شعر

يكفي أن أقولَ هذه الأشياء القليلة/  مدفي يانكيليفيتش

——————-

سِجنُ الشتاء: ضبابٌ، العناوينُ التي أكتُبها لكي أقرأها،

كلُّ ليلةٍ أقصرُ مِنْ أَنْ أكتُبَ تلك الرسالة التي تُفَضِّلينَ

ألّا أكتُبَها. هنا الصّراعُ بلا جدوى يَستَحِقُّ وقتي، أَشُقُّ

التّراخي اللَّحوح، الخمولَ اليائس. لِأُغَنّي

بلا نَغَمٍ، بِتَجريدٍ مَجازيّ: المُنتَجُ

الصَّوتِيُّ لِرَبطيَ حذائي. الآن، عندما أندَفِعُ لتغيير

كَلِمَةٍ، صِرتُ أتركُها، ليسَ – يا صاحبي الشَّكوك –

حُبَّاً لها كما هي، إنّما من مَلَلٍ حَقيقيّ،

لكي تَشعُرَ أنتَ أيضاً بذاك الثِّقَل، وبهذا الضَّجَر.

■ ■ ■

مَهَمَّتي، صليبي – أن أُعيدَ تجميعَ ذكرى

الشتاء؟ كلُّ إظفَرٍ، كلُّ مربَّعٍ

على قميصي، كلُّ ضمَّةِ نَسجَةٍ، كلُّ المَسامِ،

وكلُّ كوز؟ – تَنغَلِقُ الأبوابُ أمامَ تحقيقي،

فأنسى متى تقابلنا أوّل مرّة.

لِمَ أطلُب الخِتام، وليس أيُّ شيءٍ نهائيّاً؟

نظامُ لوحة البيانات تَعطَّل. ما عادوا يعلِّمون الخطَّ المائل…

مع ذلك أذوقُ الحديد في الجوزة.

ولأنّي أقرأ قليلاً جداً وببطء جداً،

لا تنثني اللّفَّاتُ إلّا لمَن كُنْتُهُ من جديد،

فتبدو مثل عادة. قد ذاع صيتٌ بأنّي

كتَبْتُ نَصائِحَ ضارّة للزُّناةِ،

أفحَصُ النَّثر في الدفتر بحثاً عن قوافٍ خَفِيَّة،

عيوبي تتخفّى بمظهر الفشل اللّامنطقيّ،

جريمةٌ تتخفّى بمظهر الغلَط. قُل ليَ الآن

أين الطريقُ، أيها الرّحالةُ المسكينُ، إلى الشَطّ؟

■ ■ ■

إنّهُ الشتاء – وقتُ الكتابَةِ

لِلْمُحتَضِرين. هل سأقولُ

أعرِفُ كيف تَشْعُرون؟ أفكاري مَعكُم

توم، توماج. بالكاد عرفتكم. ليس

لديكم فكرةٌ عن مدى ضياعي

بالنسبة إليكم في ساعتكم. لا

وقتَ للنَّظر إلى الوراءِ وحتّى لَو كان –

هذا ليسَ وقته. لا أبطالَ

يَزورونَني في الأحلام بزوارق مسحوبة،

في رياح الخديعة الخضراء والعميقة.

    قُل ليَ الآن أين الطريقُ أيها الرّحالةُ المسكين؟

■ ■ ■

يأتي الشتاءُ مُنادياً وأنا في

إجازة، على الردّ الآلي،

إلى آخره – الكتاب لَمْ يُنجَز بعد،

البريد مكوَّم كالثلج.

فجأة تبدو الحياة قصيرة،

فقط هذا الزَّبد المتفسخ،

هذه الهيئَةُ التي لَمْ تَتْرك قطعةً منها –

قد لا تعودُ هناك فرصةٌ للتَّغيُر

أو لِلكَفافِ عن التَّغيُر. دفتري الأزرق

حزينٌ ومعاصر. لذا، لو كتبتُ

الذَّاتُ قشِّيَّةٌ – طيِّب، ولكنْ، اشطُب

ذلك البَيت. يقولون إنَّه لا يمكنكَ تحريرُ

الشعر، ولكن أنا أقول، مَنْ يكترث. 

(من مجموعة “شتاء ميّت”، 2022)

الصورة

غلاف الكتاب

غلاف كناب “شتاء ميت”، (2022)

■ ■ ■

لا ثلجُ الربيعِ ولا الشتاءُ لا يَعرِفان

متى يذهبان. الكلابُ مثل الأطفالِ أو

بالعكس. أتساءلُ صراحةً،

أتركُ المزيدَ من الأشياء. أو أكثرَها.

ولكن لِمَ قد تسمو بما تَبَقّى

إلى موسيقى؟ الشِّعرُ ليسَ أكثر

من صنف، والتَّجريبُ أسلوب –

لديهم قصائدُ رعب / كوميديا

بأسعار مغرية. لا أشتري لنفسي –

صنفاً آخر؛ جَرِّب

مقاسه. القيودُ تصنع النَّفس،

بعضُ الفارّينَ يحتاجون أن يشعروا بغِلالها.

هل تستطيع الوصول إلى ماذا؟ تفضَّل،

انْبَسِط بينما أنا أشتَغِل.

■ ■ ■

إنّهُ الشتاء – طريقةٌ للبدء

بلا شَكل – ليس في دفتَرٍ ضيّق،

ضيّقٍ في الضوء. تَستَقبِلُني حشرَةٌ سمينةٌ بُنيّةٌ

عند الباب – من يَدري منذُ متى

وهي نصفُ ميّتة (أو ميّتة تماماً، في الحقيقة):

ها هيَ مِنَ مقشّة الغُبار إلى البَلّوعةِ الجارية،

مثلُها مثل اللُّغةِ المُتَفذلِكَة. ليَ هذا الكلامُ الأعوَج

غِمدُ تجارَتِنا وسيفها

الذي يضمَنُ الرِّبحَ: أُفَضِّلُه

على التظاهُرِ بالطّبيعة – دَعهُ يرنُّ

أكثرَ طالما أنّ الـ دُم-دُم-دُم هي مَنزلُه،

جرَسٌ منحوسٌ من المعركةِ ينادينا لكَي نَرجع

إلى ذاتِ مكتَبِ قصائد الشتاء.

■ ■ ■

في الشتاء أبدأُ مِنْ جديد، أصيرُ

متغَطرِسَةً (pretentsiózen)، وعندما أرجِعُ إلى بيتي

ليَستَقبِلَني سجِلُّ وصوليَ

النّاجح إلى العالم، أحتَفي

بنفسي بأكثرَ النّبيذات عاديَّةً

لكي أتمكَّن مِنَ الانقطاعِ عن

الثرثرَة. يتراكمُ ضغطٌ وراء

العينَين. يُصَفِّر الإبريق، ينقَطِعُ

المُسَجِّل. ليس عليّ أن أَنشُرَ هذه،

سأرميها فحسبُ لأنني كنتُ جيّداً

وَقد نِمتُ لوحدي ولَم يَلمِسني

شيءٌ، ولا حتى أغنيةُ العصفور، ولا

الأصدقاءُ، ولا الثَّلجَةُ الأولى على الأرصفةِ

الأثَريَّة، فَقَط الإسمنتُ البارد

أَشعُر بِه مِنْ نَعلِيَ الرّقيقِ في المخزَن

حيثُ تَعمَلُ نِصفُ الأضواء فقط. أَجلِبُهم

معي إلى حيثُ نَسِيتُ

أن أُكمِلَها، حيثُ

يكفي أن أقولَ هذه الأشياء القليلة.

■ ■ ■

إنّهُ الشتاء، لوحٌ رماديٌّ للقَدَر

لرَغبَةِ الرغبة، أنْ تكونَ أصغَر…

الذّكرى السنوية قادمة. شبحُ

مَنْ سينظرُ من أعلى كتفي الآن

وأنا أَحْلِقُ؟ رُوي كانَت مُحِقّةً: الحبُّ

شَرٌّ حقاً. بعد خمسين عاماً، من يحتاجهُ –

الحريَّةُ، الشِّعرُ – رغم أنّه بدا ضرورياً

ذات مرة. الفواتير والكتب

تُكَركِبُ المكتَب. شاهِدني أحرِّك أصابع

سحريَّةً فوق دفتري الطبشوريّ. هذا

لي، إنَّهُ قصيرٌ جداً.

(من مجموعة “مِنْ دفتر شِتاء”، 2019)

* ترجمة عن الإنكليزية: أنس طريف

بطاقة

Matvei Yankelevich شاعر ومترجم روسي من مواليد موسكو 1973. هاجر إلى الولايات المتحدة في سن الرابعة، حيث استقر في بروكلين، وساهم في عام 1993 في تأسيس مجلة “أغلي دوكلينغ”. حالياً يقوم بالتدريس في كلية الفنون بـ”جامعة كولومبيا” الأميركية، و”كلية بارد للفنون”. ساهم في ترجمة العديد من كتب الأدب الروسي إلى الإنكليزية. القصائد المترجمة هي من أعماله الشعرية: “مِنْ دفتر شِتاء” (2019)؛ “شتاء ميّت” (2022/ الغلاف).

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى