجمل المنطقة العربية، لكنّها أيضا تعكس، على الأغلب، تغيّرات أعمق، تعطي الأولوية للقضايا المحلّية، وتتراجع فيها القضايا الأيديولوجية، وتعلو المصالح ومحاولات حلّ الإشكالات بأسرع وأوفر الطرق، وهي سياسات قد تخفّف حدّة التوتّرات الهائلة، وخصوصا فيما سموات العالم تتلبّد بغيوم أزمات كبرى عديدة.

القدس العربي

———————

سوريا والأردن يعيدان تشغيل المنطقة الحرة الحدودية

افتتاح مركز تجاري إيراني في دمشق

أعلنت دمشق وعمان إعادة افتتاح المنطقة الحرة السورية – الأردنية المشتركة بعد ست سنوات من التعطيل.

وقال الجانبان في بيان مشترك، إن إعادة افتتاح المنطقة الحرة المشتركة يهدف إلى «تنشيط الحركة التجارية وجذب الاستثمارات من كلا الجانبين ومن الدول الصديقة وتفعيل قطاع الخدمات، وخلق فرص العمل والمساهمة في تحقيق دعم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكلا البلدين».

وتعرضت المنطقة الحرة المشتركة الواقعة في المنطقة الحدودية المشتركة خلال عام 2015. إلى عمليات اقتحام من قبل الفصائل السورية المعارضة، مما اضطر المستثمرين الأردنيين إلى مغادرتها.

ويأتي إعادة افتتاح المنطقة الحرة السورية – الأردنية المشتركة في إطار استكمال تأهيل المنطقة، وإعادتها إلى العمل، وإتمام جهوزيتها لاحتضان الاستثمارات من الجانبين السوري والأردني ومن الدول العربية والأجنبية.

وأشار البيان إلى أن تأسيس المنطقة الحرة تم بموجب اتفاق التعاون الاقتصادي وتنظيم التبادل التجاري بين البلدين لتكون «أحد مرتكزات العمل العربي الاقتصادي المشترك».

وكانت عمان قد قررت قبل أسابيع إعادة فتح الحدود الأردنية السورية عبر مركز حدود جابر. وبدء تسيير رحلات لنقل الركاب بين عمان ودمشق، وبحث الإجراءات اللازمة لإعادة عمل المنطقة الحرة الأردنية السورية المشتركة.

وتشهد دمشق نشاطاً ملحوظاً في استقبال الوفود والفعاليات الاقتصادية الرسمية، حيث انعقد خلال الأسبوع الحالي المؤتمر الرابع للاتحاد العربي للمدن والمناطق الصناعية العربية، وهو أول مؤتمر عربي اقتصادي في دمشق بعد سنوات من الانقطاع، بمشاركة رجال اقتصاد عرب وسوريين وممثلين عن البعثات الدبلوماسية الموجودة في دمشق، بالتزامن مع افتتاح المعرض الثاني للمنتجات الإيرانية، وعقد «ملتقى الفرص الاستثمارية السورية» بحضور وفد إيراني يرأسه وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني سيد رضا فاطمي، والذي قام خلال زيارته لدمشق بلقاء عدد من المسؤولين الحكوميين وإبرام أربع اتفاقيات اقتصادية، كما جال على عدد من المعامل في مدينة عدرا الصناعية بريف دمشق، وعرض على الجانب السوري استعداد الشركات الإيرانية تقديم المساعدة في إعادة تشغيل المعامل المتوقفة وإقامة صناعات مشتركة، حسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وقال فاطمي في تصريح صحافي إن «الهدف من زيارته إلى سوريا هو تنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين والبحث في إمكانيات دعمها لإعادة الألق للصناعة السورية واستعادة مكانتها التي فقدتها نتيجة الحرب الإرهابية عليها ولا سيما صناعة النسيج».

وأقيمت مراسم تدشين مركز إيران التجاري بالمنطقة الحرة في دمشق، بحضور وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني وعدد من كبار مسؤولي الشؤون الاقتصادية والتجارية في إيران وسوريا.

ويأتي ذلك بهدف تعزيز العلاقات التجارية بين سوريا وإيران وتسهيل التبادل التجاري، ويضم هذا المركز عدداً من الشركات الإيرانية المختصة في المجالات التجارية والصناعية والزراعية ومعدات البناء، حسب «سانا»، ونقلت عن فاطمي آمين، قوله إن المركز فرصة لتقوية العلاقات الاقتصادية وزيادة التبادل التجاري بين البلدين.

وقال الوزير فاطمي أمين: «تم التشاور بين الجانبين لزيادة الاستثمارات المشتركة وتبادل الخبرات بشكل يسهم بدعم سوريا في مرحلة ما بعد الحرب ويرفع سقف التبادل والمعاملات التجارية بين البلدين، التي تصل حالياً إلى سقف 3 مليارات دولار».

من جانبه، بين رئيس اللجنة العليا للمستثمرين بالمناطق الحرة، رئيس غرفة التجارة السورية – الإيرانية، فهد درويش، أن المركز عبارة عن بنك معلومات يخدم الفعاليات الاقتصادية في سوريا، حيث يستطيع التاجر والصناعي السوري من خلاله الحصول على مختلف المعلومات المتعلقة بالشركات الإيرانية بشكل مباشر، كما أنه مركز للاستيراد والتصدير والتسويق، مؤكداً أهميته في تقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

ولفت رئيس الغرفة المشتركة الإيرانية – السورية، كيوان كاشفي، إلى أن المركز هو أول مركز تجاري إيراني موجود في سوريا، وسيكون أساس التجارة الإيرانية فيها، ويضم مكاتب تجارية تمكن الشركات الإيرانية من القطاع الخاص القيام بالتبادلات التجارية بين البلدين.

ويأتي افتتاح المركز بالتزامن مع معرض المنتجات الإيرانية الذي افتتح بمدينة المعارض بدمشق، الاثنين الماضي، ويستمر حتى الـ3 من الشهر الحالي وتشارك فيه 164 شركة تجارية وصناعية.

الشرق الأوسط

———————-

نعكاسات المصالحة التركية الإماراتية على سوريا/ محمود علوش

عندما أطلقت تركيا عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب في منطقة عفرين شمالي سوريا عام 2018، تصدّرت الإمارات مواقف الدول العربية المُنددة بالتحرك العسكري التركي واعتبرته تهديداً لوحدة الأراضي السورية.

لم يكن الموقف الإماراتي حينذاك مُجرد بيان سياسي ضد أنقرة فحسب، إذ تحدّثت وسائل إعلام تركية رسمية عن تقديم الإمارات خلال الأعوام الثلاثة الماضية دعماً استخبارياً كبيراً للوحدات الكردية في مناطق سيطرتها، مشيرة إلى أن أبو ظبي أرسلت منذ مطلع عام 2018 عشرات من ضباط وأفراد مخابراتها وخبراء تقنيين توزعوا على مقرات الوحدات في مدينة القامشلي ومحافظتي الحسكة ودير الزور. كما تحدثت تقارير أخرى وقتها عن استثمار دولة الإمارات ما يقرب من خمسين مليون دولار أميركي في مناطق الإدارة الذاتية التي أنشأتها الوحدات الكردية.

على الرغم من أن الإمارات لم تكن طرفاً مؤثراً في الصراع السوري، إلاّ أن اهتمامها بالوجود في المناطق الخاضعة لسيطرة الوحدات كان يُنظر إليه على أنه أحد أوجه الصراع الجيوسياسي بينها وبين تركيا على امتداد الإقليم وأنّه أحد وسائل احتواء دور تركيا الذي تنامى في المنطقة بعد اندلاع الربيع العربي قبل نحو عقد. ساهم الدور الإماراتي في شمال شرقي سوريا في تأجيج حدّة الخلاف مع تركيا قبل أن يمتد ليشمل صراعاً عسكرياً بالوكالة في ليبيا بعد انخراط أنقرة عسكرياً إلى جانب حكومة الوفاق الوطني الليبي في مواجهة هجوم الجنرال خليفة حفتر على طرابلس في 2019.

كان الموقف الإماراتي الداعم للوحدات يستند بشكل رئيسي إلى تأييد المعارضة الأميركية للتحركات التركية في شمالي سوريا، حيث وجدت واشنطن مصلحة في التمويل الإماراتي لوحدات حماية الشعب من أجل تمكين إدارته الذاتية رغم ما شكّله ذلك من تقويض للجهود التركية في مكافحة هذا التنظيم الذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني.

لم تكن الخلافات التركية الإماراتية في الملف السوري محصورة عند حدود المسألة الكردية. ففي عام 2018 أعادت أبو ظبي فتح سفارتها في العاصمة السورية مُطلقة مساراً لإعادة العلاقات مع دمشق تُوّج مؤخراً بزيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد إليها هذا الشهر. هذا الانفتاح أعطى بُعداً جديداً للخلافات التركية الإماراتية ونُظر إليه في وسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة على أنّه مشروع عربي تقوده أبو ظبي من أجل تهميش الفاعلين الإقليميين في الصراع السوري كتركيا وإيران.

مع قرار تركيا والإمارات هذا الشهر طي مرحلة الخصومة وفتح صفحة جديدة في العلاقات، تُثار تساؤلات حول كيفية تعاطي البلدين في القضايا الإقليمية ومنها سوريا التي لا تزال إحدى نقاط الخلاف الرئيسية، حيث تتضارب مصالح الطرفين إزاء الموقف من شرعية نظام بشار الأسد وكذلك مسألة الوحدات في وقت لا توجد فيه مؤشرات حتى الآن على أن هذا التضارب قد ينتهي قريباً.

المصالحة التركية الإماراتية ترتكز على قاعدتين أساسيتين. الأولى التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة من خلال اتفاقات التعاون التي أبرمها ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد خلال زيارته التاريخية إلى أنقرة بعد سنوات من القطيعة، والثانية إدارة الخلافات في القضايا الإقليمية كبديل عن المواجهة. قبيل تتويج المصالحة بزيارة الشيخ محمد بن زايد للعاصمة التركية، عُقدت لقاءات عديدة بين الجانبين التركي والإماراتي على مستوى الاستخبارات. كما أجرى مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد زيارة إلى أنقرة في أغسطس آب الماضي.

وبالنظر إلى الطبيعة الاستخبارية لهذه المحادثات، فإنه من المُرجح أنّها تناولت تطبيع المواقف في القضايا ذات البُعد الأمني ومنها المسألة السورية. ما يزال الطرفان يتجنبان الخوض في طبيعة تلك المحادثات، إلاّ أن إتمام المصالحة يُشير بالفعل إلى أنهما تمكّنا من التوصل إلى رؤية مشتركة لكيفية إدارة الخلافات في بعض القضايا المهمة لهما كـ سوريا وليبيا.

تبدو أنقرة بطبيعة الحال متوجسة من الانفتاح الإماراتي على دمشق. رغم ذلك، لم تُعرقل هذه المسألة مسار المصالحة بين البلدين، ما يُشير إلى أن تركيا على استعداد لتفهم اختلاف الموقف الإماراتي عنها في هذا الجانب، لا سيما أن أبو ظبي سعت لتقديم هذا الانفتاح كجزء من مبادرات خارجية أخرى جديدة مُتعددة الأوجه كالانفتاح على تركيا وإيران ضمن استراتيجية جديدة ترتكز على تصفير المشكلات وتهدئة النزاعات الإقليمية مقابل منح الألوية لمعالجة التحديات الاقتصادية الناجمة عن أزمة كورونا والتكيف مع الوضع الجديد في مجال الاقتصاد. لكنّ تركيا تبدو أكثر حساسية في المسألة الكردية ولا يُمكن أن تتسامح مع أي موقف مناهض لها لا سيما أنها ترتبط بمصالح أمن قومي لها قبل أن تكون قضية للمنافسة الجيوسياسية مع الخصوم الإقليميين والدوليين. بغض النظر عما إذا كانت الإمارات وتركيا قادرتين على إدارة الخلاف بينها في سوريا، فإن المصالحة تفرض على أبو ظبي أن تكون أكثر وضوحاً في علاقتها بالوحدات وأكثر حذراً في مقاربتها المستقبلية لها.

في القمة التي جمعت الشيخ محمد بن زايد والرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة، تركّز النقاش العلني حول التعاون الاقتصادي والتجاري، ما يعكس رغبة البلدين في المضي بالمسار الجديد بمعزل عن الخلافات الإقليمية. لكنّ الحفاظ على هذا المسار يفرض عليهما تحصينه من تضارب المصالح الإقليمية لا سيما في سوريا. الاتفاق على إدارة الخلافات في مسائل مثل سوريا وليبيا يبدو أمراً مهماً بهذا الخصوص، لكنّه سيكون من المُجدي للطرفين تطوير هذه الآلية في المستقبل لتشمل البحث في استكشاف مدى إمكانية خلق مقاربة مشتركة لإنهاء الصراع في سوريا. كما أن تركيا تضررت بشدّة من تداعيات الأزمة السورية، فإن الإمارات كما القوى العربية الفاعلة الأخرى وجدت نفسها مهمّشة في هذا الصراع. تركيا لاعب رئيسي الآن في المعادلة السورية ولديها شريط حدودي مع سوريا يتجاوز 800 كيلومتر وأي انفتاح عربي على دمشق لن يُساعد في إنهاء هذا الصراع من دون الأخذ بعين الاعتبار دور تركيا ومصالحها في هذا البلد.

أثبتت تجارب السنوات العشر الماضية من عمر الصراع السوري أن المنافسة الجيوسياسية الحادة بين تركيا من جهة والإمارات والسعودية ومصر من جهة أخرى عقّدت من جهود تسوية الأزمة وخلقت بيئة مناسبة لأطراف إقليمية ودولية كروسيا وإيران لزيادة نفوذها وتهميش الدورين التركي والعربي.

في الوقت الراهن، تتفق تركيا والإمارات على هدف تسوية سياسية للحرب، لكنّ لكل منهما مقاربة مختلفة لطبيعة هذه التسوية ومن أين تبدأ. فبينما تتمسك أنقرة بضرورة إحداث تغيير سياسي تدريجي كمدخل لإنهاء الصراع، تميل الإمارات والقوى العربية الأخرى إلى تبني نهج جديد يقوم على إعادة تأهيل الأسد عربياً مقابل عودتها إلى إيجاد مكان لها في المعادلة السورية. رغم ذلك فإن ما يجمع تركيا والدول العربية في سوريا هو الحد من النفوذ الإيراني. قد يبدو التقاطع مدخلاً محتملاً لتعاون تركي إماراتي يُمكن أن يتطور فيما بعد إلى تعاون تركي عربي في سوريا، لكنّه لا يزال بحاجة إلى عملية ترميم كبير لعنصر الثقة بين الطرفين.

تلفزيون سوريا

——————————–

دمشق ملتقى المصالح والعداوات/ رانيا مصطفى

تشهد الأشهر الأخيرة حراكات إقليمية ومصالحات وصفقات، ذات طابع اقتصادي في الغالب، أدت إلى تشكل شبه محاور جديدة، ويعطي البحث في تقاطعاتها بالقرب من الملف السوري إمكانية جديدة للأطراف المتدخلة في الشأن السوري لإعادة خلط الأوراق، في ظل سياسة أمريكية أكثر تساهلاً مع الدول المحيطة بسوريا، في التعاطي مع الشأن السوري، وفي مفاوضات البرنامج النووي الإيراني.

الخط الأول عربي ومرتبط بسوريا مباشرة، ويرغب بتعويم النظام وعودته إلى جامعة الدول العربية؛ لكن مراهناته هي على النظام نفسه أولاً، وأن يغير سلوكه، باتجاه جدية أكثر في مفاوضات جنيف واللجنة الدستورية، والتخفيف من النفوذ الإيراني، باتجاه الحضن العربي القادر على تمويل إعادة الإعمار، فيما بلغ النظام من الضعف درجة لا تسمح له بهذا التغيير في السلوك.

والمراهنة الثانية على الانسحاب الأمريكي من سوريا، وقد أكدت تصريحات المسؤولين أنهم باقون شمال شرق سوريا، وعلى تخفيف عقوبات قانون قيصر على النظام السوري، ومن الواضح التشدد الأمريكي بشأن العقوبات بما يخص تجارة النفط والغاز، وما يخص المواقف السياسية وإعادة الإعمار المترافقة مع ضرورة خلق بيئة آمنة لعودة اللاجئين، بينما هناك تساهل أمريكي في الشق الإنساني.

إسرائيل قريبة من هذا الخط، فالدول الراغبة في عودة العلاقات مع النظام السوري، هي نفسها التي قبلت بالتطبيع مع إسرائيل، ولخطوط نقل الطاقة دور مهم في كلا المسارين، فبعد الموافقة الأمريكية على مد خطوط الطاقة من مصر والأردن عبر سوريا إلى لبنان، فكرت الإمارات بمسار مماثل، لنقل النفط الخليجي عبر السواحل السورية، وكان هذا ضمن ما نوقش في زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى دمشق. لكن هذا المسار غير مضمون، بسبب تهديدات قانون قيصر، ما دفع الإمارات للبحث عن بدائل.

البديل كان بفتح مسار مصالحة خليجية مع كل من إيران وتركيا، لتمرير النفط الخليجي، عبر إيران ثم تركيا، إلى أوروبا. بالنسبة لإيران، سمحت حالة التهدئة قبيل المفاوضات حول برنامجها النووي بهكذا مصالحات. هذه المصالحة، وكذلك الاتفاق النووي فيما لو تم العودة إليه، لن تغير من طموحات إيران في استكمال مشروع الهلال الفارسي، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والذي بات يطوّق دول الخليج العربي، وبالتالي لا تغير مثل هذه الصفقات كثيراً من حالة الرفض الخليجي، الإماراتي والسعودي خصوصاً، لنفوذ إيران؛

وبالمثل هي حالة العلاقة التركية الإيرانية، حيث تزدهر التجارة البينية بين البلدين، للتغلب على الركود الاقتصادي في البلدين، بسبب العقوبات الغربية عليهما، في حين أنهما يختلفان في ملفات سوريا وأذربيجان والعراق وأفغانستان وغيرها.

هناك حديث عن اتفاقية روسية- إيرانية، بمشاريع عسكرية ونفطية وسياسية، ومدتها عشر سنوات، وهذا يرفع مع مستوى العلاقة الروسية الإيرانية في سوريا، والتي كانت تتصف بأنها آنية وميدانية، ومن الممكن أن تقبل موسكو بشراكة إيرانية لها في سوريا، أي بالحفاظ على بعض مناطق نفوذها على الأرض، ولا بأس فيما تمارسه من تطييف وتغيير ديمغرافي، شرط أن يكون ذلك تحت سيطرة روسيا، وألا يشكل تهديداً لأمن صديقتها إسرائيل؛ حيث سمحت روسيا لإسرائيل بتكثيف الضربات الجوية على المواقع الإيرانية العسكرية في سوريا، بعد لقاء بوتين بينيت الشهر الماضي.

الصفقة الروسية- الإيرانية المنتظرة هي على شاكلة الاتفاق، الضخم بالنسبة لإيران، الموقّع بين إيران والصين، لكنه ليس بحجمه؛ ويشكل الاتفاقان بوادر حلف ثلاثي صيني- روسي- إيراني، في مواجهة الولايات المتحدة. ويتضمن كلا الاتفاقين صفقات تسليح لإيران، لكن قد لا تمضي الصين وروسيا في هكذا صفقات إلى حدّ بعيد، وإنما بالقدر الذي يمكنهما من امتلاك ورقة ضغط ضد الولايات المتحدة، وللتحكم في سلوك طهران، خاصة أن روسيا لا ترغب في عودة تدفق النفط الإيراني المنافس إلى أوروبا، في حال العودة إلى الاتفاق النووي، ورفع الحظر عن طهران.

في هذا الوقت، أي فترة المصالحات والتوافقات والتقلبات في المواقف، تحاول روسيا الإمساك بكل الخيوط في المنطقة؛ فهناك خط اتصال مستمر ودوري، على المستويين السياسي والأمني، مع الإدارة الأمريكية، وكان التوافق على تمرير المساعدات الإنسانية لسوريا فاتحة جيدة، باعتقاد موسكو، للمراهنة على الحصول على المزيد من التنازلات الأمريكية في سوريا. فيما تعتبر روسيا تركيا حليفاً مهماً لها في سوريا، وهي أكثر قرباً لها من إيران، حيث صفقة منظومة الدفاع إس-400، التي تقدمها لأنقرة لضرب حلف الناتو، وحيث يمر خطا الغاز الروسيان، إلى تركيا، وإلى أوروبا.

وهناك العلاقات الروسية مع دول الخليج ومصر، والمراهنة الروسية على الأموال الخليجية اللازمة لمشروع إعادة الإعمار في سوريا. وتعتبر موسكو نفسها حليفاً راعياً لأمن إسرائيل في محاولة منها لإشغال الدور الأمريكي المتراجع؛ فيما تتخذ روسيا موقعاً محايداً تقريباً في ملف أذربيجان وأرمينيا، لكنها حريصة على التحكم بمصير خزانات الطاقة في بحر قزوين، بينما ضم شبه جزيرة أوكرانيا يعتبر أولوية بالنسبة لها، كما هو حال الملف السوري.

تنظر موسكو إلى نفسها كدولة عظمى، بطموحات أكبر من إمكاناتها، وهي بذلك لا تستفيد من فترة التوافقات هذه في التوصل إلى حل في سوريا وفق القرارات الدولية، أي عبر التقيد بالشروط الأمريكية، وقبول مشاركة المعارضة، والدور التركي، ولا مركزية مقبولة مع الإدارة الذاتية، بل هي تستغل هذه المستجدات المتشابكة، باتخاذ مسافة متساوية من كل الأطراف، تمكنها من الإمساك بكل الأوراق في سوريا لإعادة خلطها، علها توصلها إلى فرض مدخل لبناء حل سياسي يقوم على تعويم النظام السوري، متحدية كل الإدانات الدولية له؛ وبالنتيجة هناك حالة استنقاع مستمرة للوضع السوري، وهو ما تدركه واشنطن، وتتبنى على أساسه سياسة البقاء في سوريا، وتوسيع العمل الإنساني والتشدد إزاء تعويم النظام.

ما زال سلوك المعارضة السورية المكرسة، بعيداً عن كل هذه التوافقات الإقليمية؛ فعقيدتها قائمة على تبني سياسة الارتهان للدول الإقليمية، والتي شلت قدراتها، وباتت أدواتٍ بيد الدول الحاضنة لها، واليوم، تشارك في جولات اللجنة الدستورية والتفاوض، رغم أنها مجرد تمرير للوقت، تستفيد منه روسيا والنظام، وكذلك إيران.

قبل ذلك، وافق الائتلاف السوري، ومعه الفصائل، بسبب الولاء الكامل لتركيا، على كل التوافقات التي فرضها مسار أستانة، بين روسيا وتركيا وإيران، وسلمت المناطق التي تحت سيطرتها تباعاً، للنظام، وهي مستعدة لتسليم المزيد إذا طلبت تركيا، وفصائل الجيش الوطني قبلت الدخول في اقتتال مع قوات سوريا الديمقراطية تنفيذاً للأجندة التركية؛ وكانت دول الخليج، الراغبة اليوم بتعويم النظام، تدعم الكتائب الإسلامية، وجزءاً من المعارضة.

ما أود قوله، أن العلاقات بين الدول الإقليمية يحكمها المصالح، وليست مهتمة بثورة الشعب السوري، وهي تستغل العامل الإيديولوجي، القومي أو الديني، وضياع الهوية الوطنية الجامعة للسوريين، وبالتالي تساهم في التطييف، والذي يحول الثائرين إلى مرتزقة لها. أما العودة إلى الثورة، لكل السوريين، فيحتاج إلى تشكيل رؤية وطنية، يبدأ برفض الاحتلالات وكل أشكال التبعية.

—————————

====================

تحديث 06 كانون الأول 2021

—————–

الأسد المنتصر على مفهوم القطيعة معه/ سميرة المسالمة

تتواتر أخبار عن رغبة دول عربية كثيرة باستعادة علاقات طبيعية مع النظام السوري، تتوّج بعودة سورية إلى مقعدها الشاغر في جامعة الدول العربية منذ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، خلال اجتماعات القمة العربية في الجزائر في مارس/ آذار المقبل. وعلى الرغم من أنّ قرار الجامعة تجميد عضوية سورية لم يأتِ بقيمة مضافة إلى الثورة السورية التي خرج القرار “لمساندتها” في مواجهة النظام، بموافقة 18 دولة، إلّا أنّ الحديث عن رغبة التطبيع معه يجب أن يثير التساؤلات وسط جمهور “النظام” كما لدى جموع المعارضين.

وفي الحديث عن الاصطفافات “الجديدة” للدول التي تسعى إلى استعادة علاقاتها مع النظام السوري وليس العكس، لا يمكن تجاهل أنّه كان لكلّ دولة تدخلت في الصراع على سورية وفيها دور في تطويع الثورة، وتغيير هويتها، ونحت تقلباتها من شعبية سلمية إلى فصائلية مسلحة، وبعضها متطرّفة، وبأجندات دخيلة، ومعظمها معادية لمفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة المتساوية. وعلى أية حال، ليس تطبيع أطراف النظام العربي مع نظام الأسد مفاجئاً، فقد انتصر تجاهل الأسد القطيعة على الراكضين خلف التطبيع معه، أو يفترض أنّه كذلك، لأسباب عديدة، أهمها:

أولاً، المشتركات التي تجمع تلك الأطراف بنظام الأسد كثيرة جداً، ما يجعلها تتجاوز وبسرعة أكبر الخلافات أو المفارقات التي أدّت إلى إعلانها قطيعة معه، سيما بحكم طبيعة الأنظمة السائدة وتوافقها على مصادرة حقوق المواطن، وتطويع الدولة السلطة، وتضامنها البيني، بدليل أنّه على الرغم من تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية، فإنّ ذلك الأمر لم يشمل المستوى الأمني، بدليل حضور سورية اجتماعات وزراء الداخلية العرب، واجتماعات رؤساء أجهزة المخابرات العرب، كما حصل أخيراً.

ثانياً، معظم تلك الأنظمة التي تراكضت لإعادة التطبيع علناً بعدما كان سرّياً كانت تتوخّى من مساندة عسكرة الثورة، واحتضان فعاليات الفصائل المسلحة وتوجيهها، مجرّد إضعاف النظام، ووضع حدّ لتكبّره عليها، ولابتزازاته لها، على أكثر من صعيد، وفي أكثر من قضية، وليس مساندة الشعب السوري في مطالباته بالتغيير السياسي وحقوق المواطنة والديمقراطية، ما يصحّ معه القول هنا إنّ “فاقد الشيء لا يعطيه”. وكانت مشكلة المعارضة في قصور إدراكاتها هذه المسألة، وربما يكمن في هشاشتها وضعف صدقية مواقفها، وارتزاق معظم قادة الفصائل الذين أزاحوا المنشقّين العسكريين ليتولوا مهام الفوضى المدمّرة التي أوصلونا إليها، وبديلاً عن تصحيح السياسيين مسار العسكرة انجرفوا خلفه، وهو ما أخذ بكثير من كيانات المعارضة، بما فيها شقّها السياسي المفاوض، عن الثورة إلى الحد الذي ارتهنت به لتلك الأنظمة.

ثالثاً، اشتغلت الأنظمة التي اعتبرت نفسها داعمةً للمعارضة، أو صديقة للشعب السوري، بالسيطرة على الحراكات الشعبية السورية، وتوجيهها بما يخدم أجندتها، في وقتٍ كانوا يدعمون النظام والدول الداعمة له، لإبقائه على حالة “اللا منتصر” بما يخدم أهدافهم بإضعاف سورية، دولةً ومجتمعاً في آن، مع الحفاظ على نظام بشار الأسد، وهو ما حصل كما شهدنا، بما يفيد بأنّ حال الثورة السورية ربما كان سيكون أفضل من دون دعم “أصدقاء” كهؤلاء.

رابعاً، لم تقدّم معظم أطراف النظام العربي أي دعمٍ جدّي للمعارضة السورية، باستثناء الجانب الاستخدامي، بل دفعت الثورة نحو مسارات معينة، ضمنها العسكرة والأسلمة، وضمنها رفع السقف السياسي، من دون مراعاة الإمكانات والتعقيدات والظروف والمعطيات الإقليمية والدولية غير المناسبة، لتصبح مرتهنة لإرادات تلك الدول، وطوّعت توظيفاتها التي لا تخدم تطور مسار الثورة، ولا تفيد مصالح الشعب السوري، ولا تُسهم بإضعاف النظام.

الآن، وما دام التطبيع جاريا على قدم وساق، مع التذكير بأن الأنظمة هي التي سعت إليه وليس الأسد ونظامه، علينا الاعتراف بأن السوريين لا يملكون القدرة على وقفه. ولنلاحظ هنا أنّ المعارضة المتصدّرة في تركيا لا تستطيع شيئاً أصلاً، إذ تركيا ذاتها باتت تطبّع مع حلفاء النظام السابقين والجدد، وتسعى إلى التطبيع مع دول عربية كانت علاقاتها معها متوترة، أو خلافية. ولأنّ تركيا ذاتها هي أول من قاد مسار التطبيع عبر مسار المفاوضات في أستانة، وعبر مسار سوتشي، وعبر المناطق منخفضة التصعيد التي آلت إلى تسليم الفصائل المسلحة مناطقها (مع سلاحها ومستودعات تموينها وذخيرتها)، والتي قبلت مسار أستانة وانخرطت فيه، على حساب مسار جنيف، هذا ناهيك عن ضعف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، إن لهشاشة مكانته التمثيلية، أو بحكم ارتهانه للأجندات التركية.

والقصد أنّ الشعب السوري، والمعارضة السورية الحية وذات المصداقية، وحدها من يتأثر سلباً من هذا التطوّر الذي يستفيد منه النظام، لكن ما سيحصل ربما يُفضي إلى وضع الجميع أمام الحقيقة، أي أمام سقوط الرهان على أصدقاء أو داعمين كهؤلاء. هذا ليس مسبّة أو مأخذاً على الدول التي علينا أن نفهم أنّ تحرّكاتها تخدم تعزيز مكانتها ومصالحها، وليس لها علاقة بمصالح السوريين، إلّا إذا تقاطعت معهم بفعل المصادفة، وليس لضمان حرّياتهم أو حقوقهم. وبالتالي مهمتنا هي حضّ السوريين على القيام بما عليهم القيام به، لمواجهة الواقع الجديد، من دون مراهنات خاطئة، وغير مجدية، ومن دون تضحيةٍ بالداخل لحساب مرتزقة سوريين يعيشون رفاهية المعارضة الخارجية، ويعملون لإبقاء مناصبهم في الكيانات، أو “منافعهم” خارجها، ما يستوجب إعادة ترتيب أوضاعنا نحن السوريين، وطرح رؤى سياسية جديدة وواقعية، من دون أن يعني ذلك نعي الثورة بمشهدها الأول والحقيقي قبل أن تصبح مطيّة لأزلام الشرق والغرب.

العربي الجديد

—————————————-

إيران سعيدة بالتطبيع العربي مع النظام السوري… ولقاء مرتقب بين رئيسي والأسد

بعيد وصوله إلى إيران، مساء الأحد، أجرى وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد لقاءات مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.

وقال المقداد خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، عقب اللقاء الذي جمعهما، إنه سلّم للرئيس الإيراني، خلال اللقاء معه اليوم الإثنين، رسالة من الأسد دعا فيها رئيسي إلى زيارة دمشق.

وأضاف المقداد أنه خلال لقائه مع نظيره الإيراني ناقش “مختلف القضايا، وبالنظر إلى التطورات المتسارعة والكثيرة، لا يمكن أن يطول الفاصل الزمني بين الزيارات” الثنائية.

وأوضح المقداد أنه “ربما يكون هناك انطباع أن سورية تجاوزت حاجز المشكلات والمشاكل الاقتصادية، لكن الأمر ليس هكذا”، مؤكداً أن بلاده “تولي أهمية خاصة للعلاقات مع إيران، وفتحت الطريق على مشاركة إيرانية في المشاريع الاقتصادية”.

إلى ذلك، قال عبد اللهيان إن بلاده “تندد بوجود القوات الأجنبية في سورية، من دون التنسيق مع حكومة دمشق”.

وأعلن أميرعبد اللهيان عن ترحيب إيران بتطبيع دول عربية علاقاتها مع النظام السوري، قائلاً: “نرحب بإعادة نظر بعض الدول العربية والأوروبية في سياساتها الخارجية تجاه سورية وإعادة فتح سفارات”. وأضاف أنه أجرى “مباحثات جيدة ومفيدة وماضية إلى الأمام” مع المقداد، قائلاً إن “توجهاتنا نحو التعاون في المجال الاقتصادي والتركيز على العلاقات الشاملة”، مع وصفه العلاقات بين طهران ودمشق بأنها “استراتيجية وممتازة”.

وأوضح أن زيارة وزير خارجية النظام السوري لطهران تأتي في وقت أقامت فيه إيران أحد أكبر معارضها التجارية في سورية، مشيراً إلى “خطة إيرانية شاملة لتصدير الخدمات الفنية والهندسية إلى سورية لإعادة إعمارها وتعزيز دور القطاع الإيراني الخاص فيها”.

عبد اللهيان: التطبيع مع إسرائيل لا يخدم السلام والأمن الإقليميين

وعلّق وزير الخارجية الإيراني على الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سورية، قائلاً إن “الكيان الصهيوني المزور والإرهابي أساس اللاأمن في المنطقة والشرق الأوسط، وتطبيع محدود للعلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني لا يخدم السلام والأمن الإقليميين”.

وأضاف أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورئيس النظام السوري بشار الأسد سيلتقيان قريباً.

يشار إلى أن أمير عبد اللهيان قام بزيارة سورية مرتين منذ تسلمه منصبه في أغسطس/آب الماضي.

وكان المقداد قد التقى في وقت سابق الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي قال خلال اللقاء إن العلاقات بين الطرفين “استراتيجية”، مؤكداً “ضرورة توطيد أسسها وخاصة في المجالات الاقتصادية”.

وأشار رئيسي إلى وجود “مصالح مشتركة” بين الطرفين، داعياً إلى “التخطيط بعيد المدى والشامل لتعميق العلاقات”. وأضاف رئيسي أن “استمرار الوجود غير القانوني للقوات الأجنبية في المنطقة وسورية خطر على الأمن والاستقرار في المنطقة”.

العربي الجديد

—————————————–

المقداد:واشنطن نقلت إرهابيين من أفغانستان إلى سوريا

اتهم وزير الخارجية السورية فيصل المقداد الولايات المتحدة بنقل إرهابيين من أفغانستان إلى سوريا. واعتبر في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان أن “الوضع الأفغاني له تأثير على ما يجري في سوريا والمنطقة”. وقال: “الولايات المتحدة قامت بنقل المئات من الإرهابيين من سوريا إلى أفغانستان”.

وقال المقداد في المؤتمر الصحافي بعد لقائه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران الاثنين، إن العدوان الإسرائيلي على سوريا لا يمكن أن يمر من دون مجابهته، وأضاف أن سوريا ترد عليه بشكل يومي، من دون أن يوضح طبيعة هذا الرد.

وقال: “لا يمكن أن تمر (الغارات الإسرائيلية) من دون الرد عليها.. وعلى اسرائيل ألا تخطئ في الحساب”. وأضاف المقداد “في كل يوم نرد على الاعتداءات الإسرائيلية وشكلها قد يختلف اليوم عن أمس”. وتابع أن إسرائيل “تلجأ للعدوان عندما تجد أن سوريا تنتصر بفضل جيشها وأصدقائها وحلفائها”، وشدد على أن “امتلاك الصواريخ حق في الدفاع عن النفس لكل دولة”.

وأوضح المقداد إنه حمل رسالة من رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الرئيس الإيراني حول “تعزيز العلاقات ودعوة الرئيس الإيراني إلى سوريا”. وتابع: “العلاقات الإيرانية السورية تصب في صالح المنطقة وتخدم تعزيز الأمن والاستقرار فيها مع نبذ التدخلات الخارجية”.

وأضاف المقداد “جرت مياه كثيرة تحت النهر ويجب أن نعيد مشاوراتنا بين الحين و الآخر”، وتابع: “طالبنا منذ وقت طويل بإعادة تطبيع العلاقات العربية-العربية، والغريب أن العلاقات انقطعت مع بعض الدول بناء على ضغوط معروفة المصدر..زيارة وزير الخارجية الإماراتية كانت خطوة شجاعة ومتقدمة في هذا المجال، ونأمل أن تبادر الدول العربية الأخرى أيضاً”.

وأشار وزير الخارجية السوري إلى أن “العلاقات الاقتصادية بين سوريا وإيران شكلت محور لقائه مع الرئيس الإيراني”.

من جانبه، قال عبد اللهيان إن “الهجمات الإسرائيلية على دمشق هي السبب في انعدام الأمن في منطقة غرب آسيا”، مؤكدا أنه “ليس لدينا أدنى شك أن سوريا لا تساوم بشأن أمنها وتتصدى للهجمات الإسرائيلية”.

وأضاف أن طهران “لا تقبل بالحضور الأجنبي في سوريا وتعتبره مزعزعا لاستقرار المنطقة”. ورحّب عبد اللهيان “بعودة العلاقات الغربية والعربية مع سوريا”.

———————————–

==============================

تحديث 08 كانون الأول 2021

————————

طريق عمان إلى دمشق سالك بصعوبة/ مالك العثامنة

أسعى بكل ما أملك من خيال واقعي مبني على معطيات قليلة جدا أن أتخيل ما جرى من حوار في المكالمة الهاتفية بين الملك الأردني، عبدالله الثاني، والرئيس السوري، بشار الأسد، والتي جرت مؤخرا في نوفمبر الماضي.

المصادر المقربة في العاصمة الأردنية تؤكد أن قضيتي الحدود المشتركة وموضوع المياه كانتا عنوان الحديث بين الرجلين، لكن ما رشح من معلومات منذ عودة الملك الأردني من زيارته إلى واشنطن الصيف الماضي حتى اليوم، يوحي بأن هناك سوء تقدير بالغ العمق في دمشق لكل مجريات الأمور التي تبعت زيارة الملك، وقد عاد فيها بما تم تسميته “غض نظر” أميركي عن اختراقات أردنية لقانون قيصر “محسوبة بدقة”، ويبدو أن دمشق تبني قراءاتها السياسية على افتراض واهم مفاده أن واشنطن هي التي تحاول التسوية مع النظام بل والتقرب منه، متجاهلة – بغطرسة- حسابات إقليمية تفرض تسويات جزئية مبنية على مصالح لا أوهام انتصارات لم تتحقق.

الملك الذي ذهب إلى واشنطن كأول زعيم عربي يدخل البيت الأبيض في عهد إدارة الرئيس، جو بايدن، حمل معه مجموعة طروحات تم ترتيبها في المباحثات كمصفوفة من الأزمات التي تم شرحها بواقعية سياسية وطرح مباشر لحزمة حلول قد تكون بداية تحرك في اتجاهات جديدة مختلفة كليا عن التقليدي في الشرق الأوسط.

البيت الأبيض مع طاقم الخارجية الذي تجاوب بإيجابية مع معظم طروحات الملك ذلك الصيف، لم يعط الضوء الأخضر بقدر ما أشار إلى لون برتقالي يعكس حذرا أميركيا من الانفتاح “التطبيعي” مع النظام السوري. رؤية الملك كانت واقعية تتماهى مع العقل السياسي في واشنطن، وتتلخص بأن أكثر من عشر سنوات طاحنة ودموية ضد نظام الأسد لم تسقطه فالأجدى وقد تضرر العالم لا الإقليم وحده من تلك الأزمة، أن يتم التعامل بمنهجية تغيير السلوك لا تغيير النظام، وطبعا أجندة الملك ليست محصورة بمصلحة دولية ولا أقليمية ولا هي بالتأكيد مبنية على مصالح نظام دمشق، فالأساس على ما أوضح الملك نفسه في تصريحاته هي مصالح أردنية متضررة من قانون قيصر ومنهكة اقتصاديا من قضية لاجئين في دولة متعبة إقتصاديا ومحاصرة بالأزمات الإقليمية، ووضعها الداخلي محتقن بالقهر الشعبي الذي ينفجر بين الحين والآخر على شكل مظاهرات واحتجاجات ويتجلى يوميا بأزمات يمكن افتعالها بسهولة – وأحيانا بخبث- على وسائل التواصل الاجتماعي.

ثلاثة ملفات متشابكة وضعها الأردنيون أمام السوريين بعد “زيارة واشنطن” الصيفية، الحدود والتجارة البينية وأزمة المياه.

في الحدود، كانت المصلحة الأردنية بالأولويات تقضي بإبعاد الخطر الإيراني عن الحدود الشمالية، والمتمثل بالفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، والفرقة الرابعة تتجاوز كونها فرقة عسكرية كاملة التجهيز إلى كونها إمبراطورية تجارية لها وكلاؤها المحليون والدوليون في قطاعات اقتصادية كثيرة، ومحمية بالسلاح والجنود.. والدعم الإيراني.

لم يؤكد لي مصدر سياسي في عمان ما قيل فيه إن دمشق وافقت فعليا على نقل الفرقة الرابعة بعيدا عن المجال الحيوي للحدود الشمالية الأردنية، ولم يكن سهلا تأكيد المعلومة المعلقة على ذمة التأكيد من أي مصدر عسكري في العاصمة الأردنية.

لكن قضية الحدود الشمالية للأردن وهي الجنوبية لسوريا، لا تقف عند الحسابات الجيوسياسية العميقة، فالأردن بدأ يصل مرحلة القلق الحقيقي من كارتيل المخدرات الذي لم يعد يرى الأردن ممرا بل مقرا لا للتجارة والتوزيع بل للتصنيع، وحسب مصادر متعددة فإن هناك توجها أمنيا بإرادة سياسية للحد من انتشار المخدرات عبر تجفيف منابع الإنتاج والتوزيع.

السوريون أيضا حسب مصادر أميركية وافقوا على التعاون في قضايا الإرهاب وتهريب “البشر” عبر الحدود مع تفهم لموضوع اللاجئين عبر تنمية الجنوب السوري وإعادة تأهيله من جديد ربما لجذب اللاجئين السوريين إلى العودة نحو بلادهم.

المعضلة الأردنية التي ربما أتخيلها تجسدت على شكل مرارة في حديث الملك الأردني مع الرئيس السوري كانت في أزمة المياه، تلك الأزمة العالقة منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي باتفاقيات دولية لم يحترمها الجانب السوري ولم يتلق الأردن قطرة ماء – حسب رسميين- من حقوقه المائية الطبيعية، سواء في تلك الاتفاقيات التي وقعت عام 1987، أو من سد الوحدة الذي لا يزال يدفع الأردن فوائد قروض بنائه على حساب الأردن، ولم يسمح السوريون بتفعيل جريان الماء فيه منذ إنشائه.

مقربون من دوائر صنع القرار أكدوا أن الأردن التقى مسؤولين سوريين أكثر من مرة منذ الصيف الماضي، وأن السوريين لم يردوا لا سلبا ولا إيجابا على المطالب الأردنية بحقوقه الطبيعية من المياه.

قادني هذا الطريق المسدود مع السوريين في أكبر مشكلة حيوية يواجهها الأردن إلى الاعتقاد بأن التعنت السوري في حرمان الأردن من حقوقه المائية قد دفع إلى الخيار الأخير بما تم الإعلان عنه أخيرا عن اتفاق نوايا ثلاثي بين الأردن وإسرائيل والإمارات عن صفقة مقايضة ضخمة يوفر فيها الأردن الطاقة الكهربائية النظيفة لإسرائيل، وهي الطاقة التي تحتاجها فعليا للوصول إلى نسبة 30 بالمئة من الطاقة النظيفة لدخول الصناعات الإسرائيلية إلى الأسواق الأوروبية، مقابل مائتي مليون متر مكعب من المياه يحصل عليها الأردن.

ما سمعته في العاصمة الأردنية أن أزمة المياه مع سوريا منفصلة عن اتفاق النوايا الثلاثي، فالاتفاق كان معروضا سابقا على شكل صفقة مالية يتقاسم فيها الأردن مع المنفذ الإماراتي ثمن الكهرباء، مقابل تقديم الأرض الآمنة والصالحة لتوفير الطاقة.

الأردن لم يجد مصلحة في ذلك العرض الأول من الصفقة، والحسابات الأردنية وجدت أن العوائد المالية غير كافية للكلف السياسية الأكثر خطورة في اتفاق من هذا النوع.

وحسب مطلعين على تفاصيل بداية تلك الاتفاقية فإن عراب الفكرة، جون كيري، “مفوض البيئة في إدارة بايدن” عاد إلى الأردنيين بإلحاح القبول لتلك الصفقة، وقد طرح سؤاله عليهم: ماذا تريدون بالضبط؟

الجانب الأردني لم يوفر وقتا ولا جهدا وطلب مائتي مليون متر مكعب من المياه، لم يتنازلوا عنها حتى حين دخلت المملكة السعودية على خط الاتفاقية محاولة إجهاضها لنية السعودية إحلال نفسها محل الأردن في تزويد إسرائيل بالطاقة النظيفة “مستقبلا”، لكن السعودية استطاعت إقناع الشركة الإماراتية بتخفيض الطاقة الكهربائية المصدرة إلى إسرائيل بما يقارب النصف، وهو ما جعل كيري يحمل رسالة إسرائيلية إلى الأردن بضرورة تخفيض طلبه المائي إلى النصف أيضا، وهو ما واجهه الجانب الأردني بالرفض الحاسم مبلغا كيري أن الأردن لا يرى في تلك الصفقة إلا المائتي مليون متر مكعب من المياه سنويا.

وحسب مصدر موثوق في واشنطن فإن إسرائيل – من خلال جون كيري-  رضخت للطلب الأردني وتم إعلان النوايا وهو المرحلة الأولى من ثلاث مراحل قانونية للوصول إلى توقيع الاتفاقية والشروع بتنفيذها.

الملف اللبناني والمقاربة الأردنية:

كان أول إعلان من الملك عن مباحثاته في واشنطن عبر لقائه مع فريد زكريا في قناة CNN الأميركية أثناء زيارة واشنطن، وفيها فاجأ الملك الجميع بطرحه الأزمة اللبنانية وتداعياتها على المنطقة طارحا حزمة حلول تشمل دعم الجيش اللبناني كآخر مؤسسة وطنية يجب أن لا تنهار مع انهيار الدولة، وكنت حينها كتبت مقالا “عمان واشنطن وبالعكس”، استقيت فيه من مصادر في الخارجية الأميركية وأكدتها لي حينها في عمان مصادر أردنية مقربة من الملك أن المباحثات المكثفة مع طواقم الخارجية الأميركية عرض فيها العاهل الأردني ببراعة فداحة انهيار الدولة اللبنانية “الوشيك” واستحضر أمام الأميركيين سيناريو العراق السيء والذي سمح بانهيار الجيش العراقي ليسمح برفع كل الأعلام الطائفية والعلم الإيراني فوق كل مؤسسات الدولة المنهارة.

الملك باستحضاره السيناريو العراقي “الأكثر سوءا في التاريخ الحديث” استطاع فيه أن يلامس مكامن الذعر في واشنطن أمام تطبيق ذات السيناريو بتداعيات أكثر رعبا في حضور إيراني راسخ في لبنان لو انهارت الدولة، كل الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها، ومن هنا عرض الملك الأردني رؤيته للحل وهي رؤية مشتركة مع الأليزيه في باريس بأن يتم ابتكار آلية مشروع مارشال جديد “ممول إقليميا ودوليا” يتم تفصيله على قياس الواقع اللبناني، لإنقاذ لبنان من بؤسه الاقتصادي والمعيشي، عبر تمكين الجيش اللبناني أولا ووضعه كمؤسسة توزيع شرعية ووحيدة للمساعدات المقدمة إلى اللبنانيين تحت علم لبنان الوطني.

الطرح الملكي الأردني الذي يحتاج بالضرورة إلى “ممر سوري” يتطلب تسويات معقولة مع سوريا، وبالضرورة مساعدات تشمل قطاعات سورية واسعة، تم ترجمته فورا بتصدير الطاقة “الكهرباء” ومشروع توفير الغاز للبنان عبر طريق آمن يخترق سوريا ويتوقف في محطات فيها.

تلك مصلحة أردنية اقتصادية تتحقق بلا أعباء لوجستية ثقيلة، لكن يضع السؤال حول جاهزية الدولة الأردنية “وحكومتها القلقة والمقلقة” لأي جاهزية لوجستية ثقيلة في نقل وتمرير البضائع إلى سوريا – بشكل محدود- وإلى لبنان بشكل أوسع.

لبنان، تلقى المبادرة الأردنية بترحيب واسع فرضه اليأس من أي حلول ممكنة أخرى، وعلمت مؤخرا ان كثيرا من الشخصيات السياسية اللبنانية وفدت إلى العاصمة الأردنية عمان والتقت الملك الأردني لوضع مقاربات جديدة أمامه، ولم أستطع تبين تفاصيل طروحات الشخصيات اللبنانية في قصر الحسينية أمام الملك، لكن استطعت معرفة أن الذوات التي وفدت إلى الأردن مؤخرا كانت من الوزن الثقيل في المشهد اللبناني مثل، وليد جنبلاط، والرئيس اللبناني الأسبق، أمين الجميل.

مصدر لبناني سياسي موثوق ووازن حاورته مؤخرا، أكد لي أن هناك شعورا في لبنان بأن هناك تسويات إقليمية جديدة وضخمة في الشرق الأوسط، تتجاوز لبنان وتحاول جعله “مكب نفايات” للمنطقة حسب تعبيره ضمن توافق ضمني غير مكتوب بين إسرائيل وإيران وتركيا.

السياسي اللبناني نفسه، أكد أنه ينظر بعين الارتياح لمبادرة الملك التي قد تعيد للبنان بعض الحياة، لكن التسويات الإقليمية والتوافقات الدولية – حسب رأيه- غير مطمئنة بالنسبة للبنان، مطالبا أن يتم البناء على مبادرة الملك الأردني برؤية جديدة للدولة اللبنانية تحل محل اتفاق الطائف، وتراعي بدقة اجتماعية لا سياسية المكون الشيعي بل وتتحاور مع إيران بدلا من التصادم معها، للوصول إلى لبنان “محايد” في التركيب الجديد للشرق الأوسط.

الحديث مع السياسي اللبناني أشعل كثيرا من الأسئلة حول الأزمة اللبنانية وتداعياتها الكارثية كما تصورها الملك وصورها على طاولة بايدن، وهو ما يجعلني أحاول البحث عن أجوبة في لبنان ومنه وعنه، ربما في مقال قادم وقريب.

الحرة

———————–

تدويل القضية السورية.. فرصة للمعارضة/ عبدالناصر العايد

بعد إهمال وتجاهل، دام نحو عام، عادت واشنطن لأخذ زمام المبادرة في الملف السوري فجأة، وطلب المبعوث الأميركي إلى  سوريا، إيثان غولدريش، اجتماعاً لنظرائه المبعوثين الخاصين في الملف السوري، لكل من جامعة الدول العربية ومصر والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والعراق والأردن والنروج وقطَر والمملكة العربية السعودية وتركيا والمملكة المتحدة، في 2 كانون الأول/ديسمبر في بروكسل، لمناقشة الأزمة في سوريا. وأكد في الاجتماع على اللاءات التي بدا لوهلة أنها بدأت بالتآكل، مثل “لا” لرفع العقوبات عن النظام، و”لا” للتطبيع معه، و”لا” للمساعدات التي تعينه على البقاء، بل و”لا لإرسال إشارات خاطئة حول تغير للموقف الغربي من نظام الأسد”. ومع أنه من الممكن أن تعزى هذه التطورات إلى اكتمال تصور الإدارة الأميركية لكيفية إدارة الملف السوري، إلا أننا نرجح ارتباطه أكثر بالتصعيد الروسي في أوكرانيا، حيث كشفت وثيقة عسكرية أميركية أن روسيا تستعد لشن هجوم بنحو 175 ألف جندي على أراضيها اعتباراً من مطلع العام المقبل.

الترابط بين الساحتين السورية والأوكرانية كميدانين لصراع القوتين العالميتين، ليس بجديد، فقد تدخلت روسيا عسكرياً هناك، بالتزامن تقريباً مع تدخلها وتدخل الولايات المتحدة عسكرياً في سوريا أيضاً العام 2015. وفيما تتحالف روسيا مع قوات انفصالية في الدونباس، بالضد من الحكومة المدعومة غربياً، تقف الولايات المتحدة مع فصائل المعارضة لنظام الأسد المدعوم من روسيا والصين في سوريا. ثمة تناظر أيضاً بين القوى الإقليمية المؤثرة في الساحتين، فتركيا تدعم الحكومة الأوكرانية، بينما يسود العداء العلاقة بين هذه الأخيرة وإيران منذ إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية قرب طهران، فاغنر الروسيّة وطائرات بيرقدار التركية ومفردات أخرى كثيرة مشتركة بين الساحتين.

إن عقد هذا الاجتماع في بروكسل، هو انعكاس للقاعدة المُتفاهَم عليها ضمناً في حلف “الناتو” اليوم، وهي أن على أوروبا التصدي لروسيا، فيما تتفرغ واشنطن للمواجهة الكبرى المحتملة مع الصين التي باتت تسفر عن عدوانية غير مسبوقة، وتحشد قواتها على تخوم تايوان كما لو أنها على وشك غزوها. ويبدو اجتماع بروكسل أشبه بجلسة إسناد مهام هجومية من قبل ممثل الولايات المتحدة إلى نظرائه، حيث نقل عنه قوله إن رفع العقوبات عن نظام الأسد ليس مطروحاً للنقاش مع روسيا، بل أن بلاده ضد أي محاولة للتطبيع مع دمشق. ويبدو أن باريس، وهي الأكثر اهتماماً بين الأوروبيين بالشرق الأوسط، قد اتخذت دوراً قيادياً في هذا التحرك الغربي، إذ سارعت إلى تعيين سفيرة لها من أجل سوريا، وليس في نيتها كما يبدو أن تكون هذه  الخطوة باتجاه التهدئة. إذ يُعرف عن السفيرة الجديدة تعاطفها الشديد مع الثورة السورية، وفي الاجتماع المومأ إليه ذاته، كانت ممثلة فرنسا هي الأكثر تشدداً في ما يخص الضغط على النظام وعزله، ونقلت أوساط مطلعة على المناقشات حصول مشادة كلامية بينها وبين ممثل الأردن الذي كان يطالب بتوسيع الاعفاءات من العقوبات على نظام الأسد لتشمل البنية التحتية، إلا أن ممثلة فرنسا ردت عليه بحزم بأن لا تمويل ولا تطبيع ولا إعفاءات خارج نطاق الشؤون الإنسانية المُلحّة.

كان غياب دولة الإمارات عن الاجتماع، لافتاً، ووفق مصادر دبلوماسية فإنها لم تُدعَ إليه بسبب عدم الرضى الأميركي عن تقاربها مع نظام الأسد وإيران. بل قال المبعوث الأميركي بما يوحي بإمكانية إصدار عقوبات اقتصادية على هذا البلد فيما لو واصل تجاهله لقانون قيصر على سبيل المثال. ويبدو أن كلاً من السعودية وقطَر، اللتين حضرتا الاجتماع، تلقتا الرسالة الأميركية بقبول شديد، وأكدتا التمسك باستمرار عزل نظام الأسد ومنع عودته إلى الجامعة والتطبيع معه. وجوبهت دعوة ممثل العراق “لقبول النظام كأمر واقع” بحزم ورفض، كما طاول الرفض مطلباً أردنياً يقرن التطبيع المتدرج بخطوات ملموسة من طرف النظام.

سيعقد الرئيس الأميركي والرئيس الروسي، قمة عاجلة، الأسبوع المقبل، لمحاولة نزع فتيل الأزمة الأوكرانية، لكن من الواضح أن واشنطن لن تثق في أي تعهدات يقطعها الرئيس بوتين، ومن بين إجراءاتها الحفاظ على ورقة الضغط السورية، حيث دعا المبعوث الأميركي نظراءه إلى اجتماع آخر، مطلع العام المقبل في واشنطن.

إن “تدويل” القضية السورية جعلها ملفاً مزمناً يستخدم في النزاعات الدولية والإقليمية، ولهذا جوانبه السلبية، لكنه بالتأكيد يمتلك جوانب إيجابية يمكن للمعارضة السورية – لو كانت لديها مؤسسات متيقظة – أن تستغلها. إلا أننا لا نرى في المرحلة الراهنة، مؤسسة معارضة يمكن أن تستغل تقلبات البيئة السياسية الدولية على نحو مناسب، سوى “قوات سوريا الديموقراطية” و”هيئة تحرير الشام”، خصوصاً إذا استمر بوتين بالتصعيد العسكري، وتشبثت إيران بأجندتها الخاصة بالملف النووي، وقرر الغرب أن يدعم تحركاً ميدانياً على الأراضي السورية.

———————–

===================

تحديث 10 كانون الأول 2021

——————-

واشنطن تغلق باب تعويم الأسد..بفضح مصادر ثروته/ مصطفى محمد

يحمل القانون الذي أقره مجلس النواب الأميركي ليل الأربعاء، حول الكشف عن ثروة رئيس النظام السوري بشار الأسد وعائلته والدائرة المقربة منه، رسالة ضغط على النظام السوري، تقابلها أخرى داعمة للمعارضة السورية.

ويطالب القانون الذي يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ الأميركي حتى يصبح قانوناً نافذاً، وزارة الخارجية الأميركية والوكالات الفيدرالية برفع تقرير مفصل عن ثروة بشار الاسد وكل عائلته ومصدرها، بعد 120 يوماً.

وبعد هذه الخطوة الأميركية التي جاءت في سياق إقرار موازنة وزارة الدفاع الأميركية لعام 2022، بدأت الأنظار تتجه لمعرفة تبعات القانون وتأثيره على نظام الأسد.

ويرى رئيس “التحالف الأميركي من أجل سوريا” الدكتور محمود برازي أن الهدف الأميركي الأول من هذا القرار التأكيد على استحالة تعويم النظام السوري وعلى وجه التحديد رأسه بشار الأسد.

ويضيف برازي ل”المدن”، أن الإدارة الأميركية تريد من خلال تتبع مصادر تمويل الأسد وعائلته وعائلة زوجته أسماء الأخرس، سدّ مصادر التمويل، وكذلك وضع الدول المطبعة مع دمشق بحقيقة سلوك الأسد لجهة الحصول على المال. ويوضح أن القرار يطالب وزارة الخارجية بالبحث عن مصادر تمويل الأسد، مؤكداً أنها “مهمة سهلة نظراً لإمكانية تتبع ذلك إلكترونياً، وخصوصاً الأموال التي يتم تحصيلها بطرق غير شرعية”.

والأمر الأكثر أهمية في القرار، أن الخارجية الأميركية مطالبة بنشر المعلومات التي حصلت عليها عن ثروة الأسد ومصادر تمويله، بحيث يتم كشف حقيقة اقتصاد النظام على العلن خلال 4 شهور. ويشكل القرار، حسب برازي، عتبة مهمة للمؤسسات السورية الأميركية للبناء في إطار سعيها الحثيث لكشف كل أنشطة النظام المالية السرية.

وكان مجلس النواب الأميركي قد استبعد من مشروع قانون وزارة الدفاع القانون المسودة الأولية التي تتضمن إقامة استراتيجية مشتركة بين الوكالات الأميركية لتعطيل شبكات المخدرات التابعة للنظام السوري، وأبقت على المطالبة بالكشف عن ثروة الأسد وأفراد عائلته.

وتعليقاً على عدم موافقة مجلس النواب على الاستراتيجية المتعلقة بمتابعة تجارة المخدرات في سوريا، قال النائب الأميركي فرينش هيل في بيان: “لم يتم تضمين التعديلات التي اقترحتها متابعة تجارة المخدرات التي تقدر بمليارات الدولارات في سوريا، وكان من دواعي سروري أن أرى المذكرة في تقرير لجنة الكونغرس التي أشارت إلى دعم استراتيجية مشتركة بين الوكالات، لتعطيل وتفكيك إنتاج نظام الأسد غير المشروع وتهريب الكبتاغون في سوريا”.

واللافت أن القانون جاء بعد يوم واحد من إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات جديدة على مسؤولين سوريين وإيرانيين، بينهم ضباط أمنيون وعسكريون، ما يؤشر إلى زيادة اهتمام إدارة جو بايدن بالملف السوري.

غير أن مصادر “المدن” تربط هذه التحركات الأميركية بالمفاوضات المتعلقة بعودة الامتثال بالاتفاق النووي الإيراني، وهذا ما يؤكد من وجهة نظرها، أن واشنطن تتعامل مع الملف السوري باعتباره واحداً من الملفات التابعة لإيران.

إيرادات قسد من النفط تكفي

من جانب آخر، رفض مجلس النواب الأميركي تمرير بند في ميزانية وزارة الدفاع يدعو إدارة بايدن لتمكين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بما يكفي للاستغناء عن الدعم الأميركي. ولم يحصل البند الذي يتعلق بضمان جعل “قسد” مكتفية ذاتياً وصولاً في نهاية المطاف إلى الاستغناء عن الدعم المقدم من قبل القوات الأميركية، على العدد الكافي من الأصوات لتمريره.

وفي قراءته لذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي زياد المنجد إن “قسد” التي تسيطر على الجزء الأكبر من النفط السوري، تمتلك ما يكفي من الموارد المالية. ويضيف ل”المدن”، أن “الولايات المتحدة تدرك ذلك جيداً، والأهم من ذلك أن واشنطن تؤكد هنا أن علاقتها مع قسد ليست استراتيجية، وكل التجارب السابقة تشير إلى ذلك”.

المدن

——————————

التقارب العربي مع الأسد: مفتاح دمشق بيد طهران/ أمين العاصي

لم تكد تمر أيام على زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، إلى العاصمة السورية دمشق، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، منهياً بذلك عزلة عربية فرضت طويلاً على رئيس النظام السوري بشار الأسد، حتى طفت على السطح محاولات إيرانية لإفساد أي تقارب عربي مع النظام السوري الساعي إلى استعادة مقعده في الجامعة العربية.

وعقب زيارة المسؤول الإماراتي إلى دمشق، في التاسع من نوفمبر الماضي، وهي الأولى من نوعها عربياً بشكل معلن منذ نحو عشر سنوات، ارتفعت وتيرة زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى دمشق، وتدشين إيران مشاريع اقتصادية في سورية، في خطوة بدا أن الهدف منها قطع الطريق أمام أي تقارب عربي مع نظام الأسد.

من جهته، اختتم وزير الخارجية في النظام السوري، فيصل المقداد، يوم الأربعاء الماضي، زيارة إلى طهران، أجرى خلالها سلسلة لقاءات جمعته بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إضافة إلى مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي.

زيارة الوفد الاقتصادي الإيراني إلى دمشق

وزار العاصمة السورية أواخر الشهر الماضي، وفد اقتصادي إيراني يرأسه وزير الصناعة والمناجم والتجارة رضا فاطمي أمين، والذي حضر اجتماعات ما يسمّى بـ”الملتقى الاستثماري التأسيسي السوري – الإيراني” الذي عقد في دمشق.

وافتتح الوزير الإيراني، المركز التجاري الإيراني في المنطقة الحرّة بالعاصمة، لـ”تقوية العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين”، وفق رضا أمين.

ونقلت وكالة “سانا” الرسمية للنظام عن رئيس الغرفة المشتركة الإيرانية – السورية، كيوان كاشفي، قوله إن هذا المركز “هو أول مركز تجاري إيراني موجود في سورية، وسيكون أساس التجارة الإيرانية فيها ويضم مكاتب تجارية تمكن الشركات الإيرانية من القطاع الخاص القيام بتبادلات التجارية بين البلدين”.

وجاء افتتاح المركز بالتزامن مع معرض المنتجات الإيرانية الذي افتتح في مدينة المعارض بدمشق، وتشارك فيه 164 شركة تجارية وصناعية.

وأعلن المدير العام لمنظمة تنمية التجارة في إيران، علي رضا بيمان باك، والذي كان أحد أعضاء الوفد الذي وصل إلى دمشق، أن بلاده بصدد تأسيس مصرف مشترك مع النظام السوري لـ”لتسهيل التجارة بين البلدين”.

قاآني في دير الزور

وفي السياق، زار قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني قبل أيام، محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، والتي تعد منطقة نفوذ إيراني، حيث أشرف على عملية تخريج مجموعة جديدة من العناصر المنخرطين في صفوف مليشيا “فاطميون”، وذلك بحضور مجموعة من القياديين، من بينهم سبحان أفغاني، القائد العسكري لـ”فاطميون”، وفق شبكات إخبارية محلية.

ويعتمد النظام منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 على دعم سياسي وعسكري كبيرين من الجانب الإيراني، الذي تدل المعطيات والشواهد أنه بات متحكماً بالكثير من مفاصل القرار في سورية، خصوصاً لجهة الناحيتين الأمنية والعسكرية.

وتحوّل جانب كبير من الجغرافيا السورية إلى مناطق نفوذ مباشر للحرس الثوري الإيراني، خصوصاً في دمشق وريفها ومحافظة دير الزور ومدينة حلب في شمال البلاد.

وطفت على السطح أخيراً دعوات من دول عربية عدة لدعوة النظام إلى القمة العربية المقبلة في العاصمة الجزائرية، ليستعيد مقعده في هذه الجامعة التي كانت جمدت عضوية سورية فيها بداية عام 2012، بعد رفض النظام التجاوب مع مبادرات عديدة عربية وغير عربية لتطويق الأحداث التي كانت تجري في البلاد، إثر اندلاع الثورة السورية.

النظام يعتمد على مليشيات إيران

ويبدو أن النظام يسعى لكسر طوق العزلة العربية والتي أرهقت اقتصاده، من خلال خطوات تقارب بدأت مع الجانب الأردني أخيراً ومع الإمارات. ولكن من الواضح أنه لا يستطيع تنفيذ أحد الشروط العربية للتطبيع معه، وهو الخروج من عباءة طهران التي خلقت الكثير من الحقائق على الأرض السورية ربما يصعب على النظام نفسه تجاوزها في المدى المنظور.

ويعتمد النظام السوري إلى حد بعيد على المليشيات الإيرانية في تثبيت سيطرة شكلية لقواته على المناطق الخارجة عن سيطرته، كما تعد هذه المليشيات ومليشيات محلية تحركها طهران، رأس الحربة في أي عمل عسكري يقوم به النظام.

وتغلغل الإيرانيون في أغلب المؤسسات السورية خصوصاً الأمنية والعسكرية، إلى حد تحولت فيه الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، إلى مجرد مليشيا تنفذ الأجندة الإيرانية في سورية.

ورأى الباحث السياسي في مركز “جسور”، عباس شريفة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن زيارة المقداد إلى العاصمة الإيرانية “رسالة مفادها أن تقارب النظام مع العرب لن يكون على حساب علاقته الاستراتيجية مع طهران”.

وأضاف أن “إيران تريد القول إن البوابة إلى دمشق تمر عبر طهران، ومن يريد التطبيع مع النظام السوري عليه مراعاة المصالح الإيرانية في سورية”.

وحول قدرة النظام على الاستغناء عن الإيرانيين، رأى شريفة أن “النظام السوري لا يستطيع التخلي عن الإيرانيين”، معرباً عن اعتقاده بأنه “لا يمتلك القرار بالاستغناء عن الدعم الإيراني”.

وأضاف: “جزء كبير من قرار النظام مرهون لدى طهران التي باتت نافذة داخل مؤسسات الدولة في سورية، ولها قوى ضاغطة بشكل كبير. بشار الأسد لا يستطيع الصمود من دون الإيرانيين، لذا فهو غير مستعد وغير قادر على الابتعاد عن طهران”.

من جهته، رأى الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الجانب الإيراني “يحاول الاستثمار في التقارب العربي مع نظام بشار الأسد، لا منعه، ولذلك شهدنا تصريحات من حزب الله اللبناني مؤيدة لهذا التقارب”.

وأشار سالم إلى أن طهران “تريد الحصول على مكاسب من التطبيع العربي مع النظام من دون أن تتأثر مصالحها في سورية سلباً”.

وأعرب الباحث عن أسفه لأن “المقاربة العربية للأوضاع في سورية تحقق المصلحة الإسرائيلية في عدم وجود نفوذ عسكري مكثف للإيرانيين في سورية، ولا يعنيها النفوذ السياسي والثقافي لطهران”.

ورأى سالم أن “العرب كما يبدو غير مهتمين بمنع الأنشطة غير العسكرية لطهران في سورية، وهو ما يعطي الفرصة للإيرانيين للتغلغل أكثر في النسيج المجتمعي السوري، وفيما الوجود العسكري مكلف، فالنفوذ الثقافي والديني أقل كلفة. إيران تريد الاستفادة والاستثمار في محاولات التقارب التي تبديها دول عربية مع نظام الأسد”.

العربي الجديد

—————————-

الأسد المقامر” والأرملة السوداء/ أحمد بغدادي

شاهدنا جميعاً منذ ما يقرب من شهرين، تهافت دول عربية (خليجية) نحو إعادة جذب و”برمجة” نظام بشار الأسد، بما يتماهى مع السياسات الجديدة لمعظم دول المنطقة التي أخذت (سياساتها) منحىً براغماتياً، لكن هذه المرة، بحسب أهواء واشنطن ومتطلباتها، ومصالحها في الشرق الأوسط؛ على وجه التحديد عقب انسحابها من أفغانستان بعد وجود عسكري دام عشرين عاماً.

لذا، يبدو أن تراكض “دول” مثل البحرين، والأردن، والإمارات العربية المتحدة – والأخيرة لن تغلق باب التطبيع مع نظام الأسد خلفها، سيضغط على السعودية كي تنضم إلى الركب، في محاولة دعم موقف جاراتها، من باب توافق المصالح، لدرء الخطر الإيراني، الذي بات واضحاً، وقد يدخل من الخاصرة الخليجية السعودية، عن طريق الميليشيات الحوثية في اليمن، التي تعتبر ذراعاً صلبة لإيران.. حيث تتشارك الرياض مع صنعاء حدوداً برية بطول 1500 كيلومتر، لربما تستحيل إلى طوق نار، وتهديد مباشر لأمن الرياض وباقي دول الخليج.

كل هذه المعطيات والعوامل السياسية أو العسكرية، تفضي من جانب مهم إلى انتشال نظام الأسد من حضن إيران، وجلبه إلى الحظيرة العربية، ومن جانب آخر، قد يتساءل البعض: لماذا كل هذا الاهتمام بنظام فاقد للشرعية -دولياً، علاوة على انتهاكاته وإجرامه بحق السوريين، خلال عقد من الزمن؟ الإجابة تكمن في عقدة المنشار، ما تسمى “إسرائيل”، التي استطاعت الحصول على مكاسب عديدة، إبان ولاية رئيس الولايات المتحدة “دونالد ترامب”، آنذاك، سجّل الأخير لــ”تل أبيب” أهدافاً لم تكن باستطاعتها تسديدها بشكل دقيق، منها إعلان أن القدس عاصمة لإسرائيل في السادس من كانون الأول عام 2017، أي بعد انتهاء القمة العربية الثامنة والعشرين (مؤتمر البحر الميت) في الأردن بتاريخ الـ29 من آذار من العام نفسه، حيث كان الملف الفلسطيني في المقام الأول كما هو مزعوم في تلك القمة! وأيضاً، جاء هذا الاعتراف غير الشرعي والذي يعتبر مخالفاً للقوانين الدولية، أمام أعين رجالات “محور الممانعة والمقاومة”، لا سيما أن واشنطن هي وسيط محايد في مفاوضات السلام، وليس لها الحق باتخاذ قرارات تاريخية والتلاعب بمصائر الفلسطينيين. والهدف الثاني، كان في تاريخ الـ25 من آذار من عام 2019، عندما وقّع ترامب في واشنطن إعلان اعتراف الولايات المتحدة أن هضبة الجولان السورية جزء من إسرائيل، بعد ذلك، خلع بشار الأسد حذاء العدّاء المقاوم، واعتمر قبعة المهادنة والمفاوضات مع “دويلات” طبّعت مع إسرائيل! وعليه، تتالت الأهداف، لتمزّق الشبكة العربية، عبر “كرة صهيونية” وحكم أميركي يعطي ركلات جزاء محققة النجاح، أمام مرمى فارغ، بلا حارس، ولا حتى “قوائم” قد تتصدّى للركلات مصادفةً عوضاً عن الزعماء العرب، واعتراضهم على القرارات المجحفة بحق قضايا الشعوب العربية والإسلامية!

أما عن “سوريا الأسد”، كما يسمّيها “فتى البلازما” وتاجر “الكبتاجون” حسن نصر الله، فما من داعٍ للإشارة إلى وضعها، بشقيه: الاقتصادي والسياسي، فضلاً عن الوضع العسكري، الذي بات أنقاضاً ومن الماضي مثل تاريخ “محور المقاومة”.

سوريا الآن، غارقة حتى ناصيتها في دوامة اقتصادية وحرب دموية متجددة، ولن تنجو حتماً في المستقبل القريب، وهذا ليس تشاؤماً، بل نتاج وحصيلة كارثة إنسانية شارك فيها المجتمع الدولي مع الطاغية بشار الأسد!  ولم تأتِ هذه الكارثة بسبب “المؤامرة الكونية، أو “عقوبات قيصر” كما يدّعي نظام الأسد وإعلاميو حزب البعث، بل إن ما جرف سوريا إلى هذا المستنقع هو الصمت المطبق على المقتلة التاريخية، التي ارتكبها نظام شمولي واستبدادي، لا يفهم بلغة الحوار، أو احترام القوانين الدولية والإنسانية؛ إذ إن عشر سنين من القتل والتدمير، والتهجير، ورهن البلاد في قبضة دول استعمارية وطائفية شاركت بقتل السوريين، هي بالطبع كفيلة بجعل أي دولة متطورة ومزدهرة تتقهقر لتصل إلى الحضيض، على كل المستويات، وأهمّها المستوى الاقتصادي.

 لم يعد يجدي نفعاً أن يتأمل السوريون بإقصاء بشار الأسد من قبل الدول الكبرى، أو بقرار شجاع وتاريخي من قبل إدارة بايدن، لكن الحل الوحيد، هو انتظار “الأرملة السوداء” (أنثى العنكبوت السامة) المتمثلة إما في إيران، أو روسيا، لتفترس عنكبوتها الذي نسج بيتاً دقيقاً ودهاليز متشعبة ومغلقة، يتيه فيها كبار صائدي الفرائس والفرص من سياسيي ودبلوماسي العالم! نعم، ليس لأن العنكبوت الوريث (بشار الأسد) ماهراً في النسيج، إنما لاعتبارات جيوسياسية تخص سوريا، وموقعها الحسّاس، القريب من كلمة السرّ الخطيرة في المنطقة، ألا وهي “إسرائيل” التي يحاول قادة من الأمتين العربية والإسلامية في الوقت الراهن التقرّب من حاخاماتها، أو إن صح التعبير، تكون علاقاتهم فيها مثل الزواج الكاثوليكي: لا طلاق حتى الممات!

تلفزيون سوريا

—————————–

موسكو:وجود القوات الأميركية في سوريا يخفض فعالية مكافحة الإرهابيين

قال رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف إن “الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا، يقلل من فعالية القتال ضد الإرهابيين”، مضيفاً أن القوات الروسية مستمرة، إلى جانب قوات النظام السوري، في غاراتها على “الجماعات الإرهابية”.

وقال غيراسيموف في تصريح أمام الملحقين العسكريين للدول الأجنبية الخميس، “لم تتخلَ الجماعات المسلحة غير الشرعية عن خططها لتوسيع مناطق نفوذها، ويسهم في ذلك الوجود العسكري غير المشروع للولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى في سوريا، ما يقلل من فعالية محاربة الجماعات الإرهابية”.

وأضاف أن “القوات الجو-فضائية الروسية تواصل إلى جانب قوات النظام السوري، غاراتها على الجماعات الإرهابية”، فيما تقدم في الوقت نفسه “المساعدة في عودة اللاجئين واستعادة البنية التحتية للحفاظ على سلامة الأراضي السورية ووحدتها”.

وتابع غيراسيموف: “في منطقة خفض التصعيد في إدلب، يجري العمل مع الجانب التركي لتنفيذ الاتفاقات القائمة والحفاظ على وقف الأعمال العدائية”.

وجاء تصريح المسؤول العسكري الروسي بعد يومين على إجراء القوات الأميركية المتمركزة في سوريا، مناورات عسكرية في ريف دير الزور شرقي سوريا، بمشاركة عناصر من حزب العمال الكردستاني.

ونقلت وكالة “الأناضول” التركية عن مصادر محلية الأربعاء، أن العشرات من القوات الأميركية و3 دبابات وعدداً من العربات المدرعة، شاركوا الثلاثاء في مناورات استخدمت فيها الذخيرة الحية حيث تم إطلاق النار على أهداف محددة مسبقاً. وأضافت المصادر “كما شارك في المناورات التي استمرت يوماً واحداً، عشرات من عناصر الحزب العمال الكردستاني الذين حضروا إلى ساحة المناورات بعرباتهم المدرعة”.

وأوضحت المصادر أن المناورات جرت في بادية بلدة أبو خشب القريبة من معبر بلدة الصالحية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وهي أحد أهم نقاط تمركز القوات الروسية والمجموعات التابعة لإيران.

وتقول الولايات المتحدة إن استمرار وجود قواتها في سوريا هدفه مكافحة تنظيم داعش. وفي أول تصريح بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي بمؤتمر صحافي في 28 كانون الثاني/يناير، إن “رؤيتنا حول هدف القوات الأميركية في سوريا والعراق، هي مواصلة التعامل مع تهديد داعش”.

وتتوزع القوات الأميركية في 26 موقعاً بمحافظات دير الزور، والحسكة، والرقة، وحمص، والقامشلي، كما تمتلك 23 قاعدة عسكرية، حيث يتركز وجودها بشكل رئيس على آبار النفط. وتمثل الولايات المتحدة أكبر داعم لقوات سوريا الديمقراطية في الحملة ضد داعش في سوريا.

المدن

———————————

================

تحديث 16 كانون الأول 2921

——————

نفتالي بينيت في أبو ظبي وطحنون في طهران وبن زايد في دمشق/ حازم الأمين

هذه الزيارات هي وقائع تعري حقيقة الصراع، وتضعنا أمام مشهد لا علاقة له بغير مصالح أنظمة لا يعنيها سوى حماية مصالحها، ومواصلة قمعها شعوبها.

 حط نفتالي بينيت في أبو ظبي، وقبله كان عبدالله بن زايد حط في دمشق! الربط بين المحطتين قد يبدو ضرباً بالرمل، لكن الربط بين مشهدي بينيت في أحضان بن زايد والأخير في ضيافة بشار الأسد، يحيلنا إلى متن الخطب التخوينية التي تحفل بها منطقتنا!

الإمارات باعت تل أبيب القدس. القدس التي لا تملكها. وها هي تبيع سوريا لبشار الأسد. هذه المعادلة هي خارج خطاب التخوين الذي يدين اتفاقات ابراهام ويرحب في الوقت نفسه بانفتاح أبو ظبي على دمشق، ويعتبره خرقاً في جدار الحصار! الخطاب الذي يعلك فلسطين يومياً، وهو مستعد لأن يبيعها لقاء التستر على مجزرة، ولقاء مصافحة حاكم مستبد! فلسطين التي بيعت في سوق عكاظ مذهبي، وعلى طول خط الانقسام السني الشيعي، والذي أعدت له أسلحة تتراوح من الكيميائي إلى الإعلامي، تحضر وتغيب في خُطب حسن نصرالله وفقاً لوجهة الرحلة!

على الفلسطينيين أن يستعيدوا قضيتهم من هؤلاء، تماماً كما فعلوا عندما أطلقوا انتفاضتهم الأولى. عليهم أن يستعيدوها من إيران ومنظومتها المذهبية، ومن أبو ظبي والرياض ومن مقامرات حكامهما. سبق للفلسطينيين أن فعلوا ذلك فلاحت فرصة خلاص وفرصة استعادة لفلسطين. اتفاقا جنيف وأوسلو لم يولدا في طهران وفي الرياض ولا في القاهرة، بل في رام الله التي كانت تواجه بالحجارة في حينها. إنها مرحلة ما قبل “حماس” وارتهاناتها، وما قبل عودة “فتح” وفسادها. مرحلة محمد الدرة الذي شطبت صورته وجه إسرائيل، ومرحلة مروان البرغوتي قبل أن يسبقه إسماعيل هنية ومحمد الدحلان إلى تصدر المشهد وإلى تصدر السلاح، وتحويل الإنجاز إلى انقسام وإلى حرب أهلية.

بينيت في أبو ظبي في زيارة مجانية. هذا درس كبير للفلسطينيين، وبعيداً من محاولات الاستثمار الممانعاتية، ذاك أن خطاب التخوين حين تولى تقديم المشهد، فعل ذلك في سياق حربه المذهبية لا في سياق دفاعه عن فلسطين. بينيت في أبو ظبي، وقبلها كان طحنون بن زايد في طهران، وهو توجه منها إلى تل أبيب! فلسطين في هذا البازار ليست أكثر من تفصيل في سوق المزايدات. البيع والشراء جارٍ على قدم وساق، تماماً مثلما هي سوريا تفصيل في سياق العلاقة بين موسكو وتل أبيب، فتقصف الطائرات الإسرائيلية مرفأ اللاذقية ويرحب الضباط الروس بدقة التزام السلاح الجوي الإسرائيلي بالأهداف التي جرى الاتفاق عليها.

فلسطين تقع اليوم على خط انقسام بين من يرغب ببيعها في سياق تسوية مجانية، وبين من يدفعها ثمناً لموقعه المذهبي. زيارات طحنون إلى طهران، وبن زايد إلى دمشق، وبينيت إلى أبو ظبي، وقبلها اللقاءات الإسرائيلية- الروسية على وقع الغارات الإسرائيلية على سوريا، كلها وقائع تعري حقيقة الصراع، وتضعنا أمام مشهد لا علاقة له بغير مصالح أنظمة لا يعنيها سوى حماية مصالحها، ومواصلة قمعها شعوبها.

في لبنان انتقل “حزب الله” بفلسطين من حرب مذهبية إلى أخرى، إلى أن وصل بها إلى مواجهة مع قاضي التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، وفي أبو ظبي وهب بن زايد بنيامين نتانياهو وبعده نفتالي بينيت القدس لقاء وعد بحمايته من “الخطر الإيراني”!

أما القول بأن لا استقرار في المنطقة من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، فقد صار وراءنا، ليس لأنه لم يعد صحيحاً، إنما لأن الاستقرار ليس مطلب أحد من هذه الأنظمة. الحل العادل للقضية الفلسطينية لا يناسب أحداً من هؤلاء. إسرائيل لا تريد دولة فلسطينية في جوارها، وإيران لا يلبي هذا الأمر شروط نفوذها، وملف أنظمة الخليج وإماراته سيكون على محك أسئلة وجودية إذا ما حُلت القضية الفلسطينية.

وحدهم الفلسطينيون يملكون مصلحة في حل عادل لقضيتهم. ووحدهم يجب أن يتحركوا.     

درج

———————–

في شهر واحد.. الإمارات تلعب على 5 حبال و”الغموض سيد الموقف

منذ مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بدا ملاحظاً التغير المفاجئ الذي طرأ على السياسية الخارجية الإماراتية.

وتمثل هذا التغيّر بسلسلة زيارات أجراها مسؤولون إماراتيون لعدة دول من جهة، واستقبال أبو ظبي لمسؤولين آخرين من جهة أخرى، آخرهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، حيث وصل اليوم الاثنين والتقى ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد.

وزيارة بينيت هي الأولى لمسؤول إسرائيلي بهذا المستوى، منذ تطبيع العلاقات بين البلدين، في العام الماضي.

وأعرب بن زايد عن تطلعه إلى أن تسهم الزيارة “في دفع علاقات التعاون إلى مزيد من الخطوات الإيجابية لمصلحة شعبي البلدين وشعوب المنطقة”، وفقاً لوكالة أنباء الإمارات “وام”.

وبحث ولي عهد أبوظبي مع بينيت “مسارات التعاون الثنائي، وفرص تنميته في مختلف الجوانب الاستثمارية والاقتصادية والتجارية والتنموية، خاصة مجالات الزراعة والأمن الغذائي والطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة والصحة وغيرها من القطاعات الحيوية”.

“إيران والسعودية”

ما سبق يأتي بعد أيام قليلة من وصول ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان إلى أبو ظبي، في إطار الزيارة الخليجية التي بدأها باتجاه عدة دول.

والتقى بن سلمان محمد بن زايد بعد وصوله، كما زار معرض إكسبو 2020، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام إماراتية وسعودية.

وقبل هذه الزيارة كان مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، طحنون بن زايد، قد أجرى زيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران، التقى فيها عدداً من المسؤولين الإيرانيين، في خطوة نادرة لطهران استمرت يوماً واحداً فقط.

وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، إن بن زايد التقى نظيره الإيراني علي شمخاني، الذي أعرب عن أمله في أن تكون الزيارة “بداية جولة جديدة من العلاقات الثنائية. وتمهيداً لتعزيز وتوسيع العلاقات بين البلدين”.

كما شملت الزيارة لقاء جمع مستشار الأمن القومي الإماراتي بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حسب وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، التي نقلت عن رئيسي قوله إن بناء علاقة جيدة مع دول المنطقة هو من أولويات سياسته الخارجية.

“سورية وتركيا”

في غضون ذلك، وقبل الخطوات الإماراتية مع إيران والسعودية وإسرائيل بأيام قليلة، حطت طائرة تقل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد في العاصمة التركية أنقرة، في تطور هو الأول من نوعه على صعيد العلاقة بين البلدين المتخاصمين منذ عشر سنوات.

والتقى بن زايد، بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وفي الختام أشرف كلاهما على توقيع عشر اتفاقيات اقتصادية.

ومن المقرر أن يزور أردوغان أبو ظبي في فبراير /شباط المقبل، على أن يسبقه وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، ورئيس الاستخبارات حقان فيدان، في نهاية الشهر الحالي من أجل بحث مجالات التعاون الأخرى.

وكان اللافت منذ بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، أن السياسة المتغيرة للإمارات، لم تقتصر على دولة دون غيرها، بل طالت الجميع، من تركيا إلى السعودية وإيران وإسرائيل.

بالإضافة إلى سورية التي شهدت عاصمتها دمشق زيارة لوزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، وذلك في التاسع من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

والتقى بن زايد حينها رأس النظام، بشار الأسد، وكان على رأس وفد ضم عدد من الوزراء.

وقال وزير الخارجية الإماراتي إن “ما حصل في سورية أثَّر على كل الدول العربية”، مؤكداً دعم بلاده “لجهود الاستقرار في سورية”.

في المقابل أوردت وكالة أنباء النظام “سانا” أن الأسد أكد على “العلاقات الأخوية الوثيقة” بين البلدين. ونوه بما وصفه “بالمواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات” التي “وقفت دائماً إلى جانب الشعب السوري”.

—————————

فورين بوليسي: تقارب الزعماء العرب مع الأسد صورة عن إعجابهم بديكتاتور أتقن لعبة الانتظار وعلّمهم الإفلات من كل شيء

إبراهيم درويش

قالت بينيت شيلر، مديرة مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة “هينرك بول” في برلين، ومؤلفة كتاب “حكمة لعبة الانتظار السورية: السياسة الخارجية في ظل الأسد” إن العودة غير المحتملة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، ومحاولة دول المنطقة إصلاح العلاقات الدبلوماسية معه، هي رسالة لمنتهكي حقوق الإنسان أنهم يستطيعون ارتكاب جرائم ويفلتوا من العقاب.

وجاء في مقالها الذي نشرته بمجلة “فورين بوليسي” أن الأمور تبدو جيدة بالنسبة للأسد، فقد تحدث معه الملك عبد الله الثاني لأول مرة منذ عشرة أعوام، وزاره وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد، والتقى مدير المخابرات السعودي خالد بن علي الحميدان مع نظيره السوري حسام لوقا في القاهرة. وكجزء من محاولات مصر إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، قامت بمبادرات ودية خاصة بها تجاهها.

وبعد عشرة أعوام على تحرك الأسد لقمع المظاهرات السلمية بالقوة، يبدو أن التيار يسير لصالحه. وتساءلت الكاتبة عن الطريقة التي استعاد فيها الأسد رضى العالم من جديد، مع أن الحرب الأهلية السورية هي الأكثر توثيقا في التاريخ، وبوجود إثباتات على استخدامه الأسلحة الكيماوية. وتجيب الكاتبة أن هناك عوامل واضحة، مثل الغطاء الدبلوماسي الذي قدمته الصين وروسيا لنظام الأسد في مجلس الأمن، والدعم العسكري الروسي والإيراني، وبدونه كان جيش النظام السوري الذي فقد نصف قواته عام 2013، سينهار. واستفاد النظام من فشل التدخل العسكري في أفغانستان والعراق وليبيا، مع أن هذه الحروب حدثت في ظل ظروف مختلفة. لكنها سوابق تم استحضارها لرفض خيار التدخل وحتى قبل مطالبة المعارضة السورية به.

وبناء على هذه السوابق، يمكن فهم عدم التحرك العسكري ضد الأسد، لكن العملية الدبلوماسية الزاحفة، من الصعب تفسيرها أو تبريرها.

وكانت الكاتبة قد توقعت في كتابها الصادر عام 2013 وحللت فيه السياسة الخارجية للأسد، رفض النظام الضغوط الدولية، كما فعل حافظ الأسد من قبل، وانتظار البقية حتى يغيروا مواقفهم وهو ما فعلوه بشكل حتمي. لكن حدث استثناء لهذه السياسة في 1990 عندما خسرت دمشق راعيتها السوفييتية وواجهت خطرا وجوديا. والثاني في 1998، عندما هددت تركيا بالتدخل العسكري بعدما لم تعد قادرة على تحمل دعم النظام السوري لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) ومنحه الملجأ الآمن على أراضيها.

إلا أن النظام بالغ في القمع خلال العقد الأخير من الحرب، فهجومه الكيماوي عام 2013 والذي قتل فيه أكثر من 1.400 شخص كان خرقا “للخط الأحمر” وانتهاكا للمعايير الدولية، وترك تداعيات أبعد من سوريا. وكانت هذه الأزمة كافية لأن تجبر الأسد على التنحي عن السلطة، لكنه انتظر مرورها وتجاهل الالتزامات المفروضة عليه من كيري- لافروف عام 2016 والتي طالبته بالتخلي عن برامجه الكيماوية. وخلافا لهذا، صعّد من الحرب واستمر في استخدام السلاح الكيماوي.

وتعتقد الكاتبة أن فعالية لعبة الانتظار التي مارسها الأسد يمكن فهمهما عبر نظرة أنصاره إليه باعتباره “أقل الضررين”، وهي نظرة ظلت قائمة ما بين 2013 وحتى هزيمة تنظيم الدولة، وهو التنظيم الذي جعل الناس ينسون مذابح الأسد والتعذيب في السجون وإن كان على قاعدة أوسع. وعندما يقدم النظام نفسه على أنه لاعب عقلاني مستعد للدخول في حوار استراتيجي، فإنه يستطيع الانتظار حتى تنجلي موجة التركيز السلبية.

ونبع نجاح النظام من إقناعه اللاعبين الدوليين بأنه مهتم بإدارة البلاد فقط، وأن العنف ضروري ولو كان مفرطا من أجل الحفاظ على البلد. ونجح النظام بسبب تمسك اللاعبين الدوليين بالأماني واستعدادهم لتصديقه. فقد افترضوا أن الأسد سيتعامل بشكل بناء عند نقطة ما، بدون ضغط خارجي. والخيار بالنسبة لهم هو بين الأسد والفوضى، أو بين الأسد وتنظيم الدولة، وأن عملية الانتقال السياسي ستحصل بتعاون الأسد فقط.

ومنذ اندلاع الانتفاضة عام 2011، ركز النظام جهوده الدبلوماسية، وبشكل رئيسي على الأمم المتحدة، إما لأنه لا يثق برجاله أو بسبب القيود المفروضة عليهم للسفر. وطالما اتسمت السياسة الخارجية للنظام السوري بالتشعب. ومن أجل التعامل معها بجدية، استخدمت عائلة الأسد عددا من الأساليب. فقد أقام حافظ الأسد، وعلى مدى سنين علاقات مع لاعبين من عدد من الدول، فلسطين، لبنان، تركيا، العراق والأردن، والذين يمكن تفعيلهم لتعزيز فرصه الدبلوماسية، واستمر هذا مع ابنه بشار، فنقل الجهاديين إلى العراق عام 2003 والسنوات اللاحقة والاغتيال السياسي لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، أهم مثالين موثقين حتى الآن.

ولأن النظام يريد أن يتم التعامل معه كقوة مهمة للاستقرار في المنطقة، فإنه وبطريقة متناقضة ظاهريا، يعمل على زعزعة الاستقرار، ويحصل على نتائج. ونجحت الإستراتيجية في لبنان، وعبّرت عدة إدارات أمريكية عن استعدادها لغض النظر عن اختراق النظام للجهاديين ونقلهم للعراق من أجل استهداف القوات العراقية. ومن بين جيران سوريا، استطاعت إسرائيل ولمدى محدود، وتركيا الدفاع عن نفسيهما.

ومثل بقية الأنظمة الديكتاتورية، كان الأسد مستعدا للتساهل مع المعارضة الداخلية، طالما ظلت صغيرة ومنقسمة وعملت ضمن معايير مقبولة. لكنها تصبح تهديدا له عندما تتحول إلى حركة ثورية سلمية بمطالب حقيقية للتغيير السياسي وتقدم بديلا سلميا، وعليه فقد تحرك بقسوة لقمعها. ففي عام 2011 و2012 اغتال النظام ممثلين جذابين للحركة السلمية مثل إبراهيم قشوش وغيث مطر، متجاهلا عن قصد الجهاديين الذين استطاعوا استخدام الإفراج عنهم من السجون وتوسيع شبكتهم.

فمهما كانت البدائل عن الأسد، ديمقراطية الرؤية وناشطون بنوايا حسنة، فإنهم واجهوا المحو أو تشويه سمعتهم على الأقل. ونجحت هذه الإستراتيجية جيدا مع “الدفاع المدني” أو “الخوذ البيضاء”. وكان القصد من هذا، هو خلق التشويش وزرع الرعب بين المراقبين، من أنه لا يوجد رجال طيبون بين المعارضة، بحيث يتساءل الدبلوماسيون والساسة والبقية فيما بينهم، بأنهم ربما يضحون بالاستقرار من أجل بدائل سيئة.

وتم استخدام حوادث إرهابية غامضة في سوريا ولبنان وتركيا لتخويف المراقبين من البديل القادم. ففي سلسلة من الهجمات الإرهابية بمدينة ريحانلي التركية، كان لدى المدانين فيها علاقات مع النظام السوري. وكان من السهل على الأسد استخدام شبكة الظل لتخويف لبنان الذي احتله حتى عام 2005. وفي 2012، اعتُقل الوزير السابق ميشيل سماحة بتهمة محاولة وضع 20 قنبلة أثناء زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى شمال لبنان. وكان الغرض تصوير الهجوم على أنه محاولة هجوم من مسلمين ضد مسيحيين، ونُقل عن سماحة قوله: “هذا ما طلبه بشار”.

ووقف خلف هذه المؤامرة علي مملوك، المنسق لعدد من أجهزة الأمن السورية والمستشار الأمني للأسد. ولو نجحت هذه المحاولة، لحرضت على اللاجئين السوريين في لبنان ولأدت إلى حرب طائفية. وكان خلفها رسالة إلى الحكومة اللبنانية: “لو ذهبنا فستذهبون أيضا”.

وبدأ النظام بالتعويل على القوة العسكرية لحزب الله. فالجيش السوري كان في حالة يرثى لها بدون معدات وقوى بشرية بسبب الانشقاقات، ولهذا اعتمد على “الشبيحة” و”قوات النمر” لتنفيذ المذابح، وعلى حزب الله المنظم في ميادين المعارك. ورفض الأسد تخفيف الضغوط على حزب الله الذي بنى صورته بأنه حركة مقاومة لإسرائيل، وبات يواجه سخطا في قواعده حول قراره القتال في سوريا.

ولم ير الكثيرون أي معنى للقتال والموت من أجل الأسد، هذا إذا أضفنا السخط العام من وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان. بل حاول الأسد استخدام ملايين السوريين الذين فروا إلى الأردن والعراق ولبنان وتركيا كورقة نفوذ. فقد استخدم الهجوم على مدينة إدلب التي يعيش فيها 3 ملايين نسمة معظمهم من النازحين، للضغط على الحكومة التركية التي تواجه سخطا من وجود اللاجئين السوريين، وأدت لأسوأ خسارة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية عام 2019.

وعمق هذا الضغط من الخلافات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي. وأدى تدفق اللاجئين السوريين إلى الاتحاد الأوروبي لصعود النزاعات الشعبوية المتطرفة. وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفتح الباب أمام 3.6 مليون لاجئ إلى أوروبا بعد انتقاد الاتحاد الأوروبي لحملته العسكرية في شمال سوريا. فالفوضى التي خلقها النظام سمحت له بتقديم نفسه على أنه عامل الاستقرار. ولعب النظام نفس الورقة في محادثات جنيف التي يشارك فيها منذ 2012 وتهدف لتسوية سلمية، ووقف العنف بناء على قرارات مجلس الأمن الدولي، وهي نتيجة يحاول النظام تجنبها، وفي الوقت نفسه، لم تؤد أي جولة لتغير ملموس على حياة المواطنين السوريين. واجتمعت لجنة الدستور للمرة السادسة، لكنها لم تتفق حتى على المبادئ الدستورية.

ولم تكن محادثات جنيف واللجان الفرعية سوى مسرح للمسؤولين السوريين كي يتسوقوا في أوروبا. وعبّر المبعوث الدولي “الصبور” بيدرسون عن خيبة أمله من نتائج الاجتماعات.

وكشف التقارب العربي الزاحف مع نظام الأسد عن محدودية النهج الأمريكي المضلل والمتهاون. فمنذ بدء المبادرات الدبلوماسية، فإنها فشلت بسبب غياب التهديد الحقيقي باستخدام القوة، وعبّر النظام عن استعداده للمشاركة بهذه المهزلة طالما ظل حرا لمواصلة عنفه. والمرة الوحيدة التي قدم فيها النظام تنازلات كانت عام 2013 عندما واجه ولفترة قصيرة إمكانية ضربة عسكرية. في المقابل لم تُخف غارات دونالد ترامب الصاروخية 2017- 2018 الأسد ولم تهدد نظامه.

ولا يوجد لدى النظام سبب يدعوه لتغيير سلوكه عبر الضغط الدبلوماسي، كما لم يعبر عن استعداد لتقديم تنازلات من أجل سلام دائم. ولم يلتزم النظام أو يعرض عفوا، ولا يوجد أي مثال على نجاح عمليات “المصالحة” في البلدات والمدن التي حاصرها. بل أدت اتفاقيات وقف إطلاق النار المحلية التي تبنتها الأمم المتحدة ومبعوثها ستيفان دي ميستورا إلى تقديم معظم سوريا لنظام الأسد، كما توصل تقرير للمجلس الأطلنطي.

وقام النظام في المناطق التي استعادها بالتحقيق في أي شخص يعتقد أنه ناشط ومع أفراد عائلته. واختفى من اعتقلوا. وظل موضوع 100 ألف اختفوا قسريا ملحّا، وحاولت عائلاتهم التعرف على مصيرهم. وبضغط من روسيا، أصدر النظام مئة شهادة وفاة لأشخاص، أكدت أن وفاتهم كانت لأسباب طبيعية. وهذه صورة عن النظام: فهو يتعاون رسميا ولكن ليس بطريقة جوهرية.

وجانب آخر، هو استخدام النظام المساعدات الإنسانية كسلاح في حلب الشرقية حتى عام 2016 والغوطة الشرقية حتى عام 2018، حيث رفض تلبية مطالب الأمم المتحدة بوصول المواد الغذائية للمحاصرين، وسمح بوصول عدد محدود من الشاحنات، وقصف المواطنين الذين كانوا ينتظرون في أماكن التوزيع. وهو ما يدعو إلى الخوف،  فالدبلوماسية التي تتكيف مع نزعة الأسد القتالية هي رخصة لتوسيع انتهاكات حقوق الإنسان.

ومما يدعو للقلق الشديد، أن اللاعبين الذين يدعمون حملة التقارب مع الأسد لا تهمهم حقوق الإنسان. وهناك سبب وراء إصلاح العلاقات وخاصة الدول الجارة ،وهو أنها تحاول خلق ذريعة لدفع اللاجئين لديها للعودة إلى بلادهم. وهي بالضرورة لا تهتم بأمنهم، وتفترض خطأ أن النظام مستعد لاستقبالهم. وأخبر سياسي لبناني كان يحاول في عام 2017 التفاوض مع السوريين على عودة اللاجئين المثيرين للمشاكل من بلاده:”ما الذي يدعوك للافتراض أننا نريد عودتهم؟”.  وأكدت السلطات اللبنانية أن نسبة 20% من السوريين المسجلين كلاجئين حصلوا على تصريح من النظام للعودة.

وهناك سبب آخر للتقارب، وهو أنه بخلق هذه الدول موجة تطبيع مع النظام، فإنها ستستفيد من مال الإعمار الغربي لسوريا. مع أنه ليس من الواضح إن كان الغرب مستعدا للاستثمار، فقد التزم الاتحاد الأوروبي بشرطه، وهو أنه لا مال للإعمار بدون تحركات جدية للتسوية. وحتى الصين التي لم تقيد نفسها بشروط، لم تظهر بعد استعدادا للاستثمار الواسع مع أنها دخلت في مفاوضات مع النظام.

وبالنسبة للدول التي طبعت العلاقات، لم تلتزم بعد ما تعهدت به ماليا وهو دعم الاقتصاد والتعاون التجاري. وكل الدول المطبعة هي ديكتاتورية تتعاطف مع ديكتاتور مثلها يواجه ثورة. ولكونها مستبدة، فهي تفهم الأسد، ولهذا تتردد في تقديم معونات مادية له. والديكتاتور الذي يواجه أزمة، يطمح للحصول على دعم من يعتقد أنهم سيخسرون لو سقط وسيكسبون لو بقي، مثل إيران التي ستخسر تأثيرها الإقليمي، وروسيا التي تقدم سوريا لها فرصة لاستعادة موقعها بالمنطقة.

والآن وقد عاد الأسد للوقوف على قدميه، فقد رجعت قوى الوضع الراهن. فالإمارات وبقية الدول المستبدة معجبة بالأسد؛ لأنه أضاف فصلا إلى كتاب نجاة المستبدين: كيف تنجو من كل شيء. ويتعلم الآخرون دروس الإفلات من العقاب كما أشارت قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.

وبالنسبة للدول الديمقراطية التي تريد نظاما دوليا قائما على حكم القانون، فسوريا هي مثال يدعو للقلق. فالمحاسبة على جرائم ضد الإنسانية أو البحث عن الاستقرار، يجب ألا تكون خيارا. كما أن توقع النظام لكي يغير سلوكه من نفسه، مع أنه لم يستجب لأي مبادرة، ليس تفكيرا واقعيا أوبراغماتيا، بل هو تعلل بالأماني. ولعبة انتظار الأسد لم تعد دفاعية. فهو يقضي وقته ويداه ملطختان بالدماء لكي يراها الجميع، أما بقية الديكتاتوريين، فيتعلمون منه كيفية الإفلات من العقاب، وهذا أمر غير مبشر بالخير.

القدس العربي

—————————

عودة الأسد إلى الجامعة العربية/ رضوان زيادة

مع اقتراب موعد انعقاد المجلس الدوري لجامعة الدول العربية في الجزائر على مستوى قادة الدول في آذار المقبل بدأت التصريحات العربية تتزايد حول ضرورة “عودة سوريا” إلى “حضن الجامعة” وتصدرت الجزائر ومصر والأردن والإمارات هذه التصريحات، كل دولة من هذه الدول لها منطقها الخاص، فوزير الخارجية الجزائرية قال إنه يجب عودة سوريا إلى “الحظيرة العربية” لأن مقعدها هناك مضيفا أن الجزائر كانت في الأصل ضد شغور المقعد السوري، وهو ما دعمه الرئيس الجزائري تبون فيما بعد الذي قال إن سوريا يجب أن تعود إلى مقعدها، دون أن يدخل في أي نقاش  حول لماذا تم تجميد مقعد سوريا؟ وماذا حصل اليوم حتى تعود إلى مقعدها، ربما حجة الجزائر هنا هي رفض فتح ملف الحرب السورية على الطريقة الجزائرية التي انتهت دون أي محاسبة أو مساءلة عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الجزائرية خلال ما يعرف بالعشرية السوداء بعد إلغاء نتائج الانتخابات عام 1990 التي فازت فيها وقتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وقد سبقت ذلك طبعا عدة خطوات من مثل فتح الإمارات سفارتها في دمشق في نهاية 2018، وقامت الأردن بإعادة سفيرها إلى دمشق. وفي تشرين الأول الماضي وعقب زيارة قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله إلى واشنطن أجرى الملك اتصالا هاتفيا ببشار الأسد وهو الأول من نوعه منذ نحو عشر سنوات.

وبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي دمشق دعا وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وقال إن بلاده التي ستستضيف الاجتماع المقبل للجامعة، في شهر آذار المقبل، تتطلع إلى إجماع عربي بهذا الشأن.

وكان وزير خارجية مصر، سامح شكري، قد اجتمع بوزير خارجية النظام، فيصل مقداد، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

تسعى الدول العربية هذه إلى إعادة الأسد بالرغم من غياب أي نقاش حول تطبيق القرارات الدولية وفشل حكومة الأسد في الالتزام بأي من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالانتقال السياسي في سوريا وعدم طرح فكرة المساءلة والمحاسبة رغم أن النظام قتل حرفيا مئات الألوف من السوريين عبر البراميل المتفجرة والغازات الكيماوية والقصف العشوائي والتعذيب والحصار والجوع وغيرها من وسائل الإبادة الجماعية التي استخدمها الأسد بحق السوريين.

ورغم أن الحجة التي يرددها البعض بأن إعادة الأسد إلى الحضن العربي يبعده عن إيران يدرك الجميع أن ذلك مستحيل عمليا وسياسيا حيث تسيطر الميليشيات الإيرانية على كثير من المواقع العسكرية وتحتكر كثيرا من القطاعات الاقتصادية والخدمية.

كما أن الأسد يختار إيران في أي مفاضلة، لا سيما أنها دعمته في أسوأ الظروف، في حين وقفت الدول العربية ضده وطردته من الجامعة.

لقد استطاعت الولايات المتحدة وعبر قانون قيصر منع إعادة إعمار ما دمره الأسد في سوريا، أي أن هذا القانون منع إعطاء الأسد عوائد جرائم الحرب التي ارتكبها ضد شعبه.

لكن يبدو أن سلبية إدارة بايدن في التعامل مع الملف السوري والتعامل معه فقط من زاوية المساعدات الإنسانية شجع هذه الدول العربية للتطبيع مع نظام الأسد، ورغم أن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، قد أوضح أن سياسة واشنطن في سوريا تهدف إلى مواصلة المساعدات الإنسانية، والتصدي لتنظيم “داعش” وإبقاء الضغوط على نظام الأسد ودعم اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية.

وأضاف: “ما لم نفعله، وما لا نعتزم فعله، هو إظهار أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات أو إعادة الاعتبار للأسد، أو إلغاء أي عقوبة ضد سوريا أو تغيير موقفنا من معارضة إعادة البناء في سوريا، إلا في حال حدوث تقدم غير قابل للإلغاء باتجاه الحل السياسي”.

لكن إدارة بايدن قررت عدم تنشيط دبلوماسيتها لمنع هذا التطبيع بين بعض الدول العربية ونظام الأسد، كما فعلت إدارة ترامب في السابق حيث أرسلت مبعوثيها إلى المنطقة محذرة إياهم من خطر العقوبات في حال اتخاذ أي خطوات تقارب مع نظام الأسد. وقد استغلت بعض الدول رغبة واشنطن بمساعدة الدول العربية المتضررة من الأزمة السورية مثل الأردن ولبنان للإعلان عن بعض خطوات التطبيع مع الأسد وأعلنت إدارة بايدن أنها لن تستخدم العقوبات المفروضة على التعامل الاقتصادي مع سوريا وفقا “لقانون قيصر” لمعاقبة مصر والأردن في سعيهما لإيصال إمدادات الطاقة من مصر عبر سوريا إلى لبنان

تلفزيون سوريا

—————————-

الإمارات في مأزق… “الصين-إيران” أو “إسرائيل-أمريكا”؟

رصيف22

أبلغت أبو ظبي الولايات المتحدة اعتزامها الانسحاب من صفقة شراء طائرات F-35 الأمريكية الصنع، وطائراتٍ من دون طيّار من طراز “ريبر”، وذخائر متطوّرة أخرى.

وأفادت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، بأن أبو ظبي تعتقد أن “المتطلّبات الأمنية التي وضعتها الولايات المتحدة لحماية الأسلحة عالية التقنية من التجسس الصيني، مرهقة للغاية، وأن السيادة الوطنية للبلاد في خطر”.

وورد على لسان مسؤولٍ إماراتيٍّ ضمن تعليقه للصحيفة على أسباب تجميد الصفقة، قوله: “أدّت المتطلّبات الفنية، والقيود التشغيلية السيادية، وتحليل التكلفة، إلى إعادة التقييم”، وهو ما استدعى عدّ كثيرين أن ما حصل لا يتعلق كثيراً بالصين.

ولم يتّضح ما إذا كانت الصفقة التي تبلغ كلفتها 23 مليار دولار، والتي تم توقيعها في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب، قد ماتت هكذا، أو ما إذا كان التهديد الإماراتي هو خطوة تفاوضية، عشية زيارة مقررة حصلت أمس، لوفد عسكري إماراتي إلى وزارة الدفاع الأمريكية، وتستمرّ يومين لإجراء محادثات.

وقال مسؤولون أمريكيون لـ”وول ستريت”، إن “الرسالة التي حملت التهديد بتعليق الصفقة، كتبها مسؤول صغير نسبياً في الحكومة الإماراتية، ما يشير إلى أن العرض كان بمثابة تكتيك تفاوضي قبل الاجتماع في وزارة الدفاع”.

ونقلت وكالة بلومبرغ الأمريكية، عن مسؤول إماراتي، أن “الاتفاق مع فرنسا لشراء 80 مقاتلةً من طراز رافال، استغرق عقداً من الزمن، وتوقّف وبدأ ثلاث مرّات على الأقلّ”، في إشارةٍ إلى أنه لا يزال هناك متّسع من الوقت لحلّ الخلافات حول صفقة أف35. ويؤكد المسؤولون في الإمارات والولايات المتحدة، أن صفقة الطائرات الفرنسية تهدف إلى استبدال مقاتلات ميراج المتقادمة في الإمارات، وليست بديلاً لطائرات أف35.

جاء تأكيد الإماراتيين على أن طائرات رافال ليست بديلاً لمقاتلات أف35، بعدما ألمحت وسائل إعلام غربية إلى أن إبرام فرنسا الاتفاق مع أبو ظبي لبيع 80 مقاتلة رافال، وتخلّي الأخيرة عن أف35 الأمريكية، جاء ردّاً على توقيع أمريكا وبريطانيا على اتفاقٍ لبيع غوّاصات نووية بنحو 50 مليار دولار لأستراليا، بعدما كان مقرراً أن باريس هي من ستقوم بتصنيع تلك الغوّاصات.

 وذكر مسؤولون آخرون أن الولايات المتحدة لديها مخاوف أمنية مشروعة، لكن كانت هناك جهود لإنقاذ صفقة الأسلحة للشريك الخليجي. وصرّح وزير الخارجية الأمريكية، أنطوني بلينكين، بأن الولايات المتحدة لا تزال مستعدةً لبيع طائرات مقاتلة من طراز أف35 إلى الإمارات، وكلامه أتى بعد أن هددت الأخيرة بإلغاء الصفقة، بسبب الشروط الصارمة.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، للصحافيين إن البلدين سيناقشان “الاهتمامات المشتركة” في حوارٍ عسكري في البنتاغون، في محاولةٍ “لمعالجة أسئلتهم وأسئلتنا في ما يتعلق بهذه الصفقة”. لكنه أعلن في الوقت نفسه، أن “متطلبات الاستخدام النهائي، وحماية المعدّات الدفاعية الأمريكية عالمية، وغير قابلة للتفاوض، وليست خاصّةً بالإمارات”.

الشراكة مع الصين

لطالما كانت العلاقات المتعمّقة للإمارات مع الصين تثير مخاوف تتعلق بالأمن القومي في واشنطن. وانزعجت الولايات المتحدة في العام الحالي، عندما علمت وكالات المخابرات الأمريكية أن الصين تبني سرّاً ما اشتبهت بأنه منشأة عسكرية في ميناءٍ قرب أبو ظبي، حسب ما قال أشخاص مطّلعون على الأمر، لوول ستريت جورنال.

وفي إشارةٍ إلى الاستجابة للضغوط الأمريكية، صرّح مستشار الرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، في الأسبوع الماضي، بأن بلاده أوقفت مؤخراً العمل في منشآتٍ صينيةٍ في ميناءٍ إماراتيٍّ، بعد أن أعربت واشنطن عن قلقها من أن لها أغراضاً عسكريةً، ونفت أبو ظبي أن تكون للمنشأة أي علاقة بأنشطةٍ صينيةٍ أمنية.

لكن حتى الآن، لا تزال الولايات المتحدة تثير أزمة شركة الاتصالات الصينية “هواوي تكنولوجيز”، التي تزوّد الإمارات بالبنية التحتية للاتصالات، وفقاً لوول ستريت جورنال، والتي عدّتها إحدى المشكلات التي تعرقل صفقة الأف35 للإمارات.

ولا تشير الأخبار القادمة من أبو ظبي إلى أنها ستتخلى عن هواوي، إذ وقّعت شركة “طيران الإمارات”، في آذار/ مارس الماضي، مذكرة تفاهمٍ مع الشركة الصينية، لتوسيع شراكتهما القائمة.

وقال الباحث والمحاضر في العلاقات الدولية، أنس القصاص، لرصيف22، إن الإمارات ليست لديها “أولوية إستراتيجية لتقبل بشروطٍ ضخمةٍ لتحصل على المقاتلة الأمريكية، يكون لها تأثير على اقتصادها”، مضيفاً أنها لا تريد من الأساس حرباً في المنطقة، للحفاظ على الاستقرار، ولتبقى في وضعها الاقتصادي الحالي.

ولفت إلى أن “اقتناء الإمارات للمقاتلة الأمريكية، كان بهدف الوجاهة لدولةٍ تمتلك المال، لكن يبقى أن الاقتصاد هو عنصر قوّتها، وعليه قد تتخلّى عن الصفقة إذا كانت هناك شروط كبيرة تفوق قدرتها، خصوصاً من الناحية الاقتصادية”.

في 2019، أصبحت أكبر أربعة بنوك تجارية مملوكة للدولة في الصين من حيث الأصول، هي المحرّك الرئيسي للميزانية المصرفية الكاملة لمركز دبي المالي العالمي. وفي عام 2018، قُدّر حجم الميزانية العمومية الجماعية للبنوك في الإمارات، بما يتراوح بين 170 و180 مليار دولار. وربع هذا المبلغ جاء من “الأربعة الكبار” في الصين، حسب سلمان جعفري، كبير مسؤولي تطوير الأعمال في المركز.

وقال جعفري: “الصينيون ليسوا غرباء في الإمارات، ولكنهم جزء لا يتجزّأ من الدولة. في أيّ مكانٍ ستجد ما بين 10 و15 في المئة من السكّان من الصين. ومن بين خمسة آلاف شركة صينية في الإمارات، توجد أربعة آلاف في دبي وحدها”.

وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين، في نهاية العام 2019، نحو 50.2 مليار دولار، لتصبح الإمارات مركزاً رئيسياً لإعادة تصدير المنتجات الصينية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين واشنطن وأبو ظبي في 2019، 26.5 مليار دولار.

وغرّد الخبير في الشؤون الأمنية والأكاديمي في جامعة كينغز كوليدج البريطانية، أندرياس كريغ، قائلاً: “الإمارات تظهر أن الصين هي الشريك المفضّل في عصر الذكاء الاصطناعي، والإنترنت، وعمليات المعلومات”.

ورأى الكاتب في صحيفة آسيا تايمز الصينية، ديفيد غولدمان، أن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باع ثمانين مقاتلةً إلى الإمارات، مقابل 19 مليار دولار، لتجلب ما يقرب من ضعف صافي عائدات صفقة الغوّاصات الأسترالية التي وقّعتها الولايات المتحدة بدلاً من فرنسا، وهو يعطي الإمارات مساحةً للتعامل بحرّية مع الصين”.

 مع إيران

قبيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى أبو ظبي، دعت الأخيرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لزيارة الإمارات. والتقى مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، الأسبوع الماضي، برئيسي في طهران.

وزار نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كاني، في 24 تشرين الأول/ نوفمبر 2021، أبو ظبي، لإعلان أن إيران والإمارات “اتفقتا على فتح فصلٍ جديدٍ في العلاقات الثنائية الودّية”. وكتبت صحيفة جيروزلم بوست الأسبوع الماضي، أن هذه التطورات الإقليمية الأخيرة أثارت قلق إسرائيل، إذ يقترب بعض حلفائها الجدد من عدوّتها اللدود إيران.

وفي تعليقٍ على هذا التقارب مع الصحيفة، قال موران زاغا، الخبير في شؤون الخليج في جامعة حيفا، والمعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية: “هذا مقلق للغاية لإسرائيل. هذا التقارب سيكون له ثمن. التقارب مع إيران ومع إسرائيل في وقتٍ واحدٍ لا ينفعان معاً”.

وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي لموقع “ذا ميديا لاين”، إن “إسرائيل ليست معنيةً بهذا التطور، لكنها أيضاً غير راضية عن هذا التطور… وهم (الإمارات) يعرفون جيداً أننا لا نحب هذا، ولكن لسنا بحاجةٍ إلى تطمينات”.

وقال القصاص إنه من الصعب جمع كل “الخيوط في يدٍ واحدةٍ. هذا سيكون له تكلفة في المستقبل، لذلك قد لا تستمرّ أبو ظبي في سياسة جمع المتناقضات على المدى البعيد. هي فقط استراحة إستراتيجية، لأن سياسة الاقتحام في العديد من الملفات التي تبنّتها كانت لها تكلفة اقتصادية”. 

ولفت يوئيل جوزانسكي، الزميل البارز في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، لجيروزلم بوست، إلى أن الخطوات الأخيرة تعكس أن الإماراتيين “أقرب بكثيرٍ من إيران”، وأن “على إسرائيل أن تفهم أن الإمارات لا يمكنها أن تنحاز إلى إسرائيل ضد إيران. قد يكون هناك تعاون على مستوى التحركات التكتيكية، ولكن أيّ شيء أكثر من ذلك ضدّ مصلحتهم”.

من جانبها، قالت المحللة السياسية الأمريكية، إيرينا تسوكرمان، في تغريدةٍ: “سبب آخر تم الإعلان عنه، هو معارضة إسرائيل لمشاركة الإمارات، بسبب مخاوفها بشأن الحفاظ على التفوّق العسكري في الشرق الأوسط، وهي قضية لم تتم مناقشتها علناً خلال محادثات اتفاقيات إبراهام، ولم يتم التعامل معها بشكلٍ مباشرٍ بعد ذلك أيضاً”.

وأضافت تسوكرمان: “سارعت إسرائيل والإمارات وإدارة دونالد ترامب، إلى وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية، مع تبادل العديد من الوعود، ولكن من دون إستراتيجية واضحة للتعامل مع تضارب المصالح الواضح المتعلّق بالدفاع. ولكن حتى بعد التوقيع، لم يتم تطوير دبلوماسية هادفة”.

الأسباب الحقيقة

قال شخص مطّلع على الصفقة، لصحيفة “ذا ناشينال” الإماراتية، إن “القضية لا تتعلق بعلاقات الإمارات مع الصين، بل تتعلق بمسائل السيادة في الصفقة التي أثارتها الإمارات، والتي يحاول الجانبان حلّها”.

بالرجوع إلى الأسباب التي تناولتها “وول ستريت جورنال”، فهي نقلت عن المسؤولين الأمريكيين، قولهم: “أدّت المتطلبات الفنّية والقيود التشغيلية السيادية، وتحليل التكلفة والعائد، إلى إعادة التقييم”.

وتتعلّق المتطلّبات الفنية بقضية انتزاع تقنيات فنية من المقاتلة الأمريكية عند بيعها للإمارات، مما يحافظ على التفوّق الإسرائيلي، ويمنع انتقالها إلى الصين، وفقاً لصحيفة جيروزلم بوست.

أمّا القيود التشغيلية، فهي أن يكون استخدام الإمارات للطائرة مقيّداً بتصاريح أمريكية، فلا يمكن استخدامها كما تشاء، وفقاً للصحيفة الإسرائيلية. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، ضمن تعليقه على الصفقة، إن “هناك متطلبات المستخدم النهائي… لدينا التزامات تجاه الشعب الأمريكي، وتجاه مصالح أمننا القومي، عندما ننخرط في بيع الأسلحة والأنظمة”.

وأثارت صحيفة جيروزلم بوست النقطة ذاتها، أي أن الخلاف يتعلّق كثيراً بالمستخدم النهائي، أي أن الإمارات لن تستخدمها كما تشاء، وهو القيد الذي وصفته الإمارات بالسيادي.

وفي رأي تسوكر مان، فإنه “بصرف النظر عن المخاوف الأمنية الحقيقية لإسرائيل بشأن روابط الإمارات المتنامية مع إيران، وبصرف النظر عن العلاقات التجارية الراسخة الحالية، وقلق الولايات المتحدة بشأن وصول الصين إلى الأسرار العسكرية الأمريكية، فإن بايدن واليساريين من حوله، ليسوا بشكلٍ عام أصدقاء الإمارات،

رصيف 22

===============

تحديث 18 كانون الأول 2021

———————

التايمز: لهذا تريد الإمارات إصلاح علاقاتها مع منافسيها بعد فشل النهج العسكري/ إبراهيم درويش

تناول مراسل صحيفة “التايمز” ريتشارد سبنسر أسباب لجوء “إسبرطة الصغيرة“، كما تُوصف الإمارات العربية المتحدة، إلى إصلاح علاقاتها مع جيرانها ومنافسيها في المنطقة. وقال سبنسر إن الإمارات الدولة الصغيرة الطموحة، حاولت أن تستعرض القوة العسكرية في المنطقة. وكان هدفها هو تقوية المقاومة ضد الإسلام السياسي، سواء من خلال نسخة الإخوان المسلمين أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشبكتها في كل أنحاء المنطقة.

وأشار أنه حتى تتعامل معها واشنطن بجدية تدخلت الإمارات في حربي اليمن وليبيا وأقامت قواعد عسكرية في القرن الأفريقي. وحتى أشهر قليلة كانت الإمارات تتعامل مع قطر وتركيا كدول منافسة، لكنها اليوم تحاول بناء جسور معهما وغيرهما من أعداء الأمس. وقال الكاتب إنها باتت من الدول الداعية للاعتدال وحثت إسرائيل والولايات المتحدة على تخفيف تهديداتهما لإيران وضرب المشروع النووي الذي تقوم طهران ببنائه.

ولم تعلن أبو ظبي كثيرا عما دار من محادثات بين المسؤولين الإماراتيين ورئيس الوزراء نفتالي بينيت الذي زار الإمارات هذا الأسبوع، في وقت تجول فيه وزير الدفاع بيني غانتز في المنطقة محرضا على دعم الضربات العسكرية ضد إيران في حالة فشل مفاوضات فيينا. وفي البيان النهائي عن زيارة بينيت إلى أبو ظبي لم يأت على ذكر إيران، رغم محادثات استمرت أربع ساعات مع الحاكم الفعلي لأبوظبي والإمارات الشيخ محمد بن زايد. وبدت الإمارات حذرة في مواقفها ومعارضة للضربة العسكرية، حيث نقلت وكالة الأنباء الإماراتية دعوة بن زايد إلى “الاستقرار الإقليمي” في إشارة إلى عدم دعم أي عمل عسكري في الشرق الأوسط.

ويرى الكاتب أن التغير في الموقف كان ملاحظا في طهران والتي طالبت أمريكا وحلفاءها بالمزيد أثناء الجولة الحالية من المفاوضات في فيينا، والهادفة إلى دفع الإيرانيين العودة إلى الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015 والتي حدت من نشاطات طهران النووية مقابل رفع العقوبات عنها. وقبل أسبوعين زار الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني طهران واجتمع مع المسؤولين هناك والتقى الرئيس إبراهيم رئيسي ووجه إليه دعوة لزيارة أبو ظبي. وقال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان “نحن على حافة فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة”.

ويقول سبنسر إنه لم يعرف الكثير عن مواقف الإمارات المتشددة في الداخل والخارج قبل تسريب ملفات ويكيليكس عام 2010، وأظهرت صوت الإمارات المؤثر بواشنطن في وقت خسرت فيه السعودية التي حكمها سلسلة من الحكام الكبار في العمر تأثيرها. ففي برقية تعود إلى 2009 أخبر الشيخ محمد بن زايد، وزير الخزانة تيموتي جيتنر أن إيران نووية لا يمكن احتمالها. كما أخبر باراك أوباما الذي فاز بالانتخابات أنه يتوقع عملا قويا وشديدا ضد إيران. ووصف محمد بن زايد حربا تقليدية قريبة الأمد مع إيران بأنها الخيار المفضل على تداعيات طويلة الأمد من إيران مسلحة بالأسلحة النووية.

وتغير الموقف بسبب الغموض الذي خلقته سنوات دونالد ترامب، والذي نظرت إليه دول الخليج على أنه الأمل لتصحيح سياسات أوباما وموافقته على الاتفاقية النووية وموقفه من الربيع العربي. وكل ما فعله ترامب هو أنه خرج من الاتفاقية النووية ومنح أفضليات للمستبدين في الخليج ومنهم الشيخ محمد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأرسل بوارج حربية إلى الخليج كدعم رمزي. وعندما حانت لحظة الحقيقة، وبدأت إيران باستهداف السفن الغربية في الخليج كرد على إعادة فرض العقوبات عليها، فشل ترامب بالتحرك. وقد أوقف هجوما ضد إيران قبل تنفيذه بدقائق. وفي تلك اللحظة اعتقدت الإمارات أن عليها تولي مسألة التعامل مع إيران وليس ترحيلها إلى واشنطن، فالإمارات هدف قريب للصواريخ الإيرانية، والتوصل مع طهران لمعاهدة عدم اعتداء قد تمنع الخطر عنها. وكانت الإشارة الأولى هي قرار أبو ظبي سحب قواتها من اليمن، حيث انضمت إلى السعودية في التحالف ضد الحوثيين، وهي حرب كان الجانب الإماراتي يخسرها على ما يبدو.

وفي الوقت نفسه كان مسار الحرب في ليبيا يتغير ضدها، فقد أرسلت أسلحة ومقاتلات بل ومستشارين عسكريين لدعم أمير الحرب هناك، خليفة حفتر. وخاضت تلك الحرب ضد الإسلاميين الذين قالت إن لهم تأثيرا على حكومة طرابلس. لكن حفتر أثبت أنه حليف خطير حيث شن هجوما على العاصمة طرابلس وأجبر على التراجع من قبل قوات الحكومة وبدعم من تركيا. وفي الأشهر الأخيرة وجدت الإمارات نفسها تدعم جهود السلام وأصلحت العلاقات مع تركيا رغم تعاطفها مع الإخوان المسلمين. وكانت ثمار عمليات التقارب زيارة وزير الخارجية التركي تشاوش مولود أوغلو إلى الإمارات يوم الثلاثاء. واتهمت تركيا أبو ظبي بدعم انقلاب عام 2016 الفاشل، لكنها ترغب باستثمارات الخليج لدعم اقتصادها الذي يتداعى، وتشعر الإمارات أن هذا يتناسب مع قوتها التقليدية

القدس العربي

——————

رسالة خليجيّة إلى النظام الجزائري/ خيرالله خيرالله

لا قمة عربية في الجزائر إذا أصر االنظام على شروطه

من المفيد التوقّف مجددا عند البيان الصادر عن القمة الخليجية التي انعقدت أخيرا في الرياض والانعكاس المحتمل لهذا البيان الصادر عنها على القمة العربيّة المقبلة التي يفترض انعقادها في الجزائر في آذار – مارس المقبل. كشفت القمّة الـ42 لمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة ابتعادا عن المواقف الرماديّة التي كانت تعتمد عربيّا بين حين وآخر في الماضي، خصوصا في القمم العربيّة من أجل المحافظة على وهم وحدة الصفّ العربي.

يمكن اعتبار قمّة بغداد التي انعقدت في أواخر العام 1978 تحت شعار قمة “قرارات الحد الأدنى” دليلا على نجاح الابتزاز الذي مارسه وقتذاك البعثان العراقي والسوري على العرب الآخرين. انعقدت تلك القمّة من أجل الردّ على زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس في 19 تشرين الثاني – نوفمبر 1977 وما تلا ذلك من مفاوضات وأحداث أدت إلى توقيع اتفاقي كامب ديفيد في أيلول – سبتمبر 1978.

أراد البعث، بنسختيه العلويّة والتكريتيّة، الردّ على مصر، فكانت القمّة – الكارثة التي انعقدت في بغداد. حصل ذلك في وقت كانت دول عربيّة عدّة ترفض الذهاب إلى قطيعة مع مصر التي اختارت طريق السلام، من أجل استعادة أرضها المحتلّة، بعيدا عن المزايدات والشعارات الفارغة التي لا تعني شيئا. بل تعني في الحقيقة تكريس الاحتلال الإسرائيلي للأرض كما هو حاصل في الجولان السوري منذ العام 1967.

في حال قرأ النظام الجزائري، الذي يتحكّم به العسكر، رسالة القمة الخليجيّة بدقّة لكان تخلّى عن كل المناورات التي يقوم بها هذه الأيّام مستفيدا من توفّر بعض المال له نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز. لو فعل النظام الجزائري ذلك، من أجل رفاه الجزائريين أوّلا، لما كان أطلق أركانه شعارات متناقضة في حدّ ذاتها من نوع أن الهدف من القمّة توحيد الموقف العربي. لا يمكن لشعار من هذا النوع أن يجد له مكانا على الخريطة السياسية العربيّة انطلاقا من الجزائر. فعندما يتحدّث المسؤولون الجزائريون في الوقت ذاته عن قمّة ستبحث في القضيّة الفلسطينية وقضيّة الصحراء، فإنّ أقل ما يمكن قوله إنّهم يسيئون إلى نفسهم وبلدهم أوّلا.

مجرّد الربط بين القضيّة الفلسطينية وما يسمّي قضيّة الصحراء جريمة بكل المقاييس. تخلّص المغرب من الاستعمار الإسباني لصحرائه واستعاد أرضه. قضيّة الصحراء قضيّة مفتعلة من ألفها إلى يائها. هي قضيّة من صنع النظام في الجزائر بغية متابعة حرب الاستنزاف التي يشنّها على المغرب ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بفلسطين. لو كانت الجزائر حريصة بالفعل على الصحراويين، لكانت أوجدت لهم كيانا على أرضها. فهم موجودون في شريط يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر. يمرّ هذا الشريط بجنوب الجزائر. لماذا هذا الإصرار على الاعتداء على المغرب وصحرائه بدل اعتماد المنطق والتعقّل؟

يفترض في النظام الجزائري، الذي يبدو أنّه لا يتقن سوى لعبة الهرب من أزماته الداخلية إلى التصعيد مع المغرب، قراءة الرسالة الخليجيّة جيدا. فبعد أن فتحت دول عدّة، من بينها الإمارات العربيّة المتحدة والبحرين، قنصليات لها في الصحراء المغربيّة، جاء بيان قمّة الرياض الذي يؤكّد “مغربيّة الصحراء” ليقطع الطريق على أيّ تفكير في الاستمرار في جريمة الربط بين الصحراء وفلسطين… حتّى لو كان ثمن ذلك مساعدة بقيمة مئة مليون دولار من الجزائر إلى السلطة الوطنيّة الفلسطينية التي زار رئيسها محمود عبّاس (أبومازن) الجزائر أخيرا.

إذا كان الموقف الخليجي لا يكفي النظام الجزائري، عليه التطلع إلى التغيير الذي طرأ على الموقف الألماني أخيرا. حاولت ألمانيا، أهمّ دولة في الاتحاد الأوروبي، قبل بضعة شهور ممارسة ألاعيب مع المغرب. رد المغرب فورا عن طريق تغيير طريقة التعاطي مع السفير الألماني في الرباط. استعادت ألمانيا رشدها وأيدت خطة المغرب القاضية بحلّ قضية الصحراء في إطار الحكم الذاتي الموسّع، أي أنّها اعتمدت الخيار المغربي الذي يبقى الخيار الأفضل لسكان الأقاليم الصحراوية. هؤلاء لا يتركون فرصة تمرّ، كما حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة في المملكة المغربيّة، إلّا ويظهرون فيها ولاءهم للمغرب. كانت نسبة المشاركة في تلك الأقاليم النسبة الأعلى في المملكة.

في استطاعة النظام الجزائري، الذي يبدو مصرّا على المكابرة في موضوع الصحراء، الاستعانة أيضا بموقف أربع دول أوروبيّة قرّرت تعميق التعاون مع المغرب. هذه الدول هي هنغاريا وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا التي التقى وزراء الخارجية فيها أخيرا وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في بودابست. للدول الأربع وزنها الأوروبي. يكشف موقفها أن المغرب بالنسبة إليها مدخل إلى أفريقيا وأنّ ملفّ قضية الصحراء أصبح مطويا بالنسبة إليها.

سيناور الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في الأشهر القليلة التي لا تزال تفصل عن قمّة الجزائر. مشكلة تبّون الذي زار تونس أخيرا، محاولا وضعها في الجيب، أنّه ليس سوى واجهة لنظام عسكري عانى ولا يزال يعاني من عقدة المغرب.

هل من أمل في أن يفهم النظام الجزائري أنّ لا قمة عربيّة يستضيفها في حال أصرّ على شروطه. اذا انعقدت مثل هذه القمّة لن يتمكن من تمرير الحدّ الأدنى من هذه الشروط. السبب واضح. الطفل يعرف أن قضيّة الصحراء قضيّة مفتعلة وهي حرب جزائريّة، تشنّ بالواسطة، على المغرب. معظم العرب مع المغرب. الشعب الجزائري نفسه يعرف أن النظام في ورطة ويهرب إلى خارج حدوده، لأن مثل هذا الهرب هو اللعبة الوحيدة التي يتقنها.

لعبة الهرب إلى التصعيد مع المغرب لا تنطلي على الجزائريين، بدا ذلك واضحا من خلال تصرّف الجمهور واللاعبين الجزائريين في مباراة كرة القدم بين الفريقين المغربي والجزائري في الدوحة. هناك أخوّة بين الشعبين المغربي والجزائري. لا يعترف النظام الجزائري بهذه الأخوّة لسبب في غاية البساطة. يعود السبب إلى رفضه التصالح مع شعبه أوّلا… وأخيرا.

إعلامي لبناني

العرب

——————————-

هل أنهت الرياض أمال الأسد..بالمشاركة في القمة العربية المقبلة؟/ مصطفى محمد

جاء الهجوم الدبلوماسي السعودي على النظام السوري ليؤكد مجدداً ثبات موقف الرياض من مسألة التطبيع مع دمشق، في ظل المؤشرات على توجه عربي “واسع” نحو تعويم نظام الأسد، من بوابة الجامعة العربية.

ورغم أن تصريحات المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، حول تكذيب رواية النظام السوري عن انتهاء الحرب و”انتصار النظام”، لا تشكل موقفاً سعودياً مفاجئاً، إلا أن أهميتها تكمن في توقيتها المتزامن مع تكثيف أطراف عربية ودولية لمحاولات إعادة النظام إلى الجامعة العربية من بوابة القمة العربية المقبلة في الجزائر، وكذلك مع المباحثات السعودية- الإيرانية.

ويبدو أن عوامل سياسية عديدة تضافرت حتى جعلت الموقف السعودي من النظام السوري حاداً، من بينها المعطيات عن فشل في المفاوضات السعودية-الإيرانية، إلى جانب الاستياء السعودي من محاولات أطراف عربية الدفع إلى إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، من دون تقديم أي تنازلات حقيقية من جانب الأسد.

ويقول العميد أسعد الزعبي في حديث ل”المدن” من الرياض، إن الموقف السعودي الأخير والمواقف السابقة، يؤكد رفض الرياض القاطع للتطبيع مع الأسد، حيث تقود الجزائر ومصر المحور الداعم لإعادة النظام السوري إلى الحضن العربي.

ويضيف أن الرياض بموقفها الذي عبر عنه المعلمي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الموقف السعودي من الأسد لم يتغير، ويدحض كل ما تشيعه بعض وسائل الإعلام عن توجه يخالف ذلك.

ويتفق مع الزعبي، الصحافي في “الهيئة العربية للبث الفضائي” العاملة تحت مظلة الجامعة العربية زياد الريّس الذي يقول ل”المدن”، إن “الموقف السعودي من سوريا لم يتبدل، حيث تشترط الرياض ومجموعة من الدول العربية الالتزام بقرارات مجلس الأمن، ومقررات جنيف، قبل إعادة العلاقات مع النظام السوري، وإعادته إلى الجامعة العربية”.

ويضيف أنه حتى الدول العربية التي طرحت إعادة النظام إلى الحضن العربي، ربطته بإحداث تغيير سياسي في سوريا، ما يعني وفق الريّس أن “هناك حالة من التوافق العربي على استحالة إعادة النظام إلى الحضن العربي، من دون أن يكون هناك التزام حقيقي من النظام السوري”.

وبذلك، يؤكد الريّس أن عودة النظام لن تتحقق، ما لم يُقدم النظام على تنفيذ المطالب، التي لا زالت محصورة في إطار الوعود الكاذبة، ويقول: “في المقابل لم يُظهر النظام أي مؤشر على تغيير سلوكه، وحتى اللجنة الدستورية التي لا تعتبر ركناً مهماً من الحل السياسي، هي معرقلة الآن بالتشارك مع إيران وروسيا”. 

وعلى النسق ذاته، يرى الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة أن الموقف السعودي الأخير قطع الطريق على كل التأويلات حول وجود تغيير في موقف المملكة من النظام السوري، ويوضح ل”المدن”، أن قوة الموقف السعودي تؤشر إلى مدى استياء الرياض من التجاهل الدولي للملف الإنساني في سوريا.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن بلاده لا تفكر في التعامل مع رئيس النظام السوري في الوقت الحالي، مضيفاً في لقاء مع شبكة “سي أن بي سي” الأميركية، أن “الرياض تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة”.

المعارضة ترحب

من جهتها، رحبت المعارضة السورية بما جاء على لسان عبد الله المعلمي، وعبّر رئيس الائتلاف الشيخ سالم المسلط عن شكره وتقديره لموقف السعودية الداعم للشعب السوري.

ونقل المسلط عن المعلمي أن “موقف بلاده الداعم للشعب السوري، لن يتغير”، وذلك خلال الاتصال الذي أجراه المسلط مع المندوب السعودي الجمعة.

المدن

——————

واشنطن:الأسد تذرّع بالإرهاب لقمع معارضيه..والاسهام بنمو داعش

قالت وزارة الخارجية الأميركية إن النظام السوري يواصل احتجاز وسجن معارضيه بذريعة “مكافحة الإرهاب”، مضيفةً أن “تسهيل النظام لعمل (القاعدة) في العراق ساعد في نمو (داعش) في سوريا”.

وقالت الوزارة في تقريرها السنوي حول “الإرهاب” لعام 2020، إنه “في عام 2020، كما خلال الأزمة السورية، تذرعت الجماعات الإرهابية في سوريا بانتهاكات النظام الفاضحة لحقوق الإنسان، لتبرير أنشطتها وتجنيد أعضائها”، كما “استخدم نظام بشار الأسد القوانين والمحاكم الخاصة لمكافحة الإرهاب، لاحتجاز وسجن المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والعاملين في المجال الإنساني، وغيرهم، بذريعة مكافحة الإرهاب”.

وأضافت الوزارة أن “النظام استمر في تصوير سوريا على أنها ضحية للإرهاب، ووصف جميع أعضاء المعارضة المسلحة الداخلية بأنهم (إرهابيون)، وذلك كجزء من استراتيجية أوسع مستخدمة طوال العقد الماضي”.

وتابعت أن “الميليشيات الشيعية” في العراق، وبعضها مصنّف من قبل الولايات المتحدة كمنظمات “إرهابية” متحالفة مع إيران، واصلت الذهاب إلى سوريا للقتال نيابةً عن نظام الأسد، كما توافد أعضاء حزب “العمال الكردستاني” إلى الأراضي السورية، وهم يمثلون مصدر قلق تركيا الأساسي في مسألة مكافحة الإرهاب في سوريا.

ولفتت إلى أنه تم تصنيف سوريا في عام 1979 كدولة راعية ل”الإرهاب”، وأضافت “النظام استمر في توفير الأسلحة والدعم السياسي لحزب الله، وسمح لإيران بإعادة تسليح المنظمة (الإرهابية) وتمويلها”.

وتابعت أن “علاقة نظام الأسد بحزب الله وإيران ظلت قوية في عام 2020، إذ استمر النظام في الاعتماد بشكل كبير على الجهات الخارجية لمحاربة المعارضين وتأمين المناطق”، كما أن “الحرس الثوري الإيراني ظل حاضراً ونشطاً في سوريا بتفويض من الأسد”.

وذكر تقرير الخارجية الاميركية أنه على مدى العقدين الماضيين، “موقف نظام الأسد المتساهل تجاه تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى المساعدات التي تقدمها الجماعات الإرهابية الأجنبية الأخرى أثناء الصراع في العراق، ساعد في نمو القاعدة وداعش والشبكات الإرهابية التابعة لها داخل سوريا”.

وأضاف أن “خلايا داعش بقيت ناشطة في أجزاء من سوريا، وشنّت هجمات على المدنيين والقوات الشريكة للولايات المتحدة”، كما “واصل أعضاء التنظيم في سوريا التخطيط أو الإيهام بعمليات إرهابية خارجية”.

وتابع: “على الرغم من أن داعش خسر كل الأراضي التي استولى عليها في العراق وسوريا، إن التنظيم وفروعه، واصلوا شن حملات إرهابية عالمية، وهجمات مميتة على مستوى العالم”، وذكر أن “عناصر التنظيم خارج العراق وسوريا، تسببوا في وقوع عدد من القتلى خلال عام 2020 أكثر من أي عام سابق”.

وتعليقاً على التقرير، قال وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في تغريدة: “أصدرنا تقريرنا حول الإرهاب لعام 2020، في ظل أوقات متغيرة وصعبة يعيشها العالم”. وأضاف “يقدم هذا التقرير لمحة عامة عن الجهود الدولية التي نتخذها لمكافحة الإرهاب”.

——————-

==================

تحديث 20 كانون الأول 2021

—————————-

قمة الجزائر… وشروط حضور سوريا/ إبراهيم حميدي

المزاج الذي كان سائداً قبل شهرين إزاء عمق «التطبيع العربي» مع دمشق وسرعته ومستواه، اصطدم بمعطيات عدة، ما أدى إلى إعادة وضعه على مسار شرطي، مفاده أن بعض الدول العربية أقدمت على خطوات نحو دمشق، والآن، على دمشق أن تقوم بإجراءات مقابلة تتعلق بأمور داخلية وجيوسياسة، قبل المضي قدماً بخطوات إضافية في هذا المسار. أي أن باب العودة إلى الجامعة العربية في قمة الجزائر، ليس مفتوحاً دون شروط، على الأقل في الوقت الراهن.

قبل شهرين، جرت سلسلة من الخطوات التي تركت وقعاً كبيرا في المزاج السياسي: اتصال الرئيس السوري بشار الأسد بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وتبادل زيارات أمنية وعسكرية واقتصادية، وزيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق ولقاؤه الرئيس الأسد الذي تلقى اتصالات من قادة عرب بعد «الانتخابات»، عودة أو انضمام الحكومة السورية إلى مؤسسات دولية بينها «الإنتربول»، ثم «المنظمة العربية للدول المصدرة للنفط» (أوابك)، ومحادثات وزارية عربية بمشاركة سورية.

أضيف إلى ذلك غطاء دولي، تمثل أولاً بتراجع الملف السوري لدى إدارة جو بايدن، أو خفض سقفه إلى ملفي المساعدات الإنسانية ومحاربة «داعش»، والتخلي عن نهج دونالد ترمب بـ«الضغط الأقصى»، ثم إجراء فريق بايدن محادثات مع الجانب الروسي تضمنت موافقة واشنطن على «توضيح» العقوبات وتقديم «إعفاءات» منها لأسباب إنسانية، وموافقتها على إدماج تمويل مشروعات «التعافي المبكر» ضمن قرار المساعدات الدولية «عبر الحدود» الجديد، وتوسيعها لتشمل عمليات «عبر خطوط» التماس في الداخل. أُضيفَت إلى كل ذلك، حملة روسية نحو دول عربية لحثها على «التطبيع»، وحديث جزائري عن عودة سوريا إلى الجامعة في القمة العربية المقررة، نهاية مارس (آذار) المقبل.

هذا المسار التصاعدي، يبدو أنه وُضِع على نار هادئة لأسباب كثيرة. بداية، لم يكن هناك إجماع عربي من دول رئيسية وراء خطوات اتخذت من الأردن أو دول أخرى، بل إن بعض العواصم العربية شككت في قدرة عمان على نجاح مقاربتها القائمة على «خطوة مقابل خطوة». وجرت سلسلة من الاجتماعات الوزارية العربية غير العلنية بين دول رئيسية، أسفرت على تنسيق المواقف على سلسلة عناصر: لم يكن هناك مانع أمام خطوات انفرادية اتخِذت مع تفهم لوضع الأردن الخاص باعتبارها مجاوراً لسوريا، وإن كانت هناك شكوك جدية بإمكانية «الحصول على شيء مقابل من دمشق». أما الانتقال إلى إعادة دمشق إلى الجامعة العربية، فيتطلب كثيراً من الخطوات. فنياً، يبدأ بموافقة المجلس الوزاري العربي قبل انعقاد القمة العربية في الجزائر. سياسياً، يتطلب حصول موافقة عربية من الدول العربية الرئيسية لتوفير نصاب كاف في المجلس.

هناك إدراك لأهمية عودة سوريا إلى الحضن العربي وعودة الدور العربي إلى سوريا. كي يتحقق، هناك مطالب أو توقعات واقعية لكن جدية، جيوسياسية وداخلية من دمشق، تتعلق بـ«ألا تكون سوريا جزءاً من الأجندة الإيرانية في المنطقة وملفاتها الرئيسية»، إضافة إلى إجراءات تخص تفكيك شبكات المخدرات والتعاون ضد الإرهاب، والعمل باتجاه عودة طوعية للاجئين السوريين وتحقيق تقديم بالعملية السياسية وفق القرار «2254».

جزء من هذا التصور العربي، نُقل إلى واشنطن التي تعيش حالة انقسام بين اتجاه بريت ماكغورك مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي من جهة والكونغرس من جهة ثانية. وساهمت بلورة أفكار عربية لشروط التطبيع، في تقوية مواقف المشككين في العاصمة الأميركية باتخاذ خطوات إضافية والداعين إلى التمسك بـ«قانون قيصر». وظهرت ملامح ذلك في أن وزارة الخزانة لم تستطيع الآن تقديم ضمانات كافية لمصر والأردن، للمضي قدما في تشغيل «خط الغاز العربي» واستثنائه من «قانون قيصر». كانت الوزارة قدمت ورقة سابقة، لكنها لم تقدم إلى الآن ضمانات كافية تلبي المطالب المصرية – الأردنية.

وفي موازاة ذلك، ساهمت الانتقادات التي سمعها مسؤولا الملف السوري؛ في الخارجية الأميركية إثيان غولدريش، ومجلس الأمن القومي زهرا بيل، من مبعوثي ألمانيا وفرنسا ودول عربية رئيسية، خلال سلسلة اجتماعات عقدت في بروكسل بداية الشهر الجاري، في «فرملة» الاتجاهات الأميركية «الواقعية»، فانتقل الخطاب العلني إلى منحى تصاعدي؛ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان موقف واشنطن أنها «لن تطبع مع دمشق» أو «ضرورة الحصول على ثمن من دمشق». لكن أصبح الآن، أن واشنطن «تشجع الجميع على عدم التطبيع»، و«عدم إرسال الرسائل الخاطئة» إلى دمشق، إضافة إلى رعاية البعثة الأميركية مع بعثات أخرى جلسة علنية في مجلس الأمن عن موضوع المساءلة، وتشكيل لجنة في الجمعية العامة عن المفقودين في سوريا.

كما رفض الأميركيون الدخول مع الجانب الروسي في مفاوضات سياسة تخص سوريا، وقالوا إن موضوع رفع العقوبات عن دمشق ليس على طاولة الحوار بين واشنطن وموسكو، المحصور حالياً بملفي المساعدات الإنسانية والوجود العسكري شرق سوريا. الجانب الأميركي يراهن على تمديد روسيا للقرار، في بداية الشهر المقبل، لستة أشهر أخرى، وهو مستعد لدعم مشروعات «التعافي المبكر»، والمساعدات «عبر الخطوط»، لكن التنازلات الأكبر باتت مرتبطة أكثر بتنسيق مع لندن وباريس وبرلين وعواصم عربية.

كل هذه المؤشرات لا تعني أبداً العودة إلى السياسة القديمة في العقد الماضي. وأوضح أن هناك قطيعة لدى إدارة بايدن مع «بناء الأمم» و«تغيير الأنظمة»، لكن الإشارات الجديدة الآتية من عواصم عربية وأوروبية وواشنطن، تشير إلى أن «طي صفحة الماضي ليست مجانية». مثلما على الآخرين قراءة الواقع السوري، على دمشق قراءة الواقع في سوريا والإقليم. لكل شروطه ومتطلباته، وهذا ما يفتح الباب لاختبار جدي لمقاربة «خطوة مقابل خطوة».

الشرق الأوسط

——————————

===================

تحديث 28 كانون الأول 2021

——————

أمل الأسد في القمة بات سرابا/ أحمد مظهر سعدو

لا يبدو أن كل الجهود المبذولة من قبل بعض دول النظام الرسمي العربي، من أجل إعادة تأهيل النظام السوري وإعادته إلى اجتماعات القمة والجامعة العربية بشكل عام، قد آتت أكلها، وقد باءت بالفشل تحركات عربية عديدة حاولت خلال الأشهر الماضية الوصول إلى توافق رسمي عربي كمقدمة لولوج نظام بشار الأسد مرة جديدة في جامعة الدول العربية.

فالكثير من المعطيات دفعت وتدفع العرب والسعودية منهم إلى رفض واستمرار دحض عملية تعويم بشار الأسد وهو ما تجلى بشكل واضح من خلال كلمة عبد الله المعلمي مندوب المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة خلال إلقائه كلمة حول حقوق الإنسان في سوريا.

ويتساءل بعض المراقبين لماذا يتمظهر اليوم هذا الموقف السعودي ومن ثم العربي وعبر هذا الخطاب السياسي الناري في مواجهة إعادة تأهيل الأسد، (بشار الأسد الذي يقف فوق جماجم الأبرياء)، بعد أن ظن الكثير أن إعادة بشار إلى الجامعة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول التنفيذي. ما أسبابه وكيف انقلبت الأمور أو تمظهرت على هذا الشكل عبر موقف حاد وقاطع بعدم الموافقة على إعادة الأسد إلى اجتماعات الجامعة، ثم إعادة وصفه بكل النعوت التي تعبر عن حقيقته، فيقول المعلمي “لا تصدقوهم إن قالوا إن الحرب انتهت، ولا حاجة لقرارات الأمم المتحدة. لا تصدقوهم، فالحرب لم تنته بالنسبة لألفي شهيد أضيفوا هذا العام إلى قائمة الشهداء الذين يزيد عددهم على 350 ألف شهيد”.

كما عبر  المعلمي عن رفض العمل المشترك مع نظام الأسد تحت أية صورة، وهو الذي مازال يقتل شعبه ويعتقل الكثير منهم، في دعوى عربية صريحة إلى العالم لعدم تصديق كل ما يقوله هذا النظام القاتل لشعبه.

ويمكننا تأطير بعض المحددات التي أوصلت حال وأحلام النظام السوري إلى السراب، وهو الذي كان يتوقع مع حليفيه إيران وروسيا أنه قادم إلى القمة القادمة في الجزائر خلال شهر آذار/ مارس المقبل. نذكر من هذه المحددات:

– المعطيات المسربة والتي تعبر عن فشل في المفاوضات السعودية-الإيرانية، التي تمت متابعتها في بغداد عبر الوساطة العراقية، والتي أرادت السعودية منها لجم الدور الإيراني في اليمن والمنطقة، من دون قدرة على الوصول إلى توافقات بهذا الشان، فقد بقيت السياسة الإيرانية متمسكة بدورها ووجودها العسكري وأطماعها في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وعدم التراجع قيد أنملة عن أي دور لها في اليمن، الذي بات يهدد أمن المملكة بشكل جدي، ويساهم في إقلاق الأمن الوطني السعودي برمته.

– الاستياء السعودي الكبير والمتواصل من محاولات أطراف عربية على رأسها الجزائر ومصر الدفع إلى إعادة النظام السوري نحو الجامعة العربية، إذ تقود الجزائر ومصر المحور الداعم لإعادة النظام السوري إلى الحضن العربي، من دون تقديم أي تنازلات حقيقية من جانب الأسد، ودون ملامسة الشروط العربية والدولية التي حددت ماهية أي عودة تأهيلية للنظام السوري كي يكون له دور في الوضع الإقليمي والعالمي، قبل أن يقبل ويلج فعليًا في سياق القرارات الأممية الخاصة بسوريا، بينما يستمر هذا النظام في تعنته وعدم تحركه إلى الأمام ضمن أية مفاوضات حصلت أو يمكن أن تحصل في جنيف/ اللجنة الدستورية، أو غيرها من المسارات الأممية نحو الانتقال السياسي السلمي في سوريا.

– كما جاء الموقف السعودي الواضح والقوي بعد القمة الخليجية التي عقدت مؤخرًا، والتي قيل إنها كانت بسمات توافقية عالية، على غير ما جرى في قمم سابقة، ومن ثم فإن التوافق السعودي والقطري كان كبيرًا حول مسألة رفض عودة نظام الأسد إلى الجامعة، قبل أن يدخل فعليًا في العملية السياسية نحو الانتقال السياسي في سوريا.

الموقف السعودي الواضح جاء بعد القمة الخليجية الأخيرة التي تبين منها التوافق الخليجي حول عدم القبول بتعويم الأسد حتى يبدأ في العملية السياسية وهو الذي مازال يعرقل أي حراك على طريقها، منذ زمن بعيد، ومن خلال الدعم الروسي والإيراني غير المحدود له في هذا السياق.

– إضافة إلى الموقف الأميركي والأوروبي الذي مازال جادًا في عدم السماح بقبول النظام السوري عربيًا، وهو الذي مايزال غير قابل بأي بوادر للحل السياسي وتحقيق أي تقدم بالعملية السياسية وفق القرار «2254». بل يستمر في المقتلة ضد السوريين، حيث تتحرك الدوائر الأميركية مؤخرًا من أجل الوصول إلى الكشف عن مصادر دخل وأموال وثروات بشار الأسد وعائلته، وهو قانون أميركي أصبح حقيقيًا عبر مروره السهل في مجلس النواب الأميركي. وهو يشير إلى موقف أميركي جديد لإدارة بايدن التي كانت رخوة في التعاطي مع المسألة السورية خلال الأشهر السابقة، حيث سرى اعتقاد لدى المتابعين من أن السياسة الأميركية، قد تراجعت عن قانون قيصر ومنتجاته، وأنها ذاهبة باتجاه السماح لإعادة تأهيال النظام السوري، بعد أن سمحت لكل من حكومة الأردن والإمارات العربية المتحدة، في عملية التعاطي مع الأسد ضمن أسس ومصالح متواترة في المنطقة.

– علاوة على ذلك تبين أن النظام السوري صمّ آذانه مجدداً أمام دعوات عربية كثيرة وشروط عربية لفك ارتباطه مع الإيرانيين، خاصة أنه بات مرتبطًا بشكل كبير بالمشروع الإيراني في المنطقة وتمدداته، بل هو غير قادر على فك الارتباط بمشروع إيران في المنطقة العربية، وهو الذي باع سيادة الوطن السوري إلى إيران وروسيا وسواهما على قارعة الطريق.

هناك مطالب جدية، جيوسياسية وداخلية من دمشق، تتمثل بـ”ألا تكون سوريا جزءاً من الأجندة الإيرانية في المنطقة وملفاتها الرئيسية ومشاريعها»، وهو ما لا يبدو أنه سيحصل أو يمكن أن تقبله السلطات في سوريا.

 – تصر السلطات السورية على عدم وضع إجراءات صارمة وحقيقية تخص تفكيك شبكات المخدرات والتعاون ضد الإرهاب، حيث ما برح النظام السوري وأدواته الأمنية والتشبيحية يرسل شحنات المخدرات باتجاه دول الخليج، حيث لا يمر أي شهر أو أقل من دون الكشف عن شحنات مخدرات قادمة من سوريا أو لبنان لتخريب البنية المجتمعية السعودية والخليجية. وهو ما يقلق كل الحكومات الخليجية، وتعتبر ذلك عملًا عدائيًا مباشرًا ضدها وخاصة المملكة العربية السعودية.

إذًا ووفق هذه المعطيات والقراءات سيبقى باب العودة (عودة النظام السوري ) إلى الجامعة العربية عبر قمة الجزائر، موصدًا وليس مفتوحاً دون شروط، على الأقل في الوقت الراهن، ومن خلال المعطيات الموضوعية التي أشرنا إليها، فإن الموقف العربي الرسمي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة قطر بل وأكثرية النظم الرسمية العربية، ضمن عملية اتكاء إلى الموقف الأميركي بالضرورة، غير قابل لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، حتى لو تم الاضطرار إلى تأجيل جديد للقمة المرتقبة في الجزائر، أو جرى تغيير مكان انعقادها/ من دولة الجزائر إلى دولة عربية أخرى.

تلفزيون سوريا

————————–

 مقعد سورية في الجامعة العربية: تباين بين مصر والسعودية القاهرة

قال مصدر دبلوماسي مصري سابق، إن موقف القاهرة من النظام السوري “ثابت وعميق ولن يتغير، بناء على موقف أي من الأطراف العربية الأخرى، لا سيما المملكة العربية السعودية”، وذلك في إشارة لهجوم سفير المملكة في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، الخميس الماضي، على النظام السوري.

وكان تصريح المعلمي وجّه ضربة قوية لمحاولات أطراف عربية فكّ العزلة التي يعيشها هذا النظام منذ مطلع العام 2012، وصعّب مساعي دول عربية لإعادة نظام بشار الأسد إلى حضن الجامعة العربية العام المقبل.

وأكد المصدر الدبلوماسي المصري، في حديث خاص لـ”العربي الجديد”، أن “العلاقات بين الدولة المصرية، أياً كان من يقودها، وبين النظام البعثي في سورية، قوية وتاريخية ومتجذرة، ولا يمكن التنازل عنها لصالح أي تحالفات جديدة. لأن المصالح القومية المصرية العليا، وفق الرؤى الرسمية، تقتضي ذلك”.

العلاقات بين مصر وسورية لا تتغير

وأوضح أن العلاقات التاريخية بين مصر و”سورية البعث” هي “علاقات أجهزة استخباراتية قديمة، منذ تأسيس حزب البعث السوري، وهي علاقات لا تتغير بتغير الحكم في مصر. ولذلك فإن الدولة المصرية ستظل حريصة كل الحرص على مسألة إعادة سورية إلى الجامعة العربية قريباً، مهما كان توجه الحلفاء الخليجيين، وعلى رأسهم السعودية”.

وقال المصدر إن شن المعلمي، الخميس الماضي، هجوماً حاداً ومباشراً على النظام السوري، في كلمة خلال جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة خُصصت لمناقشة قضايا حقوق الإنسان في بعض دول العالم، ومن بينها سورية، هو تعبير عن “موقف شخصي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”.

وأوضح أنه كان لبن سلمان “أكثر من مرة، مواقف مختلفة، حتى عند وجود شبه إجماع عربي خليجي حول قضية معينة. من ذلك أنه عندما زار مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، العاصمة الإيرانية طهران، واستقبله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قام محمد بن سلمان بجولة خليجية، شملت سلطنة عمان، ومملكة البحرين، وكان على رأس جدول أعماله، برنامج إيران النووي والصاروخي، بكافة مكوناته وتداعياته”.

‏وتعليقاً على التقارب المصري السعودي الأخير، وتشكيل لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين البلدين، والتي اختتمت اجتماعاتها، قبل أيام في القاهرة، برئاسة وزيريّ الخارجية المصري سامح شكري، والسعودي فيصل بن فرحان، بحضور وفدَي البلدين، والتي جاءت بعد أيام قليلة من تدشين آلية التشاور بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي بالرياض أخيراً، قال المصدر إن “المواقف الرسمية المصرية المعلنة غالبا تكون متوافقة مع مواقف المملكة”.

وأضاف “لكن الحقيقة عادة ما تكون مختلفة، مثل تأكيد مصر الدائم على أن أمن الخليج من أمن مصر، في إشارة إلى إيران. لكن في الحقيقة تحاول القاهرة الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران. وكذلك بالنسبة لسورية، فإن مصر تؤكد في تصريحاتها الرسمية وقوفها إلى جانب الشعب السوري، لكن الحقيقة أن القاهرة تدعم النظام الحاكم، وهكذا”.

القاهرة لن تتنازل عن دعمها للنظام السوري

وأوضح المصدر أن سياسة القاهرة تجاه المملكة هي “التوافق الظاهري تجاه القضايا الحساسة مثل العلاقات مع إيران، والعلاقات مع نظام الأسد، ثم الرهان على عامل الزمن بعد ذلك. إذ إن القاهرة لن تتورط بطبيعة الحال في أي صدام مع إيران، كما أنها لن تتنازل عن موقفها الداعم للنظام السوري، ومحاولات إعادته للجامعة العربية”.

وقال المصدر إنه في مقابل ذلك، تقوم القاهرة بتحركات مكثفة، خلال الفترة الراهنة،على صعيد الأزمة اليمنية، في محاولة لتقديم يد العون للسعودية، باستخدام علاقتها الجيدة بجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) من جهة، واتصالاتها مع الإيرانيين من جهة أخرى، وبذلك توازن علاقاتها مع المملكة.

وكان المعلمي شن، الخميس الماضي، هجوماً حاداً ومباشراً على النظام السوري. وأشار إلى أن رئيس النظام بشار الأسد، أعلن انتصاره في الحرب الدائرة في سورية “فوق هرم من جماجم الأبرياء”.

وقال المعلمي: “لا تصدقوهم إن قالوا إن الحرب انتهت، ولا حاجة لقرارات الأمم المتحدة… لا تصدقوهم، فالحرب لم تنته بالنسبة لألفي شهيد أضيفوا هذا العام إلى قائمة الشهداء الذين يزيد عددهم على 350 ألف شهيد”.

ووجدت الكلمة السعودية ترحيباً كبيراً من قوى الثورة والمعارضة السورية، كونها تضع حداً لتكهنات راجت، في الآونة الأخيرة، عن قرب تطبيع المملكة مع النظام، على غرار ما فعل كل من الأردن والإمارات.

وشكلت كلمة المندوب السعودي في الأمم المتحدة رسالة واضحة إلى كل البلدان العربية التي خطت باتجاه التطبيع مع نظام الأسد، برفض الانفتاح على هذا النظام قبل تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، والتي يرفض النظام التعامل معها بجدية منذ منتصف عام 2012.

كما طرح الكلام السعودي تساؤلات عما إذا كان سيضع حداً لمساع تبذلها دول عربية، لدعوة النظام إلى القمة العربية المزمع عقدها في الربع الأول من العام 2022 في العاصمة الجزائرية.

حديث السعودية عن نظام الأسد يحرج مصر

وقال الدبلوماسي المصري السابق، إن حديث السعودية عن نظام الأسد “سيتسبب، بطبيعة الحال، في إحراج لمصر، التي تسعى جاهدة، إلى جانب الجزائر، لإعادة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية”.

وأضاف أن “المساعي المصرية الجزائرية كادت أن تنجح، في ظل توافق إقليمي ودولي داعم لإعادة سورية. وفي الوقت التي كانت فيه دولة قطر تقف وحيدة في مواجهة تلك المحاولات، فإن الأمر اختلف الآن، مع إعلان السعودية الواضح في الأمم المتحدة المناوئ لنظام الرئيس بشار الأسد”.

وأكد أن “السعودية تُعتبر قوة كبيرة داخل جامعة الدول العربية، وموقفها من النظام السوري سوف يؤثر على أي قرار محتمل بشأن إعادة مقعد سورية”.

وكانت مصادر مصرية خاصة قالت، في وقت سابق لـ”العربي الجديد”، إن هناك اتصالات غير معلنة تجري، بشأن مصير مقعد سورية في الجامعة العربية قبل القمة العربية المقبلة، المقرر انعقادها في الجزائر في مارس/آذار المقبل.

وأوضحت المصادر أن مصر تقود تيار عودة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، خلال القمة المقبلة. وقالت إن “القاهرة تتبنى حسم الملف، بحيث إذا لم يتم التوصل لتمثيل النظام السوري بالقمة المقبلة، على الأقل يكون هناك توافق بشأن حسم عودة سورية لمقعدها بالجامعة، من خلال طرح الملف على القمة المقبلة، ويتم التصويت عليه”.

العربي الجديد

—————————

==================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى